المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابُ الْمُسَاقَاةِ) (1) هي مُفاعَلةٌ من السَّقْيِ؛ لأِنَّه أَهَمُّ أَمْرِها، وكانت النَّخلُ - المبدع شرح المقنع - ط ركائز - جـ ٦

[برهان الدين ابن مفلح الحفيد]

فهرس الكتاب

(بَابُ الْمُسَاقَاةِ)

(1)

هي مُفاعَلةٌ من السَّقْيِ؛ لأِنَّه أَهَمُّ أَمْرِها، وكانت النَّخلُ بالحِجاز تُسْقَى نَضْحًا؛ أي: من الآبار، فيَعظُمُ أمْرُه، وتَكثُرُ مَشَقَّتُه

(2)

.

وهي عِبارة: أنْ يَدفَعَ إنسانٌ شَجَرَه إلى آخَرَ لِيَقُومَ بسقيه، وما يَحْتاجُ إليه، بجُزْءٍ معلومٍ له من ثَمَره، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وليس بجامِعٍ؛ لِخُروج ما يَدْفَعُه إليه لِيَغْرِسَه ويَعْمَلَ عليه، ولا بِمانِعٍ؛ لِدُخولِ ما لَه ثمرٌ غَيرُ مَقْصودٍ؛ كالصَّنَوْبَرِ.

والأصلُ في جَوازها السُّنَّةُ، فَمِنْها: ما رَوَى ابنُ عُمَرَ قال: «عامَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أهلَ خَيبَرَ بشطر

(3)

ما يَخرُج منها من ثَمَرٍ أوْ زَرْعٍ» مُتَّفَقٌ عليه

(4)

، وقال أبو جَعْفَرٍ: «عامَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أهْلَ خَيْبَرَ بالشَّطْر، ثُمَّ أبُو بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمانُ، ثُمَّ عَلِيٌّ، ثُمَّ أهلوهم

(5)

إلى اليوم يُعْطُون الثُّلُثَ أوِ الرُّبُعَ»

(6)

، وهذا عَمِل به الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ ولم يُنكَرْ، فكان كالإجْماع.

(تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ فِي النَّخْلِ)، وعليه اقْتَصَرَ داودُ، (وَكُلِّ

(7)

شَجَرٍ لَهُ ثَمَرٌ مَأْكُولٌ)؛ لأِنَّ الحاجةَ تدْعُو إلى ذلك؛ لأِنَّ كَثيرًا من النَّاس لا شَجَرَ لهم، ويَحْتاجُونَ إلى الثَّمَر، ففي تَجْوِيز المساقاة دَفْعُ الحاجَتَينِ، وحُصولُ المنفعة

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

(2)

في (ق): ويكثر سقيه.

(3)

في (ح): بشرط.

(4)

أخرجه البخاري (2328، 2329)، ومسلم (1551).

(5)

في (ح): أحلوهم.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (21231)، ومن طريقه ابن حزم (7/ 48)، قال ابن القيم:(وهذا أمر صحيح مشهور). ينظر: تهذيب السنن 2/ 131.

(7)

في (ح): وفي كلِّ.

ص: 5

لهما، فجاز كالمضارَبة.

والمنتَفَعُ به: كالمأْكول.

ومُقْتَضَى ما ذَكَروهُ: أنَّها لا تَصِحُّ على مَا لا ثَمَرَ له؛ كالحَور

(1)

، أوْ له ثَمَرٌ غَيرُ مَقْصودٍ؛ كالصَّنَوبَر، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه؛ إذْ لَيسَ مَنصوصًا عليه، ولا هو في مَعْنَى المنصوص.

لكِنْ إنْ قُصِدَ وَرَقُه كالتُّوت، أوْ زَهْرُه كالوَرْد؛ فالقِياسُ جَوازُه؛ لأِنَّه في معْنَى الثَّمَرة؛ لكَونه يتكرَّر كلَّ عامٍ، ويُمكِنُ أخْذُه، وقد يُقالُ: إنَّ النُّصوصَ تشمله

(2)

.

(بِبَعْضِ ثَمَرَتِهِ)؛ أيْ: بِجُزْءٍ مُشاعٍ؛ كالثُّلُث ونحوِه؛ للخَبَر، لا عَلَى صاعٍ، أَوْ آصُعٍ، أوْ ثَمَرَة نَخْلَةٍ بِعَينِها؛ لِمَا فيه من الغَرَرِ؛ إذْ يَحْتَمِلُ ألاَّ يَحصُلَ إلاَّ ذلك، فيتضرَّرُ المالِكُ، أوْ يَكْثُرُ الحاصِلُ فيتضرَّرُ العامِلُ، وتكون

(3)

التَّسْمِيةُ له؛ لأِنَّ المالِكَ يَسْتَحِقُّ بالأصل.

ومُقْتَضاهُ: أنْ تكونَ

(4)

من تلك

(5)

الثَّمرةِ، فلو شَرَطَ له ثَمَرَ نَخْلٍ غَيرِ الَّذي سَاقَاهُ عليها، أوْ ثَمَرَةَ سَنَةٍ غيرِ الذي ساقاهُ عَلَيها؛ لم يَصِحَّ؛ لِمخالَفة مَوضُوعها، ولا فَرْقَ فيه بَينَ السَّقْي والبَعْل عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُها.

أصلٌ: لا يُقالُ: ابنُ عَمَرَ قد رَجَعَ عمَّا رَوَى لقوله

(6)

: «كُنَّا نُخابِرُ أرْبَعينَ

(1)

في (ح): كالجوز. والحور: شجر له خشبة يقال لها: البيضاء. ينظر: لسان العرب 4/ 220، كشاف القناع 4/ 826.

(2)

في (ح): المنصوص تشتمله، وفي (ق): المنصوص يشمله.

(3)

في (ح): وبكونه.

(4)

في (ق): أن يكون.

(5)

في (ق): ملك.

(6)

زيد في (ح): في.

ص: 6

سَنَةً حتَّى حَدَّثَنا رافِعُ بنُ خَدِيجٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن المخابَرة»

(1)

؛ لأِنَّه لا يجوز حَمْلُ حديثِ رافِعٍ على ما يُخالِفُ الإجْماعَ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَزَلْ يُعامِلُ أهلَ خَيبَرَ حتَّى مات، ثُمَّ عَمِل به الخُلَفاءُ، ثم

(2)

مَنْ بَعْدَهم، فكيف يُتَصَوَّرُ نَهْيُه عليه السلام عن ذلِكَ.

وقد رَوَى طاوُسٌ: أنَّ أعْلَمَهم - يَعْنِي: ابْنَ عَبَّاسٍ - أخْبَرَ أنَّه صلى الله عليه وسلم لم يَنْهَ

(3)

عَنْهُ، وقال: «لأن

(4)

يَمْنَحَ أحدُكم أخاهُ أرْضَه؛ خَيرٌ له من أن يأخُذَ عَلَيهِ أجْرًا معلومًا» مُتَّفَقٌ عليه

(5)

.

ثُمَّ حديثُ رافِعٍ محمولٌ على ما قُلْنا؛ لِمَا رَوَى البُخاريُّ بإسْنادِه قال: «كنَّا

(6)

أكثرَ الأنصار حَقْلاً، فكُنَّا نُكْرِي الأرضَ على أنَّ لنا هذِهِ ولَهُم هذِهِ، فربَّما أخْرَجَتْ هذِهِ ولم تُخرِجْ هذِهِ، فنهانا عنه، فأمَّا الوَرِق فلم يَنْهَنا»

(7)

.

ورُجوعُ ابنِ عُمَرَ يَحتَمِلُ: أنَّه رَجَعَ عن شَيءٍ من المعامَلاتِ الفاسِدةِ، معَ أنَّ فِيهِ اضْطِرابًا، قال الأثْرَمُ: سَمِعتُ أبا عبد الله يُسأَلُ عن حديث رافِعٍ، فقال: يُرْوَى فيه ضُروبٌ، كأنَّه يُريدُ اخْتِلافَ الرِّوايات عنه

(8)

.

(وَتَصِحُّ) من كلِّ جائز التَّصرُّف، (بِلَفْظِ الْمُسَاقَاةِ)؛ لأِنَّها مَوضُوعُها حقيقةً، (وَالْمُعَامَلَةِ)؛ لِقَوله:«عامَلَ أهلَ خَيبَرَ» ، (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا)؛ كَ: فَالَحْتُكَ، و: اعْمَلْ في بُسْتانِي هذا حتَّى تَكمُلَ ثَمَرَتُه؛ لأِنَّ القَصْدَ

(1)

أخرجه بنحوه مسلم (1547).

(2)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(3)

في (ح): لم ينهه.

(4)

في (ح): لا.

(5)

أخرجه البخاري (2330، 2342)، ومسلم (1550).

(6)

قوله: (كنا) سقط من (ح).

(7)

أخرجه البخاري (2722)، ومسلم (1547)، واللَّفظ لمسلم.

(8)

ينظر: مسائل عبد الله ص 405، المغني 5/ 290.

ص: 7

المعْنَى، فإذا أَتَى بِلَفْظٍ دالٍّ عليه؛ صحَّ كالبَيع.

(وَتَصِحُّ) هي ومزارعةٌ (بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه مُؤَدٍّ للمَعْنَى، فصحَّ به العَقْدُ؛ كسائر الألفاظ المتَّفَق عليها.

والثَّاني: لا، واخْتاره أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ الإجارة يُشْتَرَطُ لها ما لا يُشْتَرَطُ لِلْمُساقاة، وهما مُخْتَلِفانِ في اللُّزوم والجواز، فلم تصحَّ

(1)

بلفظ الإجارةِ؛ كما لا تصح

(2)

بلفظ البَيع.

(وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ فِيمَنْ قَالَ: آجَرْتُكَ هَذِهِ الْأَرْضَ بِثُلُثِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، أَنَّهُ يَصِحُّ

(3)

، وَهَذِهِ مُزَارَعَةٌ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ)، فعَبَّر بالإجارة عن المزارَعة على

(4)

سَبِيلِ المجاز، كما يُعبَّر عن الشُّجاع بالأسد

(5)

، فعلى هذا يكون نَهْيُه عن كِراء الأرض بثُلُثِ ما يَخرُج منها: أنَّه يَنصَرِفُ إلى الإجارة الحقيقيَّة، لا المزارَعة.

(وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: هِيَ إِجَارَةٌ)؛ لأِنَّها مَذْكُورةٌ بِلَفْظها، فتكونُ إجارةً حقيقةً، ويُشْتَرَطُ فيها شُروطُ الإجارة، وتَصِحُّ بِبَعْضِ الخارِج منها كما تَصِحُّ بالدَّراهِم، ونَصَّ عَلَيهِ

(6)

، واخْتاره الأكثرُ.

وعَنْهُ: لا، اخْتارَهُ أبو الخَطَّاب والمؤلِّفُ.

وقِيلَ: يُكرَه.

وإن

(7)

صحَّ إجارةً، أَوْ مُزارَعَةً فلم يزْرَعْ؛ نُظِرَ إلى مُعَدَّل المغَلِّ، فيَجِبُ

(1)

في (ح): فلم يصح.

(2)

في (ح): لا يصح.

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 24، الروايتين والوجهين 1/ 424.

(4)

في (ظ): عن.

(5)

في (ظ) و (ق): بالشُّجاع عن الأسد.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2669.

(7)

في (ح): فإن.

ص: 8

القِسْطُ المسمَّى فيه.

(وَالْأَوَّلُ أَقْيَسُ، وَأَصَحُّ) دليلاً عنده؛ إذِ الخَبَرُ يَدُلُّ عليه، واللَّفْظُ قد يُعدَلُ عن حقيقته إلى مَجازه لِدليلٍ.

(وَهَلْ يَصِحُّ

(1)

عَلَى ثَمَرَةٍ مَوْجُودَةٍ) لم تَكمُلْ، وعلى زَرْعٍ نابِتٍ

(2)

يُنَمَّى بالعَمَل؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا يَجُوزُ؛ لأِنَّه «عليه السلام عامَلَ أهلَ خَيبَرَ بشَطْرِ ما يَخرُجُ منها من ثَمَرٍ أوْ زَرْعٍ»

(3)

، وذلك مفقودٌ هنا، ولأِنَّ الثَّمرةَ إذا ظَهَرَتْ فقد حَصَلَ المقصودُ، وصار بمنزلة مضارَبته على المال بعد ظُهور الرِّبْح.

والثَّانيةُ، وهي الأصح: الجواز

(4)

؛ لأِنَّها إذا جازت في المعدوم مع كَثْرَة الغَرَر فيها؛ فَمَعَ وُجودها وقِلَّةِ الغَرَر فيها أَوْلَى.

ومَحَلُّها: إذا بَقِيَ من العمل ما تَزيدُ به الثَّمرةُ؛ كالتَّأْبِير، والسَّقْيِ، والإصْلاحِ، فإنْ بَقِيَ ما لا تَزيدُ به؛ كالجداد؛ لم يَجُزْ بغَير خِلافٍ

(5)

.

(وَإِنْ سَاقَاهُ عَلَى شَجَرٍ يَغْرِسُهُ، وَيَعْمَلُ عَلَيْهِ حَتَّى يُثْمِرَ، بِجُزْءٍ مِنَ الثَّمَرَةِ؛ صَحَّ) في المنصوص، قال في روايةِ أَبِي داودَ: إذا قال لِرجُلٍ: اغْرِسْ في أرْضِي هذه شَجَرًا، أوْ نَخْلاً، فما كان من غلَّةٍ

(6)

فلك بِعَمَلِك كذا، فأجازه

(7)

، واحتجَّ بحديث خَيبَرَ

(8)

،

(1)

في (ق): تصح.

(2)

في (ظ): ثابتٍ.

(3)

أخرجه البخاري (2328)، ومسلم (1551).

(4)

قوله: (الجواز) سقط من (ظ) و (ق).

(5)

ينظر: المغني 5/ 292.

(6)

في (ح): غلته.

(7)

في (ظ): فإجارة.

(8)

ذكرها في المغني 5/ 307، والشرح 14/ 194 من رواية المروذي لا أبي داود، ولم نجدها في المطبوع من مسائل أبي داود.

ص: 9

ولأنَّ العَمَلَ وعوضه

(1)

مَعْلُومانِ، فصحَّتْ؛ كالمساقاة على شَجَرٍ مَوجُودٍ.

ويُعْتَبَرُ أن يَكُونَ الغراس

(2)

من ربِّ الأرض كالمزارَعة، فإن كان من

(3)

العامِل؛ فعلى الرِّوايَتَينِ في المزارَعة إذا شُرِطَ البَذْرُ من العامِلِ.

وقال القاضِي: المعامَلةُ باطِلَةٌ، وصاحِبُ الأرض مُخَيَّرٌ بَينَ تكليفه قَلْعَها، ويَضْمَنُ له نَقْصَها، وبَينَ تَرْكِها في أرضه، ويَدْفَعُ إليه قِيمَتَها، فإنِ اخْتارَ العامِلُ قَلْعَ شَجَرِه فله ذلك، سَواءً بَذَلَ له القِيمةَ أوْ لَا؛ لأِنَّه ملْكُه، فلم يُمْنَعْ من تَحْوِيله، وإنِ اتَّفَقا على إبْقاء الغِراس ودَفْعِ أجْرِ الأَرض؛ جاز.

تنبيهٌ: ظاهِرُ نَصِّه: أنَّها تَصِحُّ بجُزْءٍ من الشَّجَر، وبجُزْءٍ منهما؛ كالمزارَعة، وهي المغارَسةُ والمناصَبةُ، اخْتارَهُ أبو حَفْصٍ العُكْبُرِيُّ، والقاضِي في «تعليقه» والشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وذَكَرَه ظاهِرَ المذْهَبِ، ولو كان مَغْروسًا، ولو كان ناظِرَ وقْفٍ، وأنَّه لا يَجُوزُ لناظِرٍ بَعْدَه بيع

(4)

نَصيبِ الوقْف بلا حاجةٍ، وأنَّ لِحاكِمٍ الحُكْمَ بلُزومها في محلِّ النِّزاع فقطْ، والحُكمَ به من جِهَةِ عِوَضِ المِثْل، ولو لم تَقُمْ به بيِّنةٌ؛ لأِنَّه الأصلُ في العُقود

(5)

.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه اعْتِبارُ بيِّنةٍ.

وقدَّم في «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه لا يَصِحُّ، فلو دَفَعَها إليه على أنَّ الأرضَ والشَّجَرَ بَينَهما، فذلك فاسِدٌ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(6)

. فَرْعٌ: عَمِلَا في شَجَرٍ بَينَهما نِصفَينِ، وشَرَطَا التَّفاضُل في

(7)

ثَمَرِه؛ صحَّ، كاشْتِراط العامِل من

(8)

كلِّ نَوعٍ جُزْءًا معلومًا، وكتعدده

(9)

.

(1)

في (ح): وعرضه.

(2)

في (ح): الغرس.

(3)

في (ح): على.

(4)

في (ح): ببيع.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 119، الاختيارات 216.

(6)

ينظر: المغني 5/ 307.

(7)

في (ح) و (ق): من.

(8)

في (ق): في.

(9)

في (ح): ولتعذره، وفي (ق): وكتعذره.

ص: 10

ويُشتَرَط لِصِحَّتِها: أن يكونَ الشَّجَرُ معلومًا كالبَيع، فإنْ سَاقَاهُ على بُسْتانٍ لم يَرَهُ ولم يُوصَفْ له؛ لم يَصِحَّ، كمُسَاقَاتِهِ على أحدِ هذَينِ الحائطَينِ.

(وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدٌ جَائِزٌ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، وكذا المزارَعة، أَوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ في رواية الأثْرَمِ، وقد سُئِل عن الأَكَّار يَخرُجُ من الضَّيعة من غَير أنْ يُخرِجَه صاحبُها؛ فلم يَمْنَعْه من ذلك

(1)

، ذَكَرَه ابنُ حامِدٍ، وقاله بعضُ المحدِّثين؛ لِمَا رَوَى مسلِمٌ عن ابن عمرَ في قضيَّة خَيبَرَ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«نُقِرُّكم على ذلك ما شِئْنا»

(2)

، ولو كانَ لازِمًا لم يَجُزْ بغَير تقديرِ مدَّةٍ، ولا أنْ يَجعَلَ الخِيَرةَ إليه في مدَّة إقْرارِهم، ولأِنَّها عَقْدٌ على جزء من

(3)

نَماء

(4)

المال، فكانَتْ جائزةً؛ كالمضارَبة.

(لَا تَفْتَقِرُ إِلَى ذِكْرِ مُدَّةٍ)؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَضرِبْ لأِهل خَيبَرَ مدَّةً، ولا خُلَفاؤه مِنْ بَعْدِه، وكما لا يَفْتَقِرُ

(5)

إلى القَبول لَفْظًا.

(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا)؛ لأِنَّه شَأْنُ العُقود الجائزةِ، (فَمَتَى انْفَسَخَتْ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا) على ما شَرَطاهُ؛ لأِنَّها حَدَثَتْ على ملْكَيْهِما، ويَلزَمُ العامِلَ تمامُ العَمَلِ؛ كالمضارِبِ.

(1)

ينظر: المغني 5/ 299.

(2)

أخرجه البخاري (2338)، ومسلم (1551).

(3)

قوله: (من) سقط من (ح).

(4)

في (ق): النماء.

(5)

في (ق): لا تفتقر.

ص: 11

(وَإِنْ فَسَخَ الْعَامِلُ قَبْلَ ظُهُورِهَا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأِنَّه رَضِيَ بإسْقاط حقِّه، فهو كعامِلِ المضارَبة والجِعالَةِ.

(وَإِنْ فَسَخَ رَبُّ الْمَالِ)؛ أيْ: قَبْلَ ظُهور الثَّمَرة؛ (فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ)؛ أيْ: أُجْرة مِثْلِه؛ لأِنَّه مَنَعَه من إتمام

(1)

عَمَله الَّذي يَسْتَحِقُّ به العِوَضَ؛ كجِعالةٍ، وفارَقَ ربَّ المال في المضارَبة

(2)

إذا فَسَخَها قَبْلَ ظُهور الرِّبْح؛ لأِنَّ هذا يُفْضِي إلى ظُهور الثَّمرة غالِبًا، فلولا الفَسْخُ لَظَهَرت الثَّمرة، فَمَلَك نَصيبَه منها، بخلاف المضارَبة، فإنَّه لا يُعلَمُ إفْضاؤها إلى الرِّبح.

(وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ)، في قَول أكثرِ الفُقَهاء؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فكان لازِمًا كالإجارة؛ إذْ لَوْ كانَتْ جائزةً لَمَلَكَ ربُّ المال فَسْخَها إذا ظَهَرَتْ، فيَسقُطُ سَهْمُ العامِلِ، فيَتَضرَّرُ، (تَفْتَقِرُ إِلَى ضَرْبِ مُدَّةٍ تَكْمُلُ الثَّمَرَةُ فِيهَا

(3)

؛ لأِنَّها أشْبَهُ بالإجارة؛ لكَونها تَقْتَضِي العَمَلَ مع بَقائها، ولا يتقدَّرُ أكثرُ المدَّة، بل يَجُوزُ ما يتَّفِقانِ عليه من المدَّة الَّتي يَبْقَى

(4)

فيها الشَّجَرُ، وإنْ طالَتْ.

وقيل: لا تَجُوزُ أكثرَ من ثلاثين سَنَةً.

رُدَّ: بأنَّه تَحكُّمٌ

(5)

وتَوقِيتٌ لا يُصارُ إليه إلاَّ بدليلٍ.

(فَإِنْ

(6)

جَعَلَا مُدَّةً لَا تَكْمُلُ فِيهَا؛ لَمْ تَصِحَّ)؛ لأِنَّ المقصودَ اشْتِراكُهما في الثَّمرةِ، ولا توجد

(7)

في أقلَّ منها.

(وَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)؛ أيْ: إذا ظَهَرَت الثَّمَرةُ ولم تَكْمُلْ،

(1)

في (ح): تمام.

(2)

في (ق): المضارب.

(3)

في (ظ): يكمل فِيهَا الثمر.

(4)

في (ق): تبقى.

(5)

في (ظ): بحكم.

(6)

في (ح): وإن.

(7)

في (ح): يوجد.

ص: 12

فله أُجْرةُ مِثْلِه؛ لأِنَّه لم يَرْضَ إلاَّ بِعِوَضٍ، وهو جُزءٌ من الثَّمرة، وهو مَوجُودٌ، لكن لا يُمْكِنُ تسلِيمُه، فاسْتَحَقَّ أُجْرةَ المِثْل؛ كالإجارة الفاسدةِ.

والثَّانِي: لا شَيْءَ له؛ لأِنَّه رَضِيَ بالعمل بغَيرِ عِوَضٍ، فهو كالمتَبَرِّع، وكما لو لم تَظْهَرِ الثَّمرةُ.

(وَإِنْ جَعَلَا مُدَّةً قَدْ تَكْمُلُ فِيهَا وَقَدْ لَا تَكْمُلُ)، أو إلى الجَداد، أو إدْراكها؛ (فَهَلْ تَصِحُّ الْمُسَاقَاةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: تَصِحُّ؛ لأِنَّ الشَّجرَ يَحْتمِلُ أن يَحمِلَ، ويَحْتَمِلُ عَدَمَه، والمساقاةُ جائزةٌ فيه.

والثَّانِي: لا تصح

(1)

؛ لأِنَّه عَقْدٌ على معدومٍ

(2)

لَيسَ الغالِبُ وُجودَه، فلم تَصِحَّ كالسَّلَم.

فَعَلَى الأوَّل: له حِصَّتُه من الثَّمَرةِ.

(فَإِنْ قُلْنَا: لَا تَصِحُّ

(3)

؛ فَهَلْ لِلْعَامِلِ أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أظْهَرُهما، وذَكَرَه في «المغْنِي» وجْهًا واحِدًا: له أجْرُ المِثْل؛ لأِنَّه لم يَرْضَ بغَيرِ عِوَضٍ، ولم يُسَلَّمْ إليه، فاسْتَحَقَّ أجْرَ المِثل، سَواءٌ حَمَلَتْ أوْ لَا.

والثَّانِي: لا شَيءَ له، كما لَوْ شَرَطَا مُدَّةً لا يَكمُلُ

(4)

فيها الشَّجَرُ غالِبًا.

(وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ)، أوْ جُنَّ، أوْ حُجِر عليه لسَفَهٍ؛ انْفَسَختْ على المذهب؛ كربِّ المال، وإن قيل بلُزومها؛ (تَمَّمَ الْوَارِثُ)؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ كالإجارة.

(1)

في (ح): لا يصح.

(2)

في (ح): عدوم، وفي (ق): معلوم.

(3)

في (ح): لا يصح.

(4)

في (ق): لا تكمل.

ص: 13

(فَإِنْ أَبَى)؛ لم يُجْبَرْ

(1)

؛ لأِنَّ الوارث لا يَلزَمُه من الحقوق التي على مَورُوثه إلاَّ ما أمْكَنَ دَفْعُه من تَرِكَتِه، والعملُ ليس كذلك، (اسْتُؤْجِرَ)؛ أي: استأْجَرَ الحاكِمُ (عَلَى الْعَمَلِ مِنْ تَرِكَتِهِ)؛ لأِنَّ العملَ كان عليه، فوَجَبَ أنْ يتعلَّق بِتَرِكَتِه؛ كسائر ما عليه.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ)؛ أي: الاِسْتِئْجارُ، بأنْ لا تَرِكَةَ له؛ (فَلِرَبِّ الْمَالِ الْفَسْخُ)؛ لأِنَّه اسْتِيفاءُ

(2)

المعْقُودِ عليه، فَثَبَتَ له الفَسْخُ، كما لو تعذَّر ثَمَنُ المبِيعِ قَبْلَ قَبْضِه.

(فَإِنْ فُسِخَ بَعْدَ ظُهُورِ الثَّمَرَةِ؛ فَهِيَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّها حَدَثَتْ على ملْكَيهِما، وكالمضارَبةِ إذا انْفَسَخَتْ بعْدَ ظُهور الرِّبْح، فيُباعُ من نصيب العامِل ما يُحتاجُ إليه لأِجْرِ ما بَقِيَ من العمل، وإنِ احْتِيجَ إلى بَيع الجميعِ بِيعَ.

ثُمَّ إنْ كانت الثَّمرةُ قد بَدَا صلاحُها؛ خُيِّرَ المالِكُ بَينَ البَيع والشِّراء، فإن اشترَى نَصيبَ العامِل؛ جازَ، وإن اخْتار

(3)

؛ باعَ نَصيبَه، والحاكِمُ نَصيبَ العامِلِ، وبقيَّةُ العمل عليهما، وإنْ أبى؛ باع الحاكِمُ نَصيبَ عامل

(4)

فقطْ، وما يَلزَمه يستأْجِرُ عنه، والباقِي لورَثَتِه. وإنْ لم يَبْدُ صلاحُها؛ خُيِّر المالِكُ.

فإنْ بِيعَ لأِجْنَبيٍّ؛ لم يُبَعْ إلاَّ بِشَرْطِ القَطْعِ.

ولا يُباعُ نَصيبُ عامِلٍ وحدَه، وفي شراء المالِك له، واسْتِحْقاق الميت أُجْرةً؛ وجْهانِ.

(1)

في (ظ): لم يجز.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والصواب: تعذر استيفاء. كما في المغني 5/ 302، والشرح الكبير 14/ 209.

(3)

أي: اختار بيعه. ينظر: الشرح الكبير 14/ 210.

(4)

في (ح): عليل.

ص: 14

وكذا

(1)

الحُكمُ فيما انْفَسَخَت المساقاةُ بِمَوت العامِل إذا

(2)

قُلْنا بجوازها، وأبى

(3)

الوارِثُ العَمَلَ، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره.

(وَإِنْ فَسَخَ قَبْلَ ظُهُورِهَا

(4)

؛ فَهَلْ لِلْعَامِلِ

(5)

أُجْرَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أظْهَرُهُما: له الأُجْرَةُ؛ لأِنَّ العَقْدَ يَقْتَضِي العِوَضَ المسمَّى، فإذا تعذَّر رجع إلى

(6)

الأُجْرة، كما لو فُسِخَ بغَيرِ عُذْرٍ.

والثَّاني: لا شَيءَ له؛ لأِنَّ الفَسْخَ مُسْتَنِدٌ إلى مَوته، أشْبَهَ ما لو فَسَخَ هُوَ.

(وَكَذَلِكَ إِنْ هَرَبَ الْعَامِلُ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهَا) أيْ: حُكْمُه حُكْمُ ما إذا مات؛ لأِنَّهما اشْتَرَكا في تعذُّر العَمَلِ، وتضَرُّرِ المالِكِ بِتَعذُّر الفَسْخِ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا وَجَد له مالاً، أوْ أمكنه الاقتراض

(7)

عليه من بيت المال أو غيرِه؛ فَعَلَ ذلك، وكذا إذا وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُه بأُجْرةٍ مُؤَجَّلةٍ إلى وَقْتِ إدْراكِ الثَّمرةِ.

والْأَوْلَى أنَّ العامِلَ لا يَسْتَحِقُّ أُجْرةً؛ لتركه

(8)

العَمَلَ باخْتِياره، كما لو تَرَكَهُ من غَيرِ هَرَبٍ مع القُدرة عليه.

(فَإِنْ

(9)

عَمِلَ فِيهَا رَبُّ الْمَالِ بِإِذْنِ حَاكِمٍ، أَوْ إِشْهَادٍ؛ رَجَعَ بِهِ)؛ أيْ: بما أنْفَق؛ لأِنَّ الحاكِمَ نائِبٌ عن الغائب، ولأِنَّه إذا أَشْهَدَ على الإنفاق مع عَجْزه

(1)

في (ح) و (ق): وهكذا.

(2)

في (ح): إذ.

(3)

في (ح): وإن أبى.

(4)

في (ح): قبله، أي: قبل ظهورهما.

(5)

في (ظ): له.

(6)

في (ظ) و (ق): في.

(7)

في (ح): بالإقراض.

(8)

في (ح) و (ق): كتركه.

(9)

في (ح): وإن.

ص: 15

عن إذْنِ الحاكم؛ فهو مُضْطَرٌّ.

فإنْ أمكنه

(1)

اسْتِئْذانُ الحاكِمِ، فأنْفَقَ بِنِيَّة الرُّجوع ولم

(2)

يَسْتَأْذِنْه؛ فوجْهانِ مَبْنِيَّانِ على ما إذا قَضَى دَينَه بغَير إذْنه.

(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: لا رُجوعَ له إذا لم يُوجَدْ إذْنٌ ولا إشْهادٌ؛ لأِنَّه مُتَبَرِّعٌ بالإنْفاق، كما لَوْ تَبَرَّع بالصَّدَقة.

حُكْمُ ما لو اسْتَأْجَرَ أو اقْتَرَض بإذْنِ الحاكِمِ؛ حُكْمُ ما لَوْ عَمِلَ فيها بإذْنِه.

فَرْعٌ: إذا بَانَ الشَّجَرُ مُسْتَحَقًّا؛ فله أُجْرَةُ مِثْلِه على غاصِبِه.

واخْتارَ فِي «التَّبْصِرة» : أنَّها جائزةٌ مِنْ جِهَةِ عامِلٍ، لازِمةٌ من جِهةِ مالِكٍ، مأخوذة

(3)

من الإجارة. وفيه شَيءٌ.

(1)

في (ح): أنكر.

(2)

في (ح): وإن لم.

(3)

في (ح) و (ق): مأخوذ.

ص: 16

(فَصْلٌ)

(وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرَةِ وَزِيَادَتُهَا؛ مِنَ السَّقْيِ، وَالْحَرْثِ، وَالزِّبَارِ، وَالتَّلْقِيحِ، وَالتَّشْمِيسِ، وَإِصْلَاحِ طُرُقِ الْمَاءِ، وَمَوْضِعِ التَّشْمِيسِ، وَنَحْوِهِ)؛ كآلةِ حَرْثٍ، وبَقَرةٍ، وَتَفْرِيقِ زِبْلٍ، وقَطْعِ الحَشِيشِ المضِرِّ، وَقَطْعِ الشَّجَرِ اليابِسِ، وحِفْظِ الثَّمَر على الشَّجَر إلى أنْ يُقْسَمَ، وإنْ كان مِمَّا يُشَمَّسُ فعَلَيهِ تَشْمِيسُه، وفي «الفنون»

(1)

وغيره: والفَأْسِ

(2)

النُّحَاسِ تَقْطَعُ

(3)

الدَّغَلَ؛ لأِنَّه يَلزَمُ العامِلَ بإطْلاقِ عَقْد المساقَاةِ ما فيه صَلاحُ الثَّمَرة وزيادَتُها، وهذا كلُّه مِنْهُ.

(وَعَلَى رَبِّ الْمَالِ مَا فِيهِ حِفْظُ الْأَصْلِ؛ مِنْ سَدِّ الْحِيطَانِ، وَإِجْرَاءِ الْأَنْهَارِ، وَحَفْرِ الْبِئْرِ وَالدُّولَابِ، وَمَا يُدِيرُهُ)؛ من آلةٍ ودابَّةٍ، وجَزَمَ به الأكْثَرُ، وشِراءِ ما يُلَقَّحُ

(4)

به، وماءٍ، وتَحصِيلِ زبْلٍ، وذَكَرَ المؤلِّفُ تَبَعًا لاِبْنِ أبِي مُوسَى: أنَّ بَقَرَ الدُّولابِ على العامِلِ؛ لأِنَّها لَيسَتْ من العَمَل، وذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ رِوايَتَينِ في بَقَرِ حَرْثٍ وسناية

(5)

، وما يُلَقَّحُ به.

(وَقِيلَ: مَا

(6)

يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ) كالحرْث؛ (فَهُوَ عَلَى الْعَامِلِ)، قال في «المغْنِي» ، وهذا أصحُّ، إلاَّ في شِراءِ ما يُلَقَّحُ به، فإنَّه على ربِّ المال وإنْ

(1)

في (ح): العيون.

(2)

في (ق): والقاش.

(3)

في (ق): بقطع.

(4)

في (ق): تلقح.

(5)

في (ظ) و (ق): وسقاية. والمثبت موافق لما في الفروع 7/ 127، قال في الصحاح 6/ 2384:(سَنَتِ الناقة تَسْنُو سَناوَةً وسَنايَةً: إذا سقت الأرض).

(6)

في (ظ): كل ما.

ص: 17

تَكرَّر؛ لأِنَّه ليس من العمل، (وَمَا لَا فَلَا)؛ لأِنَّ ذلك لا تعلُّق له بالعمل، أشْبَهَ ما فيه حِفْظُ الأصل.

وفي النَّاطُور

(1)

لِمَا بَدَا صلاحُه؛ وجْهانِ.

وهذا كلُّه إذا أُطْلِقَ العَقْدُ، فإنْ شُرِطَ أنْ يكونَ عليه ما يَلزَمُه؛ فهو تأْكيدٌ.

وإنْ شُرِطَ على أحدهما ما يَلزَمُ الآخَرَ؛ فمَنَعَه القاضي وأبو الخَطَّاب، فتَفْسُدُ المساقاةُ؛ لأِنَّه شَرْطٌ يُنافِي مُقْتَضَى العَقد، فأفْسَدَه، كالمضارَبة إذا شُرِطَ العملُ فيها على ربِّ المال.

وقد نَصَّ أحمدُ على أنَّ الجَدادَ عَلَيهِمَا، إلاَّ أنْ يَشْرِطَه على العامِلِ

(2)

، فيُؤخَذُ منه صِحَّةُ شَرْطِ كلِّ واحِدٍ ما على الآخَر أو بعضِه، لكِنْ يُعتَبَر ما يَلزَم كُلًّا منهما مَعْلومًا، وفي «المغْنِي»: وأنْ يَعْمَلَ العامِلُ أكثرَ العمل.

والأَشْهَرُ يَفْسُدُ الشَّرْطُ، وفي العَقْدِ روايتانِ.

وذَكَرَ أبو الفَرَجِ: يَفْسُدُ بِشَرْطِ خَراجٍ أوْ بعضِه على عامِلٍ.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: والسِّياجُ على المالِكِ، ويُتْبَعُ في الكُلَفِ السُّلْطانِيَّةِ العُرْفُ، ما لم يَكُنْ شَرْطٌ

(3)

.

(وَحُكْمُ الْعَامِلِ؛ حُكْمُ الْمُضَارَبِ فِيمَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ وَمَا يُرَدُّ)؛ لأِنَّ المالِكَ قد ائْتَمَنَه، أشْبَهَ المضارَبَ، وكذا في مُبْطِل العَقْد، وجُزْءٍ مَشْرُوطٍ.

وفي «الموجز» : إنِ اخْتَلَفا فِيما شُرِط له؛ صُدِّق عامل في أصح الرِّوايَتَينِ، ويَحْلِفُ إنِ اتُّهِم، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وذَكَرَ غيرُهما: للمالِك ضَمُّ أَمِينٍ بأُجْرةٍ مِنْ نَفْسِه

(4)

.

(1)

قال في الصحاح 2/ 830: (الناطور: حافظ الكرم).

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 457.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 131، الاختيارات ص 219.

(4)

قال في الإنصاف 14/ 224: (والظاهر: أن مراد المصنف ومن تابعه: بعد فراغ العمل، ومراد غيره: في أثناء العمل، فلا تنافي بينهما).

ص: 18

(وَإِنْ ثَبَتَتْ خِيَانَتُهُ؛ ضَمَّ إِلَيْهِ مَنْ يُشَارِفُهُ)؛ لأِنَّه أمْكَنَ دفع

(1)

الضَّرَرِ عن المالِك بذلِكَ مع بَقاءِ العامِلِ على عَمَلِه، والأُجْرةُ عَلَيهِ.

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ

(2)

حِفْظُهُ؛ اسْتُؤْجِرَ مِنْ مَالِهِ مَنْ يَعْمَلُ الْعَمَلَ)؛ لأِنَّه تعذَّر اسْتِيفاءُ العَمَلِ منه، فاستوفي

(3)

بغَيره؛ كما لو هَرَبَ أو عَجَزَ عن العَمَل.

تنبيهٌ: يَمْلِك العامِلُ حصَّتَه من الثَّمَرة بظهورها، فلو تَلِفَتْ إلاَّ واحدةً؛ فهي بَينَهما.

وقيل: لا يَملِكُه إلاَّ بالمقاسَمة؛ كالمضارَبة.

ورُدَّ: بأنَّ القِراضَ يُمْلَك الرِّبحُ فيه بالظُّهور.

ولا يجوز أن يُجعَلَ للعامِل فَضْلُ دَراهِمَ زائدًا على ما شُرِطَ

(4)

له من الثَّمرة، بغَير خِلافٍ

(5)

، ولا أنْ يُساقِيَ غَيرَه على الأرض أو الشَّجَر.

(وَإِنْ شَرَطَ إِنْ سَقَى سَيْحًا) - ونَصْبُهُ على المصدر، أو على نَزْعِ الخافِضِ -؛ (فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ سَقَى بِكُلْفَةٍ؛ فَلَهُ النِّصْفُ، وَإِنْ زَرَعَهَا شَعِيرًا؛ فَلَهُ الرُّبُعُ، وَإِنْ زَرَعَهَا حِنْطَةً؛ فَلَهُ النِّصْفُ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو المذهَبُ؛ لأِنَّ العَمَلَ مجهولٌ، والنَّصيبَ مَجهولٌ، وهو في مَعْنَى بَيعَتَينِ في بَيعةٍ.

والثَّانِي: يَصِحُّ بِناءً على قَولِه في الإجارة: إنْ خِطْتَه رُومِيًّا فلك دِرْهَمٌ، وإنْ خِطْتَه فارِسِيًّا فلك نِصْفُ دِرْهَمٍ، قاله في «الشَّرح» ، وفيه شَيءٌ سيأْتِي، وكقَوله

(6)

: ما زَرَعْتَ من شَيءٍ فَلِي نِصْفُه؛ لِقِصَّةِ أهلِ خَيبَرَ.

(1)

في (ح): رفع.

(2)

في (ح): لم يكن.

(3)

في (ح): فليستوف.

(4)

في (ظ) و (ق): شرطه.

(5)

ينظر: المغني 5/ 305.

(6)

في (ظ): ولقوله.

ص: 19

فإنْ زَرَعَها جِنْسَينِ فأكثرَ، وبيَّنَ قَدْرَ كلِّ جنسٍ وحقَّه منه؛ صحَّ

(1)

، وإلاَّ فَلَا.

(وَإِنْ قَالَ: مَا زَرَعْتَ مِنْ شَعِيرٍ؛ فَلِي رُبُعُهُ، وَمَا زَرَعْتَ مِنْ حِنْطَةٍ؛ فَلِي نِصْفُهُ)؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ ما يَزْرَعُه من كلٍّ مَنْهُما مجهولُ القدر

(2)

، فهو لو

(3)

شَرَطَ له في المساقاة ثُلُثَ هذا النَّوعِ ونِصْفَ الآخَرِ.

(أَوْ سَاقَيْتُكَ هَذَا الْبُسْتَانَ بِالنِّصْفِ عَلَى أَنْ أُسَاقِيَكَ الآْخَرَ بِالرُّبُعِ؛ لَمْ يَصِحَّ وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأِنَّه شَرَطَ عَقْدًا في عَقْدٍ، فلم يَصِحَّ كالبيع.

وكذا إذا قال: لك الخُمُسانِ إنْ كانَتْ عَلَيكَ خَسارةٌ، وإلاَّ فَلَكَ الربع

(4)

، نَصَّ عليه

(5)

، وقيل: بَلَى.

فَرْعٌ: إذا آجَرَه الأرضَ، وساقاهُ على الشجر

(6)

؛ فكجَمْعِ بَيعٍ وإجارةٍ، وإن كان حيلةً فالمذْهَبُ: بُطْلانُه، وذَكَرَ القاضي في إبْطال الحِيَلِ جَوازَهُ.

ثمَّ إنْ كانت المساقاةُ في عَقْدٍ ثانٍ؛ فهل تَفْسُدُ، أو هما؟ فيه وَجْهانِ.

وإنْ جَمَعَهُما في عَقْدٍ؛ فكتَفْريقِ صفقةٍ، وللمستأْجِر فَسْخُ الإجارة، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: سَواءٌ صحَّت الإجارةُ أو لا

(7)

، فما ذَهَبَ من الشَّجَر؛ ذهب ما يُقابِلُه من العِوَضِ

(8)

.

(1)

قوله: (صح) مكانه بياض في (ح).

(2)

في (ح): المقدر.

(3)

كذا في النسخ، وهي في (ح) بياض، وصواب العبارة كما في الشرح الكبير 14/ 227: فهو كما لو.

(4)

في (ح): والربع.

(5)

ينظر: المغني 5/ 295.

(6)

في (ح): الشجرة.

(7)

قوله: (أو لا) في (ح): وإلا.

(8)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 154.

ص: 20

(فَصْلٌ فِي الْمُزَارَعَةِ)

هي

(1)

مُفاعَلةٌ من الزَّرْع، وهي دَفْعُ أرْضٍ وحَبٍّ لِمَنْ يَزْرَعُه ويَقُومُ عليه، بِجُزْءٍ مُشاعٍ معلومٍ منه.

(تَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ بِجُزْءٍ) مُشاعٍ (مَعْلُومٍ

(2)

، يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ مِنَ الزَّرْعِ)، هذا قَولُ أكثرِ العلماء، قال البُخارِيُّ: (قال أبُو جَعْفَرٍ: «ما بالمدينة أهلُ بَيتٍ إلاَّ يَزْرَعُون علَى الثُّلُثِ والرُّبُعِ»

(3)

، وزارَعَ عليٌّ

(4)

، وابنُ مَسْعُودٍ وسَعْدٌ

(5)

، وعُمَرُ ابنُ عبدِ العَزِيزِ، والقاسِمُ، وعُرْوَةُ، وآلُ أبِي بكْرٍ، وآلُ عُمَرَ

(6)

، وابْنُ سِيرِينَ، وعامَلَ عُمَرُ عَلَى أنَّه إنْ جاء بالبَذْر فله الشَّطْرُ، وإنْ جاؤوا بالبَذْر فلهم كذا

(7)

.

(1)

في (ح): وهي.

(2)

في (ح): ومعلوم.

(3)

علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 104)، ووصله عبد الرزاق (14476)، وإسناده صحيح.

(4)

أخرج عبد الرزاق (14471)، وابن أبي شيبة (21234)، عن علي رضي الله عنه:«أنه لم ير بأسًا بالمزارعة على النصف» ، وفيه صخر بن الوليد، لم نقف على من وثَّقه غير ابن حبان على قاعدته، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 104).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (21228)، عن إبراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة، قال:«كان سعد وابن مسعود يزارعان بالثلث والربع» ، وأخرجه عبد الرزاق (14470)، وابن أبي شيبة (21226)، وسعيد بن منصور كما في التغليق (3/ 301)، والطحاوي في معاني الآثار (5959)، وفي مشكل الآثار (7/ 124)، وابن منده كما في التغليق (3/ 301)، والبيهقي في الكبرى (11795)، من طرق عن إبراهيم بن مهاجر به نحوه. ولا بأس بإسناده، إبراهيم بن مهاجر البجلي متكلم فيه، قال في التقريب:(صدوق لين الحفظ)، ومثله يُقبل في الموقوفات.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (14477)، وابن أبي شيبة (21232)، عن أبي جعفر محمد بن علي قال:«آل أبي بكر وآل عمر وآل علي، يدفعون أرضيهم بالثُّلث والرُّبع» . وإسناده صحيح.

(7)

علقه البخاري بصيغة الجزم، (3/ 104)، ووصله ابن أبي شيبة (37016)، عن أبي خالد الأحمر، عن يحيى بن سعيد. وهذا مرسل. وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (5960)، والبيهقي في الكبرى (11740)، ومن طريقه ابن حجر في التغليق (3/ 304)، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، أخبرهم عن إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز بنحوه. قال الحافظ:(وهذان خبران مرسلان، يتقوى أحدهما بالآخر، واختلافهما في الكمية هو المقتضي لكون البخاري أبهم المقدار)، واعترض عليه الألباني في الإرواء 5/ 303 بأن من شروط التقوية في مثل هذا: أن يكون شيوخ كل من المرسلين غير شيوخ الآخر، وهذا لم يتحقق هنا، فإن مدار الحديث على يحيى بن سعيد، ولكن هذا كان تارة يعضله فلا يذكر إسناده، وتارة يذكره ويسنده إلى عمر بن عبد العزيز، وهو لم يدرك عمر بن الخطاب، فكان الحديث منقطعًا لا شاهد له، فهو ضعيف)، إلا أن مثل هذا الفعل من عمر مما ينتشر، فمرسل عمر بن عبد العزيز في مثله مقبول، ولعل هذا ما جعل البخاري يجزم به.

ص: 21

وحَكَى أبُو الخَطَّاب في المساقاة رِوايةً بِمَنْعِها.

وعن ابنِ عبَّاسٍ الأَمْرانِ

(1)

.

وحديثُ رافِعٍ وإن كان في الصَّحِيحَينِ

(2)

؛ ففيه

(3)

اضْطِرابٌ كثيرٌ، قال ابنُ

(1)

سيأتي قريبًا ما يدل على الجواز من قوله، وأما الكراهة: فروى سعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 60)، عن ابن عباس قال:«لا تُكرى الأرض البيضاء إلا بالذهب والورق» ، قال ابن حزم:(إسناد صحيح جيد).

وأخرج ابن أبي شيبة (21256)، عن حبيب بن أبي ثابت، قال: كنت جالسًا مع ابن عباس في المسجد الحرام، إذ أتاه رجل فقال: إنا نأخذ الأرض من الدهَّاقين، فأعتملها ببذري وبقري، فآخذ حقِّي وأعطيه حقَّه، فقال له:«خُذ رأس مالك، ولا تردد عليه عينًا» ، فأعادها عليه ثلاث مرات، كل ذلك يقول له هذا. وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه البخاري (2286)، ومسلم (1547)، ولفظه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع» ، وأخرج مسلم عن حنظلة بن قيس الأنصاري، قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال:«لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذِيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا، ويسلم هذا، ويسلم هذا، ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به» ، قال ابن حجر في البلوغ (907):(وفيه بيان لما أجمل في المتفق عليه من إطلاق النهي عن كراء الأرض).

(3)

في (ق): فيه.

ص: 22

المنْذِر: وقد أنْكَرَه فَقِيهانِ من الصَّحابة: زَيْدُ بنُ ثابِتٍ

(1)

، وابنُ عبَّاسٍ

(2)

.

لا يُقالُ: أحادِيثُكم محمولةٌ على الأرض التي بَينَ النَّخيل، وأحاديثُ النَّهْيِ على الأرض البَيْضاءِ؛ لأِنَّه بعيدٌ مِنْ أَوْجُهٍ:

(1)

أنَّه يَبْعُدُ أنْ يكونَ بلدةٌ كبيرةٌ يأتي منها أرْبَعونَ ألْفَ وسْقٍ ليس فيها أرضٌ بَيضاءُ، وتَبْعُدُ

(3)

مُعامَلَتُهم بعضِهم على بَعْضٍ؛ لِنَقْل الرُّواة القصة

(4)

على العُموم.

(2)

لا دليلَ على ما ذَكَرْتُم من التَّأْوِيل، وما قلناه

(5)

وَرَدَ مُفَسَّرًا.

(3)

أنَّ قولَكم يفضي

(6)

إلى تَقْيِيدِ كلٍّ من الحَدِيثَينِ، وما ذَكَرْناه فيه حَمْلُ أحدِهما على الآخَر.

(1)

أخرجه أحمد (21588)، وأبو داود (3390)، والنسائي (3927)، وابن ماجه (2461)، عن عروة بن الزبير، قال: قال زيد بن ثابت: يغفر الله لرافع بن خديج، أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتاه رجلان، قد اقتتلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن كان هذا شأنكم فلا تكروا المزارع» ، فسمع قوله:«لا تكروا المزارع» ، وفيه أبو عبيدة بن محمد بن عمار، وهو مختلف فيه وقد وثقه ابن معين وغيره، وحسن الحديث ابن عبد الهادي والزيلعي. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 199، نصب الراية 4/ 181، تهذيب التهذيب 12/ 160.

(2)

لم نجده في المطبوع من كتب ابن المنذر، وينظر: المغني 5/ 311.

والأثر أخرجه البخاري (2330)، قال عمرو: قلت لطاوس: لو تركت المخابرة، فإنهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه، قال: أي عمرو، إني أعطيهم وأغنيهم وإن أعلَمَهم - يعني ابن عباس رضي الله عنهما أخبرني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه، ولكن قال:«أن يمنح أحدكم أخاه خيرٌ له من أن يأخذ عليه خَرْجًا معلومًا» .

(3)

في (ق): ويبعد.

(4)

في (ح): القضية.

(5)

في (ح): وما قلنا.

(6)

في (ح): يقتضي. وفي (ق): يقضي.

ص: 23

(4)

إنَّ عَمَلَ الخُلفاءِ والفقهاء

(1)

من الصَّحابة وغيرِهم دالٌّ على ما ذَكَرْنَا.

(5)

إنَّ مذْهَبَنا صار

(2)

مُجْمَعًا عليه؛ فلا يجوز لأِحَدٍ خِلافُه، مع أنَّ القياسَ يَقْتِضِيهِ؛ لأِنَّ الأَرضَ عَينٌ تنمى

(3)

بالعمل، فجازت المعامَلةُ عليها ببعض نَمائها؛ كالمال في المضارَبة، والنَّخل في المساقاة، والحاجةُ داعِيَةٌ إليها؛ لكَون أصحاب الأرض لا يَقْدِرونَ على زَرْعها، والأكثرُ يحتاجون إلى الزَّرع ولا أرْضَ، فاقْتَضَت الحِكمةُ جَوازَها.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هي أَحَلُّ

(4)

من الإجارة؛ لاِشْتِراكِهما في المغْنَم والمغْرَم

(5)

.

(فَإِنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ شَجَرٌ، فَزَارَعَهُ) على (الْأَرْضِ وَسَاقَاهُ عَلَى الشَّجَرِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما عَقْدٌ لو انْفَرَد؛ لَصَحَّ، فكذا إذا اجْتَمَعا، وسَواءٌ قلَّ بَياضُ الأرض أو كَثُرَ، نَصَّ عليه

(6)

، وسَواءٌ تَساوَى نصيبُ العامل فيهما أو اخْتَلَفَ، وسَواءٌ كان بِلَفْظِ المعامَلة أو المساقاة.

فلو زارَعَه على أرْضٍ فيها شَجَرٌ؛ لم يَجُزْ للعامِل اشْتِراطُ ثَمَرَتها؛ لأِنَّه اشْتَرَطَ كلَّ الثَّمَرَة، فلم يَجُزْ، كما لو كان الشَّجَرُ أكثرَ من الثُّلُثِ.

فَرْعٌ: لا تَجُوز إجارةُ أرْضٍ وشَجَرٍ فِيهَا، قال أحمدُ: أخافُ أنَّه اسْتَأْجَرَ شَجَرًا لم يُثْمِرْ، وذَكَرَ أبُو عُبَيدٍ تَحْرِيمَه إجماعًا

(7)

.

(1)

في (ح): والفقراء.

(2)

في (ق): جاز.

(3)

في (ح): تمييز.

(4)

في (ق): أجل.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 61.

(6)

ينظر: المغني 5/ 312.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 56، الأموال لأبي عبيد ص 90، وقال شيخ الإسلام عن دعوى الإجماع في مجموع الفتاوى 30/ 229:(وقد ذكر هذا الأثر عن عمر بعض المصنفين من فقهاء ظاهرية المغرب، وزعم أنه خلاف الإجماع، وليس بشيء؛ بل ادعاء الإجماع على جواز ذلك أقرب).

ص: 24

وجَوَّزه ابْنُ عَقِيلٍ تَبَعًا، ولو كان الشَّجَرُ أكْثرَ؛ لأِنَّ «عُمَرَ ضَمَّنَ حَدِيقةَ أُسَيْدِ بنِ حُضَيْرٍ لَمَّا مات ثلاثَ سِنينَ لوفاء دَينه» رواهُ حَرْبٌ وغَيرُه

(1)

، ولأِنَّه وُضِعَ الخَراج على أرْضِ الخَراج، وهو أُجْرَةٌ.

وجَوَّز الشَّيخُ تقيُّ الدِّين إجارةَ الشَّجَر مُفْرَدًا، ويَقومُ

(2)

عليها المسْتَأْجِرُ كأرْضٍ لِزَرْعٍ، فإن تَلِفَت الثَّمرةُ فلا أُجْرةَ، وإن نَقَصَت عن العادة؛ فالفَسْخُ أو الأَرْشُ؛ لِعَدَم المنْفَعة المقْصُودة بالعَقْد، وهو كَجَائِحَةٍ

(3)

.

(وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْبَذْرِ مِنْ رَبِّ الْأَرْضِ)، فيَجُوز أنْ يُخرِجَه العامِلُ في قَول عُمرَ وابنِ مَسْعودٍ وغيرِهما

(4)

، ونَصَّ عليه في روايةِ مهنَّى

(5)

، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، واختاره أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

؛

(1)

أخرجه حرب في مسائله كما في مسند الفاروق (1/ 358)، وأبو القاسم البغوي في جزء له ضمن مجموعة أجزاء حديثية (556)، عن عروة بن الزبير:«أن أسيد بن حضير توفي وعليه ستة آلاف درهم دينًا، فدعا عمر غرماءه، فقبَّلهم أرضه سنين، وفيها النخل والشجر» ، قال ابن كثير:(هذا إسناد جيد وإن كان فيه انقطاع).

وأخرج القصة أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص 443)، عن أبي الزناد، وهو منقطع أيضًا. وأخرجها ابن أبي شيبة (23260)، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن سعد مولى عمر:«أن أسيد بن حضير مات وعليه دين، فباع عمر ثمرة أرضه سنتين» ، وسعد مجهول. وأخرجها أبو نعيم في معرفة الصحابة (876)، عن محمد بن المنكدر. وهو منقطع أيضًا. فالقصة صحيحة بمجموع الطرق، وصححها ابن القيم في زاد المعاد 5/ 731، وقال شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 30/ 225:(وهو معروف عن عمر).

(2)

في (ق): ويقدم.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 548، 30/ 257.

(4)

تقدم تخريجهما 6/ 21 حاشية (5)، (6).

(5)

ينظر: الهداية ص 291.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 103.

ص: 25

لأِنَّ الأصْلَ المعوَّلَ عَلَيهِ في المزارَعة: قَضِيَّةُ خَيبَرَ، ولم يَذْكُرِ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ البَذْرَ على المسْلِمِينَ.

(وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: اشْتِرَاطُهُ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ جماعةٍ

(1)

، واختاره الخرقي وعامَّةُ الأصْحاب

(2)

؛ لأِنَّهما يَشْتَرِكانِ في نَمائه، فَوَجَبَ أنْ يكونَ رأسُ المال من أحَدِهما؛ كالمضارَبة.

ورُدَّ: بأنَّه قِياسٌ في مقابَلةِ نَصٍّ، ثُمَّ هو مَنْقُوضٌ بِمَا إذا اشْتَرَكَ مالانِ وبَدَن أحدِهما.

تنبيهٌ: إذا كان البَذْرُ بَينَهما نِصفَينِ، وشَرَطَا المناصَفة في الزَّرع؛ فهو بَينَهما، سَواءٌ قِيلَ بِصِحَّة المزارَعة أو فَسادِها، فإنْ حُكِمَ بِصِحَّتِها؛ لم يَرْجِعْ أحدُهما على الآخَرِ بشَيءٍ، وإنْ حَكَمْنا بفَسادها: فَعَلَى العامِلِ نِصْفُ أجْرِ الأرض، وله على ربِّها نِصْفُ أجْرِ عَمَلِه، فَيَتَقَاصَّانِ بِقَدْرِ الأقلِّ مِنْهما، ويَرجِعُ أحدُهما على الآخَر بالفَضْل.

وإنْ شَرَطا التَّفاضُل في الزَّرْع؛ فظاهِرٌ على الصِّحَّة، وعلى الفساد: الزَّرْعُ بَينَهما على قَدْر البَذْر، ويَتَراجَعان كما ذَكَرْنا.

(وَإِنْ

(3)

شَرَطَ رَبُّ الْأَرْضِ أَنْ يَأْخُذَ مِثْلَ بَذْرِهِ وَيَقْتَسِمَا الْبَاقِيَ)؛ لم يَصِحَّ، كأنَّه اشْتَرَط لنفسه قُفْزانًا مَعْلُومةً، وهو شَرْطٌ فاسِدٌ تَفْسُد به المزارَعة؛ لأِنَّ الأرضَ لم تُخرِج إلاَّ ذلك القَدْرَ، فيَخْتَصُّ به المالِكُ، وربَّما لا تُخْرِجُه، ومَوضُوعُها على الاِشْتِراكِ.

(أَوْ شَرَطَا لِأًحَدِهِمَا قُفْزَانًا مَعْلُومَةً)؛ لِمَا ذَكَرْنا، (أَوْ دَرَاهِمَ مَعْلُومَةً)؛ لأِنَّه

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 209، مسائل ابن منصور 6/ 2667، مسائل عبد الله ص 204، مسائل أبي داود ص 272.

(2)

في (ق) و (ظ): واختاره عامة الأصحاب.

(3)

في (ق): فإن.

ص: 26

ربما لا تُخرج

(1)

الأرضُ ما يُساوِي ذلك، فيؤدِّي إلى الضَّرَرِ، (أَوْ زَرْعَ نَاحِيَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ الْأَرْضِ؛ فَسَدَتِ الْمُزَارَعَةُ وَالمُسَاقَاةُ

(2)

، بإجْماعِ العُلَماء

(3)

؛ كأنْ يَشْتَرِطَ ما على الجَداوِل، قيل: وهي المخابَرةُ، سَواءٌ كان مُنفَرِدًا، أوْ شَرَطَه مع نصيبه؛ لأِنَّ الخَبَرَ الصَّحيحَ في النهي

(4)

عنه غيرُ مُعارَضٍ ولا مَنْسُوخٍ، ولأِنَّه ربما تَلِفَ ما عَيَّنَ له دُونَ الآخَرِ، فَيَنفَرِدُ أحدُهما بالغلَّة

(5)

دُونَ صاحِبِه.

(وَمَتَى فَسَدَتْ؛ فَالزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ)؛ لأِنَّه عَينُ مالِه يَنْقَلِبُ من حالٍ إلى حالٍ، ويَنْمُو، فهو كأغْصان الشَّجَر إذا غُرِسَ، (وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّه دَخَلَ على أنْ يأْخُذَ ما سُمِّيَ له، فإذا فات

(6)

رَجَعَ إلى بَدَلِه؛ لكَونِه لم يَرْضَ بالعَمَلِ مجَّانًا.

فعلى المذْهَب: إنْ كان البَذْرُ من العامل؛ فهو له، وعليه أُجْرَةُ مِثْلِ الأرض لربِّها، وهي المخابَرةُ، وإن كان البَذْرُ مِنْ ربِّ الأرض؛ فهو له، وعليه أُجْرةُ مِثْلِ العامِلِ، وإن كان منهما؛ فالزَّرعُ بَينَهما، ويَتَراجَعان بالفاضِلِ.

فرعٌ: يُشْتَرَطُ معرفةُ جِنْس البَذْر ولو تعدَّد، وقَدْرِه، فلو دَفَعَه إلى صاحِبِ أرض

(7)

لِيَزْرَعَه فيها، وما يَخرُجُ يكون بَينَهما؛ فهو فاسِدٌ؛ لأِنَّ البَذْرَ لَيسَ من ربِّ الأرض، ولا مِنْ العامِل، فالزَّرْعُ لِمالِكِ البَذْر، وعليه أجرةُ الأرض والعَمَلِ.

(1)

في (ح): لا تخرجه.

(2)

قوله: (فسدت المزارعة والمساقاة) سقط من (ح).

(3)

ينظر: المغني 5/ 316.

(4)

في (ح): المنهي.

(5)

رسمت في (ح): بالغلمة.

(6)

في (ق): مات.

(7)

في (ح): الأرض.

ص: 27

وقِيلَ: يَصِحُّ، مأْخُوذٌ من مسألة الاشتراك.

(وَحُكْمُ الْمُزَارَعَةِ؛ حُكْمُ الْمُسَاقَاةِ فِيمَا ذَكَرْنَا)؛ أيْ: من الجَواز واللُّزوم، وأنَّها لا تَجُوزُ إلاَّ بِجُزْءٍ مُشاعٍ مَعْلُومٍ لِلعامِل، وما يَلْزَمُه وربَّ الأرضِ، وغَيرِ ذلِكَ من أحْكامها؛ لأِنَّها مُعامَلةٌ على الأرض بِبَعْضِ نَمائِها.

(وَالْحَصَادُ عَلَى الْعَامِلِ، نَصَّ عَلَيْهِ

(1)

؛ لِقِصَّةِ خَيبَرَ، ولأِنَّه من العمل الذي لا يُسْتَغْنَى عنه.

وقيل: عَلَيهِما؛ لِلاِشْتِراك فِيهِ.

وفي «الموجز» : فِيهِ، وفي دِيَاسٍ وبَذْرِهِ وحِفْظه بِبَيْدَره؛ رِوايَتَا جَدادٍ.

واللِّقَاطُ كالحَصَاد، ويُكْرَهانِ لَيلاً، نَصَّ عليه

(2)

.

(وَكَذَلِكَ الْجَدَادُ)؛ أيْ: على العامِل؛ لأِنَّه من العمل، فكان عليه؛ كالتَّشْمِيس.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْجَدَادَ عَلَيْهِمَا)، وهو الأصحُّ، بحِصَّتهما؛ لأِنَّه يُوجَدُ بَعْدَ تَكامُل النَّماء، أشْبَهَ نَقْلَهُ إلى منزله.

ونَصَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرحِ» الأوَّلَ، ونَقَضَ دَلِيلَ الثَّانية بالتَّشْمِيس، وفارَق النَّقْلَ إلى المنزل، فإنَّه يكون بَعْدَ القِسْمة وزَوالِ العَقْد، أشْبَهَ المخْزَنَ.

(وَإِنْ قَالَ: أَنَا أَزْرَعُ الْأَرْضَ بِبَذْرِي وَعَوَامِلِي، وَتَسْقِيهَا بِمَائِكَ، وَالزَّرْعُ بَيْنَنَا؛ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الفُروع»:

إحْداهما: لا يَصِحُّ، اخْتارَها القاضِي، وصحَّحها في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ مَوضُوعَ المزارَعة على أنْ يكونَ من أحدِهما الأرضُ ومن الآخَر العملُ، وصاحِبُ الماء لَيسَ مِنهُ أرضٌ ولا عَمَلٌ ولا بَذْرٌ، ولأِنَّ الماءَ

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 457

(2)

ينظر: الفروع 7/ 128.

ص: 28

لا يُباعُ ولا يُسْتَأْجَرُ، فكَيفَ تَصِحُّ المزارَعةُ به.

والثَّانيةُ: بَلَى، نَقَلَها يَعْقُوبُ وحَرْبٌ

(1)

، واخْتارها أبو بكْرٍ؛ لأِنَّ الماءَ من جُمْلةِ ما يَحتاجُ إليه الزَّرعُ، فجاز جَعْلُه من أحَدِهِما؛ كالأرضِ والعملِ، ولأِنَّه لَمَّا جازَ إِيجارُ الأرضِ بِبَعْضِ ما يَخرُجُ مِنْها وهو مجهولٌ؛ جاز أنْ يُجعَلَ عِوَضُ الماء كذلِكَ.

ورُدَّ: بالمنْعِ في العِلَّة الأخيرة، وبتقدير التَّسْليم؛ فما الجامِعُ؟

فَرْعٌ: آجَرَ أرْضَه للزَّرْع، فزَرَعَها، فلم تُنْبِتْ، ثُمَّ نَبَتَ في سَنَةٍ أُخْرَى؛ فهو للمُسْتَأْجِر، وعليه أجرةُ الأرضِ مُدَّةَ احْتِباسِها.

(وَإِنْ زَارَعَ شَرِيكَهُ فِي نَصِيبِهِ؛ صَحَّ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه بمنزلةِ شِراء الشَّريكِ نَصِيبَ شَريكِه، وشَرْطُه: أنْ يَجْعَلَ له في الزَّرْعِ أكثرَ من نصيبه، مِثْلَ أنْ تكونَ الأرضُ بَينَهُما نِصْفَينِ، فيَجْعَلَ للعامِل الثُّلُثَينِ، فيصير

(2)

السُّدُسُ حِصَّتَه في المزارَعة، فصار كأنَّه قال: زارَعْتُكَ على نَصِيبِي بالثُّلُث، فصحَّ كالأجنبيِّ.

والثَّانِي: لا تصح

(3)

؛ لأِنَّ النِّصْفَ للمُزارِع، ولا يَصِحُّ أنْ يُزارِعَ الإنسانُ لِنَفْسِه، فإذا فَسَدَ في نِصيبِه؛ فَسَدَ في الجَميعِ، كما لَوْ جَمَعَ في البَيع بَينَ ما يَجُوزُ وما لا يَجُوزُ.

مَسائِلُ:

الأولى

(4)

: اشْتَرك ثلاثةٌ، مِنْ أحدِهم البَذْرُ، ومِنَ الآخَرِ الأرضُ، ومِنَ الثَّالِث العَمَلُ على أنَّ مهما فَتَحَ الله تعالى بَينَهُمْ فهو فاسِدٌ، نَصَّ عليه

(5)

،

(1)

ينظر: المغني 5/ 317.

(2)

في (ح): فتصير.

(3)

في (ح): لا يصح.

(4)

قوله: (الأولى) سقط من (ح).

(5)

ينظر: المغني 5/ 317.

ص: 29

وقاله جماهيرُ العلماء؛ لأِنَّ مَوضوعَ المزارَعة: أنَّ البَذْرَ من ربِّ الأرض أو العامل

(1)

، ولَيْستْ شَرِكَةً ولا إجارةً، فعلى هذا

(2)

: الزَّرْعُ لصاحِبِ البَذْرِ، وعليه لصاحِبَيهِ أُجْرةُ مِثْلِهِما.

وفي الصِّحَّة تَخْرِيجٌ، وذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين روايةً واخْتاره

(3)

، وفي

(4)

«مختصر ابنِ رَزِينٍ» : أنَّه الأَظْهَرُ، فإنْ كان البَقَرُ من رابِعٍ؛ فحديثُ مُجاهِدٍ، وضعَّفه أحمدُ

(5)

؛ لأِنَّه جَعَلَ فيه الزَّرْعَ لربِّ البَذْرِ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَه لربِّ الأرض.

الثَّانِيةُ: اشْتَرَك ثلاثةٌ في أرْضٍ لهم على أنْ يَزْرَعُوها بِبَذْرهم ودَوَابِّهم وأعْوانِهم، على أنَّ ما خَرَجَ منها بَينَهم على قَدْرِ ما لَهُم، جازَ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(6)

.

الثَّالثةُ: ما سَقَطَ من حَبٍّ وَقْتَ حصادٍ، فَنَبَت عامًا آخَرَ؛ فَلِرَبِّ الأرضِ، نَصَّ عليه

(7)

. وفي «المبهِج» وَجْهٌ: لهما. وفي «الرِّعاية» : لربِّ الأرضِ،

(1)

في (ح): والعامل.

(2)

قوله: (هذا) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الفروع 7/ 125، الاختيارات ص 219.

(4)

في (ح): في.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (22563)، والطحاوي في شرح المعاني (5978)، والدارقطني (3078)، عن مجاهد:«أن نفرًا اشتركوا في زرع، من أحدهم الأرض، ومن الآخر الفدان، ومن الآخر العمل، ومن الآخر البذر، فلما طلع الزرع ارتفعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فألغى الأرض وجعل لصاحب الفدان كل يوم درهمًا، وأعطى العامل كل يوم أجرًا، وجعل الغلَّة كلها لصاحب البذر» ، وفي سنده: واصل بن أبي جميل الشامي، قال أحمد عنه:(مجهول)، وضعفه ابن معين في رواية، وقال في أخرى:(مستقيم الحديث)، وقال الدارقطني:(هذا مرسل ولا يصح، وواصل هذا ضعيف)، وضعفه الإشبيلي أيضًا. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 307، تهذيب التهذيب 11/ 103.

(6)

ينظر: المغني 5/ 318.

(7)

ينظر: الفروع 7/ 133.

ص: 30

مالِكًا أو مُسْتَأْجِرًا أوْ مُسْتَعِيرًا. وقيل: له حكمُ عارِيةٍ. وقيل: غَصْبٍ.

وكذا نَصَّ فِيمَنْ باعَ قَصِيلاً فَحُصِدَ، وبَقِيَ يَسِيرٌ، فَصارَ سُنْبُلاً؛ فَلِرَبِّ الأرضِ

(1)

.

الرَّابِعةُ: لا خِلافَ في إباحة ما يَترُكُه الحَصَّادُ، وكذا اللَّقَّاطُ

(2)

، وفي «الرِّعاية»: يَحرُم مَنْعُه، نَقَلَ المرُّوذِيُّ: إنَّما هو بمنزلة المباح

(3)

، ونَقَلَ عنه: لا يَنْبَغِي أنْ يَدخُلَ مزْرعَةَ أَحَدٍ إلاَّ بإِذْنه، وقال: لم يَرَ بأْسًا بدخوله، يَأْخُذُ كَلَأً وَشَوْكًا

(4)

؛ لِإباحَته ظَاهِرًا، وعُرْفًا

(5)

، وعادةً

(6)

.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 273.

(2)

ينظر: المغني 5/ 318.

(3)

في (ح): المباع.

(4)

في (ق): أو شوكًا.

(5)

في (ح) و (ق): عرفًا.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 133.

ص: 31

(بَابُ الْإِجَارَةِ)

وهي

(1)

مُشْتَقَّةٌ من الأَجْر، وهو العِوَض، ومنه سُمِّيَ الثَّوابُ أجْرًا؛ لأِنَّ الله تعالى يُعَوِّضُ العَبْدَ به على طاعَتِه، أوْ صَبْرِه على مَعْصِيَتِه.

وهي ثابِتَةٌ بالإجماع

(2)

، ولا عِبْرةَ بمخالَفةِ عبدِ الرَّحْمنِ الأصمِّ، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطّلَاق: 6]، و {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ

(26)} الآية [القَصَص: 26]، و {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} [الكهف: 77].

وعن عائشةَ في حديثِ الهِجْرة قالَتْ: «واسْتَأْجَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكْرٍ رجُلاً من بَنِي الدِّيلِ هادِيًا خِرِّيتًا» ، والخِرِّيتُ: الماهِرُ بالهِدايَة، رواهُ البُخارِيُّ

(3)

، وعن عُتْبةَ بنِ النُّدَّرِ

(4)

قال: كُنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقرأ {طسم (1)} [القَصَص: 1]، حتَّى بَلَغَ قِصَّةَ موسَى عليه السلام، فقال:«إنَّ مُوسَى آجَرَ نَفْسَه ثَمانَ سِنِينَ، أوْ عَشْرَ سِنِينَ على عِفَّةِ فَرْجِه، وطَعَامِ بَطْنِه» رواهُ ابْنُ ماجَهْ، من رِوايةِ مَسْلَمَةَ بنِ عَلِيٍّ، وقد ضعَّفَه جَماعةٌ

(5)

.

(1)

في (ظ): هي.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 106.

(3)

أخرجه البخاري (2263).

(4)

في (ق) و (ظ): المنذر. قال في عجالة الإملاء 3/ 251: (هو بضم النون، وفتح الدال المهملة المشددة، آخره راء مهملة).

(5)

أخرجه ابن ماجه (2444)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1377)، والطبراني في الكبير (333)، وسنده ضعيف جدًّا؛ فيه مسلمة بن علي الخُشَني، وهو متروك منكر الحديث، وفيه بقية بن الوليد، وهو مدلس. وأخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1378)، من طريق آخر، وفيه ابن لهيعة، قال ابن كثير:(وفي حفظه سوء، وأخشى أنْ يكون رفعُه خطأً)، والحديث ضعفه ابن عبد الهادي وابن كثير والبوصيري وابن حجر والألباني. ينظر: الكامل 8/ 12، تفسير ابن كثير 6/ 230، تنقيح التحقيق 4/ 194، الفتح 4/ 445، الإرواء 5/ 307.

ص: 32

والحاجَةُ داعِيةٌ إلَيْهَا؛ إذْ كُلُّ أحدٍ لا يَقْدِرُ على عَقَارٍ يَسْكُنُه، ولا على حَيَوانٍ يَرْكَبُه، ولا على صَنْعَةٍ يَعْمَلُها، وهم لا يَبْذُلونَ ذلك مَجَّانًا، فَجُوِّزَتْ؛ طَلَبًا لتحصيل

(1)

الرِّزْق.

وحَدَّها في «الوجيز» : بِأنَّها عِوَضٌ مَعْلُومٌ، في مَنْفَعةٍ مَعْلُومةٍ، مِنْ عَينٍ مُعَيَّنةٍ، أوْ مَوصُوفةٍ في الذِّمَّةِ، أو في عَمَلٍ مَعْلُومٍ.

ويَرِدُ عليه: دُخولُ الممَرِّ، وعُلْوِ بَيْتٍ ونحوِه، والمنافِعِ المحرَّمةِ، وما فُتِحَ عَنْوةً ولم يُقْسَمْ، فِيما فَعَلَهُ عُمَرُ رضي الله عنه

(2)

.

(وَهِيَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنَافِعِ) في قَول أكْثَرِ العُلَماء.

وذَكَرَ بعْضٌ: أنَّ المعْقودَ عليه العَيْنُ؛ لأِنَّها الموجودةُ، والعَقْدُ يُضافُ إليها، فيَقولُ: أجَرْتُكَ دارِي.

ورُدَّ: بأنَّ المعْقُودَ عَلَيهِ هو المسْتَوْفَى بالعَقْدِ، وذلك هو المنافِعُ دونَ الأعْيانِ؛ إذِ الأجر

(3)

في مقابَلة المنفَعةِ، بدَليلِ: أنَّه يُضْمَنُ دُونَ العَينِ، وإضافةُ العَقْد إلى العَينِ؛ لأِنَّها مَحلُّ المنْفَعَةِ، كما يُضافُ

(4)

عَقْدُ المساقاةِ إلى البُسْتان، والمعْقودُ عليه الثَّمَرةُ، فتُؤْخَذُ المنافِعُ شَيئًا فشَيئًا، وانْتِفاعُه تابِعٌ له.

وقد قِيلَ: هي خِلافُ القِياسِ، والأصحُّ: لا؛ لأِنَّ مَنْ لا يُخَصِّصُ العِلَّةَ؛ لا يُتَصَوَّرُ عِنْدَه مُخالَفةُ قِياسٍ صَحِيحٍ، ومَنْ خصَّصها؛ فإنَّما يكونُ الشَّيءُ خِلافَ القِياسِ إذا كانَ المعْنَى المقْتَضِي للحُكْمِ مَوْجُودًا فِيهِ وتَخَلَّفَ الحُكْمُ عَنْهُ.

(1)

في (ح): طلب التحصيل.

(2)

تقدم تخريجه 4/ 545 حاشية (8).

(3)

في (ح): لأجر.

(4)

في (ق): تضاف.

ص: 33

وفي «البُلْغة» : لها خَمْسةُ أرْكانٍ: الصِّيغَةُ، والأُجْرةُ، والمتعاقِدانِ، والمنْفَعَة.

(تَنْعَقِدُ بِلَفْظِ: الْإِجَارَةِ، وَالْكِرَاءِ)؛ لأِنَّهما مَوضُوعانِ لها، (وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا)؛ لحصول المقْصود به إنْ أضافه إلى العَينِ، فإنْ أضافَهُ إلى المنفعة بأنْ قال: أجَرْتُكَ مَنْفَعَةَ دارِي شَهْرًا؛ صحَّ في الأصحِّ.

(وَفِي لَفْظِ الْبَيْعِ؛ وَجْهَانِ)، كذا في «الفروع»:

أحدهما: تَنعَقِدُ به؛ لأِنَّها بَيعٌ، فانْعَقَدَتْ بِلَفْظِهِ؛ كالصَّرْف.

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّ فِيها مَعْنًى خاصًّا، فافْتَقَرَتْ إلى لَفْظٍ يَدُلُّ على ذلك المعْنَى، ولأِنَّها تُضافُ إلى العَينِ الَّتي يُضافُ إليها البَيعُ إضافةً واحدةً، فافْتَقَرَتْ إلى لَفْظٍ يُفرِّق بَينَهما، كالعُقود المتبايِنة.

وبَناهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: على أنَّ هذه المعاوَضةَ نَوعٌ من البَيعِ، أوْ شَبِيهٌ به

(1)

.

وفِي «التَّلخيص» : مضافًا إلى النَّفْع، كبِعْتُك نَفْعَ هذه الدَّارِ شَهْرًا، وإلاَّ لم يَصِحَّ، نحو: بِعْتُكَهَا شهْرًا.

ولا تَنْعَقِدُ إلاَّ مِنْ جائزِ التَّصرُّف كالبَيعِ.

(وَلَا تَصِحُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ):

(أَحَدُهَا

(2)

: مَعْرِفَةُ الْمَنْفَعَةِ)؛ لأِنَّها هي المعْقُودُ عَلَيهَا، فاشْتُرِطَ العِلْمُ بها كالمبِيع، (إِمَّا

(3)

بِالْعُرْفِ)؛ أيْ: ما يَتَعارَفُه النَّاس بَينَهم؛ (كَسُكْنَى الدَّارِ شَهْرًا)؛ لأِنَّها لا تُكْرَى إلاَّ لذلِكَ

(4)

، فلا يَعْمَل فيها حدادة ولا قِصارةً، ولا

(1)

ينظر: الفروع 7/ 135، الاختيارات ص 219.

(2)

في (ح): أحدهما.

(3)

في (ح): وإما.

(4)

في (ق): كذلك.

ص: 34

دابَّةً، والأَشْهَرُ: ولا مَخْزَنًا للطَّعام، ويُسْتَحَقُّ ماءُ البِئْرِ تَبَعًا لِلدَّار في

(1)

الأصحِّ، قِيلَ لأِحمدَ: يَجيءُ زوار

(2)

، عليه أنْ يُخبِرَ صاحِبَ البيت بِهِمْ؟ قال: ربما كَثُرُوا، ورَأَى أنْ يُخْبِرَ

(3)

، وله إسْكانُ ضَعِيفٍ وزائرٍ.

وفي «الرِّعاية» : يَجِبُ ذِكْرُ السُّكْنَى، وصِفَتِها، وعَدَدِ مَنْ يَسْكُنُها، وصِفَتِهم إنِ اخْتَلَفَت الأُجْرةُ.

ورُدَّ: بأنَّ التَّفاوُت في السُّكْنَى يَسيرٌ، فلم يُحْتَجْ إلى ضَبْطِه.

(وَخِدْمَةِ الْعَبْدِ)، ولو عَبَّر بالآدَمِيِّ لَعَمَّ، (سَنَةً)؛ لأِنَّها مَعْلُومةٌ بالعُرْف، فلم يُحْتَجْ إلى بَيَانِها كالسُّكْنَى، وفي «النَّوادِر» و «الرِّعاية»: يَخدُمُ لَيْلاً ونَهارًا، فإنِ اسْتَأْجَرَه للعَمَلِ اسْتَحقَّه لَيْلاً.

قال أحْمدُ: (أجِيرُ المشاهَرَة يَشْهَدُ الأعْيادَ والجُمَعَ، قيل له: فيتطوَّع بالرَّكْعَتينِ؟ قال: ما لم يَضُرَّ بِصَاحِبِه)

(4)

؛ لأِنَّ الصَّلاةَ مُسْتَثْناةٌ من الخِدْمة.

فإن اسْتَأْجَر حُرَّةً أو أمةً للخِدْمة؛ صَرَفَ وجْهَه عن النَّظَر.

وعُلِم منه: إباحةُ إجارةِ العَقار والحَيَوانِ، حكاهُ ابنُ المنْذِر إجْماعًا

(5)

.

(وَإِمَّا بِالْوَصْفِ؛ كَحَمْلِ زُبْرَةِ حَدِيدٍ وَزْنُهَا كَذَا، إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ)؛ أيْ: لا بُدَّ مِنْ ذِكْر الوَزْن والمكان التي تُحمَلُ إليه؛ لأِنَّ المنْفَعةَ إنَّما تُعْرَفُ بذلك، فيُشْتَرَطُ ذلك في كلِّ محْمولٍ، فلَوْ كان كتابًا، فَوَجَدَ المحْمولَ إليه غائِبًا؛ فله الأجْرُ

(6)

لِذَهابِه وردِّه، وفي «الرِّعاية» ، وهو ظاهِرُ «التَّرغيب»: إن وَجَدَه مَيتًا؛ فالمسمَّى فقطْ، ويَرُدُّه.

(1)

في (ح): وفي.

(2)

في (ح): زور.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 279.

(4)

ينظر: المغني 5/ 346.

(5)

ينظر: الإجماع ص 106.

(6)

في (ق): الأجرة.

ص: 35

(وَبِنَاءِ حَائِطٍ يَذْكُرُ طُولَهُ، وَعَرْضَهُ، وَسَمْكَهُ

(1)

، وَآلَتَهُ)؛ لأِنَّ المعرفةَ لا تَحصُلُ إلاَّ بذلك، والغَرَضُ يَخْتَلِفُ، فلم يَكُنْ بُدٌّ مِنْ ذِكْرِه، فيَذكُرُ آلةَ البِناء مِنْ حِجارةٍ، أَوْ آجُرٍّ، أوْ لَبِنٍ، فلو عَمِلَه ثُمَّ سَقَطَ؛ فله أَجْرُه؛ لأِنَّه وَفَى بِعَمَلِه.

وإنْ فَرَّطَ أوْ بَنَاهُ مَحْلُولاً، فَسَقَطَ؛ لَزِمَه إعادتُه وغَرامَةُ ما تَلِفَ منه.

وإنْ شارَطَه على رَفْعِه أذْرُعًا معلومةً، فَرَفَعَ بعضَه ثُمَّ سَقَطَ؛ فعليه إعادةُ ما سَقَطَ، وإتْمامُ ما وَقَعَتْ عليه الإجارةُ مِنَ الذَّرْعِ.

فَرْعٌ: يَجُوزُ الاِسْتِئْجارُ لِضَرْبِ اللَّبِنِ، ويكونُ على مُدَّةٍ وعَمَلٍ، فإنْ قدَّره بالعَمَل احْتاجَ إلى تَعْيِينِ عَدَدِه، وذِكْرِ قَالَبِه، ومَوْضِعِ الضَّرْب؛ لأِنَّه يَخْتَلِفُ باعْتِبار التُّراب والماء، ولا يَكْتَفِي بمُشاهَدَة الْقَالَبِ إذا لم يَكُنْ مَعْرُوفًا؛ كالسَّلَم، ولا يَلزَمُه إقامَتُه لِيَجِفَّ

(2)

، وقيل: بلى إنْ كان عُرْفَ مَكانِه.

(وَإِجَارَةِ أَرْضٍ مُعَيَّنَةٍ)؛ أيْ: مَعْلُومَةٍ، (لِزَرْعِ

(3)

كَذَا أَوْ غَرْسٍ

(4)

، أَوْ بِنَاءٍ مَعْلُومٍ)؛ لأِنَّها تُؤَجَرُ لذلك كلِّه، وضَرَرُه يَخْتَلِفُ، فَوَجَبَ بَيَانُه، ويأتي

(5)

الخِلافُ فِيما إذا أَطْلَقَ.

(وَإِنِ

(6)

اسْتَأْجَرَ لِلرُّكُوبِ؛ ذَكَرَ الْمَرْكُوبَ؛ فَرَسًا أَوْ بَعِيرًا، أَوْ نَحْوَهُ

(7)

؛ لأِنَّ منافِعَها تَخْتَلِفُ، ويُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُه برُؤْيَةٍ أوْ صِفَةٍ؛ كمبيع، وما يُرْكَبُ به مِنْ

(1)

في (ح): سمكه. قال في هامش (ظ): (سَمْكه، بفتح السين وسكون الميم: ثخانته، والسمك في الحائط بمنزلة العمق في غير المنتصب)، ينظر: المطلع ص 317.

(2)

في (ق): ليخف.

(3)

في (ظ): لغرس.

(4)

في (ظ): زرع.

(5)

في (ح): ولأن.

(6)

في (ح): وإذا.

(7)

في (ظ): ونحوه.

ص: 36

سَرْجٍ وغيرِه، وكَيفِيَّة سَيرِه كقَطُوفٍ

(1)

ونحوِه، وقَدَّم في «التَّرغيب»: لا يُشْتَرَطُ

(2)

. وظاهِرُه: أنَّه لا يُحتاجُ إلى ذكوريته وأُنُوثِيَّته في الأصحِّ؛ لأِنَّ التَّفاوُتَ بَينَهما يَسيرٌ.

ولا بُدَّ من مَعْرِفةِ الرَّاكِبِ؛ كمَبيعٍ. وقال الشَّريفُ: لا يُجْزِئُ فيه إلاَّ الرُّؤيةُ؛ لأِنَّ الصِّفةَ

(3)

لا تأتِي عَلَيهِ.

ومَعْرفةُ المحامِلِ، والأوْطِئةِ، والأغْطِيةِ، ونحوِها؛ إمَّا بِرُؤْيةٍ أوْ صِفةٍ أو وَزْنٍ.

وقيل: لا يَجِبُ ذكر

(4)

تَوابِعِ الرَّاكِبِ، فلَوْ شَرَطَ حَمْلَ زادٍ مَعْلُومٍ وأطْلَقَ؛ فله حَمْلُ ما نَقَصَ؛ كالماء.

وقيل: لا بأكل

(5)

مُعْتادٍ، وفي وُجوبِ تَقْديرِ الطَّعامِ في السَّفَرِ احْتِمالانِ.

(وَإِنْ

(6)

كَانَ لِلْحَمْلِ؛ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى ذِكْرِهِ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ في ذلك لا يَخْتَلِف، لكِنْ إنْ كان المحْمُولُ خَزَفًا أوْ زُجاجًا؛ تعيَّنَ مَعْرفةُ الدَّابَّة في الأصحِّ؛ لأِنَّ فيه غَرَضًا.

وقيل: يُعْتَبَرُ مُطْلَقًا.

ويتوجَّهُ مِثْلُه: ما يُدِيرُ دُولَابًا أوْ رحًى، واعْتَبَرهُ في «التَّبصِرة» .

ويُشْتَرَطُ معرفةُ محمولٍ برُؤْيةٍ أوْ صِفَةٍ، ويَذْكُرُ جِنْسَه مِنْ حَدِيدٍ وقُطْنٍ؛ لأِنَّ

(1)

قال في تهذيب اللغة 9/ 26: (القطوف من الدواب، وهو المقارب الخطو، البطيء).

(2)

في (ق): لا تشترط.

(3)

في (ق): الصيغة.

(4)

قوله: (ذكر) سقط من (ح).

(5)

في (ح): بأقل.

(6)

في (ح): فإن.

ص: 37

ضَرَرَه يَخْتَلِفُ، واكْتَفَى ابنُ عَقِيلٍ وصاحِبُ «التَّرغيب» بالوَزْن

(1)

.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 38

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْأُجْرَةِ بِمَا تَحْصُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ الثَّمَنِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(1)

؛ لِمَا رَوَى أبو

(2)

سعيدٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن اسْتِئْجار الأجِيرِ حتَّى يُبَيَّنَ له أَجْرُه» رواه أحمدُ

(3)

.

ويُعْتَبَرُ العِلْمُ بها مضْبُوطًا بالكيل

(4)

أو الوَزْن؛ لأِنَّها أَحَدُ العِوَضَينِ، فَاشْتُرِطَ مَعْرِفَتُها؛ كالعِوَضِ في البَيع.

فإنْ كانَ معلومًا بالمشاهَدَة؛ كصُبْرةِ نَقْدٍ، أوْ طَعامٍ؛ فوجْهانِ، فإنْ كان في الذِّمَّة؛ فكالثَّمَنِ، وإن كان مُعَيَّنًا؛ فكالمبيع، فلو آجَرَ

(5)

الدار

(6)

بعِمارتِها؛ لم تصح

(7)

؛ للجَهالة.

ولو آجَرَها بمُعَيَّنٍ، على أنَّ ما تَحتاجُ

(8)

إليه؛ بنفقة

(9)

المسْتَأْجِر؛ مُحْتَسِبًا

(1)

ينظر: المغني 5/ 327.

(2)

قوله: (أبو) سقط من (ح).

(3)

أخرجه أحمد (11565)، وأبو داود في المراسيل (181)، والبيهقي في الكبرى (11652)، من طريق حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم النّخعي، عن أبي سعيد رضي الله عنه مرفوعًا، وإبراهيم النَّخعي لم يسمع من أبي سعيد، وقد خالف حماد بن أبي سليمان: شعبةُ، فأخرجه النسائي (3857)، عنه موقوفًا، ورواه الثوري عن حماد كذلك، والحديث ضعفه مرفوعًا الإشبيلي والمنذري والزيلعي وابن الملقن وابن حجر، قال أبو زرعة:(الصّحيح موقوف عن أبي سعيد). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 600، نصب الراية 4/ 131، البدر المنير 7/ 39، مجمع الزوائد 4/ 97، التلخيص الحبير 3/ 132، الإرواء 5/ 311.

(4)

في (ح): بالمكيل.

(5)

في (ق): آجره.

(6)

قوله: (فلو آجر الدار) في (ح): فله أجرة الدر.

(7)

في (ح) و (ق): لم يصح.

(8)

في (ظ): يحتاج.

(9)

في (ح): ينفقه.

ص: 39

به من الأُجْرة؛ صحَّ؛ لأِنَّ الإصلاح

(1)

على المالِكِ، وقد وكَّلَه فيه، ولو شَرَطَ أنْ تكونَ

(2)

عليه خارِجًا عن الأُجْرةِ؛ لم يَصِحَّ.

(إِلاَّ أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجِيرَ بِطَعَامِهِ وَكُسْوَتِهِ)؛ رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ وعُمَرَ وأبِي مُوسى

(3)

؛ لِمَا تقدَّم مِنْ قَولِه عليه السلام: «رَحِمَ اللهُ أخِي مُوسَى» الخَبَرَ

(4)

، وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لنا ما لم يَثْبُتْ نَسْخُه، ولأِنَّ العادةَ جاريةٌ بِه من غَيرِ نَكِيرٍ، فكان كالإجْماع، ولأِنَّه مَقِيسٌ على الظِّئْرِ المنصُوصِ عليه، فَقَامَ العِوَضُ فيه مَقامَ التَّسْمية؛ كنَفَقَةِ الزَّوْجة.

وعَنْهُ: لا يَجُوزُ، اختاره

(5)

القاضِي؛ لأِنَّه مجهولٌ، وإنَّما جاز في الظِّئْر؛ للنَّصِّ.

وعلى الأوَّل: يكون الإطْعامُ والكُسْوةُ عِنْدَ التَّنازُع؛ كالزَّوجة، نَصَّ عليه

(6)

.

وعَنْهُ: كمِسْكِينٍ في الكَفَّارة.

قال في «الشَّرح» : لأِنَّ للكسوة

(7)

عُرْفًا، وهي كُسْوةُ الزَّوجات، وللإطْعام

(1)

في (ظ): الاصطلاح.

(2)

في (ظ): أن يكون.

(3)

ذكر ذلك في المغني 5/ 364، وتبعه جماعة من الأصحاب، ولم نقف إلا على أثر أبي موسى معلقًا، ذكره الخطابي في غريب الحديث (1/ 83)، والبغوي في شرح السنة (8/ 258)، روى ابن أبي نجيح، عن أبيه، قال: كان مع أبي موسى الأشعري غلام يخدمه بطعام بطنه.

(4)

مراده كما في المغني 7/ 336: حديث عُتْبةَ بنِ النُّدَّرِ رضي الله عنه: «إنّ موسى عليه السلام أجَر نفسه ثماني سنين، أو عشرًا، على عفّة فرجه، وطعام بطنه» ، وتقدم تخريجه 6/ 32 حاشية (5)، وقد ذكره غيرُ واحد، وزيادة:«رحمَ الله أخي موسى» ، لم نقف عليها في المصادر الحديثية.

(5)

في (ح): اختارها.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 137.

(7)

في (ح): الكسوة.

ص: 40

عُرْفًا، وهو الإطْعام في الكَفَّارات، وفي الملْبُوس إلى أقلِّ مَلْبُوسِ مِثْلِه؛ لأِنَّ الإطْلاقَ يُجْزِئُ فيه أقلُّ ما يَتَناوَلُه اللَّفْظُ كالوصيَّة، وليس له أنْ يُطْعِمَه إلاَّ ما يُوافِقُه من الأَغْذيةِ.

فإنِ احْتاجَ إلى دواءٍ لمَرَضِه؛ لم يَلْزَم المسْتَأْجِرَ؛ لِعَدَمِ شَرْطِه.

وعَنْهُ: يَصِحُّ في دابةٍ

(1)

بِعَلَفِها.

(وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ)، إجْماعًا

(2)

؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطّلَاق: 6]، و «اسْتَرْضَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِوَلَده إبْراهِيمَ»

(3)

، ولأِنَّ الحاجةَ تَدْعُو إليه؛ لأِنَّ الطِّفلَ في العادَةِ لا يَعِيشُ إلاَّ بالرَّضاع.

فإنْ جَعَلَ الأُجْرةَ طعامَها وكِسوتَها؛ جاز على المذْهَبِ؛ لِقَولِه تعالَى: {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 233].

وعَنْهُ: المنْعُ منه؛ لأِنَّه يَخْتَلِف، فيكونُ مَجْهولاً.

فعلى الصِّحَّة: لو اسْتَأْجَرَ للرَّضاع دُونَ الحَضانَة، أوْ بالعَكْس؛ اتُّبِعَ، فإنْ أطْلَقَ للرَّضاع؛ دَخَلَت الحَضانةُ في وَجْهٍ؛ للعُرْف.

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّ العَقْدَ لم يَتَناوَلْها؛ إذِ الحَضانةُ عِبارةٌ عن تَرْبِيَة الطِّفْل وحِفْظِه، وجَعْلِه في سَرِيره، ودَهْنه، وكَحْلِه، وغَسْلِ خِرَقِه، ونحوِه.

ويُشْتَرَطُ لصِحَّة العَقْد: العِلْمُ بمُدَّة الرَّضاع، ومعرفةُ الطِّفل بالمشاهَدَة، قال القاضِي: أو بالصِّفة، ومَوضِعِ الرَّضاع، ومَعْرفةُ العِوَضِ.

والمعقود

(4)

عليه في الرَّضاع: خِدْمةُ الطِّفل، وحَمْلُه، وَوَضْعُ الثَّدْيِ في فِيهِ، واللَّبَنُ تَبَعٌ؛ كالصَّبْغ.

(1)

في (ح): دوابه.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 106.

(3)

أخرجه مسلم (2316)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(4)

في (ح): المعقود.

ص: 41

وقيل: اللَّبَنُ، قال القاضِي: هو أَشْبَهُ؛ لأِنَّه المقصودُ، ولِهَذَا يُسْتَحَقُّ الأجْرُ بالرَّضاع دُونَ الخِدْمَةِ.

وهذا خاصٌّ بالآدَمِيِّينَ؛ للضرورة

(1)

إلى حِفْظه وبَقائه.

مسألةٌ: للمُرْضِعة أنْ تَأْكُلَ وتَشْرَبَ ما يُدِرُّ لَبَنَها، ويَصْلُحُ

(2)

به، وللمُكْتَرِي مُطالَبتُها بذلِكَ، فلو سَقَتْهُ لبن

(3)

غَنَمٍ، أو دَفَعَتْهُ إلى غَيرِها؛ فلا أُجْرةَ لها؛ لأِنَّها لم تَفِ بالمعْقُودِ عَلَيْهِ.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تُعْطَى) إذا كانَتْ حُرَّةً (عِنْدَ الْفِطَامِ عَبْدًا أَوْ وِلِيدَةً، إِذَا كَانَ الْمُسْتَرْضِعُ مُوسِرًا)؛ لِمَا رَوَى أبُو داودَ بإسْنادِه عن حَجَّاجِ بنِ حَجَّاجٍ الأَسْلَمِيِّ، عن أَبِيهِ قال: قُلْتُ يا رسول الله! ما يُذْهِبُ عنِّي مَذمَّةَ الرَّضاع؟ قال: «الْغُرَّةُ، الْعَبْدُ أو الْأَمَةُ»

(4)

، المذمَّةُ: بكَسْرِ الذَّال من الذِّمام، وبِفَتْحها من الذَّمِّ، ولأنَّ

(5)

ذلك سببُ حياةِ الولد وبَقائه، فاسْتُحِبَّ للمُوسِرِ جَعْلُ الجَزاء رَقَبَةً؛ لِتَنَاسُب ما بَينَ النِّعْمة والشُّكْر.

وأَوْجَبَهُ أبو بَكْرٍ؛ لِمَا ذَكَرْناه.

فإنْ كانَتِ المرْضِعَةُ أَمَةً؛ سُنَّ إعْتاقُها؛ لأِنَّه تَحْصُلُ

(6)

به المُجازاةُ.

(1)

في (ح): بالضرورة.

(2)

في (ق): وتصلح.

(3)

قوله: (لبن) سقط من (ح).

(4)

أخرجه أبو داود (2064)، والترمذي (1153)، والنسائي (3329)، وأحمد (15733)، وابن حبان (4230)، وحجاج بن حجاج بن مالك الأسلمي، لم يروِ عنه غير عروة بن الزبير، وسكت عنه البخاري وأبو حاتم، ووثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:(صدوق)، وقال ابن حجر:(مقبول)، والحديث صححه ابن حبان والترمذي، وقال:(حسن صحيح)، وضعفه الألباني. ينظر: التاريخ الكبير 12/ 371، الجرح والتعديل 3/ 15، ميزان الاعتدال 1/ 461، ضعيف أبي داود 2/ 200.

(5)

في (ح): لأن.

(6)

في (ق): يحصل.

ص: 42

(وَإِنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ إِلَى قَصَّارٍ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَعْمَلَاهُ)؛ أيْ: بالقَصْر أو الخِياطة، (وَلَهُمَا عَادَةٌ بِأُجْرَةٍ؛ صَحَّ، وَلَهُمَا ذَلِكَ)؛ أي: أجرة

(1)

المِثْلِ، (وَإِنْ لَمْ يَعْقِدَا عَقْدَ إِجَارَةٍ)؛ لأِنَّ العُرْفَ الجارِيَ بذلِكَ يَقُومُ مَقامَ القَولِ، فصار كنَقْدِ البلد.

وقِيلَ: يَسْتَحِقُّ الأُجْرَةَ مَنْ عُرِفَ بِأخْذِها.

وهذا إذا كانا مُنْتَصِبَينِ لذلك، وإلاَّ لَمْ يَسْتَحِقَّا أَجْرًا إلاَّ بِعَقْدٍ، أوْ بِشَرْطِ العِوَض، أوْ تَعْرِيضٍ؛ لأِنَّه لم يَجْرِ

(2)

عُرْفٌ يَقُومُ مَقامَ العَقْد، فهو كما لو عَمِلَ بغَيرِ إذْنِ مالِكِه.

وكذا لَوْ دَفَعَ متاعَه لِيَبِيعَه، نَصَّ عليه، أو اسْتَعْمَلَ حَمَّالاً، أوْ شاهِدًا، أوْ نحوَه؛ فله أُجْرةُ مِثْلِه، ولو لم يَكُنْ

(3)

له عادةٌ بِأَخْذِ الأجرة.

(وَكَذَلِكَ دُخُولُ الْحَمَّامِ، وَالرُّكُوبُ فِي سَفِينَةِ الْمَلاَّحِ)؛ أيْ: يَسْتَحِقَّانِ أُجْرةَ المِثْل بِدُونِ العَقْد؛ لأِنَّ شاهِدَ الحالِ يَقْتَضِيهِ، فصار كالتَّعريضِ، وكذا لو حَلَقَ رأْسَه، أوْ غَسَلَه، أوْ شَرِبَ منه ماءً، قالَهُ في «الرِّعاية» .

وما يُعْطاهُ الحَمَّامِيُّ؛ فهو أُجْرةُ المكان، والسَّطْلِ، والمِئْزَر، ويَدْخُلُ الماءُ تَبَعًا، ولَيسَ عَلَيهِ ضَمانُ الثِّيابِ إلاَّ أنْ يَسْتَحْفِظَه إيَّاها بالقَول صَرِيحًا، ذَكَرَه في «التَّلخيص» .

(وَتَجُوزُ إِجَارَةُ دَارٍ بِسُكْنَى دَارٍ، وَخِدْمَةِ عَبْدٍ، وَتَزْوِيجِ امْرَأَةٍ)؛ لقِصَّة شُعَيبٍ عليه السلام؛ لأِنَّه جَعَلَ النِّكاحَ عِوَضَ الأُجْرَة، ولأِنَّ كلَّ ما جاز أنْ يكونَ ثَمَنًا في البَيعِ؛ جازَ أن يكون

(4)

عِوَضًا في الإجارة، فكما

(5)

جازَ أنْ يكونَ

(1)

في (ح): أجري.

(2)

في (ق): لم نجد.

(3)

في (ق): لم تكن.

(4)

قوله: (أن يكون) سقط من (ح) و (ق).

(5)

في (ظ): وكما.

ص: 43

العِوَضُ عَينًا؛ جازَ أنْ يكونَ مَنْفَعَةً، سَواءً كان الجِنْسُ واحِدًا كالأوَّل، أو مُخْتَلِفًا كالثَّانِي.

ومَنَعَها أبُو حَنِيفةَ في المتَّفِقِ دُونَ المخْتَلِف

(1)

، كسُكْنَى دَارٍ بِمَنْفَعَةِ بَهِيمةٍ؛ لأِنَّ الجِنْسَ الواحِدَ عِنْدَه يَحرُم فيه النَّساءُ.

وجَوابُه: بِأنَّ المنافِعَ في الإجارة لَيسَتْ في تَقْدِير النَّسِيئة، ولو كانَتْ نَسِيئَةً ما جاز في جِنْسَيْنِ؛ لأِنَّه يكونُ بَيعُ دَينٍ بِدَينٍ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْحُلِيِّ) لِلُّبْس والعارِية، نَصَّ عليه

(2)

، وقالَهُ أكْثَرُ العُلَماء، (بِأُجْرَةٍ مِنْ جِنْسِهِ)؛ لأِنَّ الحُلِيَّ عَيْنٌ يُنْتَفَعُ بِها مَنْفَعَةً مُباحَةً مَقْصودَةً معَ بَقائِها، فَجازَ كالأراضِي.

(وَقِيلَ: لَا تَصِحُّ

(3)

؛ لأِنَّها تَحْتَكُّ بالاِسْتِعْمال، فيَذْهَبُ منه أجزاءٌ وإنْ كانَتْ يَسِيرةً، فيَحصُلُ الأجر في مقابَلَتها، ومُقابَلة الاِنْتِفاع بها يُفْضِي إلى بَيعِ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وشَيءٍ آخَرَ.

وعنه: الوَقْفُ، قال القاضِي: هذا مَحْمُولٌ على إجارته بأُجْرةٍ من جِنْسه، فأمَّا بغَيرِ جِنسه؛ فلا بَأْسَ؛ لِتَصْرِيحِه بِجَوازِه.

وما ذَكَرَه أوَّلاً هو الأَوْلى؛ لأنَّه لو قُدِّر نَقْصُها؛ فهو شَيءٌ يسيرٌ لا يُقابَل بِعِوَضٍ، ولا يَكادُ يَظْهَرُ في وَزْنٍ، ولو ظَهَرَ؛ فالأجرة

(4)

في مُقابَلة الاِنْتِفاع لا في مُقابَلة الأجزاء

(5)

؛ لأِنَّ الأجر

(6)

إنَّما هو عِوَضُ المنْفَعة، ولو كان في

(1)

ينظر: الأصل للشيباني 3/ 470.

(2)

ينظر: المغني 5/ 403.

(3)

في (ظ) و (ح): لا يصح.

(4)

في (ح): فلا أجرة.

(5)

في (ظ) و (ق): الأجر.

(6)

في (ح): الأجزاء.

ص: 44

مُقابَلة الجُزْء الذاهب

(1)

لَمَا جازَ إجارةُ أحَدِ النَّقْدَينِ بالآخَرِ؛ لِإفْضائه إلى التَّفرُّق قَبْلَ القَبْضِ.

تنبيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لَوِ اسْتَأْجَر مَنْ يَسْلُخُ له بهيمةً بجِلْدها؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ هل يَخرُج سليمًا أوْ لَا، وهل هو ثَخِينٌ أو رَقِيقٌ، ولأِنَّه لا يجوز أن يكونَ عِوَضًا في البَيع، فكذا هُنَا، فلو

(2)

سَلَخَها بذلك؛ فله أجْرُ المِثْل.

وكذا لو اسْتَأْجَرَ راعِيًا بثُلُثِ دَرِّها ونَسْلِها وصُوفِها، أو جميعِه، نَصَّ عليه في رواية سعيدِ بنِ محمَّدٍ النَّسائِيِّ

(3)

؛ إذ العِوَضُ مَعْدومٌ مَجْهولٌ لا يُدْرَى هل يُوجَدُ أمْ لَا، ولا يَصْلُح ثَمَنًا.

لا يُقال: قد جَوَّزْتُمْ دَفْعَ الدَّابَّةِ إلى مَنْ يَعْمَلُ عليها بِجُزْءٍ مِنْ مَغَلِّها؛ لأِنَّه إنَّما جاز تشبيهًا

(4)

بالمضارَبة؛ لأِنَّها عَينٌ تُنَمَّى بالعَمَلِ، فجَازَ، بخِلافه هُنا، مع أنَّ المجْدَ حَكَى روايةً بالجَواز، وحِينَئِذٍ فلا فَرْقَ.

وقِياسُ ذلك لَوْ دَفَعَ نَحْلَه إلى مَنْ يَقومُ عليه بجُزْءٍ مِنْ عَسَلِه أوْ شَمْعِه، والمذْهَبُ: لا يَصِحُّ؛ لِحُصولِ نَمائه بغَيرِ عَمَلِه، واخْتار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الجَوازَ.

فلَوِ اكْتَرَاهُ على رَعْيِها مُدَّةً مَعْلومةً بِجُزْءٍ مَعْلومٍ مِنْها؛ صَحَّ؛ لأِنَّ العَمَلَ والمُدَّةَ والأجْرَ مَعْلُومٌ، أشْبَهَ ما لَوْ جَعَلَه دَراهِمَ.

(1)

في (ح): الذهب.

(2)

في (ح): فله.

(3)

ينظر: المغني 5/ 328، الشرح الكبير 14/ 396، وفيهما أن اسمه: جعفر بن محمد النسائي.

وهو: جعفر بن محمد النسائي الشقراني الشعراني، أبو محمد، قال الخلال: رفيع القدر، ورعٌ، أمَّارٌ بالمعروف نهاء عن المنكر، وكان أبو عبد الله يكرمه ويقدمه ويأنس به، روى عن أبي عبد الله أجزاء صالحة ومسائل كثيرة. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 124.

(4)

في (ح): مشبهًا.

ص: 45

(وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَ هَذَا

(1)

الثَّوْبَ الْيَوْمَ؛ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ غَدًا؛ فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أصَحُّهُما: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه عَقْدٌ واحِدٌ، اخْتَلَفَ فيه العِوَضُ بالتَّقْديم والتَّأْخِير، فلم يَصِحَّ، كما لَوْ قال: بِعْتُكَ بِدِينارٍ نَقْدًا وبدينارين

(2)

نَسِيئَةً، فَعَلَى هذا: له أجْرُ المِثْل إنْ فَعَلَ.

والثَّانِيةُ: يَصِحُّ، قالَهُ الحارِثُ العُكْلِيُّ

(3)

؛ لأِنَّه سَمَّى لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا، كما لَوْ قال: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ.

وكذا الخِلافُ: إنْ زَرَعَهَا بُرًّا فَبِخَمْسَةٍ، وذُرةً

(4)

بِعَشَرَةٍ.

(وَإِنْ قَالَ: إِنْ خِطْتَهُ رُومِيًّا؛ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَإِنْ خِطْتَهُ فَارِسِيًّا؛ فَلَكَ نِصْفُ دِرْهَمٍ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، بِناءً على التي قَبْلَها، والأصحُّ: أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ لم

(5)

يَتَعَيَّنْ فِيهِ العِوَضُ ولا المعَوَّضُ، بخِلافِ: كُلُّ دَلْوٍ بِتَمْرةٍ، مِنْ حَيْثُ إنَّ العَمَلَ الثَّانِيَ يَنْضَمُّ إلى الأوَّلِ، ولِكُلٍّ عِوَضٌ مُقَدَّرٌ.

وعَنْهُ: فِيمَن اسْتَأْجَرَ رَجُلاً يَحمِل له كِتابًا إلى الكُوفَة، وقال: إن أوْصَلْتَه يوم

(6)

كذا فلك عِشرُونَ، وإنْ تأخَّرْتَ بَعْدَه فلك عَشَرَةٌ؛ أنَّها فاسِدةٌ، وله أجْرُ المِثْلِ

(7)

.

(وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً، وَقَالَ

(8)

: إِنْ رَدَدْتَهَا الْيَوْمَ فَكِرَاؤُهَا خَمْسَةٌ، وَإِنْ رَدَدْتَهَا

(1)

قوله: (هذا) سقط من (ظ).

(2)

في (ظ): بدينارين.

(3)

هو الحارث بن يزيد العكلي التيمي، كوفي ثقة، من فقهاء أصحاب إبراهيم، روى عن الشعبي والنخعي وغيرهما. ينظر: الثقات للعجلي 1/ 279، تهذيب التهذيب 2/ 163.

(4)

في (ح): وذر.

(5)

في (ح): فلم.

(6)

في (ح): وصلته اليوم.

(7)

ينظر: المغني 5/ 377.

(8)

في (ظ): فقال.

ص: 46

غَدًا فَكِرَاؤُهَا عَشَرَةٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ: لَا بَأْسَ بِهِ)، نَقَلَه عبدُ الله

(1)

، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا يُؤَدِّي إلى التَّنازُع.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّه مَعْلُومٌ، (دُونَ الثَّانِي).

قال في «الشَّرح» : والظَّاهِرُ عن أحْمَدَ فَسادُ العقد

(2)

، على قِياسِ بَيعَتَينِ في بَيعَةٍ، ثُمَّ قال: وقِياسُ حَدِيثِ عَلِيٍّ والأنصاريِّ صِحَّتُه

(3)

.

(وَإِنْ أَكْرَاهُ دَابَّةً عَشَرَةَ أَيَّامٍ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ، فَمَا زَادَ فَلَهُ بِكُلِّ يَوْمٍ دِرْهَمٌ، فَقَالَ أَحْمَدُ) في روايةِ أبي الحارِثِ

(4)

: (هُوَ جَائِزٌ)؛ لأِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ عِوَضًا مَعْلُومًا، فهو كما لَوِ اسْتَقَى كُلَّ دَلْوٍ بَتَمْرةٍ، ونَقَلَ عبدُ الله وابنُ

(5)

منصورٍ نحوَه

(6)

.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ فِي الْعَشَرَةِ وَحْدَهَا)؛ لأِنَّ المُؤْجَرَ الذي تُقابِلُه العَشَرَةُ مَعْلُومٌ دُونَ ما بَعْدَهُ؛ لأِنَّ مُدَّتَه غَيرُ مَعْلومةٍ فلم تصح

(7)

، كما لو قال:

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 304.

(2)

في (ح): الشرط.

(3)

سيأتي تخريج حديث عليٍّ رضي الله عنه قريبًا، وأما حديث الأنصاري: فأخرجه ابن ماجه (2448)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: فقال الأنصاري لليهودي: أسقي نخلك؟ قال: نعم، قال: كل دلو بتمرة، فاستقى بنحو من صاعين، فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: عبد الله بن سعيد المقبري وهو متروك.

(4)

قوله: (أبي) سقط من (ح). ينظر: الهداية ص 300.

(5)

في (ق): بن.

(6)

جاء في مسائل عبد الله ص 304: (سألت أبي عن الرجل يكتري الدابة، فيقول: إن رددتَ الدابة اليوم فكراها خمسة دراهم، وإن رددتها غدًا فكراها عشرة، قال: لا بأس، وكذلك لو قال: قد اكتريتها كل يوم تحبسها بعشرة دراهم فما حبسها فعليه لكل يوم عشرة دراهم).

وجاء في مسائل ابن منصور 6/ 2914: (قلت: رجل اكترى دابة من مكة إلى جدة بكذا وكذا، فإن ذهب من جدة إلى عسفان، فبكذا وكذا؟ قال سفيان: لا بأس. قال أحمد: لا، إذا كان في عقدة واحدة، نحن نقيم الكراء مقام البيع).

(7)

في (ح) و (ق): فلم يصح.

ص: 47

اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْمِلَ هذه الصُّبْرةَ، وهي عَشَرَةُ أقْفِزةٍ بِدِرْهَمٍ، وما زاد فلك بحِسابِه.

وجَوابُه: بأنَّه لا نَصَّ للإمام فيها، وقِياسُ قَولِه صِحَّتُها، ولو سُلِّم فَسادُها؛ فالقُفْزَانُ الذي شَرَطَ حَمْلَها غَيرُ مَعْلومةٍ، وهي مُختَلِفةٌ، فلم يَصِحَّ العَقْدُ؛ لِجَهالَتِها، بخلاف الأيَّام، فإنَّها مَعْلومَةٌ.

(وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكْتَرِيَ لِمُدَّةِ غَزَاتِهِ

(1)

، وهو قَولُ أكْثَرِ العُلَماء؛ لأِنَّ المدَّةَ والعَمَلَ مَجْهُولانِ، فلَمْ يَجُزْ، كما لو اسْتَأْجَرَ لِمدَّةِ سَفَرِهِ في تِجارتِه؛ لاِخْتِلافِها طُولاً وقِصَرًا، فإن فَعَلَ؛ فله أجْرُ المِثْلِ.

(وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ فَجَائِزٌ)؛ لأِنَّ «عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ آجَرَ نَفْسَه كلُّ دَلْو بِتَمْرةٍ، ولم يُنكِرْهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم»

(2)

، ولِأَنَّ الأجْرَ وكُلَّ يَومٍ مَعْلُومانِ؛ فَصَحَّ؛ كما لو آجَرَه شَهْرًا كُلَّ يَومٍ بكذا

(3)

.

وحِينَئِذٍ فلا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ ما يَسْتَأْجِرُ له مِنْ رُكُوبٍ وحَمْلِ مَعْلومٍ، ويَسْتَحِقُّ الأَجْرَ المسَمَّى سَواءٌ أقامَتْ أوْ سارَتْ؛ لأِنَّ المنافِعَ ذَهَبَتْ في مُدَّته، كما لو اسْتَأْجَرَ دارًا وأغْلَقَها.

وعنه: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ المدَّةَ مَجْهُولةٌ.

(وَإِنْ أَكْرَاهُ كُلَّ شَهْرٍ بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ دَلْوٍ بِتَمْرَةٍ؛ فَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 317، الروايتين والوجهين 1/ 423.

(2)

أخرجه أحمد في مسنده (1135)، وفي فضائل الصحابة (1229)، وأبو نعيم (1/ 70)، عن مجاهد، عن عليٍّ رضي الله عنه، ومجاهد لم يسمع من علي، قاله أبو زرعة وأبو حاتم وابن عبد الهادي. وأخرج ابن ماجه (2446)، والبيهقي في الكبرى (11649)، قصة عليٍّ عن ابن عباس رضي الله عنهم نحوه، وسندها ضعيف جدًّا، فيه حنش بن قيس وهو متروك، وللحديث طرق أخرى إما واهية جدًّا، أو ضعيفة، وضعفه الألباني. ينظر: تاريخ الإسلام 5/ 71، تهذيب الكمال 14/ 146، تنقيح التحقيق 4/ 181، الإرواء 5/ 313.

(3)

في (ظ) و (ق): كذا.

ص: 48

يَصِحُّ

(1)

، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ والقَاضِي، وعامَّةُ أصحابه

(2)

، والشَّيخانِ؛ لِمَا رُوِيَ عن عَلِيٍّ قال: «جُعْتُ مَرَّةً جُوعًا شَدِيدًا، فَخَرَجْتُ أطْلُبُ العملَ في عَوالِي المدينةِ، فإذا أنا بامْرأَةٍ قد جَمَعَتْ مدرًا

(3)

، فظَنَنْتُ أنَّها تُريدُ بلَّهُ، فَقَاطَعْتُها كلُّ ذَنُوبٍ بِتَمرةٍ، فمَدَدْتُ سِتَّةَ عَشَرَ ذَنُوبًا، فَعَدَّتْ لِي سِتَّ عَشرَةَ تَمْرةً، فأتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فأخْبَرْتُه، فأَكَلَ مَعِي منها» رواهُ أحْمَدُ

(4)

.

ومِثْلُه: إذا باعَهُ الصُّبْرةَ كلُّ قَفِيزٍ بِدِرْهَمٍ، فالعِلْمُ بالثَّمَن يَتْبَعُ العِلْمَ بالمثْمَن، فهُنَا كذلك، العِلْمُ بالأجر يَتْبَعُ العِلْمَ بالمنْفَعة.

فعلى هذا: تَلزَمُ الإجارةُ في الشَّهْرِ الأوَّلِ بإطْلاقِ العَقْد، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وما بَعْدَه يكون مُرَاعًى، ونَبَّهَ عليه بقَولِه: (وَكُلَّمَا دَخَلَ شَهْرٌ لَزِمَهُمَا

(5)

حُكْمُ الْإِجَارَةِ)، وقالَهُ أكْثَرُ الأصْحابِ؛ لأِنَّ دُخُولَه بمَنزِلة إِيقاعِ العَقْد على عَينِه ابْتِداءً.

(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا

(6)

الْفَسْخُ)؛ بأنْ يَقولَ: فَسَخْتُ الإجارَةَ في الشَّهر الآخَرِ، ولَيْسَ بِفَسْخٍ على

(7)

الحقيقة؛ لأِنَّ العَقْدَ الثَّانِيَ لم يَثْبُتْ، قالَهُ في «الشَّرح» ، (عِنْدَ تَقَضِّي كُلِّ شَهْرٍ)؛ لأِنَّ اللُّزُومَ إنَّما كان لِأَجْلِ الدُّخولِ المنَزَّلِ مَنْزِلَةَ إِيقاعِ العَقْدِ ابْتِداءً، ولم يُوجَدْ بَعْدُ.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه بِمُجَرَّدِ دخولِ الشَّهْرِ الآخَرِ يَلْزَمُ، ولم يَمْلِكَا الفَسْخَ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2917.

(2)

في (ح): أصحابنا.

(3)

في (ظ): بذرًا، وفي (ق): بيدرًا.

(4)

تقدم تخريجه 6/ 48 حاشية (2).

(5)

في (ح): ألزمهما.

(6)

قوله: (منهما) سقط من (ح).

(7)

قوله: (على) سقط من (ح).

ص: 49

قال ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: تَلزَمُ

(1)

بَقِيَّةُ الشُّهُورِ إذا شَرَعَ في أوَّلِ الجُزْءِ مِنْ ذلِكَ الشَّهْرِ.

وقال القاضِي: له الْفَسْخُ في جميع اليوم الأوَّلِ من

(2)

الشَّهْر الثَّاني، وبه قَطَعَ المجْدُ، وأوْرَدَه ابنُ حَمْدَان مَذْهَبًا، وهو أظْهَرُ.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : إذا تَرَكَ التَّلَبُّسَ به؛ فهو كالفَسْخ لا تَلزَمُه

(3)

أُجْرةٌ؛ لِعَدَم العَقْد.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ)، وابْنُ عَقِيلٍ، حكاهُ عنه في «الشَّرح»:(لَا يَصِحُّ) العَقْدُ، وهو روايةٌ؛ لأِنَّ المدَّةَ مَجْهولةٌ، وحَمَلَا كلامَ أحْمدَ على أنَّه وَقَعَ على مُعَيَّنةٍ، ولَيسَ بظاهِرٍ.

أمَّا لَوْ قال: آجَرْتُكَ دارِي عِشرينَ شَهْرًا، كلُّ شَهْرٍ بِدرْهَمٍ؛ فهو جائزٌ بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(4)

؛ لأِنَّ المدَّةَ والأَجْرَ مَعْلُومانِ، وليس لِواحِدٍ منهما الفَسْخُ؛ لأِنَّها مُدَّةٌ واحدةٌ، أشْبَهَ ما لو قال: أَجَرْتُكَ عِشْرِينَ شَهْرًا بعِشْرِينَ دِرْهَمًا.

فَرْعٌ: إذا قال: آجَرْتُكَ شَهْرًا بِدِرْهَمٍ، وما زاد فبِحسابِه؛ صحَّ في الشَّهْر الأوَّلِ، ويَحْتَمِلُ أنْ يَصِحَّ في كلِّ شَهْرٍ تَلَبَّسَ به، فلو قال: أَجَرْتُكَ هذا الشَّهرَ بِدِرْهمٍ، وكلُّ شَهْرٍ بَعْدَ ذلِكَ بِدِرْهمٍ؛ صَحَّ في الأوَّلِ، وفِيمَا بَعْدَهُ وَجْهانِ.

(1)

في (ظ): يلزم.

(2)

في (ح): في.

(3)

في (ق): لا يلزمه.

(4)

ينظر: المغني 5/ 332.

ص: 50

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْمَنْفَعَةُ مُبَاحَةً) لِغَيرِ ضَرورةٍ مَقْدُورٍ عَلَيهِ، قالَهُ في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ كإجارةِ دارٍ يَجْعَلُها مَسْجِدًا، وشَجَرٍ لِنَشْرِ ثِيابِه وقُعُودِه بِظِلِّه

(1)

، (مَقْصُودَةً)، فلا يَجُوزُ اسْتِئْجارُ شَمْعٍ لِيَتَجَمَّلَ به ويَرَدُّه، وطعامٍ لِيَتَجَمَّلَ به على مائِدَتِه ثُمَّ يَرُدُّهُ، ولا ثَوبٍ يُوضَعُ على سَرِيرِ الميت، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، ولأِنَّ مَا لَا يُقْصَدُ

(2)

لا يُقابَلُ بالعِوَضِ.

ويُعْتَبَرُ فيها: أنْ تكونَ مُتَقوِّمةً، فلو اسْتَأْجَرَ تفاحة لِلشَّمِّ؛ لم يَصِحَّ.

ومَمْلوكَةً لِلْمُسْتأْجِرِ، فلو اكْتَرَى دابَّةً لِرُكُوبِ المُوْجِر؛ فَلَا، ذَكَرَهُ القاضِي وأصحابُه.

(فَلَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ عَلَى الزِّنَى، وَالزَّمْرِ، وَالْغِنَاءِ)؛ لأِنَّ المنفَعَةَ المحرَّمةَ مطلوبٌ عَدَمُها، وصحَّةُ الإجارة تُنافِيها؛ إذِ المنفَعَةُ المحرَّمةُ لا تُقابَلُ بالعِوَض في البَيعِ، فكذا في الإجارة، أشْبَهَ إجارةَ أَمَتِه لِلزِّنى، وحَكاهُ ابْنُ المنذِرِ إجْماعًا في المغَنِّيَة والنَّائِحَةِ

(3)

.

(وَلَا إِجَارَةُ الدَّارِ لِتُجْعَلَ) كَنِيسةً، أو (بَيْتَ نَارٍ)، مع ظَنِّ الفِعْل، سَواءٌ شُرِطَ ذلِكَ في العَقْد أو لا، والمرادُ بها: النَّارُ التي يَعْبُدُها المجوسُ، أوْ مَنْ يَعْبُدُها، (أَوْ لِبَيْعِ الْخَمْرِ)؛ ولأِنَّه فِعْلٌ مُحرَّمٌ، فلم تَجُزِ الإجارةُ عَلَيهِ؛ كإجارةِ عَبْدِه للفُجُور، ولِمَا فِيهِ من الإعانَة على المعْصِيةِ.

(وَلَا يَجُوزُ

(4)

الاِسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ الْمَيْتَةِ)؛ أيْ: لِلأْكْل، ويُسْتَثْنَى منه:

(1)

في (ق): بطلبه. وفي (ظ): بطله.

(2)

في (ق): لا يقعد.

(3)

ينظر: الإجماع ص 107.

(4)

في (ح): ولا يصح.

ص: 51

المضْطَرُّ، قالَهُ في «الرِّعاية» وغيرِها، (وَالْخَمْرِ)؛ أيْ: لِلشُّرْبِ؛ لأِنَّه عليه السلام لَعَنَ حامِلَها والمحْمُولَةَ إلَيهِ

(1)

، ويَصِحُّ لِإلْقائها وإراقَتِها، وفي «الفروع»: أنَّ طَرْحَها كأَكْلِها.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)؛ لأِنَّه لا يَتَعَيَّنُ عَلَيهِ، (وَيُكْرَهُ أَكْلُ أُجْرَتِهِ)؛ لاِخْتِلافِ العُلَماء في حُرْمَتِه.

وعَنْهُ: فِيمَنْ حَمَلَ خِنْزِيرًا لِذِمِّيَّةٍ، أو خَمْرًا لِنَصْرَانِيٍّ: أكْرَه أكْلَ أُجْرتِه، ويُقْضَى لِلحَمَّال بالكِراء، فإنْ كان لِمُسلْمٍ فهو أَشَدُّ

(2)

.

قال القاضِي: هذا محمولٌ على أنَّه اسْتَأْجَرَه لِيُرِيقَها، فأمَّا لِلشُّرْب؛ فمَحْظُورٌ لا يَحِلُّ أخْذُ الأُجرة

(3)

عليه.

وبعَّد في «المغْنِي» هذا التَّأْوِيلَ.

وفي «الرِّعاية» : هل يَأْكُلُ الأجْرَ أوْ يَتَصَدَّقُ به؟ فيه وَجْهانِ.

(1)

جاء في ذلك عدّة أحاديث، أشهرها: ما أخرجه أبو داود (3674)، والبيهقي في الكبرى (10778)، وسنده حسن، وقد جوّده ابن الملقن، وصححه الحاكم وابن السكن، والألباني بشواهده. ينظر: خلاصة البدر 2/ 319، التلخيص الحبير 4/ 136، الإرواء 5/ 536.

(2)

ينظر: المغني 5/ 407.

(3)

في (ظ) و (ح): الأجر.

ص: 52

(فَصْلٌ)

(وَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: إِجَارَةُ عَيْنٍ، فَتَجُوزُ إِجَارَةُ كُلِّ عَيْنٍ يُمْكِنُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاحَةِ مِنْهَا مَعَ بَقَائِهَا)؛ كالأرْضِ، والدُّورِ، والبَهائِمِ، والثِّيَابِ، ونحْوِها.

(فَيَجُوزُ لَهُ اسْتِئْجَارُ حَائِطٍ لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ)؛ أي: إذا كان الخَشَبُ مَعْلُومًا؛ لأِنَّه مَنْفَعَةٌ مُباحةٌ مَقْصودةٌ، مَقْدورٌ على تَسْلِيمها واسْتِيفائها، فجازَتْ؛ كالسَّطْح للنَّوم عليه.

(وَحَيَوَانٍ لِيَصِيدَ بِهِ)؛ كالفَهْد والبازِي، في مُدَّةٍ مَعْلُومةٍ؛ لأِنَّ فِيهِ نَفْعًا مُباحًا تجوز إعارتُه له، فكذا إجارتُه.

وفي «التَّبْصِرة» : أنَّه يَصِحُّ إجارتُها للصَّيد، مع أنَّه ذُكِرَ في بَيعِها الخِلافُ.

وعُلِمَ منه: أنَّ سِباعَ البَهائِم والطَّيرِ التي لا تصلح

(1)

لِلصَّيد لا تَجُوزُ إجارتُها؛ لِعَدَمِ النَّفْع فيها

(2)

.

(إِلاَّ الْكَلْبَ)؛ فإنَّه لا يَجُوزُ؛ كالخِنزِير؛ لِعَدَم جَوازِ البَيعِ.

وقيل: يَجُوزُ لِصَيدٍ وحِراسةٍ؛ لِوُجودِ النَّفْع المباحِ.

(وَاسْتِئْجَارُ كِتَابٍ) فيه عِلْمٌ مُباحٌ (لِيَقْرَأَ فِيهِ)؛ لأِنَّه نَفْعٌ مَقْصودٌ يُحْتاجُ إليه، وكذا النَّسخُ والرِّوايةُ منه، ولو عَبَّر ب (الاِنْتِفاع) لَعَمَّ.

وتَجُوزُ إجارةُ كتابٍ فيه خَطٌّ حَسَنٌ يَنْقُلُ مِنْه، ويَكتُبُ عَلَيهِ على قِياسِ ذلِكَ، قالَهُ في «الشَّرح» .

(إِلاَّ الْمُصْحَفَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ

(1)

في (ظ): لا يصلح.

(2)

في (ح): بها.

ص: 53

بَيعُه؛ إجْلالاً لِكتابِ الله تعالَى وكلامِه عن المعاوَضَة به، فلم تَجُزْ

(1)

إجارتُه.

والثَّانِي: بَلَى؛ لأِنَّه انْتِفاعٌ مُباحٌ؛ كالإعارة وسائر الكُتُبِ، ولا يَلزَمُ مِنْ عَدَمِ البيع؛ عَدَمُ جَوازِ الإجارة؛ كالحُرِّ، والوقف، وأمِّ الوَلَد.

فَرْعٌ: يَصِحُّ نَسخُ المصحَف بأُجْرةٍ، نَصَّ عليه

(2)

، فإنْ نَسَخَهُ ذِمِّيٌّ ولم يَحْمِلْه؛ فوجْهانِ.

(وَاسْتِئْجَارُ النَّقْدِ لِلتَّحَلِّي)؛ أيْ: لِتَحْلية امرأةٍ، (وَالْوَزْنِ)؛ لأِنَّه أمْكَنَ الاِنْتِفاعُ بها مع بَقاءِ عَينِها، وذَكَر جماعةٌ فيه: بأُجرةٍ من جِنْسه، (لَا غَيْرُ) من الإنفاق

(3)

ونحوِه؛ لِمَا فيه من إذْهاب عَينِها، وبقاؤها شَرْطٌ.

(فَإِنْ أَطْلَقَ الْإِجَارَةَ؛ لَمْ يَصِحَّ

(4)

فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قالَهُ القاضِي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية الكبرى» ؛ لأِنَّ الإجارةَ تَقْتَضِي الاِنْتِفاعَ، وهو في النَّقْدَينِ إنَّما هُوَ بأعْيانِهما، وحِينَئِذٍ يَصيرُ قَرْضًا

(5)

؛ لأِنَّه إذا أُطْلِق الاِنْتِفاعُ؛ حُمِل على المعْتاد.

(وَيَصِحُّ فِي الآْخَرِ)، قالَهُ أبو الخَطَّاب، وصحَّحه في «المغْنِي» ؛ لأِنَّ العَقْدَ متى أمْكَنَ حَمْلُه على الصِّحَّة؛ كان أَوْلَى من إفْساده، (وَيُنْتَفَعُ بِهَا فِي ذَلِكَ)؛ أيْ: في الوَزْن والتَّحَلِّي؛ لأِنَّهُما هما اللذان حُمِلَ العَقْدُ عَلَيهِما، أشْبَهَ اسْتِئْجارَ الدَّارِ مُطْلَقًا، فإنَّه يَصِحُّ، ويُحْمَلُ على السُّكْنَى، وَوَضْعِ المتاع فيها.

(وَيَجُوزُ اسْتِئْجَارُ وَلَدِهِ لِخِدْمَتِهِ)؛ كالْأَجْنَبِيِّ، وسائِرِ الأَقارِبِ غَيرِ الأبِ.

وله

(6)

اسْتِئْجارُ مُسْلِمٍ لِعَمَلٍ مُباحٍ.

(1)

في (ظ): فلم يجز.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 139.

(3)

في (ظ): الاتفاق.

(4)

في (ظ): لم تصح.

(5)

في (ق): فرضًا.

(6)

أي: وللذمي. ينظر: المغني 5/ 410، الشرح الكبير 14/ 336.

ص: 54

وعَنْهُ: غَيرَ خِدْمةٍ.

وقيل: إنِ اسْتَأْجَرَه لِعَمَلٍ مُباحٍ في ذِمَّتِه؛ صحَّ، وإلاَّ فَلَا.

ويَجُوزُ اسْتِئْجارُ ذِمِّيٍّ لِبِناءِ مَسْجِدٍ ونحوِه.

(وَامْرَأتِهِ لِرَضَاعِ وَلَدِهِ وَحَضَانَتِهِ)؛ لِقَولِهِ تعالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ

} الآيةَ [الطّلَاق: 6]، وقَولِهِ عليه السلام:«لا تُرضِع لكمُ الحَمْقاءُ»

(1)

، يَدُلُّ بمَفْهومِه على جَواز اسْتِرْضاع غيرِها، ولأِنَّ كُلَّ عَقْدٍ يَصِحُّ مع غَيرِ الزَّوجِ؛ فَيَصِحُّ مَعَه كالبَيع، ولا فَرْقَ بَينَ أنْ تكونَ في حِبالِ الزَّوج أوْ مُطَلَّقةً في الأصحِّ.

وقال القاضِي: لا يَجُوزُ، وحَمَلَ كَلامَ الخِرَقِيِّ على أنَّها في حِبالِ زَوجٍ آخَرَ.

ورُدَّ: بأنَّها لو كانَتْ في حِبالِ زَوجٍ آخَرَ؛ لَسَقَطَ حقُّها من الحَضانة، ثم

(2)

لَيسَ لها أنْ تُرْضِعَ إلاَّ بإذْنِ زَوجِها.

وبقيَّةُ الْأَقارِبِ كالأمِّ في الجَواز، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ

(3)

.

(1)

أخرجه البزار (42)، من طريق عكرمة بن إبراهيم، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«لا تَسترضعوا الحَمقاء؛ فإنّ اللّبن يُورث» ، عكرمة ضعيف منكر الحديث كما قاله الفسوي، وقال أبو داود:(ليس بشيء). ولم يتفرد به، فأخرجه الطبراني في الصغير (137)، من طريق أبي أمية بن يعلى الثقفي، عن هشام به وأبو أمية متروك الحديث. وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الأوسط (65)، وفي سنده: الحكم بن يعلى المحاربي، وهو منكر الحديث. وحديث أنس رضي الله عنه: أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 263)، وفي سنده: عمرو بن خليف الحتاوي متّهم بالوضع، وفيه أيضًا: يغنم بن سالم بن قنبر، يروي عن أنس مناكير. وأخرج أبو داود في المراسيل (207)، من طريق هشام بن إسماعيل المكي، عن زياد السّهمي مرسلاً، وفي سنده ضعف. ينظر: التاريخ الكبير 3/ 342، ميزان الاعتدال 1/ 255، المعرفة والتاريخ 3/ 61، الضعيفة (5602).

(2)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(3)

ينظر: المغني 5/ 369.

ص: 55

(وَلَا تَصِحُّ

(1)

إِلاَّ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ):

(أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَ عَلَى نَفْعِ الْعَيْنِ دُونَ أَجْزَائِهَا)؛ لأِنَّ الإجارةَ هي بَيعُ المنافِعِ، فلا تَدخُلُ الأجْزاءُ فِيهَا، (فَلَا تَصِحُّ

(2)

إِجَارَةُ الطَّعَامِ لِلْأَكْلِ، وَلَا الشَّمْعِ لِيُشْعِلَهُ)؛ لأِنَّ هذا لا يُنْتَفَعُ به إلاَّ بإتْلافِ عَينِه؛ فلم يَجُزْ، كما لو اسْتَأْجَرَ دِينارًا لِيُنْفِقَه، فلو اكْتَرَى شَمْعَةً لِيُسْرِجَهَا ويَرُدَّ بَقِيَّتَها وثَمَنَ ما ذَهَبَ وأجْرَ

(3)

الباقِي؛ فهو فاسِدٌ؛ لأِنَّه يَشْمَلُ بَيعًا وإجارةً، وما وَقَعَ عليه عَقْدُ البَيعِ مجْهولٌ، وحَيْثُ جُهِلَ؛ جُهِلَ الآخَرانِ.

(وَلَا حَيَوَانٍ لِيَأْخُذَ لَبَنَهُ)؛ كالإبِلِ ونحوِها، وأخْذُ الصُّوف، والشَّعر، والوَبَر: كاللَّبَن، وجَوَّزَ الشَّيخُ تقِيُّ الِّدينِ إجارةَ الحَيَوَانِ لأِخْذِ لَبَنِه

(4)

.

فإنْ قام عليها المسْتَأْجِرُ وعَلَفَهَا؛ فكاسْتِئْجار الشَّجَر، وإنْ عَلَفَها ربُّها وأَخَذَ المشْتَرِي اللَّبَنَ؛ فبَيعٌ، ولَيْسَ هذا بِغرَرٍ، فإنَّه كمَنِيحةِ

(5)

الشَّارِعِ، وهو عارِيَتُها لِلاِنْتِفاع بلَبَنِها، كما يُعِيرُه الدَّابَّة لِرُكوبِها؛ لأِنَّ هذا يَحْدُثُ شَيئًا فَشَيئًا، فهو بالمنافِع أشْبَهُ، فإلْحَاقُه بها أَوْلَى.

(إِلاَّ فِي الظِّئْرِ)؛ فإنَّهُ يَجُوزُ، وقد تقدَّمَ، (وَنَقْعِ الْبِئْرِ)؛ أيْ: ماؤُهَا المسْتَنْقِعُ فيها، قالَهُ ابْنُ فارِسٍ

(6)

، وعبَّر في «المبهج» وغيره: وماء بِئْرٍ، (فَإِنَّهُ يَدْخُلُ تَبَعًا)، هو عائدٌ إلى الأخير

(7)

لِإفْراده الضّمِيرَ، ولا يَصِحُّ عَوْدُه إلى

(1)

في (ق): ولا يصح.

(2)

في (ح): فلا يجوز، وفي (ق): فلا يصح.

(3)

في (ق): وأجزاء.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 551.

(5)

في (ق): لمبيحه.

(6)

ينظر: مقاييس اللغة 5/ 472.

(7)

في (ظ) و (ح): الأجير.

ص: 56

الظِّئْر؛ لأِنَّ المعْقُودَ عليه إنْ كان الخِدْمةَ؛ فلا يَصِحُّ استثناؤها

(1)

مِمَّا ذُكِرَ؛ لأِنَّها لَيستْ من جِنْس المسْتَثْنَى منه؛ لأِنَّ خِدْمةَ المرْضِعَةِ نَفْعٌ

(2)

معَ بَقاءِ العَينِ، وإن كانَ اللَّبَنَ، فلا يَصِحُّ قَولُه:(يَدخُلُ تَبَعًا)؛ لأِنَّه مَعْقُودٌ عليه، فهو أصْلٌ لا تَبَعٌ، بخِلافِ نَقْعِ البِئْر، فإنَّ هَواءَ البِئْر وعُمْقَه فيه نَوعُ انْتِفاعٍ لِمرُورِ الدَّلْوِ فيه، وفي «التَّبصِرَة» يعود ذلك إلَيهِما، انْتَهَى.

وكذا حِبْرُ ناسِخٍ، وخُيُوطُ خَيَّاطٍ، وكُحْلُ كَحَّالٍ، ومَرْهَمُ طَبِيبٍ، ومَنَعَه في «المغْني» .

قال ابْنُ عَقِيلٍ: يَجُوزُ اسْتِئْجارُ البِئْر ليستقي

(3)

منه أيَّامًا مَعْلومةً، وفي «الفُصول»: أنَّه لا يُسْتَحَقُّ بالإجارة؛ لأِنَّه إنَّما يُمْلَكُ بحِيازتِه.

تَنْبِيهٌ: ذَهَبَ جُمْهورُ العُلَماء: أنَّه لا يَجُوزُ إجارةُ الفَحْل للضراب

(4)

؛ «لِنَهْيِه عليه السلام عن عَسْبِ الفَحْل» متَّفَقٌ عليه

(5)

، ولأِنَّ المقْصودَ الماءُ، وهو مُحرَّمٌ لا قِيمةَ له، فلم يَجُزْ أخْذُ العِوَض عنه؛ كالميتة.

وخرَّج أبو الخَطَّاب وجْهًا بجَوازه؛ بِناءً على إجارَةِ الظِّئْر والبِئْرِ؛ لأِنَّ الحاجَةَ تَدْعُو إلَيهِ، فيَنْبَغِي أنْ يُوقَعَ العَقْدُ على العمل، ويُقدِّره

(6)

بمَرَّةٍ أوْ مَرَّتَينِ.

(1)

في (ح): استيفاؤها.

(2)

في (ق): تقع.

(3)

في (ظ): ليسقي.

(4)

في (ح): للضرب.

(5)

أخرجه البخاري (2284) بهذا اللَّفظ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وانفرد به البخاريُّ كما قاله ابن عبد الهادي، وهو كذلك كما في تحفة الأشراف، وأخرج مسلم (1565)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، بلفظ:«نهَى عن بيعِ ضراب الجمل» . ينظر: تحفة الأشراف 6/ 188، تنقيح التحقيق 4/ 102.

(6)

في (ق): ونقدره.

ص: 57

وقيل: يُقدِّره

(1)

بالمدَّة، وهو بعيدٌ، إلَّا أنْ يَكْتَرِيَ فَحْلاً لإطراق ماشِيَةٍ كثيرةٍ.

والمذهَبُ الأوَّلُ، فإنِ احْتاجَ إليه، ولم يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُه له؛ جاز أنْ يَبْذُلَ الكِراءَ، ولَيسَ للمُطْرِقِ أخْذُه، فإنْ أطْرَقَ إنْسانٌ فحله

(2)

بغير شَرْطٍ، فأُهْدِيَتْ له هَدِيَّةٌ لذلك؛ فلا بَأْسَ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

ونَقَلَ ابنُ القاسِمِ: لم يَبْلُغْنا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعْطَى شَيئًا كالحَجَّام

(3)

، فحَمَلَه القاضِي على ظاهِرِه، وأنَّه مُقْتَضَى النَّظَرِ، وحَمَلَه في «المغْنِي» على الوَرَعِ، وهو ظاهِرٌ.

قال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ: فَلَوْ أنْزاهُ

(4)

على فَرَسِه فَنَقَصَ؛ ضَمِنَ نَقْصَه

(5)

.

(الثَّانِي: مَعْرِفَةُ الْعَيْنِ) المؤجَرة (بِرُؤْيَةٍ) إنْ كانَتْ لا تَنْضَبِطُ بالصِّفات؛ كالدَّار والحَمَّام، (أَوْ بِصِفَةٍ

(6)

إنْ كانَتْ تَنْضَبِطُ بها؛ كالبَيعِ، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) وهو الأَشْهَرُ، وعليه الأكْثَرُ.

فلو اسْتَأْجَرَ دارًا أوْ حَمَّامًا، فلا بُدَّ من الرُّؤْيةِ كالمبِيعِ؛ لأِنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ بالصِّغَر والكِبَر، ومَعْرِفةِ مائِه، ومُشاهَدة الإِيوَانِ، ومَطْرَح الرَّمَاد، ومَصْرِف الماءِ، مع أنَّ أحمدَ كَرِهَ كِرَاءَ الحَمَّام

(7)

؛ لأِنَّه يَدخُلُه مَنْ تَنْكَشِفُ

(1)

في (ق): نقدره.

(2)

في (ح): فحمله.

(3)

ذكر المصنف رواية ابن القاسم مختصرة، ونصها في المغني 4/ 159:(قال أحمد في رواية ابن القاسم: لا يأخذ. فقيل له: ألا يكون مثل الحجام يعطى، وإن كان منهيًّا عنه؟ فقال: لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى في مثل هذا شيئًا كما بلغنا في الحجام)، وحديث إعطاء الحجام: أخرجه البخاري (2278)، ومسلم (1202)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

في (ق): أبراه.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 320.

(6)

في (ق): أو صفة.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 265.

ص: 58

عَورَتُه فيه، وحَمَلَه ابنُ حامِدٍ على التَّنزِيهِ، والعَقْدُ صَحِيحٌ، وحكاهُ ابنُ المنْذِر إجْماعًا حَيْثُ حدَّده

(1)

، وذَكَرَ جَميعَ آلَتِه شُهورًا مُسَمَّاةً

(2)

.

(وَتَصِحُّ

(3)

فِي الآْخَرِ بِدُونِهِ)؛ كالبيع

(4)

؛ إذِ الخِلافُ هنا مَبْنِيٌّ على الخِلاف في البَيع، (وِلِلْمُسْتَأْجِرِ خِيارُ الرُّؤْيَةِ)؛ لأِنَّه إذا اشْتَرَى ما لم يَرَهُ ولم يُوصَفْ؛ له الخِيارُ، فكذا هُنَا.

(الثَّالِثُ: الْقُدْرَةُ عَلَى التَّسْلِيمِ)؛ لأِنَّها بَيعُ المنافِعِ، أشْبَهَتْ بَيعَ الأعْيانِ، (فَلَا تَصِحُّ إِجَارَةُ الآْبِقِ، وَالشَّارِدِ، وَلَا الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ

(5)

، وَلَا الْمَغْصُوبِ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ)؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ تَسْليمُ المعْقُود عليه، فلا تَصِحُّ إجارتُه؛ كبَيعِه.

(وَلَا تَجُوزُ

(6)

إِجَارَةُ الْمُشَاعِ مُفْرَدًا لِغَيْرِ شَرِيكِهِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروع» ، ونَقَلَهُ في «الشَّرْح» عن الأصْحابِ؛ لأِنَّه لا يَقْدِرُ على تَسْلِيمِه إلاَّ بِتَسْليمِ نَصِيبِ شَرِيكِه، ولا ولاية له عَلَيهِ، فلم يَصِحَّ كالمغْصوبِ.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِهِ)، اخْتارَهُ أبُو حَفْصٍ العكبري، وأبُو الخَطَّابِ، والحُلْوانِيُّ، والحافِظُ ابن عبدِ الهادِي في «حواشيه»

(7)

، وصاحِبُ «الفائق» ، وغَيرُهم، وعَلَيهِ العَمَلُ؛ لأِنَّه مَعْلُومٌ يَجُوزُ بَيعُه، فجازَتْ إجارتُه

(1)

في (ق): جدده.

(2)

ينظر: الإشراف 6/ 324.

(3)

في (ح): ولا تصح. وفي (ظ): ويصح.

(4)

في (ح): كالميع.

(5)

قوله: (ولا الطير في الهواء) سقط من (ظ) و (ق).

(6)

في (ظ): ولا تصح. وكتب فوقها: تجوز.

(7)

قوله: (والحافظ بن عبد الهادي في «حواشيه») سقط من (ح) و (ق).

ص: 59

كالمفْرَزِ، وكشريكه، وكما لو آجَرَه الشَّرِيكانِ مَعًا.

قال بعْضُ أصْحابِنا في طَرِيقَتِه: والصَّحيحُ صحَّةُ رَهْنِه، وإجارته، وهِبَتِه، ولا خِلافَ في صحَّةِ بَيعِه عِنْدَ الأَرْبَعةِ

(1)

، وفيه خِلافٌ، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ.

وهل

(2)

إِيجارُ حَيَوانٍ ودَارٍ لاِثْنَينِ وهما لواحِدٍ، أو تَصِحُّ؟ فيه وَجْهانِ.

وكذا وصيَّتُه

(3)

بمَنفَعَتِه، فلو كانت الدَّارُ لواحِدٍ، فآجَرَ نِصْفَها؛ صحَّ، ثمَّ إنْ آجَرَ الآخَرُ للأوَّل

(4)

؛ صحَّ، وإن كان لغَيرِه؛ فوَجْهانِ.

فَرْعٌ: إذا اسْتَأْجَرَ ذِمِّيٌّ مُسِلِمًا للخِدْمة؛ لم يَجُزْ، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأِنَّه حَبْسٌ يَتَضَمَّنُ إذْلالَ المسْلِم، فلم يَصِحَّ على الأصحِّ، بخِلافِ ما إذا آجَرَ نَفْسَه في عَمَلٍ مُعَيَّنٍ في الذِّمَّة؛ كالخِياطة، فإنَّه يَجُوزُ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(6)

.

فائدةٌ: إذا اسْتَأْجَرَ دِيكًا يُوقِظُه للصَّلاة؛ لم يَجُزْ، نَقَلَهُ إبْراهِيمُ

(7)

.

(الرَّابِعُ: اشْتِمَالُ الْعَيْنِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، فَلَا تَجُوزُ إِجَارَةُ بَهِيمَةٍ زَمِنَةٍ لِلْحَمْلِ، وَلَا أَرْضٍ) سَبخَةٍ

(8)

(لَا تُنْبِتُ للزَّرْعِ

(9)

؛ لأِنَّ الإجارةَ عَقْدٌ على المنْفَعَةِ، ولا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هذه المنفَعَةِ في هذه العَينِ، فلا تَصِحُّ إجارَتُها كالآبِقِ.

قال في «الموجز» : وحَمَامٍ لِحَمْلِ الكُتُب؛ لِتَعَذُّبِه، وفيه احْتِمالٌ، قال في

(1)

ينظر: المبسوط للسرخسي 12/ 64، المدونة 3/ 516، البيان 7/ 297، الفروع 7/ 151، المحلى 8/ 3.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 151: وهل مثله إيجار حيوان.

(3)

في (ق): وصيه.

(4)

في (ح): الأول.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 430.

(6)

ينظر: المغني 5/ 410.

(7)

أي: إبراهيم الحربي. ينظر: المغني 5/ 410.

(8)

في (ظ) و (ح): بسبخة.

(9)

في (ظ): الزرع.

ص: 60

«التَّبْصِرَة» : هو أَوْلَى.

(الْخَامِسُ: كَوْنُ الْمَنْفَعَةِ مَمْلُوكَةً لِلْمُؤْجِرِ، أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهَا)؛ لأِنَّها بَيعُ المنافِعِ، فاشْتُرِطَ فيها ذلك كالبيع، فلو تَصَرَّفَ فيما لا يَمْلِكُه ولا إذْنَ له فِيه؛ لم يَجُزْ؛ كبَيعِه.

وقيل: بلى، ويَقِفُ على الإجازة؛ كالبَيعِ.

(فَيَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ إِجَارَةُ الْعَيْنِ)؛ أيْ: بَعْدَ قَبْضِها، نَصَّ عليه

(1)

، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقالَهُ جَمْعٌ؛ لأِنَّ المنْفَعةَ مَمْلوكَةٌ له، فجاز له إجارتُها؛ كبَيع المبِيعِ، (لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ أيْ: في

(2)

الاِنْتِفاع، أوْ دُونَه؛ لأِنَّ المنفَعَةَ لَمَّا كانَتْ مَمْلُوكةً له؛ جاز له أنْ يَسْتَوْفِيَها بنَفْسِه ونائبه

(3)

، ولا يَجُوزُ لِمَنْ هو أكْثَرُ ضَرَرًا منه.

وذَكَرَ القاضِي: أنَّه لا يَجُوزُ له إجارتُها؛ لِنَهْيِه عليه السلام عن رِبْحِ ما لم يُضْمَنْ

(4)

، والمنافِعُ لم تَدخُلْ في ضَمانه؛ لِعَدَمِ قَبْضِها، أشْبَهَ بَيعَ المكِيلِ قَبْلَ قَبْضِه.

وجَوابُه: بأنَّ قَبْضَ العَينِ قائمٌ مَقَامَ قَبْضِ المنافِعِ، كبَيْعِ الثَّمَرة على الشَّجَرِ.

فأمَّا إجارتُها قَبْلَ قَبْضِها من غَيرِ المؤْجِر؛ فوَجْهان:

أحدهما: يَجُوزُ؛ لأِنَّ قَبْضَ العَينِ لا يَنْتَقِلُ به الضَّمانُ إلَيهِ، فلَمْ يَقِفْ جَوازُ التَّصرُّفِ عَلَيهِ.

والثَّانِي: المنْعُ؛ لأِنَّ المنافِعَ مَمْلُوكةٌ بِعَقْدِ مُعاوَضَةٍ، فاعْتُبِرَ في جَوازِ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2656، مسائل ابن هانئ 2/ 33.

(2)

في (ح): من.

(3)

في (ق): وبنائبه.

(4)

سبق تخريجه 5/ 102 حاشية (1).

ص: 61

العَقْدِ عَلَيها القَبْضُ؛ كالأعْيانِ.

(وَيَجُوزُ

(1)

لِلْمُؤْجِرِ)، ما لم يَكُنْ

(2)

حِيلةً؛ كَعِينةٍ.

وظاهِرُه: أنَّه يَجُوزُ قَبْلَ القَبْضِ.

وفي «الشَّرح» : أنَّها إذا لم تَجُزْ من غَيرِ المؤْجِر؛ فَوَجْهانِ هُنا

(3)

:

أحدُهما: لا يَجُوزُ؛ كغَيرِه.

والثَّانِي: بلى؛ لأِنَّ القَبْضَ لا يَتَعذَّرُ عليه، بخِلافِ الأَجْنَبِيِّ.

وأصْلُهُما بَيعُ الطَّعام قَبْلَ قَبْضِه؛ هل يَصِحُّ مِنْ بائعِه؟ على رِوايَتَينِ.

(وَغَيْرِهِ)، وقد سَبَقَ.

(بِمِثْلِ الْأُجْرَةِ)، فلا شبْهةَ فيه، (وَزِيَادَةٍ) نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّ كلَّ عَقْدٍ جاز

(5)

برأْسِ المالِ؛ جازَ بِأَكْثَرَ، كبَيعِ المبِيعِ بَعْدَ قَبْضِه.

(وَعَنْهُ: لَا تَجُوزُ

(6)

بِزِيَادَةٍ)؛ لِنَهْيِه عليه السلام عن رِبْحِ ما لم يُضْمَنْ

(7)

، والمنْفَعةُ في الإجارة غَيرُ مَضْمونَةٍ.

(وَعَنْهُ: إِنْ جَدَّدَ فِيهَا عِمَارَةً؛ جَازَتِ الزِّيَادَةُ)؛ لأِنَّ الرِّبْحَ وَقَعَ في مُقابَلةِ العِمارةِ، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: وإنْ لم يُجَدِّدْ فِيها عِمارةً؛ لم تَجُزِ الزِّيادةُ، فلَوْ فَعَلَ تصدَّق بالزِّيادة.

وعَنْهُ: إنْ أذِنَ المؤْجِرُ فِيهَا؛ جازَتْ، وإلاَّ فَلَا.

(1)

في (ق): وتجوز.

(2)

في (ق): لم تكن.

(3)

قوله: (هنا) سقط من (ق).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2656.

(5)

في (ح): جائز.

(6)

في (ق): لا يجوز.

(7)

سبق تخريجه 5/ 102 حاشية (1).

ص: 62

مسألة: سُئِل أحمدُ عن رجُلٍ يَتَقَبَّلُ عَمَلاً من الأعمال، فتقبَّلَه بأقلَّ من ذلك؛ يجوز له الفَضْلُ؟ قال: ما أدْرِي، هي مسألةٌ فِيهَا بَعْضُ الشَّيءِ

(1)

.

وقال النَّخَعِيُّ في الخَيَّاط: إذا تقبل بأجْرٍ معْلومٍ؛ فإنْ أعانَ فيها أخَذَ فَضْلاً، وإلاَّ فله، وحَمَلَ قَولَه في «الشَّرح» على مَذْهَبِه فِيمَنْ اسْتَأْجَرَ شَيئًا لا يُؤْجِرُه بزيادةٍ.

وقِياسُ المذْهَب: جَوازُه، سَواءٌ أعانَ فِيهِ بِشَيءٍ أمْ لا؛ كالبَيعِ.

(وَلِلْمُسْتَعِيرِ إِجَارَتُهَا)؛ لأِنَّه لَوْ أَذِنَ له في بَيعِها لَجَازَ؛ فكذا إجارَتُها، ولأِنَّ الحقَّ له فجاز بإذْنِه، (إِذَا

(2)

أَذِنَ لَهُ الْمُعِيرُ مُدَّةً بِعَيْنِهَا)؛ لأنَّ الإجارةَ عَقْدٌ لازِمٌ، لا تَجُوزُ إلاَّ في مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ.

(وَتَجُوزُ إِجَارَةُ الْوَقْفِ)؛ لأِنَّ مَنافِعَهُ مملوكةٌ لِلْمَوقُوف عليه، فجاز له إجارتُها كالمسْتَأْجِر.

(فَإِنْ مَاتَ الْمُوْجِرُ، فَانْتَقَلَ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ؛ لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذَكَرَه

(3)

القاضِي في «المجرد» ، أنَّه

(4)

قِياسُ المذْهَبِ، وجَزَمَ به في «الوَجِيز» ، وقدَّمَه في «الفُروعِ» ؛ لأِنَّه آجَرَ ملْكَهُ فِي زَمَنِ وِلايَتِه، فلَمْ تَبْطُلْ بِمَوتِه، كما لو أجَرَ ملْكَهُ الطِّلق

(5)

، (وَلِلثَّانِي حِصَّتُهُ مِنَ الْأُجْرَةِ)؛ أيْ: مِنْ حِينِ مَوتِ الأوَّلِ، فإنْ كان قَبَضَها؛ رَجَعَ في تَرِكَتِه بحِصَّتِه؛ لأِنَّه تَبَيَّنَ عَدَمُ اسْتِحْقاقِه لها، فإنْ تعذَّرَ أخْذُها، فظاهِرُ كلامِهم: أنَّها تَسقُطُ، وإن لَمْ يَقبِضْ؛

(1)

ينظر: المغني 5/ 356.

(2)

في (ح): وإذا.

(3)

في (ق): ذكر.

(4)

في (ح): «المحرر» وأنه.

(5)

في (ح): المطلق.

ص: 63

فَمِنْ مُسْتَأْجِرٍ.

وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

: أنَّه لَيسَ لِناظِرِ وَقْفٍ ونحوِه تعْجيلُها كلِّها إلاَّ لحاجةٍ، ولو شَرَطَهُ لم يَجُزْ؛ لأِنَّ الموقوف عليه يَأخُذُ ما لم يَسْتَحِقَّه الآنَ، وعَلَيهِ لِلْبَطْن الثَّاني أنْ يُطالِبُوا بالأُجْرة لِلْمُسْتأْجِرِ؛ لأِنَّه لم يَكُنْ لهم التَّسَلُّفُ

(2)

، ولهم أنْ يُطالِبُوا النَّاظِرَ.

والثَّاني: أنَّها تَنْفَسِخُ فِيما بَقِيَ منها، جَزَمَ به القاضِي في «خلافه» ، وقال: إنَّه ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وابنه أبو الحُسَينِ، وابْن شَاقْلَا، وابن عَقِيلٍ؛ لأِنَّ البطنَ الثَّانيَ يَسْتَحِقُّ العَينَ بجميع منافِعِها تَلَقِّيًا من الواقِفِ بانْقِراضِ الأوَّلِ، بخلاف الطلق

(3)

، فإنَّ المالِكَ مَلَكَ من جِهَةِ المورُوث، فلا يَملِك إلاَّ ما خلَّفه، وحقُّ المالِكِ لم يَنقَطِعْ عن مِيراثه بالكُلِّيَّة، بل آثارُه باقِيَةٌ فيه، ولهذا تُقْضَى

(4)

منه دُيُونُه، وتُنفَّذُ

(5)

وصاياهُ.

فعلى هذا: يَرجِعُ مُسْتأجِرٌ على وَرَثَة مُؤْجِرٍ قابِضٍ بحِصَّته من الباقِي.

وخرَّجَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» وجْهًا: ببُطْلانِ الإجارةِ من أصْلِها؛ بِناءً على تَفْريق الصَّفْقة، وحِينَئِذٍ يَلزَمُ المسْتَأْجِرَ أجْرُ المِثْل، ثُمَّ إنْ كانت الأُجْرةُ مُقَسَّطةً على أشْهُرِ الإجارة، أوْ أعْوامِها؛ فهي صَفْقَتانِ في الأصحِّ، لا تَبطُلُ جَميعُها بِبُطْلانِ بَعْضِها، وإن لم تَكُنْ مُقَسَّطةً؛ فهي صَفْقَةٌ واحدةٌ، فيَطَّرِدُ فيها الخِلافُ.

واعْلَمْ: أنَّها لا تَنْفَسِخُ إذا كان الآجِرُ النَّاظِرَ العامَّ، أوْ مَنْ شَرَطَهُ له وكان

(1)

ينظر: الفروع 7/ 142،

(2)

في (ق): السلف.

(3)

في (ح): المطلق.

(4)

في (ق): يقضى.

(5)

في (ق): وينفذ.

ص: 64

أجْنَبِيًّا؛ بمَوته ولا عَزْله.

فَرْعٌ: إذا آجَرَ الوَقْفَ بأُجْرة المِثْل، فطَلَبَه غَيرُ مُسْتَأْجرِه بزيادةٍ؛ فلا فَسْخَ، وكذا لو آجَرَهُ المتَوَلِّي على ما هو على سبيل الخَير.

وقِيلَ: بلى، وقالَهُ بَعْضُ الحَنَفِيَّة

(1)

، قال في «المفِيد» لهم: لا يُعرَفُ له وَجْهٌ.

أصْلٌ: تَجُوزُ إجارةُ الإقْطاعِ كمَوقُوفٍ، ذَكَرَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ

(2)

، وخالَفَ فِيهِ جَمْعٌ، فلو آجَرَه، ثُمَّ انْتَقَلَ عنه إلى غَيرِه بإقْطاعٍ آخَرَ؛ فكمَوقُوفٍ، ذَكَرَهُ في «القَواعِد» .

(وَإِنْ آجَرَ الْوَلِيُّ الْيَتِيمَ)، أوْ مالَه، (أَوِ) السَّيِّدُ (الْعَبْدَ) مُدَّةً، (ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ) ورَشَدَ، (وَعَتَقَ الْعَبْدُ) في أثْنائِها؛ (لَمْ تَنْفَسِخِ الْإِجَارَةُ) على المذْهَبِ، ونَصَرَه القاضِي وأصْحابُه؛ لأِنَّه تَصرَّفَ له تَصرُّفًا لازِمًا، فلا تَنْفَسِخُ ببلوغِ الصَّبِيِّ، كما لو زوَّجه أو باع عَقارَه، ولا بعْتِقِ

(3)

العبدِ، كما لو زوَّج أمَتَه ثُمَّ باعها.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَنْفَسِخَ)، هذا وجْهٌ؛ لأِنَّه أَجَرَهُ مُدَّةً لا وِلايَةَ له عليها بالكُلِّيَّة، أشْبَهَ إجارةَ الوقْفِ، ويَفْترِقانِ من حَيثُ إنَّه يَنْبَرِمُ في الحال، ويَنقَطِعُ عنه.

نعم؛ لو كان بلوغه في مدة الخيار؛ ففيه نظر، وكذلك النكاح ينبرم من حينه، ويستقر المهر فيه بالدخول، بخلاف الإجارة، فإنَّ الأجرة تقسَّط على المدة، ولا يستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئًا بعد شيء.

(1)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 3/ 47.

(2)

ينظر: الاختيارات ص 222.

(3)

في (ح) و (ق): يعتق.

ص: 65

وذَكَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» وجْهًا: أنَّه إذا آجَرَه مُدَّةً يَعلَمُ بُلوغَهُ فيها قَطْعًا؛ لَمْ يَصِحَّ

(1)

في الزَّائد، ويُخرَّجُ الباقِي على تَفْريقِ الصَّفقة.

تنبيهٌ: إذا مات الوَلِيُّ، أوْ عُزِلَ، وانْتَقَلَتْ عنه الوِلايةُ إلى غَيره؛ لم يَبطُلْ عَقْدُه؛ لأِنَّه تَصرَّفَ وهو من أهل التَّصرُّف فيما له الوِلايةُ عَلَيهِ، فلم يَبطُلْ تصرُّفه، كما لو مات ناظِرُ الوَقْف أو عُزِلَ، أو الحاكِمُ.

(1)

في (ق): لم تصح.

ص: 66

(فَصْلٌ)

(وَإِجَارَةُ الْعَيْنِ تَنْقَسِمُ إِلَى

(1)

قِسْمَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى مُدَّةٍ؛ كَإِجَارَةِ الدَّارِ شَهْرًا)، وهو اسْمٌ لِمَا بَينَ الهِلالَينِ، سَواءٌ كان تامًّا أوْ ناقِصًا، (وَالْأَرْضِ عَامًا)، وشاهِدُه قوله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البَقَرَة: 189]، فلَوْ قدَّرها بِسَنَةٍ مُطْلَقةٍ؛ حُمِل على الهِلالِيَّةِ؛ لأِنَّها المعْهُودةُ، فإذا وَصَفَها به؛ كان تأكيدًا، فإنْ قال: عَدَدِيَّةً، فهي ثلاثُمائَةٍ وسِتُّونَ يومًا، فإنْ قال: رُومِيَّةً، أوْ شَمْسِيَّةً، أو فارِسِيَّةً، أوْ قِبْطِيَّةً، وهُما يَعْلَمانِه؛ جاز، وكان ثلاثَمائة

(2)

وخمسةً وسِتِّينَ يَومًا، فإنَّ أشْهُرَ الرُّومِ منها سَبْعةٌ: أحَدٌ وثَلاثونَ يَومًا، وأرْبعةٌ: ثَلاثونَ يومًا

(3)

، وواحِدٌ: ثمانيةٌ وعِشرونَ يومًا، وهو شُبَاطُ، وزاده الحُسَّابُ

(4)

رُبُعًا، وشُهورُ القِبْطِ كلُّها ثلاثونَ ثلاثونَ، وزادُوها خَمْسةً؛ لِتُساوِي سَنَتُهم السَّنَةَ الرُّومِيَّةَ.

(وَالْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ أَوْ لِلرَّعْيِ مُدَّةً مَعْلُومَةً)، فعُلِم منه: أنَّ إجارةَ العَينِ تارةً تكونُ في الآدَمِيِّ، وتارةً في غَيرِه من المنازِل والدَّوابِّ، وقد حكاهُ ابنُ المنذِر إجْماعًا

(5)

.

(وَيُسَمَّى الْأَجِيرُ فِيهَا: الْأَجِيرَ الْخَاصَّ)؛ لاِخْتِصاص المسْتَأْجِر بمَنفَعَتِه في مُدَّة الإجارة لا يُشارِكُه فيها غَيرُه.

(1)

قوله: (إلى) سقط من (ح) و (ق).

(2)

زيد في (ح): يومًا.

(3)

قوله: (وأربعة ثلاثون يومًا) سقط من (ح).

(4)

في (ق): بالحساب.

(5)

ينظر: الإجماع ص 106.

ص: 67

(وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ

(1)

الْمُدَّةُ مَعْلُومَةً)، هذا تَكْرارٌ، (يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ بَقَاءُ الْعَيْنِ فِيهَا)؛ لأِنَّ المدَّةَ هي الضَّابِطةُ للمَعْقُودِ عَلَيهِ، المعرِّفةُ له، فاشْتُرِط العِلْمُ بها؛ كالمكِيلاتِ، (وَإِنْ طَالَتْ)، في قَولِ أكْثَرِ العُلَماء؛ لأِنَّ المصحح لها كَوْنُ المسْتَأْجِرِ يُمْكِنُه اسْتِيفاءُ المنفَعَةِ منها غالِبًا، وظاهِرُه: ولو ظُنَّ عَدَمُ العاقِد، ولو مُدَّةً لا يُظَنُّ فَناءُ الدُّنْيا فيها.

وقِيلَ: بَلْ

(2)

تَصِحُّ إلى سَنَةٍ، اخْتارَه ابنُ حامِدٍ.

وقيل: ثلاثٍ.

وقيل: ثلاثينَ، وحكاه في «الرِّعاية» نَصًّا؛ لأِنَّ الغالِب أنَّ الأعْيانَ لا تَبْقَى إلى أكثرَ منها، وتتغيَّر الأسعار.

ولا فَرْقَ بَينَ الوقْف والملْك، بل الوَقْفُ أَوْلَى، قاله في «الرِّعاية» ، وفيه نَظَرٌ.

والمسقَّف والبَسيط

(3)

سَواءٌ.

فَرْعٌ: ليس لوكيلٍ

(4)

مُطْلَقٍ إِيجارُها مدَّةً طويلةً، بل العُرْف؛ كسَنَتَينِ ونحوِهما، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(5)

.

مسألةٌ: لو علَّقَها على ما يَقَعُ اسمُه على شَيئَينِ؛ كالعِيدِ ورَبِيعٍ؛ صحَّ، وانصرَفَ إلى الأوَّل، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وقال القاضِي: لا يَصِحُّ حتَّى يُعَيِّن ذلِكَ.

وعلى شَهْرٍ مُفْرَدٍ؛ فلا بُدَّ من تَعْيِينه من أيِّ سَنَةٍ، وعلى يَومٍ؛ يبيِّنه

(6)

من

(1)

قوله: (أن تكون) في (ح): كون.

(2)

في (ظ): بلى.

(3)

في (ق): والمسقف والبسط. وفي (ظ): والسقف والبسيط.

(4)

في (ح): الوكيل.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 159، الاختيارات ص 224.

(6)

في (ح): يعينه، وفي (ق): بنيته.

ص: 68

أيِّ أُسْبُوعٍ.

(وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ تَلِيَ الْعَقْدَ)؛ لأِنَّها مُدَّةٌ يَجوزُ العَقْدُ عليها مع غيرها، فجاز العَقْدُ عليها مُفْرَدَةً؛ كالَّتي تَلِي العَقْدَ، (فَلَوْ أَجَرَهُ سَنَةَ خَمْسٍ فِي سَنَةِ أَرْبَعٍ؛ صَحَّ سَوَاءٌ كَانَتِ الْعَيْنُ مَشْغُولَةً وَقْتَ الْعَقْدِ) بإجارةٍ أو رَهْنٍ إنْ قَدَرَ على تَسْلِيمِها عند وُجوبِه، (أَوْ لَمْ تَكُنْ)؛ لأِنَّه إنَّما تُشْتَرَطُ

(1)

القُدْرةُ على التَّسْلِيمِ عِنْدَ وُجوبه؛ كالسَّلَم، فإنَّه لا يُشْتَرَطُ وُجودُ القُدْرةِ عليه حالَ العَقْدِ.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَتَصَرَّفُ مالِكُ العَقَار في المنافِع بإجارةٍ ولا عاريةٍ إلاَّ بَعْدَ انْقِضَاء المدَّة، واسْتِيفاء المنافِع المسْتَحَقَّةِ عَلَيهِ بعَقْد الإجارة؛ لأنَّه ما لم تَنْقَضِ المدَّةُ؛ له حقَّ الاِسْتِيفاءِ، فلا يَصِحُّ تصرُّفاتِ المالِكِ في مَحْبُوسٍ بحَقٍّ؛ لأِنَّه يَتَعذَّرُ التَّسْليمُ المسْتَحَقُّ بالعَقْد.

فمُرادُ الأصْحابِ متَّفِقٌ، وهو أنَّه يَجُوزُ إجارةُ المؤْجَرِ، ويُعْتَبَرُ التَّسليمُ وقْتَ وُجُوبِه، وأنَّه لا يجوز إِيجارُه لِمَنْ يَقُومُ مقامَ المؤْجِرِ.

وظاهر

(2)

إطلاقِ كثيرٍ من أصحابنا: أنَّه لا يَصِحُّ إجارةُ المشغول بمِلْكِ غيرِ المسْتَأْجِر.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين بجوازه فيمن اسْتَأْجَر أرْضًا مِنْ جُنْدِيٍّ وغَرَسَها قصبًا

(3)

، ثُمَّ انتقَلَ الإقْطاعُ عن الجُنْدِيِّ: أنَّ الثَّانِيَ لا يَلزَمُه حكمُ الإجارَةِ، وأنَّه إنْ شَاءَ أنْ يؤْجِرَها لِمَنْ له القَصَبُ

(4)

أوْ لِغَيرِه

(5)

.

تنبيه: إذا وقعت على مدَّةٍ تَلِي العَقْدَ؛ لم يُشتَرَط ذِكرُ ابْتِدائها، وهي مِنْ

(1)

في (ق): يشترط.

(2)

في (ح): وظاهره.

(3)

في (ق): نصبًا.

(4)

في (ق): النصب.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 159، الاختيارات ص 223.

ص: 69

حِينِ العَقْد، وإن كانَتْ لا تَلِيهِ؛ اشْتُرِط ذلك؛ كالانْتِهاء، فلو آجَرَه شهرًا أو سنةً؛ لم يَصِحَّ، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأِنَّه مُطْلَقٌ، فافْتَقَر إلى التَّعْيينِ.

وعنه: يَصِحُّ، اختاره

(2)

في «المغْنِي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وابْتِداؤها مِنْ حِينِ العَقْد؛ لقصة شُعَيبٍ، وكمدَّة التَّسْليمِ.

(وَإِذَا آجَرَهُ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ سَنَةً، اسْتَوْفَى شَهْرًا بِالْعَدَدِ)؛ أي: الأوَّل، نَصَّ عليه في نَذْرٍ وصَومٍ

(3)

؛ لأِنَّه تعذَّر اسْتِيفاؤه بالهلال

(4)

، فتَمَّمْناهُ بالعَدَدِ، (وَسَائِرَهَا بِالْأَهِلَّةِ)؛ لأِنَّه أمْكَنَ اسْتِيفاؤها بالأَهِلَّة، فَوَجَبَ اعْتِبارُه؛ لأِنَّه الأصْلُ.

(وَعَنْهُ: يَسْتَوْفِي الْجَمِيعَ بِالْعَدَدِ)؛ لأِنَّ الشَّهرَ الأوَّلَ يَنبَغِي

(5)

أنْ يُكَمَّلَ من الثَّاني، فيَحصُل ابْتِداءُ الشَّهر الثَّاني في أثنائه، وكذا كلُّ شهرٍ يأتي بَعْدَه.

(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْأَشْهُرُ؛ كَعِدَّةِ الْوَفَاةِ، وَشَهْرَيْ صِيَامِ الْكَفَّارَةِ)، نَصَّ عَلَيهِما في نَذْرٍ

(6)

؛ لأِنَّه سَاوَى ما تقدَّم مَعْنًى.

قال الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ: إلى مِثْلِ تِلْكَ السَّاعةِ

(7)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 159.

(2)

في (ح): اختارها.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 73.

(4)

في (ح): بالهلالي.

(5)

في (ق): ينتفي.

(6)

ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 73.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 25/ 144.

ص: 70

‌(فَصْلٌ

(1)

(الْقِسْمُ الثَّانِي: إِجَارَتُهَا) أي: العَينِ (لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ)؛ لأِنَّ الإجارةَ عَقْدُ مُعاوَضَةٍ، فَوَجَبَ أنْ يكونَ العِوَضُ فيها مَعْلُومًا؛ لِئَلاَّ يُفْضِي إلى التَّنازُع والاِخْتِلاف؛ كالبَيعِ؛ (كَإِجَارَةِ الدَّابَّةِ لِلرُّكُوبِ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ، أَوْ بَقَرٍ لِحَرْثِ مَكَانٍ)؛ لأِنَّها خُلِقَتْ له، وقد أخْرَجاهُ في «الصَّحِيحَينِ»

(2)

.

وتُعْتَبَرُ

(3)

معرفةُ الأرض بالمشاهَدَة؛ لاِخْتِلافها بالصَّلابة والرَّخاوَة.

وتقدير العمل: إمَّا بالمدَّة؛ كيَومٍ، وإمَّا بمعرفة الأرض؛ كهذه، أو بالمساحة؛ كجَرِيبٍ.

فإن قدَّره بالمدة؛ فلا بدَّ من معرفة البقر التي تعمل

(4)

عليها؛ لأنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِف باخْتِلافها، ويجوز أنْ يَسْتَأْجِرَها مُفْرَدَةً؛ لِيَتَوَلَّى ربُّ الأرض الحَرْثَ بها، ومع صاحبها، بآلتها وبدونها، وتكونُ الآلةُ مِنْ عند صاحِبِ الأرض.

(أَوْ دِيَاسِ زَرْعٍ)؛ لأِنَّها مَنفَعةٌ مُباحةٌ مقصودةٌ كالحرث، وليس ذلك خاصًّا بها، لكِنْ إن كان على مدَّةٍ؛ احْتِيجَ إلى معرفة الحَيَوان؛ لأِنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ، فمنه ما رَوثُه طاهِرٌ، ومنه ما هو نَجِسٌ، ولا يحتاج إلى معرفة عَينه، وإن كان على زرعٍ مُعَيَّنٍ، أو مَوصُوفٍ؛ فلا؛ كالحرث.

فائدةٌ: يجوز اكْتِراءُ الحيوان لغير ما

(5)

خُلِقَ له؛ كالبقر للرُّكُوب أو

(1)

قوله: (فصل) سقط من (ح).

(2)

أخرجه البخاري (2324)، ومسلم (2388)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«بينما رجل راكب على بقرة التفتت إليه، فقالت: لم أُخلق لهذا، خُلقت للحراثة» ، ولفظ مسلم:«إنما خُلقت للحرث» .

(3)

في (ق): ويعتبر.

(4)

في (ح): يعمل.

(5)

في (ح): ماء.

ص: 71

الحمل، والإبل والحُمُر للحَرْث؛ لأِنَّها منفعةٌ مقصودةٌ، أمْكَنَ اسْتِيفاؤها من الحَيَوان، لم يَرِدِ الشَّرعُ بتحريمها؛ فجاز

(1)

؛ كالتي خُلِقَت له.

وقَولُها: «إنَّما خُلِقْتُ للحرث» ؛ أيْ: مُعظَمُ نَفْعِها، ولا يَمنَعُ ذلك الاِنْتِفاعَ بها في شَيءٍ آخَرَ.

(وَاسْتِئْجَارِ عَبْدٍ لِيَدُلَّهُ عَلَى طَرِيقٍ)؛ لأِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وأبا بَكْرٍ اسْتَأْجَرا عبدَ الله ابنَ الأُرَيْقِط هادِيًا خِرِّيتًا - وهو الماهِرُ بالهِداية - لِيَدُلَّهُما على الطريق

(2)

إلى المدينة

(3)

، ولو عبَّر ب «مَنْ» لَعَمَّ.

(أَوْ رَحًى لِطَحْنِ قُفْزَانٍ مَعْلُومَةٍ)، ويُحتاجُ إلى معرفة جِنْس المطْحون؛ لأِنَّه يَخْتَلِف، فمنه ما يَسْهُلُ، ومنه ما يَعْسُرُ، فلا بدَّ من معرفته؛ لِتَزولَ

(4)

الجَهالةُ.

(فَيُشْتَرَطُ: مَعْرِفَةُ الْعَمَلِ، وَضَبْطُهُ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ)؛ لأِنَّ العَمَلَ إذا لم يَكُنْ مَعْروفًا مَضْبوطًا بما ذُكِرَ؛ يكون مَجْهولاً، فلا تَصِحُّ الإجارةُ مَعَه؛ لأِنَّ العَمَلَ هو المعْقُودُ عليه، فاشْتُرِطَ معرفتُه وضَبْطُه بما ذُكِرَ؛ كالمبيع

(5)

.

مَسَائِلُ:

الأُولَى: يَجُوزُ اسْتِئْجارُ بَهِيمةٍ لِإدارةِ الرَّحَى، ويُفْتَقَرُ

(6)

إلى مَعْرِفة الحَجَرِ بالمشاهَدَة أوِ الصِّفَةِ؛ لأِنَّ عَمَلَها فيه يَخْتَلِفُ، وإلى تَقْدِير العَمَلِ بالزَّمان كيَومٍ، أو بالطَّعام كقَفِيزٍ، ويَذْكُر جِنسَه إن اخْتَلَف.

(1)

في (ح): جاز.

(2)

في (ح): طريق.

(3)

أخرجه البخاري (2263).

(4)

في (ق): لزوال.

(5)

في (ح): كالبيع.

(6)

في (ح) و (ظ): تفتقر.

ص: 72

وإن اكتراها

(1)

لإدارةِ دُولابٍ فلا بُدَّ من مُشاهَدَته، ويُقدَّرُ بالزَّمان ومَلْءِ الحَوضِ

(2)

.

الثَّانيةُ: يَجُوزُ اسْتِئْجارُ كيَّال

(3)

أوْ وَزَّانٍ لعَمَلٍ مَعْلومٍ، أوْ في مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، بِغَيرِ خِلافٍ

(4)

.

الثَّالِثةُ: يَجُوزُ أنْ يَسْتَأْجِرَ رَجُلاً لِيُلازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلازَمَتَهُ. وعَنْهُ: يُكرَهُ. وعَنْهُ: لا بَأْسَ بِهِ.

الرَّابِعةُ: يَجُوزُ الاِسْتِئْجارُ لِحَفْر الآبارِ والأَنْهار والقَنَى؛ كالخِدْمة، ولا بُدَّ من تَقْديرِ العمل، ويَفْتَقِرُ إلى معرفة الأرض في الأصحِّ.

فإذا حَفَرَ بِئْرًا؛ فعَلَيهِ شَيلُ التُّراب، فإن تَهَرَّرَ من جانِبَيهِ، أوْ سَقَطَتْ بَهِيمةٌ؛ لم يَلزَمْهُ شَيْلُه، وكانَ على صاحِبِ الأرض.

فإنْ وَصَلَ إلى صَخْرةٍ أو جماد

(5)

يَمنَعُ الحَفْر؛ لم يَلزَمْه، وله الفَسْخُ، فإنْ فَسَخَ فله من الأجْرِ بقِسْطِ ما عَمِلَ، فيُقَسَّطُ الأجْرُ على ما عَمِلَ وعلى ما بَقِيَ، ولا يُقَسَّطُ على أَذْرُعٍ ونحوِه؛ لأِنَّ أعْلاهُ يَسْهُلُ نَقْلُ التُّراب منه، بخِلافِ أسْفَلِه، ونبع الماء منه؛ كالصَّخرة إذا ظَهَرَتْ.

الخامِسةُ: يَجُوزُ أنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْ يَبِيعُ له أثْوابًا مُعَيَّنةً، فإنِ اسْتَأْجَرَه على شِراءِ ثِيابٍ مُعَيَّنةٍ من رَجُلٍ مُعَيَّنٍ، أو على بَيعِها من رَجُلٍ مُعَيَّنٍ؛ ففي الصِّحَّة احْتِمالانِ.

(1)

في (ظ): أكراها.

(2)

في (ق): مثل الحرص.

(3)

في (ح): كيالي.

(4)

ينظر: المغني 5/ 345.

(5)

في (ح): جاد.

ص: 73

(فَصْلٌ)

(الضَّرْبُ الثَّانِي: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ، مَضْبُوطَةٍ بِصِفَاتٍ كَالسَّلَمِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَبِنَاءِ دَارٍ، وَحَمْلٍ إِلَى مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ)، نَقُولُ: يَجُوز للآدَمِيِّ أنْ يُؤْجِرَ نَفْسَه بغَيرِ خِلافٍ

(1)

؛ لأِنَّ مُوسَى عليه السلام آجَرَ نَفْسَه لِرعايَةِ الغَنَم

(2)

، ولأِنَّه يُنتَفَعُ به مع بقاءِ عَينِه، أشْبَهَ الأرضَ.

ثُمَّ إنْ كانت على مُدَّةٍ بعَينها، وعَمَلٍ بعَينه؛ فواضِحٌ، وإن كانت على عَمَلٍ مَوصُوفٍ في الذِّمَّة؛ فيكون

(3)

كالسَّلَم؛ أي: لا بُدَّ أن يكونَ مضبوطًا بصِفاتِ السَّلَم؛ لِيَحصُلَ العِلْمُ به.

(وَلَا يَكُونُ الْأَجِيرُ فِيهَا إِلاَّ آدَمِيًّا)؛ لأِنَّها مُتعَلِّقةٌ بالذِّمَّة، ولا ذِمَّةَ لغَيرِ الآدَمِيِّ، (جَائِزَ التَّصَرُّفِ)؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ لِعَمَلٍ في الذِّمَّة، فلم يَجُزْ

(4)

مِنْ غَيرِ جائزِ التَّصرُّف، (وَيُسَمَّى: الْأَجِيرَ الْمُشْتَرَكَ)؛ لأِنَّه يَتَقَبَّلُ أعْمالاً لِجماعةٍ، فتكونُ مَنْفَعَتُه مُشْتَرَكةً

(5)

بَينَهم.

ويَلزَمُه الشُّروعُ عَقِبَ العَقْد.

وإنْ تَرَكَ ما يَلزَمُه، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بلا عُذْرٍ، فَتَلِفَ بِسَبِبِه؛ ضَمِنَه

(6)

.

وله الاِسْتِنابَةُ، فإنْ مَرِضَ أوْ هَرَبَ؛ اكْتَرَى مَنْ يعمله

(7)

عليه، فإنْ شَرَطَ

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 107.

(2)

سبق تخريجه 6/ 32 حاشية (5).

(3)

في (ق): فتكون.

(4)

في (ق): فلم تجز.

(5)

في (ق): منزلة.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 163، الاختيارات ص 229.

(7)

في (ح): يعمل.

ص: 74

مُباشَرتَه بنفسه؛ فلا عَمَلَ ولا اسْتِنابَةَ إذًا.

وفي «المغْنِي» : إنِ اخْتَلَفَ القَصْدُ فيه؛ كَنَسْجٍ؛ لم يَلْزَمْهُ ولا المكْتَرِي قَبولُه، وإنْ تعذَّرَ فله الفَسْخُ.

ويَنْفَسِخُ العَقْدُ بتَلَفِ مَحَلِّ عَمَلٍ مُعَيَّنٍ.

(وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ تَقْدِيرِ الْمُدَّةِ وَالْعَمَلِ؛ كَقَوْلِهِ: اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ فِي يَوْمٍ)؛ لم يصح

(1)

في الأَشْهَر؛ لأِنَّ الجَمْعَ بَينَهُما يَزيدُ الإجارةَ غَرَرًا لا حاجةَ إلَيهِ؛ لأِنَّه قد يَفْرَغُ من العمل قَبْلَ انْقِضاء اليوم، فإن اسْتُعْمِلَ في بَقِيَّته؛ فقد زاد على ما وَقَعَ العَقْدُ عليه، وإن لم يَعْمَل؛ كان تارِكًا للعمل في بعضه، فهذا غَرَرٌ أمكن

(2)

التَّحرُّزُ منه، ولم يُوجَدْ مِثْلُه في محلِّ الوِفاق، فلم يَجُزِ العَقْدُ معه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّ الإجارةَ مَعْقُودةٌ على العمل، والمدَّةُ إنَّما ذُكِرتْ للتَّعْجيل، فلا يَفْسُد العَقْدُ، وكجعالة

(3)

، وفيها وَجْهٌ.

قال في «التَّبصِرة» : وإن اشْتَرط تعجيلَ العمل في أقصى

(4)

مُمْكِنٍ؛ فله شَرطُه.

وعليها: إذا تَمَّ العملُ قَبْلَ انْقِضاء المدَّة؛ لم يَلزَمْه العملُ في بَقِيَّتها؛ كقضاء الدَّين قَبْلَ أجَلِه.

وإنْ مَضَت المدَّةُ قَبْلَ العمل؛ فللمُسْتَأْجِر الفَسْخُ، فإنْ رَضِيَ بالبقاء عَلَيهِ؛ لم يَكُنْ للآخَر الفَسْخُ، فإن اخْتارَ إمْضاءَ العَقْد؛ طالَبَه بالعمل فقطْ، كالمسْلِم إذا صَبَرَ عِنْدَ التَّعذُّر، وإن فَسَخَ قَبْلَ العمل؛ سَقَطَ الأجْرُ والعمَلُ، وإنْ كان

(1)

في (ق): جعلها من المتن، وهي غير موجودة في (ح).

(2)

في (ح): أيمكن.

(3)

في (ح): وكجهالة.

(4)

في (ح): اقتضاء. والمثبت موافق للإنصاف 14/ 377، ولنسخة الفروع بخط المرداوي.

ص: 75

بَعْدَ عَمَلِ بعضِه؛ فله أجْرُ المِثْل؛ لأِنَّ العَقْدَ انْفَسَخَ وسَقَطَ المسمَّى.

(وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى عَمَلٍ يَخْتَصُّ فَاعِلُهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ)؛ أيْ: مُسْلِمًا؛ (كَالْحَجِّ)؛ أي: النِّيابة فيه، (وَالْأَذَانِ، وَنَحْوِهِمَا)؛ كإمامةِ صلاةٍ، وتعليمِ

(1)

قُرْآنٍ في المشهور؛ لِمَا رَوَى عُبادةُ قال: علَّمت ناسًا

(2)

من أهل الصُّفَّة القرآنَ، فأَهْدَى لي رجلٌ منهم قَوسًا، فذَكَرْتُ ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنْ سرَّك أنْ يُقلِّدَكَ الله قَوسًا من نارٍ فاقْبَلْه»

(3)

، وعن أُبَيِّ بن كَعْبٍ: أنَّه علَّم رجلاً سُورةً من القرآن، فأَهْدَى له خَمِيصةً أو ثَوبًا، فذَكَرَ ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«إنَّكَ لو لَبِسْتَها؛ ألْبَسَكَ اللهُ مكانَها ثَوبًا من نارٍ» رواهما الأثْرَمُ

(4)

، ولأِنَّ مِنْ

(5)

شَرْطِ هذه الأفعالِ كونَها قُرْبةً إلى الله تعالى، فلم يَجُزْ

(1)

في (ح): وقراءة.

(2)

في (ح): أناسًا.

(3)

أخرجه أحمد (22689)، وابن ماجه (2157)، والطحاوي في شرح المشكل (4333) والطبراني في مسند الشاميين (2253)، وأخرجه أبو داود (3416) من وجه آخر، ومدار الحديث على المغيرة بن زياد البجليّ، وهو مختلف فيه، والأظهر أنه: صدوقٌ له أوهامٌ ومناكيرُ كما قاله ابن حجر، وهو ممن لا يحتمل تفرُّده، وشيخه الأسود بن ثعلبة الشّاميّ:(مجهول)، قاله ابن المديني وابن القطان وغيرهما، وعدَّ الأئمة هذا الحديثَ من مناكير المغيرة، منهم يحيى القطان والجوزجاني وابن عبد البر. ينظر: الجرح والتعديل 8/ 222، التمهيد/ 114، الأباطيل والمناكير 2/ 164، بيان الوهم والإيهام 3/ 531، ميزان الاعتدال 1/ 256، البدر المنير 8/ 299، تهذيب التهذيب 10/ 260.

(4)

أخرجه ابن ماجه (2158)، وسنده ضعيف، فيه اضطراب وانقطاع، فيه: عبد الرحمن بن سلم الشامي، وهو مجهول، وفي حديثه اختلاف كثير، وضعف الحديث البيهقي والذهبيّ وغيرهما. وفي الباب عن أبي الدّرداء رضي الله عنه، أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 86)، وفيه: عمرو بن واقد القرشي، وهو متروك، وفي الجملة فالأمر في هذا الباب كما قاله ابن عبد البر:(وهذه الأحاديث منكرة لا يصحّ شيء منها عند أهل العلم .. ، وليس في هذا الباب حديث يجب به حجّة من جهة النقل). ينظر: التمهيد 21/ 114، الكبرى للبيهقي 6/ 208، ميزان الاعتدال 2/ 567، مصباح الزجاجة 3/ 12، الإرواء 5/ 316.

(5)

في (ق): في.

ص: 76

أخْذُ الأُجْرة، كما لو اسْتأْجَر قَومًا يُصلُّونَ خَلْفَه.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)؛ لأِنَّه «عليه السلام زوَّجَ رجُلاً بما معه من القرآن» متَّفَقٌ عليه

(1)

، فإذا جاز تعليمُ القرآن عوضًا

(2)

في النِّكاح، وقام مَقامَ المهْر؛ جازَ أخْذُ الأجرة

(3)

عليه، ولِحديثِ أبِي سَعِيدٍ في الرُّقْيةِ

(4)

، ولأِنَّه يَجُوز أخْذُ الرزق

(5)

عَلَيهِ من بَيتِ المال؛ فجَازَ أخْذُ الأجرة

(6)

عَلَيهِ؛ كبِناءِ المساجِد، مع أنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى الاِسْتِنابة في الحجِّ وغيرِه، وكمَنْ أعْطَى بلا شَرْطٍ، نَصَّ عليه

(7)

، وكَجعالةٍ، وفيها وَجْهانِ.

وفي «المنتخب» : الجُعْل في حجٍّ كأُجْرةٍ.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ تعليمَ القُرآن وجَعْلَه صَداقًا فيه عنه اخْتِلافٌ، ولَيْسَ في الخَبَر تصريحٌ به، فيَحْتَمِلُ أنَّه زوَّجه بغَيرِ صَداقٍ؛ إكْرامًا له، كما زوَّج أبا طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيمٍ على إسْلامه

(8)

، ولو سُلِّم جوازُه؛ فالفَرْقُ بَينَ المهر والأجْر: أنَّ المهْرَ لَيْسَ بِعِوَضٍ مَحْضٍ؛ لأِنَّه يَجُوزُ خُلُوُّ العَقْد عن تَسْمِيته، ويَصِحُّ مع

(1)

أخرجه البخاري (5087)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه في حديث طويل.

(2)

قوله: (عوضًا) سقط من (ح).

(3)

في (ظ): الأجر.

(4)

أخرجه البخاري (2276)، ومسلم (2201).

(5)

في (ح): الأجرة.

(6)

في (ق): الأجر.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 264، المغني 5/ 412.

(8)

أخرجه النسائي في الكبرى (5478)، والبزار (6448)، والطحاوي في المعاني (4294)، والطبراني في الكبير (4678)، والحاكم (2735)، عن أنس رضي الله عنه:«أن أبا طلحة أتى أم سليم يخطبها قبل أن يسلم، فقالت له: أتزوج بك وأنت تعبد خشبة نجرها عبدي فلان! إن أسلمت تزوجت بك، قال: فأسلم أبو طلحة فتزوجها على إسلامه» ، وصححه الحاكم، وقال ابن حجر:(إسناده حسن). ينظر: الفتح 10/ 460

ص: 77

فَساده، بخلاف الأجْر.

وأمَّا الرُّقْيةُ؛ فنَصَّ أحمدُ على جوازه

(1)

؛ لأِنَّها مُداواةٌ، والمأْخُوذُ عليها جُعْلٌ.

وفي حَدِيثٍ وفِقْهٍ وجْهانِ، أشْهَرُهما: المنْعُ، وكذا القَضاءُ، قالَهُ ابْنُ حمدان.

وجوَّز ذلك الشَّيخُ تقيُّ الدِّين لحاجةٍ

(2)

.

ونَقَلَ حَنْبَلٌ: يُكرَه للمؤذِّن أنْ يأْخُذَ على أذانه أجْرًا

(3)

.

وظاهِرُه: أنَّ ما لا يَخْتَصُّ فاعِلُه أنْ يكونَ من أهل القُرْبة؛ فيَجُوزُ؛ كتعليم الخَطِّ والحِساب، وفي «المبهج»: لا مُشاهَرَةٍ

(4)

.

وله أخْذُ رزْقٍ على ما يَتَعَدَّى نَفْعُه، لا على ما لا يَتَعَدَّى نَفْعُه كصَومٍ، وصلاةٍ خَلْفَه، ونحوِه.

(وَإِنِ اسْتَأْجَرَهُ لِيَحْجُمَهُ؛ صَحَّ) في الأصحِّ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ قال: «احْتَجَم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأعْطَى الحَجَّامَ أجْرَه» ، قال ابنُ عَبَّاسٍ:«ولو كان حَرامًا لم يُعْطِه» متَّفَقٌ عليه

(5)

، ولأِنَّها مَنْفَعةٌ مُباحَةٌ، لا يَخْتَصُّ فاعِلُها أنْ يكونَ من أهْلِ القُرْبة، فجازَ الاِسْتِئْجارُ عليه؛ كالفَصْدِ والخِتانِ ونحوِهما.

(وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَتِهِ)؛ لقَولِه عليه السلام: «كَسْبُ الحَجَّام خَبِيثٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

، ولا يَلزَمُ منه التَّحريمُ، فإنَّه قد سَمَّى البَصَلَ والثُّومَ خَبِيثَينِ مع

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 264، مسائل ابن منصور 6/ 2733.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 316.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 152.

(4)

المشاهرة: المعاملَة شَهْرًا بشَهْر. ينظر: تهذيب اللغة 6/ 51.

(5)

أخرجه البخاري (2103)، ومسلم (1202).

(6)

لم يخرجه البخاري، كما نصَّ الإشبيلي، وعزاه المزي إلى مسلم والثلاثة، ولم يذكر البخاري، وإنما أخرجه مسلم (1568) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه، مرفوعًا:«كسب الحجام خبيث» . ينظر: تحفة الأشراف 3/ 142، الجمع بين الصحيحين للإشبيلي 2/ 520.

ص: 78

إباحَتهما، وخُصَّ الحُرُّ بذلك؛ تَنْزيهًا له.

وعنه: يَحرُم.

ومَنَعَ في «الشَّرح» أنْ يكونَ عن أحمدَ نَصٌّ بالتَّحريمِ، وإنَّما قال: نَحْنُ نُعْطِيهِ، كما أَعْطَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال القاضِي في «الخلاف» : يَحرُمُ على السَّيِّد خاصَّةً دُونَ سائِرِ الأحْرارِ، واسْتَنْبَطَهُ من كلامِ أحمدَ.

(وَيُطْعِمُهُ الرَّقِيقَ وَالْبَهَائِمَ)؛ لقَولِه عليه السلام: «أطْعِمْهُ ناضِحَكَ، ورَقيقَك

(2)

» رواه التِّرمذيُّ وحسَّنَه

(3)

، وفي «الرِّعاية» مِثْلُه.

وقِيلَ: يُكرَهُ، وهو ظاهِرٌ؛ لأِنَّ الخَبَرَ يَدُلُّ على إباحته؛ إذْ غَيرُ جائِزٍ أنْ يُطعِمَ رقيقَه ما يَحرُمُ أكْلُهُ، فإنَّ الرَّقيقَ آدَمِيٌّ يُمنَعُ منه ما يُمنَعُ الحُرُّ.

(وَقَالَ الْقَاضِي) والحُلْوانِيُّ: (لَا تَصِحُّ

(4)

الإجارةُ، نَصَّ عليه

(5)

، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لظاهِرِ الخَبَر.

وكذا أخْذُه بلا شَرْطٍ، وجوَّزه في «الشَّرح» ، ويَصرِفُه في عَلَفِ دابَّتِه، ومُؤْنَةِ صِناعَتِه، ولا يَحِلُّ أكْلُه، وكذا جَزَمَ به الحُلْوانِيُّ لغَيرِ حُرٍّ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2730.

(2)

في (ح): رقيق.

(3)

أخرجه أحمد (23690)، وأبو داود (3422)، والترمذي (1277)، وابن ماجه (2166)، وابن الجارود (583)، والطّحاوي في شرح المشكل (4658)، وابن حبان (5154)، من حديث محيِّصة بن مسعود الأنصاريِّ رضي الله عنه، وقد صحّحه ابن الجارود وابن حبان وابن الملقن والألباني، وقال الترمذي:(حديث محيِّصة حديث حسن). وقد ادّعى ابن عبد البر: (أنّ رواية حرامٍ عن جدّه محيصة مرسلة)، وخالفه غير واحد من أهل العلم، وفي الباب أحاديث أخرى هي شواهد للحديث. ينظر: التمهيد 11/ 77، البدر المنير 9/ 403، الصحيحة (4000).

(4)

في (ح): لا يصح.

(5)

ينظر: المغني 5/ 399.

ص: 79

(فَصْلٌ)

(وَلِلْمُسْتَأْجِرِ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ)؛ لأِنَّ أصْلَ العَقْد يُرادُ لِلْعاقِد، فلو شُرِطَ عليه اسْتِيفاؤها بِنَفْسِه؛ فقِياسُ قَولِ أصْحابِنا: صِحَّةُ العَقْد وبُطْلانُ الشَّرْط؛ لأِنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد؛ إذْ مُوجِبُه ملْكُ المنْفَعَة والتَّسْلِيطُ على اسْتِيفائِها بِنَفْسِه ونائبِه.

وقِيلَ: يَصِحُّ؛ لأِنَّه قد يَكُونُ له غَرَضٌ في تَخْصِيصِه.

(وَبِمِثْلِهِ)؛ أيْ: إذا كان مِثْلَه في الضَّرَر أوْ دُونَه؛ لأِنَّه لم يَزِدْ على اسْتِيفاءِ حَقِّه، فيُعْتَبَرُ كَون راكِبٍ مِثْلَهُ في طُولٍ وقِصَرٍ، لا المعرفةُ بالرُّكُوب، خِلافًا للقاضِي؛ لأِنَّ التَّفاوُتَ في هذا يَسِيرٌ.

(وَلَا يَجُوزُ بِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ)؛ لأِنَّ العَقْدَ اقْتَضَى اسْتِيفاءَ مَنْفَعَةٍ مُقدَّرةٍ، فلا يَجوزُ بأكْثَرَ منه؛ لأِنَّه زائِدٌ على ما عَقَدَ عليه.

(وَلَا بِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرُهُ ضَرَرَهُ)؛ لأِنَّه يَسْتَوْفِي أكْثرَ مِنْ حَقِّه أوْ غَيرَ ما يَسْتَحِقُّه.

(وَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ) المعْقُودَ عَلَيها مِنْ زَرْعٍ أوْ بِنَاءٍ؛ لأِنَّه هو المقْصودُ، (وَمَا دُونَهَا فِي الضَّرَرِ مِنْ جِنْسِهَا)؛ لأِنَّه إذا كان له اسْتِيفاءُ نَفْسِ المنْفَعَة المعْقُود عَلَيها؛ فما دُونَها أَوْلَى، قال أحْمَدُ: إذا اسْتَأْجَرَ دابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيها تَمْرًا، فحَمَلَ عَلَيها حِنْطَةً؛ أرجو ألاَّ يكونَ به بأْسٌ إذا كان الوَزْنُ واحِدًا

(1)

.

(فَإِذَا اكْتَرَى لِزَرْعِ الْحِنْطَةِ؛ فَلَهُ زَرْعُ الشَّعِيرِ وَنَحْوِهِ)؛ كَبَاقِلَاءَ؛ لأِنَّه دُونَه في الضَّرر، وعُلِم منه: جَوازُ زَرْعِ الحِنْطَة؛ لأِنَّها المعْقُودُ عَلَيها.

(1)

ينظر: المغني 5/ 356.

ص: 80

فلو قال: ازْرَعْ حِنْطَةً، ولا تَزْرَعْ غَيرَها؛ فذَكَرَ القاضِي: بُطْلانَ الشَّرْط؛ لأِنَّ مُقْتَضَى العَقْد اسْتِيفاءُ المنْفَعَة كَيفَ شاء، فلم يَصِحَّ الشَّرْطُ.

وفيه وَجْهٌ: أنَّه لا يجوز له زَرْعُ غَيرِ ما عَيَّنَه، حتَّى لو وَصَفَ الحِنْطةَ بأنَّها سَمْراءُ؛ لم يَجُزْ أنْ يَزْرعَ بَيضاءَ؛ لأِنَّه عيَّنه، فلم يَجُزِ العُدولُ عنه؛ كالدَّراهِم في الثَّمَن.

ورُدَّ: بالفَرْق.

والماء على ربِّ الأرض

(1)

.

(وَلَيْسَ لَهُ زَرْعُ الدُّخْنِ

(2)

وَنَحْوِهِ)؛ كَقُطْنٍ؛ لأِنَّه فَوقَه في الضَّرَرِ، فإنْ فَعَلَ؛ لَزِمَه المسمَّى مع تفاوُتِهما في أجْرِ المِثْل، نَصَّ عليه

(3)

، وأوْجَبَ أبو بَكْرٍ والمؤلِّفُ أجْرَ المِثْل خاصَّةً.

ومِثْلُه: لو سَلَكَ طَرِيقًا أشَقَّ، قالَهُ في «الشَّرح» و «الفروع» .

(وَلَا يَمْلِكُ الْغَرْسَ، وَلَا الْبِنَاءَ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

(وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِأًحَدِهِمَا؛ لَمْ يَمْلِكِ الآْخَرَ)؛ لأِنَّ ضَرَرَ كلِّ واحِدٍ يُخالِفُ ضَرَرَ الآخَرِ؛ لأِنَّ الغَرْسَ يَضُرُّ بباطِنِ الأرض، والبِناءَ يَضُرُّ بظاهِرِها.

(وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِلْغَرْسِ؛ مَلَكَ الزَّرْعَ)؛ لأِنَّ ضَرَرَه أقلُّ من ضَرَر الغَرْس، وهو من جِنْسِه؛ لأِنَّ كُلًّا منهما يَضُرُّ بباطِن الأرض.

وإنِ اكْتَراها للبناء

(4)

؛ هل يَمْلِكُ الزَّرْعَ؟ وفيه وَجْهانِ.

تنبيه: إذا اكْتَرى أرْضًا لِيَزْرَعَها أوْ يَغْرِسَها؛ لم يَصِحَّ؛ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ، فلو

(1)

قوله: (والماء على ربِّ الأرض) كذا في النسخ الخطية، ولم نقف عليها في كتب المذهب في هذا الموطن.

(2)

في (ظ) و (ق): دخن.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 404.

(4)

في (ح): للنساء.

ص: 81

قال: لِزَرْعِ ما شاء، أوْ غَرْسِه، أو: وغَرْسِه؛ صَحَّ في الأصحِّ فيهما؛ كزَرْعِ ما شِئْتَ، وتَغْرِس ما شِئْتَ، وإنْ أطلق وتصلح

(1)

لزَرْعٍ وغَيرِه؛ صَحَّ في الأصحِّ

(2)

.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إنْ أطْلَقَ، أو قال: انْتَفِعْ بها بما شِئْتَ؛ فله زَرْعٌ، وغَرْسٌ، وبِناءٌ

(3)

.

(وَإِنِ اكْتَرَى دَابَّةً لِلرُّكُوبِ، أَوِ الْحَمْلِ

(4)

؛ لَمْ يَمْلِكِ الآْخَرَ)؛ لاِخْتِلافِ الضَّرَرِ؛ لأِنَّ الرَّاكِبَ يُعِينُ الظهر

(5)

بحَرَكته، فلا يَمْلِك الحَمْلَ، والرُّكوبُ أشدُّ على الظَّهْر؛ لأِنَّه يَقْعُدُ في مكانٍ واحدٍ، والمتاعُ يَتَفَرَّقُ على جَنبَيهِ، فلا يَمْلِكُ الرُّكوبَ.

فإذا اكْتَراها لِحَمْلِ دقيقٍ من طاحُونٍ؛ فلم يَجِدْه طُحِنَ؛ وَجَبَتْ أُجْرَتُها.

وإنِ اكْتَراها إلى بلدٍ؛ فله الرُّكوبُ إلى مَقَرِّه. وقيل: بل

(6)

إلى أوَّلِ عِمارَتِه.

(وَإِنِ اكْتَرَاهَا لِحَمْلِ الْحَدِيدِ، أَوِ الْقُطْنِ؛ لَمْ يَمْلِكْ حَمْلَ الآْخَرِ) على المعروفِ؛ لأِنَّه إذا اكْتَراها لِحَمْلِ الحَديدِ؛ لم يَحْمِلْ

(7)

قُطْنًا؛ لأِنَّه يَتَجَافَى، وتَهُبُّ فيه الرِّيحُ، فيَتْعَبُ الظَّهْرُ، وعَكْسُه؛ لأِنَّ الحديدَ يَجْتَمِعُ في مَوضِعٍ واحِدٍ، فيَثْقُلُ عَلَيهِ.

وقيل: بلى بِوَزْنه، ولا يَضْمَنُ الدَّابَّةَ.

(1)

في (ح): ويصلح.

(2)

قوله: (فيهما؛ كزرع ما شئتَ) إلى هنا سقط من (ق).

(3)

ينظر: الفروع 7/ 170.

(4)

في (ح): للحمل.

(5)

في (ح): الظهير.

(6)

في (ح): بلى.

(7)

في (ق): لم يملك.

ص: 82

(فَإِنْ فَعَلَ)؛ كان ضامِنًا، (وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّه عَدَلَ عن المَعْقُودِ عَلَيهِ إلى غَيرِه، أشْبَهَ ما لو اسْتَأْجَرَ أرْضًا؛ فزَرَعَ غَيرَها.

(وَإِنْ اكْتَرَاهَا لِحُمُولَةِ شَيْءٍ فَزَادَ عَلَيْهِ، أَوْ إِلَى مَوْضِعٍ فَجَاوَزَهُ؛ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ الْمَذْكُورَةُ)؛ أي: المسمَّاةُ؛ لاِسْتِيفاء المعْقُود عَلَيهِ مُتَمَيِّزًا عن غَيرِه، (وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزَّائِدِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، قال القاضِي: لا يَخْتَلِفُ فيه أصْحابُنا؛ أيْ: في الثَّانية، وحكاه أبو الزِّناد عن الفُقهاء السَّبْعة؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ في ذلك، فهو كغاصِبٍ.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلْجَمِيعِ)؛ لأِنَّه عَدَلَ عن المعْقُود عَلَيهِ إلى غَيرِه، أشْبَهَ ما لو فَعَلَه بغَير إجارةٍ.

ولم يُصرِّحْ به أبو بَكْرٍ فيما إذا اكْتَرَى لِحُمولةِ شَيءٍ فزاد عَلَيهِ، وإنَّما أُخِذَ ذلك من قَولِه: إذا اسْتَأْجَرَ أرْضًا لِزَرْعِ شَعِيرٍ، فَزَرَعَها حنطة

(1)

: أنَّ عَلَيهِ أُجْرةَ المِثْلِ للجميع، فجمع القاضي بين

(2)

مسألة الخِرَقِيِّ ومسألةِ أبي بَكْرٍ، فنَقَل

(3)

كُلًّا منهما إلى الأخرى؛ لِتَساوِيهِما في أنَّ الزِّيادةَ لا تَتَمَيَّزُ، فيكونُ فِيهِما وَجْهانِ.

وليس كذلك، فإنَّه يُفرَّقُ بَينَهُما، بأنَّ

(4)

ما حصل التَّعَدِّي فيه

(5)

في الحَمْل مُتَمَيِّزٌ، بخلاف الزَّرع، فإنَّه مُتَعَدٍّ به كُلِّه، أشْبَهَ الغاصِبَ، ولهذا عَلَّلَ أبو بَكْرٍ: بالعُدول عن المعْقُود عليه، فإلحاقها

(6)

بما إذا اكْتَرَى إلى مَوضِعٍ فجاوَزَهُ أشدُّ؛ لِشِدَّة شَبَهِها به، وهو الذي قَطَعَ به في «الكافي» و «المحرَّر» ، مع أنَّ

(1)

قوله: (حنطة) سقط من (ح) و (ظ).

(2)

قوله: (بين) سقط من (ح).

(3)

في (ح) و (ظ): فينقل.

(4)

في (ظ): فإن.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(6)

في (ق): بإلحاقها.

ص: 83

أحمدَ نَصَّ في الزَّرع

(1)

: أنَّه يَنْظُرُ ما يَدْخُل على الأرض من النُّقْصان، فيُعْطاهُ ربُّ الأرض، فيُقالُ: أُجْرةُ مِثْلِها إذا زَرَعَها حِنْطةً مائة، وأجْرةُ مِثْلِها إذا زَرَعَها شَعِيرًا ثمانُونَ؛ فالواجِبُ ما بَينَهما وهو عِشْرونَ.

ونَظِيرُهما: لو اكْتَرَى غُرْفةً لِيَجْعَلَ فيها أقفزة

(2)

معلومةً، فزاد عليها، ولو اكْتَراها لِيَجْعَلَ فيها قِنطارَ قُطْنٍ، فجَعَل قِنطارَ حديدٍ؛ ففي الأُولى له المسمَّى وأجرة

(3)

الزِّيادة، وفي الثَّانية: يُخرَّجُ فيها الخِلافُ في مسألة الزَّرعِ.

(وَإِنْ تَلِفَتْ؛ ضَمِنَ قِيمَتَهَا)، سَواءٌ تَلِفَتْ في الزِّيادة، أو بَعْدَ ردِّها إلى المسافة؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ، أشْبَهَ الغاصِبَ، (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ صَاحِبِهَا) ولا شَيءَ عَلَيها، (فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه اجْتَمَع عَلَيهَا يَدانِ؛ يَدُ صاحِبِها ويَدُ المسْتَأْجِر، فالذي يُقابِلُه: النِّصفُ، فيَضْمَنُ، وكما لو زاد سَوْطًا في الحَدِّ.

والثَّاني: تَلزَمُه

(4)

القِيمةُ كلُّها حَيثُ لم يَرْضَ مالكُها، وهو المذْهَبُ، ونَصَرَه الأكْثَرُ؛ إناطةً بالتَّعَدِّي، وسكوتُ صاحبها لا يَدُلُّ على الرِّضا، كما لو أبِيعَ ملْكُه وهو ساكِتٌ لم يَمْنَعْه.

وذَكَرَ القاضِي في «الشَّرح الصَّغير» : أنَّه لا ضَمانَ؛ لوجود يَدِ المالِك.

وذَكَرَ في مَوضِعٍ آخَرَ: إنْ تَلِفَتْ وهو

(5)

راكِبها، أو له عليها حَمْلٌ؛ ضَمِنَها، وإن كان سلَّمها لمالكها

(6)

لِيَسْقِيَها، أو لِيُمْسِكَها؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ.

وَوَافَقَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» على ذلك، إلاَّ أنَّهما اسْتَثْنَيَا فيما إذا تَلِفَتْ

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 404.

(2)

في (ح): قفيزة.

(3)

في (ظ) و (ق): وأجر.

(4)

في (ق): يلزمه.

(5)

قوله: (وهو) في (ظ): في يد.

(6)

في (ح): مالكها.

ص: 84

في يد مالكها بسبب تَعَبِها من الحَمْل ونحوِه، فالضَّمانُ على المتعَدِّي، كما لو أَلْقَى حَجَرًا في سفينةٍ مُوقَرَةٍ

(1)

فغَرَّقَها، ولا يَسْقُطُ الضَّمانُ بردِّها إلى المسافة.

فَرْعٌ: لو اكْتَرَى زَوْرَقًا، فَزَواهُ مع زَوْرَقٍ، فغَرِقَا؛ ضَمِنَ؛ لأِنَّها مُخاطَرَةٌ؛ لاِحْتِياجِهِما إلى المساواة، كَكِفَّةِ المِيزانِ، كما لو اكْتَرَى ثَوْرًا لاِسْتِقاء الماء، فجَعَلَه فَدَّانًا

(2)

.

أَصْلٌ: إذا اكْتَرى لنَسْخ كتابٍ يُباحُ ما فيه، أو خِياطةٍ، أو قِصارةٍ، أو صَبْغٍ، أو كحْلٍ، أو مُداواةِ جُرْحٍ؛ صَحَّ، ولَزِمَه حِبرٌ، وخُيُوطٌ، وكُحْلٌ، ومَرْهَمٌ، ونحوُ ذلك.

وقيل: يَلزَمُ مُسْتَأْجِرًا، وهو مَعْنَى ما في «المستوعب» .

وقيل: بل يَتْبَعُ العُرْفَ.

وقيل: الكلُّ على الأَجِيرِ إلاَّ الخُيوطَ، فإنَّها على المسْتَأْجِر.

وجَزَمَ في الشَّرح: أنَّه لا يَجُوزُ اشْتِراطُ الدَّواء على الطَّبِيبِ، بخلاف الكُحْل؛ للحاجة إليه.

وليس له محادثته حال النَّسخ، وإنْ أخْطَأَ النَّاسِخُ بِشَيءٍ يَسِيرٍ؛ عُفِيَ عنه، وإنْ كَثُرَ؛ فلا، وهو عَيبٌ يُرَدُّ به.

مسألةٌ: اسْتَأْجَرَه مدَّةً، فكَحَله، فلم تَبْرَأْ عَينُه؛ اسْتَحَقَّ الأجْرَ

(3)

في قول الأكْثرِ، فإن شارَطَه على البُرْءِ؛ فهي جعالةٌ، فلو بَرَأَ بغَيرِ كُحْلِه، أوْ تعذَّر

(4)

من جِهَةِ

(5)

المسْتَأْجِر؛ فله أجْرُ مِثْلِه.

(1)

أي: تحمل حملاً ثقيلاً. ينظر: تهذيب اللغة 9/ 215.

(2)

الفداّن: البقر التي تحرث. ينظر: الصحاح 2/ 518.

(3)

في (ظ): الأجرة.

(4)

في (ق): أو بعذر.

(5)

في (ظ): جهته.

ص: 85

(فَصْلٌ)

(وَيَلْزَمُ الْمُؤْجِرَ كُلُّ مَا يُتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ النَّفْعِ؛ كَزِمَامِ الْجَمَلِ)، وهو الَّذي يَقُودُه به، (وَرَحْلِهِ، وَحِزَامِهِ)؛ بكَسْر الحاء، وهو ما تُحزَمُ

(1)

به البرذعة ونحوُها، (وَالشَّدِّ عَلَيْهِ، وَشَدِّ الْأَحْمَالِ وَالْمَحَامِلِ، وَالرَّفْعِ وَالْحَطِّ، وَلُزُومِ الْبَعِيرِ لِيَنْزِلِ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ)، وقَضاء حاجة الإنسان، والطَّهارة، وَيَدَعُ البعيرَ واقِفًا حتَّى يَقْضِيَ ذلك، وفَرْضُ الكِفاية كالعَينِ.

وذَكَرَ جماعةٌ: أنَّ نُزولَه لِسُنَّةٍ راتِبةٍ؛ كفَرْضٍ.

فإنْ كان الرَّاكِبُ لا يَقْدِرُ على الرُّكوب والبَعيرُ قائِمٌ، فعلى الجَمَّال أنْ يُبْرِكَ له البعيرَ لِرُكوبه، وإلاَّ لم يَلزَمْهُ، فإنْ كان قَوِيًّا حالَ العَقْد، ثُمَّ عرض له

(2)

الضَّعفُ، أوْ بالعَكْس؛ فالاِعْتِبارُ بحال الرُّكوب؛ لأِنَّ العَقْدَ اقْتَضَى رُكوبَه بِحَسَبِ العادة، قاله في «الشَّرح» .

وفي آخَرَ: لا.

فلو أراد إطالةَ الصَّلاة، فطالَبَه الجَمَّالُ بِقِصَرها؛ لم يَلْزَمْهُ.

والمشْيُ المعتادُ قُرْبَ المنزل؛ لا يَلزَمُ راكِبًا ضعيفًا أو امْرَأَةً، وإن كان جَلْدًا قَوِيًّا؛ فاحْتِمالانِ.

فَرْعٌ: أُجْرةُ دليلٍ، وبَكْرةٍ، وحَبْلٍ، ودلوٍ

(3)

؛ على مُكْتَرٍ؛ كمَحْمِلٍ، وغِطاءٍ، ووِطاءٍ فَوقَ الرَّحْلِ.

قال في «التَّرغِيب» : وعِدْلُ القُمَاشِ على مُكْرٍ إنْ كانَتْ في الذِّمَّة.

(1)

في (ق): ما يحزم.

(2)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(3)

في (ح): ودلو وحبل.

ص: 86

(وَمَفَاتِيحِ الدَّارِ)؛ أي: عليه تَسْليمُ مَفاتِيحِها؛ لأِنَّ عليه التَّمكينَ من الاِنْتِفاع، وبه يَحصُلُ، وهي أمانةٌ في يَدِ المسْتَأْجِر، (وَعِمَارَتِهَا)، فلو سَقَطَ حائِطٌ أوْ خَشَبةٌ، أو انْكَسَرتْ؛ فعَلَيهِ بِناءُ الحائِطِ، وإبْدالُ الخَشَبَةِ، وتَبْلِيطُ الحمَّام، وعَمَلِ الأبواب والبِرَك، ومَجْرَى الماء؛ لأِنَّ بذلك يَحْصُلُ الاِنْتِفاعُ ويُتَمَكَّنُ منه، (وَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ بِهِ)؛ كالقَتَب للجَمَل، والسرج

(1)

واللِّجَام للفَرَس، والبَرْذَعَة والإِكَافِ للبَغْل والحِمار؛ لأِنَّ العادةَ جاريةٌ به، ويَلْزَمُه سائِقٌ وقائِدٌ، قالَهُ في «الفروع» .

وذَكَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» : إنْ كانت الإجارةُ على تسليم الرَّاكِب البهيمةَ لِيَرْكَبَها لنفسه؛ فكلُّ ذلك عليه، وقد سلَّمها.

وتنظيفُ السَّطْح من الثَّلْج على المؤْجِر، قاله في «التَّلخيص» .

(فَأَمَّا تَفْرِيغُ الْبَالُوعَةِ، وَالْكَنِيفِ)، وما في الدَّار من زِبْلٍ

(2)

، وقُمامةٍ، ومصارِفِ حَمَّامٍ؛ (فَيَلْزَمُ الْمُسْتَأْجِرَ) تنظيفُها (إِذَا تَسَلَّمَهَا فَارِغَةً) مِنْ ذلك؛ لأِنَّه حَصَلَ بفِعْل المكْتَرِي، فكان عليه تنظيفُه، كما لو طَرَحَ فيها قُمَاشًا.

مسألةٌ: إذا شَرَطَ على مُكْتَرِي الحَمَّام، أوْ غَيرِه: أنَّ مُدَّةَ تَعْطيله عليه؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لا يَجُوزُ أنْ يُؤْجِرَه مُدَّةً لا يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ في بَعْضِها، ولا يَجُوزُ أن يَشرِط أنَّه يَسْتَوْفِي بقَدْرها بَعْدَ انْقِضاء مُدَّتِه؛ لأِنَّه يُؤدِّي إلى جَهالةِ مُدَّةِ الإجارة.

فإنْ أطْلَق، وتعطَّل؛ خُيِّرَ بَينَ الإمساك بكلِّ الأجْرِ وبَينَ الفَسْخِ. وقيل: له أرْشُ العَيبِ.

فإنْ لم يَعْلَمْ به حتَّى انْقَضَتِ المدَّةُ؛ فعليه جميعُ الأجْرِ.

(1)

رسمت في (ح): السوج.

(2)

قال في الصحاح (4/ 1715): (الزِبْل: بالكسر: السِرْجين، وموضعه مزبَلة، ومزبُلة أيضًا بضم الباء).

ص: 87

وإنْ شَرَطَ أن يُنفِقَ مُسْتَأْجِرٌ ما يَحتاجُه من عِمارةٍ واجبةٍ؛ لم يَصِحَّ، فإنْ أنْفَقَ بِناءً على هذا الشَّرْطِ؛ رَجَعَ به على الآجِر

(1)

، ويُقبَلُ قَولُه في قَدْره؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، وإنْ أنْفَقَ بغَيرِ إذْنه فلا رُجوعَ بشَيءٍ.

خاتمةٌ: يَصِحُّ كِراءُ العُقْبَةِ، ومَعْناهُ

(2)

: أنْ يَرْكَبَ في بَعْض الطَّريق، ويَمْشِي في بعْضٍ، ولا بُدَّ من العِلْم به إمَّا بالفَراسِخ، أوْ بالزَّمان، فإنْ شَرَطَ أنْ يَركَبَ يَومًا، ويَمْشِي آخَرَ؛ جاز، فإنْ أَطْلَق؛ فاحْتِمالانِ.

وإنِ اكْتَرَى اثْنانِ جَمَلاً يَتَعاقَبانِ عليه؛ جاز، والاِسْتِيفاءُ بَينَهُما بِحَسَبِ الاِتِّفاق، فإنْ تَشَاحَّا؛ قُسِمَ بَينَهما بالفَراسِخ، أوْ بالزَّمان، وإنِ اخْتَلَفا في البادِئ مِنْهُما؛ أُقْرِعَ بَينَهُما في الأصحِّ.

(1)

قوله: (وإن شرط أن ينفق مستأجر ما يحتاجه

) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

في (ق): وهو.

ص: 88

(فَصْلٌ)

(وَالْإِجَارَةُ عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضَةٍ أشْبَهَت البَيعَ، ولأِنَّها نَوْعٌ من البَيع، وإنَّما اخْتَصَّتْ باسْمٍ؛ كالصَّرْف والسَّلَم، (لَيْسَ لِأًحَدِهِمَا فَسْخُهَا)؛ لِلُزُومِها، إلاَّ أنْ يَجِدَ العَينَ مَعِيبَةً عَيْبًا لم يَعْلَمْ به، فله الفَسْخُ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(1)

؛ لأِنَّه عَيبٌ في المعْقُود عليه، فأثْبَتَ الخِيارَ؛ كالعَيب في المبِيع.

والعَيبُ الَّذي يُرَدُّ به: ما تَنقُص به المنْفَعَةُ، كالبعير الَّذي يتأخَّرُ عن القافلة، ورَبَضِ

(2)

البَهِيمة بالحِمْلِ، وكَونِها جموحًا

(3)

، أوْ عَضُوضًا ونحوَه، وفي المكْتَرَى للخِدْمة: ضَعْفُ البَصَر والجُنون، وفي الدَّار: انْهِدامُ الحائط، والخَوفُ من سُقوطها، وانْقِطاعُ الماء من بِئْرِها، فإنْ رَضِيَ بالمقام؛ لَزِمَه جَميعُ الأجر

(4)

، وإنْ اخْتَلَفا فيه؛ رُجِع إلى أهل الخِبْرة.

هذا إذا كان العَقْدُ على العَين، فإنْ كانَتْ مَوصُوفَةً في الذِّمَّة؛ لم تنْفَسِخْ

(5)

، وعلى المكْرِي إبْدالُه؛ كالمسْلَمِ فيه، فإنْ عَجَزَ عن الإبْدال، أو امْتَنَعَ منه؛ فله الفَسْخُ.

(فَإِنْ

(6)

بَدَا لَهُ قَبْلَ تَقَضِّي الْمُدَّةِ؛ فَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ)؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ، يَقْتَضِي

(7)

أنْ يَمْلِكَ المؤْجِرُ الأجْرَ، والمسْتَأْجِرُ المنافِعَ، وقد وُجِدَتْ،

(1)

ينظر: المغني 5/ 339.

(2)

في (ق): وروض. وفي الكشاف 9/ 113: (أي: بروك).

(3)

في (ظ) و (ق): حموصًا.

(4)

في (ظ): الأجرة.

(5)

في (ظ): لم ينفسخ.

(6)

في (ح): وإن.

(7)

في (ق): تقتضي.

ص: 89

فيترتَّب

(1)

مُقْتَضاها.

فإنْ سَكَنَ الآجِرُ بعضَ المدَّة؛ فهل تَلْزَمُه

(2)

أُجْرةُ المِثْل، أو بالقِسْط؟ على وَجْهَينِ.

(وَإِنْ حَوَّلَهُ الْمَالِكُ قَبْلَ تَقَضِّيهَا)؛ أيْ: تَقَضِّي المدِّةِ المعْقُودِ عَلَيهَا؛ (لَمْ يكَنُ لَهُ أُجْرَةٌ لِمَا سَكَنَ، نَصَّ عَلَيْهِ

(3)

، وعليه الأصْحابُ؛ لأِنَّه لم يُسَلِّم له ما تَناوَلَه عَقْدُ الإجارة، فلم يَسْتَحِقَّ شَيئًا، كما لو اسْتأْجَره لِيَحْفِرَ له عِشْرينَ ذِراعًا، فحَفَرَ بَعْضَها وامْتَنَع من الباقي، أو لِيَحْمِلَ له كِتابًا إلى بلدٍ، فحَمَلَهُ بعْضَ الطَّريق.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ لَهُ مِنَ

(4)

الْأُجْرَةِ بِقِسْطِهِ)، وهو قَولُ أكثرِ الفُقَهاء؛ لأِنَّه اسْتَوفَى ملْكَ غَيره على وجْه المعاوَضَة، فَلَزِمَه عِوَضُه؛ كالمبِيع إذا اسْتَوْفَى بعضَه ومَنَعَه المالِكُ بَقِيَّتَه.

والأوَّلُ أَوْلَى.

تنبيهٌ: إذا

(5)

أَبَى المؤْجِرُ تسليمَ ما آجَرَه، أو مَنَعَ مُسْتَأْجِرَه الاِنْتِفاعَ به كلَّ المدَّة؛ فله الفَسْخُ وجْهًا واحدًا، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح». وقيل: يَبطُل العَقْدُ مَجَّانًا.

وكذا إذا أكرى

(6)

عبدَه للخدمة مدَّةً، وامْتَنَع من تمامها، أو آجَرَ نفسَه لبناء حائطٍ أو خِياطةٍ، وامْتَنَع من إتْمامِ العَمَل مع القُدْرة عليه.

(وَإِنْ هَرَبَ الْأَجِيرُ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ؛ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ)؛ لأِنَّ المعْقُودَ

(1)

في (ظ): فترتَّبت.

(2)

في (ق): يلزمه.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2915.

(4)

قوله: (من) سقط من (ح).

(5)

في (ح): إذ.

(6)

في (ح): اكترى.

ص: 90

عليه يَفُوتُ بانْقِضائها، أشْبَهَ تَلَفَ العَينِ.

وظاهِرُه: أنَّها لا تَنْفَسِخُ قبل انْقِضائها، وصرَّح به في «المغْنِي» ؛ لأِنَّ المدَّةَ إذا لم تَنْقَضِ؛ لم يَفُت المعْقُودُ عليه. وفيه شَيءٌ، فَقَدْ فات بَعْضُه.

(وَإِنْ كَانَتْ عَلَى عَمَلٍ فِي الذِّمَّةِ)؛ كخياطة

(1)

ثَوبٍ، وبِناءِ حائطٍ، أوْ حَمْلٍ إلى مَوضِعٍ مَعْلومٍ؛ اسْتُؤْجِرَ من ماله مَنْ يَعْمَلُ العَمَلَ، فإنْ تعذَّر؛ (خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالصَّبْرِ)؛ لأِنَّه عَمَلٌ في الذِّمَّة ليس له مُدَّةٌ يَفُوتُ

(2)

بِفَواتها.

وقيل: يَبطُلُ العَقْدُ، ولا أُجْرةَ له في زمن الهَرَب. وقيل: ولا قَبْلَه.

وحُكْمُ مَنْ آجر نَفْسَه مدَّةً وهَرَبَ، أو امْتَنَع من العمل؛ كذلك، وكذا لو آجَرَه دابَّةً ثُمَّ شَرَدَتْ.

(وَإِنْ هَرَبَ الْجَمَّالُ، أَوْ مَاتَ وَتَرَكَ الْجِمَالَ؛ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْحَاكِمُ مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ) إنْ كان له مالٌ؛ لأِنَّ نَفَقَةَ الحَيَوَان واجِبةٌ على المالِكِ وهو غائبٌ، والحاكمُ نائبُه.

(أَوْ أَذِنَ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِي النَّفَقَةِ عَلَيْهَا) من ماله

(3)

بالمعروف ليكون دَينًا عليه؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، ولأِنَّ إقامةَ أمِينٍ غَيرِ المستأْجِر تَشُقُّ

(4)

، ويتعذَّر مباشَرَتُه كلَّ وقْتٍ.

فإذا رجع، واختلفا في النَّفقة: فإن كان الحاكمُ قدَّرها؛ قُبِلَ قَولُ المستأْجِر فيها، وكذا إن كانت غيرَ مقدَّرةٍ، وكانت بالمعروف؛ لأِنَّه أمينٌ.

فإن لم يَجِدْ حاكِمًا، أوْ عَجَزَ عن اسْتِئْذانه؛ فله أن يُنفِقَ عليها، فإن نوى

(1)

في (ح): كخياط.

(2)

في (ق): تفوت.

(3)

قوله: (عليها من ماله) سقط من (ح).

(4)

في (ق): مشق.

ص: 91

الرُّجوعَ، وأشْهَدَ؛ رَجَعَ، وإن لم يُشْهِدْ؛ فوجْهانِ، وقياس المذهب: أنَّه يرجع؛ قياسًا على نفقة

(1)

الآبِق، وعيالِ الغائب، قاله في «المغْنِي» .

فإن أنفق من غير استئذانه مع القدرة عليه، وأشْهَدَ على ذلك؛ ففي رجوعه وجْهانِ.

فإن لم يكن مع المستأْجِر مالٌ يُنْفِقُ عليها؛ لم يَجُزْ أن يَبِيعَ منها شيئًا؛ لأِنَّه إنَّما يكون من المالك، أو نائبه، أو مَنْ له ولايةٌ عليه.

(فَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ؛ بَاعَهَا الْحَاكِمُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، وكذا إن

(2)

كان فيها فَضْلَةٌ عن الكِراء، (وَوَفَّى الْمُنْفِقَ)؛ لأنَّ

(3)

في ذلك تخليصًا لذمَّة الجَمَّال، وإيفاءً لحقِّ صاحب النَّفقة، (وَحَفِظَ بَاقِيَ ثَمَنِهَا لِصَاحِبِهِ)؛ لأِنَّ الحاكِمَ يَلْزَمه حِفْظُ مالِ الغائب.

فلو هَرَبَ الجمَّالُ بجِماله، ولم يَجِد المستأْجِرُ ما يَسْتَوْفِي منه حقَّه؛ فله الفَسْخُ؛ لأِنَّه تعذَّر عليه قَبْضُ المعْقُود عليه، فإنْ فَسَخَ وكان الجمَّالُ قد قَبَضَ الأجرة

(4)

؛ فهو دَينٌ في ذمَّته.

وإن اختار المقامَ، وكانت على عَمَلٍ في الذِّمَّة؛ فله ذلك، ويُطالِبُه متى قَدَرَ عليه.

وإن كانت على مدَّةٍ وانْقَضَتْ في هَرَبِه؛ انْفَسَخَت الإجارةُ.

وإن كان العَقْدُ على مَوصُوفٍ غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ لم يَنْفَسِخِ العَقْدُ، ويَرفَعُ الأمرَ إلى الحاكم، فإن وَجَدَ له مالاً؛ اكْتَرَى به، وإلاَّ اقْتَرَض عليه ما يَكْتَرِي به،

(1)

قوله: (نفقة) سقط من (ق).

(2)

في (ق): إذا.

(3)

في (ح): لأنه.

(4)

في (ظ) و (ق): الأجر.

ص: 92

فإن دَفَعَه ليكْتَرِيَ لنفسه؛ جاز، وإن كان القرض من المكتري

(1)

جاز، وصار دَينًا في ذمَّة الجمَّال.

وإن كان العَقْدُ على مُعَيَّنٍ؛ لم يَجُزْ إبدالُه؛ لأِنَّ العَقْدَ تعلَّق بعَينه، فيُخَيَّرُ المكْتَرِي.

(وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِتَلَفِ الْعَيْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا)؛ كدابَّةٍ نَفَقَتْ وعبدٍ مات؛ لأِنَّ المنفعةَ زالت بالكُلِّيَّة بِتَلَفِ المعْقُودِ عليه، فانْفَسَخَتْ؛ كتَلَفِ المبِيع قَبْلَ قَبْضِه، وله أحْوالٌ:

أحدُها: أنْ تَتْلَفَ العَينُ قَبْلَ قَبْضها، ولا خِلافَ في انفساخها

(2)

.

الثَّاني: أنْ تَتْلَفَ عَقِبَ قَبْضِها، وقَبْلَ مُضِيِّ مدَّةٍ لا أجْرَ لها

(3)

، فتنفسخ أيضًا، ويَسْقُطُ الأجْرُ عند عامَّة الفقهاء.

الثَّالِثُ: أنْ تَتْلَفَ بَعْدَ مُضِيِّ بعضِ المدَّة؛ فتنفسخ

(4)

فيما بَقِيَ من المدَّة خاصَّةً في الأصحِّ، كما لو اشْتَرَى صُبْرَتَينِ، فَقَبَضَ إحْداهما وتَلِفَت الأخرى بأمْرٍ سَماوِيٍّ قَبْلَ قَبْضِها.

ثمَّ إنْ كان أجر

(5)

المدَّة متساوِيًا، وقد اسْتَوْفَى نصفَها؛ فعليه نِصْفُ الأجرة

(6)

.

وإنِ اخْتلف؛ بأنْ يكونَ أجْرُها في الصَّيف أكْثَرَ من الشِّتاء، أوْ بالعَكْس؛ فإنَّ الأجْرَ المسمَّى يُقَسَّط على ذلك، فإذا قيل: أجْرُها في الصَّيف يساوي

(1)

في (ظ): المكري. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 14/ 444.

(2)

ينظر: المغني 5/ 336.

(3)

قوله: (لا أجر لها) في (ح): الأجر لهما.

(4)

في (ظ): فينفسخ.

(5)

في (ح): آخر.

(6)

في (ح): الآخر.

ص: 93

مائة

(1)

، وفي الشِّتاء يُساوِي خَمْسينَ، وكان قد سَكَنَ الصَّيفَ؛ فعَلَيهِ بقَدْرِ ثُلُثَي المسمَّى.

وقيل: يَلزَمُه بحصَّته من المسمَّى.

(وَمَوْتِ الصَّبِيِّ الْمُرْتَضِعِ)؛ لأِنَّه تَعذَّرَ اسْتِيفاءُ المعْقُود عَلَيهِ لِكَونِ غَيرِه لا يَقومُ مَقامَه؛ لاِخْتِلافِهم في الرَّضاع، وقد يَدُرُّ اللَّبَنُ على وَلَدٍ دُونَ آخَرَ.

فإنْ كان مَوتُه عَقِبَ العَقْد؛ زالَت الإجارةُ مِنْ أصْلِها، ورَجَعَ

(2)

المسْتَأْجِرُ بالأجْر كُلِّه، وإن كانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ؛ رَجَعَ بحِصَّة ما بَقِيَ.

وكذا تَنْفَسِخُ

(3)

بمَوت المرْضِعَة؛ لِفَوات المنْفَعَة بهلاك مَحَلِّها.

وعنه: لا تَنْفَسِخ

(4)

بمَوتِها، اختارها

(5)

أبو بَكْرٍ، ويَجِبُ

(6)

في مالها أجْرُ مَنْ تُرْضِعُه تمامَ الوقْت؛ كالدَّين.

وجوابُه: بأنَّ المعْقُود عَلَيهِ هَلَكَ، أشْبَهَ هَلاكَ البَهيمةِ المسْتَأْجَرَةِ.

(وَمَوْتِ الرَّاكِبِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ

(7)

مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ)؛ بِأَنْ لم يَكُنْ له وارِثٌ، أوْ كان غائِبًا، كَمَنْ يَمُوتُ بطريقِ مكَّةَ، ويَتْرُكُ جَمَلَه، فظاهِرُ كلامِ أحمدَ

(8)

: أنَّها تَنفَسِخُ فيما بَقِيَ؛ لأِنَّه قد جاء أمْرٌ غالِبٌ يَمنَعُ المسْتَأْجِرَ مَنْفَعَةَ العَينِ، أشْبَهَ ما لو غُصِبَتْ، ولأِنَّ بقاءَ العَقْد ضَرَرٌ في حقِّهما.

وظاهِرُه: أنَّها لا تَنفَسِخُ إذا كان له مَنْ يَقُومُ مَقامَه؛ لأِنَّ الاِسْتِيفاءَ غَيرُ

(1)

زيد في (ح): درهم.

(2)

في (ق): يرجع.

(3)

في (ظ): ينفسخ.

(4)

في (ظ): لا ينفسخ.

(5)

في (ظ) و (ق): اختاره.

(6)

في (ظ): وتجب.

(7)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2780، المغني 5/ 347.

ص: 94

مُتَعذِّرٍ، وبه يَحصُلُ الجَمْعُ بَينَ هذا وبَينَ قَولِه:(ولا تَنْفَسِخُ بمَوتِ المُكْرِي ولا الْمُكْتَرِي)

(1)

.

(وَانْقِلَاعِ الضِّرْسِ الذِي اكْتُرِيَ لِقَلْعِهِ، أَوْ بُرْئِهِ)؛ لِتَعذُّر اسْتِيفاءِ المعْقُود عليه كالموت، فإنْ لَمْ يَبْرَأْ، وامْتَنَعَ المسْتَأْجِرُ مِنْ قَلْعِه؛ لم يُجْبَرْ، (وَنَحْوِ هَذَا)؛ كاسْتِئْجارِ طَبيبٍ لِيُداوِيَه، فَبَرَأَ.

تنبيهٌ: ظاهِرُه: أنَّ المسْتَأْجِر إذا أتْلَفَ العَينَ؛ فإنَّها يَثْبُتُ فيها ما تقدَّمَ، ويَضْمَنُ ما أتلف

(2)

، ومِثْلُه: جَبُّ المرأةِ زَوْجَها؛ فإنَّها تَضْمَنُ، ولها الفَسْخُ.

(وَإِنِ اكْتَرَى دَارًا فَانْهَدَمَتْ، أَوْ أَرْضًا لِلزَّرْعِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهَا؛ انْفَسَخَتِ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ مِنَ الْمُدَّةِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ و «الوجيز» ، وقَطَعَ به ابنُ أبي مُوسَى وغيرُه، واختاره المؤلِّفُ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ المقصودَ بالعَقْد قد فاتَ، أشْبَهَ ما لو تَلِفَ.

وقيل: ويَنفَسِخُ

(3)

فِيمَا مَضَى.

(وَفِي الآْخَرِ: يَثْبُتُ لِلْمُسْتَأْجِرِ خِيَارُ الْفَسْخِ)، صحَّحه في «التَّلخيص» ، وقاله القاضِي في الدَّار؛ لِإمْكان الاِنْتِفاع بالعَرْصةِ

(4)

بنَصْبِ خَيمةٍ، أوْ جَمْعِ حَطَبٍ، ونحوِ ذلك، أشْبَهَ نَقْصَ العَينِ.

أمَّا لو زالت منافِعُها بالكُلِّيَّة، أو الَّذي بَقِيَ فيها لا يُباحُ اسْتِيفاؤه بالعَقْد؛ كدابَّةٍ اسْتَأْجَرها للرُّكوب، فصارت لا تَصلُحُ إلاَّ للحَمْل؛ فإنَّه يَنْفَسِخُ العَقْدُ وجْهًا واحدًا.

وقال القاضِي في الأرض الَّذي انْقَطَعَ ماؤها: لا تَنْفَسِخُ الإجارةُ ويُخَيَّرُ،

(1)

ستأتي هذه العبارة في كلام الماتن قريبًا.

(2)

في (ح): ما تلف.

(3)

في (ق): وتنفسخ.

(4)

العرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء. ينظر: الصحاح 3/ 1044.

ص: 95

فإنِ اخْتار المقامَ؛ لَزِمَه جميعُ الأجْر، وإن لم يَخْتَرِ الفَسْخَ ولا الإمضاءَ؛ إمَّا لِجَهْله بأنَّ له الفَسْخَ، أو لغَيرِ ذلك؛ فله الفَسْخُ.

فَرْعٌ: إذا آجَرَه أرضًا بلا ماءٍ؛ صحَّ، فإن أطْلَقَ؛ فاخْتار المؤلِّفُ صحَّتَها مع عِلْمِه بحالها، وقِيلَ: لا، كظنِّه

(1)

إمكانَ تَحْصيله.

وإن ظَنَّ وُجودَه بالأمْطار، وزيادة الأنْهار؛ صَحَّ، جَزَمَ به جماعةٌ؛ كالعِلْم، وفي «التَّرغيب» وغيره

(2)

: وجْهانِ.

(وَلَا تَنْفَسِخُ

(3)

بِمَوْتِ الْمُكْرِي وَلَا المُكْتَرِي

(4)

، نَصَّ عليه

(5)

، وقالَهُ أكْثَرُ العلماء؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ، فلم تَنْفَسِخْ

(6)

بمَوتِ العاقِد مع سلامة المعْقُود عَلَيهِ.

وعنه: تَنفَسِخُ بمَوتِ مُكْتَرٍ لا قائِمَ مَقامَهُ؛ كبُرْءِ ضِرْسٍ اكْترِي لقَلْعه؛ لأِنَّ استيفاء المنْفَعَة يَتَعذَّرُ بمَوتِه.

وجوابُه: بأنَّ المسْتَأْجِرَ قد مَلَكَ المنافِعَ، وأنَّ الأُجْرةَ قد مُلِكت عليه كاملةً وقْتَ العَقْد، ويَلزَمُهم: ما لو زوَّج أمَتَه ثُمَّ مات

(7)

.

وفي «الرِّعاية» : مَنِ اسْتُؤْجِر لحجٍّ أو عُمرةٍ فمات؛ بَطَلَ العَقْدُ.

وعنه: لا، بل وارِثُه كهُوَ.

وقيل: إن مات قَبلَ الإحرام؛ فلا أُجْرةَ له.

وقيل: له أجرةُ المثل لِمَا قَطَعَ من المسافة الواجب قَطْعُها.

(1)

في (ق): كطلبه.

(2)

في (ح): وغير.

(3)

في (ظ): ولا ينفسخ.

(4)

في (ح): والمكتري.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2780.

(6)

في (ظ): ينفسخ.

(7)

في (ق): ماتت.

ص: 96

وإن مات بَعْدَ الأركان؛ فله الأجرةُ، وعليه دمٌ لِمَا بَقِيَ، وإن عَمِلَ بَعْضَها؛ فله بقَدْر ما عَمِلَ، وعليه أُجْرةُ مَنْ يَعمَلُ الباقِيَ.

(وَلَا) تَنفَسِخُ (بِعُذْرٍ لِأًحَدِهِمَا، مِثْلَ أَنْ يَكْتَرِيَ لِلْحَجِّ فَتَضِيعَ نَفَقَتُهُ، أَوْ دُكَّانًا فَيَحْتَرِقَ مَتَاعُهُ)، في قَولِ الجَماهِير؛ لأِنَّه عَقْدٌ لا يَجُوزُ فَسْخُه لِغَيرِ عُذْرٍ، فلَمْ يَجُزْ لعُذْرٍ مِنْ غَيرِ المعْقُود عَلَيهِ؛ كالبَيع، ويُفارِقُ الإباقَ، فإنَّه عُذْرٌ في المعْقُود عَلَيهِ.

(وَإِنْ غُصِبَتِ الْعَيْنُ؛ خُيِّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَمُطَالَبَةِ الْغَاصِبِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ في عَدَمِ ثُبوت الخِيار تأْخِيرًا لِحَقِّه، ولأِنَّ تَعَذُّرَ الاِنْتِفاعِ بذلك مِنْ غَيرِ جِهَتِه عَيبٌ في المعْقُودِ عَلَيهِ، فَمَلَكَ الخِيَرَةَ به

(1)

، كالعَيبِ في المبِيعِ.

وحِينَئِذٍ: له الخِيارُ بَينَ الفَسْخِ والرُّجوع بالمسمَّى فِيمَا بَقِيَ من المدَّة، وبَينَ البَقاء على العَقْد ومُطالَبةِ الغاصِبِ بأُجْرةِ المِثْلِ.

ولم يَنْفَسِخِ العَقْدُ بمُجَرَّدِ الغَصْبِ؛ لأِنَّ المعْقُودَ عَلَيهِ لم يَفُتْ مُطْلَقًا، بل فاتَ إلى بَدَلٍ، وهو القِيمةُ، أشْبَهَ ما لَوْ أتْلَفَ الثَّمَرةَ المبِيعةَ آدَمِيٌّ قَبْلَ قَطْعِها.

وخرَّجَ أبو الخَطَّاب: الاِنْفِساخَ إنْ قِيلَ بِعَدَمِ ضَمانِ منافِعِ الغصب

(2)

.

وفي «الانتصار» : تَنْفَسِخُ تلك المدَّةُ، والأُجْرةُ للمُؤْجِر؛ لاِسْتِيفاء المنافِعِ على ملكه.

فلو غَصَبَها مالكها؛ فلا شَيءَ له مُطْلقًا، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

. وقيل: بلى؛ كغَصْبِ غَيرِه.

(فَإِنْ فُسِخَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى)، وكان الحكمُ فيه كما لو انْفَسَخَ العَقْدُ بتَلَفِ العَينَ.

(1)

قوله: (به) سقط من (ح).

(2)

في (ح): الغاصب.

(3)

ينظر: المحرر 1/ 356.

ص: 97

فإن رُدَّتْ في أثْناء المدَّة، ولم يكن فَسْخٌ؛ اسْتَوْفَى ما بَقِيَ منها، ويكون فيما مَضَى مُخَيَّرًا.

فإنْ كانت الإجارةُ على عَينٍ مَوصُوفةٍ في الذِّمَّة؛ لَزِمَه بَدَلُها، فإنْ تعذَّر؛ فله الفَسْخُ.

وإنْ كانت على عَينٍ مُعَيَّنةٍ لعَمَلٍ؛ خُيِّرَ بَينَ الصَّبْر والفَسْخِ إلى أنْ يَقدِرَ عَلَيهَا.

(قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَإِنْ جَاءَ أَمْرٌ غَالِبٌ يَحْجُزُ الْمُسْتَأْجِرَ عَنْ مَنْفَعَةِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ؛ فَعَلَيْهِ مِنَ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ مُدَّةِ انْتِفَاعِهِ)، هذا تأْكِيدٌ لِوُجوبِ الأُجْرة فِيمَا مَضَى، وقَولُه شامِلٌ لغَصْب العَين وتَلَفِها، وحُدُوثِ ما يَمنَعُ من الاِنْتِفاع بها؛ كانْهِدامِ دارٍ، وغَرَقِ الأرضِ، وحُدوثِ خَوفٍ عامٍّ؛ لأِنَّه أمْرٌ غالِبٌ، فثَبَتَ له الخِيارُ؛ كغَصْبِ العَينِ، فلو كان الخوفُ

(1)

خاصًّا بالمسْتَأْجِر لِقُرْبِ أعدائه، أوْ حُلولِهم في طَريقه؛ لم يَمْلِك الفَسْخَ؛ كمَرَضِه وحَبْسِه.

(وَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ) في الذِّمَّة، ولم يُشْرَطْ عَلَيهِ مُباشَرَتُه، (فَمَرِضَ؛ أُقِيمُ مُقَامَهُ مَنْ يَعْمَلُهُ)؛ لِيَخرُجَ من الحقِّ الواجِبِ في ذِمَّته؛ كالمسْلَمِ فيه، (وَالْأُجْرَةُ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على المريض؛ لأِنَّها في مُقابَلَةِ ما وَجَب عَلَيهِ، ولا يَلزَمُ المسْتَأْجِرَ إنْظارُه؛ لأِنَّ العَقْدَ بإطْلاقه يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، ما لم يَخْتَلِفِ القَصْدُ فيه؛ كالنَّسخ

(2)

.

فإنْ كانت الإجارةُ على عَينِه في مدَّةٍ أو غَيرِها؛ كأنْ تَخِيطَ لي أنت هذا الثَّوبَ؛ لم يَقُمْ غَيرُه مَقامَه؛ كالبَيع، بل يُخَيَّرُ المسْتَأْجِرُ بَينَ الفَسْخِ والصَّبْرِ حتَّى يَتَبَيَّنَ له الحالُ.

(1)

قوله: (الخوف) سقط من (ظ).

(2)

في (ح): كالفسخ.

ص: 98

(فَإِنْ وَجَدَ الْعَيْنَ مَعِيبَةً، أَوْ حَدَثَ بِهَا عَيْبٌ)، وهو ما يَظهَرُ به تَفاوُت الأجْرِ؛ (فَلَهُ الْفَسْخُ) إن لم يَزُلْ بلا ضَرَرٍ يَلْحَقُه، والإمْضاءُ مَجَّانًا، وظاهِرُه أنَّها: لا تَنفَسِخُ بذلك.

وهو مُخَيَّرٌ بَينَ الإمساك بكلِّ الأجْر، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وجَزَمَ به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وذَكَرَ المجْدُ والجَدُّ: مَعَ الأرْشِ، في قياس المذْهَبِ، وبَيْنَ الفَسْخ؛ اسْتِدْراكًا لِظُلامَتِه، ولا يَبْطُلُ الخِيارُ بالتَّأْخِير.

(فَإِنْ فَسَخَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مَا مَضَى)؛ لأِنَّ المنافِعَ لا يَحصُلُ قَبضُها إلاَّ بالاِسْتِيفاء، فإنْ بَادَرَ المُكْرِي إلى إزالته مِنْ غَيرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ المسْتَأْجِرَ؛ كإصْلاحِ تَشْعِيثِ الدَّارِ، فلا خِيارَ له؛ لِعَدَمِ الضَّرَرِ.

فإنْ سَكَنَها مع عَيبِها؛ فعليه الأُجْرةُ، عَلِمَ أوْ لم يَعْلَمْ، ولو احْتاجَتْ إلى تَجْديدٍ؛ فإنْ جَدَّدَ وإلاَّ فَسَخَ، ولَيسَ له إجْبارُه على التَّجْديد في الأصحِّ.

مسألةٌ: (مَتَى زَرَعَ الأرضَ فغَرِقَتْ، أو تلف

(1)

، أو لم يَنْبت

(2)

؛ فلا خِيارَ له، وتَلزَمُه الأُجْرةُ، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، فإنْ تَعذَّرَ زَرْعُها لِغَرَقِها؛ فله الخِيارُ، وكذا لِقلَّةِ ماءٍ قَبْلَ زَرْعِها أوْ بَعْدَه، أو عابَتْ بغَرَقٍ يَعِيبُ به بَعْضُ الزَّرْع، واخْتارَ شَيخُنَا: أوْ بَرْدٍ، أوْ فَأْرٍ، أوْ عُذْرٍ، فإنْ أمْضَى فله الأَرْشُ كعَيبِ الأعْيان، وإنْ فَسَخَ فَعَلَيهِ القِسْطُ قبل القَبْضِ ثُمَّ أُجْرةُ المِثْلِ إلى كمالِه، وما لم يُرْوَ من الأرض فلا أُجْرةَ له اتِّفاقًا)، ذَكَرَهُ في «الفروع» .

(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ

(4)

، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، سَواءٌ باعَها لِمُسْتَأْجِرها

(1)

في (ح): تلفت.

(2)

في (ح) و (ظ): تنبت.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2687، المغني 5/ 361.

(4)

في (ق): المؤجرة.

(5)

ينظر: المغني 5/ 350.

ص: 99

أوْ لِغَيرِه؛ لأِنَّها عَقْدٌ على المنافِعِ، فلم يَمنَع

(1)

الصِّحَّةَ؛ كبَيعِ الأَمَةِ المزَوَّجَة، ولأِنَّ يَدَ المسْتَأْجِرِ على المنافِعِ، والبَيع على الرَّقَبة، فلا يَمْنَعُ ثُبوتُ اليَدِ على أحَدِهما تَسْلِيمَ الآخَرِ، وإنْ مَنَعَت التَّسليمَ في الحال فلا تَمْنَعُه

(2)

في الوقْت الذي يَجِبُ فيه التَّسليمُ، وهو عِنْدَ انْقِضاء الإجارةِ، وتَكْفِي القُدْرةُ على التَّسْليم حِينَئِذٍ؛ كالمسْلَمِ فيه.

ولِمُشْتَرٍ الفَسْخُ أو الْإِمْضاءُ إنْ لم يَعْلَمْ، ذَكَرَهُ في «المغني» و «الشرح» ؛ لأِنَّ ذلك عَيْبٌ، قالَهُ أحْمَدُ

(3)

، وفي «الرعاية»: له الأَرْشُ مع الإمساك، وإِنْ عَلِمَ ورَضِيَ؛ لم يَتصرَّفْ في العَين حتَّى تَفرُغَ المدَّة.

(وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ)؛ لأِنَّها سابِقَةٌ على عَقْدِ البَيع، واللاَّحِقُ لا يُوجِبُ فسخ

(4)

السَّابِقِ، كما لو زوَّجَ أَمَتَه ثُمَّ باعَها.

(إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ، فَتَنْفَسِخُ

(5)

فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «الفروع» ، وحكاهما في «المغْنِي» و «الشَّرح» وجْهَينِ:

أحدُهما: تَنْفَسِخُ

(6)

فِيمَا بَقِيَ من المدَّة؛ لأِنَّ ملْكَ الرَّقَبة لَمَّا مَنَعَ ابْتِداءَ الإجارة؛ مَنَعَ اسْتِدامَتَها؛ كالنِّكاح لَمَّا مَنَعَ ملْكَ اليمين؛ مَنَعَ اسْتِدامَتَه، فعلى هذا: يَسْقُطُ عن المشْتَرِي الأجْرُ فِيمَا بَقِيَ؛ كما لو تَلِفَتِ العَينُ، وإن كان المؤْجِرُ قَبَضَ الأَجْرَ كلَّه؛ حُسِبَ عليه من الثَّمَن إنْ كان مِنْ جِنْسِه.

والثَّانيةُ، وهي الأصح: لا تَنْفَسِخُ؛ لأِنَّه مَلَكَ المنفعةَ بعَقْدٍ، ثُمَّ مَلَكَ الرَّقَبةَ بآخَرَ، فلم يَتَنَافَيَا؛ كمِلْك الثَّمَرة ثُمَّ الأصل، فيَجْتَمِع على المشْتَرِي

(1)

في (ق): فلم تمنع.

(2)

في (ح) و (ظ): فلا يمنعه.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 164.

(4)

في (ح): عقد.

(5)

في (ظ): فينفسخ.

(6)

في (ظ): ينفسخ.

ص: 100

الأَجْرُ، والثَّمَنُ للبائع، كما لَوْ كان المشْتَرِي غَيرَه، ولو آجَرَها لِمُؤْجِرها، فإنْ قُلْنا: لا تَنفَسِخُ صَحَّ، وإلاَّ فَلَا.

فَرْعٌ: إذا وَرِثَ المسْتَأْجِرُ العَينَ المؤْجَرَةَ، أوْ وُهِبَتْ لَه، أوْ أَخَذَها بِوصيَّةٍ، أوْ صَداقٍ، أوْ عِوَضٍ في خُلْعٍ، أوْ في صُلْحٍ ونحوِه؛ فالحُكْمُ فِيهِ كما لو اشْتَراها.

ص: 101

(فَصْلٌ)

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْأَجِيرِ الْخَاصِّ)، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، (وَهُوَ الذِي يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إِلَى الْمُسْتَأْجِرِ)؛ أيْ: يَقَعُ عَلَيهِ العَقْدُ مدَّةً مَعْلُومةً، يَسْتَحِقُّ المسْتَأْجِرُ نَفْعَه في جَمِيعِها، سِوَى فِعْلِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ في أوْقاتها بِسُنَنِها، وصلاةِ جُمُعةٍ وعِيدٍ، ولا يَسْتَنِيبُ، وسُمِّيَ خاصًّا؛ لاِخْتِصاصِ المسْتَأْجِرِ بنَفْعِه تِلْكَ المدَّةَ.

وقيل: هو مَنْ سَلَّمَ نَفْسَه لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ مُباحٍ.

(فِيمَا يَتْلَفُ فِي يَدِهِ)، الجارُّ ومَجْرُورُهُ مُتَعلِّقٌ بقَوله:(ولا ضَمانَ)؛ لأِنَّ عَمَلَه غَيرُ مَضْمُونٍ عَلَيهِ، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ به كالقِصاص، ولأِنَّه نائِبٌ عن المالِكِ في صَرْفِ منافِعِه فِيمَا أمرَ به، فلم يَضْمَنْ كالوَكِيِل.

(إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى)؛ لأِنَّه تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ، أشْبَهَ الغاصِبَ، قال جماعةٌ: أوْ تَفْريطٌ، ومَثَّلَه في «الشَّرح» بالخَبَّاز إذا أسْرَف في الوُقُودِ، أو ألزقه قَبْلَ وَقْتِه، أوْ يَتْرُكُه بَعْدَ وَقْتِه حتَّى يَحْتَرِق، وفيه شَيءٌ.

وذَهَبَ ابنُ أبي موسى: أنَّه يَضْمَنُ ما جَنَتْ يَدُهُ.

وعن أحْمدَ: يَضمَنُ ما تَلِفَ بأَمْرٍ خَفِيٍّ لا يُعلَمُ إلاَّ مِنْ جِهَتِهِ

(2)

.

(وَيَضْمَنُ الْأَجِيرُ الْمُشْتَرَكُ)، وهو مَنْ قُدِّرَ نَفْعُه بِعَملٍ؛ كخِياطةِ ثَوبٍ، أوْ بِناءِ حائطٍ، وسُمِّيَ مُشْتَرَكًا؛ لأِنَّه يَتَقَبَّلُ أعْمالاً لِجَماعةٍ في وَقْتٍ واحِدٍ، يَعمَلُ لهم، فيَشْتَركُونَ في مَنْفَعَتِه كالحائِك، والقَصَّار، والطَّبَّاخ، والحَمَّال، فكلٌّ مِنهُم ضامِنٌ، (مَا جَنَتْ يَدُهُ؛ مِنْ تَخْرِيقِ الثَّوْبِ، وَغَلَطِهِ فِي تَفْصِيلِهِ)، رُوِي

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2698.

(2)

ينظر: شرح الزركشي 4/ 244.

ص: 102

ذلِكَ عن عُمَرَ

(1)

، وعلي

(2)

، وشُرَيحٍ، والحَسَنِ؛ لأِنَّ عَمَلَه مَضْمونٌ عَلَيهِ؛ لِكَونِه لا يَسْتَحِقُّ العِوَضَ إلاَّ بالعَمَلِ، وأنَّ الثَّوبَ لَوْ تَلِفَ في حِرْزِه بَعْدَ عَمَلِه؛ لم يَكُنْ له أُجْرةٌ فِيمَا عَمِلَ فيه، بخِلافِ الخاصِّ، وما تَوَلَّدَ مِنهُ يَجِبُ أنْ يكونَ مَضْمونًا كالعُدْوان بِقَطْعِ عُضْوٍ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يَعْمَلَ في بَيتِه، أوْ بَيتِ المسْتَأْجِر، وهو ظاهِرُ كَلامِ أحمدَ والخِرَقِيِّ، ولا أنْ يكونَ المستأجر على المتاع، وصرَّح به القاضِي في «تعليقه» وجماعةٌ؛ لأِنَّ ضَمانَه كِجِنايَته

(3)

.

(1)

أخرجه ابن وهب كما في المدونة (3/ 400)، وعبد الرزاق (14949)، وسريج في القضاء (49)، وابن أبي شيبة (21050)، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه «ضَمَّن الصُّنَّاع الذين انتصبوا للناس في أعمالهم ما أهلكوا في أيديهم» ، وبُكير لم يسمع من عمر، وضعفه الشافعي وابن الملقن، وذكر ابن حجر أنه منقطع. ينظر: الأم 4/ 38، البدر المنير 7/ 45، التلخيص الحبير 3/ 147.

(2)

في (ح): علي وعمر.

أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (14948)، وابن أبي شيبة (21051)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 102)، والبيهقي في الكبرى (11666)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عليًّا رضي الله عنه كان يضمن القصار والصواغ، وقال:«لا يصلح الناس إلا ذلك» ، وهو مرسل كما قال البيهقي، وضعفه الشافعي.

وأخرج عبد الرزاق (14950)، عن الشعبي:«أن عليًّا وشريحًا كانا يضمنان الأجير» ، وفيه الجعفي وهو ضعيف الحديث.

وأخرج ابن أبي شيبة (21049) والشافعي في الأم (7/ 188)، عن ابن عبيد بن الأبرص:«أن عليًّا ضمن نجارًا» ، وابن عبيد بن الأبرص مجهول. وأخرج البيهقي في الكبرى (11667)، عن خلاس:«أن عليًّا كان يضمن الأجير» ، ونقل البيهقي أن أهل العلم بالحديث يضعفون أحاديث خلاس عن علي. وأخرج ابن أبي شيبة - طبعة الشثري - (21722)، عن صالح بن دينار، عن علي نحوه. لا ندري من المراد بصالح ولا بسماعه من علي. قال البيهقي في المعرفة 8/ 338:(إذا ضمت هذه المراسيل بعضها إلى بعض أخذت قوة)، وقال الحافظ في الدراية 2/ 190:(وهذه الطرق يقوي بعضها بعضًا).

(3)

في (ح): لجنايته.

ص: 103

واخْتارَ القاضِي في «المجرد» ، وأصحابُه: أنَّه يَضْمَنُ إنْ كانَ عَمَلُه في بَيتِ نَفْسِه، فأمَّا إنْ كانَ في ملْك المسْتَأْجِر مِنْ خِياطَةٍ ونحوِها؛ فَلَا.

(وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، وعَلَيهِ أكْثَرُ الأصْحاب؛ لأِنَّ العَينَ في يَدِهِ أمانةٌ أشْبَهَ المودَعَ.

وعَنْهُ: إنْ كان التَّلَفُ بأمْرٍ ظاهِرٍ كالحَريقِ واللُّصوصِ الغَالِبِينَ ونحوِهم فلا ضَمانَ، وإن كان بِأَمْرٍ خَفِيٍّ كالضَّيَاعِ ونَحْوِه ضَمِنَ؛ للتهمة

(1)

.

(وَلَا أُجْرَةَ لَهُ فِيمَا عَمِلَ فِيهِ)؛ لأِنَّه لم يُسلِّمْ عَمَلَه إلى المسْتَأْجِر، فلَمْ يَسْتَحِقَّ عِوَضَه؛ كالمبِيعِ من الطَّعام إذا تَلِفَ في يَدِ بائعه قَبْلَ تسليمه.

وظاهِرُه: مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كان في بَيتِ المسْتَأْجِر أوْ غَيرِه، بناءً كان أوْ غَيرَه.

وفي «المحرَّر» : إلاَّ ما عَمِلَه في بَيتِ ربِّه.

وعَنْهُ: إنْ كان بِناءً.

وعَنْهُ: ومنقولٌ

(2)

عَمِله في بَيتِ ربِّه.

وفي «الفنون» : له الأُجْرةُ مُطْلَقًا؛ لأِنَّ وَضْعَه

(3)

النَّفْعُ فِيمَا عَيَّنَه له؛ كالتَّسْلِيمِ إلَيهِ، كدَفْعِه إلى البائِع غِرارَةً

(4)

، وقال: ضَعِ الطَّعامَ فيها، فكالَهُ فيها؛ كان ذلك قَبْضًا؛ لأِنَّها كَيَدِهِ.

(وَعَنْهُ: يَضْمَنُ) مُطْلَقًا؛ لقَوله عليه السلام: «وعَلَى اليَدِ ما أخذتْ حتَّى تُؤَدِّيَه»

(5)

، ولأِنَّه قَبَضَ العَينَ لمنْفَعةِ نَفْسِه من غَيرِ اسْتِحْقاقٍ، فَلزِمَه ضَمانُها؛

(1)

في (ح): لمتهمه.

(2)

في (ح): منقول.

(3)

في (ق): وصفه.

(4)

الغرارة: وعاء من الخيش ونحوه، يوضع فيه القمح ونحوه، وهو أكبر من الجوالق. ينظر: العين 4/ 346، القاموس المحيط 2/ 648.

(5)

أخرجه أحمد (20086)، وأبو داود (3561)، والترمذي (1266)، والدارمي (2638)، والبزار (4548)، والحاكم (2302)، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا، والحسن البصريّ مدلِّس وقد عنعن، وفي سماعه من سمرة بن جندب خلاف معروف. والحديث حسّنه الترمذيّ وابن قدامة، وصححه الحاكم، وضعفه الألباني. ينظر: الكافي 2/ 217، نصب الراية 4/ 167، البدر المنير 6/ 753، الإرواء 3/ 348.

ص: 104

كالمسْتَعِيرِ.

قال صاحب «التَّلْخيص» : ومَحَلُّ الرِّوايات إذا لم تكن

(1)

يَدُ المالِكِ عَلَيهَا، فإنْ كانَتْ؛ فلا ضَمانَ بحال

(2)

.

فَرْعٌ: إذا اسْتَعْمَل مُشْتَرَكٌ خاصًّا؛ صحَّ، ولِكُلٍّ مِنْهُما حُكْمُ نَفْسِه.

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى حَجَّامٍ، وَلَا خَتَّانٍ، وَلَا بَزَّاغٍ) وهو البَيْطارُ، (وَلَا طَبِيبٍ)، خاصًّا كان كلٌّ مِنْهُم أوْ مُشْتَرَكًا، (إِذَا عُرِفَ مِنْهُمْ حِذْقُ الصَّنْعَةِ، وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ)؛ لأِنَّه فَعَلَ فِعْلاً مُبَاحًا فلم يَضْمَنْ سِرايَتَه كحَدٍّ؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ أنْ يُقالَ: اقْطَعْ قَطْعًا لا يَسْرِي، بخِلافِ: دُقَّ دَقًّا لا يَخرِقُه.

واقْتَضَى ذلك: أنَّهم إذا لم يَكُنْ لهم حِذْقٌ في الصَّنْعة؛ أنَّهم يَضْمَنُونَ؛ لأِنَّه لا تَحِلُّ

(3)

لهم مباشَرةُ القَطْعِ، فإذا قَطَعَ؛ فَقَدْ فَعَلَ مُحرَّمًا، فيضمن

(4)

سِرايَتَه، بدليلِ قولِه عليه السلام:«مَنْ تَطَبَّبَ بغَيرِ عِلْمٍ؛ فهُوَ ضامِنٌ» رواه أبو داودَ

(5)

.

(1)

في (ظ): لم يكن.

(2)

في (ح): محال.

(3)

في (ق): لا يحل.

(4)

في (ظ): فتضمن.

(5)

أخرجه أبو داود (4586)، والنسائي (4830)، وابن ماجه (3466)، والدارقطني (3439)، والحاكم (7484)، عن الوليد بن مسلم، حدّثنا ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه مرفوعًا، وفي سنده ضعف؛ فإنّ ابن جريج مدلّس، وقد عنعن، ولم يصرِّح بالسّماع، وصحّحه الحاكم، وحسنه الألباني، وقال ابن كثير:(وإسناده جيِّد قويّ)، وضعفه أبو داود، وقال:(هذا لم يروه إلاّ الوليد، لا يُدرى صحيح هو أم لا؟). وتعقبه ابن كثير، فقال:(الوليد بن مسلم أخرج له الجماعة، وهو من الأئمة الثقات)، وقد صرّح الوليد بالسّماع، لكن قال الدارقطني:(لم يسنده عن ابن جريج غير الوليد بن مسلم، وغيرُه يرويه عن ابن جريج عن عمرو بن شعيب مرسلاً، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. ينظر: إرشاد الفقيه 2/ 266، الصحيحة (635).

ص: 105

فَلَوْ كان فِيهم حِذْقُ الصَّنْعَة، وجَنَتْ أيْدِيهِم؛ بأنْ تَجاوَزَ الختَّانُ إلى بَعْض الحَشَفَة، أوْ تَجاوَزَ الطَّبِيبُ بقَطْع السِّلْعَةِ مَوضِعَها، أو بآلةٍ كالَّةٍ يَكْثُرُ ألَمُها؛ وجَبَتْ؛ لأِنَّ الإتْلافَ لا يختلف

(1)

ضَمانُه بالعَمْد والخَطَأ، وكما لو قَطَعَه ابْتِداءً.

وحَكَى ابنُ أبي موسَى: إذا ماتَتْ طِفْلةٌ من الخِتان؛ فدِيَتُها على عاقلة خاتِنَتِها، قَضَى به عمرُ بنُ الخَطَّاب

(2)

، وأنَّه لو استأجر لِحَلْقِ رُؤُوسٍ يَومًا، فجَنَى عليها بجِراحةٍ؛ لا يَضْمن؛ كجِنايته في قِصارةٍ ونحوِها.

ويُعْتَبَرُ لِعَدَم الضَّمان في ذلك: إذْنُ مُكَلَّفٍ أَوْ وَلِيٍّ، وإلاَّ ضَمِنَ، واخْتارَ في «الهَدْيِ» لا يَضْمَنُ؛ لأِنَّه مُحْسِنٌ.

(وَلَا ضَمَانَ عَلَى الرَّاعِي إِذَا لَمْ يَتَعَدَّ)، بغيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه إلاَّ ما رُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ

(3)

، فلَوْ جاء بجِلْدِ شاةٍ، وقال: هذا جِلْدُ شاتِكَ؛ قُبِل قَولُه.

وعنه: لا.

والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأِنَّه مُؤْتَمَنٌ على الحِفْظ، أشْبَهَ المودَعَ، ولأِنَّها عَينٌ قُبِضَتْ بحُكْمِ الإجارة، أشْبَهَت العَينَ المسْتَأْجَرةَ.

واقْتَضَى ذلك: أنَّ ما تَلِفَ بِتَعَدِّيهِ أنَّه ضامِنٌ له بغَيرِ خِلافٍ

(4)

، وجَوازُ

(1)

في (ح): لا يجب.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (18045)، وابن أبي شيبة (27600)، عن أبي قلابة، عن أبي المليح: أن ختَّانة بالمدينة ختنت جارية فماتت، فقال لها عمر:«ألا أبقيت كذا، وجعل ديتها على عاقلتها» ، وهذا مرسل، أبو المليح لم يدرك عمر. وأخرجه ابن أبي شيبة (27601)، من مرسل أبي قلابة. لم يذكر فيه أبا المليح.

(3)

ينظر: المغني 5/ 402.

(4)

ينظر: المغني 5/ 402.

ص: 106

إجارةِ الرَّاعِي، وقِصَّةُ شُعَيبٍ مع موسَى عليه السلام؛ شاهِدةٌ

(1)

بذلك.

فإن عَقَدَ على مُعَيَّنةٍ؛ تعَيَّنَتْ في الأصحِّ فلا يُبْدِلُها، ويَبطُلُ العَقْدُ فيما تَلِفَ منها.

وإنْ عَقَدَ على مَوصُوفٍ؛ ذَكَرَ نَوعَه، وكِبَرَه، وصِغَرَه، إلاَّ أنْ تكونَ

(2)

ثَمَّ قَرِينَةٌ أو عُرْفٌ صارِفٌ إلى بعضها.

ولا يَلْزَمُه رَعْيُ سِخَالِهَا، فإنْ ذَكَرَ عَدَدًا؛ تَعَيَّنَ، وإنْ أَطْلَقَ؛ لم يَجُزْ، وقال القاضِي: يَصِحُّ ويُحْمَلُ على العادة.

(وَإِذَا حَبَسَ الصَّانِعُ الثَّوْبَ عَلَى أُجْرَتِهِ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأِنَّه لم يَرْهَنْه عِندَه، ولا أَذِنَ له في إمْساكه، فَلَزِمَه الضَّمانُ كالغاصِبِ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان صِبْغُه منه؛ فله حَبْسُه، وإن كان من ربِّ الثَّوبِ، أو قَدْ قَصَرَه؛ احْتَمَلَ وَجْهَينِ.

وفي «المنثور» : إنْ خاطَهُ، أوْ قَصَرَهُ، وغَزَلَه؛ فَتَلِفَ بِسَرِقَةٍ، أوْ نارٍ؛ فمِنْ مالكه ولا أُجْرةَ؛ لأِنَّ الصَّنْعة غَيرُ مُتَمَيِّزةٍ؛ كقَفِيزٍ مِنْ صُبْرةٍ.

ويُسْتَثْنَى على الأوَّل: ما إذا أفْلَسَ مُسْتَأْجِرُه، ثُمَّ جاء بائعُه يَطْلُبُه؛ فللصَّانِع حَبْسُه.

(وَإِنْ تَلِفَ الثَّوْبُ بَعْدَ عَمَلِهِ؛ خُيِّرَ المَالِكُ

(3)

؛ لأِنَّ الجنايةَ على ماله، فكانت الخِيَرَةُ إليه دُونَ غَيرِه، (بَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أُجْرَةَ لَهُ)؛ لأِنَّ الأُجرةَ إنَّما تَجِبُ بالتَّسليم، ولم يُوجَدْ، (وَبَيْنَ تَضْمِينِهِ إِيَّاهُ مَعْمُولاً وَيَدْفَعَ إِلَيْهِ أُجْرَتَهُ)؛ لأِنَّه لو لم يَدْفَعْ إلَيهِ الأُجرةَ؛ لَاجْتَمَعَ على الأجِيرِ فَواتُ الأُجْرةِ

(1)

قوله: (شاهدة) هو في (ق): في هذه.

(2)

في (ق): أن يكون.

(3)

في (ظ): تَخَيَّرَ المالك، وفي (ح): خُيِّر مالكه.

ص: 107

وضَمانُ ما يُقابِلُها، وَلأِنَّ المالِكَ إذا ضمَّنَه ذلك معمولاً يكون في مَعْنَى تَسْليمِ ذلك معمولاً، فيَجِبُ أنْ يَدفَعَ إليه الأُجْرةَ لحُصولِ التَّسْليم الحُكْمِيِّ.

ويُقدَّمُ قَولُه في صِفَةِ عَمَلِه، ذَكَرَه ابنُ رَزِينٍ.

ومِثْلُه تَلَفُ أَجِيرٍ مُشْتَرَكٍ، ذَكَرَه القاضِي وغَيرُه.

وقال أبُو الخَطَّاب: تَلزَمُه

(1)

قِيمَتُه مَوْضِعَ تَلَفِهِ، وله أُجْرتُه إلَيهِ.

وكذا عَمَلُه غَيرَ صِفَةِ شَرْطِهِ؛ أي: لا أجرة

(2)

له في الزِّيادة؛ لأِنَّه غَيرُ مأْمُورٍ بها، وعليه ضمان

(3)

نَقْصِ الغَزلِ المنْسوجِ فيها.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : له المسَمَّى إنْ زادَ الطُّولُ فَقَطْ، ولم يَنقُصِ الأصْلُ بها، وإن زاد في العَرْض فَوَجْهانِ، والظَّاهِرُ: أنَّه لا أجرةَ

(4)

له، والفَرْقُ: بأنَّه يُمْكِنُ قَطْعُ الزَّائد في الطُّول، ويَبْقَى الثَّوبُ على ما أراد، بخلاف العَرْض.

وإن نَقَصَهما، أوْ أحَدَهُما؛ فَقِيلَ: لا شَيءَ له، ويَضْمَنُ؛ كنَقْصِ الأصْل. وقيل: بحِصَّته من المسَمَّى. وقيل: لا شَيءَ له في نَقْص العَرْض، بخِلافِ النَّقْص في الطُّول، فإنَّ له حِصَّتَه من المسَمَّى.

فَرْعٌ: إذا أخْطَأَ قَصَّارٌ، ودَفَعَ الثَّوبَ إلى غَيرِ مالِكِه؛ ضَمِنَه، فإنْ قَطَعَه قابضه

(5)

؛ غَرِمَ أرْشَ قَطْعِه؛ كدَراهِمَ أنْفَقَها، ويَرُدُّه مَقْطوعًا على الأصحِّ.

فإنْ تَلِفَ عِنْدَه ضَمِنَه؛ كما لو عَلِمَ. وعَنْهُ: لَا، كعَجْزِه

(6)

عن دَفْعِه.

(وَإِذَا ضَرَبَ الْمُسْتَأْجِرُ الدَّابَّةَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، أَوْ كَبَحَهَا)؛ أيْ: جَذَبَها

(1)

في (ق): يلزمه.

(2)

قوله: (لا أجرة) في (ح): الأجرة.

(3)

زيد في (ح): ما.

(4)

قوله: (لا أجرة) في (ح): لأجرة.

(5)

قوله: (قابضه) سقط من (ح).

(6)

في (ح) و (ق): لعجزه.

ص: 108

لِتَقِفَ، وفي «الشَّرح»: يَحُثُّها به على السير

(1)

لِتَلْحَقَ القافِلةَ، ويُقالُ بالخاء المعْجَمَة، (أَوِ الرَّائِضُ الدَّابَّةَ)، أي: مُعَلِّمُها؛ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ)؛ لأِنَّه تَلِفَ مِنْ فِعْلٍ مُسْتَحَقٍّ، فلم يَضْمَناهُ، كما لو تَلِفَتْ تَحْتَ الحَمْل.

وظاهِرُه: أنَّه يَجِبُ الضَّمانُ إذا زاد على العادة، وصرَّح به في «الكافي» ؛ لأِنَّه جِنايَةٌ على ملْكِ الغَيرِ، فَوَجَبَ الضَّمانُ؛ كالغاصِبِ.

وقد اقْتَضَى ذلك: جَوازُ ضَرْبِ المسْتَأْجِرِ الدَّابَّةَ لِلاِسْتِصْلاح؛ لأِنَّه «عليه السلام نَخَسَ بَعيرَ جابِرٍ وضَرَبَه»

(2)

، و «كان أبو بَكْرٍ يَنخُس بَعِيرَه بِمِحْجَنه»

(3)

.

فلو اكْتَراها، وتَرَكَها في اصْطَبْله، فماتَتْ؛ فهَدَرٌ، وإنْ سَقَطَ عَلَيها؛ ضَمِنَها.

تنبيهٌ: العَينُ المؤْجَرَةُ أمانَةٌ في يَدِ مُسْتَأْجِرِها، إنْ تَلِفَتْ بغَيرِ تَفْرِيطٍ؛ لم يَضْمَنْها، ولا فَرْقَ بَينَ الإجارةِ الصَّحِيحةِ والفاسِدَةِ.

فإذا انْقَضَتِ المدَّةُ؛ رَفَعَ يَدَهُ عَنْهَا، ولم يَلْزَمْهُ الرَّدُّ، أَوْمَأَ إلَيهِ في رِوايةِ ابْنِ مَنْصورٍ

(4)

؛ لأِنَّه لو وَجَبَ ضَمانُها؛ لَوَجَبَ ردُّها؛ كالعارِيةِ، وحِينَئِذٍ تَبْقَى في

(1)

في (ح): اليسير.

(2)

أخرجه مسلم (715)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(3)

أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (2/ 234)، وابن أبي شيبة (13883)، وأحمد كما في العلل لابنه (2/ 152)، والطبري في التفسير (3/ 522)، والبيهقي في الكبرى (9522)، عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن المنكدر، سمع سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع يخبر عن جويبر بن الحويرث، سمع أبا بكر وهو واقف على قُزَح وهو يقول:«يا أيها الناس، أصبحوا أصبحوا» ، ثم دفع، فكأني أنظر إلى فخِذَه قد انكشف مما يحرش بعيره بمِحْجَنه. وقد غلَّط الأئمةُ ابنَ عيينة في قوله:(سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع)، قال الإمام أحمد:(إنما هو عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع)، وكذا قال ابن سعد والدارقطني، فيكون منقطعًا، قال البخاري والترمذي:(محمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع). ينظر: طبقات ابن سعد 5/ 5، سنن الترمذي 3/ 180، علل الدارقطني: 1/ 272، السنن الكبرى للبيهقي 5/ 66.

(4)

جاء في مسائل ابن منصور 6/ 3015: (قلت: قال سفيان: إذا أكرى رجل دابة، أو أعار، أو استودع شيئًا، فعلى الذي أكرى، أو أعار، أو استودع أن يأخذه من عنده، وليس عليه أن يحمله إليه. قال أحمد: من استعار شيئًا، فعليه أن يرده من حيث أخذه). وينظر: المغني 5/ 396.

ص: 109

يَدِهِ أمانةً كالودِيعَة.

وقِيلَ: يَجِبُ ردُّها مع القُدْرة إن طُلِبَتْ منه، قَطَعَ القاضِي به في «الخلاف» .

وقِيلَ: مُطْلَقًا، ويَضْمَنُه إنْ تَلِفَ مع إمْكانِ ردِّه؛ كعارِيةٍ.

ومُؤْنَةُ الرَّدِّ على مالِكِها في الأصحِّ؛ كمُودَعٍ.

فلو شَرَطَ على مُسْتَأْجِرٍ ضَمانَها؛ لم يصِحَّ الشَّرطُ في الأصحِّ، وفي العَقْدِ؛ وجْهانِ.

(وَإِنْ قَالَ: أَذِنْتَ لِي فِي تَفْصِيلِهِ قَبَاءً، قَالَ: بَلْ قَمِيصًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْخَيَّاطِ، نَصَّ عَلَيْهِ) في روايةِ ابنِ مَنْصُورٍ

(1)

؛ لأِنَّهما اتَّفَقا على الإذْنِ، واخْتَلَفَا في صِفَتِه، فكان القَولُ قَولَ المأذونِ له؛ كالمضارَبِ، فَعَلَى هذا: يَحْلِفُ الخَيَّاطُ، ويَسْقُطُ عنه الغُرْمُ، ويَسْتَحِقُّ أجْرَ المِثْل.

وقِيلَ: يُقْبَلُ قَولُ ربِّه، اخْتارَهُ المؤلِّف؛ لأِنَّهما اخْتَلَفا في صِفَة الإذْن، فيُقْبَلُ قَولُه فِيهَا؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الإذْنِ المخْتَلَف فيها، فَعَلَيهَا: يَحْلِفُ أنَّه ما أَذِنَ في قَطْعِه قَباءً، ويَغرَمُ الأَجِيرُ نَقْصَه، ولا أُجْرةَ

(2)

له.

وعَنْهُ: يُعْمَلُ بظاهِرِ الحال، كاخْتِلافِ الزَّوْجَينِ في مَتَاعِ البَيت.

وقيل: بالتَّحالُفِ كالاِخْتِلاف في ثَمَنِ المبِيعِ.

وحُكْمُ الصَّبَّاغِ

(3)

إذا قال: أَذِنْتَ في صَبْغِه أحَمْرَ، قال: بَلْ أصْفَرَ؛ كذلك

(4)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2707.

(2)

في (ق): ولا أجر.

(3)

زاد في (ظ) و (ق): كذلك.

(4)

قوله: (كذلك) سقط من (ق).

ص: 110

تنبيهٌ: إذا دَفَعَ إلى خَيَّاطٍ ثَوبًا، وقال: إنْ كان يُقْطَعُ قَمِيصًا فاقْطَعْهُ، فقال: هو يُقْطَعُ، فَقَطَعَهُ ولم يَكْفِهِ، أو قال: انظُرْ هل يكفيني قَمِيصًا؟ فقال: نَعمْ، اقْطَعْه

(1)

، فَقَطَعَهُ ولم يَكْفِه؛ ضَمِنَه فيهما.

فإنْ قال: اقْطَعْهُ قَمِيصَ رَجُلٍ، فَقَطَعَهُ قَمِيصَ امْرأةٍ؛ غَرَمَ ما بَينَ قِيمَتِه صَحِيحًا ومَقْطُوعًا في الأصحِّ. وقِيلَ: يَغرَمُ ما بَينَ قَيمَتِهِما.

فإن اكتراه

(2)

لِيَلْبَسَه لم يَنَمْ فيه لَيلاً، ولا وَقْتَ القَيْلُولةِ، ولم يَأْتَزِرْ به، فإنِ ارْتَدَى به؛ جازَ في الْأَقْيَسِ.

مسألةٌ: إذا اخْتَلَفَا في قَدْرِ الأُجْرة؛ تَحالَفا كالبَيع، نَصَّ عليه

(3)

، ويُبْدَأُ بِيَمِينِ الآجِرِ، وكذا إذا اخْتَلَفَا في المدَّة.

وعَنْهُ: يُصَدَّقُ المؤْجِرُ.

وعَنْهُ: المسْتَأْجِرُ.

وعلى التَّحالُفِ: إنْ كان بَعْدَ المدَّةِ؛ فأُجْرَةُ المِثْلِ؛ لتعَذُّرِ رَدِّ المنْفَعَة، وإنْ كان في أثْنائها؛ فبِالقِسْطِ.

فلو اخْتَلَفا في التَّعدِّي؛ قُبِلَ قول المسْتَأْجِرِ؛ لأِنَّه أمِينٌ.

فإن قال بَعْدَ القَبْضِ: مَرِضَ العَبْدُ، أوْ أَبَقَ، أوْ شَرَدَتِ الدَّابَّةُ، فلم أَقْدِرْ على ردِّها؛ صُدِّقَ، وحَلَفَ على الأصحِّ.

وعَنْهُ: يُقبَلُ قَولُ المؤْجِر.

فلو ادَّعى مَرَضَه، وأصابَه صحيحًا؛ قُبِل قَولُ المالِكِ، سَوَاءٌ صدَّقَه العَبْدُ، أوْ كَذَّبَهُ، نَصَّ عليه

(4)

.

(1)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 5/ 392، والشرح 14/ 499: قال: اقطعه.

(2)

في (ظ): أكراه.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 178.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2916.

ص: 111

وعنه: يُقْبَلُ قَولُ المسْتَأْجِر في الإباقِ دُونَ المرَضِ.

فَلَوِ اخْتَلَفَا في وَقْتِ هلاكِ العَينِ؛ قُدِّمَ قَولُ المسْتَأْجِرِ؛ لأِنَّ الأصْلَ عَدَمُ الاِنْتِفاعِ.

ص: 112

(فَصْلٌ)

(وَتَجِبُ الْأُجْرَةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ)؛ أيْ: إذا أَطْلَقَ، وكان العَقْدُ وَقَعَ على عَينٍ؛ كأرْضٍ ودارٍ ونحوِهما، أوْ ذِمَّةٍ؛ لأِنَّ المؤْجِرَ يَملِكُ الأُجْرةَ بنَفْس العَقْد، كما يَمْلِك البائِعُ الثَّمَنَ بالبيع، وحِينَئِذٍ تكونُ حالَّةً، مِنْ نَقْدِ بَلَدِ العَقْدِ إن لم يَشْتَرِطا غَيرَه.

وقال طائفةٌ: لا يَمْلِكُها، ولا يَسْتَحِقُّ المطالَبَةَ بِها إلاَّ يَومًا بِيَومٍ، إلاَّ أنْ يَشْتَرِطَ

(1)

تَعْجِيلَها؛ لقَولِه تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطّلَاق: 6]، أمر

(2)

بإيتائهِنَّ بَعْدَ الرَّضاع، ولِقَولِه عليه السلام:«ورَجُلٌ اسْتأَجَر أجيرًا؛ فاسْتَوْفَى منه، ولم يُوفِّه أجْرَه»

(3)

، ولأِنَّه عِوَضٌ لم يُمْلَكْ، فلم يَجِبْ تسليمُه، كالعِوَضِ في العَقْد الفاسِدِ.

وجوابُه: بأنَّه عِوَضٌ أُطْلِقَ في عَقْدِ مُعاوَضَةٍ، فَيُسْتَحَقُّ بِمُطْلَق العَقْد؛ كالثَّمَن والصَّداق، وله الوطْءُ.

وأمَّا الآيةُ؛ فيحتمل

(4)

أنَّه أراد الإِيتاءَ عِنْدَ الشُّروع في الرَّضاع، أوْ تَسْليمِ نَفْسها، ويُحقِّقه

(5)

: أنَّ الإِيتاءَ في وَقْتٍ لا يَمنَعُ وُجوبَه قَبْلَه؛ لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النِّسَاء: 24]، والصَّداقُ يَجِبُ قَبْلَ الاِسْتِمْتاعِ، مع أنَّهما إنَّما وَرَدَا فِيمَن اسْتُؤْجِرَ على عَمَلٍ، فأمَّا ما وَقَعَت

(1)

في (ق): يشرط.

(2)

في (ح): وأمر.

(3)

أخرجه البخاري (2270) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، بلفظ:«ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره» ، وأخرجه أحمد (8692) باللفظ الذي ذكره المصنف.

(4)

في (ح): فتحتمل.

(5)

في (ظ): تحققه.

ص: 113

الإجارةُ فيه على مدَّةٍ؛ فلا تَعَرُّضَ لها فيه.

(إِلاَّ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا)، فلا تجب

(1)

، كما لو اتَّفَقَا على تأخير الثَّمَن، واقْتَضَى ذلك جوازَ تأْجيلها.

وقيل: إن لم يكن نَفْعًا في الذِّمَّة.

وقِيلَ: يَجِبُ قَبْضُها في المجلس؛ كرأس مالِ السَّلَم.

فلا تَحِلُّ مُؤَجَّلَةً بموتٍ في أصحِّ قَوْلَيِ العُلَماء، وإنْ حَلَّ دَينٌ به؛ لأِنَّ حِلَّها مع تأخير اسْتِيفاءِ المنْفَعَة ظُلْمٌ، قالَهُ الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(2)

.

(وَلَا يَجِبُ تَسْلِيمُ أُجْرَةِ الْعَمَلِ فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يَتَسَلَّمَهُ)، وإنْ وَجَبَتْ بالعَقْد، وعلى هذا وَرَدَت النُّصوصُ، ولأِنَّ الأَجِيرَ إنَّما يُوَفَّى أَجْرَه إذا قَضَى عَمَلَه؛ لأِنَّه عِوَضٌ، فلا يَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَه إلاَّ مَعَ تَسْلِيمِ المعَوَّضِ؛ كالصَّداقِ والثَّمَن.

وفارَقَ الإجارةَ على الأعيان؛ لأِنَّ تسليمَها أُجْرِيَ مُجْرَى تسليمِ نَفْعِها، ومَتَى كانت على عَمَلٍ في الذِّمَّة؛ لم يَحصُلْ تسليمُ المنْفَعَة، ولا يَقومُ مَقامَها، فيَتَوقَّفُ اسْتِحْقاقُ تسليم الأجر على تسليم العمل.

فإنْ عمل

(3)

بعضَه؛ فله أُجْرَةُ المِثْل لِمَا عَمِلَ.

وقيل: إن كان معذورًا في تَرْكِ العَمَلِ، وإلاَّ احْتَمَلَ وَجْهَينِ.

وقال ابنُ أبي موسَى: مَنِ اسْتُؤْجِرَ لِعَمَلٍ مَعْلومٍ؛ اسْتَحَقَّ الأَجْرَ عِنْدَ إيفاءِ العَمَل، وإنِ اسْتُؤْجِرَ كلَّ يَومٍ بأُجْرَةٍ مَعْلُومةٍ؛ فله أَجْرُ كلِّ يومٍ عِنْدَ تمامِه.

تنبيهٌ: يَسْتَقِرُّ الأَجْرُ كامِلاً باسْتِيفاءِ المنْفَعَة، وبتَسْليمِ العَينِ، ومُضِيِّ المدَّةِ، ولا مانِعَ له من الاِنْتِفاع، أوْ بفَراغِ عَمَلٍ بِيَدِ مسْتَأْجِرٍ، ويَدْفَعُه إليه بَعْدَ عَمَلِه،

(1)

قوله: (فلا تجب) سقط من (ح)، وفي (ظ): فلا يجب.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 141.

(3)

في (ح): عمله.

ص: 114

فلو بَذَلَ له تَسْلِيمَ العَينِ، وامْتَنَعَ المسْتَأْجِرُ حتَّى انْقَضَتِ المدَّةُ؛ اسْتَقَرَّ الأجْرُ عَلَيهِ، كما لو كانَتْ بِيَدِه.

وإنْ كانت على عَمَلٍ، فَذَكَرَ الأصْحابُ أنَّها تَسْتَقِرُّ إذا مَضَتْ مُدَّةٌ يُمكِنُ الاِسْتِيفاءُ فيها.

وصَحَّحَ في «المغْنِي» : أنَّه لا أَجْرَ عليه؛ لأِنَّه عَقْدٌ على ما في الذِّمَّة، فلم يَسْتَقِرَّ عِوَضُه بذل

(1)

التَّسْليمِ؛ كالمسْلَمِ فيه.

(وَإِذَا انْقَضَتِ الْإِجَارَةُ، وَفِي الْأَرْضِ غِرَاسٌ أَوْ بِنَاءٌ لَمْ يُشْتَرَطْ قَلْعُهُ عِنْدَ انْقِضَائِهَا)، بل أَطْلَق، وكانَتْ أُجِرَتْ

(2)

لذلك

(3)

؛ (خُيِّرَ الْمَالِكُ)؛ أيْ: ربُّ الأرض (بَيْنَ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ)؛ أيْ: يَدْفَعُ قِيمةَ الغِراس أو البِنَاء، فيَمْلِكُه مع أرْضِه؛ لأِنَّ الضَّرَرَ يَزُولُ بذلك، وفي «الفائق»: إذا كانت الأرضُ وَقْفًا؛ لم يَمْلِك التَّمَلُّكَ إلاَّ بشَرْطِ واقِفٍ، أوْ رِضَا مُسْتَحِقِّ الرَّيْعِ، (أَوْ تَرْكِهِ بِالْأُجْرَةِ)؛ أيْ: أجرةِ المِثْل، (أَوْ قَلْعِهِ وَضَمَانِ نَقْصِهِ)؛ لِمَا فيه من الجَمعِ بَينَ الحَقَّينِ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ كَوْنِ المسْتَأْجِرِ وَقَفَ ما بَناهُ أوْ لَا.

وهذا ما لم يَقْلَعْه مالِكُه، ولم يَكُنْ البِناءُ مسْجِدًا ونحوَه؛ فلا يُهدَمُ، اخْتارَهُ في «الفنون» والشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(4)

.

فإنْ قُلْتَ: هلاَّ مَلَكَ

(5)

القَلْعَ من غَيرِ ضَمانِ النَّقْص؛ كما هو مَذْهَبُ أبي حَنِيفةَ ومالِكٍ

(6)

؛ لأِنَّ تَقْديرَ المدَّةِ في الإجارة يَقْتَضِي تفريغَها عند انقضائها كالمسْتَأْجَرة للزَّرع؟

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 5/ 331: ببذل.

(2)

في (ظ): أوجرت.

(3)

في (ق): كذلك.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 8.

(5)

في (ق): قال.

(6)

ينظر: البناية شرح الهداية 10/ 252، المدونة 4/ 192.

ص: 115

قلت: لقوله عليه السلام: «لَيسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ»

(1)

، فإنَّه يَدُلُّ على أنَّ غَيرَ الظَّالِم له حَقٌّ، وهنا

(2)

كذلك؛ لأِنَّه غَرَسَ بإذْنِ المالِكِ، ولم يَشْتَرِطْ قَلْعَه؛ فلم يُجْبَرْ عليه من غَيرِ ضَمانِ النَّقْصِ، كما لو اسْتَعارَها للغَرْس، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ انْقِضائها.

فإنْ شَرَطَ فيها بقاءَ غَرْسٍ؛ فهو صحيحٌ على الأصحِّ؛ كإطلاقه.

فإن اخْتار ربُّ الأرض القَلْعَ؛ فهو على مستَأْجِرٍ، وليس عليه تسويةُ الحُفَر، قالَهُ في «التلخيص» وغيره، وإن اخْتارَه مالِكُه؛ لَزِمَهُ تَسْويةُ الحُفَر،

(1)

روي من حديث جماعة من الصحابة منهم:

حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (3073)، والترمذي (1378)، والنسائي في الكبرى (5729)، عن هشام بن عروة، عن أبيه عنه، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، وصحح إسناده ابن الملقن والألباني، وقال ابن حجر:(وأعله الترمذي بالإرسال ورجح الدارقطني إرساله، واختلف فيه على هشام بن عروة اختلافًا كثيرًا)، والمرسل أخرجه مالك في الموطأ (2/ 743)، والشافعي في مسنده (ص 224)، وابن أبي شيبة (22382)، وهو مرسل صحيح.

وحديث عائشة رضي الله عنها: أخرجه أبو داود الطيالسي (1543)، والبزار (132)، والدارقطني (4506)، تفرد به زمعة بن صالح عن الزهري، وزمعة ضعيف، وقال أبو حاتم:(حديث منكر؛ إنما يرويه من غير حديث الزهري عن عروة، مرسلاً).

وحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (22778)، قال ابن حجر:(ورجاله ثقات إلا أنه منقطع).

وحديث سمرة بن جندب رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في الكبرى (11778)، وهو من رواية الحسن البصري عنه، وسبق الإشارة إلى الخلاف في سماعه منه.

وحديث عمرو بن عوف رضي الله عنه: علقه البخاري (3/ 106)، بصيغة التمريض، ووصله البزار (3393)، والطحاوي في شرح المعاني (5309)، والبيهقي في الكبرى (11813)، وفيه كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وهو ضعيف، وصححه الألباني بمجموع الطرق والشواهد. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 279، علل الدارقطني 4/ 414، خلاصة البدر المنير 2/ 99، الدراية 2/ 201، التلخيص الحبير 3/ 130، الإرواء 5/ 353.

(2)

زاد في (ظ): ليس.

ص: 116

قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» وغيرهما.

(وَإِنْ شَرَطَ قَلْعَهُ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ)، وفاءً بمُوجَبِ شَرْطِه.

فإنْ قلتَ: إذا كان إطْلاقُ العَقْد فيهما يَقْتَضِي التَّأبيد، فشَرْط القَلْع يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد فيُفْسِدُه.

قُلْتُ: اقْتِضاؤه التَّأْبيدَ إنَّما هو من حَيثُ إنَّ العادةَ تَبْقِيَتُهُما، فإذا أطْلَقَه حُمِل على العادة، فإذا شَرَطَ خِلافَه؛ جاز، كما لو باع بغَيرِ نَقْدِ البَلَد.

وحِينئِذٍ: لا يَجِبُ على ربِّ الأرضِ غَرامةُ نَقْصٍ

(1)

.

(وَلَمْ تَجِبْ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ) على المسْتَأْجِر؛ لأِنَّهما دَخَلَا على ذلك؛ لِرِضاهُما بالقَلْعِ، (إِلاَّ بِشَرْطٍ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

فإن اتَّفَقا على إبقائه

(2)

بأُجْرةٍ أو غيرِها؛ جاز إذا شَرَطَا

(3)

مُدَّةً مَعْلومَةً.

وظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّ لِلمُستَأْجِر أنْ يَغرِسَ ويَبْنِيَ قَبل انْقِضاء المدَّة إذا استأْجَرَها لذلك، فإذا انقضَتْ فلا.

(وَإِنْ كَانَ فِيهَا زَرْعٌ بَقَاؤُهُ بِتَفْرِيطِ الْمُسْتَأْجِرِ)، مِثْلَ أنْ يَزْرَعَ زَرْعًا لم تَجْرِ العادةُ بكماله قبل انْقِضاء المدَّة؛ (فَلِلْمَالِكِ أَخْذُهُ بِالْقِيمَةِ)، ما لم يَخْتَر المسْتَأْجِر قَلْعَ زَرْعه في الحال، وتفريغَ الأرض؛ فله ذلك، ولا يَلزَمُه.

وقيل: للمالك أخْذُه بنَفَقَته.

(أَوْ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ)؛ أيْ: بأُجْرة المِثْل لما زاد على المدَّة؛ لأِنَّه أبْقَى زَرْعَه في أرضِ غَيرِه بعُدْوانه؛ كالغاصِب.

وذَكَرَ القاضِي: أنَّ على المسْتَأْجِر نَقْلَ الزَّرع، وتَفْريغَ الأرض.

وإن اتَّفقا على تَرْكِه بِعِوَضٍ أو غَيرِه؛ جازَ.

(1)

في (ظ): نقض.

(2)

في (ح): بقائه.

(3)

في (ق): شرط.

ص: 117

(وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ)، مِثْلَ أنْ يَزْرَع زَرْعًا يَنْتَهِي في المدَّة عادةً، ثمَّ يَتَأخَّرُ لِبَرْدٍ أو غَيرِه؛ (لَزِمَ تَرْكُهُ بِالْأُجْرَةِ)؛ لِحُصول زرعه في أرضِ غَيرِه بإذْنه من غَيرِ تفريطٍ، فهو كما لو أعاره أرْضًا، فَزَرَعها، ثُمَّ رَجَعَ المالك قَبْلَ كَمالِ الزَّرْع.

فَرْعٌ: إذا أراد المسْتَأْجِرُ زَرْعَ شَيءٍ لا يُدْرَك مِثْلُه في مدَّة الإجارة؛ فللمالك مَنْعُه، فإنْ زَرَعَ؛ لم يَمْلِكْ مُطالَبَتَه بقَلْعِه قَبْلَ المدَّة؛ لأِنَّه في أرضٍ مَلَكَ نَفْعَها.

فلو اكْتَراها مُدَّةً لزَرْعِ ما لا يَكمُلُ فيها، وشَرَطَ قَلْعَه عِنْدَ فَراغِها؛ صحَّ، وإنْ شَرَطَ البَقاءَ حتَّى يَكْمُلَ

(1)

، أو سَكَتَ؛ فَسَدَ العَقْدُ، فإذا فَرَغَت المدَّةُ والزَّرعُ قائمٌ؛ فهو كمُفرِّطٍ في الأصحِّ.

(وَإِذَا تَسَلَّمَ الْعَيْنَ فِي الْإِجَارَةِ الفَاسِدَةِ حَتَّى انْقَضَتِ الْمُدَّةُ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ) لِمدَّة بَقائِها في يَدِهِ، (سَكَنَ أَوْ لَمْ يَسْكُنْ)؛ لأِنَّ المنافِعَ تَلِفَتْ تَحْتَ يَدِه بِعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فَرَجَع إلى قِيمتِها؛ كما لو اسْتَوْفاهُ.

ويَتَخرَّجُ على قَولِ أبِي بَكْرٍ: أنَّه يَضْمَنُ بالأُجْرة المسَمَّاة، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(2)

، وذَكَرَ أنَّه قِياسُ المذْهَبِ؛ أَخْذًا له من النِّكاح.

وعن أحمدَ: لا شَيءَ له؛ لأِنَّه عَقْدٌ فاسِدٌ على منافِعَ لم يَسْتَوْفِها، فلم يَلزَمْه عِوَضُها كالنِّكاح الفاسِدِ.

فأمَّا إنْ بَذَلَ التَّسْليم في الإجارةِ الفاسِدةِ، فلم يَتَسَلَّمْها؛ فلا أجْرَ عليه؛ لأِنَّ المنافِعَ لم تَتْلَفْ تَحْتَ يَدِه.

فَرْعٌ: المبِيعُ بعَقْدٍ فاسِدٍ؛ كمُسْتَعِيرٍ فَقَطْ، ذَكَرَه في «المجرد» و «الفصول»

(1)

في (ق): تكمل.

(2)

ينظر: الفروع 6/ 289. وانظر: مجموع الفتاوى 30/ 185، 31/ 76.

ص: 118

و «المغْنِي» ؛ لِتَضَمُّنِه إذْنًا.

وفي «الفُروع» تَوجِيهٌ: أنَّه في وَجْهٍ كَغَصْبٍ، وفي «القَواعِد»: أنَّه المذْهَبُ المعْروفُ، وأنَّه لا يَنعَقِدُ، ويَتَرتَّبُ عليه أحْكامُ الغَصْب.

وخرَّج أبو الخَطَّاب في «انتصاره» : صِحَّةَ التَّصرُّفِ في البَيعِ الفاسِدِ من

(1)

النِّكاح، واعْتَرَضَه أحمدُ الحَرْبِيُّ في «تعليقه»

(2)

.

(وَإِذَا اكْتَرَى

(3)

بِدَرَاهِمَ، وَأَعْطَاهُ عَنْهَا دَنَانِيرَ، ثُمَّ انْفَسَخَ الْعَقْدُ؛ رَجَعَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالدَّرَاهِمِ)؛ لأِنَّ العَقْدَ إذا انْفَسَخَ؛ رَجَعَ كلٌّ مِنَ المتَعاقِدَينِ في العِوَضِ الذي بَذَلَه، وعِوَضُ العَقْدِ هو الدَّراهِمُ، والمؤْجِرُ أَخَذَ الدَّنَانِيرَ بِعَقْدٍ آخَرَ، ولم يَنْفَسِخْ، أشْبَهَ ما إذا قَبَضَ الدَّراهِمَ ثمَّ صَرَفَها بِدنانِيرَ

(4)

.

(1)

في (ح): في.

(2)

هو: أحمد بن معالي بن بركة الحربي، تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني، قال ابن الجوزي: كان له فهم حسن، وفطنة في المناظرة، له «تعليقة» في الفقه، توفي سنة 554 هـ. ينظر: ذيل طبقات الحنابلة 2/ 70، المقصد الأرشد 1/ 196.

(3)

زيد في (ح): عنها.

(4)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 119

(بَابُ السَّبْقِ)

هو مَصْدَرُ سَبَقَ يَسْبِقُ سَبْقًا، والسَّبَقُ بتحْرِيكِ الباء: الشَّيءُ الذي يُسابَقُ عَلَيهِ، وبِسُكونها: المسابَقةُ.

وهي: المجاراة بين

(1)

حَيَوانٍ وغَيرِه، والمناضَلةُ: المسابَقةُ بالرَّمْي، والرِّهانِ في الخَيل، والسِّباق في الخَيل والرَّمْي.

والإجْماعُ على جَوازِه بغَير عِوَضٍ

(2)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ

(60)} الآيةَ [الأنفَال: 60]، وصحَّ من حَديثِ ابنِ عُمَرَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سابَقَ بَينَ الخَيلِ المضَمَّرةِ من الحَفْياءِ إلى ثَنِيَّةِ الوَدَاع، وبَينَ التي لم تُضمَّرْ من ثَنِيَّة الوَدَاع إلى مسْجِدِ بَنِي زُرَيقٍ»

(3)

، قال مُوسَى بنُ عُقْبةَ: من الحَفْياء إلى ثَنِيَّةِ الوَدَاع سِتَّةُ أمْيالٍ، أوْ سَبْعَةٌ، وقال سُفْيانُ: من الثَّنِيَّةِ إلى مسْجِد بَنِي زُرَيقٍ مِيلٌ أو نحوُه.

(تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ عَلَى الدَّوَابِّ وَالْأَقْدَامِ)؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ قالَتْ: سابَقَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُه، فلمَّا أخَذَنِي اللَّحْمُ سابَقْتُه فَسَبَقَنِي، فقال:«هذِهِ بِتِيكَ» رواهُ أحمدُ وأبو داودَ

(4)

، و «سابَقَ سلمةُ بن الأكْوعِ رَجُلاً من الأنْصارِ بَينَ يَدَيْ

(1)

في (ح) و (ق): من.

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 157، المغني 9/ 466.

(3)

أخرجه البخاري (420)، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه أحمد (24118)، وأبو داود (2578)، والنسائي في الكبرى (8893)، وابن ماجه (1979)، وابن حبان (4691)، من طرق عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها. وأخرجه أبو داود (2578)، والنسائي في الكبرى (8896)، من طريق هشام بن عروة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة رضي الله عنها. وسندهما صحيح، وهشام سمع الحديث منهما، وقد صححه ابن حبان وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 424، الإرواء 5/ 327.

ص: 120

رسولِ الله صلى الله عليه وسلم» رواهُ مسلِمٌ

(1)

.

(وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ)؛ كإبِلٍ، وخَيلٍ، وبقرٍ

(2)

، وطُيورٍ في الأصحِّ، ومَنَعَهُ الآمِديُّ في حَمَامٍ.

(وَالسُّفُنِ، وَالْمَزَاريقِ)، جَمْع مزراق

(3)

، وهو الرُّمْحُ القَصيرُ، (وَغَيْرِهَا)، كمَناجِنيق

(4)

، ورَمْيِ أحْجارٍ بمَقَالِيعَ، ورَفْعِ أحْجارٍ ليَعْرِفُوا الأشدَّ منهم، وصِراعٍ؛ لأِنَّه «عليه السلام صارَعَ رُكانَةَ فَصَرَعَه» رواه أبو داود

(5)

.

فوائدُ: قال في «الوسيلة» : يُكرَه الرَّقْصُ واللَّعِبُ كلُّه، ومجالِسُ الشِّعْر، وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه: يُكرَه لَعِبُهُ بأُرْجُوحَةٍ ونحوِها.

وفي «النَّصيحة» : مَنْ وَثَبَ وَثْبةً مَرَحًا

(6)

ولَعِبًا بلا نَفْعٍ، فانْقَلَبَ فذَهَبَ عَقْلُه؛ عَصَى وقَضَى الصَّلاةَ.

(1)

أخرجه مسلم (1807)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، في حديث طويل.

(2)

في (ح): بقر.

(3)

في (ح): مزارق.

(4)

في (ح) و (ظ): كمناجيق. قال في الدر النقي 3/ 725: (وجمعه: مَناجِنيق

لعلَّه يجوز فيه فتح الجيم وكسرها).

(5)

أخرجه أبو داود (4078)، والترمذي (1784)، وأبو يعلى (1412)، والحاكم (5903)، وسنده ضعيف، فيه مجهولان لا يُعرفان. وقد ضعفه الترمذي، فقال:(هذا حديث غريب، وإسناده ليس بالقائم، ولا نعرف أبا الحسن العسقلاني، ولا ابن رُكانة)، وقال ابن حبان:(في إسناد خبره في المصارعة نظر)، يعني: ركانة، وله شاهد: أخرجه الخطيب في المؤتلف كما في الإصابة (6/ 514)، من طريق حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه، قال ابن كثير:(رواه أبو بكر الشافعي بإسناد جيِّد عن ابن عبّاس). ولم نجده في الغيلانيات. وأخرجه أبو داود في المراسيل (308)، من هذا الطريق عن سعيد بن جبير مرسلاً، وإسناده صحيح إلى سعيد، إلاَّ أنّ سعيدًا لم يدرك ركانة، قاله ابن حجر، وحسّنه الألباني بمجموع طرقه. ينظر: البدر المنير 9/ 426، إرشاد الفقيه 2/ 86، التلخيص الحبير 4/ 299، الإرواء 5/ 329.

(6)

في (ظ): مزحًا.

ص: 121

ولا يَجوزُ اللَّعِبُ بالطَّابِ والنَّقِيلَةِ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

.

وقال: كلُّ فِعْلٍ أفْضَى إلى المحرَّم كثيرًا؛ حرَّمه الشَّارِعُ إذا لم يَكُنْ فيه مصلحةٌ راجِحةٌ؛ لأِنَّه يكونُ سَبَبًا للشَّرِّ والفَسادِ، وقال: ما ألهى وشَغَل عمَّا أَمَرَ الله به

(2)

؛ فهو مَنْهِيٌّ عنه، وإن لم يَحرُم جِنسُه؛ كبَيعٍ وتِجارةٍ

(3)

وغيرِهما، وما رُوِيَ:«أنَّ عائشةَ وجَوارٍ مَعَهَا كُنَّ يَلْعَبْنَ باللُّعَب والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَرَاهُنَّ» رواه أحمدُ وغَيرُه

(4)

، وكانت لها

(5)

أُرْجُوحَةٌ قَبْلَ أنْ تتزوَّج

(6)

» رواه أبو داودَ بإسْنادٍ جَيِّدٍ

(7)

؛ فيُرَخَّصُ فيه لِلصِّغار ما لا يُرخَّصُ فيه للكِبارِ، قالَهُ الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ في خَبَرِ ابنِ عُمَرَ في زَمَّارةِ الرَّاعِي

(8)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 186، الاختيارات ص 233.

والطاب: قصبات أربع يلعب بهن، تُرمى وينظر للونها ليرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه. ينظر: شرح سنن أبي داود لابن رسلان 16/ 602، نهاية المحتاج 10/ 216.

والنقيلة، وتسمى المنقلة: قطعة خشب يحفر فيها حفر ثلاثة أسطر، ويجعل فيها حصى صغار يلعب بها، وقيل: هي خشبة يحفر فيها ثمانية وعشرون حفرة، أربعة عشر من جانب وأربعة عشر من الجانب الآخر، ويلعب بها ولعلها نوعان. ينظر: الزواجر عن اقتراف الكبائر 2/ 334.

(2)

قوله: (به) سقط من (ح).

(3)

في (ق): ونجارة.

(4)

أخرجه أحمد (24298)، والبخاري (6130)، ومسلم (81)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

في (ح): له.

(6)

في (ح) و (ق): يتزوج.

(7)

أخرجه مسلم (1422)، وأبو داود (4933)، واللفظ له، عن عائشة رضي الله عنها.

(8)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 214، الاختيارات ص 233.

والحديث: أخرجه أحمد (4535)، وأبو داود (4924)، وابن حبان (693)، والبيهقي في الكبرى (20997)، عن نافع، قال: سمع ابن عمر مزمارًا، فوضع إصبعيه على أذنيه، ونأى عن الطريق، وقال لي: يا نافع هل تسمع شيئًا؟ قال: فقلت: لا، قال: فرفع إصبعيه من أذنيه، وقال:«كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع مثل هذا فصنع مثل هذا» ، وأخرج أبو داود بعده (4925)، عن نافع، قال: كنت ردف ابن عمر إذ مر براع يزمر، فذكر نحوه، وفي سنده: سليمان بن موسى الأشدق وهو صدوق فقيه في حديثه بعض لين، وتابعه غيره عليه ولم ينفرد، وقال أبو داود عن الحديث:(هذا حديث منكر)، وكذا تكلم فيه ابن طاهر المقدسي، وتعقبه ابن عبد الهادي وقوَّى الحديث، وصححه الألباني. ينظر: عون المعبود 13/ 182، تحريم آلات الطرب 116.

ص: 122

قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ: كذا في العِيد ونحوِه؛ لِقصَّةِ أبي بَكْرٍ، وقوله عليه السلام له:«دَعْهُما فإنَّها أيَّامُ عِيدٍ»

(1)

.

(وَلَا تَجُوزُ

(2)

بِعِوَضٍ، إِلاَّ فِي الْإِبِلِ، وَالخَيْلِ

(3)

، وَالسِّهَامِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوَجِيز» ، وأَبْدَلَ في «الفروع» السِّهامَ بِسلاحٍ، وهو أَوْلَى؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا سَبَقَ إلاَّ في نَصْلٍ، أوْ خُفٍّ، أوْ حافِرٍ» رواه الخمسةُ، ولم يَذكُرِ ابنُ ماجَهْ «أوْ نَصْلٍ» ، وإسْنادُه حَسَنٌ

(4)

، واخْتَصَّتْ هذه الثَّلاثةُ بأخْذِ العِوَضِ فِيهَا؛ لأِنَّها مِنْ آلات الحَرْب المأمورِ بتَعْليمِها وإحْكامِها.

وذَكَرَ ابنُ البَنَّاء وجْهًا: أنَّه يَجوزُ السَّبْقُ بالطُّيور المعَدَّةِ لأِخْبارِ الأعْداءِ.

وقد «صارَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم رُكانةَ على شِيَاهٍ

(5)

، فَصَرَعَه، فأخَذَها ثُمَّ عادَ مِرارًا؛ فأَسْلَمَ، فرَدَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم غَنَمَه» رواهُ أبو داودَ في «مراسيله»

(6)

، مَعَ أنَّ

(1)

أخرجه البخاري (952)، ومسلم (892)، من حديث عن عائشة رضي الله عنها.

(2)

في (ظ): ولا يجوز.

(3)

في (ح) و (ق): الخيل والإبل.

(4)

أخرجه أحمد (10138)، وأبو داود (2574)، والترمذي (1700)، والنسائي (3585)، وابن حبان (4690)، حسّنه الترمذي، وصححه ابن حبان وابن الصّلاح وابن القطان وابن دقيق العيد وابن الملقن والألباني. وأخرجه ابن ماجه (2878) من طريق أبي الحكم مولى بني ليث، عن أبي هريرة، دون ذكر:«نصل» ، وأبو الحكم مقبول، وهو متابَع هنا، وللحديث شواهد من حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم. ينظر: بيان الوهم 5/ 382، البدر المنير 9/ 418، التلخيص الحبير 4/ 297، الإرواء 5/ 333.

(5)

في (ق): شاة.

(6)

تقدَّم تخريجه 6/ 121 حاشية (5).

ص: 123

الصِّراعَ والسَّبْقَ بالأَقْدام ونحوهما

(1)

طاعةٌ إذا قُصِدَ به نَصْرُ الإسْلامِ، وأَخْذُ السَّبَقِ عَلَيهِ أَخْذٌ بالحَقِّ، فالمغالبة

(2)

الجائِزةُ تَحِلُّ بالعِوَضِ إذا كانَتْ ممَّا يَنْفَعُ في الدِّينِ، اختارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

، ويَجُوزُ أخْذُ الرِّهان في العِلْم لِقِيامِ الدِّين بالجِهاد والعلمِ.

وفي «الرَّوضَة» : (يَختَصُّ جَوازُ السَّبْقِ بالأنْواع الثَّلاثةِ: الحافِرِ، فيَعُمُّ كلَّ ذي حافِرٍ، والخُفِّ، فيَعُمُّ كلَّ ذي خُفٍّ، والنَّصْلِ، فيَختَصُّ النُّشَّابَ، والنَّبْلَ، ولا يَصِحُّ السَّبْقُ والرَّمْيُ في غَيرِ هذه الثَّلاثةِ، مع الجُعْل وعَدَمِه)، ولِتَعْمِيمِه وجْهٌ، وذَكَرَ ابْنُ عبد البَرِّ

(4)

تَحريمَ الرَّهْن في غَيرِ الثَّلاثة إجْماعًا

(5)

.

(بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ):

(أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الْمَرْكُوبِ

(6)

بِرُؤْيَةٍ، (وَالرُّمَاةِ)؛ لأِنَّ القَصْدَ معرفةُ جَوْهَر الحَيَوان الَّذي يُسابَقُ عَلَيهما، وسرعةِ عَدْوِهما، ومعرفةُ حِذْق الرُّماة، ولا يَحصُل إلاَّ بالتَّعْيين بالرُّؤية، فلو عَقَدَ اثْنانِ نِضالاً، مع كلٍّ منهما نَفَرٌ غَيرُ مُتَعَيِّنِينَ؛ لم يَجُزْ لذلك

(7)

.

وإنْ عَقَدُوا قَبْلَ التَّعْيِينِ على أن يَنْقَسِمُوا بَعْدَ العَقْد بالتَّراضِي؛ جازَ، لا بِقُرْعةٍ.

وإنْ بَانَ بَعْضُ الحِزْب

(8)

كثيرَ الإصابةِ أوْ عَكسَه، فادَّعى ظَنَّ خِلافِه؛ لم يُقبَلْ.

(1)

في (ح): ونحوها.

(2)

في (ح): والمغالبة، وفي (ق): بالمغالبة.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 190، الاختيارات ص 233.

(4)

في (ح): ابن البر.

(5)

ينظر: التمهيد 14/ 88.

(6)

في (ح): الركوب.

(7)

في (ق): ذلك.

(8)

في (ق): الحرب.

ص: 124

(سَوَاءٌ كَانَا اثْنَيْنِ أَوْ جَمَاعَتَيْنِ)؛ لأِنَّه عليه السلام مَرَّ على أصحابٍ له يَنْتَضِلُون، فقال: «ارْمُوا، وأنا مَعَ ابنِ الأدرع

(1)

»، فأمْسَكَ الآخَرُونَ، فقال:«ارْمُوا، وأنا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ» ، صحيحٌ

(2)

، ولأِنَّه إذا جاز أنْ يكونُوا اثْنَينِ؛ جاز أنْ يكونُوا جَماعَتَيْنِ؛ لأِنَّ القَصْدَ مَعْرِفةُ الحِذْقِ.

(وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الرَّاكِبَيْنِ، وَلَا الْقَوْسَيْنِ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ

(3)

معرفةُ عرق

(4)

الفرس، وحذق

(5)

الرَّامِي، دُونَ الرَّاكِب والقَوس؛ لأِنَّهما آلةٌ للمقصود، فلم يُشْتَرَطْ تَعَيُّنُهما كالسَّرْجِ.

فكلُّ

(6)

ما تَعَيَّنَ لا يَجوزُ إبْدالُه، كالمتعَيِّن في البَيع

(7)

، وما لا يَتَعيَّنُ يَجوزُ إبْدالُه مطلقًا.

فَعَلَى هذا: إنْ شَرَطَا ألاَّ يَرْمِيَ بغَيرِ هذا القَوسِ، ولا بغَيرِ هذا السَّهْمِ، ولا يَركَبَ غَيرَ هذا الرَّاكِبِ؛ فهو فاسِدٌ؛ لأِنَّه يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد.

وفي «الرِّعاية» : إنْ عَقَدَا على قَوسٍ مُعَيَّنةٍ، فانْتَقَل إلى نَوعه؛ جاز، وإنْ

(1)

في (ح): الأكوع.

(2)

أخرجه بهذا اللّفظ ابن حبان (4695)، والحاكم (2465)، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وفيه محمد بن عمرو بن علقمة، وحديثه حسن كما قال الهيثمي. وأخرجه البخاري (3373)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه، بلفظ:«ارموا بني إسماعيل، فإنَّ أباكم كان راميًا، ارموا وأنا مع بني فلان» فأمسك أحد الفريقين بأيديهم، فقال:«ارموا وأنا معكم كلّكم» .

(3)

في (ق): القصد.

(4)

في (ظ): عرف. قال ابن قتيبة في الغريب 2/ 396: (أعرق الفرس: تريد: أعده لأنه إذا عدا عرق، فتكتفي بذكر العرق من ذكر العدو)، والذي في الشرح الكبير 15/ 13: عدو الفرس.

(5)

في (ح): وصدق.

(6)

في (ح): بكل.

(7)

في (ق): في المبيع.

ص: 125

شَرَطَ عَلَيه ألاَّ يَنتَقِلَ؛ فوجْهانِ.

(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبَانِ وَالْقَوْسَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ)؛ لأِنَّ التَّفاوُت بَينَ النَّوعَينِ مَعْلومٌ بحُكْم العادة، أشْبَهَا الجِنْسَينِ، (فَلَا يَجُوزُ بَيْنَ عَرَبِيٍّ وَهَجِينٍ)، وهو مَنْ أبوه عَربِيٌّ فَقَطْ، (وَلَا بَيْنَ قَوْسٍ عَرَبِيَّةٍ)، وهو قَوسُ النَّبل، (وَفَارِسِيَّةٍ) وهو قَوسُ النُّشَّاب، قالَهُ الأزْهَرِيُّ

(1)

، نَصَّ أحمدُ على جَواز المسابَقة بالقَوس الفارِسِيَّة

(2)

؛ لاِنْعقاد الإجْماعِ على الرَّمْيِ بها، وإباحةِ حَمْلِها

(3)

.

وقال أبو بَكْرٍ: يُكرَه؛ لِمَا رَوَى ابْنُ ماجَهْ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى مع رجُلٍ قَوسًا فارسيَّةً، فقال:«ألْقِها فإنَّها ملعونةٌ، ولكِنْ عَلَيكم بالقِسِيِّ العربيَّة، وبِرِماحِ القَنَا، فَبِهَا يُؤيِّدُ الله هذا الدِّينَ، وبِهَا يُمَكِّنُ الله لكم في الأرض» ورواه الأثْرمُ

(4)

.

والجَوابُ: بأنَّه يَحتَمِلُ أنَّه لَعَنَها لحَمْلِ العجم لها في ذلك العصرِ قَبْلَ أنْ يُسْلِمُوا، ومَنَعَ العرب مِنْ حَمْلِها؛ لِعَدَم معرفتهم بها.

(وَيَحْتَمِلُ: الْجَوَازُ)، وهو وَجْهٌ ذَكَرَه القاضِي؛ لأِنَّ التَّفاوُت بَينَهما قَريبٌ؛

(1)

ينظر: الزاهر ص 272.

(2)

ينظر: المغني 9/ 485.

(3)

ينظر: المغني 9/ 485.

(4)

أخرجه ابن ماجه (2810)، وأبو داود الطيالسي (149)، وابن عدي (5/ 285)، والبيهقي في الكبرى (19736)، عن عليٍّ رضي الله عنه. وفي سنده أشعث بن سعيد البصري، السّمان، وهو متروك مجمع على ضعفه. وشيخه عبد الله بن بسر الحُبراني، وهو ضعيف. وأخرجه مرسلاً: أبو داود في المراسيل (331)، عن عبد الأعلى بن عدي البهراني، وفيه الحُبراني. فالحديث ضعيف جدًّا، كما قاله الألباني، وعدّه ابن عدي من المناكير، وضعف الحديث أبو داود والبيهقي والبوصيري.

وفي الباب عن عتبة بن عويم الأنصاري رضي الله عنه نحوه مرفوعًا. قال الهيثمي: (في سنده مساتير لم يضعفوا ولم يوثّقوا)، وقال البخاري:(عتبة بن عُويم لم يصح حديثه). ينظر: تهذيب الكمال 3/ 261، و 14/ 335، مصباح الزجاجة 3/ 166، الضعيفة (3052).

ص: 126

لاِتِّفاق الجنس، وأطْلَقَهما في «الفروع» .

وعُلِمَ منه: أنَّه

(1)

إذا كانا جِنسَينِ؛ كالفرس والبعير أنَّه لا يَجُوزُ؛ لأِنَّه لا يَكادُ يَسْبِقُ الفَرَسَ، فلا يَحصُلُ الغَرَضُ.

(الثَّالِثُ: تَحْدِيدُ الْمَسَافَةِ وَالْغَايَةِ)؛ أيْ: يَكونُ لاِبْتِداء عَدْوِهما وآخِرِه غايةٌ لا يَخْتلِفانِ فيه؛ لأِنَّ الغَرَضَ مَعْرِفةُ الأَسْبَقِ، ولا يَحصُل إلاَّ بِتَساوِيهِما في الغاية؛ لأِنَّ أحدَهما قد يَكونُ مُقَصِّرًا في أوَّلِ عَدْوِه سَريعًا في آخره، وبالعَكْس، فيَحْتاجُ إلى ذلك.

(وَمَدَى الرَّمْيِ)؛ إمَّا بالمشاهَدَة، أو بالذِّراع؛ لأِنَّ الإصابةَ تَخْتَلِفُ بالقُرْب والبُعْد، (عَلَى مَا

(2)

جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ)؛ لأِنَّ الزَّائد على ذلك قد يُؤدِّي إلى عَدَم العِلْم بالسَّابِق؛ لِبُعْد المسافَة.

فلو اسْتَبَقا بغَيرِ غايةٍ؛ لِيُنظَرَ أيُّهما يَقِفُ أوَّلاً؛ لم يَجُزْ، وكذا لو جَعَلَا مسافَةً بعيدةً في الرَّمْيِ يَتَعَذَّرُ

(3)

الإصابةُ في مِثْلها غالِبًا، وهو ما زاد على ثَلاثِمائَةِ ذِراعٍ؛ لأِنَّ الغَرَضَ يَفُوتُ بذلك، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره.

وقيل: إنَّه ما رَمَى في أرْبَعِمائَةِ ذِراعٍ إلاَّ عُقْبةُ بنُ عامِرٍ الجُهَنِيُّ

(4)

، وهل المرادُ به ذِراعُ اليَدِ أمْ غَيره؟ لم أرَ فيه نَقْلاً.

(الرَّابِعُ: كَوْنُ الْعِوَضِ مَعْلُومًا) بالمشاهَدَة، أوْ بالقَدْر، أوْ بالصِّفةِ؛ لأِنَّه مالٌ في عَقْدٍ، فاشْتُرِط العِلْمُ به كسائر العُقُود، ويُشْتَرَطُ فيه: أنْ يكونَ مُباحًا، ويَجُوزُ حالًّا ومُؤجَّلاً، وبعضُه؛ كقَولِه: إنْ نَضلتني

(5)

فلك دِينارٌ وقَفِيزُ حِنطَةٍ

(1)

قوله: (أنه) سقط من (ح) و (ق).

(2)

في (ح): بما.

(3)

في (ق): تتعذر.

(4)

لم نقف عليه، وقال الحافظ في التلخيص 4/ 400:(لم أر هذا)، وهو ظاهر صنيع ابن الملقن في البدر المنير 4/ 476.

(5)

في (ظ): تصليني.

ص: 127

بعد شَهْرٍ؛ كالبيع

(1)

، غَيرَ أنَّه يَحتاجُ إلى صفة الحِنْطَة بما يُعلَمُ به السَّلَمُ، وهذا العِوَضُ تمليكٌ بِشَرْط سَبْقِه.

(الْخَامِسُ: الْخُرُوجُ عَنْ شَبَهِ

(2)

الْقِمَارِ)؛ لأِنَّ القِمارَ مُحرَّمٌ، فَشِبْهُه مِثْلُه، (بِأَنْ لَا يُخْرِجَ جَمِيعُهُمْ)؛ لأِنَّه إذا أَخْرَجَ كلُّ واحِدٍ مِنْهمْ؛ فَهُوَ قِمارٌ؛ لأِنَّه لا يَخْلُو إمَّا أنْ يَغْنَمَ أوْ يَغْرَمَ، ومَنْ لمْ يُخرِجْ؛ بَقِيَ سالِمًا من الغرم

(3)

.

(فَإِنْ كَانَ الْجُعْلُ مِنَ الْإِمَامِ)؛ صح

(4)

، سواءٌ كان مِنْ ماله أوْ مِنْ بَيتِ المال؛ لأِنَّ فِيهِ مصلحةً، وحَثًّا على تعليم الجهاد، ونَفْعًا للمسلمين، ونَصَّ على أنَّه مُختَصٌّ به؛ كتَولِيَةِ

(5)

الوِلايات.

(أَوْ مِنْ

(6)

أَحَدٍ غَيْرِهِمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا عَلَى أَنَّ

(7)

مَنْ سَبَقَ أَخَذَهُ؛ جَازَ)؛ لأِنَّه إذا جَازَ مِنْ غَيرِهما؛ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ أحدِهما بطَريقِ الأَوْلَى.

ويُشْتَرَطُ في غَيرِ الإمامِ: بَذْلُ العِوَضِ مِنْ مالِه، فيَقولُ: إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَشَرَةٌ، وإِنْ سَبَقْتُكَ فلا شَيءَ عَلَيكَ.

(فَإنْ جَاآ

(8)

مَعًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا)؛ لأِنَّه لا سابِقَ فِيهِما

(9)

.

(وَإِنْ سَبَقَ الْمُخْرِجُ؛ أحْرَزَ سَبَقَهُ)، أيْ: سَبَقَ نَفْسِه، (وَلَمْ يَأْخُذْ مِنَ الآْخَرِ شَيْئًا)؛ لأِنَّه لو أَخَذَ منه شَيئًا كان قِمارًا.

(1)

في (ح): كالمبيع.

(2)

في (ح) و (ظ): شبهة.

(3)

في (ح): المغرم.

(4)

قوله: (صح) سقط من (ح).

(5)

في (ح): لتوليه.

(6)

قوله: (من) سقط من (ح).

(7)

قوله: (أن) سقط من (ظ).

(8)

في (ظ): وإن جاء.

(9)

في (ق): منهما.

ص: 128

(وَإِنْ سَبَقَ الآْخَرُ؛ أَحْرَزَ سَبَقَ صَاحِبِهِ)؛ أيْ: سَبَقَ المخرِج؛ لأِنَّه سَبَقَه، فمَلَكَ المالَ الذي جَعَلَه عِوَضًا في الجعالة، كالعِوَضِ المجْعُول في ردِّ الضَّالَّة، فإنْ كان العِوَضُ في الذِّمَّة؛ فَهُوَ دَينٌ يُقْضَى به عليه، ويُجْبَرُ على تسليمِه إنْ كان مُوسِرًا، وإنْ أفْلَسَ؛ ضَرَبَ به مع الغُرَماء.

تنبيهٌ: السَّبَقُ بفَتْحِ الباء: الجُعْلُ الذي يُسابَقُ عليه، يُقالُ: سَبَقَ، إذا أخَذَ وأعْطَى، فهُوَ من الأضْدادِ.

(فَإِنْ أَخْرَجَا مَعًا)؛ أي: العِوَضَ (لَمْ يَجُزْ)، وكان قِمارًا، (إِلاَّ أَنْ يُدْخِلَا بَيْنَهُمَا مُحَلِّلاً)؛ فإنَّه يجوز أنْ يُخْرِجا، سواءٌ أخْرَجاهُ متساويًا أوْ مُتَفاضِلاً، ولم يَجُزْ أنْ يُخرِجَ المحلِّلُ شَيئًا، وهو قَولُ سعيدِ بنِ المسيِّبِ، والزُّهْرِيِّ، والأَوْزاعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَينَ فَرَسَينِ، وهو لا يَأْمَنُ أنْ يُسْبَقَ؛ فَلَيسَ قِمارًا، ومَنْ أَدْخَلَ فَرَسًا بَينَ فَرَسَينِ، وقد أَمِنَ أنْ يُسْبَقَ؛ فهو قِمارٌ» رواه أبو داودَ

(1)

، فَجَعَلَه قِمارًا إذا أَمِنَ السَّبْقَ؛

(1)

أخرجه أحمد (10557)، وأبو داود (2579)، وابن ماجه (2876)، والبزار (7794)، والطحاوي في شرح المشكل (1897)، والحاكم (2536)، من طرق عن سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وسفيان بن حسين الواسطي، ثقة في غير الزهري باتفاقهم، فإنه يضطرب فيه، ويأتي بما ينكر عليه. قال البزار:(لا نعلم رواه عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة إلا سفيان بن حسين). وقد تابعه الوليد بن مسلم، فرواه عن سعيد بن بشير، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، به نحوه. وأخرجه الطبراني في الصغير (470)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 127)، وقال:(غريب من حديث سعيد، تفرّد به الوليد)، وقال الطبراني:(لم يروه عن قتادة إلا سعيد، ولا عنه إلا الوليد، تفرد به هشام بن أبي خالد)، وخالفهما معمر وشعيب وعقيل، فرووه عن الزهري، عن رجال من أهل العلم مرسلاً، ورجح إرساله أبو داود وأبو حاتم وابن عبد البر وابن القطان وغيرهم، قال شيخ الإِسلام ابن تيمية:(رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم خطأ، وإنما هو من كلام سعيد بن المسيب)، وصححه موصولاً الحاكم والذهبي. ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 675، و 6/ 226، علل الدارقطني 9/ 161، بيان الوهم 3/ 479، الفروسية (ص 232)، البدر المنير 9/ 429، الإرواء 5/ 340.

ص: 129

لأِنَّه لا يَخْلُو كلُّ واحِدٍ مِنْهُما أنْ يَغْنَمَ أوْ يَغْرَمَ، وإذا لم يَأْمَنْ

(1)

أنْ يَسْبِقَ لم يَكُنْ قِمارًا؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَجُوزُ أنْ يَخْلُوَ عن ذلك.

ويُشْتَرَطُ في المحلِّلِ: (يُكَافِئُ فَرَسُهُ فَرَسَيْهِمَا، أَوْ بَعِيرُهُ بَعِيرَيْهِمَا، أَوْ رَمْيُهُ رَمْيَيْهِمَا)؛ للخَبَر السَّابِقِ، (فَإِنْ سَبَقَهُمَا؛ أَحْرَزَ سَبَقَيْهِمَا)؛ اتِّفاقًا

(2)

؛ لأِنَّه جُعِلَ لِمَنْ سَبَقَ، (وَإِنْ سَبَقَاهُ؛ أَحْرَزَا سَبَقَيْهِمَا)؛ لأِنَّ المحلِّل لم يَسْبِقْهما، (وَلَمْ يَأْخُذَا مِنْهُ)؛ أيْ: مِنَ المحلِّلِ (شَيْئًا)؛ لأِنَّه لم يَشْتَرِطْ عَلَيهِ لِمَنْ سَبَقَه شَيْئًا.

(وَإِنْ سَبَقَ أَحَدُهُمَا؛ أَحْرَزَ السَّبَقَيْنِ)؛ لأِنَّهما قد جَعَلَاه لِمَنْ سَبَقَ، وقد وُجِدَ.

(وَإِنْ سَبَقَ مَعَهُ الْمُحَلِّلُ، فَسَبَقُ الآْخَرِ بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: بَينَ السَّابقِ والمحلِّلِ نِصْفَينِ؛ لأِنَّهما قد اشْتَرَكَا فيه، فَوَجَبَ أنْ يَشْتَرِكَا في عِوَضِه، وسواءٌ كان المسْتَبِقُونَ اثْنَيْنِ أو أكْثَرَ.

وظاهِرُه: أنَّه يَكْفِي مُحَلِّلٌ وَاحِدٌ.

وقال الآمدي

(3)

: لا يَجُوزُ أكْثَرُ؛ لِدَفْع الحاجةِ.

وقِيلَ: بل أكْثَرُ، وجَزَمَ به في «الشَّرح» .

واختار

(4)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا مُحلِّلَ، وأنَّه أَوْلَى بالعَدْلِ من كَوْنِ السَّبَقِ من أحَدِهما، وأبْلَغُ في تَحْصِيلِ مَقْصودِ كلٍّ مِنْهُما، وهو بَيانُ عَجْزِ الآخَرِ

(5)

.

(وَإِنْ قَالَ الْمُخْرِجُ)؛ أيْ: من غَيرِ المتَسابِقَينِ: (مَنْ سَبَقَ فَلَهُ عَشَرَةٌ، وَمَنْ صَلَّى فَلَهُ كَذَلِكَ؛ لَمْ يَصِحَّ) إذا كانا اثْنَينِ؛ لأِنَّه لا فائدةَ في طَلَبِ السَّبَقِ، فلا

(1)

في (ق): لم يؤمن.

(2)

ينظر: تحفة الفقهاء 3/ 348، الكافي في فقه أهل المدينة 1/ 490، الأم للشافعي 4/ 244، المغني 9/ 471.

(3)

قوله: (الآمدي) سقط من (ح).

(4)

في (ح): واختاره.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 18/ 63، 28/ 22.

ص: 130

يُحْرَصُ عَلَيهِ؛ لأِنَّه سَواءٌ بَينَهُما، وإنْ كانوا أكثرَ مِنْ ثلاثةٍ، فقال ذلك؛ صَحَّ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهم يَطلُبُ أنْ يَكونَ سابِقًا أوْ مُصَلِّيًا.

(وَإِنْ قَالَ: مَنْ صَلَّى فَلَهُ خَمْسَةٌ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ كُلًّا منهما يَجْتَهِدُ أنْ يكونَ سابِقًا؛ لِيُحْرِزَ أكْثَرَ العِوَضَينِ.

والمصَلِّي: هو الثَّاني؛ لأِنَّ رأْسَه عِنْدَ صَلَوِ الآخر، والصَّلَوانِ: هما العَظْمانِ النَّاتِئان

(1)

من جانِبِ الذَّنَبِ، وفي الأَثَر عن عليٍّ قال:«سَبَقَ أبو بَكْرٍ، وصلَّى عُمَرُ، وخبطتنا فِتْنَةٌ»

(2)

.

قال الشاعر

(3)

:

إنْ تُبْتَدَرْ غايةٌ يَومًا لِمَكْرُمةٍ

تَلْقَ السَّوابِقَ فِينَا والمصَلِّينَا

فإن

(4)

قال: لِلْمُجَلِّي - وهو الأوَّلُ - مائَةٌ، ولِلْمُصَلِّي - وهو الثَّانِي - تِسْعُونَ، ولِلتَّالِي - وهو الثَّالِثُ - ثَمانُونَ، ولِلْبارِعِ - وهو الرَّابِعُ - سَبْعُونَ، ولِلْمُرْتاحِ - وهو الخامِسُ - سِتُّونَ، وللحظي

(5)

- وهو السَّادِسُ - خَمْسونَ، ولِلْعاطِفِ - وهو السَّابِعُ - أرْبَعونَ، ولِلْمُؤَمَّلِ - وهو الثَّامِنُ - ثَلاثُونَ، ولِلَّطِيمِ - وهو التَّاسِعُ - عِشْرونَ، ولِلسُّكَيْتِ - وهو العاشِرُ - عَشَرةٌ، ولِلفِسْكِلِ - وهو الآخِرُ - خَمْسةٌ؛ صَحَّ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ يَطْلُبُ السَّبْقَ، أوْ مَا يَلِيهِ.

(1)

في (ظ): النابتان.

(2)

أخرجه أحمد (1020)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 351)، وابن أبي عاصم في السنة (1209)، والطبراني في الأوسط (1639)، وإسناده حسن.

(3)

هو بشامة بن حزن النَّهشلي. ينظر: شرح ديوان الحماسة للتبريزي 1/ 25.

(4)

في (ح): قال.

(5)

في (ح) و (ظ): وللخطي. وقال في الكشاف 9/ 169: (بالخاء المعجمة)، والمثبت موافق لما في الصحاح 5/ 1790، قال في النظم المستعذب في تفسير غريب ألفاظ المهذب 2/ 55:(الحظي: الذي له قدر ومنزلة عند صاحبه، يقال: قد حظي عند الأمير، واحتظى به، وأحظيته، أي: فضلته على غيره).

ص: 131

وذَكَرَ الثَّعالِبِيُّ في «فِقْه اللُّغةِ» : أنَّ المجَلِّيَ هو الثَّانِي، والمصَلِّيَ هو الثَّالِثُ

(1)

.

فلو جَعَلَ للمُصَلِّي أكْثَرَ من المجَلِّي، أوْ جَعَلَ لِمَا بَعْدَه أكْثَرَ منه، أوْ لم يَجْعَلْ لِلْمُصَلِّي شَيئًا؛ لم يَصِحَّ

(2)

؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى أنْ لا يَقْصِدَ السَّبْقَ، بل يَقْصِدَ التَّأخُّرَ، فَيَفُوتُ المقْصُودُ

(3)

.

تَكْمِلةٌ: إذا قال لِعَشَرةٍ: مَنْ سَبَقَ مِنكُمْ فله عَشَرَةٌ، فَسَبَقَ اثْنانِ؛ فَهِيَ بَينَهُما.

وإنْ سَبَقَ تِسْعَةٌ وتأخَّرَ واحِدٌ؛ فالعَشَرَةُ للتِّسْعة، وقِيلَ: لِكُلٍّ من السَّابِقِينَ عَشَرةٌ، كما لو قال: مَنْ ردَّ عَبْدِي فله عَشَرَةٌ، فَرَدَّ كلُّ واحِدٍ عَبْدًا.

وفارَقَ ما لَوْ قَالَ: مَنْ ردَّ عَبْدِي، فَرَدَّهُ تِسْعَةٌ؛ لأِنَّ كُلَّ واحِدٍ منهم لم يَرُدُّهُ، وإنَّما رَدُّهُ حَصَلَ من الكُلِّ.

(وَإِنْ شَرَطَا أَنَّ السَّابِقَ يُطْعِمُ السَّبَقَ أَصْحَابَهُ)، أوْ بَعْضَهم، (أَوْ غَيْرَهُمْ)، أوْ: إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ كذا ولا أَرْمِي أبدًا أوْ أَشْهُرًا؛ (لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ)؛ لأِنَّه عِوَضٌ على عَمَلٍ، فلا يَسْتَحِقُّه غَيرُ العامِلِ؛ كالعِوَضِ في ردِّ الآبِقِ.

واخْتارَ الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ صِحَّةَ شَرْطِهِ لِأُسْتاذِه، وشِراءِ قَوسٍ، وكِراءِ حانُوتٍ، وإطْعامِ الجماعةِ؛ لأِنَّه مِمَّا يُعِينُ على الرمي

(4)

.

(وَفِي صِحَّةِ الْمُسَابَقَةِ وَجْهَانِ):

أشْهَرُهُما: أنَّه لا يَفْسُدُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّها عَقْدٌ لا يَتَوقَّفُ

(1)

ينظر: فقه اللغة 1/ 138، لكن فيه عن الجاحظ:(ثُمَّ المُصَلِّي. ثُمَّ المُقَفِّي، وعن الفراء: ثُمَّ المُصَلِّي. ثُمَّ المُسَلِّي)، ولم نجد فيه ما ذكره المصنف.

(2)

قوله: (لم يصح) سقط من (ق).

(3)

زيد في (ق): لم يصح.

(4)

قوله: (على الرمي) في (ح): المرمى. وينظر: الفروع 7/ 190، الاختيارات ص 233.

ص: 132

صِحَّتُها على تَسْمِيةِ بَدَلٍ، فلَمْ يَفْسُدْ بالشَّرْط الفاسِدِ؛ كالنِّكاح.

والثَّانِي: يَفْسُدُ؛ لأِنَّه بَذَلَ

(1)

العِوَضَ لهذا الغَرَضِ، فإذا لم يَحصُلْ له غَرَضُه؛ لا يَلزَمُه العِوَضُ، فعَلَيهِ: إنْ كانَ المخْرِجُ السَّابِقَ؛ أحْرَزَ سَبَقَهُ، وإنْ كانَ الآخَرُ؛ فله أَجْرُ عَمَلِه؛ لأِنَّه عَمِلَ بِعِوَضٍ لم يُسَلَّمْ له، فاسْتَحَقَّ أجْرَ المِثْل؛ كالإجارة الفاسِدَةِ.

(1)

في (ح) و (ظ): بدل.

ص: 133

(فَصْلٌ)

(وَالْمُسَابَقَةُ جَعَالَةٌ، لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا)؛ أيْ: قَبْلَ الشُّروعِ؛ لأِنَّها عَقْدٌ على ما لا تَتَحَقَّقُ

(1)

القُدْرةُ على تَسْلِيمِه، فكانَ جائزًا؛ كَرَدِّ الآبِقِ، وله الزِّيادةُ والنقصان

(2)

في العِوَضِ، ولم يَلْزَم الآخَرَ إجابَتُه، ولا يُؤخَذُ بِعِوَضِها رَهْنٌ ولا كَفِيلٌ.

(إِلاَّ أَنْ يَظْهَرَ الْفَضْلُ لِأًحَدِهِمَا)، مِثْلَ أنْ يَسْبِقَ بِفَرَسِه في بعض المسافة، أوْ يُصِيبَ بسِهامه أكْثرَ منه، (فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ)؛ لأِنَّ الحقَّ له، (دُونَ صَاحِبِهِ)؛ أي: المفْضولِ؛ لأِنَّه لو جَازَ له ذلك لفات

(3)

غَرَضُ المسابَقَة، فلا يَحصُلُ المقْصودُ.

(وَتَنْفَسِخُ

(4)

بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ)؛ كوكالةٍ.

(وَقِيلَ: هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ)؛ لأِنَّه يُشْتَرَطُ فيها كَونُ العِوَض مَعْلومًا، فكانَتْ لازِمةً؛ كالإجارةِ، (لَيْسَ لِأًحَدِهِمَا فَسْخُهَا)؛ لأِنَّه شَأْنُ العُقودِ اللاَّزِمةِ، (لَكِنَّهَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ أَحَدِ الْمَرْكُوبَيْنِ وَأَحَدِ الرَّامِيَيْنِ)؛ لأِنَّ العَقْدَ تَعَلَّقَ بعَينِ المرْكوبِ والرَّامِي، فانْفَسَخَ بِتَلَفه، كما لو تَلِفَ المعْقُود عَلَيهِ في الإجارة.

وفي «التَّرغِيبِ» احْتِمَالٌ: لا تَلْزَمُ

(5)

في حقِّ المحلِّل؛ لأِنَّه مَغْبُوطٌ؛ كمُرْتَهِنٍ.

(1)

في (ق): يتحقق.

(2)

في (ح): وللنقصان.

(3)

في (ظ) و (ق): لفاتت.

(4)

في (ح) و (ظ): وينفسخ.

(5)

في (ح) و (ظ): لا يلزم.

ص: 134

(وَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِ

(1)

الرَّاكِبَيْنِ، وَلَا تَلَفِ أَحَدِ الْقَوْسَيْنِ)؛ لأِنَّه غَيرُ مَعْقُودٍ عَلَيهِ، فلم يَنْفَسِخ العَقْدُ بِتَلَفِه؛ كمَوتِ أحدِ المتَبَايِعَينِ، (وَ) عَلَيهِ:(يَقُومُ وَارِثُ الْمَيْتِ مَقَامَهُ)؛ لأِنَّه يَقومُ مَقامَهُ فيما له، فكَذَا فِيمَا عَلَيهِ، وكما لو اسْتَأْجَرَ شَيئًا ثُمَّ مَاتَ، (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ؛ أَقَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ مِنْ تَرِكَتِهِ)؛ كما لَوْ آجَرَ نَفْسَه لعَمَلٍ مَعْلومٍ.

وإن قُلْنَا: جائزةٌ؛ فَوَجْهانِ.

وفي «التَّرغِيبِ» : ولا يَجِبُ تسليم

(2)

عِوَضِه في الحَالِ، فإنْ

(3)

قُلْنا بِلُزومِه على الأصحِّ بخِلافِ أُجْرةٍ، بل يَبدَأُ بتَسْليمِ عَمَلٍ.

(وَالسَّبْقُ فِي الْخَيْلِ بِالرَّأْسِ إِذَا تَمَاثَلَتِ الْأَعْنَاقُ)؛ أيْ: في الطُّول، والاِرْتِفاعِ، والمدِّ

(4)

، (وَفِي مُخْتَلِفِي الْعُنُقِ وَالْإِبِلِ بِالْكَتِفِ)، يُشْتَرَطُ في المسابَقةِ بِعِوَضٍ إرْسالُ الفَرَسَينِ أو البَعِيرَينِ دَفْعةً واحدةً، لَيسَ لِأَحدِهِما أنْ يُرسَلَ قَبْلَ الآخَرِ، ويَكونُ عِنْدَ أوَّلِ المسافة مَنْ يُشاهِدُ إرْسالَهما، وعِنْدَ الغاية مَنْ يَضْبِطُ السَّابِقَ؛ لِئَلاَّ يَخْتلفانِ في ذلك.

والسَّبْقُ بِمَا ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ طَويلَ العُنُقِ قد يَسْبِقُ رَأْسُه لمدِّ

(5)

عُنُقِه، وفي الإبل ما يَرفَعُ رأْسَه، وفيه ما يَمُدُّ عُنُقَه، فلِذلِكَ اعْتُبِرَ بالكَتِفِ.

وفي «المحرَّر» : الكُلُّ بالكَتِف.

وفي «الرِّعاية» : السَّبْقُ في الخَيلِ بالعُنُقِ، وقِيلَ: بالرَّأْس مع تَساوِي الأَعْناقِ، وفي مُخْتَلِفِي العُنُقِ والإبِلِ بالكَتِفِ أوْ بِبَعْضِه، وقال ابنُ حَمْدانَ:

(1)

قوله: (أحد) سقط من (ح).

(2)

في (ح): بتسليم.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 195: وإن قلنا بلزومه.

(4)

في (ق): والمدة.

(5)

في (ح): لمده.

ص: 135

في الكُلِّ بالأَقْدامِ.

ورَدَّهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لا ينضبط

(1)

.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْنُبَ أَحَدُهُمَا مَعَ فَرَسِه فَرَسًا يُحَرِّضُهُ عَلَى الْعَدْوِ، وَلَا يَصِيحَ بِهِ فِي وَقْتِ سِبَاقِهِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ»)، رواهُ أبو داودَ وغَيرُه بإسْنادٍ حَسَنٍ عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ

(2)

، كذا فسَّرهُ الأصْحابُ؛ تَبَعًا لِمالِكٍ، وقال أبو عُبَيْدٍ: هو الصَّحيحُ

(3)

.

وقِيلَ: مَعْنَى الجَنَبِ: أنْ يَجْنُبَ مع فَرَسِه أوْ وَراءَهُ فَرَسًا لا رَاكِبَ عَلَيهِ، يُحرِّضُه على العَدْوِ، ويَحُثُّه عَلَيهِ.

وقال القاضِي: مَعْناهُ أنْ يَجْنُبَ فَرَسًا يَتَحَوَّلُ عِنْدَ الغَايةِ عَلَيهِ؛ لِكَوْنِهِ أقلَّ إِعْياءً. ورَدَّهُ ابْنُ المنْذِرِ

(4)

.

والجَلَبُ؛ بفَتْحِ اللاَّمِ: هو الزَّجْرُ لِلفَرَسِ، والصُّيَاحُ عَلَيهِ؛ حَثًّا له على الجَرْيِ.

(1)

قوله: (لأنه لا ينضبط) سقط من (ح).

(2)

أخرجه أحمد (19946)، وأبو داود (2581)، والترمذي (1123)، والنسائي (3335)، وابن حبان (3267)، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه. وسنده صحيح، إلا أن سماع الحسن البصري من عمران مختلف فيه، والأظهر سماعه منه، وله شواهد عدّة يكون بها صحيحًا، والحديث صححه ابن حبان وابن الملقن والألباني، وقال الترمذي:(حديث حسن صحيح، وفي الباب عن أنس وأبي ريحانة وابن عمر وجابر ومعاوية وأبي هريرة ووائل بن حجر). ينظر: خلاصة البدر المنير 2/ 407، التلخيص الحبير 2/ 314، صحيح سنن أبي داود 7/ 307، 330.

(3)

ينظر: التمهيد 14/ 91، الأموال لأبي عبيد ص 496.

(4)

ذكر في الإشراف 4/ 176 تفسير ذلك، ولم يرده، فلعله رده في موطن آخر. وينظر: المغني 9/ 486.

ص: 136

(فَصْلٌ فِي الْمُنَاضَلَةِ)

هي

(1)

مُفاعَلةٌ من النَّضْل، يُقالُ: ناضَلْتُه نِضالاً ومُناضَلَةً؛ كجادَلْتُه جِدالاً ومُجادَلةً، وسُمِّيَ الرَّمْيُ نِضَالاً؛ لأِنَّ السَّهْمَ التَّامَّ: نَضْلاً

(2)

، فالرَّمْيُ به: عَمَل بالنَّضْلِ.

وهِي المسابَقةُ بالرَّمْي، وهي ثابِتةٌ بالكتاب {قَالُوا ياأَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ} [يُوسُف: 17]، وقُرِئَ:«نَنْتَضِلْ»

(3)

، والسُّنَّةُ شَهِيرَةٌ بِذلِكَ.

مسألةٌ: إذا قال: ارْمِ هذا السَّهْمَ، فإنْ أَصَبْتَ به فلك دِرْهَمٌ؛ صحَّ وكان جعالةً.

فإنْ قال: إنْ أَصَبْتَ به؛ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وإنْ أخْطأْتَ فَعَلَيكَ دِرْهَمٌ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه قِمارٌ.

فإنْ قالَ: ارْمِ عَشَرةَ أَسْهُمٍ، فإنْ كان صوابُكَ أكْثَرَ مِنْ خَطَئِكَ فَلكَ دِرْهَمٌ؛ صحَّ، كما لو قال: إنْ كان صوابُكَ أكثرَ فلَكَ بكُلِّ سَهْمٍ أَصَبْتَ به دِرْهَمٌ.

(وَيُشْتَرَطُ لَهَا شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ):

(أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ

(4)

عَلَى مَنْ يُحْسِنُ الرَّمْيَ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ مَعْرِفَةُ الحِذْق، ومَنْ لا يُحْسِنُه لا حِذْقَ له، فوُجودُه كَعَدَمِه.

(فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ مَنْ لَا يُحْسِنُهُ؛ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ)؛ أيْ: إذا كان كلُّ حِزْبٍ جَماعةً؛ لأِنَّ المفْسِدَ مَوْجُودٌ مِمَّنْ لا يُحْسِنُ دُونَ غَيرِه، فَوَجَبَ أنْ يَخْتَصَّ البُطْلانُ به.

(1)

في (ح): هو.

(2)

في (ظ) و (ق): فضلاً. والذي في المغني 9/ 474 والشرح 15/ 37: يسمى: نضلاً.

(3)

ينظر: تفسير الثعلبي 14/ 514، تفسير القرطبي 9/ 145.

(4)

في (ظ): يكون.

ص: 137

وهل يَبطُلُ في حقِّ مَنْ يُحْسِنُه؟ فيه وَجْهانِ مَبْنِيَّانِ على تَفْريقِ الصَّفْقةِ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَأُخْرِجَ مِنَ الْحِزْبِ الآْخَرِ مِثْلُهُ)؛ كالبَيعِ إذا بَطَلَ في البَعْض؛ بَطَلَ فِيمَا يُقابِلُه من الثَّمَنِ، (وَلَهُمْ)؛ أيْ: لكلِّ حزْبٍ، (الْفَسْخُ إِنْ أَحَبُّوا)؛ لِتَبْعِيض الصَّفْقةِ في حقِّهم.

فإن كانَ يُحْسِنُه لكنَّه قليلُ الإصابةِ، فقال حِزْبُه: ظننَّاه

(1)

كثيرَ الإصابة، أو لم نَعْلَمْ حالَه؛ لم يُسْمَعْ؛ لأِنَّ شَرْطَ دخوله في العَقْد: أنْ يَكونَ من أهل الصَّنْعة دُون الحِذْق.

(الثَّانِي: مَعْرِفَةُ عَدَدِ الرِّشْقِ)، بكَسْر الرَّاء، عِبارةٌ عن عَدَدِ الرَّمْيِ، وأهْلُ العربيَّة يَخُصُّونَه فِيمَا بَينَ العِشْرينَ والثَّلاثِينَ، وبفَتْحِها: الرَّمْيُ، وهو مصدَرُ رَشَقْتُ الشَّيءَ رَشْقًا، واشْتُرِط العِلْمُ به؛ لأِنَّه لو كان مجهولاً أفْضَى إلى الاِخْتِلاف؛ لأِنَّ أحدَهما يُريدُ القَطْعَ، والآخَرَ يُرِيدُ الزِّيادةَ.

(وَعَدَدِ الْإِصَابَةِ)؛ كخَمْسةٍ، أوْ سِتَّةٍ، أوْ ما يَتَّفِقانِ عَلَيهِ مِنْ رَمْيٍ معلومٍ؛ كعِشْرينَ؛ لأِنَّ الغَرَضَ معرفةُ الحِذْقِ، ولا يَحصُلُ إلاَّ بذلك.

وتُعْتَبَرُ إصابةٌ مُمْكِنةٌ، قالَهُ في «التَّرغِيب» وغَيره، فلو شَرَطا إصابةً نادِرةً؛ كإصابةِ جَميعِ الرِّشْق، أو تِسْعٍ مِنْ عَشَرَةٍ؛ لم يَصِحَّ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لا يُوجَدُ، فيَفوتُ الغَرَضُ.

ويُشْتَرطُ اسْتِواؤهما في عَدَدِ الرِّشْق، والإصابةِ، وصِفَتِها، وسائرِ أحْوالِ الرَّمْيِ؛ لأِنَّ موضوعَها على المساواة، فاعْتُبِرتْ؛ كالمسابَقَة على الحَيَوان لا على الأَبْعَد، فلو قال: السَّبَقُ لأِبْعَدِنا رَمْيًا؛ لم يَجُزْ.

فَرْعٌ: إذا عَقَدَا النِّضالَ ولم يَذْكُرا قوسًا

(2)

؛ صحَّ في ظاهِرِ قَولِ القاضِي،

(1)

في (ح): ظننا.

(2)

في (ح): قومًا.

ص: 138

واسْتَوَيا في العربيَّة والفارِسيَّة.

وقيل: لا يَصِحُّ حتَّى يَذْكُرَا نَوعَ القَوسِ الَّذي يَرْمِيانِ عَلَيهِ في الاِبْتِداء، فإنْ عَيَّنَا نَوعًا؛ تَعَيَّنَ.

(الثَّالِثُ: مَعْرِفَةُ الرَّمْيِ؛ هَلْ هُوَ مُفَاضَلَةٌ

(1)

أَوْ مُبَادَرَةٌ؟)؛ لأِنَّ غَرَضَ الرُّماةِ يَخْتَلِفُ؛ فمِنْهُم مَنْ إصابتُه في الاِبْتِداء أكثَرُ منها في الاِنتِهاء، ومِنْهم مَنْ هو بالعَكْس، فَوَجَبَ اشْتِراطُ ذلك؛ ليُعْلَمَ ما دَخَلَ فِيهِ.

(فَالْمُبَادَرَةُ أَنْ يَقُولَا: مَنْ سَبَقَ إِلَى خَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً؛ فَقَدْ سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا سَبَقَ إِلَيْهَا مَعَ تَسَاوِيهِمَا فِي الرَّمْيِ؛ فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَا يَلْزَمُ إِتْمَامُ الرَّمْيِ)؛ لأِنَّ السَّبَقَ

(2)

قد حَصَلَ بِسَبْقِهِ إلى ما شَرَطَا السَّبْقَ إلَيهِ.

فإنْ رَمَى أحدُهما عَشْرًا فأصاب خَمْسًا، والآخَرُ تِسْعًا فأصابَ أرْبَعًا؛ لم يُحكَمْ

(3)

بالسَّبْق ولا بعَدَمه حتَّى يرمِيَ العاشِرَ، فإن

(4)

أصابَ به؛ فلا سابِقَ منهما

(5)

، وإنْ أخْطَأَ به فالأوَّل

(6)

سابِقٌ، وإن لم يَكُنْ أصاب من التِّسعة إلاَّ ثلاثًا؛ فقد سَبَقَ، ولا يَحتاجُ إلى رَمْيِ العاشِرِ؛ لأِنَّ أكْثَرَ ما يَحْتَمِلُ أن يُصِيبَ به، ولا يُخرِجُه عن كَونِه مَسْبُوقًا.

(وَالْمُفَاضَلَةُ أَنْ يَقُولَا: أَيُّنَا فَضَلَ صَاحِبَهُ بِخَمْسِ إِصَابَاتٍ مِنْ عِشْرِينَ رَمْيَةً؛ فَقَدْ

(7)

سَبَقَ، فَأَيُّهُمَا فَضَلَ بِذَلِكَ فَهُوَ السَّابِقُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وللمُناضَلة صُورَةٌ أخرى ذَكَرَها أبو الخَطَّاب، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» ،

(1)

في (ح): مناضلة.

(2)

في (ق): المستبق.

(3)

في (ق): لم نحكم.

(4)

في (ظ): وإن.

(5)

في (ح): فيهما.

(6)

في (ظ): والأول.

(7)

قوله: (فقد) سقط من (ح) و (ق).

ص: 139

أنَّها

(1)

تُسَمَّى مُحاطَّةً

(2)

، ومَعْناها: أنْ يَشْتَرِطَا حطَّ

(3)

ما يَتَساوَيانِ فِيهِ من الإصابة في رِشْقٍ مَعْلُومٍ، فإذا فَضَلَ أحدُهما بإصابةٍ مَعْلومةٍ؛ فقد سَبَقَ صاحِبَه؛ كأنْ يَشْتَرِطا الرِّشْقَ عِشْرينَ، ويَشْتَرِطا حطَّ

(4)

ما يَتَساوَيانِ فيه، فإذا فَضَلَ أحدُهما بعَدَدٍ؛ فقد فَضَلَ صاحِبَه.

(وَإِذَا أَطْلَقَا الْإِصَابَةَ؛ تَنَاوَلَهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ)؛ لأِنَّ أيَّ صِفَةٍ كانَتْ تَدخُلُ تَحْتَ مُسَمَّى الإصابةِ.

وفي «المغْنِي» : إنَّ صِفَةَ الإصابة شَرْطٌ لِصِحَّة المناضَلة.

وفي «الرِّعاية» : إنْ أطْلَقَا العَقْدَ؛ كَفَى إصابةُ بعْضِه كَيفَ كانَ.

ويُسَنُّ أنْ يَصِفَا الإصابةَ، وقِيلَ: يَجِبُ.

(فَإِنْ

(5)

قَالَا: خَوَاصِلَ)، بالخاء المعْجَمة، والصَّاد المهْمَلة؛ (كَانَ تَأْكِيدًا؛ لأِنَّهُ اسْمٌ لَهَا كَيْفَمَا كَانَتْ)، قال الأزْهَرِيُّ: الخاصِلُ: الذي أصابَ القِرْطاسَ، وقد خَصَلَه إذا أصابه، وخَصَلْتُ

(6)

مُناضَلَتي

(7)

أخْصُلُه خَصْلاً إذا نَضَلْته وسَبَقْته

(8)

، وتُسَمَّى القَرْطَسَة، يُقالُ: قَرْطَسَ إذا أصاب.

(وَإِنْ قَالَا: خَوَاسِقَ

(9)

، بالخاء المعْجَمة، والسِّينِ المهْمَلةِ، (وَهُوَ مَا خَرَقَ الْغَرَضَ، وَثَبَتَ فِيهِ، أَوْ خَوَارِقَ)، بالخاء المعْجَمة والرَّاء، (وَهُوَ مَا

(1)

في (ح) و (ظ): وأنها.

(2)

في (ق): مخاطة.

(3)

في (ق): خط.

(4)

في (ق): خط.

(5)

في (ح): وإن.

(6)

في (ق): وحصلت.

(7)

هكذا في النسخ الخطية، وفي الزاهر ص 270: مناضلي.

(8)

ينظر: الزاهر ص 270، تهذيب اللغة 7/ 66.

(9)

في (ح): خراس.

ص: 140

خَرَقَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهِ)، وضَبَطَه بعضُهم بالزَّايِ، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّ الأَزْهَرِيَّ والجَوهَرِيَّ قالا

(1)

: الخازِقُ بالزَّاي

(2)

لُغَةٌ في الخاسِقِ، فهُمَا شَيءٌ واحِدٌ، وقد فَسَّرَ الخَوارِقَ بغَيرِ ما فَسَّرَ به الخَواسِقَ، فتَعَيَّنَ أنْ يَكونَ بالراء

(3)

؛ لِئَلاَّ يَلزَمَ الاِشْتِراكُ أو المجازُ، وهُمَا على خِلافِ الأصْلِ، والأَصْلُ في الألْفاظ التَّبايُنُ.

(وَإِنْ

(4)

قَالَا: خَوَاصِرَ)، بالخاء المعْجَمة، والصَّاد والرَّاء المهْمَلَتَينِ، (وَهُوَ مَا وَقَعَ فِي أَحَدِ جَانِبَيِ الْغَرَضِ)، ومِنْهُ قِيلَ: الخاصِرةُ؛ لأِنَّها في جانِبِ الإنْسانِ؛ (تَقَيَّدَتْ بِذَلِكَ)؛ لأِنَّه وَصْفٌ وَقَعَ العَقْدُ عَلَيهِ، فَوَجَبَ أنْ يتَقَيَّدَ به ضَرورةَ الوفاء بموجِبِه.

فإنْ شَرَطا الخَواسِقَ والخَوارِقَ مَعًا؛ صحَّ.

(وَإِنْ شَرَطَا إِصَابَةَ مَوْضِعٍ مِنَ الْغَرَضِ كَالدَّائِرَةِ فِيهِ

(5)

؛ تَقَيَّدَ بِهِ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ يَخْتَلِفُ باخْتِلافِ ذلك، فتَعَيَّنَ أنْ تَتَقيَّدَ المناضَلةُ به؛ تَحْصِيلاً للغَرَضِ.

وبَقِيَ مِنْها أقْسامٌ:

الأوَّل: الموارِقُ، وهو ما خَرَقَ الغَرَضَ ونَفَذَ منه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الكافي» ، وذَكَرَ الأَزْهَرِيُّ أنَّه يُقالُ له: الصَّادِرُ

(6)

.

الثَّانِي: الخَوارِمُ، وهو ما خَرَمَ جانِبَ الغَرَضِ.

(1)

ينظر: الزاهر ص 270، تهذيب اللغة 7/ 66.

(2)

في (ظ): الخارق بالراء. والمثبت موافق لما في تهذيب اللغة 7/ 13، والصحاح 4/ 1469، ونقله عنها البعلي في المطلع ص 324.

(3)

في (ق): بالزاي.

(4)

في (ح): أو.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

(6)

ينظر: الزاهر ص 269.

ص: 141

الثَّالِثُ: الحَوابِي

(1)

، وهو ما وَقَعَ بَينَ يَدَيِ الغَرَض ثُمَّ وَثَبَ إلَيهِ، ومِنهُ يُقالُ: حَبَا الصَّبِيُّ، ذَكَرَهُما في «المغْنِي» .

ولَيسَ الأوَّلانِ مِنْ شَرْط صحة

(2)

المناضَلَة، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ

(3)

. (الرَّابِعُ: مَعْرِفَةُ قَدْرِ الْغَرَضِ؛ طُولِهِ، وَعَرْضِهِ، وَسَمْكِهِ، وَارْتِفَاعِهِ مِنَ الْأَرْضِ)؛ لأِنَّ الإصابةَ تَخْتَلِفُ باخْتِلاف ذلك، فَوَجَبَ العِلْمُ به، أشْبَهَ تَعْيِينَ النَّوعِ.

والغَرَضُ: ما تُقصَدُ إصابتُه مِنْ قِرْطاسٍ، أوْ جِلْدٍ، أوْ خَشَبٍ، وسُمِّيَ غَرَضًا؛ لأِنَّه يُقْصَدُ.

وقال الأزْهَرِيُّ: ما نُصِبَ في الهَدَف فهُو القِرْطاسُ، وما نُصِبَ في الهَواءِ فهُوَ الغَرَضُ

(4)

، وفسَّره الجَوْهَريُّ: بالهَدَف الَّذي يُرْمَى فِيهِ

(5)

.

وفي بعْضِ النُّسَخ: «وطوله» بالواو، والصَّوابُ حَذْفُها.

وفي «المحرَّر» : ولا بُدَّ من معرفة الغَرَض؛ صِفَةً وقَدْرًا؛ لأِنَّ قَدْرَ الغَرَضِ هو طولُه، وعَرْضُه، وسَمْكُه.

(وَإِنْ تَشَاحَّا فِي الْمُبْتَدِئِ بِالرَّمْيِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) في قَولِ الأكْثَرِ؛ لأِنَّهما مُتَساوِيانِ في الاِسْتِحْقاق، فيُصارُ إليها

(6)

، كما لو تَنازَعَ المتَقاسِمانِ في اسْتِحْقاقِ سَهْمٍ مُعَيَّنٍ.

(وَقِيلَ: يُقَدَّمُ مَنْ لَهُ مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبَقِ)؛ لأِنَّ له نَوعًا من التَّرجِيح،

(1)

في (ق): الخوابي.

(2)

في (ح): صحته.

(3)

زاد في (ظ) و (ق): (وإن شرطا إصابة موضعٍ من الغرض كالدَّائرة فيه تقيَّد به؛ وَفاءً بالشرط.

(4)

ينظر: الزاهر ص 271.

(5)

ينظر: الصحاح 3/ 1093.

(6)

في (ظ): إليهما.

ص: 142

فيَجِبُ أنْ يُقدَّمَ به، فعلى هذا: إنْ كان العِوَضُ مِنْ أحدهما؛ قُدِّمَ صاحِبُه، وإنْ كانَ من أجْنَبِيٍّ؛ قُدِّمَ مَنْ يَختارُه مِنْهُما، فإن لم يَخْتَرْ؛ أُقْرِعَ.

وصَحَّحَ صاحِبُ «النِّهاية» : أنَّه لا يَبْتَدِئُ

(1)

أحدُهما إلاَّ بقُرْعةٍ؛ لأِنَّ العَقْدَ مَوضُوعٌ على ألاَّ يُفَضَّلَ صاحِبُ السَّبَقِ على صاحبِه.

واخْتارَ في «التَّرغِيبِ» : يُعْتَبَرُ ذِكْرُ المبْتَدِئِ به.

(وَإِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي وَجْهٍ؛ بَدَأَ الآْخَرُ فِي الثَّانِي

(2)

؛ تَعْديلاً بَيْنَهما، فإنْ شَرَطَا البَداءَةَ لأِحَدِهما في كلِّ الوُجُوهِ؛ لم يَصِحَّ، فإنْ فَعَلَا ذلك بغَيرِ شَرْطٍ، بِرِضَاهُما؛ جازَ.

وإنْ شَرَطَا أنْ يَبْدَأَ كلُّ واحِدٍ مِنْهُما مِنْ وَجْهَينِ مُتَوَالِيَيْنِ؛ جاز.

ويَحْتَمِلُ: أنْ يَكونَ اشْتِراطُ البِدايةِ في كلِّ مَوضِعٍ غَيرَ لازِمٍ، ولا يُؤَثِّرُ في العَقْدِ.

(وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا غَرَضَانِ، إِذَا بَدَأَ أَحَدُهُمَا

(3)

بِغَرَضٍ؛ بَدَأَ الآْخَرُ بِالثَّانِي)؛ لِفِعْلِ الصَّحابة رضي الله عنهم

(4)

، وقد رُوِيَ مَرْفوعًا: «مَا بَينَ الغَرَضَينِ رَوْضَةٌ

(1)

في (ق): لا يبدأ.

(2)

في (ق): بالثاني.

(3)

زيد في (ح): هما.

(4)

فعله عقبة بن عامر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1919)، عن فقيم اللخمي أنه قال لعقبة بن عامر: تختلف بين هذين الغرضين وأنت كبير يشق عليك، وذكر الحديث.

وفعله ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور (2459)، وابن أبي شيبة (33564)، والطبراني في فضل الرمي (51)، عن مجاهد قال:«رأيت ابن عمر يشتد بين الهدفين» ، وحسن الحافظ إسناده في التلخيص الحبير 4/ 402.

وفعله حذيفة رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (2457)، وابن أبي شيبة (26327)، والطبراني في فضل الرمي (49)، عن إبراهيم التيمي، عن أبيه، قال:«رأيت حذيفة بالمدائن يشتد بين الهدفين» ، ورجاله ثقات.

ص: 143

مِنْ رِياض الجَنَّةِ»

(1)

، ويُرْوَى:«أنَّ الصَّحابةَ كانوا يَشْتَدُّونَ بَينَ الأغْراض يَضْحَكُ بعضُهم إلى بعْضٍ، فإذا جاء اللَّيلُ كانوا رهبانًا»

(2)

.

ويَكْفِي غَرَضٌ واحِدٌ؛ لأِنَّ المقْصودَ يَحصُلُ به، وهو عادةُ أهلِ عَصْرِنا.

فَرْعٌ: إذا تَشَاحَّا في الوُقوف؛ كأنْ يَستقبِلَ أحدُهما الشَّمسَ والآخَرُ يَستدبِرُها؛ قُدِّمَ قَولُ مَنْ يَسْتَدْبِرُها؛ لأِنَّه العُرْفُ، إلاَّ أنْ يَكونَ بَينَهُما شَرْطٌ فيُعمَلُ به، ولو قَصَدَ أحدُهما التَّطْويلَ؛ مُنِعَ منه.

(وَإِذَا أَطَارَتِ الرِّيحُ الْغَرَضَ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي

(3)

مَوْضِعِهِ؛ فَإِنْ كَانَ

(4)

شَرْطُهُمْ خَوَاصِلَ؛ احْتُسِبَ بِهِ)؛ لأِنَّه لو بَقِيَ الغَرَضُ مَوضِعَه لأَصابَهُ، (وَإِنْ

(1)

لم نجده بهذا اللفظ، وقال ابن حجر:(لم أجده هكذا إلا عند صاحب مسند الفردوس من جهة ابن أبي الدنيا بإسناده، عن مكحول، عن أبي هريرة رضي الله عنه، رفعه: «تعلّموا الرمي؛ فإنّ ما بين الهدفين روضةٌ من رياض الجنة»، وإسناده ضعيف مع انقطاعه)، يعني أنّ مكحولاً الشّامي لم يلقَ أبا هريرة رضي الله عنه، ولم يدركه. قال ابن الملقن:(غريب باللفظ المذكور).

وأخرج الطبراني في جزء فضل الرمي (48)، من طريق سعيد بن المسيّب، عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه مرفوعًا:«من مشى بين الغرضين كان له بكلّ خطوة حسنة» ، وسعيد بن المسيّب لم يسمع من أبي ذرٍّ رضي الله عنه.

وأخرجه أبو نعيم في جزء رياضة الأبدان (10)، من طريق سعيد، عن أبي الدرداء مرفوعًا:«من وضع رداءه ومشى بين الهدفين كان له بكل خطوة عتق رقبة» ، وفيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وسعيد لم يسمع من أبي الدرداء، وأخرج البيهقي في الكبرى (19740)، عن جابر مرفوعًا:«وجبت محبتي على من سعى بين الغرضين بقوسي، لا بقوس كسرى» ، وهو حديث منكر قاله الألباني. ينظر: جامع التحصيل (ص 285)، البدر المنير 9/ 436، التلخيص الحبير 4/ 302، الضعيفة (6838).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (144)، وعنه ابن أبي شيبة (26326)، والنسائي في الكبرى (11855)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 224)، عن بلال بن سعد. إسناده صحيح، وبلال أدرك جماعة من الصحابة.

(3)

قوله: (في) سقط من (ح) و (ظ).

(4)

قوله: (كان) سقط من (ظ).

ص: 144

كَانَ خَوَاسِقَ؛ لَمْ يُحْتَسَبْ لَهُ بِهِ

(1)

وَلَا عَلَيْهِ) في قَولِ أبِي الخَطَّاب؛ لأِنَّا لا نَدْرِي هل يَثْبُتُ في الغَرَض لَوْ كان مَوجُودًا أوْ لا.

وقال القاضِي: يُنظَرُ، فإنْ

(2)

صَلابَةُ الهَدَف كصَلابَة الغَرَض، فيثبت في الهدف

(3)

؛ احْتُسِبَ له به، وإن لم يَثْبُتْ فيه مع التَّساوِي؛ لم يُحْتَسَبْ، وإنْ كان الهَدَفُ أصْلَبَ فلم يَثْبُتْ فيه لو كان رِخْوًا؛ لم يُحْتَسَب السَّهْمُ له ولا عَلَيهِ.

فإنْ وَقَعَ السَّهْمُ في غَيرِ مَوضِعِ الغَرَضِ؛ احْتُسِبَ به على رامِيهِ.

وكذا الحُكْمُ إذا ألْقَت الرِّيحُ الغَرَضَ على وَجْهِه.

(وَإِنْ عَرَضَ عَارِضٌ مِنْ كَسْرِ قَوْسٍ، أَوْ قَطْعِ وَتَرٍ، أَوْ رِيحٍ شَدِيدَةٍ؛ لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيْهِ بِالسَّهْمِ)؛ لأِنَّ خَطَأَه لِعارِضٍ، لا لِسُوءِ رَمْيِهِ، وفِيهِ وَجْهٌ.

والأشهَرُ: ولا له، قاله في «المغْنِي» ، تَبَعًا للقاضِي، ولَو أصابَ

(4)

؛ لأنَّ الرِّيحَ الشَّديدةَ كما يَجُوزُ أنْ تَصْرِفَ

(5)

الرَّمْيَ الشَّدِيدَ فيُخْطِئَ، يَجُوزُ أنْ تَصْرِفَ السَّهْمَ المخْطِئَ عن خَطَئِه فيُصِيبَ، فتَكونُ

(6)

إصابتُه بالرِّيح لا بِحِذْقِ رَمْيِهِ.

فأمَّا إنْ وَقَعَ السَّهْمُ من

(7)

حائِلٍ فَخَرَقَه، وأصابَ الغَرَضَ؛ حُسِبَ له؛ لأِنَّ إصابتَه لسداد

(8)

رَمْيِهِ، فهو أَوْلَى.

فلو كانت الرِّيحُ لَيِّنَةً لا تَرُدُّ السَّهْمَ عادةً، لم تَمْنَعْ؛ لأِنَّ الجَوَّ لا يَخْلُو من

(1)

في (ح): به له.

(2)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 9/ 482، والشرح 15/ 54: فإن كانت.

(3)

في (ح): لهدف.

(4)

قوله: (ولو أصاب) سقط من (ق).

(5)

في (ظ): يصرف.

(6)

في (ق): فيكون.

(7)

هكذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 9/ 483، والشرح 15/ 58: إن وقع السهم في حائل بينه وبين الغرض.

(8)

في (ح) و (ق): لشداد.

ص: 145

رِيحٍ، مَعَ أنَّها لا تُؤثِّرُ إلاَّ في الرَّمْيِ الرِّخْوِ.

(وَإِنْ عَرَضَ مَطَرٌ، أَوْ ظُلْمَةٌ؛ جَازَ تَأْخِيرُ الرَّمْيِ)؛ لأِنَّ المطَرَ يُرْخِي الوَتَرَ، والظُّلْمةَ عُذْرٌ لا يُمْكِنُ معه فِعْلُ المعْقُودِ عَلَيهِ، ولأِنَّ

(1)

العادَةَ الرَّمْيُ نَهارًا، إلاَّ أنْ يَشْتَرِطاهُ لَيلاً.

(وَيُكْرَهُ لِلْأَمِينِ وَالشُّهُودِ مَدْحُ أَحَدِهِمَا)؛ أيْ: مَدْحُ المصِيبِ؛ (لِمَا فِيهِ مِنْ كَسْرِ قَلْبِ صَاحِبِهِ)؛ أي: المخْطئ، وحرَّمَهُ ابْنُ عَقِيلٍ.

قال في «الفُروع» : ويَتَوَجَّهُ يَجُوزُ مَدْحُ المصِيبِ، ويُكْرَهُ عَيبُ غَيرِه، ويَتَوَجَّهُ في شَيخِ العِلْمِ وغَيرِه: مَدْحُ المصِيبِ من الطَّلَبَةِ، وعَيبُ غَيرِه كذلك

(2)

.

(1)

في (ق): لأن.

(2)

زيد في (ق): والله أعلم.

ص: 146

(كِتَابُ الْعَارِيةِ)

هي بِتَخْفِيف الياء وتشديدها

(1)

، وأصْلُها: مِنْ عارَ، إذا ذَهَبَ وجاءَ، ومِنْهُ قِيلَ لِلْعَيَّار: بَطَّالٌ؛ لِتَرَدُّدِه في بَطالَتِه، والعَرَبُ تَقُولُ: أعارَهُ وعارَهُ؛ كأطاعَهُ وطاعَهُ.

قال الأصْحابُ تَبَعًا للجَوهَرِيِّ: هي مُشْتَقَّةٌ من العار

(2)

، وفِيهِ شَيءٌ؛ لأِنَّ الشَّارِعَ عليه السلام فَعَلَها

(3)

.

وأصْلُ المادَّة فِيمَا قِيلَ: العُرْيُ: التَّجرُّدُ، فسُمِّي

(4)

عارِيةً؛ لِتَجَرُّده عن العِوَضِ، كما تُسَمَّى النَّخْلةُ الموْهُوبةُ عَرِيَّةً؛ لِتَعَرِّيها عن العِوَض.

وقِيلَ: هو من التَّعاوُر؛ أي: التَّناوُب؛ لِجَعْلِه

(5)

للغَير نَوبةً

(6)

في الاِنْتِفاعِ.

وهي مُسْتحَبَّةٌ إجْماعًا

(7)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى} [المَائدة: 2]، وقَولُه تعالَى:{وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} [المَاعون: 7]، قال ابْنُ عَبَّاسٍ وابْنُ مَسْعُودٍ:«هي العَوارِي»

(8)

،

(1)

في (ح): وبتشديدها.

(2)

ينظر: الصحاح 2/ 761.

(3)

سيأتي قريبًا تخريجه.

(4)

في (ح) و (ظ): يُسمَّى.

(5)

في (ق): كجعله.

(6)

في (ح) و (ظ): مؤنة، والمثبت موافق لما في شرح منتهى الإرادات 2/ 11.

(7)

ينظر: المغني 5/ 163.

(8)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (10637)، والطبري في التفسير (24/ 675)، والطحاوي في مشكل الآثار (14/ 91)، والبيهقي في الكبرى (7793)، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال:«هو المتاع» ، وفي لفظ:«ما تعاطاه الناس» ، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (10632)، والطبري في التفسير (24/ 675)، والطحاوي في مشكل الآثار (14/ 91)، والطبراني في الكبير (12354)، والحاكم (3976)، والبيهقي في الكبرى (7792)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 7/ 143:(رجاله رجال الصحيح).

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الطبري في التفسير (24/ 671)، والطحاوي في مشكل الآثار (14/ 89)، والطبراني في الكبير (9006)، والبيهقي في الكبرى (11469)، عن أبي العبيدين أنه سأل ابن مسعود عن (الماعون)، قال:«هو ما يتعاوره الناس بينهم، الفأس والقدر والدلو» ، وإسناده صحيح، أبو العبيدين هو معاوية بن سبرة، ثقة.

ص: 147

وقَولُه عليه السلام: «العارِيةُ مُؤَدَّاةٌ»

(1)

.

والمعْنَى شاهِدٌ بذلِكَ، فهي كَهِبَةِ الأعْيانِ.

وقِيلَ: تَجِبُ مع غَناء ربِّه

(2)

، اخْتارَهُ الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(3)

.

وقال بَعْضُهم: كانت واجِبَةً في أوَّلِ الإسْلام ثُمَّ نُسِخَ.

(وَهِيَ هِبَةُ مَنْفَعَةٍ)؛ أيْ: مع بَقاءِ ملْكِ الرَّقَبَةِ، ذَكَرَه في «الوجيز» وغَيره.

ويَرِدُ عليه: الوصيَّةُ بالمنْفَعَة.

وفي «المغْني» و «الشَّرح» : إباحةُ الاِنْتِفاعِ بعَينٍ مِنْ أعْيانِ المالِ.

والأَوْلَى: إباحةُ الاِنْتِفاعِ بِمَا يَحِلُّ الاِنْتِفاعُ به، مع بَقاءِ عَينِه لِيردَّها

(4)

على مالِكِها.

ويُشترَطُ: كَونُ المُعِيرِ أَهْلاً لِلتَّبرُّع شَرْعًا، وأهْلِيَّةُ مُسْتَعِيرٍ لِلتَّبرُّع له.

وتَنْعَقِدُ

(5)

بكُلِّ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيهَا.

(تَجُوزُ

(6)

فِي كُلِّ الْمَنَافِعِ) المباحةِ؛ كالدُّورِ، والعَبِيدِ، والدَّوابِّ،

(1)

سبق تخريجه 5/ 401 حاشية (6).

(2)

في (ظ): عيارته.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 197، الاختيارات ص 231.

(4)

في (ظ): لردها.

(5)

في (ظ): وينعقد.

(6)

في (ظ): يجوز.

ص: 148

والثِّيَابِ، ونَحْوِها؛ لأِنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَعارَ مِنْ أبِي طَلْحةَ فَرَسًا»

(1)

، و «مِنْ صَفْوانَ أَدْراعًا»

(2)

، وسُئِل عن حَقِّ الإبلِ، فقال: «إعارةُ دلوها

(3)

، وإطْراقُ فَحْلِها»

(4)

، فَثَبَتَ ذلِكَ في المنصوصِ عَلَيهِ، والباقِي قِياسًا.

وتَدخُل

(5)

فِيهِ: إعارةُ النَّقدَينِ للوَزْن، فإن استعارهما

(6)

للنَّفقة؛ فَقَرْضٌ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وقِيلَ: لا يَجُوزُ.

ونَقَلَ صالِحٌ: مِنْحَةُ لَبَنٍ هو العارِيةُ، ومِنْحَةُ وَرِقٍ هو القَرْضُ

(7)

.

(إِلاَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ)؛ لأِنَّ الوطْءَ لا يَجُوزُ إلاَّ في نِكاحٍ أوْ مِلْكِ يَمِينٍ،

(1)

أخرجه البخاري (2627)، ومسلم (2307)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(2)

أخرجه أحمد (15302)، والنسائي في الكبرى (5747)، والدارقطني (2955)، والحاكم (2300)، من طريق شريك، عن عبد العزيز بن رفيع، عن أمية بن صفوان بن أمية، عن أبيه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار منه يوم حنين أدراعًا» فقال: أغصبًا يا محمد؟ فقال: «بل عارية مضمونة» ، وهذا الحديث تفرد به شريك النخعي وهو سيئ الحفظ، وفيه: أمية بن صفوان وهو مقبول، ووقع اضطراب في إسناده ومتنه، وذكر ابن عبد البر أن بعض الرواة يذكر فيه الضمان، وبعضهم لا يذكره، ثم قال:(والاضطراب فيه كثير ولا يجب عندي بحديث صفوان هذا حجة في تضمين العارية)، وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه الحاكم (4369)، والبيهقي في الكبرى (11477)، وفيه: ابن إسحاق وهو حسن الحديث، وشاهد آخر عند البيهقي (11479) من طريق عطاء بن أبي رباح، عن ناس من آل صفوان بن أمية فقالوا: استعار رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفوان بن أمية سلاحًا، فقال صفوان: أعارية أم غصب؟ فقال: «بل عارية» ، وقوَّاه البيهقي فقال:(وبعض هذه الأخبار وإن كان مرسلاً، فإنه يَقْوى بشواهده مع ما تقدم من الموصول)، وصححه الحاكم، والألباني. ينظر: التمهيد 12/ 41، البدر المنير 6/ 748، الإرواء 5/ 344.

(3)

في (ح): ذلولها.

(4)

أخرجه مسلم (988)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(5)

في (ق): ويدخل.

(6)

في (ح): وإن استعارها.

(7)

ينظر: مسائل صالح 3/ 190.

ص: 149

وكِلاهُما مُنْتَفٍ، فَلَمْ يَجُزْ إجْماعًا

(1)

.

(وَلَا تَجُوزُ إِعَارَةُ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ لِكَافِرٍ)؛ لأِنَّه لا يَجُوزُ لَهُ اسْتِخْدامُه، فكذا إعارَتُه.

وقِيلَ: هو كإجارَتِه.

وقِيلَ: بالكَراهَة.

وما حَرُم اسْتِعْمالُه لمُحْرِمٍ

(2)

.

وقيل: وكَلْبًا لِصَيدٍ، وفَحْلاً لِضِرابٍ.

فَرْعٌ: تَجِبُ إعارةُ مُصْحَفٍ لِمَنْ احْتاجَ إلى القِراءة فِيهِ ولم يَجِدْ غَيرَهُ، ذَكَرَهُ القاضِي وغَيرُه.

(وَيُكْرَهُ

(3)

إِعَارَةُ الْأَمَةِ الشَّابَّةِ لِرَجُلٍ غَيْرِ مَحْرَمِهَا)؛ لأِنَّه لا يُؤمَنُ عَلَيها.

وقِيلَ: يَحْرُمُ، وصَوَّبَه بعضُهم، لا سِيَّمَا لِشَابٍّ، خُصوصًا الأَعْزَب.

ولَا بَأْسَ بِشَوهاءَ وكبيرة

(4)

؛ لأِنَّه لَا يُشْتَهَى مِثْلُها.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُكْرَهُ

(5)

إعارتُها لاِمْرأَةٍ، ولا ذِي مَحْرَمٍ؛ لأِنَّه مَأْمُونٌ عَلَيهَا.

(وَ) يُكْرَهُ

(6)

(اسْتِعَارَةُ وَالِدَيْهِ

(7)

إذا كانَا رَقِيقَينِ، أوْ أحَدِهِما (لِلْخِدْمَةِ)؛ لأِنَّه يُكرَهُ اسْتِخْدامُهما، فكذا اسْتِعارَتُهما لِذَلِكَ.

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 94، الإقناع لابن القطان 2/ 168.

(2)

في (ح) و (ق): كمحرم. والمثبت موافق للفروع 7/ 197.

(3)

في (ظ): وتكره.

(4)

في (ح): كبيرة.

(5)

في (ظ): لا تكره.

(6)

في (ظ): وتكره.

(7)

في (ح): الدية.

ص: 150

وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُكرَهُ اسْتِعارةُ وَلَدِه لَهَا

(1)

؛ كأمِّ وَلَدِهِ.

(وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ)؛ لأِنَّ المنافِعَ المسْتَقْبَلَةَ لم تَحْصُل في يَدِه، فَلَمْ يَمْلِكْها بالإعارة، وسَواءٌ كانَتْ مُطْلَقَةً أوْ مُؤَقَّتَةً، قَبْلَ الاِنْتِفاعِ أوْ بَعْدَه.

وعَنْهُ: إنْ عَيَّنَ مُدَّةً تَعَيَّنَتْ.

وعَنْهُ: ومع الإطْلاقِ لا يَرجِعُ قَبلَ انْتِفاعِه، ولزمه

(2)

تَرْكُها مُدَّةً يُنْتَفَعُ بها في مِثْلِها، قال القاضِي: القَبْضُ شَرْطٌ في لُزومِهَا، وقال: يَحصُلُ بها الملْكُ مع عَدَمِ قَبضِهَا.

وأمَّا المسْتَعِيرُ؛ فَيَجُوزُ له الرَّدُّ، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(3)

.

(مَا لَمْ يَأْذَنْ فِي شَغْلِهَ)، بفَتْحِ أوَّله وسُكونِ ثانِيهِ، مَصدَرُ شَغَلَ يَشْغَلُ، وفِيهما أرْبَعُ لُغاتِ، (بِشَيْءٍ يَسْتَضِرُّ الْمُسْتَعِيرُ بِرُجُوعِهِ فِيهِ

(4)

، مِثْلَ أَنْ يُعِيرَهُ سَفِينَةً)، فعيلة

(5)

من السَّفن، (لِحَمْلِ مَتَاعِهِ)، أو لَوْحًا يَرقَعُ

(6)

به سَفِينَةً فرقعها

(7)

ولجَّجَ

(8)

في البحر؛ (فَلَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ مَا دَامَتْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ)؛ لِمَا فيه من الضَّرَر.

وظاهره: أنَّها

(9)

إذا رَسَتْ؛ جازَ الرُّجوعُ؛ لاِنْتِفاءِ الضَّررِ.

(وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلدَّفْنِ؛ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَبْلَى الْمَيْتُ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْك

(1)

في (ق): كلها.

(2)

في (ح): ولزمها.

(3)

ينظر: المغني 5/ 170.

(4)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(5)

في (ح): فعيلة.

(6)

في (ق): يرفع.

(7)

في (ح): فيرقعها.

(8)

في (ق): ونجح. قال في الصحاح 1/ 338: (لَجَّجَتْ السفينةُ، أي: خاضت اللجة).

(9)

في (ح): أنه.

ص: 151

حُرْمته، وقال ابنُ البَنَّاء: لا يَرجِعُ حتَّى يَصِيرَ رَمِيمًا.

وقال ابنُ الجَوزِيِّ: يُخرِجُ عِظامَه، ويَأْخُذُ أرْضَهُ، ولا أُجْرةَ لَها.

واقْتَضَى ذلِكَ: أنَّه يَرجِعُ فِيهَا قَبلَ الدَّفنِ.

(وَإِنْ أَعَارَهُ حَائِطًا لِيَضَعَ عَلَيْهِ أَطْرَافَ خَشَبِهِ)؛ جازَ؛ كالأرْضِ لِلْغَرْس؛ (لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ هذا يُرادُ لِلْبَقاء، ولِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَر على المسْتَعِير.

فإنْ قالَ: أنا أَدْفَعُ إِلَيكَ ما نَقَصَ بالقَلْع؛ لم يَلزَم المسْتَعِيرَ ذلِكَ، وفِيهِ احْتِمالٌ.

(وَإِنْ

(1)

سَقَطَ عَنْهُ لِهَدْمٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ رَدَّهُ)؛ لأِنَّ الإذْنَ تَناوَلَ الحائِطَ، فلا يَتَعَدَّى إلى غَيرِه.

وقال القاضِي والمؤلِّفُ: له إعادته

(2)

، وصحَّحه الحارِثِيُّ قال: وهو اللاَّئِقُ بالمذْهَب؛ لأِنَّ السَّبَبَ مُسْتَمِرٌّ، فكان

(3)

الاِسْتِحْقاقُ مُسْتَمِرًّا.

وعلى الأوَّلِ: سَواءٌ بَنَى الحائِطَ بآلَتِه أوْ غَيْرِها، أوْ زَالَتِ الخَشَبُ بِانْهِدامٍ، أوْ بِاخْتِيارِ المسْتَعِيرِ.

فإنْ أَذِنَ في إعادَتِه، أوْ عِنْدَ الضَّرُورةِ إن لم يَتَضرَّرِ الحائِطُ؛ جازَ.

(وَإِنْ أَعَارَهُ أَرْضًا لِلزَّرْعِ؛ لَمْ يَرْجِعْ إِلَى الْحَصَادِ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، فإنْ بَذَل له المُعِيرُ قِيمَةَ الزَّرْع لِيَمْلِكَه؛ لم يَكُنْ له ذلِكَ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ لأِنَّ له وَقْتًا يَنْتَهِي إلَيهِ، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُحْصَدُ قَصِيلاً؛ فَيَحْصِدُهُ)؛ لِعَدَمِ الضَّرَر فِيهِ، ولا أُجْرةَ عَلَيهِ، اخْتارَهُ المَجْدُ.

(1)

في (ح): فإن.

(2)

في (ح): إعارته.

(3)

في (ق): بظن.

(4)

ينظر: المغني 5/ 171.

ص: 152

(وَإِنْ أَعَارَهَا لِلْغَرْسِ أَوِ البِنَاءِ

(1)

، وَشَرَطَ عَلَيْهِ الْقَلْعَ فِي وَقْتٍ، أَوْ عِنْدَ رُجُوعِهِ، ثُمَّ رَجَعَ؛ لَزِمَهُ الْقَلْعُ) مَجَّانًا؛ لقَولِه عليه السلام: «المسْلِمونَ

(2)

على شُرُوطِهم»

(3)

، ولأِنَّ العارِيةَ مُؤَقَّتةٌ غَيرُ مُطْلَقَةٍ، فلَمْ تَتَناوَلْ ما عَدَا المقيَّد، ولأِنَّ المسْتَعِيرَ دَخَلَ فِيهَا راضِيًا بالْتِزامِ الضَّرَرِ الدَّاخِلِ عَلَيهِ بالقلْعِ.

وظاهِرُه: لَيسَ على صاحِبِ الأرْضِ ضَمانُ نَقْصِه، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُهُ

(4)

.

(وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ)؛ لِرِضاهُ بِضَرَرِ القَلْعِ، (إِلاَّ بِشَرْطٍ)، جَزَمَ به في «الوَجِيزِ» و «المستوعب» ؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وقِيلَ: يَلْزَمُه مُطْلَقًا.

(وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ عَلَيْهِ الْقَلْعَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ، (إِلاَّ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُعِيرُ النَّقْصَ)، فيَلزَمُه؛ لأِنَّه رُجوعٌ في العارِيَة مِنْ غَيرِ إضْرارٍ.

وقال الحُلْوانِيُّ: لا يَلزَمُه.

(فَإِنْ قَلَعَ) المسْتَعِيرُ، ولَيسَ مَشْروطًا عَلَيهِ؛ (فَعَلَيْهِ تَسْوِيَةُ الْأَرْضِ)؛ لأِنَّ القَلْعَ باخْتِيارِه، ولو امْتَنَع منه؛ لم يُجْبَرْ عَلَيهِ، فلَزِمَتْهُ

(5)

التَّسْوِيَةُ؛ كالمشْتَرِي لِمَا فِيهِ شُفْعةٌ إذا أَخَذَ غَرْسَه.

وقال القاضِي وجَماعةٌ: لا يَلزَمُه؛ لأِنَّ المعِيرَ رَضِيَ بذلِكَ حَيثُ أعارَهُ مع عِلْمِه بِأنَّ له قَلْعَ غَرْسِه الَّذي لا يُمْكِنُ إلاَّ بالحَفْر.

(وَإِنْ أَبَى الْقَلْعَ)؛ أيْ: في حالٍ لا يُجْبَرُ عَلَيهِ فِيهَا؛ (فَلِلْمُعِيرِ أَخْذُهُ بِقِيمَتِهِ)، ويُجْبَرُ المسْتَعِيرُ على ذلِكَ؛ لأِنَّ غَرْسَهُ أوْ بِناءَه حَصَلَ في ملْكِ غَيرِه،

(1)

في (ح): والبناء.

(2)

في (ق): المؤمنون.

(3)

سبق تخريجه 5/ 96 حاشية (6).

(4)

ينظر: المغني 5/ 172.

(5)

في (ق): فلزمه.

ص: 153

كالشَّفِيع مع المشْتَرِي، والمؤْجِر مع المسْتَأْجِر.

فإنْ قالَ المسْتَعِيرُ: أنا أَدْفَعُ قِيمةَ الأرْضِ لِتَصِيرَ لِي؛ لَمْ يَلْزَم المعِيرَ؛ لأِنَّهما تَبَعٌ لِلأَرْضِ، بدليلِ دُخُولِهما في البَيعِ.

(فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ)؛ أيْ: إذا امْتَنَعَ مِنْ دَفْع القِيمةِ وأرْشِ النَّقْصِ، وامْتَنَعَ المسْتَعِيرُ مِنْ القَلْعِ ودَفَعَ الأجْرِ؛ (بِيعَا)؛ أي: الغِرَاسُ وَالأرْضُ (لَهُمَا)؛ لأِنَّ ذلِكَ طَرِيقٌ إلى تَحْصِيلِ مالِيَّةِ كلِّ واحِدٍ منهما، ولا بُدَّ وأنْ يَكونَ البَيعُ باتِّفاقِهما، ويُدفَعُ إلى كلِّ واحِدٍ قَدْرُ حَقِّه، فيُقالُ: كَمْ قِيمةُ الأرض فارِغةً؟ فيُقالُ: عَشَرةٌ، ومَشْغُولَةٌ بِخَمْسةَ عَشَرَ، فيكونُ لِلْمُعِيرِ ثُلُثَا الثَّمَن، وللمُسْتَعِيرِ ثُلُثُه.

فإنْ طَلَبَ أحدُهُما البَيعَ؛ أُجْبِرَ الآخَرُ عَلَيهِ في الأصحِّ.

ولِكُلٍّ مِنْهُما بَيعُ ما لَهُ مُنْفَرِدًا لِمَنْ شاءَ، ويَكونُ كهو.

وقيل: لا يَصِحُّ بَيعُ المسْتَعِيرِ لغَيرِ المعِيرِ.

(فَإِنْ أَبَيَا الْبَيْعَ؛ تُرِكَ بِحَالِهِ)؛ أيْ: يَبْقَى فِيهَا مَجَّانًا فِي الأصحِّ حتَّى يتَّفِقا؛ لأِنَّ الحقَّ لهما.

وقال ابنُ حَمْدانَ: يَبِيعُهما الحاكِمُ.

تنبيه: غرسُ المشْتَرِي وبِناؤُه؛ كذلِكَ إذا فُسِخَ البَيعُ بِعَيبٍ، أوْ فَلَسٍ.

وفِيهِ وجْهٌ: لا يأْخُذُه، ولا يَقْلَعُه.

وقِيلَ: إنْ أبَى المفْلِسُ وَالغُرَماءُ القَلْعَ ومُشارَكَتَه بالنَّقْص، وأَبَى دَفْعَ قِيمَتِه؛ رَجَعَ أيْضًا.

(وَلِلْمُعِيرِ التَّصَرُّفُ فِي أَرْضِهِ) وَالاِنْتِفاعُ بها كَيفَ شاءَ، ودُخولُها؛ لأِنَّها ملْكُه، (عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ) والبِناءِ؛ لِإِذْنِه فِيهِما، ولا يَنتَفِعُ بِهِمَا.

(وَلِلْمُسْتَعِيرِ الدُّخُولُ لِلسَّقْيِ، وَالْإِصْلَاحِ، وَأَخْذِ الثَّمَرَةِ)؛ لأِنَّ الإِذْنَ في الشَّيء إذْنٌ فِيما يعودُ بصَلاحه.

ص: 154

واقْتَضَى: أنَّه لَيسَ له الدُّخُولُ لِغَيرِ حاجةٍ؛ كالتَّفَرُّج ونحوِه، وصرَّح

(1)

به في «الشَّرح» .

(وَلَمْ يَذْكُرْ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِ أُجْرَةً مِنْ حِينِ الرُّجُوعِ)؛ لأِنَّ بقاءَ الغِراس

(2)

والبِناء بحُكْم العارِيَة، فَوَجَبَ

(3)

كَونُه بلا أُجْرَةٍ؛ كالخَشَب على الحائط، (وَذَكَرُوا)؛ أي: الأكثر

(4)

: (عَلَيْهِ أُجْرَةً فِي الزَّرْعِ) من

(5)

رُجوعِه؛ لأِنَّ مُقْتَضَى رُجوعِ المعِيرِ: مَنْعُ المسْتَعِير مِنَ الاِنْتِفاع ضَرُورة بطلان الإذْنِ المبِيحِ لذلِكَ، فوَجَبَ بقاؤه بأُجْرةِ مِثلِه؛ جَمْعًا بَينَ الحَقَّينِ، (فَيُخَرَّجُ فِيهِمَا وَفِي سَائِرِ الْمَسَائِلِ)؛ أيْ: في كلِّ مَوضِعٍ يُشْبِهُها (وَجْهَانِ)؛ لاِسْتِوائِهِما في الرُّجوع الموجِبِ لذلكَ.

فخرَّج بعضُهم من الزَّرع إلى الشَّجَر والبِناء، وعَكَسَ آخَرونَ.

وقِيلَ: يُجزِئُ في كلِّ ما اسْتُعِيرَ، وجَزَمَ به في «التَّبصِرة» في مسْأَلةِ السفينة.

واخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ فِيما سِوَى أرْضٍ للدَّفْن؛ لأِنَّ الأصلَ جوازُ الرُّجوع، وإنَّما مُنِعَ من القَلْع؛ لِمَا فيه من الضَّرَر، ففي دَفْع الأُجْرة جَمْعٌ بَينَ الحَقَّينِ.

والثَّانِي: لا يَجِبُ في شَيءٍ من المواضِع؛ لأِنَّ حُكمَ العارِيةِ باقٍ فِيهِ؛ لكَونِها صارتْ لازِمةً؛ للضَّرَر اللاَّحِق بِفَسْخها، والإعارةُ تَقْتَضِي الاِنْتِفاعَ بغَيرِ عِوَضٍ.

(1)

في (ظ): صرح.

(2)

في (ق): المغرس.

(3)

في (ق): يوجب.

(4)

في (ح): أكثر الأصحاب.

(5)

في (ح) و (ق): في.

ص: 155

(وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى بَعْدَ الرُّجُوعِ، أَوْ بَعْدَ الْوَقْتِ؛ فَهُوَ غَاصِبٌ)؛ لأِنَّه تَصرُّفٌ بغَيرِ إذْن المالِكِ، وعِبارةُ «الوجيز»: وفِعْلُه بَعْدَ المنْعِ أو المدَّة غَصْبٌ، وهي أعمُّ، (يَأْتِي حُكْمُهُ) في الغَصْبِ.

مسألةٌ: اسْتَعارَ دابَّةً إلى مَوضِعٍ فجاوَزَه؛ فقد تَعَدَّى، وعليه أجْرُ المثْلِ للزَّائد خاصَّةً.

فإنْ قال مالِكُها: أَعَرْتُكَها إلى فَرْسَخٍ، فقال: إلى فَرسَخَينِ؛ قُدِّمَ قَولُ المالِكَ.

(وَإِنْ حَمَلَ السَّيْلُ بَذْرًا إِلَى أَرْضٍ فَنَبَتَ فِيهَا؛ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ)؛ لأِنَّه نَماء ملْكِه، ولا يُجْبَرُ على قَلْعِه، فإنْ أَحَبَّ قَلْعَه فله ذلِكَ، وعَلَيهِ تَسْويةُ الحُفر وما نَقَصَت؛ لأِنَّه أدْخَلَ النَّقْصَ على ملْكِ غَيرِه لاِسْتِصْلاح ملكِه (مُبَقًّى إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو الأَوْلَى؛ لأِنَّ إلْزامَه تَبْقِيَةَ زَرْعِ ما أُذِنَ فِيهِ في أرْضِه بغَيرِ أُجْرةٍ إضْرارٌ به، فَوَجَبَ عَلَيهِ أجْرُ المِثْل، كما لو انْقَضَتْ مُدَّةُ الإجارةِ وفِيها زَرْعٌ لم يُفرِّطْ في زَرْعِه.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا أُجْرَةَ

(1)

لَهُ)؛ لأِنَّه حَصَلَ فِيهَا بغَيرِ تَفْريطه، أشْبهَ بيتوتَةَ الدَّابَّة في ملْكِ غَيرِه بغَير تَفْريطِه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَخْذَهُ بِقِيمَتِهِ)؛ كزَرْعِ الغاصِبِ، فَقِيلَ: بَذْرًا، وقِيلَ: بقِيمتِه إذَنْ.

ورُدَّ: بأنَّه حَصَلَ فِيهَا بغَيرِ عُدْوانٍ، وقد أمْكَنَ جَبْرُ حقِّ المالِكِ بدَفْع الأجْرِ إلَيهِ.

والسَّاقِطُ لِربِّ الأرض إذا نَبَتَ فِيها، سَواءٌ كان مالِكًا، أوْ مُسْتَعِيرًا، أوْ مُسْتَأْجِرًا، وقِيلَ: له حُكْمُ العارِيةِ، وفي أُجْرَتِها وجْهانِ.

(1)

قوله: (لا أجرة) في (ح): لأجرة.

ص: 156

(وَإِنْ حَمَلَ غَرْسَ رَجُلٍ)، أوْ نَواهُ، أوْ لَوزًا، (فَنَبَتَ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ)؛ فهو لصاحِبِه؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِه؛ كالزَّرْعِ، لكِنْ (هَلْ يَكُونُ كَغَرْسِ الشَّفِيعِ)، قَدَّمه في «الفروع» وغَيره؛ لأِنَّه سَاواهُ في عَدَمِ التَّعدِّي، قال ابنُ المنَجَّى: وفي التَّشْبِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّه يُوهِمُ أنَّ الغَرْسَ ملْكُ الشَّفيعِ ولَيسَ كذلِكَ، بل الشَّفِيعُ إذا أَخَذَ بالشُّفْعة، وكان المشْتَرِي قد غَرَسَ؛ لا يَمْلِكُ الشَّفِيعُ قَلْعَ الغَرْسِ من غَيرِ ضَمانِ النَّقْصِ، والأَوْلَى أنْ يُقالَ: كغَرْسِ المشْتَرِي لِمَا فِيهِ شُفْعةٌ.

(أَوْ كَغَرْسِ الْغَاصِبِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه سَاوَاهُ فِي عَدَمِ الْإِذْنِ، (عَلَى وَجْهَيْنِ).

والفَرْقُ بَينَ الغِراسَينِ: أنَّ قَلْعَ الثَّاني مَجَّانًا مُسْتَحَقٌّ، بخلافِ غَرْسِ الشَّفِيعِ.

فَرْعٌ: لو حَمَلَ السَّيلُ أرْضًا بشَجَرِها، فنَبَتَ في أرْضِ آخَرَ كما كانَتْ؛ فهِيَ لِمالِكِها، يُجْبَرُ على إزالَتِها.

وفي كلِّ ذلِكَ: لو تَرَكَ صاحِبُ الأرض المنْتَقِلَةِ، أو الشَّجَرِ، أو الزَّرْع لِصاحِبِ الأرض المنتقَلِ إلَيها؛ لم يَلزَمْه نَقْلُه، ولا أُجْرةَ؛ لأِنَّه حَصَلَ بغَير تَفْرِيطِه، ولا عُدْوانِه، وكانَت الخِيَرةُ لصاحِبِ الأرض المشْغُولةِ به؛ إنْ شاء أخَذَه، وإنْ شاءَ قَلَعَه، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

ص: 157

(فَصْلٌ)

(وَحُكْمُ الْمُسْتَعِيرِ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ؛ حُكْمُ الْمُسْتَأْجِرِ)؛ لأِنَّه مَلَكَ التَّصرُّفَ بإذْنِ المالِكِ، أشْبَهَ المسْتَأْجِر.

فَعَلَى هذا: إنْ أعارَهُ للغَرْس أو البِناء؛ فله أنْ يَزْرَعَ ما شاء، ولا عَكْسَ، وإنْ أذِنَ له في زرعٍ مرةً؛ لم يَمْلِكْ أُخْرَى، وله اسْتِيفاءُ المنْفَعةِ بنَفْسِه وبوَكِيلِه؛ لأِنَّه نائِبٌ عَنْهُ.

(وَالْعَارِيَّةُ) المقْبوضَةُ؛ (مَضْمُونَةٌ)، نَصَّ عَلَيْهِ

(1)

، رُوِيَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ وأبِي هُرَيرةَ

(2)

؛ لِمَا رَوَى الحَسَنُ عن سَمُرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وعلى اليَدِ ما أَخَذَتْ حتَّى تُؤَدِّيَه» رواهُ الخَمسةُ، وصحَّحَ الحاكِمُ إسْنادَهُ

(3)

، وعن

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 453، مسائل ابن منصور 6/ 2709، مسائل عبد الله ص 308.

(2)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (14792)، وابن أبي شيبة (20544)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 300)، وأبو بكر الشافعي في الزيادات على المزني (294)، والبيهقي في الكبرى (11484)، عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«العارية تضمن إن اتبعها صاحبها» ، وفي لفظ: سألت ابن عباس: أُضمِّن العارية؟ فقال: «نعم إن شاء أهلها» ، وإسناده صحيح.

وأثر أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (14792)، وابن أبي شيبة (20561)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 300)، وأبو بكر الشافعي في الزيادات على المزني (294)، والبيهقي في الكبرى (11485)، عن عمرو بن دينار، عن عبد الرحمن بن السائب - وقيل: السائبة -: أن رجلاً استعار بعيرًا من رجل فعطب، فأتى به مروان بن الحكم، فأرسل مروان إلى أبي هريرة فسأله، فقال:«يضمن» ، وعبد الرحمن بن السائب مجهول، لم يرو عنه سوى عمرو بن دينار.

(3)

أخرجه أحمد (20086)، وأبو داود (3561)، والترمذي (1266)، والنسائي في الكبرى (5751)، وابن ماجه (2400)، والحاكم (2302)، واختلف في سماع الحسن من سمرة، قال بعدم سماعه منه مطلقًا: يحيى القطان وابن معين، ورجح سماعه منه مطلقًا: ابن المديني والبخاري، وقال النسائي: لم يسمع إلا حديث العقيقة، وأعلَّ ابن حزم هذا الحديث بهذا، وكذا الألباني، وبأن الحسن مدلس ولم يصرح بالسماع، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم. ينظر: الإرواء 5/ 349.

ص: 158

صَفْوانَ: أنَّه عليه السلام اسْتَعارَ منه يَومَ حُنَينٍ أدْراعًا، فقال: أغَصْبًا يا محمَّدُ؟ قال: «بَلْ عارِيةٌ مَضْمونَةٌ» رواه أحمدُ وأبو داودَ

(1)

، ولأنَّه أَخَذَ ملْكَ غَيرِه لِنَفْع نَفْسه، منفرِدًا بنَفْعِه من غَيرِ اسْتِحْقاقٍ ولا إذْنٍ في إتْلافٍ، فكان مضمونًا كالغَصْب، وقاسَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» على المقْبوض على وَجْه السَّوم، قالَ في «الفُروع»: فدلَّ على رِوايةٍ مُخرَّجةٍ، وهو مُتَّجِهٌ.

وذَكَرَ الحارِثِيُّ: لا يَضمَنُ، وذَكَرَه الشَّيخ تقيُّ الدِّين عن بعض أصحابنا، واختاره صاحبُ «الهَدْي» فيه

(2)

؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا قال:«لَيسَ على المسْتَعِيرِ ضَمانٌ»

(3)

، ولأِنَّه قَبَضَها بإِذْنِ مالِكِها؛ فكانَتْ أمانَةً.

ورُدَّ: بأنَّه يَرْوِيهِ عمرُو بن عبد الجبَّار، عن عُبَيد

(4)

بن حسَّان، وهما ضعيفانِ، قاله الدَّارَقُطْنِيُّ، مع أنَّه يَحتمِل أنَّه أراد ضمانَ المنافع والأجر.

وعلى المذهب: لا فَرْقَ بَينَ أن يتعدَّى فيها أو لا، ويُستَثْنَى منه: ما إذا تَلِفَتْ في يدِ مُسْتَعِيرٍ من مُسْتأْجِرها، أو يكون المعارُ وقْفًا؛ ككتب العلم ونحوها، فلا يَضمَن فيهما إذا لم يفرِّط.

(بِقِيمَتِهَا)؛ لأِنَّها بَدَلٌ عنها في الإتْلاف، فوجب عند تَلَفِها؛ كالإتْلاف، وإذا قلنا بضَمان الأجزاء التَّالِفة بالاِنْتِفاع؛ فإنَّه يَضْمَنُها بقِيمتِها قَبلَ تَلَف

(1)

سبق تخريجه 6/ 149 حاشية (2).

(2)

ينظر: الفروع 7/ 204، زاد المعاد 3/ 422.

(3)

أخرجه الدارقطني (2961)، وقال:(عمرو وعبيدة ضعيفان، وإنما يُروى عن شريح القاضي غير مرفوع)، وكذا ضعفه أيضًا البيهقي وابن عبد الهادي، وقول شريح أخرجه عبد الرزاق (14782)، والدارقطني (2961). ينظر: المعرفة 8/ 300، تنقيح التحقيق 4/ 159.

(4)

هكذا في النسخ الخطية، وصوابه:(عبيدة) كما في المصادر.

ص: 159

أجزائها إن كانت قيمتُها أكثرَ، وإن كانت مِثْلِيَّةً؛ ضَمِنَها بمِثْلها، (يَوْمَ تَلَفِهَا

(1)

؛ لأِنَّه حِينَئِذٍ يتحقَّق فواتُ العارِية، فوَجَبَ اعْتِبارُ الضَّمان به.

(وَإِنْ شَرَطَ نَفْيَ ضَمَانِهَا)؛ أيْ: لم يَسقُطْ؛ لأِنَّ كلَّ عَقْدٍ اقْتَضَى الضَّمانَ؛ لم يُغَيِّرْه الشَّرْطُ؛ كالمقْبوض بِبَيْعٍ، (وَكُلُّ مَا كَانَ أَمَانَةً)؛ كالوَدِيعَة؛ (لَا يَصِيرُ مَضْمُونًا بِشَرْطِهِ، وَمَا كَانَ مَضْمُونًا؛ لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهُ بِشَرْطِهِ)؛ لأِنَّ العَقْدَ إذا اقْتَضَى شَيئًا فَشُرِط غَيرُه؛ يكون شَرْطًا لشَيءٍ يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد؛ فلم يَصِحَّ، كما لو شَرَطَ في المبِيعِ أنْ لا يَبِيعَهُ.

(وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ ذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الضَّمَانِ بِشَرْطِهِ)، قال أبو الخَطَّاب: أَوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ، واخْتارَهُ أبو حَفْصٍ والشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

؛ لأِنَّه لو أَذِنَ في إتْلافها؛ لم يَجِبْ ضَمانُها، فكذا إذا أسقط

(3)

عنه ضَمانَها.

وعنه: إن لم يَشْرِطْ نَفْيَه، جزم به في «التَّبصرة» .

(وَإِنْ تَلِفَتْ أَجْزَاؤُهَا بِالاِسْتِعْمَالِ)؛ أيْ: بانتفاعٍ بمعروف

(4)

؛ (كَخَمْلِ الْمِنْشَفَةِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: لا يَضْمَنُ؛ لأِنَّ الإذْنَ في الاِستِعْمال تضمَّنَ

(5)

الإذْنَ في الإتْلاف، وما أُذِنَ في إتْلافه؛ لا يُضْمَنُ كالمنافِعِ.

والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّها أجزاءٌ مضمونَةٌ لو تَلِفَت العَينُ قَبْلَ استِعمالها؛ فَوَجَبَ أنْ يضمن بتَلَفِها بالاستعمال؛ كسائر الأجْزاء.

(1)

في (ح): التلف.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 204، الاختيارات ص 231.

(3)

في (ظ): سقط.

(4)

في (ح): معروف.

(5)

في (ظ): يضمن.

ص: 160

ورُدَّ: بالفَرْق، فإنَّها لا تتميَّز من العين.

ومقتضى

(1)

ذلك: أنَّه إذا تَلِفَ شَيءٌ من أجزائها الَّذي لا يَذهَبُ بالاستعمال؛ أنَّه يَضْمَنُه؛ لأِنَّ ما ضُمِنَت جُملتُه؛ ضُمِنَت أجزاؤه كالمغصوب، وكذا لو تَلِفَ جزؤها باستعمالٍ غيرِ مأْذونٍ فيه؛ كاستعارةِ ثَوبٍ في لُبْسٍ

(2)

، فحَمَلَ فيه تُرابًا؛ لأِنَّه تَلِفَ بتَعدِّيهِ. أمَّا ما تَلِفَ بطُولِ الزَّمان؛ فهو كالذي تَلِفَ بالاِستِعْمال؛ لأِنَّه تَلِفَ بالإمساك المأْذُون فيه، أشْبَهَ تَلَفَه بالفِعْل المأْذونِ فيه.

تنبيهٌ: الخِلافُ جارٍ في وَلَدِ العارِيَة، وزيادتها، والأصحُّ: أنَّه لا يُضمَنُ؛ لأِنَّه لم يَدخُلْ فيها، ولا فائدةَ للمُسْتَعِيرِ فيه، وكذا يَجْرِي في وَلَدِ مُؤْجَرةٍ وودِيعةٍ.

ويُصدَّقُ المسْتَعِيرُ في عَدَم التَّعدِّي حَيثُ لا بَيِّنةَ.

(وَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ)؛ لأِنَّها إباحةُ المنْفَعَة، فلَمْ يَجُزْ أنْ يُبِيحَها غَيرَه؛ كإباحَةِ الطَّعامِ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وليس بظاهِرٍ على القَولِ بأنَّها هِبَةُ منْفَعةٍ، بَلِ الاِنْتِفاعُ بها مُسْتَفادٌ بالإذْن، لا بطَريقِ المعاوَضَة، وهو يَختَلِفُ.

وقِيلَ: له ذلِكَ؛ لأِنَّه يُمَلِّكُه على حَسَبَ ما مَلَكه

(3)

، فَجَازَ؛ كإِيجَارِ المسْتَأْجِر، قال في «الشَّرح» وحَكاهُ صاحِبُ «المحرَّر» قَولاً لأِحْمَدَ، قال: ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مذْهَبًا لأِحْمدَ في العارِيَة المؤقَّتَةِ؛ بِناءً على أنَّه

(4)

إذا أعارَهُ أرْضَه سَنَةً لِيَبْنِيَ فِيهَا؛ لم يَحِلَّ له الرُّجوعُ قَبْلَ السَّنَةِ؛ لأِنَّه قَدَّرَ المنفَعَة كالمسْتَأْجِرِ.

(1)

في (ح): ويقتضي.

(2)

في (ب): ليس.

(3)

في (ح) و (ق): ما يملكه.

(4)

في (ح) و (ق): كونه.

ص: 161

وأطْلَقَ في «الفُروعِ» الخِلافَ، أصْلُهما: هَلْ هِيَ هِبَةُ مَنفَعَةٍ، أوْ إباحةٌ؟

ويَتَوجَّهُ عَلَيهِما: تعلِيقُها بشَرْطٍ، وفي «المنتخب»: يَصِحُّ، قال في «التَّرغيب»: يَكْفِي ما دلَّ على الرِّضا مِنْ

(1)

قَولٍ أوْ فِعْلٍ.

(فَإِنْ فَعَلَ)؛ فَلِمالِكها الرُّجوعُ بأُجْرةِ مِثْلِها على مَنْ شاءَ مِنْهما؛ لأِنَّ الأوَّلَ سلَّط غَيرَه على أخْذِ مالِ غَيرِه بِغَيرِ إذْنِه، والثَّانِي اسْتَوْفاهُ بغَيرِ إذْنِه، فإنْ ضَمَّنَ الأوَّلَ؛ رَجَعَ على الثَّاني؛ لأِنَّ الاِسْتِيفاءَ حَصَلَ مِنْه، وإنْ ضَمَّنَ الثَّانِيَ؛ لم يَرجِعْ على الأوَّلِ إلاَّ أنْ لا

(2)

يَعلَمَ بالحالِ.

(فَتَلِفَ

(3)

عِنْدَ الثَّانِي، فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ)؛ لِتَعَدِّي كلٍّ مِنْهُما، (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الثَّانِي) إذا كانَ عالِمًا بالحالِ؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه، وإلاَّ ضَمِنَ العَينَ دُونَ المنْفَعَةِ، ويَسْتَقِرُّ ضَمانُ المنْفَعَة على الأوَّلِ.

(وَعَلَى الْمُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّ الْعَارِيَةِ)؛ لِمَا تَقَدَّم مِنْ قَولِه: «على اليَدِ ما أَخَذَتْ حتَّى تُؤدِّيَه»

(4)

، وإذا كانَتْ واجِبةَ الرَّدِّ؛ وَجَبَ أنْ تَكونَ مُؤْنَةُ الرَّدِّ على مَنْ يَجِبُ عَلَيهِ الرَّدُّ، ومُؤْنَةُ عَينِها على المعِيرِ، قالَهُ في «شرح الهداية» ، و «الرِّعاية» .

وذَكَرَ الحُلْوانِيُّ: أنَّ نَفَقتَها على المسْتَعِير، وإلَيهِ مَيْلُ الشَّيخِ تقيِّ الدِّين؛ وقال: لا أَعْرِف فِيهَا نَقْلاً، وخرَّجَها على الخِلاف في نَفَقَةِ الجارِيةِ الموصَى بِنَفْعِها فَقَطْ

(5)

، وحِينَئِذٍ يَجِبُ ردُّها إلى المعِيرِ أو وكِيلِه في قَبضِها.

(فَإِنْ رَدَّ الدَّابَّةَ إِلَى إِصْطَبْلِ الْمَالِكِ، أَوْ غُلَامِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ مِنَ الضَّمَانِ

(6)

؛

(1)

في (ق): في.

(2)

قوله: (لا) سقط من (ق).

(3)

في (ح): فتلفت.

(4)

سبق تخريجه 6/ 158 حاشية (3).

(5)

ينظر: الاختيارات ص 231.

(6)

قوله: (من الضمان) سقط من (ق).

ص: 162

لأِنَّه لم يَرُدَّها إلى مالِكِها، ولا نائِبِه فِيهَا، فلم يَبْرَأْ كالأجْنَبِيِّ.

واخْتارَ ابْنُ حَمْدانَ: أنَّه يَبْرأُ بِرَدِّها إلى غُلامِه.

(إِلاَّ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى مَنْ جَرَتِ الْعَادَةُ

(1)

بِجَرَيَانِ ذَلِكَ عَلَى يَدِهِ؛ كَالسَّائِسِ)؛ لأِنَّه مَأْذُونٌ فِيهِ عُرْفًا، أشْبَهَ صريحَ الإذْنِ، وخالَفَ الحُلْوانِيُّ فِيهِ؛ كالغُلام، (وَنَحْوِهِ)؛ كزَوجَتِه، وخازِنٍ، ووكِيلٍ عامٍّ في قَبْضِ حُقوقِه، قاله في «المجرد» .

مسألةٌ: إذا قال: ما أَرْكَبُها إلاَّ بأُجْرةٍ، فقال ربُّها: ما آخُذُ لها أُجْرةً، ولا عَقْدَ بَينَهما؛ فعارِيةٌ.

ولو أَرْكَبَ دابَّتَه مُنقَطِعًا؛ لم يَضمَنْ في الأَشْهَرِ، وكذا رَدِيفٌ، وقيل: يَضمَنُ نِصْفَ القِيمة.

ولو سَلَّمَ شَرِيكٌ شَريكَه الدَّابَّةَ، فتَلِفَتْ بلا تَفْريطٍ ولا تَعَدٍّ؛ لم يَضْمَنْ، فإنْ ساقَها فَوقَ العادة؛ ضَمِنَ، قالَهُ شَيخُنَا

(2)

.

ويتوجَّه: كعاريةٍ إنْ كان عاريةً، وإلاَّ لم يَضْمَنْ، ذَكَرَه في «الفروع» .

فَعَلَيهِ: إنْ سلَّمها إلَيهِ لِيَعْلِفَها، ويَقُومَ بِمصْلَحتِها ونحوِه؛ لم يَضْمَنْ، وإنْ سلَّمها إلَيهِ لِرُكوبِها لمصالِحِه، وقَضاءِ حوائِجِه عَلَيهَا؛ فَعارِيَةٌ.

(1)

في (ح): عادته.

(2)

أي: تقي الدين ابن تيمية. ينظر: الفروع 7/ 208.

ص: 163

(فَصْلٌ)

(إِذَا اخْتَلَفَا، فَقَالَ: أَجَرْتُكَ، قَالَ: بَلْ أَعَرْتَنِي، عَقِبَ الْعَقْدِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاكِبِ) مع يَمِينِه؛ لأِنَّ الأصْلَ عَدَمُ عَقْدِ الإجارَةِ، وحِينَئِذٍ: تُرَدُّ العَينُ إلى مالِكِها إنْ كانَتْ باقِيةً؛ لأِنَّ الأَصْلَ براءةُ ذِمَّته مِنْهَا، فَلَوْ عَكَسَ في الدَّعْوَى؛ قُدِّمَ قَولُ المالِكِ.

(وَإِنْ كَانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لَهَا أُجْرَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) مع يَمِينِه؛ لأِنَّهما اخْتَلَفا في كَيفيَّة انْتِقالِ المنافِعِ إلى ملْكِ الرَّاكِب، فقُدِّمَ قَولُ المالِكِ، كما لو اخْتَلَفا في عَينٍ، فادَّعَى المالِكُ بَيعَها، والآخَرُ هِبَتَها؛ إذِ المنافِعُ تَجرِي مَجْرَى الأعْيان.

وقِيلَ: يُقَدَّمُ قَولُ الرَّاكِبِ؛ لأِنَّهما اتَّفَقا على تَلَفِ المنافِع على ملْكِ الرَّاكِبِ، وادَّعى المالِكُ عِوَضًا لها، والأصلُ عَدَمُ وُجوبِه، وبراءةُ ذِمَّتِه منْهُ.

وعلى الأوَّل: إذا حَلَفَ المالِكُ؛ اسْتَحَقَّ الأُجْرةَ (فِيمَا مَضَى مِنَ الْمُدَّةِ، دُونَ مَا بَقِيَ مِنْهَا)، فإنَّه يُقدَّمُ قَولُ المسْتَعِيرِ فِيها؛ لأِنَّه بمَنزِلةِ ما لَو اخْتَلَفا عَقِبَ العَقْد.

(وَهَلْ يَسْتَحِقُّ أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَوِ الْمُدَّعَى إِنْ زَادَ عَلَيْهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

الأَصَحُّ: أنَّه يَسْتَحِقُّ أُجْرةَ المِثْل؛ لأِنَّهما لو اتَّفَقَا على وُجوبِه، واخْتَلَفا في قَدْره؛ وَجَبَ أجْرُ المِثْلِ، فَمَعَ الاِخْتِلافِ في أصْلِه أَوْلَى.

والثَّانِي: يَسْتَحِقُّ المسمَّى إنْ زاد على أجْرِ المِثْل؛ لأِنَّه وَجَبَ بقَولِ المالِكِ ويَمينِه، فَوَجَبَ ما حَلَفَ عَلَيهِ؛ كالأصْلِ، ولم يُقيِّدْه في «الشَّرح» ولا غَيرِه بالزِّيادة عَلَيها.

وقِيلَ: يَسْتَحِقُّ أقَلَّهما، وهو اخْتِيارُ المجْدِ؛ لأِنَّه إنْ كان المسمَّى؛ فقد

ص: 164

رَضِيَ به، وإنْ كان أكْثَرَ؛ فَلَيسَ له إلاَّ أجر

(1)

المِثْلِ؛ لأِنَّ الإجارةَ لم تَثْبُت.

ومِثلُه لو ادَّعى أنَّه زَرَعَها عاريةً، وقال رَبُّها: إجارةً، ذَكَرَه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(2)

.

(وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتُكَ، قَالَ: بَلْ آجَرْتَنِي، وَالْبَهِيمَةُ تَالِفَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ) إذا كان مَضَى مدَّةٌ لها أُجْرةٌ، سَواءٌ ادَّعَى الإجارَةَ أو الإعارَةَ؛ لأِنَّه إنِ ادَّعَى الإجارَةَ، فهو مُعْتَرِفٌ للرَّاكِب بِبَراءَةِ ذِمَّته مِنْ ضَمانِها؛ فقُبلَ على نفْسِه، وإن ادَّعَى الإعارَةَ؛ فهو يَدَّعِي قِيمتَها، والقَولُ قَولُه؛ لأِنَّهما اخْتَلَفا في صِفَةِ القَبْضِ، والأصلُ فِيمَا يَقْبِضُه الإنسانُ من مالِ غَيرِه الضَّمانُ؛ لِلأْثَر

(3)

.

ويُقْبَل قَولُ الرَّاكِبِ في قِيمَتِها.

وإن كان بَعْد مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجْرَةٌ، والأَجْرُ بِقَدْر قِيمَتِها؛ فالقول

(4)

قَولُ المالِكِ بغَيرِ يَمِينٍ في الأصحِّ، وإنْ كان ما يَدَّعِيهِ المالِكُ أكْثَرَ؛ فالقَولُ قَولُه، فإذا حَلَفَ اسْتَحَقَّ ما حَلَفَ عَلَيهِ.

(وَإِنْ قَالَ: أَعَرْتَنِي، أَوْ آجَرْتَنِي، قَالَ: بَلْ غَصَبْتَنِي؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ)؛ كما لو

(5)

اخْتَلَفَا في رَدِّها.

(وَقِيلَ: قَوْلُ الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّ المالِكَ يَدَّعِي عَلَيهِ عِوَضًا، الأصلُ براءةُ ذِمَّته مِنْهُ، ولأِنَّ الظَّاهِرَ في اليَدِ: أنَّها بحقٍّ، فقُبِلَ قَولُه.

وفي «الشَّرح» : أنَّ الدَّابَّةَ إذا كانَتْ قائمةً لم تَنقُصْ؛ فلا مَعْنَى لِلاِخْتِلاف، ويَأخُذُ المالِكُ دابَّتَه، وكذا إنْ كانَتْ تالِفةً، فادَّعى الرَّاكِبُ العارِيةَ؛ لأِنَّ القِيمةَ

(1)

قوله: (إلا أجر) في (ح): الأجر.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 249.

(3)

وهو حديث: «عَلَى الْيَدِ مَا أخَذَتْ حَتَّى تُؤدِّيَه» ، وتقدم تخريجه 6/ 158 حاشية (3).

(4)

في (ظ): والقول.

(5)

قوله: (لو) سقط من (ح).

ص: 165

تَجِبُ على المسْتَعِيرِ كوُجوبِها على الغاصِبِ، وإنْ كانَ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةٍ لها أُجرةٌ؛ فالاِخْتِلافُ في وُجوبِه، والقَولُ قَولُ المالِكِ.

فَرْعٌ: إذا قال: أوْدَعْتَنِي، قال: بَلْ غَصَبْتَنِي؛ فوَجْهانِ. وإنْ قالَ: أوْدَعْتُكَ، قال: بَلْ أَعَرْتَنِي؛ صُدِّقَ المالِكُ إنْ حَلَفَ، وعَلَيْهِ أُجْرَةُ ما انْتَفَعَ به.

ص: 166

(كِتَابُ الْغَصْبِ)

(1)

هو مَصْدَرُ: غَصَبَ الشَّيءَ يَغْصِبُه - بكَسْر الصَّاد - غَصْبًا، واغْتَصَبَه يَغْتَصِبُه اغْتِصابًا، والشَّيءُ مَغْصُوبٌ وغَصْبٌ.

وهُوَ في اللُّغة: أَخْذُ الشَّيءِ ظُلْمًا، قالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وابْنُ سِيدَهْ

(2)

.

وفي الشَّرع: قال المؤلِّفُ تَبَعًا لأِبِي الخَطَّاب: (وَهُوَ الاِسْتِيلَاءُ عَلَى مَالِ الْغَيْرِ قَهْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ).

ف «قَهْرًا» زِيادةٌ في الحدِّ؛ لأِنَّ الاِسْتِيلاءَ يَدُلُّ عَلَيهِ، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّه لا يَسْتَلْزِمُه، مع أنَّه يَخرُجُ بِقَيدِ القَهْر: المال المسْروقُ، والمنْتَهَبُ، والمخْتَلَسُ.

و «بغَيرِ حَقٍّ» يَخرُجُ: اسْتِيلاءُ الوَلِيِّ على مالِ الصَّغيرِ، والحاكِمِ على مالِ المفْلس.

وكذا في «المغْنِي» ، وأسْقَطَ لَفْظَةَ «قَهْرًا» .

وليس بجامِعٍ؛ لِخُروجِ ما عَدَا ذلِكَ من الحقوق؛ كالكَلْب، وخَمْر الذِّمِّيِّ، والسِّرْجِينِ، فإنَّها قابِلةٌ للغَصْب، ولَيسَتْ بِمالٍ.

وفِيهِ تعريفُ «غَير» باللاَّم، والأَشْهَرُ إسْقاطُها فِيهَا.

وأحْسَنُها: الاِسْتِيلاءُ على حقِّ غَيرِه قَهْرًا ظُلْمًا.

وهو محرَّمٌ بالإجْماع

(3)

، وسَنَدُه قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البَقَرَة: 188]، وقَولُه عليه السلام:«فإنَّ دِماءَكم، وأمْوالَكم، وأعْراضَكم؛ عَلَيكُم حرامٌ»

(4)

، وقَولُه عليه السلام:«لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ عن طِيبِ نَفْسِه»

(1)

في (ح): هي.

(2)

ينظر: الصحاح 1/ 194، المحكم 5/ 425.

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 131، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 326.

(4)

أخرجه البخاري (105)، ومسلم (1679)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

ص: 167

رواه ابنُ ماجَهْ والدَّارَقُطْنيُّ

(1)

.

(وَتُضْمَنُ أُمُّ الْوَلَدِ) بالغَصْب، في قَولِ جماهيرِ العُلَماء؛ لأِنَّها تَجْرِي مَجْرَى المالِ، بدليلِ أنَّها تُضْمَنُ بالقِيمة في الإتْلافِ؛ لِكَونِها مَمْلوكةً كالمدبرة

(2)

، بخلافِ الحُرَّة، فإنَّها لَيسَتْ مملوكةً، فلا تُضْمَنُ بالقِيمة، لكِنْ لا تَثْبُتُ يَدٌ على بُضْعٍ، فيَصِحُّ تَزْوِيجُها، ولا يُضمَنُ نَفْعُه.

(وَالْعَقَارُ)، بفَتْحِ العَينِ: الضَّيعَةُ، والنَّخْلُ، والأرضُ، قالَهُ أبُو السَّعاداتِ

(3)

، (بِالْغَصْبِ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، لِمَا رَوَى سعيدُ بن زَيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنِ اقْتَطَعَ مِنْ الأرْض شِبْرًا ظُلْمًا؛ طُوِّقه

(4)

يَومَ القِيامَةِ مِنْ سَبْعِ أرضين» متَّفقٌ عَلَيهِ

(5)

، ولأِنَّ ما يُضمَنُ في الإتْلاف يَجِبُ أنْ يُضْمَنَ في الغَصْب؛ كالمنْقُول.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَقَارَ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ)، رَوَى عنه ابنُ مَنْصورٍ فِيمَنْ غَصَبَ أرْضًا فَزَرَعَها، ثُمَّ أصابَها غَرَقٌ من الغاصِب: غَرِمَ قِيمةَ الأرض،

(1)

هذا الحديث روي عن جماعة من الصحابة، ولم نقف على الحديث عند ابن ماجه، وأخرجه الدارقطني (2885)، من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعًا، وفي سنده عبد الله بن شبيب وهو ضعيف جدًّا، قال ابن عبد الهادي:(إسناده واهٍ).

وأخرجه أحمد (15488)، والدارقطني (2884)، والبيهقي في الكبرى (11525)، من حديث عمرو بن يثربي رضي الله عنه، وفي سنده: عمارة بن حارثة الضمري، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الإشبيلي:(ليس بمشهور بالرواية فيما أعلم)، وقال الألباني:(هو عندي في زمرة المجهولين الذين يتفرد بتوثيقهم ابن حبان)، وقال الزيلعي:(إسناده جيد)، وله شاهد من حديث عم أبي حرة الرقاشي عند أحمد (20695)، والبيهقي في الكبرى (11545)، بسند ضعيف، وسبق تخريجه 5/ 11 حاشية (2)، وله طرق أخرى تقويه، وصححه الألباني. ينظر: الأحكام الوسطى 4/ 7، تنقيح التحقيق 4/ 123، نصب الراية 4/ 169، التلخيص الحبير 3/ 112، الإرواء 5/ 280.

(2)

في (ح): كامرأة.

(3)

ينظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 274.

(4)

في (ح): طوِّق به.

(5)

أخرجه البخاري (2452)، ومسلم (1610).

ص: 168

وإنْ كان سَبَبًا من السَّماء لم يكُنْ عليه شَيءٌ

(1)

، فظاهِرُ هذا: أنَّها لا تُضمَنُ بالغَصْب؛ لأِنَّه لا يُوجَدُ فيها النَّقْلُ والتَّحْوِيلُ؛ فلم يُضْمَنْ، كما لو حال بَينَه وبَينَ متاعه فتَلِفَ، ولأِنَّ الغَصْبَ إثْباتُ اليَدِ على المال عُدْوانًا على وَجْهٍ تَزُولُ

(2)

به يَدُ المالِكِ، ولا يُمكِنُ ذلِكَ في العَقارِ.

وجَوابُه: بأنَّه يُمكِنُ الاِسْتِيلاءُ عليه على وجْهٍ يَحُولُ بَينَه وبَينَ مالِكِه، مِثْلَ أن يَسْكُنَ دارًا، ويَمْنَعَ مالِكَها من دُخُولِها، أشْبَهَ أخْذَ الدَّابَّةِ والمتاعِ.

وعلى الثَّانية: لو أتْلَفَه ضَمِنَه بالإتْلاف.

مسألةٌ: لو دَخَلَ دارًا قَهْرًا وأخْرجَهُ؛ فغَاصِبٌ، وإنْ أخْرَجَه قَهْرًا ولم يَدخُل، أوْ دَخَلَ مع حُضُورِ ربِّها وقُوَّته؛ فلا، وإن دخل قَهْرًا ولم يُخرِجْه؛ فقد غَصَب ما اسْتَوْلى عَلَيهِ، وقِيلَ: بَلِ النِّصف، وإن لم يُرِد الغَصْب فلا، وإنْ دَخَلَها قَهْرًا في غَيبة ربِّها؛ فغاصِبٌ، ولو كان فِيهَا قُماشُه.

وهل يشترط

(3)

في غَصْبِ ما يُنْقَلُ؛ نَقْلُه؟ فِيهِ وجْهانِ، الأصحُّ: أنَّه لا يُشْتَرَطُ.

(وَإِنْ غَصَبَ كَلْبًا فِيهِ نَفْعٌ)؛ أيْ: يُقْتَنَى، (أَوْ خَمْرَ ذِمِّيٍّ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ)؛ لأِنَّ الكلبَ يجوز الاِنتِفاعُ به واقتناؤه، أشْبَهَ سائرَ الأبدال المنْتَفَع بها.

وفي ردِّه صَيْدَه، أو أُجْرتَه، أو هُما؛ أوْجُهٌ.

وأمَّا الخمرُ؛ فلأنَّ الذِّمِّيَّ يُقَرُّ على شربها؛ لكونها مالاً عِندَه، ومحلُّه: ما إذا كانت مستورةً، قالَهُ في «الرِّعاية» و «الفروع» .

(وَإِنْ أَتْلَفَهُ؛ لَمْ تَلْزَمْهُ

(4)

قِيمَتُهُ)؛ لأِنَّ الكلبَ لَيسَ له عِوَضٌ شَرْعِيٌّ؛ لأِنَّه

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2687.

(2)

في (ظ): يزول.

(3)

في (ح): يشترطا.

(4)

في (ق): لم يلزمه.

ص: 169

لا يَجوزُ بَيعُه.

وفي «الإفصاح» : يَضْمَنُه.

والخمرَ؛ للخبر

(1)

، ولأِنَّ ما حرُمَ بَيعُه لا لِحُرْمَتِه

(2)

؛ لم تَجِب قيمتُه كالميتة.

ولا فَرْقَ في المتْلِفِ بَينَ أنْ يكونَ مُسْلِمًا، أوْ ذِمِّيًّا، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لأِنَّ ما لم يَكُنْ مضمونًا في حقِّ المسلم؛ لا يكون مضمونًا في حقِّ الذِّمِّيِّ؛ كالمرتَدِّ، ولأنَّها غَيرُ متقوِّمةٍ.

وعَنهُ: يَلزَمُه قيمتها.

وقيل: يَغرَمُ قِيمتَها الذِّمِّيُّ دُونَ المسلِم، فَعَلَيهِ: لا يَكونُ حُكْمُ بَقِيَّةِ الكُفَّار كذلِكَ، وإنْ كانوا يعتقدون

(4)

مالِيَّتَها.

وفي «الانتصار» : لا يَرُدُّها، وأنَّه يَلزَمُ إراقَتُها إنْ حُدَّ، وإلاَّ لَزِمَ تَرْكُه.

وعَلَيهِما يُخرَّج تَعْزيرُ مُرِيقِه

(5)

.

وفي «عُيون المسائل» : لا نُسلِّم أنَّهم يُقَرُّونَ على شرْبه واقْتِنائِه؛ لأِنَّ في روايةٍ: يَجِبُ الحَدُّ عَلَيهِم بالشّرْب، ولا يُقَرُّونَ، وإنْ سَلَّمْنا؛ فإنَّا

(6)

لا نَتَعرَّضُ لهم، وأمَّا

(7)

أنْ نُقِرَّهم فلا، ثم

(8)

يَبطُلُ بالمجوس، يُقَرُّون على نِكاحِ

(1)

وهو حديث جابر رضي الله عنه عند البخاري (2236)، ومسلم (1581):«إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة والخنزير والأصنام» .

(2)

في (ق): لا لحرمة.

(3)

ينظر: المغني 5/ 222.

(4)

في (ح): معتقدون.

(5)

في (ق): مرتقيه.

(6)

في (ح): فأما.

(7)

في (ح): فأما.

(8)

قوله: (فلا ثم) في (ظ): فلا نسلم.

ص: 170

المحارِم، ولا يُقْضَى عَلَيهِم بمَهْرٍ، ونَفَقَةٍ، ومِيراثٍ.

وقال هُوَ و «الترغيب» : يَرُدُّ الخَمْرَ المحتَرَمةَ، ويَرُدُّ ما تَخَلَّل بيده، لا ما أُرِيقَ فجَمَعَه آخَرُ؛ لِزوالِ يَدِه.

والأَشْهَرُ: أنَّ لنا خمرًا مُحتَرَمةً، وهي التي عُصِرتْ من

(1)

غَيرِ قَصْدِ الخَمْريَّة، أوْ بقَصْدِ

(2)

الخَلِّيَّة، فهي على الأوَّل مُحترَمةٌ دُونَ الثَّاني، وظاهِرُه: ولو كانت لِمسلِمٍ؛ لأِنَّ اتِّخاذَ الخَلِّ جائزٌ إجْماعًا

(3)

، ولا يَصِيرُ خَلًّا إلاَّ بَعْدَ التَّخمُّرِ، فلو أرَقْناها؛ لتَعذَّر اتِّخاذ

(4)

الخَلِّ.

فَرْعٌ: تَجِبُ

(5)

إراقةُ خَمْرِ المْسلِمِ، ولا غُرْمَ، وإنْ تَخلَّلتْ ردَّها؛ لأِنَّها صارت خَلًّا على حُكْمِ ملْكِه، فإنْ تَلِفَتْ؛ ضمِنَها.

(وَإِنْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ؟ علَى وَجْهَيْنِ)، هما مَبْنِيَّانِ على الرِّوايتَينِ في طَهارتِه بالدِّباغ، والأَشْهَرُ: لا يَرُدُّه مُطْلَقًا، فعَلَيهِ: لو أتْلَفَه، أو أتْلَفَ مَيتَةً بجِلْدِها؛ لم يَضمَنْ؛ لأِنَّه لا قِيمةَ له، بدليلِ أنَّه لا يَجوزُ بَيعُه.

(فَإِنْ دَبَغَهُ)؛ أيْ: غاصِبُه، (وَقُلْنَا بِطَهَارَتِهِ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ)؛ كالخَمْر إذا تخلَّلَ.

وقِيل: لا يَلزَمُه رَدُّه؛ لأِنَّه صار مالاً بفِعْلِه، بخِلافِ الخَمْر.

وظاهِرُه أنَّه إذا قُلْنا: لا يَطْهُر؛ لم يَجِبْ رَدُّه؛ لكَونه لا يُباحُ الاِنْتِفاعُ به.

وقِيلَ: يَلزَمُه إذا

(6)

قيل: يُنْتَفَعُ به في يابِسٍ.

(وَإِنِ اسْتَوْلَى عَلَى حرٍّ) كبيرٍ؛ (لَمْ يَضْمَنْهُ بِذَلِكَ)؛ لأِنَّه لَيسَ بمالٍ،

(1)

في (ح) و (ق): في.

(2)

في (ق): يقصد.

(3)

قال في مراتب الإجماع ص 137: (واتفقوا في أن الخل إذا لم يكن قط خمرًا حلال).

(4)

في (ظ): إلحاق.

(5)

في (ق): يجب.

(6)

في (ح): إذ.

ص: 171

فَعُلِمَ

(1)

: أنَّه لا يَثْبُتُ الغَصْبُ فِيمَا لَيسَ بِمالٍ، وقِيلَ: بَلَى.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا؛ فَفِيهِ وَجْهَانِ):

أحدهما: لا ضَمانَ، وهو الأصحُّ؛ كالكَبِيرِ.

والثَّاني: بلى؛ لأنَّه

(2)

يُمكِنُ الاِسْتِيلاءُ عَلَيهِ من غَيرِ ممانعة منه

(3)

، أشْبَهَ العَبْدَ الصَّغِيرَ.

(فَإِنْ

(4)

قُلْنَا: لَا يَضْمَنُهُ؛ فَهَلْ يَضْمَنُ ثِيَابَهُ، وَحُلِيَّهُ

(5)

؛ أي: الَّتي لم يَنزِعْها عَنهُ؛ (عَلَى وَجْهَينِ):

أحدهما: لا يَضمَنُه، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه تَبَعٌ له، وهو تَحْتَ يَدِه، أشْبَهَ ثِيابَ الكَبِيرِ.

والثَّانِي: بلى؛ لأِنَّه مالٌ، أشْبَهَ ما لو كانَ مُنفَرِدًا.

(وَإِنِ اسْتَعْمَلَ الْحُرَّ كُرْهًا؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ)؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى مَنافِعَه، وهي مُتَقوِّمةٌ، فَلَزِمَه ضَمانُها؛ كمَنافِعِ العَبْدِ.

(وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً)؛ أيْ: لِمِثْلِهَا أُجرةٌ؛ (فَهَلْ تَلْزَمُهُ أُجْرَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ

(6)

:

أحدهما: تَلزَمُه

(7)

، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه فَوَّتَ مَنفَعَتَه، وهي مالٌ يَجوزُ أخْذُ العِوَضِ عنها، فضُمِنَتْ بالغَصْب؛ كَمَنافِعِ العَبْد.

(1)

في (ق): يعلم.

(2)

زيد في (ح): (لا). والمثبت هو موافق للشرح الكبير 15/ 124.

(3)

في (ق): فيه. وسقطت من (ظ).

(4)

في (ظ): وإن.

(5)

في (ح): وحيله.

(6)

قوله: (أحدهما: لا يضمنه جزم به في الوجيز) إلى هنا سقط من (ق).

(7)

في (ق): يلزمه.

ص: 172

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّها تابِعةٌ لِما لا يَصِحُّ غَصْبُه، أشْبَهَ ثِيابَه إذا بَلِيَتْ عَلَيهِ وأطْرافَه.

فإنْ مَنَعَهُ العَمَلَ مِنْ غَيرِ حَبْسٍ - ولو عَبْدًا -؛ لم يَضمَنْ مَنافِعَه وَجْهًا واحِدًا.

ويَتَوجَّهُ: بَلَى فِيهِما، قاله في «الفروع» .

وإنْ

(1)

مات في حَبْسه؛ فَهَدَرٌ.

وإنْ صحَّ غَصْبُه؛ صحَّ أنْ يُؤْجِرَه مُسْتأْجِرَه، وإلاَّ فلا.

فائدةٌ: في صِحَّة البَيعِ في الأرضِ المغْصوبةِ رِوايتانِ، اخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ: الصِّحَّةَ، وحمل رواية المنْعِ على الوَرَع.

(1)

في (ق): فإن.

ص: 173

(فَصْلٌ)

(وَيَلْزَمُهُ رَدُّ الْمَغْصُوبِ) إنْ كان باقِيًا؛ لِمَا روى عبدُ الله بن السَّائب، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَأخُذْ أحدُكم متاعَ أخيه

(1)

لاعِبًا ولا جادًّا، ومَنْ أخَذَ عَصَا أخيه فلْيَرُدَّها» رواه أبو داودَ

(2)

، وقد أجمع العلماءُ

(3)

على وُجوبِ رَدِّه إنْ كان بحالِه لم يتغيَّرْ، ولم يَشْتَغِلْ بغيره

(4)

، ولأِنَّه أزالَ يدَ المالِكِ عن ملْكِه بغَيرِ حقٍّ؛ فلَزِمَتْه إعادتُه.

(إِنْ قَدَرَ عَلَى رَدِّهِ، وَإِنْ غَرِمَ عَلَيْهِ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ)؛ لأِنَّه هو المتعدِّي، فلم يُنظَر إلى مصلحته، فكان أَوْلَى بالغرامة، وظاهِرُه: ولو بَعُدَت المسافةُ؛ لأِنَّه جَنَى بِتَعدِّيه، فكان ضَرَرُ ذلِكَ عَلَيهِ.

فإنْ قال الغاصِبُ: خُذْ مِنِّي أَجْرَ رَدِّهِ، وتسَلَّمْهُ مِنِّي ههُنَا، أوْ بَذَلَ له أكْثَرَ من قِيمته ولا يَستَرِدُّه؛ لم يَلزَم المالِكَ قَبولُه؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ، فلم يُجبَرْ عليها كالبيع.

وإن قال المالِكُ: دَعْهُ لي في مكانه الذي نَقَلْتَه إلَيهِ؛ لم يَمْلِك الغاصِبُ رَدَّهُ.

وإنْ قالَ: رُدَّهُ إلى بعْض الطَّريق؛ لَزِمَه.

(1)

قوله: (أخيه) سقط من (ق).

(2)

أخرجه أبو داود (5003)، والترمذي (2160)، والطبراني في الكبير (630)، والبيهقي في الكبرى (11499)، قال الترمذي: (حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي ذئب، والسائب بن يزيد له صحبة قد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وهو غلام، وقُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين، ووالده يزيد بن سعيد له أحاديث، هو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحسنه البيهقي والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 114، الإرواء 5/ 350.

(3)

ينظر: مراتب الإجماع ص 59، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 170.

(4)

في (ح): بغير.

ص: 174

وإنْ قال: دَعْهُ في مَكانِه، وأعْطِنِي أجرةَ ردِّه، أو طَلَبَ منه حَمْلَه إلى مكانٍ آخَرَ في غير طَريقِ الرَّدِّ؛ لم يَلزَم الغاصِبَ ولو كان أقربَ؛ لأِنَّه مُعاوَضةٌ.

ومَهْما اتَّفَقا عَلَيهِ من ذلِكَ؛ جازَ؛ لأِنَّ الحقَّ لهما.

(وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يَتَمَيَّزُ

(1)

؛ كحِنْطَةٍ بشَعِيرٍ، وتَمْرٍ بزَبِيبٍ؛ (لَزِمَهُ تَخْلِيصُهُ)؛ أي: تَخْلِيصُ المتميِّز، (وَرَدُّهُ)؛ لأِنَّه أمْكنَه ردُّ مالِ غَيرِه، فلَزِمَه؛ كما لو لم يَخلِطْه بغَيرِه، وأُجْرَةُ ذَلِكَ عَلَيه، كأَجْر رَدِّهِ، فإنْ أَمْكَنَ تَميِيزُ بعضِه؛ وَجَبَ تَميِيزُ ما أمْكَنَ.

(وَإِنْ بَنَى عَلَيْهِ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ)؛ يعْنِي: إذا غَصَبَ شَيئًا، فَشَغَلَه بملْكِه؛ كَحَجَرٍ، أوْ خَشَبَةٍ بَنَى عَلَيها، أوْ خَيْطٍ خاطَ به ثَوبًا؛ لَزِمَه ردُّه وإن انْتَقَض البِناء، وتفصَّل الثوبُ؛ لأِنَّه مَغْصوبٌ أمْكَنَ ردُّه؛ فَوَجَبَ؛ كما لو لم يَبْنِ عَلَيهِ، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ بَلِيَ)؛ لأِنَّه صارَ هالكًا

(2)

، فَوَجَبَ قِيمَتُه؛ كما لو أتْلَفَه.

(وَإِنْ سَمَّرَ بِالْمَسَامِيرِ بَابًا؛ لَزِمَهُ قَلْعُهَا وَرَدُّهَا)؛ للخَبَرِ

(3)

، ولا

(4)

أثَرَ لِضَرَرِهِ؛ لأِنَّه حَصَلَ بتَعَدِّيهِ.

مسائِلُ:

إذا غَصَبَ فَصِيلاً ونحوَه، فأدْخَلَه دارَه، وتعذَّر خُروجُه؛ نُقِضَ بابُه مَجَّانًا.

فإنْ دَخَلَ الفَصِيلُ بنَفْسِه، أو أدْخَلَه ربُّه دارًا غَصَبَها؛ غَرَمَ مالِكُه أرْشَ نَقْضِ البِناء وإصلاحِه، وإنْ بَذَلَ له ربُّه عِوَضَه؛ لَزِمَه قَبولُه. وقِيلَ: لا. وقِيلَ:

(1)

زيد في (ح): منه.

(2)

في (ظ): مالكًا.

(3)

أي: خبر السائب بن يزيد رضي الله عنهما المتقدم.

(4)

في (ح): وإلا.

ص: 175

يُذْبَحُ إنْ أدْخَلَه ربُّه.

ولو عَمِلَ فيها غاصبُها

(1)

تابوتًا، ولم يَخرُجْ؛ فُكِّكَ التابوت

(2)

، ولم يُنقَض البِناءُ.

وإنْ سَقَطَ في مِحْبَرَته مالٌ بتَفْريطِه؛ أُخْرِجَ، فإنْ لم يُمكِنْ؛ كُسِرَتْ له مَجَّانًا، وإن لم يُفَرِّطْ؛ ضَمِنَ ربُّ المال كَسْرَها، فإنْ بَذَلَ ربُّها بَدَلَ مالِه؛ وَجَبَ قَبولُه في الأصحِّ.

فَرْعٌ: إذا باعَ دارَه وله فِيها أَسِرَّةٌ، وتعذَّر الإخْراجُ والتَّفْكِيكُ؛ غَرِمَ أرْشَ نَقْضَ

(3)

البِناءِ، وقِيلَ: كما لو قَلَعَ أحْجارًا له فيها مَدفُونةٌ، وفَصَّل في «الشَّرح»

(4)

.

(وَإِنْ زَرَعَ الْأَرْضَ وَرَدَّهَا بَعْدَ أَخْذِ الزَّرْعِ)؛ فهو للغاصِبِ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(5)

؛ لأِنَّه نَماءُ مالِه، (فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهَا)؛ أي: أُجْرةُ مِثْلِها إلى وَقْت التَّسْليمِ؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى نَفْعَها، فَوَجَبَ عَلَيهِ عِوَضُه، كما لو اسْتَوْفاهُ بالإجارة، ولأِنَّ المنفَعَةَ مالٌ، فَوَجَبَ أنْ يَضمَنَ كالعَينِ، وعَلَيهِ ضَمانُ النَّقص.

ولو لم يَزْرَعْها، فنَقَصَتْ لِترْكِ الزِّراعة؛ كأرض البصرة؛ ضَمِنَ ذلِكَ.

ورَوَى عنه حَرْبٌ: أنَّ له تَمَلُّكَه أيضًا

(6)

؛ بناءً على أنَّ الزَّرعَ يَنبُتُ على

(1)

في (ظ): صاحبها.

(2)

في (ح): البناء، ورسمت في (ق): البا.

(3)

في (ح) و (ظ): نقص.

(4)

قال في الشرح 15/ 131: (لو باع دارًا فيها خوابٍ لا تخرج إلا بنقض الباب، أو خزائن، أو حيوان، وكان نقض الباب أقل ضررًا من بقاء ذلك في الدار، أو تفصيله، أو ذبح الحيوان؛ نقض، وكان إصلاحه على البائع؛ لأنه لتخليص ماله. وإن كان أكثر ضررًا؛ لم ينقض؛ لأنه لا فائدة فيه، ويصطلحان على ذلك، إما بأن يشتريه مشتري الدار، أو غير ذلك).

(5)

ينظر: المغني 5/ 188.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 233.

ص: 176

ملْكِ مالِكِ الأرض ابْتِداءً، وقرَّر بعضُ أصْحابِنا مُوافَقَتَه للقياس؛ بأنَّ المتولِّدَ بَينَ أبَوَينِ مملوكَينِ من الآدميين

(1)

؛ يكون مَمْلوكًا لِمالِكِ الأمِّ بالاتِّفاق

(2)

، مع كَونِه مخلوقًا من مائهما، وبطونُ الأمهات بمنزلة الأرض، وماءُ الفُحول بمنزلة البَذْرِ.

والمذْهَبُ هو الأوَّلُ.

(وَإِنْ أَدْرَكَهَا رَبُّهَا وَالزَّرْعُ قَائِمٌ) فِيهَا؛ (خُيِّرَ بَيْنَ تَرْكِهِ إِلَى الْحَصَادِ بِأُجْرَتِهِ)؛ أي: بأُجْرةِ مِثْلِه وأرْشِ نَقْصِ الأرض، (وَبَيْنَ أَخْذِهِ بِعِوَضِهِ)، هذا قَولُ القاضِي، وعامَّةِ أصْحابِه، والشَّيخَينِ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْهُما يَحصُلُ به غَرَضُه، فَمَلَكَ الخِيَرةَ بَينَهُما؛ تَحْصِيلاً لِغَرَضِه.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَمْلِكُ إجْبارَ الغاصِبِ على قَلْعِه، خِلافًا لأِكْثَرِهِمْ؛ لقَولِه عليه السلام:«لَيسَ لِعِرْقٍ ظالِمٍ حَقٌّ»

(3)

، ولأِنَّه زَرَعَ في أرْضِ غَيرِه ظُلْمًا، أشْبَهَ الغرس.

لنا: ما رَوَى رافِعُ بنُ خَدِيجٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ زَرَعَ في أرْضِ قَومٍ بغَيرِ إذْنِهم؛ فلَيسَ له من الزَّرْع شَيءٌ، وله نَفَقَتُه» رواه أحمدُ، وأبو داود

(4)

، والتِّرْمذِيُّ وحسَّنَه

(5)

، ولأِنَّه أمْكَنَ ردُّ المغْصوب إلى مالِكِه من غَيرِ إتْلافِ مالِ

(1)

في (ح): الأميين.

(2)

ينظر: النتف في الفتاوى 2/ 853، المدونة 2/ 135، البيان 8/ 549، الهداية لأبي الخطاب ص 379.

(3)

تقدم تخريجه 6/ 116 حاشية (1).

(4)

قوله: (وأبو داود) سقط من (ح).

(5)

أخرجه أحمد (17269)، وأبو داود (3403) والترمذي (1366)، وابن ماجه (2466)، وفي سنده: شريك بن عبد الله النخعي وهو سيئ الحفظ، وتابعه قيس بن الربيع - وهو متكلم فيه والخلاصة أنه صدوق تغير في آخر عمره - وروايته عند البيهقي في الكبرى (11743)، وأعله الشافعي بأن عطاء لم يسمع من رافع، وكذا قال أبو زرعة، لكن قال أبو حاتم:(بل قد أدركه)، قال الترمذي:(حديث حسن غريب)، ونقل عن البخاري أنه قال عنه:(حديث حسن)، وذكر له الترمذي متابعة أخرى، وقال الخطابي:(هذا الحديث لا يثبت عند أهل المعرفة بالحديث)، ونقل تضعيفه عن البخاري وعن الحافظ موسى بن هارون الحمال، وصححه الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 286، المراسيل له ص 155، الكامل 5/ 29، معالم السنن 3/ 96، الكبرى للبيهقي 6/ 226، الإرواء 5/ 351.

ص: 177

الغاصِبِ على قُرْبٍ من الزَّمانِ، فلم يَجُزْ إتْلافُه، كما لو غَصَبَ سَفِينةً، فَحَمَلَ فِيهَا متاعَه، فأدْخَلَها لُجَّةَ البحر؛ لا يُجْبَرُ على إلْقائِهِ، فكذا هُنا؛ صِيانَةً للمال عن التَّلَفِ.

وفارَقَ الشَّجَرَ؛ لِطُولِ مُدَّتِه، وحَديثُهم محمولٌ عَلَيهِ، وحَدِيثُنا على الزَّرع، وبه يُجمَعُ

(1)

بَينَهما، ولأِنَّه زَرعٌ حَصَلَ في ملْكِ غَيرِه، فلم يُجبَرْ على قَلْعِه على وَجْهٍ يَضُرُّ به، كما لو كانت الأرضُ مُسْتَعارَةً أوْ مَشْفوعةً.

(وَهَلْ ذَلِكَ قَيمَتُهُ أَوْ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحَدُهُما: أنَّ ذلِكَ قِيمتُه، صحَّحه القاضِي في «تعليقه» ؛ لأِنَّه بَدَلٌ عن الزَّرْع، فيُقدَّرُ بِقِيمَتِهِ، كما لو أتْلَفَه، وعليه: يَجِبُ على الغاصب أجْرُ الأرض إلى حِينِ تَسْلِيم ذلك، وذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: لَا، نَقَلَهُ إبْراهِيمُ بنُ الحارِثِ

(2)

.

والثَّانِي: هي نَفَقَتُه، فَعَلَى هذا: يَرُدُّ على الغاصب ما أنْفَقَ من البَذْر، ومُؤْنَةِ لَوَاحِقِه من الحَرْث والسَّقْيِ ونحوِهما، وهذا هو المذْهَبُ.

قال ابنُ الزَّاغُونِيِّ: أصْلُهما: هل يَضْمَنُ وَلَدَ المغْرور بِمِثْلِه أوْ قِيمَتِه؟

وقال أبو الحُسَينِ: فِيهِ ثالثةٌ خرَّجها أخي

(3)

أبو القاسِمِ: أنَّ صاحِبَ الأرض يُخَيَّرُ؛ إن شاء دَفَعَ القِيمةَ، وإنْ شاءَ النَّفقةَ، نَقَلَ مُهَنَّى: ويُزَكِّيهِ إنْ

(1)

في (ظ): تجمع.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 233.

(3)

قوله: (أخي) سقط من (ظ).

ص: 178

أخَذَهُ قَبْلَ وجوبها

(1)

، وإلاَّ فَوَجْهانِ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ الزَّرْعُ لِلْغَاصِبِ)؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِه، (وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ)؛ أيْ: أُجْرةُ المِثْل، وذَكَرَ بعضُ أصحابنا أنَّ أحمد نَصَّ على مِثْلِ ذلِكَ.

وقيل: له قَلْعُه إنْ ضَمِنَه.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ زَرَعَ بلا إذْنِ شَرِيكِه: والعادةُ بأنَّ مَنْ زَرَعَ فِيهَا له نَصِيبٌ معلومٌ، ولِربِّها نَصيبٌ، قُسِّم ما زَرَعَه في نَصِيبِ شريكِه كذلِكَ

(2)

.

تنبيهٌ: وهل الرَّطْبةُ وغيرُها؛ كزرعٍ أوْ غَرْسٍ؟ فيه احْتِمالانِ، فلو غَصَبَ أرْضًا فَغَرَسَها فأثْمَرتْ؛ فسيأتي.

(وَإِنْ غَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا؛ أُخِذَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ

(3)

وَبِنَائِهِ)؛ أيْ: إذا طالَبَ مالِكُ الأرض؛ لَزِمَ الغاصِبَ ذلِكَ، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(4)

؛ للأثَرِ الحَسَنِ

(5)

، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، وفي «الرِّعاية»: أنَّه الأصحُّ، وفي روايةِ أبي داودَ والدَّارَقُطْنِيِّ من حديثِ عُرْوةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: ولقد

(6)

أخْبَرَنِي الَّذي حدَّثني هذا الحديثَ: «أنَّ رجلَينِ اخْتَصَما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، غَرَسَ أحدُهما نَخْلاً في أرض الآخَرِ، فَقَضَى لصاحِبِ الأرض بأرْضِه، وأَمَرَ صاحِبَ النَّخْل أنْ يُخْرِج نَخْلَه منها، فلقد رأيتُها وإنَّها لَتُضْرَبُ أصولُها بالفُؤوس، وإنَّها لَنَخْلٌ عُمٌّ»

(7)

،

(1)

ينظر: الفروع 7/ 233.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 233، الاختيارات ص 239.

(3)

في (ح): غراسه.

(4)

ينظر: المغني 5/ 180.

(5)

مراده كما في الشرح الكبير 15/ 144: حديث: «ليس لعرق ظالم حق» ، وتقدم تخريجه 6/ 116 حاشية (1).

(6)

في (ح): لقد.

(7)

أخرجه أبو داود (3074)، والدارقطني (2938)، والبيهقي في الكبرى (11776)، تفرد بذكر هذه القصة محمد بن إسحاق، وهو حسن الحديث، وحسن إسناده ابن حجر، قال الألباني:(وهذا إسناد رجاله ثقات لولا أن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه)، لكن يشهد للحديث ما سبق تخريجه في حديث:«ليس لعرق ظالم حق» . ينظر: البلوغ (897)، الإرواء 5/ 355.

ص: 179

قال أحمدُ: (العُمُّ: الطِّوالُ)، ولأِنَّه شَغل

(1)

ملك غَيرِه بملْكِه الَّذي لا حُرْمةَ له في نَفْسِه، فَلَزِمَه تفريغُه، كما لو جَعَلَ فيها قُماشًا.

وظاهِرُ كلامِهم: لا فَرْقَ في ذلِكَ بين

(2)

الشَّرِيكِ وغَيرِه، وصرَّح به الحارِثِيُّ، قال جعفرُ بنُ محمَّدٍ: سمعتُ أبا عبد الله يُسأل عن رجلٍ غَرَسَ نخْلاً بَينَه وبَينَ قَومٍ مُشاعًا، قال: إنْ كانَ بغَيرِ إذْنِهم؛ قَلَعَ نَخْلَه

(3)

.

(وَتَسْوِيَةِ الْأَرْضِ، وَأَرْشِ نَقْصِهَا)؛ لأِنَّه ضَرَرٌ حَصَلَ بفِعْلِه؛ فَلَزِمَه إزالتُه كغَيرِه، (وَأُجْرَتِهَا)؛ أي: أجرةِ مِثلِها إلى وقْتِ التَّسليمِ.

وإنْ بَذَل ربُّها قِيمةَ الغِراس والبِناء لِيَملِكَه؛ لم يَلزَم الغاصِبَ قَبولُه، وله قَلْعُهما، ويَضمَنُ الأرْشَ والأُجرةَ.

وإنْ وَهَبَهَا

(4)

لمالك

(5)

الأرض، وفي الإزالة غَرَضٌ صحيحٌ؛ لم يُجبَرْ، وإلاَّ فَوجْهانِ.

وشَمِلَ ذلِكَ: ما إذا غَرَسَها بغراسِ مالِكِها.

وحُكْمُ البِناء كالغرس، إلاَّ أنَّه

(6)

يتخرَّج إذا بَذَلَ مالِكُ الأرض القِيمةَ لصاحب البِناء؛ فإنَّه يُجبَرُ على قَبولِها إذا لم يَكنْ في النَّقْض

(7)

غَرَضٌ

(1)

في (ظ): يشغل.

(2)

في (ح): من.

(3)

ينظر: الإنصاف 15/ 468.

(4)

في (ق): وهبهما.

(5)

في (ح): وهبهما المالك.

(6)

في (ح): أن.

(7)

في (ق): النقص.

ص: 180

صحيحٌ؛ لأِنَّ النَّقضَ

(1)

سَفَهٌ.

والأوَّلُ أصحُّ.

فَرْعٌ: إذا غَصَبَها، فَغَرَسَها، فأثْمَرَتْ، فأدْرَكَها ربُّها بعد أخْذِ الغاصِبِ؛ فهِيَ له، وكذا لو أدْرَكَها والثَّمرةُ عَلَيهَا؛ لأِنَّها ثمَرةُ شَجَرِهِ، فكانَتْ له كأغْصانِها.

وقال القاضِي: هي لِمالِكِ الأرض، قال

(2)

أحمدُ في روايةِ عليِّ بنِ سَعيدٍ: إذا غَصَبَ أرْضًا، فَغَرَسَهَا فالنَّماءُ لِمالِك الأرض

(3)

، فعلى هذا: عَلَيهِ من النَّفقة ما أنْفَقَه الغارس.

فلو غَصَبَ شَجَرًا، فأثْمَرَ؛ فالثَّمَرُ لِمالِكِ الشَّجَر بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(4)

، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

فَرْعٌ: إذا أخَذَ تُرابَ الأرض، فَضَرَبَه لَبِنًا؛ ردَّه ولا شَيءَ له، إلاَّ أنْ يَجعَلَ فيه تِبْنًا، فله أنْ يَحُلَّه ويَأخُذَ تِبْنَه، فإنْ كان لا يَحصُل مِنهُ شَيءٌ؛ فَوَجْهانِ.

وإنْ طالَبَه المالِكُ بِحَلِّه؛ لَزِمَهُ إذا كان فيه غَرَضٌ صحيح

(5)

، وإلاَّ فَوَجْهانِ.

وإن جَعَلَه آجُرًّا

(6)

؛ لَزِمَه رَدُّه، ولا أُجْرةَ لِعَمَلِه، ولَيسَ له كَسْرُه، ولا للمالِكِ إجْبارُه عليه؛ لأِنَّه سَفَهٌ، وإتْلافٌ للمال.

فلو غَصَبَ أرْضًا، وكَشَطَ تُرابَها؛ لَزِمَه ردُّه وفَرْشُه كما كان، وإن لم يكُنْ فيه غَرَضٌ؛ فهل يُجبَرُ على فَرْشِه؟ يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.

(1)

في (ق): النقص.

(2)

في (ح): وقال.

(3)

ينظر: المغني 5/ 190.

(4)

ينظر: المغني 5/ 191.

(5)

قوله: (صحيح) سقط من (ح) و (ق).

(6)

في (ق): أجزاء.

ص: 181

فَرْعٌ

(1)

: القابِضُ بعَقْدٍ فاسِدٍ من المالِكِ إذا غَرَسَ أوْ بَنَى؛ فللمالك تملُّكُه بالقيمة؛ كغرس المسْتَعِير، ولا يقْلَع إلاَّ مَضْمونًا؛ لاِسْتِناده إلى الإذْن، ذَكَرَه القاضِي وابنُ عَقِيلٍ.

(وَإِنْ غَصَبَ لَوْحًا فَرَقَعَ بِهِ سَفِينَةً)، وخِيفَ مِنْ قَلْعِه؛ (لَمْ يُقْلَعْ حَتَّى تُرْسَى)؛ لأِنَّ في قَلْعِه إفْسادًا لمالِ الغَيرِ مع إمْكانِ ردِّ الحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه بعد زمنٍ يسير، ولا فرق بين

(2)

أن يكون المالُ للغاصِبِ أوْ غَيرِه، حَيَوانًا مُحْتَرَمًا أوْ لَا.

وقال أبو الخَطَّاب: إنْ كان فيها حَيَوانٌ مُحتَرَمٌ، أو مالٌ لغَيرِ الغاصب؛ لم يُقلَع؛ كالخَيط

(3)

.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه أمْكَنَ ردُّ المغْصوب من غَيرِ إتْلافٍ، كما لو كان فيها مالُ غَيرِه.

واقْتَضَى ما سَبَقَ: أنَّها لو كانت على السَّاحِل، أو كانَتْ في اللُّجَّة واللَّوحُ في أعْلاها بحَيثُ لا تَغْرَقُ

(4)

؛ لَزِمَه القَلْعُ.

(وَإِنْ غَصَبَ خَيْطًا، فَخَاطَ بِهِ جُرْحَ حَيَوَانٍ) مُحْتَرَمٍ، (وَخِيفَ عَلَيْهِ مِنْ قَلْعِهِ) الضرر

(5)

، وقِيلَ: التَّلَفُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ (فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)؛ لأِنَّه تعذَّرَ ردُّ الحقِّ إلى مُسْتَحِقِّه، فَوَجَبَ ردُّ بَدَلِه، وهو القِيمةُ.

وظاهِرُه: لا يَلزَمُه القَلْعُ، صرَّح به في «المغني» وغيره؛ لأِنَّ الحَيَوانَ آكَدُ حُرْمَةً مِنْ بَقِيَّة المال، بدليلِ: أنَّه لا يَجوزُ مَنْعُ مائه

(6)

مِنهُ.

(1)

في (ق): آخر.

(2)

قوله: (بين) سقط من (ظ).

(3)

في (ق): كالحيط.

(4)

في (ق): لا يغرق.

(5)

في (ح): لضرر.

(6)

في (ح): نمائه.

ص: 182

وَعُلِم منه: أنَّ الحيوان إذا كان غَيرَ مُحتَرَمٍ؛ كالمرتَدِّ والخِنْزير ونحوِه؛ وَجَبَ ردُّه؛ لأِنَّه لا يَتَضَمَّنُ تَفْويتَ ذِي حُرْمَةٍ، أشْبَهَ ما لو خاطَ به ثَوبًا.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْحَيَوَانُ مَأْكُولاً لِلْغَاصِبِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أشْهَرُهما: أنَّه يَلزَمُه ردُّه؛ لأِنَّه يُمكِنُه ذَبْحُ الحَيَوان، والاِنْتِفاعُ بِلَحْمِه، وذلِكَ جائِزٌ، وإن حصل نَقْصٌ على الغاصب، فليس بمانِعٍ من وُجوبِ ردِّ المغْصوب

(1)

؛ كنَقْض

(2)

البِناء.

والثَّانِي: لا يَجِبُ قَلْعُه؛ «لِنَهْيِه عليه السلام عن ذَبْح الحَيَوان لغَيرِ مَأْكَلةٍ»

(3)

، ولأِنَّ له حرمةً في نَفْسِه.

وللمؤلِّف احْتِمالٌ: يُذبَح

(4)

المعدُّ له؛ كبهيمةِ الأنعام، دُونَ غَيره كالخيل؛ لأِنَّه إتْلافٌ له، فَجَرَى مَجْرَى ما لا يُؤكَلُ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَلزَمُه الرَّدُّ إذا كان مأْكُولاً لِغَيرِ الغاصِبِ، صرَّح به في

(1)

في (ق): الغصوب.

(2)

في (ظ): لنقض.

(3)

ذكره هكذا الخطابي في معالم السنن (3/ 333)، وابن قدامة في المغني (5/ 211)، ولم نقف عليه مسندًا، وذكره الزيلعي وقال:(غريب)، ثم ذكر أنه ورد موقوفًا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه في وصيته ليزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه وفيها:«ولا تقطعن شجرًا مثمرًا، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرًا، إلا لمأكلة» ، أخرجه مالك في الموطأ (2/ 447)، وابن أبي شيبة (33121)، والأقرب في هذا المعنى الحديث الذي أخرجه الدارمي (2021)، والنسائي (4445)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يرفعه قال:«من قتل عصفورًا فما فوقها بغير حقها، سأل الله عز وجل عنها يوم القيامة» ، قيل: يا رسول الله، فما حقها؟ قال:«حقها أن تذبحها فتأكلها، ولا تقطع رأسها فيرمى بها» ، وفي سنده: صهيب الحذاء وهو مقبول، وبوَّب عليه البغوي في شرح السنة (11/ 225) بقوله:(باب كراهية ذبح الحيوان لغير الأكل).

(4)

في (ق): بذبح.

ص: 183

«المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ فيه إضْرارًا بصاحبه، ولا يُزالُ الضَّرَرُ بالضَّرَرِ.

(وَإِنْ مَاتَ الْحَيَوَانُ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ)؛ لأِنَّ عَدَمَ الرَّدِّ في

(1)

الحياةِ إنَّما كان خَشْيةَ التَّلَفِ، وقد أَمِن بالموت، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ آدَمِيًّا)، فلا يَلزَمُه الرَّدُّ؛ لأِنَّ حُرمةَ الآدَمِيِّ باقِيَةٌ، وغَيرُه لا يُساوِيهِ فِيها، فَعَلَى هذا: تَجِبُ قِيمَتُه.

وقِيلَ: يَلزَمُه الرَّدُّ؛ للعُموم.

(1)

قوله: (الرد في) سقط من (ح).

ص: 184

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ زَادَ؛ لَزِمَهُ رَدُّهُ بِزِيَادَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً؛ كَالسِّمَنِ، وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ، أَوْ مُنْفَصِلَةً

(1)

؛ كَالْوَلَدِ، وَالْكَسْبِ)؛ لأِنَّه من نَمَاءِ المغْصوب، وهو لِمالِكِه، فَلَزِمَه ردُّه؛ كالأصل.

(وَإِنْ

(2)

غَصَبَ جَارِحًا فَصَادَ بِهِ، أَوْ شَبَكَةً، أَوْ شَرَكًا، فَأَمْسَكَ شَيْئًا، أَوْ فَرَسًا فَصَادَ عَلَيْهِ أَوْ غَنِمَ؛ فَهُوَ لِمَالِكِهِ)؛ لأنَّ

(3)

ذلِكَ كلَّه بِسَبَبِ ملْكه، فكان له؛ كما لو غَصَبَ عبْدًا فَصادَ.

وقِيلَ: هو للغاصِبِ في الكُلِّ؛ لأِنَّه هو

(4)

الصَّائدُ، والجارِحُ آلةٌ، فَعَلَى ذلِكَ: عَلَيهِ أُجْرةُ ذلِكَ كلِّه مُدَّةَ مُقامِه في يَدِهِ إنْ كانَ له أُجرةٌ.

وعلى الأوَّل: لا أجرة

(5)

له في وَجْهٍ.

وفي آخَرَ: عليه أجْرةُ الِمثْل؛ لأِنَّه اسْتَوفَى منافِعَه، أشْبَهَ ما لو لم يَصِدْ.

ولو غَصَبَ عَبدًا، فَصادَ أوْ كَسَبَ؛ فهو لِسيِّده وفي وجوب أُجرةِ العبد على الغاصِب في مُدَّة كَسْبِه وصَيدِه؛ وجْهانِ، والمختارُ: أنَّه لا أجرة

(6)

له؛ لأنَّ منافعه في هذه المدَّة مصروفةٌ إلى مالِكِه، فلم يَسْتَحِقَّ عِوَضَها على غَيره، لكِنْ لو غَصَبَ مِنْجَلاً، فَقَطَعَ به شَجَرًا، أوْ حَشِيشًا؛ فهو للغاصِبِ؛ لأِنَّ هذه آلةٌ، فهو كالحَبْل يربط به.

(1)

في (ظ): منفصلاً.

(2)

في (ح): ولو.

(3)

زيد في (ح): في.

(4)

قوله: (لأنه هو) في (ح): لأن، وقوله (هو) سقط من (ق).

(5)

قوله: (لا أجرة) في (ح): لأجرة.

(6)

قوله: (لا أجرة) في (ح): لأجرة.

ص: 185

(وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَقَصَرَهُ، أَوْ غَزْلاً فَنَسَجَهُ، أَوْ فِضَّةً أَوْ حَدِيدًا فَضَرَبَهُ، أوْ خَشَبًا فَنَجَرَهُ، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا؛ ردَّ ذَلِكَ) إلى مالِكِه في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّه عَينُ ماله

(1)

، أشْبَهَ ما لو ذَبَحَ الشَّاةَ فَقَطْ، ولأِنَّه لو فَعَلَه بملْكه؛ لم يَزُلْ عنه، فكذا إذا فَعَلَه بملْكِ غَيرِه، (بِزِيَادَتِهِ) إنْ زاد، (وَأَرْشِ نَقْصِهِ) إن نَقَص؛ لكَونه حَصَل بفِعْله، ولا فَرْق بَينَ نقص العَينِ، أو القِيمة، أو هما، (وَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ أيْ: للغاصِبِ بِعَملِه المؤدِّي إلى الزِّيادة؛ لأِنَّه تبرُّعٌ في ملك غَيره، فلم يستحِقَّ لذلك عِوضًا، كما لو غلى زَيتًا فزادت قيمتُه، لكِنْ إنْ أمْكَنَ الرَّدُّ إلى الحالة الأولى كحُلِيٍّ، وأوانٍ، ودراهِمَ، ونحوِها؛ فللمالك إجبارُه على الإعادة.

(وَعَنْهُ: يَكُونُ شَرِيكًا بِالزِّيَادَةِ)، ذَكَرَ في «المستوعب» و «المذهب»: أنَّها ظاهِرُ المذْهَب؛ لأِنَّ الزِّيادةَ حصلت بمنافِعِه، والمنافِعُ تَجرِي مَجرَى الأعيان، أشبَهَ ما لو غصب ثَوبًا فصَبَغَه.

وفرَّق في «المغني» و «الشرح» : بأنَّ الصِّبغ عَينُ مالٍ لا يزولُ ملك مالكه عنه بجَعْله مع ملك غيره، بخلاف ما ذكر.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَمْلِكُهُ) الغاصِبُ، (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ) قَبل تَغييره، هذا روايةٌ عن أحمدَ نَقَلَها عنه محمَّد بن الحَكَم

(2)

فِيمَنْ جَعَلَ حَديدًا سُيوفًا: يُقوَّم فيعطيه الثَّمَنَ على القيمة، حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الزَّرع: «أعْطوهُ ثَمَنَ

(3)

بَذْره»

(4)

.

ورُدَّ: بأنَّه قَولٌ قَديمٌ مَرجوعٌ عنه.

(1)

في (ح): مال.

(2)

في (ح) و (ظ): عبد الحكم. ينظر: زاد المسافر 4/ 233، الفروع 7/ 235.

(3)

في (ق): لمن.

(4)

مراده والله أعلم: حديث «من زرع في أرض قوم بغير إذنهم، فليس له من الزرع شيء وله نفقته» ، وقد تقدم تخريجه 6/ 177 حاشية (5).

ص: 186

وعنه: يخيَّر المالِكُ بَينَهما، فلو وَهَبُه الغاصِبُ عَمَلَه؛ لَزِمَه قَبولُه

(1)

، قاله في «الرِّعاية» .

(وَإِنْ غَصَبَ أَرْضًا، فَحَفَرَ فِيهَا بِئْرًا، وَوَضَعَ تُرَابَهَا فِي أَرْضِ مَالِكِهَا؛ لَمْ يَمْلِكْ طَمَّهَا إِذَا أَبْرَأَهُ الْمَالِكُ مِنْ ضَمَانِ مَا يَتْلَفُ بِهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه إتْلافٌ لا نفعَ فيه، فلم يَكن له فِعْلُه، كما لو غَصَبَ نقرةً فطَبَعَها دراهِمَ، ثمَّ أراد ردَّها نقرةً.

ومُقتَضاه: أنَّه إذا طالبه المالك بطمِّها؛ أنَّه يَلزَمُه؛ لأِنَّه يَضُرُّ بالأرض.

والثَّاني: له طمُّها لغرَضٍ صحيحٍ؛ لأِنَّه لا يَبرَأ من الضَّمان بإبراء المالك له؛ لأِنَّه إبْراءٌ ممَّا لم يَجِبْ بعدُ، مع أنَّه إبْراءٌ من حقِّ غَيرِه، وهو الواقِعُ

(2)

فيها.

ونَصَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» الأوَّل؛ بأنَّ الضَّمانَ إنَّما يَلزَمُه لوجود التَّعدِّي، فإذا رَضِيَ صاحبُ الأرض؛ زال التَّعدِّي، فيزول الضَّمانُ، وليس هذا إبْراءً ممَّا لم يَجِبْ، وإنَّما هو إسْقاطُ التَّعدِّي برضاه به.

وهذا الخلاف جارٍ فيما ذَكَرَه، فلو وضع التُّرابَ في غَيرِ أرض مالِكِها، أو لم يُبرِئْه من الضَّمان؛ فلا.

وحُكْمُ ما إذا مَنَعَهُ من طَمِّها كذلك.

تنبيهٌ: إذا غَصَبَ بقرةً، وأنزى

(3)

عليها فحلَه، أو بالعكس؛ فالولدُ لربِّ الأم، ولا أُجرةَ لفِعْله، ولا أرْش، وعليه أرْشُ فَحْل غيره إن ضرَّه ضِرابُه، وأُجْرتُه إن صحَّ إيجاره لذلك.

(1)

في (ق): قبل.

(2)

في (ق): واقع.

(3)

في (ح): وأنوى.

ص: 187

وإذا أفْرخَتْ طَيرَةُ زَيدٍ عند عَمْرٍو من طَيرِه، فَفَرْخُها لزَيدٍ، نَصَّ عليه

(1)

، وعليه ما أنفقه عمرٌو إن نوى الرُّجوع به، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ غَصَبَ حَبًّا فَزَرَعَهُ، أَوْ بَيضًا فَصَارَ فَرْخًا، أَوْ نَوًى فَصَارَ غَرْسًا)، وفي «الانتصار»: أو غُصنًا فصار شجرةً؛ (رَدَّهُ)؛ لأِنَّه عينُ مالِ مالكه، ونَقْصَهُ

(2)

، (وَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأنَّه تبرَّعَ بفِعْله.

(وَيَتَخَرَّجُ فِيهِ: مِثْلُ الذِي قَبْلَهُ)، فيرُدُّه ونَقْصَه، أو يَمْلِكه الغاصِبُ، أو يكون شريكًا بالزِّيادة على ما مرَّ؛ لأِنَّه إذا قَصَرَ الثَّوبَ ونحوَه؛ ساوَى ذلك حُكْمًا.

فَرْعٌ: إذا صار الرُّطَبُ تَمرًا، أو السِّمْسِمُ شَيرَجًا، أو العِنَبُ عَصيرًا؛ أَخَذَ ربُّه مِثلَ أيِّهما شاء.

(1)

ينظر: الورع للمروذي ص 73.

(2)

أي: وردَّ نقصه.

ص: 188

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ نَقَصَ؛ لَزِمَهُ ضَمَانُ نَقْصِهِ)، وَلَوْ بِنَبَاتِ لِحْيةِ أمْرَدَ، وقَطْعِ ذَنَبِ حِمار القاضِي

(1)

، (بِقِيمَتِهِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّه ضَمانُ مالٍ من غَيرِ جِنايةٍ، فكان الواجِبُ ما نَقَصَ؛ كالبَهيمة؛ إذِ القَصْدُ بالضَّمان: جَبرُ حقِّ المالِكِ بإِيجابِ قَدْرِ ما فَوَّتَ عَلَيهِ، ولأِنَّه لو فات الجميعُ لَوَجَبَتْ قِيمتُه، فإذا فات منه شَيءٌ؛ وَجَبَ قَدْرُه من القيمة؛ كغَيرِ الحيَوان، (رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ)؛ لاِشْتِراكِهما في التلف

(2)

.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الرَّقِيقَ يُضْمَنُ بِمَا يُضْمَنُ بِهِ فِي الْإِتْلَافِ)، فيَجِب في يَدِه: نصفُ قِيمتِه، وفي مُوضِحَته: نصفُ عُشرِ قِيمتِه؛ لأِنَّه ضَمانٌ لأِبْعاضِه، فكان مُقدَّرًا من قِيمتِه؛ كأرْشِ الجناية.

والمذْهَبُ: يَضْمَنُه مطلَقًا بقِيمتِه، بالِغةً ما بَلَغَتْ، ونَقَلَ حَنبَلٌ: لا يُبلَغُ بها دِيةُ حُرٍّ

(3)

.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَضْمَنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ سَبَبَ كُلِّ واحِدٍ مِنْهُما قد وُجِدَ، فَوَجَبَ أنْ يَضْمَنَه بأكْثَرِهما، كما لو غَصَبَه وجَنَى عَلَيهِ.

تنبيهٌ: إذا كان النَّقصُ في الرَّقيق ممَّا

(4)

لا مُقدَّر فيه؛ كنَقْصه لِكِبَرٍ أو مَرَضٍ؛ فَعَلَيهِ ما نَقَصَ مع

(5)

الرَّدِّ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

.

(1)

لأنه أتلف غرض القاضي به، فإنه لا يركبه في العادة. ينظر: المغني 5/ 184.

(2)

قوله: (لاشتراكهما في التلف) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الفروع 7/ 236.

(4)

في (ح): ما.

(5)

في (ق): من.

(6)

ينظر: المغني 8/ 485.

ص: 189

فإن نَقَصَ المغْصوبُ بغَيرِ انْتِفاعٍ واستِعْمالٍ، أو عابَ؛ وَجَبَ أرْشُه، وفي أُجْرته وَجْهانِ.

فإن نَقَصَ باستِعْماله؛ فكذلِكَ.

وقِيلَ: يَجِبُ الأكثرُ من أُجرته، وأَرْش نَقْصِه.

وإنْ غَصَبَ ثَوبًا فَلَبِسه وأبْلاهُ، فنَقَصَ نصفُ قِيمتِه، ثمَّ غَلَت الثِّيابُ فعادَتْ قِيمتُه؛ ردَّه وأَرْشَ نَقْصِه.

(وَإِنْ غَصَبَهُ وَجَنَى عَلَيْهِ؛ ضَمِنَهُ بِأَكْثَرِ الْأَمْرَيْنِ)، هذا على القَول بأنَّ ضمانَ الغَصْب غَيرُ ضَمان الجناية، وهو الصَّحيح؛ لأِنَّ سَبَبَ كلِّ واحِدٍ منهما وُجِد؛ فَوَجَبَ أكْثَرُهما، ودَخَلَ الآخَرُ فيه.

وإنْ قُلْنَا: ضَمانُ الغَصْبِ ضَمانُ الجناية؛ كان الواجِبُ أَرْشَ الجناية؛ كما لو جَنَى عليه من غَيرِ غَصْبٍ.

(وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ غَيْرُ الْغَاصِبِ)؛ بأنْ قَطَعَ يَدَه مثلاً؛ (فَلَهُ)؛ أيْ: للمالِك تضمينُ مَنْ شاء منهما؛ لأِنَّ الجانِيَ قَطَعَ يَدَه، والغاصِبَ حَصَلَ النَّقص في يَدِه، (تَضْمِينُ الْغَاصِبِ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ) إذا قُلْنا: إنَّ ضَمانَ الغَصْب ما نَقَصَ، (وَيَرْجِعُ الْغَاصِبُ عَلَى الْجَانِي بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ)، وهو نِصفُ القِيمة هُنا؛ لأِنَّها أرْشُ جنايته، فلا يَجِبُ عليه أكثرُ منها.

(وَلَهُ تَضْمِينُ الْجَانِي أَرْشَ

(1)

الْجِنَايَةِ)، وهو نِصفُ القيمة لا غَيرُ، ولم يَرجِعْ على أَحَدٍ؛ لأِنَّه لم يُضَمِّنْه أكثرَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيهِ، (وَتَضْمِينُ الْغَاصِبِ مَا بَقِيَ مِنَ النَّقْصِ)؛ أيْ: إذا كان أكثرَ من نصف

(2)

القيمة، ولا يَرجِعُ على أحَدٍ.

(1)

في (ظ): بأرش.

(2)

قوله: (نصف) سقط من (ح).

ص: 190

وإنْ قُلْنا: ضمانُ الغَصْب ضَمانُ الجناية، أو لم تَنقُص

(1)

أكثرَ من قيمته؛ لم يَضمَنِ الغاصِبُ ههُنا شَيئًا.

وإن اختار تَضْمينَ الغاصب، وقُلْنا: إنَّ

(2)

ضمانَ الغَصْب كضمان الجناية؛ ضَمَّنَه نصفَ القيمة، ورَجَعَ بها الغاصِبُ على الجاني؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بفِعْلِه.

(وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَخَصَاهُ)، أوْ قَطَعَ يَديْه أو ذَكَرَه، أوْ ما تَجِبُ فيه الدِّيةُ من الحرِّ؛ (لَزِمَهُ رَدُّهُ وَرَدُّ قِيمَتِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لأِنَّ المتلَفَ

(4)

البَعْضُ، فلا

(5)

يَقِفُ ضمانُه على زوال الملْكِ، كقَطْعِ خُصْيَتَيْ ذَكَرِ المدبَّر، ولأِنَّ الخُصْيَتَينِ يَجِبُ فيهما كمالُ القيمةِ

(6)

، كما يَجِب فيهما كمالُ الدِّية من الحرِّ.

(وَعَنْهُ: فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ: رُبُعُ قِيمَتِهَا)، نَصَرَه القاضِي وأصحابُه؛ لِمَا رَوَى زيدُ بنُ ثابِتٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى في عَين الدَّابَّة بِرُبُعِ قِيمتِها»

(7)

، وعن عُمَرَ: أنَّه كَتَبَ إلى شُرَيحٍ لَمَّا كَتَبَ يسألُه عن عَين الدَّابَّة: «إنَّا كنَّا ننزلها منزلةَ الآدَمِيِّ، إلاَّ أنَّه أجْمَعَ رأْيُنا أنَّ قيمتَها رُبُعُ الثَّمَن»

(8)

،

(1)

في (ق): لم ينقص.

(2)

في (ح): لن.

(3)

ينظر: الشرح الكبير 15/ 183.

(4)

في (ح): التلف.

(5)

في (ح): ولا.

(6)

في (ح) و (ظ): الدية.

(7)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (1/ 95)، والطبراني في الكبير (4878)، وقاسم بن أصبغ كما في المحلى (6/ 449)، قال ابن حجر:(وفي إسناده: أبو أمية بن يعلى وهو ضعيف). ينظر: نصب الراية 4/ 388، التلخيص الحبير 3/ 134.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (18418)، والبيهقي في الكبرى (16313)، عن شريح أن عمر:«كتب إليه في عين الدابة رُبع ثمنها» ، قال الحافظ في الدراية 2/ 283:(فيه جابر الجعفي وهو متروك). وأخرجه سعيد بن منصور (1961)، وابن أبي شيبة (27399)، والبيهقي في الكبرى (16314)، عن إبراهيم النخعي، وإبراهيم لم يدرك عمر. وقد أخرجه وكيع في أخبار القضاة (1/ 299)، من طريق مغيرة، عن إبراهيم، عن هاشم بن هبيرة به، ولم نقف على ترجمةٍ لهاشم، ولعله هشام بن هبيرة بن فضالة قاضي البصرة، قال ابن سعد:(معروف قليل الحديث)، فإن كان هو فالإسناد جيد. وروي عنه من طرق أخرى لا تخلو من ضعف، وقوَّى الحافظ أحد أسانيده كما في التلخيص 3/ 134.

ص: 191

وهذا إجْماعٌ فقُدِّم

(1)

على القياس.

وخَصَّ في «الرَّوضة» هذه الرِّوايةَ: بعَين الفَرَس، وأنَّ عَيْنَ غَيرِها بما نَقَصَ، لكِنْ

(2)

أحمدُ قالَهُ في عَينِ الدَّابَّة كقَول عُمَرَ

(3)

.

(وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)؛ أيْ: أنَّه يَضْمَنُ نَقْصَه بالقِيمة، رقيقًا كان أو غيرَه، وحديثُ زَيدٍ لا نَعرِفُ صحَّتَه، بدليلِ احْتِجاجِ أحمدَ بقول عُمَرَ دونَه

(4)

، مع أنَّ قَولَ عُمَرَ محمولٌ على أنَّ ذلك كان قَدْرَ نقصها، كما رُوِيَ عنه:«أنَّه قَضَى في العين القائمةِ: بخمسين دينارًا»

(5)

، ولو كان تقديرًا لوجب

(6)

في العَين نصفُ الدِّية؛ كعَينِ الآدَمِيِّ.

(وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ لِتَغَيُّرِ الْأَسْعَارِ؛ لَمْ يَضْمَنْ، نَصَّ عَلَيْهِ

(7)

وهو قولُ

(1)

في (ظ): يقدم.

(2)

في (ح) و (ظ): لكن قال.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3406، الروايتين والوجهين 1/ 410.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 410.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (17442)، وابن أبي شيبة (27062)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 413)، والبيهقي في الكبرى (16270)، عن ابن عباس، عن عمر:«في العين العوراء إذا نخست وكانت قائمة؛ ثُلُث ديتها» ، وإسناده صحيح كما قال الألباني في الإرواء 7/ 328، وصححه ابن حزم 11/ 34.

(6)

في (ح): لواجب.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 233.

ص: 192

جمهور العلماء؛ لأِنَّه ردَّ العَينَ بحالِها، لم ينقص منها

(1)

عَينٌ ولا صفةٌ، فلم يَلزَمْه شَيءٌ؛ كسَمِينٍ هَزَلَ، فزادت

(2)

.

وعنه: بلى، ذَكَرَها ابنُ أبي موسى، وقاله أبو ثَورٍ، كعَبدٍ خَصاهُ، فزادت قيمتُه.

وقيل: مع تَلَفِه.

(وَإِنْ نَقَصَتِ الْقِيمَةُ لِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ، ثُمَّ عَادَتْ بِبُرْئِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) إلاَّ ردَّه؛ لأِنَّه لم يُذهِبْ ما له قِيمةً، والعَيبُ الَّذي أوْجَبَ الضَّمانَ زال في يده، وكما لو انْقَلَع سِنُّه ثمَّ عاد.

ونَصُّه: يضمن النَّقصَ

(3)

؛ كزيادةٍ في يده على الأصحِّ.

فعلى الأوَّل: لو ردَّ المغصوبَ مَعِيبًا، وزال عَيبُه في يَدِ مالِكِه، وكان أَخَذَ الأَرْشَ؛ لم يَلزَمْه ردُّه؛ لأِنَّه اسْتَقرَّ ضَمانُه بردِّ المغصوب، وإن لم يأخُذْه؛ لم يَسقُطْ ضمانُه لذلِكَ.

(وَإِنْ زَادَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى؛ مِثْلَ: أَنْ تَعَلَّمَ صَنْعَةً، فَعَادَتِ الْقِيمَةُ؛ ضَمِنَ النَّقْصَ)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ الثَّانيةَ من غَيرِ جِنْس الأُولى، فلم يَنجَبر

(4)

بها.

(وَإِنْ زَادَتِ الْقِيمَةُ لِسِمَنٍ أَوْ نَحْوِهِ)، مِنْ تَعلُّمِ صَنْعةٍ؛ كغَصْبِه عَبْدًا قِيمتُه مائَةٌ، فزادت قِيمتُه بِما ذُكِر حتَّى صارتْ مائَتَينِ، (ثُمَّ نَقَصَتِ) القيمةُ بنُقْصانِ بَدَنِه، أوْ نِسْيانِ ما تَعَلَّمَه حتَّى صارَتْ قَيمتُه مائةً؛ (ضَمِنَ الزِّيادَةَ) مع ردِّه؛ لأِنَّها زيادةٌ في نفس المغْصوبِ، فَلَزِمَ الغاصِبَ ضمانُها، كما لو طالَبَه بردِّها فلم يَفعَلْ، وكما لو كانت موجودةً حالَ الغَصْب.

(1)

في (ح): منهما.

(2)

رسمت في (ق): وأديت. والذي في الفروع 7/ 237: فزادت قيمته.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 237.

(4)

في (ق): فلم تنجبر.

ص: 193

وعَنْهُ: لا يَضْمَنُها، ذَكَرَها ابنُ أبِي موسَى؛ لأِنَّه ردَّ العَينَ كما أَخَذَها.

(وَإِنْ عَادَ مِثْلُ الزِّيَادَةِ الْأُولَى مِنْ جِنْسِهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذَكَرَ في «الشَّرح» أنَّه أقْيَسُ؛ لأِنَّ ما ذَهَبَ عادَ، فهو كما لو مَرِضَ فنَقَصَتْ قِيمتُه، ثمَّ بَرَأَ فعادَتْ.

والثَّانِي: يَضمَنُها، صحَّحه ابنُ حَمْدانَ، كما لو كانا من جِنسَينِ، ولأِنَّ الزِّيادةَ الثَّانيةَ غَيرُ الأُولَى، فعلى هذا: لَوْ هُزِلَت مرَّةً ثانيةً؛ بأنْ كان قِيمتُها مائَةً يَومَ الغَصْب، فَسَمِنَتْ، فَبَلغَتْ ألْفًا، ثمَّ هُزِلَت فعادَتْ إلى مائةٍ، ثمَّ سَمِنَتْ فعادت إلى ألْفٍ، ثمَّ هُزِلَت فعادت إلى مائةٍ؛ ضَمِنَ النَّقْصَينِ بألْفٍ وثَمانِمائةٍ.

وقيل: يَضمَنُ أكثرَ السِّمَنَينِ قِيمةً، جَزَمَ به في «الوجيز» .

(وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْأُولَى؛ لَمْ يَسْقُطْ ضَمَانُهَا)، جَزَمَ به أكثرُ الأصحاب؛ لأِنَّ الثَّانيةَ غَيرُ الأُولَى.

وقال أبو الخَطَّاب: مَتَى زادَتْ، ثمَّ نَقَصَت، ثُمَّ زاد مثلُ الزِّيادة الأُولى؛ فَوَجْهانِ، سواءٌ كانا من جِنسَينِ؛ كالسِّمَن والتَّعلُّم، أو من جنسٍ؛ كسِمَنٍ مرَّتَينِ.

(وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا مُفْرِطًا فِي السِّمَنِ، فَهُزِلَ، فَزَادَتْ قِيمَتُهُ)، أوْ لم تَنقُص القِيمةُ؛ (رَدَّهُ)؛ لأِنَّه عَيْنُ ملْكِ غَيرِه، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ القِيمةَ لم تَنقُصْ، فلم يَجِبْ شَيءٌ.

فَرْعٌ: إذا غَصَبَ دارًا فَنَقَضَها ولم يَبْنِها؛ فعليه أُجْرتُها إلى حين نَقْضها، وأجْرُها مهدومةً من حين نَقْضها إلى حين ردِّها، وإنْ بَنَاها بآلة مِنْ عِندِه؛ فالحُكمُ كذلِكَ، وإن كان بآلتها أو آلةٍ مِنْ ترابها، أو ملْكِ المغْصوبِ منه؛ فعليه أُجرتُها عَرْصَةً منذُ نَقَضَها إلى أنْ بَنَاها، وأُجْرتُها دارًا فِيمَا قَبْلَ ذلِكَ وبَعْدَه.

ص: 194

(وَإِنْ نَقَصَ الْمَغْصُوبُ نَقْصًا غَيْرَ مُسْتَقِرٍّ؛ كَحِنْطَةٍ ابْتَلَّتْ وَعَفِنَتْ؛ خُيِّرَ بَيْنَ أَخْذِ مِثْلِهَا)؛ أيْ: أخْذِ بَدَلِها، (وَبَيْنَ تَرْكِهَا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فَسَادُهَا وَيَأْخُذَهَا وَأَرْشَ نَقْصِهَا)؛ كذا قالَهُ في «الهداية» ، و «الوجيز» .

وفي «المغْنِي» : أنَّ هذا القَولَ لا بأْسَ به؛ لأِنَّه لا يَجِبُ المِثْلُ؛ لِوجودِ عَينِ مالِه، ولا يَجِبُ أرْشُ العَيب؛ لعَدَمِ اسْتِقراره؛ لأنَّه لا يُمكِنُ معرفتُه ولا ضَبطُه، وحَيثُ كان كذلك بَقِيَتِ الخِيَرةُ إلَيهِ بَينَ أخْذِ البَدَل؛ لِمَا في التَّأخير من الضَّرَر، وبَينَ الصَّبر حتَّى يَسْتَقِرَّ الفسادُ؛ لأِنَّه إذا رَضِيَ بالتَّأخِيرِ سَقَطَ، فيأخُذُ العَينَ؛ لأِنَّها ملْكُه، ويأخُذُ أرْشَ النَّقص من الغاصِبِ؛ لأِنَّه حَصَلَ بجِنايته، أشْبَه تَلَفَ الجزءِ

(1)

المغصوب.

وقيل: يَجِبُ الأرْشُ مطلَقًا.

وقال القاضِي: عليه بَدَلُه؛ لأِنَّه لا يَعلَمُ قَدْرَ نَقْصِه.

ولم يرجِّح في «الفروع» شَيئًا.

فَرْعٌ: إذا اسْتَعْمَل عبدًا بغَيرِ إذْنِ سيِّده؛ فهو كغَصْبه.

وكلُّ مغصوبٍ زكَّاه مالِكُه حالَ غَصْبِه؛ رَجَعَ بما غَرِمَ على غاصبه

(2)

، قال ابن حمْدانَ: إنْ ضَمِنَ منفعةَ المغْصُوبِ؛ ضَمِنَ، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ جَنَى الْمَغْصُوبُ؛ فَعَلَيْهِ)؛ أي: الغاصِبِ (أَرْشُ جِنَايَتِهِ)؛ لأِنَّه نَقْصٌ في العبد الجانِي، فكان عليه؛ كسائر نَقْصِه، (سَوَاءٌ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ)؛ لأِنَّها من جُملةِ جِناياتِه، فكان مضمونًا على الغاصب؛ كالجناية على الأجنبيِّ، وقيل: لا يَضمَنُ جنايتَه على سيِّده لتعلُّقها برَقَبَته، (أَوْ غَيْرِهِ)، وسواءٌ في ذلك ما يُوجِب القِصاصَ أو المالَ، ولا يَلزَمُه أكثرُ من النَّقْص الَّذي لَحِقَ العَبْدَ.

(1)

في (ح) و (ظ): الحر.

(2)

في (ق): صاحبه.

ص: 195

(وَجِنَايَتُهُ عَلَى الْغَاصِبِ وَعَلَى مَالِهِ؛ هَدَرٌ)؛ لأِنَّه إذا جَنَى على أجْنَبِيٍّ وَجَبَ أرْشُه على الغاصِبِ، فلو وَجَبَ له شَيءٌ؛ لَوَجَبَ على نفسه.

ومحلُّه: في غَيرِ قَوَدٍ، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ، فلو قَتَلَ عَبْدًا لأِحَدِهِما عَمْدًا؛ فله قَتْلُه به، ثمَّ يَرجِعُ السَّيِّدُ بِقِيمَتِه على الغاصِبِ فِيهِمَا.

(وَتُضْمَنُ

(1)

زَوَائِدُ الْغَصْبِ؛ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ؛ كَالْأَصْلِ)، سَواءٌ تَلِفَ منفرِدًا أوْ مع أصْلِه؛ لأِنَّه مالٌ مَغْصوبٌ حَصَلَ في يَدِه، فيَضمَنُه بالتَّلَف؛ كالأصل

(2)

.

(1)

في (ظ): ويضمن.

(2)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصله رحمه الله تعالى).

ص: 196

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ خَلَطَ الْمَغْصُوبَ بِمَالِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ مِنْهُ

(1)

، مِثْلَ: أَنْ خَلَطَ حِنْطَةً أَوْ زَيْتًا بِمِثْلِهِ؛ لَزِمَهُ مِثْلُهُ)، قَولاً واحدًا؛ لأِنَّه مِثْلِيٌّ، فيَجِبُ مِثْلُ مَكِيلِهِ، (مِنْهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ

(2)

، ونَصَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ به المجْدُ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّه قَدَرَ على دَفْع ماله إليه مع ردِّ المِثْل في الباقي، فلم يَنْتَقِلْ إلى بَدَلِه في الجميع، كما لو غَصَبَ صاعًا، فتَلِفَ بعضُه.

(وَفِي الآْخَرِ: يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ مِنْ حَيْثُ شَاءَ)، قال القاضِي: هو قِياسُ المذْهَب؛ لأِنَّه تعذَّر ردُّ عَينِ مالِه بالخَلْط؛ فوجَب مُطلَقُ الِمثْل.

وفي «الوسيلة» و «الموجز» : قسم ثمنهما

(3)

بقدْر قيمتهما.

أمَّا لو خلطه

(4)

بما لا قِيمةَ له، كزَيتٍ خَلَطَه بماءٍ؛ فإنْ أمْكَنَ تخليصُه؛ خَلَّصَه وردَّه، وردَّ نَقْصه، وإن لم يُمكِن تخليصُه، أو كان ذلك يُفسِده؛ لَزِمَه مِثلُه، وإن لم يُفسِدْه؛ ردَّه ورَدَّ نَقصَه، وإنِ احْتِيجَ في تخليصه إلى غرامةٍ؛ فعلى الغاصِبِ.

(وَإِنْ خَلَطَهُ بِدُونِهِ، أَوْ خَيْرٍ مِنْهُ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) على وجْهٍ لا يتميَّزُ؛ (لَزِمَهُ مِثْلُهُ فِي قِيَاسِ التِي قَبْلَهَا)، قال القاضِي: هذا قِياسُ المذْهَب؛ لأِنَّه صار بالخَلْط مُسْتَهْلَكًا.

وكذا لو اشترى زَيتًا فخَلَطَه بزَيته، ثمَّ أفْلَس؛ صار البائعُ كبعض الغُرَماء؛

(1)

قوله: (منه) سقط من (ح).

(2)

ينظر: المغني 5/ 214.

(3)

في (ح) و (ق): بينهما. والمثبت موافق لما في الفروع 7/ 239.

(4)

في (ظ): خلط.

ص: 197

لأِنَّه تعذَّر عليه الوصول

(1)

إلى عَينِ مالِه، فكان له بَدَلُه، كما لو كان تالفًا

(2)

.

إلاَّ أنَّه إذا خَلَطَه بخَيرٍ منه، وبَذَلَ الغاصِبُ مِثلَ حقِّه منه؛ لَزِمَه قَبولُه، وإن كان بأدْنَى منه، فرضي المالكُ بأخْذِ قَدْرِ حقِّه منه؛ لزِمَ الغاصِبَ بَدَلُه.

وقيل: لا؛ لأنَّ حقَّه انتَقَل إلى الذِّمَّة، فلم يُجبَر على عين

(3)

مالٍ.

وإن اتَّفَقا على أن يأخذ أكثرَ من حقِّه من الرَّدِيء، أو دُونِ حقِّه من الجيِّد؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّه رِبًا، وإن كان بالعكس، فرضِيَ بأخْذِ

(4)

دُونِ حقِّه من الرَّديءِ، أو سَمَحَ الغاصِبُ بدَفْع أكثرَ من حقِّه من الجيِّد؛ جاز؛ لأِنَّه لا مُقابِلَ للزِّيادة.

وإن خَلَطَه بغَيرِ جِنسِه، فتراضَيَا على أنْ يأخُذَ دُونَ حقِّه، أو أكثر؛ جازَ؛ لأِنَّ بَدَلَه من غَيرِ جِنْسه، فلا تَحرُمُ الزِّيادةُ بَينَهما.

(وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: أَنَّهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مِلْكَيْهِمَا)، هذا هو المذْهَبُ عند المحقِّقين، قال في رواية أبي الحارث في رجلٍ له رَطْل شيرج

(5)

، وآخَرَ له رَطْلُ زَيتٍ، واخْتَلَطا: يُباعُ الدُّهنُ كلُّه، ويُعطَى كلُّ واحِدٍ قَدْرَ حصَّته؛ لأِنَّه إذا فَعَلَ ذلك وَصَلَ كلُّ واحد

(6)

إلى عَينِ مالِه

(7)

.

فإن نَقَصَ المغصوبُ عن قيمته منفرِدًا؛ فعلى الغاصب ضمانُ النَّقص؛ لأِنَّه حصل بفِعْله.

فلو اختَلَط درهمٌ باثْنَينِ لآِخَرَ فتَلِفَ اثنانِ؛ فما بَقِيَ بَينَهما على ثلاثةٍ، أو

(1)

في (ح): الموصول.

(2)

في (ظ): بالغًا.

(3)

في (ظ): غير.

(4)

في (ق): يأخذ.

(5)

قوله: (شيرج) سقط من (ح) و (ق).

(6)

قوله: (واحد) سقط من (ح) و (ق).

(7)

ينظر: المغني 5/ 214.

ص: 198

نِصفَانِ؟ فيه وجْهانِ.

مسألة: إذا اختَلَط نقدٌ حرامٌ بمِثْله، أو أكثرَ؛ دَفَعَ قدْرَ

(1)

الحرام إلى مالكه، أو مَنْ يقوم مقامَه، أو تصدَّق به عن ربِّه إنْ جَهِله، وما بقي حلالٌ.

وإنْ

(2)

عَبَر الحرام الثُّلثَ، وقيل: أو بَلَغَه؛ حرُم الكلُّ، وتصدَّق به.

وقيل: كالأوَّل؛ يُخرِج قدرَ الحرام.

قال أحمد في الذي يعامِلُ بالرِّبا: يأخذ رأسَ ماله، ويَرُدُّ الفضْلَ إن عَرَفَ ربَّه، وإلاَّ تصدَّق به

(3)

، ولا يُؤكَلُ عِندَه شَيءٌ

(4)

.

وإنْ شَكَّ في قَدْرِ الحرام؛ تَصَدَّق بما يَعلَمُ أنَّه أكثرُ منه، نَصَّ على ذلك كلِّه

(5)

.

(وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ، أَوْ سَوِيقًا فَلَتَّهُ بِزَيْتٍ، فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُمَا، أَوْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ ضَمِنَ النَّقْصَ)؛ لأِنَّه حصل بتعدِّيه فضمنه

(6)

، كما لو أتْلَف بعضَه، فإن كان النَّقص بسبب تغيُّر الأسعار؛ لم يَضمَنه على المذهب.

(وَإِنْ لَمْ تَنْقُصِ) القيمةُ (وَلَمْ تَزِدْ)؛ كما لو كانت قيمةُ كلِّ واحِدٍ منهما خمسةً، فصارَتْ قيمتُهما عشرةً، (أَوْ زَادَتْ قِيمَتُهُمَا

(7)

؛ فَهُمَا شَرِيكَانِ بِقَدْرِ مَالَيْهِمَا)؛ لأِنَّ عَينَ الصِّبْغِ ملْكُ الغاصِبِ، واجْتِماعَ الملْكَينِ يقتضي الاِشْتِراكَ.

(1)

في (ق): بقدر.

(2)

في (ق): فإن.

(3)

قوله: (به) سقط من (ح).

(4)

ينظر: الورع للمروذي ص 53.

(5)

ينظر: الورع للمروذي ص 62.

(6)

في (ح): فيضمنه.

(7)

في (ح): قيمتها.

ص: 199

(وَإِنْ زَادَتْ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا؛ فَالزِّيَادَةُ لِصَاحِبِهِ

(1)

؛ أيْ: لصاحِبِ الملك الَّذي زادت قيمتُه؛ لأِنَّها تَبَعٌ للأصل

(2)

، فعلى هذا: إن كانت لزيادة الثِّياب في السُّوق؛ كانت الزيادة لمالك الثَّوب، وإن كانت لزيادة الصِّبغ؛ فهي لمالك الصِّبْغ.

(فَإِنْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا قَلْعَ الصِّبْغِ؛ لَمْ يُجْبَرِ الآْخَرُ عَلَيْهِ)؛ أيْ: يُمنَعُ طالِبُ قَلْعِ الصّبغ منهما، كذا في «المحرر» ، و «الوجيز» ، و «الفروع» ؛ لأِنَّ المريدَ للقلع إمَّا الغاصِبُ؛ لم يُجْبَر المغصوبُ منه؛ لأِنَّ مالَه يَنقُص بسبب أخْذِه، أو المغصوبُ منه؛ لم يُجبَر الغاصبُ عليه؛ لأِنَّ الصّبغَ يهلِك بالإخراج، وقد أمْكَنَ وصولُ الحقِّ إلى صاحبه بدونه، وهو البَيعُ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُجْبَرَ إِذَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ النَّقْصَ)؛ لأِنَّ المانِعَ لِمَا يَلحَقُه من الضَّرر، فإذا ضَمِنَه الغاصِبُ؛ انْتَفَى، فَوَجَبَ أن يجبَر؛ عَمَلاً بالمقتضي

(3)

السَّالم عن المعارض

(4)

.

وظاهِرُه يَقتَضِي اختصاصَ هذا بمن ذُكِر، وليس كذلك، فإنَّ الحكمَ في الآخَر كذلك، وعبارةُ «المحرر» و «الفروع» أَوْلى: ويَحتَمِل أنْ يُمكَّنَ إذا ضَمِنَ نقصَ حقِّ الآخَر

(5)

.

وعنه: لا يَضمَنه ربُّ المال كبناءٍ.

ونقل في «الشَّرح» عن الأصحاب: أنَّ الغاصب إذا أراد قَلْعَ الصِّبغ؛ فله ذلك، سواءٌ أضرَّ بالثَّوب أو لا، ويَضمَنُ نَقْصَ الثَّوب؛ لأِنَّه عَينُ مالِه.

(1)

في (ظ): لصاحبها.

(2)

في (ح): الأصل.

(3)

في (ح): بالقبض.

(4)

في (ح): العارض.

(5)

ينظر: المحرر 1/ 361، الفروع 7/ 240.

ص: 200

وظاهر «الخِرَقِيِّ» : أنَّه لا يَملِكُ القَلعَ حيث تضرر

(1)

الثَّوبُ.

ولم يفرِّق أصحابُنا بين ما يَهلِك صِبغُه بالقَلْع وبَينَ ما لا يَهلِك، قال في «المغني»: وينبغِي أنَّه لا يملكه إذا هَلَك بالقَلْع؛ لأِنَّه سَفَهٌ.

وإن أراده المغصوبُ منه؛ فوجهانِ.

وظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه لا يَملِك إجبارَه عليه، ولا يُمَكَّنُ من قَلْعِه

(2)

.

وحكى في «الرعاية» احتِمالاً: أنَّ له قلعَه بأرْشِه مع بقاء قيمةِ الثَّوب قَبلَه.

وليس للغاصِبِ أخْذُ الثَّوب بقيمته، فلو بذل ربُّ الثَّوب قيمةَ الصِّبغ لمالكه؛ لم يُجبَر على قَبوله، كما لو بذل قيمةَ الغِراس.

وقيل: بلى إذا لم يَقلَعه؛ كالغرس في الأرض المشفوعة.

(فَإِنْ

(3)

وَهَبَ الصِّبْغَ لِلْمَالِكِ، أَوْ وَهَبَهُ تَزْوِيقَ الدَّارِ وَنَحْوِهَا؛ فَهَلْ يَلْزَمُ الْمَالِكَ قَبُولُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: أنَّه يَلزَمه قَبولُ ذلك؛ لأِنَّ الصِّبغَ صار من صفات العَينِ، فهو كزيادة الصِّفة في المسلَم به، وكنَسْج الغَزْلِ، لا هبةُ مساميرَ سمَّر بها الباب المغصوبَ.

والثَّاني: لا؛ لأنَّه عَينٌ يُمكِن إفرادُها؛ كالغراس.

فإنْ أراد مالِكُ الثَّوب بَيعَه؛ فله ذلك؛ لأِنَّه ملكُه، وإن أراد الغاصِبُ بَيعَه؛ لم يُجَبْ إليه؛ لِتعدِّيه.

(1)

في (ح): يضرر.

(2)

قاله القاضي، وفي المغني 5/ 216:(قال القاضي: هذا ظاهر كلام أحمد، ولعله أخذ ذلك من قول أحمد في الزرع، وهذا مخالف للزرع؛ لأن له غاية ينتهي إليها، ولصاحب الأرض أخذه بنفقته، فلا يمتنع عليه استرجاع أرضه في الحال، بخلاف الصبغ، فإنه لا نهاية له إلا تلف الثوب، فهو أشبه بالشجر في الأرض).

(3)

في (ح): وإن.

ص: 201

(وَإِنْ غَصَبَ صِبْغًا فَصَبَغَ بِهِ ثوبًا

(1)

، أَوْ زَيْتًا فلتَّ

(2)

بِهِ سَوِيقًا؛ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ)؛ أيْ: أنَّهما شريكانِ، حَيثُ كان الصِّبْغُ والثَّوب ملكًا للغاصب؛ لأِنَّه خَلَطَ المغصوبَ بماله.

(وَاحْتَمَلَ: أَنْ تَلْزَمَهُ قِيمَتُهُ، أَوْ مِثْلُهُ إِنْ كَانَ مِثْلِيًّا)؛ لأِنَّ الصِّبغَ قد تفرَّق في الثَّوب، والزَّيتَ مُسْتهلَكٌ في السَّويق

(3)

، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَهُما.

(وَإِنْ غَصَبَ ثَوْبًا وَصِبْغًا فَصَبَغَهُ بِهِ؛ رَدَّهُ)؛ لأِنَّه عَينُ ملْكِ غَيرِه، (وَ) يَرُدُّ (أَرْشَ نَقْصِهِ)؛ لأِنَّه حصل بفِعْله، (وَلَا شَيْءَ لَهُ فِي زِيَادَتِهِ)؛ لأِنَّه مُتَبرِّعٌ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونا لاِثْنَينِ أوْ لواحِدٍ.

وفي «الرِّعاية» : إذا كانا من واحِدٍ وزادا

(4)

؛ فزيادتُهما لَغْوٌ، ويَحتَمِل الشَّرِكة، وإن كانا من اثْنَينِ؛ اشتركا في الأصل، والزِّيادةُ بالقيمة، وما نقص أحدَهما؛ غَرِمَه الغاصِبُ.

وقيل: زيادةُ أحدهما لِربِّه.

وفي «الشَّرح» : هما شريكانِ بقدر ملْكَيْهما، فإن زادت فالزِّيادةُ لهما، وإن نَقَصَ فالضَّمانُ على الغاصب، ويكون النَّقصُ من صاحب الصِّبغ؛ لأِنَّه تَبَدَّد في الثَّوب، ويَرجِع بها على الغاصب، وإن نقص السِّعرُ لنَقْص سعر الثِّياب، أو الصِّبغ، أو هما؛ لم يَضمَنه الغاصبُ، وكان نقصُ كلِّ واحِدٍ من صاحبه.

فَرْعٌ: إذا دَفَع ثَوبًا إلى غَير مالكه، فَلَبِسه ولم يَعلَم؛ ضَمِنه دافِعُه. وقيل: لابِسُه. وقيل: يَجِب أكثرُهما إن كان له أجرةٌ، وإلاَّ فأرْشُه فقط.

(1)

قوله: (ثوبًا) سقط من (ح).

(2)

في (ح): فات.

(3)

قوله: (واحتمل أن تلزمه قيمته) إلى هنا سقط من (ق).

(4)

في (ح): وزاد.

ص: 202

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ وَطِئَ الْجَارِيَةَ) بَعْدَ غَصْبها؛ فهو زانٍ؛ لأنَّها لَيستْ زوجةً، ولا ملْكَ يمينٍ، (فَعَلَيْهِ الْحَدُّ)؛ أيْ: حدُّ الزِّنى إذا

(1)

كان عالِمًا بالتَّحريم؛ لأِنَّه لا ملْكَ له عليها، ولا شبهةَ ملْكٍ، (وَالْمَهْرُ)؛ أي: مهرُ مِثلِها؛ لأِنَّه يَجِبُ بالوطء في غَير ما ذكرنا، (وَإِنْ كَانَتْ مُطَاوِعَةً)؛ لأِنَّ المهرَ حقٌّ للسَّيِّد، فلم يَسقُطْ بمُطاوَعَتها، كما لو أذِنَتْ في قَطْعِ طَرَفها.

وعَنْه: لا مَهْرَ لِمُطاوِعةٍ؛ لأِنَّه «عليه السلام نهى عن مهر البَغِيِّ»

(2)

.

وجوابُه: بأنَّه محمولٌ على الحُرَّة، ولأِنَّه حقٌّ للسَّيِّد مع الإكراه

(3)

، فيَجِبُ مع الطواعية؛ كأجْر مَنافِعِها.

(وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا

(4)

؛ لأِنَّه بَدَلُ جُزءٍ منها

(5)

.

وقيل: لا يَجِبُ؛ لدُخوله في مَهْر البِكْر، ولهذا تَزيدُ

(6)

على مَهْر الثَّيِّب عادةً؛ لَأجْلِ ما يَتَضَمَّنُه من تَفْويتِ البَكارة.

(وَعَنْهُ: لَا يَلْزَمُهُ مَهْرُ الثَّيِّبِ)؛ لأِنَّه لم يَنقُصْها ولم

(7)

يُؤْلِمْها، أشْبَهَ ما لو قَبَّلَها.

والأوَّلُ أَوْلَى.

(1)

في (ح): إذ.

(2)

أخرجه البخاري (2237)، ومسلم (1567)، من حديث أبي مسعود الانصاري رضي الله عنه.

(3)

في (ح): إلا إكراه.

(4)

في (ح): البكارة.

(5)

قوله: (جزء منها) في (ق) حرمتها.

(6)

في (ق): يزيد.

(7)

في (ق): ولو.

ص: 203

(وَإَنْ وَلَدَتْ؛ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ)؛ لأِنَّه مِنْ نَمائِها وأجْزائِها، ولأِنَّه يَتْبَع أُمَّه في الرِّقِّ في النِّكاح الحَلالِ؛ فهُنا أَوْلَى، ولا يُلحَقُ نَسَبُه بالواطِئ؛ لأِنَّه مِنْ زنىً، ويَجِبُ رَدُّه معها؛ كزوائد الغَصْب.

وإنْ سَقَطَ ميتًا؛ لم يَضمَنْه، ذَكَرَه القاضِي؛ لأِنَّه لا يعلم حياتَه قبل هذا.

وقال أبو الحُسَينِ: يجب ضَمانُه بقيمته لو كان حيًّا.

وفي «المغني» : يَضمَنُه بعُشْر قِيمةِ أُمِّه؛ لأِنَّه الَّذي يَضمَنُه في الجناية

(1)

.

فلو وَضَعَتْه حيًّا ثمَّ مات؛ ضَمِنَه بقِيمته يَومَ انْفِصالِه.

(وَيَضْمَنُ نَقْصَ الْوِلَادَةِ)؛ لأِنَّه نَقْصٌ حصل بفِعْله؛ كنَقْصِها بقَطْع طَرَفِها، ولا يَنجَبِرُ بزيادتها بالولد.

وإنْ ضَرَبَ الغاصِبُ بَطْنَها، فألْقَت الجَنِينَ ميتًا؛ فعليه عُشرُ قِيمةِ أُمِّه؛ كالأجنَبِيِّ، وللمالِكِ تضمينُ أيِّهما شاء، ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الضَّارِب؛ لأِنَّ الإتْلافَ وُجِدَ منه.

وإنْ ماتَت الجارِيةُ؛ فعليه قِيمتُها أكثرَ ما كانت، ويَدخُل فيه أَرْشُ بَكارَتِها، ونَقْصُ الوِلادَةِ، دُونَ وَلَدٍ ومَهْرٍ.

فأمَّا إنْ كان الغاصِبُ جاهِلاً بالتَّحريم؛ لم يُحدَّ، وعَلَيهِ المهْرُ وأَرْشُ البَكارةِ، والولَدُ حُرٌّ، يَلحَقُه نَسَبُه؛ لِمكان الشُّبْهة.

وهي إنْ كانت مُطاوِعةً عالِمةً بالتَّحريم؛ فعَلَيها الحَدُّ إنْ كانت من أَهْله، وإلاَّ فَلَا.

فرع: ضَرَب بهيمةً، فألْقَتْ جنينًا ميتًا؛ ضَمِن نَقْصَ القِيمة، نَصَّ عليه

(2)

. وقيل: بل عُشْرَ قِيمةِ أُمِّه. وقيل: بل قِيمتَه

(3)

لو كان حَيًّا.

(1)

في (ق): الحياة.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3460.

(3)

في (ق): بقيمته.

ص: 204

وإنْ تَلِفَ لا بجِنايَةٍ؛ فَهَدَرٌ. وقيل: يَضمَنُ؛ لأِنَّ التَّلَفَ كالإتْلاف.

(وَإِنْ بَاعَهَا أَوْ وَهَبَهَا لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ)؛ فهو فاسِدٌ على المذهب، (فَإِنْ وَطِئَهَا؛ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا شَاءَ)، أمَّا الغاصِبُ؛ فلأِنَّه السَّببُ في إِيصالِها إلى الغَير، وأمَّا المشْتَري والمتَّهِب؛ لأِنَّه المتْلِفُ، ولِمَا فيه من

(1)

تحصيل حقِّه، وزَجْرِ مَنْ يَشتريه مِنْ غاصِبِه أوْ متَّهبه؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما غاصِبٌ، (نَقْصَهَا، وَمَهْرَهَا، وَأُجْرَتَها، وَقِيمَةَ وَلَدِهَا)؛ أي: التَّالِف؛ لأِنَّ ذلك جميعَه يَضمَنُه الغاصِبُ لو انْفَرَد؛ فكذا هُنا.

(فَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبُ؛ رَجَعَ عَلَى الآْخَرِ)؛ لأِنَّ النَّقْصَ حصل في يده، والمنفعةَ حصلت له، (وَلَا يَرْجِعُ الآْخَرُ) - وهو المشْتَرِي والمتَّهِبُ حَيثُ ضَمِنَه - (عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه المتْلِفُ، فاسْتَقَرَّ الضَّمانُ عليه.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِالْغَصْبِ، فَضَمَّنَهُمَا) المالِكُ المهرَ وأَرْشَ البَكارة ونَقْصَ الولادة؛ (رَجَعَا عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّهما دَخَلَا في العَقْد على أنْ يُتْلِفا ذلك بغَيرِ عِوَضٍ، فَوَجَبَ أنْ يَرجِعا عليه؛ لكَونِه غَرَّهما.

(وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ)؛ لاِعْتِقاده أنَّه وَطِئَ مَمْلوكَتَه، ويَلحَقُه النَّسب؛ لِمَكان الشُّبهة، (وَيَفْدِيهِ) على الصَّحيح؛ لأِنَّه فوَّتَ رِقَّه على سيِّده باعْتِقاده حِلَّ الوَطْءِ، أشْبَهَ وَلَدَ المغْرورِ.

وعنه: لا فداء عليه؛ لاِنْعِقاده حُرًّا.

والمذْهَبُ الأوَّلُ، فيكون الفِداءُ يَومَ الوَضْع، وهو مختارُ القاضِيَيْنِ والشَّيخَينِ وغيرِهم؛ لأِنَّه أوَّلُ أوْقاتِ الإمْكانِ، وظاهِرُ إطْلاقِ أحمدَ في روايةِ ابنِ منصورٍ: أنَّه يَومُ المحاكَمَةِ

(2)

.

(1)

قوله: (ولما فيه من) في (ح): لما فيهن.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2926.

ص: 205

(بِمِثْلِهِ فِي صِفَاتِهِ تَقْرِيبًا)، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ، والخِرَقِيِّ، والقاضِي، وعامَّةِ أصحابه؛ لأِنَّ الوَلَدَ حُرٌّ، والحرُّ لا يُضمَنُ بالقِيمة.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُعْتَبَرَ مِثْلُهُ فِي الْقِيمَةِ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ، واختاره أبو بَكْرٍ؛ لأِنَّه أقْربُ من نَفْسِ القِيمةِ.

(وَعَنْهُ: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ)، اخْتارَه في «التَّلخيص» ، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الحَيَوانَ لَيسَ بمِثْلِيٍّ، فيُضمَنُ بقِيمَتِه؛ كسائر المتقوِّمات.

وعنه: بأيِّهما شاء، اختاره أبو بَكرٍ في «المقنع» .

(وَيَرْجِعُ بِهِ

(1)

بالمهْرِ وما فُدِيَ به الوَلَدُ (عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّه قد غَرَّه، وقَضَى به عُمَرُ في المهْرِ

(2)

.

وعن أحمدَ: لا رُجوعَ له بالمهر، قَضَى به علِيٌّ

(3)

.

(1)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(2)

أخرجه مالك (2/ 526)، وعبد الرزاق (10679)، وابن أبي شيبة (16295)، وسعيد بن منصور (818)، والدارقطني (3672)، والبيهقي في الكبرى (13773)، عن سعيد بن المسيب أنه قال: قال عمر بن الخطاب: «أيما رجل تزوج امرأة، وبها جنون أو جذام أو برص فمسَّها، فلها صداقها كاملاً، وذلك لزوجها غرم على وليها» ، إسناده صحيح، ومراسيل سعيد عن عمر صحيحة عند جمهور أئمة الإسلام. ينظر: زاد المعاد 5/ 166، جامع التحصيل ص 88.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (10677)، وسعيد بن منصور (820)، والدارقطني (3675)، والبيهقي في الكبرى (14229)، عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال:«أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسَّها فلها المهر بما استحل من فرجها» ، وهذا منقطع، وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1571)، عن الحسن، عن علي رضي الله عنه، ولم يسمع منه. وأخرجه ابن الجعد (241)، عن الحكم عن علي رضي الله عنه. وهو منقطع أيضًا. والأثر قوي بمجموع المراسيل، واحتج به أحمد كما في الروايتين 1/ 413.

ص: 206

ثُمَّ إنْ كانت الجاريةُ باقِيةً؛ رَدَّها إلى سيِّدها، ولا يَرجِع بِبَدلها؛ لأِنَّها ملْكُ المغصوب منه، لكِنْ يَرجِعُ بالثَّمَن الَّذي أَخَذَه منه.

(وَإِنْ تَلِفَتْ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا) لِمالِكِها، كما يَلزَمُه نَقْصُها، فلو قَتَلَها الغاصِبُ بوَطْئِه؛ فالدَّيةُ، نَقَلَه مُهَنَّى

(1)

.

(وَلَا يَرْجِعُ بِهَا) على الغاصب

(2)

(إِنْ كَانَ مُشْتَرِيًا)؛ لأِنَّ المشْتَرِيَ دَخَلَ مع الغاصب على أنْ يكونَ ضامِنًا لذلك الثَّمَنِ، فإذا ضَمَّنَه القِيمةَ؛ لم يَرجِعْ بها، لكِنْ يَرجِعُ بالثَّمَن؛ لأِنَّ البَيعَ باطِلٌ، فلا يَدخُلُ الثَّمَن في ملْكِ الغاصِبِ، كما لو وَجَدَ العَينَ باقِيَةً.

(وَيَرْجِعُ بِهَا)؛ أيْ: بقِيمة العَين (الْمُتَّهِبُ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه دَخَلَ مع الغاصب على أنْ يُسَلِّم له العَينَ، فيَرجِعُ بما غَرَمَ مِنْ قِيمتِها على الغاصِبِ؛ كقِيمةِ الأوْلادِ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ مَا حَصَلَتْ لَهُ بِهِ مَنْفَعَةٌ

(3)

كَالْأُجْرَةِ، وَالْمَهْرِ، وَأَرْشِ الْبَكَارَةِ؛ لَا يَرْجِعُ بِهِ)، اخْتارَهُ أبو بَكْرٍ؛ لأِنَّه غَرِمَ ما اسْتَوْفَى بَدَلَه، فلا يَرجِعُ به؛ كقِيمةِ الجارِيةِ، وبَدَلِ أجْزائها.

وجُمْلَتُه: أنَّ المالِكَ إذا رَجَعَ على المشْتَرِي، فأراد المشْتَرِي الرُّجوعَ على الغاصب؛ فهو على أقْسام:

الأوَّل: لا يَرجِعُ به، وهو قيمتها

(4)

إنْ تَلِفَتْ في يَدِه، وأَرْشُ بَكارتها.

وعنه: بلى، كالمهْرِ، وبَدَلِ أجزائها؛ لأِنَّه دخل مع

(5)

الغاصب على أنْ

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 231، الفروع 7/ 246.

(2)

قوله: (على الغاصب) سقط من (ظ) و (ق). وأشار إليها في هامش (ظ) على أنها في نسخة.

(3)

في (ظ): شفعة.

(4)

في (ح): وقيمتها.

(5)

قوله: (مع) سقط من (ح).

ص: 207

يكونَ ضامِنًا لذلك الثَّمَنِ، فإذا ضَمِنَه؛ لم يَرجِعْ به.

الثَّاني: يَرجِعُ به، وهو بَدَلُ الولد ونَقْصُ الولادة؛ لأنَّه دَخَلَ في العقد على أنْ لا يكون الولدُ مضمونًا عليه، ولم يَحصُلْ منه إتْلافٌ، وإنَّما الشَّرعُ أتْلَفَه بحُكمِ مَنْعِ الغاصِبِ منه.

الثَّالِثُ: مَهْرُ المِثْل وأُجْرةُ نَفْعِها، وفيه رِوايتانِ؛ أشْهَرُهما: أنَّه يَرجِعُ به؛ لأِنَّه دَخَل في العقد على أنْ يُتْلِفَه بغَيرِ عِوَضٍ، فإذا غَرِمَ؛ رَجَعَ به كبَدَلِ الولد.

(وَإِنْ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ؛ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه، فهو كالمباشِر، والغاصِبُ كالمتَسَبِّب، (بِمَا لَا يَرْجِعُ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِ)؛ أي: على الغاصِبِ؛ لأِنَّه لا فائدةَ فيه.

وضابِطُه: أنَّ كلَّ ما رَجَعَ به على المشْتَرِي؛ لا يَرجِعُ به المشْتَرِي على الغاصب إذا رجع به المالِكُ على الغاصِبِ، ورَجَعَ به الغاصِبُ على المشْتَرِي، وكلَّ ما لو رَجَع به على المشْتَرِي رَجَع به المشْتَرِي على الغاصب إذا غَرِمَه الغاصِبُ؛ لم يَرجِعْ به على المشْتَرِي؛ لأِنَّ الضَّمانَ اسْتَقَرَّ على الغاصِبِ.

فإنْ ردَّها حامِلاً، فماتَتْ من الوَضْعِ

(1)

؛ فهِيَ مضمونَةٌ على الواطِئ؛ لأِنَّ التَّلَفَ بسبَبٍ من جِهَتِه.

(وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ)؛ أي: إذا اشْتَرَى المغصوبةَ مَنْ لا يَعلَم بالغَصْب، فزَوَّجها لغَيرِ عالِمٍ به، فَوَلَدَتْ من الزَّوج؛ فهو مَمْلوكٌ؛ لأِنَّه مِنْ نَمائها، (فَمَاتَ الْوَلَدُ؛ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ)؛ لأِنَّه مالٌ، وليس بِمِثْلِيٍّ؛ لكَونه يَنعَقِدُ رقِيقًا؛ لأِنَّ الواطِئَ لا يَعْتَقِد أنَّها مملوكتُه

(2)

، بخِلاف المشْتَرِي الجاهِلِ بالغَصْب.

(1)

قوله: (من الوضع) هو في (ق) في الموضع.

(2)

في (ق): مملوكة.

ص: 208

(وَهَلْ يَرْجِعُ بِهَا)؛ أيْ: بِقِيمة الولد (عَلَى الْغَاصِبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أشْهَرُهما: أنَّه يَرجِعُ على الغاصِبِ؛ لأِنَّه غَرَّه؛ لكَونِه دَخَلَ على أنَّ الوَلَدَ إنْ تَلِفَ فهو من ضَمانِ مالِكِ الجارِيةِ؛ لأِنَّها مملوكتُه

(1)

.

والثَّانيةُ: لا رُجوعَ؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه، أشْبَهَ تَلَفَ الجارِيةِ.

(وَإِنْ أَعَارَهَا، فَتَلِفَتْ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ)؛ فلِلْمالِكِ تَضمينُ أيِّهما شاء؛ أَجْرَها وقِيمتَها، فإنْ ضَمِنَ المسْتَعيرُ مع عِلْمه بالغصب؛ لم يَرجِع به على أحَدٍ، وإنْ ضَمِنَ الغاصِبُ؛ رَجَعَ على المسْتَعِيرِ.

وإن لم يَكُنْ عَلِمَ بالغَصْب فضَمِنَه؛ (اسْتَقَرَّ ضَمَانُ قِيمَتِهَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه قَبَضَها على أنَّها مضمونةٌ عليه، (وَضَمَانُ الْأُجْرَةِ عَلَى الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّه دَخَلَ على أنَّ المنافِعَ له غَيرُ مضمونةٍ عليه.

وفي «المغْنِي» ، و «الشَّرح»: أنَّه لا يَرجِعُ عليه؛ لأِنَّه انتفع بها، فقد اسْتَوْفَى بَدَلَ ما غَرِمَ.

فإنْ ردَّها على الغاصب؛ لم يَبْرَأْ؛ لأِنَّه دَفَعَ العَينَ إلى غَيرِ مُسْتَحِقِّها، وهو ظاهِرٌ مع العلم، ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الغاصب إنْ حَصَلَ التَّلَفُ في يَدِه.

تنبيهٌ: جَعَلَ في «الشَّرح» المودَع كالمسْتَعير، والمذْهَبُ: أنَّه يَرجِعُ مُودِعٌ ونحوُه بقيمته ومنفعته، كمُرتَهِن في الأصحِّ، ويَرجِعُ مُسْتَأْجِرٌ بقيمته، وعَكسُه

(2)

مُشْتَرٍ ومستعيرٌ، ويَأخُذُ مُسْتَأْجِرٌ ومُشْتَرٍ مِنْ غاصِبٍ ما دَفَعَا إليه، ويَأخُذُ مُشْتَرٍ نفقَتَه وعَمَلَه من بائِعٍ غارٍّ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

.

(وَإِذَا

(4)

اشْتَرَى أَرْضًا فَغَرَسَهَا، أَوْ بَنَى فِيهَا، فَخَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً)، وهو لا

(1)

في (ق): مملوكة.

(2)

في (ق): وغلة.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 244.

(4)

في (ظ): وإن.

ص: 209

يَعلَمُ بالحال، (وَقُلِعَ غَرْسُهُ وَبِنَاؤُهُ؛ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائعِ

(1)

بِمَا غَرِمَهُ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي فِي الْقِسْمَةِ)، وَوَافَقَه المتأخِّرون؛ لأِنَّه بِبَيعِه إيَّاها غَرَّه وأوْهَمَه أنَّها ملْكُه.

والمنْصوصُ عنه: أنَّه يُتَمَلَّك بالقيمة ولا يُقْلَعُ مَجَّانًا، ليس هذا

(2)

مَنْ

(3)

غَرَسَ في أرْضِ غَيرِه فيُقْلَعُ غرسه

(4)

.

وحَمَلَه القاضِي: على أنَّ له القِيمةَ على مَنْ غَرَّه، كما في المغْرور بِنِكاحِ أَمَةٍ، فأمَّا مالِكُ الأرض فلا ضَمانَ عليه؛ لأنَّه لم يَحصُلْ منه إذْنٌ.

وفي «القواعد» : أنَّ هذا مُخالِفٌ لِمَدلولِ النصوص

(5)

، وكونُه لم يَحصل منه إذْنٌ لا يَنْفِي كَونَ الغِراس مُحتَرَمًا، كالسَّيل إذا حَمَلَ نَوًى إلى أرضِ غَيرِه فَنَبَتَ فيها، أنَّه كغَرْسِ المسْتَعِيرِ في وَجْهٍ.

وظاهِرُ الأوَّل: أنَّ للمالِكِ قَلْعَه.

وعنه: لَيسَ للمُستَحِقِّ ذلك، إلاَّ أن يَضْمَنَ نَقْصَه، ثُمَّ يَرجِعُ بها على الغاصِبِ.

(وَإِنْ أَطْعَمَ الْمَغْصُوبَ لِعَالِمٍ بِالْغَصْبِ؛ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه أتْلَفَ مالَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه عالِمًا مِنْ غَير تَغْريرٍ، ولِلْمالِكِ تَضمينُ الغاصِبِ؛ لأِنَّه حالَ بَينَه وبَينَ مالِه، والآكِلِ؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يَدِه، فإنْ ضَمَّنَ الغاصِبَ؛ رَجَعَ على الآكِلِ، وإنْ ضَمَّنَ الآكِلَ؛ فَهَدَرٌ.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَقَالَ لَهُ الْغَاصِبُ: كُلْهُ، فَإِنَّهُ طَعَامِي؛ اسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَى

(1)

قوله: (على البائع) سقط من (ظ).

(2)

قوله: (هذا) سقط من (ح).

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في قواعد ابن رجب 2/ 23: مثل مَنْ.

(4)

في (ح): غيره. وينظر: قواعد ابن رجب 2/ 23.

(5)

في (ح): المنصوص. والمراد: النصوص الواردة عن أحمد.

ص: 210

الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّه غَرَّه، ولاِعْتِرافه بأنَّ الضَّمانَ باقٍ عليه.

وعنه: على آكِلِه؛ كأكْلِه بلا إذْنِه.

قال جماعةٌ: وكذا إذا أطْعَمه لِعَبْدِه، أوْ دابَّتِه غَيرَ عالِمٍ به.

(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ): هو طعامِي، أَوْ: لِي؛ (فَفِي أَيِّهِمَا يَسْتَقِرُّ عَلَيهِ الضَّمَانُ؟ وَجْهَانِ)، هما روايتانِ في «المغْنِي»:

أحدهما: يَسْتَقِرُّ على آكله؛ لأِنَّه ضَمِنَ ما أتْلَفَ، فلم يَرجِع به على أحَدٍ؛ كآكله بلا إذْنٍ.

والثَّاني: على الغاصب، وهو ظاهر «الخِرَقِيِّ» و «الفروع» ؛ لأِنَّه غَرَّ الآكِلَ، وأطْعَمَه على ألاَّ يَضْمَنَه.

مسألةٌ: لو أباحه للغاصب، فأَكَلَه قَبْلَ عِلْمِه؛ ضَمِنَ، ذَكَرَه في «الانتصار» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ أَطْعَمَهُ لِمَالِكِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ؛ لَمْ يَبْرَأْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ تَبِعَةٌ، فَأَوْصَلَهَا

(1)

إِلَيْهِ عَلَى أَنَّهَا صِلَةٌ أَوْ هَدِيَّةٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ: كَيْفَ هَذَا؛ يَعْنِي: أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ

(2)

؛ لأِنَّه بالغَصْب أزال يَدَ المالِكِ وسَلْطَنَتَه

(3)

، وبالتَّقْديم إلَيهِ لم يعودا

(4)

؛ لأِنَّه لا يَمْلِكُ التَّصرُّف فيه بكلِّ ما يريد من الأخْذِ والصَّدقة ونحوِهما، فلم يَزُلْ عنه الضَّمانُ، كما لو عَلَفَه لدوابِّه.

وقِيلَ: يَبرَأُ؛ بِناءً على ما إذا أطْعَمَه لأِجْنَبِيٍّ، فإنَّه يَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الآكِل، وهذا روايةٌ، قال في «التَّلخيص»: فيكون في المالك روايتا

(1)

في (ظ): وأوصلها.

(2)

ينظر: المغني 5/ 218.

(3)

في (ق): وسلطته.

(4)

في (ح): لم يعد.

ص: 211

الغرور

(1)

؛ كالأجنبيِّ وأَوْلَى.

وظاهِرُه: أنَّه إذا عَلِم؛ فإنَّه يَبرَأُ الغاصِبُ؛ لأِنَّه أتْلَفَ مالَه برضاه عالِمًا به، فلو وَهَبَه المغصوب لمالكه، أو أهْداه إليه؛ لم يَبْرَأْ.

وعنه: بلى، جَزَمَ به بعضُهم، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه سلَّمه إليه تسليمًا

(2)

تامًّا، زالَتْ به يَدُ الغاصِبِ.

(وَإِنْ رَهَنَهُ عِنْدَ مَالِكِهِ، أَوْ أَوْدَعَهُ إِيَّاهُ، أَوْ أَجَرَهُ أَوِ اسْتَأْجَرَهُ عَلَى قِصَارَتِهِ، أَوْ خِيَاطَتِهِ؛ لَمْ يَبْرَأْ) من الضَّمان؛ لأِنَّه لم يَعُدْ إليه سُلْطانُه، إنَّما قَبَضَه على أنَّه أمانةٌ، (إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ)؛ لأِنَّه يَتَمَكَّنُ من التَّصرُّف فيه على حَسَبِ اخْتِياره.

وقال جماعةٌ من أصْحابِنا: يَبْرَأُ مُطْلَقًا؛ لِعَودِه إلى مالِكِه.

(وَإِنْ أَعَارَهُ إِيَّاهُ؛ بَرِئَ، عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ)؛ لأِنَّه دَخَلَ على أنَّه مضمونٌ عليه، ولا

(3)

يتأتَّى وجوبُ الضَّمان على الغاصب؛ لِعَدَمِ الفائدة في الرُّجوع، فلو باعه إيَّاه وسلَّمه إليه، أو أقْرَضَه؛ بَرِئَ، جَزَمَ به في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه قَبَضَه على وَجْهٍ يُوجِبُ

(4)

الضَّمانَ، والأَشْهَرُ خِلافُه.

فَرْعٌ: ظاهِرُ كلامهم: أنَّ غَيرَ الطَّعام كهو في ذلك، قال في «الفروع»: ولا فَرْقَ، فلو زوَّجه الأمةَ؛ بَرِئَ من الغَصْب. وقِيلَ: إنْ عَلِمَ ربُّه، وإلاَّ فلا.

(وَمَنِ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، فَادَّعَى رَجُلٌ أنَّ الْبَائِعَ غَصَبَهُ مِنْهُ؛ فَصَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا)؛ أي: البائعُ أو المشْتَرِي؛ (لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الآْخَرِ)؛ لأِنَّه لا يُقبَلُ إقْرارُه في حقِّ غَيرِه، لكِنْ إنْ أقامَ المدَّعِي بَيِّنةً بما ادَّعاه؛ بَطَل البَيعُ والعِتْقُ، ويَرجِعُ المشْتَرِي على البائع بالثَّمَن.

(1)

في (ح): المغرور.

(2)

في (ق): تسلمًا.

(3)

في (ظ): فلا.

(4)

في (ق): فوجب.

ص: 212

(وَإِنْ صَدَّقَاهُ مَعَ الْعَبْدِ؛ لَمْ يَبْطُلِ الْعِتْقُ) على المذهب؛ لأِنَّه حقٌّ لله تعالى، بدليلِ أنَّه لو شَهِدَ به شاهِدانِ وأنْكَرَه العَبْدُ؛ لم يُقبَلْ منه، وكذا إن صدَّقاه جميعًا دُونَ العَبْد كان حُرًّا؛ لأِنَّه قد تَعَلَّقَ به حقٌّ لغَيرهما، (وَيَسْتَقِرُّ الضَّمَانُ عَلَى الْمُشْتَرِي)؛ لأِنَّ التَّلَفِ حَصَل في يَدِه، وللمالك تضمينُ مَنْ شاء منهما قيمتَه يَومَ العِتْق، فإنْ ضمَّنَ البائِعَ؛ رَجَعَ على المشْتَرِي؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وإنْ ضَمَّنَ المشْتَرِيَ؛ لم يَرجِعْ على البائع إلاَّ بالثَّمن.

وإن مات العبدُ، وخلَّف مالاً؛ فهو لِوارِثِه، فإن لم يكن؛ فهو للمُدَّعِي؛ لاِتِّفاقهم على أنَّه له، ولا ولاءَ عليه؛ لأِنَّ أحدًا لا يَدَّعِيهِ.

وإنْ صدَّق المشْتَرِي البائعَ وحْدَه؛ رَجَعَ عليه بِقِيمتِه، ولم يَرجِع المشْتَرِي بالثَّمَن.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ إِذَا صَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ)، ويعودَ العَبدُ إلى المدَّعِي؛ لأِنَّه مَجهولُ النَّسَب، أَقَرَّ بالرِّقِّ لِمَنْ يَدَّعِيهِ، فَصَحَّ؛ كما لو لم يُعْتِقْهُ المشْتَرِي.

ص: 213

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ تَلِفَ الْمَغْصُوبُ)، أوْ أتْلَفَه؛ (ضَمِنَهُ)؛ لقَولِه تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البَقَرَة: 194]، (بِمِثْلِهِ إِنْ كَانَ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا)؛ لأِنَّه لمَّا تعذَّرَ ردُّ العَينِ؛ لَزِمَه ردُّ ما يَقومُ مَقامَها، وقد حكاه ابنُ عبدِ البَرِّ إجْماعًا في كلِّ مأكولٍ ومَشْروبٍ؛ أنَّه يَجِبُ على مُسْتَهْلِكِه مثله

(1)

لا قِيمتُه

(2)

؛ لأِنَّ المِثْل أقْرَبُ إليه من القيمةِ، فهو مُماثِلٌ له من طريق الصُّورة والمشاهَدَة والمعْنَى، والقِيمةُ مماثِلةٌ له من طريق الظَّنِّ والاِجْتِهاد، والأوَّلُ مقدَّم

(3)

؛ كالنَّصِّ مع القِياس.

ومُقتَضاهُ: أنَّه لو قَدَرَ على المِثْل بأكثرَ من قِيمَتِه؛ لَزِمَه شِراؤه، صرَّح به في «الكافي» .

وعنه: يَضْمَنُه بقيمته، ذَكَرَه القاضِي، وذَكَرَ أيضًا

(4)

القِيمةَ في نُقْرَةٍ وسَبِيكةٍ، وعِنَبٍ ورُطَبٍ، كما فيه صِناعةٌ مُباحةٌ لا مُحرَّمةٌ.

وينبَغِي أنْ يُستَثنَى من الأوَّل: الماءُ في المفازة، فإنَّه يُضمَنُ بقيمته

(5)

في البَرِّيَّة.

مسألةٌ: ظاهِرُه: أنَّ المِثْلِيَّ ما حَصَرَه

(6)

كَيلٌ أوْ وَزْنٌ، والأَوْلَى: وجاز السَّلَم فيه؛ كماءٍ وترابٍ.

(1)

في (ح): بمثله.

(2)

ينظر: التمهيد 14/ 288.

(3)

في (ح): المقدم.

(4)

قوله: (أيضًا) سقط من (ح).

(5)

في (ح): بالقيمة.

(6)

في (ق): ما حضره.

ص: 214

(وَإِنْ أَعْوَزَ الْمِثْلُ) في البَلَدِ أوْ حَوْلَه؛ (فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ إِعْوَازِهِ)؛ أي: يوم تعذُّره؛ لأِنَّه يَستَحِقُّ المطالَبَةَ بقِيمةِ المِثْل يَومَ الإعْواز، فَوَجَبَ أنْ تُعتَبَرَ القِيمةُ حِينَئِذٍ؛ لأِنَّه يَومُ وُجوبِها.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْقَبْضِ)؛ أي: قَبْضِ بَدَلِه، وهذا روايةٌ عن أحمدَ؛ لأِنَّ الواجِبَ المِثْلُ إلى حِين قَبْضِ البَدَل، بدليلِ: أنَّه لو وَجَدَ المِثْلَ بَعْدَ إعْوازه؛ لكان الواجِبُ هو دُونَ القِيمةِ.

(وَعَنْهُ: يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ تَلَفِهِ)؛ لأِنَّ القِيمةَ تَثْبُتُ في الذِّمَّة يَومَ التَّلَفِ، فاعْتُبِرَت تلك الحالةُ، كما لو لم

(1)

تَخْتَلِف القِيمةُ.

وعنه: يَلزَمُه يَومَ المحاكَمَة، وقالَهُ أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ القِيمةَ لم تَنْتَقِلْ إلى ذِمَّته إلاَّ حِين حَكَمَ بها الحاكِمُ.

وعنه: يَومَ غَصْبه.

وقيل: أكثرُهما من يَوم الغَصب إلى يَومِ تَعذُّر المِثْل.

فإنْ غَرِمَها، ثُمَّ قَدَرَ على المِثْل؛ لم يردَّ

(2)

القِيمةَ على الأصحِّ، فلو قَدَرَ عليه قَبلَ غُرْمِها؛ عاد وُجوبُه؛ لأِنَّه الأصلُ، قَدَرَ عليه قَبْلَ أداء البَدَل، أشْبَهَ القدرةَ على الماء بَعْدَ التَّيَمُّم، ولهذا لو قَدَرَ عليه بَعْدَ المحاكَمَة وقَبْل الاِسْتِيفاءِ؛ اسْتَحَقَّ المالكُ طَلَبَه وأخْذَهُ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا)؛ كالثَّوب والعَبْد؛ (ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ)، في قَولِ الجَماعةِ؛ لقَولِه صلى الله عليه وسلم:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ؛ قُوِّمَ عَلَيهِ»

(3)

، فأمر بالتَّقويم في حصَّة الشَّريك؛ لأِنَّها مُتْلَفَة بالعِتْقِ، ولم يَأمُر بالمِثْلِ؛ لأِنَّ هذه الأشياءَ لا تَتَساوَى

(1)

قوله: (لم) سقط من (ح).

(2)

في (ظ): لم ترد.

(3)

أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 215

أجْزاؤها، وتَختَلِف صفاتُها، فالقِيمةُ

(1)

فِيها أعْدَلُ وأقْرَبُ إليها، فكانت أَوْلَى.

(يَوْمَ تَلَفِهِ فِي بَلَدِهِ) الَّذي غَصَبَه فِيهِ؛ لأِنَّ ذلك زَمَنُ الضَّمان ومَوضِعُه.

وعنه: تُعتبَرُ القِيمةُ بِبَلَدِ تَلَفِه، جَزَمَ به في «الكافي» .

(مِنْ نَقْدِهِ)، فإنْ كان فيه نُقودٌ؛ اعْتُبِر أنْ يكونَ من غالِبِه.

(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَضْمَنَهُ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ غَصْبِهِ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ، نَقَلَها الثِّقاتُ، منهم: ابنُ مَشِيشٍ

(2)

، وكذا ابنُ مَنْصورٍ، إلاَّ أنَّه عاوَدَه في

(3)

ذلك فجَبُنَ عنه

(4)

؛ لأِنَّه الوَقْتُ الَّذي أزال يَدَه فيه، فلَزِمَتْه القِيمةُ، كما لو أتْلَفَه.

وعنه: أكثرهما، أي: من يَوم غَصْبِه إلى يَومِ تَلَفِه، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ، كإتْلافه في الأصحِّ.

لكِنَّ القاضِيَ حَمَلَ كلامَ الخِرَقِيِّ على ما

(5)

إذا اخْتَلَفَت القِيمةُ لتَغيُّر الأسعار، وقد عَلِمْتَ أنَّ المذهبَ: عَدَمُ الضَّمان، حتَّى قال القاضِي: لم أَجِدْ روايةً عن أحمدَ بأنَّها تُضمَنُ بأكثرِ القِيمَتَينِ لتَغَيُّر الأسعار، ونقل ابنُ أبي موسى خِلافَه.

وعنه: يُضمَنُ المغصوبُ بمِثْلِه مطلَقًا، وقاله ابنُ أبي موسى، واخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

، واحْتَجَّ بعموم قوله تعالى: {فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ

(1)

في (ق): بالقيمة.

(2)

تبع المصنف الزركشي في شرحه 1/ 414 في النقل عن ابن مشيش، والذي في الروايتين والوجهين 1/ 44: أن المنصوص في رواية ابن مشيش وحنبل وصالح: أنه يعتبر قيمته يوم التلف.

(3)

في (ق): عاود على.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2691.

(5)

قوله: (ما) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الفروع 7/ 241، الاختيارات ص 239.

ص: 216

مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا} [المُمتَحنَة: 11]، ولخبر القَصْعةِ

(1)

.

وعنه: مع قِيمتِه.

وعنه: غَيرَ حَيَوانٍ بمِثْلِه، ذَكَرَه جماعةٌ.

وفي «الواضح» و «الموجز» : فيَنقُصُ عنه عشرة دراهِمَ.

فرعٌ: لو حَكَمَ حاكمٌ

(2)

بغَير المِثْلِيِّ في المِثْلِيِّ، وبغَير القِيمة في المتقوِّم؛ لم ينفذ حكمُه، ولم يَلزَمْه قَبولُه، ذَكَرَه في «الانتصار» و «المفردات» .

ولو أَخَذَ حوائجَ من بَقَّالٍ ونحوِه في أيَّامٍ، ثُمَّ يُحاسِبُه؛ فإنَّه يُعطِيهِ بسِعْرِ يَومِ أَخْذِه، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

.

(وَإِنْ

(4)

كَانَ مَصُوغًا) مُباحًا، (أَوْ تِبْرًا تُخَالِفُ

(5)

قِيمَتُهُ وَزْنَهُ؛ قَوَّمَهُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ) إذا كانت الصِّناعةُ فيه مُباحةً، كحَلْيِ النِّساءِ؛ لِئَلاَّ يُؤدِّي إلى الرِبا.

وعُلِمَ منه: أنَّه يَجِبُ ضمانُه بِقِيمتِه.

وذَكَرَ القاضِي فِيهِ: أنَّه يُضمَنُ بأكثرَ مِنْ وَزْنِه؛ لأِنَّ الزِّيادةَ في مُقابَلَةِ الصَّنْعَة، فلا يُؤَدِّي إلى الرِّبا.

ومُقْتَضاهُ: أنَّ الصِّناعةَ إذا كانَتْ مُحرَّمةً؛ أنَّه لم يَجُزْ ضَمانُه بأكثرَ من جِنْسه وجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه لا قِيمةَ لها شَرْعًا، بل يَضْمَنُه بِوَزْنه، وفيه وجْهٌ.

وقيل: إن جاز اتِّخاذُه؛ ضُمِنَ كالمباح.

(1)

وهو ما أخرجه البخاري (2481)، عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام، فضربت بيدها، فكسرت القصعة، فضمها وجعل فيها الطعام، وقال:«كلوا» ، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا، فدفع القصعة الصحيحة، وحبس المكسورة.

(2)

في (ح): الحاكم.

(3)

ينظر: المغني 5/ 209.

(4)

في (ح): فإن.

(5)

في (ق): يخالف.

ص: 217

فأمَّا إنْ كانَتْ قِيمتُه كَوَزْنه؛ وجَبَتْ؛ لأِنَّ تضْمِينَه بها لا يُؤَدِّي إلى الرِّبا، أشْبَهَ غَيرَ الأثْمان.

(فَإِنْ كَانَ مُحَلًّى بِالنَّقْدَيْنِ مَعًا؛ قَوَّمَهُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا؛ لِلْحَاجَةِ)؛ أي

(1)

: إلى تَقْويمِها بأحَدِهما؛ لأِنَّ كُلًّا منهما ثَمَنٌ في قِيَمِ المتْلَفاتِ وأروش

(2)

الجِنايات، ولَيسَ أحدُهما أَوْلَى مِنْ الآخَر؛ فكانت الخِيَرةُ إليه، (وَأَعْطَاهُ بِالْقِيمَةِ عَرْضًا)؛ لِئَلاَّ يُفْضِي إلى الرِّبا.

وقِيلَ: مَنْ أتْلَف خَلْخَالاً أوْ سِوارًا، فهل يَضْمَنُ بِوَزْنه مِنْ جِنْسِه ويَضْمَنُ الصَّنْعَةَ من غَيرِه أوَ يَضْمَنُ الوَزْنَ والصَّنْعةَ بغَيرِ جِنسه؟ أوْ يَضمَنُهما بجنسه؟ فيه أوْجُهٌ.

وإنْ كَسَرَها؛ ضَمِنَ النَّقْصَ مِنْ غالِبِ نَقْدِ البَلَد وإنْ كانَ مِنْ غَيرِ جِنْسِه.

(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَغْصُوبِ، فَنَقَصَتْ قِيمَةُ بَاقِيهِ؛ كَزَوْجَيْ خُفٍّ)، أوْ مِصْراعَيْ بابٍ (تَلِفَ أَحَدُهُمَا؛ فَعَلَيْهِ رَدُّ الْبَاقِي)؛ لأِنَّه ملْكُ غَيرِه، (وَقِيمَةُ التَّالِفِ)؛ لأِنَّه تَلِفَ تَحْتَ يَدِه العاديَة

(3)

، (وَأَرْشُ نَقْصِهِ

(4)

إن نَقَصَ، نَصَرَه الأصْحابُ؛ لأِنَّه نَقْصٌ حَصَلَ بجِنايَتِه، فَلَزِمَه ضَمانُه، كما لو غَصَبَ ثَوْبًا يَنقُصُه الشَّقُّ؛ فَشَقَّه ثُمَّ تَلِفَ.

(وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ أَرْشُ النَّقْصِ)؛ لأِنَّ الباقِيَ نَقَصَ قِيمتُه، فلا يَضمَنُه؛ كالنَّقْص لتغَيُّرِ الأسعار.

وجَوابُه: بالفَرْق بَينَهما، فإنَّ نَقْصَ السِّعْرِ لم يَذْهَبْ من المغْصوبِ عين

(5)

(1)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(2)

في (ق): وأرش.

(3)

في (ح): العارية.

(4)

في (ح): النقص.

(5)

في (ح): غيره.

ص: 218

ولا مَعْنًى، وههُنا فَوَّتَ عليه إمْكانَ الاِنْتِفاع به، فَوَجَبَ ضَمانُ نَقْصِ قِيمَتِه.

فلو كانَتْ قِيمتُهما عِشْرينَ، والباقِي بَعْدَ التَّلَفِ يُساوِي خَمِسةً؛ فَعَلَى الأوَّل: عَلَيهِ خمسةَ عَشَرَ، وعلى الثَّاني: عَشَرةٌ.

(وَإِنْ غَصَبَ عَبْدًا فَأَبَقَ، أَوْ فَرَسًا فَشَرَدَ، أَوْ شَيْئًا تَعَذَّرَ رَدُّهُ مَعَ بَقَائِهِ؛ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) للمالِكِ؛ للحيلولة، لا أنَّه

(1)

على سبيل العِوَض، ويَمْلِكُها.

وفي «عيون المسائل» وغيرِها: خِلافُه؛ لأِنَّه إنَّما حَصَلَ بها الاِنْتِفاعُ في مُقابَلةِ ما فَوَّتَه الغاصِبُ.

(فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ بَعْدُ؛ رَدَّهُ)، ولا يَملِكُه الغاصِبُ بأداء القِيمة، بَلْ يَرُدُّه

(2)

إذا

(3)

قَدَرَ مع نَمائه المنفَصِلِ، وأَجْرِ مِثْلِه إلى حِينِ دَفْعِ بَدَلِه، (وَأَخَذَ الْقِيمَةَ)؛ أي: الَّذي أخَذَها المالِكُ بَدَلاً عنه؛ لأِنَّه أَخَذَه بالحَيلولةِ وقد زَالَتْ، فَيَجِبُ رَدُّ ما أَخَذَ من أجْلِها إنْ كان باقيًا بعَينه بزيادته المتَّصِلَةِ؛ لأِنَّها تَتْبَعُ في الفُسوخ، وهذا فَسْخٌ، دُونَ المنفَصِلَة؛ لأِنَّها نَماءُ ملْكِهِ.

وإنْ كان البَدَلُ تالِفًا؛ فَعَلَيهِ مِثْلُه، أوْ قِيمتُه إن لم يَكُنْ من ذَواتِ الأمْثال.

وفي حَبْسِه لِيَرُدَّ

(4)

القِيمةَ؛ وجْهانِ.

ولا يَصِحُّ الإبْراءُ منها مع بَقائها.

(وَإِنْ غَصَبَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ؛ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)؛ لأِنَّ مالِيَّتَه زالَتْ تَحْتَ يَدِه، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَها.

وقِيلَ: مِثْلُه من العَصيرِ، جَزَمَ به في «الوجيز» و «الشَّرح»

(5)

؛ لأِنَّ ذلك

(1)

قوله: (لا أنَّه) في (ق): لأنَّه.

(2)

في (ق): برده.

(3)

في (ح): إن.

(4)

في (ق): جنسه لرد.

(5)

في (ظ): «الشرح» و «الوجيز» .

ص: 219

يلزمه

(1)

بانْقِلابِه خَمْرًا.

(فَإِنِ انْقَلَبَ خَلًّا؛ رَدَّهُ)؛ لأِنَّه عَينُ ملْكِه، (وَمَا نَقَصَ مِنْ قِيمَةِ الْعَصِيرِ) إنْ نَقَصَ؛ لأِنَّه نَقَصَ تَحْتَ يَدِه، أشْبَهَ ما لو نَقَصَ منه جُزْءٌ.

وفي «عيون المسائل» : لا يَلزَمُه قِيمةُ العَصِير؛ لأِنَّ الخَلَّ عَينُهُ، كَحَمْلٍ صارَ كَبْشًا، ويَسْتَرْجِعُ الغاصِبُ ما أدَّاه بَدَلاً عنه.

وإنْ غَلاهُ؛ غَرِمَ أَرْشَ نَقْصِه، وكذا نَقْصُه. وقيل: لا؛ لأِنَّه ماءٌ

(2)

.

فَرْعٌ: لو غَصَبَ جَماعةٌ مُشاعًا، فردَّ واحِدٌ سَهْمَ

(3)

آخَرَ إلَيهِ؛ لم يَجُزْ له حتَّى يُعْطَى شُرَكاؤه، نَصَّ عليه.

وكذا إنْ صالَحُوهُ بمالٍ عنه، نَقَلَه حَرْبٌ

(4)

، ويَتَوجَّهُ أنَّه بَيعُ

(5)

المُشاع، ذَكَرَه في «الفروع» .

ولو شقَّ ثَوبَه؛ فلا قِصاصَ فِيهِ، ويَضمَنُ نَقْصَه.

ونَقَلَ جماعةٌ: يُخيَّرُ، اخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

.

(1)

في (ح) و (ق): لزمه.

(2)

في (ق): نماء.

(3)

في (ق): منهم.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 242.

(5)

في (ق): مع.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 242، الاختيارات ص 239.

ص: 220

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ كَانَتْ لِلْمَغْصُوبِ أُجْرَةٌ)؛ أيْ: مِمَّا تَصِحُّ إجارتُه؛ (فَعَلَى الْغَاصِبِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ مُقَامِهِ

(1)

فِي يَدِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ في رواية الأثْرَم

(2)

، سَواءٌ اسْتَوْفَى المنافِعَ أوْ تَرَكَها تَذْهَبُ؛ لأِنَّ كلَّ ما ضُمِنَ بالإتْلاف في العَقْد الفاسِدِ؛ جاز أن يَضْمَنَه بمجرَّد التَّلَفِ في يَدِه؛ كالأعيان، لكِنْ نَصَّ في قضايا فيها انْتِفاعٌ، يُؤيِّدُه ما نَقَلَه ابنُ منصورٍ

(3)

: إن زَرَعَ بلا إذْنٍ؛ عَلَيهِ أُجْرةُ الأرْض بِقَدْرِ ما اسْتَغَلَّها، فظاهِرُه: أنَّه لا شَيءَ عَلَيهِ إذا لم يَسْتَغِلَّها.

وعنه: لا يَضمَنُ المنافِعَ مطلَقًا؛ لقوله عليه السلام: «الخَراجُ بالضَّمان»

(4)

، وضَمانُها على الغاصِبِ، وكَغَنَمٍ، أشْبَهَ ما لو زَنَى بامْرأةٍ مُطاوِعةٍ.

ورُدَّ: بأنَّه أتْلَفَ مالاً مُتَقَوِّمًا، فَوَجَبَ ضَمانُه كالعَينِ، والخَبَرُ وارِدٌ في البَيع، والمرأةُ رَضِيَتْ بإتْلافِ منافِعِها بغَيرِ عِوَضٍ ولا عَقْدٍ، فكان كالإعارة، والغَنَمُ ونحوُها لا مَنافِعَ لها تُسْتَحَقُّ بِعِوضٍ.

وعلى الأوَّل: لو غَصَبَ جارِيةً ومضى زَمَنٌ يُمكِنُ وطْؤُها؛ لم يَضمَنْ مَهْرَها؛ لأِنَّ مَنافِعَ البُضْع لا تَتْلَفُ إلاَّ بالاِسْتِيفاء، بخِلافِ غَيرِها، ولو أطْرَقَ الفَحْلَ لم يَضمَنْ مَنفَعَتَه، لكِنْ عليه ضمانُ نَقْصِه، ولو أخَذَ مالِكُ الأرض الزَّرعَ لم يَكُنْ على الغاصِبِ أُجرَةٌ، إلاَّ أن يَأْخُذَه بِقِيمتِه، فتكونُ له الأجرةُ إلى وَقْتِ أخْذِه.

(1)

في (ظ): بقائه.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 411.

(3)

لم نجدها في مسائل ابن منصور. وينظر: زاد المسافر 4/ 234.

(4)

سبق تخريجه 5/ 130 حاشية (1).

ص: 221

(وعَنْهُ: التَّوَقُّفُ عَنْ ذَلِكَ)، نَقَلَها عنه محمَّدُ بنُ الحَكَم

(1)

فِيمَنْ غَصَبَ دارًا فَسَكَنَها

(2)

عِشْرينَ سَنَةً: لا أَجْتَرِئُ أنْ أقولَ: عَلَيه أُجْرةُ ما سَكَنَ

(3)

، فدلَّ على تَوَقُّفه عن إيجابِ الأجْر.

قال في «المغْني» و «الشَّرح» : والأوَّلُ هو المذهَبُ المعروفُ، يُؤَكِّدُه ما (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ)؛ لأِنَّ محمَّدَ بنَ الحَكَم

(4)

مات قَبلَ أحمدَ بعِشْرينَ سَنَةً.

(وَإِنْ أَتْلَفَ

(5)

الْمَغْصُوبَ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ تَلَفِهِ)؛ لأِنَّه بَعْدَ التَّلَف لم يَبْقَ له مَنفَعَةٌ، فلم يَجِبْ ضَمانُها، كما لو أتْلَفَه مِنْ غَيرِ غَصْبٍ.

(وَإِنْ غَصَبَ شَيْئًا فَعَجَزَ عَنْ رَدِّهِ، فَأَدَّى قِيمَتَهُ؛ فَعَلَيْهِ أُجْرَتُهُ إِلَى وَقْتِ أَدَاءِ الْقِيمَةِ)؛ لأِنَّ منافِعَها إلى وَقْتِ أدائِها مملوكةٌ لِصاحِبِها، فلَزِمَه ضَمانُها، (وَفِيمَا بَعْدَهُ)، أيْ: بَعْدَ أداءِ القِيمة إلى رَدِّه (وَجْهَانِ):

أصَحُّهُما: لا يَلزَمُه؛ لأِنَّه اسْتَحَقَّ الاِنْتِفاعَ بِبَدَلِه الَّذي أُقِيمَ مُقامَه، فَلَمْ يَسْتَحِقَّ الاِنْتِفاعَ به وبما قام مَقامَه.

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّ العَينَ باقِيَةٌ على ملْكِه والمنفَعةُ له.

وظاهِرُ كلامِهم: يَضْمَنُ رائحةَ مِسْكٍ ونحوِه، خِلافًا ل «الانتصار» ، لا نَقْدًا لِتِجارةٍ

(6)

.

(1)

في (ح) و (ظ): عبد الحكم.

(2)

في (ق): يسكنها.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 411.

(4)

في (ح) و (ظ): عبد الحكم.

(5)

في (ق): تلف.

(6)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 222

(فَصْلٌ)

(وَتَصَرُّفَاتُ الْغَاصِبِ الْحُكْمِيَّةُ)، هي بالرَّفع صفةٌ لِتَصرُّفات، والحُكْمِيَّةُ: ما كان لها حُكمٌ من

(1)

الصِّحَّة والفَساد، فالصَّحيحُ من العبادة: ما أَجْزأَ فاعِلَه

(2)

، أوْ أسْقَطَ عنه القَضاءَ، وفي العُقود: ما تَرتَّبَ أثَرُه عَلَيهِ من الاِنْتِفاع في البَيع، والاِسْتِمْتاع في النِّكاح، والفاسِدُ - وهو الباطِلُ-: ما لَيسَ كذلك.

(كَالْحَجِّ، وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ)؛ كالطَّهارة، والصَّلاة، والزَّكاة، (وَالْعُقُودِ؛ كَالْبَيْعِ، وَالنِّكَاحِ، وَنَحْوِهَا)؛ كالإجارة: (بَاطِلَةٌ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي ظاهِرُ المذْهَبِ؛ لأِنَّ ذلك التَّصرُّفَ تَصرُّف الفُضولِيِّ، والصَّحيحُ من المذهب: أنَّه باطِلٌ، وقد تقدَّمَ.

(وَالْأُخْرَى: صَحِيحَةٌ) مطلَقًا، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ الغاصِبَ تَطُولُ مُدَّتُه غالِبًا، وتَكثُرُ تصرُّفاتُه، ففي إبْطالها ضرَرٌ كثيرٌ

(3)

، وربما عاد بعضُ الضَّرَر على المالك، فإنَّ الحُكْمَ بِصِحَّتها يكونُ

(4)

الرِّبْحُ للمالك، والعِوَضُ بِنَمائه وزيادتِه له، والحُكمَ بِبُطْلانها يَمنَعُ مِنْ ذلك.

قال في «الشَّرح» : ويَنبَغِي أنْ يَتقيَّد في العُقود بما

(5)

لم يُبْطِلْه المالِكُ، فأمَّا إنِ اخْتارَ إبْطالَه بأخْذِ المعْقود عَلَيهِ؛ فلا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا.

(وَإِنِ اتَّجَرَ بِالدَّرَاهِمِ)؛ بأنْ

(6)

غَصَبَها واتَّجرَ بها، أوْ عُروضًا فَبَاعَها واتَّجرَ

(1)

في (ح): في.

(2)

قوله: (ما أجزأ فاعله) في (ق): ما أجراها عليه.

(3)

في (ح): كبير.

(4)

في (ق): بكون.

(5)

في (ق): ما.

(6)

في (ح): فإن.

ص: 223

بِثَمَنِها، ولَوْ قال: بالنَّقْد؛ لَعَمَّ؛ (فَالرِّبْحُ لِمَالِكِهَا)؛ نَقَلَه الجماعة

(1)

، واحْتَجَّ بخَبَرِ عُروةَ بنِ الجَعْد

(2)

، وهذا حيثُ تعذَّر رَدُّ المغْصوب إلى مالكه، ورَدُّ الثَّمَنِ إلى المشْتَرِي.

قال جماعةٌ منهم صاحِبُ «الفنون» و «التَّرغيب» : إنْ صحَّ الشِّراءُ، وقال الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب: إنْ كان الشِّراءُ بِعَينِ المال.

فَعَلَى الأوَّل: هو له، سَواءٌ قُلْنَا: يَصِحُّ الشِّراءُ أوْ لا، وسَواءٌ اشْتَراهُ بِعَينِ المال أوْ في الذِّمَّة.

ونَقَلَ حَرْبٌ في خَبرِ عُروةَ: إنَّما جاز؛ لأِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جوَّزه له

(3)

.

وحَيثُ تَعَيَّنَ جَعْلُ الرِّبْح للغاصِبِ أو المغْصوبِ منه؛ فَجَعْلُه للمالِك أَوْلَى؛ لأِنَّه في مُقابَلَة ماله الَّذي فاتَه بمَنْعه، ولم يُجعَلْ للغاصِبِ شَيْءٌ؛ مَنْعًا للغَصْب.

وعنه: يَتَصدَّقُ به، نَقَلَها الشَّريفُ؛ لِوُقوع الخِلاف فيه.

(وَإِنِ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ نَقَدَهَا؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: فالرِّبْحُ لربِّه، هذا هو المشهورُ؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِه، أشْبَهَ ما لو اشْتَراه بِعَينِه، وفي «المحرر» و «المستوعب»: بِنِيَّة نَقْده الثَّمَنَ من مالِ الغَصْبِ.

(وَعَنْهُ: الرِّبْحُ لِلْمُشْتَرِي)؛ لأِنَّه اشْتَرَى لنفسه في ذِمَّته، فكان الشِّراءُ له، والرِّبْحُ له، وعَلَيهِ بَدَلُ المغصوب، وهذا قِياسُ قَولِ الخِرَقِيِّ، وله الوَطْءُ، نَقَلَه المرُّوذِيُّ

(4)

.

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 287، مسائل عبد الله ص 309

(2)

وهو ما أخرجه البخاري (3642)، عن عروة بن الجعد البارقي رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا يشتري له به شاة، فاشترى له به شاتين، فباع إحداهما بدينار، وجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه» .

(3)

ينظر: الفروع 7/ 248.

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 230، الفروع 7/ 248.

ص: 224

فَعَلَى هذا إنْ أراد التَّخلُّصَ مِنْ شبهةٍ بِيَده اشْتَرَى في ذِمَّتِه، ثُمَّ يَنقُدُ من مالِ الشبْهة، ولا يَشْتَرِي بعَينِ المال، قاله القاضِي وابنُ عَقِيلٍ، وذَكَرَه عن أحمدَ.

فَرْعٌ: لو دَفَع المالَ مُضارَبَةً، فرِبْحُه على ما ذَكَرْنا، ولَيسَ على المالك شَيءٌ من أجر العامل؛ لأِنَّه لم يَأْذَنْ فيه، ثُمَّ إن كان المضارِبُ عالِمًا بالغَصْب، فلا أجْرَ له؛ لِتَعدِّيه بالعمل، وإن لم يَعلَمْ فعلى الغاصِبِ أجْرُ مِثْلِه؛ لأِنَّه اسْتَعْمَلَه بِعِوَضٍ لم يُسلَّم له، فلَزِمَتْه أجْرتُه، كالعَقْدِ الفاسِدِ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ أَوْ قَدْرِهِ) بأنْ قال: غَصَبْتُك ثَوبًا، قال: بل ثَوبَينِ، (أَوْ صِنَاعَةٍ فِيهِ) بأنْ قال المالِكُ: كان كاتِبًا، أوْ ذا صَنْعةٍ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْغَاصِبِ)؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ الذِّمَّة، فلا يَلزَمُه ما لم تَقُمْ عليه حُجَّةٌ، كما لو ادَّعَى عَلَيهِ دَينًا فأَقَرَّ بِبَعْضِه.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رَدِّهِ أَوْ عِيبٍ)، بأنْ قال: كانَتْ فيه إصبعٌ زائدةٌ أو نحوُها؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الرَّدِّ والعَيبِ، فلو زادت قِيمةُ المغْصوب، واخْتَلَفا في وَقْتِ الزِّيادة، قُدِّمَ قَولُ الغاصِبِ؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّته.

وإنْ شاهَدَت البيِّنةُ المغْصوبَ مَعِيبًا، فقال الغاصِبُ: كان مَعِيبًا قَبلَ غَصْبِه، وقال المالك: تعيَّب عندك؛ قدِّم قَولُ الغاصِبِ؛ لأِنَّه غارِمٌ، والظاهر

(1)

أنَّ صِفةَ العَبْدِ لم تَتَغيَّرْ.

وقِيلَ: قَولُ المالِك؛ كاخْتِلافِ المتَبايِعَينِ في حدوث العَيب.

مسألةٌ: لو اخْتَلَفا في الثِّياب الَّتي على العبد؛ فَهِي للغاصِبِ؛ لأِنَّها في يَدِه، ولم يَثْبُتْ أنَّها لمالِك العَبْدِ.

(1)

في (ح): وظاهر.

ص: 225

(وَإِنْ بَقِيَتْ فِي يَدِهِ غُصُوبٌ لَا يَعْرِفُ

(1)

أَرْبَابَهَا)، فسلَّمها إلى الحاكم

(2)

؛ بَرِئَ من عُهْدَتِها، ويَلزَمُه قَبولُها، وله أنْ (يَتَصَدَّقَ بِهَا عَنْهُمْ) على الأصحِّ، (بِشَرْطِ الضَّمَانِ؛ كَاللُّقَطَةِ)؛ لأِنَّه عاجِزٌ عن ردِّها إلى مالِكِها، فإذا تَصَدَّق بها عنهم؛ كان ثوابُها لأِربابِها، فيَسقُطُ عنه إثْمُ غَصْبِها، فَفِي ذلك جَمعٌ بَينَ مصلحته ومصلحةِ المالِكِ، لكن بشرط الضَّمان؛ لأِنَّ الصَّدقةَ بدونِ ما ذُكِرَ؛ إضاعةٌ لِمالِ المالِكِ لا على وَجْهِ بَدَلٍ، وهو غَيرُ جائِزٍ، وفي «الغُنْية»: عليه ذلك.

ونَقَل أيضًا

(3)

: على فُقَراءِ مكانِه إنْ عَرَفَه؛ لأِنَّ ديةَ قتيلٍ تؤخذ

(4)

عليهم.

ولم يَذكُرْ أصحابُنا غَيرَ الصَّدقة، لكِنْ نَقَلَ إبْراهيمُ بنُ هانِئٍ: يَتَصدَّقُ، أوْ يَشْتَرِي به كُراعًا أوْ سلاحًا يُوقَفُ، هو مصلحةٌ للمسلمين

(5)

.

وسأله جعفرٌ عمَّن بيده أرضٌ أوْ كَرْمٌ لَيسَ أصلُه طَيِّبًا، ولا يَعرِف ربَّه؛ قال: يُوقِفُه على المساكين

(6)

.

وذَكَرَ في «الفروع» تَوجِيهًا: على أفْضَلِ البِرِّ.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَصرِفُه في المصالح، وقاله في وديعةٍ، ونَقَلَه عن العلماء

(7)

.

(1)

في (ظ): لا تعرف.

(2)

في (ظ): حاكم.

(3)

أي: المروذي. ينظر: الفروع 7/ 249.

(4)

في (ح): يوجد.

(5)

لم نجده في المطبوع من مسائل ابن هانئ. وينظر: الفروع 7/ 249.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 249.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 250، الاختيارات ص 239.

ص: 226

وعنه: لا يَجوزُ التَّصدُّقُ بالمغصوب، كالرِّواية في اللقطة

(1)

، فَعَلَى هذا: له دَفْعُه إلى نائب الإمام؛ كالضوالِّ.

ونَقَلَ الأثْرمُ وغَيرُه: إذا عَلِمَ ربَّه وشقَّ دَفْعُه، وهو يَسِيرٌ كحبَّةٍ، فسلَّمه إلى حاكِمٍ بَرِئَ

(2)

.

فائدةٌ: رَهْنٌ ووديعة

(3)

كغَصْبٍ، قالَهُ الحارِثِيُّ وغَيرُه، ولَيسَ لِمَنْ هي عندَه أخْذُ شَيءٍ منها، ولو كان فَقِيرًا، نَصَّ عليه.

(1)

قوله: (في اللقطة) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 7/ 248.

(3)

في (ح): وديعة.

ص: 227

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ أَتْلَفَ مَالاً مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ؛ ضَمِنَهُ) إذا كان بغَيرِ إذْنِه، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(1)

؛ لأِنَّه فَوَّتَه عليه بالإتْلاف فَضَمِنَه، كما لو غَصَبَه فَتَلِفَ عِندَه.

وشَرْطُه أنْ يكونَ «مالاً» ؛ احْتِرازٌ عن الكَلْب والسِّرْجِينِ النَّجِس.

«مُحتَرَمًا» احْتِرازٌ عمَّا لَيسَ بمُحترَمٍ وإنْ كان مالاً؛ كآلة اللَّهو.

«لغَيرِه» يُحْتَرَزُ به عن نفسه؛ لأِنَّه لا يَجِب الضَّمانُ على مَنْ هو له.

ويُشْتَرَطُ فيه أنْ يكونَ معْصومًا، صرَّح به في «الوجيز» و «الفروع» ؛ لأِنَّ ما لَيسَ بمَعْصومٍ لا يضمَن ماله، وزادا:«ومثله يضمنه» ؛ يُحْتَرَزُ به عن الأب إذا أتْلَفَ مالَ ولده، والصبيِّ والمجنونِ إذا أتْلَفَا مالاً دَفَعَه مالِكُه إلَيهِما بشَرْطِه، وما تَلِفَ بَينَ أهل العَدْل والبُغاةِ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ فيه بَينَ الكبير والصغير، والمختارِ والمكره؛ لعُموم «مَنْ» ، وهو وَجْهٌ في المكرَه.

وفي آخَرَ: يَضمَنُه مكرِهُهُ

(2)

كدفعه مكرَهًا؛ لأِنَّه لَيسَ إتْلافًا.

وقِيلَ: المكرَهُ كمضطر

(3)

.

ويَرجِع في الأصحِّ على مَنْ أكْرَهَهُ إنْ جَهِلَ تحريمَه، وقيل: وعَلِمَه؛ لإباحة إتلافه.

وهل لربِّه مطالَبَةُ مُكرِهه؟ فيه وجْهانِ، فإنْ طالَبَهُ؛ رَجَعَ على المتْلِفِ إنْ عَلِمَ تحريمَه، إن قُلْنا: لا

(4)

يَرجِعُ عَلَيهِ، وقيل: الضَّمانُ بَينَهُما، وكالعامِدِ والسَّاهِي.

(1)

ينظر: الشرح الكبير 15/ 297.

(2)

في (ح): بكرهه.

(3)

في (ح): المضطر.

(4)

قوله: (لا) سقط من (ق)، وقوله:(قلنا: لا) هي في (ح): لم.

ص: 228

وعُلِمَ منه: أنَّه لا ضَمانَ مع إذْنِه، وعيَّن

(1)

ابنُ عَقِيلٍ الوَجْهَ المأْذُونَ فيه مع غَرَضٍ صَحيحٍ.

(وَإِنْ فَتَحَ قَفَصًا عَنْ طَائِرٍ

(2)

فطار، (أَوْ حَلَّ قَيْدَ عَبْدِهِ) فَهَرَبَ، (أَوْ رِبَاطَ فَرَسِهِ) فَشَرَدَ؛ ضَمِنَه؛ لأِنَّه تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْله، فَلَزِمَه الضَّمانُ، كما لو نَفَّرَه، فلو بَقِيَ الطَّائِرُ في محلِّه، وكذا الآخَرونَ، فَتَلِفَ بآفَةٍ سَماوِيَّةٍ؛ لم يَجِب الضَّمان؛ لأِنَّ التَّلَف لم يَحصُل بفِعْله، وحَذَفَه المؤلِّفُ اعْتِمادًا على ظُهوره.

فلو بَقِيَ الطَّائرُ والفَرَسُ بِحالِهما حتَّى نَفَّرهما آخَرُ وذَهَبَا؛ فالضَّمانُ على المنَفِّر؛ لأِنَّ سَبَبَه أخَصُّ، فاخْتَصَّ الضَّمانُ به؛ كالدَّافِع مع الحافِرِ.

وفي «الفنون» : إنْ كان الطَّائِرُ متألِّفًا فلا، كذكاةِ مُتَأَنِّسٍ

(3)

ومُتَوَحِّشٍ؛ لأِنَّ المسْتَأْنِسَ

(4)

في مَظِنَّة القُدْرة عليه، فالقفص

(5)

وعَدَمُه سَواءٌ

(6)

.

تنبيهٌ: لو دَفَعَ مِبْرَدًا إلى مُقَيَّدٍ، فَبَرَدَ قَيْدَه؛ ففي تضمينِ دافِعه وجْهانِ.

ولا يَضمَنُ دافِعُ مِفْتاحٍ إلى لِصٍّ؛ لأِنَّ الدَّافِعَ سَبَبٌ واللِّصَّ مُبَاشِرٌ، فأُحِيلَ الحُكمُ عَلَيهِ.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ: مَنْ غَرِمَ بِسَبَبِ كَذِبٍ عَلَيه عند وَلِيِّ أمْرٍ؛ فله تَغْريمُ

(1)

في (ح): وعبر.

(2)

في (ح): طائره.

(3)

في هامش (ظ): (في الحاشية لابن قندس: فلا يحل إلا بالذكاة؛ بخلاف المتوحش الذي لا يقدر عليه؛ فإنه يحل إذا قتل بغير الذكاة؛ لعدم القدرة عليه).

(4)

في (ق): المتأنس.

(5)

في (ح): والقفص.

(6)

في هامش (ظ): (فالطير إذا كان متألفًا يغلب على الظن أنه لا يذهب بفتح القفص؛ فلا يضمنه عند ابن عقيل، على ما ذكره في الفنون،

لا يحل إلا بالذكاة، فإن كان في غير قفص؛ فكذلك لا يضمن بفتح القفص؛ لأن القفص وعدمه في حق المستأنس سواء؛ دليله الذكاة).

ص: 229

الكاذِب

(1)

، وهو المشْهورُ عن المالِكِيَّة

(2)

؛ لأِنَّ السَّببَ يُحالُ عليه الحُكمُ إذا لم يُمكِنْ إحالةُ الحُكْم على المباشِرِ، كَمَنْ ألْقَى شَخْصًا في زُبْيَةِ أَسَدٍ؛ فَقَتَله الأسدُ، أو في بَحْرٍ؛ فابْتَلَعَه حُوتٌ.

(أَوْ) حَلَّ (وِكَاءَ)، بكَسْر الواو ممدودًا: ما يشدُّ

(3)

به رأْس القربة، (زِقِّ مَائِعٍ، أَوْ جَامِدٍ فَأَذَابَتْهُ الشَّمْسُ، أَوْ بَقِيَ بَعْدَ حَلِّهِ قَاعِدًا فَأَلْقَتْهُ الرِّيحُ فَانْدَفَقَ؛ ضَمِنَهُ)؛ لأِنَّ فِعْلَه سَبَبُ تَلَفِه، لم يَتَخَلَّلْ بَينَهما ما يُمكِنُ إحالةُ الحُكم عَلَيهِ؛ فَلَزِمَه، كما لو جرح

(4)

إنْسانًا فأفْضَى إلى تَلَفِه، بخِلافِ ما لو دَفَعَهُ إنْسانٌ بَعْدَ ذلِكَ، فإنَّه مُباشِرٌ يُمكِنُ إحالةُ الحُكْم عليه.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يَضْمَنُ مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ)، وزلزلة

(5)

الأرض؛ لأِنَّ فِعْلَه غَيرُ مُلْجٍ، فلم يتعلَّق

(6)

به ضَمانٌ، كما لو دَفَعَه إنسانٌ.

وفيه وَجْهٌ: لا يَضمَنُ فِيمَا أذابَتْه الشَّمسُ؛ لأِنَّ فِعْلَه غَيرُ مُلْجٍ، مع أنَّ قَولَ القاضِي مَنْقوضٌ بما إذا أذابَتْه الشَّمسُ؛ لأِنَّه لا نَقولُ فيه بعَدَم الضَّمان.

فَرْعٌ: لو حَبَسَ مالِكَ دَوابَّ، فَتَلِفَت؛ لم يَضمَن الحابِسُ. وقِيلَ: بلى، وينبغي أنْ يُفرَّقَ بَينَ الحَبْس بحقٍّ أو غَيرِه.

(وَإِنْ رَبَطَ دَابَّةً فِي طَرِيقٍ، فَأَتْلَفَتْ)؛ ضَمِنَ؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ بالرَّبْط، وظاهِرُه: لا فَرْقَ فيه

(7)

بَينَ الواسِعِ وغَيرِه، لكِنْ في الواسِعِ إذا لم تَكُنْ

(8)

يَدُ صاحِبِها

(1)

ينظر: الفروع 7/ 252، الاختيارات ص 240.

(2)

ينظر: المدونة 3/ 530.

(3)

في (ظ): ما يسد.

(4)

في (ح): صرح.

(5)

رسمت في (ح): وزالزلة.

(6)

رسمت في (ح): يتلق.

(7)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(8)

في (ق): لم يكن.

ص: 230

عَليها رِوايَتانِ، وفي الضَيِّق

(1)

يَضْمَنُ ولو بِرِجْلها

(2)

، نَصَّ عليه

(3)

، ومَنْ ضَرَبَها إذنْ، فَرَفَسَتْه، فمات؛ ضَمِنَه، ذَكَرَه في «الفنون» .

ومِثْلُه: لو تَرَكَ فيه طِينًا، أوْ خَشَبَةً، أوْ حَجَرًا، أوْ كِيسَ دَراهِمَ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، وبإسْنادِ خَشَبَةٍ إلى حائِطٍ.

(أَوِ اقْتَنَى كَلْبًا عَقُورًا، فَعَقَرَ، أَوْ خَرَقَ ثَوْبًا؛ ضَمِنَ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ بِاقْتِنائِه، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ) في رِوايةٍ؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ بالدُّخول، فلم يَضْمَنْهُ المقْتَنِي.

وظاهِرُه: أنَّه لو دَخَلَ بإذْنِه فإنَّه يَضْمَنُه الآذِنُ؛ لأِنَّه تَسَبَّبَ إلى تَلَفِه.

ونَقَلَ حَنْبَلٌ: إذا كان الكَلْبُ مُوثَقًا لم يَضْمَنْ ما عَقَرَ

(6)

.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أتْلَفَ شَيئًا بغَيرِ العَقْر، كما لو وَلَغَ أوْ بالَ في إناءِ إنْسانٍ؛ أنَّه لا ضَمانَ؛ لأِنَّ هذا لا يَخْتَصُّ الكَلْبَ العَقُورَ.

(وَقِيلَ: فِي الْكَلْبِ رِوَايَتَانِ):

إحْداهُما: يَضمَنُ؛ لأِنَّ اقْتِناءَه سَبَبٌ للعَقْر وأَذَى النَّاس، فلَزِمَه الضَّمانُ؛ لِمَا فِيهِ من المبالَغَة في الزَّجْر.

والثَّانيةُ: لَا؛ لأِنَّه لم يَحصُلْ منه جِنايَةٌ، وكسائر البَهائِم.

وجَوابُه: بأنَّه مُتَسَبِّبٌ.

وفي «الرعاية» : يَضمَنُ ما عَقَرَ خارِجَ الدَّار إنْ لم يَكُفَّه ربُّه، أوْ يَحذِّرَ منه.

(فِي الْجُمْلَةِ)، سَواءٌ كان في منزلِ صاحبِه أو خارِجًا عنه، دَخَلَ بإذْنِ

(1)

في (ح): الضمن.

(2)

في (ق): برحلها.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 255.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 256.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3740، الفروع 7/ 255.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 256.

ص: 231

صاحِبِ المنزِل أوْ لَا.

فَرْعٌ: حُكْمُ أَسَدٍ، ونَمِرٍ، وذِئْبٍ، وهِرٍّ يأكل

(1)

الطُّيور ويَقْلِبُ

(2)

القُدُورَ في العادة؛ حُكْمُ الكَلْب العَقور.

وله قَتْلُ الهِرِّ بِأكْلِ لَحْمٍ ونحوِه؛ كالفَواسِقِ، وفي «الفصول»: حِينَ أكْلِها، وفي «الترغيب»: إنْ لم يَندَفِعْ إلاَّ به؛ كَصَائِلٍ.

(وَإِنْ أَجَّجَ نَارًا فِي مِلْكِهِ، أَوْ سَقَى أَرْضَهُ، فَتَعَدَّى إِلَى مِلْكِ غَيْرِهِ فَأَتْلَفَهُ؛ ضَمِنَ إِذَا كَانَ أَسْرَفَ فِيهِ أَوْ فَرَّطَ)؛ بِأنْ أجَّجَها بِما تَسْرِي في العادة لكَثْرَتِها، أو في رِيحٍ شديدةٍ تَحمِلُها، أو فَتَحَ ماءً كثِيرًا يَتَعَدَّى؛ لأِنَّها سِرايَةُ عُدْوانٍ، فَلَزِمَه الضَّمانُ، كما لو بَاشَرَ ذلك بالإتْلاف.

فلو أجَّجَها، ثُمَّ طَرَأَتْ رِيحٌ؛ لم يَضْمَنْ.

قال في «عيون المسائل» : لو أجَّجَها على سَطْحِ دارِه، فهبَّت الرِّيحُ فأطارت الشَّرَرَ؛ لم يَضمَنْ؛ لأِنَّه في ملْكِه، وهُبوبُ الرِّيح لَيسَ مِنْ فِعْلِه، بخِلافِ ما لَوْ رَمَى قشر بِطِّيخٍ في طريق.

وظاهِرُه

(3)

و «الوجيز»

(4)

و «الفروع» : أنَّه يَضمَنُ حَيثُ لم يَكُنْ ذلك في ملْكِه، صرَّح به في «الشَّرح» ؛ لِتَعدِّيه.

(وَإِلاَّ فَلَا) ضَمانَ، حَيثُ لم يُوجَد إفْراطٌ ولا تَفْريطٌ، لأِنَّه غَيرُ مُتَعَدٍّ؛ لأِنَّها سِرايةُ فِعْلٍ مُباحٍ، فلم يَضْمَنْ؛ كَسِرايَة القَوَد.

وفارَقَ ما إذا حَلَّ زِقًّا فانْدَفَقَ ما فيه؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ بحَلِّه

(5)

.

(1)

في (ظ): تأكل.

(2)

في (ظ): وتقلب.

(3)

في (ظ): وظاهر.

(4)

في (ح): وظاهره «الوجيز» .

(5)

في (ح): بمحله.

ص: 232

(وَإِنْ حَفَرَ فِي فِنَائِهِ) - وهو ما كان خارِجَ الدَّار قَريبًا منها - (بِئْرًا لِنَفْسِهِ؛ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا)؛ لأِنَّه مُتَسَبِّبٌ إلى إتْلافِ غَيرِه، فَلَزِمَه الضَّمانُ؛ كَوَاضِعِ السِّكِّينِ، وسَواءٌ حَفَرَها بإِذْنِ الإمامِ أوْ غَيرِ إذْنِه، فيها ضَرَرٌ أوْ لَا.

وقال بعضُ أصحابنا: له حَفْرُها لنفسه بإذْنِ الإمام، ذَكَرَه القاضِي، فَعَلَيهِ: لا ضَمانَ؛ لأِنَّ للإمام أنْ يَأْذَنَ في الانتفاع

(1)

بما لا ضَرَرَ فِيهِ.

وجَوابُه: بأنَّه حَفَرَ في مَكانٍ مُشْتَرَكٍ بغَيرِ إذْنِ أهله لغَيرِ مصلحَتِهم؛ فَضَمِنَ؛ كما لو لم يَأْذَنِ الإمامُ فيه، ولا نُسلِّم أنَّ للإمام الإذْنَ فيه.

فدلَّ أنَّه لا يَجوز لوكيلِ بَيتِ المال وغَيرِه بَيعُ شَيءٍ مِنْ طريق المسلمين النَّافِذِ، وأنَّه لَيسَ لحاكِمٍ الحُكْمُ بصحَّته، وقاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وفي «الفروع» : يتوجَّهُ جَوازُه للمصلحة.

(وَإِنْ حَفَرَهَا فِي سَابِلَةٍ) - السَّبيلُ: الطَّريقُ، يُذَكَّرُ ويؤنَّث، والجَمعُ: السَّوابِلُ - (لِنَفْعِ الْمُسْلِمِينَ)؛ لِيَنزِل فيها ماءُ المطر، أو لِيَشرَب منها المارَّةُ؛ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهَا فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لأِنَّه مُحْسِنٌ بفِعْله غَيرُ مُتَعَدٍّ، أشْبَهَ باسِطَ الحَصير في المسجد، وعَلَّله أحمدُ: بأنَّه نَفْعٌ للمسلمين

(3)

، ومَحَلُّه: ما لم يَكُنْ فيه ضَرَرٌ، ومَعْناهُ في «الوجيز»: بأنْ حَفَرَها في سابِلةٍ واسعةٍ لمصلحةٍ عامَّةٍ.

والثَّانِيةُ: يَضمَنُ، واقْتَصَر القاضِي على حكايتها؛ لأِنَّه مأْذونٌ له في ذلك بشرطِ سلامةِ العاقبة، ولم تُوجَدْ.

وعنه: يَضمَن، إلاَّ أن

(4)

تكون

(5)

بإذْنِ حاكِمٍ.

(1)

في (ح): انتفاع.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 6، الاختيارات ص 240.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 289، الفروع 7/ 257.

(4)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(5)

في (ق): يكون.

ص: 233

والأوَّل أشهر

(1)

؛ لأِنَّ هذا ممَّا تدعو الحاجةُ، ويَشُقُّ اسْتِئْذانُ الإمام، وتَعُمُّ البَلْوَى به.

ومِثْلُه: لو حَفَرَها في مَواتٍ لِتَمَلُّكٍ، أو ارْتِفاقٍ، أو انْتِفاعٍ عامٍّ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، أوْ بَنَى فيها مسْجِدًا أو خانًا ونحوَهما لِنَفْعِ المسلمين.

فَرْعٌ: فِعْلُ عَبْدِه بأمْرِه؛ كفِعْلِه، أعْتَقَه أوْ لا، ويَضْمَنُ سُلْطانٌ آمر

(3)

وحده، وإنْ حَفَرَها حُرٌّ بأُجْرةٍ أوْ لا، وثَبَت

(4)

عِلْمُه أنَّها في ملْكِ غَيرِه - نَصَّ عَلَيهِ- ضَمِنَ الحافِرُ، ونَصُّه: هما

(5)

، وإن جُهِلَ؛ فالآمِرُ، وقيل: الحافِرُ، ويَرْجِعُ على الآمِرِ.

تنبيهٌ: حُكمُ البناء في الطَّريق؛ كالحَفْر فيه، مسجِدًا كان أو غَيرَه، نَقَلَ إسْماعيلُ بنُ سَعيدٍ في المسجد: لا بَأْسَ به إذا لم يَضُرَّ بالطَّريق، ونَقَلَ عبدُ الله: أكْرَهُ الصَّلاةَ فيه إلاَّ أن يكونَ بإِذْن الإمام، ونَقَلَ المرُّوذِيُّ: إنَّ هذه المساجِدَ الَّتي بُنِيَتْ في الطَّريقِ تُهدَمُ، وسأله محمَّد بنُ يحيى الكحَّال: يَزِيدُ في المسْجد مِنَ

(6)

الطَّريقِ، قال: لا يُصَلَّى فِيهِ

(7)

.

وفي «المغني» : يَحتَمِل أنْ يُعتَبَر

(8)

إذْنُ الإمام في البناء لنَفْع المسلمين دُونَ الحَفْر؛ لدَعْوَى الحاجة إليه لنفع الطَّريق وإصلاحها، وإزالة الطين

(9)

(1)

في (ح): ما شهر.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 188، الإنصاف 15/ 315.

(3)

في (ح): امرئ.

(4)

في (ح) و (ق): ويثبت.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 289، الفروع 7/ 257.

(6)

في (ق): في.

(7)

ينظر: الفروع 7/ 257.

(8)

في (ق): تعتبر.

(9)

في (ح): الطير.

ص: 234

والماء منها؛ فهو كتَنْقِيَتها

(1)

، وحَفْرِ هَدَفَةٍ

(2)

فيها، وقَلْعِ حَجَرٍ يَضُرُّ بالمارَّة، وَوَضْعِ الحصى في حُفْرةٍ فيها لِيَمْلَأها، وتَسْقِيفِ ساقِيَةٍ فيها، وَوَضْعِ حَجَرٍ في طِينٍ؛ ليطأ النَّاسُ عَلَيهِ، فهذا كلُّه مُباحٌ، لا يُضمَنُ ما تَلِفَ به، لا نَعلَمُ فيه خلافًا

(3)

.

وكذا بِناءُ القناطر، ويَحتَمِل أنْ يُعْتَبَرَ فِيهَا إذْنُ الإمام؛ لأِنَّ مصلحتَه لا تَعُمُّ.

قال بعضُ أصحابنا في حَفْرِ البِئْر: يَنبَغِي أنْ يَتَقيَّدَ سُقوطُ الضَّمان إذا حَفَرَها في مَكانٍ مائِلٍ عن القارعة، وجَعَلَ عَلَيهِ حاجِزًا يُعلَمُ به لِيُتَوَقَّى.

(وَإِنْ بَسَطَ فِي مَسْجِدٍ حَصِيرًا، أَوْ عَلَّقَ فِيهِ قِنْدِيلاً)، أوْ فَعَلَ فِيهِ شَيئًا يَنْفَعُ النَّاسَ؛ (لَمْ يَضْمَنْ مَا تَلِفَ بِهِ)؛ لأِنَّه مَأْذُونٌ في ذلك شَرْعًا، فلم يَضْمَنْ ما تَوَلَّدَ منه؛ كسِرايَةِ القَوَدِ.

وقِيلَ: بل يَضْمَنُ المالَ، وعاقِلَتُه الدِّيةَ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ فَعَلَه بإذْن الإمام، أو حاجةٍ؛ فَهَدَرٌ.

والأوَّلُ أَوْلَى، وقالَهُ الأكْثَرُ؛ كَوَضْعِ حَصًى فِيهِ؛ ولأِنَّه أحْسَنَ بفِعْله من غَيرِ تَعَدٍّ منه، فلم يَضْمَنْ ما تَلِفَ، كما لو أَذِنَ الإمامُ والجِيرانُ.

(وَإِنْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ

(4)

أَوْ طَرِيقٍ وَاسِعٍ، فَعَثَرَ بِهِ حَيَوَانٌ، فَتَلِفَ

(5)

؛ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَحَدِ

(6)

الْوَجْهَيْنِ)، وهو الأصحُّ؛ لأِنَّه جَلَسَ في مَكانٍ له الجُلوسُ

(1)

في (ق): كتبقيتها. والمثبت موافق لكتب الأصحاب.

(2)

الهدف: كل شيء مرتفع، من بناء أو كثيب رمل أو جبل. ينظر: الصحاح 4/ 1442، كشاف القناع 9/ 315.

(3)

ينظر: المغني 8/ 425.

(4)

في (ح): مجلس.

(5)

قوله: (فتلف) سقط من (ح).

(6)

في (ح): إحدى.

ص: 235

فِيهِ، من غَيرِ تَعَدٍّ على أحَدٍ، وتَقْييدُه بالواسِعِ يُخْرِجُ الضَّيِّقَ.

والثاني: يَضمَنُ؛ لأِنَّ الطَّريق جُعِلَتْ للمُرور فِيها لا الجلوس، والمسجدُ للصَّلاة وذِكْرِ الله تعالى.

وما ذَكَرَه المؤلِّفُ أَوْلَى؛ لأِنَّه فَعَلَ فِعْلاً مُباحًا، والطَّريقُ الواسِعُ يُجلَس فيه عادةً، والمسجدُ جُعِل للصَّلاة وانْتِظارِها والاِعْتِكافِ في جميع الأوقات، وبَعضُها لا تُباحُ الصَّلاةُ فيه

(1)

.

(وَإِنْ أَخْرَجَ جَنَاحًا، أَوْ مِيزَابًا إِلَى الطَّرِيقِ، فَسَقَطَ) أوْ شَيءٌ منه (عَلَى شَيْءٍ، فَأَتْلَفَهُ؛ ضَمِنَ) المخرِجُ؛ لأِنَّه مُتَعَدٍّ بذلك، فَوَجَبَ عليه ضمانُ ما تَولَّدَ منه، كما لو جَرَحَ إنْسانًا فَتَعَدَّى إلى قَتْلِه.

وأطْلَقَ المؤلِّفُ الطَّريقَ، ويُسْتَثْنَى منه: ما إذا كان غيرُ نافِذٍ، وأخْرَج ذلك بإذْنِ أهله، فإنَّه لا ضَمانَ عليه؛ لِعَدَم تَعدِّيه.

مَسائِلُ:

إذا تَلِفَتْ حامِلٌ أوْ حَمْلُها من رِيحِ طَبِيخٍ، عَلِمَ أصحابُه ذلك عادةً؛ ضَمِنُوا في الأَشْهَر.

وإن أطارت الرِّيحُ إلى داره ثَوبًا؛ لَزِمَه حِفْظُه، فإن لم يَعرِف صاحِبَه؛ فَلُقَطَة، وإنْ عَرَفَه؛ لَزِمَه إعْلامُه، فإن لم يَفعَلْ؛ ضَمِنَ.

وإنْ دَخَلَها طائِرُ غَيرِه؛ لم يَلْزَمْه حِفْظُه ولا إعْلامُه به، وقيل: إلاَّ أنْ يكونَ غَيرَ مُمْتَنِعٍ، فَيكونُ كالثَّوب، وإنْ أغْلَقَ عليه بابَه لِيُمْسِكَه لِنَفْسه؛ ضَمِنَه، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ مَالَ حَائِطُهُ) إلى غَيرِ ملْكِه وعَلِمَ به، وأسْقَطَه في «التَّرغيب» ، (وَلَمْ

(2)

يَهْدِمْهُ حَتَّى أَتْلَفَ شَيْئًا؛ لَمْ يَضْمَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ

(3)

؛ لأِنَّ المَيلَ حادِثٌ،

(1)

قوله: (فيه) سقط من (ق).

(2)

في (ح): فلم.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3443.

ص: 236

والسُّقوطَ بغَيرِ فِعْلِه، أشْبَهَ ما لو وَقَعَ قَبلَ مَيلِه، وسَواءٌ أمْكَنَه نَقْضُه، أو طولب به، أوْ لَا.

(وَأَوْمَأَ فِي مَوْضِعٍ: أَنَّهُ إِنْ تُقُدِّمَ إِلَيْهِ بِنَقْضِهِ وَأُشْهِدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَفْعَلْ؛ ضَمِنَ)؛ لأِنَّه مُفَرِّطٌ، أشْبَهَ ما لو باشَرَ الإتْلافَ، وهذا رِوايتانِ عنه، ففي رواية: إنْ طالَبَه مستحق

(1)

بنَقْضِه وأمْكَنَه؛ ضَمِنَ، اخْتارهُ جماعةٌ، وفي روايةِ ابْنِ مَنصورٍ: إذا كان أُشْهِد عليه ضَمِنَ

(2)

، وقال بعضُ أصْحابِنا: يَضْمَنُ مطلَقًا، وهو قَول ابن أبي لَيلَى وإسحاق؛ كبنائه مائِلاً.

وأمَّا إنْ طُولِبَ بالنَّقْض فلم يَفْعَل؛ فقد توقَّف أحمدُ في الجواب فيها، وحَكَى في «الشَّرح» الضَّمانَ عن الأصحاب، فعلى هذا: المطالَبَةُ من كلِّ مسلِمٍ وذمِّيٍّ يُوجِبُ الضَّمانَ بشَرْطه؛ لأِنَّ كلَّ واحدٍ له حقُّ المرور، بخلاف مستأْجِرٍ ومسْتَعِيرٍ.

لكِنْ إن كان المالك محجورًا عليه لِسَفَهٍ ونحوِه، فطُولِب؛ لم يَلزَمْه؛ لعَدَم أهْلِيَّته، وإنْ طُولِبَ وليُّه، أو الوصيُّ، فلم يَفْعَلْ؛ فالضَّمانُ على المالِكِ.

وإنْ طُولِبَ أحدُ المشتركينِ

(3)

؛ ففي حصَّته وجْهانِ:

أحدهما: لا شَيءَ عليه؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُه النَّقْضُ بدون إذْنٍ، فهو كالعاجِز.

والثَّاني: يَلْزَمه بحصَّته؛ لأنَّه يتمكَّن من النَّقض بمطالَبَةِ شَريكه وإلزامِه، فصار مفرِّطًا.

فلو كان مَيلُه إلى دَرْبٍ غَيرِ نافِذٍ؛ فالحقُّ لأِهلِ الدَّرب، والمطالَبةُ لهم.

فإنْ تَشَقَّق الحائطُ ولم يَمِلْ؛ فإن كان طُولاً فهو كالصَّحيح، وإن كانَ عَرْضًا فهو كالمائل.

(1)

في (ح): يستحق، وفي (ق): مستحقه.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3443.

(3)

في (ح): الشريكين.

ص: 237

تنبيه: إذا بَنَى حائطًا في ملْكِه مستوِيًا، أو مائلاً إلى ملْكِه، فسقط، فأتْلَف شيئًا؛ فَهَدَرٌ.

وإن بناه مائلاً إلى ملْكِ غَيرِه أو الطَّريق، وخِيفَ ضرَرُه؛ نَقَضَه، فإنْ تَرَكَه فَسَقَطَ فأتْلَفَ نفسًا أو مالاً؛ ضمن المالَ، والعاقِلةُ الدِّيةَ. وقيل: هو كما لو مَالَ.

وما بَقِيَ من حائطه السَّاقط في فِنائه، أو طريق، فَهَلَك به أحدٌ؛ فهل يَضمَنُ؟ على وَجْهَينِ.

أَصلٌ: إذا تُقدِّم إلى

(1)

مالِكِ الحائط المائلِ فباعه، ثُمَّ سَقَطَ فأتْلَفَ شَيئًا؛ فلا ضَمانَ على البائع؛ لأِنَّه لَيسَ بملْكه

(2)

، ولا على المشْتَرِي؛ لأِنَّه لم يُطالَبْ بنَقْضِه.

وإذا قِيلَ بالضَّمان والمتلَفُ آدَمِيٌّ؛ فالدِّيةُ على عاقِلَتِه، فإنْ أنْكَرَتْ أنَّ الحائِطَ لصاحبهم؛ لم يَلزَمْهم، إلاَّ أنْ يَثبُتَ ذلك بِبَيِّنةٍ؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الوُجوب.

وإنْ أبْرأه والحقُّ له؛ فلا ضَمانَ.

(وَمَا أَتْلَفَتِ الْبَهِيمَةُ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا) إذا لم تكن يدُ أَحَدٍ عليها؛ لقوله عليه السلام: «العَجْماءُ جُبَارٌ»

(3)

؛ أيْ: هَدَرٌ، وسَواءٌ كان المتْلَفُ صَيدَ حَرَمٍ أوْ غَيره، أطلقه أصحابُنا، ومُرادُهم: إلاَّ الضَّاريةَ والجوارِحَ وشبْهَها، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ أَمَرَ رَجُلاً بإمساكها: ضَمِنَه إذا لم يُعْلِمْه بها

(4)

.

(1)

قوله: (إلى) مكانه بياض في (ح).

(2)

في (ق): ملكه.

(3)

كتب في هامش (ظ): (قوله: «العجماء جبار»، العجماء الدابة، والجبار الهدر الذي لا شيء فيه)، والحديث أخرجه البخاري (1499)، ومسلم (1710)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

ينظر: الاختيارات ص 240.

ص: 238

وفي «الفصول» : مَنْ أطلَقَ كلْبًا عقورًا، أوْ دابَّة رفوسًا

(1)

، أوْ عَضوضًا على النَّاس، وخَلاَّه في طُرُقهم ورِحابِهم، فأتْلَفَ شَيئًا؛ ضَمِنَه؛ لتَفْريطه، وظاهِرُ كلامهم: ولو كانت مغصوبةً؛ لأِنَّه لا تَفْريطَ من المالِكَ، ولا ذمَّةَ لها فتتعلَّق

(2)

بها، ولا قَصْدَ فيتعلَّق برَقَبَتها، بخلافِ العَبدِ والطِّفل.

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِ إِنْسَانٍ؛ كَالرَّاكِبِ، وَالسَّائِقِ، وَالْقَائِدِ، فَيَضْمَنُ مَا جَنَتْ يَدُهَا وفَمُهَا دُونَ مَا جَنَتْ رِجْلُهَا)؛ لِمَا روى سعيدٌ مرفوعًا: «الرِّجْلُ جُبَارٌ» ، وفي روايةِ أبي هُرَيرةَ:«رِجْل العَجْماء جُبَارٌ»

(3)

، فدلَّ على وجوب الضَّمان في جنايةِ غَيرِها، ولأِنَّه يُمْكِنُه حِفْظُها من الجناية بها، بخلافِ الرِّجْل.

وعنه: يَضمَنُ ما جَنَتْ بِرِجْلها؛ ككَبْحِها ونحوِه، ولو لمصلحةٍ، وكوَطْئه بها.

وظاهِرُ نَقْلِ ابنِ هانِئٍ فيه: لَا

(4)

.

ونَقَلَ أبو طالِبٍ: لا يَضْمَنُ ما أصابت بِرِجْلها، أو نَفَحَتْ بها

(5)

؛ لأِنَّه لا

(1)

قوله: (رفوسًا) في (ح) و (ق): أو فرسًا.

(2)

في (ح) و (ظ): فيتعلق.

(3)

أخرج هذه الرواية أبو داود (4592)، والنسائي في الكبرى (5756)، والدارقطني (3305)، من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وسفيان بن حسين ضعيف في الزهري، ولم يتابع على هذه اللفظة، وخالفه جميع الثقات الذين رووه عن الزهري فلم يذكروها، وقال ابن حجر:(وقد اتفق الحفاظ على تغليط سفيان بن حسين)، ووردت هذه اللفظة عند الدارقطني (3312)، من طريق آدم، عن شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، وقال الدارقطني:(لم يروه عن شعبة غير آدم، قوله: «الرجل جبار»)، والراجح أنها من قول سعيد بن المسيب، ذكره ابن القيم عن شيخ الإسلام، ولم نقف على لفظة:«رجل العجماء جبار» . ينظر: الفروسية ص 232، الفتح 12/ 256.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 88.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 262.

ص: 239

يَقدِرُ على حَبْسها، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ.

وعنه: يَضمَنُ سائِقٌ جنايةَ رِجْلها.

وعلى المذهب: لو كان السَّببُ من غَيرِهم؛ ضَمِنَ فاعِلُه؛ كنَخْسها وتَنفِيرها.

ويُعتَبَر في

(1)

الرَّاكب أن يكون متصرفًا

(2)

فيها، فلو كان عليها اثْنانِ؛ فالضَّمان على الأوَّلِ؛ لأِنَّه قادِرٌ على كَفِّها، إلاَّ أنْ يكونَ صغيرًا أوْ مريضًا، وإن كان الثَّاني متوليًا تدْبِيرَها؛ فعَلَيهِ الضَّمانُ، وإن اشتركا في التَّصرُّف، أوْ كان مَعَها سائِقٌ وقائدٌ؛ اشْتَرَكا في الضَّمان، وإن كان مَعَهُما، أوْ مَعَ أحَدِهِما راكِبٌ؛ شارَك، وقيل: راكِب؛ لأِنَّه أقْوَى، وقيل: قائدٌ؛ لأِنَّه لا حُكْمَ للرَّاكِب معه.

ولا ضَمانَ بِذَنَبِها في الأصحِّ.

ويَضمَنُ جِنايَةَ وَلَدِها.

فَرْعٌ: الإبِلُ والبِغالُ المُقْطَرةُ كالواحدة، على قائدها الضَّمانُ، وإنْ كان معه سائقٌ؛ شارَكَه في ضَمان الأخير فقطْ إنْ كان في آخرها، فإنْ كان في أوَّلها؛ شارَك في الكُلِّ، وإنْ كان فيما عدا الأوَّل؛ شارَك في ضَمان ما باشَرَ سَوقَه دُونَ ما قَبْلَه، وشارَك فيما بعده

(3)

، وإن انفَرَد راكِبٌ بالقِطَار وكان على أوَّله؛ ضَمِنَ جِنايَةَ الجميع، قاله الحارِثِيُّ.

(وَيَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنَ الزَّرْعِ وَالشَّجَرِ لَيْلاً، وَلَا يَضْمَنُ مَا أَفْسَدَتْ مِنْ ذَلِكَ نَهَارًا)، في قَولِ أكْثَرِهم؛ لِمَا رَوَى

(4)

مالِكٌ، عن الزُّهْرِيِّ، عن

(1)

في (ق): من.

(2)

في (ح): متعرفًا.

(3)

في (ح) و (ق): بعد.

(4)

قوله: (روى) سقط من (ق).

ص: 240

حرام

(1)

بن سَعْدٍ: «أنَّ ناقةً للبراء

(2)

دَخَلَتْ حائطَ قَومٍ فأفْسَدَت، فَقَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:«أنَّ على أهْلِ الأمْوال حِفْظَها بالنَّهار، وما أَفْسَدت باللَّيل فهو مَضْمونٌ عليهم»

(3)

، قال ابنُ عبد البر: (هذا وإنْ كان مُرسَلاً فهو مَشهورٌ، وحدَّث به الأئمَّةُ

(4)

الثِّقاتُ، وتَلقَّاه فُقَهاءُ الحِجاز بالقَبول)

(5)

، ولأِنَّ العادةَ من أهْل المواشِي إرْسالُها نَهارًا للرَّعْيِ وحِفْظُها لَيلاً، عَكْسَ أهْلِ الحَوائِط، ولهذا فَرَّق بَينَهما، وقضى على

(6)

كلٍّ ما يحفظ في وقْتِ عادَتِه، وهذا روايةٌ.

واقْتَصَر في «الوجيز» على الزَّرع فقطْ.

وظاهِرُه: أنَّها إذا أتْلَفَتْ غَيرَ الزَّرع والشَّجر لَيلاً؛ أنَّه لا ضَمانَ على مالِكِها، صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(1)

في (ح): حزام.

(2)

في (ح): للبيراء.

(3)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 747)، ومن طريقه الشافعي (ص 195)، وأحمد (23691)، وهو مرسل صحيح، ووقع في سنده اختلاف على الزهري، فوصله عبد الرزاق (18437)، عن معمر، عن الزهري، عن حرام بن محيصة، عن أبيه، ومن طريقه أخرجه أحمد (23697)، وأبو داود (3569)، وابن حبان (6008)، ونقل ابن عبد البر عن أبي داود قوله:(ولم يتابع أحد عبد الرزاق على روايته عن حرام بن محيصة عن أبيه).

وأخرجه أحمد (18606)، وأبو داود (3570)، والنسائي في الكبرى (5753)، من طريق الأوزاعي، عن الزهري، عن حرام بن محيصة الأنصاري، عن البراء بن عازب به، وأعل هذا بالانقطاع، قال ابن حجر:(وحرام لم يسمع من البراء؛ قاله عبد الحق تبعًا لابن حزم)، وله طرق أخرى لا تخلو من مقال ذكرها ابن حجر وغيره، وصحح الحديث ابن الملقن والألباني. ينظر: التمهيد 11/ 89، البدر المنير 9/ 19، التلخيص الحبير 4/ 233، الإرواء 5/ 326.

(4)

في (ق): الأمة.

(5)

ينظر: التمهيد 11/ 82.

(6)

زيد في (ح): ما.

ص: 241

والمنصوصُ: أنَّه يَضْمَنُ ما أتْلَفَتْ لَيلاً، وجَزَمَ به جماعةٌ

(1)

، ولو انفَلَتَتْ بغَيرِ اخْتِياره، وقِيلَ: لا؛ لِعَدَمِ تَفْريطِه.

ولا يَضمَنُ نَهارًا.

قال القاضِي: هذه المسألةُ محمولةٌ على المواضِع الَّتي فيها مَزارِعُ أوْ مَراعي، فأمَّا القُرَى العامِرةُ التي

(2)

لا مَرْعَى فيها إلاَّ بَينَ قراحين

(3)

؛ كساقِيَةٍ وطَرَفِ زَرعٍ، فلَيسَ له

(4)

إرسالُها بغَير حافِظٍ، فإنْ فَعَلَ؛ لَزِمَه الضَّمانُ؛ لتَفْرِيطه، فأمَّا الغاصِبُ فيَضمَنُ ما أَفْسَدَتْ مطلَقًا.

فَرْعٌ: إذا طَرَد دابَّةً مِنْ زَرْعِه؛ لم يَضمَنْ، إلاَّ أنْ يُدخِلَها مَزْرعةَ غَيرِه، فإن

(5)

اتَّصلت المزارِعُ؛ صَبَرَ لِيَرجِعَ على ربِّها، ولو قَدَرَ أن يُخْرِجَها وله مُنصَرَفٌ غَيرُ المزارِعِ فَتَرَكَها؛ فَهَدَرٌ.

(وَمَنْ صَالَ عَلَيْهِ آدَمِيٌّ

(6)

أَوْ غَيْرُهُ)؛ كبهيمةٍ، ولم يُمْكِنْه دَفْعُها إلاَّ به، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، (فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ)؛ لأِنَّه قَتَلَه بِدَفْعٍ جائزٍ، فلم يَضمَنْه؛ لِمَا فيه من صِيانَةِ النَّفْس عن القَتْل.

(وَإِنِ اصْطَدَمَتْ سَفِينَتَانِ فَغَرِقَتَا؛ ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ أي: القَيِّمَينِ

(7)

(سَفِينَةَ الآْخَرِ وَمَا فِيهَا)؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِسبَبِ فِعْلَيهِما، فَوَجَبَ على كلٍّ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3725، الفروع 7/ 262.

(2)

في (ق): الذي.

(3)

في (ظ): فراخين. وفي المصباح 2/ 496: (القراح: المزرعة التي ليس فيها بناء ولا شجر).

(4)

قوله: (فليس له) في (ح): فله.

(5)

في (ح): فأما.

(6)

زاد في (ظ): (مكلف) ولم يذكر هذا القيد في الفروع ولا في الإنصاف، بل قال في الشرح 15/ 343:(كذلك الخلاف في غير المكلف من الآدميين، كالصبي والمجنون، يجوز قتله ويضمنه)، وفي الكشاف 9/ 330:(آدمي صغير أو كبير، عاقل أو مجنون، قاله الحارثي).

(7)

في (ق): القيمتين.

ص: 242

منهما ضَمانُ ما تَلِفَ بِسَبَبِ فِعْله؛ كالفارِسَينِ إذا اصْطَدَما.

وهذا إذا كانا مُفرِّطَينِ، فإن لم يَكنْ؛ فلا ضَمانَ عَلَيهما، لكِنْ قَطَع في «المغْنِي» و «الشَّرح» وغيرهما: بأنَّ كلَّ واحِدٍ ضامِنٌ إذا فرَّط، وعَزَاه الحارِثِيُّ إلى الأصْحاب.

فإن اخْتَلَفا في التَّفْريط ولا بَيِّنةَ؛ قُدِّم قَولُ القَيِّم مع يمينِه.

(وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا

(1)

مُنْحَدِرَةً؛ فَعَلَى صَاحِبِهَا ضَمَانُ الْمُصْعِدَةِ

(2)

؛ لأِنَّها تَنْحَطُّ عَلَيها من عُلْوٍ، فتكون

(3)

سَبَبًا لِغَرَقِها، فنُزِّل

(4)

المنْحَدِرةُ مَنزِلةَ السَّائرةِ، والصَّاعدةُ بمنزلة الواقِفة، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَلَبَهُ

(5)

رِيحٌ)، أو الماءُ شديدَ الجَرْيَةِ، (فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى ضَبْطِهَا)؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه لا يُعَدُّ مُفرِّطًا، ولأنَّ

(6)

التَّلَفَ يُمْكِنُ استناده

(7)

إلى الريح

(8)

.

فإنْ فرَّط صاحِبُ المصْعِدَةِ؛ بأنْ كان يُمْكِنُه العُدولُ بِسَفِينته؛ ضَمِنَ.

وإنْ كان إحداهما

(9)

سائرةً، والأخرى واقِفَةً؛ فلا شَيءَ عليها، وعلى السَّائرة ضَمانُ الواقِفَة إنْ كان القَيِّمُ مفرِّطًا، وإلاَّ فلا.

فَرْعٌ: إذا كانت دابَّةٌ عليها حَطَبٌ، فَخَرَقَ ثَوبَ آدَمِيٍّ بَصِيرٍ عاقِلٍ يَجِدُ مُنْحَرَفًا؛ فَهَدَرٌ، وكذا لو كان مستدبرًا

(10)

فصاح به مُنَبِّهًا له، وإلاَّ ضَمِنَ،

(1)

في (ح): أحدهما.

(2)

في (ح): الصعدة.

(3)

في (ظ): فيكون.

(4)

في (ح): فتنزل.

(5)

في (ظ): عليه.

(6)

في (ح): ولا أن.

(7)

في (ح): استيفاؤه.

(8)

في (ح): ريح.

(9)

في (ح): أحدهما.

(10)

في (ح): مستديرًا.

ص: 243

ذَكَرَه في «التَّرغيب» .

(وَمَنْ أَتْلَفَ مِزْمَارًا)، ويُقالُ: مُزْمُورٌ بضمِّ الميمِ الأُولى، (أَوْ طُنْبُورًا)، هو

(1)

بضمِّ الطَّاء، وهو فارِسِيٌّ مُعرَّبٌ، والطِّنْبارُ لُغَةٌ فيه بِوَزْنِ سِنْجارٍ، (أَوْ صَلِيبًا)؛ لم يَضمَنْه في قَول الجماهير، ولو مع صبيٍّ، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأنَّه لا يَحِلُّ بَيعُه، فلم يُضمَنْ كالميتة، وللخبر:«إنَّ الله حرَّم بَيعَ الخمر، والميتة، والخِنزِير، والأصْنام» متَّفَقٌ عليه

(3)

.

ولو عَبَّر بالمُلْهِي لَعَمَّ، كَعُودٍ، وطَبْلٍ، ودُفٍّ بِصُنُوجٍ أوْ حِلَقٍ، نَصَّ عَلَيهما

(4)

، ونَرْدٍ، وشِطْرَنْجٍ، أو آلة

(5)

سِحْرٍ أو تَنْجيمٍ، ونحوِه.

(أَوْ كَسَرَ إِنَاءَ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ

(6)

؛ لم يَضمَنْه، نَصَّ عَلَيهِ

(7)

؛ لأِنَّه أتْلَفَ ما لَيسَ بمُباحٍ، فلم يَضمَنْه؛ كالميتة.

وعَنْهُ: بلى، حكاها أبو الخَطَّاب، نَقَلَ مُهَنَّى فِيمَنْ هَشَمَ على غَيرِه إبْريقَ فِضَّةٍ: عليه قِيمَتُه

(8)

، يَصوغُه كما كان، فقيل له: ألَيسَ قد نَهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن اتِّخاذها

(9)

، فَسَكَتَ

(10)

، فهذا يدلُّ على أنَّه رَجَعَ عن قَولِه ذلك.

(1)

في (ح): وهو.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2870.

(3)

أخرجه البخاري (2236)، ومسلم (1581)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 372، مسائل عبد الله ص 316.

(5)

في (ح): وآلة.

(6)

في (ح): فضة أو ذهب.

(7)

ينظر: المغني 5/ 224، الطرق الحكمية ص 233.

(8)

قوله: (عليه قيمته) هو في (ق): يضمنه.

(9)

من ذلك ما أخرجه البخاري (5426)، ومسلم (2067)، من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعًا:«لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة» .

(10)

ينظر: المغني 5/ 224.

ص: 244

(أَوْ إِنَاءَ خَمْرٍ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ) على الأصحِّ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عُمَرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَه أنْ يأْخُذَ مُدْيَةً، ثُمَّ خَرَجَ إلى أسْواق المدينة وفِيهَا زِقاقُ الخَمْرِ قد جُلِبَتْ من الشَّام، فَشُقَّتْ بِحضرَتِه، وأَمَرَ أصحابَه بذلك» رواه أحمدُ

(1)

.

وهذا إذا كان الخمرُ الَّذي فيها نُؤمَرُ بإراقته، قَدَرَ يُرِيقُها بِدُونِه أوْ عَجَزَ، نقله المرُّوذِيُّ.

ونَقَلَ الأثْرَمُ وغَيرُه: إنْ لم يَقْدِرْ، لم يَضمَنْ على الأصحِّ فِيهِنَّ

(2)

، كخِنْزيرٍ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ

(3)

يَضْمَنُ آنِيَةَ الْخَمْرِ إِنْ كَانَ يُنْتَفَعُ بِهَا فِي غَيْرِهِ)؛ لأِنَّه مالٌ يُمْكِنُ الاِنْتِفاعُ به، ويَحِلُّ بَيعُه، فيَضمَنُها؛ كما لو لم يَكنْ فيها خَمرٌ، ولأِنَّ جَعْلَ الخمرِ فِيهَا لا يَقْتَضِي سُقوطَ ضَمانها؛ كمَخْزَن

(4)

الخمر، لكِنْ نَقَلَ ابنُ منصورٍ: أنَّه لا يَضمَنُ مَخْزَنًا للخمر

(5)

، واخْتارَهُ ابنُ بَطَّةَ وغَيرُه، ونَقَلَ حَنْبَلٌ: بَلَى

(6)

، وجَزَمَ به المؤلِّفُ.

(1)

أخرجه أحمد (6165)، وفي سنده: أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف، وله طرق أخرى تقويه، منها: ما أخرجه أحمد (5390)، والطحاوي (3343)، من طريق ابن لهيعة، عن أبي طعمة، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وابن لهيعة ضعيف، وله طريق أخرى عند الحاكم (7228)، والبيهقي في الكبرى (17334)، - ووقع في إسناد الحاكم سقط نبه عليه ابن حجر - وإسنادها يحتمل التحسين، قال الهيثمي:(رواه كله أحمد بإسنادين في أحدهما: أبو بكر بن أبي مريم، وقد اختلط، وفي الآخر أبو طعمة، وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي، وضعفه مكحول، وبقية رجاله ثقات)، وصحح الألباني الحديث بمجموع طرقه. ينظر: مجمع الزوائد 5/ 54، إتحاف المهرة 8/ 281، الإرواء 5/ 365.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 263.

(3)

قوله: (أنه) سقط من (ح).

(4)

في (ق): كخوب.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3378، الفروع 7/ 263.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 263.

ص: 245

وَلَا يَضْمَنُ كِتابًا فيه أحاديثُ رَدِيئةٌ، نَقَلَه المرُّوذِيُّ

(1)

، فَجَعَلَه كآلة لَهْوٍ، ولا حَلْيًا مُحرَّمًا على الرِّجال لم يَسْتَعْمِلُوه يَصلُح للنِّساء.

مسألةٌ: إذا وَقَعَ في مِحْبَرَتِه مالُ غَيرِه بِتَفْريطه فلم يَخرُجْ؛ كُسِرَتْ مَجَّانًا، وإنْ لم يُفرِّطْ ضَمِنَ ربُّ المال كَسْرَها، فإنْ بَذَلَ ربُّها بَدَلَه؛ ففي وُجوبِ قَبولِه وَجْهانِ

(2)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 263.

(2)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 246

(بَابُ الشُّفْعَةِ)

هي بإسْكانِ الفاء، مَأْخُوذَةٌ مِنْ الشَّفاعة، أو الزِّيادةِ، أو التَّقْوِيَة، أوْ مِنْ الشَّفْع، وهو أحْسَنُها؛ لأِنَّ الشَّفْعَ هو الزَّوجُ، فإنَّ الشَّفِيعَ كان نَصِيبُه مُنفَرِدًا في ملْكِه، فبالشُّفْعةِ ضَمَّ المبِيعَ إلى ملْكِه.

وبالثَّانِي جَزَمَ به بَعْضُ أهلِ اللُّغة؛ لأِنَّ نَصِيبَه كان وتْرًا، فصار شَفْعًا.

والشَّافِعُ هو الجاعِلُ الوتْر شَفْعًا، والشَّفِيعُ فَعِيلٍ بمعنى

(1)

فاعِلٍ.

وهي ثابِتةٌ بالسُّنَّةِ، فَرَوَى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالشُّفْعةِ في كلِّ ما

(2)

لم يُقْسَمْ، فإذا وَقَعَتِ الحُدودُ، وصُرِفَتِ الطُّرُقُ؛ فلا شُفْعَةَ» رواه أحْمدُ والبُخارِيُّ

(3)

، وبالإجْماع حكاهُ ابنُ المنْذِر

(4)

، قال في «المغْنِي»: ولا نعلم

(5)

أحدًا خَالَفَ فِيهَا إلاَّ الأصمَّ، فإنَّه قال: لا يَثْبُتُ؛ لِمَا فيه من الإضْرار بأرباب الأمْلاكِ؛ لِتَقاعُس النَّاس عن الشِّراء حَيثُ عَلِمُوا انْتِزاعَ ما يشترونه، وجَوابُه: بأنَّه يَندَفِعُ ذلك بالمقاسمة

(6)

.

وأَعْقَبَ الشُّفْعةَ للغَصْب؛ فإنَّها تُؤخَذُ قَهْرًا، فكأنَّها مُسْتَثْناةٌ من تحريمِ أخْذِ مالِ الغَيرِ قَهْرًا.

(وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ الْإِنْسَانِ انْتِزَاعَ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِنْ يَدِ مُشْتَرِيهَا)، هذا بَيانٌ لِمَعْناها، ولا يَخْفَى ما فِيهِ من الاِحْتِراز، لكِنَّهُ غَيرُ جامِعٍ؛ لخُروجِ الصُّلحِ بمَعْنَى البَيعِ، والْهِبةِ بشَرْطِ الثَّواب، ولا مانِعَ؛ لأِنَّه يَرِدُ عَلَيهِ الكافِرُ، ولا

(1)

في (ح): معنى.

(2)

في (ح): مال.

(3)

أخرجه أحمد (15289)، والبخاري (2214)، ولمسلم (1608) بمعناه.

(4)

ينظر: الإجماع ص 99.

(5)

في (ح): ولا يعلم.

(6)

في (ظ): بالقاسمة.

ص: 247

شُفْعَةَ له.

وفي «المغْنِي» : (اسْتِحْقاقُ الشَّريكِ انْتِزاعَ حِصَّةِ شَرِيكِه المنْتَقِلَةِ عنه مِنْ يَدِ مَنْ انتَقَلتْ إليه)، وهو غَيرُ مانِعٍ؛ لدخول ما انْتَقَلَ بغَيرِ عِوَضٍ؛ كالإرْثِ، والوصيَّةِ، والهِبةِ بغَيرِ ثَوابٍ، أو بِعِوَضٍ غَيرِ مالِيٍّ على المشهور؛ كالخُلْعِ ونحوِه.

والأَحْسَنُ أنْ يُقالَ: هي اسْتِحْقاقُ الشَّريك أَخْذَ حِصَّةِ شَريكِه مِنْ يَدِ مَنْ انتَقَلَتْ عنه، بِعِوَضٍ مالِيٍّ مُسْتَقِرٍّ.

(وَلَا يَحِلُّ الاِحْتِيَالُ لِإِسْقَاطِهَا)؛ قال الإمامُ أحمدُ: لا يَجوزُ شَيءٌ من الحِيَل

(1)

في إبْطالها، ولا إبْطالِ حقِّ مسلِمٍ

(2)

، اسْتَدلَّ الأصحابُ بما رَوَى أبو هُرَيرةَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال

(3)

: «لا تَرتَكِبُوا ما ارْتَكَبَت اليَهودُ، فتَسْتَحِلُّوا مَحارِمَ الله»

(4)

، وقد حَرَّم الله الحِيَل في مَواضِعَ مِنْ كِتابِه، ولأِنَّ الشُّفْعةَ وُضِعَتْ لدَفْع الضَّرَرِ، فَلَوْ سَقَطَت بالتَّحَيُّل؛ لَلَحِقَ الضَّرَرُ؛ فلم تَسْقُطْ، كما لو أَسْقَطها المشْتَرِي عنه بِوَقْفٍ، أوْ بَيعٍ، فَعَلَى هذا: لو احْتالَ لم تَسقُطْ

(5)

.

ومَعْنى الحيلةِ: أنْ يُظْهِرَ المتعاقِدانِ في البَيعِ شَيئًا لا يُؤخَذُ بالشُّفْعة مَعَه، ويتواطَؤوا في الباطن على خِلافه، مِثْلَ أنْ يَشْتَرِيَ بدَنانِيرَ، ويقضيَهُ

(6)

عنها دراهم

(7)

، أوْ يَشْتَرِيَ شِقْصًا بِثَمَنٍ ثُمَّ يُبْرِئَه مِنْ بَعضِه، أوْ يَشْتَرِيَ جُزءًا من

(1)

في (ق): من الجعل.

(2)

ينظر: المغني 5/ 262.

(3)

قوله: (قال) سقط من (ح).

(4)

أخرجه ابن بطة في جزء إبطال الحيل (ص 46)، وحسن إسناده ابن تيمية، وقال ابن كثير:(إسناده جيد)، وقال الألباني:(إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون). ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 29، تفسير ابن كثير 1/ 293، الإرواء 5/ 375.

(5)

قوله (بوقف أو بيع

) إلى هنا هو في (ق): بذلك أو مع فعل هذا لو احتال لم تسقط.

(6)

في (ظ): ويقضيها.

(7)

في (ح): بدراهم.

ص: 248

الشِّقْص بِمائةٍ ثُمَّ يَهَبَ البائعَ باقِيَهُ، ويأْخُذَ الجُزْءَ المبِيعَ من الشِّقْص بِقِسْطه من الثَّمَن.

ويَحْتَمِلُ: أنْ يأخُذَ الشِّقْصَ كلَّه بِجَميعِ الثَّمَن.

(وَلَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِشُرُوطٍ خَمْسَةٍ):

(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ) الشِّقص

(1)

(مَبِيعًا)، وهو مَحَلُّ وِفاقٍ

(2)

، والخَبَرُ وارِدٌ فيه، ولأِنَّ غَيرَ المبيع لَيسَ منصوصًا عليه، ولا هو في مَعْنى المنصوصِ، وشَرْطُه أنْ يكونَ باتًّا

(3)

، وقِيلَ: ولو مع خِيارِ مَجْلِسٍ وَشَرْطٍ، وقِيلَ: شَرْطٌ لمُشْتَرٍ

(4)

.

(وَلَا شَفْعَةَ فِيمَا انْتَقَلَ بِغَيْرِ عِوَضٍ)؛ كالهِبة بغَيرِ ثَوابٍ، والصَّدَقةِ، والوصيَّةِ، والإرْثِ، (بِحَالٍ) في قَولِ أكْثَرِ العلماء؛ لأِنَّ ذلك لَيسَ في مَعْنَى البَيعِ، والأَخْذُ يَقْتَضِي دَفْعَ العِوَضِ، ولم يُقْصَدْ فيها المعاوَضةُ، ويَلْحَقُ به: المردودُ بالعَيبِ أو الفَسْخِ.

(وَلَا فِيمَا عِوَضُهُ غَيْرُ الْمَالِ؛ كَالصَّداقِ، وَعِوَضِ الْخُلْعِ، وَالصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، واخْتارَهُ أبو بَكْرٍ، وذَكَرَ القاضِي أنَّه قِياسُ المذْهَب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه مَمْلوكٌ بغَيرِ المال، أشْبَهَ الإرثَ.

والثَّانِي: تَجِبُ

(5)

، اختاره ابن حامِدٍ، وقالَهُ ابنُ شُبْرُمَةَ، وابنُ أبي لَيلَى؛

(1)

قوله: (الشقص) سقط من (ح) و (ق).

(2)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 27، المعونة 1/ 1271، المهذب للشيرازي 2/ 214، المغني 5/ 234.

(3)

في (ح): ثابتًا، في (ق): باقًا.

(4)

في (ح): كمشتر.

(5)

في (ظ): يجب.

ص: 249

لأِنَّه مَمْلوكٌ بعَقْدِ مُعاوَضَةٍ، أشْبَهَ البيع

(1)

.

وأَطْلَقَ في «الفروع» الخِلافَ، ثُمَّ قال: (وعلى قياسه ما

(2)

أُخِذ أُجْرةً، أوْ ثَمَنًا في سَلَمٍ، أوْ عِوَضًا في كِتابةٍ، فإنْ وَجَبَتْ؛ فقيل: يأخُذه بقِيمته، وقيل: بقيمة مُقابِلِه).

وعلى الأخْذ: لو طلَّق الزَّوجُ بَعْدَ الدُّخول بعد عَفْوِ الشَّفيعِ؛ رَجَعَ بنِصْف ما أصْدَقَها؛ لأِنَّه مَوْجُودٌ في يَدِها نِصْفُه، وإنْ طلَّقها بَعْدَ أخْذِ الشَّفيعِ؛ رَجَعَ بِنِصْف قِيمتِه؛ لأِنَّ ملْكَها زال عنه.

وإنْ طلَّق قَبْلَ عِلْمِ الشَّفيع ثمَّ عَلِمَ؛ فَوَجْهانِ:

أحدُهما: يُقدَّم حقُّ الشَّفيع؛ لأِنَّه ثَبَتَ بالنِّكاح السَّابِق.

والثَّاني: يُقدَّم حقُّ الزَّوج؛ لأِنَّه ثَبَتَ بالنَّص والإجْماع، وهما معدومانِ في الشُّفْعة هنا.

وفُهِم منه: أنَّ ما انتقل بعِوَضٍ مالِيٍّ؛ كالصُّلح بمَعْنى البيع، والصُّلحِ عن الجناية الموجِبَة للمال، والهِبة المشْروط فِيها ثَوابٌ معلومٌ؛ فإنَّها تَثْبُتُ فيها؛ لأِنَّ ذلك يَثْبُت فيه أحْكامُ البيع.

فَرعٌ: إذا جَنَى جِنايَتَينِ؛ عَمْدًا أوْ خطأ

(3)

، فصالَحه منهما على شِقْصٍ؛ فالشُّفْعةُ في نِصفِه فقطْ إنْ قُلْنَا: مُوجَبُ العَمْد القِصاصُ عَينًا، وإلاَّ وَجَبَ في الجميع.

(1)

في (ح): المبيع.

(2)

قوله: (ما) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وخطأ.

ص: 250

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ) المبيعُ (شِقْصًا)، بكَسْر أوَّله، قال أهْلُ اللُّغة: هو من الأرض، والطَّائفةُ

(1)

من الشَّيء، (مُشَاعًا مِنْ عَقَارٍ)، مُرادُهم بالعَقار هنا: الأرضُ، دُونَ الغِراس والبِناء؛ لِمَا يأتي، وظاهِرُ كلامِ أهلِ اللُّغة بل صريحُه: أنَّ النَّخْلَ عَقارٌ.

(يَنْقَسِمُ) أي: تَجِبُ قِسْمته.

وعنه: مطلَقًا، اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وأبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(2)

.

وعنه: وغَيرُه، إلاَّ في منقولٍ يَنقَسِم.

ف «الشقص»

(3)

: يُحْتَرَزُ به عن الكلِّ؛ لأِنَّ الأخْذَ به أخْذٌ بالجِوار.

و «بالإشاعة» : عن المقسوم.

و «بالعَقار» : عن غيره؛ لأِنَّه لا نَصَّ فيه، ولا هو في مَعْنى المنصوصِ.

(فَأَمَّا الْمَقْسُومُ المَحْدُودُ؛ فَلَا شُفْعَةَ لِجَارِهِ فِيهِ)، في قَول عُمَرَ

(4)

، وعُثْمانَ

(5)

، وخَلْقٍ؛ لحديثِ جابِرٍ،

(1)

في (ق): والمطابقة. والذي في الصحاح 3/ 1043: القطعة من الأرض والطائفة من الشيء.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 381، الاختيارات ص 243.

(3)

في (ظ) و (ق): بالشقص.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (22745)، والطحاوي في معاني الآثار (6012)، والبيهقي في الكبرى (11575)، عن عبيد الله بن عبد الله، قال عمر بن الخطاب:«إذا وقعت الحدود، وعرف الناس حدودهم؛ فلا شفعة بينهم» ، مرسل جيد، فيه عون بن عبيد الله بن أبي رافع، وسئل عنه ابن معين فقال:(مشهور).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (22071)، والشافعي في الأم (4/ 4)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 307)، وأحمد في مسائل صالح (3/ 185)، وابن أبي حاتم في العلل (4/ 296)، عن ابن إدريس، عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبان بن عثمان، قال عثمان:«لا شفعة في بئر ولا فحل، والأُرف إذا علم كل قوم حقهم تقطع كل شفعة» ، وتابع ابنَ عمار صفوانُ بن عيسى، كما في علل الدارقطني (3/ 14).

وأخرجه مالك (2/ 717)، وعنه عبد الرزاق (14393)، والبيهقي في الكبرى (11576)، عن محمد بن عمارة، عن أبي بكر بن حزم، عن عثمان. فأسقط أبان. وإسناده جيد، محمد بن عمارة صدوق يخطئ، واعتمد عليه أحمد كما في شرح الزركشي 4/ 191، والأرف هي المعالم والحدود كما نقل أبو عبيد عن الأصمعي.

ص: 251

ولقوله: «الشُّفْعةُ فِيمَا لم يُقْسَمْ»

(1)

، مَعْناهُ: أنَّ الشُّفْعةَ حاصِلَةٌ، أوْ ثابِتةٌ، أوْ مُسْتَقِرَّةٌ في كلِّ ما لم يُقْسَم، فما قُسِمَ لا تَحصُلُ

(2)

فِيهِ، ولا تَثْبُتُ

(3)

، ويؤكِّد هذا روايةُ الحَصْر

(4)

، والرَّاوِي ثِقَةٌ عالِمٌ باللُّغة، فيَنقُلُ اللَّفظَ بِمَعْناهُ.

وعنه: أنَّها تَثْبُتُ للجار، حكاها القاضِي يَعْقوبُ في «التَّبصرة» ، وصحَّحها ابنُ الصَّيرَفِيِّ والحارِثِيُّ.

وكذا اختارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين مع الشَّرِكة في الطَّريق

(5)

؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ مرفوعًا أنَّه قال: «الجارُ أحقُّ بشُفْعةِ جارِه، يُنتظر

(6)

بها وإنْ كان غائبًا، إذا كان طريقُهما واحِدًا» رواه الخمسةُ، وحسَّنه التِّرمذيُّ

(7)

، ورَوَى أبو رافِعٍ: أنَّ

(1)

أخرجه البخاري (2495)، ومسلم (1608)، من حديث جابر رضي الله عنه، ولفظه عند مسلم:«في كل شركة لم تقسم» .

(2)

في (ظ): لا يحصل.

(3)

في (ظ): ولا يثبت.

(4)

في (ق): الخضر.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 381، الاختيارات ص 243.

(6)

في (ظ): منتظر، وفي (ق): منطر.

(7)

أخرجه أحمد (14253)، وأبو داود (3518)، والترمذي (1369)، والنسائي في الكبرى (6264)، وابن ماجه (2494)، وفي سنده: عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، هو أحد الحفاظ المشهورين احتج به مسلم، ويخطئ أحيانًا، وهذا الحديث أنكره عليه شعبة وأحمد وغيرهما، قال أحمد:(حديث منكر)، وقال ابن معين:(حديث لم يحدث به أحد إلا عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وقد أنكره عليه الناس)، قال الترمذي:(حسن غريب)، وصححه ابن عبد الهادي وابن القيم، وأجابا عن كلام من خطَّأ عبد الملك في ذلك. ينظر: العلل لأحمد 2/ 281، تنقيح التحقيق 4/ 175، إعلام الموقعين 2/ 96، تهذيب التهذيب 6/ 398.

ص: 252

النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الجارُ أحقُّ بِصَقَبِه» رواهُ النَّسائِيُّ

(1)

، ولأِنَّه اتِّصالُ ملْكٍ يَدومُ ويَتَأبَّدُ، فتَثْبُت

(2)

فيه كالشَّركة.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ حَديثَ أبِي رافِعٍ لَيسَ بصَريحٍ فيها، فإنَّ «الصقب»

(3)

: القُرْبُ، فيَحْتَمِل أنَّه أحقُّ بإحسانِ جارِهِ وصِلَته، مع أنَّ خَبَرَنا صريحٌ، فيُقدَّم على غَيرِه، وأحادِيثُهم فيها مقالٌ، ويَحتَمِلُ أنَّه أراد بالجار الشَّريك، كما تسمَّى

(4)

الضَّرَّتانِ: جارَتَينِ؛ لاِشْتِراكهما في الزَّوج، ولأِنَّ الشُّفْعةَ ثَبَتَتْ في مَوضِعِ الوِفاق على خلاف الأصل؛ لِمَعْنًى معدومٍ في مَحَلِّ النِّزاع، فلا تَثْبُتُ

(5)

فيه.

فعلى هذا: لا فَرْقَ بَينَ كَونِ الطَّريق مُفْرَدَةً أوْ مُشْتَرَكةً، وسأله أبو طالِبٍ: الشُّفْعةُ لِمَنْ هِيَ؟ قال: (إذا كان طريقُهما واحدًا شركًا

(6)

لم يَقْتَسِمُوا، فإذا صُرِفَت الطُّرُق، وعُرِفَت الحدودُ فلا شُفْعةَ)

(7)

.

وإنْ بِيعَتْ دارٌ لها طريقٌ في دَرْبٍ لا يَنفُذُ؛ فَوجْهانِ، والأَشْهَرُ: يَجِبُ

(8)

إنْ كان للمشْتَرِي طريقٌ غيرُه، أو أمْكَنَ فَتْحُ بابه إلى شارِعٍ، وإنْ كان نَصيبُ مُشْتَرٍ فَوقَ حاجته؛ ففي زائِدٍ وجْهانِ، وكذا دِهْلِيزُ جارِه وصَحْنُه.

(1)

أخرجه البخاري (2258)، والنسائي (4702)، ولفظ البخاري:«الجار أحق بِسَقَبه» ، قال في الفتح 4/ 437:(السقب: بالسين المهملة وبالصاد أيضًا، ويجوز فتح القاف وإسكانها).

(2)

في (ق): فيثبت.

(3)

قوله: (فإن الصقب) في (ح): فالصقب.

(4)

في (ظ): يسمى.

(5)

في (ظ): فلا يثبت.

(6)

في (ح): شركاء.

(7)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 26، الفروع 7/ 270.

(8)

في (ق): تجب.

ص: 253

فَرْعٌ: إذا قُدِّمَ مَنْ لا يَراها لجارٍ

(1)

إلى حاكِمٍ، فأنْكَر؛ لم يَحلِفْ، وإنْ أخْرَجه؛ خَرَجَ، نَصَّ عليه، وقال: لا يُعْجِبنِي الحَلِفُ على أمْر اخْتُلِف فِيهِ

(2)

، قال القاضِي: لأِنَّ يَمِينَه هُنَا على القَطْعِ والبَتِّ، ومسائلُ الاِجْتِهادِ ظَنِّيَّةٌ، فلا يُقْطَع بِبُطْلان مَذْهَبِ المخالِفِ، وحَمَلَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» على الوَرَعِ.

وإنْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِشافِعِيٍّ بها؛ فله الأَخْذُ عِنْدَ ابنِ عَقِيلٍ، ومَنَعَه القاضِي.

(وَلَا شُفْعَةَ فِيمَا لَا تَجِبُ قِسْمَتُهُ؛ كَالْحَمَّامِ الصَّغِيرِ، وَالْبِئْرِ، وَالطُّرُقِ، وَالْعِرَاصِ الضَّيِّقَةِ) في ظاهِرِ المذْهَب؛ لقَولِه عليه السلام: «لا شُفْعةَ في فِناءٍ، ولا طَريقٍ، ولا مَنْقَبَةٍ» رواه أبو عُبَيدٍ في «الغَريب»

(3)

، المنْقَبَة: الطَّريقُ الضَّيِّقُ بَينَ دارَينِ لا يُمكِنُ أنْ يَسْلُكَهُ أحدٌ.

والثَّانيةُ: بَلَى؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مَرْفوعًا: «الشَّرِيكُ شَفِيعٌ، والشُّفْعةُ فِي كلِّ شَيءٍ» رواهُ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ متَّصِلاً ومُرسَلاً، وهو أصحُّ، قالَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، والَّذي وَصَلَه أبو حمزةَ السُّكَّرِيُّ، وهو مُخرَّجٌ عنه في «الصَّحيحَينِ»

(4)

، ولأنَّها وُضِعَتْ لِإزالة الضَّرَر، وَوُجودُه فِيما لا يُقسَمُ أبْلَغُ

(1)

في (ح): جار.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 271.

(3)

ذكره أبو عبيد في الغريب (3/ 121)، وابن الجوزي في التحقيق (2/ 217)، بدون إسناد، وأخرج عبد الرزاق (14427)، عن محمد بن أبي بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا شفعة في ماء، ولا طريق، ولا فحل» ، يعني النخل. وأعله ابن عبد الهادي بالانقطاع. وروي عن عثمان رضي الله عنه موقوفًا بلفظ:«لا شفعة في بئر، ولا فحل، والأرف يقطع كل شفعة» ، أخرجه ابن أبي شيبة (22071)، وروي مرفوعًا، والموقوف أصح قاله الدارقطني. ينظر: العلل 3/ 14، تنقيح التحقيق 4/ 178.

(4)

أخرجه الترمذي (1371)، والنسائي في الكبرى (6259)، والطبراني في الكبير (11244)، والدارقطني (4525)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وفيه أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي، ثقة مخرَّج له في الصحيحين، لكنه تفرد بوصل الحديث، ورجح الترمذي والدارقطني وابن عبد البر إرساله، وقال ابن عدي:(وقوله: «الشفعة في كل شيء» منكر). ينظر: الكامل 7/ 249، التمهيد 7/ 87، الضعيفة (1009).

ص: 254

منه فيما يُقْسَم.

والأوَّلُ أشْهَرُ؛ لأِنَّ إثْباتَ الشُّفْعةِ في هذا يضرُّ

(1)

بالبائِع؛ لأِنَّه لا يُمكِنُه أنْ يَتَخَلَّصَ مِنْ إثْباتِ الشُّفْعة في نَصِيبِه

(2)

بالقِيمة، وقد يَمْتَنِع المشْتَرِي لأِجْلِ الشَّفِيع؛ فَيَتَضَرَّرُ البائعُ، وقد يَمْتَنع البيعُ فيَسقُط، فيؤدِّي إثْباتُها إلى نَفْيِها.

وظاهِرُه: أنَّ الحَمَّام الكبيرَ حَيثُ قُسِم وانْتُفِع به حمَّامًا، والبِئْرَ والعَضائدَ متى أمْكَن أنْ يَحصُل مِنْ ذلك شَيئانِ؛ ثَبَتَتْ

(3)

فيه؛ كالرَّحَى.

(وَمَا لَيْسَ بِعَقَارٍ؛ كَالشَّجَرِ، وَالْحَيَوَانِ، وَالْبِنَاءِ الْمُفْرَدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هي ظاهِرُ المذهب؛ لأِنَّ مِنْ شَرْط وُجوبِها أنْ يَكونَ المبِيعُ أرْضًا؛ لأِنَّها هي الَّتي تَبْقَى على الدَّوام، ويَدُومُ ضَرَرُها.

والثَّانيةُ: بَلَى، وقد سَبَقَ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ

(4)

الْبِنَاءُ وَالْغِرَاسُ يُؤْخَذُ تَبَعًا لِلْأَرْضِ) إذا بِيعَ مع الأرض

(5)

، بغَيرِ خِلافٍ في المذْهَبِ، ولا نَعرِفُ فِيهِ خِلافًا بَينَ مَنْ أثْبَتَ الشُّفْعةَ، قالَهُ في «الشرح» .

(وَلَا تُؤْخَذُ الثَّمَرَةُ)، وقيَّدها في «المغْنِي» و «الشَّرح»: بالظَّاهِرة، (وَالزَّرْعُ تَبَعًا)؛ أيْ: إذا بِيعَ مع الأرض (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّ ذلك لا يَدخُلُ في البَيع، فلا يَدخُلُ في الشُّفْعة؛ كقُماشِ الدَّار.

والثَّاني: بَلَى، تُؤخَذُ

(6)

تَبَعًا كالغراس.

(1)

في (ظ): تضر.

(2)

قوله (في نصيبه) في (ق): ونصيبه.

(3)

في (ق): تثبت.

(4)

قوله: (يكون) سقط من (ح) و (ق).

(5)

قوله: (مع الأرض) في (ح): معها.

(6)

في (ظ): يؤخذ.

ص: 255

ومُقْتَضاهُ: أنَّ غَيرَهما يَدخُل، مع أنَّه ذَكَرَ في «المغْنِي»: إن اشْتَراه، وفِيهِ طَلْعٌ لم يُؤبَّر، فأبَّرَهُ؛ لم يَأخُذ الثَّمرةَ، بل الأرضَ، والنَّخلَ بحِصَّته؛ كشِقْصٍ وسيف، وكذا ذَكَرَ غَيرُه: إذا لم تَدخُل

(1)

؛ أَخَذَ الأصلَ بحِصَّته.

(1)

في (ظ): يدخل.

ص: 256

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: الْمُطَالَبَةُ بِهَا عَلَى الْفَوْرِ)؛ لِقَوْلِه عليه السلام: «الشُّفْعةُ لِمَنْ واثَبَها» ، وفي روايةٍ:«الشُّفْعةُ كحَلِّ العِقالِ» رواهُ ابنُ ماجَهْ

(1)

، ولأِنَّ ثُبوتَها على التَّراخِي ربَّما أضرَّ بالمشْتَرِي؛ لِعَدَمِ اسْتِقْرارِ ملْكِه، وحِينَئِذٍ؛ يُشْهِدُ (سَاعَةَ يَعْلَمُ، نَصَّ عَلَيْهِ

(2)

، وهو المخْتارُ لِعامَّة الأصْحابِ؛ لِظاهِرِ ما سَبَقَ.

واحْتُرِزَ ب «العِلْم» عمَّا إذا لم يَعْلَمْ، فإنَّه على شُفْعته، ولو مَضَى عَلَيهِ سِنُونَ.

(وَقَالَ الْقَاضِي) وأصْحابُه، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ، وحَكاهُ ابنُ الزَّاغُونِيِّ روايةً:(لَهْ طَلَبُهَا فِي الْمَجْلِسِ وَإِنْ طَالَ)؛ لأِنَّ المجْلِسَ في حُكْمِ حالةِ العَقْد، بدليلِ صحَّته بِوُجودِ القَبْض فِيمَا يُشْتَرَط قَبْضُه فِيهِ.

وعنه، واخْتارَها القاضِي يعقوبُ: أنَّها على التَّراخِي؛ لأنَّها

(3)

خِيارٌ لدَفْع ضَرَرٍ مُحقَّق، فكانَتْ على التَّراخي؛ كخِيار العَيب، ما لم يُوجَد منه ما يَدُلُّ على الرِّضا، كقَولِه

(4)

: بِعْنِي، أو صالِحْنِي، أوْ قاسِمْني؛ لأِنَّه حقٌّ لا ضَرَرَ في تأْخِيره، أشْبَهَ القِصاصَ.

(فَإِنْ أَخَّرَهُ) عن ساعةِ العِلْم، أو المجْلِس - على الخلاف -، بلا عُذْرٍ؛ (سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ).

(1)

أخرجه ابن ماجه (2500)، والطبراني في الكبير (14144)، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: محمد بن البيلماني، قال عنه البخاري وأبو حاتم والنسائي:(منكر الحديث)، وما روى عن أبيه أشدُّ وهنًا كما ذكر ابن حبان والحاكم، وهذا منها. ينظر: تهذيب التهذيب 9/ 293.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2958.

(3)

زيد في (ح): لا.

(4)

في (ظ): لقوله.

ص: 257

فلو أخَّره لِعُذْرٍ؛ مِثلَ أنْ يَعلَم لَيلاً فيؤخِّره إلى الصَّباح، أوْ لحاجةِ أكْلٍ، أوْ شُرْبِ، أوْ طهارةٍ، أوْ إغْلاقِ بابٍ، أوْ خُروجٍ مِنْ حَمَّام، أوْ لِيأْتِيَ بالصَّلاة وسُنَّتها؛ فهو على شُفْعته في الأصحِّ.

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: لا بُدَّ مِنْ طَلَبِه، ثُمَّ له أنْ يُخاصِمَ ولو بَعْدَ أيَّامٍ

(1)

.

(إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ

(2)

وَهُوَ غَائِبٌ، فَيُشْهِدَ عَلَى الطَّلَبِ بِهَا) إذا قَدَر عَلَيهِ، فيُعلَمُ منه أنَّه مُطالِبٌ غَيرُ تارِكٍ.

(ثُمَّ إِنْ أَخَّرَ الطَّلَبَ بَعْدَ الْإِشْهَادِ عِنْدَ إِمْكَانِهِ)، وفِيهِ وجْهانِ:

أحدُهما: تَبطُل؛ لأِنَّه تارِكٌ للطَّلَب، أشْبَهَ ما لو كان حاضِرًا ولم يُشْهِدْ.

والثَّانِي: لا تسقط

(3)

؛ لأِنَّ عَلَيهِ في السَّفَر عُقَيْبَ الإشْهاد ضَرَرًا؛ لاِلْتِزامِه

(4)

كُلْفَتَه وانْقِطاع حوائجه.

وفي «المغْنِي» : (إنْ أخَّر القُدومَ بَعْدَ الإشهاد) بَدَلَ قوله: (وإن أخَّر

(5)

الطَّلَب)، وهو صحيحٌ؛ لأِنَّه لا وَجْهَ لإسْقاط الشُّفْعة بتأْخِير الطَّلَب بَعْدَ الإشْهاد وهو غائِبٌ؛ لأِنَّ الطَّلَبَ حِينَئِذٍ لا يُمكِنُ، بخِلاف القُدومِ فإنَّه مُمْكِنٌ، وتأخيرُ ما يُمكِنُ لإسْقاطه وَجْهٌ، بخِلافِ تأْخِيرِ ما لا يُمْكِنُ.

(أَوْ لَمْ يُشْهِدْ، وَلَكِنْ سَارَ فِي طَلَبِهَا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أحَدُهما: تَبطُلُ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ والخِرَقيِّ؛ لأِنَّ السَّيرَ قد يكونُ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2959، لكنها من قول إسحاق لا أحمد، ونص الرواية:(قلت: إلى كم يقضى للغائب بالشفعة؟ قال: هو على شفعته أبدًا، والصغير حتى يبلغ ويختار. قال إسحاق: كما قال، بعد أن يعلم أن الغائب حين سمع طلب، ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام).

(2)

قوله: (أن يعلم) سقط من (ح).

(3)

في (ح): لا يسقط.

(4)

في (ق): لإلزامه.

(5)

قوله: (بعد الإشهاد بدل قوله: وإن أخر) في (ح) و (ق): بدل.

ص: 258

لِطَلَبِها أوْ لِغَيرِه، فَوَجَبَ بيانُ ذلك بالإشْهاد، كما لو لم يَسِرْ.

والثَّاني: لا تَسقُط

(1)

؛ لأِنَّ سَيرَه عُقَيْبَ عِلْمِه ظاهِرٌ في طَلَبِها، فاكْتَفَى به؛ كالذي في البلد.

قال الزَّرْكَشِيُّ: وينبغي أنْ يكونَ حُكْمُ سَيرِ وكيلِه حُكْمَ سَيرِه.

وكذلك الوَجْهانِ إنْ أخَّر الطَّلَبَ بَعْدَ القُدوم والإشْهاد، أوْ نَسِيَ المطالَبَةَ، أو البَيعَ، أوْ جَهِلَها، أوْ ظنَّ المشْتَرِيَ زيدًا فَبَانَ غَيرَه.

ولَفْظُ الطَّلَب: أنا طالِبٌ، أوْ مُطالِبٌ، أوْ آخِذٌ بالشُّفْعة، أوْ قائمٌ عَلَيهَا، ونحوُه.

(وَإِنْ تَرَكَ الطَّلَبَ وَالْإِشْهَادَ لِعَجْزِهِ عَنْهُمَا؛ كَالْمَرِيضِ)؛ فهو على شُفْعَتِه؛ لأِنَّه مَعْذُورٌ، أشبَهَ ما لو لم يَعلَمْ، لكِنْ إنْ كان المرضُ لا يَمنَعُ المطالَبَةَ؛ كالمرض اليَسِيرِ، والألم

(2)

القليلِ؛ فهو كالصَّحيح.

فإنْ كان له عُذْرٌ، وقَدَرَ على التَّوكيل فلم يَفعَلْ؛ فَوَجْهانِ:

أحَدُهما: تَبطُل

(3)

؛ لأِنَّه تارِكٌ للطَّلَب مع إمْكانِه، فهو كالحاضِرِ.

والثَّاني: لا تَسقُطُ

(4)

؛ لأِنَّه إنْ كان بِجُعْلٍ؛ فَفِيهِ

(5)

غُرْمٌ، وإن كان بغَيرِه؛ فَفِيهِ مِنَّةٌ، وقد لا يَثِقُ به.

(وَالْمَحْبُوسِ)، لكِنْ

(6)

إنْ كان حَبْسُه بِحَقٍّ يُمكِنُه أداؤه فأبَى؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُه.

(وَمَنْ لَا يَجِدُ مَنْ يُشْهِدُهُ)؛ بأنْ لا يَجِدَ شاهِدَي عَدْلٍ، ولا مَسْتُورَي

(1)

في (ظ): لا يسقط.

(2)

في (ح): وإلا ألم.

(3)

في (ظ): يبطل.

(4)

في (ظ): لا يسقط.

(5)

في (ق): فهو.

(6)

في (ق): لأنه.

ص: 259

الحالِ، فإنْ وَجَدَ واحِدًا حُرًّا عَدْلاً؛ فَوَجْهَانِ:

أحَدُهُما: هو على شُفْعَته؛ إذْ لا يَثْبُتُ البيع

(1)

بقولِ واحِدٍ.

والثَّاني: تَسقُطُ

(2)

؛ لأِنَّه حُجَّةٌ مع اليَمين؛ كالعَدْلَينِ، أوْ رَجُلٍ وامْرأَتَينِ.

أوْ لم يَجِدْ مَنْ يُشهِدُه؛ فهو على شُفْعَته؛ للعُذْرِ.

(أَوْ لِإِظْهَارِهِمْ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ)، لَيسَ ذلك شَرْطًا فيه، بل لو أظْهَرَ المشْتَرِي زيادةً في الثَّمنِ؛ لم تَبطُلْ، وعَكْسُه: لو أظهرَ أنَّ الثَّمَنَ قليلٌ، فتَرَكَ الشُّفْعةَ، وكان الثَّمَنُ كثيرًا؛ سَقَطَتْ؛ لأِنَّ مَنْ لا يَرضَى بالقليل لا يَرْضَى بأكْثَرَ منه، قالَهُ في «الكافي» .

(أَوْ نُقْصَانٍ

(3)

فِي الْمَبِيعِ)، أوْ أنَّهما تَبايَعا بدَنانِيرَ، فبانَتْ دراهِمَ، أوْ بالعكس؛ لأِنَّهما جِنْسانِ، (أَوْ أَنَّهُ مَوْهُوبٌ لَهُ)؛ لأِنَّ مِنْ شَرطِه العِوَضَ، (أَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ غَيْرُهُ)، وكان

(4)

كاذِبًا، (أَوْ أَخْبَرَهُ

(5)

مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ)؛ كالفاسِق، (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ؛ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ) في الصُّوَر السَّابِقَة؛ لأِنَّه لم يَعلَم الحالَ على وَجْهه، كما لو لم يَعلَمْ، ولأِنَّ خَبرَ مَنْ لا يُقْبَلُ خَبرُه مَعَ عَدَمِ تَصْدِيق الشَّفِيع له، يكونُ وُجودُه كَعَدَمِه.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا صدَّقه؛ تَسقُط شُفْعَتُه؛ لأِنَّ تصديقَه اعْتِرافٌ بوُقوعٍ

(6)

، وهو غَيرُ مُطالِبٍ بها؛ فَوَجَبَ سُقوطُها؛ كما لو أخبره ثِقَةٌ.

(وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ)؛ كعَدْلَينِ، (فَلَمْ يُصَدِّقْهُ)؛ بَطَلَتْ؛ لأِنَّ ذلِكَ

(1)

في (ظ): المنع.

(2)

في (ظ): يسقط.

(3)

في (ح): نقصًا.

(4)

في (ح): أو كان.

(5)

في (ح): أخبره.

(6)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 69: بوقوع البيع.

ص: 260

يُوجِبُ ثُبوتَ البَيع

(1)

، صَدَّق الشَّفيع أوْ لا، وكذا إنْ أخْبَرَه عَدْلٌ، أوْ مستورا الحالِ في الأصحِّ.

والمرأةُ والعبد كضِدِّهما، وقال القاضي: هما كالفاسق، والصَّبِيِّ.

(أَوْ قَالَ لِلْمُشْتَرِي: بِعْنِي مَا اشْتَرَيْتَ، أَوْ صَالِحْنِي؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ)؛ لأِنَّه يَدُلُّ على رضاه، فَوَجَبَ أنْ تسقُط

(2)

؛ لتأخير الطَّلَب عن ثُبوت البَيع.

وكذا قوله: هَبْهُ لي، أو ائْتَمِنِّي عليه، أوْ بِعْهُ مِمَّنْ شِئْتَ، ونحوَه.

(وَإِنْ دَلَّ فِي الْبَيْعِ)؛ أيْ: عَمِلَ دَلاَّلاً بَينَهما، أوْ رَضِيَ به، أوْ ضَمِن ثَمَنَه، (أَوْ تَوَكَّلَ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ)؛ فله الشُّفعةُ في الأصحِّ.

وقال القاضِي: إنْ كان وكيلَ البائع؛ فلا شُفْعةَ له.

وقِيلَ: عَكْسُه.

ومِثْلُه وَصِيٌّ وحاكِمٌ، وقِيلَ: إنْ باع شِقْصًا لِيَتِيمٍ في شَرِكَته

(3)

، أو اشْتَرَى له شِقْصًا في شَرِكَتِه؛ فَلَهُما الشُّفْعةُ، كما لو تَوَلَّى العَقْدَ غيرُهما، وقيل: لهما الشُّفْعةُ إذا اشْتَرَياهُ فقطْ.

(أَوْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ، فَاخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ؛ فَهُوَ عَلَى شُفْعَتِهِ)؛ لأِنَّ ذلك سَبَبُ ثُبوتِ الشُّفْعة، فلم تَسقُط

(4)

به، كما لو أَذِنَ في البَيعِ، أوْ عَفَا عَنْها قَبلَ تَمامِ البَيعِ، ولأِنَّ المسْقِطَ لها الرِّضا بِتَرْكِها، ولم يُوجَدْ.

فَرْعٌ: لو لَقِيَه فسلَّم عليه؛ لم تَسقُطْ

(5)

، وكذا إن قال له

(6)

: بارَكَ الله لك

(1)

في (ق): المبيع.

(2)

في (ظ): يسقط.

(3)

في (ق): شركة.

(4)

في (ظ): يسقط.

(5)

في (ظ): يسقط.

(6)

قوله: (له) سقط من (ح).

ص: 261

في صفقتك

(1)

، أوْ دَعَا له بالمغْفِرة في الأصحِّ.

(وَإِنْ أَسْقَطَ شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ؛ لَمْ تَسْقُطْ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، وهو قَولُ الجُمْهور؛ لأِنَّه إسْقاطُ حقٍّ قَبلَ وُجوبِه، فلم تَسقُطْ

(2)

، كما لو أبْرَأَه مِمَّا يَجِبُ له.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَسْقُطَ)، حَكاهُ

(3)

في «المغْنِي» و «المحرَّر» ، وأطْلَقَهُما فِيهِ؛ لمفْهوم قَوله عليه السلام:«فإنْ باعَ ولم يُؤْذِنْه؛ فَهُوَ أحقُّ بِهِ»

(4)

؛ لأِنَّه إذا باع بإذْنِه؛ لا حَقَّ له فِيهِ.

وأجاب في «المغْنِي» : بأنَّه يَحتَمِلُ أنَّه أراد العَرْضَ عليه لِيَبْتاعَ ذلك إنْ أرادَ؛ لِتَخِفَّ عَلَيهِ المؤْنَةُ ويَكْفِي أخْذُ المشْتَرِي الشِّقْصَ

(5)

، لا أنَّه يُسقِطُ حقَّه بإذْنِه.

(وَإِنْ تَرَكَ الْوَلِيُّ شُفْعَةً لِلصَّبِيِّ فِيهَا حَظٌّ؛ لَمْ تَسْقُطْ)، وقالَه جماعةٌ؛ لأِنَّها وَجَبَتْ بالبَيع، وإسْقاطُ الولِيِّ لها لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه إسْقاطُ حقٍّ للمُوَلَّى عَلَيهِ، ولا حَظَّ له في إسْقاطه، فلم يَصِحَّ؛ كالإبْراء، وإذا ثَبَتَ أنَّه لا يَمْلِكُ الإسْقاطَ؛ فَترْكُه أَوْلَى.

وعُلِمَ منه: أنَّ الشُّفْعةَ تَثْبُتُ للصَّغير؛ كالبالِغ.

وقال ابنُ أبِي لَيلَى، وجَمْعٌ: لا شُفْعةَ له.

ورُدَّ: بأنَّ ثُبوتَها لِدَفْع ضَرَرِ المال؛ فاسْتَوَيا، وكخِيار العَيبِ.

(وَلَهُ الْأَخْذُ بِهَا إِذَا كَبِرَ)؛ أيْ: بَلَغَ وَرَشَدَ، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّه الوقْتُ

(1)

في (ح): صفتك.

(2)

في (ظ): يسقط.

(3)

لعلها في (ق): حكاهما.

(4)

أخرجه مسلم (1608)، من حديث جابر رضي الله عنه.

(5)

في (ق): للشقص. وعبارة المغني 5/ 282: ويكتفي بأخذ المشتري الشقص.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2959، زاد المسافر 4/ 227.

ص: 262

الَّذي يَتَمَكَّنُ فيه من الأخْذ.

(وَإِنْ تَرَكَهَا؛ لِعَدَمِ الْحَظِّ فِيهَا)، أوْ لاِعْتِبار الصِّغر

(1)

؛ (سَقَطَتْ، ذَكَرَهُ ابْنُ حَامِدٍ)، وتَبِعَه القاضِي وعامَّةُ أصْحابه؛ لأِنَّه فَعَلَ ما لَه فعله

(2)

، فلم يَكُنْ للصَّغير نَقضُه؛ كالرَّدِّ بالعَيب.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَحْتَمِلُ أَنْ لَا تَسْقُطَ)، هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في روايةِ ابنِ منصورٍ

(3)

، والخِرَقِيِّ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ حقَّ الأخْذِ ثَبَتَ، فلا يَسْقُط بِتَرْك غَيرِه؛ كوكيلِ الغائب.

فَعَلَى هذا: هي له، سَواءٌ عفا عنها الولِيُّ أوْ لا، وسَواءٌ كان فيها حَظٌّ أوْ لَا.

وللولِيِّ الأخْذُ بها إذا كان فيها حَظٌّ، وقال في «المغْنِي»: يَجِبُ؛ لأِنَّه مصلحةٌ مِنْ غَيرِ مَفسدةٍ، والولِيُّ عَلَيهِ رعايةُ مصالِحِ مَوْلِيِّهِ، وإن لم يَكُنْ فيها حَظٌّ؛ فلا.

فإنْ فَعَلَ؛ لم يَصِحَّ على الأصحِّ؛ كمَنْعِه

(4)

مِنْ الشِّراء، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى مَعِيبًا يَعلَمُ

(5)

عَيبَه.

وقال ابنُ بَطَّةَ: تَسقُط

(6)

؛ لأِنَّه يَمْلِكُ الأخْذَ، فَمَلَكَ التَّرْكَ؛ كالمالك.

فائدةٌ: حُكمُ المجنون المطْبِق والسَّفِيه؛ كالصَّغير، والمغْمَى عَلَيهِ؛ كالغائب، والمفْلِس له الأخْذُ بها والعَفْوُ عنها، وليس لغُرَمائه إجْبارُه على الأخْذِ بها، وأمَّا المكاتَبُ؛ فله الأخْذُ والتَّرْكُ، ولَيسَ لِسَيِّدِه الاِعْتِراضُ.

(1)

في (ق): الصغير.

(2)

في (ح): فعلمه.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2959.

(4)

في (ظ) و (ق): لمنعه.

(5)

في (ق): فعلم.

(6)

في (ظ): يسقط.

ص: 263

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ)؛ لأنَّ

(1)

في أخْذِه بَعضَه إضْرارًا بالمشْتَرِي بِتَبْعِيضِ الصَّفْقةِ عَلَيهِ، والضَّرَرُ لا يُزالُ بمِثْله، مع أنَّها ثَبَتَتْ

(2)

على خِلافِ الأصل؛ دَفْعًا لِضرَرِ الشَّرِيكِ، فإذا أَخَذَ البعْضَ؛ لم يَندَفِع الضَّرَرُ.

(فَإِنْ طَلَبَ أَخْذَ الْبَعْضِ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ)؛ لأِنَّه إذا سَقَطَ بَعضُها؛ سَقَطَ كلُّها؛ كالقِصاص.

(فَإِنْ كَانَا شَفِيعَيْنِ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّ ذلك حَقٌّ يُسْتفادُ بسبَبِ الملْكِ، فكان على قَدْر الأملاك؛ كالغَلَّة، فَدَارٌ بَينَ ثلاثةٍ: نِصْفٌ، وثُلُثٌ، وسُدُسٌ، فباع ربُّ الثُّلث، فالمسألة مِنْ سِتَّةٍ، والثُّلُثُ يُقَسَّمُ على أرْبَعةٍ؛ لِصاحِبِ النِّصْف ثلاثةٌ، ولِصاحِبِ السُّدُسِ واحِدٌ.

(وَعَنْهُ: عَلَى عَدَدِ الرُّؤُوسِ)، اخْتارها ابْنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهما لو انْفَرَدَ اسْتَحَقَّ الجميعَ، فإذا اجْتمَعا تَساوَيَا؛ كالبَنِينَ، وسِرايةِ العِتْق.

وهو يَنتَقِضُ بالفُرْسانِ والرَّجَّالةِ في الغَنِيمة، فإنَّ مَنِ انفَرَدَ منهم؛ أَخَذَ الكلَّ، فإذا اجْتَمَعوا؛ تَفَاضَلُوا؛ كأصْحاب الدِّيوان.

والجَمْع كالاِثْنَينِ مِنْ غَيرِ فَرْقٍ.

(فَإِنْ تَرَكَ أَحَدُهُمَا شُفْعَتَهُ؛ لَمْ يَكُنْ لِلآْخَرِ أَنْ يَأْخُذَ إِلاَّ الْكُلَّ أَوْ يَتْرُكَ)، إجْماعًا، حكاهُ ابنُ المنذِر

(3)

؛ لأِنَّ في أَخْذ البَعْض إضْرارًا بالمشْتَرِي، ولو وَهَبَها لِشَريكه أوْ لغَيرِه؛ لم يَصِحَّ.

(1)

في (ح): لأنه.

(2)

في (ق): تثبت.

(3)

ينظر: الإجماع ص 100.

ص: 264

فإنْ كان أحدُهما غائِبًا؛ فليس للحاضِرِ أنْ يَأخُذَ إلاَّ الكلَّ، أوْ يَتْركَ كالعَفْوِ، نَصَّ عليه

(1)

.

لكِنْ إنْ تَرَكَ الطَّلَبَ مُنتَظِرًا لشريكه؛ فَوَجْهانِ:

أحدهما: تَسقُطُ

(2)

؛ لِتَرْكه طَلَبَها مع إمْكانِه.

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّ له عُذْرًا، وهو الضَّرَرُ الَّذي يَلزَمُه بأخْذِ شَرِيكِه منه.

فإنْ أَخَذَ الجميعَ، ثُمَّ حَضَرَ الثَّاني؛ قاسَمَه، فإذا حَضَرَ ثالِثٌ؛ قاسَمَهُما، وما حَدَثَ مِنْ نَماءٍ مُنفَصِلٍ في يَدِ الأوَّلِ؛ فهو له؛ لأِنَّه حَدَثَ في ملْكِه.

(فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الآْخَرِ)؛ لِكلِّ واحِدٍ قَدْرُ نَصِيبِه؛ لأِنَّهما تَساوَيَا في الشَّرِكة؛ فَوَجَبَ تساوِيهما في الشُّفْعة، كما لو كان المشْتَرِي أجْنَبِيًّا.

(فَإِنْ تَرَكَ) المشْتَرِي (شُفْعَتَهُ لِيُوجِبَ الْكُلَّ عَلَى شَرِيكِهِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ)؛ أيْ: لم يَلزَمْه ذلك، ولم يَصِحَّ الإسْقاطُ؛ لأِنَّ ملْكَه قد اسْتَقَرَّ على قَدْرِ حَقِّه، وجَرَى مَجْرَى الشَّفِيعَينِ إذا حَضَرَ أحدُهما فأخَذَ الجميعَ، ثُمَّ حَضَرَ الآخَرُ وطَلَبَ حقَّه منها

(3)

، فقال الآخَرُ: خُذِ الْكُلَّ أوْ دَعْهُ.

(وَإِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ لِأَجْنَبِيٍّ صَفْقَتَيْنِ)؛ بِأنْ باعَهُ رُبُعًا منها بكذا، ثُمَّ باعه الرُّبُعَ الآخَرَ، فقد تَعَدَّد العَقْدُ، (ثُمَّ عَلِمَ شَرِيكُهُ؛ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيْعَتَيْنِ

(4)

؛ لأِنَّه شَفِيعٌ فِيهِما، (وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِأَحَدِهِمَا)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ مِنْهما عَقْدٌ مُسْتَقِلٌّ بنَفْسه، وهو يَسْتَحِقُّهما، فإذا أسْقَط البَعضَ؛ كان له ذلك، كما لو أسْقَط حقَّه من الكلِّ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 293.

(2)

في (ظ): يسقط.

(3)

في (ح): منهما.

(4)

في (ق): بالبيعين.

ص: 265

(فَإِنْ أَخَذَ بِالثَّانِي؛ شَارَكَهُ الْمُشْتَرِي فِي شُفْعَتِهِ) بنَصِيبه الأوَّلِ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ الشَّفيعَ بإسْقاطِه حَقَّه من البَيع الأوَّلِ؛ اسْتَقَرَّ ملْكُ المشْتَرِي؛ فصار شَريكَه، فيُشارِكُه في البَيع الثَّانِي.

والآخَرُ: لا يُشارِكه؛ لأِنَّ ملْكَ المشْتَرِي لم يَسْتَقِرَّ على المبِيع، بدليلِ: أنَّ للشَّفيع أخْذَه بَعْدَ البَيع الثَّاني، فلم يَسْتَحِقَّ به شُفْعةً.

وفي ثالِثٍ: إنْ عَفَا الشَّفِيعُ عن أوَّلِهما شارَكَه، وهو ظاهِرٌ.

وأطْلَقَ الخِلافَ في «الفروع» .

(وَإِنْ أَخَذَ بِالأْوَّلِ؛ لَمْ يُشَارِكْهُ)؛ لأِنَّه لم تَسْبِقْ

(1)

له شَرِكةٌ.

(وَإِنْ أَخَذَ بِهِمَا؛ لَمْ يُشَارِكْهُ فِي شُفْعَةِ الْأَوَّلِ)؛ لِمَا تَقدَّم مِنْ عَدَم الشَّرِكة، (وَهَلْ يُشَارِكُهُ فِي شُفْعَةِ الثَّانِي؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وقد عُرِف وجْهُهما.

فَرْعٌ: إذا كانت أرضٌ بَينَ ثلاثةٍ، فوكَّلَ أحدُهم شريكَه في بَيعِ نصيبِه مع نصيبه، فباعَهُما لرجلٍ آخَرَ؛ فلشريكه الشُّفعةُ فيهما، وهل له أخْذُ أحدِ النَّصِيبَينِ دُونَ الآخَرِ؟ فِيهِ وجْهانِ.

وإن وُكِّل في شراءِ نصفِ نصيب أحد الشركاء، فاشْتَرَى الشِّقْصَ كلَّه لنَفْسه ولِموكِّله، فلشريكه أخْذُ نَصيبِ أحدِهما؛ لأِنَّهما مُشْتَرِيانِ، ولا يُفْضِي إلى تبعيض

(2)

الصَّفْقة على المشْتَرِي.

(وَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ حَقَّ وَاحِدٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ حَقِّ أَحَدِهِمَا) في قَول أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ العَقْدَ مع الاِثْنَينِ بمنزلة عَقدَينِ، ودلَّ على أنَّه يأخُذُهما، وهو ظاهِرٌ.

وقيل: بل عقدٌ واحدٌ يأخُذُ به الكلَّ، أو يَتْرُكه، قاله في «الرِّعاية» .

(1)

في (ظ): لم يسبق.

(2)

قوله: (تبعيض) في (ظ) و (ق): تنقيص.

ص: 266

(وَإِنِ اشْتَرَى وَاحِدٌ حَقَّ اثْنَيْنِ)؛ أيْ: صَفْقةً واحدةً؛ فللشَّفيع أخْذُ أحدِهما، وهو المذهب؛ لأِنَّ تعدُّدَ البائع كتَعدُّد المشْتَرِي. وقال القاضي: لا يَملِكُ ذلك؛ لأِنَّ فِيهِ تَبْعيضًا للصَّفْقة على المشْتَرِي، وذلك ضَرَرٌ عَلَيهِ.

(أَوِ اشْتَرَى وَاحِدٌ شِقْصَينِ مِنْ أَرْضَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ أَحَدِهِمَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، وجزم

(1)

به في «الوجيز» وغيره؛ لأِنَّ الضَّرَرَ قد يَلْحَقُه بأرْضٍ دُونَ أرْضٍ.

والثَّاني: ليس له ذلك؛ لِمَا فيه من التَّبعيض على المشْتَرِي.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ كلًّا منهما يستَحِقُّ بسبَبٍ غَيرِ الآخَرِ، فجَرَى مَجْرَى الشَّريكَينِ.

وقيل: بتعدُّد

(2)

البائع، جَزَمَ به في «الفنون» ، وقاسه على تَعَدُّد المشْتَري بما يَقْتَضِي أنَّه مَحَلُّ وِفاقٍ.

وأطْلَقَ في «المحرَّر» و «الفروع» الخلافَ.

فَرْعٌ: اشْتَرَى اثْنانِ من اثْنَينِ شِقْصَيهِما في عَقْدٍ؛ فعَقْدانِ، وقيل: بل أربعةٌ.

اشْتَرَى وكيلُ اثْنَينِ مِنْ زَيدٍ شِقْصًا في عَقْدٍ، فهل يُعْتَبَر به، أوْ بِهِما، أوْ بوكيل

(3)

المشْتَرِي فقطْ؟ يَحتَمِلُ أوْجُهًا، ذَكَرَهُ في «الرِّعاية» .

(وَإِنْ بَاعَ شِقْصًا وَسَيْفًا) في عَقْدٍ واحِدٍ؛ (فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُ الشِّقْصِ)؛ لأِنَّه تَجِبُ فِيهِ الشفعة

(4)

إذا بِيعَ منفرِدًا، فكذا إذا أبِيعَ مع غَيرِه، ويأخُذُه (بِحِصَّتِهِ

(1)

في (ح): جزم.

(2)

في (ق): يتعدد.

(3)

في (ظ) و (ق): توكيل.

(4)

قوله: (فيه الشفعة) مكانه بياض في (ح).

ص: 267

مِنَ الثَّمَنِ)؛ أي: فيَقسِمُ الثَّمَنَ على قَدْرِ قِيمتِهما، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَجُوزَ)، حَكاهُ في «الفُروع» قَولاً لأِصْحابنا؛ لأِنَّ في ذلك تَبْعِيضًا للصَّفْقة على المشْتَرِي، وذلكَ ضَرَرٌ به.

(وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَبِيعِ؛ فَلَهُ أَخْذُ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنَ الثَّمَنِ) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّه تعذَّر أخْذُ الكلِّ؛ فجاز له أخْذُ الباقِي؛ كما لو أتْلَفَه آدَمِيٌّ، فلو اشْتَرَى دارًا بألْفٍ تُساوِي ألْفَينِ، فباع بابَها، أوْ هَدَمَها، فبَقِيَتْ بألْفٍ؛ أخَذَها بخَمْسِمائَةٍ بالقِيمة مِنْ الثَّمَنِ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ كَانَ تَلَفُهَا بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى؛ فَلَيْسَ له أخْذُه إلاَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ)؛ لأِنَّ في أخْذِهِ بالبَعْضِ إضْرارًا بالمشْتَرِي، فلم يَكُنْ له ذلك، كما لو أَخَذَ البَعْضَ معَ بَقاءِ الجَمِيعِ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 289.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 288.

ص: 268

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ مِلْكٌ سَابِقٌ)؛ أيْ: ملْكٌ للرَّقَبة لا المنفَعَة، كنِصْفِ دارٍ موصى

(1)

بِنَفْعِها، فباع

(2)

الوَرَثَةُ نِصفَها؛ فلا شُفْعَةَ للمُوصَى له، واشْتُرِط سَبْقُه؛ لأِنَّ الشُّفْعةَ ثَبَتَتْ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عن الشَّريكِ، فإذا لم يَكُنْ له ملْكٌ سابِقٌ؛ فلا ضَرَرَ عَلَيهِ؛ فلا شُفْعَةَ.

(فَإِنِ اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا صَفْقَةً وَاحِدَةً؛ فَلَا شُفْعَةَ لِأًحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحدهما على صاحبه؛ لاِسْتِوائهما؛ لأِنَّ شَرْطَها سَبْقُ الملْكِ، وهو معدومٌ هنا.

(وَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السَّبْقَ)، ولا بَيِّنةَ، (فَتَحَالَفَا، أَوْ تَعَارَضَتْ بَيِّنَتَاهُمَا)؛ بأنْ شَهِدَتْ بيِّنةُ كلٍّ منهما بسَبْقِ ملْكِه، وتَجدُّدِ ملْكِ صاحبِه؛ (فَلَا شُفْعَةَ لَهُمَا)؛ لِعَدَمِ سَبْق الملْك على الشِّراء.

وعُلِم منه: لو كان لأحدهما بيِّنةٌ؛ عُمِل بها.

وإن أقاما بيِّنَتَينِ؛ قُدِّم أسْبَقُهما تاريخًا.

فإن لم يكن لواحِدٍ منهما بَيِّنةٌ؛ سُمِعتْ دَعْوَى السَّابِقِ، وسُئِلَ خَصْمُه، فإنْ أنْكَرَ؛ قُبِل قَولُه مع يَمينِه، وإنْ نَكَلَ عنها؛ قُضِيَ عَلَيهِ، ولم تُسمَع دَعْواهُ؛ لأِنَّ خَصْمَه قد اسْتَحَقَّ ملْكَه.

(وَلَا شُفْعَةَ بِشَرِكَةِ الْوَقْفِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذَكَرَه القاضيان؛ ابن أبي مُوسى وأبُو يَعْلَى؛ لأِنَّه لا يُؤخَذُ بالشُّفْعة، فلا تَجِبُ به؛ كالمجاوِر وما لا يَنقَسِمُ، ولأِنَّ

(3)

مُسْتَحِقَّه إمَّا غَيرُ مالِكٍ والشُّفْعةُ لا تَثْبُتُ إلاَّ

(1)

في (ح): يوصى.

(2)

في (ح): وباع.

(3)

في (ق): لأن.

ص: 269

في ملْكِ، وإمَّا مالِكٌ؛ فملْكُه غَيرُ تامٍّ؛ لكَونِه لا يَسْتَفِيدُ به تَصرُّفًا في الرَّقَبة.

والثَّانِي: تَثْبُتُ؛ كالملْكِ الطِّلْقِ

(1)

.

وقال أبو الخَطَّاب: يَنْبَنِي هذا على

(2)

الرِّوايَتَينِ في ملْكِ الوَقْف.

واخْتارَ في «التَّرغيب» : إنْ قُلْنا: القِسْمةُ إفْرازٌ؛ وَجَبَتْ هي، والقِسْمةُ بَينَهُما.

فعلى هذا: الأصحُّ يُؤخَذُ بها مَوقُوفٌ جاز بَيعُه، قال ابنُ حَمْدانَ: ولا تَثْبُتُ فِيمَا فُتِحَ عَنْوَةً إذا قُلْنا: يَصيرُ وقْفًا، ولا في عِوَض الكِتابَة في الأَقْيَس.

(1)

في (ح) و (ظ): المطلق.

(2)

قوله: (على) سقط من (ح).

ص: 270

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ تَصَرَّفَ

(1)

الْمُشْتَرِي قَبْلَ الطَّلَبِ بِوَقْفٍ أَوْ هِبَةٍ؛ سَقَطَتِ الشُّفْعَةُ، نَصَّ عَلَيهِ) في رِوايةِ عليِّ بنِ سَعِيدٍ، وبَكْرِ بنِ محمَّدٍ

(2)

؛ لأِنَّ الشُّفْعةَ إنَّما تَثْبُت

(3)

في الملْكِ، وقد خَرَجَ هذا عن كَونِه مَمْلوكًا، ولأِنَّ فِيها ههُنا إضْرارًا بالموْقُوف عَلَيهِ والموْهوبِ له؛ لأِنَّ ملْكَه قد زال عَنه بغَيرِ عِوَضٍ، والضَّرَرُ لا يُزالُ بالضَّررِ.

قال ابْنُ أبي موسى: مَنْ اشْتَرَى دارًا فَجَعَلَها مسجِدًا؛ فَقَد اسْتَهْلَكَها ولا شُفْعةَ

(4)

فِيها.

وكذا إذا تَصرَّف فِيها بِرهْنٍ، أوْ صدقةٍ، أوْ إجارةٍ؛ لِمَا ذَكَرْنا.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَسْقُطُ)، بل للشَّفِيع فَسْخُ ذلك، وأخْذُه بالثَّمَن الَّذي وَقَعَ به البَيعُ، حتَّى لو جَعَلَه مسجِدًا.

وفي «الفُصول» : عنه: لَا؛ لأِنَّه شَفَّع

(5)

، ولأِنَّ الشَّفيعَ يَمْلِكُ فَسْخَ البَيعِ الثَّاني والثَّالِثِ مع إمْكانِ الأخْذِ بِهِما؛ فَلَأنْ يَمْلِكَ فَسْخَ عَقْدِ الآخِذ بِه أَوْلَى، ولأِنَّ حقَّ الشَّفيعِ أسْبَقُ وجَنَبَتَه أقْوَى، فلم يَمْلِك المشْتَرِي تَصرُّفًا يُبطِلُ حَقَّه.

وفي «الفروع» تَوجِيهٌ: أنَّ المسْتأْجِرَ إذا وَقَفَ ما غَرَسَه، أوْ بَناهُ؛ لم يَبطُل الوقْفُ، وهو

(6)

ظاهِرٌ.

(1)

في (ق): تضرر.

(2)

ينظر: المغني 5/ 249.

(3)

في (ق): ثبتت.

(4)

في (ق): ولا منفعة. والمثبت موافق لكتب الأصحاب.

(5)

كذا في (ظ) و (ق) وغير واضحة في (ح). وفي الفروع 7/ 294 والإنصاف 15/ 449: شفيع.

(6)

في (ح): وهذا.

ص: 271

وقد يُفرَّق بَينَهما: مِنْ حَيثُ إنَّ ربَّ الأرض يأْخُذه من الموقوف عَلَيهِ، ولا يَفسَخ عَقْدَ الوقْفِ، فيَصيرُ بمنزلة بيع

(1)

الوقْف بشَرطِه، فيَشْتَري بثَمَنه ما يَقومُ مقامَه، وهُنا يُؤخَذ من المشْتَرِي الَّذي وَجَبَتْ له الشُّفْعةُ، فيُفْسَخ عَقْدُ الوَقْف، ويُؤخَذُ حالَ كَونِه ملْكًا له أوْ وَقْفًا، فصار كأنَّه لم يُوجَدْ، ويَكونُ الثَّمَنُ لِمَنْ وَجَبَتْ عَلَيهِ الشُّفْعةُ.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا تصرَّف المشْتَرِي بَعْدَ الطَّلَب؛ أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه يَمْلِكُه بمُطالَبَتِه، وقيل: وقَبْضِه.

(وَإِنْ بَاعَ) المشْتَرِي؛ (فَلِلشَّفِيعِ الْأَخْذُ بِأَيِّ الْبَيْعَتَيْنِ

(2)

شَاءَ)؛ لأِنَّ سَبَبَ الشُّفْعة الشِّراءُ، وقد وُجِدَ من كلِّ واحِدٍ منهما، ولأنَّه

(3)

شفيعٌ في العَقْدَينِ.

واقْتَضَى ذلك: صحَّةَ تصرُّف المشْتَرِي؛ لأِنَّه ملْكُه، وصحَّ قَبْضُه، وإنْ كان الشَّفيعُ له أنْ يَتَمَلَّكه لا يَمْنَعُ مِنْ تصرُّفه، كما لو كان أحدُ العِوَضَينِ في المبِيع مَعِيبًا، فإنَّه لا يَمنَع التَّصرُّفَ في الآخَر، وكالاِبْنِ يَتَصرَّف في العَين الموْهوبة له، وإنْ جازَ لأِبيهِ الرُّجوعُ فيها.

(فَإِنْ أَخَذَ بِالأْوَّلِ؛ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الأْوَّلِ)؛ لأِنَّه لَمْ يَسْلَمْ له العِوَضُ، فإنْ لم يَعلَم حتَّى تبايع

(4)

ثلاثةٌ أو أكثر

(5)

؛ فله أنْ يأخُذَ بالأوَّل، ويَنفَسِخ العَقْدانِ الآخَرانِ، وله أنْ يأْخُذَ بالثَّانِي، ويَنفَسِخُ الثَّالِثُ، وله أنْ يأْخُذَ بالثَّالِث، ولا يَنفَسِخُ شَيءٌ

(6)

من العُقود.

وجَعَلَ ابنُ أبي موسى هذا الحكمَ: إذا لم يكن الشِّقْصُ في يَدِ واحِدٍ منهم

(1)

في (ظ): منع.

(2)

في (ق): البيعين.

(3)

في (ح): لأنه.

(4)

في (ح): تباع.

(5)

في (ح): وأكثر.

(6)

في (ح) و (ظ): بشيء.

ص: 272

بِعَينِه، أمَّا إذا كان في يَدِ أحدِهم؛ فالمطالَبةُ له وَحْدَه.

(وَإِنْ فُسِخَ الْبَيْعُ بِعَيْبٍ)؛ أيْ: في الشِّقْص المشْفُوع، (أَوْ إِقَالَةٍ، أَوْ تَحَالُفٍ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ)؛ لأِنَّ حقَّه سابِقٌ على ذلك كلِّه؛ لأِنَّه ثَبَتَ بالبَيعِ.

وعَنهُ: إنِ اسْتَقالَه قَبلَ المطالَبةِ بها؛ لم تكن

(1)

له شُفْعةٌ، وكذا إنْ ترادَّا بِعَيبٍ.

وظاهِرُه: أنَّها تَثْبُتُ في صورةِ الإقالة مُطْلَقًا؛ لأِنَّ الأخْذَ بالبَيعِ لا بالإقالةِ، وصُورَتُه: أنَّ شَخْصًا حصل له نصيبٌ في عَقارٍ بَعْدَ أنْ باعَ بعض الشَّركة نَصِيبَه، ثُمَّ تقايل

(2)

هو والمشْتَرِي بَعْدَ أنْ مَلَكَ الشَّخْصُ النَّصيبَ، فهنا يَملِكُ

(3)

الشَّخصُ الشُّفعةَ، وأمَّا الشَّريك فمِلْكه سابِقٌ على البيع، فبنفس البيع اسْتَحَقَّ الشُّفْعةَ.

لكِنْ إذا فَسَخَ البائعُ لعَيبٍ في ثَمَنِه المعيَّن؛ فإنْ كان قَبلَ الأخْذِ بالشُّفْعة؛ فلا شُفْعةَ، وإلاَّ اسْتَقرَّتْ، وللبائِع إلْزامُ المشْتَرِي بقيمة شِقصِه.

ويَتراجَع المشْتَرِي والشَّفِيعُ في الأصحِّ بما بَينَ القيمة والثَّمَن، فيَرجِع دافِعُ الأكْثَرِ منهما بالفَضْل.

(وَيَأْخُذُهُ فِي التَّحَالُفِ

(4)

بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ الْبَائِعُ)؛ لأِنَّ البائِعَ مُقِرٌّ بالبيع

(5)

بالثَّمَن الَّذي حَلَفَ عَلَيهِ، ومُقِرٌّ للشَّفِيع باسْتِحْقاقِ الشُّفْعة بذلك، فإذا بَطَلَ حَقُّ المشْتَرِي بإنكاره؛ لم يَبطُل حقُّ الشَّفِيع بذلك، وله أنْ يُبطِل فَسْخَهما ويَأخُذَ؛ لأِنَّ حقَّه أسْبَقُ.

(1)

في (ق): لم يكن.

(2)

في (ح): يقال.

(3)

في (ق): ملك.

(4)

في (ح): ويأخذ بالتحالف.

(5)

قوله: (بالبيع) سقط من (ح).

ص: 273

فَرْعٌ: إذا وجبت

(1)

الشُّفْعةُ، وقَضَى الحاكِمُ بها، والشِّقْصُ في يَدِ البائع، ودَفَعَ الثَّمَنَ إلى المشْتَرِي، فقال البائعُ للشَّفِيع: أقِلْنِي، فأقَالَهُ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّها تكونُ بَينَ المتَبايِعَينِ

(2)

، ولَيسَ بَينَهما بَيعٌ، وإنَّما هو مشْتَرٍ من المشْتَرِي، فإن باعه إيَّاه؛ صحَّ؛ لأِنَّ العَقارَ يَجوزُ التَّصرُّفُ فيه قَبْلَ قَبْضه.

(وَإِنْ أَجَرَهُ؛ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ)؛ لأِنَّ إجارةَ المشْتَرِي لا تَمنَع نَقْلَ الملْك، بدليلِ أنَّه يَصِحُّ بَيعُ المؤْجِر، وانْفَسَخَت الإجارةُ من حِينِ أخْذِها، (وَلَهُ الْأُجْرَةُ مِنْ يَوْمِ أَخْذِهِ)؛ لأِنَّه صار ملكَه بأخْذِه

(3)

، وفيها في «الكافي»: الخِلافُ في هِبَةٍ.

(وَإِنِ اسْتَغَلَّهُ) المشْتَرِي؛ (فَالْغَلَّةُ لَهُ)؛ لأِنَّها نَماءُ ملْكه؛ إذِ الخَراجُ بالضَّمان، بدليلِ أنَّه لو تَلِفَ كان مِنْ ضَمانه، فكذا إذا اسْتَغَلَّه.

(وَإِنْ أَخَذَهُ

(4)

الشَّفِيعُ (وَفَيهِ زَرْعٌ، أَوْ ثَمَرَةٌ ظَاهِرَةٌ)، أوْ أُبِّرَتْ، وما في مَعْناهُ؛ (فَهِيَ لِلْمُشْتَرِي)؛ لأِنَّه ملْكُه، (مُبَقَّاةٌ إِلَى الْحَصَادِ وَالْجِدَادِ)؛ لأِنَّ ضَرَرَه لا يَبْقَى، ولا أُجْرةَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه زرعه في ملْكِه، ولأِنَّ أخْذَه بمنزلة شِراءٍ ثانٍ.

وقيل: تَجِبُ

(5)

في الزَّرع إلى حَصاده، فيُخرَّج في الثَّمرة

(6)

مِثْلُه.

وعُلِمَ: أنَّ النَّماءَ المتَّصِلَ؛ كالشَّجر إذا كَبِرَ، والطَّلْعُ إذا لم يُؤبَّرْ؛ فإنَّه يَتْبَعُه في العَقْد والفَسْخِ، كما لو رُدَّ بِعَيبٍ.

لا يُقالُ: فَلِمَ لا يَكونُ حُكمُه حُكْمَ الزَّوج إذا طلَّق قَبْلَ الدُّخول؟ لأِنَّ الزَّوجَ يَقدِرُ على الرُّجوع بالقيمة إذا فاته الرُّجوعُ في العَينِ، وهنا يَسقُطُ حقُّه

(1)

زيد في (ح): له.

(2)

في (ق): البائعين.

(3)

في (ق): يأخذه.

(4)

قوله: (وإن أخذه) في (ح): وأخذه.

(5)

في (ظ): يجب.

(6)

في (ق): الثمر.

ص: 274

منها إذا لم يَرجِعْ في الشِّقْص فافْتَرَقا.

(وَإِنْ قَاسَمَ الْمُشْتَرِي وَكِيلَ الشَّفِيعِ) في القِسْمة، أوْ رَفَعَ الأمْرَ إلى الحاكم فقاسَمَه لِغَيبَة الشَّفِيع؛ فله ذلك في وَجْهٍ، جَزَمَ به في «الكافي» وغيره، (أَوْ قَاسَمَ الشَّفِيعَ؛ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ لَهُ زِيَادَةً فِي الثَّمَنِ، أَوْ نَحْوِهِ)؛ بأنَّ

(1)

الشِّقْصَ مَوهُوبٌ، أو أنَّ الشِّراءَ لفُلانٍ، فَتَرَكَ الشُّفْعةَ لذلك، وكذا إنْ جَهِلَ الشَّفِيعُ ثُبوتَ الشُّفْعة له، قالَهُ ابنُ الزَّاغُونِيِّ، (وَغَرَسَ

(2)

أَوْ بَنَى

(3)

، ثُمَّ أَخَذَ الشَّفيعُ بها؛ فله ذلك؛ للعُمومات.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُتَصوَّرُ بِناءُ المشْتَرِي وغَرْسُه على القَول بالفَورِيَّة إلاَّ فِيمَا ذُكِرَ.

(فَلِلشَّفِيعِ) الخِيارُ بَينَ (أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَةَ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ فَيَمْلِكَهُ

(4)

مع الأرض، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ دَفْعًا للضَّرَر المنفي

(6)

شَرْعًا، (أَوْ يَقْلَعَهُ، وَيَضْمَنَ النَّقْصَ)؛ أيْ: نَقْصه من القيمة، قاله القاضي وأصحابُه، وهو المذْهَبُ؛ لِزَوالِ الضَّرَرِ به، وهذا التَّخْييرُ

(7)

هو قَولُ أكثَرِ العلماء، زاد في «الانتصار»: أو أَقرَّه بأُجْرةٍ، فإنْ أبى فلا شُفْعةَ.

ونَقَلَ الجماعةُ: له قِيمةُ البناء ولا يَقلعُه

(8)

، ونَقَلَ سِنْدِيّ: ألَهُ قِيمةُ البناء

(1)

زيد في (ح): كان.

(2)

في (ح): أو غرس.

(3)

في (ظ): بناء.

(4)

في (ح): أو البناء ويملكه.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2961.

(6)

في (ظ) و (ق): المبقى.

(7)

في (ق): التخير.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 228.

ص: 275

أم

(1)

قِيمةُ النَّقْصِ

(2)

؟ قال: لا، قِيمةُ البِناء، قال: إنَّهم يقولون: قِيمةُ النَّقص

(3)

، فأنْكَرَه ورَدَّه، وقال: لَيسَ هذا كغاصِبٍ

(4)

.

أصلٌ: في كَيفيَّة التَّقويم، ذَكَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرح»: أنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الأرضَ تُقوَّمُ مَغروسةً أو مبنيةً

(5)

، ثُمَّ تُقَوَّمُ خالِيةً مِنْهُما، فما بَينَهما فهو قِيمةُ الغِراس أو البناء، يُدفَعُ إلى المشْتَرِي إنْ أحبَّ الشَّفِيعُ، أوْ ما نَقَصَ منه إنِ اخْتارَ القَلْعَ، لا قِيمتُه مُسْتَحَقًّا للبَقاء؛ لأِنَّه لا يَسْتَحِقُّ ذلك، ولا قِيمتُه مقلوعًا

(6)

.

ويَحتَمِل: أنْ يُقوَّمَ الغَرْسُ

(7)

والبناءُ مُسْتَحَقًّا للتَّرك بالأُجرة، أوْ لأِخْذِه بالقِيمة إذا امْتَنَعا مِنْ قَلْعِه.

(فَإِنِ اخْتَارَ أَخْذَهُ، وَأَرَادَ

(8)

المشْتَرِي قَلْعَهُ؛ فَلَهُ)؛ أيْ: لِلْمُشْتَرِي (ذَلِكَ)؛ لأِنَّه ملْكُه، فإذا قَلَعه فَلَيس عَلَيهِ تَسْويةُ الحُفَر، ولا نَقْصُ الأرض، قاله الأكثرُ؛ لأِنَّ النَّقْصَ حَدَثَ في ملْكِه، فلا يُقابَلُ بِعِوَض، فعلى هذا: يُخَيَّرُ الشَّفِيعُ بَينَ أخْذِه ناقِصًا بكلِّ الثَّمَن، أوْ تَرْكِه.

وظاهِرُ «الخِرَقِيِّ» : أنَّ عَلَيهِ ضَمانَ النَّقْص الحاصِلِ بالقَلْع، فأمَّا نَقْصُ الأرض الحاصِلُ بالغَرس والبناء فلا يَضمَنُه، ذَكَرَه في «المغْنِي» .

(إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ)، هذا اخْتِيارُ الخِرَقِيِّ، وابنِ عَقِيلٍ، والأدَمِيِّ،

(1)

في (ح): أو.

(2)

في (ق): الشقص.

(3)

في (ق): الشقص.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 288.

(5)

في (ح): مبقية.

(6)

في (ح): مقطوعًا.

(7)

في (ق): الغراس.

(8)

في (ح): فأراد.

ص: 276

وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الضَّرَرَ لا يُزالُ بمِثْلِه.

واقتصر

(1)

الأكثرُ على القَلْعِ، أَضَرَّ بالأرض أو لم يُضِرَّ؛ لأِنَّه عَينُ ماله.

فَرْعٌ: إذا حَفَرَ فيها بِئْرًا؛ أخَذَهَا، ولَزِمَه

(2)

أُجْرةُ مِثْلِها.

(وَإِنْ بَاعَ الشَّفِيعُ مِلْكَهُ قَبْلَ الْعِلْمِ) بِبَيعِ نَصيبِ شَريكِه؛ (لَمْ تَسْقُطْ شُفْعَتُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اخْتارَه أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّها ثَبَتَتْ له، ولم يُوجَدْ منه رِضًا بِتَرْكها

(3)

، والأصلُ بقاؤها.

والثَّاني: تَسقُطُ، قاله القاضي؛ لأِنَّه زال السَّببُ الَّذي يَسْتَحِقُّ به الشُّفْعةَ، وهو الملْكُ الَّذي يُخافُ الضَّرَرُ بسببه، أشْبَهَ ما لو اشترى معيبًا

(4)

لم

(5)

يَعْلَمْ عَيبَه حتَّى باعه.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا باعه بَعْدَ العِلْم بالحال؛ فإنَّها تَسقُطُ.

وإنْ باع بعضَه؛ فوجْهانِ:

أحدهما: تَسقُط؛ لكَونها لا تَتَبَعَّض.

والثَّاني: بقاؤها؛ لأِنَّه قد بَقِيَ من نصيبه ما تُسْتَحَقُّ

(6)

به الشُّفْعةُ في جميع المبِيع لو انفرد.

(وَلِلْمُشْتَرِي الشُّفْعَةُ فِيمَا بَاعَهُ الشَّفِيعُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ له ملْكًا سابِقًا على بَيع الشَّفِيع، فَمَلَكَ الأخْذَ به.

والثَّاني: تَسْقُطُ؛ لأِنَّ ملْكَه ضعيفٌ؛ لكَونه بِعَرَضِيَّة الأخْذِ بالشُّفْعة.

(1)

في (ح): فاقتصر.

(2)

في (ق): وله.

(3)

في (ق): تركها.

(4)

في (ق): عيبًا.

(5)

قوله: (لم) سقط من (ح).

(6)

في (ق): يستحق.

ص: 277

(وَإِنْ مَاتَ الشَّفِيعُ؛ بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ)، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

؛ لأِنَّه نَوعُ خِيارٍ للتَّمْليك، أشْبَهَ خِيارَ القَبول، ولأِنَّا لا نَعلَم بقاءَه على الشُّفْعة؛ لاِحْتِمالِ رَغْبته عنها، ولا يَنتَقِلُ إلى الوَرَثَةِ ما يُشَكُّ

(2)

في ثُبوته.

وخرَّج

(3)

أبو الخطَّاب: أنَّها لا تَبطُل، وتُورَثُ عنه؛ بِناءً على رِوايةِ إرْثِ الأجَلِ.

وأُجِيبَ: بأنَّه حقُّ فَسْخٍ ثَبَتَ لا لِفَوات جُزْءٍ، فلم يُورَثْ؛ كالرجوع في الهِبَة.

(إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ بَعْدَ طَلَبِهَا، فَتَكُونُ لِوَارِثِهِ)، نَصَّ عليه

(4)

، وهو المذْهَبُ، وحَكاهُ أبو الخَطَّاب قَولاً واحدًا؛ لأِنَّ الحقَّ قد تقرَّر بالطَّلَب، ولذلك

(5)

لا تَسقُطُ بتأخير الأخْذ بَعْدَه.

أمَّا على قَول القاضي؛ فَلأِنَّ الشِّقْصَ صار ملْكًا له بالمطالَبَة، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه لو كان كذلك؛ لَمَا صحَّ العَفْوُ عنها بَعْدَ طَلَبِها، كما لا يَصِحُّ العَفْوُ عنها بَعْدَ الأخْذِ بها.

وأمَّا على رأْيِ ابنِ عَقِيلٍ والمؤلِّف؛ فَلأِنَّه قد عُلِمَ بمطالَبَتِه بقاؤه على شُفْعَته، وهو ظاهِرٌ.

وقال في روايةِ أبي طالِبٍ: الشُّفْعةُ لا تُورَثُ

(6)

، لَعَلَّه لم يَكُنْ يطلبها

(7)

، فَجَعَلَ العِلَّةَ في إبطالها بالموت عَدَمَ العِلْم برَغْبة الميت.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2725.

(2)

في (ق): شك.

(3)

في (ح): وصرح.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 276.

(5)

في (ق): وكذلك.

(6)

ينظر: شرح الزركشي 4/ 205.

(7)

في (ح): طلبها.

ص: 278

قال القاضِي في «التَّعليق» : فَعَلَى هذا: لو عَلِمَ الوارثُ أنَّه راغِبٌ فيها؛ كان له المطالَبَةُ وإنْ لم يُطالِب الميتُ.

قال الزَّرْكَشِيُّ: ويَنْبَغِي أنْ يكونَ القَولُ قَولَ الوارِث مع يَمِينه.

فإذا تقرَّر ذلك: انْتَقَل الحقُّ إلى جميع الوَرَثَة على قَدْر إرْثِهم مُطلَقًا، فإذا تَرَكَ بعضُهم حَقَّه؛ تَوَفَّر على الباقي، ولم يكن لهم إلاَّ أخْذُ الكلِّ أو التَّرْكُ؛ كالشُّفَعاء إذا عفا بعضُهم عن حقِّه.

وقِيلَ: مَنْ عَفَا عن بَعْضِ حقِّه أو لم يَطْلُبْه؛ لم تَسْقُطْ شُفْعَتُه.

ص: 279

(فَصْلٌ)

(وَيَأْخُذُ الشَّفِيعُ بِالثَّمَنِ الذِي وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ)؛ لِحديثِ جابِرٍ: «فَهُوَ أحقُّ به بالثَّمَن» رواه أبو إسحاقَ الجُوزَجَانِي في «المترجم»

(1)

، ولأِنَّ الشَّفِيعَ إنَّما يَسْتَحِقُّ الشِّقْصَ بالبَيع، فكان مُستحِقًّا له بالثَّمَن؛ كالمشتَرِي.

ولو عبَّرَ ب (ما استَقَرَّ عليه العَقْدُ وقْتَ لُزُومِه) لَكانَ أَوْلَى.

لا يُقالُ: كان يَنبَغِي أنْ يأخُذَه بقِيمتِه؛ كالمضْطَرِّ إلى طَعامِ غَيرِه؛ لأِنَّ المضْطَرَّ اسْتَحَقَّه بسبَبِ حاجته، فكان المرْجِعُ في بَدَلِه إلى قِيمتِه، والشَّفِيعُ اسْتحَقَّه بالبَيع، فَوَجَبَ أنْ يكونَ بالعِوَض الثَّابِتِ به.

فإنَ وَقَعَ حِيلةً؛ دَفَعَ إلَيهِ ما أعْطاهُ أوْ قِيمةَ الشِّقْص، وإن كان مجهولاً؛ كصُبْرةِ نَقْدٍ؛ فقد تَقَدَّم.

وظاهِرُه: أنَّه يأْخُذه بغَير حكْمِ حاكِمٍ؛ لأِنَّه حقٌّ ثَبَتَ بالإجْماع

(2)

، فلم يَفْتَقِر إلى حُكْمٍ؛ كالرَّدِّ بالعَيبِ.

ولا تُعْتَبَرُ

(3)

رُؤْيَتُه إنْ صحَّ بَيعُ غائِبٍ، وإلاَّ اعْتُبِرتْ.

واعْتَبَر ابنُ عَقِيلٍ الحُكْمَ تارةً، ودَفْعَ ثَمَنِه ما لم يصبر

(4)

مُشْتَرِيهِ.

فإنْ دَفَعَ مَكِيلاً بوزنٍ

(5)

؛ أَخَذَ مِثْلَ كَيلِه؛ كقَرْضٍ.

وقِيلَ: يَكْفِي وَزْنُه؛ إذ المبْذُولُ في مُقابَلَةِ الشِّقْص، وقَدْرُ الثَّمَنِ مِعْيارُه لا عِوَضُه.

(1)

هي رواية لحديث جابر رضي الله عنه في الشفعة في الصحيحين، وأخرج هذه اللفظة البيهقي في الكبرى (11573)، وفي المعرفة (12001)، بسند صحيح.

(2)

ينظر: الإجماع ص 99.

(3)

في (ق): ولا يعتبر.

(4)

في (ح): (لم يضر). والمثبت موافق للفروع 7/ 276.

(5)

في (ظ): يوزن.

ص: 280

(وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ، أَوْ عَنْ بَعْضِهِ؛ سَقَطَتْ شُفْعَتُهُ)، ولو اكْتَفَى بالثَّاني كالوجيز؛ لكان أَوْلَى؛ لأِنَّ في أخْذِه بِدُونِ دَفْعِ كلِّ الثَّمَن إضْرارًا بالمشْتَرِي، والضَّرَرُ لا يُزالُ بمِثْله.

فإنْ أحْضَرَ رهْنًا أوْ ضَمِينًا؛ لم يَلزَمِ المشْتَرِيَ قَبولُه؛ لأِنَّ عَلَيهِ ضَرَرًا في تأخير الثَّمَنِ.

وكذا لا يَلزَمُه قَبولُ عِوَضٍ عن الثَّمَنِ؛ لأِنَّها مُعاوَضَةٌ، فلم يُجْبَرْ عَلَيها.

وللمُشْتَرِي حَبْسُه على ثَمَنِه، قالَهُ في «التَّرغيب» وغَيره؛ لأِنَّ الشُّفْعةَ قَهْرِي، والبَيعَ عن رِضًا.

فإنْ تَعَذَّرَ في الحال؛ فقال في روايةِ حَرْبٍ: يُمْهَلُ الشَّفِيعُ يَومًا أوْ يَومَينِ

(1)

، وَالأشْهَرُ عنه: ثلاثًا؛ لأِنَّها حدُّ جمْعِ القِلَّةِ

(2)

، وعنه: ما رَأَى الحاكِمُ.

فَرْعٌ: لو أفْلَسَ الشَّفِيعُ بَعْدَ أخْذِ الشِّقْص؛ خُيِّر المشْتَرِي بَينَ الفَسْخ وبَينَ أنْ يَضرِبَ مع الغُرَماء بالثَّمَن، كالبائع إذا أَفْلَسَ المشْتَرِي.

(وَمَا يُحَطُّ مِنَ الثَّمَنِ أَوْ يُزَادُ فِيهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ؛ يُلْحَقُ بِهِ)؛ لأِنَّ زَمَنَ الخِيار كحالةِ العَقْد، نَقَلَ صالِحٌ: للماء حِصَّةٌ من الثَّمَن

(3)

.

وفي رُجوعِ شَفِيعٍ

(4)

بأرْشٍ على مُشْتَرٍ عفا عنه بائعٌ؛ وَجْهانِ.

(وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَا يُلْحَقُ بِهِ)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ حِينَئِذٍ هِبَةٌ يُشْتَرَطُ لها شُروطُها، والنُّقْصانُ إبْراءٌ، فلا يَثْبُتُ شَيءٌ منهما في حقِّ الشَّفِيع؛ لكَونه وُجِدَ بَعْد اسْتِقْرار العَقْد، أشْبَهَ ما لو وَهَبَ أحدُهما للآخَر عَينًا أُخْرى.

(1)

ينظر: المغني 5/ 261.

(2)

في (ق): العلة.

(3)

ينظر: مسائل صالح 1/ 416.

(4)

في (ق): ثمن.

ص: 281

(وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلاً؛ أَخَذَهُ الشَّفِيعُ بِالْأَجَلِ إِنْ كَانَ مَلَيئًا، وَإِلاَّ) فإنْ كان مُعْسِرًا؛ (أَقَامَ) الشَّفِيعُ (كَفِيلاً مَلِيئًا، وَأَخَذَ بِهِ)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لأِنَّ الشَّفِيعَ يَسْتَحِقُّ الأخْذَ بقَدْر الثَّمَن وصِفَتِه، والتَّأْجِيلُ من صِفَتِه.

وفي كلامِ القاضِي، وأبي الخَطَّاب، والمؤلِّفِ: اشتراط

(2)

الملاءَة؛ لأِنَّه لو أَخَذَ بِدونٍ لتَضَرَّر المشْتَرِي، والضَّرَرُ لا يُزالُ بِمِثْله.

ومتى أَخَذَه الشَّفِيعُ بالأجل، فمات، أو المشْتَرِي، وقُلْنا: يَحِلُّ الدَّينُ بالموت؛ حلَّ على الميت منهما دُونَ صاحبِه، فلو لم يَعْلَمْ حتَّى حلَّ؛ فهو كالحالِّ

(3)

.

(وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرْضًا

(4)

؛ أَعْطَاهُ مِثْلَهُ إِنْ كَانَ ذَا مِثْلٍ)؛ كالحُبوب والأدْهان ونحوِهما؛ لأِنَّهما كالأثْمان، ولأِنَّه مِثلٌ من طَرِيق الصُّورة والقِيمةِ، فكان أَوْلَى من المماثِل في أحَدِهما؛ إذ الواجِبُ بَدَلُ

(5)

الثَّمَن، فكان مِثْلَه؛ كَبَدَل القرض

(6)

.

(وَإِلاَّ)؛ أي: إنْ لم يكن له مِثْلٌ؛ كالثِّياب والحَيَوان؛ فتُعْتَبَر (قِيمَتُهُ)، في قَول أكْثرِ أهل العلم؛ لتعذُّر المِثْل، ولأِنَّ ذلك بَدَلُه في الإتْلاف.

وذَكَرَ الأصْحابُ: أنَّه لَوْ باعَهُ بِصُبْرةٍ نَقْدًا وجَوهَرةٍ؛ دَفَعَ مِثْلَه أو قِيمتَه، فإنْ تعذَّر؛ فَقِيمَةَ الشِّقْص؛ لأِنَّ الأغْلَبَ وُقوعُ العَقْد على الأشْياءِ بِقِيمَتِها، فإنِ اخْتَلَفا في القِيمَة؛ رُجِع إلى أهْلِ الخِبْرة إنْ كانَ مَوجُودًا، وإنْ كانَ مَعْدومًا؛ قُبِلَ قَولُ المشْتَرِي فِيها.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2822.

(2)

في (ح): اشتراطه.

(3)

في (ح): حال.

(4)

في (ق): مؤجلاً.

(5)

في (ق): بذل.

(6)

في (ح): العوض.

ص: 282

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي) مع يَمِينِه، ذَكَرَه المعْظَمُ؛ لأِنَّه العاقِدُ، فهو أعْلَمُ بالثَّمَن، ولأِنَّ المبِيعَ ملْكُه، فلا يُنزَعُ عنه بدَعْوَى مُختَلَفٍ فِيها إلاَّ بِبَيِّنةٍ، وكما يُقبَلُ قَولُه في الغَرْس والبِناء في الشِّقْص أنَّه أحْدَثَه

(1)

، والشَّفِيعُ لَيسَ بِغارِمٍ؛ لأِنَّه لا شَيءَ عَلَيهِ، وإنَّما يُرِيدُ تَمَلُّكَ الشِّقْص بِثَمَنِه، بخِلاف غاصِبٍ ومُتْلِفٍ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِلشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ)؛ فيُعمَل بها؛ لأِنَّها تُكذِّب المشتَرِيَ.

فإنْ أقامَ كلٌّ مِنْهما بيِّنةً؛ احْتَمَل تعارُضَهما والقُرعةَ. وقِيلَ: تُقدَّم بيِّنةُ شَفِيعٍ.

ولا تُقبَلُ شهادةُ البائع للشَّفِيع؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ؛ لِكَونه يَطْلُب تَقْليلَ

(2)

الثَّمَن؛ خَوفًا من الدَّرَك عَلَيهِ، ويُقْبَلُ عَدْلٌ وامْرأتانِ، وشاهِدٌ ويمينٌ.

فإنْ قال المشْتَرِي: لا أَعْرِفُ قَدْرَ الثَّمَنِ؛ قُدِّم قَولُه؛ لأِنَّه أعْلَمُ بنَفْسِه، فإذا حَلَفَ سَقَطَتْ؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ الأخْذُ بغَير ثمنٍ

(3)

، ولا يُمكِنُ أنْ يُدفَع إلَيهِ ما لا يَدَّعِيهِ، إلاَّ أنْ يَفعَلَ ذلك تَحيُّلاً، فإن ادَّعى أنَّك فَعَلْتَه تَحيُّلاً على إسْقاطها؛ قُبِلَ قَولُه مع يَمِينه؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، وإنِ ادَّعى جَهْلَ قِيمتِه؛ فهو كما لو ادَّعى جَهْلَ ثَمَنِه، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: اشْتَرَيْتُهُ بِأَلْفٍ، وَأَقَامَ الْبَائِعُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ؛ فَلِلشَّفِيعِ أَخْذُهُ بِأَلْفٍ)؛ لأِنَّ المشْتَرِيَ مُقِرٌّ له باستحقاقِه بأَلْفٍ، فلم يَسْتَحِقَّ الرُّجوعَ بأكْثَرَ.

(فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي: غَلِطْتُ)، أوْ كَذَبْتُ، أوْ نَسِيتُ، والبيِّنةُ صادِقةٌ؛ (فَهَلْ يُقْبَلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

(1)

في (ق): أخذ منه.

(2)

في (ظ): بقليل.

(3)

في (ظ) و (ق): يمين. والمثبت موافق للكافي 2/ 238.

ص: 283

أشْهَرُهما: أنَّه لا يُقبَلُ، جَزَمَ به في «الكافي» ؛ لأِنَّه رُجوعٌ عن إقراره

(1)

، فلا يُقبَلُ، كما لو أقرَّ له بِدَينٍ.

والثَّانِي: يُقْبَلُ، قال القاضِي: وهو قياسُ المذهب عِنْدِي كالمرابحة، بَلْ هنا أَوْلَى؛ لأِنَّ البيِّنةَ قامَتْ بكَذِبِه، فَقُبِلَ رُجوعُه عنه.

فإن لم يكن للبائع بيِّنةٌ، فتحالَفا؛ فللشَّفِيع أخْذُه بما حَلَفَ عَلَيهِ البائِعُ، وإنْ رَضِيَ المشْتَرِي أخْذَه بما قال البائِعُ؛ جَازَ، ومَلَكَ الشَّفِيعُ أَخْذَه بالثَّمَن الَّذي حَلَفَ عَلَيهِ المشْتَرِي؛ لأِنَّ حقَّ البائِعِ في الفَسْخِ زالَ.

فَرْعٌ: إذا ادَّعى على إنْسانٍ شُفْعةً في شِقْصٍ اشْتَراه، فقال: لَيسَ لك

(2)

ملْكٌ في شَرِكَتِي؛ فَعَلَى الشَّفِيع إقامةُ البيِّنة بالشَّرِكة في قَول الجماهير.

وقال أبو يوسفَ: إذا كان في يَدِه اسْتَحَقَّ الشُّفْعةَ به

(3)

.

(وَإِنِ ادَّعَى: أنَّكَ اشْتَرَيْتَهُ بِأَلْفٍ) فلي

(4)

الشُّفْعةُ؛ احْتاجَ إلى تَحْريرِ الدَّعْوَى، فيُحدِّدُ المكانَ الذي فيه الشِّقْصُ، ويَذكُرُ قَدْرَ الشِّقْص وثَمَنَه، فإن اعْتَرفَ؛ لَزِمَه، وإنْ أنْكَرَ (فَقَالَ

(5)

: بَلِ اتَّهَبْتُهُ، أَوْ وَرِثْتُهُ)؛ فلا شُفْعة؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أيْ: مُدَّعِي الهِبَةِ والإرْثِ؛ لأِنَّ الأصْلَ معه، والمثْبِتُ للشُّفْعة البَيعُ، ولم يُتَحقَّقْ، (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لاِحْتِمالِ صِدْقِ خَصْمِه، وحِينَئِذٍ يَبْرَأُ.

فإنْ قال: لا يَستَحِقُّ عليَّ شُفْعة، فالقَولُ قَولُه مع يَمِينه، وهي على حَسَبِ جَوابِه.

(فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا)؛ قُضِيَ عَلَيهِ؛ لأِنَّ النُّكولَ قائِمٌ مَقامَ الإقْرار، (أَوْ قَامَتْ

(1)

زيد في (ح): يكذب بينته.

(2)

قوله: (لك) سقط من (ح).

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 5/ 14.

(4)

في (ح): بلا.

(5)

في (ح): يقال.

ص: 284

لِلْشَّفِيعِ بَيِّنَةٌ

(1)

؛ فَلَهُ أَخْذُهُ)؛ لأِنَّ البَيعَ ثَبَتَ بحُقوقه، والأخْذُ بها من حُقوقِه، وحِينَئِذٍ يُعرَضُ عَلَيهِ الثَّمَنُ، فإنْ أخَذَه دُفِعَ إلَيهِ.

فإنْ قال: لا أسْتَحِقُّه؛ فثلاثةُ أوْجُهٍ:

أحَدُها: (يُقَالُ لِلْمُشْتَرِي: إِمَّا أَنْ تَقْبَلَ الثَّمَنَ، وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَ مِنْهُ)، اخْتارَه القاضِي؛ لأِنَّ الثَّمَنَ صار مُسْتَحَقًّا له، فيُقالُ له ذلك؛ لِتَحْصُلَ براءةُ الشَّفِيع، وكسَيِّد المكاتَبِ إذا جاءه المكاتَبُ بمالِ الكتابة

(2)

، فادَّعَى أنَّه حَرامٌ.

والثَّانِي: يُقَرُّ في يَدِ الشَّفِيع إلى أنْ يَدَّعِيَه المشْتَرِي، فيُدْفَعُ إلَيهِ، قال في «الشَّرح»: وهو أَوْلَى إنْ شاء الله تعالى.

والثَّالِثُ: يأخُذُه حاكِمٌ، فيَحفَظُه لصاحبه حتَّى يَدَّعِيَه، فمتى ادَّعاهُ المشْتَرِي دُفِع إلَيهِ.

وفرَّق في «الشَّرح» بَينَ المكاتَب والشَّفِيع؛ لأِنَّ سيِّدَه يُطالِبُه بالوفاء من غَيرِ هذا الذي أتاه به، فلا يَلزَمُه ذلك بمُجرَّد دَعْوَى سيِّدِه تحريمَه، وهذا لا يُطالِبُ الشَّفِيعَ بشَيءٍ، فلا يَنْبَغِي أنْ يُكلَّفَ الإبْراءَ ممَّا لا يَدَّعِيهِ.

تنبيهٌ: إذا ادَّعى عَلَيهِ الشِّراءَ، فقال: اشْتَرَيْتُه لِفُلانٍ؛ سُئِلَ؛ فإنْ صدَّقه؛ فهو له، وإنْ كذَّبَه؛ فهو للمُشْتَرِي، ويُؤخَذُ بالشُّفْعة في الحالَينِ.

وإنْ كان المُقَرُّ له غائبًا؛ أخَذَه الشَّفِيعُ بإذْنِ الحاكِمِ، والغائبُ على حُجَّته إذا قَدِمَ.

فإنْ قال: اشْتَرَيتُه لاِبْنِي الطِّفْلِ؛ فهو كالغائب في وَجْهٍ.

وفي الآخَرِ: لا شُفْعَةَ؛ لأِنَّ الملْكَ ثبت

(3)

للطِّفْل، ولا يَثْبُتُ في مالِهِ حَقٌّ بإقْرارِ ولِيِّه عَلَيهِ.

(1)

في (ظ): بينة للشفيع.

(2)

في (ح): الكتاب.

(3)

في (ح): يثبت.

ص: 285

فأمَّا إنِ ادَّعَى عَلَيهِ الشُّفْعةَ في شِقْصٍ، فقال: هو لِفُلانٍ الغائبِ، أوِ الطِّفْلِ؛ فلا شُفْعةَ فيه؛ لأِنَّه قد ثَبَتَ لهما، فإقْرارُه بعد ذلك إقْرارٌ على غَيرِه، فلا يُقبَلُ.

(وَإِنْ كَانَ عِوَضًا فِي الْخُلْعِ، أَوِ النِّكَاحِ، أَوْ عَنْ دَمِ عَمْدٍ)، وقُلْنا بوُجوب الشُّفْعةِ فيه؛ (فَقَالَ القَاضِي)، وهو قِياسُ قَولِ ابنِ حامِدٍ:(يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ)؛ لأِنَّه مَلَكَ الشِّقْصَ القابِلَ للشُّفْعة بِبَدَلٍ لَيسَ بمِثْلِيٍّ، فَوَجَبَ الرُّجوعُ إلى القيمة، كما لو باعَه سلعة لا مِثْلَ لها.

(وَقَالَ غَيْرُهُ)، وهو ابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّاب في «الانتصار»:(يَأْخُذُهُ بِالدِّيَةِ وَمَهْرِ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ ذلك بَدَلُ المشْفُوع، فَوَجَبَ أنْ يُؤخَذَ به كالثَّمَن.

مع أنَّه تَقدَّم أنَّ الأَشْهَرَ لا شُفْعةَ في ذلك؛ لأِنَّ ما يُقابِلُ المبِيعَ لَيسَ بمالٍ، ولأِنَّ الأَخْذَ إمَّا بالقِيمةِ، وهو مُمْتَنِعٌ؛ لأِنَّه لَيسَ بِعِوَضٍ للمَبِيعِ، وإمَّا بالمَهْرِ، وفِيهِ تَقْوِيمُ البُضْع، وإضْرارٌ بالشَّفِيع؛ لأِنَّ مَهْرَ المِثْلِ يَتَفاوَتُ مع المسمَّى؛ لأِنَّ المهرَ يُسامَحُ به في العادة، بخلاف البَيع، وفِيهِ شَيءٌ.

ولا يُتَوَهَّمُ أنَّ القاضِيَ يُثْبِتُ الشُّفْعةَ في ذلك، وإنَّما كلامُه في صِفَةِ الأخْذِ، مع أنَّ المسْأَلةَ فِيها رِوايتانِ.

وعلى قِياسه: ما أُخِذَ أُجْرةً، أوْ ثَمَنًا في سَلَمٍ، أوْ عِوَضًا في كِتابَةٍ.

ص: 286

(فَصْلٌ)

(وَلَا شُفْعَةَ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ قَبْلَ انْقِضَائِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ فِي الأخْذِ إلْزامَ المشْتَرِي بالعَقْد قَبلَ رِضاهُ بالْتِزامه، وإِيجابَ العُهْدة عَلَيهِ، وتَفْويتَ حقِّه من الرُّجوع في عَينِ الثَّمَن.

ولا فَرْقَ فِيهِ بَينَ خِيارِ المجْلِس أو الشَّرْط، وسواءٌ كان الخِيارُ لهما، أوْ لأِحَدِهِما.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَجِبَ

(1)

، وحكاهُ أبو الخَطَّاب تخريجًا؛ لأِنَّ الملْكَ انْتَقَلَ، فتَثْبُتُ

(2)

فِيهِ الشُّفْعةُ في مُدَّة الخِيَار، كما بَعْدَ انْقِضائه، ولإزالةِ

(3)

ضَرَرِ الشَّرِكَةِ.

وقِيلَ: تَثْبُتُ إنْ قُلْنا: الملْكُ للمُشْتَرِي.

وقِيلَ: إنْ شُرِطَ للبائع فَقَطْ، وقُلْنا: الملْكُ للمُشْتَرِي؛ لم تَجِبْ قَبْلَ فَراغِه، وإنْ شُرِطَ للمُشْتَرِي وحْدَه، وقُلْنَا: الملْكُ له؛ وَجَبَتْ؛ لأِنَّ الملْكَ انْتَقلَ إلَيهِ، ولا حقَّ لِغَيرِه فِيهِ، والشَّفِيعُ يَمْلِكُ الْأَخْذَ بَعْدَ اسْتِقْرارِ الملْكِ، فكان له، وغايَةُ ما يُقدَّر

(4)

ثُبوتُ الخِيار له، وذلك لا يَمنَعُ الْأَخْذَ بها؛ كما لو وَجَدَ به عَيبًا.

(وَإِنْ أَقَرَّ الْبَائِعُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي؛ فَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الكافي»:

(1)

في (ق): أن يجب.

(2)

في (ق): فثبتت.

(3)

في (ق): ولإزالته.

(4)

قوله: (وغاية ما يُقدر) في (ح): وعليه ما يقدر. وفي (ظ): وغاية ما تقدم. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 15/ 504.

ص: 287

أحدُهما: لا شُفْعةَ، نَصَرَه الشَّريف في «مسائله» ، ولا نَصَّ فيها للإمام أحمدَ؛ لأِنَّ الشُّفْعةَ فرعُ البيع، فإذا لم يَثْبُت الأصلُ لم يَثْبُتْ فَرْعُه.

والثَّاني، وهو المذهب: أنَّها تَجِبُ؛ لأِنَّ البائعَ أقرَّ بِحَقَّينِ؛ حقٍّ للشَّفِيعٍ وحقٍّ للمُشْتَرِي، فإذا سَقَط حقُّه بإنكاره؛ ثَبَتَ حقُّ الآخَرِ، كما لو أقرَّ بدارٍ لرجُلَينِ، فأنْكَرَ أحدُهما.

فعَلَيهِ: يَقبِضُ الشَّفيعُ من البائع، ويُسلِّمُ إليه الثَّمَنَ، ويَكونُ دَرَكُ الشَّفِيعِ على البائع، ولَيسَ له ولا للشَّفِيعِ مُحاكَمَةُ المشْتَرِي.

فإنْ كان البائعُ مقرًا بقَبْضِ الثَّمَن من المشْتَرِي؛ بقِيَ الثَّمَنُ الذي على الشَّفِيع لا يَدَّعِيهِ أحدٌ؛ لأِنَّ البائعَ يَقُولُ: هو للمُشْتَرِي، والمشْتَرِي يقولُ: لا أسْتَحِقُّه؛ فالأوْجُهُ الثَّلاثةُ

(1)

.

(وَعُهْدَةُ الشَّفِيعِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَعُهْدَةُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ)، العُهْدةُ في الأصل: كِتابُ الشِّراء، والمرادُ هنا: أنَّ الشِّقْصَ إذا ظَهَرَ مُسْتَحَقًّا أوْ مَعِيبًا؛ فإنَّ الشَّفِيعَ يَرجِعُ على المشْتَرِي بالثَّمَنِ أو بأرْشِ العَيبِ؛ لأنَّ الشَّفِيعَ مَلَكه مِنْ جِهَتِه، فرجَع عليه؛ لكونه بائعَه، ثُمَّ يَرجِع المشْتَرِي على البائع؛ لِما ذَكرنا، ويُستَثنى منه المسألةُ السَّابِقةُ، فإنَّ عُهْدةَ الشَّفِيعِ على البائع؛ لحصول الملْك له مِنْ جِهَتِه.

(فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي قَبْضَ الْمَبِيعِ؛ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ)، قاله القاضِي، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ القَبْضَ واجِبٌ؛ لِيَحْصُلَ حقُّ المشْتَرِي في تَسْلِيمه، ومِنْ شأْنِ الحاكِمِ أنْ يُجْبِرَ الممتنع

(2)

.

(1)

يشير إلى الأوجه الثلاثة التي في المغني 5/ 240، والشرح الكبير 15/ 511:(ففيه ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقال للمشتري: إما أن تقبضه، وإما أن تُبرئ منه. والثاني: يأخذه الحاكم عنده. والثالث: يبقى في ذمة الشفيع)، وتقدمت 6/ 285.

(2)

في (ح): المشتري.

ص: 288

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَأْخُذَهُ الشَّفِيعُ مِنْ يَدِ الْبَائِعِ)؛ لأِنَّ العَقْدَ يَلزَمُ في العَقار مِنْ غَيرِ قَبْضٍ، ويَدخُلُ في ملْكِ المشْتَرِي بنَفْسِه، بدليلِ: صِحَّةِ التَّصرُّف فِيهِ قَبلَ قَبْضِه.

(وَإِذَا وَرِثَ اثْنَانِ شِقْصًا عَنْ أَبِيهِمَا، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ فَالشُّفْعَةُ بَيْنَ أَخِيهِ وَشَرِيكِ أَبِيهِ)؛ لأِنَّهما شَرِيكان حالَ ثُبوت الشُّفْعة، فكانت بَينَهما؛ كما لو تملَّكاها بسببٍ واحِدٍ، ولأِنَّها ثَبَتَتْ

(1)

لدَفْع ضَرَرِ الشَّرِيكِ الدَّاخِلِ على شركائه بسَببِ شَرِكته، وهو موجودٌ في حقِّ الكُلِّ.

(وَلَا شُفْعَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وقالَهُ الحَسَنُ، والشَّعْبِيُّ، والنَّخَعِيُّ؛ لقَولِه عليه السلام:«لَا شُفْعةَ لِنَصْرانِيٍّ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ في كتاب «العِلل» ، وأبو بَكْرٍ، وفي إسنادِهما نائلُ بنُ نَجِيحٍ، عن سُفْيانَ الثَّورِيِّ، عن حُمَيدٍ عن أَنَسٍ، ونائلٌ ضَعَّفَه الدَّارَقُطْنِيُ وابنُ عَدِيٍّ

(3)

، ولأِنَّه مَعْنًى يَختَصُ به العَقارُ، أشْبَهَ الاستِعْلاءَ في البُنْيانِ.

وقال أكثرُ العُلَماء: تَثْبُتُ؛ لأِنَّها خِيارٌ ثَبَتَ لِدَفْع الضَّرَر بالشِّراء، فاسْتَوَى فيه المسْلِمُ والكافِرُ؛ كالرَّدِّ بالعَيبِ.

وجَوابُه: بأنَّها تَثْبُتُ في مَحَلِّ الإجْماع على خِلافِ الأصل؛ رِعايَةً لحقِّ الشَّرِيك المسْلِمِ، ولَيسَ الذِّمِّيُّ في مَعْنَى المسْلِمِ، فيَبقَى فيه على مُقْتَضَى الأصْلِ.

(1)

في (ق): تثبت.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2605، مسائل أبي داود ص 267، مسائل ابن هانئ 2/ 27، مسائل عبد الله ص 298.

(3)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (4/ 313)، وابن عدي في الكامل (8/ 322)، والطبراني في الصغير (569)، وفي سنده: نائل بن نجيح، قال ابن عدي عنه:(أحاديثه مظلمة جدًّا، وخاصة إِذَا روى عن الثَّوري)، وهذا الحديث منها، وقال الدارقطني:(والصواب: عن حميد الطويل، عن الحسن من قوله)، وكذا قال البيهقي، وقال أبو حاتم عن حديثه:(باطل). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 293، العلل للدارقطني 12/ 61، الإرواء 5/ 374.

ص: 289

وظاهِرُه: أنَّها تَثْبُتُ للمُسْلِمِ على الكافِرِ؛ لعُموم الأدِلَّة، ولأِنَّها إذا ثَبَتَتْ على المسْلِم مع عِظَمِ حُرْمَتِه؛ فَلَأَنْ تَثْبُتَ على الذِّمِّيِّ مع

(1)

دَناءَتِه أَوْلَى.

وأنَّها تَثْبُتُ لِكافِرٍ على مِثْلِه؛ لاِسْتِوائهما؛ كالمسلمين، قال في «الشَّرح»: لا نعلَمُ فيه خِلافًا.

وقِيلَ: لا تَثْبُتُ لهما إذا كان البائعُ مُسلِمًا.

فإنْ تَبايَعَ كافِرانِ بخَمْرٍ شِقْصَا؛ فلا شُفْعةَ في الأصحِّ كخِنْزيرٍ؛ بِناءً على قَولِنا: هل هِيَ مالٌ لهم؟

فأمَّا أهلُ البِدَع؛ فتَثْبُتُ الشُّفْعةُ لِمَنْ حُكِمَ بإسْلامِه.

ورَوَى حَرْبٌ عن أحمدَ: أنَّه سُئلَ عن أصْحابِ البِدَع هل لهم شُفْعةٌ؟ وذُكِرَ له عن الشَّافِعِيِّ أنَّه قال: لَيسَ للرَّافضة شُفْعةٌ، فَضَحِكَ، وقال: أراد أنْ يُخْرِجَهم من الإسلام

(2)

، فظاهره

(3)

: أنَّه أثْبَتَها لهم، وهو مَحْمولٌ على غَيرِ الغُلاةِ مِنْهُم، فأمَّا الغُلاةُ؛ كمُعْتَقِد غَلَطِ جِبْريلَ في الرِّسالة، ومَنْ حُكِمَ بكُفْرِه مِنْ الدُّعاةِ بخَلْق القُرآن؛ فلا شُفْعةَ لهم، وهو مُقْتَضَى كلامِ الأصحاب؛ لأنَّها

(4)

إذا لَمْ تَثْبُتْ للذِّمِّيِّ الَّذي يُقَرُّ

(5)

على كُفْرِه؛ فَغَيرُه أَوْلَى.

(وَهَلْ تَجِبُ الشُّفْعَةُ لِلْمُضَارَبِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، أَوْ لِرَبِّ الْمَالِ عَلَى الْمُضَارَبِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِلْمُضَارَبَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وفِيهِ مَسْألَتانِ:

الأُولى: هل تَجِبُ الشُّفْعةُ للمُضارَب على ربِّ المال؟ وفِيها وجْهانِ:

أحدُهما: تَجِبُ، وصُورَتُها: بأنْ يكونَ المضارَبُ له شِقْصٌ في عَقارٍ،

(1)

قوله: (مع) سقط من (ح).

(2)

ينظر: المغني 5/ 289.

(3)

في (ح): وظاهره.

(4)

في (ح): لأصحاب لأنهما.

(5)

في (ح): مقر.

ص: 290

فاشْتَرَى بمالِ الْمُضارَبَة بَقِيَّتَه؛ لِمَا في ذلك مِنْ دَفْع ضَرَرِ الشَّرِكة.

والثَّاني: لا شُفْعةَ؛ لأِنَّ له في مالِ المضارَبَة تَعَلُّقًا في الجُمْلة، أشْبَهَ ربَّ المالِ.

والمذْهَبُ كما صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّها لا تَجِبُ إنْ ظَهَرَ رِبْحٌ، وإلاَّ وَجَبَتْ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

قال صاحِبُ «النِّهاية» : وعِنْدِي أنَّه لا شُفْعةَ للعامِلِ فِيمَا اشْتَراهُ؛ كالوكيلِ والوَصِيِّ.

الثَّانيةُ: المذْهَبُ: أنَّها لا تَجِبُ لِرَبِّ المال على المضارَبِ؛ لأِنَّ الملْكَ وَقَعَ له، فلا يَسْتَحِقُّ الشُّفْعةَ على نَفْسِه.

والثَّانِي: تَجِبُ؛ لأِنَّ مالَ المُضارَبَة كالمنْفَرِد بنَفْسه، أشْبَهَ مَا إذا كانَ المشْتَرِي شَرِيكًا، فلأن الشفعة

(2)

بَينَه وبَينَ شريكه، وهذه شُفْعةٌ في الحقيقة لم تَجلِبْ ملْكًا، وإنَّما قررته.

قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : والوَجْهانِ مَبْنِيَّانِ على شِراءِ رَبِّ المالِ مِنْ مالِ المضارَبَة.

ولا شُفْعَةَ لِمُضارَبٍ فِيمَا باعَه من مالها وله فِيهِ ملْكٌ، وله الشُّفْعةُ فِيمَا بِيعَ شَرِكةً لمالِ المضارَبَة، إنْ كان فيها حَظٌّ، فإنْ أَبَى؛ أَخَذَ بها ربُّ المال.

تذنيبٌ: قال أحمدُ في روايةِ حَنبَلٍ

(3)

: لا نَرَى الشُّفْعةَ في أرْضِ السَّواد؛ لأِنَّ عُمَرَ وَقَفَها

(4)

، وكذا كلُّ أرضٍ وَقَفَها كالشَّام ومِصْرَ، قال في «المغْنِي»

(1)

ينظر: المغني 5/ 42.

(2)

قوله: (الشفعة) سقط من (ح).

(3)

ينظر: المغني 5/ 289.

(4)

تقدم تخريجه 4/ 545 حاشية (1).

ص: 291

و «الشَّرح» : إلاَّ أنْ يَحكُمَ بِبَيعها حاكِمٌ، أوْ يَفْعَلَه الإمامُ أوْ نائبُه؛ فتَثْبُت

(1)

؛ لأِنَّه مُختَلَفٌ فِيهِ، وحُكْمُ الحاكِمِ يَنفُذُ فِيهِ.

(1)

في (ق): فيثبت.

ص: 292

(بَابُ الْوَدِيعَةِ)

وهي فَعِيلَةٌ، مِنْ وَدَعَ الشَّيءَ إذا تَرَكَه؛ أيْ: هِيَ مَتْرُوكةٌ عِنْدَ المودَع.

وقِيلَ: هي مُشْتَقَّةٌ مِنْ الدَّعَةِ، فكأنَّها عِنْدَ المودَع غَيرُ مُبْتَذَلَةٍ

(1)

لِلاِنْتِفاع.

وقِيلَ: مِنْ وَدَعَ الشَّيءُ يَدَعُ، إذا سَكَنَ، فكأنَّها ساكِنةٌ عِنْدَ المودَعِ.

وهِيَ في الشَّرع: اسْمٌ لعين

(2)

تُوضَعُ عِنْدَ آخَرَ لِيحْفَظَها، فهِي وَكالةٌ في الحِفْظ، فيعتبر

(3)

أركانُها.

والأَحْسَنُ: أنَّها تَوكيلٌ في حِفْظِ مَمْلُوكٍ، أوْ مُحتَرَمٍ مُخْتَصٍّ، على وَجْهٍ مخصوص

(4)

.

والإجْماعُ في كلِّ عَصْرٍ على جَوازِها

(5)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58]، مَعَ السُّنَّة الشَّهيرةِ، مِنْها قَولُه عليه السلام:«أدِّ الأمانةَ إلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ مَنْ خانَكَ» رواه أبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ وحَسَّنَه

(6)

.

(1)

في (ق): متبذلة.

(2)

في (ح): العين.

(3)

في (ح): فتعتبر.

(4)

قوله: (والأحسن أنها توكيل في حفظ

) إلى هنا سقط من (ح).

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 107، مراتب الإجماع ص 61.

(6)

أخرجه أبو داود (3535)، والترمذي (1264)، والحاكم (2296)، من طريق طلق بن غنام، عن شريك وقيس، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وشريك النخعي سيئ الحفظ، وقيس هو ابن الربيع ضعيف، وتفرد برواية هذا الحديث عنهما طلق بن غنام النخعي وهو ثقة، إلا أن أبا حاتم قال عنه:(روى حديثًا منكرًا عن شريك وقيس)، وله شاهد عند أحمد (15424)، وأبي داود (3534)، من طريق يوسف بن ماهك عن رجل عن أبيه مرفوعًا نحوه وفيه راوٍ مبهم، وأخرجه الطبراني (475)، والدارقطني (2937)، والحاكم (2297)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال عنه ابن عدي:(إسناده منكر)، وأخرجه ابن أبي شيبة (22949)، من مرسل الحسن، والحديث ضعفه الشافعي وابن الجوزي، ونقل عن أحمد:(حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح)، ومال إلى تصحيحه غيرهم، قال الترمذي:(حسن غريب)، وصححه الحاكم وابن القيم والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 594، العلل المتناهية 2/ 103، إغاثة اللهفان 2/ 77، التلخيص الحبير 3/ 212، الصحيحة (423).

ص: 293

والمعْنَى يَقْتضِيها؛ لِحاجةِ النَّاس

(1)

إلَيها؛ لأِنَّه يَتَعذَّرُ عَلَيهم حِفْظُ جَميعِ أمْوالهم بأنفُسهم.

ويُسْتَحَبُّ أخْذُها لِمَنْ عَلِمَ أنَّه ثِقَةٌ قادِرٌ على حِفْظِها، وتُكرَه

(2)

لِغَيرِه إلاَّ بِرِضا ربِّه.

وتَنفَسِخُ بِمَوتٍ، وجُنونٍ، وعَزْلٍ مع عِلْمِه.

فإنْ بَطَلَتْ؛ بَقِيَ المالُ في يَدِه أمانةً يُودِّيه إلى مالِكِه.

فإنْ تَلِفَ قَبْلَ التَّمَكُّنِ؛ فَهَدَرٌ، وإنْ تَلِفَ بَعْدَه؛ فَوَجْهانِ.

ولا يَصِحُّ الإيداعُ والاِسْتِيداعُ إلاَّ مِنْ جائِزِ التَّصرُّف في مالِهِ وتَبَرُّعِه به.

(وَهِيَ أَمَانَةٌ)؛ لقَولِه تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} [البَقَرَة: 283].

(وَلَا

(3)

ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا)؛ لِمَا روى

(4)

عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبِيهِ، عَنْ جَدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُودِعَ وَدِيعَةً؛ فَلَا ضَمانَ عَلَيهِ» رواه ابنُ ماجَهْ

(5)

،

(1)

في (ظ): الإنسان.

(2)

في (ق): ويكره.

(3)

في (ق): لا.

(4)

قوله: (روى) سقط من (ح).

(5)

أخرجه ابن ماجه (2401)، وفي إسناده أيوب بن سويد والجمهور على تضعيفه، والمثنى بن الصباح وهو ضعيف أيضًا، وتابعهم ابن لهيعة عند البيهقي في الكبرى (12700)، بلفظ:«لا ضمان على مؤتمن» ، وابن لهيعة ضعيف، وتابعهم محمد بن عبد الرحمن الحجبي عند الدارقطني (2961)، والبيهقي في الكبرى (12700)، بمثل لفظ ابن لهيعة، قال ابن عبد الهادي:(هذا الإسناد لا يعتمد عليه، فإن يزيد بن عبد الملك ضعفه أحمد، وغيره، وقال النسائي: متروك الحديث، وعبد الله بن شبيب: ضعفوه)، وحسنه الألباني بطرقه. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 200، التلخيص الحبير 3/ 214، الإرواء 5/ 385.

ص: 294

ولأِنَّ

(1)

المسْتَوْدَعَ يَحفَظُها لِمالِكِها، فلو ضُمِنَتْ؛ لَامْتَنَع النَّاسُ من الدُّخول فِيها، وذلك مُضِرٌّ؛ لِمَا فِيه مِنْ مَسِيسِ الحاجَةِ إلَيها، (إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى

(2)

، فيَضمَنُها بِغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(3)

؛ لأِنَّه مُتْلِفٌ لِمالِ غَيرِه، فضَمِنَه

(4)

؛ كما لَوْ أتْلَفَه مِنْ غَيرِ اسْتِيداعٍ.

(وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ بَيْنِ مَالِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي قَولُ أكثرِ العُلَماء؛ لِمَا ذَكَرْنا، ولأِنَّ المسْتَوْدَعَ مُؤتَمَنٌ، فلم يَضمَنْ ما تَلِفَ مِنْ غَيرِ تَعدِّيهِ ولا تَفْريطِه، وسَواءٌ ذَهَبَ مَعَها مِنْ ماله شَيءٌ أوْ لَا.

والثَّانيةُ: يَضمَنُ إذا تَلِفَتْ مِنْ بَينِ مالِه؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، أنا حُمَيدٌ الطَّويلُ، عن أَنَسٍ:«أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّاب ضَمَّنَه وديعةً ذَهَبَتْ مِنْ بَينِ مالِه»

(5)

.

والأُولَى أصحُّ، قاله القاضِي؛ لأِنَّ الضَّمانَ يُنافِي الأمانةَ، وحَديثُ عُمَرَ مَحمولٌ على التَّفريط مِنْ أَنَسٍ في حِفْظِها، فلا مُنافَاةَ.

(وَيَلْزَمُه حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا) عُرْفًا؛ كَسَرِقَةٍ، وكما يَحفَظُ مالَه، ولأِنَّه

(1)

في (ح): لأن.

(2)

في (ح): لمتعدي.

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 107، مراتب الإجماع ص 61.

(4)

في (ق): فيضمنه.

(5)

أخرجه البيهقي في الكبرى (12703)، من طريق حميد الطويل به. وإسناده صحيح كما في الإرواء 5/ 386. وأخرجه ابن الجعد (972)، والبيهقي في الكبرى (12702)، من طريق أخرى، وإسناده صحيح أيضًا.

ص: 295

تعالى

(1)

أَمَرَ بأدائها، ولا يُمْكِنُ ذلك إلاَّ بالحِفْظ، وفي «الرِّعاية»: مَنِ اسْتُودِعَ شَيئًا؛ حَفِظَه في حِرْزِ مِثْلِه عاجِلاً مع القُدْرةِ، وإلاَّ ضمِنَ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يَحفَظْها في حِرْزِ مِثْلِها؛ أنَّه يَضمَنُ؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ.

وإنْ وَضَعَها في حِرْزٍ، ثُمَّ نَقَلَها عنه إلى حِرْزِ مِثْلِها؛ لم يَضْمَنْها؛ لأِنَّ صاحِبَها رَدَّ حِفْظَها إلى اجْتِهاده.

فلَوْ كانَت العَينُ في بَيتِ مالِكِها، فقال لآخر

(2)

: احْفَظْها في مَوضِعِها، فَنَقَلَها عنه لغَيرِ خَوفٍ؛ ضَمِنَ؛ لأِنَّه لَيسَ بِمُودَعٍ، وإنَّما هو وَكِيلٌ في حِفْظها في مَوضِعِها.

(وَإِنْ

(3)

عَيَّنَ صَاحِبُهَا حِرْزًا، فَجَعَلَهَا فِي دُونِهِ؛ ضَمِنَ)، سَواءٌ ردَّها إليه أوْ لَا؛ لأِنَّه خالَفَه في حِفْظِ مالِه، ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا حَفِظَها فِيمَا عَيَّنَه، ولم يَخْشَ عَلَيها؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ بغَيرِ خِلافٍ

(4)

؛ لأِنَّه مُمْتَثِلٌ غَيرُ مُفَرِّطٍ.

(وَإِنْ أَحْرَزَهَا بِمِثْلِهِ أَوْ فَوْقَهُ) بلا حاجةٍ؛ كلُبْسِ خاتمٍ في خِنْصِرٍ، فَلَبِسَه في بِنصِرٍ، لا عَكْسِه؛ (لَمْ يَضْمَنْ) على المذْهَب؛ لأِنَّ تَقْيِيدَه بهذا الحِرْزِ يَقْتَضِي ما هو مِثْلُه، كَمَنِ اكْتَرَى لزَرْعِ حِنْطَةٍ، فلَهُ زَرْعُها وزَرْعُ مِثْلِها في الضَّرر فَمَا فَوقَه مِنْ بابِ أَوْلَى.

(وَقِيلَ: يَضْمَنُ)، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وحَكاهُ في «التَّبْصِرةِ» رِوايةً

(5)

، قال في رِوايةِ حَرْبٍ: إذا خالَفَ في الوَدِيعَة فهو ضامِنٌ

(6)

؛ لأِنَّه خالَفَ أمْرَ صاحِبِها مِنْ غَيرِ حاجةٍ، أشْبَهَ ما لَوْ نَهاهُ.

(1)

في (ق): يقال.

(2)

في (ظ): الآخر.

(3)

في (ح): فإن.

(4)

ينظر: المغني 6/ 441

(5)

قوله: (رواية) ضرب عليه في (ق).

(6)

ينظر: مسائل صالح 1/ 448، مسائل عبد الله ص 294، مسائل ابن منصور 6/ 2592.

ص: 296

(إِلاَّ أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ)، كما لَوْ خافَ عَلَيها مِنْ سَيلٍ أوْ حَرِيقٍ؛ لأِنَّه لا يُعَدُّ مُفَرِّطًا.

والْأَوْلَى: إنْ نَقَلَها إلى الأعْلَى لم يَضمَنْ؛ لأِنَّه زادَهُ خَيرًا، لا إنْ نَقَلَها إلى المُساوِي؛ لِعَدَمِ الفائدةِ.

قال في «التَّلخيص» : أصْحابُنا لم يُفَرِّقوا بَينَ تَلَفِها بسبَبِ النَّقْل وبَينَ تَلَفِها بغَيرِه، قال: وعِنْدِي أنَّه إذا حصل التَّلَفُ بسبَبِ النَّقْل؛ كانْهِدام البَيْتِ المنْقولِ إلَيهِ؛ ضَمِنَ.

(فَإِنْ

(1)

نَهَاهُ عَنْ إِخْرَاجِهَا، فَأَخْرَجَهَا لِغِشْيَانِ شَيْءٍ الْغَالِبُ مِنْهُ التَّوَى)؛ أي: الهلاك؛ (لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّ حِفْظَها نَقْلُها، وتَرْكَها تَضْيِيعٌ لها، وهذا إذا وَضَعَها في حِرْزِ مِثْلِها أوْ فوقه

(2)

.

فإن تَعَذَّر، وأحْرَزَها في دُونِه؛ فلا ضَمانَ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» والحارِثِيُّ.

وَمُقْتَضاهُ: أنَّه يَلزَمُه إخْراجُها عِنْدَ الخَوف؛ لأِنَّ النَّهيَ لِلاِحْتِياطِ عَلَيها، وهو إذَنْ نَقْلُها.

(وَإِنْ تَرَكَهَا فَتَلِفَتْ؛ ضَمِنَ)، سَواءٌ تَلِفَتْ بالأمْرِ المَخُوفِ أوْ بغَيرِه؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ.

وقِيلَ: لا يَضمَنُ؛ لاِمْتِثالِه أمْرَ صاحِبِها.

(وَإِنْ أَخْرَجَهَا لِغَيْرِ خَوْفٍ؛ ضَمِنَ)؛ لأِنَّه خَالَفَ نَصَّ صاحِبِها لغَيرِ فائدةٍ، ولو أَخْرَجَها إلى مِثْلِه أوْ فَوْقَه، صرَّح به في «الشَّرح» وغَيره.

وقِيلَ: لا يَضمَنُ، كما لو يُعيِّن

(3)

له حِرْزًا.

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ظ): وقفه.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي:(ظ): تعين. والذي في الشرح الكبير 16/ 13: كما لو لم يُعيِّن.

ص: 297

(فَإِنْ قَالَ: لَا تُخْرِجْهَا وَإِنْ خِفْتَ عَلَيْهَا، فَأَخْرَجَهَا عِنْدَ الْخَوْفِ، أَوْ تَرَكَهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّه إذا أخْرَجَها فقد زاده خَيرًا بحِفْظها؛ إذِ المقْصودُ المبالَغَةُ في حِفْظِها، وإنْ تَرَكَها؛ فلا شَيءَ عَلَيهِ؛ لأِنَّ صاحِبَها صرَّح له بِتَرْكِها مع الخَوفِ، فكأنَّه رَضِيَ بإتْلافِها.

وقِيلَ: إنْ وافَقَه أوْ خالَفَه؛ ضَمِنَ؛ كإخْراجِها لِغَيرِ خَوفٍ.

وهذا جارٍ فِيمَا إذا قال: لا تقفل

(1)

عَلَيها قُفْلَينِ، أوْ لا تَنَمْ فَوقَه، صرَّح به في «الرعاية» .

فَرْعٌ: إذا أخْرَجَ الوَدِيعةَ المنْهِيَّ عن إخْراجِها فَتَلِفَتْ، فَادَّعَى أنَّه أخْرَجَها لِغِشْيانِ شَيءٍ الغالِبُ منه الهَلاكُ، وأنْكَرَ صاحِبُها وُجودَه؛ فَعَلَى المسْتَودَعِ البَيِّنَةُ إنْ كان مِمَّا لا تَتَعذَّر إقامةُ البَيِّنة عَلَيهِ لِظُهورِه، ويُقبَلُ قَولُه في التَّلَف مَعَ يَمِينِه.

(وَإِنْ

(2)

أَوْدَعَهُ بَهِيمَةً فَلَمْ يَعْلِفْهَا حَتَّى مَاتَتْ؛ ضَمِنَ)؛ لأِنَّ العَلَفَ مِنْ كمالِ الحِفْظ، بل هو الحِفْظُ بِعَينِه؛ لأِنَّ العُرْفَ يَقْتَضِي عَلْفَها وسَقْيَها، فكأنَّه مأْمورٌ به عُرْفًا.

وقِيلَ: لا يَضمَنُ، كَ: لَا تَعْلِفْهَا.

والأوَّلُ هو المشْهُورُ.

(إِلاَّ أَنْ يَنْهَاهُ الْمَالِكُ عَنْ عَلْفِهَا)؛ لأِنَّ مالِكَها أَذِنَ في إتْلافِها، أشْبَهَ ما لو أمَرَه بِقَتْلها، لكِنْ إذا نَهاهُ عن عَلْفِها فتركه

(3)

؛ أَثِمَ؛ لِحُرْمة الحَيَوانِ، فإنْ أَمَرَه به؛ لَزِمَه.

وقِيلَ: يَلزمُه بقَبولِه، ويُعْتَبَر حاكِمٌ، وفي «المنتخب»: لَا.

(1)

في (ح): لا تقل.

(2)

في (ح): ولو.

(3)

في (ح): وتركه.

ص: 298

فَرْعٌ: إذا عَلَفَ الدَّابَّةَ، أوْ سَقَاهَا في دارِه أوْ غَيرِها بنَفْسِه، أوْ غُلامِه، على ما جَرَتْ به العادةُ؛ فلا ضَمانَ عَلَيه؛ لأِنَّه مأْذُونٌ فيه عُرْفًا.

والحُكْمُ في النَّفقة والرُّجوع؛ كالحُكْم في نَفَقة البهيمة المرْهُونَةِ؛ لأِنَّها أمانةٌ مِثْلُها.

(فَإِنْ قَالَ: اتْرُكِ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِكَ، فَتَرَكَهَا فِي كُمِّهِ)، أوْ يَدِهِ؛ (ضَمِنَ)؛ لأِنَّ الجَيبَ أحْرَزُ، وربَّما نَسِيَ فَسَقَطَ منه.

(وَإِنْ قَالَ: اتْرُكْهَا فِي كُمِّكَ)، أوْ يَدِكَ، (فَتَرَكَهَا فِي جَيْبِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّه أحْرَز، (وَإِنْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:

أظْهَرُهما: يَضمَنُ؛ لأِنَّ اليَدَ يَسقُط منها الشَّيءُ بالنِّسْيان، بخِلاف الكُمِّ.

والثَّاني: لا يَضمَنُ؛ لأِنَّ اليَدَ أحْرَزُ من الكُمِّ؛ لأِنَّه يَتطَرَّقُ إليه البطُّ.

وكذا الخِلافُ إذا عَيَّنَ يَدَه، فَتَرَكَها في كُمِّه.

وقال القاضِي: اليَدُ أحْرَزُ عند المغالَبة، والكُمُّ أحْرَزُ عِنْدَ غَيرِها، فإنْ تَرَكَها في يَدِه عِنْدَ المغالَبَةِ؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه زادَهُ خَيرًا، وإلاَّ ضَمِنَها؛ لنَقْلِها إلى أدْنَى مِمَّا أُمِرَ به.

فإنْ أَمَرَه بحِفْظها مطلَقًا، فَتَرَكَها في جَيبِه، أوْ يَدِه، أوْ شَدَّها في كُمِّه، أوْ عَضُده، وقِيلَ: مِنْ جانِبِ الجَيب، أوْ تَرَكَ في كُمِّه ثَقِيلاً بغَيرِ شَدٍّ، أوْ تَرَكَها في وَسَطِه؛ لم يَضمَنْ.

وفي «الفصول» : إنْ تَرَكَها في رأسه، أوْ غَرَزَها في عِمامَته، أوْ تَحْتَ قَلَنْسُوَتِه؛ احْتَمَل أنَّه حرز

(1)

.

تنبيه: إذا قال: اتْرُكْها في بَيتِكَ، فَشَدَّها في ثِيابِه وأخْرَجَها

(2)

معه؛

(1)

في (ح): أحرز.

(2)

في (ق): أو أخرجها.

ص: 299

ضَمِنَ؛ لأِنَّ البَيتَ أحْرَزُ.

وإنْ قال: لا يَدخُلْ

(1)

بَيتَ الوَدِيعةِ أحَدٌ، فخالَفَه، وسَرَقَها الدَّاخِلُ؛ ضَمِنَ؛ لأِنَّه ربَّما شاهَدَهَا في دُخول البَيت، وإنْ سَرَقَها غَيرُ الدَّاخِلِ؛ فَلَا في الأصحِّ؛ لأِنَّ فِعْلَه لم يَكُنْ سَببًا لِإِتْلافها.

وقيل: بلى، جَزَمَ به في «الكافي» وغيره؛ لأِنَّه ربَّما دلَّ السَّارِقَ عَلَيها.

(وَإِنْ دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ)، أوْ مالَ ربِّها عادةً؛ (كَزَوْجَتِهِ وَعَبْدِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

؛ لأِنَّه مُودَعٌ، فله أنْ يَحفَظَها بِنَفْسه، وبِمَنْ جَرَت العادةُ بحِفْظ مالِه، وكوكيلِ ربِّها، وألْحَق بهما

(3)

في «الرَّوضة» : الوَلَدَ، وهو ظاهِرٌ، وكما لو دَفَعَ الماشِيَة إلى الرَّاعِي، أو البَهيمةَ إلى غُلامِه لِيَسْقِيَها.

وقِيلَ: يَضمَنُ، كما لو دَفَعَها إلى أجْنَبِيٍّ.

وعلى الأوَّلِ: يُصدَّقُ في دَعْوَى الرَّدِّ أو التَّلَفِ؛ كالمودَعِ.

(وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى أَجْنَبِيٍّ أَوْ حَاكِمٍ) لِعُذْرٍ؛ لم يَضمَنْ، وإلاَّ (ضَمِنَ)؛ لأِنَّه مُودَعٌ، ولَيسَ له أنْ يُودِعَ مِنْ غَيرِ عُذْرٍ، ولَعلَّه غَيرُ ظاهِرٍ في الحاكِم.

(وَلَيْسَ لِلْمَالِكِ) إذا تَلِفَتْ (مُطَالَبَةُ الْأَجْنَبِيِّ)؛ لأِنَّ المودَعَ ضَمِنَ بنَفْس الدَّفْع والإعْراض عن الحِفْظ، فلا يَجِبُ على الثَّاني؛ لأِنَّ دَفْعًا واحِدًا لا يُوجِبُ ضَمانَينِ، بخِلافِ غاصِب الغاصب؛ لأِنَّ يَدَهُ ضامِنَةٌ، فترتَّب

(4)

عليه الضَّمانُ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ)، وهو أقْرَبُ إلى الصَّواب

(5)

؛ لأِنَّه قَبَضَ ما لَيسَ

(1)

في (ق): لا تدخل.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 209، المغني 5/ 166.

(3)

في (ق): بها.

(4)

في (ق): فيترتب.

(5)

كتب في هامش (ظ): (قول القاضي هو المذهب).

ص: 300

له قَبضُه، أشْبَهَ المودَعَ من الغاصِب، وكما لو دَفَعَها إلى إنْسانٍ هِبَةً، وعَلَيهِ: للمالك مُطالَبَةُ مَنْ شاء مِنْهما، ويَسْتَقِرُّ الضَّمانُ على الثَّاني إنْ عَلِمَ، وإلاَّ فَعَلَى الأوَّل.

وجزم في «الوجيز» : أنَّهما لا يُطالَبانِ إنْ جَهِلا.

ويَتَخرَّج من

(1)

روايةِ تَوكِيلِ الوَكيلِ: له الإيداعُ بِلا عُذْرٍ، وهو مُقيَّدٌ بما إذا لم يَنْهَه.

(وَإِنْ أَرَادَ سَفَرًا، أَوْ خَافَ عَلَيْهَا عِنْدَهُ؛ رَدَّهَا إِلَى

(2)

مَالِكِهَا)، أوْ وَكِيلِه فِيها؛ لأِنَّ في ذلك تَخْلِيصًا له من دَركِها، ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا دَفَعَها إلى الحاكِمِ؛ يَضمَنُ؛ لأِنَّه لا وِلايَةَ له على الحاضر.

وتَلزَمُه

(3)

مُؤْنَةُ الرَّدِّ، وفي مُؤْنَةِ رَدٍّ مِنْ بُعْدٍ خِلافٌ.

(فَإِنْ

(4)

لَمْ يَجِدْهُ؛ حَمَلَهَا مَعَهُ) في السَّفَر، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، سَواءٌ كان لِضَرورةٍ أوْ لِغَيرِها، (إِنْ كَانَ أَحْفَظَ لَهَا)؛ لأِنَّ المقْصودَ الحِفْظُ، وهو مَوجُودٌ هنا وزيادةٌ، وشَرْطُه: إذا لم يُنْهَ عنه، ولا خَوفَ، وفي «المبهج» و «الموجز»: والغالِبُ السَّلامةُ، زاد في «عُيون المسائل» و «الانتصار»: كأبٍ وَوَصِيٍّ.

وله ما أنْفَقَ بِنِيَّة الرُّجوعِ، قالَهُ القاضِي، ويَتَوجَّه؛ كنظائره، وقيل: مع غَيبةِ ربِّها أو وكيله

(6)

إنْ كان أحْرَزَ.

وإنِ اسْتَوَيا؛ فَوجْهانِ.

(وَإِلاَّ) أي: وإنْ لم يكُنْ أحْفَظَ لها، ولم يُنْهَ عنه؛ (دَفَعَهَا إِلَى الْحَاكِمِ)

(1)

في (ح): في.

(2)

في (ق): على.

(3)

في (ق): ويلزمه.

(4)

في (ظ): فإذا.

(5)

ينظر: المغني 6/ 439.

(6)

في (ح): ووكيله.

ص: 301

لأِنَّ في السَّفَر بها غَرَرًا؛ لأِنَّه بِعَرَضِيَّةِ النَّهْبِ وغَيرِه؛ إذِ الحاكِمُ يَقومُ مَقامَ صاحِبِها عِنْدَ غَيبته، وفي لُزومه قَبولُها؛ وجْهانِ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أوْدَعَها مع قُدْرته على الحاكم؛ أنَّه يَضمَنُها؛ لأِنَّه لا وِلايَةَ له.

وقيل: لا يضمَنُ إذا أوْدَعَها ثِقَةً، وذكره

(1)

الحُلْوانِيُّ رِوايةً؛ لأِنَّه قد يكون أحْفَظَ لها وأحبَّ إلى مالكها، وكتعذُّرِ حاكِمٍ في الأصحِّ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ)؛ أيْ: لم يَقْدِرْ على الحاكم؛ (أَوْدَعَهَا ثِقَةً)؛ «لِفِعْله عليه السلام لَمَّا أراد أنْ يُهاجِرَ، أَوْدَعَ الودائعَ التي كانَتْ عِندَه لِأُمِّ أيْمَنَ رضي الله عنها»

(2)

، ولأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ.

وأطْلَقَ أحمدُ الإيداعَ عِنْدَ غَيرِه لِخَوفه عليها، وحَمَلَها القاضي على المقيم لا المسافِر.

فَرْعٌ: حُكْمُ مَنْ حَضَرَه الموتُ؛ حُكْمُ مَنْ أراد سَفَرًا في دَفْعِها إلى حاكِمٍ أوْ ثِقَةٍ.

(أَوْ دَفَنَهَا وَأَعْلَمَ بِهَا ثِقَةً يَسْكُنُ تِلْكَ الدَّارَ)؛ لأِنَّ الحِفْظَ يحصل

(3)

به.

(فَإِنْ دَفَنَهَا وَلَمْ يُعْلِمْ بِهَا أَحَدًا)؛ ضَمِن؛ لأِنَّه فَرَّط في الحِفْظ، فإنَّه قد

(1)

في (ظ): وذكر.

(2)

أما رد الودائع قبل الهجرة: فورد عند البيهقي في الكبرى (12697)، عن رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في ذكر خروجه، وفيه:«فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام علي بن أبي طالب رضي الله عنه ثلاث ليال وأيامها؛ حتى أدى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس» ، قال ابن حجر في التلخيص:(إسناده قوي)، وحسنه الألباني دون ذكر أم أيمن، وأما ذكر أم أيمن فلا يعرف، ولم نقف عليه في رواية، قال ابن الملقن:(وأما كونه سلَّمها إلى أم أيمن فلا يحضرني ذلك بعد البحث عنه). ينظر: البدر المنير 7/ 305، التلخيص الحبير 3/ 214، الإرواء 5/ 384.

(3)

في (ح): حصل.

ص: 302

يَموتُ في سَفَره فلا تَصِلُ إلى صاحِبِها، ورُبَّما نَسِيَ مَوضِعَها، أوْ أصابَها آفةٌ، وكذا إنْ أعْلَمَ بها غَيرَ ثِقَةٍ؛ لأِنَّه ربَّما أَخَذَها، ولم يُصرِّحْ به المؤلِّفُ اكْتِفاءً بمَفْهوم الأوَّلِ.

(أَوْ أَعْلَمَ بِهَا مَنْ لَا يَسْكُنُ الدَّارَ)؛ أي: من لا يَدَ

(1)

لَهُ على المكان؛ (ضَمِنَهَا)؛ لأِنَّه لم يُودِعْها إيَّاهُ، ولا يَقْدِرُ على الاِحْتِفاظ بها.

(وَإِنْ تَعَدَّى فِيهَا، فَرَكِبَ الدَّابَّةَ لِغَيْرِ نَفْعِهَا، وَلَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا ثُمَّ رَدَّهَا) بِنِيَّةِ الأمانة؛ ضَمِنَها؛ لِتَصرُّفه في مالِ غَيرِه بغَيرِ إذْنه.

وفِيهِ وَجْهٌ؛ لأِنَّه مُمْسِكٌ لها بإذْن مالِكِها، أشْبَهَ ما قَبْلَ التَّعَدِّي.

وجَوابُه: أنَّه ضَمِنَها بعُدوانٍ، فبَطَل الاِسْتِئْمانُ؛ كما لو جَحَدَها ثُمَّ أقرَّ بها.

ويُخرَّج منه ما إذا اسْتَعْمَلَها لِنَفْعها؛ كلُبْسِ صُوفٍ ونحوِه؛ خَوفًا مِنْ عُثٍّ

(2)

ونحوِه.

(أَوْ جَحَدَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا)؛ لأِنَّه بجحدها

(3)

خَرَجَ عن

(4)

الاِسْتِئْمانِ عنها، فلم يَزُلْ عنه الضَّمانُ بالإقرار بها؛ لأِنَّ يَدَه صارت يَدَ عُدْوانٍ.

(أَوْ كَسَرَ خَتْمَ كِيسِهَا)، أوْ كانَتْ مشدودةً فأزال الشَّدَّ، أوْ مَقْفولةً فأزاله، وسَواءٌ أخرج منها شَيئًا أوْ لَا؛ لهتكه الحِرْزَ بفِعْلٍ تَعَدَّى فيه.

وفيه روايةٌ: لا يَضمَنُ.

فإنْ خَرَقَ الكِيسَ فَوقَ الشَّدِّ؛ فَعَلَيهِ ضَمانُ ما خَرَقَ فقطْ؛ لأِنَّه لم يَهْتِك الحِرْزَ.

(1)

في (ق): لا بد.

(2)

قال في تاج العروس 5/ 297: (العثة: بالضم: سوسة، أو الأرضة التي تلحس الصوف).

(3)

في (ح): بجحد ما.

(4)

في (ح): بمن.

ص: 303

(أَوْ خَلَطَهَا بِمَا لَا تَتَمَيَّزُ مِنْهُ)؛ كزَيتٍ بِزَيتٍ، ودَراهِمَ بدراهِمَ؛ (ضَمِنَهَا)؛ لأِنَّه صَيَّرَها في حُكْمِ التَّالِف، وفَوَّتَ على نَفْسه رَدَّها، أشْبَه ما لو ألْقاها في لُجَّةِ بَحْرٍ.

وسَواءٌ خَلَطَها بمالِه أو مالِ غَيرِه، بمِثْلِها أوْ دُونِها أوْ أَجْودَ.

ونَقَلَ عبدُ الله بن محمَّدٍ البَغَوِيُّ عن أحمدَ: في رجلٍ أعْطَى آخَرَ دِرْهَمًا يَشْتَرِي له به شَيئًا، فَخَلَطَه مع دراهمه، فَضَاعَا، قال: لَيسَ عَلَيهِ شَيءٌ

(1)

، ذَكَرَه القاضي، ولم يَتأوَّلْه في «النوادر» ، وذَكَرَه الحُلْوانِيُّ ظاهِرَ كلامِ الخِرَقِيِّ، وجَزَمَ به في «المنثور» عن أحمدَ، قال: لأِنَّه خَلَطَه بمالِه، فإن لم يَدْرِ أيُّهما ضَاعَ ضَمِنَ، نَقَلَه البَغَوِيُّ

(2)

.

وفي «الرِّعاية» : إذا خَلَطَ إحْدَى وَدِيعَتَيْ زَيدٍ بالأُخْرى بلا إذْنٍ وتعذَّر التَّمْييزُ؛ فَوَجْهانِ.

فَرْعٌ: إذا نَوَى التَّعَدِّيَ فيها ولم يَتَعَدَّ؛ لم يَضْمَنْ. وحَكَى القاضِي قَولاً: بلى، كملتقط في وَجْهٍ.

(وَإِنْ خَلَطَهَا بِمُتَمَيِّزٍ)؛ كدَراهِمَ بدَنانِيرَ؛ لم يَضمَنْ على الأصحِّ، وحكاهُ في «الشَّرح» بغَير خِلافٍ نَعْلَمُه؛ لأِنَّه لا يَعجِزُ بذلك عن رَدِّها، أشْبَهَ ما لو تَرَكَها في صُندُوقٍ فيه أكْياسٌ له.

والثَّانيةُ: يَضمَنُ؛ للتَّصرُّف فيها.

وكذا الخلاف إنْ خَلَطَ بِيضًا بِسُودٍ، وصِحاحًا بمُكَسَّرةٍ.

والثَّالثَةُ: يَضْمَنُ إنْ خَلَطَ بِيضًا بِسُودٍ، وحَمَلَه في «المغْنِي» و «الشَّرح»: على أنَّها تَكْتَسِبُ منها سَوادًا، ويَتَغيَّرُ لَونُها.

(أَوْ رَكِبَ الدَّابَّةَ لِيَسْقِيَهَا)، أوْ لِيَعْلِفَها؛ (لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّه مأْذُونٌ فيه شَرْعًا

(1)

ينظر: مسائل البغوي ص 39.

(2)

ينظر: مسائل البغوي ص 39.

ص: 304

وعرفًا

(1)

، ولهذا يَضمَنُ إذا تَلِفَتْ بِتَرْكِه.

(وَإِنْ أَخَذَ دِرْهَمًا ثُمَّ رَدَّهُ، فَضَاعَ الْكُلُّ؛ ضَمِنَهُ وَحْدَهُ) في الأصحِّ؛ لأِنَّ الضَّمانَ تعلَّق بالأخْذ، فلم يَضْمَنْ غَيرَ ما أَخَذَه، بدليلِ ما لَوْ تَلِفَ في يَدِه قَبْلَ رَدِّه.

(وَعَنْهُ: يَضْمَنُ الْجَمِيعَ)، حكاها في «التَّلخيص» وغيره؛ لأِنَّها وديعةٌ قد تعدَّى فيها، فضَمِنَها؛ كما لو أخَذَ الجميعَ.

(وَإِنْ رَدَّ بَدَلَهُ مُتَمَيِّزًا؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: يَجْرِي فيه الخِلافُ السَّابِقُ، (وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَمَيِّزٍ؛ ضَمِنَ الْجَمِيعَ) على المذْهَب، وقالَه القاضِي، كَخَلْطِه الوَدِيعةَ بما لا تَتَمَيَّزُ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَضْمَنَ غَيْرَهُ)، وهو مُقْتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ، وقَطَعَ به القاضِي في «التَّعليق» ، وحُكِيَ عنه في رواية الأثْرَمِ: أنَّه أنْكَرَ القَولَ بتَضْمِينِ الجَمِيعِ، وقال

(2)

: إنَّه

(3)

قَولُ سَوْءٍ

(4)

؛ لأِنَّ الضَّمانَ مَنُوطٌ بالتَّعَدِّي، وهو مُخْتَصٌّ بالمأْخُوذِ.

وكذا إنْ أَذِنَ في أخْذِه منها، فردَّ بَدَلَه بلا إذْنِه.

وشَرْطُها - كما جَزَمَ به

(5)

في «المغْنِي» و «الشَّرح» -: إذا كانَتْ غَيرَ مَخْتومَةٍ ولا مَشْدُودَةٍ، فإنْ كانَتْ كذلك؛ ضَمِنَ الجَميعَ؛ لِهَتْكِ

(6)

الحِرْز، وهذا هو الصَّحيحُ عند القاضِي، وقِياسُ قَولِ الأصْحابِ.

فَرْعٌ: إذا مَنَعَها بَعْدَ طَلَب طالِبِها شَرْعًا والتَّمَكُّنِ، ولو كان مُسْتأْجِرًا لها؛

(1)

في (ح): وفرعًا.

(2)

في (ح): قال.

(3)

في (ح) و (ظ): وإنه.

(4)

ينظر: شرح الزركشي 4/ 588.

(5)

في (ح) و (ق): بها.

(6)

في (ق): كهتك. والمثبت موافق لشرح الزركشي والكشاف وغيرهما.

ص: 305

ضَمِنَ، فإنْ ضَمِنَهَا فَجَدَّد

(1)

له صاحبُها اسْتِئْمانًا، أوْ أبْرَأَه؛ بَرِئَ في الأصحِّ؛ كردِّه إلَيهِ، أوْ إنْ جِئْتَ ثُمَّ تركت فأنت أمِينِي، ذَكَرَه في «الانتصار» ، فإنْ ردَّها؛ فهو ابْتِدَاءُ اسْتِئْمانٍ.

(وَإِنْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ وَدِيعَةً؛ ضَمِنَهَا)؛ لأِنَّه أخَذَ مالَ غَيرِه بغَيرِ إذْنٍ شَرْعِيٍّ، أشْبَهَ ما لو غَصَبَه، ما لم يَكُنْ مأْذُونًا له في التَّصرُّف، (وَلَمْ يَبْرَأْ إِلاَّ بِالتَّسْلِيمِ إِلَى وَلِيِّهِ)؛ أي: النَّاظر في ماله، كما لو كان عَلَيهِ دَينٌ في ذِمَّته.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَزُولُ عنه الضَّمانُ بردِّها إلى المودِع.

لكِنْ إنْ خافَ عَلَيها التَّلَفَ إنْ لم يأْخُذْها؛ لم يَضْمَن؛ لأِنَّه قَصَدَ تَخْليصَها من الهلاك، جَزَمَ به في «الشَّرح» و «الوجيز» .

(وَإِنْ أَوْدَعَ

(2)

الصَّبِيَّ)، أو المعْتُوهَ، أو السَّفِيهَ (وَدِيعَةً، فَتَلِفَتْ بِتَفْرِيطِهِ؛ لَمْ يَضْمَنْ)؛ لأِنَّ مالِكَها قد فَرَّطَ في تَسْليمِها إلَيهِ.

(وَإِنْ أَتْلَفَهَا؛ لَمْ يَضْمَنْ)، سَواءٌ أتْلَفَها بأكْلٍ أوْ غَيرِه؛ لأِنَّه سَلَّطَه على إتْلافها بِدَفْعها إلَيهِ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَضْمَنُ)، نَصَرَه في «الشَّرح» وغَيره؛ لأِنَّ ما ضُمِنَ بالإتْلاف قَبْلَ الإيداع؛ ضُمِنَ به بَعْدَه، وقَولُهم: إنَّه سَلَّطَه عليها؛ لَيسَ كذلك، وإنَّما اسْتَحْفَظَه إيَّاها.

(وَإِنْ أَوْدَعَ عَبْدًا وَدِيعَةً، فَأَتْلَفَهَا؛ ضَمِنَهَا فِي رَقَبَتِهِ)؛ لأِنَّ العَبْدَ مُكلَّفٌ، فصحَّ اسْتِحْفاظُهُ، وبه يَحصُل الفرق

(3)

بَينَه وبَينَ الصَّبِيِّ، وكَونُها في رَقَبَته؛ لأِنَّ إتْلافَه مِنْ جنايَتِه.

وحكى في «النِّهاية» : أنَّ القاضِيَ قال: فِيهِ وَجْهانِ؛ كَوَديعةِ الصَّبِيِّ إذا

(1)

في (ق): فجود.

(2)

كتب في هامش (ظ): (المكلف أو المجنون أو). وليس عليها علامة تصحيح.

(3)

في (ح): التفرقة.

ص: 306

أتْلَفَها، فإنْ قُلْنا: لا يَضمَنُ الصَّبِيُّ؛ كان في ذِمَّتِه، وإنْ قُلْنا: يَضمَنُ؛ كانَتْ في رَقَبَته، ثُمَّ قال صاحبُ «النِّهاية»: والصَّحيحُ الفَرْقُ.

ص: 307

(فَصْلٌ)

(وَالْمُودَعُ أَمِينٌ)؛ لأِنَّ الله تعالى سمَّاها أمانةً بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النِّسَاء: 58].

(وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِيمَا يَدَّعِيهِ مِنْ رَدٍّ) مع يَمِينِه، وهو قَولُ الثَّورِيِّ؛ لأِنَّه لا مَنفَعَةَ له في قَبْضِها، فقُبِلَ قَولُه بغَيرِ بَيِّنةٍ.

وعَنْهُ: يُقبَلُ قَولُه إنْ كان دَفَعَها إلَيهِ بغَيرِ بيِّنةٍ، وإلاَّ وَجَبَ عَلَيهِ إقامَتُها.

وعلى القَبول: ولو على

(1)

يَدِ عبْدِه، أوْ زَوجَتِه، أوْ خازِنِه.

(وَتَلَفٍ)، قال ابنُ المنذِر: أجْمعَ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه أنَّ المسْتَوْدَعَ إذا أحْرَزَ الوديعةَ، ثُمَّ ذَكَرَ أنَّها ضاعَتْ؛ قُبِلَ قَولُه مع يَمِينِه، قالَهُ الأكْثرُ

(2)

.

وعنه: يُصدَّق في تَلَفِها بغَيرِ يَمينٍ.

والمذْهَبُ: إنِ ادَّعاهُ بأمْرٍ خَفِيٍّ؛ صُدِّق مع يَمِينِه، وإنْ كانَ بأمْرٍ ظاهِرٍ؛ كحَرِيقٍ؛ فلا يُقبَلُ إلاَّ بِبَيِّنةٍ تَشْهَدُ بِوُجودِ السَّبَب، ولو باسْتِفاضةٍ.

كلُّ مالٍ تَلِفَ في يَدِ أمِينٍ من غَيرِ تَعَدٍّ؛ لا ضَمانَ فِيهِ، إلاَّ في مسألةٍ واحدةٍ، وهي ما إذا اسْتَسْلَف السُّلْطانُ للمَساكِينِ زكاةً قَبْلَ حَولِها، فَتَلِفَتْ في يَدِه؛ ضَمِنَها للمَساكِينِ، نَصَّ عَلَيهِ، قالَهُ ابنُ القاصِّ الشافعي

(3)

.

(1)

قوله: (ولو على) في (ح): وعلى.

(2)

ينظر: الإشراف 6/ 333.

(3)

قوله: (كل مال تلف في يد أمين

) إلى هنا سقط من (ح). وينظر: أسنى المطالب 387، مغني المحتاج 4/ 143.

وابن القاص: هو أحمد بن أحمد الطبري، أبو العباس ابن القاص، شيخ الشافعية في طبرستان، توفي بطرسوس سنة 335 هـ، من مصنفاته: أدب القاضي، والمواقيت، وغيرهما. ينظر: وفيات الأعيان 1/ 68، طبقات الشافعيين ص 240.

ص: 308

(وَإِذْنٍ فِي دَفْعِهَا إِلَى إِنْسَانٍ)؛ بِأَنْ قال: دَفَعْتُها إلى فُلان

(1)

بأمْرِك، فأنْكَرَ مالِكُها الإذْنَ في دَفْعها؛ قُبِلَ قَولُ المودَعِ، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ ابنِ مَنصورٍ

(2)

، أشْبَهَ ما لو ادَّعى ردَّها على مالِكِها.

ولو اعْتَرَف بالإذْنِ، وأنْكَرَ الدَّفْعَ؛ قُبِلَ قَولُ المسْتَودَع في المنْصُوص

(3)

، ثُمَّ يُنظَرُ في المدْفوعِ إلَيهِ، إنْ أقرَّ بالقَبْض، وكان الدَّفْعُ في دَينٍ؛ بَرِئَ الكُلُّ، وإن

(4)

أنْكَرَ؛ قُبِل قَولُه مع يَمِينِه.

وذَكَرَ أصْحابُنا: أنَّ الدَّافِعَ يَضمَنُ؛ لكَونِه قَضَى الدَّينَ بغَيرِ بَيِّنةٍ، ولا تَجِبُ اليَمِينُ على المالِكِ؛ لأِنَّ المودَعَ مفرط

(5)

؛ لكَونه أَذِنَ له في قَضاءٍ يُبْرِئُه من الحقِّ، ولم يَبرَأْ بدَفْعِه، فكان ضامنًا

(6)

، سَواءٌ صدَّقَه أوْ كذَّبَه.

وذَكَرَ الأَزَجِيُّ: أنَّ الرَّدَّ

(7)

إلى رسولِ مُوكِّلٍ ومُودِعٍ، فأنْكَرَ الموكِّلُ؛ ضَمِنَ؛ لتَعلُّق الدَّفْع بثالِثٍ، ويَحتَمِل: لا.

وإنْ أقرَّ، وقال: قَصَّرْتُ لتَرْك الإشْهادِ؛ احْتَمَلَ وَجْهَينِ.

تنبيهٌ: إذا أخَّر ردَّها بَعْدَ طَلَبِها بلا عُذْرٍ؛ ضَمِنَ، ويُمْهَلُ لأِكْلٍ، ونَوْمٍ، وهَضْمِ طعامٍ بقَدْره، وفي «الترغيب»: إنْ أخَّرَ لكَونه في حمَّامٍ، أوْ على طَعامٍ إلى قَضاءِ غَرضه

(8)

؛ ضَمِنَ، وإنْ لم يَأْثَمْ على وَجْهٍ، واخْتارَه الأَزَجِيُّ.

وإنْ أمَرَه بالدَّفْع إلى وكيله، فتمكَّن وأبَى؛ ضَمِنَ، والأصحُّ: ولو لم

(1)

في (ح): إنسان.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3014.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3014.

(4)

في (ح) و (ق): فإن.

(5)

في (ح): فرط.

(6)

قوله: (أذن له في قضاء يبرئه) إلى هنا سقط من (ح).

(7)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الإنصاف 16/ 54:(وذكر الأَزَجي: إن ادعى الرد).

(8)

في (ح): غرض.

ص: 309

يَطْلُبْها وكيلُه.

(وَإِنْ قَالَ: لَمْ تُودِعْنِي، ثُمَّ أَقَرَّ بِهَا، أَوْ ثَبَتَتْ

(1)

بِبَيِّنَةٍ، فادَّعَى الرَّدَّ أَوِ التَّلَفَ؛ لَمْ يُقْبَلْ) في قَولِ أكْثرِهِم؛ لأِنَّه صار ضامِنًا بالجُحود، ومُعْتَرِفًا على نفسه بالكَذِب المنافِي للأمانةِ، (وَإِنْ أَقَامَ بِهِ بَيِّنَةً)؛ لأِنَّه مُكذِّبٌ لها.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْبَلَ بِبَيِّنَةٍ)؛ لأِنَّ صاحِبَها لو أقرَّ بذلك؛ سَقَطَ عنه الضَّمانُ، ولِعَدَم التُّهمة، والكَذِبُ الصَّادِرُ منه لا يَمنَعُ من إظْهارِ الحقِّ.

والمذْهَبُ: أنَّه إذا أقام بَيِّنةً بهما، مُتقدِّمًا جُحودَه؛ لم تُسْمَعْ في المنصوص

(2)

، وبعدَه؛ تُسْمَعُ بِرَدٍّ؛ لأِنَّ قُصاراهُ أنْ يكونَ عاصِيًا، ولَيسَ عَلَيه أكثرُ من الرَّدِّ.

والأصحُّ: وبِتَلَفٍ

(3)

، فلو شَهِدَتْ به ولم تُعَيِّنْ

(4)

وقْتًا؛ لم يَسقُطِ الضَّمانُ؛ لأِنَّ الأصلَ وُجوبُه، فلا ينتفي

(5)

بأمْرٍ مُتَرَدِّدٍ.

(وَإِنْ قَالَ: مَا لَكَ عِنْدِي شَيْءٌ؛ قُبِلَ قَوْلُهُ) مع يَمِينِه، (فِي الرَّدِّ وَالتَّلَفِ)؛ لأِنَّ قَولَه لا يُنافِي ما شَهِدَتْ به البَيِّنةُ، ولا يُكذِّبُها، فإنَّ مَنْ تَلِفَت الوديعةُ مِنْ حِرْزه بغَيرِ تَفْرِيطِه، أوْ رَدَّها؛ لا شَيءَ لِمالِكها عِندَه، ولا يَستَحِقُّ عَلَيهِ شَيئًا.

ولو قالَ: لك وديعةٌ، ثُمَّ ادَّعَى ظَنَّ البَقاء، ثُمَّ عَلِمَ تَلَفَها؛ فَوَجْهانِ.

(وَإِنْ مَاتَ الْمُودَعُ)؛ فهي دَينٌ في تَرِكَتِه على الأصحِّ، وفي «المغْنِي»: أنَّه المذْهَبُ؛ اعْتِمادًا على أصْلِ وُجوبِ الرَّدِّ، ما لم يُعلَمْ ما يزيله

(6)

.

(1)

في (ظ): ثبت.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 216.

(3)

في (ق): وتلف.

(4)

في (ظ): ولم يعين.

(5)

في (ح): فلا ينبغي.

(6)

في (ح): ما يرسله.

ص: 310

والثَّانيةُ: لا ضَمانَ؛ لأِنَّ الأصْلَ عَدَمُ إتْلافِها والتعدي

(1)

فِيهَا، فيَنْتَفِي الضَّمانُ.

وعلى الأوَّل: لا

(2)

فَرْقَ أنْ تُوجَدَ جِنسُ الوديعة في ماله أوْ لَا.

(فَادَّعَى

(3)

وَارِثُهُ الرَّدَّ؛ لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)؛ لأِنَّ صاحِبَها لم يَأْمَنْه عَلَيها، بخِلافِ المودَع، فإنَّه ائْتَمَنَه، فقُبِلَ قَولُه بغَيرِ بَيِّنَةٍ.

وكذا لو ادَّعى الرَّدَّ إلى الوَرَثَة، فإنِ ادَّعَى الرَّدَّ إلى ربِّها، فأنْكَرَهُ وَرَثَتُه؛ فَوَجْهانِ.

وعُلِمَ منه: أنَّ الوديعةَ لا تَثْبُتُ إلاَّ بإقْرارٍ من الميت، أوْ وَرَثَتِه، أوْ بِبَيِّنَةٍ، فلو وُجِدَ عَلَيها مكتوبًا: وَدِيعَةٌ، لم تكُنْ

(4)

حُجَّةً عليهم؛ لِجَوازِ أنْ يكون الوِعاءُ كانَتْ فيه وَديعةٌ قَبْلَ هذه.

وكذا لو وُجِد في برمانج

(5)

أبِيهِ: لِفُلانٍ عِنْدِي وديعةٌ؛ لم يَلزَمْه، ذَكَرَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وصحَّحَ في «الفروع» ، وذَكَرَ أبو الحُسَين: أنَّه يَعمَلُ بِخَطِّ أبِيهِ على كِيسٍ لِفُلانٍ؛ كخَطِّه بِدَينٍ له، فيَحْلِف على اسْتِحْقاقِه، وفي: عليه

(6)

؛ وَجْهانِ.

وإستدَّار الدار

(7)

(1)

في (ح): والتعذر.

(2)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وادَّعى.

(4)

في (ظ): لم يكن.

(5)

كذا في (ق) و (ظ): برنابج. وفي (ح) بياض. وفي المغني 6/ 446 والشرح 16/ 62: (رزمانج)، وفي الإنصاف 16/ 62:(وإن وجد خط موروثه)، ولعلها: الروزنامه، وهي مركبة من: روز، أي: يوم، ونامه، أي: كتاب. ينظر: الألفاظ الفارسية المعربة ص 75.

(6)

قال في تصحيح الفروع 7/ 218: (يعني إذا وجد خط أبيه بدين عليه فهل يعمل بهذا الخط أم لا؟).

(7)

الإستدّار: بكسر الهمزة، وهو لقب على الذي يتولّى قبض مال السلطان، أو الأمير، وصرفه، وتمتثل أوامره فيه، وهو مركّب من لفظتين فارسيتين: إحداهما: (إستذ)، ومعناها: الأخذ. والثانية: (دار)، ومعناها الممسك، فأدغمت الذال والدال فصار: إستدّار. ينظر: صبح الأعشى 5/ 429.

ص: 311

والكاتب ودفتره ونحوهما

(1)

؛ وكلاء؛ كالأمير في هذا.

غَرِيبةٌ: لو أَوْدَعَ كِيسًا مَخْتُومًا مِنْ عَشْرِ سِنينَ، ثُمَّ اسْتَرَدَّه، وادَّعى أنَّه فَضَّ

(2)

خَتْمَه، وأنَّه خانَ؛ صُدِّق المودِعُ، فلو فُتِحَ فَوُجِد فيه دراهمُ مِنْ ضَرْب خمسِ سِنينَ؛ فكذلك، قاله البَغَويُّ في «فتاويه»

(3)

.

فائدةٌ: إذا اسْتَعْمل كاتِبًا خائنًا، أوْ عاجِزًا؛ أثِمَ بما

(4)

أذْهَبَ من حُقوقِ النَّاس؛ لتَفْرِيطِه، ذَكَرَه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّين

(5)

.

(وَإِنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ)؛ أيْ: عِنْدَ الوارِثِ، (قَبْلَ إِمْكَانِ رَدِّهَا؛ لَمْ يَضْمَنْهَا)؛ لأِنَّه مَعْذُورٌ، ولا تَفرِيطَ منه، (وَبَعْدَهُ؛ يَضْمَنُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» وغَيره؛ لتأخُّرِ ردِّها مع إمْكانِه؛ لحصوله

(6)

في يَدِهِ من غَيرِ إِيداعٍ، أشْبَهَ ما لو أطارت الرِّيحُ ثَوبًا إلى سطحٍ آخَرَ، وأمْكَنَه ردُّه فلم يَفعَلْ.

والثَّاني: لا يَضمَنُها؛ لأِنَّه غَيرُ مُتَعَدٍّ في إثْباتِ يَدِه عَلَيهَا؛ لكَونِها حَصَلَتْ في يَدِه بغَيرِ فِعْلِه.

وفي ثالِثٍ: إنْ جَهِلَها ربُّها؛ ضَمِنَ، قَطَعَ به في «المحرَّر» ؛ لأِنَّه غَيرُ مَعْذُورٍ.

(وَإِنِ ادَّعَى الْوَدِيعَةَ اثْنَانِ)؛ أي: ادَّعى كلٌّ منهما أنَّه الذي أوْدَعَها، ولا

(1)

في (ح): ونحوها.

(2)

في (ق): نص.

(3)

قوله: (غريبة: لو أدع كيسًا مختومًا

) إلى هنا سقط من (ح).

(4)

قوله: (بما) سقط من (ح).

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 52، الفروع 7/ 219.

(6)

في (ح): بحصوله.

ص: 312

بَيِّنةَ، (فَأَقَرَّ بِهَا لِأًحَدِهِمَا؛ فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّ اليَدَ كانَتْ للمودَع، وقد نَقَلَها إلى المدَّعِي، فصارت اليَدُ له، ومَنْ كانت اليَدُ له؛ قُبِلَ قَولُه مع يَمِينِه، (وَيَحْلِفُ الْمُودَعُ أَيْضًا)؛ لأِنَّه مُنكِرٌ لِحَقِّه، ويكون على نَفْيِ العلم، فإنْ حَلَفَ؛ بَرِئَ، وإنْ نَكَلَ؛ لَزِمَه أنْ يَغرَمَ له قِيمتَها؛ لأِنَّه فَوَّتَها عَلَيهِ.

وكذا لو أقرَّ له بها بَعْدَ أنْ أقرَّ بها للأوَّل؛ فإنَّها تُسلَّمُ للأوَّل، ويَغرَمُ قِيمتَها للثاني

(1)

، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

(وَإِنْ أَقَرَّ بِهَا لَهُمَا؛ فَهِيَ لَهُمَا)؛ أيْ: بَينَهما، كما لو كانَتْ بأيْدِيهما وتَدَاعَيَا مَعًا، (وَيَحْلِفُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) في نِصفِها، فإنْ نَكَلَ؛ لَزِمَه عِوَضُها، يَقْتَسِمانِه أيْضًا.

(فَإِنْ قَالَ: لَا أَعْرِفُ صَاحِبَهَا؛ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ)، يَمِينًا واحِدَة، إذا كذَّباه

(3)

أوْ أَحَدُهما.

وقِيلَ: لا يَحْلِفُ إلاَّ أنْ يكونَ مُتَّهَمًا، قال الحارِثِيُّ: هذا المذْهَبُ.

(وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمَا) وُجوبًا؛ لِتَساوِيهِما في الحقِّ فِيمَا لَيسَ بأيْدِيهما؛ كالعِتْق والسَّفَر بإحْدَى نسائه، (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ؛ حَلَفَ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّها لَيستْ له، (وَأَخَذَهَا)؛ لأِنَّ ذلك فائدةُ القُرْعةِ.

فإنْ قال: لَيسَتْ لواحِدٍ مِنْهُما؛ فعَنْ أحمدَ: أنَّه يُقرَعُ بَينَهما؛ قِياسًا على ما إذا قال: هِيَ لأِحدِ هؤلاء، أوْ لا أعْرِفُه عَينًا.

وحَكَى بعضُ أصْحابِنا: أنَّه لا يُقرَعُ بَينَهُما، وتقر

(4)

بِيَدِ مَنْ هي بِيَدِه إلى أنْ يَظهَرَ صاحِبُها، ذَكَرَهُ في «الواضح» .

(1)

قوله: (للثاني) سقط من (ح).

(2)

ينظر: المغني 6/ 450.

(3)

في (ق): أكذباه.

(4)

في (ح): وتقرع.

ص: 313

(وَإِنْ أَوْدَعَهُ اثْنَانِ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا) يَنقَسِمُ، وهو مَعْنَى قَولِ بَعضِهِم: لا يَنقُص بِتَفْرِقَتِه، (فَطَلَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ؛ سَلَّمَهُ إِلَيْهِ)، اخْتارَه أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقَدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ قِسْمَتَه مُمْكِنةٌ بغَيرِ غَبْنٍ ولا ضَرَرٍ، وَقيَّدَه في «المحرَّر»: بما إذا كان الشَّريكُ غائبًا، وقال القاضِي: لا يَجُوزُ إلاَّ بإذنه

(1)

، أوْ إذْنِ حاكِمٍ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَجُوزُ إلاَّ في المِثْلِيِّ، صرَّح به في «النِّهاية» وغيرها؛ لأِنَّ قِسْمَتَه غَيرَ ذلك بَيْعٌ، ولَيسَ للمُودَعِ أنْ يَبِيعَ على المودِع، ولأِنَّ قِسْمةَ ذلك لا يُؤْمَنُ فِيها الحَيْفُ؛ لأِنَّه يَفْتَقِرُ إلى التَّقْويم، وذلك ظَنٌّ وتَخْمِينٌ.

(وَإِنْ غُصِبَتِ الْوَدِيعَةُ؛ فَهَلْ لِلْمُودَعِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»: له المطالَبةُ بِها؛ لأِنَّه مأْمُورٌ بحِفْظِها، وذلِكَ مِنْهُ، وعَبَّر في «الفروع»: بأنَّه يَلزَمُه.

والثَّانِي: لا؛ لأِنَّه لم يُؤمَرْ به؛ لكَونِه لَيسَ وَكِيلاً لِلْمالك.

ومِثْلُه مَرْتَهِنٌ، ومُسْتَأْجِرٌ، ومُضارَبٌ.

وذَكَرَ المؤلِّفُ: مع حُضور المالِك لا يَلزَمُه.

وعلى الثَّاني: لا ضَمانَ عَلَيهِ، سَواءٌ أُخِذَتْ منه قَهْرًا، أوْ أُكرِهَ على تَسْليمِها؛ لأِنَّ الإكراهَ عُذْرٌ يُبِيحُ دَفْعَها، فلَمْ يَضْمَنْها؛ كما لو أُخِذَتْ منه قَهْرًا.

وإنْ صادَرَه سُلْطانٌ؛ لم يَضمَنْ، قاله أبو الخَطَّاب، وضَمَّنَه أبو الوَفاءِ إنْ فَرَّطَ.

وإنْ أخَذَها منه قَهْرًا؛ لم يَضمَنْ عِنْدَ أبي الخَطَّاب، وقال أبُو الوَفاءِ: إنْ ظَنَّ أخْذَها مِنْهُ بإقْرارِه؛ كان دالًّا، ويَضمَنُ.

(1)

في (ظ) و (ق): بإذن.

ص: 314

أحْكامٌ:

إذا اسْتُودِعَ فِضَّةً، وأُمِرَ بصَرْفِها بِذَهَبٍ، فَفَعلَ، وتَلِفَ الذَّهَبُ؛ لم يَضمَنْه.

وإنْ قال: اصْرِفْ مَا لِي عَلَيكَ مِنْ قَرْضٍ، فَفَعل وتَلِفَ؛ ضَمِنَه، ولم يَبْرَأْ مِنَ القَرْض.

وإنِ اسْتُودِعَ جارِيَةً، فَوَلَدَتْ

(1)

عِندَه؛ أمْسَكَ وَلَدَهَا، وقِيلَ: بإذْنِ ربِّها، وهو أمانةٌ.

فلو سَأَلَه عن الوَدَيعةِ ظالِمٌ؛ ورَّى عَنْها، فإنْ ضاقَ النُّطْقُ عَنْها؛ جَحَدَهَا وتأوَّلَ، وكذا إنْ أُحْلِفَ عَلَيها، وإنْ نَوَى جَحْدَها، أوْ إمْساكَها لِنَفْسِه، أوِ التَّعَدِّيَ فِيها؛ لم يَضمَنْ، قالَهُ في «الرِّعاية»

(2)

.

(1)

في (ق): فتلفت.

(2)

زيد في (ق): والله أعلم. وكتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 315

(بَابُ إِحْيَاءِ الْمَوَاتِ)

المَواتُ، والميتة، والمَوَتانُ؛ بفَتْح الميم والواو: الأرْضُ الدَّارِسة الخَرابُ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وعرَّفها الأزْهَرِيُّ: بأنَّها الأرضُ الَّتي لَيسَ لها مالِكٌ، ولا بها ماءٌ، ولا عِمارةٌ، ولا يُنْتَفَع بها

(1)

.

والمَواتُ مُشْتَقٌّ من المَوت، وهو عَدَمُ الحَياة، والمُوتان، بضمِّ الميمِ وسُكونِ الواو: الموتُ الذَّريعُ، ورَجُلٌ مَوْتانُ القَلْب، بفَتح الميم وسُكونِ الواوِ؛ يَعْنِي: عَمِيَّ القَلْب لا يَفهَمُ.

والأصلُ في جَوازه قَبْلَ الإجماعِ: حديثُ جابِرٍ مرفوعًا: «مَنْ أَحْيَا أرْضًا مَيْتةً فَهِيَ لهُ» رواهُ أحمدُ، والتِّرْمذِيُّ وصحَّحه، وعن سعيدِ بنِ زَيدٍ مَرْفوعًا مِثلُه، رواه أبو داود، والتَّرْمذِيُّ وحسَّنَه، وعن عائشةَ مِثْلُه، رواهُ مالِكٌ وأبو داود

(2)

، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: هو مُسْنَدٌ صحيحٌ مُتَلَقًّى

(3)

بالقَبول عِنْدَ فُقَهاء

(1)

ينظر: الزاهر ص 170.

(2)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (14271)، والترمذي (1379)، والنسائي في الكبرى (5725)، من طريق هشام بن عروة، عن وهب بن كيسان عنه، وقال الترمذي:(حسن صحيح)، وهو حديث وقع فيه اضطراب في سنده، وصحح الدارقطني كونه محفوظًا من طريقين هذا أحدها، والثاني: عن هشام، عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع عنه، وصححه الألباني، وقال بعض أهل العلم: إن هذا الحديث وحديث: «ليس لعرق ظالم حق» ؛ حديث واحد اختلف في صحابيه، وفي وصله وإرساله، أما الإرسال، فقال ابن حجر:(وأعله الترمذي بالإرسال، ورجح الدارقطني إرساله، واختلف فيه على هشام بن عروة اختلافًا كثيرًا)، وأما تعيين صحابيه فرجح في البلوغ أنه من حديث سعيد بن زيد، وقد تقدم تخريجه من حديث سعيد وعائشة وغيرهما رضي الله عنهم 6/ 116 حاشية (1). ينظر: العلل 13/ 387، البلوغ (916) الإرواء 6/ 4.

(3)

في (ق): يتلقى.

ص: 316

المدينةِ وغيرِهم

(1)

، ورَوَى أبو عُبَيْدٍ في «الأمْوال» عن عائشةَ مَرْفوعًا:«مَنْ أحْيَا أرْضًا مَيْتَةً لَيسَتْ لأِحَدٍ؛ فهو أحقُّ بها» ، قال عُرْوةُ:(قَضَى به عمرُ في خِلافَتِه)، وفي الزَّرْكَشِيِّ:(رواه البُخارِيُّ)، وهو وَهَمٌ

(2)

، وعن عائِشةَ مَرْفُوعًا:«العِبادُ عِبادُ الله، والبِلادُ بِلادُ الله، فَمَنْ أحْيَا من مَوَاتِ الأرْضِ شَيئًا؛ فهُوَ له» رواه أبو داودَ الطَّيَالِسِيُّ

(3)

.

(وَهِيَ

(4)

الْأَرْضُ الدَّاثِرَةُ)؛ أي: الدَّارِسةُ (التِي لَا يُعْلَمُ أَنَّهَا مُلِكَتْ)، هذا بيانٌ لِمَعْنَى المَواتِ شَرْعًا، وكذا إنْ مَلَكَها مَنْ لا حُرْمةَ له وبادَ؛ كحَرْبِيٍّ، وآثار الرُّوم على الأصحِّ.

وحاصِلُه: أنَّ المواتَ إذا لم يَجْرِ عَلَيهِ ملْكُ أحَدٍ، ولم يُوجَدْ فيه أثَرُ عِمارةٍ؛ فإنَّه يُمْلَكُ بالإحياء، فإنْ عُلِمَ أنَّه جَرَى عَلَيهِ مِلْكٌ بِشِراءٍ أوْ عَطِيَّةٍ؛ فلا، بِغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(5)

.

(فَإِنْ كَانَ فِيهَا آثَارُ الْمِلْكِ)، وبَادَ أهْلُه، (وَلَا يُعْلَمُ لَهَا مَالِكٌ؛ فَعَلىَ رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «الكافي»:

(1)

ينظر: التمهيد 22/ 283.

(2)

بل أخرجه البخاري (2335)، وأبو عبيد في الأموال (703)، من طريق محمد بن عبد الرحمن، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«من أعمر أرضًا ليست لأحد فهو أحق» ، قال عروة:«قضى به عمر رضي الله عنه في خلافته» ، قال في الفتح 5/ 20:(قوله: "قال عروة" هو موصول بالإسناد المذكور إلى عروة، ولكن عروة عن عمر مرسلاً؛ لأنه ولد في آخر خلافة عمر)، وعلق البخاري قول عمر قبل ذلك 3/ 106، ولفظه:«من أحيا أرضًا ميتة فهي له» ، وأخرجه موصولاً: مالك (2/ 744)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 243)، والبيهقي في الكبرى (11782)، وإسناده صحيح.

(3)

أخرجه أبو داود الطيالسي: (1543)، وفيه: زمعة بن صالح وهو ضعيف، وسبق تخريجه.

(4)

في (ح): وهو.

(5)

ينظر: مراتب الإجماع ص 95، التمهيد 22/ 285.

ص: 317

إحْدَاهُما: تُملَكُ

(1)

بالإحْياء؛ للخَبَر، ولأِنَّه في دارِ الإسلام، فتُمْلَكُ

(2)

به؛ كاللُّقَطة.

والثَّانيةُ: لا تُمْلَكُ به، كما لو تَعيَّنَ مالِكُه.

لكِنْ إن لم يُعرَفْ لها يومئذٍ

(3)

مالِكٌ، وكان مَلَكَها مُتَقدِّمًا مُسلِمٌ، أوْ ذِمِّيٌّ، أوْ مَشْكوكٌ في عِصْمَته، ولم يُعْقِبُوا وَرَثَةً، فالأشْهَرُ: أنَّه لا تُمْلَك

(4)

بالإحْياء؛ لظاهِرِ خَبرِ عائشةَ، ولأِنَّها فَيءٌ، فَعَلَيها: للإمام إقْطاعُه لِمَنْ شاء.

وعنه: تُملَك

(5)

به؛ عَمَلاً بعُموم أكثرِ الأحاديث.

وعَنهُ: تُملَك

(6)

مع الشَّكِّ في سابِقِ العِصْمة، دُونَ التيقن

(7)

؛ لأِنَّ المقتضيَ قد وُجِد، وشُكَّ في المانِع، اخْتارَهُ في «التَّلخيص» .

واستَثْنَى في «المغْنِي» و «الشَّرح» مِنْ

(8)

هذا: ما به آثارُ ملْكٍ قَديمٍ جاهِلِيٍّ؛ كآثار الرُّومِ، ومساكِنِ ثَمُودَ، ونحوِهم، فإنَّه يُملَك بالإحْياء في الأظْهَرِ؛ لِمَا رَوَى طاوسٌ مَرْفوعًا قال: «عاديُّ

(9)

الأرضِ لله

(10)

ولرسولِه، ثُمَّ مِنْ بَعْدُ لكم» رواه سعيدٌ في «سننه» ، وأبو عُبَيدٍ في «الأموال»

(11)

.

(1)

في (ظ): يملك.

(2)

في (ظ): فيملك.

(3)

في (ح): حينئذ.

(4)

في (ق): لا يملك.

(5)

في (ظ): يملك.

(6)

في (ظ): يملك.

(7)

في (ح): المتيقن

(8)

في (ق): في.

(9)

في (ح): حادي.

(10)

في (ح) فلله.

(11)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (676)، عن طاوس مرسلاً، وهو مرسل صحيح الإسناد. وأخرجه البيهقي في الكبرى (11786)، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعًا، قال البيهقي:(تفرد به معاوية بن هشام مرفوعًا موصولاً)، قال ابن حجر:(وهو مما أنكر عليه)، وأخرجه سعيد بن منصور كما في التحقيق (2/ 224)، والبيهقي في الكبرى (11784)، من طريق أخرى عن طاوس مرسلاً، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، قال ابن عبد الهادي:(إسناده غير قوي)، وضعف الحديث الألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 205، التلخيص الحبير 3/ 149، الإرواء 6/ 3.

ص: 318

مسألةٌ: نقل

(1)

أبو الصَّقْر في أرْضٍ بَينَ قَرْيَتَينِ، لَيسَ فيها مزارِعُ، ولا عُيونٌ وأنهارٌ، تَزعُم كلُّ قَريةٍ أنَّها لهم: فإنَّها لَيستْ لِهؤُلاءِ ولا لِهؤُلاءِ حتَّى يُعلَم أنَّهم أحْيَوْها، فَمَنْ أحْياها فله

(2)

، ومعناه نَقَلَ ابنُ القاسِمِ

(3)

.

(وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً؛ فَهِيَ لَهُ)؛ أيْ: للمُحْيِي

(4)

؛ للأخبار، (مُسْلِمًا كَانَ) اتِّفاقًا

(5)

، سَواءٌ كان مكلَّفًا أو لا، لكِنْ

(6)

شَرْطُه: أنْ يكونَ مِمَّنْ يَمْلِكُ المالَ؛ لأِنَّه يَملِكُه بفِعْلِه؛ كالاِصْطِياد، (أَوْ كَافِرًا)؛ أيْ: ذِمِّيًّا في المنْصوصِ، وعليه الجمهورُ؛ للعُموم.

وقال ابنُ حامِدٍ: لا يَملِك الذِّمِّيُّ بالإحْياء.

وحَمَلَ أبو الخَطَّاب قَولَه على دارِ الإسْلام، قال

(7)

القاضِي: هو مَذْهبُ جماعةٍ مِنْ أصْحابنا؛ لقَوله عليه السلام: «مَوَتانُ الأرْضِ لله ورسوله، ثمَّ هِيَ لكم»

(8)

.

(1)

في (ظ) و (ق): ونقل.

(2)

ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 410.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 296.

(4)

في (ق): للمحيين.

(5)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 3/ 67، الإشراف على نكت مسائل الخلاف 2/ 668، نهاية المطلب 8/ 285، المغني 5/ 418.

(6)

في (ق): لأن.

(7)

في (ح): وقال.

(8)

سبق تخريجه 6/ 318 حاشية (11).

ص: 319

وجوابُه - بَعْدَ تسْلِيمِ صِحَّتِه -: «أنَّها لكم» ؛ أيْ: لأهْل داركم، والذِّمِّيُّ مِنْ أهلِ دارنا.

فَعَلَى المنْصوصِ: إذا أحْيا مَوَاتًا عَنْوةً؛ لَزِمَه عَنهُ الخَراجُ، وإنْ أحْيَا غَيرَه؛ فلا شَيءَ عليه في الأَشْهَر، ونقل عنه حَرْبٌ: عَلَيهِ عُشْرُ ثَمَرِه وزَرْعِه

(1)

.

(بِإِذْنِ الْإِمَامِ أَوْ غَيْرِ

(2)

إِذْنِهِ)، قالَهُ الأصْحابُ، ونَصَّ عليه أحمدُ

(3)

مُسْتَدِلًّا بعموم الحديث، ولأِنَّها عَينٌ مُباحَةٌ، فلا يَفْتَقِرُ تملُّكها

(4)

إلى إذْنٍ؛ كأخْذِ المباح، وهو مَبْنِيٌّ على أنَّ عُمومَ الأشخاص يَستلزِمُ

(5)

عُمومَ الأحوال.

وقِيلَ: لا يَجُوزُ إلاَّ بإذْنه، وحكاهُ في «الواضِح» روايةً؛ لأِنَّ له مدخلاً

(6)

في النَّظَر في

(7)

ذلك.

(فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهَا)، يَعْنِي: أنَّ جميعَ البلاد سَواءٌ في ذلك، فُتِحَتْ عنْوةً كأرْضِ الشَّام والعِرَاق، وما أسْلَمَ أهلُه عليه كالمدينة، وما صُولِحَ أهلُه على أنَّ الأرضَ للمسلمين كخَيبَرَ.

ويُستثنَى مِنْ ذلك: مَواتُ الحَرَم وعَرَفات.

وعَنهُ: لَيسَ في أرض السَّواد مَواتٌ، معلِّلاً: بأنَّها لجماعة، فلا يَختصُّ بها أحدُهم

(8)

، وحَمَلَها القاضِي على العامر، وأنَّ أحمدَ قالَهُ حِينَ كان السَّوادُ عامِرًا في زَمَنِ عُمَرَ.

(1)

ينظر: المحرر 1/ 367، الفروع 7/ 300.

(2)

في (ق): وغير.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4862.

(4)

في (ق): ملكها.

(5)

في (ق): تستلزم.

(6)

في (ح): مؤجلاً.

(7)

في (ح): من.

(8)

ينظر: مسائل أبي داود ص 285، مسائل ابن منصور 6/ 3104.

ص: 320

(إِلاَّ مَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ أَرْضِ الْكُفَّارِ التِي صُولِحُوا عَلَيْهَا)؛ أيْ: لا يَملِكُ مسلِمٌ بالإحياء مَواتَ بلْدةِ

(1)

كُفَّارٍ صُولِحُوا على أنَّها لهم ولنا خَراجُها؛ لأِنَّهم صُولِحُوا في بلادهم، فلا يَجُوزُ التَّعرُّضُ لِشَيءٍ منها؛ لأِنَّ المَواتَ تابِعٌ للبَلَد، ويُفارِقُ دارَ الحَرْب؛ لأِنَّها على أصْلِ الإباحة.

وقِيلَ: تُملَكُ

(2)

به؛ لِعُمومِ الخَبَر، ولأِنَّها مِنْ مُباحات دارِهم، فَمُلِك به كالمباح.

(وَمَا قَرُبَ مِنَ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِه)؛ كطُرُقِه، وفِنائه، ومَسِيلِ مائه، ومَرْعاه، ومُحْتَطَبِه، وحَريمِه؛ (لَمْ يُمْلَكْ

(3)

بِالْإِحْيَاءِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(4)

؛ لمفْهومِ قَولِه عليه السلام: «مَنْ أحْيا أرْضًا مَيْتةً في غَيرِ حقِّ مسلِمٍ؛ فهي له»

(5)

، ولأِنَّ ذلك من مصالِح الملْكِ، فأُعْطِيَ حُكمَه.

وذَكَرَ القاضِي: أنَّ منافِعَ المرافق

(6)

لا يَمْلِكُها المحْيِي بالإحْياء، لكِنْ هو أحقُّ بها من غَيرِه.

وعلى الأوَّل: لا يُقطِعُه إمامٌ؛ لِتعلُّقِ حقِّه به.

(وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِمَصَالِحِهِ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أنَصُّهما، وأشْهَرُهما عند الأصحاب: أنَّه تُملَك

(7)

بالإحْياء؛ للعُموم، مع انْتِفاء المانِع، وهو التَّعلُّق بمصالِحِ العامِرِ.

(1)

زيد في (ق): ملكها. والمثبت موافق لشرح الزركشي 4/ 263.

(2)

في (ظ): يملك.

(3)

في (ح) و (ظ): لم تملك.

(4)

ينظر: المغني 5/ 418.

(5)

سبق تخريجه من حديث عمرو بن عوف رضي الله عنه 6/ 316 حاشية (2).

(6)

قوله: (منافع المرافق) في (ح): هذه الموافق.

(7)

في (ظ): يملك.

ص: 321

والثَّانية: لا تُملَك

(1)

به؛ تنزيلاً للضَّرَر في المآل منزلةَ الضَّرَر في الحال؛ إذ

(2)

هو بِصَدَدِ أنْ يحتاجَ إليه في المآل.

والأُولَى أَوْلَى؛ لأِنَّه «عليه السلام أقْطَعَ بِلالَ بنَ الحارث العقيقَ»

(3)

، وهو يَعلَمُ أنَّه من عِمارة المدينة، ولأِنَّه مَواتٌ لم تَتعلَّق

(4)

به مصلحةٌ، فجاز إحْياؤه كالبعيد، والمرجِعُ في القرب والبُعْد إلى العُرْف.

وعليها: للإمام إقْطاعُه.

فائدةٌ: إذا وَقَعَ في الطَّريق نِزاعٌ وقْتَ الإحْياء؛ فَلَهَا سبعةُ أذْرُعٍ؛ للخَبَر

(5)

، ولا تُغَيَّرُ بَعْدَ وَضْعِها؛ لأِنَّها للمُسْلِمين، نَصَّ عليه

(6)

، وقال فِيمَنْ أخَذَ منها شيئًا

(7)

: تَوبَتُه أنْ يَرُدَّ ما أَخَذَ

(8)

.

(وَلَا تُمْلَكُ الْمَعَادِنُ الظَّاهِرَةُ؛ كَالْمِلْحِ، وَالْقَارِ)، وهو شَيءٌ أسْودُ تُطْلَى

(9)

به السُّفُنُ، (والنِّفْطِ)، بفَتْح النُّونِ وكَسْرِها، وهو أفْصَحُ، (وَالْكُحْلِ، وَالْجِصِّ، بِالْإِحْيَاءِ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ عَوْفٍ المزَنِيُّ، عَنْ أبْيضَ بنِ حَمَّالٍ: أنَّه وَفَدَ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فاسْتَقْطَعَه الملْحَ، فَقَطعَ له، فلمَّا وَلَّى قال رجلٌ: أتَدْرِي ما اقْتَطَعْتَ له؟ إنَّما اقْتَطَعْتَ له الماءَ العِدَّ، قال:«فانتزعه منه» ، قال: وسأله

(1)

في (ظ): لا يملك.

(2)

في (ح): أو.

(3)

أخرجه أبو داود (3061)، وابن خزيمة (2323)، وسبق تخريجه 3/ 336 حاشية (4).

(4)

في (ظ): يتعلق.

(5)

أخرجه البخاري (2473)، ومسلم (1613)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«قضى النبي صلى الله عليه وسلم إذا تشاجروا في الطريق بسبعة أذرع» .

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2689.

(7)

في (ح): لمشيًا

(8)

ينظر: الآداب الشرعية 1/ 61.

(9)

في (ق): يطلى.

ص: 322

عمَّا يُحْمَى من الْأَرَاك؟ قال: «ما لَمْ تَنَلْه خِفافُ الإبل» رواه التِّرمذِيُّ

(1)

، ولأِنَّ هذا مِمَّا تتعلَّق به مصالحُ المسلمين العامَّة، فلم يَجُزْ إحْياؤه؛ كطُرُقاتِ المسلمين.

قال ابنُ عَقِيلٍ: هذا من مَوارِد الله الكريم، وفَيضِ جُوده العَمِيمِ، فلو مُلِكَ بالاحتجار

(2)

مَلَكَ مَنْعَه، فضاقَ على النَّاس.

(وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(3)

؛ لِمَا ذَكَرْنا.

فأمَّا المعادِنُ الباطِنَةُ، وهي التي لا يُوصَلُ إلَيها إلاَّ بالعَمَل والمؤْنَة؛ فإنْ كانَتْ ظاهِرةً؛ فهي كالأوَّل، وإنْ لم تكن ظاهِرةً؛ فظاهِرُ المذْهَب: أنَّها كذلك.

وقِيلَ: تُمْلَكُ به؛ لأنَّه مَوَاتٌ لا يُنتَفَع به إلاَّ بالعمل والمؤْنةِ، فمُلِك بالإحْياء؛ كالأرض.

وعلى الأوَّل: ليس للإمام إقْطاعُها، وصحَّح في «المغْنِي» و «الشَّرح» خِلافَه؛ لأِنَّه «عليه السلام أقْطَعَ بِلالَ بنَ الحارِث مَعادِنَ القَبَلِيَّة

(4)

»

(5)

.

(1)

أخرجه أبو داود (3064)، والترمذي (1380)، والنسائي في الكبرى (5736)، وابن حبان (4499)، والبيهقي في الكبرى (11828)، وفي سنده: محمد بن يحيى المأربي وهو لين الحديث، وثمامة بن شراحيل وهو مقبول، وشيخه سمي بن قيس، وهو مجهول، وله طريق أخرى عند الدارمي (2650)، وابن ماجه (2475)، والطبراني في الكبير (808)، عن ثابت بن سعيد بن أبيض بن حمال عن أبيه، وهو وأبوه قال عنهما ابن حجر:(مقبول)، قال الترمذي:(حديث غريب)، وضعفه الإشبيلي وابن القطان والألباني، وصححه ابن حبان. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 112، بيان الوهم والإيهام 5/ 8، ضعيف سنن أبي داود 2/ 439.

(2)

في (ح): الاحتجار.

(3)

ينظر: المغني 5/ 422.

(4)

في (ق): القبيلة.

(5)

سبق تخريجه 3/ 336 حاشية (4).

ص: 323

فَرْعٌ: ما نَضَبَ عنه من

(1)

الجَزائِر، فالأَشْهَرُ: أنَّه لا يُملَك به؛ لأِنَّ البِناءَ فِيها يَرُدُّ الماءَ إلى الجانب الآخَر، فيَضُرُّ بأهْلِه.

(وَإِذَا

(2)

كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ مَوْضِعٌ إِذَا حَصَلَ فِيهِ الْمَاءُ صَارَ مِلْحًا؛ مُلِكَ

(3)

بِالْإِحْيَاءِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه لم يُضيِّقْ على أحدٍ، فلم يُمنَعْ منه كبقيَّة الموات، وإحْياؤه بعَمَلِ ما يَصلُح له من حَفْر تُرابه، وتمهيده، وفَتْح قناةٍ إليهِ، (وِلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُهُ)؛ كبقيَّة الموات.

(وَإِذَا مَلَكَ المُحْيَا)؛ أيْ: إذا مَلَكَ الأرضَ بالإحْياء؛ (مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنَ الْمَعَادِنِ الْبَاطِنَةِ؛ كَمَعَادِنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) والحديدِ؛ لأِنَّه مَلَكَ الأرضَ بجَميعِ أجْزائها وطَبَقاتِها، وهذا مِنْها، بخلاف الكَنْزِ، فإنَّه مُودَعٌ فِيهَا، ويُفارِقُ ما إذا كان ظاهِرًا قَبلَ إحْيائها؛ لأِنَّه قَطَعَ عن النَّاس نَفْعًا كان واصِلاً إليهم.

وظاهِرُه: أنَّه يَملِكُ المعادِنَ الظَّاهِرةَ.

ولو تحجَّر الأرضَ، أو أُقْطِعَها؛ فظَهَرَ فيها

(4)

المعدِنُ قَبلَ إحْيائها؛ كان له إحْياؤها، ويَملِكُها بما فِيهَا؛ لأِنَّه صار أحقَّ بتَحجُّرِه وإقطاعِه، فلم يُمنَعْ من إتْمامِ حقِّه.

(وَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ عَيْنُ مَاءٍ، أَوْ مَعْدِنٌ جَارٍ، أَوْ كَلَأٌ، أَوْ شَجَرٌ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)؛ لقَوله عليه السلام: «مَنْ سَبَقَ إلى مَنْ لم

(5)

يَسْبِقْ إلَيهِ مُسْلِمٌ؛ فهُوَ له» رواهُ أبو داودَ، وفي لَفْظٍ:«فَهُوَ أحقُّ به»

(6)

، ولأِنَّه لو سَبَقَ إلى المباح الذي لا يَملِكُ أرضه؛

(1)

في (ح): في.

(2)

في (ح): وإن.

(3)

في (ق): يملك.

(4)

في (ق): منها.

(5)

قوله: (لم) سقط من (ق).

(6)

أخرجه أبو داود (3071)، والطبراني في الكبير (814)، والبيهقي في الكبرى (11779)، من حديث أسمر بن مضرِّس رضي الله عنه وإسناده فيه مجاهيل، قال ابن الملقن:(هو حديث غريب)، وأثبت البخاري وأبو حاتم لأسمر بن مضرس الصحبة بهذا الإسناد، وحسن ابن حجر إسناده، وقال الألباني:(إسناده ضعيف مظلم؛ من دون أسمر بن مُضرِّس؛ أربعتهم مجهولون، ولذلك استغربه المنذري)، ولم نقف على لفظة:«فهو أحق به» . ينظر: التاريخ الكبير 2/ 61، الجرح والتعديل 2/ 343، تحفة المحتاج 2/ 294، الإصابة 1/ 220، ضعيف سنن أبي داود 2/ 459.

ص: 324

فهو أحقُّ به، فهُنا أَوْلَى.

(وَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أصحُّهما: لا يَملِكه؛ لقوله عليه السلام: «النَّاسُ شُرَكاءُ في ثلاثٍ: في

(1)

الماء، والكَلَأِ، والنَّار» رواهُ ابْنُ ماجَهْ

(2)

، ولأِنَّها لَيستْ من أجْزاء الأرض، فلم يَملِكْها بملك الأرض؛ كالكنْزِ.

والثَّانية: بلى؛ لأِنَّها خارجة من أرْضه، أشْبَهَ المعادِنَ الجامِدَةَ والزَّرعَ.

(وَمَا فَضَلَ مِنْ مَائِهِ؛ لَزِمَهُ بَذْلُهُ لِبَهَائِمِ غَيْرِهِ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَمنَعوا فَضْلَ الماء لِتَمنَعوا به الكَلَأَ» متَّفَقٌ عليه

(3)

، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ عن أبيه عن جدِّه مرفوعًا:«مَنْ مَنَعَ فَضْلَ مائِه، أوْ فَضْلَ كَلَئِه؛ مَنَعَه الله فَضْلَه يَومَ القيامة» رواه أحمدُ

(4)

.

ومحلُّه: إذا لم يَجِدْ ماءً مباحًا، ولم يَنضَرَّ بها، واعْتَبَر القاضِي اتَّصالَه

(1)

قوله: (في) سقط من (ح).

(2)

سبق تخريجه 5/ 42 حاشية (6).

(3)

أخرجه البخاري (2354)، ومسلم (1566).

(4)

أخرجه أحمد (6673)، وفيه: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وله طريق أخرى تقويه، فأخرج أحمد (6722)، من طريق سليمان بن موسى، عن عبد الله بن عمرو، وسليمان بن موسى لم يدرك عبد الله قاله البخاري وغيره، وحسنه الألباني بطريقيه، وله طريق أخرى عن عمرو بن شعيب عند العقيلي في الضعفاء (4/ 51)، والطبراني في الأوسط (1195)، وفيه: محمد بن الحسن القردوسي، قال العقيلي:(حديثه غير محفوظ)، وله شاهد في البخاري (2369)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ينظر: جامع التحصيل ص 190، الصحيحة (1422).

ص: 325

بِمَرْعًى، ولا يَلزَمه الحَبْلُ والدَّلْوُ؛ لأِنَّه يَتْلَفُ بالاِسْتِعمال، أشْبَهَ بقيَّةَ مالِه، قالَهُ في «الكافي» .

(وَهَلْ يَلْزَمُهُ بَذْلُهُ لِزَرْعِ غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أصحُّهما: يَلزَمُه؛ لِمَا رَوَى إياس

(1)

: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن بَيعِ فَضْلِ الماء» رواهُ أبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ وصحَّحه

(2)

.

قال أحمدُ: إلاَّ أنْ يُؤْذِيَه بالدُّخول، أوْ له فِيهِ ماءُ السَّماء، فيَخافُ عَطَشًا؛ فلا بَأْسَ أنْ يَمْنَعَه

(3)

.

والثَّانيةُ: لا يَلزَمُه، جَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الزَّرعَ لا حُرْمةَ

(4)

له في نفسه، فَعَلَيها: يَبِيعُه بكَيلٍ، أوْ وَزْنٍ، ويَحرُمُ مقدَّرًا بمُدَّةٍ مَعْلومةٍ، أوْ بالريِّ، أوْ جزافًا، قاله القاضِي وغيرُه.

قال: وإِنْ باع آصُعًا مَعْلومةً من سائِحٍ؛ جاز

(5)

؛ كماءِ عَينٍ، لا بَيعُ

(6)

كلِّ الماء؛ لاِخْتِلاطِه بغَيرِه.

(1)

في (ح): أيس.

(2)

أخرجه أحمد (15444)، وأبو داود (3478)، والترمذي (1271)، والنسائي (4662)، وابن ماجه (2476)، وابن حبان (4952)، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وصححه ابن حبان، وقال ابن دقيق العيد:(على شرط الشيخين)، وهو في صحيح مسلم (1565) من حديث جابر رضي الله عنه. ينظر: البدر المنير 7/ 93.

(3)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 220.

(4)

في (ق): لا جرمة.

(5)

في (ق): جار.

(6)

في (ق): لا نبع.

ص: 326

(فَصْلٌ)

(وَإِحْيَاءُ الْأَرْضِ: أَنْ يَحُوزَهَا بِحَائِطٍ) مَنِيعٍ، نَصَّ عَلَيه

(1)

، جَزَمَ به القاضِي وَأكثرُ أصحابه، واقْتَصَر عَلَيه الخِرَقِيُّ؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أحاطَ حائِطًا على أرْضٍ؛ فهي له» رواه أحمدُ، وأبو داودَ

(2)

.

ويُشتَرَط فيه: أنْ يكونَ بما جَرَت العادةُ بمِثلِه، ويَختَلِفُ باخْتِلاف البُلْدانِ.

وعَنْهُ: يُشتَرَط معه إجْراءُ ماءٍ، وهو مُقْتَضَى كلامِ المؤلِّف

(3)

.

ومُقتضاه: أنَّ الإحْياءَ يَحصُل بالتَّحْويط عَلَيها، سَواءٌ أرادها للبناء، أوْ للزَّرع، أوْ حَظِيرةً للدَّوابِّ.

(أَوْ يُجْرِيَ لَهَا

(4)

مَاءً)، مِنْ عَينٍ ونحوِه، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لأِنَّ نَفْعَ الأرض بالماء أكثرُ من الحائط، ويَملِكُه بغَرْسٍ، أوْ مَنْع

(6)

ماءٍ لزرع

(7)

لا بحَرْثٍ وزَرْعٍ.

(1)

ينظر: مسائل صالح 2/ 341، مسائل عبد الله ص 315.

(2)

أخرجه أحمد (15088)، من طريق قتادة، عن سليمان بن قيس اليشكري، عن جابر رضي الله عنه، وقتادة لم يسمع من سليمان قاله البخاري، وأخرجه أحمد (20130)، وأبو داود (3077)، وابن الجارود (1015)، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه، وفي سماعه منه خلاف، والأقرب أنه سمع منه كما قال ابن المديني والبخاري، وصححه ابن الجارود وابن السكن، وضعفه الألباني بعنعنة الحسن، ولم يخرجه أبو داود من حديث جابر. ينظر: البدر المنير 7/ 54، تهذيب التهذيب 8/ 355، ضعيف أبي داود 2/ 461.

(3)

قوله: (وهو مقتضى كلام المؤلف) سقط من (ح).

(4)

في (ق): فيها.

(5)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 172.

(6)

في (ظ) و (ق): نبع.

(7)

في (ح): ليزرع.

ص: 327

(وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا عَادِيَّةً)، بتَشديد الياء: القديمةُ، منسوبَةٌ إلى عادٍ، ولم يُرِد عادًا بعَينِه؛ (مَلَكَ حَرِيمَهَا خَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَادِيَّةً)؛ أيْ: قديمةً؛ (فَحَرِيمُهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ ذِرَاعًا) مِنْ كلِّ جانِبٍ منها

(1)

.

وعُلِمَ منه: أنَّه يَملِكُ البئرَ مع الحَرِيم، وهو ما ذَكَرَه، نَصَّ عليه

(2)

، واختاره القاضِي في «التَّعليق» ، وأكثرُ أصحابه والشَّيخانِ؛ لِمَا رَوَى أبو عُبَيدٍ في «الأموال» ، عن سَعيدِ بن المسيِّب قال:«السُّنَّة في حَرِيمِ القَلِيبِ العادِيِّ: خَمْسون ذراعًا، والبَدِي: خمسةٌ وعشرونَ ذِراعًا»

(3)

، وروى

(4)

الخَلاَّل والدَّارَقُطْنِيُّ نحوَه مرفوعًا

(5)

.

ولا بُدَّ أنْ يكونَ

(6)

البئِرُ فيها ماءٌ، فإن لم يَصِلْ

(7)

إلى الماء؛ فهو كالمتحَجِّر الشَّارِع

(8)

.

(1)

في (ح): منهما، وفي (ق): فيها.

(2)

ينظر: مسائل صالح 2/ 341، مسائل عبد الله ص 315.

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (729)، وابن أبي شيبة (21355)، وابن زنجويه (1079)، والبيهقي في الكبرى (11869)، عن سعيد بن المسيب، بلفظ:«حريم بئر البدي خمسة وعشرون ذراعًا، وحريم العادية خمسون ذراعًا، وحريم الزرع ثلاثمائة ذراع» ، وليس فيه ذكر:«السُّنَّة» ، وإسناده صحيح. وأخرجه أبو داود في المراسيل (402)، والحاكم (7041)، والبيهقي في الكبرى (11870)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً. ورجاله ثقات كما في الدراية لابن حجر 2/ 245.

(4)

في (ظ): روى.

(5)

أخرجه الدارقطني (4519)، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وفي سنده: محمد بن يوسف المقري وهو متهم بالوضع، قال ذلك الدارقطني وغيره، ورجح هو وابن عبد الهادي إرساله، وأن وصله وهم. ينظر: علل الدارقطني 9/ 163، تنقيح التحقيق 4/ 208، التلخيص الحبير 3/ 150، الضعيفة (1027).

(6)

في (ق): تكون.

(7)

في (ق): لم تصل.

(8)

أي: الشارع في الإحياء.

ص: 328

وقَولُه: (حَفَر بِئْرًا عادِيَّةً) محمولٌ على البِئْر الَّتي انْطَمَّتْ، وذَهَبَ ماؤها، فجدَّد

(1)

حَفْرَها وعِمارتَها، أو انقطع ماؤها فاسْتَخْرَجَه؛ ليكون ذلك إحياءً لها، فأمَّا البئرُ الَّتي لها ماءٌ يَنتَفِعُ به النَّاسُ؛ فلَيسَ لأِحَدٍ احْتِجارُه؛ كالمعادِن الظَّاهرة. فَرْعٌ: إذا حَفَرَ بِئْرًا بمواتٍ

(2)

للسَّابِلة؛ فهو كغَيرِه في شُرْبٍ وسَقْيٍ

(3)

، ويُقدَّمُ آدَمِيٌّ ثمَّ حَيَوانٌ.

وإنْ حَفَرَها فيه لاِرْتِفاقه؛ كعادةِ مَنِ انْتَجَعَ أرْضًا؛ فهو أحقُّ ما

(4)

أقامَ، وقال جماعةٌ: يَلزَمُه بَذْلُ فاضِلِه لشارِبِه فقطْ، وإنْ رَحَلَ فسابِلةٌ، فإنْ عاد؛ فَفِي اخْتِصاصه وجْهانِ.

وإنْ حَفَرَها تملُّكًا، أو بملكه الحيَّ

(5)

، وفي «الأحْكام السُّلْطانيَّة»: لو احتاجَتْ طَيًّا؛ فبَعْدَه، وتبعه في «المستوعب» و «البلغة» .

وكَرِهَ أحمدُ الشرب من الآبار الَّتي في الطَّريق

(6)

، قال ابن حمدان: إن

(7)

كُرِهَ حَفْرُها.

(وَعِنْدَ الْقَاضِي)، وجماعةٍ مِنَ الأصْحاب: (حَرِيمُهَا

(8)

قَدْرُ مَدِّ رِشَائِهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «حَرِيمُ البِئْر مَدُّ رِشائها» رواهُ ابن ماجَهْ

(9)

؛ لأِنَّ ذلك ثَبَتَ لدَفْع الضَّرر، فقُدِّر بِمَدِّ الرِّشاء من كلِّ

(1)

في (ق): فجود.

(2)

في (ح): موات.

(3)

قوله: (وسقي) سقط من (ق).

(4)

في (ق): بما.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 7/ 298:(وإن حفرها تملكًا أو بملكه الحي؛ ملكها).

(6)

ينظر: الورع ص 38.

(7)

قوله: (إن) سقطت من (ظ).

(8)

قوله: (حريمها) سقط من (ح).

(9)

أخرجه ابن ماجه (2487)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وفيه: منصور بن صقير، متفق على ضعفه، وفيه أيضًا: محمد بن ثابت وهو ضعيف، وقد انقلب عند ابن ماجه إلى: ثابت بن محمد، وضعف الحديث ابن عبد الهادي والبوصيري والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 209، زوائد ابن ماجه 3/ 85، الضعيفة (3485).

ص: 329

جانِبٍ؛ لأِنَّ الحاجةَ تَندَفِع به.

(وَقِيلَ: قَدْرُ مَا تَحْتَاجُ

(1)

إِلَيْهِ فِي تَرْقِيَةِ مَائِهَا)، وهو مَحْكِيٌّ عن القاضِي، واخْتارَهُ أبو الخَطَّاب في «الهداية» ، فإنْ كان بدُولابٍ؛ فَقَدْرُ مَدار الثور

(2)

، وإن كان بِسَانِيةٍ؛ فبقَدْرِ طُول البِئْر، وإن كان يَستَقِي منها بيَدِه؛ فبقَدْر ما يَحتاج إلَيه الواقِفُ؛ لأِنَّه ثَبَتَ للحاجة، فتُقدَّرُ

(3)

بقدرها.

ولهذا قال القاضِي وأبو الخَطَّاب: التَّحديدُ الوارِدُ في الخَبَر وكلامِ أحمدَ محمولٌ على المجاز، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه خِلافُ الظَّاهِرِ، فإنَّه قد يَحتاجُ إلى حريمها لغَيرِ تَرْقِيَة الماء لموقِفِ الماشية وعَطَن الإبل ونحوِه.

وقال في «الأحْكام السُّلْطانيَّة» : له أبْعَدُ الْأَمْرَينِ من الحاجة أوْ قَدْرِ الأذْرُع، مع أنَّ أحمد توقَّف في التَّقْدير في روايةِ حَرْبٍ

(4)

.

فأمَّا حَريمُ العَينِ المسْتَخْرَجَة؛ فهو خمسُمائَة ذِراعٍ، نَصَّ عليه

(5)

.

وظاهِرُ كلامِه في «الكافي» ، واخْتَارَه القاضِي وأبو الخَطَّاب: قَدرُ الحاجة.

وحريمُ النَّهر: ما يُحتاج إليه لطرح

(6)

كِرايَته، وطَريق شاويه، وما يَسْتَضِرُّ صاحبُه بتملُّكه عَلَيه وإنْ كَثُر.

(1)

في (ظ): ما يحتاج.

(2)

في (ظ): مَدِّ التنور.

(3)

في (ق): فيقدر.

(4)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 217.

(5)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 222.

(6)

في (ح): الطرح.

ص: 330

(وَقِيلَ: إِحْيَاءُ الْأَرْضِ: مَا عُدَّ إِحْيَاءً)، وحكاه القاضي روايةً؛ لأِنَّ الشَّارِعَ أطْلَقَ الإحْياءَ ولم يُبَيِّنْ صِفتَه، فوجب أن

(1)

يُرجَعَ فيه إلى العُرْف؛ كالقَبْض والحِرْز، (وَهُوَ عِمَارَتُهَا بِمَا تُهَيَّأُ بِهِ

(2)

لِمَا يُرَادُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ أَوْ بِنَاءٍ)، هذا بَيانٌ لِمَا يُعَدُّ إحْياءً في العُرْف، فإنَّ الأرضَ تُحْيَا دارًا للسُّكْنَى، وحَظِيرَةً، ومزرعةً، فإحْياءُ كلٍّ منها بما يُناسِبُه.

فإنْ كانَتْ للسُّكْنَى؛ فإحْياؤها بِبِناءِ

(3)

حِيطانها، وتَسْقيف بعْضها بما يَلِيقُ به، وعنه: وقَسْمِ بيوته، وغلق

(4)

أبوابه، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: لا يُعْتَبَر نَصْبُ أبوابٍ على البيوت.

وإنْ كانَتْ حَظِيرةً؛ فبِناءُ حائِطٍ جَرتِ العادةُ به.

وإنْ كانَتْ للزَّرْع؛ فبِأنْ يَسوقَ إليها ماءً إنْ كانَتْ تُسقَى، ويَقلَع ما بِها

(5)

من الأحْجار إن احْتاجَتْ إلى ذلك، ويَقلَع ما بِها

(6)

من الأشْجار كأرْض الشِّعْرى

(7)

، ويُزيلَ عُروقَها المانِعةَ من الزَّرع، أو يَحبِسَ الماءَ عنها؛ كأرْضِ البطائح؛ لأِنَّ بذلك يتمكَّنُ من الانتفاع بها.

ولا يُعتَبَر أنْ يَزْرعها ويَسقِيَها، ولا أن يَحرُثَها في الأصحِّ.

وجَمَع بَينَهما في «المحرَّر» ، فقال: أنْ يُحوِّطَها بحائِطٍ، أوْ يعمِّرها العِمارةَ العُرْفِيَّةَ.

(وَقِيلَ: مَا يَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ؛ كَالسَّقْيِ وَالْحَرْثِ، فَلَيْسَ بِإِحْيَاءٍ، وَمَا لَا

(1)

في (ح): إلى.

(2)

قوله: (بما تُهيَّأ به) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ق): بناء.

(4)

في (ح): وعلو.

(5)

قوله: (ما بها) في (ق): ماءها.

(6)

قوله: (ويقلع ما بها) في (ق): ويقطع ماءها.

(7)

الشعرى: جبل عند حرة بني سليم. ينظر: تاج العروس 12/ 195.

ص: 331

يَتَكَرَّرُ؛ فَهُوَ إِحْيَاءٌ)؛ لأِنَّ العُرفَ جارٍ بذلك، لكنْ إنْ كانت الأرضُ كثيرةَ الدَّغَل والحشيش الَّتي لا يُمكِنُ زَرْعُها إلاَّ بتَكْرار حَرْثِها، وتَنْقِيَةِ دَغَلها وحَشِيشِها المانِعِ مِنْ زَرْعها؛ كان إحياءً.

تنبيه: حريمُ شجرٍ قَدْرُ مَدِّ أغْصانها، فإنْ غَرَسَها في مَواتٍ؛ فهي له وحريمُها، وإنْ سَبَقَ إلى شجرٍ مباحٍ؛ كزَيتونٍ وخَرُّوبٍ

(1)

، فسقاه وأصْلَحَه؛ فهو له؛ كالمتحجِّر الشَّارِعِ، فإنْ رَكَّبَه مَلَكَه بذلك وحريمه، وحريمُ دارٍ من مَواتٍ؛ حولها مُطَّرَحُ ترابٍ، وكُناسةٍ، وثَلْجٍ، وماءِ ميزاب.

ولا حريمَ لدارٍ محفوفةٍ بملْكٍ، ويتصرَّف كلٌّ منهم بحَسَبِ العادة.

(وَمَنْ تَحَجَّرَ مَوَاتًا)، تَحَجُّرُ المَوات: الشُّروعُ في إحيائه من غَيرِ أنْ يُتِمَّه، مِثْلَ أنْ يُحيطَ حَولَ الأرض ترابًا، أوْ بجدارٍ صَغِيرٍ، أو يَحفِر بِئْرًا ولم يَصِلْ ماءها، نَقَلَه حَرْبٌ

(2)

؛ (لَمْ يَمْلِكْهُ)؛ لأِنَّ الملْكَ بالإحْياء، ولم يُوجَدْ، (وَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) من سائِرِ النَّاس؛ لقوله:«مَنْ سَبَقَ إِلَى مَا لَمْ يَسْبِقْ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ»

(3)

.

(وَوَارِثُهُ مِنْ

(4)

بَعْدِهِ)؛ لقَوله: «مَنْ تَرَك حَقًّا فلِوَرَثَتِه»

(5)

، (وَمَنْ يَنْقُلُهُ إِلَيْهِ)؛ أيْ: إذا نَقَلَه إلى غَيرِه بالهِبة صار الثَّانِي أحقَّ به؛ لأِنَّ صاحبَه أقامَهُ مُقامَ نفْسِه، (وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ)؛ لأِنَّه لم يَملِكْه، فلم يَمْلِك بَيعَه؛ كحَقِّ الشُّفْعة قبل الأخْذ، وكَمَن سَبَق إلى مُباحٍ قَبْلَ أخْذِه.

(1)

الخروب: بالتشديد، بوزن التنور، شجر ينبت بالشام، يسميه أهل العراق: القثاء الشامي، وهو يابس أسود. ينظر: العين 4/ 337، مختار الصحاح ص 89.

(2)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 217.

(3)

سبق تخريجه 6/ 324 حاشية (6).

(4)

قوله: (من) سقط من (ح).

(5)

أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولفظه:«من ترك مالاً فلورثته» .

ص: 332

(وَقِيلَ: لَهُ ذَلِكَ)؛ أي: بَيعُه؛ لأِنَّه أحقُّ به.

(فَإِنْ لَمْ يَتِمَّ إِحْيَاؤُهُ؛ قِيلَ لَهُ)؛ أيْ: يقولُ له السُّلطانُ ونحوُه إذا طالَت المدَّةُ: (إِمَّا أَنْ تُحْيِيَهُ، أَوْ تَتْرُكَهُ) لِيُحْيِيَه غَيرُك؛ لأِنَّه ضَيَّق على النَّاس في حقٍّ مُشْتَرَكٍ بَينَهم، فلم يُمكَّن

(1)

منه، كما لو وَقَفَ في طَرِيقٍ ضَيِّقٍ.

(فَإِنْ طَلَبَ الْإِمْهَالَ؛ أُمْهِلَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ)، كذا في «الفروع» ؛ لأِنَّه يسيرٌ، واقَتْصر في «الكافي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية»: على الشَّهرَينِ، وفي «الوجيز»: يُمهَلُ مدَّةً قريبةً بسؤاله.

(فَإِنْ) بادَر و (أحياه غَيرُه)

(2)

قَبْلَ فَراغ تلك المدَّة، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: أوْ قَبْلَ ذلك؛ (فَهَلْ يَمْلِكُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحَدُهُما: لا يَملِكه، وهو الأظْهر؛ لمفهوم:«مَنْ أحيا أرضًا ميتةً في غير حقِّ مسلِمٍ؛ فهي له»

(3)

، أنَّها لا تكونُ له إذا كان لِمسلِمٍ فيها حقٌّ، ولأِنَّه إحياءٌ في حقِّ غَيره، فلم يَملِكه؛ كما لو أحْيَا ما يتعلَّق

(4)

به مصالِحُ ملكِ غَيرِه، ولأِنَّ حقَّ المتحجِّر أسبقُ، فكان أَوْلَى؛ كحقِّ الشَّفيع يقدَّم على شِراءِ

(5)

المشْتَرِي.

والثاني

(6)

: يَملِكُه؛ لِعُمومِ الخَبَرِ السَّابقِ، ولأِنَّ الإحْياءَ يُمْلَك به، فقدِّم على المتحجِّر الَّذي لا يَملِكُ.

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه مِثْلُه في نُزولِ مُستَحِقٍّ عن وظيفةٍ لزَيدٍ، هل

(1)

في (ح): فلم يتمكن.

(2)

في (ظ) و (ق): فإن بادر غيره وأحياه.

(3)

سبق تخريجه 6/ 316 حاشية (2).

(4)

في (ق): تتعلق.

(5)

في (ق): مشتري.

(6)

في (ح): ويتوجه.

ص: 333

يتقرَّر فيها غَيرُه؟ قال شَيخُنا فِيمَنْ نَزلَ عن وظيفة الإمامة: لا يتعيَّن المنزولُ له، ويُوَلِّي من له الولايةُ مَنْ يَستَحِقُّ التَّوليةَ شرعًا).

اعْتَرضه ابن أبي المجْد؛ لأِنَّه لا يخلو: إمَّا أنْ يكونَ نُزولُه بعِوَضٍ أوْ لا، وعلى كلِّ تقديرٍ لم يَحصُل منه رغبةٌ مطلَقةٌ عن وظيفته، ثمَّ قال: وكلامُ الشَّيخ قَضِيَّةٌ في عَينٍ، فيَحتَمِل أنَّ المنزولَ له لَيسَ أهْلاً، ويَحتَمِل عَدَمَه.

وفيه نَظَرٌ، فإنَّ النُّزولَ يُفيدُ الشُّغورَ، وقد سَقَطَ حقُّه بنزوله

(1)

؛ إذ السَّاقِطُ لا يَعودُ، وقوله:(قضيَّةٌ في عَينٍ) الأصلُ عَدَمُه.

ومِمَّا يُشبِهُ النُّزولَ عن الوظائف: النُّزولُ عن الإقْطاع، فإنَّه نُزولٌ عن اسْتِحْقاقٍ يَختَصُّ به لِتَخْصيصِ الإمامِ له استِغلالَه، أشْبهَ مستَحِقَّ الوظِيفة، ومتحجِّرَ المَوات.

وقد يُستَدَلُّ بجواز أخْذِ العِوَض في ذلك كلِّه: بالخُلْع، فإنَّه يجوز أخْذُ العِوَض مع أنَّ

(2)

الزَّوجَ لم

(3)

يَملِك البُضْعَ، وإنَّما مَلَكَ الاِستِمتاعَ به، فأشْبَهَ المتحجِّرَ.

(1)

في (ح): منزوله.

(2)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(3)

في (ح): ولم.

ص: 334

(فَصْلٌ)

(وَلِلْإِمَامِ إِقْطَاعُ مَوَاتٍ لِمَنْ يُحْيِيهِ)، لأِنَّه «عليه السلام أقْطَعَ بلالَ بنَ الحارثِ العَقِيقَ»

(1)

، «وأقْطَع وائِلَ بنَ حُجْرٍ أرضًا»

(2)

، وأقْطَع أبو بكْرٍ

(3)

، وعمرُ

(4)

، وعثمانُ

(5)

، وجَمْعٌ من الصَّحابة

(6)

.

(1)

سبق تخريجه 3/ 336 حاشية (4).

(2)

أخرجه أحمد (27239)، وأبو داود (3058)، والترمذي (1381)، وابن حبان (7205)، من طريق شعبة، عن سماك، عن علقمة بن وائل، عن أبيه، وسماك صدوق تغير بأخرة، وسماع شعبة منه قديم، وصححه الترمذي وابن حبان وابن الملقن. ينظر: البدر المنير 7/ 69.

(3)

أخرج ابن أبي شيبة (33025)، وابن سعد في الطبقات (3/ 104)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 22)، والبيهقي في الكبرى (11792)، عن هشام بن عروة، عن أبيه:«أن أبا بكر رضي الله عنه أقطع الزبير ما بين الجرف إلى قناة» ، عروة عن أبي بكر رضي الله عنه مرسل كما قال الرازيان، وأشار الذهبي إلى انقطاعه. ينظر: المهذب في اختصار السنن 5/ 2278.

(4)

أخرج ابن أبي شيبة (33029)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 23)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه: أن عمر أقطع عليًّا ينبع وأضاف إليها غيرها. مرسل. وأخرج ابن أبي شيبة (33030)، وأبو عبيد في الأموال (689)، ويحيى بن آدم في الخراج (249)، من وجه آخر مرسلاً. وأخرج أبو يوسف في الخراج (ص 73)، والبلاذري في فتوح البلدان (ص 22)، وابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 151)، عن عروة مرسلاً في إقطاع عمر لخوات بن جبير. وأخرج ابن زنجويه في الأموال (1030)، عن عبد الكريم بن رشيد، في إقطاع عمر عثمان بن أبي العاص. وجميع هذه مراسيل.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (14470)، وابن أبي شيبة (21226)، والطحاوي في معاني الآثار (5959)، والبيهقي في الكبرى (11795)، من طرق عن إبراهيم بن مهاجر، عن موسى بن طلحة:«أن عثمان بن عفان أقطع خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبير، وسعد بن مالك، وابن مسعود، وخبابًا، وأسامة بن زيد، فرأيت جاري سعدًا وابن مسعود يعطيان أرضهما بالثُّلث» ، ولا بأس بإسناده، إبراهيم بن مهاجر البجلي قال في التقريب:(صدوق لين الحفظ)، ومثله يُقبل في الموقوفات.

(6)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 110: (وأقطع أبو بكر وعمر وعثمان أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ص: 335

ويَنْبَغِي أنْ يُقطع مقدارَ ما يحييه

(1)

، فإنْ فَعَلَ ثمَّ تبيَّنَ عَجْزُه عن إحيائه؛ اسْتَرْجَعَه، كما «اسْتَرجَع عمرُ من بلالٍ ما عَجَزَ عن عِمارته بالعقيق الَّذي أقْطَعَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم»

(2)

.

(وَلَا يَمْلِكُهُ بِالْإِقْطَاعِ)؛ لأِنَّه لو مَلَكَه به؛ لَمَا جاز اسْتِرْجاعُه، (بَلْ يَصِيرُ

(3)

كَالْمُتَحَجِّرِ الشَّارِعِ فِي الْإِحْيَاءِ)؛ لأِنَّه ترجَّح

(4)

بالإقْطاع على غَيره، ويُسَمَّى تملُّكًا لِمآلِه إلَيهِ.

وكذا للإمامِ إقْطاعُ غَيرِ مَواتٍ تَمْلِيكًا وانْتِفاعًا للمَصْلَحة، نَقَل حَرْبٌ: القَطائعُ جائزٌ.

وقال له المَرُّوذِيُّ: قال مالِكٌ: لا بأْسَ بِقَطائِعِ الأمراء، فأنْكَرَه شديدًا.

ونَقَلَ يَعْقوبُ: قطائعُ الشَّامِ والجَزِيرة مِنْ المكروهةِ، كانَتْ لِبَنِي أُمَيَّةَ، فأخَذَها هَؤلاء.

ونَقَلَ محمَّدُ بن داودَ: ما أدْرِي ما هَذِه القَطائعُ، يُخْرِجُونَها مِمَّنْ شاؤُوا

(5)

إلى مَنْ شاؤُوا

(6)

.

(1)

في (ظ): عيَّنه.

(2)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 368)، وابن خزيمة (2323)، والحاكم (1467)، والبيهقي في الكبرى (7637)، عن الحارث بن بلال بن الحارث المزني عن أبيه. قال الذهبي عن إسناده:(فيه نكارة)، وقال ابن عبد الهادي: (نعيم والدراوردي - وهما من رواة الأثر - لهما ما ينكر، والحارث لا يُعرف حاله

والصواب في هذا الحديث رواية مالك)، وتقدمت رواية مالك في كتاب الزكاة 3/ 336 حاشية (4). ينظر: المهذب 3/ 1511، التنقيح 3/ 87.

(3)

في (ح): يعتبر.

(4)

في (ق): يرجح.

(5)

قوله: (ممن شاؤوا) سقط من (ق).

(6)

ينظر جميع ما تقدم من الروايات عن أحمد في الفروع 7/ 303.

ص: 336

قال أبو بكرٍ: لأِنَّه يَمْلِكُها مَنْ أُقْطِعَها، فكَيف تخرُجُ عَنْهُ، ولِهذَا عَوَّضَ عُمَرُ جَرِيرًا البَجَلِيَّ لَمَّا رَجَعَ فيما

(1)

أقْطَعَهُ

(2)

. (وَلَهُ إِقْطَاعُ الْجُلُوسِ) للبَيع والشِّراء (فِي الطُّرُقِ الْوَاسِعَةِ، وَرِحَابِ الْمَسْجِدِ

(3)

إنْ قِيلَ إنَّها لَيست منه إذا كانَتْ واسِعةً؛ لأِنَّ ذلِكَ مباح

(4)

الجُلوسُ فِيهِ والاِنْتِفاعُ به، فَجَازَ إقْطاعُه؛ كالأرض الدَّارِسةِ، وتُسَمَّى

(5)

إقْطاعَ إرْفاقٍ، (مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ)؛ لأِنَّه لَيسَ لِلإْمامِ أنْ يأْذَنَ فِيمَا لا مَصْلَحةَ فِيهِ، فَضْلاً عمَّا فيه مَضرَّةٌ، (وَلَا يَمْلِكُهُ

(6)

بِالْإِقْطَاعِ)؛ لِمَا ذُكِرَ في إقْطاع الأرض.

(وَيَكُونُ الْمُقْطَعُ أَحَقَّ بِالْجُلُوسِ فِيهَا)، بمنزلة السَّابِق إلَيها من غَيرِ إقْطاعٍ، والفَرقُ بَينَهما: أنَّ السَّابِقَ إذا نَقَلَ متاعَه عنها؛ فلغَيره الجُلوسُ فيها، وهذا قد اسْتَحَقَّ بإقْطاع الإمام، فلا يَزولُ حقُّه بنَقْلِ متاعِه، ولا لِغَيرِه الجُلوسُ فِيهِ، وشَرْطُه: ما لم يَعُد

(7)

فيه.

ويَحرُم ما يُضَيِّقُ على المارَّة ولو بِعِوَضٍ.

وحُكْمُه في التظليل

(8)

على نفسه بما لَيسَ ببناء

(9)

، ومَنْعُه من المقام إذا

(1)

في (ح) و (ق): مما.

(2)

أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 42)، والشافعي في الأم (4/ 297)، ويحيى بن آدم في الخراج (112)، وأبو عبيد في الأموال (154)، وابن المنذر في الأوسط (6424)، والبيهقي في الكبرى (18376)، عن قيس بن أبي حازم. وإسناده صحيح.

(3)

في (ظ): المساجد.

(4)

في (ظ): يباح.

(5)

في (ق): ويسمى.

(6)

في (ح): يملك ذلك.

(7)

كتب في هامش (ظ): (الإمام).

(8)

في (ح): التعطيل.

(9)

في (ح): بيتًا.

ص: 337

أطال مُقامَه؛ حُكْمُ السَّابِق.

(فَإِنْ لَمْ يُقْطِعْهَا؛ فَلِمَنْ سَبَقَ

(1)

إِلَيْهَا الْجُلُوسُ فِيهَا) على الأصحِّ، على وَجْهٍ لا يُضَيِّقُ على أحدٍ، ولا يَضُرُّ بالمارَّة؛ لاِتِّفاق أهلِ الأمْصار في سائِرِ الأعْصار على إقْرارِ النَّاس على ذلِكَ من غَيرِ إنْكارٍ، ولأِنَّه ارتفاق

(2)

بمُباحٍ من غَيرِ إضْرارٍ، فلم يُمنَعْ منه

(3)

؛ كالاِجْتِياز.

(وَيَكُونُ أَحَقَّ بِهَا مَا لَمْ يَنْقُلْ قُمَاشَهُ عَنْهَا)؛ كسَبْقه إلى مُباحٍ كماءٍ

(4)

، وظاهِرُه: أنَّه إذا قام

(5)

وتَرَكَ متاعَه؛ لم يَجُزْ لغَيره إزالتُه، وأنَّه إذا نَقَلَ متاعَه؛ كان لغيره الجلوسُ فيه.

وقيل: إنْ فارَقَ لِيَعودَ قريبًا، فَعَادَ؛ فهو أحقُّ به.

وعنه: يكونُ أحقَّ به إلى اللَّيل.

وفي افْتِقاره إلى إذْنٍ فِيهِ؛ وجْهانِ.

لكِنْ قال أحمدُ: ما كان يَنْبَغِي لنا أنْ نَشْترِيَ من هؤلاء الَّذين يَبِيعُون على الطَّريق

(6)

، وحَمَلَه القاضِي على ضِيقِه، أوْ كَونِه يُؤذِي المارَّةَ.

(فَإِنْ أَطَالَ الْجُلُوسَ فِيهَا) مِنْ غَيرِ إقْطاعٍ؛ (فَهَلْ يُزَالُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:

أشْهَرُهما: أنَّه يُزالُ؛ لأِنَّه يصيرُ كالمتملك

(7)

، ويَخْتَصُّ بنَفْعٍ يُساوِيهِ غَيرُه في اسْتِحْقاقه.

(1)

في (ح): سبقه.

(2)

في (ح): اتفاق.

(3)

في (ق): معه.

(4)

في (ح) و (ق): كمارٍّ. والمثبت موافق للممتع 3/ 111.

(5)

في (ح): أقام.

(6)

ينظر: المغني 5/ 426.

(7)

في (ظ): كالتملك.

ص: 338

والثَّاني: لا يُزالُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه سبق إلى

(1)

ما لم يَسبِقْ إلَيه مسلِمٌ، فلم يُمنَعْ من الاِسْتِدامة؛ كالاِبْتِداء.

(فَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ

(2)

اثْنَانِ) فأكثرُ، وضَاقَ المكانُ؛ (أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا) على المذْهَب؛ لأِنَّهما اسْتَوَيَا في السَّبْق، والقُرعةُ مُمَيِّزةٌ.

(وَقِيلَ: يُقَدِّمُ الْإِمَامُ مَنْ يَرَى مِنْهُمَا

(3)

؛ لأِنَّه أعْلَمُ بالمصْلَحة في ذلِكَ.

(وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَعْدِنٍ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِمَا يَنَالُ مِنْهُ)؛ للخَبَرِ، وسَواءٌ كان المعدِنُ ظاهِرًا أو باطِنًا إذا كان في مَواتٍ.

(وَهَلْ يُمْنَعُ إِذَا طَالَ مُقَامُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:

أحَدُهما، وجَزَمَ به في «الوجيز»: لا يُمنَعُ؛ للخَبَر.

والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّه يَصيرُ كالمتملِّك.

وفي «الشَّرح» : إنْ أَخَذَ قدْرَ حاجته

(4)

، وأراد الإقامةَ؛ ليمنع

(5)

غَيرَه؛ مُنِع منه؛ لأِنَّه تَضْيِيقٌ

(6)

على النَّاس بما لا نَفْعَ فِيهِ.

وإنْ سَبَقَ إلَيهِ اثْنانِ فأكثرُ، وضاقَ الوقتُ عن أخْذِهم جملةً؛ أُقرع

(7)

.

وقِيلَ: إنْ أخذه لتجارةٍ؛ هَايَأَ الإمامُ بَينَهما، وإنْ أخَذَه لحاجةٍ؛ فأَوْجُهٌ: القرعة

(8)

، والمهايَأَةُ، وتقديمُ مَنْ يَرَى الإمامُ، وأنْ يَنصِبَ مَنْ يأْخُذهُ،

(1)

قوله: (إلى) سقط من (ظ).

(2)

في (ح): فإن استبق.

(3)

زيد في (ق): أو من غيرهما. والمثبت موافق لكتب المذهب.

(4)

في (ح): صاحبه.

(5)

في (ح): لمنع.

(6)

في (ق): يضيق.

(7)

قوله: (وإن سبق إليه اثنان فأكثر، وضاق) إلى هنا سقط من (ح)، وذُكرت في (ظ) بعد قوله:(وأنْ يَنصِبَ مَنْ يأْخُذهُ، ويَقْسِمُه بَينَهم).

(8)

في (ح): وللقرعة.

ص: 339

ويَقْسِمُه بَينَهم.

(وَمَنْ سَبَقَ إِلَى مُبَاحٍ؛ كَصَيْدٍ، وَعَنْبَرٍ، وَحَطَبٍ، وَثَمَرٍ، وَمَا يَنْبِذُهُ النَّاسُ رَغْبَةً عَنْهُ)؛ كالذي يُنثَرُ من الثَّمر والزَّرع، وما يَنبُع من المياه في المَوات؛ (فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)؛ لقَوله عليه السلام: «مَنْ سَبَقَ إلى ما لم

(1)

يَسبِقْ إلَيهِ مُسلِمٌ؛ فهو له»

(2)

، مع قَوله لَمَّا رأى تَمرةً

(3)

ساقطةً: «لولا أخْشَى أنْ تكونَ من الصَّدَقَة لَأَكَلْتُها» رواه البخاريُّ

(4)

.

ويَملِكُه الآخِذُ، مسلِمًا كان أوْ ذِمِّيًّا.

(وَإِنْ سَبَقَ إِلَيْهِ اثْنَانِ؛ قُسِمَ بَيْنَهُمَا)، جَزَمَ به الأدَمِيُّ وصاحب «الوجيز» البغْداديَّانِ؛ لأِنَّهما اسْتَوَيَا في السَّبَبِ، والقِسْمةُ ممكِنَةٌ، وحِذارًا من تأخير الحقِّ.

وهذا إذا ضاق الوقْتُ عن أخْذِهم جملةً، والأشْهَرُ القُرعةُ.

وقيل: يُقدِّمُ الإمامُ مَنْ شاء بالاِجْتِهاد وظُهور الأحَقِّيَّة؛ كأمْوال بيتِ المال.

ولا فَرْقَ بَينَ الحاجَة وعَدَمِها.

فَرْعٌ: الأسبابُ المقْتَضيةُ للتَّمْلِيك: الإحياءُ، والميراثُ، والمعاوَضاتُ، والهباتُ، والوصايا، والوقْفُ، والصَّدقاتُ، والغنيمةُ، والاصطياد

(5)

، ووقوعُ الثَّلْج في المكان الَّذي أعدَّه، وانقلابُ الخَمْر، والبَيضةِ المذِرَةِ فَرْخًا.

(1)

قوله: (لم) سقط من (ق).

(2)

سبق تخريجه 6/ 324 حاشية (6).

(3)

في (ظ): ثمرة.

(4)

أخرجه البخاري (2055)، ومسلم (1071)، من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ:«لولا أن تكون من الصدقة، لأكلتها» ، وعند أحمد (12913)، بلفظ:«لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها» .

(5)

في (ح): الاصطياد.

ص: 340

(وَإِذَا كَانَ الْمَاءُ فِي نَهْرٍ غَيْرِ مَمْلُوكٍ؛ كَمِيَاهِ الْأَمْطَارِ؛ فَلِمَنْ فِي أَعْلَاهُ أَنْ يَسْقِيَ وَيَحْبِسَ الْمَاءَ حَتَّى يَصِلَ إِلَى كَعْبِهِ، ثُمَّ يُرْسِلَ إِلَى مَنْ يَلِيهِ)، نَصَّ عليه

(1)

.

وجُمْلَتُه: أنَّ الماءَ لا يَخْلُو: إمَّا أنْ يكونَ نَهْرًا جارِيًا، أوْ واقِفًا.

والجارِي قِسْمانِ:

إمَّا أن يكونَ في نهرٍ غيرِ مملوكٍ، وهو ضَرْبانِ:

أحَدُهما: أن يكونَ نهرًا عظيمًا؛ كالنِّيل والفُرات الَّذي لا يَسْتَضِرُّ أحدٌ بالسَّقْي منه، فهذا لا تَزاحُمَ فيه.

الثَّاني: أنْ يكونَ نهرًا صغيرًا يَزْدَحِم النَّاسُ فيه، ويتشاحُّون في مائه؛ كنَهْر الشَّام، أوْ مَسِيلٍ يتشاحّ فيه أهْلُ الأرَضِينَ الشَّاربةِ مِنْهُ، فيُبدَأُ بِمَنْ في أوَّل النَّهر، فيَسقِي، ويَحبِس الماءَ حتَّى يَصِلَ إلى الكَعْبَينِ، ثمَّ يُرسِلُ إلى الثَّاني فيَفعَل كذلك، حتَّى ينتهي إلى

(2)

الأراضِي كلِّها.

فإنْ لم يَفضُل عن الأوَّل شَيءٌ، أوْ عن الثَّاني، أو عن مَنْ يَلِيهما؛ فلا شَيءَ للباقِينَ؛ لأِنَّه لَيسَ لهم إلاَّ ما فَضَلَ

(3)

، فَهُمْ كالعَصَبَةِ، ولا نَعلَم فيه خلافًا

(4)

؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بن الزَّبَير: أنَّ رجلاً خاصَمَ الزُّبَيرَ في شِراجِ الحَرَّة الَّتي يَسقُونَ بها إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اسْقِ يا زُبَيرُ ثُمَّ أرْسِل الماءَ إلى جارِكَ» ، فغَضِبَ الأنصاريُّ، وقال: أنْ كان ابْنَ عمَّتِكَ! فتلوَّنَ وجهُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ قال:«اسْقِ يا زُبَيرُ ثُمَّ احْبِس الماءَ حتَّى يَرجِع إلى الجَدْرِ» ، فقال الزُّبَيرُ: واللهِ إنِّي لَأَحْسِبُ هذه الآيةَ نَزَلَتْ في ذلك: {فَلَا وَرَبِّكَ

(1)

ينظر: الأحكام السلطانية ص 214.

(2)

قوله: (ينتهي إلى) هو في (ظ) و (ح): تنتهي.

(3)

في (ق): ما يصل.

(4)

ينظر: المغني 5/ 426.

ص: 341

لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ

(65)} [النِّسَاء: 65]، متَّفَقٌ عليه

(1)

، وذَكَرَ عبدُ الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهْرِيِّ، قال: نَظَرْنا في قَول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ثمَّ

(2)

احْبِس الماءَ حتَّى يَرجِعَ إلى الجَدر»، فكان ذلك إلى الكَعْبَينِ

(3)

، وشِراج الحَرَّة: مَسايِلُ الماء، جَمْعُ: شَرج، وهو النَّهرُ الصَّغير، والحَرَّةُ: أرضٌ مُلْتَبِسةٌ بحِجارةٍ سُودٍ، ولأِنَّ السَّابِقَ في أوَّل النَّهر كالسَّابق إلى أوَّل المشْرَعة

(4)

، وإنْ كانَتْ أرضُه مستفلة؛ سدَّها حتَّى يَصعَد إلى الثَّانِي، قاله في «التَّرغيب» .

فإن كانت أرضُ الأعلى مختَلِفةً؛ منها عاليةٌ، ومنها مُسْتَفِلة؛ سَقَى كلَّ واحدةٍ على حِدَتها.

فإن اسْتَوى اثنانِ في القُرْب؛ اقْتَسَما الماءَ على قَدْرِ الأرض إنْ أمكنَ، وإلاَّ أُقْرِع، فإنْ كان الماءُ لا يَفضُل عن أحدهما؛ سَقَى مَنْ تَقعُ

(5)

له القُرْعةُ بقدْر حقِّه.

(فَإِنْ أَرَادَ إِنْسَانٌ

(6)

إِحْيَاءَ أَرْضٍ يَسْقِيهَا

(7)

مِنْهُ؛ جَازَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَهْلِ

(1)

أخرجه البخاري (2359)، ومسلم (2357).

(2)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(3)

لم نقف عليه في مصنف عبد الرزاق، وقد أخرجه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (705)، حدثنا إسحاق، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عروة بن الزبير، وذكر الحديث، وفي آخره: قال معمر: وسمعت غير الزهري يقول: نُظر في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «حتى يرجع الماء إلى الجدر» فكان ذلك إلى الكعبين.

تنبيه: جعل المصنف قوله: (نَظَرْنا في قَول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

) من كلام الزهري، وتبع ما في المغني والشرح.

(4)

في (ق): المسرعة.

(5)

في (ظ): يقع.

(6)

في (ح): اثنان.

(7)

في (ح): بسقيها.

ص: 342

الْأَرْضِ الشَّارِبَةِ مِنْهُ)؛ أيْ: إذا كان لِجماعةٍ رَسْمُ شربٍ من نهر غيرِ مملوكٍ، فجاء إنسانٌ ليُحْيِيَ مَواتًا أقربَ من رأس النَّهر من أرضهم؛ لم يَكُنْ له أنْ يَسقِيَ قَبْلَهم؛ لأِنَّهم أسبقُ إلى النَّهر منه.

وظاهِرُه: أنَّهم لا يَمْلِكُون مَنْعَه من الإحياء، وفِيهِ وجْهٌ.

فَعَلَى الأوَّل: لو سبق إلى مَسِيل ماءٍ، أو نهرٍ غيرِ مملوكٍ، فأحيا في أسْفَلِه مَواتًا، ثمَّ آخرُ فَوقَه، ثمُّ ثالِثٌ؛ سَقَى المحْيِي أوَّلاً، ثمَّ الثَّانِي، ثمَّ الثَّالِثُ؛ لأِنَّ العِبرةَ بقِدَم السَّبق إلى الإحْياءِ، لا إلى أوَّل النَّهر.

القِسْمُ الثَّاني: الجارِي في نهرٍ مملوكٍ، وهو ضَربانِ:

أحَدُهما: أنْ يكونَ الماءُ مُباحَ الأصْل، مِثْلَ أن يَحفِر إنسانٌ نهرًا صغيرًا يتَّصل بنهرٍ كبيرٍ مباحٍ، فما

(1)

لم يتَّصِل لا يَمْلِكه، وهو كالمتحَجِّر، فإذا اتَّصَلَ الحفْرُ؛ مَلَكَه وإن لم يَجْرِ فيه؛ إذ الإحْياءُ يَحصُل بتَهْيِئَتِهِ

(2)

للاِنْتِفاع دُونَ حصولِ المنفَعَة، فيَصيرُ مالِكًا لِقَراره، وحافتيه، وحريمِه، وهو مَلْقَى الطِّين مِنْ جَوانِبِه.

وقال القاضِي: هو حقٌّ من حُقوقِ الملك.

وحِينَئِذٍ: إذا كان لِجماعةٍ؛ فهو بَينَهم على حَسَبِ العَمَل والنَّفقة، فإنْ لم يَكْفِهم، وتَراضَوا على قِسْمَتِه؛ جازَ، وإلاَّ قَسَمَه حاكِمٌ عِنْدَ التشاح

(3)

على قَدْر ملْكِهِم.

فإن احْتاجَ المشْتَرَك إلى كَرْيٍ أو عِمارةٍ؛ كان ذلك بَينَهم على حسب مِلْكِهم، فإنْ كان بعضُهم أدْنَى إلى أوَّله مِنْ بَعْضٍ؛ اشْتَرَك الكلُّ إلى أنْ يَصِلُوا إلى الأوَّل، ثمَّ لا شَيءَ عليه إلى الثَّاني، ثمَّ يَشْتَرِكُ مَنْ بَعْدَه كذلك كُلَّما انْتَهَى

(1)

في (ق): لما.

(2)

في (ظ) و (ق): بتهيئةٍ.

(3)

قوله: (عند التشاح) في (ح): من المشاح.

ص: 343

العَمَلُ، فإذا حصل نصيبُ إنسانٍ في ساقِيَته

(1)

؛ سَقَى به ما شاء.

وقال القاضِي: لَيسَ له سَقْيُ أرضٍ

(2)

لَيسَ لها رسمُ

(3)

شِرب من هذا النَّهر.

ولِكُلٍّ منهم أن يتصرَّف في ساقِيَتِه المختصَّة به بما أحبَّ من إجراءِ ماءٍ، أوْ رَحًى، أوْ دُولابٍ، بخِلاف المشْتَرَك.

فإن أراد أحدُ الشُّرَكاء أنْ يَأْخُذَ مِنْ النَّهر قَبْلَ قَسْمِه شيئًا يَسْقِي به

(4)

أرْضًا في أوَّل النَّهر أوْ غَيرِه؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّ الآخِذَ منه ربَّما احْتاجَ إلى تصرُّفٍ في أول

(5)

حافَة النَّهر المملوك لغَيره، ولو فاض ماءُ هذا النَّهر إلى أرض إنسانٍ؛ فهو مباحٌ؛ كالطائر.

الضَّرْب الثَّاني: أن يكونَ مَنْبَعُ الماء مَمْلوكًا؛ بأنْ يَشْتَرِكَ جَمْعٌ في اسْتِنْباطِ عَينٍ وإجْرائها، فإنَّهم يَمْلِكونَها، ويَشْتَرِكون فيها وفي ساقِيَتها على حَسَبِ النَّفقة والعَمَلِ فيها.

(وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ) - بفَتْح أوَّله وضمِّه؛ أيْ: يَمنَع - (أَرْضًا مِنَ الْمَوَاتِ، تَرْعَى فِيهَا دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ التِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا)؛ كخَيلِ المجاهدين، وإبِلِ الصَّدقة، وضَوالِّ النَّاس؛ لِمَا رَوَى عمرُ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَى النَّقيع لخيل المسلمين» رواه أبو عُبَيدٍ

(6)

، النَّقيع بالنُّون: موضِعٌ يَنْتَقِعُ فيه الماءُ،

(1)

في (ق): ساقية.

(2)

في (ح): الأرض.

(3)

في (ح): وسم.

(4)

قوله: (به) سقط من (ح) و (ق).

(5)

قوله: (أول) سقط من (ظ) و (ق). وأشار في (ظ) إلى أنها في نسخة.

(6)

لم نقف عليه من حديث عمر رضي الله عنه، وإنما أخرجه أبو عبيد في الأموال (740)، وأحمد (5655)، والبيهقي في الكبرى (11808)، من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، وفي سنده: عبد الله العمري المكبر وهو ضعيف، وأخرج ابن حبان (4683)، والطبراني في الأوسط (7937)، مثله، وفي سنده: عاصم بن عمر العمري وهو ضعيف، وله شاهد عند ابن سعد في الطبقات (5/ 11)، من حديث أبي بكر الصديق، لكن فيه الواقدي وهو متروك.

وروي من مرسل الزهري كما أخرجه البخاري (237)، قال: بلغنا «أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى النقيع» ، وأخرجه مرسلاً أيضًا ابن زنجويه في الأموال (1104)، وأبو داود (3083)، ووصله عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن الزهري، عن عبيد الله، عن ابن عباس، عن الصعب بن جثامة رضي الله عنهم، أخرجه عبد الله بن أحمد (16659)، وأبو داود (3084)، وعبد الرحمن صدوق له أوهام، وعدَّ البخاري هذا من أوهامه، وضعفه ابن حجر. ينظر: التاريخ الكبير 4/ 322، السنن الكبرى للبيهقي 6/ 242، الفتح 5/ 45، تغليق التعليق 3/ 316.

ص: 344

فيَكثُرُ فيه الخصْبُ، وروى أبو عُبَيدٍ: أنَّ أعْرابِيًّا أتى عُمَرَ فقال: يا أمِيرَ المؤمنين بلادُنا قاتَلْنا عَلَيها في الجاهلية

(1)

، وأسْلَمْنا عليها في الإسلام؛ عَلامَ تَحْمِيها

(2)

؟ قال: فأطْرَقَ عُمَرُ، وجَعَلَ يَنفُخُ ويَفتِلُ شارِبَه، فلما رَأَى الأعرابيُّ ما به جَعَلَ يُردِّدُ ذلك، فقال عمرُ:«المالُ مالُ الله، والعبادُ عبادُ الله، والله لَوْلَا ما أحْمِلُ عَلَيهِ في سبيل الله؛ ما حَمَيتُ من الأرض شِبرًا في شِبْرٍ»

(3)

، قال مالِكٌ: «بَلَغَنِي

(4)

أنَّه كان يَحمِلُ كلَّ عامٍ على أرْبَعينَ ألْفًا من الظَّهر»

(5)

، ولأِنَّ في ذلك مصلحةً، فجاز للإمامِ فِعْلهُا؛ كسائر المصالِحِ.

(1)

قوله: (عليها في الجاهلية) في (ح): الجاهلية عليها.

(2)

في (ق): نحييها.

(3)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (742)، ومن طريقه ابن زنجويه (1110)، عن زيد بن أسلم، عن عامر بن عبد الله بن الزبير - قال أبو عبيد: أحسبه عن أبيه -، وذكره.

وأخرج البخاري (3059)، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: استعمل مولًى له يدعى هُنَيًّا على الحمى، وفيه قول عمر رضي الله عنه:«وايم الله إنهم ليرون أني قد ظلمتهم، إنها لبلادهم فقاتلوا عليها في الجاهلية، وأسلموا عليها في الإسلام، والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله، ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا» .

(4)

في (ظ): ما بلغني.

(5)

أخرجه مالك (2/ 464)، عن يحيى بن سعيد عن عمر رضي الله عنه. وهذا مرسل.

ص: 345

(مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى النَّاسِ)؛ لأِنَّ الجاهليَّة كانوا يَحْمُونَ لأِنفسهم، فكان منهم مَنْ إذا انْتَجَعَ بَلَدًا؛ أقام كَلْبًا على نَشْزٍ ثمَّ اسْتَعْواه، ووَقَفَ له مِنْ كلِّ ناحيةٍ مَنْ يَسمَعُ صوتَه بالعواء، فحَيثُ انتهى صوتُه؛ حَماهُ من كلِّ ناحيةٍ لنفسه، ويرعَى مع النَّاس فيما سِواهُ، فنَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنه

(1)

؛ لِمَا فيه من الضِّيق على النَّاس، ومَنْعِهم من الاِنتِفاع بشَيءٍ لهم فيه حقٌّ.

(وَلَيْسَ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ)؛ أي: لِغَير الإمام، فأمَّا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان

(2)

يَحْمِي لنفسه وللمسلمين، ولم يَحْمِ لنفسه شَيئًا، وإنَّما حَمَى للمسلمين، وسائرُ أئمَّة المسلمين ليس لهم أنْ يَحْمُوا لأِنفسهم شيئًا، إلاَّ قَدْرًا لا يُضيِّقُ به على المسلمين ويَضُرُّهم.

(وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ)؛ أيْ: مع الحاجة إلَيه؛ لأِنَّ ما حَكَمَ به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نَصٌّ، فلا يجوز نَقْضُه بالاِجْتِهاد.

فعَلَيه: مَنْ أحْيَا منه شيئًا؛ لم يَمْلِكْه.

(وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ؛ فَهَلْ يَجُوزُ نَقْضُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: لإمامٍ غيرِه نقْضُه؛ كهو؛ لأِنَّ حِمَى الأئمَّة اجْتِهادٌ، وملْكُ الأرض بالإحياء نَصٌّ، والنَّصُّ مُقَدَّمٌ.

والثَّاني: لا يَجوزُ نَقْضُه، كما لا يَجوزُ نَقْضُ حُكمِه.

ويَنْبَنِي عليهما: لو أحْياه إنسانٌ هل يَمْلِكُه؟

مسألةٌ: قال في «الأحْكام السُّلْطانيَّة» : (إذا كان الحِمَى لكافَّة النَّاس؛ تَساوَى فيه جميعُهم، فإن خُصَّ به المسلِمُون؛ اشْتَرَك فيه غنيُّهم وفقيرُهم،

(1)

أخرجه البخاري (2370)، من حديث الصعب بن جثامة رضي الله عنه، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا حمى إلا لله ولرسوله» ، وما ذكره عن أهل الجاهلية أورده الشافعي في الأم (4/ 84)، وعنه البغوي في شرح السنة (8/ 274).

(2)

قوله: (كان) سقط من (ح).

ص: 346

ومُنِع منه أهلُ الذِّمَّة، وإنْ خُصَّ به الفقراءُ؛ مُنِعَ منه الأغنياءُ وأهلُ الذِّمَّة.

ولا يَجوز أنْ يُخَصَّ به الأغنياءُ دُونَ الفقراء ولا أهل الذِّمَّة، فلو اتَّسع

(1)

الحِمَى المخصوصُ لعموم النَّاس؛ جاز أنْ يَشْتَرِكوا فيه؛ لاِرتِفاع الضَّرر على مَنْ يُخَصُّ به.

ولو ضاقَ الحِمَى العامُّ عن جميع النَّاس؛ لم يَجُزْ أنْ يَختصَّ به أغنياؤهم

(2)

، وفي فقرائهم قَولٌ.

ولا يَجوز لأِحدٍ أنْ يأخُذَ من أرْباب الدَّوابِّ عِوَضًا مِنْ مَرعَى مَواتٍ أوْ حِمًى؛ لأِنَّه عليه السلام شَرَّكَ النَّاسَ فِيهِ

(3)

.

تذْنِيبٌ: مَنْ جَلَس في مسجِدٍ أو جامع لِفَتْوى، أو لِإقراء النَّاس؛ فهو أحقُّ به ما دام فيه، أو غاب لعُذْرٍ وعاد قريبًا، وإنْ جَلَسَ فِيهِ لصلاةٍ؛ فهو أحقُّ به فيها، وإنْ غاب لِعُذْرٍ وعاد قريبًا؛ فَوجْهانِ.

ومَنْ سَبَقَ إلى رِباطٍ، أو نَزَل فقيهٌ بمدرسةٍ، أوْ صوفِيٌّ بخانقاه

(4)

؛ رُجِّحَ به في الأقْيَس، ولا يَبطُل حقُّه بخروجه منه لِحاجَةٍ.

(1)

في (ظ) و (ق): امتنع.

(2)

في (ح): أغنياؤه.

(3)

في حديث: «المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار» . وسبق تخريجه 5/ 42 حاشية (6).

(4)

قال في تاج العروس (25/ 170): (الخانقاه: بقعة يسكنها أهل الصلاة والخير والصوفية، والنون مفتوحة، معرَّب، قال المقريزي: وقد حدثت في الإسلام في حدود الأربعمائة، وجعلت لمتخلي الصوفية فيها لعبادة الله تعالى).

ص: 347

(بَابُ الْجَعَالَةِ)

هي بتَثْليث الجِيم، كما أفاده ابنُ مالِكٍ

(1)

، يُقالُ: جَعلْتُ له جُعْلاً: أوْجَبْتُ.

وقال ابنُ فارِسٍ: الجُعْلُ والجَعالَةُ والجَعِيلةُ: ما يُعْطاهُ الإنسانُ على أمْرٍ يَفعَله

(2)

.

وأصْلُها: قَولُه تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يُوسُف: 72]، وكان معلومًا عِندَهم؛ كالرِّشْق، وشَرْعُ مَنْ قَبْلَنا شَرْعٌ لنا، ما لم يَكُنْ في شَرْعنا ما يُخالِفُه، وحديثُ اللَّديغ

(3)

شاهِدٌ بذلك

(4)

، مع أنَّ الحِكْمةَ تَقْتضِيهِ، والحاجةَ تَدْعو إلَيهِ، فإنَّه قد لا يُوجَدُ مُتَبرِّعٌ، فاقْتَضتْ جوازَ ذلك.

(وَهِيَ أَنْ يَقُولَ) المطْلَقُ التَّصرُّفِ: (مَنْ رَدَّ عَبْدِي

(5)

، أَوْ لُقَطَتِي، أَوْ بَنَى لِي هَذَا الْحَائِطَ)، وكذا سائرُ ما يُسْتأْجَرُ عَلَيهِ من الأعمال؛ (فَلَهُ كَذَا)، وهو أكثرُ من دِينارٍ أو اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهمًا، وإلاَّ فله ما قدَّره الشَّارِعُ؛ لأِنَّه في مَعْنى المعاوَضة، ويكون

(6)

عَقْدًا جائزًا، لكلٍّ مِنْهما الرُّجوعُ فيه قَبْلَ العمل.

واقْتَضَى ذلك: أنْ لا يكونَ في يَدِه، فلو كانت اللُّقَطةُ في يَدِه، فَجَعَل له مالِكُها جُعْلاً لِيَرُدَّها؛ لم يُبَحْ له أخْذُه.

(فَمَنْ فَعَلَهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَهُ الْجُعْلُ؛ اسْتَحَقَّهُ)؛ لأِنَّ العَقْدَ اسْتَقرَّ بِتَمام العَمَل، فاسْتَحقَّ الْجُعْلَ؛ كالرِّبح في المضارَبَة.

(1)

ينظر: إكمال الإعلام بتثليث الكلام 1/ 10.

(2)

ينظر: مجمل اللغة 1/ 191.

(3)

قوله: (اللديغ) سقط من (ح).

(4)

أخرجه البخاري (2276)، ومسلم (2201)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

(5)

في (ح): حدي.

(6)

في (ظ): وتكون.

ص: 348

وفي أثنائه؛ يَسْتَحِقُّ حِصَّةَ تَمامِه.

(وَإِنْ فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمْ) بالسَّوِيَّة؛ لأِنَّهم اشْتَرَكوا في العمل الَّذي يُسْتَحَقُّ به العِوَضُ، فاشْتَرَكوا فيه؛ كالأجْر في الإجارة، بخِلافِ ما لو قال: مَنْ دَخَلَ هذا النَّقْبَ فله دِينارٌ، فَدَخَلَه جماعةٌ؛ اسْتَحَقَّ كلُّ واحِدٍ مِنْهُم دِينارًا كامِلاً؛ لأِنَّه قد دَخَلَ كلٌّ مِنْهمْ دُخُولاً كامِلاً، وهنا

(1)

لم يَرُدُّه واحِدُ منهم كامِلاً.

ومِثْلُه: مَنْ نَقَبَ السُّورَ فله دِينارٌ، فنَقَبَ ثلاثةٌ نَقْبًا واحِدًا، فلو جَعَلَ لواحِدٍ في ردِّه دِينارًا، ولآِخَرَ دِينارَينِ، ولثالِثٍ ثلاثةً؛ فلكلِّ واحِدٍ منهم ثُلُثُ ما جَعَلَ له في رَدِّه.

فلو جَعَلَ لواحِدٍ دِينارًا، ولآِخرَينِ عِوَضًا مجهولاً، فرَدُّوه؛ فلصاحِبِ الدِّينار ثُلُثُه، وللآخرَينِ أُجْرةُ عَمَلِهما.

فإن جَعَلَ له جُعْلاً في ردِّه، فردَّه هو وآخَرانِ معه، وقَالَا: رَدَدْناهُ مُعاوَنةً له؛ اسْتَحَقَّ جميعَ الجُعْل، وإنْ قَالَا: رَدَدْناهُ لنَأخُذَ العِوَضَ؛ فلا شَيءَ لهما، وله ثُلُثُ الجُعْلِ.

فَرْعٌ: إذا قال: مَنْ رَدَّ عَبْدِي مِنْ مَوضِعِ كذا، فردَّه مِنْ نِصْفِ الطَّريق، أو قال: مَنْ رَدَّ عَبْدَيَّ، فردَّ أحدهما؛ فنصفه، وإنْ رَدَّه مِنْ أبْعَد؛ فله المسمَّى، ذَكَرَهُ في «التَّلخيص» .

وإنْ رَدَّه مِنْ غَيرِ الموضِع؛ لم يَسْتَحِقَّ شَيئًا، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، كهُرُوبِه منه في نصف الطَّريق أوْ مَوتِه.

(وَمَنْ فَعَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ)؛ أيْ: قَبْلَ بلوغِ الجُعْلِ؛ (لَمْ يَسْتَحِقَّهُ)؛ لأِنَّ فِعْلَه وَقَعَ غَيرَ مأْذُونٍ فيه، فلم يَسْتَحِقَّه، ولأِنَّه بَذَلَ مَنافِعَه بغَيرِ عِوَضٍ جُعِلَ له،

(1)

في (ح): رهنًا.

ص: 349

فيكونُ عامِلاً في مال غَيرِه بغَيرِ إذْنِه، وفارَقَ الملْتَقِط بعْدَ بلوغ الجُعْل، فإنَّما بَذَلَ منافِعَه

(1)

بعِوَضٍ جُعِلَ له، فاسْتَحقَّه؛ كالأجير إذا عَمِل بعد العَقْد، ولا يَسْتَحِقُّ أخذَ الجُعْل بِرَدِّها؛ لأنَّ الرَّدَّ واجِبٌ عليه.

و (سَوَاءٌ رَدَّهُ قَبْلَ بُلُوغِ الْجُعْلِ أَوْ بَعْدَهُ)؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ أنَّ الجُعْلَ بدلٌ عن

(2)

الفِعْل والرَّدِّ.

فإنْ قال غَيرُ صاحِبِ الضالَّة: مَنْ ردَّها فله دِينارٌ؛ فهو ضامِنٌ له، وإنْ أسْنَدَه إلى مالِكِها؛ فلا.

(وَتَصِحُّ عَلَى مُدَّةٍ مَجْهُولَةٍ، وَعَمَلٍ مَجْهُولٍ)؛ لأِنَّها عَقْدٌ جائِزٌ، فجاز أنْ يكونَ العَمَلُ والمدَّةُ مَجْهولَينِ؛ كالشَّرِكة، ولأِنَّ الحاجةَ تَدْعُو إلى ذلك؛ لكَونه لا يَعلَمُ مَوضِعَ الضَّالَّة والآبق.

(إِذَا كَانَ الْعِوَضُ مَعْلُومًا)؛ لأِنَّه يَصيرُ لازِمًا بِتَمام العمل، وكالأجرة؛ لأنَّه في معنى المعاوَضةِ، لا تعليقًا مَحْضًا، فلو قال: أنت بَرِيءٌ من المائَة؛ صَحَّ؛ لأِنَّ تعليقَ الإسْقاط أقْوَى.

وفي «المغْنِي» تخريجٌ: بجَواز جَهالة الجُعْل، إن لم يَمنَع التَّسليم؛ لقَوله: مَنْ ردَّ ضالَّتِي فله ثُلُثُها، بخِلافِ: فَلَه شَيءٌ، أخْذًا مِنْ قَول الإمام في الغَزْوِ: مَنْ جاء بعشرة أرْؤُسٍ

(3)

فله رأْسٌ

(4)

.

فَعَلَيه: لو كانت الجَهالةُ تَمنَع من التَّسليم؛ لم تَصِحَّ الجعالةُ وجْهًا واحدًا، وحِينَئِذٍ: يستحقُّ

(5)

العامِلُ أجرَ المثْلِ؛ لأِنَّه عَمَلٌ بعِوَضٍ لم يُسلَّمْ له،

(1)

قوله: (بغير عوض جعل له، فيكون) إلى هنا سقط من (ق).

(2)

في (ظ): يدل على.

(3)

قال في الصحاح 3/ 932: (الرأس: يجمع في القلة أرؤس، وفى الكثرة رؤوس).

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 319.

(5)

في (ظ): فيستحق.

ص: 350

فاسْتَحَقَّ أجْرَ المِثْلِ؛ كالإجارة.

وقد تَضَمَّن كلامُه أُمورًا:

مِنْها: أنَّه لا يُشتَرَط العِلْمُ بالعمل والمدَّة، بخلافِ الإجارة.

ومِنْها: أنَّه لو قدَّر المدَّةَ؛ بأنْ قال: إنْ وَجَدتها في شهرٍ؛ صحَّ؛ لأِنَّها إذا جازت مجهولةً؛ فمع التَّقْدير أَوْلَى.

ومِنْها: لا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ العامل

(1)

؛ للحاجة.

ومِنْها: أنَّ العَمَلَ قائِمٌ مَقامَ القَبول؛ لأِنَّه يَدُلُّ عَلَيه؛ كالوكالة.

ومِنْها: أنَّ كلَّ ما جاز أنْ يكونَ عِوَضًا في الإجارة؛ جاز أنْ يكونَ عِوَضًا في الجعالة، وكلَّ ما جاز أخْذُ العِوَض عَلَيه في الإجارة؛ جاز أخْذُه في الجعالة.

(وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ) من الطَّرَفَينِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(2)

؛ كالمضارَبَة، (لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَسْخُهَا، فَمَتَى فَسَخَهَا الْعَامِلُ) قَبلَ تمام العمل؛ (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا)؛ لأِنَّه أسْقَطَ حقَّ نَفْسِه، حَيثُ لم يأْتِ بما شُرِط عَلَيه؛ كعامِلِ المضارَبَة.

(وَإِنْ فَسَخَهَا الْجَاعِلُ بَعْدَ الشُّرُوعِ؛ فَعَلَيْهِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ عَمَلِهِ)؛ أيْ: أُجْرَةُ مِثْله؛ لأِنَّه عَمَلٌ بعِوَضٍ فلم يُسَلَّمْ له.

ولو قِيلَ: تُقَسَّطُ

(3)

الأُجْرةُ لم يَبْعُدْ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا فَسَخَ قَبْلَ التَّلَبُّس بالعَمَلِ؛ لا شَيءَ للعامِل.

فإنْ زاد أوْ نَقَصَ في الجُعْل قَبْلَ الشُّروع في العمل؛ جاز؛ لأِنَّه عَقْدٌ جائزٌ، فجاز فيه ذلك، كالمضارَبَة.

(1)

في (ظ): القابل، وفي (ق): القائل.

(2)

ينظر: الشرح الكبير 16/ 171.

(3)

في (ق): يقسط.

ص: 351

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي أَصْلِ الْجُعْلِ

(1)

، أَوْ قَدْرِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَاعِلِ)؛ لأِنَّه مُنكِرٌ

(2)

، والأصلُ براءةُ ذِمَّته، وكذا الحُكْمُ إذا اخْتَلَفا في المسافة.

وقيل: يَتَحالَفانِ إذا اخْتَلَفا في قَدْره والمسافة؛ كالأجير، فإذا تحالَفا؛ فُسِخَ العَقْد، وَوَجَب أجْرُ المِثْل؛ لأِنَّها عَقْدٌ يَجِب المسمَّى في صحيحه؛ فوجبت أجرةُ المِثْل في فاسِدِه؛ كالإجارة.

وقيل في آبِقٍ: المقدَّرُ شَرعًا، ولا يَسْتَحِقُّ شَيئًا بلا شَرْطٍ، ذَكَرَه القاضِي.

(وَمَنْ عَمِلَ لِغَيْرِهِ عَمَلاً بِغَيْرِ جُعْلٍ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(3)

؛ لأِنَّه بَذَلَ مَنفَعَتَه من غَيرِ عِوَضٍ، فلم يَسْتَحِقَّه، ولِئَلاَّ يَلزَمَ الإنسانَ ما لم يَلتَزِمْه ولم تَطِبْ نفْسُه به.

وهذا إذا

(4)

لم يَكُنْ مُعَدًّا لأِخْذِ الأُجْرة، فإنْ كان مُعَدًّا لها، وأذِنَ له؛ فله الأُجْرةُ، لكِنْ نَصَّ أحمدُ على أنَّ مَنْ خَلَّص مَتاعًا لغَيرِه: يَسْتَحِقُّ أُجرةَ مِثْلِه

(5)

، بخِلافِ اللُّقطةِ.

(إِلاَّ فِي رَدِّ الآْبِقِ)، فإنَّه يَسْتَحِقُّ الجُعْلَ بلا شَرْطٍ، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ

(6)

،

(1)

كتب في هامش (ظ): (فقول من ينفيه).

(2)

في (ق): ينكر.

(3)

ينظر: المغني 6/ 96.

(4)

في (ح): إن.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 184.

(6)

أخرجه أحمد كما في المحلى (7/ 39)، وابن أبي شيبة (21940)، من طريق حجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن ابن المسيب:«أن عمر جعل في جعل الآبق دينارًا أو اثني عشر درهمًا» ، وحجاج ضعيف مدلس، وكان يحدث عن عمرو بن شعيب مما حدثه العرزمي، والعرزمي متروك. وأخرج ابن ابي شيبة (21943)، عن قتادة وأبي هاشم:«أن عمر قضى في جعل الآبق أربعين درهمًا» ، وقتادة وأبو هاشم الرماني لم يدركا عمر رضي الله عنه.

ص: 352

وعلِيٍّ

(1)

، وابن مَسْعودٍ

(2)

، وقالَهُ شُرَيحٌ، وعُمَرُ بنُ عَبد العزيز؛ لِئَلاَّ يَلْحَقَ بدارِ الحَرْب، أوْ يَشْتَغِلَ بالفَسادِ.

(فَإِنَّ لَهُ بِالشَّرْعِ)؛ أيْ: بِشَرْع الشَّارِع؛ للخَبَرِ الوارِدِ فيه: (دِينَارًا، أَوْ اثْنَيْ

(3)

عَشَرَ دِرْهَمًا)، جَزَمَ به في «الوجيز» وقدَّمه، واخْتارَه الأكْثَرُ؛ لِمَا رَوَى ابنُ أبي مُلَيكَةَ، وعمرو

(4)

بنُ دِينارٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ في ردِّ الآبِق إذا جاء به خارِجًا من

(5)

الحرم دِينارًا»

(6)

، وهو قَولُ مَنْ سمينا، ولم نَعرِفْ لهم

(1)

أخرجه أحمد كما في المحلى (7/ 39)، وابن أبي شيبة (21941)، والبيهقي في الكبرى (12124)، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه «أنه جعل في جعل الآبق دينارًا أو اثني عشر درهمًا» ، والحارث الأعور ضعيف.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (14911)، وابن أبي شيبة (21939)، والطبراني في الكبير (9066)، والبيهقي (12125)، عن أبي عمرو الشيباني قال: أتيت ابن مسعود بأُبَّاق أصبتهم بالعين - وفي لفظ: بعين التمر -، فقال:«الأجر والغنيمة» ، قلت: هذا الأجر، فما الغنيمة؟ قال:«أربعون درهمًا» . فيه عبد الله بن رباح القرشي، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، إلا أنه قد روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات، فمثله قد يُقبل في الموقوفات، لا سيما وقد تابعه سعيد بن المرزبان - وهو ضعيف -، أخرجه أبو يوسف في الآثار (762)، ومحمد بن الحسن في الأصل (9/ 364)، وابن عدي في الكامل (4/ 436)، وأخرجه ابن حزم في المحلى (7/ 39)، من طريق شيخٍ عن أبي عمرو به. قال البيهقي:(هذا أمثل ما روي في هذا الباب)، واحتج الإمام أحمد بهذه الآثار في مسائل عبد الله ص 310.

(3)

في (ح) و (ظ): واثني.

(4)

في (ح): وعمر.

(5)

في (ح): عن.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (21938)، من طريق ابن جريج، عن عطاء أو ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار، قالا: ما زلنا نسمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في العبد الآبق، الحديث. وهو مرسل. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12123)، موصولاً من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وفي سنده: خُصيف بن عبد الرحمن، وهو صدوق سيئ الحفظ، وضعف الحديث البيهقي، وقال:(والمحفوظ حديث ابن جريج، عن ابن أبي مليكة وعمرو بن دينار، وذلك منقطع)، وضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 6/ 13.

ص: 353

مخالفًا، فكان كالإجْماع، بخلاف الشَّارِدِ، فإنَّه لا يُفْضِي إلى ذلك.

وظاهِرُه: أنَّه يَسْتَحِقُّه بِرَدِّه، سواءٌ كان من المِصْر أوْ خارجه، وسَواءٌ كان الرَّادُّ إمامًا أو غَيرَه، وهو مُقْتَضَى كلامِ جماعةٍ.

ونَقَلَ حَرْبٌ: لا يَسْتَحِقُّه إمامٌ؛ لأِنَّه يَنْبَغِي له ردُّه على مالِكِه

(1)

.

ونَقَلَ ابنُ مَنصورٍ: أنَّ أحمدَ سُئِلَ عن جُعْلِ الآبِق، فقال: لا أدْرِي، قد تكلَّم النَّاسُ فيه، لم يكن عِندَه فيه حديثٌ صحيحٌ

(2)

، فظاهِرُه: أنَّه لا شَيءَ له في ردِّه، واخْتارَه المؤلِّف تَبَعًا لِظاهِرِ الخِرَقِيِّ، ورُوِيَ عن النَّخَعيِّ وابنِ المنْذِر، والحديثُ الأوَّلُ مرسَلٌ، وفيه مَقالٌ، وكما لو ردَّ جَمَلَه الشَّارِدَ، ولأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الوُجوب.

(وَعَنْهُ: إِنْ رَدَّهُ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ؛ فَلَهُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا)، رُوِي عن ابن مسعودٍ

(3)

، واخْتارَهُ الخَلاَّلُ، قال أبو إسْحاقَ:(أُعْطِيتُ الجُعْلَ في زَمَنِ مُعاوِيةَ أرْبَعينَ دِرْهَمًا)

(4)

، وهذا يَدُلُّ على أنَّه مُسْتَفِيضٌ في العصر الأوَّل.

وعَنْهُ: إنْ ردَّه من المِصْر؛ فَعَشرةٌ، قال الخَلاَّلُ: اسْتقرَّت عليه الرواية، وجَزَم به في «عيون المسائل» ، وأنَّ الرِّوايةَ الصَّحِيحةَ من خارِجِ المِصْر: دِينارٌ، أوْ عَشرةُ دَراهِمَ.

وفي «الخصال» لاِبنِ البَنَّاء، وكتاب «الرِّوايَتَينِ»: أنَّه عَشرةُ دَراهِمَ مطلَقًا، وبالَغَ القاضي في ذلك، فقال: إنَّ الرِّوايةَ لا تَختَلِف فيه.

ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ عن أحمدَ فِيمَنْ عمَّر قناةً دُونَ قَومٍ: أنَّه يَرجِعُ عَلَيهِم

(5)

،

(1)

ينظر: الفروع 7/ 184.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2611.

(3)

تقدم تخريجه 6/ 353 حاشية (2).

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (21946)، وابن الجعد (413)، عن أبي إسحاق السبيعي، وإسناده صحيح.

(5)

ينظر: شرح الزركشي 4/ 345.

ص: 354

ذَكَرَهُ القاضي في «التعليق» ، وعلَّله: بأنَّ الآبارَ بمنزلة الأعيان، فكما يَرجِعُ بالأعيان؛ يَرجِعُ بها، قاله الزَّرْكَشِيُّ.

وهذا التعليل

(1)

يَقْتَضِي الرُّجوعَ فِيما عَمِلَه بأنْ يُزيلَه، كما يَرجِعُ في الأعيان، لا أنَّه

(2)

يَرجِعُ بِبَدَلِ ذلك على مالِكِ العَينِ.

(وَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ فِي قُوتِهِ)؛ أيْ

(3)

: يَرجِعُ بِنَفَقَته؛ لأِنَّه مأْذُونٌ في الإنْفاق شَرْعًا؛ لحُرْمة النَّفْسِ، بخلاف قَضاءِ الدَّينِ بغَيرِ إذْنِه، فإنَّه مَحَلُّ خِلافٍ.

وظاهِرُه: أنَّه يَرجِعُ ولو لم يَسْتَحِقَّ جُعْلاً؛ كردِّه من غَيرِ بَلَدٍ سَمَّاهُ.

(وَإِنْ هَرَبَ مِنْهُ فِي طَرِيقِهِ)؛ فإنَّها لا تَسقُطُ، نَصَّ عَلَيه

(4)

؛ لأِنَّها وَقَعَتْ مأْذونًا فيها شَرْعًا، أشْبَهَ ما لو وَقَعَتْ بإذْن المالك ثُمَّ هَرَبَ.

وقِيلَ: إنْ نَوَى الرُّجوعَ.

وفي جواز اسْتِخْدامه بها روايتان في «الموجز» و «التَّبصرة» .

وظاهِرُه: يَقْتَضِي أنَّه لا يَستَحِقُّ الجُعْلَ إلاَّ بِرَدِّه، لا بِوِجْدانه، وظاهر

(5)

كلام جماعةٍ: أنَّه في مُقابَلة الوجْدان، فَعَلَيه: هي بَعْدَ الوجدان

(6)

كغيرها من اللُّقطات، لصاحبها أخْذُها، ولا يَجِب على الملْتَقِط مُؤْنةُ ردِّها.

وجوابُه: أنَّ

(7)

المرادَ بالوجْدان الوجْدان المقْصود، لا مُجَرَّد الوجْدان،

(1)

في (ح): التعليق.

(2)

قوله: (لا أنه) في (ح): لأنه.

(3)

في (ق): أنه.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2875، مسائل عبد الله ص 310.

(5)

في (ح): وظاهره.

(6)

في (ح): أن.

(7)

في (ح): بأن.

ص: 355

حتَّى لو ضاعَتْ بَعْدُ أو تَلِفَتْ؛ اسْتَحقَّ الجُعْلَ؛ لأِنَّ هذا غَيرُ مَقْصودٍ قَطْعًا

(1)

، فإذَنْ يَرتَفِعُ الخِلافُ.

(وَإِنْ

(2)

مَاتَ السَّيِّدُ؛ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ فِي تَرِكَتِهِ)، والمرادُ به الجُعْلُ، قاله في «الشَّرح» ، وعلَّله: بأنَّه عِوَضٌ عن عَمَله؛ فلا يَسقُطُ بالموت كالأُجْرة، وسَواءٌ كان مَعْروفًا بِرَدِّ الآبِقِ أوْ لا.

والظَّاهِرُ من كلامِ المؤلِّف: شُمولُه للجُعْل والنَّفقة؛ إذ

(3)

لا مُقْتَضَى للتخصيص

(4)

؛ لأِنَّه حَقٌّ وَجَبَ في تَرِكَته؛ كسائر الحُقوق الثَّابتة.

وعُلِمَ منه: جوازُ أخْذِ الآبِقِ لِمَنْ وَجَدَه، بخِلاف الضَّوالِّ الَّتي تَحفَظُ نَفْسَها، وهو أمانةٌ، ومن ادَّعاه فصدَّقه العَبْدُ؛ أخَذَه، فإن لم يَجِدْ سيِّدَه؛ دَفَعَه إلى الإمام أوْ نائِبِه؛ ليَحفَظَه لِصاحِبِه، ولَه بَيعُه لِمصلحةٍ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(5)

، فإنْ قال: كنتُ أعْتَقْتُه؛ فوَجْهانِ، فإنْ قُلْنا: لا يُقْبَل، فليس لسيِّده أَخْذُ ثَمَنِه، ويُصرَفُ لبيت المالِ؛ لأِنَّه لا مُستَحِقَّ له، فإنْ عادَ السَّيِّدُ فأنْكَرَ العِتْقَ، وطَلَبَ المال؛ دُفِعَ إلَيهِ؛ لأِنَّه لا مُنازِعَ له.

ولَيسَ للملتقِط بَيعُه، ولا يَمْلِكُه بعد تعريفه؛ لأِنَّه يَنحَفِظُ بِنَفْسِه، فهو كضوالِّ الإبِلِ، فإنْ باعَهُ؛ فهو فاسِدٌ في قَولِ عامَّةِ العُلَماءِ

(6)

.

(1)

في (ق): نطقًا.

(2)

في (ح): فإن.

(3)

في (ح): أو.

(4)

قوله: (للتخصيص) سقط من (ح).

(5)

ينظر: المغني 6/ 99.

(6)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 356

(بَابُ اللُّقَطَةِ)

حُكِيَ عن الخَلِيل: اللُّقَطةُ بِضَمِّ اللاَّم، وفَتْحِ القاف: الكثيرُ الاِلْتِقاطِ

(1)

، وحَكَى عنه في «الشَّرح»: أنَّها اسمٌ للمُلْتَقِط؛ لأِنَّ ما جاء على فُعَلَةٍ فهو اسْمُ الفاعِلِ؛ كالضُّحَكةِ، والهُمَزَة، واللُّمَزَةِ، وبِسُكون القاف: ما يُلْتَقَط.

وقال الأصْمَعِيُّ والفَرَّاءُ: هي بفَتْح القاف اسمٌ للمال الملْتَقَط

(2)

.

ويُقالُ فيه أيضًا: لُقاطَةٌ، بضمِّ اللاَّم، ولَقَطٌ، بفَتْحِ اللاَّم والقاف.

(وَهِيَ الْمَالُ الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ)، هذا بَيانٌ لِمَعْنَى اللُّقَطةِ شَرْعًا، قال بعضهم: وهي مُخْتصَّةٌ بغَيرِ الحَيَوان، وتُسَمَّى ضالَّةً.

والأصْلُ فيهَا: ما رَوَى زَيدُ بن خالِدٍ الجُهَنِيُّ قال: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن لُقطةِ الذَّهَب والوَرِقِ؟ فقال: «اعْرِفْ وِكاءَها وعِفاصها، ثُمَّ عَرِّفْها سَنَةً، فإنْ لم تُعرَفْ فاسْتَنْفِقْها ولْتَكُنْ وديعةً عِندَكَ، فإنْ جاءَ طالِبُها يومًا من الدَّهْر فادْفَعْها إلَيهِ» ، وسَأَلَه عن ضالَّة الإبل، فقال:«ما لَكَ ولَها، مَعَهَا سِقاؤها وحِذاؤها، تَرِدُ الماءَ وتَأكُلُ الشَّجَرَ حتَّى يَجِدَها ربُّها» ، وسأله عن الشَّاة، فقال:«خُذْها، فإنَّما هِيَ لَكَ، أوْ لأِخِيكَ، أوْ للذِّئْب» متَّفَقٌ عَلَيهِ

(3)

.

ولها أرْكانٌ ثلاثةٌ: أحدُها: المالُ الضَّائعُ. الثَّانِي: الاِلْتِقاطُ. الثَّالِثُ: الملْتَقِط، وهو كلُّ مَنْ يَصِحُّ اكْتِسابُه بالفِعْل، من اصْطِيادٍ ونحوِه.

(وَتَنْقَسِمُ

(4)

ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ):

(أَحَدُهَا: مَا لَا تَتْبَعُهُ الْهِمَّةُ)؛ أيْ: هِمَّةُ أوْساطِ النَّاس، ولو كَثُرَ؛

(1)

ينظر: المطلع ص 340.

(2)

ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 176.

(3)

أخرجه البخاري في مواضع منها (91)(2427)، ومسلم (1722).

(4)

في (ح): وتنقسم إلى.

ص: 357

(كَالسَّوْطِ)، وهو الذي يُضرَبُ به، كذا أطْلَقوا، وفي «شرح المهذَّب»

(1)

: هو فَوقَ القَضِيب ودُون العَصا، وفي «المختار»: هو سَوطٌ لا ثَمَرَةَ له، (والشِّسْعِ)، أحدُ سُيُور النَّعْل الذي يُدخَلُ بَينَ الإصْبعَينِ، (وَالرَّغِيفِ؛ فَيُمْلَكُ

(2)

بِأَخْذِهِ بِلَا تَعْرِيفٍ)، ويُباحُ الاِنْتِفاعُ به؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ قال:«رخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في العصا، والسَّوط، والحَبْل، يَلْتَقِطُه الرَّجُلُ يَنتَفِعُ به» رواهُ أبو داودَ

(3)

، وكذا التَّمرةُ، والخِرقَةُ، وما لا خَطَرَ له.

وفي «التَّبصرة» : صَدَقَتُه به أَوْلَى.

فإنِ الْتَقَطَه وانْتَفَع به وتَلِفَ؛ فلا ضَمانَ فِيهِ، ذَكَرَه في «المستوعب» وغيره.

وفي «المغْنِي» : لَيسَ عن أحمدَ تحديدُ اليسيرِ الَّذي يُباحُ، والمعروفُ في المذْهَب: تَقْيِيدُه بما لا تَتْبَعُه هِمَّةُ أوْساطِ النَّاس، ولو كَثُرَ، ونَصَّ في روايةِ أبي بَكْرِ بنِ صَدَقَةَ: أنَّه يُعرَّفُ الدِّرْهَمُ

(4)

.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَجِبُ تعريفُ الدَّانِق، وحَمَلَه في «التَّلخيص» على دانِقِ الذَّهَب؛ نَظَرًا لِعُرْفِ العِراقِ.

وعَنْهُ: يَلزَمُه تعريفُ اليَسير، وقيل: مُدَّةً يُظَنُّ طلَبُ ربِّه له.

(1)

لم نقف عليه، وهو من كتب الحنفية، كما نص عليه المصنف في أول كتاب الحدود حيث قال:(قال في «شرح المهذب» للحنفية: السوط فوق القضيب ودون العصا).

(2)

في (ح): فيملكه.

(3)

أخرجه أبو داود (1717)، والطبراني في الأوسط (9262)، والبيهقي في الكبرى (12098)، واختلف في رفعه ووقفه، وأشار أبو داود إلى وقفه بقوله: (ورواه شبابة، عن مغيرة بن مسلم، عن أبي الزبير، عن جابر قال: كانوا، لم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم، وتفرد برفعه المغيرة بن زياد البجلي وهو صدوق له أوهام، وخالفه المغيرة بن مسلم وهو أوثق منه، وضعفه البيهقي وابن حجر والألباني. ينظر: الفتح 5/ 85، الإرواء 6/ 15.

(4)

ينظر: الجامع الصغير لأبي يعلى ص 208.

ص: 358

ولا يَلزَمُه دَفْعُ بَدَلِه، خِلافًا ل «التَّبصرة» .

وقِيلَ لأِحمدَ في التَّمرة يَجِدُها أوْ يُلْقِيها عُصْفورٌ: أَيَأْكُلُها؟ قال: لا، قال: أَيُطْعِمُها صَبِيًّا أوْ يَتَصَدَّقُ؟ قال: لا يَعْرِضُ لها، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(1)

، واخْتارَه عبدُ الوهَّاب الورَّاقُ.

(الثَّانِي: الضَّوَالُّ)، مُفرَدُه: ضالَّةٌ، وهي اسْمٌ للحَيَوان خاصَّةً، ويُقالُ لها: الهَوَامِي، والهَوامِلُ، (التِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ)، وتَرِدُ الماءَ؛ (كَالإِبِلِ وَالْبَقَرِ)، نَصَّ عَلَيهِما

(2)

، (وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالظِّبَاءِ، وَالطَّيْرِ، وَالْفُهُودِ، وَنَحْوِهَا)؛ كالكَلْب.

وجُمْلَتُه: أنَّ كلَّ حَيَوانٍ يَقْوَى على الاِمْتِناع مِنْ صِغارِ السِّباع، وَوُرُودِ الماء، سَواءٌ كان لِكِبَر جثته

(3)

كالإبِلِ، أوْ لطيرانه؛ كالطُّيُور كلِّها، أوْ لِعَدْوِه؛ كالظِّباء، أوْ بِنابِهِ؛ كالفَهْد والكَلْب؛ (فَلَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهَا)؛ لِقَولِ عُمَرَ: «من أخذ

(4)

الضَّالَّةَ فهو ضالٌّ»

(5)

، أيْ: مُخْطِئٌ.

وهي

(6)

تُفارِقُ الغَنَمَ؛ لِضعفِها، وقِلَّةِ صَبرِها عن الماء، والخَوْفِ عَلَيها من الذِّئْب ونحوِه.

والحُمُرُ الأهْلِيَّةُ كذلِكَ، قالَهُ الأصْحابُ. وفي «المغْنِي»: الأَوْلَى إلْحاقُها بالشَّاة؛ لِمُساوَاتِها لها في العِلَّة.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 316.

(2)

ينظر: مسائل صالح 2/ 135، الفروع 7/ 311.

(3)

في (ح) و (ق): جنسه.

(4)

في (ظ): واجد.

(5)

أخرجه مالك (2/ 759)، وعبد الرزاق (18612)، وابن أبي شيبة (21673)، عن سعيد بن المسيب عن عمر رضي الله عنه. وإسناده صحيح، وذكر ابن القيم احتجاج العلماء بمرسل سعيد عن عمر. ينظر: زاد المعاد 5/ 166.

(6)

زيد في (ح): من.

ص: 359

لكِنْ إنْ كانت الصُّيودُ مُتَوحِّشَةً

(1)

، بحَيثُ إذا تُرِكَتْ رَجَعَتْ إلى الصَّحراء

(2)

، وعَجَزَ عنها مالِكُها؛ جاز الْتِقاطُها لأِجْلِ حِفْظِها لصاحِبِها.

ويُستثنَى مِنْ كلامه: ما إذا وَجَدَها في مَوضِعٍ يُخافُ عَلَيها به؛ كأرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أوْ قريبًا من دار الحَرْب، أوْ بِمَوضِعٍ يَسْتَحِلُّ أهلُه أمْوالَ المسلمين، أوْ في برِّيَّة لا ماءَ بها ولا مَرْعَى؛ فالأَوْلَى أخْذُها للحِفْظ، ولا ضَمانَ عَلَيهِ؛ لأِنَّ فِيهِ إنْقاذَها من الهَلاك، أشْبَهَ تَخْلِيصَها مِنْ حَريقٍ.

(وَمَنْ أَخَذَهَا؛ ضَمِنَهَا)؛ لأِنَّه أَخَذَ ملْكَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه ولا إِذْنِ الشَّارِعِ، فهو كالغاصِب، ولا فَرْقَ بَينَ زَمَنِ الأمْن والفساد أوْ غَيرِه، وسَواءٌ كان إمامًا أوْ لا، فإن

(3)

ردَّها إلى مَوضِعِها؛ لم يَبْرَأْ منه، لكِنْ إذا الْتَقَط ذلك غَيرُ الإمام، وكَتَمَه؛ ضَمِنَه بِقِيمَتِه مرَّتَينِ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ للخَبَرِ

(5)

.

(فَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى نَائِبِ الْإِمَامِ؛ زَالَ عَنْهُ الضَّمَانُ)؛ لأِنَّ الإمامَ له نَظَرٌ في ضوالِّ النَّاس، فكان نائِبًا عن أصْحابها.

(1)

في (ح): مستوحشة.

(2)

في (ح): الصخرة.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3581.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (18599)، ومن طريقه أخرجه أبو داود (1718)، والبيهقي في الكبرى (12077)، من طريق عمرو بن مسلم، عن عكرمة، - أحسبه - عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ضالة الإبل المكتومة غرامتها ومثلها معها» ، وعمرو بن مسلم هو الجندي نقل العقيلي عن أحمد قوله:(له أشياء مناكير، ومعمر قد روى عنه، وكان عنده لا بأس به)، وتكلم فيه آخرون، قال الذهبي:(ليَّنه أحمد وغيره، ولم يترك، وقوَّاه ابن معين)، وقال ابن حجر:(صدوق له أوهام)، وقد شك عكرمة في وصله وأعله المنذري بالإرسال، وأخرجه عبد الرزاق مرسلاً (17300)، لكن له شاهد يقويه وهو ما أخرجه أحمد (6746)، من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ضالة الغنم وفيه: قال: فمن أخذها من مرتعها؟ قال: «عوقب وغرم مثل ثمنها» ، وحسّن سنده الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 259، صحيح أبي داود 5/ 402، التكميل لصالح آل الشيخ ص 94.

ص: 360

وعُلِمَ منه: أنَّ للإمامِ ونائبِه أخْذَها للحِفظ؛ لقَول عُمَرَ

(1)

، ولا يَلزَمُه تَعْريفُها، ولا تُؤخَذُ منه بِوَصْفِها.

فإنْ أخَذَها غَيرُهما ليَحْفَظَها على أصحابها؛ لم يَجُزْ، ولَزِمَه ضمانُها؛ لأِنَّه لا ولايةَ له على صاحبها.

فائدةٌ: يَسِمُ الإمامُ ما يَحصُل عِندَه من الضَّوال؛ بأنَّها ضالَّةٌ، ويُشْهِدُ عَلَيها، قال في «الرِّعاية»: سِمَةَ الصَّدقةِ.

فَرْعٌ: ما يَنحَفِظ بنَفْسه من الأحجار الكِبارِ؛ كحَجَر الطَّاحُون، والخَشَب الكبيرِ، وقُدورِ القُماش؛ فهو كالإبل، بل أَوْلَى، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وقدَّم

(2)

في «الفُروع» خِلافَه.

ومَنْ أُخِذَ مَتاعُه وتُرِك

(3)

بَدَلَه؛ فَلُقطَةٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، ويَأخُذُ حقَّه منه بَعد تعريفه

(5)

.

أصلٌ: إذا وَجَدَ

(6)

في حَيَوانٍ نقدًا

(7)

، أوْ دُرَّة

(8)

؛ فهو لُقطةٌ لواجِدِه، نَصَّ عَلَيهِ

(9)

.

(1)

أخرجه مالك (2/ 759)، والبيهقي في الكبرى (12080)، عن ابن شهاب قال:«كانت ضوال الإبل في زمان عمر بن الخطاب إبلاً مؤبلة تناتج، لا يمسها أحد، حتى إذا كان زمان عثمان بن عفان؛ أمر بتعريفها، ثم تباع، فإذا جاء صاحبها؛ أعطي ثمنها» ، وأخرجه عبد الرزاق (18607)، عن معمر، عن الزهري بنحوه. وهذا مرسل.

(2)

في (ح): وقدمه.

(3)

في (ح): وبدل.

(4)

ينظر: الإنصاف 16/ 276.

(5)

في (ح): تعريف.

(6)

قوله: (وجد) سقط من (ق).

(7)

في (ح): هذا.

(8)

في (ح): رده.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2714.

ص: 361

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: لبائعٍ ادَّعاه، إلاَّ أنْ يَدَّعِيَ مُشْتَرٍ أنَّه أَكَلَه عِندَه؛ فهو له

(1)

.

وإنْ وَجَدَ دُرَّةً غَيرَ مَثْقوبَةٍ في سَمَكةٍ؛ فهي لِصَيَّادٍ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ ابْتِلاعُها مِنْ معدِنِها.

فلو تَرَكَ دابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أوْ فلاةٍ؛ لعجزه أو

(2)

انْقِطاعِها؛ مَلَكَها آخِذُها، نَصَّ عَلَيه

(3)

.

وقِيلَ: لا، بل هي لِمالِكِها؛ كعَبْدٍ، وتَرْكِ مَتاعٍ عَجْزًا؛ فيَرجِعُ بنَفَقتِه وأُجْرةِ مَتاعٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

.

وقِيلَ: لا نَفَقَةَ، ولا أُجْرةَ.

وقيل: في نَفَقَة العَبْدِ رِوايتانِ.

وكذا ما يُلْقَى في البحر خَوفًا من الغَرَقِ، فإنَّه يَمْلِكُه آخِذُه، وفي «الشَّرح»: لا أعْلَمُ لأِصْحابِنا فيه قَولاً.

وقيل: لَا، وله أُجرَةُ ردِّ مَتاعِه في الأصحِّ.

فإنِ انْكَسَرَت السَّفينةُ، وأخْرَجَه

(5)

قَومٌ؛ فَقِياسُ قَولِ أحمدَ: لِمُسْتَخْرِجه أُجْرَةُ المِثْل؛ كجُعْل

(6)

ردِّ الآبِق.

وقال القاضِي: يَأْخُذُ أصْحابُ المتاعِ متاعَهم، ولا شَيءَ للذِينَ أصابُوهُ.

والأوَّل أَوْلَى.

(الثَّالِثُ: سَائِرُ الْأَمْوَالِ؛ كَالْأَثْمَانِ، وَالْمَتَاعِ، وَالْغَنَمِ، وَالْفُصْلَانِ)، بِضَمِّ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2717.

(2)

قوله: (أو) سقط من (ح).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3921.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3921.

(5)

في (ق): فأخرجه.

(6)

في (ظ): بجعل.

ص: 362

الفاء، جَمْعُ فَصِيلٍ، وهو وَلَدُ النَّاقَة إذا فُصِلَ عن أمِّه، (وَالْعَجَاجِيلِ

(1)

، جَمْعُ عِجْلٍ، وهو وَلَدُ البقرة

(2)

، قال ابن

(3)

مالك: حين

(4)

يُوضَعُ

(5)

، والجَمْعُ: العَجَاجِيلُ، (وَالْأَفْلَاءِ)، قال الجَوْهَرِيُّ: الفَلُوُّ؛ بتشديد الواو: المُهْرُ، والأُنْثى: فَلُوَّةٌ، والجَمْع: أفْلاءٌ؛ كأعداءٍ، قال أبو زَيدٍ: إذا فَتَحْتَ الفاءَ شَدَّدَتَ، وإذا كَسَرْت خَفَّفْتَ، فَقُلْتَ: فِلْو؛ كجِرْوٍ

(6)

.

(فَمَنْ لَا يَأْمَنُ نَفْسَهُ عَلَيْهَا؛ لَيْسَ لَهُ أَخْذُهَا)؛ لِمَا في ذلك مِنْ تَضْيِيعِ مالِ غَيرِه، فحَرُم؛ كإتْلافه، وكما لو نَوَى تَمَلُّكَها في الحال أوْ كِتْمانَها

(7)

.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ ضَمِنَهَا)؛ كغاصِبٍ، سَواءٌ تَلِفَتْ بتَفْريطه أوْ لا، (وَلَمْ يَمْلِكْهَا وَإِنْ عَرَّفَهَا)؛ لأِنَّ السَّببَ المحرَّمَ لا يُفِيدُ الملْكَ بدليلِ السَّرِقَة، والْتِقاطُ هذه مُحرَّمٌ، فلا

(8)

يُسْتَفَادُ به الملْكُ.

وقِيلَ: تُمْلَكُ؛ لأِنَّ الملْكَ بالتَّعريف والالتقاط

(9)

، وقد وُجِدا

(10)

؛ كالاصْطِياد مِنْ أرْضِ غَيرِه.

(وَمَنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهَا، وَقَوِيَ عَلَى تَعْرِيفِهَا؛ فَلَهُ أخْذُهَا)؛ لحديثِ زَيْد

(11)

، ثَبَتَ في النَّقْدَينِ، وقِسْنَا عليهما

(12)

المتاعَ، وعلى الشَّاةِ قِسْنَا كلَّ

(1)

في (ظ): والعجول.

(2)

في (ح): البقر.

(3)

قوله: (ابن) سقط من (ح).

(4)

قوله: (حين) سقط من (ح).

(5)

ينظر: إكمال الإعلام بتثليث الكلام 2/ 412.

(6)

ينظر: الصحاح 6/ 2456.

(7)

في (ق): كنمائها.

(8)

قوله: (فلا) سقط من (ح).

(9)

في (ح): وإلا التقاط.

(10)

في (ظ): وجد.

(11)

أخرجه البخاري (2427)، ومسلم (1722).

(12)

في (ح): عليها.

ص: 363

حَيَوانٍ لا يَمْتَنِعُ بنَفْسِه من صغار السِّباعِ، كابْنِ آوَى والذِّئْب.

وعن أحمدَ: لَيسَ لِغَيرِ الإمام الْتِقاطُ الشَّاة ونحوِها.

وعَنْهُ: وعَرْضٍ، ذَكَرَهَا أبو الفَرَجِ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ الشَّارِعَ عَلَّل في عَدَمِ الْتِقاط الإبل ما هو معدومٌ في الغنم، وفرَّق بَينَهما في خبرٍ واحِدٍ، فلا يجوز الجَمْعُ بَينَ ما فرَّق الشَّارِعُ بَينَهما، ولا قياسُ ما أَمَرَنا بالْتِقاطه على ما مَنَعَ منه.

وحِينَئِذٍ: لا فَرْقَ بَينَ أن يَجِدَها في مِصْرٍ أو مَهْلَكَةٍ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَسْتَفْصِلْ، ولو افْتَرَقَ الحال لَاسْتَفْصَلَ.

وذَكَرَ القاضي وأبو الخَطَّاب عن أحمدَ: أنَّه لا يَمْلِكُها، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: ولعلَّها الرِّوايةُ الَّتي مَنَعَ من التقاطها

(1)

فيها.

(وَالْأَفْضَلُ تَرْكُهَا)، قاله أحمدُ

(2)

، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ

(3)

، وابنِ عُمَرَ

(4)

، ولم يُعرَفْ لهما مُخالِفٌ، فكان كالإجماع؛ ولأنَّه

(5)

يُعرِّضُ نفسَه لأِكْل الحرام، وتَضْيِيعِ الواجب في التَّعريف وأداءِ الأمانةِ فِيهَا، فكان تَرْكُها أَوْلَى؛ كوِلاية مالِ اليتيم.

(1)

في (ح): التقاطه.

(2)

ينظر: المغني 6/ 73.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18624)، وابن أبي شيبة (21663)، والبيهقي في الكبرى (12082)، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس كان يقول:«لا ترفع اللقطة، لست منها في شيء» ، وقال:«تركها خير من أخذها» ، وقابوس فيه لين، وأبوه مجهول.

(4)

أخرجه مالك (2/ 758)، والشافعي في الأم (4/ 72)، وابن أبي شيبة (21641)، والبيهقي في الكبرى (12063)، عن نافع، أن رجلاً وجد لقطة، فجاء إلى ابن عمر، فقال له: إني وجدت لقطة فماذا ترى فيها؟ فقال له: «عرِّفها» ، قال: قد فعلت؟ قال: «زِد» ، قال: قد فعلت، فقال عبد الله:«لا آمرك أن تأكلها، ولو شئت لم تأخذها» ، وإسناده صحيح.

(5)

في (ظ): لأنه.

ص: 364

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: إِنْ وَجَدَهَا بِمَضْيَعَةٍ)، وأَمِنَ نَفْسَه عَلَيها؛ (فَالْأَفْضَلُ أَخْذُهَا)؛ لِمَا فِيهِ من الحِفْظ المطْلوبِ شَرْعًا؛ كتخْلِيصه من الغَرَقِ، ولا يَجِبُ أخْذُه؛ لأِنَّه أمانةٌ؛ كالوَدِيعة، وخرّجَ وُجوبَه إذنْ؛ لأِنَّ حُرمةَ مالِ المسلِمِ؛ كحُرْمة دَمِه.

فَرْعٌ: إذا وَجَدَ عَنْبَرةً على السَّاحِل؛ فهِيَ له

(1)

.

والقنُّ الصغير؛ كالشَّاة، وكذا كلُّ جاريةٍ تَحرُمُ على الملْتَقِط، وذَكَرَ القاضِي: أنَّ قِياسَ المذْهَب: أنَّه لا يُملَكُ بالتَّعريف.

(وَمَتَى أَخَذَهَا ثُمَّ

(2)

رَدَّهَا إِلَى مَوْضِعِهَا، أَوْ فَرَّطَ فِيهَا؛ ضَمِنَهَا)؛ لأِنَّها حَصَلَتْ في يَدِه، فَلَزِمَه حِفْظُها؛ كالوَدِيعة، إلاَّ أنْ يأْمُرَه إمامٌ أوْ نائبُه بِرَدِّها؛ كمُمْتَنِعٍ.

ودَلَّ على أنَّها إذا ضاعَتْ عِندَه في حَول التَّعريف بلا تَفْريطٍ؛ لا ضَمانَ عَلَيهِ.

وإنِ الْتَقَطَها آخَرُ؛ لَزِمَهُ ردُّها إلى الأوَّل مع عِلْمِه، فإنْ لم يَعلَمْ حتَّى عرَّفها حَوْلاً؛ مَلَكَها؛ لأِنَّ سَبَبَ الملْكِ وُجِدَ منه من غَيرِ عُدْوانٍ، فثَبَتَ الملْكُ له كالأوَّل، ولا يَملِكُ الأوَّلُ انْتِزاعَها منه.

(1)

كتب في هامش (ظ): (لأنه يمكن أن البحر ألقاها، والأصل عدم الملك فيها، فكانت مباحة لآخذها، كالصيد. وقد روى سعيد، عن إسماعيل بن عياش، عن معاوية بن عمرو العبدري، قال: ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير، فأخذها ناس بعَدَن، فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إلينا: أن خذوا منها الخُمس، وادفعوا إليهم سائرها، وإن باعوكموها فاشتروها. فأردنا أن نَزِنها، فلم نجد ميزانًا يخرجها، فقطعناها ثنتين ووزناها، فوجدناها ستمائة رطل، فأخذنا خُمسها، ودفعنا سائرها، ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار، وبعثنا بها إلى عمر، فلم يلبث إلا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألف دينار رضي الله عنه، وهذه تكملة المسألة المذكورة، ذكره في الشرح).

(2)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

ص: 365

فإنْ جاء صاحبُها؛ أخَذَها من الثَّاني، ولَيسَ له مطالَبةُ الأوَّل.

فإنْ عَلِمَ الثَّانِي بالأوَّل، فردَّها وأبَى أخْذَها، وقال: عرِّفْها أنتَ، فعرَّفَها؛ مَلَكَها.

وإنْ قال: عَرِّفْها وتكونُ ملْكًا لي، أوْ بَيْنَنَا؛ صحَّ.

وإنْ قَصَدَ الثَّانِي بالتَّعْريف تملُّكها

(1)

لنفسه دُونَ الأوَّل؛ فَوجْهانِ.

وكذا الحُكمُ إذا عَلِمَ الثَّاني بالأوَّل؛ فعرَّفَها ولم يُعْلِمْه بها.

فَرْعٌ: إذا

(2)

غَصَبَها غاصِبٌ من الملْتَقِط، فَعَرَّفها؛ لم يَمْلِكْها وجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه تَعدَّى بِأَخْذها، ولم يُوجَدْ منه سَبَبُ تملُّكِها.

(وَهِيَ) أي

(3)

: الأموالُ المذكورةُ (عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ):

(حَيَوَانٌ؛ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ) ذَبْحِه و (أَكْلِهِ

(4)

، وِفاقًا

(5)

؛ لقَوله عليه السلام: «هِي لكَ، أوْ لأِخِيكَ، أوْ للذِّئب

(6)

»

(7)

، جَعَلَها له في الحال، وسَوَّى بَينَه وبَينَ الذِّئْبِ، والذِّئْبُ لا يُؤخِّر أكْلَها، ولأِنَّ في أكلها

(8)

في الحال إغْناءً عن الإنفاق عَلَيها، وحِفْظًا لِمَالِيَّتها على صاحبها.

ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يَجِدَها في المصْر أو الصَّحْراء.

(وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)، قالَهُ أصْحابُنا، وعَلَيهِ أكثرُ العُلَماء؛ لأِنَّه إذا كان عَلَيهِ قِيمةُ

(1)

في (ق): ملكها.

(2)

في (ظ): أي إذا.

(3)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(4)

في (ح): أقله.

(5)

ينظر: المبسوط 11/ 9، الكافي لابن عبد البر 2/ 837، نهاية المحتاج 5/ 435، المغني 6/ 104. لكن عند الحنفية: إن كان لها منفعة آجرها بإذن الحاكم وأنفق عليها، وإن لم يكن لها منفعة باعها إن كان أصلح.

(6)

في (ح): الذئب.

(7)

من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، أخرجه البخاري (2427)، ومسلم (1722).

(8)

قوله: (ولأن في أكلها) سقط من (ح).

ص: 366

ما يُضْطَرُّ إليه إذا أكَلَه؛ فَلَأَنْ يكونَ عَلَيهِ قِيمةُ مَا ذُكِرَ بطَريق الأَوْلَى، وتصير

(1)

في ذِمَّته، ولم

(2)

يَلزَمُه عَزْلُها.

وقال م

(3)

: له أكلُ ضالَّةِ الغَنَم، ولا غَرامةَ عَلَيهِ لصاحِبِها، ولا تعريفَ لها، قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: لم يُوافِقْ مالِكًا أحدٌ من العلماء

(4)

.

وأفْتَى أبو الخَطَّاب، وابنُ الزَّاغُونِيِّ: بأكْلِه بِمَضْيَعةٍ، بِشَرْطِ ضَمانِه، وإلاَّ لم يَجُزْ تَعجِيلُ ذَبْحِه؛ لأِنَّه يُطْلَبُ.

وقال ابْنُ عَقِيلٍ، وأبو الحُسَينِ: لا يَتَصرَّفُ قَبْلَ الحَول في شاةٍ ونَحوِها بِأكْلٍ ونحوِه روايةً واحدةً.

(وَبَيْنَ بَيْعِهِ، وَحِفْظِ ثَمَنِهِ)؛ لأِنَّه إذا جاز أكْلُها بغَيرِ إذْنٍ؛ فبَيعُها أَوْلَى، وظاهِرُه: أنَّه يَتَوَلَّى ذلك بنفْسِه، ويَلزَمُه حِفْظُ صِفَتِها.

ولم يَذكُرْ أصْحابُنا هنا تَعْريفًا؛ لأِنَّه عليه السلام لم يأْمُرْ بتَعْريفها.

ونَصَر في «الشَّرح» : لُزُوم ذلك؛ لأِنَّها لُقطةٌ لها خَطَرٌ، فَوَجَبَ تَعْريفُها؛ كالمطْعومِ الكثيرِ، وإنَّما لم يَذْكُرْه هُنا؛ لأِنَّه ذَكَرَه بَعْدُ.

(وَبَيْنَ حِفْظِهِ) لِمَالِكِه، ولم يَتَملَّكْها، (وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ)؛ لِمَا في ذلك من حِفْظِه على مالكه عَينًا ومالاً

(5)

، فلو تَرَكَها بلا نَفَقةٍ؛ ضَمِنَها؛ لأِنَّه فَرَّطَ فِيهَا.

(وَهَلْ يَرْجِعُ بِذَلِكَ) إذا نَوَى الرُّجوعَ به؛ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، هُما رِوايَتانِ:

الأصحُّ: أنَّه يَرجِعُ، قَضَى به عمرُ بنُ عبد العزيز؛ قال في «المغْنِي»

(1)

في (ح): ويصير.

(2)

في (ظ): ولا.

(3)

قوله: (م) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

ينظر: المدونة 4/ 457، التمهيد 3/ 125.

(5)

في (ظ): أو مالاً.

ص: 367

و «الشَّرح» : نَصَّ عَلَيهِ في رِوايةِ المَرُّوذِيِّ فِي طَيرَةٍ أفْرَخَتْ عِنْدَ قَوْمٍ، فقضى

(1)

أنَّ الفِراخَ لصاحِبِ الطَّيرة، ويَرجِعُ بالعَلَف ما لم يكن مُتَطَوِّعًا

(2)

، قال أبو بَكْرٍ: هذا مع تَرْكِ التَّعَدِّي، فإنْ تَعَدَّى؛ لم يُحْتَسَبْ له، ولأِنَّه أَنْفَقَ عَلَيه لِحِفْظه، فكان من مالِ صاحبه؛ كمؤنة

(3)

التَّجْفِيف.

والثَّاني: لا يَرجِعُ؛ لأِنَّه أنْفَقَ على مالِ غَيرِه بلا إِذْنِه، فلم يَرجِعْ؛ كما لو بَنَى دارَه، وفارَقَ التَّجْفِيفَ؛ لأِنَّه لا تَتَكرَّرُ نَفَقَتُه، بخِلافِ الحَيَوانِ، فربَّما استَغرقَتْ ثَمَنَه، مع أنَّ الشَّعْبِيَّ عَجِبَ مِنْ قَضاءِ عُمَرَ.

وقِيلَ: إنْ أنْفَقَ بإذْنِ حاكِمٍ؛ رَجَعَ، وإلاَّ فَلَا.

(الثَّانِي: مَا يُخْشَى فَسَادُهُ)، مِمَّا لا يُمكِنُ تجْفِيفه؛ كالطَّبِيخ، والبِطِّيخ، والخَضْراوات، (فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَيْعِهِ) وحِفْظِ ثَمَنِه؛ لأِنَّ

(4)

فيه إبقاءً لِمالِيَّته، ويتولَّى ذلك بنَفْسه، (وَأَكْلِهِ) وتَثْبُت القِيمةُ في ذِمَّته، فإنْ تَرَكَه حتَّى تَلِفَ؛ ضَمِنَه؛ لأِنَّه فرَّط في حِفْظه؛ كالوَدِيعةِ.

ويَحفَظ صفاتِه ثُمَّ يُعرِّفه عامًا، ولم يَذكُرْه الأكثرُ.

فإنْ تَلِفَ الثَّمنُ قَبلَ تملُّكه من غَيرِ تَفْريطٍ، أوْ نَقْصٍ، أوْ تَلِفَت العَينُ، أوْ نَقَصَت من غَيرِ تَفْريطٍ؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ.

(إِلاَّ أَنْ يُمْكِنَ تَجْفِيفُهُ؛ كَالْعِنَبِ) والرُّطَب؛ (فَيَفْعَلُ مَا يَرَى فِيهِ

(5)

الْحَظَّ

(6)

لِمَالِكِهِ)؛ لأِنَّ

(7)

ذلك أمانةٌ في يده،

(1)

في (ح): يقضي.

(2)

ينظر: المغني 6/ 105.

(3)

في (ق): لمؤنة

(4)

في (ح): لأنه.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(6)

في (ظ): الحفظ.

(7)

زيد في (ح): في.

ص: 368

وفِعْلُ الْأَحَظِّ

(1)

في الأمانة مُتَعَيِّنٌ، وكَوَلِيِّ اليتيم، وهذا بِخِلافِ الحَيَوان؛ لأِنَّ في تَرْكِه ضَرَرًا، وهو النَّفَقَةُ عَلَيهِ وخَوفُ مَوتِه.

قال في «المغْنِي» : ومُقْتَضَى قَولِ أصْحابِنا: أنَّ العُرُوضَ لا تُمْلَكُ بالتَّعريف، وأنَّه لا يَجُوز له أكْلُه، لكِنْ يُخيَّر بَينَ الصَّدقةِ به وبَينَ بَيعِه.

(وَغَرَامَةُ التَّجْفِيفِ مِنْهُ)؛ لأِنَّه من مصلحته؛ فكان منه، كما لو كان لِيتِيمٍ، وله بَيعُ بعضه.

فإنْ أنْفَقَ من ماله؛ رَجَعَ به في الأصحِّ.

فإنْ تَعذَّر بيعه

(2)

، ولم يُمكِنْ تجفيفُه؛ تعيَّنَ أكْلُه.

(وَعَنْهُ: يَبِيعُ الْيَسِيرَ، وَيَرْفَعُ الْكَثِيرَ إِلَى الْحَاكِمِ)؛ لأِنَّ اليَسيرَ يُتَسامَحُ به، بخِلافِ الكثِيرِ؛ لأِنَّه مالٌ لِغَيرِه، لم

(3)

يَأْذَن فِيهِ، فكان أمْرُه إلى الحاكِمِ.

وعَنهُ: مع وُجودِهِ.

(الثَّالِثُ: سَائِرُ الْمَالِ)؛ كالأثْمان والمتاع، (فَيَلْزَمُهُ حِفْظُهَا

(4)

؛ لأِنَّها أمانةٌ، (وَيُعَرِّفُ الْجَمِيعَ) وُجوبًا؛ لأِنَّه عليه السلام أَمَرَ به زَيدَ بنَ خالِدٍ، وأُبَيَّ بنَ كَعْبٍ

(5)

، ولأِنَّه طريقٌ إلى وُصولِها إلى صاحِبِها، فَوَجَبَ ذلك؛ كحِفْظِها

(6)

.

(1)

في (ق): الحظ.

(2)

في (ظ): نفقة.

(3)

في (ح): ولم.

(4)

في (ح): حفظهما.

(5)

قوله: (وأبي بن كعب) في (ق): والد كعب.

حديث زيد بن خالد في الصحيحين وسبق تخريجه، وحديث أُبي بن كعب: أخرجه البخاري (2426)، ومسلم (1723)، ولفظه: أخذتُ صُرَّةً مائة دينار، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«عرِّفها حولاً» ، فعرفتها حولاً، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال:«عرِّفها حولاً» فعرفتها، فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، فقال:«احفظ وعاءها وعددها ووكاءها، فإن جاء صاحبها، وإلا فاستمتع بها» الحديث.

(6)

في (ق): لحفظها.

ص: 369

وظاهِرُه: ولو وَجَدَها في دارِ حرْبٍ، فإنْ كان في

(1)

جَيشٍ؛ فقال أحمدُ: يُعرِّفُها سَنَةً في دارِ الإسْلام، ثُمَّ يَطرَحُها في المغْنَمِ.

(بِالنِّدَاءِ عَلَيهِ)؛ لأِنَّه طَريقٌ إلى إيصال

(2)

المالِ إلى مُسْتَحِقِّه.

وقد تَضَمَّنَ ذلك: وُجوبَه، وقَدْرَه، وزَمانَه، ومَكانَه، ومَنْ يتولاَّه.

أمَّا وُجوبُه: فهو واجِبٌ على كلِّ مُلْتَقِطٍ، سَواءٌ أراد تملُّكَها أوْ حِفْظَها لصاحِبِها، إلاَّ في اليَسِيرِ الَّذي لا تَتْبَعُه الهِمَّةُ.

(فِي مَجَامِعِ النَّاسِ؛ كَالْأَسْوَاقِ، وَأَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ فِي أَوْقَاتِ

(3)

الصَّلَوَاتِ)، هذا مَكانُه

(4)

؛ لأِنَّ المقْصودَ إشاعةُ ذِكْرِها وإظْهارُها؛ لِيَظْهَرَ عَلَيها صاحِبُها، وذلك طريقٌ إلَيهِ، وَرُوِيَ عن عُمَرَ:«أنَّه أَمَرَ واجِدَ اللُّقطة بتَعْريفِها على بابِ المسْجِد»

(5)

.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا يَفعَلُ ذلك في المسجِدِ، وإنْ كان مَجْمَعَ النَّاس، بل يُكرَه، وفي «عيون المسائل»: لا يَجُوزُ، وقالَهُ ابنُ بَطَّةَ؛ لقَوله للرَّجُل:«لا ردَّها الله عَلَيكَ»

(6)

.

وَوَقْتُه: النَّهارُ، وقد يُفهَمُ هذا مِنْ قَولِه:«كالأسْواق» .

(1)

في (ح): من.

(2)

في (ح): اتصال.

(3)

قوله: (في أوقات) في (ق): وأوقات.

(4)

قوله: (هذا مكانه) في (ق): عند إمكانه.

(5)

أخرجه مالك (2/ 757)، والشافعي في الأم (4/ 72)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 118)، والبيهقي في الكبرى (12090)، عن معاوية بن عبد الله بن بدر الجهني، أن أباه أخبره به، ومعاوية سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات (5471)، وقال:(كان يفتي بالمدينة)، قال ابن سعد في الطبقات - متمم التابعين ص 139: (لقي عامة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبه ضعَّف الألبانيُّ الأثر في الإرواء 6/ 21.

(6)

أخرجه مسلم (568)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا.

ص: 370

(حَوْلاً

(1)

كَامِلاً)؛ رُوِيَ عن عُمَرَ

(2)

، وعليٍّ

(3)

، وابنِ عَبَّاسٍ

(4)

، وقالَهُ أكثرُ العلماء، ويَكونُ مُتَوالِيًا يَلِي الاِلْتِقاطَ؛ لظاهِرِ الأمْرِ؛ إذْ مُقْتَضاهُ الفَورُ عِندَنا، ولأِنَّ صاحِبَها يَطلُبُها عُقَيبَ ضَياعِها، فإذا عُرِّفَتْ إِذَنْ كان أقْرَبَ إلى وُصولِها إلَيهِ، بخلافِ ما لو تأخَّر، ولأِنَّ السَّنَةَ لا تتأخَّرُ

(5)

عنها القَوافِلُ، ويَمْضِي فيها الزَّمانُ الَّذي يُقصَد فيها البلادُ من البحر والبرِّ

(6)

، فَصَلَحَتْ

(1)

في (ح): قولاً.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (18630)، وابن أبي شيبة (21636)، عن سويد بن غفلة، عن عمر بن الخطاب قال في اللقطة:«يعرفها سنة، فإن جاء صاحبها وإلا تصدق بها، فإن جاء صاحبها بعدما يتصدق بها؛ خيَّره؛ فإن اختار الأجر كان له، وإن اختار المال كان له ماله» ، قال في الجوهر النقي 6/ 187:(سند جليل). وأخرجه الدارمي (2641)، والنسائي في الكبرى (5787)، والطحاوي في معاني الآثار (6077)، والبيهقي في الكبرى (12059)، عن سفيان بن عبد الله بن ربيعة الثقفي عن عمر نحوه. قال ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 55:(إسناد جيد).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18628)، وابن أبي شيبة (21634)، من طرق عن أبي إسحاق، عن أبي السفر، عن رجل من بني رؤاس، قال: التقطتُ ثلاثمائة درهم، فعرَّفتها تعريفًا ضعيفًا، وأنا يومئذ محتاج، فأكلتها حين لم أجد أحدًا يعرفها، ثم أيسرت فسألت عليًّا، فقال:«عرِّفها سنة، فإن جاء صاحبها، فادفعها إليه، وإلا فتصدق بها، وإلا فخيِّره بين الأجر وبين أن تغرمها له» ، وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (12/ 122)، والبيهقي في الكبرى (12062)، من طريق شعبة، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، أن رجلاً من بني رؤاس وجد صُرَّة، وذكره. والرجل من بني رؤاس مجهول.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (21629)، وسعيد بن منصور كما في الفتح (4/ 469)، عن عبد العزيز بن رفيع، حدثني أبي، قال: وجدت عشرة دنانير، فأتيت ابن عباس، فقال:«عرِّفها على الحجر سنة، فإن لم تعرف فتصدق بها، فإن جاء صاحبها فخيِّره الأجر أو الغرم» ، قال في الجوهر النقي 6/ 189:(على شرط البخاري، خلا رُفيعًا، وهو ثقة)، ويقويه ما أخرجه دعلج كما في تغليق التعليق (4/ 470)، عن أبي الجويرية، عن ابن عباس نحوه. وصحح الحافظ إسناده.

(5)

في (ق): لا يتأخر.

(6)

في (ظ): البر والبحر.

ص: 371

قَدْرًا؛ كأجَلِ العِنِّينِ.

فيكون نهارًا متوالِيًا في أسْبُوعٍ.

وفي «التَّرغيب» : ثمَّ مرَّةً كلَّ أسبوعٍ في شَهرٍ، ثمَّ مرة في كلِّ شهْرٍ، ثمَّ العادةُ.

ولا تُعرَّف كِلابٌ، بل يُنتَفَعُ بالمباح منها.

(مَنْ

(1)

ضَاعَ) - هذا بيانُ مَنْ يتولاَّه - (مِنْهُ شَيْءٌ، أَوْ نَفَقَةٌ)، ولا يَصِفُه، فإنَّه لا يُؤمَنُ أن يَسمَعَه أحدٌ، فيَصِفُه، فيأْخُذُه، فيَفُوتُ على المالك.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : يَذكُرُ جِنْسَها، فيقولُ: مَنْ ضاعَ منه ذَهَبٌ أوْ فِضَّةٌ.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا أطْنَبَ في الصِّفات؛ فهو ضامِنٌ.

وظاهِرُه: أنَّه يَلزَمُه تعريفُها ولو

(2)

مع خَوفِه مِنْ سُلْطانٍ جائِرٍ ليأخُذَها، أوْ يُطالِبَه بأكْثَرَ، فإن أخَّر؛ لم يَمْلِكْها إلاَّ بَعْدَه، ذَكَرَهُ جماعةٌ.

(وَأُجْرَةُ المُنَادِي عَلَيْهِ)؛ أيْ: على الملْتَقِط، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لأِنَّه سَبَبٌ، فكانت الأُجرةُ عَلَيهِ، كما لو اكْتَرَى شخصًا يَقطَعُ له مباحًا، فلو تولَّى ذلك بنفْسِه؛ فلا شَيءَ له

(4)

.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: مَا لَا يُمْلَكُ بِالتَّعْرِيفِ، وَمَا يُقْصَدُ حِفْظُهُ لِمَالِكِهِ؛ يَرْجِعُ بِالْأُجْرَةِ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه من

(5)

مُؤْنَة إيصالِها إلَيه، فكان على مالكها؛ كأجْرةِ

(1)

في (ح): ومن.

(2)

قوله: (ولو) سقط من (ق).

(3)

ينظر: الفروع 7/ 313.

(4)

قوله: (وأجرة المنادي عليه؛ أي: على الملتقط

) إلى هنا كتب على الهامش في (ظ)، وليس عليها إشارة صح.

(5)

في (ق): في.

ص: 372

مَخْزَنها وراعِيهَا، ونَسَبَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» ما

(1)

لا يُملَك بالتَّعريف إلى ابْنِ عَقِيلٍ، وما يُقصَد حِفْظُه إلى أبي الخَطَّاب.

وعِندَ الحُلْوانِيِّ وابنِه: منها؛ كمُؤْنَة

(2)

التَّجْفِيفِ.

وقِيلَ: منها إن

(3)

لم يُمْلَكْ، وذَكَرَه في «الفنون» ظاهِرَ كلامِ أصْحابِنا.

مسألةٌ: إذا أخَّر التَّعريفَ عن الحَول الأوَّل مع إمْكانه؛ أَثِمَ؛ للأمْر به، وهو يَقتَضِي الوُجوبَ، ولأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه بَعْدَ الحَول يَسْلُو عَنْها، ويَترُكُ طَلَبَها.

ويَسقُطُ بتأْخيره

(4)

عن الحَول الأوَّل، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، فإنْ تَرَكَه في

(6)

بَعْضِ الحَول؛ عرَّف بقِيَّتَه.

وقِيلَ: لا يَسقُط بتأْخيره؛ لأِنَّه واجِبٌ، فلا يَسقُطُ بتأْخِيرِه عن وَقْتِه؛ كسائر الواجِبات.

وعَلَيهما: لا يَمْلِكها بالتَّعْريف فِيمَا عدا الحَول الأوَّل؛ لأِنَّ شَرْطَ الملْك التَّعريفُ فِيهِ، ولم يُوجَدْ.

نَعَمْ؛ لو تَرَكَه لِمرضٍ ونِسْيانٍ؛ مَلَكَها بالتَّعريف في ثاني الحَول في وَجْهٍ.

وفي آخَرَ: حُكمُه حُكمُ مَنْ تَرَكَه لغَيرِ عُذْرٍ، فلا يَملكُها؛ إذ

(7)

الحُكْمُ يَنتَفِي بانْتِفاءِ سَبَبِه مطلَقًا.

(فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دَخَلَ

(8)

فِي مِلْكِهِ بَعدَ الْحَوْلِ

(9)

حُكْمًا)؛ أيْ: مِنْ غَيرِ

(1)

في (ح): بأن.

(2)

في (ق): لمؤنة.

(3)

في (ح): أي.

(4)

في (ق): تأخيره.

(5)

ينظر: المغني 6/ 77.

(6)

قوله: (في) سقط من (ح).

(7)

في (ق): أو.

(8)

في (ظ): دخلت.

(9)

قوله: (بعد الحول) سقط من (ظ) و (ق).

ص: 373

اخْتِيارٍ؛ (كَالمِيرَاثِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، وذَكَرَه في «عيون المسائل» الصَّحيحَ من المذْهَب، غَنِيًّا كان أوْ فَقِيرًا؛ لظاهِرِ الأحاديث:«فإنْ لم تُعرَفْ؛ فاسْتَنْفِقْها»

(2)

، وفي لَفْظٍ:«فهي كسَبيل مالِكَ»

(3)

، وفي لَفْظٍ:«ثُمَّ كُلْها»

(4)

، وفي لَفْظٍ:«فانْتَفِع بها»

(5)

، وفي لَفْظٍ:«فَشَأْنَك بها»

(6)

، وفي لَفْظٍ:«فاسْتَمْتِعْ بِها»

(7)

، ولو وَقَفَ ملْكُها على تملُّكها؛ لَبَيَّنَه له، ولم يَجُزْ له التَّصرُّف قَبْلَه، ولأِنَّ الاِلْتِقاطَ والتَّعْريفَ سَبَبٌ للملْكِ، فإذا تمَّ؛ وَجَبَ أن يثبت

(8)

به الملْك حُكْمًا؛ كالإحْياء والاِصْطِياد.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا يَمْلِكُهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذَلِكَ)، وهو روايةٌ في «الواضح» ؛ لأِنَّ هذا ملْك

(9)

بِعِوَضٍ، فلم يَحصُل إلاَّ باخْتِيار المالِكِ؛ كالقَرْضِ، فَعَلَيه: لا بدَّ من لَفْظٍ.

فلو الْتَقَطها اثْنانِ، فعرَّفاها حَولاً؛ مَلَكاها، فإنْ قُلْنا: تَقِفُ

(10)

على الاِخْتِيار، فاخْتارَ أحدُهما دُونَ الآخَرِ؛ مَلَكَ المخْتارُ نِصفَها.

وإن

(11)

قال أحدُهما لصاحبه: هاتِها، فأخَذَها لنَفْسه؛ فهِيَ له دُونَ

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 340، زاد المسافر 3/ 383.

(2)

أخرجه البخاري (2427)، ومسلم (1722)، من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (5292)، ومسلم (1723)، في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه.

(4)

أخرجه مسلم (1722)، في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.

(5)

أخرجه النسائي في الكبرى (5794)، في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه بلفظ:«وإلا فاستنفع بها» ، وهي عند الطحاوي في شرح المعاني (6067)، من حديث زيد بن خالد رضي الله عنه، بلفظ:«فإن لم تعرف فاستنفع بها» .

(6)

أخرجه البخاري (2372)، ومسلم (1722)، في حديث زيد بن خالد رضي الله عنه.

(7)

أخرجه البخاري (2426)، مسلم (1723)، في حديث أُبي بن كعب رضي الله عنه.

(8)

في (ظ): ثبت.

(9)

في (ظ): يملك.

(10)

في (ق): يقف.

(11)

في (ح): فإن.

ص: 374

الآمِرِ، وإنْ أخَذَها للآمر؛ فهي له؛ كما لو وكَّله في الاِصْطِياد.

وفي «الكافي» : لِرافِعِها؛ لأنَّه لا يصِحُّ التَّوكيلُ فِيهِ

(1)

.

(وَعَنْ أحمَدَ

(2)

: لَا يَمْلِكُ

(3)

إِلاَّ الْأَثْمَانَ، وَهِيَ ظَاهِرُ المَذْهَبِ)، نَقَلَها واخْتارَها الأكْثرُ

(4)

؛ لأِنَّ الخبرَ وَرَدَ فِيها، وغَيرُها لا يُساوِيها؛ لِعَدَم الغَرَض المتعلِّقِ بها، فمِثْلُها يَقُومُ مَقامَها مِنْ كلِّ وَجْهٍ، بخِلافِ غيرِها، فدلَّ على

(5)

أنَّ العُروضَ لا تُمْلَكُ، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ الجماعةِ

(6)

، وقالَهُ أكْثرُ الأصْحاب، مع أنَّه ذَكَرَ في «المغْنِي»: ولا أعْلَمُ بَينَ أكثرِ أهلِ العِلْم فَرْقًا بَينَ الأثْمان والعروض.

وعَنهُ: ولا الشَّاةَ.

والمذهَبُ عِنْدَ العامَّة: أنَّ الشَّاةَ تُمْلَكُ دُونَ العُروض، قالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

(وَهَلْ لَهُ الصَّدَقَةُ بِغَيْرِهَا؟) أيْ: بَعْدَ التَّعريف المعتَبَرِ تُباعُ، ويُتَصدَّقُ بِثَمَنِها؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما: له الصَّدقةُ به بشَرْطِ ضَمانِه، روي

(7)

عن ابنِ مَسْعودٍ

(8)

، ولأِنَّ

(1)

في (ق): له.

(2)

قوله: (وعن أحمد) هو في (ظ) و (ق): وعنه.

(3)

في (ظ): لا تملك.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 340، المغني 6/ 79.

(5)

قوله: (على) سقط من (ظ) و (ق).

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 340.

(7)

في (ح): وروي.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (18631)، وابن أبي شيبة (21630)، والطحاوي في معاني الآثار (6086)، وابن المنذر في الأوسط (6449)، والطبراني في الكبير (9721)، عن أبي وائل، قال: اشترى ابن مسعود من رجل جارية بسبعمائة، فنشده سنة لا يجده، ثم خرج بها إلى السدَّة، فتصدَّق بها من درهم ودرهمين عن ربها، فإن جاء صاحبها خيَّره، فإن اختار الأجر كان له، وإن اختار مالَه كان له مالُه، قال ابن مسعود:«هكذا فافعلوا باللقطة» . علقه البخاري بصيغة الجزم 7/ 50، وجوَّد الحافظ إسناده في الفتح 9/ 430.

ص: 375

الإنسانَ يَنتَفِعُ بِمالِه تارةً لِمَعاشِه، وتارةً لِمَعاده

(1)

، فإذا انْتَفى الأوَّلُ؛ تعيَّن الثَّانِي.

والثَّاني: لا يتصدَّق به؛ لأِنَّه تصرُّفٌ في مالِ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه، ولأِنَّه يَحتَمِل أنْ يَظهَرَ صاحِبُها فيأخذَها، قال الخَلاَّلُ: هذا قَولٌ قديمٌ رَجَع عنه.

فعَلَيه: يُعرِّفها أبدًا، اخْتارَه أبو بَكْرٍ، وابنُ عَقِيلٍ.

وقال القاضِي في «الخصال» : يُخيَّر بَينَ تعريفها أبدًا وبَينَ دَفْعِها إلى الحاكم؛ لِيَرَى رأْيَه فيها.

وقال ابنُ عَقِيلٍ في «البداية» : يَدفَعُها إلى الحاكِم، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ خِلافُه.

قال في «الفروع» : وتَتوجَّه

(2)

الرِّوايَتانِ فيما يأخُذُه السُّلْطانُ من اللُّصوص إذا لم يُعرْفْ ربُّه، ونَقَلَ صالِحٌ في اللُّقطة: يَبِيعُه، ويَتصدَّق بثَمنه بشَرْطِ ضمانه

(3)

.

(وَعَنْهُ: لَا تُمْلَكُ لُقَطَةُ الْحَرَمِ بِحَالٍ)، بل يَجُوز أخْذُها للحِفْظ، اخْتارَه الشَّيخُ تقِيُّ الدِّينِ

(4)

وغيرُه من المتأخِّرين؛ لقَوله عليه السلام في مكَّةَ: «لا تَحِلُّ ساقِطَتُها إلاَّ لمنشد

(5)

» متَّفَقٌ عَلَيه

(6)

، قال أبو عُبَيدٍ: المنْشِدُ: المعرِّفُ،

(1)

في (ق): لمعاذه.

(2)

في (ظ): ويتوجه.

(3)

في (ح): ضمان. ولم نجدها في مسائل صالح. وينظر: الروايتين والوجهين 2/ 9، الفروع 7/ 314.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 315.

(5)

في (ح): المنشد.

(6)

أخرجه البخاري (2433)، ومسلم (5135)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 376

والنَّاشِدُ: الطَّالِبُ

(1)

، فيكون مَعْناهُ: لا تَحِلُّ لُقطةُ مكَّة

(2)

إلاَّ لِمَنْ يُعرِّفها؛ لأِنَّها خُصَّتْ بهذا مِنْ بَينِ سائرِ البُلدانِ، فتعرَّف

(3)

أبدًا، أوْ يَدْفَعُها إلى حاكِمٍ.

والمذهَبُ: أنَّه كالحِلِّ؛ لحديثِ زَيدٍ، وبأنَّ عُمومَ الأشخاص تتناول عمومَ الأحوال؛ إذْ قَولُه:«مَنْ وَجَد لُقطةً» عامٌّ في كلِّ واجِدٍ، وعُمومُ الواجِدين يَستلزِمُ عمومَ أحوالهم.

وعن أحمدَ: أنَّ اللُّقطةَ لا تُمْلَك بحالٍ، نَقَلَها حَنبَلٌ والبَغَوِيُّ

(4)

، ذَكَرَهُ السَّامَرِّيُّ.

(1)

ينظر: غريب الحديث 2/ 133.

(2)

في (ح): بمكة.

(3)

في (ح): فيعرف.

(4)

ينظر: مسائل البغوي ص 72، الروايتين والوجهين 2/ 7.

ص: 377

(فَصْلٌ)

(وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِي اللُّقَطَةِ حَتَّى يَعْرِفَ وِعَاءَهَا)، وهو العِفَاص التي تكون

(1)

فيه مِنْ خِرْقةٍ أوْ غَيرِها، وقِيلَ: هو صِفَة شَدِّه وعَقْدِه، (وَوِكَاءَهَا)، وهو ما يُشَدُّ به الوِعاءُ، وهما مَمْدودانِ، (وَقَدْرَهَا) بالعدَد، أو الكَيل، أو الوَزن، أو الذَّرْع، (وَجِنْسَهَا وَصِفَتَهَا)؛ لحديثِ زَيدٍ، وفيه:«فإنْ جاء صاحبُها فَعَرَفَ عِفاصَها، وعَدَدَها، ووِكاءَها؛ فأعْطِها إيَّاهُ، وإلاَّ فهي لك» رواه مُسلِمٌ

(2)

، وفي حديثِ أُبَيِّ بنِ كعْبٍ:«فإنْ جاء أحدٌ يُخبِرُك بِعدَدِها، وَوِعائها، ووِكائها؛ فأعْطِها إيَّاه»

(3)

، ولأِنَّ دَفْعَها إلى ربِّها يَجِبُ بما ذُكِرَ، فلا بُدَّ من معرفته

(4)

، نظرًا إلى ما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلاَّ به واجِبٌ

(5)

، ولأِنَّه إذا عَدِمَ ذلك؛ لم يَبقَ سَبيلٌ إلى معرفتها.

قال القاضِي: يَنْبَغِي أنْ يَعرِفَ جِنْسَها، ونَوعَها، وإنْ كانت ثِيابًا عَرَف لِفافَتَها، وجِنْسَها، ويَعرِف العَقْدَ عليها هل هو واحدٌ، أو أكْثَرُ.

(وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ عِنْدَ وِجْدَانِهَا)؛ لأِنَّ فِيهِ تحصيلاً للعلم بذلك.

(وَالْإِشْهَادُ عَلَيْهَا)؛ لأنَّه عليه السلام لم يأْمُرْ به، قال أحمدُ: (لا أحبُّ أنْ يَمَسَّها

(6)

حتَّى يُشهِدَ عَلَيها)

(7)

، فظاهِرُه: أنَّه مستحب

(8)

.

(1)

في (ظ): يكون.

(2)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم (1722)، وهو في البخاري بنحوه (2372).

(3)

أخرجه بهذا اللفظ مسلم (1723)، ونحوه عن البخاري (2437).

(4)

في (ح): تعرفته.

(5)

في (ق): وأجيب.

(6)

في (ق): يبينها.

(7)

ينظر: المغني 6/ 84.

(8)

في (ح): يستحب.

ص: 378

وأوْجَبَه ابنُ أبي مُوسَى وأبُو بَكْرٍ؛ لقَولِه عليه السلام: «مَنْ وَجَدَ لُقطةً فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ» رواهُ أبو داودَ

(1)

، فَعَلَيها: يَضمَنُ بتركه

(2)

.

وجوابُه: ما سَبَقَ، ولو وَجَبَ لَبَيَّنَه، فإنَّه لا يَجُوز تأخيرُ البيان عن وقْتِ الحاجة، سِيَّما وقد سُئِلَ عن حُكْمِ اللُّقطة، ولأِنَّه أَخْذٌ على وَجْه الأمانة، فلم

(3)

يَفتَقِرْ إلى الإشهاد؛ كالوديعة

(4)

.

والشُّهودُ: عَدْلانِ فصاعِدًا.

ولا يُشهِدُ على الصِّفات، نَصَّ عَلَيه

(5)

؛ لاِحْتِمال شيوعه

(6)

، فيَعتَمِدَه المدَّعِي الكاذِبُ، ويُسْتَحَبُّ كَتْبُ صِفاتها؛ لِيكونَ أثْبَتَ لها، مَخافةَ نِسْيانها.

(فَمَتَى جَاءَ طَالِبُهَا

(7)

ولو بَعْدَ الحَول، (فَوَصَفَهَا) بالصِّفات السَّابِقةِ؛ (لَزِمَ دَفْعُهَا إِلَيْهِ)، بلا بينة ولا يمينٍ، وإنْ لم يَغلِبْ على ظنِّه صِدْقُه؛ لِقَوله:«فإنْ جاء طالِبُها يومًا مِنْ الدَّهْر؛ فأدِّها إلَيهِ»

(8)

.

وفي «الرِّعاية» : يأْخُذُها تامَّةً مع ظنِّ صِدْقِه.

وفي كلامِ أبي الفَرَج و «التَّبصرة» : جاز الدَّفْعُ إلَيهِ.

وقال أبو حَنِيفةَ والشافعي

(9)

: لا يُجبَرُ على ذلك إلاَّ بِبَيِّنةٍ.

(1)

أخرجه أحمد (17481)، وأبو داود (1709)، والنسائي في الكبرى (5776)، وابن ماجه (2505)، وابن حبان (4894)، من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه مرفوعًا. وصححه ابن حبان وابن عبد الهادي وابن الملقن. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 240، البدر المنير 7/ 153.

(2)

في (ظ): تركه.

(3)

في (ق): فلا.

(4)

في (ح): كما لو دفعه.

(5)

ينظر: مسائل صالح 3/ 20.

(6)

في (ظ): تنوعه.

(7)

في (ق): صاحبها.

(8)

أخرجه مسلم (1722)، من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه في بعض ألفاظه.

(9)

ينظر: المبسوط للسرخسي 11/ 8، الإقناع للماوردي 11/ 121.

ص: 379

والأوَّلُ أَوْلى؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَذكُرْ بيِّنةً، ولو كانت شَرْطًا لَذَكَرَها؛ كغَيرها، ولا يُنافِيهِ

(1)

قولُه

(2)

عليه السلام: «البيِّنةُ على المدَّعِي، واليمين على مَنْ أنْكَرَ»

(3)

؛ إذْ هو مع وجود مُنكِرٍ

(4)

، وهو مَفْقودٌ في صورة اللُّقطة، فالخَبَرُ لا يَشمَلُها، ولو سُلِّمَ فالتخصيص

(5)

، ويتعذَّر

(6)

إقامةُ البيِّنة عليها غالِبًا لسقوطها حالَ الغفلة والسَّهو، فلو لم يَجِبْ دَفْعُها بالصِّفة؛ لَمَا جاز الْتِقاطُها.

ومِثْلُه: وصْفه مغصوبًا ومَسْروقًا، ذَكَرَه في «عيون المسائل» ، والقاضي وأصحابُه.

(بِنَمَائِهَا المُتَّصِلِ)؛ لأِنَّها نَماءُ ملْكه، ولا يُمْكِنُ انفِصالُها، ولأِنَّه يَتْبَعُ في العُقود والفُسوخ.

(وَزِيَادَتُهَا المُنْفَصِلَةُ؛ لِمَالِكِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ)؛ لأِنَّها نَماءُ ملْكِه، (وَلِوَاجِدِهَا بَعْدَهُ)، أيْ: بَعْدَ مُضِيِّ حَولِ التَّعريف، (فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، وهو ظاهِرُ «الوجيز» ، وصحَّحه ابنُ حَمْدانَ؛ لأِنَّه مَلَكَها بانْفِصالِ الحَولِ، فالنَّماءُ إذَنْ نَماءُ ملْكِه.

(1)

قوله: (والأول أولى لأنه صلى الله عليه وسلم

) إلى هنا سقط من (ق).

(2)

في (ق): لقوله.

(3)

أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه بلفظ:«اليمين على المدعى عليه» ، وعند البيهقي في الكبرى (21201)، بلفظ:«البينة على المدعي، واليمين على من أنكر» ، حسنه ابن رجب، وصححه ابن حجر والألباني، وأخرجه الترمذي (1341)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وفي إسناده محمد العرزمي وهو متروك، وله طرق أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: جامع العلوم والحكم 3/ 932، بلوغ المرام (1408)، الإرواء 8/ 264.

(4)

في (ق): مثله.

(5)

في (ح): التخصيص.

(6)

في (ح): ويتعدد.

ص: 380

والثَّاني: يأْخُذُها ربُّها بها

(1)

؛ كالمتَّصِلة، وكالمفْلِس والولَدِ.

والصحيح فِيهما: أنَّ الزِّيادةَ إنْ حدثت

(2)

في ملْكه، ثمَّ الفَرْقُ: أنَّه في مسألتنا يَضمَنُ الملْتَقِطُ النقص

(3)

، فتكونُ الزِّيادةُ له لِيكونَ الخَراجُ بالضَّمان، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

فَرْعٌ: إذا اخْتَلَف المؤْجِرُ والمسْتَأْجِرُ في دِفْنٍ في

(4)

الدار، مَنْ وَصَفَه؛ فهو له.

وقِيلَ: لا؛ كوديعةٍ، وعارِيةٍ، ورَهْنٍ، وغَيرِه؛ لأِنَّ اليَدَ دليلُ الملْكِ، ولا تَتَعذَّرُ البيِّنةُ.

مسألةٌ: مؤنة الرَّدِّ على ربِّها، ذَكَرَه في «التَّعليق» و «الانتصار»؛ لِتَبرُّعه. وفي «التَّرغيب» و «الرِّعاية»: على الملْتَقِط.

(وَإِنْ تَلِفَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ؛ لَمْ يَضْمَنْهَا)؛ لأِنَّها أمانةٌ في يَدِه، فلم تُضمَنْ

(5)

بغَيرِ تَفريطٍ، كالوديعة.

(وَإنْ كَانَ بَعْدَهُ؛ ضَمِنَهَا

(6)

؛ لأِنَّها دَخَلتْ في ملْكه بانْقِضاء الحَول، وتلفت

(7)

من مالِه، ولا فَرْقَ بَينَ التَّفرِيطِ وعَدَمِه.

لكِن اخْتارَ في «المغْنِي» : أنَّ اللُّقطةَ بَعْدَ الحَول تُمْلَكُ بغَير عِوَضٍ يَثْبُتُ في ذمته

(8)

، وإنَّما يتجدَّد العِوَضُ بِمَجِيء صاحبِها.

(1)

قوله: (بها) سقط من (ح).

(2)

في (ح): وجدت.

(3)

في (ظ): البعض.

(4)

قوله: (في) سقط من (ح).

(5)

في (ق): فلم يضمن.

(6)

في (ظ): إن كان وبعده يضمنها.

(7)

في (ح): أو تلفت.

(8)

في (ظ): ملكه.

ص: 381

وعِندَ القاضِي وغَيره: أنَّه لا يَملِكُها إلاَّ بعِوَضٍ في ذِمَّته لصاحِبِها.

وعَلَيهِما: يَزُولُ ملْكُ الملْتَقِطِ عنها بِوُجودِ ربِّها إنْ كانَتْ باقِيَةً، ويَرُدُّ بَدَلَها، وهو

(1)

مِثْلُها، أوْ قِيمتُها إنْ كانَتْ تالِفةً؛ لأِخبارٍ

(2)

، ولأِنَّه مالُ معصومٍ؛ فلم يَجُزْ إسْقاطُ حقِّه منه مطلَقًا، كما لو اضْطَرَّ إلى مالِ غَيرِه.

وعنه: لا يَضمَنُ؛ لحديث عِياضٍ المرفوعِ: «فإنْ جاء ربُّها، وإلاَّ فهو مال الله يُؤْتِيهِ مَنْ يشاءُ»

(3)

.

وتُعْتَبرُ القِيمةُ وقْتَ التَّملُّك، قالَهُ في «التَّلخيص» ، وهو ظاهِرٌ على رأْيِ القاضي.

وقال الشَّيخانِ: حِينَ وجود ربِّها.

وقيل: يَومَ تصرُّفِه.

وقِيلَ: يَومَ غَرْمِ بَدَلِها.

وعَنْهُ: لا يَضمَنُ قيمتَها بَعْدَ ملْكِها.

وقيل: ولا يَرُدُّها.

والخِلافُ السَّابِقُ على القول بملكها بمُضِيِّ الحَول، فأمَّا مَنْ قال: لا يَملِكُها إلاَّ بالاِخْتِيار

(4)

؛ لم يَضْمَنْها إلاَّ به، ومَنْ قال: لا يَمْلِكُها بحالٍ؛ لم يَضْمَنْها، وهو قَولُ الحَسَن، والنَّخَعِيِّ، وغَيرِهما.

تنبيهٌ: إذا تَصرَّف فيها الملْتَقِطُ بَعْدَ الحول بِبَيعٍ، أوْ هِبَةٍ، أوْ نحوِهما؛ صحَّ، فإنْ جاء ربُّها بَعْدَ خروجها عنه؛ فلَيسَ له أخْذُها، وله أخْذُ بَدَلِها، فإنْ

(1)

في (ق): وثمن.

(2)

منها كما في شرح الزركشي (4/ 336)، حديث زيد بن خالد رضي الله عنه عند مسلم (1722)، وفيه:«فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه» .

(3)

سبق تخريجه 6/ 379 حاشية (1).

(4)

في (ق): بالأخبار.

ص: 382

عادت إلى الملْتَقِط؛ فله أخْذُها، كالزَّوج إذا طلَّق قَبْلَ الدُّخول، فَوَجَدَ الصَّداقَ قد رجع إلى المرأة، فإن كان بَيعَ خِيارٍ؛ فله أخْذُه.

فإنْ ماتَ الملْتَقِطُ بَعْدَ أنْ صارت ملْكًا له، ثُمَّ جاء ربُّها؛ فهو غَرِيمٌ بها، يرجع

(1)

بِبَدلها إن اتَّسَعَت التَّركةُ، وإلاَّ تَحاصَّ الغُرَماءُ؛ أيْ: مع التَّلَفِ.

ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يُعلَمَ تَلَفُها بَعْدَ الحَولِ أوْ لا.

وفي «المغْنِي» احْتِمال: لا يَلزَمُ عِوَضُها إن لم يُعلَمْ تَلَفُها بَعْدَ الحَول؛ لاِحْتِمال تَلَفِها في الحَول، وهي أمانةٌ.

(وَإِنْ وَصَفَهَا اثْنَانِ) مَعًا، أوْ وَصَفَها الثَّانِي قَبلَ دَفْعها للأوَّل؛ (قُسِمَتْ بَيْنَهُمَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأِنَّهما اسْتَوَيا في السَّبَب الموجِبِ للدَّفْع، أشْبَهُ ما لو كانت في أيْدِيهما.

(وَفِي الآخَرِ

(2)

: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا)، ذَكَرَه القاضِي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: أنَّه أشْبَهُ بأصولنا فِيما إذا تَدَاعَيا عَيْنًا في يَدِ غَيرِهما، ولأِنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحَدِهما على الآخَرِ، (فَمَنْ قَرَعَ صَاحِبَهُ؛ حَلَفَ وَأَخَذَهَا)؛ لأِنَّ ذلك فائدةُ القُرْعة، ويحلف

(3)

؛ لاِحْتِمالِ أنَّها لَيستْ له، وكذا إنْ أقاما بيِّنَتَينِ.

فلو وَصَفَها إنسانٌ فأَخَذَها، ثُمَّ جاء آخَرُ فوَصَفَها؛ لم يَسْتَحِقَّ شَيئًا.

وقال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: إنْ زاد في الصِّفة؛ احْتَمَلَ تَخريجَه على بيِّنة النِّتاج

(4)

.

(وَإِنْ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ؛ أَخَذَهَا مِنَ الْوَاصِفِ)؛ لأِنَّ البيِّنةَ أقْوَى من الوصف.

(1)

في (ح): رجع.

(2)

قوله: (وفي الآخر) هو في (ظ): والآخر.

(3)

قوله: (لا مزية لأحدهما على الآخر

) إلى هنا سقط من (ح).

(4)

في (ح): التشاح. وفي (ق): الفساح. والمثبت موافق للفروع 7/ 319.

ص: 383

(وَإِنْ تَلِفَتْ؛ فَلَهُ تَضْمِينُ أَيِّهِمَا

(1)

شَاءَ مِنَ الْوَاصِفِ والدَّافِعِ إِلَيهِ)، أمَّا الأوَّلُ؛ فَلأِنَّه أخَذَ مالَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه، وتَلِفَ عِندَه، وأمَّا الثَّانِي؛ فَلأِنَّه دَفَعَ المالَ إلى غَيرِ مالِكِه اخْتِيارًا منه، فَضَمِنَه، كما لو دَفَعَ الوديعةَ إلى غَيرِ مالِكِها إذا غلب

(2)

على ظنِّه أنَّه مالكها

(3)

.

وقِيلَ: لا ضَمانَ عَلَيهِ إذا قُلْنا بوجوب الدَّفْع عليه

(4)

؛ لأِنَّه فَعَلَ ما أُمِرَ به ولم يُفرِّطْ، وكما لو أُخِذتْ منه كَرْهًا.

(إِلاَّ أَنْ يَدْفَعَهَا بِحُكْمِ حَاكِمٍ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّها مأْخُوذةٌ منه على سبيل القَهْر، فلم يَضْمَنْها، كما لو غُصِبَتْ منه.

(وَمَتَى ضَمِنَ الدَّاِفعُ

(5)

؛ رَجَعَ عَلَى الْوَاصِفِ)؛ لأِنَّه كان سبَبَ تَغْريمه، والتَّلَفُ حَصَلَ في يَدِه، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: إلاَّ أنْ يكونَ الملْتَقِط قد أَقَرَّ للواصِف أنَّها ملْكُه؛ لأِنَّه قد اعْتَرَف بأنَّ الواصِفَ هو المحِقُّ، وصاحِبُ البيِّنة قد ظَلَمَه.

وظاهِرُه: أنَّ صاحِبَ البيِّنة إذا ضَمَّنَ الواصِفَ؛ لا يَرجِعُ هو على الدَّافِع، وصرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ التَّلَفَ حَصَلَ في يده، والعُدْوانَ منه.

فَرْعٌ: إذا مات الملْتَقِطُ؛ قام وارِثُه مَقامَه في التَّعريف أو إتْمامه، ويَمْلِكُها بَعْدَ تمام التَّعريف، فإنْ لم يُعلَم تَلَفها، ولا وُجِدَتْ في تَرِكَته؛ فهو غَريمٌ بها.

وقِيلَ: لا يَلزَمُ الملْتَقِطَ شَيءٌ.

وقِيلَ: يَلزَمُه إنْ مات بَعْدَ الحَولِ لا قَبْلَه.

(1)

قوله: (فله تضمين أيهما) هي في (ح): ضمنها من.

(2)

قوله: (إذا غلب على ظنه) هي في (ظ): إذًا على ظنه. وفي (ح): إذا ظنه.

(3)

في (ح): سالكها.

(4)

في (ح): إليه.

(5)

في (ح): الدفع.

ص: 384

(فَصْلٌ)

(وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْمُلْتَقِطِ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا)، رُوِيَ عن عُمَرَ، وعليٍّ، وابنِ مَسْعودٍ، وعائشةَ

(1)

، وخَلْقٍ؛ للعموم.

وعَنْهُ: لا يَملِكُها إلاَّ فَقِيرٌ مِنْ غَيرِ ذَوِي القُربَى؛ لحديثِ عِياضٍ

(2)

؛ ولأِنَّه أضاف المالَ فيه

(3)

إلى الله تعالى، وما يُضافُ إلَيهِ إنَّما يَتَمَلَّكُه مَنْ يَسْتَحِقُّ الصَّدقةَ.

وجَوابُهُ: بِأنَّ مَنْ مَلَكَ بالقَرْض؛ مَلَكَ اللُّقطةَ؛ كالفقير، ودَعْواهم لا دليلَ عَلَيها، بل بُطْلانُها ظاهِرٌ، فإنَّ الأشْياءَ كُلَّها تُضافُ إلى الله خَلْقًا وملْكًا، قال الله تعالى:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النُّور: 33].

(مُسْلِمًا)، اتِّفاقًا، (أَوْ كَافِرًا) في قَولِ الجماهِيرِ؛ لأِنَّه نَوعُ اكْتِسابٍ، فكان مِنْ أهْلِه؛ كالاِحْتِطاب، وقَيَّده في «الشَّرح» و «الفروع»: بالذِّمِّيِّ، ولَعَلَّه مرادٌ، وفي «الرِّعاية»: بالكافِر العَدْلِ في دارِنا.

وقال بعضُ العلماء: لَيسَ له ذلك في دار الإسْلام؛ لأِنَّه لَيسَ من أهْلِ الأمانة

(4)

، ويَنتَقِضُ بالصَّبِيِّ.

(1)

لم نقف على آثار صريحة في ذلك، ولعل المراد ما ورد عنهم من العمومات، وتقدم تخريج أثر عمر وعلي رضي الله عنهما 6/ 371 وابن مسعود رضي الله عنه 6/ 375 حاشية (8).

وعن عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن الجعد (2367)، وابن أبي شيبة (21659)، عن سلمى بنت كعب الأسدية قالت: وجدت خاتمًا في طريق مكة، وأنا مصعدة، فأتيتُ عائشة، فذكرت ذلك لها، فقالت:«استمتعي به» ، وفيه شريك النخعي وهو ضعيف.

(2)

سبق تخريجه 6/ 379 حاشية (1).

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ق).

(4)

في (ق): الإمامة.

ص: 385

قال في «الشَّرح» : وإنْ عَلِمَ بها الحاكِمُ؛ أقرَّها في يَدِه، وضَمَّ إليه عَدْلاً في الحِفْظ والتَّعريف.

ويَحتَمِل: أنْ تُنْتَزَعَ مِنْ يَدِه، وتُوضَعَ على يَدِ عَدْلٍ؛ لأِنَّه غَيرُ مأْمُونٍ عَلَيها.

(عَدْلاً) اتِّفاقًا، (أَوْ فَاسِقًا) على المذْهَبِ؛ لأِنَّها من جِهاتِ الكَسْب، وهو مِنْ أهْلِه، فصَحَّ الْتِقاطُه كالعَدْل، وإذا صحَّ الْتِقاطُ الذِّمِّيِّ؛ فالمسلِمُ أَوْلَى، والأَوْلَى له تَرْكُها؛ لأِنَّه يُعرِّضُ نفْسَه للأمانة، وهو لَيسَ مِنْ أهْلِها.

(وَقِيلَ: يُضَمُّ إِلَى الْفَاسِقِ أَمِينٌ فِي تَعْرِيفِهَا وَحِفْظِهَا)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لا يُؤمَنُ عَلَيها، فافْتَقَرَ إلى مُشارَكةِ الأمينِ في الحِفْظ.

وظاهِرُه: أنَّها لا تُنْتَزَعُ منه؛ لأِنَّ له حقَّ التَّمَلُّكِ، نَعَمْ؛ إنْ لم يُمْكِن المشرف حِفْظُها منه؛ انْتُزِعت مِنْ يَدِه، وتُرِكَتْ في يَدِ عَدْلٍ، فإذا عرَّفها؛ مَلَكَها الملْتَقِطُ؛ لِوجودِ سبب

(1)

الملْكِ منه.

(وَإِنْ وَجَدَهَا صَبِيٌّ، أَوْ سَفِيهٌ)، أوْ مَجْنونٌ، قالَهُ جماعةٌ؛ (قَامَ وَلِيُّهُ بِتَعْرِيفِهَا)؛ لأِنَّ واجِدَها لَيسَ من أهْلِ التَّعريف، وهو يقوم في ماله، فكذا في لُقطَته.

وحِينَئِذٍ: يَلزَمُ الوَلِيَّ أخْذُها منه، فإنْ تَرَكَها في يَدِه فتَلِفَتْ؛ ضَمِنَها.

(فَإِذَا عَرَّفَهَا) ولم تُعرَفْ؛ (فَهِيَ لِوَاجِدِهَا)؛ لأِنَّ سَبَبَ الملْكِ تَمَّ شَرْطُه، فثَبَتَ الملْكُ له؛ كالصَّيد.

وعُلِمَ منه: صِحَّةُ الْتِقاطِهما؛ لِعُموم الأخْبار، ولأِنَّه نَوعُ كَسْبٍ، فَصَحَّ

(1)

قوله: (سبب) سقط من (ح).

ص: 386

منه؛ كالاِحْتِشاش، فإنْ تَلِفَتْ بِيَدِ أحدِهم وفرَّطَ

(1)

، نَصَّ عَلَيهِ في صَبِيٍّ

(2)

؛ كإتْلافه.

(وَإِنْ وَجَدَهَا عَبْدٌ) عَدْلٌ؛ (فَلِسَيِّدِهِ أَخْذُهَا مِنْهُ)؛ لأِنَّها مِنْ كَسْبه، وهو لِسَيِّده، فكان له انْتِزاعُها منه (وَتَرْكُهَا مَعَهُ، يَتَوَلَّى تَعْرِيفَهَا إِذَا كَانَ عَدْلاً)؛ لأِنَّه واجِدٌ، فإنْ عرَّفها بعضَ الحَول؛ عَرَّفَها السَّيِّدُ تَمامَه، وإنْ عَرَّفَها حَولاً؛ صحَّ في الأصحِّ؛ لأِنَّ له قَولاً صحيحًا، فصحَّ تعريفُه كالحُرِّ، فإذا تَمَّ حَولُ التَّعريفِ؛ مَلَكَها سَيِّدُه بِشَرْطِه؛ لأِنَّها مِنْ جُمْلةِ أكْسابِه.

وظَهَرَ منه: صِحَّةُ الْتِقاطِه بغَيرِ إذْنِ سيِّده؛ لأِنَّ مَنْ جاز له قَبولُ الوَديعَةِ بغَيرِ إذْنِ سيِّده؛ جازَ له الالتقاط؛ كالحُرِّ، وهذا إذا لم يَنهَهُ عنها، فإنْ نَهاهُ عنها؛ لم يَصِحَّ قَطْعًا.

لَا يُقالُ: هي قَبْلَ الحَول أمانةٌ ووِلايةٌ، وبَعدَه تملُّكٌ، ولَيسَ مِنْ أهْلِه؛ لأِنَّه يَبطُل بالصَّبِيِّ، والعَبْدُ من أهْل التَّمَلُّك في الجملة؛ بدليلِ الاِصْطِياد.

فإنْ عَتَقَ؛ أخَذَه سيِّدُه. وقِيلَ: إنْ عَتَقَ بَعْدَ الحَول والتَّعْريفِ

(3)

، وقُلْنا: يُملَكُ؛ فَلا.

(فَإِنْ

(4)

لَمْ يَأْمَنِ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا؛ لَزِمَهُ سَتْرُهَا عَنْهُ)؛ لأِنَّه يَلزَمُه حِفْظُها، وذلك وسيلةٌ إلَيهِ، ويُسلِّمُها إلى الحاكِم، ثُمَّ يَدفَعُها إلى سَيِّده بشَرْطِ الضَّمان.

(فَإِنْ أَتْلَفَهَا قَبْلَ الْحَوْلِ؛ فَهِيَ فِي رَقَبَتِهِ)؛ أي: تَتَعلَّق قِيمتُها بِرَقَبَته؛ كالجناية، وكذا إذا تَلِفَتْ بتَفْريطه، فلو تَلِفَتْ بلا تَفْريطٍ؛ فلا ضَمانَ عَلَيهِ؛

(1)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 7/ 317: وإن تلف بيد أحدهم وفرط ضمن.

(2)

ينظر: المغني 6/ 101، الفروع 7/ 317.

(3)

في (ق): فالتعريف.

(4)

في (ح): وإن.

ص: 387

كالحُرِّ، (وَإِنْ أَتْلَفَهَا بَعْدَهُ؛ فَهِيَ فِي ذِمَّتِهِ

(1)

؛ لأِنَّه غَيرُ مُتَعَدٍّ في إتْلافِها بَعْدَ الحَول بالنِّسبة إلى صاحِبِها.

قال في «الشَّرح» : هذا إذا قُلْنا: يَملِكُها العَبْدُ بَعْدَ التَّعريف، وإنْ قُلْنا: لا يَمْلِكُها؛ فهو كما لو أتْلَفَها في حَولِ التَّعريفِ، ويَصلُح أنْ ينبني

(2)

ذلك على اسْتِدانة العَبْدِ.

فائدةٌ: المدبَّرُ، والمعلَّقُ عِتْقُه بصِفةٍ، وأمُّ الوَلَد؛ كالقِنِّ.

(وَالمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ)؛ لأِنَّ المالَ له في الحال، وأكسابه

(3)

له، وهو شامِلٌ لأِكْسابه

(4)

الصَّحيحةِ والفاسدةِ، فإنْ عَجَزَ؛ صار عَبْدًا، وحُكْمُ لُقطتِه؛ كالعَبْدِ.

(وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ؛ فَهِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ)؛ لأِنَّها مِنْ كَسْبِه، وهو

(5)

بَينَهما، فيُعرِّفانِ ويَمْلِكانِ بالقِسْط؛ كَسائِرِ الأكْسابِ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ)؛ بأنْ يتَّفِقَ هو والسَّيِّدُ على أنَّ المنافِعَ يَومًا لهذا ويومًا لِلآخَرِ، (فَهَلْ يَدْخُلُ فِي الْمُهَايَأَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أصحُّهما: لا يَدخُل؛ لأِنَّها من الأكساب

(6)

النَّادِرة، أشْبَهَت الميراثَ، فَعَلَى هذا: يَكونُ بَينَهما؛ كالعَبد المشْتَرَك.

والثَّانِي: يَدخُلُ؛ لأِنَّها مِنْ كَسْبه، أشْبَهَتْ سائِرَ الأكْساب، فيكونُ لِمَنْ وُجِدَ في يَومِه.

وكذا حُكْمُ نادِرٍ مِنْ كَسْبه؛ كهَدِيَّةٍ، وهِبَةٍ، وَوَصِيَّةٍ، ونحوِها، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(1)

في (ح): رقبته.

(2)

في (ظ): يبنى.

(3)

في (ح): واكتساب.

(4)

في (ق): للكتابة.

(5)

في (ظ): وهي.

(6)

في (ح): الاكتساب.

ص: 388

(بَابُ اللَّقِيطِ)

هو فَعِيلٌ بمَعْنى مَفْعولٍ، كقَتِيلٍ وجَرِيحٍ.

والْتِقاطُه فرْضُ كِفايَةٍ؛ لقَوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِّرِّ وَالتَّقْوَى} [المَائدة: 2]، ولأِنَّ فيه إحياءَ نفْسٍ، فكان واجبًا؛ كإطْعامه إذا اضْطُرَّ، وإنْجائه من الغَرَقِ.

ورَوَى سعيدٌ عن سُفْيانَ، عن الزُّهْريِّ، عن سُنين أبي جَميلةَ

(1)

، قال: وجَدتُ مَلْقوطًا

(2)

، فأتَيتُ عمرَ رضي الله عنه، فقال عَرِيفِي: يا أميرَ المؤمنين، إنَّه رجلٌ صالِحٌ، فقال عمرُ:«أكذلك هو؟» قال: نَعَمْ، قال:«فاذْهَبْ فهو حُرٌّ، ولكَ وَلاؤه، وعَلَينا نفقتُه» ، وفي لفظٍ: «وعلينا

(3)

رضاعُه»

(4)

.

(وَهُوَ: الطِّفْلُ الْمَنْبُوذُ)، مِنْ نَبَذَ؛ أيْ: طَرَحَ، سَواءٌ كان في شارِعٍ أوْ غَيرِه، ولَيسَ هناك مَنْ يدَّعِيهِ، وقيل: والمميِّزُ إلى البلوغ، وعَلَيهِ الأكثرُ.

قال الحُلْوانِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ رآه أنْ يأْخُذَه ويُربِّيَه إنْ كان أمِينًا، وإنْ كانَ سَفِيهًا؛ فلِلْحاكِم رَفْعُ يَدِه عنه، وتسْلِيمُه إلى أمينٍ لِيُربِّيَه.

وله ثلاثةُ أرْكانٍ:

(1)

في (ظ): ابن أبي جميلة.

(2)

في (ق): ملفوفًا.

(3)

في (ح): علينا.

(4)

أخرجه مالك (2/ 738)، والشافعي في الأم (4/ 74)، وعبد الرزاق (13839)، وابن أبي شيبة (31569)، وابن سعد في الطبقات (5/ 63)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 310)، والطبراني في الكبير (6499)، والبيهقي في الكبرى (12133)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم، (3/ 176)، وصححه ابن حزم وابن الملقن وابن حجر والألباني، وسُنين - تصغير سن - أبو جميلة السلمي معدود في الصحابة. ينظر: المحلى 7/ 132، البدر المنير 7/ 173، الإصابة 3/ 161، تغليق التعليق 3/ 391، الإرواء 6/ 23.

ص: 389

اللَّقِيطُ، وقد عُرِف.

والاِلْتِقاط، وفي وُجوب الإشْهاد عَلَيه ما في اللُّقَطة. وقِيل: يَجِب قَولاً واحدًا؛ لِئلاَّ يَسترقَّه

(1)

.

والملْتَقِطُ، وهو كلُّ حرٍّ مكلَّفٍ رشيدٍ، وفي اعْتِبار العَدالة وجْهانِ.

(وَهُوَ حُرٌّ) في جميع الأحْكام إجْماعًا، حكاه ابنُ المنذِر

(2)

.

وقال النَّخَعِيُّ: (إنِ الْتَقَطه للحسبة

(3)

فهو حُرٌّ، وإنِ الْتَقَطه لِلاِسْتِرْقاق؛ فهو له)

(4)

، وهذا قَولٌ لا يُعرَّج على مِثْلِه، ولا يَصِحُّ في النَّظَر، فإنَّ الأصْلَ في الآدَمِيِّينَ الحُرِّيَّةُ، فإنَّ الله تعالى خَلَقَ آدمَ وذُرِّيَّتَه أحْرارًا، وإنَّما الرقُّ لِعارِضٍ؛ كوِجْدانه في دار حَرْبٍ.

(يُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يُنْفَقُ عَلَيْهِ)؛ لقَول عمرَ

(5)

، ولأِنَّه مَصرِفُ مِيراثه، ولا يَجبُ على الملْتَقِط إجْماعًا

(6)

.

فإنْ تعذَّر الإنفاقُ مِنْ بَيتِ المال؛ فَعَلَى مَنْ عَلِمَ حالَه من المسلمين، فإنْ تَرَكُوهُ؛ أثِمُوا، ويَسقُطُ بِفِعْل البَعْض.

ثُمَّ إنْ كان مُتَبرِّعًا؛ فلا شَيءَ له، وإنْ كان بِنِيَّةِ الرُّجوعِ بأمْرِ الحاكِمِ؛ لَزِمَ اللَّقِيطَ ذلك إذا كانَتْ قَصْدًا بالمعْروف، وإنْ كان بِغَيرِ أمْرٍ من الحاكِمِ؛ فَقَولانِ، وما حُكِيَ أنَّه لا يَرجِعُ مع إذْنِ الحاكِمِ؛ سَهوٌ.

(1)

في (ظ): يسرقه.

(2)

ينظر: الإجماع ص 109.

(3)

في (ح): للحسنة.

(4)

ذكره القرطبي في التفسير 9/ 134 بلفظ: وقال إبراهيم النخعي: «إن نوى رقه فهو مملوك، وإن نوى الحسبة فهو حرٌّ» . وأخرج ابن أبي شيبة (21893)، عنه في اللقيط، قال:«له نيته، إن نوى أن يكون حرًّا فهو حر، وإن نوى أن يكون عبدًا فهو عبد» .

(5)

تقدم تخريجه 6/ 389 حاشية (4).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 109.

ص: 390

(وَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ)؛ أيْ: هو مَحْكومٌ بإسلامه إذا وُجِدَ في دار الإسْلام، وإنْ كان فِيهَا أهلُ ذِمَّةٍ؛ تَغْليبًا للإسلام والدَّار، ولأنَّ

(1)

الإسْلامَ يَعْلُو ولا يُعلَى.

ثُمَّ دارُ الإسلام قِسْمانِ:

ما اخْتَطَّه المسلِمونَ؛ كبغْدادَ والبصرةِ؛ فلَقِيطُها مَحْكومٌ بإسْلامِه قَطْعًا.

الثَّاني: دارٌ فَتَحَها المسلِمونَ؛ كمَدائِنِ الشَّام؛ فإنْ كان فيها مسلِمٌ؛ حُكِمَ بإسْلامِ لَقِيطِها، وإنْ لم يَكنْ فِيها مُسلِمٌ؛ حُكِمَ بكُفْره، وهو داخِلٌ في قَولِه:(إِلاَّ أَنْ يُوجَدَ فِي بَلَدِ الْكُفَّارِ وَلَا مُسْلِمَ فِيهِ، فَيَكُونُ كَافِرًا)؛ لأِنَّ الدَّارَ لهم، وأهْلها منهم.

ثُمَّ بِلادُ الكفَّار قِسْمانِ أيْضًا:

بلَدٌ يَغلِبُ المسلِمونَ الكُفَّارَ عَلَيه؛ كالسَّاحِل، فإنْ كان فِيهِ مُسْلِمٌ؛ حُكِمَ بإسْلامِ لَقيطِه، قالَهُ في «الشَّرح» .

وقال القاضِي: يُحكَم

(2)

بإسْلامِه؛ لاِحْتِمالِ أنْ يَكونَ فِيهِ مُؤْمِنٌ يَكتُمُ إيمانَه.

وبِلادٌ لم تَكُنْ للمسلِمِينَ؛ كالهِنْدِ والرُّوم، فَلَقِيطُها كافِرٌ، وكلامُ المؤلِّفِ محْمولٌ عَلَيهِ.

(فَإِنْ كَانَ فِيهِ مُسْلِمٌ)؛ كتاجِرٍ وغَيرِه؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه مَحْكومٌ بإسْلامِه؛ تَغْلِيبًا للإسْلام، وهذا بالنِّسبة إلى الظَّاهِرِ، بدليلِ أنَّه لو أقامَ كافِرٌ بيِّنَةً أنَّه وَلَدُه وُلِدَ على فَراشه؛ حُكِمَ له به.

والثَّاني: يُحكَمُ بكَفْره؛ تَغْلِيبًا للدَّار والأكْثَرِ، وقد حَكَى ابنُ المنْذِر

(1)

في (ح): ودار.

(2)

في (ح): يحاكم.

ص: 391

الإجْماعَ على أنَّ الطِّفْلَ إذا وُجِد في بلاد المسْلِمِينَ مَيتًا في أيِّ مكانٍ وُجِدَ؛ أنَّه يَجبُ غَسْلُه ودَفْنُه في مقابِر المسْلِمِينَ، وقد مَنَعُوا أنْ يُدفَنَ

(1)

أطْفالُ المشركين في مقابِرِ المسْلِمِينَ

(2)

.

وإذا

(3)

وُجِدَ في قَرْيةٍ ليَسَ فِيهَا إلاَّ مُشْرِكٌ؛ فهو على ظاهِرِ ما حَكَمُوا به أنَّه كافِرٌ.

(وَمَا وُجِدَ مَعَهُ مِنْ فِرَاشٍ تَحْتَهُ، أَوْ ثِيَابٍ) فَوقَه، (أَوْ مَالٍ فِي جَيْبِهِ أَوْ تَحْتَ فِرَاشِهِ، أَوْ حَيَوَانٍ مَشْدُودٍ بِثِيَابِهِ؛ فَهُوَ لَهُ)؛ لأِنَّ الطِّفْلَ يملك

(4)

، وله يَدٌ صحيحةٌ، بدليلِ أنَّه يَرِثُ ويُورَثُ، ويَصِحُّ أنْ يَشْتَرِيَ له وَلِيُّه ويَبِيعَ، ومَنْ له ملْكٌ صحيحٌ؛ فله يَدٌ صحيحةٌ؛ كالبالِغِ

(5)

.

فَعَلَى هذا: كلُّ ما كان مُتَّصِلاً به، أوْ مُتعلِّقًا بمنفعته

(6)

؛ فهو تَحْتَ يَدِه، ويَثْبُتُ له الملْكُ في الظَّاهِر، ويُنفَقُ عَلَيهِ منه.

وجَعَلَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» مِنْ ذلك: ما جُعِلَ فيه؛ كخَيمةٍ ودارٍ، وكلامُ المجْدِ يُخالِفُه.

(وَإِنْ كَانَ مَدْفُونًا تَحْتَهُ، أَوْ مَطْرُوحًا قَرِيبًا مِنْهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، أمَّا المدْفُونُ تحتَه؛ فهو له؛ كالمتَّصِل، ولأِنَّه يُحكَم به للبالغ

(7)

، فكذا الطفل

(8)

.

والثَّاني: لَيسَ له؛ لأِنَّه بموضع

(9)

لا يَسْتَحِقُّه؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لو كان له؛

(1)

في (ق): تدفن.

(2)

ينظر: الإشراف 6/ 358، الإجماع لابن المنذر ص 109.

(3)

في (ح): إذا.

(4)

في (ح): ملك.

(5)

في (ق): كالبائع.

(6)

في (ح): بمنعته.

(7)

في (ظ): للبائع.

(8)

في (ظ): للطفل.

(9)

في (ح) و (ق): موضع.

ص: 392

لَشَدَّه

(1)

واضِعُه في ثِيابِه؛ لِيُعْلَم به.

وتَوَسَّط ابنُ عَقِيلٍ والمجد

(2)

: فَجَعَلاهُ له بشَرْطِ طَراوَةِ الدَّفْن؛ اعْتِمادًا على القرينة.

وأمَّا المطْروحُ قَريبًا منه: فَقَطَع المجْدُ، والمؤلِّف في «الكافي» ، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرْح»: أنَّه له؛ عَمَلاً بالظَّاهِرِ.

والثَّانِي، وأوْرَده أبو الخَطَّاب مذهبًا: لا يَكونُ له؛ كالبعيد، ويُرجَعُ به

(3)

إلى العُرْف، وحَيثُ لم يُحكَمْ له به؛ فهو لُقطةٌ أو رِكازٌ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وفي ثالِثٍ: إنْ وَجَدَ رُقْعة فيها أنَّه له؛ فهو له.

(وَأَوْلَى النَّاسِ بِحَضَانَتِهِ: وَاجِدُهُ إِنْ كَانَ أَمِينًا)؛ لأِنَّ عمرَ أقرَّ اللَّقِيطَ في يَدِ أبِي جَمِيلةَ حِينَ قال له عَرِيفُه: إنَّه رجلٌ صالِحٌ

(4)

؛ ولأِنَّه سَبَقَ إلَيهِ؛ فكان أَوْلَى به؛ للخَبَرِ

(5)

.

(وَلَهُ الْإِنْفَاقُ عَلَيْهِ مَمَّا وُجِدَ مَعَهُ)، من عَينٍ أوْ غَيرِه، (بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ)؛ لأِنَّهُ وَلِيُّهُ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنِ حَاكِمٍ؛ كولِيِّ اليَتَيمِ.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)؛ لأِنَّه إنْفاقٌ على طِفْلٍ، فلم يَجُزْ بغَيرِ إذْنِ الحاكِمِ، كما لو أنْفَقَ على صَغِيرٍ مُودَعٍ، وأصْلُها: ما نَقَلَه عنه أبو الحارِث في رَجُلٍ أَوْدَعَ آخَرَ مالاً وغاب، وطالَتْ غَيبَتُه، وله وَلَدٌ ولا نَفَقةَ له، هل يُنْفِقُ عليه هذا المسْتَودَعُ من مالِ الغائبِ؟ فقال: (تقومُ امرأتُه إلى

(1)

في (ق): كشده.

(2)

في (ح): المجد وابن عقيل.

(3)

في (ق): فيه.

(4)

تقدم تخريجه 6/ 389 حاشية (4).

(5)

وهو حديث: «مَنْ سَبَقَ إلى مَنْ لم يَسْبِقْ إلَيهِ مُسْلِمٌ؛ فَهُوَ أحقُّ به» ، وسبق تخريجه 6/ 324 حاشية (6).

ص: 393

الحاكم حتَّى يأْمُرَه بالإنْفاق)

(1)

، فلم يَجعَلْ له الإنْفاقَ من غَيرِ إذْنِ الحاكِمِ، وهذا مِثْلُه.

قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : والصَّحيحُ أنَّه مُخالِفٌ له من وَجْهَينِ:

أحدُهما: أنَّ الملْتَقِطَ له

(2)

ولايةٌ على اللقيط وعلى مالِهِ.

والثَّاني: أنَّه يُنْفِقُ على اللَّقِيط من مالِهِ، وهذا بخِلافه؛ لأِنَّه يُشتَرَطُ عِندَه إثْباتُ حاجته؛ لِعَدَم مالِهِ، وعَدَمِ نفقةٍ

(3)

متروكةٍ برَسْمه.

ومتى لم يَجِدْ حاكمًا؛ فله الإنفاقُ عليه بكلِّ حالٍّ؛ لأِنَّه حالُ ضَرورةٍ.

وبالجملة: فالمستَحَبُّ استِئْذانُه في مَوضِعٍ يَجِدُ حاكِمًا؛ لأِنَّه أبْعَدُ من التُّهمة، والخُروج من الخِلاف.

فإنْ بَلَغَ، واخْتَلَفا في قَدْرها والتَّفريط؛ قُبِلَ قَولُ المنْفِقِ؛ لأِنَّه أمِينٌ.

(وَإِنْ

(4)

كَانَ فَاسِقًا، أَوْ رَقِيقًا، أَوْ كَافِرًا، وَاللَّقِيطُ مُسْلِمٌ، أَوْ بَدَوِيًّا يَتَنَقَّلُ

(5)

فِي الْمَوَاضِعِ، أَوْ وَجَدَهُ فِي الْحَضَرِ، فَأَرَادَ نَقْلَهُ إِلَى الْبَادِيَةِ؛ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ)، وفِيهِ مسائلُ:

الأولى: أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِ الفاسِقِ؛ لأِنَّه لَيسَ في حِفْظِه إلاَّ الولايةُ، ولا ولايَةَ لِفاسِقٍ، وفارَقَ اللُّقطةَ مِنْ حَيثُ إنَّها في مَعْنَى التَّكَسُّبِ، وإنَّها

(6)

إذا انْتُزِعَتْ منه فَتُرَدُّ إلَيهِ بَعْدَ الحَول.

وظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه

(7)

يُقَرُّ في يدِه في الحَضَر، وهو أحَدُ الوَجْهَينِ؛ لكَونِه

(1)

ينظر: المغني 6/ 116.

(2)

قوله: (له) سقط من (ح).

(3)

في (ح): نفقته.

(4)

في (ظ): فإن.

(5)

في (ق): ينتقل.

(6)

في (ح): فإنها.

(7)

في (ح): أنها.

ص: 394

سَبَقَ إلى ما لم يَسْبِقْ إلَيهِ مسْلِمٌ، فيَكونُ أحقَّ، فإنْ أراد السَّفَرَ به مُنِعَ؛ لأِنَّه يُبْعِدُه مِمَّنْ يَعرِف حالَه، فلا يُؤمَنُ أنْ يَدَّعِيَ رِقَّه ويَبِيعَه.

قال في «المغْنِي» : فَعَلَى قَولِه؛ يَنبَغِي أنْ يَجِبَ الإشْهادُ عَلَيهِ، ويُضَمَّ إلَيهِ أَمِينٌ يُشارِفُه؛ لِيُؤْمَنَ التّفريطُ فِيهِ.

وفِيهِ وَجْهٌ: يُقَرُّ في يَدِه مطلَقًا؛ كاللُّقطة، ويُجابُ عمَّا ذكر: بأنَّ اللَّقِيطَ ظاهِرٌ ومَكْشوفٌ لا تَخفَى الخِيانةُ فِيهِ، بخِلافها؛ ولأِنَّه يُمكِنُ أخْذُ بعضِها وإبْدالُها بخِلافِ اللَّقِيط، ولأِنَّ المالَ محلُّ الخِيانة، والنُّفوسُ إلى أخْذِها داعِيَةٌ، بخِلافِ النُّفوس.

فإنْ كان مَسْتورَ الحالِ؛ فَوجْهانِ.

فَرْعٌ: لا يُقَرُّ في يَدِ مُبَذِّرٍ، وإنْ لم يكُنْ فاسِقًا، قالَهُ في «التَّلخيص» ، فإنْ أرادَ السَّفَر به؛ لم يُمنَعْ للأمْن عَلَيهِ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: السَّفِيهُ كالفاسِقِ.

الثَّانيةُ: أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِ العَبدِ؛ لأِنَّه لا وِلايَةَ له، إلاَّ أنْ يَأْذَنَ له سيِّدُه؛ لأِنَّ مَنافِعَه مَمْلوكةٌ له، فلا يُذْهِبُها في غَيرِ نَفْعِه إلاَّ بإذْنِه، فيَصيرُ كما لو الْتَقَطَه سيِّدُه وسلَّمه إلَيهِ، فإذا أذِنَ له؛ فَلَيسَ له الرُّجوعُ، قالَهُ ابنُ عَقِيلٍ، والأمَةُ كالعَبدِ.

لكِنْ إنْ لم يَجِدْ أحَدًا يَلْتَقِطُه سِواهُ؛ تَعَيَّنَ عَلَيهِ؛ كتَخْليصِه من الغَرَقِ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

فائدةٌ: المدبَّرُ، والمكاتَبُ، وأمُّ الوَلَد، والمعلَّقُ عِتْقُه بصفَةٍ؛ كالقِنِّ.

الثَّالِثةُ: أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِ كافِرٍ إذا كان اللَّقِيطُ مُسلِمًا؛ لأِنَّه لا وِلايةَ لكافِرٍ؛ ولأِنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يُعلِّمَه الكفْرَ، بل الظَّاهِرُ أنَّه يُرَبِّيهِ على دِينِه، نَعَمْ؛ حَيثُ حُكِمَ بكُفْرِ اللَّقِيطِ، فإنَّه يُقَرُّ في يَدِه؛ لأِنَّ بعضَهم أوْلِياءُ بَعْضٍ.

ص: 395

الرَّابِعةُ: أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِ البَدَوِيِّ الذي يَتَنقَّلُ

(1)

في

(2)

المواضِعِ؛ لأِنَّ فِيهِ إتْعابًا للطِّفلِ بتَنقُّله، فَعَلَيهِ: يُؤخَذُ مِنْهُ ويُدفَعُ إلى صاحِبِ قَريةٍ؛ لأِنَّه أرْفَهُ له، وأخفُّ عَلَيهِ.

وفي آخَرَ: أنَّه يقرُّ فِي يَدِه؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه وَلَدُ بدويين، وإقْرارُه في يَدِ

(3)

ملتقطه أرْجَى لِكَشْف نَسَبِه.

وأطْلَقَهُما في «الفروع» .

الخامِسةُ: أنَّه لا يُقَرُّ في يَدِ مَنْ وَجَدَه في الحَضَر وأراد نَقْلَه إلى البادية؛ لأِنَّ مقامَه في الحَضَر أصْلَحُ له في دِينه ودُنياهُ، وأرْفَهُ له، والظَّاهِرُ أنَّه وُلِدَ فِيهِ، فبَقاؤه فِيهِ أرْجَى؛ لِكَشْفِ نَسَبِه، وظُهورِ أهْلِه، واعْتِرافِهم به.

(وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْبَادِيَةِ مُقِيمٌ فِي حِلَّةٍ

(4)

، بكسر الحاء المهملة: البُيوتُ المجْتَمِعةُ، وحِيَنئِذٍ يُقَرُّ في يَدِه؛ لأِنَّ الحِلَّةَ كالقَرية في كَونهِ لا يرحل

(5)

لِطَلَبِ الماء والكَلَأِ.

(أَوْ مَنْ يُرِيدُ نُقْلَةً

(6)

إِلَى الْحَضَرِ؛ أُقِرَّ مَعَهُ)؛ لأِنَّه يَنقُلُه مِنْ أرْض البؤس والشَّقاء إلى الرَّفاهِيَة والدَّعَةِ والدِّينِ.

(وَإِنِ الْتَقَطَهُ فِي الْحَضَرِ مَنْ يُرِيدُ النُّقْلَةَ

(7)

إِلَى بَلَدٍ آخَرَ؛ فَهَلْ يُقَرُّ فِي يَدِهِ؟ عِلَى وَجْهَيْنِ):

أحَدُهما: لا يُقَرُّ في يَدِه؛ لأِنَّ بَقاءَهُ بِبَلَدهِ أرْجَى لكَشْفِ نَسَبِه.

(1)

في (ق): ينتقل.

(2)

في (ح): إلى.

(3)

في (ح) و (ظ): يده.

(4)

في (ح): محلة.

(5)

في (ح): لا يدخل.

(6)

في (ظ): النقلة.

(7)

في (ق): نقله.

ص: 396

والثَّاني: يُقَرُّ؛ لأِنَّ وِلايَتَه ثابِتةٌ، والبَلَدُ الثَّانِي كالأوَّل في الرَّفاهِيَة، أشْبَهَ المنْتَقِلَ من أحدِ جانِبَي البَلَد إلى الجانِب الآخَرِ.

وكذا الخِلافُ لو أراد نُقْلَةً من قَريةٍ إلى قَريةٍ، أوْ مِنْ

(1)

حِلَّة

(2)

إلى حِلَّةٍ.

وعلى المنْعِ: ما لم يَكُنْ البلدُ الَّذي

(3)

كان فيه وَبِيئًا؛ كَغَورِ بيسَانَ

(4)

، قاله الحارِثِيُّ.

وقِيلَ: إنْ نَوَى الإقامةَ فِيمَا انْتَقَلَ به إلَيهِ مِنْ حِلَّةٍ وقَريةٍ وبلدٍ؛ جازَ.

وفي «التَّرغيب» : مَنْ وَجَدَه بفَضاءٍ خالٍ؛ نَقَلَهُ حَيثُ شاءَ.

(وَإِنِ الْتَقَطَهُ اثْنَانِ)، بحَيثُ إنَّهما تَناوَلاهُ جَمِيعًا؛ (قُدِّمَ المُوسِرُ

(5)

عَلَى المُعْسِرِ)؛ لأِنَّ ذلك أحظُّ للطِّفلِ، (وَالمُقِيمُ عَلَى المُسَافِرِ)؛ لأِنَّه أرْفَقُ بالطِّفل.

وعُلِم منه: أنَّهما لو كانا غير

(6)

مُتَّصِفَينِ بما ذَكَرْنا، فإنَّه يُنزَعُ من أيديهما.

ويُقدَّمُ الأمينُ على غَيرِه، والمسْلِمُ على الكافِرِ ولو كان المسْلِمُ فَقيرًا؛ لأِنَّ النَّفْعَ الحاصِلَ بإسْلامه أعْظَمُ من النَّفع الحاصِلِ بِيَسارِه، وعلى قِياسِ قَولِهم

(7)

: يُقدَّمُ الجَوَادُ على البخيل، وفي «التَّرغِيب»: يُقدَّمُ بَلَدِيٌّ على غَيرِه، ويُقدَّمُ ظاهِرُ العدالة على

(8)

مَسْتورِ الحالِ، وقِيلَ: سَواءٌ؛ لأِنَّ احْتِمالَ وُجودِ

(1)

في (ق): ومن.

(2)

قوله: (أو من حلة) في (ح): ومن حملة.

(3)

في (ق): إلى.

(4)

الغور: بالفتح، المطمئن من الأرض، وبيسان: بالفتح - وقيل: بالكسر -، ثم ياء ساكنة، مدينة بالأردن، بين حوران وفلسطين. ينظر: معجم البلدان 1/ 527، المصباح 2/ 456، كشاف القناع 9/ 534.

(5)

زيد في (ح): منهما.

(6)

قوله: (غير) سقط من (ظ).

(7)

في (ق): قوله.

(8)

زيد في (ق): غيره.

ص: 397

المانِعِ لا يُؤثِّرُ في المنْعِ، فلا يُؤثِّرُ في التَّرجِيح.

(فَإِنْ تَسَاوَيَا) في الصِّفات، (وَتَشَاحَّا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عِمرَان: 44]؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ كَونُه عِندَهما في حالةٍ واحدةٍ، وكالقُرْعة في الشَّرِكة، والقَسْمِ، والعِتْقِ.

وظاهِرُه: ولو كان بَينَهما مُهَايَأَةٌ؛ لاِخْتِلاف الأغْذِية، والأُنْس، والإِلْف.

والمرأةُ كالرَّجُل.

وقِيلَ: يُسلِّمُه الحاكِمُ إلى أحَدِهما أوْ غَيرِهما، فلو رَضِيَ أحدُهما بِتَسْلِيمه إلى الآخَرِ؛ جازَ؛ لأِنَّ الحقَّ له، فلا يُمنَعُ من الإيثارِ به.

(وَإِنِ

(1)

اخْتَلَفَا فِي المُلْتَقِطِ مِنْهُمَا؛ قُدِّمَ مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ)؛ لأِنَّها أقْوَى، فإنْ كان لِكلٍّ منهما بيِّنةٌ؛ قُدِّمَ أسْبَقَهُما تاريخًا.

فإنِ اسْتَوَى تاريخُهما، أوْ أُطْلِقَتا، أو أرِّخَتْ إحداهما وأُطْلِقَت الأخْرَى؛ تَعارَضَتا وسَقَطَتا في وَجْهٍ، فيَصيرُ كَمَنْ لا بَيِّنةَ لهما.

وفي الآخَرِ: يقرعُ بَينَهما.

فإنْ كان اللَّقِيطُ في يَدِ أحدِهما؛ فهل تُقدَّم بَيِّنَتُه أوْ بَيِّنةُ الخارِجِ؟ فِيهِ وَجْهانِ مَبْنِيَّانِ على الخِلاف في دَعْوَى المال.

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ

(2)

لَهُمَا بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ)؛ لأِنَّ اليَدَ دَليلُ استِحقاقِ الإمْساكِ، وظاهِرُه: أنَّه لا يَحلِفُ، قال القاضي: هو قياسُ المذْهَب؛ كالطَّلاق.

وقال أبو الخَطَّاب، ونَصَرَه في «الشَّرح»: يَحلِفُ أنَّه الْتَقَطَه.

(فَإِنْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لاِسْتِوائهما في السَّبب، ولم يُمكِنْ

(1)

في (ح): فإن.

(2)

في (ق): لم يكن.

ص: 398

تَسْلِيمُه إليهما، فتَثْبُت القُرعةُ، وحِينَئِذٍ يُسلَّمُ إلى مَنْ تَقَعُ القُرعةُ له مع يَمِينه، وعلى قَولِ القاضِي: لا يَمينَ.

فإنِ ادَّعَى أنَّه أخَذَه منه قَهْرًا، وسأل يَمينَه؛ حَلَفَ. وفي «المنتخب»: لا، كطلاقٍ.

(فَإِنْ لَمْ تَكُنْ

(1)

لَهُمَا يَدٌ، فَوَصَفَهُ أَحَدُهُمَا)؛ بأنْ يَقولَ: في ظَهْرِه شامَةٌ، أوْ بجسده

(2)

عَلامةٌ؛ (قُدِّمَ)، ذَكَرَه مُعْظَمُ الأصْحابِ؛ كَلُقطةِ المالِ؛ ولأِنَّ الوصْفَ يَدُلُّ على القُوَّة، فَقُدِّم به.

وذَكَرَ القاضِي، وصاحِبُ «المبهج» ، و «المنتخب» ، و «الوسيلة»: لا يُقدَّمُ واصِفُه، وذَكَرَه في «الفُنون» عن أصْحابِنا؛ لِتأكُّدِه؛ لِكَونِه دَعْوَى نَسَبٍ، ولِلْغِنَى بالقَافَةِ

(3)

، وكما لو وَصَفَ المدَّعِي المدَّعَى.

(وَإِلاَّ) إذا انْتَفَى الوَصْفُ؛ (سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ إِلَى مَنْ يَرَى مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا)، ذَكَرَه القاضِي، وأبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه لا حقَّ لهما.

وقِيلَ: لا يُسلِّمُه الحاكِمُ، بل يُقرِعُ بَينَهُما، وفي «المغني»: هو الأَوْلى كما لو كان في أيْدِيهِما، ولأِنَّهما تَنازَعَا حَقًّا في يَدِ غَيرِهما، أشْبَهَ ما لو تَنازَعَا وَدِيعةً عِنْدَ غَيرِهما.

وظاهِرُه: أنَّه لا تَخْيِيرَ لِلصَّبِيِّ، صرَّح به في «الفروع» .

(1)

في (ح): وإن لم تكن. وفي (ق): فإن لم يكن.

(2)

في (ح) و (ق): بخده.

(3)

في (ق): بالفاقة.

ص: 399

(فَصْلٌ)

(وَمِيرَاثُ اللَّقِيطِ، وَدِيَتُهُ) دِيَةُ حُرٍّ (إِنْ قُتِلَ؛ لِبَيْتِ المَالِ) إنْ لم يُخَلِّفْ وارِثًا؛ لأِنَّه مسلِمٌ، ولا وَارِثَ له، فكان مالُه ودِيَتُه لبَيتِ المال؛ كغَيرِ اللَّقِيطِ.

وَعَنْهُ: إنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُه لِمُلْتَقِطِهِ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .

وإنْ جَنَى خَطَأً؛ عَقَلَ عنه بَيتُ المال.

ولا وَلاءَ عَلَيهِ.

وقال شُرَيحٌ وإسْحاقُ: وَلَاؤُه لِمُلْتَقِطِه؛ لِقَولِ عُمَرَ لأِبِي جَمِيلةَ: «فهو حُرٌّ، ولَكَ ولاؤه»

(1)

، ولِمَا رَوَى واثِلةُ بنُ الأسْقَعِ مَرْفوعًا: «تَحُوزُ المرأةُ

(2)

ثَلاثةَ مَوَارِيثَ: عَتِيقَها، ولَقِيطَها، ومِيرَاثَ وَلَدِها

(3)

الَّذي لاعَنَتَ عليه» رواه أبو داود، وحسنَّه التِّرمذِيُّ

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه 6/ 389 حاشية (4).

(2)

في (ق): للمرأة.

(3)

قوله: (وميراث ولدها) هو في (ق): ومن استولدها الرأي.

(4)

أخرجه أحمد (16004)، وأبو داود (2906)، والترمذي (2115)، وابن ماجه (2742)، والحاكم (7986)، وفي سنده: عمر بن رؤبة التغلبي وهو مختلف فيه، وثَّقه دحيم، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن عبد الهادي:(محله الصدق)، وتكلم فيه آخرون، قال البخاري:(فيه نظر)، وقال أبو حاتم:(صالح الحديث)، فقيل له: تقوم به الحجة؟ قال: (لا، ولكن صالح)، وقال ابن عدي:(إنما أنكروا أحاديثه عن عبد الواحد النصري)، وهذا الحديث منها، ولذا ضعف حديثه الشافعي والبيهقي والألباني، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم، وله شاهد عند أبي داود (2907)، والبيهقي في الكبرى (12499)، عن مكحول مرسلاً، وعند أبي داود (2908)، والبيهقي في الكبرى (12500)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، بمثل حديث مكحول، وله شاهد عند الدارمي (3002)، عن عبد الله بن عبيد بن عمير، قال: كتبت إلى أخ لي، من بني زريق أسأله: لمن قضى النبي صلى الله عليه وسلم في ابن الملاعنة؟ فكتب إلي أن النبي صلى الله عليه وسلم «قضى به لأمه هي بمنزلة أمه وأبيه» وإسناده قوي، وهذه المراسيل تقوي المرفوع، وحسنه ابن القيم، وقواه ابن عبد الهادي وابن حجر بشواهده. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 274، إعلام الموقعين 4/ 256، الفتح 12/ 31، تهذيب التهذيب 7/ 477، الإرواء 6/ 24.

ص: 400

وجوابُه: بأنَّه لم يَثْبُتْ عليه رِقٌّ ولا على آبائه، فلم يَثْبُتْ عَلَيهِ ولاءٌ؛ كمعروفِ النَّسَب، وحديثُ واثِلةَ لا يَثبُتُ، قالَهُ ابنُ المنْذِر، وقال في خَبرِ عمرَ:(أبو جَميلةَ رجُلٌ مجهولٌ، لا يَقومُ بحديثه حُجَّةٌ)

(1)

، ولو سُلِّم، فمَعْنَى قَولِه:«لك ولاؤه» ؛ أيْ: لك وِلايَةُ القيام به وحِفْظِه.

(وَإِنْ قُتِلَ عَمْدًا؛ فَوَلِيُّهُ الْإِمَامُ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، أيَّ ذلِكَ فَعَلَ جازَ إذا رآه أصْلَحَ، لقَولِه:«السُّلْطانُ وَلِيُّ مَنْ لا وَلِيَّ له»

(3)

، ومتى عفا على مال أوْ صالَحَ عَلَيهِ؛ كان لِبَيت المال؛ كجِناية الخَطَأ الموجِبَةِ للمال.

(وَإِنْ قُطِعَ طَرَفُهُ عَمْدًا؛ انْتُظِرَ بُلُوغُهُ) ورُشْدُه في الأَشْهَر؛ ليقتصَّ أوْ يَعْفُوَ؛ لأِنَّ مُسْتَحِقَّ الاِسْتِيفاء المجْنِيُّ عَلَيهِ، وهو حَينَئِذٍ لا يَصلُحُ، فانْتُظِرَ أهْلِيَّتُه لِيَسْتَوفِيَ حقَّه، ويُحبَسُ الجانِي إلى بلوغه حتَّى يَستَوفِيَ حقَّه.

وعَنْهُ: للإمام القِصاصُ قَبلَ ذلك؛ لأِنَّه أحدُ نَوعَي القِصاص، فكان له

(1)

نقله ابن قدامة في المغني 6/ 118، ولم نقف عليه في كتب ابن المنذر.

(2)

ينظر: المغني 6/ 116.

(3)

أخرجه أحمد (24205)، والترمذي (1102)، والنسائي في الكبرى (5373)، وابن ماجه (1879)، وابن الجارود (700)، وأبو عوانة (4037)، من طريق سليمان بن موسى، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها، وسليمان بن موسى صدوق في حديثه بعض اللين، واختلف في هذا الحديث: صححه ابن معين في رواية، وابن الجارود، وأبو عوانة، والبيهقي، وابن الملقن، والألباني، وحسنه الترمذي، وضعفه أحمد في روايةٍ نقلها ابن عبد الهادي. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 288، البدر المنير 7/ 553، الإرواء 6/ 243.

ص: 401

اسْتِيفاؤه عن اللَّقِيط؛ كالنَّفس.

وجوابُه: أنَّه قصاص لم يَتحتَّم اسْتِيفاؤه، فَوقفَ على مُسْتَحِقِّه؛ كما لو كان بالِغًا غائِبًا، وفارَقَ القصاصَ في النَّفس؛ لأِنَّ القِصاصَ ليس له، بل لِوارثه، والإمامُ هو المتَوَلِّي عَلَيهِ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ اللَّقِيطُ فَقِيرًا

(1)

مَجْنُونًا؛ فَلِلْإِمَامِ) أيْ: يَجِبُ عَلَيهِ (الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ) لأِنَّه لَيسَتْ له حالةٌ مَعْلومَةٌ تُنْتَظَرُ؛ لأِنَّ ذلك قد يَدُومُ، بخِلافِ العاقِلِ، ولا بُدَّ من اجْتِماعِ الوَصفينِ، فإنْ فُقِدَ أحدُهما؛ فَوَجْهانِ.

(وَإِنِ ادَّعَى الْجَانِي عَلَيْهِ، أَوْ قَاذِفُهُ رِقَّهُ، وَكَذَّبَهُ اللَّقِيطُ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ اللَّقِيطِ)؛ لأِنَّه مَحْكُومٌ بحُرِّيَّته، فَقَولُهُ مَوافِقٌ للظَّاهِر، بدليلِ: أنَّه يَجِب عَلَيه حَدُّ الحُرِّ إذا كان قاذِفًا في الأصحِّ، وحِينَئِذٍ: يَجِبُ القِصاصُ وإنْ كان الجانِي حُرًّا.

وقِيلَ: يُقبَلُ قَولُ القاذِفِ؛ لأِنَّه يَحتَملُ صحَّةَ قَولِه بأنْ يكونَ ابنَ أَمَةٍ، فيكونُ ذلك شبهةً في إسْقاطِ الحدِّ.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا صدَّقه اللَّقِيطُ أنَّه رقيقٌ؛ سَقَطَ الحدُّ؛ لِإقْرار المسْتَحِقِّ بِسُقوطه، وَوَجَبَ على القاذف التَّعْزيرُ؛ لقذفه

(2)

مَنْ لَيسَ بمُحْصَنٍ.

والقِصاصُ لَيسَ بِحَدٍّ، وإنَّما وَجَبَ حقًّا لآِدَمِيٍّ؛ ولِذلِكَ جازت المصالَحةُ عَنهُ وأخْذُ بَدَلِه.

وإنْ مات البالِغُ مُمْسِكًا عنهما؛ فكسائر المسْلِمينَ في سائِرِ أحْكامِه.

(وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ أَنَّهُ مَمْلُوكُهُ؛ لَمْ يُقْبَلْ)؛ لأِنَّ مُجرَّدَ الدَّعْوَى لا تَكْفِي في انْتِزاع المُدَّعَى؛ للخَبَر

(3)

.

(1)

زيد في (ح) و (ظ): أو.

(2)

في (ظ): ولقذفه.

(3)

وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه» ، أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).

ص: 402

وفي «الشَّرح» : أنَّها تُسمَع الدَّعْوَى؛ لأِنَّها مُمْكِنَةٌ، وإنْ كانَتْ مُخالِفة لِظاهِرِ الدَّار

(1)

، وإنْ لم تَكُنْ له بَيِّنةٌ؛ فلا شَيءَ له؛ لأِنَّها تُخالِفُ الظَّاهِرَ.

وتُفارِقُ دَعْوَى النَّسَب من وَجْهَينِ:

أحدهما: أنَّ دَعْوَى النَّسَبِ لا تُخالِفُ الظَّاهِرَ، بخِلافِ دَعْوَى الرِّقِّ.

الثَّاني: أنَّ دَعْوَى النَّسَب يُثْبِتُ بها حَقًّا للَّقِيط، ودَعْوَى الرِّقِّ يُثْبِتُ بها حَقًّا عَلَيهِ، فلم تُقبَلْ بمُجرَّدِها.

(إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّ أَمَتَهُ وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ)؛ لأِنَّها لا تَلِدُ في ملْكه إلاَّ ملْكَهُ، يُحْتَرَزُ به عمَّا وَلَدَتْه قَبْلَ ملْكه، وهذا لَيسَ بشَرْطٍ، فإنَّها لو شَهِدت بأنَّه عَبْدُه أو مَمْلوكُه؛ حُكِمَ له به، وإنْ لم تَذكُرْ

(2)

سَبَبَ الملْكِ، كما لو شَهِدَتْ بملْكِ دارٍ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يُعْتَبَرَ

(3)

قَوْلُهَا فِي مِلْكِهِ)؛ لأِنَّ أَمَتَه

(4)

ملْكُه، فنَماؤها ملْكُه؛ كَسِمَنِها.

ومتى شَهِدَت البيِّنةُ باليَدِ، فإنْ كانَتْ للمُلْتَقِطِ؛ لم يَثبُتْ بها ملْكٌ، وإنْ كانَتْ لأِجْنَبِيٍّ؛ حُكِمَ له باليَدِ، والقَولُ قَولُه مع يَمِينه في الملْكِ.

وفي «الفروع» : وإنِ ادَّعَى رِقَّه وهو طِفلٌ، أوْ مَجْنونٌ، ولَيسَ بِيَدِ غَيرِه بل يده

(5)

، ولَيسَ واجِدَه؛ فهو له وإنْ أنْكَرَ بَعْدَ بُلوغِهِ.

وفي «الشَّرح» : إنْ كانَتِ الدَّعْوَى بَعْدَ بُلوغ اللَّقِيط؛ كُلِّفَ إجابتَه، فإنْ أنْكَرَ وثَمَّ بيِّنةٌ؛ حُكِم بها، فإنْ كان اللَّقِيطُ تصرَّف قَبْلَ ذلك بِبَيعٍ أوْ شِراءٍ؛

(1)

في (ح): المدار.

(2)

في (ظ): لم يذكر.

(3)

في (ق): ألا يقبل.

(4)

في (ق): أمتها.

(5)

في (ح): بيده.

ص: 403

نُقِضَتْ تصرُّفاتُه.

(وَإِنْ أَقَرَّ بِالرِّقِّ بَعْدَ بُلُوغِهِ؛ لَمْ يُقْبَلْ) على المذْهَب؛ لأِنَّه يُبطِل حقَّ الله من الحُرِّية

(1)

المحْكومِ بها، وهذا ظاهِرٌ فِيمَا إذا كان قد اعْتَرف بالحُرِّيَّة لِنَفْسه قَبلَ ذلك، وكذا إذا لم يَعتَرِفْ في الأصحِّ.

(وَعَنْهُ: يُقْبَلُ)؛ لأنَّه مَجْهولُ الحال، فيُقبَلُ إقْرارُه به؛ كالحدِّ والقصاصِ، وإنْ تضمَّنَ فَواتَ نَفْسه.

وشَرَطَ في «المغني»

(2)

عَلَيها: ألاَّ يكونَ أقَرَّ بالحُرِّيَّة، فإنْ كان قد أَقَرَّ بها؛ لم يُقبَلْ؛ لأِنَّه يكون مُكذِّبًا لِقَولِه، كما لو أقرَّ بِدَينٍ ثُمَّ جَحَدَه.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْبَلُ فِيمَا عَلَيْهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً)، وهو قَولُ المُزَنِيِّ؛ لأِنَّه أَقرَّ بما يُوجِبُ حقًّا عَلَيه وحقًّا له، فَوَجَب أنْ يَثبُتَ ما عَلَيه فقطْ، كما لو قال: لِفُلانٍ عِنْدِي ألْفٌ، ولِي عِندَهُ رَهْنٌ.

(وَهَلْ يُقْبَلُ فِي غَيْرِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يُقبَلُ إقْرارُه في الجميع؛ لأِنَّ هذه الأحكامَ تَتْبَعُ الرِّقَّ، فإذا ثَبَتَ الأصْلُ بقَوله؛ ثَبَتَ التَّبَعُ، كما لو شَهِدَت امرأةٌ بالولادة، فإنَّها تَثْبُت ويَثْبُت النَّسبُ تَبَعًا.

فإذا قُلْنا: يُقبَلُ إقْرارُه بالرِّقِّ بَعْدَ نِكاحِه وهو ذَكَرٌ، وكان قَبْلَ الدُّخولِ؛ فَسَدَ النِّكاحُ في حقِّه، ولها عَلَيه نِصْفُ المهْرِ، وإنْ كان بَعْدَ الدُّخول؛ فَسَدَ نِكاحُه وعَلَيهِ المهْرُ، وَوَلَدُه حُرٌّ تابِعٌ لِأُمِّه، فإن كانَ متزوِّجًا بأَمةٍ؛ فَوَلَدُه لِسيِّدها، ويَتَعلَّق المهرُ بِرَقَبَته.

وإذا قُلْنا: يُقبَلُ قَولُه في جميع الأحكام؛ فالنِّكاحُ فاسِدٌ، ويُفرَّقُ بَينَهما، ولا مَهْرَ لها قَبْلَ الدُّخول، وبَعدَه على الخلاف.

(1)

في (ح): الحرمة.

(2)

قوله: (في «المغني») سقط من (ح).

ص: 404

وإنْ كان أنْثى، وقُلْنا: يُقبَلُ فِيما عَلَيهِ؛ فالنِّكاحُ صحيحٌ في حقِّه، ولا مَهْرَ قَبْلَ الدُّخول، وبَعْدَه لا يَسقُط مَهرُها، ولِسَيِّدها الأقلُّ من المسمَّى أوْ مَهْرِ المِثْل، والولَدُ حُرٌّ.

فَرْعٌ: إذا أَقَرَّ بالرِّقِّ ابْتداءً لإنسانٍ، فصدَّقه؛ فهو كما لو أقرَّ به جوابًا، وإنْ كذَّبه؛ بَطَلَ إقرارُه.

فإنْ أقرَّ به بَعْدَ ذلك لآِخَرَ؛ جاز.

وقيل: لا يُسْمَعُ إقْرارُه الثَّاني؛ لأِنَّ إقْرارَه الأوَّل يَتَضمَّنُ الاِعْتِراف بنَفْيِ مالكٍ له سِوَى المقَرِّ له، وكما لو اعْتَرف بالحُرِّيَّة ثُمَّ أقرَّ بالرِّقِّ.

(وَإِنْ قَالَ: إِنَّه

(1)

كَافِرٌ)، بَعْدَ البُلوغ؛ (لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ)، وهو مسْلِمٌ، سَواءٌ كان حُكِمَ بإسْلامِه أوْ كُفْرِه، فلا يُقْبَلُ إقْرارُه بالكُفْر بَعْدَ ذلك؛ لأِنَّه إنْكارٌ بَعْدَ إقْرارٍ، فلا يُقبَلُ كغَيرِه، وإنْ وَصَفَ الكفْرَ، وهو مِمَّنْ حُكِمَ بإسْلامه بالدَّار؛ لم يُقَرَّ على كُفْره.

(وَحُكْمُهُ حُكْمُ المُرْتَدِّ)؛ أيْ: إذا بَلَغَ اسْتُتِيبَ ثلاثًا، فإِنْ تابَ وإلاَّ قُتِلَ.

(وَقِيلَ: يُقْبَلُ

(2)

، حكاه القاضِي؛ أيْ: يُقَرُّ على كُفْره؛ لأِنَّ قَولَه أقْوَى من الظَّاهِر، فَيُقَرُّ بجِزْيةٍ.

ورُدَّ: بأنَّ دليلَ الإسلام وُجِدَ من غَيرِ مُعارِضٍ، فثبت

(3)

حكمُه واسْتَقرَّ، فلا يَجُوز

(4)

إزالةُ حكمه؛ كما لو كان وَلَدَ مُسلِمٍ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ

(5)

نَطَقَ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُهُ)؛ لأِنَّ إسْلامَه ثَبَتَ يَقِينًا، فلا

(1)

في (ح): إني.

(2)

زيد في (ح): قوله.

(3)

في (ح): فيثبت.

(4)

في (ظ): فلا تجوز.

(5)

زيد في (ح): قد.

ص: 405

يُقبَلُ إقْرارُه بِمُنافِيهِ.

وقال القاضِي: إنْ وَصَفَ كُفْرًا يُقَرُّ عَلَيه بالجِزْية؛ عُقِدَتْ له الذِّمَّةُ، فإن امْتَنَع من الْتِزامها، أوْ وَصَفَ كُفْرًا لا يُقَرُّ عَلَيهِ؛ أُلْحِقَ بِمَأْمَنِه.

وبَعَّدَه في «المغْنِي» ؛ لأِنَّه لا يَخْلُو: إمَّا أنْ يكونَ ابنَ حَرْبِيٍّ، فهو حاصِلٌ

(1)

في أيْدِي المسْلِمينَ بغَيرِ عَهْدٍ ولا عقد

(2)

، فيكونُ لِواجِدِه، ويَكونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لسابيه، أوْ يَكونَ وَلَدَ ذِمِّيَّينِ، أو

(3)

أحدِهما؛ فلا يُقَرُّ على الاِنْتِقال إلى غَيرِ دِينِ أهلِ الكتاب، أوْ يكونَ وَلَدَ مُسْلِمٍ أوْ مُسْلِمَينِ؛ فيكونُ مسْلِمًا.

قال أحمدُ في نَصْرانِيَّةٍ وَلَدَتْ من فُجورٍ: وَلَدُها مسْلِمٌ؛ لأِنَّ أبَويْهِ يُهَوِّدانِه ويُنَصِّرانه

(4)

، وهذا لَيسَ مَعَه إلاَّ أُمُّه

(5)

.

(1)

في (ق): جاهل.

(2)

في (ح): عقد ولا عهد.

(3)

قوله: (أو) سقط من (ح).

(4)

في (ق): لأن أبويه تهودا به وتنصرا به.

(5)

ينظر: المغني 6/ 114.

ص: 406

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ أَقَرَّ إِنْسَانٌ أَنَّهُ وَلَدُهُ؛ أُلْحِقَ بِهِ)؛ لأِنَّ الإقْرارَ به مَحْضُ مصلحةِ الطِّفْل؛ لاِتِّصال نَسَبِه، ولا مَضرَّةَ على غَيرِه فيه، فَقُبِل، كما لو أقرَّ له بمالٍ.

وشَرْطُه: أنْ يَنفَرِدَ بدَعْوته، وأنْ يُمْكِنَ كَونُه منه.

ثُمَّ إنْ كان المقِرُّ به مُلْتَقِطَه؛ أُقِرَّ في يَدِه، وإنْ كان غَيرَه؛ فله أنْ يَنتَزِعَه من الملْتَقِط؛ لأِنَّه قد ثبت

(1)

أنَّه أبوهُ، فيكونُ أحقَّ به؛ كما لو قامت به بَيِّنةٌ.

(مُسْلِمًا كَانَ) المدَّعِي (أَوْ كَافِرًا)؛ لأِنَّ الكافِرَ يَثْبُتُ له النِّكاحُ والفِراشُ؛ فيُلْحَقُ به، كالمسلم، حُرًّا كان أو عبْدًا؛ لأِنَّ له حُرْمةً، فيُلْحَقُ به كالحُرِّ، لكن لا تَثْبُتُ له حضانةٌ، ولا تَجِبُ نَفَقَتُه عَلَيهِ ولا على سيِّده؛ لأِنَّ الطِّفْلَ محكومٌ بحُرِّيَّتِه، فَعَلَى هذا: تَجِبُ في بَيتِ المال.

(رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً) على المذْهَب؛ لأِنَّ المرأةَ أحدُ الأبَوَينِ، فيَثْبُتُ

(2)

النَّسَبُ بدَعْواها؛ كالأب، وإذَنْ يَلْحَقها نَسَبُه دُونَ زَوجها.

وكذا إذا ادَّعى الرَّجُل نَسَبَه؛ لم يَلْحَقْ بزَوجَته.

وقِيلَ: لا يَثبُتُ النَّسبُ بدعواها

(3)

بحالٍ، وحكاه ابنُ المنْذِر إجْماعَ مَنْ يحفظ

(4)

عنه من أهل العلم

(5)

.

وجوابُه: بأنَّها تَدَّعِي حقًّا لا مُنازِعَ فِيهِ، ولا مَضرَّةَ على أحَدٍ؛ فقُبِلَ؛ كدَعْوَى المال.

(1)

في (ح): يثبت.

(2)

في (ق): فثبت.

(3)

في (ح) و (ق): بدعوتها.

(4)

في (ح): يحفظه.

(5)

ينظر: الإجماع ص 75.

ص: 407

(حَيًّا كَانَ اللَّقِيطُ

(1)

أَوْ مَيْتًا)؛ لأِنَّهما سَواءٌ مَعْنًى، فَوَجَبَ اسْتِواؤهما حُكْمًا.

(وَلَا يَتْبَعُ الْكَافِرَ فِي دِينِهِ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً تَشْهَدُ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ)، ذَكَرَه بعضُ أصحابنا؛ لأِنَّ اللَّقِيطَ مَحْكومٌ بإسْلامه بظاهِرِ الدَّار، فلا يُقبَلُ قَولُ الكافِر في كُفْره بغَيرِ بيِّنةٍ، كما لو كان معروفَ النَّسبِ، ولأنها دَعْوَى تُخالِفُ الظَّاهِرَ، فلم تُقبَلْ بمجرَّدها؛ كدَعْوَى الرِّقِّ، وإذا قُبِلَ في النَّسَب

(2)

؛ لِعَدَم الضَّرر، والكُفْرُ بخِلافِه، فإنَّ فيه ضَرَرًا عظيمًا؛ لأِنَّه سَبَبُ الخِزْيِ في الدُّنيا والآخِرة.

فإذا أقام بيِّنةً بما ذُكِرَ؛ لَحِقَه نَسبًا ودِينًا؛ لتَحقُّق الولادة، والوَلَدُ المحقَّقُ يَتْبَعُ مطلقًا.

وقياسُ المذْهَب: أنَّه لا يَلحَقُه في الدِّين إلاَّ أنْ تَشهَدَ البيِّنةُ أنَّه وَلَدُ كافِرَينِ حيَّيْن؛ لأِنَّ الطِّفلَ يُحكَمُ بإسْلامه بإسْلامِ أحَدِ أبَوَيهِ أوْ مَوته.

(وَعَنْهُ: لَا يُلْحَقُ بِامْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ)؛ لِإِفْضائه إلى إلْحاق النَّسَب بزَوجِها بغَيرِ إقْرارِه ولا رِضاهُ، وظاهِرُه: أنَّها إذا لم تَكُنْ ذاتَ زَوجٍ؛ أنَّه يَلْحَقُها؛ لِعَدَم الضَّرَرِ.

(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ لَهَا إِخْوَةٌ، أَوْ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ؛ لَمْ يُلْحَقْ بِهَا)، نَقَلَها الكَوسَجُ

(3)

؛ لأِنَّه يَلزَمُ من لُحوقِ النَّسَب بها لُحوقُ النَّسَب بالإخْوة والنَّسَبِ المعْروفِ، ولأنَّه

(4)

إذا كان لها أهْلٌ ونَسَبٌ معروفٌ؛ لم تَخْفَ

(5)

وِلادَتُها

(1)

في (ظ): الملتقط.

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 149: وإنما قبل في النسب.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2879.

(4)

في (ح): ولأنها.

(5)

في (ظ): لم يخف.

ص: 408

عَلَيهم، ويَتَضرَّرونَ بإلْحاقِ النَّسَب بها؛ لِمَا فِيهِ من تعيُّرهم بِوِلادتها من غَيرِ زَوجِها.

(وَإِلاَّ)؛ أي

(1)

: إذا لم يَكُنْ كذلك؛ (لَحِقَ)؛ لِعَدَمِ الضَّرَر.

(وَإِنِ ادَّعَاهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ)؛ سُمِعَتْ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ لو انْفَرَد صحَّت دَعْوتُه، فإذا تنازَعوا؛ تساوَوْا في الدَّعْوَى، ولا فَرْقَ بَينَ المسْلِم والكافر، والحُرِّ والعبد، (لِأَحَدِهِمْ بَيِّنَةٌ؛ قُدِّمَ بِهَا)؛ لأِنَّها تُظْهِرُ الحقَّ وتُبيِّنه

(2)

.

(فَإِنْ تَسَاوَوْا فِي الْبَيِّنَةِ)؛ أيْ: أقامَ كلٌّ مِنْهُما بيِّنةً؛ تَعارَضَتا وسَقَطَتا؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ استِعْمالُهما هنا، بخِلافِ المال، فإنَّه يُقسَمُ بَينَهما أوْ بالقُرْعة، والقُرْعةُ لا تُثْبِتُ النَّسَب.

لا يُقال: إنَّما ثبت

(3)

هنا بالبيِّنة لا بالقُرْعة، وإنَّما هي مُرجِّحةٌ؛ لأِنَّه يَلزَمُ إذا اشْتَرَك رجُلانِ في وَطْءِ امْرأَةٍ، وأتَتْ بِوَلَدٍ؛ أن

(4)

يُقرَعَ بَينَهما، ويَكونَ لُحوقُه بالوَطْء لا بالقُرْعة.

(وَعَدَمِهِا

(5)

؛ أيْ: لم يَكُنْ لهما بيِّنةٌ؛ (عُرِضَ مَعَهُمَا)؛ أي: مع المدَّعِيَيْنِ (عَلَى الْقَافَةِ)، وهُمْ قَومٌ يَعرِفونَ الأنْسابَ بالشَّبَهِ، ولا يَختَصُّ ذلك بقَبِيلةٍ مُعَيَّنةٍ، بل مَنْ عُرِفَ منه المعرفةُ بذلك، وتكرَّرتْ منه الإصابةُ؛ فهو قائِفٌ، وقِيلَ: أكثرُ ما يَكونُ

(6)

في بَنِي مُدْلِجٍ رَهْطِ مُجَزِّزٍ، وكان إيَاسُ بن

(7)

معاويةَ قائفًا، وكذا شُرَيحٌ.

(1)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(2)

في (ح): وتثبته.

(3)

في (ظ): يثبت.

(4)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(5)

في (ح): أو عدمها.

(6)

قوله: (أكثر ما يكون) في (ق): إنما تكون.

(7)

في (ح): وكان أناس من.

ص: 409

(أَوْ مَعَ أَقَارِبِهِمَا)، وفي «الكافي» و «الشَّرح»: عَصَبَتِهما، (إِنْ مَاتَا، فَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِأَحَدِهِمَا؛ لَحِقَ بِهِ) في قَولِ الجَماهير.

وقال أصْحابُ الرَّأْي: لا حُكمَ للقافَة، ويُلحَقُ بالمدَّعِيَيْنِ جميعًا

(1)

؛ لأِنَّ الحُكمَ بها مَبْنِيٌّ على الشَّبَه والظَّنِّ، فإنَّ الشَّبَهَ يُوجَدُ بَينَ الأجانب، وينتفي

(2)

بَينَ الأقارِبِ، وبدليلِ الرَّجُل الَّذي وُلِدَ له غُلامٌ أسْوَدُ، وقَولِه عليه السلام:«لعلَّه نَزَعَه عِرْقٌ»

(3)

، ولو كان الشَّبَهُ كافِيًا؛ لَاكْتَفَى به في وَلَد الملاعَنة.

وحُجَّتنا: ما رواه الشَّيخانِ عن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيها تَبرُقُ

(4)

أسارير

(5)

وَجْهِه، فقال: ««ألم تَرَيْ أنَّ مُجزِّزًا المُدلِجِيَّ نَظَرَ آنِفًا إلى زَيدٍ وأسامةَ، وقد غَطَّيا رؤوسَهما وبَدَتْ أقدامُهما

(6)

، فقال: إنَّ هذه الأقْدامَ بعضُها من بعْضٍ»

(7)

، وقَضَى به عمرُ بِحَضرة الصَّحابة

(8)

، فكان إجْماعًا؛ ولأِنَّه يَرجِعُ

(9)

بقَولِها كالبيِّنة، ويَدُلُّ عَلَيهِ قَولُه عليه السلام في وَلَدِ الملاعَنَةِ:«لولا الأيْمانُ لكان لي ولها شَأْنٌ»

(10)

، فَحَكَمَ عليه السلام به للذي أشْبَهَهُ مِنْهما، وحِينَئِذٍ فإذا انْتَفَى المانِعُ؛ وَجَبَ العملُ به؛ لوجود مُقْتَضِيهِ.

(1)

ينظر: بدائع الصنائع 6/ 252، الهداية في شرح البداية 2/ 315.

(2)

في (ح): وينبغي.

(3)

أخرجه البخاري (5305)، ومسلم (1500)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

في (ظ): يبرق.

(5)

في (ح): أساوير.

(6)

في (ح): أقدمهما.

(7)

أخرجه البخاري (3555)، ومسلم (1459).

(8)

كما سيأتي قريبًا في كلام المصنف.

(9)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 115: ترجح.

(10)

أخرجه أحمد (2131)، وأبو داود (2256)، بهذا اللفظ في قصة الملاعنة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وهو في البخاري (4747)، بلفظ:«لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» .

ص: 410

(وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا؛ لَحِقَ بِهِمَا)؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، ثَنا سُفْيانٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن سُلَيمانَ بنِ يَسارٍ، عن عُمَرَ:«في امرأةٍ وَطِئَها رجُلانِ في طُهْرٍ، فقال القائِفُ: قد اشْتَرَكا فيهِ جميعًا، فَجَعَلَه بَينَهما»

(1)

، وبإسْنادِه عن الشَّعْبِيِّ قال:«وعليٌّ يَقولُ: هو ابْنُهما، وهما أبَواهُ يَرِثُهما ويَرِثانه»

(2)

، ورواهُ الزُّبَيرُ ابنُ بَكَّارٍ عن عُمَرَ.

فَعَلَى هذا: يَرِثُهما مِيراثَ ابنٍ، ويَرِثانِه جميعًا مِيراثَ أبٍ واحدٍ، فإنْ ماتَ أحدُهما؛ فله إرْثُ أبٍ كامِلٍ، ونَسَبُه من الأوَّل قائِمٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، كما أنَّ

(1)

لم نقف عليه في سنن سعيد، والإسناد الذي ذكره المؤلف منقطع، سليمان لم يدرك عمر رضي الله عنه، وقد أخرج نحوه حرب في مسائله (2/ 604)، بهذا الإسناد، وفي آخره قال عمر:«والِ لأيهما شئت» ، وهكذا أخرجه مالك (2/ 740)، والشافعي في الأم (6/ 266)، والطحاوي في معاني الآثار (6167)، والبيهقي في الكبرى (21259).

ويشهد للفظ الذي ذكره المصنف: ما أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (6171)، والبيهقي في الكبرى (21266)، عن ابن المسيب: دعا عمر رضي الله عنه القافة في رجلين اشتركا في امرأة، ادعى كل واحد منهما الولد، فقالوا: اشتركا فيه، فجعله عمر رضي الله عنه بينهما. وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (6170)، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما نحوه. وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (6172)، وحرب الكرماني في مسائله (2/ 604)، عن أبي المهلب عن عمر معناه، وفي آخره: فقال عمر: «اذهب فهما أبواك» ، وهذه أسانيد صحاح.

ويشهد للفظ الآخر: ما أخرجه ابن أبي شيبة (31471)، والشافعي في الأم (6/ 266)، والبيهقي في الكبرى (21262)، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه: أن عمر قضى في رجلين ادعيا رجلاً لا يُدرى أيهما أبوه، فقال عمر للرجل:«اتبع أيهما شئت» ، قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح موصول).

(2)

أخرج ابن أبي شيبة (31467)، وسريج بن يونس في القضاء (34)، عن الشعبي، قال:«قضى عليٌّ في رجلين وطئَا امرأة في طهر واحد، فولدت؛ فقضى أن جعله بينهما، يرثهما ويرثانه، وهو لآخرهما حياة» ، ورجاله ثقات، ورواية الشعبي عن عليٍّ متكلم فيها. وأخرجه عبد الرزاق (13473)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 212)، والبيهقي في الكبرى (21287)، بنحوه، وفيه قابوس بن أبي ظبيان، وهو ليِّنٌ، وضعفه البيهقي به، وقال الذهبي في المهذب 8/ 4292:(قابوس ضُعِّف)، واحتج به أحمد كما في المغني 6/ 129.

(3)

ينظر: الهداية ص 332، المغني 6/ 129.

ص: 411

الجَدَّةَ إذا انْفَرَدتْ أَخَذَتْ ما يأْخُذُه الجَدَّاتُ، والزَّوجةَ كالزَّوجات.

فَرْعٌ: إذا ألْحَقَتْه القافةُ بكافِرٍ، أوْ أَمَةٍ؛ لم يُحكَمْ بِرِقِّه ولا كُفْره؛ لأِنَّه ثَبَتَ إسْلامُه وحُرِّيَّتُه بظاهِرِ الدَّار، فلا يَزولُ ذلك بظَنٍّ

(1)

ولا شبهةٍ.

(وَلَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنْ أُمٍّ وَاحِدَةٍ)، يعْنِي: إذا ادَّعت امرأتانِ نَسَبَ اللَّقِيط؛ فهو مَبْنِيٌّ على قَبول الدَّعوى منهما، فإنْ كانَتْ إحداهما ممَّن تُقبَلُ دَعْواها دُونَ الأخرى؛ فهو ابنُها؛ كالمنفَرِدة، وإنْ كانتا ممَّن لا تُقبَلُ دعواهما

(2)

؛ فوجودهما كَعَدَمِهِما، وإنْ كانتا جميعًا ممَّن تُسمَعُ دَعْواهما؛ فهما كالرَّجُلَينِ، لكِنْ لا يُلْحَق بأكثرَ من أمٍّ واحدةٍ، فإنْ ألحقته

(3)

بأمَّيْن

(4)

؛ سَقَطَ قَولُها.

فَرْعٌ: إذا ادَّعى نسبَه رجلٌ وامرأةٌ؛ فلا تنافِيَ بَينَهما؛ لإمْكان كَونه منهما بنكاحٍ، أو وَطْءِ شبهةٍ، فيُلْحَق بهما جميعًا، ويكونُ ابنهما بمجرَّد دعواهما

(5)

؛ كالانفراد.

(وَإِنِ ادَّعَاهُ أَكْثَرُ مِنِ اثْنَيْنِ، فَأُلْحِقَ بِهِمْ؛ لَحِقَ بِهِمْ وَإِنْ كَثُرُوا)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ مهنَّى أنَّه يُلحَقُ بثلاثةٍ

(6)

؛ لأِنَّ المعْنى الَّذي لأجْله أُلحِق باثنَينِ مَوجودٌ فِيمَا زاد عَلَيهِ قياسًا.

وقولُهم: إنَّ إلْحاقَه باثْنَينِ على خلاف الأصل؛ ممنوعٌ، وإنْ سلَّمْناه، لكِنْ ثَبَتَ لمعْنًى مَوجودٍ في غَيره، فيَجِب تعْدِيةُ الحكم

(7)

به؛ كإباحة الميتة في المخمصة، أُبِيحَ على خلاف الأصل، ويقاس عليه مال الغَير.

(1)

في (ق): نظر.

(2)

في (ح) و (ق): دعوتهما.

(3)

في (ح): لحقته.

(4)

في (ق): باثنين.

(5)

في (ح) و (ق): دعوتهما.

(6)

ينظر: المغني 6/ 129.

(7)

في (ح): تعدمة المحكم.

ص: 412

وقال القاضي: لا يُلحَقُ بأكثرَ من ثلاثةٍ.

ورُدَّ: بأنَّه تحكُّمٌ، فإنَّه لم يَقتَصِرْ على المنصوص، ولا عدَّى الحكمَ إلى ما في معْناهُ.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يُلْحَقُ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَيْنِ)؛ للأثَر، فيُقتَصَرُ عَلَيهِ، فَعَلَى هذا: يكونُ كَمَنِ ادَّعاه اثْنانِ ولا قافَةَ.

(وَإِنْ نَفَتْهُ الْقَافَةُ عَنْهُمْ، أَوْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ

(1)

قَافَةٌ؛ ضَاعَ نَسَبُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو قَولُ أبي بَكْرٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «المغْنِي»: أنَّه أقْربُ؛ لأِنَّه لا دليلَ لأِحدهم، أشْبَهَ مَنْ لم يُدَّعَ نَسَبُه.

فَعَلَى هذا: لا يُرجَّح أحدُهم بذِكْرِ علامةٍ في جَسَدِه؛ لأِنَّه لا يُرجَّح به في سائر الدَّعاوَى سِوَى الاِلْتِقاط في المال.

وكذا إذا اخْتَلَف قائفان، أو اثنانِ وثلاثةٌ، وإنِ اتَّفَق اثْنانِ وخالَفا ثالِثًا؛ أُخِذَ بقَولهما، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، ومِثْلُه بَيطارانِ وطَبيبانِ في عَيبٍ، ولو رَجَعا.

(وَفِي الآْخَرِ)، وهو قَولُ ابنِ حامِدٍ:(يُتْرَكُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَنْتَسِبَ إِلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ الإنسانَ يَمِيلُ طَبْعُه إلى قريبه

(3)

دُونَ غَيرِه، ولأِنَّه مجهولُ النَّسَب، أقَرَّ به مَنْ هو أهلٌ للإقْرار

(4)

، فيَثْبُتُ نَسَبُه؛ كما لو انْفَرَدَ، (أَوْمَأَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ) حكاهُ القاضِي عنه في رَجُلَينِ وَقَعَا على امْرأةٍ في طُهْرٍ واحِدٍ

(5)

.

فَعَلَى قَولِه: لو انْتَسَب إلى أحدهما، ثُمَّ عاد فانْتَسَب إلى الآخَر، أوْ نَفَى نسبَه من الأوَّل ولم يَنتَسِبْ إلى الآخَر؛ لم يُقبَلْ منه؛ لأِنَّه قد ثَبَتَ نَسَبُه، فلا

(1)

في (ق): لم يوجد.

(2)

ينظر: الفروع 9/ 232.

(3)

في (ق): قربه.

(4)

في (ق): الإقرار.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 67، المغني 6/ 130.

ص: 413

يُقبَل رُجوعُه عنه.

فلو ألْحَقَتْه القافةُ بغَيرِ مَنْ انْتَسَبَ إلَيهِ؛ بَطَلَ انْتِسابُه؛ لأِنَّها أقْوَى؛ كالبيِّنة مع القافَةِ.

(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِنْ وَطِئَ اثْنَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، أَوْ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُمَا فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ وُطِئَتْ زَوْجَةُ رَجُلٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِهِ بِشُبْهَةٍ، وَأَتَتْ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ، فَادَّعَى الزَّوْجُ أَنَّهُ مِنَ الْوَاطِئِ؛ أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا)؛ كاللَّقيط، فأُلْحِق بِمَنْ ألْحَقُوهُ به منهما، سَواءٌ ادَّعَياهُ، أوْ جَحَداهُ، أوْ أحدُهما، وقد ثَبَتَ الفِراشُ، ذَكَرَه القاضي.

وشَرَط أبو الخَطَّاب في وَطْء الزَّوجة: أنْ يدَّعِيَ الزَّوجُ أنَّه من الشُّبهة، فَعَلَى قَوله: إن ادَّعاه لنفسه؛ اخْتَصَّ به؛ لقوَّة جانبه، ذَكَرَه في «المحرَّر» .

وفي ثالثٍ: يكونُ صاحِبُ الفراش أَوْلَى به عند عَدَم القافَةِ؛ لِثُبوتِ فِراشه، ذَكَرَه في «الواضح» .

وكذلك إنْ تزوَّجها كلٌّ منهما تزويجًا فاسِدًا، أوْ كان أحدُهما صحيحًا والآخَرُ فاسدًا، أوْ يَبِيعُ أَمَتَه فَوَطِئَها المشْتَرِي قَبْلَ الاِسْتِبْراء.

لكِنْ مَتَى أُلْحِقَ بالقافة أو الاِنتِساب وهو يُنكِرُه؛ فهل له نَفْيُه باللِّعان؟ على رِوايَتَينِ.

(وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَائِفِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا، عَدْلاً، مُجَرَّبًا فِي الْإِصَابَةِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأِنَّ قَولَه حُكْمٌ، فاعْتُبِرتْ له هذه الشُّروطُ.

وظاهِرُه: أنَّه لا تُعتَبَرُ الحُرِّيَّةُ، وهو وَجْهٌ، واعْتَبَرها في «الشَّرح» وغيره.

ولا الإسلامُ، وفي «المستوعب»: لم أجد أحدًا من أصحابنا اشْتَرَط إسْلامَ القائف، وعِندِي أنَّه يُشتَرَطُ.

ص: 414

ويَكْفِي قائفٌ واحِدٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

؛ كحاكِمٍ، فيَكفِي مجرَّدُ خَبَرِه؛ لِقِصَّةِ مُجَزِّزٍ

(2)

.

وعنه: يُعتبَرُ اثْنانِ، ولَفْظُ الشَّهادة منهما، اختاره جَمْعٌ.

فإنْ ألْحَقَتْه بواحِدٍ، ثُمَّ جاءت أخرى

(3)

فألْحَقَتْه بآخَرَ؛ كان للأوَّل؛ لأِنَّ قَولَه

(4)

القائف جَرَى مَجْرَى الحُكْم، فلم

(5)

يُنقَضْ بمخالَفةِ غَيرِه، وكذا لو ألْحَقَتْه بواحِدٍ، ثُمَّ عادت فألْحَقَتْه بغَيره.

فإنْ أقام الآخَرُ بيِّنةً أنَّه وَلَدُه؛ حُكِمَ به، وسَقَطَ قَولُ القائف.

وقَولُه: (مجرَّبًا في الإصابة)؛ أيْ: كثير الإصابة، فمَنْ عَرَفَ مَولودًا بَينَ نِسوةٍ؛ لَيسَ فِيهنَّ أمُّه، ثُمَّ وهي فِيهِنَّ، فأصاب كلَّ مرَّةٍ؛ فقائفٌ.

وقال القاضي: يُترَك الصَّبِيُّ بَينَ عَشرةِ رجالٍ غَيرِ مُدَّعِيهِ، فإنْ ألْحَقَه

(6)

بأحَدِهم؛ سَقَطَ قَولُه، وإنْ نفاهُ عَنهم تُرِكَ مع عِشْرينَ منهم مُدَّعِيهِ، فإنْ ألْحَقَه

(7)

به؛ عُلِمَتْ إصابتُه، وإلاَّ فلا، وقَضِيَّة إيَاسِ بن مُعاوِيةَ في وَلَدِ الشَّريف مِنْ جارِيَةٍ شاهدةٌ بذلك

(8)

.

مُلْحَقٌ: إذا كان لاِمرأتين ابنٌ وبنتٌ، فادَّعت كلُّ واحدةٍ منهما أنَّها أمُّ الاِبْن؛ عُرِضَ معهما على القافة.

وذَهَبَ بعضُهم: أنَّه يُعرَضُ لَبَنُهما على أهل الطّبِّ والمعرفة؛ فإنَّ لَبَنَ

(1)

ينظر: الفروع 9/ 232.

(2)

عند البخاري (3555)، ومسلم (1459).

(3)

في (ح): جاء آخر.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 16/ 356: قول.

(5)

في (ح): فلا.

(6)

في (ق): ألحقته.

(7)

في (ق): ألحقته.

(8)

ينظر: أخبار القضاة 1/ 369، تهذيب الكمال 3/ 428.

ص: 415

الذَّكَر يخالف

(1)

لَبَنَ الأنثى في طَبْعه وَوَزْنه.

وقيل: لَبَنُها خفيفٌ دُونَ لَبَنِه؛ لأِنَّه ثقيلٌ.

وعلى الأوَّل: إنْ لم تُوجَدْ

(2)

قافةٌ؛ اعْتُبِر باللَّبن خاصَّةً

(3)

.

(1)

في (ح): مخالف.

(2)

في (ق): لم يوجد.

(3)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 416

(كِتَابُ الْوَقْفِ)

وهو

(1)

مَصدَرُ وَقَف، يُقالُ: وَقَفَ الشَّيءَ، وأوْقَفَه، وحَبَسه، وأحْبَسه، وسَبَّله، كلُّه

(2)

بمَعْنًى واحِدٍ، لكِنَّ أوْقَفَ لُغةٌ شاذَّةٌ، عكس

(3)

: أحْبَسه.

وهو ممَّا

(4)

اختصَّ به المسلِمون، قال الشَّافِعِيُّ:(لم يُحبِّس أهلُ الجاهليَّة، وإنَّما حَبَّس أهلُ الإسلام)

(5)

.

وهو من القُرَبِ المندوبِ إلَيها.

والأصلُ فِيهِ: ما رَوَى عبدُ الله بنُ عُمَرَ، قال: أصابَ عمرُ أرضًا بخَيبَرَ، فأتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَسْتأمِرُه فِيهَا، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصَبْتُ مالاً بخَيبَرَ لم أُصِبْ قطُّ مالاً أنفسَ عِنْدِي منه، فما تأْمُرني فيه؟ قال:«إنْ شِئْتَ حبَّسْتَ أصْلَها، وتصدَّقت بها» ، غَيرَ أنَّه لا يُباعُ أصْلُها، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَث

(6)

، قال: فتصدَّق بها عمرُ في الفقراء، وفي القُرْبى، والرِّقاب، وفي سبيل الله، وابن السَّبيل، والضَّيف، لا جُناحَ على مَنْ وَلِيَها أنْ يأكُلَ منها بالمعروف، أوْ يُطعِمَ صَدِيقًا، غَيرَ مُتَمَوِّلٍ فيه، وفي لفظٍ: غيرَ مُتَأثِّلٍ، متَّفَقٌ عليه

(7)

.

(1)

في (ح): هو.

(2)

في (ح): كلٌّ.

(3)

في (ح): محبس.

(4)

في (ح): ما.

(5)

ينظر: الأم 4/ 54.

(6)

في (ظ): ولا توهب ولا تورث. وقوله: (غَيرَ أنَّه لا يُباعُ أصْلُها، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَث) يوهم أنه من المرفوع، وقد تبع المؤلف ما في المغني 6/ 3، والذي في الصحيحين وغيرهما أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما، فإنه قال: فتصدق بها عمر، أنه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، وتصدق بها في الفقراء

الحديث.

(7)

أخرجه البخاري (2737)، ومسلم (1632).

ص: 417

وقال جابِرٌ: «لم يكن أحدٌ من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ذو مَقدِرةٍ إلاَّ وَقَفَ»

(1)

.

ولم يَرَه شُرَيحٌ، وقال: لا حَبْسَ عن فرائضِ الله، قال

(2)

أحمدُ: هذا مذهبُ أهلِ الكوفة

(3)

، ولعلَّه في غَير المساجِد ونحوِها.

قال القُرْطُبِيُّ

(4)

: لا خِلافَ بَينَ الأئمَّة في تَحْبِيس القناطِر والمساجِد، واخْتَلَفوا في غَير ذلك، والأوَّلُ قَولُ أكثرِ العلماء سَلَفًا وخَلَفًا.

قال أحمدُ: من يَرُدُّ الوقْفَ إنَّما يَرُدُّ السُّنَّةَ الَّتي أجازها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وفَعَلَها أصحابُه

(5)

.

ومن الغرائب ما حكاه صاحب «المبسوط»

(6)

: أنَّ لزومَ الوقْف من الأنبياء عليهم السلام خاصَّةً. وجَوابُه: بأنَّ الوقْفَ قُرْبةٌ مندوبٌ إلَيها؛ لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ} [الحَجّ: 77].

(وَهُوَ تَحْبِيسُ الْأَصْلِ، وَتَسْبِيلُ الْمَنْفَعَةِ)، كذا في «التَّلخيص» و «الوجيز» ، ومرادُهم بِتَسْبيل المنفعة: أنْ يكونَ على بِرٍّ أو قُرْبةٍ.

وأحْسَنُه: حَبْسُ مالٍ يُمكِنُ الاِنتفاعُ به، مع بقاء عَينه، مَمْنوعٍ من التَّصرُّف في عَينه بلا عُذْرٍ، مصروفٍ منافعُه في البرِّ؛ تقرُّبًا إلى الله تعالى.

وله أربعةُ أرْكانٍ: الواقِفُ، وشَرْطُه: أنْ يكونَ جائزَ التَّصرُّف، والموقوفُ

(7)

، والموقُوفُ عَلَيه، وما يَنعَقِدُ به.

(1)

أخرجه أبو بكر الخصاف في أحكام الأوقاف (ص 15)، وفيه محمد بن عمر الواقدي وهو متروك.

(2)

في (ح): وقال.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 20، السنن الكبرى للبيهقي 11909.

(4)

ينظر: المفهم 4/ 600.

(5)

ينظر نحوه: الوقوف والترجل ص 19.

(6)

ينظر: المبسوط 12/ 29.

(7)

قوله: (والموقوف) سقط من (ح).

ص: 418

وسُمِّيَ: وقْفًا؛ لأِنَّ العَينَ مَوقُوفَةٌ، وحَبْسًا؛ لأِنَّ العَينَ مَحْبوسةٌ.

(وَفِيهِ رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَوْلِ، وَالْفِعْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ) عُرْفًا، (مِثْلَ أَنْ يَبْنِيَ مَسْجِدًا وَيَأْذَنَ لِلنَّاسِ فِي الصَّلَاةِ فِيهِ، أَوْ يَجْعَلَ أَرْضَهُ مَقْبَرَةً وَيَأْذَنَ لَهُمْ فِي الدَّفْنِ فِيهَا)، هذه الرِّوايةُ ظاهِرُ المذهب، ونصَّ عليها

(1)

في روايةِ جماعةٍ

(2)

؛ لأِنَّ العُرْفَ جارٍ بذلك، وفيه دلالةٌ على الوقْفِ، فجاز أنْ يَحصُلَ به كالقَول.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أوْ أَذَّنَ فيه وأقام، نَقَلَه أبو طالِبٍ وجَعْفَرٌ، ولو نَوى خِلافَه

(3)

.

(أَوْ سِقَايَةً وَيَشْرَعُهَا لَهُمْ)؛ أيْ: للنَّاس، والمرادُ بها

(4)

: البَيتُ المبْنِيُّ لِقَضاء حاجةِ النَّاس، ولَيسَ منصوصًا عَلَيهِ في كُتُبِ اللُّغة والغَريب، وإنَّما المذكور فِيهَا: أنَّ السِّقاية -بكسْر السِّين- الموضِعُ الذي يُتَّخَذُ فيه الشَّرابُ في المواسم وغيرِها

(5)

.

(وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ

(6)

إِلاَّ بِالْقَوْلِ)، ذَكَرَها القاضي، واختارها أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، وقد سأله الأثْرَمُ عن رجلٍ أحاط حائطًا على أرضٍ؛ لِيَجْعلَها مَقبرَةً، ونَوَى بقَلْبه، ثُمَّ بدا له العَودُ؟ فقال: إنْ كان جَعَلَها لله؛ فلا يَرجِعُ

(7)

، ولأِنَّ هذا تحبيسٌ على وجه القُرْبة، فوجب أنْ يتعيَّن باللَّفظ؛ كالوقف على الفقراء.

(1)

في (ح): عليهما.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 126، الوقوف والترجل ص 29.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 329، الاختيارات ص 246.

(4)

في (ظ): به.

(5)

ينظر: المطلع ص 344.

(6)

في (ح): لا يحصل.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 33.

ص: 419

لكن قال في «المغني» : (وهذه لا تُنافِي الأُولى، فإنَّه إنْ أراد بقوله: إن

(1)

كان جعلها لله؛ أي: نَوَى بتحويطها جَعْلَها لله، فهذا تأكيدٌ للأولى

(2)

وزيادةٌ عَلَيها؛ إذْ مَنَعَه من الرُّجوع بمجرَّد التَّحويط مع النِّيَّة.

وإنْ أراد بقوله: جَعَلَها لله؛ أي: اقْتَرنَتْ بفِعْله قرائنُ دالَّةٌ على ذلك من إذْنه للنَّاس في الدَّفْن فيها، فهي عَينُ الأولى.

وإنْ أراد أنَّه وَقَفَها بقَوله؛ فيَدُلُّ بمفهومه على أنَّ الوقْفَ لا يحصل بمجرَّد التحويط والنية، وهذا لا ينافي الأولى؛ لأنَّه فيها يَضمُّ إلى فعله إذنه

(3)

للنَّاس في الدَّفْن، ولم يُوجَدْ هنا، فانْتَفَتْ هذه الرِّواية للاحْتِمالات، وصار المذهبُ روايةً واحدةً، فصار بمنزلة من قدَّم إلى ضيفه طعامًا كان إذْنًا له في أكْلِه، ومَنْ مَلَأَ خابِيةً ماءً كان سبيلاً له، وكالبيع والهِبَة، وأمَّا الوقْفُ على المساكين فلم تَجْرِ به عادةٌ بغَير لَفْظٍ).

فَرْعٌ: الأخْرسُ يَصِحُّ وقْفُه بالإشارة المفْهِمة؛ كغَيره.

(وَصَرِيحُهُ: وَقَفْتُ)؛ لأِنَّه مَوضوعٌ له، وكلفْظة التَّطْليق في الطَّلاق، (وَحَبَّسْتُ، وَسَبَّلْتُ)؛ لأِنَّه ثَبَتَ لهما عُرْفٌ في الشَّرع، فمتى أتى بواحدةٍ منها؛ صار وَقْفًا من غَير انضمامِ أمْرٍ زائدٍ، ولو عَبَّر بِ «أَوْ» ك «الوجيز» و «الفروع» لكان أَوْلَى.

وفي كلام بعضهم: أنَّ الصَّريح لا يَنحَصِرُ في الثَّلاثة.

وفي «المغني» و «الكافي» : (إذا جَعَلَ عُلْوَ مَوضِعٍ أوْ سُفلَه

(4)

مسجِدًا؛ صحَّ، وكذا وَسَطُه، وإنْ لم يَذكُر استِطْراقًا؛ كبَيعِه)، فيتوجَّه منه: الاكْتِفاءُ

(1)

في (ح): أو.

(2)

في (ح): الأولى.

(3)

في (ح): إذن.

(4)

في (ح): وأسفله.

ص: 420

بلَفْظٍ يُشعِرُ بالمقصود، وهو أظْهَرُ على أصْلِنا، فيصِحُّ: جَعَلْتُ هذا للمسجد

(1)

، أوْ فِيهِ، ونحوُه، وهو ظاهِرُ نُصوصِه، فيكون تمليكًا للمَسجِدِ، جزم

(2)

به الحارِثِيُّ؛ أي: للمسلمين لِنَفْعهم به، وظاهِرُ كلامِ المؤلِّف لا يكون تمليكًا؛ لأِنَّهم ذَكَرُوا في الإقرار له وجْهَينِ؛ كالحَمْل.

(وَكِنَايَتُهُ: تَصَدَّقْتُ

(3)

، وَحَرَّمْتُ، وَأَبَّدْتُ)؛ لأِنَّه لم يَثبُتْ لها

(4)

عُرْفٌ لُغَوِيٌّ ولا شَرْعِيٌ؛ لأِنَّ الصَّدقةَ تُستعْمَلُ في الزَّكاة، وهي ظاهِرةٌ في صدقة التَّطوُّع، والتَّحريمَ يُستعْمَلُ في الظِّهار، والتَّأبيدَ يَحتَمِل تأبيدَ التَّحريم، أوْ تأبيدَ الوقْف.

(فَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ بِالْكِنَايَةِ) بمجرَّده، فَعَلَى هذا: لا بُدَّ من انضمامِ شَيءٍ آخَرَ إلَيها؛ ليترجَّح إفادتها للوقف، وأشار إليه بقوله:(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ)؛ فيَصِحُّ، ويكون على ما نَوَى، إلاَّ أنَّ النِّيَّةَ تَجْعَلُه وقْفًا في الباطن دُونَ الظَّاهِرِ.

(أَوْ يَقْرِنَ بِهَا أَحَدَ الأَلْفَاظِ الْبَاقِيَةِ) من الصَّرائح والكِناية، وهي خمسةٌ، عُلِمَ ذلك من تمثيله؛ لأِنَّ اللَّفظَ يترجَّح بذلك؛ لإرادة الوقْفِ.

(أَوْ) يَقرِنَ به (حُكْمَ الْوَقْفِ، فَيَقُولَ: تَصَدَّقْتُ صَدَقَةً مَوْقُوفَةً، أَوْ مُحَبَّسَةً، أَوْ مُسَبَّلَةً

(5)

، أَوْ مُحَرَّمَةً، أَوْ مُؤَبَّدَةً)، هذا مِثالٌ للأوَّل.

(أَوْ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ

(6)

، هذا

(7)

مِثالٌ للثَّاني؛ لأِنَّ هذه

(1)

في (ح) و (ق): المسجد.

(2)

في (ح): وجزم.

(3)

كتب في هامش (ظ): (لو قال: "تصدقت بداري على فلان"، ثم قال بعد ذلك: "أردت الوقف"؛ لم يقبل قول المتصدق؛ لأنه مخالف للظاهر، قلت: فيعايا بها).

(4)

في (ق): لهما.

(5)

قوله: (أو مسبلة) سقط من (ق).

(6)

في (ق): أو لا تباع، ولا توهب، ولا تورث.

(7)

في (ح): وهذا.

ص: 421

القرينةَ تزيلُ الاِشْتِراكَ.

وذَكَرَ أبو الفَرَجِ: أنَّ «أبَّدت» صريحٌ، وأنَّ «صدقةٌ مَوقوفةٌ، أوْ مُؤبَّدةٌ، أوْ لا تُباعُ» ؛ كنايةٌ.

(وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ)، لم يتعرَّض المؤلِّف للواقِف؛ لِظُهوره، وشَرْطُه: أنْ يكونَ مالِكًا، جائزَ التَّصرُّف، وهو في الصِّحَّة، مِنْ رأس المال، وفي مَرَضِ الموت أو ما نَزَلَ مَنزلَتَه من الثُّلُث.

(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ فِي عَيْنٍ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَيُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهَا دَائِمًا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا)، قال أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: بَقاءً مُتطاوِلاً، أدْناهُ: عُمرُ الحيوان.

(كَالْعَقَارِ)؛ لحديثِ عمرَ، قال أحمدُ في روايةِ الأثْرمِ: (إنَّما الوقْفُ في الدُّور والأرَضِينَ؛ على ما وَقَفَ أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

، قال ابنُ عَقِيلٍ: وظاهِرُ هذا حَصْرُه على العَقار؛ لأِنَّه هو الَّذي يتأبَّد حقيقة

(2)

، بخلافِ غَيرِه.

(وَالْحَيَوَانِ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا: «مَنْ احْتَبَس فرَسًا في سبيل الله إيمانًا واحْتِسابًا؛ فإنَّ شِبَعَه، وَرَوْثَه، وبَولَه في ميزانه يَومَ القيامة حسناتٍ» رواه البُخارِيُّ

(3)

؛ ولأِنَّه يَحصُلُ تَحبِيسُ الأصل وتسبيل المنفعة، فصَحَّ وقْفُه؛ كالعقار.

(وَالْأَثَاثِ وَالسِّلَاحِ)؛ لقَولِه عليه السلام: «أمَّا خالِدٌ فقد احْتَبَسَ أَدْراعَه وأعْتادَه في سبيل الله» مُتَّفقٌ عَلَيه، وفي لَفْظٍ للبُخارِيِّ:«وأَعْتُدَهُ»

(4)

، قال الخَطَّابِيُّ: الأعْتادُ ما يُعِدُّه الرَّجلُ مِنْ مركوبٍ، وسِلاحٍ، وآلةِ الجهاد

(5)

.

(1)

ينظر: الوقوف والترجل ص 71.

(2)

في (ح): حقيقته.

(3)

أخرجه البخاري (2853).

(4)

أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

ينظر: معالم السنن 2/ 53.

ص: 422

ونَقَلَ المرُّوذِيُّ: لا يَجوز وقف

(1)

سلاحٍ

(2)

، ذَكَرَه أبو بكْرٍ.

وعَنْهُ: ولا مَنقولٍ؛ لأِنَّها أعيانٌ لا تَبْقَى على التَّأبِيدِ، فلم يَجُزْ وقْفُها؛ كالطَّعام.

ورُدَّ: بالفرق.

قَولُه: (في عَينٍ)؛ يُحتَرَزُ به عن الموصَى بنفعه

(3)

؛ فلا يَصِحُّ وقْفُه من مالِكِ المنفعة.

قوله: (يَجوز بَيعُها)؛ يُحْتَرَزُ به عن الحُرِّ، فإنَّه لا يَصِحُّ أن

(4)

يَقِفَ نفْسَه، وأرْضِ السَّواد، قال الإمامُ أحمدُ: القطائعُ يَرجِعُ

(5)

إلى الأصل إذا جَعَلَها للمساكين

(6)

، فظاهِرُه: أنَّه يَصِحُّ وقْفُها، وهي في الأصل وَقْفٌ، ومَعْناهُ: أنَّ وَقْفَها يُطابِقُ الأصل، لا أنَّها تَصِيرُ وقْفًا بهذا القَولِ، قاله في «الشَّرح» .

ويُستَثنَى منه: وقْفُ المصحف، فإنَّه يصحُّ روايةً واحدةً، قاله في «الوسيلة» .

والماءِ، قال الفَضْلُ: سألْتُ أحمدَ عن وَقْفِ الماء، فقال: إنْ كان شَيئًا اسْتَجازُوهُ بَينَهم جازَ

(7)

، وحَمَلَه القاضِي وغَيرُه على وَقْفِ مَكانِه، وهو بَعِيدٌ؛ لأِنَّ وقْفَ مَكانِ الماء لا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُه على اسْتِجازَتهم له.

ومُقْتَضاهُ: أنَّ النَّصَّ شاهِدٌ بصِحَّة الوقْفِ لِنَفْسِ

(8)

الماء، قال الحارِثِيُّ:

(1)

في (ح): نقل.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 332.

(3)

في (ح) و (ق): بمنفعته.

(4)

في (ح): لأن.

(5)

في (ق): ترجع.

(6)

ينظر: الوقوف والترجل ص 63.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 60.

(8)

في (ق): كنفس.

ص: 423

وهو مُشكِلٌ مِنْ وَجْهَينِ:

أحَدُهما: إثْباتُ الوقْفِ فِيما لم يَمْلِكْه، فإنَّ الماءَ يَتَجَدَّدُ شَيئًا فشَيئًا.

والثَّانِي: ذَهابُ العَينِ بالاِنْتِفاع، والوَقْفُ يَستَدْعِي بَقاءَ أصْلٍ يُنتفع به على مَمَرِّ الزَّمان، ولكِنْ قد يُقالُ: مادَّةُ الحصول مِنْ غَيرِ تأثيرٍ بالاِنْتِفاع يُنَزَّلُ مَنزِلةَ بَقاء العَين مع الاِنْتِفاع، وتأتِي تَتِمَّةُ ذلك.

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْمُشَاعِ)، في قَولِ أكثرِ العلماء

(1)

؛ لِمَا رَوَى ابنُ عُمَرَ: أنَّ عُمَرَ قال: إنَّ المائةَ سَهْمٍ الَّتي بِخَيبَرَ لم أُصِبْ مالاً قطُّ أعْجَبَ إليَّ منها، فأردت أنْ أتصدَّق بها، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«احبِسْ أصْلَها وسَبِّلْ ثَمَرَتَها» رواه النَّسائيُّ وابنُ ماجَهْ

(2)

، ولأِنَّه عَقْدٌ يَجوزُ على بعض الجُمْلة مُفْرَزًا، فجاز عَلَيهِ مُشاعًا؛ كالبيع.

ويُعتَبَرُ أنْ يقولَ: كذا سَهمًا مِنْ كذا سَهْمًا، قاله أحمدُ

(3)

.

قال في «الفروع» : ثُمَّ يتوجَّهُ: أنَّ المشاعَ لو وُقِفَ مسجدًا؛ ثَبَتَ حُكْمُ المسجد في الحال، فيُمنَعُ منه الجُنُبُ، ثمَّ القسمة

(4)

متعينة هنا؛ لتَعْيِينِها

(5)

طريقًا للاِنْتِفاع بالموقوف.

وفي «الرِّعاية الكبرى» : لو وَقَفَ نصْفَ عبْده؛ صحَّ ولم يَسْرِ إلى بقيَّته، وإنْ كان لغَيره، فإنْ أعَتَقَ ما وَقَفَه منه، أو أعْتَقه الموْقوفُ عَلَيه؛ لم يَصِحَّ ولم يَسْرِ، وإنْ أعْتَقَ الواقِفُ بَقِيَّتَه، أو أعْتَقَه شَريكُه فيه؛ عَتَقَ بقِيَّتُه، ولم يَسْرِ إلى الموقوف، وإنْ عَلَّق عِتْقَه بصفةٍ، ثمَّ وَقَفَه قَبْلَها؛ صحَّ وقْفُه.

(1)

في (ح): الفقهاء.

(2)

أخرجه النسائي (3603)، وابن ماجه (2397)، والبيهقي في الكبرى (11905)، وقال الألباني في الإرواء 6/ 31:(سند صحيح على شرط الشيخين).

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 65.

(4)

في (ق): القيمة.

(5)

في (ح): كتعيينها.

ص: 424

(وَيَصِحُّ وَقْفُ الْحَلْيِ عَلَى اللُّبْسِ وَالْعَارِيَّةِ)؛ لِمَا رَوَى نافِعٌ: «أنَّ حفصةَ ابْتاعَت حَلْيًا بعشرين ألْفًا حبَّسَتْه على نساء آلِ الخَطَّاب، فكانت لا تُخرِجُ زكاتَه» رواه الخَلاَّلُ

(1)

، ولوجود الضَّابِط، ولأِنَّ فِيهِ

(2)

نفْعًا مباحًا مقصودًا، فجاز أخْذُ الأُجْرة عَلَيهِ، وصحَّ وقْفُه؛ كوَقْفِ السِّلاح في سبيل الله.

(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ)، نَقَلَها الأثْرَمُ وحنبلٌ

(3)

، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وأنكر حديثَ حفصةَ؛ لأِنَّ التَّحَلِّيَ لَيسَ هو المقصودَ الأصِلِيَّ من الأثْمان، فلم يَصِحَّ وقْفُها؛ كالدَّنانِيرِ.

ورُدَّ: بأنَّ المفْسِدَ فِيها عدمُ الاِنتفاع بعَينِها، وهذا في الحَلْيِ معدومٌ.

قال في «التَّلخيص» : وهو محمولٌ على روايةِ مَنْعِ وَقْفِ المنقول، وذَكَرَ القاضِي في «تعليقه» روايةَ الأثْرَمِ وحنبلٍ، ولَفْظُها:(لا أعْرِفُ الوقْفَ في المال)، فإنْ لم يكنْ في الرِّواية غَيرُ هذا؛ ففي أخْذِ المنْع منه نَظَرٌ، قالَهُ الزَّرْكَشِيُّ.

(وَلَا يَصِحُّ الْوَقْفُ فِي الذِّمَّةِ؛ كَعَبْدٍ وَدَارٍ)؛ لأِنَّه نَقْلُ ملْكٍ على وَجْهِ القُربة، فلم يَصِحَّ في غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ كالهِبَة.

(وَلَا) وَقْفُ (غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَأَحَدِ هَذَيْنِ) العَبْدَينِ؛ لِمَا ذَكَرْنا، وفِيهِ احْتِمالٌ في العتق، فيَخرُج المبْهَمُ منهما بالقُرعة.

(وَلَا وَقْفُ مَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ؛ كَأُمِّ الْوَلَدِ)؛ لأِنَّه نَقْلٌ للملْك فِيها في الحياة،

(1)

أخرجه الخلال في الوقوف (196)، عن سعيد بن مسلمة القرشي، حدثنا إسماعيل بن أمية، عن نافع به. وسعيد ضعيف، بل قال البخاري:(منكر الحديث)، وذكره الخلال أيضًا في الوقوف (ص 72)، عن الوليد بن مسلم، عن زهير بن محمد، عن إسماعيل بن أمية، عن نافع، وقال:(أنكره أبو عبد الله جدًّا، وعجب منه)، يعني الإمام أحمد، وعلته زهير، فإن رواية الشاميين عنه - وهذا منها - ضعيفة وفيها مناكير.

(2)

في (ق): له.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 71، الهداية ص 334.

ص: 425

فلم يَجُزْ كالبيع، وفيه وَجْهٌ، وقيَّده ابنُ حَمْدانَ: إنْ صحَّ بَيعُها.

(وَالْكَلْبِ)؛ لأِنَّ الوقْفَ تَحْبِيسُ الأصل وتَسْبِيلُ المنفعة، والكَلْبُ أُبِيحَ الاِنْتِفاعُ به على خلاف الأصل؛ للضَّرورة، فلم يَجُز التَّوسُّعُ فيها.

وكذا لا يَصِحُّ وقْفُ الحَمْل مُنفَرِدًا.

(وَلَا) يَصِحُّ وقْفُ (مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَائِهِ دَائِمًا؛ كَالْأَثْمَانِ)، وهي الدَّنانِيرُ والدَّراهِمُ، (وَالْمَطْعُومِ، وَالرَّيَاحِينِ)، في قَولِ عامَّةِ العلماء؛ لأِنَّ ما لا يُنتَفَعُ به إلاَّ بالإتْلاف لا يَصِحُّ وقْفُه؛ كالشَّمْع لِيُشْعِلَه.

وقِيلَ: يَصِحُّ في الأثْمان؛ بِناءً على إجارتها.

ورُدَّ؛ لأِنَّ تلك

(1)

المنفعةَ لَيست المقصودةَ الَّتي

(2)

خُلِقَتْ له الأثمانُ، فلم يَجُز الوقْف له؛ كوقف الشَّجر على نَشْر الثِّياب.

ويُسْتَثْنَى منه: لو وَقَفَ فَرَسًا بسَرْجٍ ولِجامٍ مُفَضَّضَينِ، فإنَّه يَصِحُّ ويَدخُلُ تَبَعًا، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

.

أمَّا لو وَقَفَهُما

(4)

للتَّحلِّي والوزن؛ فاخْتارَ صاحِبُ «التَّلخيص» : الصِّحَّةَ؛ كإجارتها لذلك.

واختار المؤلِّفُ وجَمْعٌ ضِدَّها؛ لأِنَّ ذلك لَيسَ من المرافِقِ العامَّة.

فإنْ أطلَقَ؛ بَطَلَ. وقِيلَ: يَصِحُّ ويُحمَلُ عليهما

(5)

.

مسألةٌ: لا يَصِحُّ وقْفُ قِنديلِ نَقْدٍ على مَسْجِدٍ، ويُزكِّيهِ ربُّه.

وقِيلَ: يَصِحُّ، فيُكْسَرُ، ويُصرَفُ لمصلحته.

(1)

في (ق): ملك.

(2)

في (ق): إلى.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 98.

(4)

في (ق): وقفها.

(5)

في (ح): عليها.

ص: 426

وقال ابن المنجَّى: تمثيلُه بالمطْعوم والرَّياحين فيه نَظَرٌ؛ من جِهَةِ أنَّهما لا يَبْقَيانِ، فيُحذَفانِ، ويُقْتَصَرُ على التَّمثيل بالأثْمان، أوْ يثبتان

(1)

مع حذف «مع بقائه» ، فإنَّه يَصِحُّ أنْ يُقالَ: إنَّهما لا ينتفع بهما دائِمًا؛ لأِنَّ نَفعَهما يَحصُلُ في بعض الزَّمَن.

وعُلِمَ منه: أنَّ وقْفَ ما لا منفعةَ فيه؛ كالعَين المؤْجَرَة؛ لا يَصِحُّ؛ لِعَدَم وُجود المعْنَى.

نَعَمْ؛ إنْ وَقَفَها مدَّةَ الإجارة إذا انقضت؛ صحَّ إنْ قِيلَ: يَصِحُّ تعليقُ الوقْف على شَرْطٍ.

(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى بِرٍّ) ومعروفٍ إذا كان الوقْفُ على جِهةٍ عامَّةٍ؛ لأِنَّ المقصودَ منه التَّقرُّبُ إلى الله تعالى، وإذا لم يَكُنْ على بِرٍّ؛ لم يَحصُل المقصودُ؛ (كَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاجِدِ)، فإذا قال: جَعلْتُ ملْكِي للمسجد؛ صار حقًّا من حقوقه، ولا يُعتَبَرُ قَبولُ ناظره؛ لتعذُّره بالقَبول، كحالة وقْف المسجد، فإنَّه لا يُشتَرَطُ قَبولُه؛ لأِنَّ النَّاظِرَ لا يكون إلاَّ بَعْدَ الوقف.

(وَالْقَنَاطِرِ)، والسِّقايات، والمقابِر، وكُتُبِ العِلْم.

(وَالْأَقَارِبِ؛ مُسْلِمِينَ كَانُوا أَوْ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

(2)

، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لأِنَّ القَريبَ الذِّمِّيَّ مَوضِعُ القُرْبة؛ بدليلِ جوازِ الصَّدقة عليه.

ويصحُّ الوقْفُ على أهل الذِّمَّة، جزم به الأكثرُ؛ لأِنَّ «صَفِيَّةَ وَقَفَتْ على أخٍ لها يَهودِيٍّ»

(4)

، ولأِنَّهم يَملِكون ملْكًا مُحتَرَمًا، ولأِنَّ مَنْ جاز أنْ يَقِفَ عَلَيه

(1)

في (ح): يبقيان.

(2)

كتب في هامش (ظ): (مفهوم من كلام المصنف: أنه لا يصح الوقف على الذمي غير قرابة، وهو أحد الوجهين، والصحيح من المذهب: أنه يصح على الذمي وإن كان أجنبيًّا من الواقف، قاله في الإنصاف).

(3)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 335.

(4)

لم نقف عليه بلفظ الوقف، بل بلفظ الوصية: أخرجه سعيد بن منصور (437)، وعبد الرزاق (9913)، والخلال في أحكام أهل الردة (647)، والبيهقي في الكبرى (12650)، عن عكرمة: أن صفية أوصت لأخ لها يهودي بالثُّلث. وإسناده صحيح إلى عكرمة، إلا أنه لم يسمع من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: جامع التحصيل ص 239.

وأخرجه عبد الرزاق (9914)، وابن أبي شيبة (30763)، والدارمي (3341)، عن ابن عمر نحوه، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة (30762)، وابن سعد في الطبقات (8/ 128)، عن يحيى بن سعيد مرسلاً. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12651)، عن أم علقمة مولاة عائشة رضي الله عنها، وهي مجهولة، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف. وأخرج ابن سعد في الطبقات (8/ 128)، بإسناد صحيح عن حصين بن عبد الرحمن قال: رأيت شيخًا فقالوا: هذا وارث صفية بنت حيي، فأسلم بعدما ماتت فلم يرثها. والأثر ثابت بمجموع الطرق، واحتج به أحمد كما في أحكام أهل الردة للخلال ص 227.

ص: 427

الذِّمِّيُّ؛ جاز أنْ يَقِفَ المسلِمُ عليه؛ كالمسلم.

وصحَّحَ الحُلْوانِيُّ: على فقرائهم، وصحَّحَه في «الواضح» من ذِمِّيٍّ، عَلَيهم وعلى بِيعَةٍ وكَنِيسةٍ.

ومُقْتَضَى كلامِ صاحِبِ «التَّلخيص» و «المحرَّر» : أنَّه لا يَصِحُّ الوقْفُ عَلَيهم؛ لأِنَّ الجِهةَ جهةُ معصيةٍ، بخلافِ أقارِبِه.

وإِنْ وَقَفَ ذِمِّيٌّ على ذِمِّيٍّ شَيئًا، وشَرَطَ أنَّه يَستَحِقُّه ما دام ذِمِّيًّا، فأسلم؛ فله أخْذُه أيضًا؛ لأِنَّ الواقِفَ عيَّنه له، ويَلْغُو شَرْطُه. وردَّه في «الفنون» .

وقِيلَ: يُشتَرَطُ أنْ لا يكونَ معصيةً، فيَصِحُّ في المباح؛ كالوقْف على الأغنياء. وقِيلَ: ومكروهٍ.

فائدةٌ: يَصِحُّ الوقْفُ على الصُّوفيَّة، وهم المشْتَغِلون بالعبادات في غالب الأوقات، المعرِضون عن الدُّنيا.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فمَنْ كان منهم جمَّاعًا للمال، أو لم يَتَخَلَّقْ بالأخلاق المحمودة، ولا تأدَّب بالآداب الشَّرْعيَّة غالِبًا، أوْ فاسِقًا؛ لم يَسْتَحِقَّ

(1)

.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 11/ 19، الاختيارات ص 247.

ص: 428

ولم يَعتَبِر الحارِثِيُّ الفقرَ.

قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ احْتِمالٌ: لا يَصِحُّ عَلَيهم، ولهذا قال

(1)

: ما رأيتُ صوفِيًّا عاقلاً

(2)

إلاَّ سَلْمًا

(3)

الخَوَّاص

(4)

، وقالَهُ أبو محمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ، إذْ لَيسَ له حَدٌّ

(5)

يُعرَفُ به

(6)

.

(وَلَا يَصِحُّ عَلَى الْكَنَائِسِ، وَبُيُوتِ النَّارِ)، والبِيَعِ؛ لأِنَّ ذلك معصيةٌ؛ لِكَون أنَّ هذه المواضِعَ بُنِيَتْ للكُفْر، والمسلِمُ والذِّمِّيُّ سَواءٌ.

قال أحمدُ في نَصارَى وقَفُوا على البِيْعة ضِياعًا وماتُوا ولهم أبناءٌ نَصَارَى فأسْلَمُوا، والضِّياعُ بِيَدِ النَّصارى: فلهم أخْذُها، وللمسلمين عَونُهم حتَّى يَسْتَخْرجوها من أيْدِيهِم

(7)

.

وحُكْمُ الوقْفِ على قَنادِيلِ البيعَة، ومَنْ يَخدُمُها ويَعمُرُها؛ كالوَقْف عَلَيها، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(1)

زيد في (ظ): الإمام. وهو من كلام الشافعي رحمه الله تعالى كما في الفروع 7/ 339.

(2)

قوله: (عاقلاً) سقط من (ح) و (ق). والمثبت موافق للفروع.

(3)

في (ح) و (ق): سلمان.

(4)

ينظر: مناقب الشافعي للبيهقي 2/ 207.

هو: سلم ويقال مسلم بن ميمون الخواص، حدث عن: مالك، وسفيان بن عيينة، مات بعد سنة 213 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 8/ 179، ترتيب المدارك 2/ 200.

(5)

في (ق): أحد.

(6)

كتب في هامش (ظ): (إذا وقف على العلماء؛ هم أصحاب علوم الشرع، على الصحيح من المذهب، جزم به في «الرعاية الصغرى» و «الفائق» وغيرهما، وقدمه في «الرعاية الكبرى» و «الفروع» وغيرهما، وقيل: من تفسير وحديث وفقه، ولو كانوا أغنياء، على القولين، لكن هل يختص به من كان يصله؟ حكمه حكم قرابته على ما قدمه المؤلف، وأهل الحديث: من عَرَفه، وذكر ابن رزين أن الفقهاء والمتفقهة كالعلماء، ولو حفظ أربعين حديثًا، لا بمجرد السماع، فالقُرَّاء الآن هم حُفَّاظه، وفي الصدر الأول هم الفقهاء).

(7)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 49.

ص: 429

وإنْ قال: أنْتَ حَرٌّ بشَرْطِ أنْ تَخدُمَ الكنيسةَ سنةً بَعْدَ مَوتِي، وهما نصرانيان، فأسْلَمَ العبدُ قَبْلَ تمامها؛ عَتَقَ في الحال.

وعنه: تَلزَمُه القِيمةُ لبقيَّة الخدمة.

وعنه: لا، وهي أصحُّ وأوفق

(1)

لِأُصولِه.

(وَكِتَابَةِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)؛ للإعانة

(2)

على المعصية، فإنَّها منسوخةٌ، وقد بُدِّلَ بعضُها، وقد غَضِبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ رأى مع عمرَ شيئًا استَكْتَبَه منها، وقال: «أفي

(3)

شكٍّ أنت

(4)

يا ابْنَ الخَطَّاب! ألم آتِ بها بيضاءَ نقيَّةً، ولو كان أخِي موسى حيًّا ما وَسِعَه إلاَّ اتِّباعِي»

(5)

، وكُتُبُ الزَّندَقة مِنْ بابِ أَوْلَى.

(وَلَا عَلَى حَرْبِيٍّ، وَلَا مُرْتَدٍّ)؛ لأِنَّ أموالَهما

(6)

مُباحةٌ في الأصل، تَجُوزُ إزالَتُها، فما يتجدَّد لهم أَوْلَى، ولاِنْتِفاء الدَّوام؛ لأِنَّهما مقتولانِ عن قرب

(7)

.

تنبيهٌ: لا يَصِحُّ الوقْفُ على قُطَّاع الطَّريق، ولا على المغاني، ولا التَّنوير على قبر وتَبْخيره، ولا على مَنْ يُقيمُ عِندَه أوْ يَخدُمُه، ولا وَقْفُ سُتورٍ لغَير الكَعْبةِ، وصحَّحه ابنُ الزَّاغُونِيِّ، فيُصرَفُ لمصلحته، ذَكَرَه ابنُ الصَّيرَفِيِّ

(8)

.

(1)

في (ح): وأوقف.

(2)

في (ق): لا إعانة.

(3)

في (ح) و (ق): في.

(4)

قوله: (أنت) سقط من (ح).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (26421)، وأحمد (15156)، والبزار كما في الكشف (124)، والبيهقي في الشعب (175)، وفي سنده: مجالد بن سعيد وفيه ضعف كما قال ابن حجر، ونقل في الإصابة عن البخاري أنه قال:(لا يصح)، وحسنه الألباني بشواهده. ينظر: الإصابة 4/ 27، الفتح 13/ 334، الإرواء 6/ 34.

(6)

في (ق): أموالها.

(7)

في (ح): قريب.

(8)

كتب في هامش (ظ): (قال في «الرعاية»: يصح وقف عبده على حجرة النبي صلى الله عليه وسلم؛ لإخراج ترابها وإشعال قناديلها وإصلاحها، لا لإشعالها وحده، وتعليق ستورها الحرير، والتعليق، وكنس الحائط، ونحو ذلك).

ص: 430

(وَلَا

(1)

عَلَى نَفْسِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، قال في روايةِ أبي طالِبٍ: لا أعْرِفُ الوقْفَ إلاَّ ما أخرجه لله تعالى، أو في سبيله

(2)

، فإنْ وَقَفَه عليه حتَّى يموت فلا أعْرِفُه

(3)

، فعليها: يكون باطِلاً، وجزم به الأكثرُ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الوَقْفَ تمليكٌ؛ إمَّا للرَّقَبة أوْ للمنفعة، وكِلاهُما لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يجوز له أنْ يُمَلِّكَ نفسَه من نفسه، كما لا يَجوزُ أنْ يَبِيعَ مالَه من نفسه، والأصحُّ: أنَّه يُصْرَفُ لِمَنْ بَعْدَه في الحال.

والثَّانيةُ: يَصِحُّ، ذَكَرَه في «المُذْهب» ظاهِرَ المذهب، واخْتارَه ابنُ أبي موسى، وابنُ عَقِيلٍ، وأبو المعالي، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(4)

؛ لأِنَّه يَصِحُّ أنْ يَقِفَ وقْفًا فينتفع

(5)

به، كذلك

(6)

إذا خَصَّ نفْسَه بانْتِفاعِه، وكشرط

(7)

غَلَّته له.

ومتى حَكَمَ به حاكِمٌ حَيثُ يَجوزُ له الحكمُ؛ فظاهِرُ كلامهم: يَنفُذُ حُكْمُه ظاهِرًا؛ لأِنَّها مسألةٌ اجْتِهاديَّةٌ، وهل يَنفُذُ باطِنًا؟ فيه خِلافٌ.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى غَيْرِهِ، وَاسْتَثْنَى

(8)

كلَّ الغَلَّة أوْ بَعْضَها، له أوْ لولده، (الْأَكْلَ مِنْهُ

(9)

مُدَّةَ حَيَاتِهِ)، أوْ مدَّةً معلومةً؛ (صَحَّ) الوقْفُ والشَّرْطُ، نَصَّ عَلَيهِ

(10)

، واحْتَجَّ بأنَّه قال: سمعتُ ابنَ عُيَينَةَ، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن

(1)

في (ح): ولا يصح.

(2)

في (ق): سبله.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 27، الروايتين والوجهين 1/ 435.

(4)

ينظر: الاختيارات ص 247.

(5)

في (ح): لنفع.

(6)

في (ح): وكذلك.

(7)

في (ح): ولشرطه.

(8)

زيد في (ح): منه.

(9)

قوله: (منه) سقط من (ح).

(10)

ينظر: الوقوف والترجل ص 25.

ص: 431

حُجْرٍ المدري: «أنَّ في صدقةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يأكُلَ أهلُه منها بالمعْروفِ»

(1)

، «وشَرَطَ عمرُ

(2)

أكْلَ الوالي

(3)

عَلَيها، وكان هو الواليَ

(4)

عَلَيها»

(5)

، وفَعَلَه جماعةٌ من الصَّحابة

(6)

.

وقيل: لا يَصِحُّ الوَقْفُ؛ لأِنَّه إزالةُ ملْكٍ، فلم يَجُز اشْتِراطُ نَفْعه لنفسه؛ كالبيع.

وقيل: لا يَصِحُّ شَرْطُه.

فإنْ صحَّ، فمات في أثْناء المدَّة؛ كان لِوَرَثَتِه، ويَصِحُّ إجارتُها.

(الثَّالِثُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُ)؛ لأِنَّ الوَقْفَ تَملِيكٌ، فلم يَصِحَّ على غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ كالهِبة، (وَلَا يَصِحُّ عَلَى مَجْهُولٍ؛ كَرَجُلٍ وَمَسْجِدٍ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، ولا

(7)

على أحدِ هذَينِ، وفيه وجْهٌ بِناءً على أنَّه لا يَفْتَقِرُ إلى قَبولٍ.

ولا على معدومٍ أصْلاً؛ كوقْفه

(8)

على مَنْ سَيُولَدُ لي أوْ لِفُلانٍ، وصحَّحه

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (36114)، عن ابن عيينة به، ورواه أحمد عنه واحتج به كما في الوقوف للخلال (ص 25)، وحجر هو ابن قيس الهمداني المدري تابعي ثقة.

(2)

في (ق): ابن عمر.

(3)

في (ح): الولي.

(4)

في (ح): الولي.

(5)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(6)

من ذلك: ما علقه البخاري بصيغة الجزم (4/ 13)، ووصله البيهقي في الكبرى (11901)، عن أنس رضي الله عنه، أنه وقف دارًا بالمدينة، فكان إذا حجَّ مرَّ بالمدينة فنزل داره. وإسناده جيد، في إسناده عبد الله بن المثنى، وحديثه حسن.

ومن ذلك أيضًا: ما علقه البخاري بصيغة الجزم (4/ 13)، ووصله ابن سعد في الطبقات (4/ 162)، من طريق عبد الله بن عمر، عن نافع قال: تصدق ابن عمر رضي الله عنهما بداره محبوسة، لا تباع ولا توهب، ومن سكنها من ولده لا يخرج منها، ثم سكنها ابن عمر. وعبد الله بن عمر العمري ضعيف.

(7)

في (ق): ومثله.

(8)

في (ق): كوقفته.

ص: 432

فيه في «المغْنِي» ؛ لأِنَّه يُرادُ للدَّوام، بخلافِ الوصيَّةِ، وفي «الترغيب» هو مُنقَطِعُ الأوَّل.

ولم يَعْتَبِرِ الحارِثيُّ أنْ يَمْلِكَ؛ لحصول مَعْناهُ، فَيَصِحُّ لعبدٍ وبهيمةٍ يُنفِقُه

(1)

عليهما.

(وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ لَا يَمْلِكُ؛ كَالْعَبْدِ)، قال أحمدُ فِيمَنْ وَقَفَ على ممالِيكِه: لا يَصِحُّ الوَقْفُ حتَّى يُعتِقَهم

(2)

، وظاهره ولو قُلْنا: إنَّه يَمْلِكُ بالتَّملِيك؛ لأِنَّ ملكه

(3)

كالعَدَمِ.

وقِيلَ: يَصِحُّ إنْ قُلْنا يَملِكُ به، ويَكونُ لسيِّده.

والمدبَّرُ، وأمُّ الوَلَد؛ كالقِنِّ، وكذا المكاتب في الأصحِّ؛ لأِنَّ ملكَه غَيرُ مُسْتَقِرٍّ.

لا يُقالُ: الوَقْفُ على المساجد

(4)

صحيحٌ، وهي لا تَمْلِكُ، فيَنبَغِي أنْ يَصِحَّ هنا؛ لأِنَّ الوقْفَ على المسلمين، إلاَّ أنَّه عُيِّنَ في نَفْعٍ خاصٍّ لهم، فَيرد أنَّه يَصِحُّ على الكنائس، ويكونُ الوقْفُ على أهل الذِّمَّة.

وجوابُه: أنَّ الجِهةَ التي عُيِّنَ صَرْفُ الوقْفِ فيها لَيست نَفْعًا

(5)

، بل هي معصيةٌ مُحرَّمةٌ، يَزْدادُونَ بها عِقابًا، بخلاف المساجد.

(وَالْحَمْلِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، وصحَّحه ابنُ عَقِيلٍ، والحارِثِيُّ؛ كوصيَّةٍ.

قال في «الفروع» : ويَتَوجَّهُ من الوقْفِ على حَمْل؛ صِحَّة الهِبة له، وأَوْلَى؛ كصحَّتها لعبد

(6)

.

(1)

في (ق): يقدر.

(2)

ينظر: الوقوف والترجل ص 59.

(3)

في (ح): بملكه.

(4)

في (ح) و (ق): المسجد.

(5)

في (ق): تبعًا.

(6)

في (ح): لصحتها كعبد.

ص: 433

وعلى الأوَّل: يَصِحُّ تَبَعًا، ك: على أوْلادِي وأوْلادِ فُلانٍ، وفِيهِم حَمْلٌ مُسْتَحِقٌّ، هو وكلُّ حملٍ من أهل الوقْفِ بالوَضْع من ثَمَرٍ وزَرْعٍ ما يَستحِقُّه مُشْتَرٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

(وَالْمَلَكِ وَالْبَهِيمَةِ)؛ لِعَدَم ملْكِها، والجِنُّ والميتُ كذلك.

(الرَّابِعُ: أَنْ يَقِفَ نَاجِزًا)؛ ك: وَقَفْتُ دارِي على كذا، ولا خِلافَ في صِحَّته بشَرْطِه؛ لأِنَّه نَقْلٌ للملك، أشْبَهَ البَيعَ.

(فَإِنْ عَلَّقَهُ بِشَرْطٍ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه نَقْلٌ للملْك فيما لم

(2)

يُبْنَ على التَّغْليب والسِّراية، فلم يَجُزْ تعليقُه على شَرْطٍ في الحياة؛ كالهِبة

(3)

، وفِيهِ وَجْهٌ. وقِيلَ: إنْ قُلْنا: هو لله تعالى.

وظاهِرُه: شامِلٌ لِمَا إذا شَرَطَ شَرْطًا فاسِدًا؛ كخِيارٍ فيه، وتحويله، وتغْيِير شَرْطٍ.

وخُرِّج من البيع: صحَّته.

وفي «الشَّرح» : إذا شَرَطَ أنْ يَبِيعَه متى شاء، أو يَهَبَه

(4)

، أوْ يَرجِعَ فيه؛ بَطَلَ الوَقْفُ والشَّرطُ، لا نَعلَمُ في بطْلانِ الشَّرط خلافًا

(5)

؛ لأنَّه

(6)

يُنافِي مُقْتَضَى العَقْد.

وقِيلَ: يَصِحُّ الوقْفُ؛ بِناءً على الشُّروط الفاسدة في البيع.

(إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: هُوَ وَقْفٌ بَعْدَ مَوْتِي، فَيَصِحُّ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)؛ أيْ: يَصِحُّ تعليقُ الوقْفِ المعلَّق بالموت، واختاره أبو الخَطَّاب في خِلافِه، ونَصَرَهُ في

(1)

ينظر: الوقوف والترجل ص 60.

(2)

قوله: (لم) سقط من (ظ).

(3)

قوله: (كالهبة) سقط من (ق).

(4)

في (ق): يهب.

(5)

ينظر: المغني 6/ 9، والشرح الكبير 16/ 391.

(6)

في (ح): لا.

ص: 434

«المغْنِي» و «الشَّرح» ، وذَكَرَا

(1)

أنَّه ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وقدَّمه في «الفروع» ، واحتجَّ أحمدُ

(2)

: بأنَّ عمرَ أوصى، فكان في وصيَّته: «هذا ما أوْصَى به عبدُ الله أميرُ المؤمنين إنْ حَدَثَ

(3)

به حادِثٌ

(4)

أنَّ ثمغًا

(5)

صدقة، والعبد الَّذي فيه، والسهم الذي بخيبر، ورقيقه الَّذي فيه» رواه أبو داودَ

(6)

، ولأنَّ هذا تبرُّعٌ معلَّق

(7)

بالموت، فصحَّ، كالهبة والصَّدقة، فعلى هذا: يَنفُذُ من الثُّلث فما دُون، ويَقِفُ الباقِي على إجازة الورثة؛ كالتَّدبير.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، والقاضِي، وابنُ البنَّاء في «الخصال»:(لَا يَصِحُّ)؛ لأِنَّه تعليقٌ للوقف

(8)

على شرطٍ، فلم يَصِحَّ؛ كما لو علَّقه على شَرْطٍ في الحياة، وحَمَلَ القاضي كلامَ الخِرَقيِّ على أنَّه قال: قِفُوا بَعْدَ مَوتِي؛ هذا وصيَّةٌ بالوقْف، لا إيقافٌ.

وفي «الشَّرح» : سوَّى المتأخِّرون من أصحابنا بَينَ تعليقه بالموت، وبين تعليقه بشرطٍ في الحياة، ولا يصحُّ؛ لِمَا بَينَهما من الفَرْق؛ لأِنَّ هذا وصيَّةٌ، وهي أوْسَعُ من التَّصرُّف في الحياة بدليلِ جوازها بالمجهول وللمجهول والحمل، وكما لو قال: إذا متُّ فداري لفلانٍ، أو أبْرَأْتُه من دَيْنِي الَّذي عليه.

(1)

في (ح) و (ظ): وذكر.

(2)

ينظر: المغني 6/ 25.

(3)

قوله: (حدث) غير واضح في (ق).

(4)

قوله: (حادث) غير واضح في (ق)، ولعلها: جلدت.

(5)

قوله: (ثمغًا) سقط من (ح). وفي (ق): بغلة.

(6)

أخرجه أبو داود (2879)، والبيهقي في الكبرى (11893)، وصحح إسناده ابن الملقن وابن حجر والألباني. ينظر: البدر المنير 7/ 108، التلخيص الحبير 3/ 162، الإرواء 6/ 40.

(7)

في (ح): تعليق.

(8)

في (ح): الموقف.

ص: 435

(فَصْلٌ)

(وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ) إذا كان على غَيرِ مُعيَّنٍ؛ كالمساكين، أوْ مَنْ لا يُتصَوَّرُ منه القَبول؛ كالمسجد والقناطر؛ لأنَّه لو اشْتُرِط؛ لَامْتَنع صحَّةُ الوَقْف فِيهِ، ويَلزَم بمجرَّد الإيجاب.

وذَكَرَ صاحبُ «النَّظْم» احْتِمالاً: يَقبَلُه نائبُ الإمام.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ):

(أَحَدُهُمَا: يُشْتَرطُ ذَلِكَ)، صحَّحه صاحِبُ «النِّهاية» ؛ لأِنَّه تَبرُّعٌ، فكان مِنْ شَرطِه القَبولُ؛ كهِبَةٍ ووصِيَّةٍ، ولو على التَّراخِي، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وأخْذُ رَيعِه قبولٌ

(1)

.

والثَّاني، وهو المذهب، واختاره القاضي، وجزم به في «الوجيز»: أنَّه لا يُشتَرَطُ ذلك؛ لأِنَّه إزالةُ ملْكٍ يَمنَعُ

(2)

البَيعَ، فلم يُعتَبَرْ فيه القَبولُ؛ كالعتق، والفَرْقُ

(3)

: أنَّ الوقْفَ لا يَختَصُّ المعيَّنَ، بل يتعلَّق به حقُّ مَنْ يأتي من البطون في المستقبَل، فيكون الوقْفُ على جميعهم، إلاَّ أنَّه مُرَتَّبٌ، فصار كالوقْف على الفقراء.

قال ابن المنجَّى: (وهذا الفَرْقُ مَوجُودٌ بعَينه في الهِبَة، والأشْبَهُ: أنْ يَنبَنِيَ ذلك على الملْكِ هل يَنتَقِلُ إلى الموقوف عليه أمْ لا؟).

فعلى هذا: لا يَبطُلُ بالرَّدِّ؛ كالعِتْق.

وعلى الأوَّل: (فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ

(4)

، أَوْ رَدَّهُ؛ بَطَلَ فِي حَقِّهِ)؛ لأِنَّه تمليكٌ لم

(1)

ينظر: الفروع 7/ 241، الاختيارات ص 251.

(2)

في (ق): فمنع.

(3)

أي: بين الوقف على معين وبين الهبة والوصية.

(4)

في (ق): يعينه.

ص: 436

يُوجَدْ شَرْطُه، أشْبَهَ الهبةَ، لكن اخْتَلَفوا فيما إذا ردَّ ثمَّ قَبِلَ؛ هل يعود أمْ لا؟ قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

.

(دُونَ مَنْ بَعْدَهُ)؛ لأِنَّ المبطِلَ وُجِدَ في الأوَّل، فاخْتَصَّ به، وصار كالوقْف المنقَطِعِ الاِبْتِداء، يُخرَّجُ في صحَّته في حقِّ مَنْ سِوَاهُ وبُطْلانِه؛ وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على تفريق الصَّفْقة، والأصحُّ: صحَّتُه؛ لِتَعذُّر اسْتِحْقاقه؛ لِفَوتِ وَصْفٍ فيه، وأشار إليه بقوله:(وَكَانَ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ)؛ كالمجهول، (ثُمَّ عَلَى مَنْ يَجُوزُ)؛ كالمساكين؛ (يُصْرَفُ فِي الْحَالِ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ)؛ لأِنَّ الواقِفَ قَصَدَ صَيرُورَةَ الوقْفِ إلَيهِ في الجملة، ولا حالةَ يُمكِنُ انْتِظارُها، فَوَجَبَ الصَّرفُ إلَيهِ؛ لئلاَّ يَفُوتَ غَرَضُ الواقِف، ولِئَلاَّ تَبطُلَ فائدةُ الصِّحَّة.

(وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ)، قال ابنُ حَمدانَ: وهو أصحُّ وأشْهَرُ: (إِنْ

(2)

كَانَ مَنْ لَا يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ يَعْرِفُ انْقِرَاضَهُ؛ كَرَجُلٍ مُعَيَّنٍ)؛ أيْ: كعَبْده، وأمِّ وَلَدِه؛ لأِنَّه أحدُ نَوعَيِ الوَقْف؛ (يُصْرَفُ إِلَى مَصْرِفِ الْوَقْفِ

(3)

المُنْقَطِعِ إِلَى أَنْ يَنْقَرِضَ)؛ لأِنَّها إحْدَى حالَتَي الاِنقطاع، أشْبَهَ الأخرى، (ثُمَّ يُصْرَفُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُ)؛ أيْ: مَنْ يَجوزُ عَلَيهِ الوقف

(4)

؛ لأِنَّه مرتَّبٌ.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةٍ تَنْقَطِعُ)؛ كأوْلاده؛ لأِنَّه بحُكْم العادة يُمكِنُ انْقِراضُهم، (وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ

(5)

مَآلاً)، المآلُ: بهمزةٍ مفتوحةٍ بعد الميم المفتوحةِ: المرْجِعُ، (أَوْ عَلَى مَنْ يَجُوزُ) الوقْفُ عَلَيهِ؛ كأوْلاده، (ثُمَّ عَلَى مَنْ

(1)

ينظر: الفروع 7/ 241، الاختيارات ص 251.

(2)

في (ح): أنه إن.

(3)

قوله: (الوقف) سقط من (ح).

(4)

في (ح): الوقف عليه.

(5)

قوله: (له) سقط من (ظ).

ص: 437

لَا يَجُوزُ)؛ كالكنائس، (أَوْ قَالَ: وَقَفْتُ، وَسَكَتَ

(1)

، انْصَرَفَ

(2)

بَعْدَ انْقِرَاضِ مَنْ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهِ)، قد تضمَّنَ هذا صحَّةَ الوقْفِ، قال في «الرِّعاية»: في الأصحِّ.

وقال محمَّدُ بن الحَسَن: لا يَصِحُّ

(3)

؛ لأِنَّ الوقْفَ مُقْتضاهُ التَّأْبِيدُ، فإذا

(4)

كان منقطِعًا؛ صار وقْفًا على مجهولٍ.

وجوابُه: أنَّه

(5)

معلومُ المصْرِف

(6)

، فصحَّ؛ كما لو صرَّح بمَصْرِفه؛ إذ المطْلَقُ يُحمَلُ على العُرْف؛ كنَقْد البلد.

وحِينَئِذٍ يُصْرَفُ (إِلَى وَرَثَةِ الْوَاقِفِ) نَسَبًا، قاله في «الوجيز» و «الفروع» بقَدْرِ إرْثِهِم، (وَقْفًا عَلَيْهِمْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وفي «الكافي»: هي ظاهِرُ المذْهَب، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع» ؛ لأِنَّ الوقْفَ مَصْرِفُه البِرُّ، وأقارِبُه أَوْلى النَّاس بِبِرِّه؛ لِقَوله عليه السلام: «إنَّك أنْ تَدَعَ

(7)

وَرَثتَكَ أغْنِياءَ؛ خَيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عالَةً يتكفَّفُون النَّاسَ»

(8)

، ولأنهم

(9)

أَوْلَى النَّاس بصَدَقاته النَّوافِل والمفروضات، فكذا صدقتُه المنقولةُ.

(وَالْأُخْرَى): يُصرَفُ (إِلَى أَقْرَبِ عَصَبَتِهِ)؛ لأِنَّهم أحقُّ أقارِبِه بِبِرِّه؛ لِقَولِه عليه السلام: «ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، أُمَّكَ، وأباكَ، وأختَك، وأخاك، ثمَّ أدْناكَ أدْناكَ»

(1)

في (ظ): وسبلت.

(2)

في (ق): يصرف.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 6/ 220، الهداية في شرح البداية 3/ 16.

(4)

في (ح): وإذا.

(5)

في (ح): بأنه.

(6)

في (ق): المنصرف.

(7)

في (ق): تذر.

(8)

أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(9)

في (ظ): ولكنهم.

ص: 438

رواه النَّسائيُّ

(1)

.

فيَحتَمِل: أنْ يكونَ ملكًا لهم، وهو ظاهِرُ كلامِ ابنِ أبي موسى، وظاهِرُ الخِرَقِيِّ عَكْسُه، والمذهبُ: أنَّه يكونُ وقْفًا عليهم

(2)

؛ لأِنَّ الملْكَ زال عنه بالوقْف، فلا يعود ملكًا لهم.

وعنه: ملْكًا، ويَحتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ في الوَرَثَة.

(وَهَلْ يَخْتَصُّ بِهِ فُقَرَاؤُهُمْ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحَدُهُما، وهو ظاهر كلام الإمام والخِرَقِيِّ والمجْدِ: أنَّه لا يَختَصُّ بهم، بل يَشمَلُ الفَقيرَ والغَنِيَّ منهما؛ لأِنَّه لو وَقَفَ على أولاده شَمِلَهما، فكذا هنا.

والثَّاني، واخْتاره القاضي في الرِّوايَتَينِ: أنَّه يَخْتَصُّ الفقراءَ مِنْهم؛ إذ القَصْدُ بالوقْف البِرُّ والصِّلةُ، والفقراءُ أَوْلَى بهذا المعْنَى مِنْ غَيرِهم، ونَصَّ على أنَّه يُصرَفُ في مَصالِح المسْلِمين.

(وَقَالَ الْقَاضِي فِي مَوْضِعٍ)، وهو «الجامع الصغير» ، والشريف أبو جعفر، وإليه ميل المؤلف، وهو رواية:(يَكُونُ وَقْفًا عَلَى الْمَسَاكِينِ)، قال في «الشَّرح»: وهو أعْدَلُ الأقْوال؛ لأِنَّهم أعمُّ جِهاتِ الخَير، ومَصرِفُ الصَّدقات وحقوقِ الله تعالى من الكَفَّارات ونحوِها، فإنْ كان للواقِف أقارِبُ مساكينُ؛ كانوا أَوْلَى به استحبابًا

(3)

، كصِلاته.

وحَيثُ قُلْنا: يُصرَفُ إلى الأقارب، فانْقَرَضُوا، أو لم يُوجَدْ له قَريبٌ؛ فإنَّه

(1)

أخرجه بهذا اللفظ النسائي (2532)، وابن حبان (3341)، من حديث طارق المحاربي رضي الله عنه، وصححه ابن حبان والدارقطني، وقال الألباني:(سنده جيد)، وعند البخاري (1426)، ومسلم (1042)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«ابدأ بمن تعول» دون بقيته. ينظر: المحرر (1098)، الإرواء 3/ 319.

(2)

في (ح) و (ق): عليهما.

(3)

قوله (استحبابًا) سقط من (ح).

ص: 439

يُصرَف لِبَيت المال، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ أبي طالِبٍ

(1)

، وقَطَع به أبو الخَطَّاب والمجْدُ؛ لأِنَّه مالٌ لا مُسْتَحِقَّ له.

وقال الأكثرُ: يَرجِعُ إلى الفقراء والمساكين؛ إذ القَصْدُ بالوقْف: الصَّدقةُ الدَّائمةُ؛ لقَوله عليه السلام: «أوْ صَدَقةٍ جارِيَةٍ»

(2)

.

وقال ابنُ أبي موسى: يُباعُ ويُجعَلُ ثَمَنُه للمساكين، ونَقَل حَرْبٌ عَنْه مِثْلَه

(3)

.

وعَنْه: يَرجِعُ إلى ملْكِ واقِفِه الحيِّ.

قال ابنُ الزَّاغُونِيِّ في «الواضح» : الخِلافُ في الرُّجوع إلى الأقارِب، أوْ إلى بيت المال، أو إلى المساكين؛ مُخْتَصٌّ بما إذا مات الواقِفُ، أمَّا إنْ كان حَيًّا، فانْقَطَعت الجِهَةُ؛ فهل يَعودُ الوقْفُ إلى ملْكِه أوْ إلى عَصَبَتِه؟ فيه روايتانِ.

وظاهِرُ المتن: أنَّ المسائلَ الثَّلاثَ على سَنَنٍ واحِدٍ، وأنَّ الخِلافَ فيها.

وفي «الشَّرح» : إذا قال: وَقَفْتُ، وسكت

(4)

، أوْ صدقةٌ مَوقوفَةٌ؛ أنَّه لا نَصَّ فيها.

وقال ابنُ حامِدٍ: يَصِحُّ، وهو قِياسُ قَولِ أحمدَ في النَّذْر المطْلَقِ، فإنَّه يَنعَقِدُ مُوجِبًا للكفَّارة.

وفي «الفروع» : وكذا إذا قال: وَقَفَه، ولم يَزِدْ.

وقال القاضي وأصحابُه: إنَّه يُصرَفُ في وُجوهِ البِرِّ.

وفي «عيون المسائل» : فيها وفي تصدَّقْت به؛ لجماعة المسلمين.

(1)

ينظر: الوقوف والترجل ص 56، الروايتين والوجهين 1/ 436.

(2)

أخرجه مسلم (1631)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 53.

(4)

في (ظ) و (ق): وسبلت. والمثبت موافق للشرح الكبير 16/ 415.

ص: 440

وفي «الرَّوضة» : إنْ قال: وَقَفْتُه، صحَّ في الصَّحيح عِنْدَنَا.

تنبيهٌ: للوَقْفِ أربعةُ أحْوالٍ:

1 -

مُتَّصِلُ الاِبتِداء والانتِهاء: ولا إشكالَ في

(1)

صِحَّته.

2 -

منقطع

(2)

الاِنتِهاء: وهو صحيحٌ في الأصحِّ.

3 -

مُنقَطِعُ الاِبْتِداء مُتَّصِلُ الاِنتِهاءِ.

4 -

مُتَّصِلُ الاِبْتِداء والاِنتِهاء، مُنقَطِعُ الوَسَط: والمذْهَبُ: صحَّتُهما.

وقِيلَ بالبُطْلان؛ بِناءً على تَفْريق الصَّفْقة.

مسألةٌ: لو وَقَفَ على الفقراء، ثُمَّ على وَلَدِه؛ صحَّ لهم دُونَه.

وقِيلَ: وعَلَيهِ؛ كما لو وَقَفَ على فقراءِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ.

(وَإِذَا

(3)

قَالَ: وَقَفْتُ دَارِي سَنَةً؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ مُقْتَضَى الوقْفِ التَّأبيدُ، وهذا يُنافِيهِ، فلو قال: وَقَفْتُ هذا على وَلَدِي سَنَة، ثُمَّ على المساكين؛ صحَّ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه مُنقَطِعُ الاِنْتِهاء، وقد بَيَّنَّا صِحَّتَه، وحِينَئِذٍ:(يُصْرَفُ بَعْدَهَا)؛ أيْ: بَعْدَ السَّنة (مَصْرِفَ المُنْقَطِعِ)؛ أيْ: مُنقَطِع الاِنْتِهاء.

(وَلَا يُشْتَرَطُ إِخْرَاجُ الْوَقْفِ عَنْ يَدِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هي

(4)

ظاهر المذهب؛ لأِنَّ الوَقْفَ يزولُ به ملْكُ الواقِف، ويَلزَمُ بمجرَّد اللَّفظ؛ لحديثِ عمرَ السَّابِقِ

(5)

، ولأِنَّه تَبَرُّعٌ يَمنَعُ البَيعَ والهِبةَ، فيَلزَمُ بمجرَّده؛ كالعتق.

والثَّانيةُ: لا يَلزَمُ إلاَّ بالقَبْض وإخراجِ الوَقْف عن يَدِه، اختارها ابنُ أبي موسى، وقاله محمَّدُ بنُ الحَسَنِ

(6)

؛ لأِنَّه تَبَرُّعٌ بمالٍ لم يُخرِجْه عن

(1)

في (ح): وفي.

(2)

قوله: (منقطع) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وإن.

(4)

في (ظ): في.

(5)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(6)

في (ق): الحسين. ينظر: النتف في الفتاوى 1/ 523، المبسوط 12/ 35.

ص: 441

الماليَّة، فلم يَلزَمْ بمجرَّده؛ كالهِبَة، فلو شَرَطَ نَظَرَه له؛ سلَّمه لِيَدِ غَيرِه، ثُمَّ ارْتَجَعه.

وأُجِيبَ: بالفَرْقِ، فإنَّها تمليكٌ مطلَقٌ، والوقْفُ تَحْبِيسُ الأصل وتَسْبِيلُ المنفَعَة، فهو بالعتق أشْبَه، فإلْحاقُه به أَوْلَى.

وعُلِمَ منه: أنَّ الخِلافَ في لُزومِ الوقْفِ، وهو ظاهِرُ كلامِ الأكثَرِ، وصرَّح في «الهداية» أنَّه في الصِّحَّة

(1)

، ولَعَلَّه ظاهِرُ المتْنِ.

(1)

في (ح): عدم الصحة.

ص: 442

(فَصْلٌ)

(وَيَمْلِكُ المَوْقُوفُ عَلَيْهِ الْوَقْفَ)، في ظاهِرِ المذْهَبِ

(1)

؛ لأِنَّه سَبَبٌ يُزِيلُ التَّصرُّفَ في الرَّقَبَة، فَمَلَكَه المنتقلُ إلَيه؛ كالهِبة، إلاَّ أنْ يكونَ مِمَّا لا يَملِكُ كالمسجد ونحوِه، فإنَّ الملْكَ فيه يَنتَقِلُ إلى الله تعالَى.

(وَعَنْهُ: لَا يَمْلِكُهُ) الموقوفُ عَلَيهِ، ويكونُ تمْلِيكًا

(2)

لله تعالى، وهي

(3)

اخْتِيارُ ابنِ أبي موسى؛ لأِنَّه إزالةُ ملْكٍ عن العين

(4)

والمنفَعَة على وَجْهِ القُرْبةِ بتَمْليكِ المنفَعَةِ، فلم يَنتَقِلْ إلى صاحبها كالعِتْقِ، ولأِنَّه لو انتَقَلَ إلَيهِ؛ لافْتَقر إلى قَبولِه؛ كسائر الأمْلاك.

وعَنْهُ: أنَّه باقٍ على ملْكِ الواقِفِ؛ لقولِه: «إنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أصْلَها وتصدَّقْتَ بِها»

(5)

، ولأِنَّه

(6)

لا يُوجِبُ زوالَ الملْك عَنْهُ، فتَلزَمُه الخصومةُ فِيهِ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه سَبَبٌ لم يَخرُجْ به الملْكُ عن المالِيَّة، فَوَجَبَ أنْ يَنتَقِلَ إلَيهِ؛ كالهِبة والبَيع، وفارَقَ العِتْقَ مِنْ حَيثُ إنَّه إخْراجٌ عن حُكْم المالِيَّة، ولأِنَّه لو كان تَمْلِيكًا للمنْفَعة المجرَّدة؛ لم يَلزَمْ؛ كالعارِيَة والسُّكْنَى.

وقَولُ أحمدَ: (إنَّهم لا يَمْلِكونَ)

(7)

؛ مَحْمولٌ على أنَّهم لا يَمْلِكونَ

(1)

كتب في هامش (ق): (من «كفاية المفتي»: الوقف يتردَّد بين شيئين؛ يشبه العتق؛ من حيث إنه يقطع تصرف المالك في الرقبة والمنفعة ويمنع العود إليه ما دام يُنتفع به، ويشبه الهبة؛ من حيث إنه ينتقل إلى الموقوف عليه ولا يخرج عن حكم المالية، والله أعلم).

(2)

في (ق): ملكًا.

(3)

في (ظ): وهو.

(4)

في (ح): المعين.

(5)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(6)

في (ق): لأنه.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 41.

ص: 443

التَّصرُّفَ في الرَّقَبَة؛ جَمْعًا بَينَهما، لا يُقالُ: عَدَمُ ملكه

(1)

التَّصرُّفَ فِيهَا يَدُلُّ على عَدَمِ ملكه

(2)

لها؛ لأِنَّه لَيسَ بِلازِمٍ، بدليلِ أمِّ الوَلَدِ، فإنَّه يَملِكُها، ولا يَملِكُ التَّصرُّفَ في رَقَبَتِها.

(وَيَمْلِكُ

(3)

صُوفَهُ، وَلَبَنَهُ، وَثَمَرَتَهُ، وَنَفْعَهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(4)

؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِه، قالَهُ في «الشَّرح» .

ومُقْتَضاهُ: أنَّه مَبْنِيٌّ على الملْكِ، وفيه

(5)

شَيءٌ.

فَيَسْتَوْفِيهِ بِنَفْسِه، وبالإجارة والإعارة ونحوِها، إلاَّ أنْ يُعَيِّنَ في الوقْفِ غَيرَ ذلك.

ويَنْبَنِي على الخِلاف: ما إذا كان الموقوفُ ماشِيَةً، فإنَّه لا تَجِبُ زكاتُها على الثَّانية والثَّالِثة؛ لِضَعْف الملْكِ أو انْتِفائه، وَوَجَبَتْ على الموْقوف عَلَيهِ في ظاهِرِ كلامِه، واخْتاره القاضِي في «التَّعليق» والمجْدُ.

وقِيلَ: لا تَجِبُ؛ لِضعْفِ الملْكِ، اخْتارَه في «التَّلخيص» .

والأصحُّ: يُخرِجُ المعيَّنُ فطرته على الأولى، كعَبْدٍ اشْتُرِيَ من غَلَّة الوقْفِ لخِدْمةِ الوقف

(6)

؛ لتَمامِ التَّصرُّف فيه، ذَكَرَه أبو المعالي.

والخِلافُ فيما يُقصَدُ به تملُّكُ الرَّيعِ، أمَّا المسجد والمقبَرة؛ فلا خلافَ أنَّه يَنقَطِعُ عنه اخْتِصاصُ الآدَمِيِّ، ويُشْبِهُ ذلك الرُّبَطُ والمدارِسُ.

(وَلَيْسَ لَهُ وَطْءُ الْجَارِيَةِ)؛ لأِنَّ ملْكَه ناقِصٌ، ولا يُؤمَنُ حَبَلُها فَتَنْقُصَ، أوْ تَتْلَفَ، أوْ تَخرُجَ من الوقْفِ؛ بأنْ تَبْقَى أمَّ وَلَدٍ.

(1)

في (ح): تملكه.

(2)

في (ح): تملكه.

(3)

في (ح): ويملكه.

(4)

ينظر: الشرح الكبير 16/ 422.

(5)

في (ظ) و (ق): في.

(6)

في (ظ): للوقف.

ص: 444

(فَإِنْ فَعَلَ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ)؛ للشُّبْهةِ، (وَلَا مَهْرَ) عليه

(1)

؛ لأِنَّه لو وَجَبَ؛ لَوَجَبَ له، ولا يَجِبُ للإنسان شَيءٌ على نفسه.

(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ؛ فَهُوَ حُرٌّ)؛ لأِنَّه مِنْ وَطْءِ شُبْهةٍ، (وَعَلَيْهِ)؛ أيْ: على الواطِئِ (قِيمَتُهُ) يَوم الوَضْع، (يَشْتَرِي بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ أيْ: عَبْدٌ

(2)

مكانَه؛ لأِنَّه فَوَّتَ رِقَّه

(3)

، ولأِنَّ القِيمةَ بَدَلٌ عن الوَقْف، فَوَجَبَ أنْ تُرَدَّ في مِثْلِه.

(وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ لأِنَّه أَحْبَلَها بِحُرٍّ في ملْكِه، وإنْ

(4)

قُلْنا: لا يَمْلِكُها؛ لم تَصِرْ أمَّ وَلَدٍ له، صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّها أجْنَبِيَّةٌ، (وَتَعْتِقُ بِمَوْتِهِ)؛ كأمِّ الوَلَد.

(وَتَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ)؛ لأِنَّه أتْلَفَها على مَنْ بَعْدَه من البطون، (يُشتَرَى

(5)

بِهَا مِثْلُهَا، تَكُونُ

(6)

وَقْفًا)؛ لِيَنْجَبِرَ على البَطْن الثَّاني ما فاتَهم.

وقِيلَ: يُصْرَفُ إلى البطْنِ الثَّانِي إنْ تَلَقَّى الوقْفَ مِنْ واقِفِه، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ، فلهم

(7)

اليمين مع شاهدهم؛ لثبوت الوقْف مع امْتِناع بعض البَطْن الأوَّل منها.

فإن كان النِّصْفُ طِلْقًا، فأعْتَقَه مالِكُه؛ لم يَسْرِ إلى الوَقْف؛ لأِنَّه إذا لم يَعتِقْ بالمباشَرَة؛ فَبِالسِّراية أَوْلى.

(وَإِنْ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ

(8)

؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ)؛

(1)

قوله: (عليه) سقط من (ح).

(2)

في (ق): عند.

(3)

في (ح): رقبة.

(4)

في (ق): فإن.

(5)

في (ح): فيشتري.

(6)

في (ح) و (ظ): يكون.

(7)

في (ظ): فله.

(8)

قوله: (فأتت بولد) في (ح): فأولدها.

ص: 445

لاِعتقاده

(1)

أنَّه وَطْءٌ في

(2)

ملْكٍ، وإنْ كان عَبْدًا، وظاهِرُه: أنَّه إذا وَطِئَها مُكرَهةً أوْ مُطاوِعةً؛ فَعَلَيهِ الحَدُّ؛ لاِنْتِفاء الشُّبْهةِ.

(وَعَلَيْهِ الْمَهْرُ لِأَهْلِ الْوَقْفِ)؛ لأِنَّه وَطِئَ جارِيَتَهم في غَيرِ ملْكٍ، أشْبَهَ الأَمَةَ المطْلَقَةَ، ولأِنَّه عِوَضُ المنْفَعَةِ، وهِيَ مُسْتَحَقَّةٌ لهم، (وَ) عَلَيهِ (قِيمَةُ الْوَلَدِ)؛ لأِنَّ رِقَّه فاتَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِه، وهو اعْتِقادُ الحُرِّيَّة، وتُعْتَبَرُ قِيمَتُه يَومَ تَضَعُهُ حَيًّا؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ تَقْويمُه قَبْلَ ذلِكَ، ويَكونُ الوَلَدُ وَقْفًا مَعَهَا تَبَعًا لها.

(وَإِنْ تَلِفَتْ؛ فَعَلَيْهِ)؛ أي: على

(3)

المتْلِفِ، سَواءٌ كان أجْنَبِيًّا أو الواقِفُ، (قِيمَتُهَا)؛ لأِنَّه إتْلافٌ حَصَلَ في مُسْتَحَقِّ

(4)

الغَيرِ، فَوَجَبَت القيمةُ، كما لو أَتْلَفَ غَيرَ الوَقْفِ.

وكذا إنْ كان المتْلِفُ الموْقُوفَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه لا يَمْلِكُ التَّصرُّفَ في الرَّقَبة، إنَّما له المنْفَعَة.

(يُشْتَرى بِهَا مِثْلُهَا)؛ لأِنَّه أقْرَبُ إلى الوفاء بشَرْطِ الواقِف، ويَصِيرُ وَقْفًا بالشِّراء.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَمْلِكَ) الموْقُوفُ عَلَيهِ (قِيمَةَ الْوَلَدِ)؛ لأِنَّه يَمْلِكُ النَّماء، وهو منه، (هَهُنَا)؛ يَعْنِي: إذا وَطِئَها أجْنَبِيٌّ بشُبْهَةٍ، (وَلَا يَلْزَمُهُ قِيمَةُ الْوَلَدِ إِنْ أَوْلَدَهَا)؛ لأِنَّ ما تملَكُ

(5)

قِيمَتُه لا تَلزَمُه

(6)

قِيمَتُه.

(وَلَهُ)؛ أيْ: للمَوْقُوف عَلَيهِ؛ (تَزْوِيجُ الْجَارِيَةِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه عَقْدٌ على مَنْفَعَتِها، أشْبَهَ الإجارةَ.

(1)

في (ح): لاعتقاد.

(2)

قوله: (في) سقط من (ح).

(3)

قوله: (على) سقط من (ظ).

(4)

قوله: (في مستحق) في (ق): فيستحق.

(5)

في (ق): ما يملك. والذي في الممتع 3/ 171: فلأن ما لا يملك قيمته لا تلزمه قيمته.

(6)

في (ق): لا يلزمه.

ص: 446

والثَّانِي: لا يَجوزُ تَزْويجُها؛ لأِنَّه عَقْدٌ على منفعتها في العُمُر، فَيُفْضِي إلى تَفْويتِ مَنفَعَتِها في حقِّ مَنْ يأْتِي من البُطونِ.

وهذا الخِلافُ مَبْنِيٌّ على الملْكِ، وحِينَئِذٍ: لَيسَ له أنْ يَتَزَوَّجَها، وإنْ قُلْنَا: هي

(1)

ملْكٌ لله تعالى؛ فيُزَوِّجُها حاكِمٌ ويَتزَوَّجُها.

(وَأَخْذُ مَهْرِهَا)؛ لأِنَّه بَدَلُ المنْفَعةِ، وهو يَسْتَحِقُّها؛ كالأُجْرة.

(وَوَلَدُهَا وَقْفٌ مَعَهَا)؛ أيْ: إذا وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أوْ زِنًى؛ لأِنَّ وَلَدَ كلِّ ذاتِ رَحِمٍ؛ حُكْمُه حكمها

(2)

، كأمِّ الوَلَدِ والمكاتَبَةِ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَمْلِكَهُ)؛ لأِنَّه مِنْ نَمائِها، كثَمرةِ الشَّجَرَة.

فَرْعٌ: إذا طَلَبَت التَّزْوِيجَ؛ لَزِمَه إجابَتُها؛ لأِنَّه حقٌّ لها طَلَبَتْه، فتَعيَّنَت الإجابةُ، وما فات من الحقِّ به يفوت

(3)

تبعًا

(4)

، فلا يَصْلُحُ أنْ يكونَ مانِعًا؛ كغَيرِ الموْقوفَةِ.

(وَإِنْ جَنَى الْوَقْفُ) جِنايَةً مُوجِبَةً للمال (خَطَأً؛ فَالْأَرْشُ عَلَى المَوْقُوفِ عَلَيْهِ)، جَزَمَ به الشَّيخانِ وفي «الوجيز» ، ومُرادُهم: إذا كان مُعَيَّنًا؛ لأِنَّه ملْكُه، فكانَتْ عَلَيهِ؛ كجنايةِ أمِّ الوَلَد، ولم يَتَعلَّقْ أرْشُها برَقَبةِ الوَقْفِ؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ بَيعُه ولا يَلزَمُه أكثرُ مِنْ قَيمَتِه؛ كأمِّ الوَلَدِ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ فِي كَسْبِهِ)؛ كما لو لم يَكُنْ مُعَيَّنًا، كالوَقْف على المساكين؛ لأِنَّه لَيسَ له مُسْتَحِقٌّ مُعَيَّنٌ يُمْكِنُ إِيجابُ الأَرْش عَلَيهِ.

والمذْهَبُ: إنْ قُلْنا: هو ملْكٌ لله تعالى؛ فالأَرْشُ في كَسْبِه؛ لِتَعَذُّر

(1)

في (ح): أنه، وفي (ق): هو.

(2)

في (ح): حملها.

(3)

في (ح): تفويت.

(4)

في (ح) و (ق): نفعًا.

ص: 447

تعلقه

(1)

بِرَقَبَتِه؛ لِكَونِه لا يُباعُ، وبالموْقوفِ عَلَيهِ؛ لِكَونِه لا يَمْلِكُه.

وقِيلَ: هو في بَيتِ المال، وحَكاهُ في «التَّبصِرة» روايةً، كأرْشِ جِنايَةِ الحُرِّ المعْسِرِ.

وضَعَّفَه في «المغْنِي» : بأنَّ الجِنايَةَ إنَّما تكونُ في بَيتِ المال في صورةٍ تَحْمِلُها العاقلة

(2)

عِنْدَ عَدَمِها، وجنايَةُ العَبْد لا تَحْمِلُها.

تنبيهٌ: لم يَتَعرَّض المؤلِّفُ إذا جَنَى جِنايةً مُوجِبَةً لِلْقَوَد والقَطْعِ أنَّه يَجِبُ؛ فإنْ قُتِل

(3)

؛ بَطَلَ الوقف فيه

(4)

، لا بقطعِهِ، ويكون

(5)

باقيه وقْفًا؛ كَتَلَفِه بِفِعْل الله تعالى.

فإنْ قُتِل

(6)

؛ فالظَّاهِرُ لا يَجِبُ القَوَدُ؛ كعَبْدٍ مُشْتَرَكٍ، وتَجِبُ القِيمةُ، ولَيسَ للمَوقُوف عَلَيهِ العَفْوُ عنها؛ لأِنَّه لَا يَخْتَصُّ بها، ويُشْتَرَى بها مِثْلُها يكون وَقْفًا، ويَتَوجَّهُ: اخْتِصاصُ الموْقوف عَلَيهِ بها إنْ قُلْنا: يَمْلِكُه.

وإنْ قُطِعَ طَرَفُه؛ فللعَبْد القَوَدُ، وإنْ عَفَا؛ فأرْشُه يُصرَفُ في مِثْلِه.

وفي «التَّرغيبِ» احْتِمالٌ: كنَفْعه؛ كجِنايَةٍ بلا تَلَفِ طَرَفٍ، ويُعايَا بِ: مَمْلُوكٍ لا مالِكَ له، وهو عبدٌ وُقِفَ على خِدْمة الكَعْبة، قالَهُ ابنُ عَقِيلٍ في «المنثور» .

(وَإِذَا وَقَفَ عَلَى ثَلَاثَةٍ)؛ كزَيدٍ، وعَمْرٍو، وبَكْرٍ، (ثُمَّ عَلَى المَسَاكِينِ؛ فَمَنْ

(1)

في (ح): تعليقه.

(2)

في (ح): للعاقلة.

(3)

في (ظ) و (ق): قيل.

(4)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

(5)

في (ظ): تكون.

(6)

في (ظ): قيل.

ص: 448

مَاتَ مِنْهُمْ)، أوْ رَدَّ؛ (رَجَعَ نَصِيبُهُ عَلَى

(1)

الآْخَرَيْنَ)؛ لأِنَّهما من الموْقوفِ عَليهم أوَّلاً، وعَودُه إلى المساكين مَشْروطٌ بانْقِراضِهم؛ إذِ اسْتِحْقاقُ المساكينِ مُرَتَّبٌ ثَمَّ

(2)

، فإذا ماتَ الثَّلاثةُ، أوْ رَدُّوا؛ فَلِلْمساكِينِ؛ عَمَلاً بشَرْطه.

فلو وَقَفَ على ثلاثةٍ، ولم يَذكُرْ له مآلاً؛ فَمَنْ ماتَ منهم؛ فحُكْمُ نَصِيبِه حُكْمُ المنْقَطِعِ، كما لو ماتُوا جَمِيعًا، قالَهُ الحارِثِيُّ.

واخْتَار في «القواعد» : أنَّه يُصْرَف إلى الباقي

(3)

، وهو أظْهَرُ.

(1)

في (ح): إلى.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي الكشاف 10/ 40: بثم.

(3)

في (ق): الثاني.

ص: 449

(فَصْلٌ)

(وَيُرْجَعُ إِلَى شَرْطِ الْوَاقِفِ)؛ لأِنَّ «عمرَ رضي الله عنه وَقَفَ وَقْفًا، وشَرَطَ فيه شُروطًا»

(1)

، ولو لم يَجِب اتِّباعُ شَرْطِه؛ لم يَكُنْ في اشْتِراطِه فائدةٌ، ولأِنَّ «ابنَ الزُّبَيرِ وَقَفَ على وَلَدِه، وجَعَلَ للمَرْدودةِ مِنْ بناتِه أنْ تَسْكُنَ غَيرَ مُضِرَّةٍ ولا مُضَرٍّ بها، فإذا اسْتَغْنَتْ بِزَوجٍ فلا حقَّ لها فِيهِ»

(2)

، ولأِنَّ الوَقْفَ مُتَلَقًّى من جِهَتِه، فاتُّبِعَ شَرْطُه.

ونَصُّه كنَصِّ الشَّارِع، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (يَعْنِي في الفَهْم والدَّلالة، لا في وجوب العمل

(3)

، مع

(4)

أنَّ التَّحْقيقَ: أنَّ

(5)

لَفْظَه، ولَفْظَ الموصِي والحالِفِ والنَّاذِرِ وكلِّ عاقِدٍ؛ يُحمَلُ على عادته في خِطابه، ولُغَته الَّتي يَتكلَّمُ بها، وافَقَتْ لُغةَ العَرَب أو الشَّارِعِ أوْ لا)

(6)

.

فلو تَعَقَّبَ شَرْطُه

(7)

جُملاً؛ عاد إلى الكُلِّ، واستِثْناءٌ كشَرْطٍ، نَصَّ

(1)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (20933)، والدارمي (3343)، من طريق هشام بن عروة عن أبيه به. وأخرجه سحنون في المدونة (4/ 423)، وأبو عبيد في الغريب (4/ 18)، والبيهقي في الكبرى (11930)، عن هشام بن عروة: أن الزبير جعل دُوره صدقةً، وذكره. وإسناده صحيح، وقد علقه البخاري بصيغة الجزم (4/ 13)، واحتج به أحمد كما في الوقوف للخلال (ص 26)، قال الألباني في الإرواء 6/ 40:(إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين، على خلاف في سماع عروة بن الزبير من أبيه).

(3)

قوله: (العمل بها) سقط من (ح) و (ق).

(4)

في (ق): يقع.

(5)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الفروع 7/ 358، الاختيارات ص 255.

(7)

في (ظ): بشرطه.

ص: 450

عَلَيهِ

(1)

، وكذا مخصِّصٌ مِنْ صِفةٍ، وعَطْفِ بَيانٍ، وتَوكِيدٍ، وبَدَلٍ، ونحوِه، وجارٍّ ومَجْرورٍ؛ نحو: وعلى أنَّه، وبِشَرْطِ أنَّه، ونحوه.

(فِي قَسْمِهِ عَلَى المَوْقُوفِ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على أنَّ للأنثى سَهْمًا، وللذَّكَر سَهْمَينِ، أو بالعَكْس، والمسْتَحَبُّ أنْ يَقْسِمَه على أوْلاده على حَسَبِ قِسْمة الله تعالى في الميراث، للذكر مثل حظ الأنثيين.

وقال القاضي: المسْتَحَبُّ التَّسْويةُ بَينَهم؛ لأِنَّ القَصْدَ القُرْبةُ على وَجْهِ الدَّوام، وقد اسْتَوَوْا في القَرابة.

ورُدَّ: بأنَّه إيصالُ

(2)

المال إلَيهِم، فيَنْبَغِي أنْ يكونَ على حَسَبِ الميراث؛ كالعَطِيَّة، والذَّكَرُ في مَظِنَّة الحاجة غالِبًا بوُجوبِ حُقوقٍ تَتَرتَّبُ عَلَيهِ، بخِلافِ الأنْثَى.

(وَفِي التَّقْدِيمِ)؛ بأنْ يَقِفَ على أولاده - مَثَلاً -؛ يُقدِّمُ الأفْقَهَ، أو الأَدْيَنَ، أو المريضَ، ونحوَه.

قال في روايةِ محمَّد بنِ الحَكَم فِيما إذا خَصَّ بعضَهم بالوَقْف: إنْ كان على طريق الأَثَرة فأكَرَهُه

(3)

. وإنْ كان على أنَّ بعضَهم له عِيالٌ وبه حاجةٌ؛ فلا بَأْسَ.

(وَالتَّأْخِيرِ)؛ بأنْ يَقِفَ على وَلَدِ فُلانٍ بَعْدَ بَنِي فُلانٍ.

(وَالْجَمْعِ)؛ بأنْ يَقِفَ على أوْلاده، وأوْلاد أوْلاده، ونَسْله، وعَقِبه.

(وَالتَّرْتِيبِ)؛ بأنْ يَقِفَ على أوْلاده ثُمَّ أوْلادهم، أوْ يَقِفَ على أوْلاده وإنْ نَزَلُوا، الأعْلى فالأعْلى، أو الأقْربِ فالأقْرب، أوْ على أوْلاده، فإذا انْقَرَضُوا؛ فَعَلَى أوْلاد أوْلادِه.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 374.

(2)

في (ح) و (ظ): اتصال. والمثبت موافق للمغني 6/ 18 والشرح الكبير 16/ 484.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 41.

ص: 451

فالتَّقْديمُ: بَقاءُ أصْلِ الاِسْتِحْقاق للمُؤخَّر على صفةِ أنَّ

(1)

له ما فَضل، وإلاَّ سَقَطَ، والتَّرْتِيبُ: عَدَمُ اسْتِحْقاق المؤَخَّر مع وجود المقدَّم.

(وَالتَّسْوِيَةِ)؛ بأنْ يَقِفَ على طائفةٍ بَينَهم بالسَّوِيَّة، وقيل: يُمنَعُ تَسوِيةٌ بَينَ فُقَهاءَ

(2)

؛ كمُسابَقةٍ.

(وَالتَّفْضِيلِ)؛ بأنْ يَقولَ: لواحِدٍ الثُّلُثُ، ولِلآْخَرِ الثُّلُثانِ.

(وَإِخْرَاجِ مَنْ شَاءَ بِصِفَةٍ، وَإِدْخَالِهِ بِصِفَةٍ)؛ لِقَضيَّةِ ابنِ الزُّبَير في بناته

(3)

، ولَيسَ هو تعليقًا للوقْف بصفةٍ، بل وَقْفٌ مُطْلَقٌ، والاِسْتِحْقاقُ له صِفَةٌ، فلو

(4)

شَرَطَ أنْ يُخرِجَ مَنْ شاءَ مِنهم ويُدخِل مَنْ شاء مِنْ غَيرِهم؛ لم يَصِحَّ؛ لمنافاته مقتضاهُ.

لا قوله: يُعْطِي مَنْ شاء

(5)

ويَمنَعُ مَنْ شاء

(6)

؛ لِتَعْليقِه اسْتِحْقاقَه بِصِفَةٍ، كما لو وَقَفَه على المشْتَغِلينَ بالعِلْم مِنْ وَلَدِه، فإنَّه يَسْتَحِقُّهُ المشْتَغِلُ دُونَ غَيرِه، فمن

(7)

ترك الاِشْتِغالَ؛ زال اسْتِحْقاقُه، فإنْ عاد إلَيهِ؛ عاد اسْتِحْقاقُه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وقال الحارِثِيُّ: الفَرْقُ لا يَتَّجِهُ.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: كلُّ مُتَصرِّفٍ بِوِلايَةٍ إذا قيل: يَفعَلُ ما شاء

(8)

؛ فإنَّما هو لمصلحة

(9)

شَرعِيَّةٍ، حتَّى لو صرَّح الواقِفُ: بما يَهْواهُ أوْ يَراهُ مُطْلَقًا؛

(1)

في (ح): أي.

(2)

في (ق): فقيهًا.

(3)

في (ق): بنانه. وتقدم الأثر 6/ 450 حاشية (2).

(4)

في (ح): ولو.

(5)

في (ق): يشاء.

(6)

في (ق): يشاء.

(7)

في (ح) و (ق): فمتى.

(8)

في (ق): يشاء.

(9)

في (ح): بمصلحة.

ص: 452

فَشَرْطٌ باطِلٌ؛ لمخالَفةِ الشَّرْع)

(1)

، وكشَرْطِه تَغْيِيرَ شَرْطٍ.

(وَ) في (النَّاظِرِ فِيهِ)؛ بأنْ يقولَ: النَّاظِرُ فُلانٌ، فإنْ ماتَ فَفُلانٌ؛ لأِنَّ «عُمَرَ جَعَلَ وقْفَه إلى حَفْصةَ تَلِيهِ ما عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِنْ أهْلِها»

(2)

، ولأِنَّ مَصْرِفَ الوَقْفِ يُتْبَعُ فِيهِ شَرْطُ الواقِفِ، فكذا في نَظَرِه.

وشَرْطُه: أنْ يَكونَ مُكلَّفًا، ثِقَةً، كافِيًا في ذلك، خَبِيرًا به، قَوِيًّا عَلَيهِ.

فإنْ جَعَلَه لِغَيرِه؛ لم يَعزِلْه بلا شَرْطٍ، وإنْ شَرَطَه لِنَفْسه ثُمَّ لِغَيره؛ صحَّ في الأصحِّ، وإنْ فَوَّضَه لِغَيرِه، أوْ أسْنَدَه؛ فله عَزْلُه، قالَهُ ابنُ حَمْدانَ والحارِثِيُّ.

وقِيلَ: لا، واخْتارَه جَمْعٌ.

وللنَّاظِر التَّقريرُ في الوظائف، وفي «الأحكام السُّلْطانية»: يُقَرِّرُ في الجوامع الكِبار الإمامُ، ولا يَتَوقَّفُ الاِسْتِحْقاقُ على نَصيبه

(3)

إلاَّ بشَرْطٍ، ولا نَظَرَ لِغَيره مَعَهُ، أطْلَقَه الأصحابُ.

قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ مع حضوره، فيُقرِّر حاكِمٌ في وظيفةٍ خَلَتْ في غَيبَته، ولو سَبَقَ تَوْلِيَةُ

(4)

ناظِرٍ غائِب؛ قُدِّمَتْ، والنَّاظِرُ مُنَفِّذٌ لِمَا شَرَطَهُ الوَاقِفُ.

(وَالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ)؛ بأنْ يقولَ: يُعمَرُ الوقْفُ من المكان الفُلانِيِّ - مثلاً -، (وَسَائِرِ أَحْوَالِهِ)، لأِنَّه ثَبَتَ بِوَقْفِه، فوجب أنْ يُتبَعَ فيه شَرطُه، ولأِنَّ ابْتِداءَ الوقْفِ مُفوَّض

(5)

إليه، فكذا في تفاصيله، فلو شَرَطَ أنْ لا يُؤْجِرَ أوْ قَدَّرها بمدَّةٍ؛ اتُّبِع، وأنْ لا يُنزَّلَ فاسِقٌ وشِرِّيرٌ ومُتجَوِّهٌ

(6)

، ونحوُه؛ عُمِلَ به.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 360، الاختيارات ص 255.

(2)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 348 والإنصاف 16/ 449: على نصبه.

(4)

في (ق): قول.

(5)

في (ح): يفرض، ولعلها في (ق): يفوض.

(6)

قال في تاج العروس 36/ 371: (تجوه: إذا تعظم أو تكلف الجاه وليس به ذلك).

ص: 453

قال في «الفروع» : وإلاَّ توجَّهَ أنْ لا يُعتَبَرَ في فُقَهاءَ ونحوِهم، وفي إمامٍ ومؤذِّنٍ الخِلافُ.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا يَجوزُ أنْ يُنزَّلَ فاسِقٌ في جِهةٍ دينيَّةٍ؛ كمدرسةٍ وغيرِها مطلَقًا؛ لأنَّه يَجِبُ الإنكارُ وعُقوبَتُه، فكَيفَ يُنزَّلُ؟ وإنْ نُزِّلَ مُسْتَحِقٌّ تنزيلاً شرعيًّا؛ لم يَجُزْ صرْفُه بلا مُوجِبٍ شرعيٍّ

(1)

.

تنبيهٌ: للحاكِمِ النَّظَرُ العامُّ، فيَعْتَرِضُ عَلَيهِ إنْ فَعَلَ ما لا يَسوغُ، وله ضَمُّ أمينٍ مع تفريطه أوْ تُهمتِه، وكذا مع ضعْفِه، ومَنْ ثَبَتَ فِسْقُه، أوْ أَمَرَ مُتصرِّفًا بِخِلافِ الشَّرط الصَّحيح، عالِمًا بتحريمه؛ قَدَحَ فيه، فإمَّا أنْ يَنعزِلَ أوْ يُعْزَلَ، أوْ يُضَمَّ إليه أمينٌ، على الخلاف، ثُمَّ إنْ صار هو والوصِيُّ أهْلاً؛ كما لو صرَّح به

(2)

وكالموْصوفِ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

.

وذَكَرَ الجَدُّ في «النُّكَت» : أنَّه لو عُزِلَ من وظيفةٍ للفسق، ثُمَّ تاب؛ لم يَعُدْ إليها، وإذا فَرَّطَ؛ سَقَطَ ممَّا له بقَدْرِ ما فَوَّتَه من الواجب.

وإذا أطْلَقَ النَّظَرَ لحاكمِ المسلمين؛ شَمِلَ أيَّ حاكِمٍ، وأفْتَى جماعةٌ من ذوي المذاهب: أنَّه عِنْدَ التَّعدُّد يكون للسُّلْطان تَولِيَةُ

(4)

مَنْ شاء، ولو فَوَّضَه حاكِمٌ لم يَجُزْ لآِخَرَ نَقْضُه، ولو ولَّى كلٌّ منهما شخصًا؛ قَدَّم وليُّ الأمر أَحَقَّهما.

فَرْعٌ: إذا جُهِلَ شَرْطُ الواقِفِ

(5)

؛ تَسَاوَى فيه المستحِقُّون؛ لأِنَّ الشَّرِكةَ

(1)

ينظر: الفروع 7/ 359، الاختيارات ص 255.

(2)

في الفروع 7/ 350 والاختيارات ص 251: عاد؛ كما لو صرح.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 350، الاختيارات ص 251.

(4)

في (ق): يوليه.

(5)

كتب في هامش (ظ): (قال في «التلخيص»: إذا جهل شرط الواقف، وتعذر العثور عليه؛ قُسم على أربابه بالسوية، فإن لم يعرفوا، جُعل كوقف مطلق لم يُذكر مصرفه. وقال في «الكافي»: لو اختلف أرباب الوقف فيه، رجع إلى الواقف، فإن لم يكن، تساووا فيه؛ لأن الشركة ثبتت، ولم يثبت التفضيل، فوجبت التسوية؛ كما لو شرك بينهم بلفظه. وقال الحارثي: إن تعذر الوقوف على شرط الواقف، وأمكن التأنس بتصرف من تقدم ممن يوثق به، رجع إليه؛ لأنه أرجح مما عداه، والظاهر صحة تصرفه، ووقوعه على الوفق. وإن تعذر، وكان الوقف على عمارة أو إصلاح؛ صرف بقدر الحاجة، وإن كان على قوم وثَمَّ عُرف في مقادير الصرف؛ كفقهاء المدارس، رجع إلى العرف؛ لأن الغالب وقوع الشرط على وفقه. وأيضًا فالأصل عدم تقييد الواقف، فيكون مطلقًا، والمطلق منه يثبت له حكم العرف. وإن لم يكن عرف، سوى بينهم؛ لأن التشريك ثابت، والتفضيل لم يثبت. وقال ابن رزين: إذا ضاع كتاب الوقف وشرطه، واختلفوا في التفضيل وعدمه، احتمل أن يسوى بينهم؛ لأن الأصل عدم التفضيل، وهو الصواب، واحتمل أن يفضل بينهم؛ لأن الظاهر أنه يجعله على حسب إرثهم منه، وإن كانوا - أي: الموقوف عليهم - أجانب، قُدم قول من يدعي التسوية وينكر التفاوت، وإن اختلف أرباب الوقف في مقادير الاستحقاق، أو كيفية الترتيب، أو شرط الواقف، ولا بينة؛ جعلت الغلة بينهم بالسوية، قال في النهاية: ثم إن القسمة بينهم على السواء محلها إذا كان الموقوف في أيديهم أو لا يد لواحد منهم عليه، أما لو كان في يد بعضهم فالقول قوله؛ كذا نبه عليه جماعة؛ فإن كان الواقف حيًّا رجع إلى قوله).

ص: 454

ثَبَتتْ، ولم يَثْبُت التَّفضيلُ، فَوَجَبت التَّسْوِيةُ؛ كما لو شَرَّك بَينَهم بِلَفْظه، ذَكَرَه في «الكافي» وغيره.

وقيَّده الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بما إذا لم يكن عادةٌ، قال: لأِنَّ العادةَ المستمِرَّةَ والعُرْفَ المسْتَقِرَّ في الوقف يَدُلُّ على شَرْط الواقِفِ أكثرَ مِمَّا يَدُلُّ لَفْظُ الاِسْتِفاضة

(1)

.

(فَإِنْ لَمْ يَشْرِطْ نَاظِرًا)، أو شَرَطَه لِإنسانٍ فَمَاتَ

(2)

؛ (فَالنَّظَرُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّه مَلَكَه، وغَلَّته له، فكان نَظَرُه إليه؛ كملْكِه الطِّلْق، فإن كان واحِدًا؛ اسْتَقَلَّ به مطلَقًا، وقِيلَ: يُضَمُّ إلى الفاسِقِ أمينٌ؛ حِفْظًا لأِصْلِ الوَقْف عن التَّضْيِيع، وإنْ

(3)

كان مُوَلًّى عليه؛ قام وَلِيُّه مَقامَه، وإنْ كانوا

(1)

ينظر: الفروع 7/ 359، الاختيارات ص 255.

(2)

قوله: (فمات) غير واضح في (ق) ولعله: مات.

(3)

في (ق): فإن.

ص: 455

جماعةً؛ فهو بَينَهم على قَدْر حِصَصِهم.

ويُستَثْنَى منه: ما إذا كان الوقْفُ على مسجِدٍ، أوْ مَنْ لا يُمكِنُ حَصْرُهم؛ فإنَّه للحاكِمِ؛ لأِنَّه لَيسَ له مالِكٌ مُعَيَّنٌ، وله أنْ يَسْتَنِيبَ فِيهِ.

(وَقِيلَ: لِلْحَاكِمِ)؛ أيْ: حاكِمِ البَلَد، اختاره ابن أبي موسى؛ لأِنَّه يتعلَّق به حقُّ الموجودين، وحقُّ مَنْ

(1)

يأتي من البطون.

وبناه المؤلِّفُ - وهو ظاهِرُ «المحرَّر» و «الفروع» - على الملك، فإنْ قُلْنا: هو للمَوقُوف عَلَيهِ؛ فالنَّظَرُ له؛ لأِنَّه يَملِكُ عَينَه ونَفْعَه، وإنْ قُلْنا: هو لله تعالى؛ فالحاكم

(2)

يتولاَّه، ويَصرِفُه في مَصْرِفه؛ كالوقْف على المساكين.

والحاصِلُ: إنْ كان النَّظَرُ لغَيرِ مَوقُوفٍ عليه، وكانت ولايتُه مِنْ حاكِمٍ أو ناظِرٍ؛ فلا بُدَّ فِيه مِنْ شَرطِ العدالة، وإن كانت وِلايَتُه من واقِفٍ وهو فاسِقٌ، أو عَدْلٌ فَفَسَقَ؛ صحَّ، وضُمَّ إلَيه أمين

(3)

.

ووظيفةُ ناظِرٍ: حِفْظُ وَقفٍ، وعمارةٌ، وإيجارٌ، وزراعةٌ، ومُخاصَمةٌ فيه، وتحصيلُ رَيعِه مِنْ أُجرةٍ وزَرْعٍ وثَمَرَةٍ، وصَرْفُه في جهاته؛ من عِمارةٍ، وإصلاحٍ، وإعطاءِ مُسْتَحَقٍّ، ونحوِه.

فَرْعٌ: إذا شَرَطَ النَّظَرَ لاثنين فأكثرَ؛ لم يَصِحَّ تصرُّفُ أحدِهما بلا شرط

(4)

، وإنْ شَرَطَه لكلٍّ منهما؛ صَحَّ، فإنْ شَرَطَه لاِثْنَينِ مِنْ أفاضِلِ وَلَدِه، فلم يُوجَدْ منهما إلاَّ واحدٌ؛ ضُمَّ إليه أمينٌ؛ لأِنَّ الواقِفَ لم يَرْضَ بنَظَرِ واحِدٍ، ذَكَرَه في «الكافي» ، وكذا لو جَعَلَهُ لاثنين، فمات أحدُهما أو انْعزَلَ.

(وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على الوقْف (مِنْ غَلَّتِهِ) إنْ لم يُعيِّنْ واقِفٌ النَّفَقةَ مِنْ

(1)

قوله: (وحق من) في (ق): ومن حقه.

(2)

في (ح): فالحكم.

(3)

في (ح): أمينه.

(4)

في (ح): لا بشرط.

ص: 456

غَيرِه؛ لأِنَّ الوَقْفَ تَحْبِيسُ الأصل وتَسْبِيلُ المنفعة، ولا يَحصُلُ ذلك إلاَّ بالإنفاق عَلَيهِ، فكان مِنْ ضَرورَتِه.

فإنْ لم يَكنْ له غَلَّةٌ؛ فالنَّفَقةُ على مَوقُوفٍ عَلَيهِ مُعَيَّنٍ إنْ كان الوَقْفُ ذا رُوحٍ، فإنْ تعذَّر الإنفاقُ؛ بِيعَ وصُرِفَ الثَّمنُ في عَينٍ أخرى تكون

(1)

وقْفًا؛ لمحلِّ الضَّرورة.

وإنْ كان على غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ كالمساكين؛ فالنَّفقةُ من بَيت المال، فإنْ تعذَّر؛ بِيعَ.

ثُمَّ إنْ كان الوَقْفُ عَقارًا؛ لم تَجِبْ عِمارتُه مِنْ غَير شَرْطٍ

(2)

، فإنْ كان شَرَطه

(3)

؛ عُمِلَ به، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين:(تَجِبُ عمارته بِحَسَب البطون)

(4)

.

وتُقدَّم عِمارتُه على أرباب الوظائف، قال

(5)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (الجَمْعُ بَينَهما حَسَبَ

(6)

الإمْكان أَوْلَى، بل قد يَجِبُ)

(7)

.

ولو احتاج خانٌ مُسَبَّلٌ، أوْ دارٌ مَوقُوفةٌ لِسُكْنَى حاجٍّ أوْ غُزاةٍ ونحوِهم، إلى مرمَّة

(8)

؛ أُوجِرَ

(9)

منه بقدر

(10)

ذلك.

(1)

في (ظ): يكون.

(2)

في (ظ): شرطه.

(3)

في (ح): بشرطه.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 357، الاختيارات ص 254.

(5)

في (ق): وقال.

(6)

في (ظ): على حسب.

(7)

ينظر: الفروع 7/ 357، الاختيارات ص 254.

(8)

في (ح): مرتبة.

(9)

في (ح): أو أجر.

(10)

في (ح): تعذر.

ص: 457

فَرْعٌ: للنَّاظِر الاِسْتِدانةُ عَلَيهِ بلا إذْنِ حاكِمٍ؛ كشرائه للوقْف بنَسيئةٍ

(1)

، أوْ بنقدٍ لم يُعيِّنْه، قال في «الفروع»: ويتوجَّه في قَرْضه مالاً؛ كولِيٍّ

(2)

.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى وَلَدِهِ)، أو أوْلاده، أو على أوْلاد فلانٍ، (ثُمَّ عَلَى الْمَسَاكِينِ؛ فَهُوَ لِوَلَدِهِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ) والخَناثَى؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَشْمَلُهم، (بِالسَّوِيَّةِ)؛ لأِنَّه شَرَّك بَينَهم، وإطْلاقُها يَقْتَضي التَّسويةَ، كما لو أقرَّ لهم بشَيءٍ؛ وكوَلَدِ الأمِّ في الميراث.

ولا يَدخُلُ فيه الولدُ المنْفِيُّ باللِّعان؛ لأِنَّه لا يُسَمَّى وَلَدًا.

ولا يَسْتِحَقُّ منه حَملٌ إلاَّ بَعْدَ انْفِصاله؛ لأِنَّه لا يُسَمَّى ولَدًا قَبلَ انفصاله، فيَسْتحِقُّ من ثَمَرٍ وزَرْعٍ، كمُشْتَرٍ، نَقَلَه المرُّوذِيُّ

(3)

، وقَطَعَ به في «المغْنِي» وغَيره.

ونَقَل جعفرٌ: يَستَحِقُّ من زَرْعٍ قَبلَ بلوغه الحَصادَ

(4)

، قَطَعَ به في «المبهج» .

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الثَّمرةُ للمَوجود عِنْدَ التَّأْبِير وبُدُوِّ

(5)

الصَّلاح

(6)

.

ويُشْبِهُ الحَمْلَ: إنْ قَدِمَ إلى ثَغْرٍ مَوقُوفٍ عَلَيه فيه، أوْ خرج منه إلى بلدٍ مَوقُوفٍ عليه فيه، نقله يعقوبُ

(7)

، وقِياسُه: من نَزَلَ في مدرسةٍ ونحوُه.

(واخْتارَ شَيخُنا

(8)

: يَسْتَحِقُّ بِحِصَّته مِنْ مغلِّه، وأنَّ مَنْ جَعَلَه كالولد؛ فقد

(1)

في (ق): نسيئة.

(2)

في (ظ): لولي.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 59، الفروع 7/ 367.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 60، الفروع 7/ 367.

(5)

في (ق): أو بدو.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 367، الاختيارات ص 257.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 60.

(8)

أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الفروع 7/ 367.

ص: 458

أخْطَأَ)، ذَكَرَه في «الفروع» .

(وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ)، بغَيرِ خِلافٍ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح»

(1)

؛ لِعَدَم دُخُولهم في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11]، ولِقَولِ الشَّاعِرِ

(2)

:

بَنُونَا بَنُو أبْنائِنا، وبَناتُنا

بَنُوهُنَّ أبْناءُ الرِّجالِ الأباعِدِ

لأِنَّ وَلَدَ الهاشِمِيَّة لَيسَ بهاشِمِيٍّ، ولا يُنْسَب إلى أبيها شَرْعًا ولا عُرْفًا، وبهذا علَّل أحمدُ، فقال: لأِنَّهم مِنْ رجُلٍ آخَرَ

(3)

.

وقِيلَ: يشْملَهُم

(4)

؛ لِدُخُولهم في مُسمَّى الأولاد.

(وَهَلْ يَدْخُلُ وَلَدُ الْبَنِينَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

إحْداهُما، وجَزَمَ بها في «الوجيز»: يَدخُلونَ؛ لِدُخُولِهم في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11]، وحِينَئِذٍ: يَشْمَلُ وَلَدَ البنين

(5)

وإنْ سَفَلُوا؛ لأِنَّه وَلَدٌ؛ لقوله تعالى: {يَابَنِي آدَمَ} [الأعرَاف: 26]، {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} [البقرة: 40]، ولِقَوله عليه السلام:«ارْمُوا بَنِي إسْماعِيلَ، فإنَّ أباكم كان رامِيًا»

(6)

، ولأِنَّه لو وَقَفَ على وَلَدِ فُلانٍ وهم قَبيلةٌ؛ دَخَلَ فيه وَلَدُ البَنينَ، فكذا إذا لم يكونوا قَبِيلةً، وحِينَئِذٍ: يَسْتَحِقُّون في الوَقْف بَعْدَ آبائهم مُرَتَّبًا.

(1)

ينظر: الشرح الكبير 16/ 465.

(2)

قال البغدادي في خزانة الأدب 1/ 445: (هذا البيت لا يُعرف قائله، مع شهرته في كتب النحاة وغيرهم

، ورأيت في شرح الكرماني في شرح شواهد الكافية للخبيصي أنه قال: هذا البيت قائله أبو فراس همام الفرزدق بن غالب، ثم ترجمه، والله أعلم بحقيقة الحال).

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 59.

(4)

في (ح) و (ظ): شملهم.

(5)

قوله: (ولد البنين) في (ح): والبنين.

(6)

أخرجه البخاري (2899)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

ص: 459

وظاهِرُه: يَشمَلُ الموْجُودِينَ، ومَنْ سَيُوجَدُ، وفِيهِ روايةٌ، وهذا ما لم تَكُنْ

(1)

قرينةٌ تَصْرِفُه عن

(2)

ذلك.

والثَّانيةُ: لا يَدخُلُون، اخْتارَها القاضِي وأصحابُه؛ لأِنَّ وَلَدَه حقيقةً وَلَدُ صُلْبِه، والكلامُ لِحقيقتِه، وإنَّما يُسَمَّى وَلَدُ الولد وَلَدًا مَجازًا، بدليلِ صحَّةِ النَّفيِ، إلاَّ أنْ يَقتَرِنَ به ما يَدُلُّ على إدْخالهم، كقوله: وَقَفْتُ على أوْلادِي؛ لِوَلَدِ الذُّكورِ الثُّلُثانِ، ولَوَلَد الإناثِ الثُّلُثُ، وآيةُ الميراث دلَّتْ قَرينةٌ على إرادة الوَلَدِ وإنْ سَفَلَ، فحُمِلَ اللَّفْظُ على حَقِيقَتِه ومجازِه.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى عَقِبِهِ، أَوْ وَلَدِ وَلَدِهِ، أَوْ ذُرِّيَّتِهِ، أَوْ نَسْلِهِ؛ دَخَلَ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(3)

؛ لأِنَّه وَلَدُ وَلَدِه حقيقةً وانْتِسابًا.

(وَنُقِلَ عَنْهُ: لَا يَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنَاتِ)؛ لأِنَّه قال فِيمَنْ وَقَفَ على وَلَدِه: ما كان من وَلَدِ البَنات؛ فلَيسَ لهم شَيءٌ

(4)

، فهذا النَّصُّ يَحتَمِلُ تعديته

(5)

إلى هذه المسألةِ، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ مَقْصورًا على مَنْ وَقَفَ على وَلَدِه ولم يَذكُرْ وَلَدَ وَلَدِه.

والمنْعُ اختارَهُ القاضِي في «التَّعْليق» و «الجامِع» ، والشِّيرازيُّ، وأبو الخَطَّاب في «خِلافه الصَّغيرِ» ، وفي «الفُروع»: اخْتارَهُ الأكثرُ، كَمَنْ يُنسَبُ إليَّ، ونَصَّ عليها

(6)

في وَلَد وَلَدِي لِصُلْبِي

(7)

، إلاَّ بِقَرينةٍ تَدُلُّ على دُخولِهم.

(1)

في (ق): لم يكن.

(2)

في (ح): إلى.

(3)

ينظر: المغني 6/ 16، الشرح الكبير 16/ 477.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 59.

(5)

في (ظ): تعديه، وفي (ق): تقدمه.

(6)

في (ح): عليهما.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 56.

ص: 460

(وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْوَصِيَّةِ: يَدْخُلُونَ فِيهِ

(1)

، وَذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَهَذَا مِثْلُهُ)؛ لأِنَّ حُكْمَ الوَقْف والوصِيَّة واحِدٌ، والقَولُ بدخولهم هو روايةٌ ثابِتةٌ

(2)

عن أحمدَ، قدَّمها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، واخْتارَها أبو الخَطَّاب في «الهِداية» ؛ لأِنَّ البناتِ أوْلادُه، فأوْلادُهُنَّ أوْلادُ أوْلادِهِ حقيقةً؛ لِقَوله تعالى: إلى قوله: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ

}، وهو وَلَدُ بِنتِهِ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم على المنْبَر:«إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ، ولَعَلَّ اللهَ أنْ يُصلِحَ به بَينَ فِئَتَينِ عَظَيمَتَينِ من المسلمين» ؛ يَعْنِي: الْحَسَنَ، رواهُ البخاريُّ

(3)

، قال في «الشرح»: والقَولُ بِدُخولهم أصحُّ وأقْوَى دليلاً.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ حَامِدٍ: يَدْخُلُونَ في الْوَقْفِ

(4)

، هذا روايةٌ؛ لأِنَّ وَلَدَ البِنْت يَدخُلُ في التَّحريم الدالِّ عليه قَولُه تعالى:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} [النِّسَاء: 23]، (إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: عَلَى وَلَدِ وَلَدِي لِصُلْبِي، فَلَا يَدْخُلُونَ)؛ لأِنَّه لَيسَ مِنْ صُلْبِه.

وفي الرِّوايَتَينِ للقاضي

(5)

، وتَبِعَه في «المغْنِي»: أنَّهما اخْتارَا الدُّخُولَ مُطْلَقًا.

وفي «الخصال» لاِبْنِ البَنَّاء: أنَّ ابْنَ حامِدٍ اخْتارَ الدُّخولَ، وأبا بَكْرٍ ما ذَكَرَه هنا، وهو في «المغْنِي» القديمِ.

وقيلَ: إنْ قال: وَلَدُ وَلَدِي لِصُلْبِي؛ شَمِلَ وَلَدَ بِنْتِه

(6)

لِصُلْبِه.

(1)

قال في الإنصاف 16/ 479: (بل هي هنا رواية منصوصة من رواية حرب). ولم نقف عليها.

(2)

في (ق): ثانية.

(3)

أخرجه البخاري (2704)، من حديث أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه.

(4)

قوله: (في الوقف) هو في (ظ) و (ق): فيه.

(5)

في (ح) و (ق): القاضي.

(6)

في (ق): بنيه.

ص: 461

وفي «التَّبصِرة» : يشمَلُ في الذُّرِّيَّة، وإنَّ الخِلافَ في وَلَدِ وَلَدِه.

ومَحَلُّ الخِلاف: مَعَ عَدَمِ القرينة، أمَّا مع القَرينة؛ فالعملُ بها، ولهذا قِيلَ في عيسى والحسن

(1)

: إنَّهما إنَّما دَخَلَا مع الذِّكْر، والكلام مع الإطلاق.

وأجاب في «المغْنِي» و «الشَّرح» عن قضيَّةِ عِيسَى: بأنَّه لم يكنْ له نَسَبٌ يُنسَبُ إلَيهِ، فنُسِبَ إلى أمِّه، والحسن؛ بأنَّه مجازٌ اتِّفاقًا؛ بدليلِ قوله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} [الأحزَاب: 40].

مسألةٌ: إذا قال: على ولَدِي، ثُمَّ على ولدِ ولَدِي، ثُمَّ الفقراء، لم يَشمل البَطْنَ الثَّالِثَ ومَن بعدَه في الأشْهَر.

فإنْ قال: على ولَدِي، فإذا انْقرَضَ ولدُ ولَدِي؛ فعلى الفُقَراء، شَمِلَ ولدَ ولَدِه. وقيل: لا، كما لو قال: على ولَدي لِصُلْبِي.

فَلَو وَقَفَ على ولَدِه؛ فُلانٍ وفُلانٍ، وعلى

(2)

ولَدِ ولَدِه؛ مُنِعَ

(3)

، جَزَمَ به في «المغني» وغيره.

وقال القاضي: لا، ونَقَلَه حَرْبٌ

(4)

؛ لأِنَّ قَولَه: (على ولدي) يَسْتغرِق الجِنْسَ؛ فيَعُمُّ، والتَّخصيصُ بقوله:(فلانٍ وفلانٍ) تأكيدٌ للبعض، فلا يُوجِبُ إخراجَ البقيَّة، كالعطف في قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا

} [البَقَرَة: 97].

(1)

في (ح): الحسن وعيسى.

(2)

في (ظ): ثم على.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 6/ 14:(فإن كان له ثلاثة بنين فقال: وقفت على ولدي فلان وفلان، وعلى ولد ولدي. كان الوقف على الابنين المسميين، وعلى أولادهما، وأولاد الثالث، وليس للثالث شيء)، وعبارة الفروع 7/ 373:(ولو وقف على ولده فلان وفلان وسكت عن الثالث وعلى ولد ولده؛ مُنع الثالث. وقال القاضي: لا، ونقله حرب).

(4)

ينظر: الفروع 7/ 373.

ص: 462

وعلى الأوَّل: فيُقصَر

(1)

الوقْفُ على المسَمَّيْنَ، وأولادهما، وأوْلادِ الثَّالث؛ جَعْلاً لتَسْمِيتهما بَدَلاً للبعض من الكلِّ، فاختصَّ الحكمُ به، ويجوز أنْ يكونَ بَدَلَ الكلِّ من الكلِّ؛ لاِنطِلاق لفظ الولد على الاِثْنَينِ؛ كانطلاقه على الجميع.

فَرْعٌ: إذا قال: على أوْلادي، ثُمَّ أوْلادِهم، ثُمَّ الفقراءِ؛ فترتيب

(2)

جُملةٍ.

وقيل: أفرادٍ.

وفي «الانتصار» : إذا قُوبِلَ جمعٌ بجَمْعٍ؛ اقْتَضَى مقابَلةَ الفَرْد منه بالفرد من مُقابَله لغةً.

فَعَلَى هذا: قال في «الفروع» : (الأظْهَرُ اسْتِحْقاقُ الولد وإنْ لم يَسْتَحِقَّ أبوهُ شَيئًا، قاله شَيخُنا، ومَنْ ظنَّ أنَّ الوقْفَ كالإرث؛ لم يَدْرِ ما يَقولُ، ولهذا لو انْتَفَت الشُّروطُ في الطَّبقة الأولى أو بعضهم؛ لم تُحرَم الثَّانيةُ مع وجود الشُّروط فيه إجْماعًا

(3)

.

وقَولُ الواقِفِ: مَنْ مات فنصيبُه لولده؛ يَعُمُّ ما اسْتَحقَّه وما يَسْتَحِقُّه مع صفة الاسْتِحْقاق، اسْتَحقَّه أوَّلاً تكثيرًا للفائدة، ولِصِدْقِ

(4)

الإضافة بأدْنَى مُلابَسةٍ).

تنبيه: إذا قال: مَنْ مات عن غير ولدٍ فنصيبُه لِمَنْ في درجته، والوَقْفُ مُرتَّبٌ، فهو لأهل البطن الَّذي هو منهم من أهل الوقف، وكذا إن كان مشترَكًا بَينَ البطون، فإنْ لم يُوجَدْ في درجته أحدٌ؛ بَطَلَ هذا الشَّرطُ، وكان الحكمُ فيه كما لو لم يَذْكُرْه.

(1)

في (ح): فيقتصر.

(2)

في (ح): فترتبت.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 368، الاختيارات ص 259.

(4)

في (ق): وتصدق.

ص: 463

وإنْ كان الوقْفُ على البطن الأوَّلِ على أنَّ نصيبَ مَنْ مات منهم عن غَيرِ وَلَدٍ لِمَنْ في درجته؛ فخلافٌ، والأشهَرُ: أنَّه يَسْتَوِي في ذلك إخْوتُه وبنو عمِّه وبنو بَنِي عمِّ أبيه، ونحوُهم

(1)

، إلاَّ أنْ يقولَ

(2)

: يُقدَّمُ الأقربُ فالأقْرَبُ إلى المتوفَّى ونحوه، فيختصُّ بهم، وليس من الدَّرجة مَنْ هو أعلى منه أو أنْزَلُ.

وإنْ شَرَطَ أنَّ نصيبَ المتوفَّى عن غَيرِ ولدٍ لِمَنْ في درجته؛ استحقَّه أهلُ الدَّرجةِ وقْتَ وفاته، وكذا مَنْ سَيُولَدُ منهم، أفتى به الشَّارح، وصاحب «الفائق» ، وابن رجبٍ، قال: وعلى هذا لو حَدَثَ مَنْ هو أعْلَى من الموجودين، وكان في الوقف اسْتِحْقاقُ الأعلى فالأعلى؛ أخذه منهم

(3)

.

وقَولُه: مَنْ مات فنصيبُه لولده، يَشمَلُ الأصلي

(4)

والعائدَ، واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين الأصلي

(5)

فقطْ

(6)

.

تَتِمَّةٌ: (لو قال: هو وَقْفٌ على أولادي، ثمَّ أولادهم الذكورِ والإناث، ثمَّ أولادهم الذُّكور مِنْ وَلَد الظَّهر فقطْ، ثُمَّ نَسْلِهم وعَقِبِهم، ثُمَّ الفقراء، على أنَّه مَنْ مات منهم وترك ولدًا وإنْ سَفَلَ فنصيبُه له، فمات أحدُ الطَّبَقة الأولة وتَرَك بنتًا، فماتت ولها أولادٌ، فقال شَيخُنا

(7)

: ما استحقَّته قَبْلَ مَوتها لهم، ويتوجَّه: لا.

ولو قال: مَنْ مات عن غَيرِ ولدٍ وإنْ سَفَلَ فنصيبُه لإخْوَته ثُمَّ نَسْلِهم وعَقِبِهم، عَمَّ منْ أعْقَبَ ومَنْ لم يُعْقِبْ، ومَنْ أعْقَبَ ثُمَّ انْقَطَعَ عَقِبُه؛ لأِنَّه لا يُقصَدُ غَيرُه، واللَّفْظُ يَحْتَمِلُه، فَوَجَبَ الحَمْلُ عليه قَطعًا، ذَكَرَه شَيخُنا، ويَتوجَّهُ

(1)

في (ق): وقولهم.

(2)

في (ق): نقول.

(3)

قوله: (منهم) سقط من (ح).

(4)

في (ح): الأصل.

(5)

في (ح): الأصل.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 371، الاختيارات ص 260.

(7)

أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الفروع 7/ 371، الاختيارات ص 260.

ص: 464

نُفوذُ حُكْمٍ بخِلافه)، ذَكَرَه في «الفروع» .

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى بَنِيهِ، أَوْ بَنِي فُلَانٍ؛ فَهُوَ لِلذُّكُورِ خَاصَّةً)، في قَولِ الجُمْهور؛ لأِنَّ لفظَ البَنينَ وُضِعَ لذلك حقيقةً؛ لقوله تعالى:{أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينِ (153)} [الصَّافات: 153]، و {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ} [آل عِمرَان: 14]، و {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46]، ولا يَدخُلُ فيه الخُنْثَى؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ كَونُه ذَكرًا.

وعَكْسُه: لو وَقَفَ على بناته؛ اخْتَصَّ بهنَّ، ولا شَيءَ للذُّكور ولا للخَناثَى؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ كَونُه أُنْثى، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(1)

.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونُوا قَبِيلَةً) كبيرة

(2)

، قالَهُ في «الرِّعاية»؛ كبَنِي هاشِمٍ وتميمٍ وقُضاعةَ؛ (فَيَدْخُلُ فِيهِ النِّسَاءُ)؛ لِقَولِه تعالى:{وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسرَاء: 70]، ولأِنَّ اسْمَ القَبيلةِ يَشمَلُ ذَكَرَها وأُنْثاها، ورُوِيَ أنَّ جَوارِيَ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ قُلْنَ:

نَحْنُ جَوارٍ من بَنِي النَّجَّارِ

يا حبذا محمَّدٌ مِنْ جَارِ

(3)

ويُقالُ: امرأةٌ من بَنِي هاشِمٍ.

(دُونَ أَوْلَادِهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ)، وحَكاهُ في «الرِّعاية» قَولاً؛ لأِنَّهم لا يَنتَسِبون إلى القبيلة الموقوفِ عليها، بل إلى غيرها، وكما لو قال: المنتَسِبِينَ إليَّ.

واقْتَضى ذلك دخول أوْلادهنَّ منهم، وهو ظاهِرٌ؛ لوجود

(4)

الانْتِساب حقيقةً، ولا يَشمَلُ مَواليَهُم.

(1)

ينظر: الشرح الكبير 16/ 488.

(2)

في (ح) و (ق): كثيرة.

(3)

أخرجه ابن ماجه (1899)، والطبراني في الصغير (78)، والبيهقي في الدلائل (2/ 508)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، وصححه البوصيري وحسنه الألباني. ينظر: زوائد ابن ماجه 2/ 106، الصحيحة (3154).

(4)

في (ح): لدخول.

ص: 465

وعلى الأوَّل: يَكْفِي واحدٌ منهم، وقيل: بل ثلاثةٌ.

ويأخذ كلُّ واحدٍ ما رآه النَّاظِرُ، وقِيلَ: بل قَدْرَ حقِّه من الزَّكاة مع فقره؛ كالوقْفِ على الفقراء.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ قَرَابَةِ فُلَانٍ؛ فَهُوَ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ

(1)

، مِنْ أَوْلَادِهِ، وَأَوْلَادِ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدِّ أَبِيهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُجَاوِزْ بَنِي هَاشِمٍ بِسَهْمِ ذَوِي الْقُرْبَى)؛ لِقَولِه تعالى:{مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الحَشر: 7]، فأعْطَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أوْلادَه، وأولادَ عبدِ المطَّلب، وأوْلادَ هاشِمٍ، ذَكَرَهم وأُنْثاهم، ولم يُعْطِ مَنْ هو أبعدُ؛ كبَنِي عبدِ شَمْسٍ وبَنِي نَوفَلٍ شيئًا، لا يُقالُ: هما كبَنِي المطَّلِب؛ لأِنَّه علَّل صلى الله عليه وسلم: «بأنَّهم لم يُفارِقوا في جاهليَّةٍ ولا إسْلامٍ»

(2)

، ولم يُعْطِ قرابةَ أمِّه وهم بَنُو زُهْرةَ شَيئًا، وجَعَلَ هاشِمًا الأبَ الرَّابِعَ، ولا يُتَصوَّرُ أنْ يكونَ رابِعًا إلاَّ أنْ يُعَدَّ

(3)

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبًا.

وظاهِرُه: أنَّه يَسْتَوِي فيه الذَّكرُ والأنثى، والكبيرُ والصَّغيرُ، والقريبُ والبعيدُ، والغنِيُّ والفقيرُ؛ لِشُمول اللَّفظ لهم، ولا يَدخُلُ فيه الكافِرُ؛ لأِنَّه لم يَدخُلْ في المسْتَحِقِّ مِنْ قُرْبَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.

وعنه: يُجاوِزُ بها أربعةَ آباءٍ، فَعَلَيها: يُعْطِي كلَّ مَنْ يُعرَف بقَرابته من قِبَلِ أبيه وأمِّه الذين ينتسبون إلى الأب الأدنى؛ لأنَّهم قرابتهم، فيتناولهم

(4)

اللَّفظ.

وعنه: ثلاثةُ آباءٍ.

(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ يَصِلُ قَرَابَتَهُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ في حَيَاتِهِ

(5)

؛ كإخوته من أمِّه،

(1)

في (ح): لِلذَّكَرِ وَالأُنْثَى.

(2)

أخرجه البخاري (3140)، عن جبير بن مطعم رضي الله عنه.

(3)

في (ق): بعد.

(4)

في (ح): ليتناولهم.

(5)

قوله: (في حياته) سقط من (ظ).

ص: 466

وأخواله، وخالاته؛ (صُرِفَ إِلَيْهِمْ)؛ لأِنَّ صِلَتَه إيَّاهم في حياته قرينةٌ تدلُّ على إرادتهم بصِلَتِه هذه، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: وإن لم يَصِلْهم في حياته؛ فلا يُصرَف إلَيهِم؛ لِمَا ذَكَرْنا، وهذه الرِّوايةُ نَقَلَهَا صالِحٌ، وعبدُ الله، وابنُ هانِئٍ

(1)

، وصحَّحها القاضي وجماعةٌ.

ونَقَلَ صالِحٌ: إنْ وَصَلَ أغْنِياءَهم أُعْطُوا، وإلاَّ الفقير

(2)

أَوْلَى

(3)

، وأخَذَ منه الحارِثِيُّ: عَدَم دخولِهم في كلِّ لَفْظٍ عامٍّ.

والأوَّلُ أَوْلَى وأصحُّ؛ لأِنَّ هذا عُرْفٌ في الشَّرع، فيَجِبُ حَمْلُه عَلَيهِ وتقديمُه على العُرْف اللُّغَوِيِّ؛ كالوضوء، ولا وَجْهَ لتخصيصه بذي الرَّحِم المحْرَمِ، وهذا مع الإطلاق، فأمَّا إنْ وُجِدَتْ قرينةٌ لَفْظِيَّةٌ أوْ حالِيَّةٌ تَدُلُّ على إرادتهم أوْ حِرمانهم؛ عُمِلَ بها.

فَرْعٌ: قَرابةُ أُمِّه كذلك.

وعنه: إنْ وَصَلَهُم شَمِلَهم.

ومِثْلُه: قَرابةُ غَيرِه، أو الفقهاء، ويَصِلُ بعضَهم، ذَكَرَه القاضي.

تنبيهٌ: إذا وَقَفَ على أقْرَبِ قَرابَتِه، أو أقْرَب النَّاس إليه؛ قدِّم الأقْرَبُ نَسَبًا وإرْثًا، وابنُه كأبَوَيهِ، وقيل: يُقدَّم عَلَيهما.

وأخوه لأبيه أو أبَوَيهِ؛ كجدِّ أبٍ. وقِيلَ: يُقدَّم أخٌ. وقِيلَ: عَكْسُه.

وأخوه لأِبِيهِ؛ كأمِّه إنْ شَمِلَه قرابته، وكذا أبناؤهما.

وَوَلَد أبَوَيهِ أَوْلَى منهما، قال في «الفروع»: ويتوجَّه روايةٌ: كأخيه لأبيه؛ لسقوط الأمومة في النِّكاح، وجزم به في «التبصرة» .

وأبوه أَوْلَى من ابن ابنه، وفي «التَّرغيب»: عكسُه.

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 257، مسائل عبد الله ص 385، مسائل ابن هانئ 2/ 52.

(2)

في (ح): الفقراء.

(3)

ينظر: مسائل صالح 1/ 257.

ص: 467

ويَسْتَوِي جَدَّاه وعَمَّاه؛ كأبَوَيهِ.

(وَأَهْلُ بَيْتِهِ بِمَنْزِلَةِ قَرَابَتِهِ)، نَصَّ عليه في رواية عبد الله، فِيمَنْ أوصى بثُلُثِ ماله لأهل بيته، قال: هو بمنزلة قوله: لقرابتي، حكاه ابنُ المنذر عنه

(1)

، واحتجَّ بقوله عليه السلام:«لا تَحِلُّ الصَّدقةُ لي ولا لأِهْلِ بَيْتِي»

(2)

، فجَعَلَ سَهْمَ ذَوِي القربى عِوَضًا لهم من الصَّدقة التي حُرِّمَتْ عَلَيهم، فكانوا ذوو الَّذين

(3)

سمَّاهم الله تعالى هم أهلَ بيته الَّذين

(4)

حرِّمَتْ عليهم الصَّدقةُ، وهم آلُ عليٍّ، وآلُ عَقِيلٍ، وآلُ جَعفَرٍ، وآلُ عَبَّاسٍ.

وحكى القاضي عن ثعلب

(5)

: أنَّ

(6)

أهل البيت عِنْدَ العرب: آباءُ الرجل

(7)

وأولادُهم، كالأجداد والأعمام وأولادهم، ويستوي

(8)

فيه الذَّكَرُ والأنثى.

وقال القاضي: وَلَدُ الرَّجُل لا يَدخُلُ في اسم القرابة ولا أهل بيته.

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 385، الإشراف 4/ 412.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (16307)، وأحمد (17663)، من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه، وفيه: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، ويرويه عنه شهر بن حوشب وهو صدوق كثير الأوهام والإرسال، لكن له شواهد تقويه منها: ما أخرجه أحمد (16399)، والطحاوي في شرح المشكل (4392)، والطبراني في الكبير (836) من طريق الثوري، عن عطاء بن السائب، حدثتني أم كلثوم ابنة علي، عن ميمون أو مهران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعًا:«يا ميمون - أو يا مهران -، إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة، وإن موالينا من أنفسنا، ولا نأكل الصدقة» .

(3)

في (ظ): الدين. كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 16/ 494: فكان ذوو القربى الذين.

(4)

في (ح): الذي.

(5)

ينظر: المغني 6/ 231.

(6)

قوله: (أن) سقط من (ح).

(7)

في (ح): أبًا لرجل.

(8)

في (ح): يستوي.

ص: 468

وفِيهِ شَيءٌ، فإنَّ وَلَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من أهل بيتِه وأقاربه الَّذين حُرِمُوا الصَّدقةَ، وأُعْطُوا من سهم ذَوِي القُرْبى، بل هو أقربُ قرابته.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ)؛ لأِنَّ أُمَّه من أهل بيته، فكذا أقارِبُها من أولادها، وأبَوَيها، وإخْوَتها، وأخواتها.

ونَقَلَ صالِحٌ: يَخْتَصُّ مَنْ يَصِلُه مِنْ قِبَلِ أبيه وأُمِّه، ولو جاوز أربعةَ آباءٍ، وإنَّ القَرابةَ تُعْطَى أربعة آباءٍ فمَنْ دُون

(1)

.

واختار أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: أنَّ قَومَه

(2)

وأهلَ بيته كقرابة أبَوَيهِ، وأنَّ القرابة قرابةُ أبيه إلى أربعةِ آباءٍ.

وعَنْهُ: أزواجُه من أهله ومن أهل بيته، ذَكَرَها الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال: في دخولهنَّ في آله وأهلِ بيته روايتان، اختار الدُّخولَ

(3)

، وهو قَولُ الشَّريف.

فَرْعٌ: أهلُ الوقْفِ هم المتَناوِلونَ

(4)

له.

(وَقَوْمُهُ، وَنُسَبَاؤُهُ؛ كَقَرَابَتِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لأِنَّ قَومَ الرَّجُل قَبيلتُه، وهم نسباؤه

(6)

، وقيل: كذي رحمه، وقال أبو بكر: هو بمثابة أهل بيته؛ لأِنَّ أهلَ بَيتِه أقارِبُه، وأقارِبُه هم قومُه ونُسَباؤه.

وقال القاضِي: إذا قال: لِرَحِمِي، أوْ لِأَرْحامِي، أوْ لِنُسَبائي؛ صُرِفَ إلى قَرابته من قِبَلِ أبيه وأمِّه، ويتعدَّى وَلَدَ الأبِ الخامِس، فَعَلَيه: يُدفَع إلى كلِّ مَنْ يَرِثُه بفَرْضٍ أو تعصيبٍ أوْ بالرَّحِم

(7)

في حالٍ.

(1)

ينظر: مسائل صالح 1/ 277، الفروع 7/ 376.

(2)

في (ق): قريبه.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 22/ 460، الفروع 7/ 377.

(4)

في (ق): المشاركون.

(5)

ينظر: الإنصاف 16/ 496.

(6)

قوله: (وهم نسباؤه) في (ح): ونسباؤه.

(7)

في (ق): بالرحمة.

ص: 469

قال في «المغني» : وقولُ أبي بَكْرٍ في المناسبين

(1)

أَوْلَى مِنْ قَول القاضي؛ لأِنَّ ذلك في العُرْف على مَنْ كان من العشيرة التي يُنْسَبانِ إليها، وإذا كان كلُّ واحدٍ منهما يُنسَب إلى قبيلةٍ

(2)

غير قبيلةِ صاحبه، فليس بمُناسِبٍ لها.

فائدةٌ: القَومُ للرِّجال دُونَ النِّساء؛ لقوله تعالى: {لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ

} الآيةَ [الحُجرَات: 11]، سُمُّوا به؛ لقيامهم بالأمر، ذَكَرَه ابنُ الجَوزِيِّ.

(وَالْعِتْرَةُ: هُمُ الْعَشِيرَةُ) الأدْنَوْنَ، هذا أصحُّ وأشْهَرُ في عُرْف النَّاس، وبذلك فسَّره ابنُ قُتَيْبةَ

(3)

؛ لقول أبي بَكْرٍ في مَحْفِلٍ من الصَّحابة: «نَحْنُ عِتْرةُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم»

(4)

، ولم يُنكِرْ أحدٌ، وهم أهلُ اللِّسان، فلا يُعوَّلُ على خلافه، لكنْ تَوقَّف أحمد في ذلك

(5)

، وقيل: ذرِّيَّته، وقيل: وَلَدُه وَوَلَدُ وَلَدِهِ.

(وَذَوُو

(6)

رَحِمِهِ: كُلُّ قَرَابَةٍ لَهُ مِنْ جِهَةِ الآْبَاءِ، وَالْأُمَّهَاتِ)، والأوْلاد؛ لأِنَّ الرَّحِمَ يَشْمَلُهم، وهي في القرابة من جهة الأمِّ أكثرُ استِعْمالاً، فإذا لم يُجعَلْ ذلك مرجِّحًا؛ فلا يُجْعَلُ ذلك مانِعًا، وذَكَرَ القاضي مجاوزته للأب الخامس.

تذنيبٌ: إذا وقَفَ على جماعةٍ أو جَمْعٍ من الأقرب إليه؛ فثلاثةٌ، فإنْ لم يكن؛ يُتمم العَوَز من الأبعد، ويشمل أهل الدَّرجة ولو كثروا.

وفي «الفروع» : ويتوجَّه في جماعةٍ اثْنانِ؛ لأِنَّه لفظٌ مفرَدٌ.

وقال المجْدُ: أقلُّ الجمع مما

(7)

له تثنيةٌ خاصَّة: ثلاثةٌ.

(1)

في (ح): المتناسبين.

(2)

في (ظ): قبيلته.

(3)

ينظر: أدب الكاتب ص 32، غريب الحديث (1/ 230).

(4)

علقه ابن قتيبة في غريب الحديث (1/ 230)، واحتج به، والبيهقي في الكبرى (6/ 247)، بصيغة التمريض.

(5)

ينظر: المغني 6/ 232.

(6)

في (ظ): وذو.

(7)

في (ح): فيما.

ص: 470

ويتوجَّه وَجْهٌ في لفظ الجمع: اثْنانِ.

ولفظ النِّساء: ثلاثةٌ.

والرَّهْطُ لُغةً: ما دون العشرة من الرِّجال خاصَّةً، وفي «كشف المشكل»

(1)

: هو ما بَينَ الثَّلاثة إلى العشرة.

(وَالْأَيَامَى، وَالْعُزَّابُ: مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)، ذَكَرَه أصْحابُنا؛ لِمَا رُوِيَ عن سعيد بنِ المسيِّب قال: (أيَّمتْ حَنَّةُ

(2)

مِنْ زَوْجها، وأيَّمَ عُثْمانُ مِنْ رُقَيَّةَ)

(3)

، يُقال: رَجُلٌ عَزَبٌ، وامْرأةٌ عَزَبَةٌ، قاله ثَعْلَبٌ

(4)

، وإنَّما سُمِّيَ عَزَبًا لاِنفِراده، ولا يُقالُ: أعْزَبُ.

ورُدَّ: بأنَّها لغةٌ حكاها الأزْهَريُّ عن أبي حاتِمٍ، وفي «صحيح البخاريِّ» عن ابن عمر:«وكنتُ شابًّا أعْزَبَ»

(5)

.

وسَواءٌ تزوَّج الرَّجلُ أوْ لَا، والمرأةُ سَواءٌ كانت بِكْرًا أوْ ثَيِّبًا، وقِيلَ: لا يكون الأيِّمُ إلاَّ بِكْرًا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَخْتَصَّ الْأَيَامَى بِالنِّسَاءِ، وَالْعُزَّابُ بِالرِّجَالِ)؛ لِقَولِه تعالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ} [النُّور: 32]، وفي الخبر: «أَعوذُ بالله من بَوار

(6)

الأيِّمِ»

(7)

، إنَّما أراد به النِّساءَ؛ لأِنَّ العُرْفَ اخْتِصاصُهُنَّ بهذا

(1)

ينظر: كشف المشكل لابن الجوزي 1/ 116. وسقط من (ح) قوله: (كشف).

(2)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المصادر:(حفصة)، وهي حفصة بنت عمر بن الخطاب.

(3)

ينظر: الطبقات لابن سعد 8/ 83، ومستدرك الحاكم (6751).

(4)

ينظر: الفصيح ص 320.

(5)

أخرجه البخاري (3738).

(6)

في (ح): أسرار. وفي (ظ): (بواز). والبوار: الكساد. ينظر: غريب الحديث للخطابي 1/ 200.

(7)

أخرجه الطبراني في الكبير (11882)، والخطيب في التاريخ (12/ 445)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده راوٍ مجهول، قال الهيثمي:(وفيه عباد بن زكريا الصريمي ولم أعرفه)، وضعفه الألباني، وذكر أن لبقية ألفاظه شواهد في الصحيح، عدا لفظ:«بوار الأيم» ، وأخرج سعيد بن منصور (691)، عن حكيم بن عمير وضمرة بن حبيب:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من كساد الأيامى ويدعو لهن بالنفاق» ، وفي سنده: أبو بكر ابن أبي مريم وهو ضعيف، وهو مرسل فإن حكيمًا وضمرة تابعيان، وأخرجه البيهقي في الدعوات الكبير (366)، عن مجاهد مرسلاً. ينظر: مجمع الزوائد 10/ 143، الضعيفة (1651).

ص: 471

الاسم العُرْفِيِّ، يُقالُ: امرأةٌ أيِّمٌ، بغَيرِ هاءٍ، ولو كان الرَّجلُ مُشارِكًا لها لَقِيلَ: أيِّمٌ وأيِّمةٌ؛ كقائِمٍ وقائِمةٍ، وحَكَى أبو عُبَيدٍ:(أيِّمةٌ)

(1)

، ولأِنَّ العُرْفَ أنَّ العَزَبَ يَختَصُّ بالرَّجل.

(فَأَمَّا الْأَرَامِلُ فَهُنَّ النِّسَاءُ اللاَّتِي فَارَقَهُنَّ أَزْوَاجُهُنَّ) بِمَوتٍ أوْ غَيرِه، قال أحمدُ في روايةِ حَرْبٍ، وقد سُئِلَ عن رَجُلٍ وصَّى لأِرامِلِ بَنِي فُلانٍ، فقال: قد اخْتَلف النَّاسُ فيها، فقال قومٌ: هو للرِّجال والنِّساء، والَّذي يُعرَف في كلام النَّاس أنَّ الأرامِلَ النِّساءُ

(2)

؛ لأِنَّه هو المعروفُ، فيُحمَلُ المطْلَقُ عَلَيهِ.

(وَقِيلَ: هُوَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)، وقالَهُ الشَّعْبِيُّ وإسحاقُ، وأنْشَدَ

(3)

:

هذِي الأرامِلُ قد قَضَيتَ حاجَتَها

فمن

(4)

لحاجةِ هذا الأرْمَلِ

(5)

الذَّكَرِ

فيُقالُ: رجلٌ أرْمَلٌ، وامْرأةٌ أرْمَلةٌ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ الأرامِلَ جَمْعُ أرملة، فلا يكونُ جمْعًا للمذكَّر؛ لأِنَّ اخْتِلافَ المفرَد يَقْتَضِي اخْتِلافَ الجَمْعِ، والشِّعْرُ لا دلالةَ فيه؛ لأِنَّه لو شَمِلَ لَفْظُ الأرامِلِ للمذكَّر والمؤنَّث لَقَالَ: حاجَتُهم؛ لأِن تَذكُّرَ

(6)

الضَّميرِ عند

(1)

ينظر: الغريبين في القرآن والحديث 1/ 127.

(2)

ينظر: المغني 6/ 178.

(3)

البيت لجرير. ينظر: العين 8/ 266.

(4)

في (ظ): فما.

(5)

في (ق): الأرامل.

(6)

كذا في (ح) و (ظ). وفي (ق): يذكر. والذي في الممتع 3/ 180: تذكير.

ص: 472

اجْتِماع النَّوعَينِ لازِمٌ، وسمَّى نفسه

(1)

أرْملاً تجوُّزًا، بدليلِ أنَّه وَصَفَ نفسَه بأنَّه مُذكَّر

(2)

، ولو ثَبَتَ في الحقيقة أنَّه لهما، لكِنْ خَصَّه أهلُ العُرْف بالنِّساء، فهُجِرت الحقيقةُ، وصارت مغمورة.

فَرْعٌ: إخْوتُه، وعُمومتُه، وبِكْرٌ، وثيِّبٌ، وعانِسٌ؛ لِذَكرٍ وأُنثى.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى أَهْلِ قَرْيَتِهِ، أَوْ قَرَابَتِهِ؛ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِمْ)؛ أيْ: في الموقوف عَلَيهِم (مَنْ يُخَالِفُ دِينَهُ) على المذهب؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حال الواقِفِ أنَّه لم يُرِدْ مَنْ يُخالِفُ دِينَه؛ لِمَا بَينَهما من المنافاة

(3)

، فيكون ذلك قرينةً صارِفةً للَّفظ عن شُموله، بدليلِ أنَّه تبارك وتعالى لمَّا أطْلَقَ آيةَ الميراث لم يَشمَل المخالِفَ، فكذا هنا.

فَعَلَى هذا: لو كان الواقِفُ مسلِمًا؛ لم يَدخُل الكافِرُ، وكذا عَكْسُه، فإنْ صرَّح بهم دَخَلُوا؛ لأِنَّ إخراجَهم يترك

(4)

به صريح المقال، وهو أقْوَى من قرينة الحال.

وكذا إنْ وُجِدَتْ قرينةٌ دالَّةٌ على إرادتهم، فلو كان أهلُ القرية والأقارب

(5)

كلُّهم كُفَّارًا؛ دَخَلُوا؛ لأِنَّ إخْراجَهم يُؤَدِّي إلى رَفْعِ اللَّفْظ بالكُلِّيَّة.

فإنْ كان فيهم مسلِمٌ واحِدٌ والباقي كفَّارٌ؛ دَخَلُوا أيْضًا؛ لأِنَّ إخراجَهم بالتَّخْصيص بعيدٌ، وفيه مخالَفةُ الظَّاهِرِ.

وإنْ كان الأكثرُ كفَّارًا؛ فهو للمسلمين في ظاهِرِ قَول الخِرَقيِّ؛ لأِنَّه أمْكَنَ حَمْلُ اللَّفظ عليهم، والتَّخصيصُ يَصِحُّ بإخْراج الأكثر.

(1)

في (ح): سنه.

(2)

في (ح): يذكر.

(3)

في (ح): المقابلة، رسمت في (ق): المناقلة. وهي غير منقوطة.

(4)

في (ظ): ينزل.

(5)

في (ح): أو اقارب.

ص: 473

وقيل: يَدخُلُ الكُفَّارُ؛ لأِنَّ التَّخصيص في مثل هذا بعيدٌ، وأنَّ تخصيص الصُّورَة النَّادِرة قَريبٌ، وتخصيصُ الأكثر بَعِيدٌ يَحتاجُ إلى دليلٍ.

فائدةٌ: حُكْمُ سائر ألفاظ

(1)

العُمومِ؛ كالإخوة، والأعْمام، واليتامى، والمساكين؛ حُكْمُ أهلِ قَريَتِه.

(وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ الْمُسْلِمَ يَدْخُلُ فِيهِ

(2)

، وَإِنْ كَانَ الْوَاقِفُ كَافِرًا)؛ لأِنَّ اللَّفظَ عامٌّ، وحاصِلُه: أنَّ الواقِفَ إنْ كان كافِرًا تناول أهلَ دِينه؛ لأِنَّ لَفظَه يتناولهم، والقرينةُ دالَّةٌ على إرادتهم.

وهل يَدخُلُ فيه المسلمُ؟ يُنظَرُ، فإنْ وُجدت

(3)

قرينةٌ على دخولهم، كما إذا لم يَكنْ إلاَّ مُسْلِمونَ، وإن انْتَفَت القرائن؛ فوجْهانِ، وإنْ كان في القرية كافِرٌ من غَيرِ أهلِ دِينِ الواقف

(4)

لم يَدخُلْ؛ لأِنَّ قرينةَ الحال تُخرِجُه، وقِيلَ بدخوله؛ بناءً على توريث الكفَّار بعضهم من بعضٍ.

مُلحَقٌ: الصَّبيُّ والغُلام: من لم يَبلُغْ، واليتيمُ: من لا أب له، ولو جُهِلَ بقاءُ أبيه فالأصلُ بقاؤه، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يُعطَى مَنْ ليس له ببلد الإسلام أبٌ يُعرَف

(5)

، فإنْ بَلَغَ خَرَجَ من حَدِّ اليُتْم

(6)

.

والشابُّ والفَتَى: مَنْ بلغ إلى الثَّلاثين، وقيل: وخمسةٍ، والكَهْلُ: منها إلى الخمسين، والشَّيخُ: منها إلى السَّبعين، وفي «الكافي» و «الترغيب»: إلى آخِر العمر، ثمَّ الهَرِم.

والأشرافُ: أهلُ بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، قال: وأهلُ

(1)

في (ظ): الألفاظ.

(2)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(3)

في (ح): حدث.

(4)

في (ح): دين أهل المواقف.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 379، الاختيارات ص 262.

(6)

في (ح): اليتيم.

ص: 474

العراق كانوا لا يُسَمُّونَ شريفًا إلاَّ مَنْ كان من بني العبَّاس، وكثيرٌ من أهل الشَّام وغيرهم لا يُسَمُّون إلاَّ مَنْ كان علَوِيًّا

(1)

.

والشَّريفُ في اللُّغة: خلافُ الوضيع، ولَمَّا كان أهلُ بيت النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أحقُّ البيوت بالتَّشريف؛ صار مَنْ كان من أهل بيته شريفًا، فلو وصَّى لِبَنِي هاشِمٍ؛ لم تَدخُلْ

(2)

مَوَالِيهم، نَصَّ عليه

(3)

.

(وَإِنْ وَقَفَ عَلَى مَوَالِيهِ، وَلَهُ مَوَالٍ مِنْ فَوْقُ وَمِنْ أَسْفَلُ؛ تَنَاوَلَ جَمِيعَهُمْ)، ويَسْتَوُون فيه؛ لأِنَّ الاِسمَ يَشمَلهم جميعًا، قال ابنُ أبي موسى: مَنْ وَقَفَ على مَوالِيهِ المعْتِقينَ؛ جاز، وكان بَينَهم على ما شَرَطَ، فإنْ ماتوا ولهم أولادٌ؛ كان

(4)

ما كان وقْفًا عَلَيهم وقْفًا على أوْلادهم.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يَخْتَصُّ الْمَوَالِي مِنْ فَوْقُ)؛ لأِنَّهم أقْوَى عَصَبَةً، بدليلِ ثُبوتِ الميراث لهم.

ولا يَسْتَحِقُّ مَولَى أبِيهِ مع وُجود مَوَالِيهِ، فإن لم يَكُنْ له مَوالٍ، فقال الشَّريفُ: هو لمولى

(5)

أمِّه، لأنَّ

(6)

الاِسْمَ يتناوَله مجازًا، وقد تعذَّرت الحقيقةُ.

فإن كان له مَوَالي أبٍ حِينَ الوقْف ثُمَّ انقرَضَ مَوالِيهِ؛ لم يَكُنْ لموالي الأبِ في ظاهر ما ذَكَروا؛ لأِنَّ الاِسْم تَناوَلَ غَيرَهم، فلا يعود إليهم إلاَّ بِعَقْدٍ، ولم يُوجَدْ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 382.

(2)

في (ق): لم يدخل.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 381، مسائل ابن منصور 8/ 4342.

(4)

في (ح): صار.

(5)

في (ظ): لموالى.

(6)

في (ظ): ولأن.

ص: 475

(وَإِنْ

(1)

وَقَفَ عَلَى جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ وَاسْتِيعَابُهُمْ)؛ كبَنِي فُلانٍ الذِينَ لَيسُوا بقَبيلةٍ؛ (وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمْ)؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَقْتَضِي ذلك، وقد أمْكَنَ الوفاءُ به، فَوَجَبَ العملُ بمُقْتَضاه، أشْبَهَ ما لو أقرَّ لهم، وقوله تعالى:{فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النِّسَاء: 12] يُوضِّحه.

فإنْ كان الوقْفُ في ابْتِدائه على مَنْ يُمكِنُ اسْتِيعابُه، فصار ممَّا لا يُمكِنُ استيعابه

(2)

؛ كوقْفِ عليٍّ رضي الله عنه

(3)

؛ وَجَبَ تعميمُ مَنْ أمْكَنَ منهم والتَّسويةُ بَينَهم؛ لأِنَّ التَّعميمَ والتَّسويةَ كان واجبًا، فإذا تعذَّر؛ وجب ما أمكن، كالواجب الذي يُعجَزُ عن بعضه.

(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يُمْكِنْ حَصْرُهم واسْتِيعابُهم؛ كبَنِي هاشِمٍ وبني تميمٍ؛ لم يَجِبْ تعميمُهم إجْماعًا

(4)

؛ لأِنَّه غَيرُ مُمْكِنٍ، و (جَازَ

(5)

تَفْضِيلُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ)؛ لأِنَّه إذا جاز حِرْمانُه؛ جاز تَفضيلُ غَيرِه عَلَيهِ.

(وَالاِقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ) على المذهب؛ لأِنَّ مقصودَ الواقِف مُجاوَزةُ الجِنْس، وذلك يَحصُل بالدَّفْع إلى واحِدٍ منهم.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُجْزِئَهُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ؛ لأِنَّها أقلُّ الجَمْع، قال في «الخلاف»: وقد سُئِلَ أحمدُ عن رجلٍ أوْصَى بثُلُثه في أبواب البِرِّ، قال: يُجَزَّأُ ثَلاثةَ أجْزاءٍ

(6)

.

(1)

في (ح): وإذا.

(2)

قوله: (فصار مما لا يمكن استيعابه) سقط من (ح).

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (4/ 58)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (11898)، عن عبد الله بن حسن بن حسن، عن غير واحد من أهل بيته - وأحسبه قال: زيد بن علي -: «أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدقت بمالها على بني هاشم وبني المطلب، وأن عليًّا رضي الله عنه تصدق عليهم وأدخل معهم غيرهم» ، مرسل ورجاله ثقات.

(4)

ينظر: الشرح الكبير 16/ 515.

(5)

قوله: (جاز) سقط من (ح).

(6)

ينظر: الوقوف والترجل ص 62، المغني 6/ 236.

ص: 476

فَعَلَى هذا: الفَرْقُ أنَّ الوصيَّةَ يُعْتبَرُ فيها لفظُ الموصِي، وأمر

(1)

الله تعالى يعتبر فيها المقصود، بدلالة أنَّ الموصِيَ للمساكين لا يُعدَلُ إلى غيرهم، والإطعامَ في الكفَّارة يجوز صرفها إلى غير المساكين وإن كان منصوصًا عليهم.

ومقتضى

(2)

ذلك: صحَّةُ الوقفِ على مَنْ لا يُمْكِنُ حَصرُهم ولا اسْتِيعابُهم كالمساكين.

(وَلَا يُدْفَعُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ

(3)

أَكْثَرُ مِنَ الْقَدْرِ الذِي يُدْفَعُ إِلَيْهِ فِي الزَّكَاةِ)؛ أيْ: إذا كان الوقف

(4)

على الأصناف

(5)

الَّذين يأخُذُون الصَّدَقات أوْ بعضِهم؛ صُرِفَ إليهم، ويُعْطَى كلُّ واحدٍ منهم من الوقْف مِثلَ القَدْر الذي يُعْطَى من الزَّكاة؛ لأِنَّ المطْلَقَ من كلامِ الآدَمِيِّ يُحمَلُ على المعهود في الشَّرع.

فَعَلَى هذا: إذا كان الموقوفُ عليه الفقراءَ؛ لم يُدفَعْ إلى واحدٍ منهم زيادةٌ على خمسين درهمًا أوْ قِيمَتها من الذهب

(6)

؛ لأِنَّه القَدْرُ الَّذي يَحصُل به الغِنَى.

واختار أبو الخَطَّاب، وابنُ عَقِيلٍ: زيادةَ المسكين على الخمسين، وقد أَوْمَأَ إليه أحمدُ.

وقِيلَ: لكلِّ صنفِ ثُمُنٌ.

وإنْ وَقَفَ على الفقراء أو المساكين؛ أُعْطِيَ الآخَرُ، وفيه وَجْهٌ.

(وَالْوَصِيَّةُ كَالْوَقْفِ فِي هَذَا الْفَصْلِ)؛ لأِنَّ مَبْناها على لَفْظِ الموصِي،

(1)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 7/ 363: وأوامر.

(2)

في (ح): ويقتضي.

(3)

قوله: (منهم) سقط من (ح).

(4)

في (ح): الواقف.

(5)

في (ح): أصناف.

(6)

في (ح): المذهب.

ص: 477

أشْبَهَت الوَقْفَ، فإنْ وصَّى أن يُفرَّقَ في فقراء مكَّةَ، فقال أحمدُ في رواية أحمدَ بنِ الحُسَينِ بن حَسَّانَ: هل يُفرَّقُ على قَومٍ دُونَ قَومٍ؟ فقال: يُنظَرُ إلى أحْوَجِهم

(1)

، قال القاضي: فظاهِرُه: أنَّه يُعتبَرُ العددُ.

تذنيبٌ: إذا وَقَفَ مدرسةً، أوْ رِباطًا، أوْ خانَقاهْ، أوْ نحوَ ذلك على طائفةٍ؛ اخْتَصَّتْ بهم، وإنْ وَقَفَ عَلَيها مسجِدًا أوْ مَقبَرةً؛ فَوَجْهانِ، والأشْبَهُ: اخْتِصاصُ مَنْ عيَّنهم، ولا يَختَصُّ أحدٌ بالصَّلاة اتِّفاقًا.

وإنْ عيَّن إمامًا أوْ ناظِرًا؛ تعيَّنَ.

وقِيلَ: إنْ وَقَفَ مسجِدًا على الفقراء وشَرَطَه لهم؛ اخْتَصُّوا به إمامةً ونظرًا.

وعَنهُ: على ما جَرَتْ به العادةُ.

وكذا إنْ وَقَفَه على أهل مذهَبٍ في الأشْبَهِ.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 364.

ص: 478

(فَصْلٌ)

(وَالْوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ)؛ أيْ: يَلزَمُ بمجرَّد القول؛ لأِنَّه تبرُّعٌ يَمنَع البَيعَ والهِبةَ، فلَزِمَ بمجرَّده كالعِتْق، قال في «التَّلْخيص» وغَيره: وحُكمُه اللُّزومُ في الحال، أخْرَجَه مخرَجَ الوصيَّة أوْ لم يُخرِجْه، حَكَمَ به حاكِمٌ أوْ لَا؛ لقَولِه عليه السلام:«لا يُباعُ أصْلُها، ولا يُوهَبُ، ولا يُورَثُ»

(1)

، قال التِّرمذيُّ:(العملُ على هذا الحديث عند أهلِ العلم، وإجْماعُ الصَّحابة على ذلك)

(2)

، ولأِنَّه إزالةُ ملْكٍ يَلزَمُ بالوصيَّة، فإذا نجَّزه في الحياة؛ لزم

(3)

من غَيرِ حُكْمٍ كالعتق.

وذَهَبَ أبو حَنِيفةَ رضي الله عنه: أنَّه لا يَلزَمُ بمجرَّده، وللواقف الرُّجوع فيه، إلاَّ أنْ يُوصِيَ به بَعْدَ مَوته، أوْ يَحكُمَ بلُزومه حاكِمٌ

(4)

، وحكاه بعضُهم عن عليٍّ وابن مَسعودٍ وابن عبَّاسٍ

(5)

، واحتجَّ له: بما رواه المحامِليُّ عن عبد الله بن زيدٍ

(1)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (6) و (7).

(2)

ينظر: سنن الترمذي 3/ 651.

(3)

في (ح): ولزم.

(4)

ينظر: التجريد للقدوري 8/ 3771، المبسوط 12/ 27.

(5)

قال ابن حزم في المحلى 8/ 149: (طائفة أبطلت الحبس مطلقًا، وهو قول شريح وروي عن أبي حنيفة، وطائفة قالت: «لا حبس إلا في سلاح أو كراع»، روي ذلك عن ابن مسعود وعلي وابن عباس).

أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (20929)، عن الشعبي، قال: قال علي: «لا حبس عن فرائض الله، إلا ما كان من سلاح أو كراع» ، وحسَّن إسناده الحافظ في الدراية 2/ 145.

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (20930)، وابن حزم في المحلى (8/ 150)، عن مطرف بن طريف، عن رجل، عن القاسم، قال: قال عبد الله: «لا حبس إلا في كراع أو سلاح» ، وأخرجه محمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (3/ 62)، ولم يذكر: عن رجل. وضعفه ابن حزم، بجهالة راويه وانقطاعه.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: قال عنه ابن حزم في المحلى 8/ 150: (ولا نعرفها عن ابن عباس أصلاً)، ولعل مرادهم: ما أخرجه الطحاوي في معاني الآثار (5878)، والعقيلي في الضعفاء (3/ 397)، والدارقطني (4061)، والبيهقي في الكبرى (11906)، من طرق عن عبد الله بن لهيعة، عن أخيه عيسى، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا حبس عن فرائض الله عز وجل» ، قال الدارقطني:(لم يسنده غير ابن لهيعة عن أخيه، وهما ضعيفان).

ص: 479

صاحِبِ الأذان: «أنَّه جَعَلَ حائطَه صدقةً، وجَعَلَه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أبواه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالا: لم يكُنْ لنا عَيشٌ إلاَّ هذا الحائطُ، فردَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، ثمَّ ماتا فَوَرِثَهما»

(1)

، ولأِنَّه إخْراجُ مالٍ على وَجْهِ القُرْبة، فلم يَلزَمْ بمجرده؛ كالصَّدقة.

وجوابُه: السُّنَّةُ الثَّابِتةُ، مع أنَّ

(2)

هذا الخبر لَيسَ فيه ذِكْرُ الوَقْفِ، والظَّاهِرُ أنَّه جَعَلَه صدقةً غَيرَ مَوقُوفٍ، فرأى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم والِدَيهِ أحقَّ بصرفها

(3)

إلَيهِما، بدليل أنَّه لم يَرُدَّها إليه، ويَحتَمِلُ أنَّ الحائطَ كان لهما، وتَصرُّفه فيه بحُكْمِ النِّيابة عنهما، ولم يُجِيزاهُ

(4)

.

ثُمَّ القِياسُ على الصَّدقة لَيسَ بظاهِرٍ، فإنَّها تَلزَمُ في الحياة بغَيرِ حُكْمِ

(1)

أخرجه الدارقطني (4449)، والحاكم (8021)، والمحاملي في أماليه رواية ابن مهدي (318)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1181)، عن بشير بن محمد بن عبد الله بن زيد، عن جده. وبشير بن محمد لم يدرك جده، قاله الدارقطني والحاكم. وأخرجه عبد الرزاق (16589)، والنسائي في الكبرى (6279)، والدارقطني (4452)، والبيهقي في الكبرى (11913)، من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عبد الله بن زيد الأنصاري، قال الدارقطني:(هذا أيضًا مرسل؛ لأن عبد الله بن زيد بن عبد ربه توفي في خلافة عثمان ولم يدركه أبو بكر بن حزم)، وكذا قال البيهقي، وقال:(وروي من أوجه أخر عن عبد الله بن زيد، كلهنَّ مراسيل).

(2)

في (ظ): أثر.

(3)

في (ظ): بصرفهما.

(4)

في (ق): ولم يخبراه.

ص: 480

حاكِمٍ، وإنَّما يَفْتَقِرُ إلى القَبول، والوَقْفُ لا يَفْتَقِرُ إلَيهِ، فافْتَرَقَا.

(وَلَا

(1)

يَجُوزُ فَسْخُهُ بِإِقَالَةٍ وَلَا غَيْرِهَا)؛ لأِنَّ ذلك شَأنُ العُقود المقْتَضِية للتَّأبيد.

(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ)، ولا المناقلة به

(2)

، (إِلاَّ أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ) بالكُلِّيَّةِ

(3)

؛ كدارٍ انْهَدَمَتْ، أو أرض

(4)

خَرِبَتْ وعادَتْ مَوَاتًا، ولم تُمكِنْ

(5)

عِمارتُها، نَقَلَ عليُّ بنُ سعيدٍ: لا يَستَبْدل

(6)

به، ولا يَبيعُه، إلاَّ أنْ يكونَ بحالٍ لا يُنتَفَعُ به

(7)

، ونَقَلَ أبو طالِبٍ: لا يُغَيَّرُ عن حاله، ولا يُباعُ إلاَّ أنْ لا يُنتَفَع منه بشَيءٍ

(8)

، وقاله الأصحابُ، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: إلاَّ أنْ يَقِلَّ فلا يُعَدَّ نَفْعًا، ونَقَلَ مهنَّى: أوْ ذَهَبَ أكثرُ نَفْعِه

(9)

.

(فَيُبَاعُ)؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ عمرَ كتَبَ إلى سَعْدٍ لَمَّا بَلَغَه أنَّ بيتَ المال

(1)

في (ح): لا.

(2)

كتب في هامش (ظ): (قال في «الاختيارات»: إذا كان المسجد معدًّا للصلاة؛ ففي جواز البناء عليه نزاع بين العلماء، وليس لأحد أن يبني على الوقف ما يضر به اتفاقًا، وكذا إن لم يضرَّ به عند الجمهور).

(3)

كتب في هامش (ظ): (قال في «الرعاية الكبرى»: وكل وقف بطل نفعه المطلوب منه، وقيل: أو أكثره، أو تعذَّر بخراب أو غصب أو غيره وتعذر عوده إلى حاله الأول، أو عود أكثره، أو خيف أن يتعطل نفعه، وقيل: أو أكثره قريبًا، أو تذهب ماليته، أو لم يصلح لما وقف له من غزوٍ وغيره، بل يصلح لحملٍ أو طحنٍ أو نتاجٍ أو ضراب؛ فلناظره الخاص بيعه. انتهى).

(4)

في (ح): وأرض.

(5)

في (ق): ولم يمكن.

(6)

قوله: (لا يستبدل) في (ح): لاستبدال.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 97.

(8)

ينظر: الوقوف والترجل ص 95.

(9)

ينظر: الفروع 7/ 387.

ص: 481

الذي

(1)

بالكُوفَة نُقِبَ: «أن انقُل المسجدَ الَّذي بالتَّمَّارين، واجْعَلْ بَيتَ المال في قِبْلة المسجد، فإنَّه لن يَزالَ في المسجد مصلٍّ»

(2)

، وكان هذا بمَشْهَدٍ من الصَّحابة، ولم يَظهَرْ خِلافُه، فكان كالإجماع.

وحكى في «التَّلخيص» عن أبي الخطَّاب: أنَّه لا يَجوزُ بَيعُه، وهو غريبٌ لا يُعرَفُ في كُتُبه؛ لأِنَّ ما لا يجوز بَيعُه مع بقاء منافعه؛ لا يجوز مع تعْطِيلها

(3)

؛ كالعتق.

وجوابُه: بأنَّ فِيما ذَكرْناه استِبْقاءً للوقْف عِنْدَ تعذُّرِ إبقائه

(4)

بصورته، فوجب ذلك؛ كما لو اسْتَولَد الجاريةَ، أوْ قَتَلَها، أوْ قتلها

(5)

غيره.

قال ابنُ عَقِيلٍ: الوقْفُ مُؤبَّدٌ، فإذا لم يُمكِنْ تأبيدُه على وجْهِ تخصيصه؛ اسْتَبْقَينَا

(6)

الغَرَضَ، وهو الاِنتِفاعُ على الدَّوام في عَينٍ أخرى، واتِّصال الأبدال جرى مَجرَى الأعيان، وجُمودُنا على العَين مع تعطلها؛ تَضْيِيعٌ للغَرَض.

قولهم: (يُباعُ)؛ أيْ: يجوز بَيعُه، نَقَلَه وذَكَرَه جماعةٌ

(7)

.

وظاهِرُ رواية الميمونيِّ: يَجِبُ

(8)

؛ لأِنَّ الولِيَّ يَلزَمُه فِعلُ المصلحة، ولأِنَّه

(1)

قوله: (الذي) سقط من (ظ).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8949)، وأبو بكر عبد العزيز في الشافي كما في مجموع الفتاوى (31/ 215)، عن المسعودي، عن القاسم بن محمد قال: وذكره. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 275: (والقاسم لم يسمع من جده، ورجاله رجال الصحيح)، وقد احتج به أحمد في مسائل صالح 3/ 34، وابن منصور 2/ 771.

(3)

في (ق): تعطلها.

(4)

في (ق): إيفائه.

(5)

في (ظ): قبلها.

(6)

في (ق): استثنينا.

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 95.

(8)

ينظر: الوقوف والترجل ص 96، الفروع 7/ 388.

ص: 482

استِبْقاءٌ للوقف بمعناه، فوجب؛ كإيلاد أَمَةٍ موقوفةٍ.

وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: مع الحاجة يَجِبُ بالمثل

(1)

، وبلا حاجةٍ يجوز بخَيرٍ منه؛ لظهور المصلحة، ولا يَجوزُ بمثله؛ لفوات التَّعْيين بلا حاجةٍ.

فإن أمْكَنَ بَيعُ بعضه لِيُعمَرَ به الباقي؛ جاز، وإن لم يُمْكِن الاِنْتفاع بشَيءٍ منه بِيعَ جميعُه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

قال في «الفروع» : والمرادُ مع

(2)

اتِّحاد الواقف؛ كالجِهة، ثُمَّ إنْ كان المرادُ عَينَينِ؛ كدارَينِ؛ فظاهِرٌ، وكذا عَينًا واحِدةً، ولم تَنقُص القِيمةُ بالتَّشقيص، فإن نقصت؛ توجَّه البيع

(3)

في قياس المذهب، كبَيعِ وصيٍّ لِدَينٍ أو حاجةِ صغيرٍ، بل هذا أسهل؛ لجواز تغيير

(4)

صفاته لمصلحة.

وذكر الحافِظُ ابنُ رجَبٍ: أنَّ عُبادةَ

(5)

-من أصحابنا- أفْتَى في أوقاف وقفها

(6)

جماعةٌ على جهةٍ واحدةٍ من جِهات البِرِّ إذا خَرِب بعضُها؛ للمباشِر أنْ يَعمُرَه من الأُجْرة، ووافقه طائفةٌ من الحَنَفِيَّة

(7)

.

تنبيه: لم يتعرَّض المؤلِّفُ للمُتَوَلِّي لِبَيعه، والأشهرُ: أنَّه الحاكِمُ، قدَّمه في «الفروع» ، وفي «التَّلخيص»: ويكون البائعُ الإمامَ أوْ نائبَه، نَصَّ عليه

(8)

، وكذلك الشِّراء بثَمَنِه، وهو ظاهِرُ ما في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه فسخٌ لعَقْدٍ

(1)

ينظر: الفروع 7/ 388.

(2)

قوله: (مع) سقط من (ح).

(3)

في (ح): المبيع.

(4)

في (ق): تغير.

(5)

هو: عبادة بن عبد الغني بن منصور الحراني، الدمشقي، الفقيه المفتي، قال الذهبي: تقدم في الفقه، وناظر وتميز، تفقه على ابن المنجى، ثم على الشيخ تقي الدين ابن تيمية، توفي سنة 739 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 5/ 89.

(6)

في (ح): فقهاء.

(7)

ينظر: مختصر القدوري ص 127، الاختيار لتعليل المختار 3/ 43.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 3080.

ص: 483

لازِمٍ مُختَلَفٍ فيه اخْتِلافًا قَوِيًّا، فيُوقَفُ

(1)

فسخُه على الحاكِمِ؛ كما قِيلَ في الفُسوخ المختلَفِ فيها، ولكونه بَيعًا على الغائبين، وهم الذين يَسْتحِقُّونه بعد انْقِراض الموْجودِينَ.

وجَزَمَ في «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ، و «الفائق»: أنَّه ناظِرُه.

وقِيلَ: بل يَفعَلُه الموقوفُ عَليه إنْ قُلْنا: يَملِكُه.

فَرْعٌ: لو شَرَطَ الواقِفُ أنَّه لا يُباعُ، فخَرِبَ؛ يُباعُ، وشَرْطُه إِذًا

(2)

فاسِدٌ، نَصَّ عليه، قال حَرْبٌ: قلت لأحمدَ: رجلٌ وَقَفَ ضَيعةً فخَرِبَتْ، وقال في الشَّرط: لا تباع

(3)

، فباعوا منها سَهْمًا وأنْفَقُوه على البقيَّة ليَعْمُروها، قال: لا بأْسَ بذلك إذا كان كذلك؛ لأِنَّه اضْطِرارٌ ومنفعةٌ لهم

(4)

.

(وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع» ، وزاد: أو بعض

(5)

مثله، قاله أحمدُ

(6)

؛ لأِنَّه أقْرَبُ إلى غَرَض الواقف، وكجهته.

وظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه لا يتعيَّن المثْلُ، واقتصر عليه في «المغْنِي» و «الشرح» ؛ إذ

(7)

القصدُ النَّفعُ، لكن يتعيَّن صرْفُ المنفعة في المصلحة الَّتي كانت الأُولى تُصرَفُ إليها؛ لأِنَّ تغييرَ المصرِف مع إمكان المحافظة عليه لا يَجوزُ، كما لا يُغيَّر الوقف بالبيع مع إمكان الانتفاع به.

وقوَّة كلامه، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ: أنَّه

(8)

لا بدَّ من إيقاف النَّاظِر له.

(1)

في (ق): فتوقف.

(2)

في (ح): الإذن.

(3)

في (ظ): لا يباع.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 95.

(5)

في (ظ): وبعض.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 394.

(7)

في (ح): إذا.

(8)

في (ظ): لأنه.

ص: 484

وصرَّح في «الرِّعاية» : أنَّه يصيرُ وقْفًا بمجرَّد الشِّراء.

وجوَّزهما الشَّيخُ تقيُّ الدِّين لمصلحةٍ، وأنَّه قياس الهدي، وذكره وجهًا

(1)

في المناقَلَة، وأومأ إليه أحمدُ

(2)

.

(وَكَذَلِكَ الْفَرَسُ الْحَبِيسُ إِذَا لَمْ يَصْلُحْ

(3)

لِلْغَزْوِ)؛ بأنْ يَنحَطِمَ؛ (بِيعَ)؛ كالوقف إذا تعطَّلتْ منافِعُه، (وَاشْتُرِيَ بِثَمَنِهِ

(4)

مَا يَصْلُحُ لِلْجِهَادِ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ مُحافَظةً على غَرَضِ الواقِفِ.

وعنه: يَصرِفُه على الدَّوابِّ الحُبس، أو يَصرِفُ ثَمَنَه في مِثْله، وظاهره التَّخيير.

وعلى الأوَّل: إن لم يَكْفِ ثَمنُه ثَمَنَ فَرَسٍ أخرى؛ أُعِينَ به في شِراءِ فرَسٍ حبيسٍ، نَصَّ عليه

(6)

، ذكره في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ المقصودَ استِبْقاءُ منفعةِ الوقْفِ الممْكِنِ استِبْقاؤه، وصيانتُها عن الضَّياع.

(وَكَذَلِكَ الْمَسْجِدُ إِذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ فِي مَوْضِعِهِ)، فإنَّه يُباعُ إذا خَرِبَتْ محلَّتُه، نَقَلَه عبد الله

(7)

، ذكره جماعةٌ، وفي روايةِ صالِحٍ: يُحوَّلُ المسجدُ خَوفًا من اللُّصوص، وإذا كان في مَوضِعِه قَذَرٌ

(8)

، قال

(9)

القاضي: يعني إذا كان ذلك يَمنَعُ من الصَّلاة فيه، ونصَّ على جوازِ بَيعِ عَرْصَتِه

(10)

، وتكون الشَّهادةُ على الإمام.

(1)

زيد في (ح): واحدًا.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 384، الاختيارات ص 263.

(3)

في (ظ): لم تصلح.

(4)

في (ح): به.

(5)

ينظر: مسائل صالح 3/ 34، الوقوف والترجل ص 96.

(6)

ينظر: المغني 6/ 29.

(7)

ينظر: مسائل عبد الله ص 318.

(8)

ينظر: صالح 1/ 295.

(9)

في (ظ): وقال.

(10)

في رواية عبد الله. ينظر: المغني 6/ 28، الشرح الكبير 16/ 522.

ص: 485

(وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْمَسَاجِدُ) نَقَلَها عليُّ بن سَعِيدٍ

(1)

؛ لأِنَّها آكَدُ من غيرها، (لَكِنْ تُنْقَلُ آلَتُهَا إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ)، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأِنَّه أقْربُ إلى غرض الواقف، لكنْ نَقَلَ جعفرٌ فِيمَنْ جعل خانًا في السَّبيل وبَنَى بجَنْبه مسجدًا فضاق، أيزادُ منه في المسجد؟ قال: لا، قيل: فإنَّه تُرِكَ ليس يُنزَلُ فيه، فقد عُطِّلَ، قال: يُتْرَك على ما صِير إليه

(2)

، ولا يجوز نَقْلُه مع إمكان عِمارته، قاله في «الفنون» ، وإنَّ جماعةً أفْتَوْا بخلافه وغَلَّطهم.

(وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ آلَتِهِ وَصَرْفُهَا فِي عِمَارَتِهِ)، نَقَلَ أبو داودَ: إذا كان في المسجد خَشَبتانِ لهما قِيمةٌ تشعَّث، وخافوا سقوطَه؛ جاز بَيعُهما، وصَرْفُ ثَمَنِهما عليه

(3)

؛ لأنَّه إذا جاز بَيعُ الكلِّ عند الحاجة، فبَيعُ بعضه مع بقاء البَعْض أَوْلى، وقاسه في «الشرح» على بيع بعض الفرس الحبيس عند تعذُّر الانتفاع به.

ويَجوز نقْضُ مَنارَته، وبناء حائطه بها؛ لتحصينه من الكلاب، نَصَّ عليه في روايةِ محمَّدِ بن الحكم

(4)

؛ للمصلحة.

(وَمَا فَضَلَ مِنْ حُصُرِهِ، وَزَيْتِهِ)، وقَصَبه، ونَفَقَته، وعبارة «الوجيز» و «الفروع»: وما فضل عن حاجته، وهي أَوْلَى، (عَنْ حَاجَتِهِ؛ جَازَ صَرْفُهُ إِلَى مَسْجِدٍ آخَرَ)، قاله أحمدُ

(5)

؛ لأِنَّه انْتِفاعٌ في جِنْسِ ما وُقِفَ له، فكان مَصْروفًا له في مِثْلِه، وكالهَدْيِ، (وَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ)، نَصَّ عليه في روايةِ المرُّوذِيِّ

(6)

، واحْتَجَّ: بأنَّ «شَيبَةَ بن عُثْمان الحَجَبي كان يَتصَدَّقُ بخُلْقانِ

(1)

ينظر: المغني 6/ 28.

(2)

ينظر: الوقوف والترجل ص 80.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 69.

(4)

في (ح): عبد الحكم. ينظر: المغني 6/ 20، الفروع 7/ 385.

(5)

ينظر: الوقوف والترجل ص 36.

(6)

ينظر: الوقوف والترجل ص 36.

ص: 486

الكَعْبة»

(1)

، ورَوَى الخَلاَّلُ بإسْناده:«أنَّ عائشة أمرتْهُ بذلك»

(2)

، وهذه قضيَّةٌ انتشرت ولم تُنْكَرْ، فكان كالإجماع، ولأنَّه

(3)

مالٌ لله تعالى لم يَبْقَ له مَصرِفٌ، فصُرِفَ إلى المساكِينِ، ولأِنَّ نَفْعَ المسجِدِ عامٌّ، والفقراء

(4)

كذلك.

وخَصَّه أبو الخَطَّاب والمجْدُ: بِفُقراءِ جِيرانِه؛ لأِنَّهم أحقُّ بمَعْروفه.

وعنه: لا يُصرَف لهما.

وعنه: بَلَى لمِثْله، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال أيْضًا: وفي سائِرِ المصالِحِ وبِناءِ مَساكِنَ لِمُستَحِقِّ رَيعه القائِمِ بمَصْلَحَته.

قال: وإنْ عَلِمَ أنَّ رَيعَه يَفضُلُ عنه دائمًا وجَبَ صَرْفُه؛ لأِنَّ بقاءَه فسادٌ، وإعطاؤه فوقَ ما قدَّره

(5)

الواقِفُ؛ لأِنَّ تَقْديرَه لا يَمنَعُ استحقاقَه كغَيرِ مَسْجِده، وقال: ومثلُه وقْفُ غَيره، ولا يجوز لغَير النَّاظر صَرْفُ الفاضل

(6)

.

فَرْعٌ: فضْلُ غَلَّةِ موقوفٍ على مُعَيَّنٍ، استحقاقُه مقدَّرٌ؛ يتعيَّن إرصاده

(7)

، ذكره أبو الحُسَين والحارثي، ونقل حرْبٌ فِيمَنْ وَقَفَ على قنطرة فانحرف

(1)

احتج به في رواية مهنى. ينظر: الوقوف والترجل ص 36.

(2)

أخرجه الخلال في الوقوف (78)، والفاكهي في كتاب مكة كما في الفتح (3/ 458)، والأزرقي في أخبار مكة (1/ 261)، والبيهقي في الكبرى (9731)، من طرق عن علقمة بن أبي علقمة، عن أمه. ولا بأس بإسناده واحتج به أحمد، وأُعلَّ بجهالة أم علقمة، واسمها مرجانة، وأجيب أنه قد وثَّقها ابن حبان والعجلي، وأخرج لها مالك، وعلق لها البخاري بصيغة الجزم، فلا بأس بحديثها لا سيما في الموقوفات، وقد احتج أحمد بخبرٍ لأم علقمة عن عائشة في أن الحامل تحيض، ذكره البيهقي في الكبرى 7/ 695، وعنه ابن القيم في زاد المعاد 5/ 648.

(3)

في (ح): فعلم.

(4)

في (ق): فالفقراء.

(5)

زيد في (ق): له.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 396، الاختيارات ص 263.

(7)

في (ح): إجارة.

ص: 487

الماء: يُرصد، لعلَّه يرجِعُ

(1)

.

وإن وَقَف على ثَغْرٍ، فاختلَّ؛ صُرف في ثَغْرٍ مثْلِه، وعلى قياسه مسجدٌ ورِباطٌ ونحوُهما.

(وَلَا يَجُوزُ غَرْسُ شَجَرَةٍ فِي الْمَسْجِدِ)، نَصَّ عليه، وقال: تُقْلَع، غُرِست بغَيرِ حقٍّ

(2)

؛ لأِنَّ المسجدَ لم يُبْنَ لذلك، إنَّما

(3)

بُنِيَ لقراءة القُرْآن والصَّلاةِ وذِكْرِ الله تعالى، ولِمَا يَحصُلُ بها من الْأَذَى.

وفي «الإرشاد» و «المبهج» : يُكرَه غَرْسُها فيه.

وقيل: يُكرَه إنْ لم يَضِقْ

(4)

، وإلاَّ حَرُمَ.

فإنْ غُرِسَتْ فيه وأثْمَرَتْ، فقال أحمدُ: لا أحبُّ الأَكْلَ منها

(5)

، وقيل: تُباحُ لفقراء الدَّرْب، وقيل: مع غنى

(6)

المسْجِد عنها.

وظاهِرُ النَّصِّ و «المحرر» : أنه

(7)

لا يَخْتَصُّ قَلْعُها بواحِدٍ، وفي «المستوعب» و «الشَّرح»: أنَّه للإمام.

(فَإِنْ كَانَتْ مَغْرُوسَةً)؛ بأنْ وُقِفَ وهي (فِيهِ)؛ فإنْ عَيَّنَ مَصْرِفَها اتُّبِعَ، وإلاَّ صارَتْ كالوقْفِ المنقَطِع، (جَازَ الْأَكْلُ مِنْهَا)؛ لأِنَّها تَبَعٌ للمسجد، وهو لكلٍّ من المسلمين الاِنْتِفَاعُ به، فكذا الأكلُ منها، وظاهِرُه مطلَقًا، وهو قَولٌ.

(قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِذَا لَمْ تَكُنْ بِالْمَسْجِدِ حَاجَةٌ إِلَى ثَمَنِهَا)، اقْتَصَرَ في

(1)

ينظر: الفروع 7/ 395.

(2)

ينظر: المغني 6/ 30، الفروع 7/ 396.

(3)

في (ح): وإنما.

(4)

في (ق): لم تضيق.

(5)

ينظر: المغني 6/ 30.

(6)

في (ح): غناء.

(7)

قوله: (أنه) سقط من (ظ).

ص: 488

«المحرَّر» على هذا؛ لأِنَّ حاجةَ المسجد مُقدَّمةٌ على غَيرِه، (فَإِنِ احْتَاجَ؛ صُرِفَ ذَلِكَ

(1)

فِي عِمَارَتِهِ)؛ لأِنَّها مُقدَّمةٌ على غَيرها، وقَولُ أبِي الخَطَّاب تقييدٌ لِمَا أُطْلِقَ؛ لِعَدَم ذِكْرِه بواوِ العطْف.

وذَكَرَ جماعةٌ: أنَّه يُصرَفُ في مصالحه، فإنْ فَضَلَ؛ فلجاره أكْلُها، نَصَّ عليه

(2)

، قال جماعةٌ: ولِغَيره، وقيل: للفقير منهم.

فَرْعٌ: لا يَجوزُ حَفْرُ بئرٍ في المسجد، ولا يُغَطَّى بالمغْتَسَل؛ لأِنَّه للمَوتَى، ونَقَلَ المرُّوذِيُّ: أنَّها تُطَمُّ

(3)

، وفي «الرِّعاية»: أنَّ أحمدَ لم يَكرَهْ حَفْرَها فيه، ثمَّ قال: بلى، إنْ كُره الوضوء فيه.

مسألةٌ: إذا غرس النَّاظِرُ، أو بَنَى فيه؛ فهو له إنْ أشْهَدَ، وإلاَّ للوقف.

قال في «الفروع» : (ويتوجَّهُ في أجنبيٍّ: للوقف بِنِيَّتِه، وقال شَيخُنا: يدُ الواقِفِ ثابِتةٌ على المتِّصِلِ به ما لم يأتِ حُجَّةٌ يَدفَع مُوجِبَها، كمعرفةِ كون

(4)

الغارس غَرَسَها بماله بحكم إجارةٍ، أو إعارةٍ، أو على المنفعة، فليس له دعوى البناء بلا حجَّةٍ، ويد أهل العَرْصَة المشتركة ثابتةٌ على ما فيها بحُكْم الاِشْتِراك، إلاَّ مع بيِّنةٍ

(5)

باخْتِصاصه بِبِناءٍ ونحوِه)

(6)

.

(1)

في (ظ): ذلك صرف.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 395.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 397.

(4)

في (ح): وكذا.

(5)

في (ق): نيته.

(6)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 489

(بَابُ الْهِبَةِ)

أصْلُها مِنْ هُبُوب الرِّيح؛ أيْ: مُروره، يُقالُ: وَهَبْت له شَيئًا وَهبًا، بإسْكان الهاء وفَتْحِها، وهبة

(1)

، والاِسمُ المَوْهِبُ، والمَوْهِبَة؛ بِكَسْر الهاء فِيهِما، والاِتِّهابُ: قَبولُ الهِبَة، والاِسْتِيهابُ: سُؤالُ الهِبَة، وتَوَاهَبَ القَومُ؛ أيْ: وَهَبَ بعضُهم بعضًا، وَوَهَبْتُه كذا، لغة

(2)

قليلةٌ.

(وَالْعَطِيَّةِ)، قال الجَوهَريُّ: هي الشَّيءُ المعْطَى، والجَمْعُ العَطا

(3)

، والعَطِيَّةُ هنا: الهِبَة في مَرَضِ الموْت، فَذَكَرَ الهِبةَ في الصِّحَّة والمرض، وأحكامَهما، قالَهُ في «المطلع»

(4)

.

(وَهِيَ تَمْلِيكٌ فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ عِوَضٍ)، فخَرَجَ بالأوَّل: ما لَيسَ بِتَمْلِيكٍ؛ كالعَرِيَّة، فإنَّها إباحةٌ، وبالثَّاني: الوصيَّةُ، وبالثَّالث: عُقودُ المعاوَضات؛ كالبيع والإجارة، والمرادُ به

(5)

: مالُه المعلومُ الموجودُ، صرَّح به في «الوجيز» بِما يُعَدُّ هِبَةً عُرْفًا.

ويُعتَبَر فيه: أنْ يكونَ من جائز التَّصرُّف.

(وَإِنْ شَرَطَ فِيهَا عِوَضًا مَعْلُومًا)؛ صحَّ، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

، و (صَارَتْ بَيْعًا)؛ لأِنَّه تَمْلِيكٌ بعِوَضٍ معلومٍ أشْبَهَ البَيعَ، ومَعْناهُ: أنَّه يَثْبُتُ فيها الخِيارُ والشُّفْعةُ.

وحكى في «الفروع» قَولاً: أنَّها تَصِحُّ بقيمتها، فَعَلَيه: يَلْغُو الثَّوابُ المشْروطُ، ويَرجِع إلى قيمتها، والظَّاهر: أنَّه يَرجِع إلى ذلك إذا جُعِل الثَّوابُ

(1)

في (ح): وهبته.

(2)

في (ح): لغلمه.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الصحاح 6/ 2430، والمطلع ص 352: العطايا.

(4)

ينظر: المطلع ص 352.

(5)

قوله: (والمراد به) هو في (ق): مما لم أديه.

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 409.

ص: 490

مجهولاً، ونبَّه عليه في «الفائق» .

وقيل: لا تصحُّ

(1)

؛ لأنَّه شَرَط في الهِبة ما يُنافِي مُقْتَضاها، ولِنَفْي الثَّمن.

ورُدَّ: بأنَّه تمليكٌ بعِوَضٍ، فصحَّ كغَيرِه.

(وَعَنْهُ: يُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الْهِبَةِ)، ذَكَرَها أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه وُجِدَ لَفْظُها الصَّريح، فكان المغلَّبُ فيها الهِبَة، كما لو لم يَشْرِطْ عِوَضًا، وحِينَئِذٍ: لا يَثبُت فِيها أحكامُ البَيع المخْتصَّة به.

وظاهِرُه: أنَّ الهِبَةَ المطلَقَةَ لا تَقتَضِي عوضًا، سَواءٌ كانت لمِثْله، أوْ دُونِهِ، أوْ أعْلَى منه.

وقال ابنُ حَمْدانَ: هي من

(2)

الأدْنَى تَقتَضِي عِوَضًا هو القيمةُ؛ لقَول عُمَرَ: «مَنْ وَهَبَ هِبَةً أراد بها الثَّواب؛ فهو على هِبَته، يَرجِع فيها إذا لم يرضَ منها»

(3)

.

وجوابُه: بأنَّها عطيَّة على وجهِ التَّبرُّع، فلم تَقتَضِ

(4)

ثوابًا؛ كهِبَة المِثْل والوصيَّة، وقولُ عمرَ خالَفَه ابنُه وابنُ عبَّاسٍ

(5)

.

(1)

في (ح) و (ظ): يصح.

(2)

قوله: (من) سقط من (ح).

(3)

أخرجه مالك في رواية أبي مصعب الزهري (2947)، وفي رواية محمد بن الحسن (805)، والشافعي في الأم (4/ 63)، والطحاوي في معاني الآثار (5820)، والبيهقي في الكبرى (12028)، عن مروان بن الحكم، عن عمر رضي الله عنه. وفي رواية يحيى الليثي للموطأ (2/ 754)، بدون ذكر مروان. وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (21700)، والطحاوي في معاني الآثار (5821)، والبيهقي في الكبرى (12025)، من وجوه صحيحة عن عمر. وروي مرفوعًا ولا يصح، وصحح الموقوف: الدارقطني والبيهقي وابن حجر والألباني. ينظر: إرواء الغليل 6/ 55.

(4)

في (ظ): فلم يقتض.

(5)

تبع المصنف صاحبَ المغني 6/ 66 والشرح 7/ 17، ولم نقف عليه من قولهما، ولعل المراد ما روياه مرفوعًا عند أحمد (2119)، وأبي داود (3539)، والترمذي (1299)، والنسائي (3690)، وابن ماجه (2377)، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يحل لرجل أن يعطي عطيةً، أو يهب هبةً، فيرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطي ولده، ومَثَل الذي يُعطي العطية، ثم يرجع فيها؛ كمثل الكلب يأكل فإذا شبع قاء، ثم عاد في قيئه» ، قال الحافظ في الدراية 2/ 184:(صححه الترمذي وابن حبان والحاكم).

ص: 491

وقيل: تَقتَضِي

(1)

عِوَضًا مع عُرْفٍ، فلو أعطاه لِيُعاوِضَه، أوْ لِيقْضِيَ له حاجةً، فلم يَفِ؛ فكالشرط، واختاره الشَّيخ تقيُّ الدِّين

(2)

.

فعلى ما ذَكَرَه: لو عَوَّضَه عن الهِبَة؛ كانَتْ هِبَةً مبتدَأةً لا عِوَضًا، أيُّهما أصاب عَيبًا؛ لم يكن له الرَّدُّ، وإنْ خَرَجَتْ مُسْتَحَقَّةً؛ أخذَها صاحبُها، ولم يَرجِع الموْهوبُ له بِبَدَلها.

(وَإِنْ شَرَطَ ثَوَابًا)؛ أيْ: عِوَضًا (مَجْهُولاً؛ لَمْ تَصِحَّ

(3)

الهِبةُ؛ لأِنَّه عِوَضٌ مجهولٌ في مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ كالبَيع، وحِينَئِذٍ: حُكمُها حُكمُ البَيع الفاسِد، فيَردُّها

(4)

الموْهوبُ له بزيادتها مطلَقًا؛ لأِنَّها نَماءُ ملْك الواهِب، وإنْ

(5)

كانت تالِفةً ردَّ قِيمتَها.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ قَالَ: يُرْضِيهِ بِشَيْءٍ

(6)

؛ أيْ: هو صحيحٌ، وذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين ظاهِرَ المذهب

(7)

، فإذا أعطاه عنها عِوَضًا رَضِيَه؛ لَزِمَ العقدُ؛ لأِنَّها تَصِحُّ بغَير عِوَضٍ، فَلَأَنْ تَصِحَّ بعِوضٍ مجهولٍ من بابِ أَوْلَى.

قال أحمدُ في روايةِ محمَّد بنِ الحَكَم: هذا لَكَ على أنْ تُثِيبَنِي؛ فله أنْ

(1)

في (ظ): يقتضي.

(2)

ينظر: الاختيارات ص 265.

(3)

في (ح): لم يصح.

(4)

في (ق): فيرد هنا.

(5)

في (ق): فإن.

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 409.

(7)

ينظر: الفروع 7/ 407.

ص: 492

يَرجِعَ إذا لم يُثِبْهُ؛ لأِنَّه شَرط

(1)

، ونَصَّ على معناه في روايةِ إسْماعيلَ بنِ سعيدٍ، ولا يَجوزُ أنْ يُكافِئَه بالشُّكر والثَّناء، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

(فَعَلَى هَذَا: إِنْ لَمْ يَرْضَ؛ فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا، أَوْ فِي عِوَضِهَا إِنْ كَانَتْ تَالِفَةً)؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ فاسِدٌ، فيَلزَمُه ضَمانُ العَين إذا تَلِفَتْ؛ كالبيع الفاسِدِ.

وقِيلَ: يُعطِيهِ قَدْرَ قِيمَتِها.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ هذا بَيعٌ، فيُعتبَرُ التَّراضي.

ومُقْتَضاه: أنَّه يَرجِعُ في العَين مع بقائها مطلَقًا، لكن إنْ تَغيَّرتْ بزيادةٍ أوْ نُقْصانٍ، ولم يُثِبْه منها؛ فقال أحمدُ: لا أرى عليه

(3)

نقصانَ ما نَقَصَ عِنْدَه إذا ردَّه إلى صاحبه إلاَّ أنْ يكونَ ثَوبًا لَبِسَه، أوْ جاريةً اسْتَخْدَمها، فأمَّا غيرُ ذلك إذا نَقَصَ؛ فلا شَيءَ عَلَيه كالرَّهن

(4)

.

فَرْعٌ: إذا ادَّعى ربُّها شَرْطَ العِوَض، أوْ قال: وَهَبْتني

(5)

ما بِيَدِي، فقال: بل بِعْتُكَهُ، فأيُّهما يُصدَّقُ إذا حَلَفَ؟ فيه وجْهانِ، وجَزَم في «الكافي» في الأُولى: أنَّه يُقبَلُ قَولُ المنكِرِ.

(وَتَحْصَلُ الْهِبَةُ بِمَا يَتَعَارَفُهُ النَّاسُ هِبَةً، مِنَ الْإِيجَابِ)؛ بأنْ يقولَ: وَهَبْتُكَ، وأهديت

(6)

إليكَ، وأعْطَيتُك، ونحوه؛ ك: هذا لَكَ، (وَالْقَبُولِ)؛ بأنْ يقولَ: قَبِلْتُ، أو رَضِيتُ.

(وَالْمُعَاطَاةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهَا)، اخْتارَهُ ابنُ عَقِيلٍ، وهو الصَّحيحُ؛

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 409.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 409.

(3)

في (ق): لا أدري عليه. وسقط من (ظ): (عليه). والمثبت موافق لما في زاد المسافر.

(4)

ينظر: زاد المسافر 3/ 409.

(5)

في (ح) و (ظ): رهنتني. والمثبت موافق لما في كتب المذهب. ينظر: الإنصاف 17/ 10.

(6)

في (ح): أو أهديت.

ص: 493

لأِنَّه عليه السلام كان يُهْدِي ويُهْدَى إليه، ويُعْطِي ويُعْطَى، ويُفرِّقُ الصَّدَقاتِ، ويَأْمُرُ سُعاتَه بأخْذِها وتفريقها

(1)

، وكان أصحابُه يَفْعلون ذلك، ولم يُنقَلْ عنهم إيجابٌ ولا قَبولٌ، ولو كان شَرْطًا لَنُقِلَ عنهم نَقْلاً مُتَواتِرًا أوْ مشتهرًا

(2)

، وكالبَيع.

وذَكَرَ القاضي، وأبو الخَطَّاب: أنَّها لا تصحُّ إلاَّ بالإيجاب والقَبول، ولا تصحُّ

(3)

بدُونِه.

وسَواءٌ وُجِدَ قَبْضٌ أمْ لَا؛ لأِنَّها عَقْدُ تمليكٍ، فافْتَقَر إلى ذلك؛ كالنِّكاح.

وفي «المستوعب» و «المغني» : أنَّها لا تصحُّ إلاَّ بِلَفْظِ الهِبَة، والعَفْو، والتَّمليك.

وفي «الرِّعاية» : في عَفْوٍ وجْهانِ.

وما وَرَدَ في الأخبار دالٌّ على خِلافه.

قال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما يُشتَرَطُ الإيجابُ والقَبولُ مع الإطلاق، وعَدَم العُرْف؛ ولأِنَّه يكتفى بها في المعاوَضات، فالهِبَةُ أَوْلَى، والنِّكاحُ يُشترَطُ فيه الإشْهادُ وغَيرُه، ولا يَقَعُ إلاَّ قليلاً، فلا يَشُقُّ فيه ذلك، بخلاف الهِبَة.

(وَتَلْزَمُ بِالْقَبْضِ) بإذْنِ واهِبٍ، بلا شُبهةٍ؛ لِمَا رَوَى مالِكٌ عن عائشةَ: أنَّ أبا بكْرٍ نَحَلَها جَداد عِشرينَ وَسْقًا من مالِه بالعالِيَة، فلمَّا مَرِضَ قال: «يا بُنَيَّةِ؛ كنتُ نَحَلْتُكِ جَداد عشرينَ وَسْقًا، ولو كنتِ حُزْتيه

(4)

أو قَبَضْتِيهِ كان لك، فإنَّما هو اليومَ مالُ وارِثٍ، فاقْتَسِموهُ على كتاب الله تعالى»

(5)

، ورَوَى ابنُ

(1)

في (ح): وتفرقها.

(2)

في (ح): مستمدًا.

(3)

في (ظ): ولا يصحُّ.

(4)

في (ظ): حرثتيه.

(5)

أخرجه مالك (2/ 752)، وعبد الرزاق (16507)، وابن أبي شيبة (20135)، وابن سعد في الطبقات (3/ 194)، وعبد الله بن أحمد في العلل (4826)، والطحاوي في معاني الآثار (5844)، والطبراني في مسند الشاميين (3104)، والبيهقي في الكبرى (11948)، وإسناده صحيح، قال الألباني في الإرواء 6/ 61:(على شرط الشيخين).

ص: 494

عُيَيْنةَ عن عمرَ نحوَه

(1)

، ولم نَعرِفْ

(2)

لهما في الصَّحابة مُخالِفًا؛ ولأِنَّها هِبَةٌ غَيرُ مَقبوضةٍ، فلم تَلزَمْ؛ كالطَّعام المأْذون في أكْلِه.

(وَعَنْهُ: تَلْزَمُ

(3)

فِي غَيْرِ الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ) والمعْدودِ والمذْروعِ (بِمُجَرَّدِ الْهِبَةِ)؛ أيْ: إذا كان متميِّزًا، فإنَّه يَلزَمُ بمجرَّد العَقْد، اختاره الأكثرُ، قال ابنُ عَقِيلٍ: هي المذهَبُ؛ لِعُموم قَوله عليه السلام: «العائدُ في هِبَتِه كالكلْب يَقِيءُ ثُمَّ يَعودُ في قَيئِه»

(4)

، ولأِنَّه إزالةُ ملْكٍ بغَير عِوَضٍ، فلَزِمَ بمجرَّد العَقْد؛ كالوَقْف والعِتْق، ولأِنَّه تَبَرُّعٌ، فلا يُعتَبَرُ فيه القَبْضُ كالوصيَّة، ولأِنَّه عَقْدٌ لازِمٌ يَنقُلُ الملْكَ، فلم يَقِفْ لزومُه على القَبْض كالبَيع.

وحديثُ أبي بكرٍ محمولٌ على أنَّه أراد به عِشرين وسْقًا مَجْدودةً، فيكون مَكِيلاً غيرَ معيَّنٍ، ولا تَصِحُّ الهِبَةُ فيه قبل تَعْيِينه، فيكون معناه: وَعَدتُّكِ بالنِّحلة، لكنَّه خِلافُ الظَّاهِر.

وأجابوا عن الوقْفِ والوصيَّة والعِتْقِ: بالفَرْق

(5)

، فإنَّ الوقْف إخْراجُ ملْكٍ لله تعالى، فخالف التَّمْليكات، والوصيَّةَ تَلزَم

(6)

في حقِّ الوارث، والعِتقَ

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (20124)، والبيهقي في الكبرى (11953)، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاري، قال: قال عمر: «ما بال رجال ينحلون أولادهم نحلاً، فإذا مات ابن أحدهم قال: مالي وفي يدي، وإذا مات هو قال: قد كنت نحلته ولدي، لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد» ، وأخرجه مالك (2/ 753)، وعبد الرزاق (16509)، وإسناده صحيح كما في الدراية 2/ 183.

(2)

في (ح) و (ظ): يعرف.

(3)

في (ظ): يلزم.

(4)

أخرجه البخاري (2589)، ومسلم (1622)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

في (ق): بالوقف.

(6)

في (ظ): يلزم.

ص: 495

إسقاطُ حقٍّ، ولَيسَ بِتَمليكٍ.

وإذا قُلْنا: الهِبةُ تُملَكٌ بالعقد بمجرَّده؛ فيصحُّ التَّصرُّف فيها قبل القَبضِ، نَصَّ عَلَيهِ؛ لأِنَّ حقَّ الواهِبِ انقطع عنها بمجرَّد انْتِقالِ ملْكِه، ولَيستْ في ضَمانه، ولا محذورَ في التَّصرُّف فيها بوجْهٍ.

وظاهِرُه: أنَّ الهِبَةَ حَيثُ افْتَقَرَتْ إلى القَبْض؛ فإنَّها تَصِحُّ بالعَقْدِ.

واخْتار الخِرَقِيُّ وجَمْعٌ عَكْسَه، قال المرْوَزيُّ

(1)

: اتَّفَقَ أبو بكْرٍ، وعمرُ، وعُثمانُ على

(2)

أنَّ الهِبَةَ لا تَجوزُ إلاَّ مَقبوضةً

(3)

، والأشْهَرُ الأوَّلُ.

وهل يَملِكُها

(4)

به؟ فيه وجْهانِ، وعَلَيهما يُخرَّج النَّماءُ، قال جماعةٌ: إنِ اتَّصَل القَبْضُ.

(وَلَا يَصِحُّ الْقَبْضُ) إذا قِيلَ تَلزَمُ

(5)

به، (إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَاهِبِ)؛ لأِنَّه قَبْضٌ غَيرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيهِ، فلم يَصِحَّ إلاَّ بإذْنه؛ كأصْلِ العَقْدِ، وكالرَّهْن، (إِلاَّ مَا كَانَ فِي

(1)

في (ظ) و (ق): المروذي.

(2)

في (ظ): وعلي. وفي (ح): وعلي على. والمثبت موافق لما في اختلاف الفقهاء للمروزي.

(3)

ينظر: اختلاف الفقهاء لمحمد بن نصر المروزي (ص 574). وتقدم تخريج أثر أبي بكر 6/ 494 حاشية (5) وعمر رضي الله عنهما 6/ 495 حاشية (1).

وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (20126)، عن الشعبي، عن عثمان، أنه قال:«لا تجوز الصدقة حتى تقبض، إلا الصبي بين أبويه، فإن قبضهما له قبض» ، وفيه عيسى بن المسيب، ضعفه الأكثر، ولينه أحمد.

وأخرج سحنون في المدونة (4/ 425)، وابن حزم في المحلى (8/ 65)، عن سعيد بن المسيب وابن أبي مليكة وعطاء بن أبي رباح: أن أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس قالوا: «لا تجوز صدقة حتى تقبض» ، ومداره على محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو متروك، وبه ضعف ابن حزم الأثر.

(4)

قوله: (وهل يملكها) في (ق): وعلى تملكها.

(5)

في (ظ): يلزم.

ص: 496

يَدِ الْمُتَّهِبِ)؛ كالوديعة والمغصوب

(1)

.

(فَيَكْفِي مُضِيُّ زَمَنٍ يَتَأَتَّى قَبْضُهُ فِيهِ)، هذا روايةٌ، واختارها القاضِي؛ لأِنَّه مَقْبوضٌ، فلا مَعْنَى لِتَجْديدِ

(2)

الإذْنِ فِيهِ، وقَولُ ابنِ المنَجَّى:(إنَّه المذْهَبُ)، فِيهِ نَظَرٌ، فإنَّ ظاهِرَ كلامِ أحمدَ في روايةِ ابنِ منصورٍ: أنَّها تَلزَمُ من

(3)

غَيرِ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَأَتَّى فيها القَبْضُ

(4)

، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وصححه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ قَبْضَه مُسْتَدامٌ، فأغْنَى عن الاِبْتِداء، كما لو باعه سلعةً.

ويُبْنَى على الخلاف: الرُّجوعُ، والنَّماءُ.

وفي «الرِّعاية» : الزِّيادةُ قَبلَ القَبْض للمُتَّهِب إذا قَبَضَ ما يُعتَبَرُ قَبضُه، وقِيلَ: للواهِبِ، وهو أقْيَسُ.

والأصحُّ: أنَّه إذا أَذِنَ في القَبْض ثُمَّ رَجَعَ عن الإذْن، أوْ في الهِبَة؛ صحَّ رجوعُه.

(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ

(5)

حَتَّى يَأْذَنَ فِي الْقَبْضِ)؛ كما لو لم يَكُنْ في يَدِه.

(وَإِنْ مَاتَ الْوَاهِبُ؛ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْإِذْنِ وَالرُّجُوعِ) في الأصح؛ لأِنَّه عَقْدٌ مآلُه إلى اللُّزوم، فلم يَنفَسِخْ بالموت؛ كالمبيع

(6)

في مُدَّة الخِيار، وكما لو مات المتَّهِبُ بَعْدَ القَبول.

وقال القاضِي، وقدَّمه في «الشَّرح»: أنَّها تَبطُلُ، سَواءٌ كان قَبلَ الإذْن في القَبْض أو بَعدَه؛ لأِنَّه عَقْدٌ جائِزٌ، فبَطَلَ بمَوتِ أحدِ المتعاقِدَينِ؛ كالوكالة.

(1)

في (ح): والغصوب.

(2)

في (ق): لتحديد.

(3)

في (ح): في.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4356.

(5)

في (ق): لا تصح.

(6)

في (ح): كالبيع.

ص: 497

وظاهِرُه: أنَّ وَرَثَةَ المتَّهِب لا تَقومُ مَقامَه، بل تَبطُلُ الهِبَةُ بمَوتِه في الأصحِّ.

فَرْعٌ: يَقْبِضُ أبٌ لطفْلٍ مِنْ نَفْسِه، والأصحُّ: لا يَحتاجُ قَبولاً.

ويَقبَلُ ويَقبِضُ للطِّفل والمجنون وَلِيُّهما، وقيل: وغَيرُه ممَّن يَقومُ بمصلحتهما إذا عُدِمَ، وأمِينُ الحاكِمِ كَهُوَ.

أصلٌ: يَصِحُّ قَبْضُ المميِّز وقَبولُه بلا إذْنِ وَلِيِّه، وقيل: يَتَوقَّفُ صحَّةُ قَبْضِه فقط على إذْنِه.

ولا تَصِحُّ

(1)

هِبَةٌ من صَغِيرٍ وسَفِيهٍ، ولو بإذن وَلِيِّهما.

وتصحُّ

(2)

الهِبةُ من العبد، وقِيلَ: بإذْنِ سيِّده، وما اتَّهَبَه عبدٌ غَيرُ مكاتَبٍ وقَبِلَه؛ فهو لِسَيِّده، ويَصِحُّ قَبولُه بلا إذْنِ سَيِّدِه، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، وقيل: لا يَقبَلُه إلاَّ بإذْنِه.

فإنْ قَبِلَه وقُلْنا: يَملِكُه؛ فهو له دُونَ سيِّدِه، وإلاَّ فلا، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .

(وَإِنْ أَبْرَأَ الْغَرِيمُ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ)، ولو اعْتَقَدَ أنَّه لَيسَ له عِنْدَه شيء

(4)

، ولو قَبْلَ وجوبه

(5)

، خِلافًا للحُلْوانِيِّ وغَيرِه، (أَوْ وَهَبَهُ لَهُ

(6)

، أَوْ أَحَلَّهُ مِنْهُ)، أوْ أَسْقَطه عنه، أوْ تَرَكَه، أوْ مَلَّكه، أوْ تصدَّقَ به عَلَيهِ، أوْ عَفَا عنه؛ (بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ، وَإِنْ رَدَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقْبَلْهُ) في المنصوص

(7)

؛ لأِنَّه إسْقاطُ حقٍّ، فلم يَفتَقِرْ إلى القَبول؛ كالعِتق، والطَّلاق، والشُّفْعة، وبهذا فارَقَ هِبَةَ المعَيَّنِ؛ لأِنَّه تمليكٌ.

(1)

في (ح): ولا يصح.

(2)

في (ح): ويصح.

(3)

ينظر: المغني 6/ 51.

(4)

قوله: (ولو اعتقد أنه ليس له عنده شيء) سقط من (ح) و (ق).

(5)

في (ظ): حلوله.

(6)

قوله: (له) سقط من (ظ) و (ق).

(7)

ينظر: الفروع 6/ 339.

ص: 498

وفي «المغْنِي» : في إبرائها له من المهْرِ

(1)

؛ هل هو إسْقاطٌ أوْ تمليكٌ؟ فيتوجَّه منه احْتِمالٌ: لا يَصِحُّ، وإنْ صحَّ اعْتُبِرَ قَبولُه.

وفي «الموجز» و «الإيضاح» : لا تَصِحُّ هِبةٌ إلاَّ في مُعَيَّنٍ.

وفي «المغْنِي» : وإنْ حَلَفَ لا يَهَبُه

(2)

، فأبْرَأَه؛ لم يَحنَثْ؛ لأِنَّ الهِبةَ تمليكٌ.

وعلى النَّصِّ يَصِحُّ، ولو كان المبْرَأُ منه مجهولاً، وفيه خِلافٌ، لكن لو جَهِلَه ربُّه، وكَتَمَه المدينُ خَوفًا من أنَّه لو عَلِمَه لم يُبرئْه؛ لم تَصِحَّ البَراءةُ.

ومن صُوَر البراءة من المجهول: لو أبْرَأَه من أحدهما، أو أَبْرَأَ أحدَهما، ويُؤخَذُ بالبيان، والمذهَبُ: لا يَصِحُّ

(3)

مع إبهام المحلِّ؛ كأبرأتُ أحدَ غَريمَيَّ.

ولو أَبْرَأَهُ مِنْ مائةٍ، وهو يَعْتَقِدُ أنَّه لا شَيءَ له عليه، وكانت عليه؛ ففي صحَّة البراءة وجْهانِ، أصْلُهما: ما لو باع مالاً كان لمورِّثه يَعتَقِدُ أنَّه باقٍ لمورِّثه

(4)

، وكان قد مات وانْتَقَل إليه.

(وَتَصِحُّ هِبَةُ الْمُشَاعِ)، جَزَمَ به الأكثرُ؛ لِمَا في الصَّحيح: أنَّ وَفْدَ هوازِنَ لَمَّا جاؤوا يَطْلُبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنْ يَرُدَّ عَلَيهم ما غنم

(5)

منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما كان لي ولبَنِي عبدِ المطَّلب فهو لكم»

(6)

، ولأِنَّه يَجُوزُ بَيعُه.

(1)

في (ق): المميز.

(2)

في (ظ): بهبة.

(3)

في (ق): لا تصح.

(4)

في (ح): لورثته، وفي (ظ): لموروثه.

(5)

قوله: (ما غنم) في (ح): متاعهم.

(6)

أخرجه بهذا اللفظ أحمد (6729، 7037)، وأبو داود (2694)، والنسائي (3688)، من طريق محمد بن إسحاق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإسناده حسن؛ من أجل ابن إسحاق، وقد صرح بالتحديث في طريقٍ عند أحمد، قال ابن عبد البر:(حديث متصل جيد الإسناد)، وحسنه ابن عبد الهادي والألباني، والقصة في البخاري (2583). ينظر: التمهيد 20/ 49، تنقيح التحقيق 4/ 214، الصحيحة (1973).

ص: 499

وظاهِرُه: سَواءٌ أمْكَنَ قِسْمتُه أوْ لا، لكن يُعتَبَر لقَبْضِه إذْنُ الشَّريك، قالَهُ في «المجرد» ، فيكون نصفُه مقبوضًا تملُّكًا، ونِصْفُ الشَّريك أمانةً، وقال في «الفنون»: بل عاريةً مضمونةً.

وفي «الرِّعاية» : مَنْ اتَّهَبَ مُبْهَمًا أوْ مُشاعًا، من منقولٍ أوْ غَيرِه، فأَذِنَ له شَريكُه في القَبض؛ كان سهمُه أمانةً مع المتَّهِب، أوْ يُوَكِّلُ المتَّهِب شريكَه في قَبْض سَهْمِه منه، ويَكونُ بيده أمانةً، وإنْ تنازَعا قَبَضَ لهما وكيلُهما أو أمينُ الحاكِمِ.

والأشْهَرُ: إنْ أَذِنَ له في التَّصرُّف مجَّانًا فَكَعارِيةٍ، وإنْ كان بأُجرةٍ فكَمَأْجُورٍ.

(وَ) تَصِحُّ (هِبَةُ كُلِّ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ)؛ لأِنَّه تمليكٌ في الحياة فصحَّ كالبيع.

وظاهِرُه: أنَّ ما لا يَجوزُ بَيعُه لا تَجوزُ هِبَتُه.

وفي أمِّ الوَلَدِ أوْجُهٌ.

وفي الكلب المعلَّمِ والصُّوف على الظَّهر وجْهانِ، وفي «المغني» و «الشرح» و «الوجيز»: تصحُّ هِبَتُه ونَجاسةٍ يُباحُ نَفْعُهما؛ كالوصيَّة.

نَقَلَ حَنْبَلٌ فِيمَنْ أهْدَى إلى رجلٍ كَلْبَ صَيْدٍ، تَرَى له أنْ يُثِيبَ عَلَيهِ؛ قال: هذا خِلافُ الثَّمَن، هذا عِوَضٌ من

(1)

شَيءٍ، فأمَّا الثَّمَنُ فلا

(2)

.

(وَلَا تَصِحُّ هِبَةُ الْمَجْهُولِ)؛ كالحَمْل في البطن، واللَّبَن في الضَّرْع، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ أبي داودَ وحرْبٍ

(3)

؛ لأِنَّه تمليكٌ، فلم يَصِحَّ في المجهول،

(1)

في (ح): في.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 408.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 277، زاد المسافر 3/ 408.

ص: 500

كالبَيع، وشَرْطُه: إلاَّ ما تعذَّر عِلْمُه كالصُّلْح، صرَّح

(1)

به الأئمَّةُ.

وقيل: لا تَصِحُّ

(2)

إنْ كان من الواهب دُونَ المتَّهِب؛ لاِنْتِفاء العِلَّة

(3)

.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا تصحُّ

(4)

هِبَةُ المعدوم، كالَّتي تَحمِلُ أَمَتُه أوْ شَجَرَتُه من باب أَوْلَى.

(وَمَا لَا

(5)

يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمَهِ)؛ كالآبِقِ، والشَّارِد، والمغْصوب لِغَيرِ غاصِبِه؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَفتَقِرُ إلى القَبض، أشْبَهَ البَيعَ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا وَهَبَه لغاصبه، أو لِمَنْ يَتَمَكَّنُ من أخْذه؛ صحَّ؛ لإمْكان قَبْضه، وليس لغَير الغاصب القَبْضُ إلاَّ بإذْن الواهِبِ.

فإنْ وكَّل المالِكُ الغاصبَ في تَقْبِيضِه؛ صحَّ، وإنْ وكَّل المتَّهِبُ الغاصِبَ في القَبْض له، فقَبِلَ، ومَضَى زَمَنٌ يُمكِنُ قَبْضُه فيه؛ صار مقبوضًا، ومَلَكه

(6)

المتَّهِبُ، وبَرِئَ الغاصب من ضَمانه، ذَكَرَه في «الشَّرح». وقِيلَ: تَصِحُّ هِبةُ غَيرِ مَقْدُورٍ عليه، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأِنَّه تمليكٌ بلا عِوَضٍ؛ كالوصيَّة، قال في «الفروع»: ويَتَوجَّه منه: هِبَةُ مَعْدومٍ وغَيرِه.

(وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ)، جَزَمَ به أكثرُ الأصحاب؛ لأنَّها

(7)

تمليكٌ لِمُعَيَّنٍ في الحياة، فلم يَجُزْ تعليقُها على شَرْطٍ؛ كالبيع، وما رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنْ رَجَعَتْ هَدِيَّتُنَا إلى النَّجاشِيِّ فهي لكِ»

(8)

، وعْدٌ لا هِبَةٌ.

(1)

في (ح): جزم.

(2)

في (ظ): لا يصح.

(3)

في (ق): العلم.

(4)

في (ح): لا يصح.

(5)

في (ح): ولا ما لا.

(6)

في (ظ): ويملكه.

(7)

في (ح): لأنه.

(8)

أخرجه أحمد (27276)، والطحاوي في شرح المشكل (347)، وابن حبان (5114)، والحاكم (2766)، من حديث أم كلثوم، وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وهو صدوق كثير الأوهام، وفيه والدة موسى بن عقبة، لا تُعرف، وصححه ابن حبان، وقال ابن حجر:(إسناده حسن)، وضعفه الألباني. ينظر: الفتح 5/ 222، الإرواء 6/ 62.

ص: 501

واسْتَثْنَى في «الفروع» ، وسَبَقَه إليه ابنُ شِهابٍ والقاضي: غَيرَ الموت؛ أيْ: مَوتِ المبْرِئ.

تنبيهٌ: لا يَصِحُّ تعليقُ الإبراء بشرطٍ، نَصَّ عليه فيمَنْ قال: إنْ مِتَّ فأنت في حِلٍّ

(1)

؛ لأِنَّه إنْ كان تمليكًا؛ فكتعليق الهِبَة، وإلاَّ فقد يقال: هو تمليكٌ من وَجْهٍ، والتَّعليقُ مشروعٌ في الإسقاط المحْضِ فَقَطْ، فإنْ ضَمَّ التَّاءَ؛ فوصيَّةٌ.

وعن أحمد: أنَّه جَعَلَ رجلاً في حِلٍّ مِنْ غِيبتِه

(2)

بشَرْطِ أنْ لا يَعودَ، قال: ما أحْسَنَ الشَّرطَ، فيتوجَّه فيهما روايتانِ.

وذَكَرَ الحُلْوانِيُّ: صحَّةَ الإبْراء بشَرطٍ، واحْتَجَّ بنَصِّه المذكورِ.

(وَلَا شَرْطُ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهَا، نَحْوَ: أَنْ لَا يَبِيعَهَا، وَلَا يَهَبَهَا)، أوْ بشَرطِ

(3)

أنْ يَبِيعَها، أو يَهَبَها، أوْ يَهَبَ فُلانًا شيئًا؛ لم يَصِحَّ الشَّرْطُ روايةً واحدةً، وكذا الهِبةُ، وفيها وجهٌ بناءً على الشُّروط الفاسدة في البَيع.

وإنْ وَهَبَ أَمَةً، واستَثْنَى حمْلَها؛ صحَّ في قياس قَولِه في العتق، وفيه تخريجٌ.

(وَلَا تَوْقِيتُهَا)، خِلافًا للحارِثِيِّ؛ (كَقَوْلِهِ: وَهَبْتُكَ هَذَا سَنَةً)؛ لأِنَّه تعليقٌ لاِنْتِهاء الهِبَة، وقيل: يَلْغُو تَوقِيتُه، وتَصِحُّ الهِبَةُ مُطْلَقًا.

(إِلاَّ فِي الْعُمْرىَ) والرُّقْبَى، فإنَّهما نَوعانِ من الهِبة، ويَصِحُّ تَوقِيتُهما، سُمِّيَتْ عُمْرَى؛ لِتَقْيِيدها بالعُمْرِ، وسُمِّيَتْ رُقْبَى؛ لأِنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَرْقُبُ مَوتَ صاحِبِه.

(1)

ينظر: الفروع 6/ 341.

(2)

في (ق): من عيبه.

(3)

في (ق): يشرط.

ص: 502

(وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: أَعْمَرْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ)، أَوْ أعْطَيتُك، (أَوْ أَرْقَبْتُكَهَا

(1)

، قال ابنُ القَطَّاع

(2)

: أرْقَبْتُك: أعْطَيْتُك

(3)

، وهي هِبَةٌ تَرجِعُ إلى المرْقِبِ إنْ ماتَ المرْقَبُ، وقد نُهي عنه

(4)

، والفاعِلُ منهما: مُعْمِرٌ، ومُرْقِبٌ -بكسر الميم الثانية

(5)

والقاف-، والمفعولُ بِفَتْحِهما.

وقال أبو السَّعادات: يقال: أعْمَرْتُه الدَّارَ؛ أي: جَعَلْتُها له يَسكُنُها مدَّةَ عمره

(6)

، فإذا مات عادت إليَّ، كذا كانوا يَفعَلُونَه في الجاهليَّة، فأبْطَلَ ذلك الشَّرعُ، وأعْلَمَهم أنَّ مَنْ أعَمْرَ شَيئًا أوْ أرْقَبَهُ في حياته؛ فهو له ولورثته من بَعْدِه

(7)

.

(أَوْ جَعَلْتُهَا لَكَ عُمُرَكَ)، أوْ عُمُرِي، (أَوْ حَيَاتَكَ)، أوْ ما بَقِيتَ؛ (فَإِنَّهُ)؛ أيْ: ذلك وهو العُمْرَى والرُّقْبَى (يَصِحُّ) في قَولِ أكثرِ العلماء.

وحُكِيَ عن بعضِهم ضِدُّه؛ لقوله عليه السلام: «لا تُعْمِرُوا ولا تُرْقِبُوا»

(8)

، هذا نَهيٌ، وهو يقتضي

(9)

الفسادَ.

(1)

قوله: (وهو أن يقول: أعمرتك

) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

هو: علي بن جعفر بن علي السعدي، أبو القاسم، المعروف بابن القطاع، أحد أئمة الأدب واللغة، من تصانيفه: الأفعال، أبنية الأسماء، وغيرهما، توفي سنة 515 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 3/ 332، سير أعلام النبلاء 19/ 433.

(3)

في (ظ): أو أعْطَيْتُك.

(4)

ينظر: كتاب الأفعال لابن القطاع 2/ 23.

(5)

في (ح): والثانية.

(6)

في (ح): عمر.

(7)

ينظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 298.

(8)

أخرجه أبو داود (3556)، والترمذي (3731)، وابن حبان (5127)، وصححه ابن حبان وابن دقيق العيد والألباني، وقال ابن عبد الهادي:(رواته ثقات). ينظر: المحرر (952)، البدر المنير 7/ 129، الإرواء 6/ 52.

(9)

في (ح): مقتضى.

ص: 503

وجوابُه: ما رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «العُمْرى جائزةٌ لأِهْلِها، والرُّقْبَى جائزةٌ لأِهْلِها» رواهُ أبو داودَ والتِّرْمذِيُّ وحسَّنَه

(1)

، والنَّهْيُ وَرَدَ على وَجْهِ الإعْلام لهم أنَّكم إنْ أعْمَرْتُم أوْ أرْقَبْتُم نَفَذَ للمعمَر

(2)

والمرقَب ولم يَعُدْ إليكم منه شَيءٌ، بدليلِ حديثِ جابِرٍ مرفوعًا: «مَنْ أعْمَرَ عُمْرَى فهي لِمَنْ أُعْمِرَها حيًّا وميتًا

(3)

، ولِعَقِبِه» رواه مسلِمٌ

(4)

.

ولو أُرِيدَ به حقيقةً؛ لم تُمنَعْ صحَّتُه؛ كطلاق الحائض، وصِحَّةُ العُمْرَى ضَرَرٌ على المعمِر، فإنَّ ملْكَه يَزولُ بغَيرِ عِوَضٍ، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَتَكُونُ

(5)

لِلْمُعْمَرِ

(6)

- بفَتْح الميم - ملْكًا في قَول جماعةٍ من الصَّحابة ومَنْ بَعْدَهم

(7)

؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ قال: «قضى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالعُمْرَى لِمَنْ وُهِبَتْ له»

(1)

أخرجه أحمد (14254)، وأبو داود (3558)، والترمذي (1351)، والنسائي (3739)، وحسنه الترمذي، وصححه الألباني، وأخرجه مسلم (1625)، بلفظ:«العُمرى ميراث لأهلها» ، وأخرجه البخاري (2626)، بعد أن ساق حديث قتادة، قال: حدثني النضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة مرفوعًا:«العُمرى جائزة» ، وقال عطاء: حدثني جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، وبين ابن حجر أن هذا الطريق موصولة بالإسناد قبله، ووَهَّم من قال إنه عند البخاري معلق، وحديث أبي هريرة عند مسلم (1626). ينظر: الفتح 5/ 240، الإرواء 6/ 55.

(2)

في (ح): للعمر.

(3)

في (ق): أو ميتًا.

(4)

أخرجه مسلم (1625).

(5)

في (ظ): ويكون.

(6)

في (ح): للعمرى.

(7)

روي عن جابر وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم كما في المغني 6/ 68.

أثر جابر رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1625)، عنه في قصة، فيها:«أن جابرًا شهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعُمرى لصاحبها» .

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي في الأم (4/ 66)، وعبد الرزاق (16877)، وابن أبي شيبة (22624)، والبيهقي في الكبرى (11982)، عن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت عند ابن عمر، فجاءه رجل من أهل البادية فقال: إني وهبت لابني هذا ناقة في حياته، وإنها تناتجت إبلاً، فقال ابن عمر:«هي له حياته وموته، فقال: إني تصدقت عليه بها، قال: «ذلك أبعد لك منها» ، وإسناده صحيح.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (16885)، وابن أبي شيبة (22629)، والنسائي (3712)، عن طاوس، عن ابن عباس قال:«من أعمر عُمرى فهي له ولورثته» ، وإسناده صحيح.

ص: 504

متَّفقٌ عليه

(1)

، ورواه مالِكٌ في «الموطَّأ»

(2)

، (وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ)؛ لِمَا رَوَى زَيدُ ابنُ ثابِتٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ العُمْرَى للوارث»

(3)

؛ لأِنَّ الأمْلاكَ المستقِرَّةَ كلَّها مقدَّرةٌ بحياة المالك، وتَنتقِلُ إلى الوَرَثةِ، فلم يَكنْ تقديرُه بحياته مُنافِيًا لحكم الأملاك، فإنْ عُدِمُوا؛ فَلِبَيت المال دُونَ ربِّها، نَصَّ عليه

(4)

.

ومُقْتَضاه: أنَّه إذا أضافها إلى عُمْرِ غَيرِه أنَّها لا تَصِحُّ.

وعنه: تَرجِعُ

(5)

بَعْدَ مَوتِ المعمَر إلى المعمِر، وقاله الليث؛ لِقَول جابِرٍ:«إنَّما العُمْرَى الَّتي أجازها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يقولَ: هي لك ولِعَقِبِكَ، أمَّا إذا قال: هي لك ما عِشْتَ، فإنَّها تَرجِعُ إلى صاحبها»

(6)

، وليس بظاهِرٍ، مع أنَّه حَمَلَ قَولَه على تمليك المنافِعِ.

وجوابُه: بأنَّه قَضَى بها طارِقٌ بالمدينة بأمْرِ عبد الملك بن مَرْوانَ

(7)

،

(1)

أخرجه البخاري (2625)، ومسلم (1625).

(2)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 756)، بسند صحيح، لكن بلفظ:«أيما رجل أعمر عُمرى له ولعقبه، فإنها للذي يعطاها، لا ترجع إلى الذي أعطاها أبدًا، لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث» .

(3)

أخرجه أحمد (21586)، والنسائي (3716)، وابن ماجه (2381)، وفي إسناده اختلاف أشار إليه النسائي، وأخرجه ابن حبان (5132)، بلفظ:«العُمرى سبيلها سبيل الميراث» ، وهو حديث صحيح ورجاله ثقات.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2728.

(5)

في (ظ): يرجع.

(6)

أخرجه مسلم (1625).

(7)

أخرجه مسلم (1625).

ص: 505

وقَولُ بعضِهم: إنَّها تمليكُ المنافِعِ، لا يَضُرُّ إذا نَقَلَها الشَّارعُ إلى تمليك الرَّقبة؛ كالمنقولات الشَّرعيَّة.

أمَّا لو قال: أعْمَرْتُكَ هذه الدَّارَ ولِعَقِبِكَ؛ فلا خِلافَ عندنا

(1)

في الصِّحَّة، كما اقْتَضاه كلامُه في «الكافي» ، وذِكْرُ العَقِبِ تأْكِيدٌ.

تنبيهٌ: لَيسَ ذلك خاصًّا بالعَقار، بل يجري فِيهِ، وفي الحيوان والثياب

(2)

، نَقَلَ يعقوبُ وابنُ هانِئٍ: مَنْ يُعْمِرُ الجاريةَ أيطأ؟ قال: لا أراه

(3)

، وحَمَلَه القاضي على الوَرَع؛ لأِنَّ بعضَهم جَعَلَها تمليكَ المنافِعِ.

ورَوَى سعيدٌ بإسْناده عن الحَسَنِ: أنَّ رجلاً أعْمَرَ فَرَسًا حياتَه، فخاصَمَه بَعْدَ ذلك إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال عليه السلام:«مَنْ مَلَكَ شَيئًا حَيَاتَهُ؛ فهو لِوَرَثَته بَعدَه»

(4)

، والإنسانُ إنَّما يَمْلِكُ الشَّيءَ عُمْرَه، فقد

(5)

وقَّته بما هو مؤقَّتٌ به في الحقيقة، فصار كالمطْلَق.

(وَإِنْ شَرَطَ رَجُوعَهَا

(6)

إِلَى الْمُعْمِرِ

(7)

عِنْدَ مَوْتِهِ) إنْ ماتَ قَبْلَه، أوْ إلى غَيرِه، وتُسَمَّى الرُّقْبَى، أوْ رجوعَها مطلَقًا إليه، أوْ إلى وَرَثَتِه، (أَوْ قَالَ: هِيَ لآِخِرِنَا مَوْتًا؛ صَحَّ الشَّرْطُ)؛ كالعَقْد على الأصحِّ؛ لقَوله عليه السلام: «المسْلِمونَ

(1)

في (ح): فيها.

(2)

في (ح): والنبات.

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 55، الوقوف والترجل ص 47.

(4)

لم نقف على مرسل الحسن في سنن سعيد، وأخرجه عبد الرزاق (16881)، وسريج بن يونس في القضاء (ص 37)، عن الحسن مرسلاً. وأخرجه سعيد بن منصور (266)، عن هشيم، أخبرنا مغيرة، عن إبراهيم، عن شريح، أنه قال:«من ملك شيئًا حياته؛ فهو لورثته من بعد موته» ، وأخرجه عبد الرزاق (16880)، وابن أبي شيبة (22627)، والبيهقي في الكبرى (11986)، عن شريح مرسلاً، وفيه قصة.

(5)

في (ح): بعد.

(6)

في (ح): رجوعه.

(7)

في (ح): العمر.

ص: 506

على شُروطِهم»

(1)

، قال القاسِمُ:(ما أدْرَكْتُ النَّاسَ إلاَّ على شُروطِهم)

(2)

، وحِينَئِذٍ يُعمَلُ بالشَّرط.

(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ) الشَّرْطُ، نَصَّ عليه في روايةِ أبي طالِبٍ

(3)

، وفي «المغْنِي»: هو ظاهر المذهب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لِمَا رَوَى أحمدُ بإسناده مرفوعًا، قال:«لا عُمْرَى ولا رُقْبَى، فمَنْ أعْمَر شَيئًا أوْ أرْقَبَه؛ فهو له حياتَه ومَوتَه»

(4)

، وهذا صريحٌ في إبْطالِ الشرط؛ لأِنَّ الرُّقْبَى يُشْتَرَط فيها عَودُها إلى المرقِب إن

(5)

مات الآخَرُ قَبلَه.

(وَتَكُونُ لِلْمُعْمَرِ

(6)

وَلِوَرَثَتِهِ مِنْ بَعْدِهِ)؛ لقَوله عليه السلام: «مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَيَاتَهُ؛ فَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ»

(7)

.

وعَنْهُ: بطلانُهما؛ كالبيع.

(1)

سبق تخريجه 4/ 489 حاشية (8).

(2)

ينظر: الموطأ (2/ 756).

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 50.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (16920)، وأحمد (4906)، والنسائي (3732)، وابن ماجه (2382)، وابن الجارود (990)، من طريق عطاء، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وحبيب بن أبي ثابت ثقة كثير الإرسال والتدليس، ووقع خلاف في تصريح حبيب بالسماع لهذا الحديث، ورجح النسائي رواية عطاء؛ لأنه أثبت ممن ذكر السماع، واختلف في سماع حبيب من ابن عمر، فنفى ابن المديني سماعه من صحابي إلا من ابن عباس وعائشة، وأثبت سماعه منه البخاري ومسلم وابن خزيمة، واختلف في رفع هذا الحديث ووقفه، ورجح الدارقطني وقفه، وصححه مرفوعًا ابن الجارود والألباني. ينظر: العلل لابن المديني (ص 66)، التاريخ الكبير 2/ 313، الكنى لمسلم 2/ 905، علل الدارقطني 12/ 431، الإرواء 6/ 53.

(5)

في (ح): الرقب وإن.

(6)

في (ظ): لمعمر.

(7)

سبق تخريجه 6/ 506 حاشية (4).

ص: 507

فَرْعٌ: إذا قال: سُكْناهُ لك عُمُرَك، أوْ غَلَّتُه، أوْ خِدْمتُه لك، أو مَنَحْتُكَه؛ فهو عاريةٌ، نَقَلَه الجماعةُ

(1)

؛ لأِنَّه في التَّحقيق هِبَةُ المنافِع، والمنافِعُ إنَّما تُسْتَوْفَى بمُضِيِّ الزَّمان شَيئًا فَشَيئًا، وتَبطُلُ بمَوتِ أحدِهما.

تنبيه: إذا وَهَبَ أوْ باع فاسِدًا، ثُمَّ تصرَّف في العَين بعَقْدٍ صحيحٍ مع عِلْمِه بفَسادِ الأوَّل؛ صحَّ الثَّاني؛ لأِنَّه تَصَرَّفَ في ملْكِه عالِمًا بأنَّه ملْكُه.

وإنِ اعْتَقَدَ صحَّةَ الأوَّل؛ ففي الثَّاني وجْهانِ، كما لو تصرَّف في عَينٍ يَعتقِدُ أنَّها لأِبِيهِ، فَبَانَ أنَّه قد مات ومَلَكَها.

قال القاضِي: أصْلُهما: مَنْ باشَرَ بالطَّلاق امرأةً يَعتَقِدُها أجْنَبِيَّةً، فبانَت امْرأتَه، أو باشَرَ بالعتق مَنْ يَعتَقِدُها حُرَّةً فبانت أَمَتَه

(2)

، ففي وُقوعِهما رِوايَتانِ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2729، مسائل صالح 1/ 434، مسائل ابن هانئ 2/ 56، الوقوف والترجل ص 44.

(2)

في (ظ): أمة.

ص: 508

(فَصْلٌ)

(وَالْمَشْرُوعُ فِي عَطِيَّةِ الْأَوْلَادِ: الْقِسْمَةُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ)؛ أيْ: يَجِبُ التَّعديلُ في عَطِيَّة أوْلادِه؛ للذَّكَر مِثْلُ حظِّ الأنْثَيَيْنِ؛ اقْتِداءً

(1)

بقسمة الله تعالى، وقِياسًا لحال الحياة على حال الموت، قال عَطاءٌ:(ما كانوا يَقْتَسِمونَ إلاَّ على كتاب الله تعالى)

(2)

، وقالَهُ عطاء، وشُرَيحٌ، وإسْحاقُ.

وقِيلَ: لصُلْبه، وذَكَرَه الحارِثِيُّ، لا وَلَدِ بَنِيهِ

(3)

وبَناتِه؛ للحقيقة.

وعَنْهُ: يُسْتَحَبُّ ذَكَرٌ كأنْثَى، وقاله أكثرُ العلماء؛ لقوله عليه السلام لِبَشِيرٍ بن سعدٍ:«سَوِّ بينَهم»

(4)

، وكالنَّفقة.

وجَوابُه: أنَّ الذَّكَرَ أحوج

(5)

منها من جِهَةِ أنَّ الصَّداقَ والنَّفَقةَ عَليهِ، بخِلافها، وحديثُ بَشِيرٍ قضيَّةٌ في عَينٍ، وحِكايةُ حالٍ لا عُمومَ لها، إنَّما يَثْبُتُ حكمُها في مِثْلِها، ولا يُعلَمُ حالُ أوْلادِ بَشِيرٍ هل كان فِيهم أُنْثى أو لا، ثُمَّ تُحمَلُ التَّسْوِيةُ على القسمة على كتاب الله تعالى، ويَحتَمِلُ: أنَّه أراد التَّسويةَ في أصْلِ العَطاءِ.

وعَنْهُ: لا يَجِبُ التَّعْديلُ في النَّفَقة؛ كشَيْءٍ تافه، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

، وقال أبو يعلى الصَّغيرُ: كشَيءٍ يَسِيرٍ.

وعَنْهُ: بلى، مع تَساوِي فَقْرٍ أوْ غِنًى، نَقَلَ أبو طالِبٍ: لا يَنْبَغِي أنْ يُفضِّلَ

(1)

في (ق): ابتداء.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (292).

(3)

في (ق): بنته.

(4)

سيأتي ذكره قريبًا.

(5)

في (ح) و (ق): أخرج.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 412.

ص: 509

أحَدًا مِنْ وَلَدِه في طعامٍ وغَيرِه

(1)

، قال إبراهيمُ:(كانوا يَسْتَحِبُّون التَّسْوِيةَ بَينَهم حتَّى في القُبَلِ)

(2)

، فدخَلَ فِيهِ: نَظَر وَقْفٍ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ التَّعديلُ بَينَ غَيرِهم، بل ذلك مخصوصٌ بالأوْلاد فقطْ، جَزَمَ به المؤلِّفُ في كُتُبِه، وزَعَمَ الحارِثِيُّ أنَّه المذْهَبُ، وأنَّ عَلَيه المتقدِّمين من أصحابنا، قال في «الفروع»:(وهو سَهْوٌ)؛ إذ الأصلُ تصرُّفُ الإنسان في ماله كَيفَ شاء، خَرَجَ منه الأوْلادُ؛ للخبر، مع أنَّه عليه السلام لم يَسألْ بَشِيرًا هل لك وارثٌ غَيرُ وَلَدِك أمْ لَا؟

واخْتار الأكثرُ: أنَّ بقيَّةَ الأقارب كالأولاد، نَصَّ عليه

(3)

، وهو المذهبُ؛ لأِنَّ المنْعَ من ذلك كان خَوفَ قطيعةِ الرَّحِم والتَّباغُض، وهو موجودٌ في الأقارِبِ.

والأمُّ كالأب فِيمَا ذَكَرْنا؛ لأِنَّها أَحَدُ الأبَوَينِ، أشْبَهت الأبَ، ولوجود المعنى المقْتَضِي للمَنْع.

(فَإِنْ خَصَّ بَعْضَهُمْ، أَوْ فَضَّلَهُ؛ فَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بِالرُّجُوعِ أَوْ إِعْطَاءِ الآْخَرِ

(4)

حَتَّى يَسْتَوُوا)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، وجَزَمَ به الأصْحابُ؛ لِمَا رَوَى النُّعمانُ بنُ بَشِيرٍ، قال: تَصَدَّقَ علَيَّ أبِي ببَعْضِ مالِه، فقالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بنتُ رَوَاحَةَ: لا أَرْضَى حتَّى تُشْهِدَ عَلَيهَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فجاء أَبِي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لِيُشْهِدَه، فقال:«أَكُلَّ وَلَدِكَ أعْطَيتَ مِثْلَه؟» قال: لا، قال:«اتَّقُوا اللهَ واعْدِلُوا بَينَ أوْلادِكم» ، قال: فَرَجَعَ أَبِي، فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدقةَ، وفي لَفْظٍ:«فارْدُدْهُ» ، وفي

(1)

ينظر: الفروع 7/ 413.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30995)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (37)، وإسناده صحيح.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 413.

(4)

في (ح): الأخرى.

(5)

ينظر: مسائل صالح 1/ 437، مسائل عبد الله ص 314، مسائل ابن هانئ 2/ 54.

ص: 510

لفظٍ: «فارْجِعْهُ» ، وفي لَفْظٍ:«لا تُشْهِدْنِي على جَورٍ» ، وفي لفظٍ:«فأشْهِدْ على هذا غَيرِي» ، وفي لَفْظٍ:«سَوِّ بَينَهم» مُتَّفَقٌ عَلَيه

(1)

. وذلك يَدُلُّ على التَّحريم؛ لأِنَّه سمَّاه جَورًا وأَمَرَ بِردِّه، وامْتَنَعَ من الشَّهادة عَلَيهِ، ولا شَكَّ أنَّ الجَورَ حرامٌ، والأمرُ يَقتَضِي الوُجوبَ، وهو يُورِثُ العَداوةَ والبَغْضاءَ وقَطِيعةَ الرَّحِم، فمُنِعَ منه؛ كتَزْويج المرأة على عَمَّتها.

وقِيلَ: يَجوزُ تَفضِيلُ أحدِهم، واخْتِصاصُه

(2)

لِمَعْنًى فيه، ويُكرَهُ إنْ كان على سبيل الأثَرَة، اخْتارَه المؤلِّفُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» .

وقال اللَّيثُ والثَّلاثةُ

(3)

: يَجوزُ ذلك مطلَقًا؛ لأِنَّ «أبا بَكْرٍ نَحَلَ عائشةَ جَداد عشرين وسقًا دُونَ سائِرِ وَلَدِه»

(4)

، واحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بقَوله:«أشْهِدْ على هذا غَيرِي» ، فأَمَرَه بتأْكيدها دُونَ الرُّجوعِ فِيهَا؛ لأِنَّه عَطِيَّةٌ تَلزَمُ بمَوت المعْطِي؛ كالتَّسْوِية.

وجوابُه: بأنَّ فِعْلَ أبي بكرٍ لا يُعارِضُ ما تقدَّم، وبأنَّه نحلها

(5)

لِمَعْنًى فيها لا يُوجَدُ في غَيرها من أولاده، أوْ كان قاصدًا بأنْ يَنحَلَ غَيرَها فأدْرَكَتْه الوفاةُ، وبأنَّ قَولَه:«أشهد» إلى آخِرِه، لَيسَ بأمْرٍ؛ لأِنَّ أدْنَى أحْوالِه الاِسْتِحْبابُ، ولا خِلافَ في كراهته مع أنَّه لو كان أمْرًا لَبادَرَ إلى امْتِثالِه، وإنَّما هو تهديدٌ.

(1)

أخرجه البخاري (2587، 2650)، ومسلم (1623)، وجميع الألفاظ في الصحيحين عدا لفظة:«سَوِّ بينهم» ، فهي عند أحمد (18359)، والنسائي (3686).

(2)

في (ظ): أو اختصاصه.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 6/ 127، إرشاد السالك ص 106، المجموع للنووي 15/ 367، الكافي 2/ 259.

(4)

تقدم تخريجه 6/ 494 حاشية (5).

(5)

في (ظ): يحلها.

ص: 511

وظاهِرُه: أنَّه إذا خَصَّ بعضَهم بإذْنِ الباقي، أو

(1)

كان لِمَعْنًى؛ كزَمانَةٍ، أوْ عَمًى، أوْ طَلَبِ عِلْمٍ؛ جازَ.

وأنَّه لا فَرْقَ في ذلك بَينَ الصِّحَّة والمرض. وعَنْهُ: لا يَنفُذُ في مَرَضِه، ونَقَلَ الميْمونِيُّ مَعْناهُ

(2)

، قال أبو الفرج: يُؤمَرُ بِرَدِّه.

(فَإِنْ مَاتَ

(3)

الواهِبُ (قَبْلَ ذَلِكَ؛ ثَبَتَ لِلْمُعْطَى)، ولَزِمَ، ولَيسَ لبقيَّة الورثة الرُّجوعُ، نَصَّ عليه

(4)

، واختاره الخَلاَّلُ وصاحِبُه والخِرَقِيُّ، وأكثرُ العلماء؛ لقول أبِي بكرٍ لعائشةَ رضي الله عنهما:«وَدِدْتُ أنَّكِ حزتيه»

(5)

، فدلَّ أنَّها لو كانَتْ حازَتْه

(6)

لم يكن لهم الرُّجوعُ، ولقول عمرَ

(7)

، ولأنَّها عطيَّةٌ لِوَلَده، فَلَزمَت بالموت؛ كما لو انفرد.

فإنْ كان في المرض؛ فقد خالَفَ، ويَقِفُ على إجازة بقيَّة الورثة، لكن إنْ كانت العطيَّةُ في المرض لِيُسَوِّيَ بَينَهم؛ فقد توقَّف أحمدُ

(8)

، والأشْهَرُ الجَوازُ؛ لأِنَّه طريقٌ لِفِعْلِ الواجِبِ.

(وَعَنْهُ: لَا يَثْبُتُ، وَلِلْبَاقِينَ الرُّجُوعُ، اخْتَارَهُ أَبُو عَبْدِ اللهِ بْنُ بَطَّةَ)، وأبو حَفْصٍ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(9)

، قال أحمدُ

(10)

: (عروة قد رَوَى حديثَ

(1)

في (ح): لو.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 413.

(3)

في (ح): فإن ما هبَّ.

(4)

ينظر: مسائل صالح 1/ 299، الروايتين والوجهين 1/ 439.

(5)

تقدم تخريجه 6/ 494 حاشية (5).

(6)

في (ق): جارية.

(7)

تقدم تخريجه 6/ 495 حاشية (1).

(8)

ينظر: مسائل عبد الله ص 387.

(9)

ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 310.

(10)

ينظر: المغني 6/ 60.

ص: 512

عمرَ وعثمانَ وعائشةَ

(1)

وتَرَكَها، وذهب إلى حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، يُردُّ

(2)

في حياة الرَّجل وبَعْدَ مَوته

(3)

، ولأِنَّه عليه السلام سمَّى ذلك جَورًا، وفي روايةٍ لمسلِمٍ:«إنَّي لا أشْهَدُ إلاَّ على حقٍّ»

(4)

، وغيرُ الحقِّ والجَورُ لا يَحِلُّ فِعْلُه، ولا يَختَلِفُ بالحياة والموت، ولا يَطِيبُ أكْلُه، ويتعيَّن ردُّه.

وعنه: أنَّها باطِلةٌ، واختارها الحارِثِيُّ.

وقال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: قَولُهم لو حَرُم لَفَسَدَ، والتَّحريمُ يَقْتَضِي الفَسادَ في روايةٍ لا في أخرى، بدليلِ قَوله في الصَّلاة في دارِ غَصْبٍ، فدلَّ على الخِلاف.

أصلٌ: لا يُكرَه للحيِّ قَسْمُ ماله بَينَ أولاده، نَقَلَه الأكثرُ، وعنه: بلى، ونقل ابنُ الحَكَم: لا يُعجِبُنِي.

فإنْ حَدَثَ له وارِثٌ؛ سوَّى نَدْبًا، قدَّمه جماعةٌ، وقيل: وُجوبًا، قال أحمدُ: أعْجَبُ إليَّ أن

(5)

يُسَوِّيَ

(6)

، اقْتَصَرَ عليه في «المغني» .

(وَإِنْ سَوَّى بَينَهُمْ فِي الْوَقْفِ)، ذَكَرٌ كأنْثَى؛ جاز، قاله القاضي، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ القَصْدَ القُربةُ على وَجْهِ الدَّوام، وقد اسْتَوَوْا في القرابة، نقل ابنُ الحَكَم: لا بأْسَ، قِيلَ: فإنْ فَضَّلَ؟ قال: (لا يُعجِبُنِي على وَجْه

(1)

تقدم تخريج أثر عمر وعثمان وعائشة مع أبي بكر رضي الله عنهم، إلا أن أثر عثمان لم نقف عليه من طريق عروة. ينظر: 6/ 494 - 495 - 496.

وقول عروة: أخرجه ابن حزم (8/ 97)، من طريق عبد الرزاق بسنده أنه قال:«يُرَدُّ من حَيفِ الناحل الحي ما يُردُّ من حيف الميت من وصيته» .

(2)

في (ح): ترد.

(3)

الظاهر مراده: حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، الذي أخرجه مسلم (1624).

(4)

أخرجه مسلم (1624).

(5)

قوله: (أن) سقط من (ح) و (ق).

(6)

ينظر: زاد المسافر 3/ 411.

ص: 513

الأَثَرة إلاَّ لِعِيالٍ بقَدْرهم أوْ حاجةٍ)

(1)

؛ لأِنَّ الزُّبَيرَ خَصَّ المردودةَ من بناته دون المستَغْنِيةِ منهنَّ بِصَدَقَتِه

(2)

.

واختار المؤلِّفُ: أنَّه يُسْتَحَبُّ أنْ يَقسِمَ بَينَهم كقِسمة الميراث؛ لأِنَّه إيصال

(3)

المال إليهم، فيكونُ على حَسَبِ الميراث، وذَكَرَ أنَّ قَولَ القاضي لا أصْلَ له، وهو مُلْغًى بالعَطِيَّة والهِبَة؛ لأِنَّ الوَقْفَ لا يَنقُلُ الرَّقَبةَ، أو يَنقُلُها على وَجْهٍ من القُصور، بخِلاف الهِبَة.

(أَوْ وَقَفَ ثُلُثَهُ فِي مَرَضِهِ)، أوْ وصَّى بِوَقْفِه، (عَلَى بَعْضِهِمْ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ

(4)

، اختاره القاضِي والأكثرُ، واحتجَّ الإمامُ: بأنَّ «عمرَ جَعَلَ أمْرَ وَقْفِه إلى حَفْصةَ تأكل

(5)

منه وتَشْتَرِي رقيقًا»

(6)

، ولأِنَّ الوَقْفَ لَيسَ في مَعْنَى المال، فهو كعِتْقِ الوارث، وكالوقْفِ على الأجانب.

وعلَّل في روايةِ الميمونيِّ: بأنَّ الوَقْفَ غَيرُ الوصيَّة

(7)

؛ لأِنَّه لا يُباعُ، ولا يُورَثُ، ولا يَصيرُ ملْكًا للوَرَثَة يَنتَفِعُون بِغَلَّتِها.

(وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: لَا يَجُوزُ)، ظاهِرُه: أنَّه لا نَقْلَ فيها عن الإمام، لكن نَصَّ في روايةِ إسْحاقَ بنِ إبراهيمَ فِيمَنْ وصَّى لأِوْلادِ بِنْتِه بأرضٍ تُوقَفُ، فقال: إنْ لم يَرِثُوهُ فجائزٌ

(8)

. فظاهِرُه: أنَّه لا يَجوزُ الوقْفُ على وارِثٍ في المرض، اختارها أبو حَفْصٍ وابن عَقِيلٍ، وذَكَرَها أبو الخَطَّاب، ورجَّحها في

(1)

ينظر: الفروع 7/ 414.

(2)

تقدم تخريجه 6/ 417 حاشية (7).

(3)

في (ح): اتصال.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 41.

(5)

في (ح): يأكل.

(6)

تقدم تخريجه 6/ 494 حاشية (5).

(7)

ينظر: الوقوف والترجل ص 42، الروايتين والوجهين 1/ 437.

(8)

ينظر: الوقوف والترجل ص 62.

ص: 514

«المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه تخصيصٌ لبعض وَرَثَتِه بماله في مَرَضِه، فَمُنِعَ منه كالوصيَّة، وإلْحاقًا له بالهِبة.

وحديثُ عمرَ ليس فيه تخصيصٌ لبعض الورثة بالوَقْفِ؛ لأِنَّه جَعَلَ الولايةَ إليها، وليس ذلك وَقْفًا عليها، وكونُه انْتِفاعًا بالغَلَّة لا يَقتَضِي جوازَ التَّخصيص، كما لو أوصى لوارثٍ بمنفعةِ عبدٍ، وحُمل كلامُه على أنَّه

(1)

وقْفٌ على الوَرَثَة، فعَنْهُ: كهِبَةٍ، فتَصِحُّ بالإجازة، وعنه: لا إنْ قِيلَ هبةٌ، وعنه: تَلزَمُ

(2)

في ثُلُثِه، وهي أشْهَرُ.

تنبيهٌ: إذا وَقَفَ دارَه في مَرَض مَوتِه، وهِيَ تَخرُج مِنْ ثُلُثِه، على ابنه وبنته

(3)

نَصفَينِ؛ جاز على المنصوص

(4)

، ولَزِمَ؛ لأِنَّه لما كان له تخصيصُ البِنْتِ بها، فَبِنصْفِها أَوْلَى.

وعلى المنصور في «المغْنِي» وغَيرِه: إنْ أجازَ الاِبْنُ جازَ، وإن ردَّه؛ بَطَلَ الوَقْفُ فيما زاد على نصيب الاِبْنِ، وهو السُّدُس، ويَرجِع إلى الابن ملكًا

(5)

، فيكون له النِّصفُ وقْفًا، والسُّدُسُ ملْكًا، والثُّلُثُ للبنت جميعُه وقْفًا.

وقِيلَ: يَبطُل الوقْفُ في نصف ما وَقَف على البنت وهو الرُّبع، ويبقى ثلاثةُ أرباعها وقْفًا، نصفُها للابن ورُبعها للبنت، والرُّبع الَّذي بَطَلَ الوقْفُ فيه بَينَهما أثلاثًا، وتصحُّ من اثْنَيْ عَشَر؛ للابن ستَّةُ أسْهُمٍ وَقْفٌ وسَهمان ملكٌ، وللبنت ثلاثةُ أسْهُمٍ وَقْفٌ وسَهْمٌ ملْكٌ.

ولو كان لا يَملِكُ غَيرَها، وقُلْنا: يَلزَمُ في الثُّلث فَرَدَّا؛ فثُلُثها

(6)

وَقْفٌ

(1)

قوله: (على أنه) في (ق): بأنه.

(2)

في (ظ): يلزم.

(3)

في (ح): وبنتيه.

(4)

ينظر: المغني 6/ 27.

(5)

في (ح) و (ق): تمليكًا. والمثبت موافق للمغني 6/ 27.

(6)

في (ح): مثلها.

ص: 515

بَينَهما بالسَّوِيَّة، وثُلُثاها مِيراثًا، وإنْ رَدَّ ابنُه؛ فله ثُلُثا الثُّلُثَينِ إرْثًا ولِبِنْتِه ثُلُثُها وَقْفًا، وإنْ رَدَّتْ؛ فلها ثُلُثُ الثُّلُثَينِ إرْثًا، ولاِبْنه نِصفُها وقْفًا وسُدُسُها إرْثًا؛ كردِّ الموقوف عليه.

فَرْعٌ: لا يَصِحُّ وقْفُ زائدٍ على الثُّلُث على أجنبيٍّ، جزم به المؤلِّفُ وجماعةٌ، وأطْلَقَ بعضُهم وَجْهَينِ، وكذا على وارثٍ ولو حيلةً؛ كوَقْفِ مريضٍ ونحوِه على نفسِه ثُمَّ عليه.

(وَلَا يَجُوزُ)؛ أيْ: لا يحلُّ (لِوَاهِبٍ أَنْ يَرْجِعَ فِي هِبَتِهِ) اللاَّزِمةِ، كذا في «الرِّعاية» و «الوجيز»؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «العائِدُ في هِبَتِه كالكَلْبِ يَقِيءُ ثُمَّ يَعُودُ فِي قَيئِه» متَّفَقٌ عليه

(1)

، ولأِحمدَ والبخاريِّ:«لَيسَ لنا مَثَلُ السَّوء»

(2)

، وفي روايةٍ لأِحمدَ: قال قَتادةُ: (ولا أعْلَمُ القَيْءَ إلاَّ حرامًا)

(3)

، وكالقِيمة.

وظاهره: وإنْ لم يُثَبْ عَلَيها، صرَّح به في «المحرَّر» ، وكذا حُكمُ الهَدِيَّة.

(إِلاَّ الْأَبَ)، فله الرُّجوعُ في أظهر الرِّوايات عنه، وصحَّحه ابنُ حمدانَ، وهو المذهبُ عند الشَّيخَينِ؛ لِمَا رَوَى عمرُ

(4)

وابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا: «لا يَحلُّ للرَّجُل أنْ يُعطِيَ العطيَّةَ فيَرجِعَ فيها، إلاَّ الوالد فيمَا يُعْطِي وَلَدَه» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمذِيُّ

(5)

، وسَواءٌ قَصَدَ برجوعه التَّسويةَ بَينَ أوْلادِه أوْ لَا.

(1)

أخرجه البخاري (2589)، ومسلم (1622).

(2)

أخرجه أحمد (1872)، والبخاري (6975).

(3)

أخرجه أحمد في المسنده (2646).

(4)

صوابه: ابن عمر، كما في شرح الزركشي 311/ 4، ومصادر الحديث.

(5)

أخرجه أحمد (2119)، وأبو داود (3539)، والترمذي (2132)، والنسائي (3703)، وابن ماجه (2377)، وابن الجارود (994)، من طريق عمرو بن شعيب، عن طاوس، عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم مرفوعًا، قال الترمذي:(حسن صحيح)، وقال الدارقطني:(إسناده محفوظ)، وقال البيهقي:(رواه الثقات عن عمرو بن شعيب). ينظر: خلاصة البدر 2/ 121.

ص: 516

وظاهِرُه: لا فَرْقَ فيه بين المسلِم والكافِرِ في ظاهر كلامهم.

وفي «الاختيارات» : مَنْعُ الأب الكافِرِ أنْ يَرجِعَ فِيمَا أعْطَى وَلَدَه الكافِرَ ثُمَّ أسْلَمَ، فإنْ كان في حال إسْلامِ الولد؛ فَفِيهِ نَظَرٌ

(1)

.

ومُقْتَضاهُ: أنَّ الأمَّ لا رُجوعَ لها، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، قال في رواية الأثْرَمِ: لَيستْ هِي عِنْدِي كالرَّجل؛ لأِنَّ له أنْ يأخُذَ من مال ولده بخلاف الأمِّ

(2)

؛ ولِولايَتِه وحيازته جميعَ المال.

وقيل: بلى، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وصحَّحه في

(3)

«المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لقوله عليه السلام: «سَوُّوا بَينَ أوْلادكم»

(4)

.

ولا للمرأة فِيما تَهَبُ زَوْجَها، وهو إحدى الرِّوايات؛ لقوله تعالى:{إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ} الآية [البَقَرَة: 237].

وعنه: لها الرُّجوعُ مطلَقًا، نَقَلَها الأثرمُ، وحكاه الزُّهريُّ عن القُضاة

(5)

، وأطلقهما في «المحرَّر» و «الفروع» ، وقيَّداه بمسألته، وسيأتي.

(وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ)؛ كالجَدِّ؛ لعُموم ما سَبَقَ، وفِيهِ وَجْهٌ ذَكَرَه ابنُ رَزِينٍ.

(1)

ينظر: الاختيارات ص 270.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 405.

(3)

قوله: (وصححه في) سقط من (ح).

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (4/ 428)، والطبراني في الكبير (11997)، والبيهقي في الكبرى (12000)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده: سعيد بن يوسف الرحبي الشامي وهو ضعيف، واستنكر حديثه ابن عدي، وضعفه الألباني، وحسن إسناده ابن حجر، وأخرجه سعيد بن منصور (293)، من مرسل يحيى بن أبي كثير، وأخرج الطحاوي في المشكل (5073)، من حديث النعمان بلفظ:«سووا بين أولادكم في العطية، كما تحبون أن يسووا بينكم في البر» ، وإسناده حسن. ينظر: الفتح 5/ 214، الإرواء 6/ 67.

(5)

ينظر: المغني 6/ 66.

ص: 517

وجوابُه: بأنَّه عليه السلام قال لِبَشِيرٍ: «فَاَرْجِعْهُ» ، وفي رواية:«فارْدُدْهُ» ، رواهُ مالِكٌ عن الزُّهْرِيِّ عن حُمَيدٍ عن النُّعمان

(1)

، وأقلُّ أحوالِ الأمر الجَوازُ.

(وَعَنْهُ: لَهُ الرُّجُوعُ، إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ أَوْ رَغْبَةٌ) لغَير الوَلَد، مِثْلَ أنْ يَهَبَ ابنَه شَيئًا، فيَرغَب النَّاسُ في مُعامَلَته فيُدايِنُوه، أو في مُناكَحَته فيُزَوِّجُوه، أوْ يَهَبَ ابْنَتَه شَيئًا فتتزوج

(2)

، وقد نبَّه عَلَيهِ بقَولِه:(مِثْلُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْوَلَدُ أَوْ يُفْلِسَ)؛ لأِنَّه تَعلَّق بها حقُّ غَيرِ الاِبْنِ، ففي الرُّجوع إبطالُ حقِّه، يُؤيِّدُه قَولُه عليه السلام:«لَا ضَرَرَ ولا إضرارَ»

(3)

، والرُّجوعُ ضَرَرٌ، وفيه

(4)

تحيُّلٌ على إلْحاقِ الضَّرَر بالمسلمين.

زاد في «الفروع» تَبَعًا ل «الرِّعاية» و «الوجيز» : أوْ ما يَمنَعُ تَصرُّفَ المتَّهِبِ مؤبَّدًا أو مؤقَّتًا، كالرَّهْن ونحوِه؛ فلا رُجوعَ.

فَرْعٌ: إذا أسْقَطَ حقَّه من الرُّجوع؛ فاحْتِمالانِ في «الاِنتِصار» ، وإنْ علَّق الرُّجوعَ بشَرْطٍ؛ لم يَصِحَّ.

تنبيهٌ: يَحصُل الرُّجوعُ في الهِبَة بالألفاظ الدَّالَّة عليه، عَلِمَ الولَدُ أوْ لا، ولا يَفتَقِرُ إلى حُكْمِ حاكِمٍ في الأصحِّ، فإنْ أخذ ما وَهَبَه لولَدِه، ونَوَى به الرُّجوعَ كان رجوعًا، ويُقبَلُ قَولُه في نيته، فإن مات الأبُ ولم يُعلَمْ هل نَوَى الرُّجوعَ، ولم تُوجَدْ قرينةٌ؛ لم نحكُمْ

(5)

بأنَّه رجوعٌ، وإنْ حَفَّتْ به قرائنُ دالة على الرُّجوع؛ فَوَجْهانِ.

(1)

أخرج اللفظة الأولى البخاري (2586)، ومسلم (1623)، وأما اللفظة الثانية فهي عند مسلم (1623).

(2)

في (ح) و (ق): ابنه شيئًا فيتزوج. والمثبت موافق للشرح الكبير 17/ 91.

(3)

سبق تخريجه 5/ 393 حاشية (3).

(4)

في (ح): فيه.

(5)

في (ظ): لم يُحكم.

ص: 518

وفي «المغْنِي» : يَنْبَنِي هذا على نَفْسِ العَقْد، فَمَنْ أوْجَبَ الإيجابَ والقَبولَ؛ فليس برجوعٍ، وإلاَّ فهو رجوع

(1)

، فإنْ نَوَى الرُّجوعَ من غَيرِ قَولٍ ولا فِعْلٍ؛ لم يَحصُلِ الرُّجوعُ وجْهًا واحدًا.

(وَإِنْ نَقَصَتِ الْعَيْنُ)، أوْ تَلِفَ بعضُها؛ لم يَمنَع

(2)

الرُّجوعَ، ولا ضَمانَ على الولد فيما تَلِفَ منها؛ لأِنَّه تَلِفَ على ملْكِه، سَواءٌ تَلِفَ بفعْلِه أوْ لَا.

وإنْ جَنَى العبدُ جِنايَةً تعلَّق أرْشُها بِرَقَبَته، فهو كنقصانه بذهابِ بعضِ أجزائه، فإنْ رجع الأبُ فيه؛ ضَمِنَ أرْشَ الجناية، وإنْ كانت على العبد، فرجع الأبُ؛ فأرْشُ الجِنايةِ عليه للابْنِ؛ كالزِّيادة المنفَصِلة.

(أَوْ زَادَتْ زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً)؛ كالولد، والثَّمرة، وكَسْبِ العبْدِ؛ (لَمْ يَمْنَعِ

(3)

الرُّجُوعَ) بغَيرِ خِلافٍ نعلمُه، قاله في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الرُّجوعَ في الأصل دُونَ النَّماء مُمْكِنٌ، وفِيهِ في «الموجز» روايةٌ، (وَالزِّيَادَةُ لِلاِبْنِ)؛ لأِنَّها حادِثَةٌ في ملْكِه، ولا تتبَعُ

(4)

في الفسوخ، فكذا هنا، وكَوَلَدِ الأَمَة منه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّهَا لِلْأَبِ)، ذَكَرَه القاضِي؛ كالرَّدِّ بالعَيبِ؛ ولأِنَّها زيادةٌ في الموْهُوبِ، فَمَلَكَها الأبُ كالمتَّصِلة، لكِنْ إنْ كانَت الزِّيادةُ وَلَدَ أَمَةٍ لا يَجوزُ التَّفْريقُ بَينَهما؛ مُنِعَ من الرُّجوع، إلاَّ أنْ نقولَ: المنفصلة

(5)

للأب، فيَرجِعُ فِيهما جميعًا، أَوْ يَرجِعُ في الأمِّ ويتملَّكُ الوَلَدَ من مالِ وَلَدِه، قالَهُ في «الشَّرح» ، وفِيهِ شَيءٌ.

وإن اخْتَلَفا في حُدوثِ زيادةٍ، ففي أيِّهما يُقبَلُ قَولُه؟ وجْهانِ.

(1)

قوله: (وإلا فهو رجوع) سقط من (ح).

(2)

في (ق): لم تمنع.

(3)

في (ق): لم تمنع.

(4)

في (ظ): ولا يتبع.

(5)

في (ح): المتصلة. والمثبت موافق لما في المغني 6/ 59، والشرح 17/ 92.

ص: 519

(وَهَلْ تَمْنَعُ) الزِّيادةُ (المُتَّصِلَةُ)؛ كالسِّمَن في العَين، وتعلُّمِ صَنْعَةٍ في المعاني

(1)

، (الرُّجُوعَ) إذا زادت بها القِيمةُ؟ قالَهُ في «الشَّرح»

(2)

؛ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الكافي» و «المحرَّر»:

إحداهما: لا تَمنَعُ؛ لأِنَّها زيادةٌ في الموهوب، فلم تمنَع

(3)

الرُّجوعَ، كالزِّيادة قَبْلَ القَبْض والمنفصِلَة.

والثَّانية، وهي أشْهَرُ، ورجَّحها في «الشَّرح»

(4)

؛ لأِنَّ الزِّيادةَ للموهوب له؛ لكونها

(5)

نَماءَ ملْكِه، ولم تَنتَقِلْ

(6)

إليه من جهة أبيه، فلم يَمْلِكِ الرُّجوعَ فيها، وحِينَئِذٍ يَمْتَنِعُ الرُّجوعُ في الأصل؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إلى سوء المشارَكة وضَرَرِ التَّشْقيص؛ لأِنَّه اسْتِرْجاعٌ للمال بفَسْخِ عَقْدٍ لغَير عَيبٍ في عِوَضه، فمَنَعَه الزِّيادةُ المتَّصلةُ كاسْتِرْجاعِ الصَّداق بفسخ النكاح، بخِلاف الرَّدِّ بالعيب، من جِهَةِ أنَّ الرَّدَّ من المشْتَرِي، وقد رَضِيَ ببذْلِ الزِّيادة.

وعلى المنْع؛ فلِلأْب أخْذُها بطريق التَّملُّك بشَرْطِه.

وقصرُ

(7)

العَين وتفصيلها؛ زيادةٌ متَّصِلةٌ يَجري فيها الخِلافُ.

(1)

في (ق): المعالي.

(2)

كتب في هامش (ظ): (قال في «الشرح»: وعلى هذا، لا فرق بين الزيادة في العين؛ كالسمن والطول ونحوهما، أو في المعاني؛ كتعلم صناعة، أو كتابة، أو قرآن، أو علم، أو إسلام، أو قضاء دين عنه. وبهذا قال محمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة: الزيادة بتعلم القرآن وقضاء دين عنه، لا يمنع الرجوع. ولنا، أنها زيادة لها مقابل من الثمن، فمنعت الرجوع، كالسمن، وتعلم صنعة).

(3)

في (ظ): فلم يمنع.

(4)

أي: أنها تمنع. ينظر: الشرح الكبير 17/ 94.

(5)

في (ح): بكونها.

(6)

في (ظ): ولم ينتقل.

(7)

في (ق): وتصير.

ص: 520

فَرْعٌ: إذا وَهَبَ حامِلاً من غَيرِه، فَوَلَدَتْ في يَدِه؛ فهِبَةٌ متَّصِلةٌ، وقِيلَ: مُنفَصِلةٌ إن

(1)

قُلْنا: لا حُكْمَ للحَمْل، وإنْ رَجَعَ فيها حامِلاً؛ جاز إن

(2)

لم تَزِدْ قِيمَتُها، وإن زادت قِيمَتُها؛ فمُتَّصِلةٌ.

ولو وَهَبَه نخلةً، فحَمَلَتْ؛ فهي قَبلَ التَّأْبير زيادةٌ متَّصِلةٌ، وبعدَه مُنفَصِلةٌ.

(وَإِنْ بَاعَهُ الْمُتَّهِبُ)، أوْ وَهَبَه؛ لم يَملِك الواهِبُ الرُّجوعَ، قَولاً واحدًا، (ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ، أَوْ إِقَالَةٍ)، أوْ فَلَسِ المشْتَرِي؛ (فَهَلْ لَهُ الرُّجُوعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «المحرَّر» و «الفُروع» ، واقْتَصَرَا على ذِكْرِ الفَسْخ فَقَطْ، وهو مُغْنٍ:

أحدهما، وجَزَمَ به في «الوجيز»: لا يَملِكُ الرُّجوعَ؛ لأِنَّ الملْكَ عاد إلَيهِ بَعْدَ اسْتِقْرار ملْكِ مَنْ انْتَقَل إليه عادة

(3)

، أشْبَهَ ما لو عاد إليه بالهِبة، أمَّا لو عاد إليه بخِيار المجلس أو الشَّرْط؛ فله الرُّجوعُ؛ لأِنَّ الملْكَ لم يَسْتَقِرَّ عليه.

والثَّاني: يَملِكُه؛ لأِنَّ السَّببَ المزيلَ ارتفع

(4)

، وعاد الملْكُ بالسَّبب الأوَّلِ، أشْبَهَ فَسْخَ البيع بالخِيار.

(وَإِنْ رَجَعَ إِلَيْهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ؛ لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ)؛ لأِنَّه عاد إلَيهِ بملْكٍ جَديدٍ لم يَسْتَفِدْه مِنْ قِبَلِ

(5)

أبِيهِ، فلم يَملِكْ فَسْخَه وإزالته

(6)

، كالذي لم يكُنْ مَوهُوبًا.

(وَإِنْ وَهَبَهُ المُتَّهِبُ لاِبْنِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ أَبُوهُ الرُّجُوعَ)؛ كما لو وَهَبَه لِغَيرِ ابْنِه،

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): وإن.

(3)

في (ح) و (ق): عليه.

(4)

في (ح): لو نفع.

(5)

في (ق): فعل.

(6)

في (ح): بإزالته.

ص: 521

ولأِنَّ في رُجوعه إبْطالاً لمِلْكِ غَيرِ ابْنِه.

وقِيلَ: له أنْ يَرجِعَ، وإنْ لم يَرجِع ابنُه.

(إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ هُوَ)؛ لأِنَّ المانِعَ من الرُّجوع زَوالُ ملْكِ الابنِ، وقد عاد إليه.

وقِيلَ: لا يَمْلِكُه؛ لأِنَّه عاد إليه بَعْدَ اسْتِقْرار ملْكِ غَيرِه عَلَيه، أشْبَهَ ما لو وَهَبَه ابنُ الاِبْنِ لأِبِيهِ.

(وَإِنْ كَاتَبَهُ، أَوْ رَهَنَهُ؛ لَمْ يَمْلِكِ الرُّجُوعَ)؛ لأِنَّ حقَّ المرتَهِنِ والمكاتَبِ تعلَّق به، والرُّجوعَ يُبْطِلُه، فلم يَجُزْ؛ لِمَا فِيهِ من الضَّرَر بالغَيرِ، وهذا عِنْدَ مَنْ لا يَرَى بَيعَ المكاتَبِ، وقاله جماعةٌ، فأمَّا مَنْ أجاز بَيعَه؛ فحُكمُه عِندَه كالعَين المسْتأْجَرَة.

(إَّلا أَنْ يَنْفَكَّ الرَّهْنُ وَتَنْفَسِخَ الْكِتَابَةُ)؛ لِزَوالِ المانِعِ، والمزوَّج

(1)

لا يَمنَعُ الرُّجوعَ، والمعلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ كذلك، وإذا رَجَعَ وكان التَّصرُّفُ لازِمًا كالإجارة والتَّزويجِ؛ فهو باقٍ بحالِه، وإنْ كان جائزًا كالوصيَّة؛ بَطَلَ، والصَّحيحُ في التَّدْبِير: أنَّه لا يَمنَعُ الرجوع

(2)

.

فَرْعٌ: إذا قال أبوهُ: وَهَبْتُكَ هذا العبدَ وهو سَمِينٌ أو كَبِيرٌ، فلي الرُّجوعُ، فقال ابنه: وهو مَهْزُولٌ فسَمِنَ، أو صغيرٌ فكبِرَ، فلا رجوعَ لك؛ فوجْهانِ، فلو قال: وَهَبْتُك هذا الذَّهَبَ مَصوغًا، فقال ابنه: أنا صُغْتُه؛ صُدِّقَ الواهِبُ.

(وَعَنْ أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ تَهَبُ زَوْجَهَا مَهْرَهَا: إِنْ كَانَ سَأَلَهَا ذَلِكَ؛ رَدَّهُ إِلَيْهَا، رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ)، نَقَلَهَا

(3)

أبو طالِبٍ

(4)

، ثُمَّ ذَكَرَ العِلَّةَ، فقال: (لأِنَّهَا

(1)

في (ظ): التزوج.

(2)

في (ح): الدخول.

(3)

في (ق): نقله.

(4)

ينظر: زاد المسافر 3/ 406.

ص: 522

لَا تَهَبُ لَهُ إِلاَّ مَخَافَةَ غَضَبِهِ، أَوْ إِضْرَارًا بِهَا بِأَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا)؛ لأِنَّ شاهِدَ الحال يَدُلُّ على أنَّها لم تَطِبْ به نَفْسًا، والله تعالى إنَّما أباحه عِنْدَ طِيبِ نَفْسِها، بقوله تعالى:{فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النِّسَاء: 4]، وظاهِرُه: إنْ لم يَكُنْ سألها فهو جائِزٌ.

وقِيلَ: تَرجِعُ

(1)

إنْ وَهَبَتْه لدَفْع ضرَرٍ فلم يَندَفِعْ، أوْ عِوَضٍ أوْ شَرْطٍ فلم يَحصُلْ.

وعنه: يَرُدُّ عَلَيها الصَّداقَ مطلَقًا.

ولو قال: هي طالِقٌ ثلاثًا إن لم تُبْرِئْنِي، فأَبْرَأَتْه؛ صحَّ، وهل تَرجِعُ؟ ثالِثُها: تَرجِعُ إنْ طلَّقها، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(2)

وغَيرُه.

(1)

في (ظ): يرجع.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 418.

ص: 523

(فَصْلٌ)

(وَلِلْأَبِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ)، قال في «المستَوعب»: لا تختَلِف الرِّوايةُ: أنَّ مالَ الولد ملْكٌ له دُونَ أبِيهِ، (مَا شَاءَ) من ماله، (وَيَتَمَلَّكَهُ)؛ لأنَّه

(1)

مَنْ جاز له أخْذُ شَيءٍ؛ جاز له أنْ يتملَّكه، بدليلِ الأشْياءِ المباحَةِ، ولهذا قال أحمدُ: بَينَ الرَّجل وبَينَ وَلَدِه رِبًا

(2)

، وقال: لا يَمنَعُ الاِبْنُ الأبَ ما أراد من ماله

(3)

فهو له

(4)

.

ويُسْتَثْنَى من ذلك: سُرِّيَّتُه ولو لم تَكُنْ أمَّ وَلَدٍ

(5)

.

(مَعَ حَاجَتِهِ)، أي: الوالد (وَعَدَمِهَا، فِي صِغَرِهِ)؛ أي

(6)

: الولد (وَكِبَرِهِ)؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ والتِّرمذيُّ وحسَّنه، عن عائشةَ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ أطْيَبَ ما أكَلْتُم من كَسْبِكم، وإنَّ أولادَكم من كَسْبِكم»

(7)

، وروى

(8)

الطَّبَرانيُّ في «معجمه» عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، قال: جاء رجلٌ إلى

(1)

في (ظ): لأن.

(2)

ينظر: المغني 6/ 64.

(3)

في (ق): مال.

(4)

ينظر: زاد المسافر 3/ 400.

(5)

في (ق): ولده.

(6)

قوله: (أي) سقط من (ح).

(7)

أخرجه أحمد (24135)، وأبو داود (3528)، والترمذي (1358)، والنسائي (4450)، وابن ماجه (2290)، وفي سنده: عمة عمار بن عمير، لم يترجم لها أحد، لكن تابعها الأسود بن يزيد - وهو ثقة ثبت - عند سعيد بن منصور (2288)، وأحمد (24148)، وابن ماجه (2137)، واختلف في الحديث وقفًا ورفعًا، ورجح جمع من الأئمة رفعه، وحسنه الترمذي، وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 246، علل الدارقطني 14/ 252، الإرواء 6/ 65.

(8)

في (ظ): روى.

ص: 524

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ أبِي احْتاجَ

(1)

مَالِي، فقال:«أنتَ ومالُك لأِبِيكَ»

(2)

، ولأِنَّ الولدَ مَوهوبٌ لأِبيه بالنَّصِّ القاطِعِ، وما كان مَوهوبًا له؛ كان له أخْذُ ماله؛ كعَبْدِه، يؤيِّده أنَّ سُفْيانَ بنَ عُيَيْنَةَ قال في قوله تعالى: {وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ

} [النُّور: 61]: (ذَكَرَ الأقارِبَ دُونَ الأوْلاد؛ لدُخولهم في قوله تعالى: {من بيوتكم}؛ لأِنَّ بُيوتَ أوْلادِهم كبُيوتِهم)

(3)

، ولأِنَّ الرَّجلَ يَلِي مالَ وَلَدِه من غَير تَوليةٍ، فكان له التَّصرُّفُ؛ كمال نفسه.

وشَرْطُه: (إِذَا لَمْ تَتَعَلَّقْ حَاجَةُ الاِبْنِ بِهِ)، وما لا يَضرُّه، نَصَّ عليه

(4)

، وجزم بها

(5)

في «الوجيز» ؛ لأِنَّ حاجةَ الإنسان مقدَّمةٌ على دَيْنِه، فَلَأَنْ تُقدَّمَ على أبيه بطريق الأَوْلى.

وشَرَطَ في «الكافي» و «الشرح» و «الوجيز» : ما لم يُعطِه ولدًا آخَرَ، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّ تفضيلَ أحدِ الوَلَدَينِ غَيرُ جائزٍ، فمع تخصيص الآخَر بالأخذ منه أَوْلى.

وعنه: له أن يتملَّك ما لا يُجحِف به، جزم به في «الكافي» ، وذَكَرَ في «الشَّرح»: ألاَّ يُجحِف بالاِبن ولا يُضِرَّ به، ولا يَأخُذَ شيئًا تعلَّقت به حاجتُه.

وعنه: له تملُّكُه كلِّه، ويُرْوَى أنَّ مسروقًا زوَّج ابنته بصداقِ عشرةِ آلافِ درهمٍ، فأخذها

(7)

فأنفقها في سبيل الله، وقال للزَّوج: جهِّز امرأتَك

(8)

،

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في معجم الطبراني: اجتاح.

(2)

سبق تخريجه 3/ 389 حاشية (4).

(3)

ينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 2/ 34.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 420.

(5)

في (ق): بهما.

(6)

ينظر: المغني 6/ 62.

(7)

في (ظ): وأخذها.

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة (16466)

ص: 525

واسْتَدَلَّ ابنُ عَقِيلٍ بقوله عليه السلام: «لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مسلمٍ إلاَّ عن طِيب نفْسٍ منه» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(1)

، ولأِنَّ ملكَ الولد تامٌّ على مال نفسه، فلم يَجُزِ انتزاعُه منه؛ كالَّذي تعلَّقت به حاجتُه.

وجوابُه: بأنَّه مخصوصٌ بما سَبَق، فلا تَنافِيَ بَينَهما.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ في الولد بَينَ الذَّكر والأنثى، وأنَّ الجَدَّ لا يكون كذلك.

وفِيهِ روايةٌ مخرَّجةٌ من ولايته وإجباره: أنَّه كالأب في كلِّ شَيءٍ ما لم يُخالِف الإجماعَ كالعُمَرِيَّتَيْنِ، وفي الأمِّ قَولٌ.

(وَإِنْ تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ بِبَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أوْ إبْرَاءٍ مِنْ دَينٍ

(2)

؛ لَمْ يَصِحَّ) تصرُّفُه على الأصحِّ؛ لأِنَّ ملْكَ الوَلَد على مالِ نفسه تامٌّ، فصحَّ تصرُّفه فيه، ولو كان للغير أو مشتَرَكًا؛ لم يَجُزْ ذلك، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويَقدَحُ في أهْلِيَّته لأِجْلِ الأذى سِيَّما بالحبس.

وعنه: له أن يبرِّئ من مال وَلَدِه، ويَتَسرَّى منه، وما فَعَلَ فيه فهو جائزٌ.

وفيه بُعْدٌ؛ لأِنَّه تصرُّفٌ في ملْكِ غَيرِه بما لا حظَّ فيه، خصوصًا مع صِغَرِ الولد؛ إذْ لَيسَ من الحظِّ إسْقاطُ دَينِه، وعِتْقُ عَبْدِه، وهِبَة مالِه.

تنبيه: يَحصُلُ التَّملُّكُ بقَبْضه، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، مع قَولٍ أوْ نية

(4)

، قال في «الفروع»: ويَتَوجَّهُ: أوْ قَرينةٍ، وفي «المبهج»: في تَصرُّفه في غَيرِ مَكِيلٍ وموزون

(5)

روايتان؛ بناءً على حصول ملكه قبل قَبْضه، ويَصِحُّ بَعْدَه.

ولو أراد أخْذَه مع غِناهُ؛ فليس له

(6)

أن يأبى عَلَيهِ، نَقَلَ الأثْرَم: ولو كُنْتُ

(1)

سبق تخريجه 5/ 11 حاشية (2).

(2)

زيد في (ح): من دين.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 421.

(4)

في (ح): بنية.

(5)

في (ح): أو موزون.

(6)

قوله: (له) سقط من (ح).

ص: 526

أنا

(1)

لجبرته على دفعه إليه على حديث النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أنْتَ ومالُكَ لأِبِيكَ»

(2)

.

(وَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ ابْنِهِ)؛ أيْ: قَبلَ تملُّكها، فَقَدْ وَطِئَهَا، ولَيسَتْ بِزَوجَةٍ

(3)

ولا ملْكَ يَمينٍ، وهو حَرامٌ، (فَأَحْبَلَهَا؛ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ لأِنَّ إحْبالَ الأب لها يُوجِبُ نَقْلَ الملك إليه، وحِينَئِذٍ يكون الوَطْءُ مصادِفًا للملْك، وذلك يَقْتَضِي صَيرورَتَها أمَّ وَلَدٍ؛ ضرورةَ مُصادَفة الوطء الملك.

ومُقْتَضاه: أنَّها إذا لم تَحْبَلْ منه؛ أنَّها باقِيَةٌ على ملك الولَدِ.

(وَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه مِنْ وَطْءِ شُبهةٍ، (لَا تَلْزَمُهُ

(4)

قِيمَتُهُ، وَلَا مَهْرٌ)، ولا قِيمتُها؛ إذ لَيسَ له مُطالَبَةُ الأب بشَيءٍ مِنْ ذلك، (وَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) على الأصحِّ؛ للشُّبْهة.

(وَفِي التَّعْزِيرِ وَجْهَانِ):

أشْهَرُهما: التَّعزيرُ، وذَكَرَه القاضِي روايةً واحدةً؛ لأِنَّه وَطِئَ وَطْئأً مُحَرَّمًا؛ كَوَطْءِ المشْتَرَكةِ.

والثَّاني: لا؛ لأِنَّه لا يُقْتَصُّ منه بالجناية على ولده، فلا يُعزَّرُ بالتَّصرُّف في ماله، والفَرْقُ: أنَّ التَّعزير هنا حقٌّ لله تعالى، بخلاف الجناية على وَلَدِه، قال بعضُهم: فيُضرَبُ مائَةً إلاَّ سَوطًا.

فَرْعٌ: إذا تملَّكها؛ فَلَيس له وطْؤُها حتَّى يَسْتَبْرئَها، فإنْ كان الاِبْنُ وَطِئَها؛ لم تَحِلَّ له بحالٍ.

وإنْ

(5)

وَطِئَها بعْدَ وَطْءِ الاِبن؛ فرِوايتانِ؛ كَوَطْءِ ذاتِ مَحرَمٍ بملْكِ يَمِينٍ، ولا يَنتَقِلُ الملك فيها إنْ كان الاِبْنُ اسْتَوْلَدَها.

(1)

في (ظ) و (ق): أبًا. والمثبت موافق لما في زاد المسافر 3/ 400.

(2)

ينظر: زاد المسافر 3/ 400. وسيأتي قريبًا تخريج الحديث.

(3)

في (ق): مزوجة.

(4)

في (ظ): يلزمه.

(5)

في (ظ): فإن.

ص: 527

فإنْ وَطِئَها الأبُ والابنُ في طُهْرٍ واحِدٍ، وأتَتْ بِوَلدٍ؛ عُرِضَ على القافة، ويُحَدُّ الابنُ لِوَطْئه جاريةَ أبيه، ولم يَلحَقْه الوَلَدُ، ويكونُ ملْكًا لأبيه، وقد أحب

(1)

أحمدُ أنْ يُعتِقَه الأبُ؛ لكَونِه جزءًا من ابنه.

(وَلَيْسَ لِلاِبْنِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَلَا قِيمَةِ مُتْلَفٍ، وَلَا أَرْشِ جِنَايَةٍ، وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ)، قالَه الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ، وسُفْيانُ بنُ عُيَيْنةَ؛ لِمَا رُوِي: أنَّ رجلاً جاء إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بأبيه يَقْتَضِيه دَينًا عليه، فقال:«أنتَ ومالُكَ لأِبيكَ» رواه الخَلاَّلُ

(2)

، ولأِنَّ المالَ أحدُ نَوعَيِ الحُقوق، فلم يَملِكْ مطالبةَ أبيه به؛ كحقوق الأبْدان.

وظاهره: أنَّه لا

(3)

يُطالِبُه بنَفَقته، والمذهَبُ: أنَّه يُطالِبُه بها، وجَزَمَ به في «الوجيز» وغيره، وعَينِ مال

(4)

له في يده، قاله في «الرِّعاية». وقِيلَ: له أنْ يُطالِبَه بماله في ذِمَّته مع حاجته إليه وغِنَى والده

(5)

عنه.

وقِيلَ: يَثْبُت له في ذمَّته مطلَقًا.

فَعَلَى هذا: ففي ملْكِه إبْراءَ نفسه نَظَرٌ، قالَهُ القاضِي، وذَكَرَ غَيرُه: لا يَمْلِكه؛ كإبرائه لغريمه، ولا طَلَبَ له في حياة والده.

فإنْ مات الاِبْنُ؛ فَلَيس لورثته مطالَبةُ الأب في الأشْهَر؛ كمُورِّثِهم، وإنْ مات الأبُ بَطَلَ دَينُ الاِبْنِ، قاله أحمدُ

(6)

.

وقِيلَ: يَرجِعُ في تَرِكَة الأب؛ لأِنَّ دَينَه لم يَسقُطْ عن الأب، وإنَّما تأخَّرت المطالَبةُ.

(1)

في (ظ): أوجب.

(2)

سبق تخريجه 3/ 389 حاشية (4).

(3)

قوله: (لا) سقط من (ح).

(4)

في (ح): بحال.

(5)

في (ح): ولده.

(6)

ينظر: المغني 6/ 62.

ص: 528

وحَمَلَه بعضُهم: على ما أخذه على سبيل التَّمْليك.

مسألةٌ: إذا مات فَوَجَدَ ما اشْتَراه منه بعَينه، قال في «المبهج»: أو بعضَه، ولم يَنقُدْ ثَمَنَه، أو وَجَدَ ما أقْرَضَه؛ فهل يأخذه أو يكون إرْثًا؟ فيه روايتان.

وما قضاه في مرضه، أو وصَّى بقضائه؛ فمِنْ رأْس ماله، وإلاَّ لم يَسقُطْ بمَوته.

ولو أقرَّ بقَبض دَينه فأنكر؛ رجع على غريمه، وهو على الأب، نقله مهنَّى

(1)

، فظاهره: أنَّه لا يرجع إنْ أقرَّ الابن.

(وَالْهَدِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ نَوْعَانِ مِنَ الْهِبَةِ)؛ أيْ: هما نَوْعا الجنس؛ كالإنسان والفرس مع

(2)

الحيوان، وحاصِلُه: إنْ قَصَد بإعطائه ثَوابَ الآخِرة؛ فَصَدَقَةٌ، وإنْ قَصَدَ إكْرامًا وتَوَدُّدًا ونحوَه؛ فهديَّةٌ، وإلاَّ فهِبةٌ، وعطيَّةٌ، ونِحْلةٌ.

وهما كهِبَةٍ فيما تقدَّم، لكِنْ نَقَلَ المرُّوذِيُّ وحنبلٌ: لا رجوعَ في الصَّدقة

(3)

.

وفي «عيون المسائل» و «المستوعب» : لا يُعتَبَرُ في الهديَّة قَبولٌ؛ للعُرْف.

ومَنْ أهْدَى إليه ليُهدى له أكثرُ؛ فلا بأْسَ به، لغَير النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، نقله أحمدُ عن الضَّحَّاك

(4)

.

ونقل أبو الحارث فِيمَنْ سأل الحاجةَ؛ فسعى معه فيها، فيهدي إليه: إنْ علم أنَّه لأِداءِ الأمانة؛ لم يَقبَلْ إلاَّ أنْ يُكافِئَه

(5)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 422.

(2)

في (ح): من.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 424.

(4)

ينظر: مسائل صالح 1/ 305.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وهي روايتان عن أحمد تداخلتا، قال في الفروع 7/ 424: نقل أبو الحارث فيمن سأله الحاجة فسعى معه فيها، فيهدي له قال: إن كان شيء من البرِّ وطلب الثواب؛ كرهته له. ونقل صالح فيمن رد الوديعة فيهدي له: إن علم أنه لأداء أمانته لم يقبل، إلا أن يكافئه.

ص: 529

ونقل يعقوبُ

(1)

: لا يَنْبَغِي للخاطب إذا خَطَبَ لقومٍ أنْ يَقبَلَ

(2)

لهم هديَّةً.

فهاتان روايتان، واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين التَّحريمَ

(3)

، ونقله عن السَّلف، ورخَّصَ فيه بعضُ المتأخِّرين.

فَرْعٌ: وِعاءُ هديَّةٍ؛ كهِيَ مع عُرْفٍ

(4)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 424، الآداب الشرعية 1/ 299.

(2)

في (ق): لا يقبل. والمثبت موافق للفروع والآداب.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 424.

(4)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 530

(فَصْلٌ فِي عَطِيَّةِ الْمَرِيضِ)

(أَمَّا الْمَرِيضُ غَيْرَ مَرَضِ الْمَوْتِ، أَوْ مَرَضًا غَيْرَ مَخُوفٍ؛ كَالرَّمَدِ)، وهو وَرَمٌ حارٌّ في الملْتَحم عن مادَّةٍ في العَين، ويُعرَفُ بتقدُّم الصُّداع، وقد يكون من الحجاب الدَّاخِل، وقد يكون من الخارج، (وَوَجَعِ الضِّرْسِ، وَالصُّدَاعِ) اليَسِيرِ، وهو وَجَعُ الرَّأس، (وَنَحْوِهِ)؛ كحُمَّى يَومٍ، قاله في «الرِّعاية» ، وقيل: ساعةٍ، قاله في «الشَّرح» ، وإسهالٍ يَسيرٍ من غَيرِ دَمٍ؛ (فَعَطَايَاهُ كَعَطَايَا الصَّحِيحِ سَوَاءً)؛ لأِنَّه في حُكْم الصَّحيح؛ لكَونه لا يُخافُ منه في العادة، (يَصِحُّ

(1)

فِي جَمِيعِ مَالِهِ)، ولو اتَّصل به الموت؛ للأَدِلَّة، وكما لو كان مريضًا فَبَرَأَ.

(وَإِنْ كَانَ مَرَضَ الْمَوْتِ) القاطِعِ بصاحبه، (الْمَخُوفَ)؛ أي: مَرَضًا مَخُوفًا اتَّصل به الموت؛ (كَالْبِرْسَامِ)، وهو بُخارٌ يَرْتَقِي إلى الرَّأس ويُؤثِّرُ في الدِّماغ، فيُحِيلُ عَقْلَ صاحبه، وقال عِياضٌ: هو وَرَمٌ في الدِّماغ يتغيَّر منه عَقْلُ الإنسان ويَهْذِي

(2)

، ويُقالُ فيه: سرسام

(3)

، (وَذَاتِ الْجَنْبِ)، وهو قَرْحٌ بباطن الجَنْب، وَوَجَعِ القَلْب والرِّئَة، ولا تَسكُن حَرَكَتها، وقيل: هو دُمَّلٌ كبيرةٌ تَخرَج بباطن الجنب

(4)

وتفتح

(5)

إلى داخِلٍ، (وَالرُّعَافِ الدَّائِمِ)، فإنَّه يُصَفِّي الدَّمَ، فيُذهِبُ القُوَّةَ، (وَالْقِيَامِ الْمُتَدَارِكِ)، هو المبطون الَّذي أصابه الإسْهالُ، ولا يُمكِنُه إمْساكُه، فإن كان يَجْرِي تارةً ويَنقَطِع أخرى؛ فإنْ كان يومًا أوْ يَومَينِ؛ فلَيسَ

(1)

في (ح): تصح.

(2)

ينظر: مشارق الأنوار 1/ 85.

(3)

في (ظ): شرشام. قال في مفاتيح العلوم ص 186: (السرسام: حمى دائمة مع صداع وثقل في الرأس والعين وحمرة فيها وكراهية الضوء).

(4)

قوله: (ووجع القلب والرئة، ولا تسكن) إلى هنا سقط من (ق).

(5)

في (ق): ويفتح.

ص: 531

بمَخُوفٍ؛ لأِنَّه قد يَكونُ من فَضْلَة الطَّعام، إلاَّ أنْ يكونَ معه زَحِيرٌ

(1)

وتَقْطِيعٌ، فيكونُ مَخُوفًا؛ لأِنَّه يُضعِف البَدَنَ، (وَالْفَالِجِ فِي ابْتِدَائِهِ)، وهو داءٌ معروفٌ يُرْخِي بعْضَ البَدَنِ، قال ابن القَطَّاع: فُلِجَ فَالِجًا: بَطَلَ نصفُه أوْ عُضْوٌ منه

(2)

، (وَالسِّلِّ فِي انْتِهَائِهِ)، هو بكَسْرِ السِّين، داءٌ معروفٌ، وقد سُلَّ وأَسالَه

(3)

الله تعالى، فهو مسلول

(4)

على غَيرِ قِياسٍ، ومِثْلُه القُولَنْجُ، وهو أن يَنعَقِدَ الطَّعام في بعض الأعضاء

(5)

ولا يَنزِلَ عنه، فهذه الأشياء مخوفة

(6)

، وإنْ لم يكُنْ معها حُمَّى، وهي مع الحُمَّى أشدُّ خَوفًا.

وإنْ بادَرَه الدَّمُ، واجتمع في عضْوٍ؛ كان مَخُوفًا؛ لأِنَّه من الحرارة المفْرِطة.

وإنْ هاجت به الصَّفْراءُ؛ فهي مخوفة

(7)

؛ لأِنَّها تُورِثُ يُبوسةً، وكذلك البَلْغَم إذا هاج؛ لأِنَّه من شدَّة البرودة، وقد يَغلِبُ على الحرارة الغريزة

(8)

فيُطْفِئُها، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَمَا قَالَ عَدْلَانِ)؛ أيْ: مُسْلِمانِ، (مِنْ أَهْلِ الطِّبِّ)؛ أيْ: عِنْدَ الشَّكِّ فيه: (إِنَّهُ مَخُوفٌ)، فيُرجَعُ إلى قَولِهما؛ لأِنَّهما من أهل الخبرة، كذا جَزَمَ به الأصحابُ.

فظاهِرُه: أنَّه لا يُقبَلُ فيه قَولُ واحِدٍ؛ لأِنَّه يَتَعلَّق به حقُّ الوارِثِ والعَطَايَا.

(1)

الزحير: استطلاق البطن. ينظر: الصحاح 2/ 668.

(2)

ينظر: الأفعال 2/ 466.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في العين 7/ 192، والمطلع ص 354:(أسلَّه).

(4)

في (ح): سلول.

(5)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 203 وغيره:(الأمعاء)

(6)

في (ح): محفوفة.

(7)

في (ح): مخوف.

(8)

كذا في النسخ، والذي في كتب المذهب كالمغني 6/ 203:(الغريزية).

ص: 532

وقِيلَ: يُقبَلُ لِعَدَمٍ.

وذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ: المخُوفُ؛ عُرْفًا أوْ بقولِ عَدْلَينِ.

(فَعَطَايَاهُ) صحيحةٌ؛ لأِنَّ «عمرَ أوْصَى حينَ جُرِح وسُقِيَ لَبَنًا وخَرَجَ مِنْ جُرْحه»

(1)

، واتَّفق الصَّحابةُ على نفوذ عَهْده؛ (كَالْوَصِيَّةِ فِي أَنَّهَا لَا تَجُوزُ

(2)

لِوَارِثٍ، وَلَا

(3)

لِأَجْنَبِيٍّ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ؛ كَالْهِبَةِ

(4)

المقبوضةِ، (وَالْعِتْقِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْمُحَابَاةِ)، والصَّدقة، والوقْفِ، والإبْراء من الدَّين، والعَفْو عن الجناية الموجِبَة للمال؛ لِمَا روى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله تصدَّق عَلَيكم عِنْدَ وفاتكم بثُلُثِ أموالكم، زيادةً لكم في أعْمالِكم» رواه ابن ماجه

(5)

، فمفهومُه: لَيسَ له أكثرُ من الثُّلُثِ، يؤيِّده: ما روى عِمرانُ بنُ حُصَينٍ: «أنَّ رجلاً أعْتَقَ في مرضه سِتَّةَ أعْبُدٍ لم يكن له مالٌ غَيرُهم، فاسْتَدْعاهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فجَزَّأهم ثلاثةَ أجْزاءٍ، فأقْرَعَ بَينَهم، فأعْتَقَ اثْنَينِ وأرَقَّ أربعةً» رواه مسلِمٌ

(6)

، وإذا لم يَنفُذ العِتقُ مع سِرايته؛ فغَيرُه أَوْلَى،

(1)

أخرجه البخاري (3700)، عن عمرو بن ميمون.

(2)

في (ظ): لا تصح.

(3)

في (ح): ولا تجوز.

(4)

في (ح): مثل الهبة.

(5)

أخرجه ابن ماجه (2709)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: طلحة بن عمرو الحضرمي وهو متروك، ورُوي من حديث جماعة من الصحابة بأسانيد أمثل من هذا، فأخرجه أحمد (27482)، والبزار (4133)، والطبراني في معجم الشاميين (1484)، عن أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«إن الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم» ، وإسناده ضعيف، فيه أبو بكر ابن أبي مريم الشامي وهو ضعيف، وأخرجه الطبراني في الكبير (94)، والدارقطني (4289)، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، وفيه: إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد، قال ابن حجر:(وهما ضعيفان)، وأخرجه ابن أبي شيبة (30917)، عن مكحول عن معاذ موقوفًا، ولم يسمع منه مكحول، وذكر ابن حجر طرقه فقال:(كلها ضعيفة، لكن قد يقوى بعضها ببعض)، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 199، البلوغ (963)، الإرواء 6/ 77.

(6)

أخرجه مسلم (1668).

ص: 533

ولأِنَّ هذه الحالَ الظَّاهِرُ منها الموتُ، فكانت عطيَّتُه فيها في حقِّ وَرَثَتِه لا تتجاوز

(1)

الثُّلُثَ؛ كالوصيَّة.

وعُلِمَ منه: أنَّ هذه العطايا إذا وُجِدتْ في الصِّحَّة؛ فهي من رأس المال، بغير خلافٍ نَعْلَمُه

(2)

.

تنبيهٌ: حُكمُ العطيَّة في مرض الموت؛ حكمُ الوصيَّة في أشْياءَ:

مِنْها: أنْه

(3)

يقف نفوذُها على خُروجها من الثُّلُث، أوْ إجازَةِ الوَرَثَة.

ومِنْها: أنَّها لا تَصِحُّ لِوارِثٍ إلاَّ بإجازَةِ الوَرَثَة.

ومِنْها: أنَّ فَضِيلتَها ناقِصَةٌ عن فضيلةِ الصَّدَقة في الصِّحَّة.

ومِنْها: أنَّها تُزاحِمُ في

(4)

الثُّلُث إذا وَقَعَتْ دَفْعةً واحدةً؛ كتَزاحُمِ الوصايا.

ومِنْهَا: أنَّ خُروجَها من الثُّلث يعتبر

(5)

حالَ الموت لا قَبْلَه ولا بَعْدَه.

(فَأَمَّا الْأَمْرَاضُ الْمُمْتَدَّةُ؛ كَالسِّلِّ، وَالْجُذَامِ، وَالْفَالِجِ فِي دَوَامِهِ)، وحُمَّى الرِّبْعِ؛ (فَإِنْ صَارَ صَاحِبُهَا صَاحِبَ فِرَاشٍ)؛ أيْ: لَزِمَ الفِراشَ؛ (فَهِيَ مَخُوفَةٌ)؛ أيْ: عَطِيَّتُه من الثُّلُث؛ لأِنَّه مريضٌ صاحِبُ فِراشٍ يُخْشَى منه التَّلَفُ، أشْبَهَ الحُمَّى المطْبِقةَ، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إنْ لم يَصِرْ صاحِبُها صاحِبَ فِراشٍ؛ فلَيسَتْ مَخُوفَةً، وعَطِيَّتُه حِينَئِذٍ مِنْ رأْسِ المال.

قال القاضِي: إذا كان يَذْهَبُ ويَجِيءُ؛ فعطاياه من جميع المال، هذا تحقيقُ المذْهَبِ؛ لأِنَّه لا يُخافُ تعجيلُ الموت منه، وإنْ كان لا يَبرَأُ منه؛ فهو كالهَرَم.

(1)

في (ظ): يتجاوز.

(2)

ينظر: المغني 6/ 192.

(3)

في (ظ): أن.

(4)

قوله: (في) سقط من (ق).

(5)

في (ظ): تعتبر.

ص: 534

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ عَطِيَّتَهُ مِنَ الثُّلُثِ) مطلَقًا؛ لأِنَّها مَخُوفَةٌ في الجملة، فَوَجَبَ إلْحاقُها به من غَيرِ تفصيلٍ، وهو روايةٌ نَقَلَ حَرْبٌ في وصيَّة المجْذُوم والمفْلُوج: من الثُّلُث

(1)

، فالمجْدُ أثْبَتَها وجَعَلَها ثابِتَةً، وصاحِبُ «الشَّرح» حَمَلَها على الأوَّل.

وذَكَرَ أبو بكْرٍ وجْهًا آخَرَ: أنَّ عطايا هؤلاء من المال كلِّه.

وقَولُ ابنِ المنَجَّى: إنَّه يَلزَمُ منه التَّناقُضُ على قَولِ أبي بكرٍ؛ لَيسَ بظاهِرٍ، فغَايَتُه أنَّه حَكَى وَجْهَينِ.

(وَمَنْ كَانَ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ عِنْدَ الْتِحَامِ الْحَرْبِ)؛ بِأَنِ اخْتَلَطت الطَّائفتانِ للقتال، وكانت كلٌّ منهما مُكافِئَةً للأخرى أوْ مقهورة، ولا فرق

(2)

بَينَ كَونِهما مُتَّفِقين في الدِّين؛ لأِنَّ تَوقُّع التَّلَفِ هنا كتَوقُّع المريض أوْ أكثرَ، فَوَجَبَ أنْ يُلْحَقَ به، فأمَّا القاهِرةُ بَعدَ ظُهورِها؛ فَلَيسَ بمَخُوفٍ.

(أَوْ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ عِنْدَ هَيَجَانِهِ)؛ أيْ: إذا اضْطَرَبَ وهبَّت الرِّيحُ العاصِفُ؛ لأِنَّ الله تعالى وَصَفَهم بشدَّة الخوف في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الآيةَ [يُونس: 22]، وظاهِرُه: أنَّه إذا رَكِبَه وهو ساكِنٌ؛ فلَيسَ بِمَخُوفٍ.

(أَوْ وَقَعَ الطَّاعُونُ)، قال أبُو السَّعاداتِ: هو المرَضُ العامُّ والوَباءُ الذي يَفْسُدُ له الهواء، فتَفْسُدُ به الأمْزِجةُ

(3)

والأبْدانُ

(4)

، وقال عِياضٌ: هو قُروحٌ تَخرُجُ في المغابِن وغَيرِها، لا يَلبَثُ صاحِبُها، ويُغَمُّ إذا ظَهَرَتْ

(5)

، وفي

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 22.

(2)

قوله: (ولا فرق) في (ح): وفرق.

(3)

في (ق): الأمرضة.

(4)

ينظر: النهاية في غريب الحديث 3/ 127.

(5)

ينظر: مشارق الأنوار 1/ 321.

ص: 535

«شرح مسلم» : وأمَّا الطَّاعونُ فَوباءٌ معروفٌ، وهو بَثْرٌ

(1)

وَوَرَمٌ مُؤْلِمٌ جِدًّا، يَخرُج مع لَهَبٍ، ويَسْوَدُّ ما حَولَه، ويَخْضَرُّ ويَحْمَرُّ حُمْرةً بَنَفْسَجِيَّةً، ويَحصُلُ معه خَفَقانٌ للقَلْب

(2)

، (بِبَلَدِهِ)؛ لأِنَّه مَخُوفٌ إذا كان فيه.

(أَوْ قُدِّمَ لِيُقْتَصَّ مِنْهُ)؛ لأِنَّه إذا حُكِمَ للمريض وحاضِرِ الحرب بالخَوف مع ظهور السَّلامة؛ فمَعَ ظُهور التَّلَف وقُرْبِه أَوْلَى، ولا عِبرةَ بصحَّة البَدَن، ولو عَبَّر بالقَتْل كغَيرِه؛ لَعَمَّ، سَواءٌ كان قِصاصًا أوْ غَيرَه؛ كالرَّجمِ.

وكذا إذا حُبِس للقَتْل، ذَكَرَه

(3)

في «الكافي» و «الفروع» ، وأَسِيرٌ عِنْدَ مَنْ عادَتُهم القَتْلُ.

مسألةٌ: إذا كان المريضُ يتحقَّق تعجيلَ موته؛ فإنْ كان عَقْلُه قد اخْتَلَّ؛ كمَنْ ذُبِحَ أو أُبينت

(4)

حُشْوتُه؛ فلا حُكْمَ لِعطِيَّته ولا كلامِه.

وإنْ كان ثابِتَ العَقْل؛ كَمَنْ خُرِقَتْ حُشْوتُه أو اشْتَدَّ مَرَضُه، ولم يَتغَيَّرْ عَقْلُه؛ صحَّ تصرُّفُه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وكَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا مُوحِيًا مع ثَباتِ عَقْلِه.

وفي «التَّرغِيبِ» : مَنْ قُطِعَ بمَوته؛ كَقَطْع حُشْوَتِه، وغَرِيقٍ، ومُعايِنٍ؛ كَمَيْتٍ.

(وَالْحَامِلُ عِنْدَ الْمَخَاضِ)؛ أيْ: عِنْدَ الطَّلْق، كذا ذَكَرَه مُعْظَمُ الأصْحابِ، (فَهُوَ كَالْمَرِيضِ) مَرَضًا مَخُوفًا؛ لأِنَّه يَحصُلُ لها ألَمٌ شديدٌ يُخافُ منه التَّلَفُ.

(وَقَالَ

(5)

الْخِرَقِيُّ: وَكَذَلِكُ الْحَامِلُ إِذَا صَارَ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ)، هو روايةٌ عن

(1)

في (ظ): بتر.

(2)

ينظر: شرح مسلم للنووي 1/ 150.

(3)

في (ق): قاله.

(4)

في (ح): كمن ربح أو أبقيت.

(5)

في (ح): قال.

ص: 536

أحمدَ؛ أيْ: عَطِيَّتها من الثُّلُث كمريضٍ حتَّى تَنجُوَ من نِفاسِها؛ لأِنَّه وقتٌ تُمكِنُ الوِلادةُ فيه، وهو من أسباب التَّلَف، والأشْهَرُ: مع ألَمٍ.

وقال إسحاقُ: إذا ثَقُلت؛ لا يجوز لها إلاَّ الثُّلث، ولم يَحُدَّ حَدًّا، وحكاه ابنُ المنذِرِ عن أحمدَ

(1)

.

(وَقِيلَ: عَنْ أَحْمَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَطَايَا هَؤُلَاءِ مِنَ الْمَالِ كُلِّهِ)، حكاهُ أبو بَكْرٍ؛ لأِنَّه لا مَرَضَ بهم، فهم كالصَّحيح.

تنبيهٌ: إذا وَلَدَت المرأةُ؛ فإنْ بَقِيَت المَشِيمةُ معها، أوْ مات معها؛ فهو مَخُوفٌ، فإنْ خَرَجا فَحَصَل ثَمَّ وَرَمٌ، أوْ ضَرَبان شديدٌ؛ فكذلك، وإنْ لم يكن شَيءٌ من ذلك؛ فقد رُوِيَ عن أحمدَ في النُّفَساء إذا كانت تَرَى الدَّمَ: فعَطِيَّتُها من الثُّلث

(2)

، والسِّقْطُ كالولد التَّام، لا مضغة

(3)

أوْ عَلَقَةٌ، إلاَّ أن يكونَ أَلَمٌ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(وَإِنْ عَجَزَ الثُّلُثُ عَنِ التَّبَرُّعَاتِ الْمُنْجَزَةِ)، يُحْتَرَزُ به عن الوصيَّة، فالتبرع

(4)

عبارةٌ عن إزالة ملْكِه فِيما لَيسَ بواجِبٍ بِغَيرِ عِوَضٍ؛ (بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا)؛ لأِنَّ السَّابِقَ اسْتَحَقَّ الثُّلُثَ، فَلَمْ يَسْقُطْ بِمَا بَعْدَهُ، وسَواءٌ كان السَّابِقُ عِتْقًا أوْ غَيرَه.

وعَنْهُ: يُقسَمُ بَينَ الكُلِّ بالحِصَص.

وعَنْهُ: يُقدَّمُ العِتْقُ.

وَعُلِمَ منه: أنَّ التَّبَرُّعاتِ إذا كانَتْ عَطايَا وَوَصايَا؛ تُقدَّمُ العَطايا؛ لأِنَّها أسْبَقُ.

(1)

ينظر: الإشراف 4/ 445.

(2)

ينظر: المغني 6/ 204.

(3)

في (ح): لا بصفة.

(4)

في (ح): والتبرع، وفي (ق): بالتبرع.

ص: 537

(وَإِنْ

(1)

تَسَاوَتْ)؛ أيْ: وَقَعَتْ دَفْعةً؛ بأنْ وَكَّلَ جماعةً فيها، فأوْقَعُوها دَفْعةً واحدةً؛ (قُسِمَ بَيْنَ الْجَمِيعِ بِالْحِصَصِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّهم تَساوَوْا في الاِسْتِحْقاق، فيُقْسَمُ بَينَهم على قَدْر حُقوقِهم؛ كغُرَماء المفْلِسِ.

(وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ)؛ لأِنَّه آكَدُ؛ لِكَونه مَبْنِيًّا على السِّرايَة والتَّغْلِيبِ، وإنْ كانَتْ كلُّها عِتْقًا أقْرَعْنا بَينَهم، فيُكَمَّل العِتْقُ في بعضهم.

أصْلٌ: إذا قَضَى المريضُ بعْضَ غُرَمائه، وَوَفَتْ تَرِكَتُه بالكلِّ؛ صحَّ، وإنْ لم تَفِ

(2)

فَوَجْهانِ:

أشْهَرُهما، وهو قِياسُ قَولِ أحمدَ: أنَّهم لا يَملِكونَ الاِعْتِراضَ عَلَيه؛ لأِنَّه أدَّى واجِبًا عَلَيه؛ كأداء ثَمَنِ المبيع

(3)

.

والثَّاني: عَكْسُه؛ لأِنَّ حقهم

(4)

تَعلَّقَ بماله بمَرَضه، فَمُنِعَ تصرُّفَه فيه كالتَّبرُّع، وما لَزِمَه في مَرَضِه مِنْ حقٍّ لا يُمكِنُه دَفْعُه وإسْقاطُه، فهو من رأس ماله، فلو تبرَّع أوْ أعْتَقَ، ثُمَّ أقرَّ بِدَينٍ؛ لم يَبطُلْ تبرُّعُه، نَصَّ عَلَيهِ في العتق

(5)

؛ لأِنَّ الحقَّ ثَبَتَ بالتبرع

(6)

في الظَّاهِرِ.

(وَأَمَّا مُعَاوَضَةُ الْمَرِيضِ بِثَمَنِ الْمِثْلِ؛ فَتَصِحُّ

(7)

مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لأِنَّه إنَّما يُعتبَرُ من الثُّلُث التَّبرُّعُ، ولَيسَ هذا تَبَرُّعًا، (وَإِنْ كَانَتْ مَعَ وَارِثٍ)؛ لأِنَّه لا تَبرُّعَ فيها ولا تُهمةَ، فصحَّتْ كالأجْنَبِيِّ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا تَصِحَّ لِوَارِثٍ)، هذا رواية؛ لأِنَّه خَصَّه بعَينِ المال، أشْبَهَ

(1)

في (ح): فإن.

(2)

في (ظ): لم يف.

(3)

في (ح): البيع.

(4)

في (ح): حقه.

(5)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 370.

(6)

في (ح): بالشرع.

(7)

في (ق): فيصح.

ص: 538

ما لو حاباه، ومعْناهُ: أنَّها لا تَصِحُّ معه إلاَّ بإجازةٍ، اخْتارَه في «الاِنتصار» ؛ لِفَواتِ حقِّه في المعيَّن

(1)

.

(وَإِنْ حَابَى وَارِثَهُ؛ فَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ فِي قَدْرِ مَا حَابَاهُ)؛ لأِنَّ المُحاباةَ كالوصيَّة، وهي لوارِثٍ باطِلةٌ، فكذا المُحاباةُ، (وَتَصِحُّ فِيمَا عَدَاهُ)؛ لأِنَّ المانِعَ من صحَّة البَيعِ المُحاباةُ، وهي هنا مَفْقودةٌ.

فَعَلَى هذا: لو باعَ شَيئًا بنِصْفِ ثَمَنِه؛ فله نصفُه بجميع الثَّمَنِ؛ لأِنَّه تَبرَّعَ له بنِصْف الثَّمَن، فبَطَلَ التَّصرُّفُ فِيمَا تَبرَّعَ به.

وعنه: يَبطُلُ بَيعُ الكُلِّ.

وعلى الأوَّل: مَحلُّه بدونِ إجازَةِ الوارِثِ.

ويُعتَبَرُ إجازةُ المجِيزِ في مَرَضِه من ثُلُثِه، وقال ابنُ حمْدانَ: إنْ جُعِلَتْ عَطِيَّةً، وإلاَّ فمِنْ كلِّه.

(وَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَبَعَّضَتْ فِي حَقِّهِ)، فشُرِع ذلك دفْعًا للضَّرَرِ، فإنْ فَسَخَ وطَلَب قَدْر المحاباةِ، أوْ طَلَبَ الإمْضاءَ في الكلِّ وتكميلَ حقِّ الوَرَثَة من الثَّمَن؛ لم يكُنْ له ذلك.

وعَنْهُ: يَصِحُّ في العَينِ

(2)

كلِّها، ويَرُدُّ المشْتَرِي الوارثُ تمامَ قِيمتِها أوْ يَفسَخُ.

(فَإِنْ كَانَ لَهُ شَفِيعٌ؛ فَلَهُ أَخْذُهُ)؛ لأِنَّها تَجِبُ بالبَيع الصَّحيح، وقد وُجِدَ، (فَإِنْ أَخَذَهُ؛ فَلَا خِيَارَ لِلْمُشَتَرِي)؛ لِزَوالِ الضَّرَر عَنه؛ لأِنَّه لو فَسَخَ المبيع رَجَعَ بالثَّمنِ، وقد حَصَلَ له الثَّمَنُ من الشَّفِيعِ.

فَرْعٌ: إذا آجَرَ نفْسَه، وحَابَى المستأجر؛ صحَّ مَجَّانًا.

(1)

في (ح): العين.

(2)

في (ق): العتق.

ص: 539

(وَإِنْ بَاعَ الْمَرِيضُ أَجْنَبِيًّا، وَحَابَاهُ)؛ لم يَمنَعْ ذلك من صحَّة العَقْد في قَولِ الجمهور؛ لأِنَّه تصرُّفٌ صَدَرَ من أهْلِه في محلِّه، فَصَحَّ، كغَيرِ المريضِ.

فَعَلَيهِ: لو باعَ عَبْدًا لا يَمْلِكُ غَيرَه، قِيمَتُه ثلاثون بِعَشَرةٍ؛ فقد حَابَى المشْتَرِيَ بثُلُثَيْ

(1)

مالِه، ولَيسَ له المحاباةُ بأكثرَ من الثُّلُث، فإنْ أجاز الوَرَثَةُ ذلك؛ لَزِمَ البَيعُ، وإنْ رَدُّوا، فاختار المشْتَرِي فَسْخَ البَيع؛ فله ذلك، وإن اختار إمْضاءَه؛ فعن أحمدَ: يأخُذُ نصفَ المبِيع بنِصف الثَّمن، ويُفسَخُ البَيعُ في الباقي، وصحَّحه الشَّيخانِ.

وطريقُه: أن

(2)

يُسقِطَ الثَّمَنَ - وهو عَشَرةٌ - من قِيمة العَبدِ - وهو ثلاثون -، ثُمَّ يأخُذُ ثلثَ المبيع - وهو عشرةٌ -، فَيَنْسُبَه من الباقي - وهو عِشْرُونَ -، فَمَا خَرَجَ بالنِّسبة؛ صحَّ البَيعُ في مِقْدار تلك النِّسبة، فيَصِحُّ البَيعُ في نصف المبِيعِ بنِصْف الثَّمن.

وعلى قَولِ القاضِي: يَنسِبُ الثَّمنَ وثُلُثَ المبِيع مِنْ قِيمة المبِيعِ، فيَصِحُّ في مِقْدار تلك النِّسبة بالثَّمَن كلِّه، وهو قَولُ أهلِ العراق.

فلو باعه بخمسةَ عَشَر، وهو يُساوِي ثلاثين؛ صحَّ البَيعُ في ثُلُثَيْه بثُلُثَي الثَّمن على الأوَّل، وعلى الثَّاني: للمشْتَرِي خمسةُ أسداسه

(3)

.

(وَكَانَ شَفِيعُهُ

(4)

وَارِثًا؛ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالشُّفْعَةِ) في الأصحِّ؛ (لِأَنَّ الْمُحَابَاةَ لِغَيْرِهِ)؛ كما لو وَصَّى لغَريمِ وارِثِه، وهذا إذا لم يَكُنْ حيلةً، ولأِنَّه إنَّما مُنِعَ منها في حقِّ الوارث لِمَا فيها من التُّهمة من إيصال

(5)

المال إلى بعض الوَرَثة

(1)

في (ق): فبثلثي.

(2)

قوله: (وطريقه أن) في (ح): وأن.

(3)

في (ح): أسداس.

(4)

في (ح): شفعته.

(5)

في (ح): اتصال.

ص: 540

المنهيِّ عنه شَرْعًا، وهذا مَعْدومٌ فِيمَا إذا أَخَذَ بالشُّفْعة ما وَقَعَتْ فيه المحاباةُ.

وقِيلَ: لا يَملِكُ الوَارثُ الشُّفْعةَ؛ لِإِفْضائه إلى إثْبات حقِّ وارِثه.

فَرْعٌ: لا يَصِحُّ تعليقُ عطيَّةٍ مُنجَّزةٍ ونحوِها في مرضٍ مَخُوفٍ على شَرْطٍ إلاَّ في العِتْق، فلو علَّق صحيحٌ عِتْقَ عَبْدِه، فَوُجِدَ شَرْطُه في مرضه؛ فمِنْ ثُلُثِه في الأصحِّ.

(وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ الْمَوْتِ)؛ لأِنَّه وقْتُ لُزومِ الوصايا واسْتِحقاقها، ويَثْبُتُ له وِلايةُ القَبول والرَّدِّ، فإنْ ضاق ثُلثُه عن العطيَّة والوصيَّة؛ قُدِّمت العطيَّةُ في قَول جمهور الفقهاء؛ لأِنَّها لازِمةٌ، فقُدِّمتْ على الوصيَّة؛ كعَطِيَّة الصِّحَّة.

وعنه: هما سَواءٌ.

وتُعتَبَرُ

(1)

قِيمةُ المنجَّز وقَبولُه حِينَ نجَّزه، ونماؤه

(2)

من حِينه إلى الموت تَبَعٌ له، فمَنْ جَعَل عَطِيَّتَه من ثُلُثه، فحَمَل

(3)

ما نجَّزه؛ فكَسْبُه له، وإلاَّ فله منه بقَدْر ما خَرَجَ من أصْله من الثُّلُث، ولَيسَ بشَرِكةٍ، قالَهُ في «الرِّعاية» .

(فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، ثُمَّ مَلَكَ مَالاً يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِهِ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ عَتَقَ كُلُّهُ)؛ لِخروجه من الثُّلث عند الموت، (وَإِنْ صَارَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُ؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ شَيْءٌ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأِنَّ الدَّينَ مُقدَّمٌ على الوصيَّة، بدليلِ قَولِ عليٍّ:«قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالدَّين قَبْلَ الوصيَّة»

(5)

.

وعنه: يَعتِقُ الثُّلُثُ؛ لأِنَّ تصرُّفَ المريض من الثُّلُث كتصرُّف الصَّحيح في الجميع، فإنْ مات قَبْلَ سيِّده؛ ماتَ حُرًّا، وقِيلَ: بل ثُلُثُه.

(1)

في (ق): ويعتبر.

(2)

في (ح): حين يجوز نماؤه.

(3)

في (ق): فكمل.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4498.

(5)

سبق تخريجه 3/ 82 حاشية (1).

ص: 541

فَرْعٌ: هِبَتُه كعِتْقِه.

فائدةٌ: للمريض لُبْسُ ناعِمٍ، وأكْلُ طَيِّبٍ لِحاجَتِه، وإنْ فَعَلَه لِتَفْوِيت حقِّ الوَرَثَة؛ مُنِعَ، قالَهُ في «الانتصار» ، وفِيهِ: يمنعه

(1)

إلاَّ بِقَدْر حاجَتِه وعادَتِه، وسلَّمه أيْضًا؛ لأِنَّه لا يُسْتَدْرَكُ؛ كإتْلافه

(2)

، جزم

(3)

به الحُلْوانِيُّ وغَيرُه؛ لأِنَّ حقَّ وارِثِه لم يَتَعَلَّقْ بعَينِ مالِهِ.

(1)

في (ح): فيمنعه.

(2)

قوله: (كإتلافه) هو في (ق): كاملاً فيه.

(3)

في (ظ): وجزم.

ص: 542

(فَصْلٌ)

(وَتُفَارِقُ الْعَطِيَّةُ الْوَصِيَّةَ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ):

(أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ مِنْهَا)؛ لوقوعها

(1)

لازِمَةً، (وَالْوَصَايَا يُسَوَّى بَيْنَ الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ مِنْهَا)؛ لأِنَّها تبرُّعٌ بَعْدَ الموت، فَوُجِدَ دفْعَةً واحِدةً.

(وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الرُّجُوعَ فِي الْعَطِيَّةِ)؛ لأِنَّها تَقَعُ لازِمةً في حقِّ المعْطِي، تَنتَقِلُ

(2)

إلى المعْطَى في الحياة إذا اتَّصَلَ بها القَبولُ

(3)

والقَبْضُ، ولو كَثُرَتْ، وإنَّما مُنِعَ من التَّبرُّعِ بزيادةٍ على الثُّلُث لحقِّ الوَرَثة، (بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ)، فإنَّه يَملِكُ الرُّجوعَ فيها؛ لأِنَّ التَّبرُّعَ فِيهَا مَشْروطٌ بالموت، فَقَبْلَ الموت لم تُوجَدْ

(4)

، فهي كالهِبة قَبْلَ القَبول.

(وَالثَّالِثُ

(5)

: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَبُولُهُ لِلْعَطِيَّةِ عِنْدَ وُجُودِهَا)؛ لأِنَّها تمْليكٌ في الحال

(6)

، (بِخِلَافِ الوَصِيَّةِ

(7)

، فإنَّها تمْليكٌ بَعْدَ الموت، فاعْتُبِرَ عِنْدَ وُجودِه.

(وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ فِي الْعَطِيَّةِ مِنْ حِينِهَا) بِشُروطها؛ لأِنَّها إنْ كانَتْ هِبَةً فمُقْتَضاها تمْليكُه الموْهُوبَ في الحال، فيُعْتَبَرُ قَبولُها في المجلس؛ كعطيَّة

(1)

في (ظ): لوقعها.

(2)

في (ظ): ينتقل.

(3)

في (ق): القول.

(4)

في (ظ): لم يوجد.

(5)

في (ح): الثالث.

(6)

في (ق): المال.

(7)

في (ح): والوصية بخلافه.

ص: 543

الصِّحَّة، وكذا إنْ كانَتْ مُحاباةً أو إعتاقًا، (وَيَكُونُ مُرَاعًى)؛ لأِنَّا لا نَعلَمُ هل هو مَرَضُ الموت أوْ لا، ولا نَعلَمُ هل يَسْتفِيدُ مالاً أوْ يَتْلَفُ شَيءٌ من ماله، فتوقَّفْنا لِنَعْلَمَ عاقِبةَ أمْرِه لنعمل

(1)

بها، فإذا انْكَشَفَ الحالُ؛ عَلِمْنا حِينَئِذٍ ما ثَبَتَ حالَ العَقْد؛ كإسْلامِ أحدِ الزَّوجَينِ، (فَإِذَا

(2)

خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ؛ تَبَيَّنَّا أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا مِنْ حِينِهِ)؛ أيْ: مِنْ حِينِ العَطِيَّة؛ لأِنَّ المانِعَ مِنْ ثُبوتِه كَونُه زائدًا على الثُّلُث، وقد تبيَّنَ خِلافُه.

(فَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَبْدًا، أَوْ وَهَبَهُ لِإِنْسَانٍ، ثُمَّ كَسَبَ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِ شَيْئًا، ثُمَّ مَاتَ سَيِّدُهُ فَخَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ؛ كَانَ كَسْبُهُ لَهُ إِنْ كَانَ مُعْتَقًا)؛ لأِنَّ الكَسْبَ تابِعٌ لِملْكِ الرَّقَبةِ، (وَلِلْمَوْهُوبِ لَهُ إِنْ كَانَ مَوْهُوبًا)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وعُلِمَ منه: أنَّ العِتْقَ والهِبةَ نافِذانِ فيه إذا خرج من الثُّلث، فتعيَّن كَونُ الكَسْب للمُعْتَق والموْهوب له؛ للتَّبَعِيَّة.

(وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ) من الثُّلث؛ (فَلَهُمَا)؛ أيْ: للمُعْتَقِ والموْهُوب له، (مِنْ كَسْبِهِ بِقَدْرِ ذَلِكَ)؛ أيْ: بمِقْدار نِسْبَةِ ذلك البَعْض إلَيهِ.

(فَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، فَكَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِهِ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ؛ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ مِنْ كَسْبِهِ شَيْءٌ)؛ لأِنَّ الكَسْبَ يَتْبَعُ ما تَنفُذُ فيه العَطِيَّةُ دُونَ غَيرِه، فيَلزَمُ الدَّورُ؛ لأِنَّ للعَبد مِنْ كَسْبِه بقَدْرِ ما عَتَقَ، وباقِيهِ لسَيِّده، فيَزْدادُ به مالُ السَّيِّد، وتَزْدادُ

(3)

الحُرِّيَّةُ كذلك

(4)

، ويَزْدادُ حقُّه مِنْ كَسْبِه، فيَنْقُصُ به حقُّ السَّيِّد من كَسْبِه، ويَنقُصُ بذلك قَدْرُ المعتَقِ منه.

ونبَّه عَلَيهِ بقَولِه: (وَلِوَرَثَةِ سَيِّدِهِ شَيْئَانِ، فَصَارَ الْعَبْدُ وَكَسْبُهُ نِصْفَيْنِ)؛ أيْ:

(1)

في (ظ): ليعمل.

(2)

في (ح): وإذا.

(3)

في (ق): ويزداد.

(4)

في (ق): لذلك.

ص: 544

صار مقسومًا نِصفَينِ؛ لأِنَّ العَبْدَ لَمَّا اسْتَحَقَّ بِعِتْقِه شَيئًا وبِكَسْبِه شَيئًا؛ كان له في الجملة شَيئانِ، وللوَرَثَة شَيئانِ، (فَيَعْتِقُ مِنْهُ نِصْفُهُ، وَلَهُ نِصْفُ كَسْبِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ نِصْفُهُمَا)؛ أيْ: نِصْفُ العبد ونِصْفُ الكَسْب، فإذا كان العَبْدُ قِيمتُه مائَةٌ - مَثَلاً -، وكَسَبَ مائَةً؛ قسمت ذلك على أربعة أشْياءَ، فيَكونُ الشَّيءُ خَمسين

(1)

، وهو أَوْلى من ضمِّ الأشْياء، ثُمَّ يُقسَمُ نصفَينِ؛ لأِنّ بالأوَّل تبيَّنَ مِقدَارُ الشَّيء، فيُعلَمُ مِقْدارُ العِتْقِ، بخِلاف القِسْمة نِصفَينِ، فإنَّه يُحتاجُ إلى نَظَرٍ ليَبين

(2)

مِقْدارُ العِتْقِ.

(وَإِنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمَتِهِ؛ صَارَ لَهُ شَيْئَانِ، وَعَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيَعْتِقُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ)، ففي مسْأَلَتِنا: إذا كَسَب مائَتَينِ؛ قَسَمْتَ المجموعَ - وهو ثلاثُمائَةٍ - على خَمْسةِ أشْياءَ: ثلاثةٌ للعبد، وشَيئانِ للوَرَثة، وَجَدْتَ كلَّ شَيءٍ يَعدِلُ شَيئَينِ، وذلك ثلاثةُ أخْماسِ العَبْدِ.

(وَإِنْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ عَتَقَ مِنْهُ شَيْءٌ، وَلَهُ نِصْفُ شَيْءٍ مِنْ كَسْبِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ)، فالجميعُ ثلاثةُ أشْياءَ ونِصفُ شَيءٍ، فابْسُطْها تَصِيرُ سَبْعةً، له ثلاثةُ أسباعِه، (فَيَعْتِقُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِ، وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ كَسْبِهِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ) في الصُّوَر كلِّها؛ لأِنَّه ملْكُهم.

وضابِطُ ذلك أنْ نقولَ: عَتَقَ منه شَيءٌ، وللورثة مِثْلَا ما عَتَقَ منه، وهو شَيئانِ، وله من كَسْبِه شَيءٌ إنْ كَسَبَ مِثْلَ قِيمَتِه، وشَيئانِ إنْ كَسَبَ مِثْلَيْ قِيمتِه، وثَلاثةُ أشْياءَ إنْ كَسَبَ ثلاثةَ أمْثالِ قِيمتِه، ونِصْفُ شَيءٍ إنْ كَسَبَ مِثْلَ نِصْفِ قِيمَتِه، وعلى هذا أبَدًا، ثُمَّ تَجمَع الأشْياءَ، فَتَقْسِمُ

(3)

قِيمةَ العبد وكَسْبهُ عليها،

(1)

قوله: (خمسين) سقط من (ح).

(2)

في (ح): لتبين.

(3)

في (ظ): فيقسم.

ص: 545

فما خَرَجَ فهو الشَّيءُ.

فلو أعْتَقَ عبدًا لا مالَ له سِواهُ، قِيمتُه مائةٌ، فكَسَب ثلاثةَ أمثْالِ قيمته؛ فقد عَتَقَ منه شَيءٌ، ولِوَرَثَة سيِّده شَيئانِ، وله مِنْ كَسْبه ثلاثةُ أشْياءَ، فتَجْمَع الأشْياءَ فتَصِيرُ ستَّةً، فاقْسِمْ عَلَيها قيمةَ العبد وكَسْبَه، وذلك أربعُمائَةٍ، يَخرُج الشَّيءُ ستَّةً وسِتِّينَ وثُلُثين

(1)

، فقد عَتَقَ منه شَيءٌ، وهو ثُلُثَا قِيمَتِه، ولِوَرَثَة سيِّده شَيئانِ مِثْلا ما عَتَقَ منه، وله مِنْ كَسْبِه ثلاثةُ أشْياءَ، مائتانِ، وهي

(2)

ثُلُثا كَسْبِه.

فَرْعٌ: أعْتَقَ عبْدًا قِيمَتُه عِشْرُونَ، ثُمَّ آخَرَ قِيمَتُه عَشَرةٌ، فكَسَبَ كلٌّ منهما قَدْرَ قِيمَتِه، تكَمَّلَت الحُرِّيَّةُ في العبد الأوَّل، فيَعْتِقُ منه شَيءٌ، وله مِنْ كَسْبِه شَيءٌ، وللوَرَثة شَيئانِ، فيَقْسِمُ العَبْدَينِ وكَسْبَهما على الأشْياءِ الأربعةِ، فيَخْرُجُ لِكُلِّ شَيءٍ خمسةَ عَشَرَ، فيَعتِقُ منه بِقَدْر ذلك، وهو ثلاثةُ أرْباعِه، وله ثَلاثةُ أرْباعِ كَسْبِه، والباقِي للوَرَثَة.

وإنْ بَدَأَ بِعِتْقِ الأدْنَى

(3)

؛ عَتَقَ كلُّه، وأَخَذَ كَسْبَه، ويَسْتَحِقُّ الوَرَثَةُ من العَبْد الآخَرِ

(4)

وكَسْبِه مِثْلَيِ

(5)

العَبْدِ الَّذي عَتَقَ

(6)

، وهو نِصفُه ونِصفُ كَسْبه، ويَبْقَى نِصفُه ونِصفُ كَسْبِه بَينَهما نَصْفَينِ، فيَعتِقُ رُبُعُه، وله رُبعُ كَسْبِه، ويَرِقُّ ثلاثةُ أرْباعِه، ويَتْبَعُه ثلاثةُ أرْباعِ كَسْبه، وذلك مِثلَا ما عَتَقَ منهما.

فإِنْ أعْتَقَهما معًا؛ أقْرَعْنا بَينَهما، فَمَنْ خَرَجتْ له قُرْعةُ الحُرِّيَّةِ؛ فهو كما لو بدأ بإعْتاقه.

(1)

في (ح): وثلاثين.

(2)

في (ح): وهو.

(3)

في (ق): الأول.

(4)

في (ق): الأخير.

(5)

في (ق): مثل.

(6)

في (ح): عتقا.

ص: 546

فلو كانا متساوِيَيِ

(1)

القِيمَةِ، فأعْتَقَهما بكلمةٍ واحدةٍ، ولا مالَ له سَواهُما، فمات أحدُهما في حياته؛ أُقْرِعَ بَينَ الحيِّ والميت، فإنْ وَقَعتْ على الميت؛ فالحيُّ رَقِيقٌ، ويَتَبيَّنُ

(2)

أنَّ الميتَ نصفُه حُرٌّ؛ لأِنَّ مع الوَرَثة مِثْلَ نصفه، وإنْ وَقَعتْ على الحيِّ؛ عَتَقَ ثُلُثه

(3)

ولا يُحْسَبُ الميتُ على الورثة؛ لأِنَّه لم يَصِلْ إلَيهِم.

(وَإِنْ كَانَ مَوْهُوبًا لِإِنْسَانٍ؛ فَلَهُ)؛ أيْ: للمَوهُوبِ له (مِنَ الْعَبْدِ

(4)

بِقَدْرِ مَا عَتَقَ مِنْهُ)؛ لأِنَّ القَدْرَ الموْهُوبَ يَعْدِلُ القَدْرَ المعْتَقَ، (وَبِقَدْرِهِ مِنْ كَسْبِهِ)؛ لأِنَّ الكَسْبَ يَتْبَعُ الملْكَ، فلَزِمَ أنْ يَملِكَ من الكَسْبِ بِقَدْرِ ما مَلَكَ من العَبد.

فإنْ كانَتْ قِيمَتُه مائَةً فكَسَبَ تسعةً، فاجْعَلْ له مِنْ كلِّ دِينارٍ شَيئًا، فقد عَتَقَ منه مائةُ

(5)

شَيءٍ، وله مِنْ كَسْبه تسعةُ أشْياءَ، ولهم مائتا شَيءٍ، فيَعْتِقُ منه مائةُ جُزْءٍ، وتِسْعةُ أجْزاءٍ مِنْ ثلاثِمائةٍ وتِسعةٍ، وله

(6)

من كَسْبه مِثْلُ ذلك، ولهم مائتا جزءٍ من نفسه ومائتا جزءٍ من كَسْبه.

فإنْ كان على السَّيِّد دَينٌ يَسْتَغْرِقُ قِيمتَه وقِيمةَ كَسْبه؛ صُرِفا في الدَّين، ولم يَعتِقْ منه شَيءٌ؛ لأِنَّ الدَّينَ مُقدَّمٌ على التَّبرُّع، وإن لم يَسْتغْرِقْ قِيمتَه وقِيمةَ كَسْبِه؛ صُرِفَ مِنَ العبدِ وكَسْبِه ما يُقْضَى منه الدَّينُ، وما بَقِيَ منهما يُقْسَمُ على ما يُعمَلُ في العبد الكامِلِ وكَسْبِه.

(وَإنْ أَعْتَقَ جَارِيَةً) لا مالَ له غَيرُها، (ثُمَّ وَطِئَهَا، وَمَهْرُ مِثْلِهَا نِصْفُ

(1)

في (ق): متساوي.

(2)

في (ق): ونتبين.

(3)

في (ظ): ثلثيه. والمثبت موافق للمغني 6/ 208 والشرح الكبير 17/ 154.

(4)

قوله: (من العبد) سقط من (ظ) و (ق).

(5)

في (ح): بمائة.

(6)

في (ح): له.

ص: 547

قِيمَتِهَا؛ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَسَبَ نِصْفَ قِيمَتِهَا، يَعْتِقُ

(1)

مِنْهَا ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهَا)؛ لأِنَّها لو كَسَبَتْ نصفَ قيمتها؛ لَعَتَقَ منها ثلاثةُ أسْباعها، سُبُعٌ بِملْكِها له مِنْ نَفْسِها بحقِّها من مَهْرِها، ولا وَلاءَ عَلَيها لَأحَدٍ، وسُبُعانِ بإعْتاقِ الميت، لكِنْ في التَّشْبِيه نَظَرٌ مِنْ حَيثُ إنَّ الكَسْبَ يَزِيدُ به ملْكُ السَّيِّد، وذلك يَقْتَضِي الزِّيادةَ في العتق، والمهرُ يَنقُصُه، وذلك يَقْتَضِي نقصانَ العِتْق.

(وَلَوْ وَهَبَهَا مَرِيضًا آخَرَ لَا مَالَ لَهُ أَيْضًا، فَوَهَبَهَا الثَّانِي لِلْأَوَّلِ)، وماتا جميعًا؛ (صَحَّتْ هِبَةُ الْأَوَّلِ فِي شِيْءٍ

(2)

، وَعَادَ إِلَيْهِ بِالْهِبَةِ الثَّانِيَةِ ثُلُثُهُ، بَقِيَ لِوَرَثَةِ الآْخَرِ ثُلُثَا شَيْءٍ، وَلِلْأَوَّلِ)؛ أيْ: لِوَرَثَة الأوَّلِ (شَيْئَانِ)، فاضْرِبْها في ثلاثةٍ؛ لِيَزُولَ الكَسْرُ، تَكُنْ ثمانيةَ أشْياء، تَعدِلُ الأَمَةَ الموْهوبَةَ، (فَلَهُمْ)؛ أيْ: لِوَرَثَة الأوَّل (ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا)؛ سِتَّةٌ، (وَلِوَرَثَةِ الثَّانِي رُبُعُهَا)؛ شَيئانِ، وإنْ شِئْتَ قُلتَ: المسألةُ من ثلاثةٍ؛ لأِنَّ الهِبَةَ صحَّتْ في

(3)

ثُلُث المال، وهِبَةَ الثَّاني صَحَّتْ في ثُلُثِ الثُّلُث، فتَكونُ مِنْ ثلاثةٍ، اضْرِبْها في أصْلِ المسألة تَكُنْ تِسعةً، أسْقِطِ السَّهْمَ الَّذي صَحَّتْ فيه الهِبَةُ الثَّانيةُ، بَقِيَت المسألةُ من ثَمانِيَةٍ.

(وَإِنْ بَاعَ مَرِيضٌ قَفِيزًا لَا يَمْلِكُ

(4)

غَيْرَهُ، يُسَاوِي ثَلَاثِينَ، بِقَفِيزٍ يُسَاوِي عَشَرَةً)، وهُما من جِنْسٍ واحِدٍ، فيُحتَاجُ إلى تَصْحِيحِ البَيعِ في جُزْءٍ منه مع التَّخلُّص من الرِّبا؛ لِكَونِه يَحرُمُ التَّفاضُلُ بَينَهما، فأشار إلى الطَّريقة فقال: (فَأَسْقِطْ قِيمَةَ الرَّدِيءِ مِنْ قِيمَةِ الْجَيِّدِ، ثُمَّ انْسُبِ الثُّلُثَ إِلَى مَا بَقِي

(5)

، وَهُوَ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ، تَجِدْهُ نِصْفَهَا، فَيَصِحُّ الْبَيْعُ فِي نِصْفِ الْجَيِّدِ بِنِصْفِ

(1)

في (ظ): فعتق.

(2)

قوله: (في شيء) سقط من (ح).

(3)

في (ح): من.

(4)

في (ح): لا ملك.

(5)

قوله: (ما بقي) في (ح): الباقي.

ص: 548

الرَّدِيءِ)؛ لأِنَّ ذلك مُقابَلَة

(1)

بعْضِ المبيعِ بِقِسْطِه من الثَّمَن عِنْدَ تعذُّر أخْذِ جَميعِه بجميع الثَّمَن، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى سِلْعَتَينِ بثَمَنٍ، فانْفَسَخَ البَيعُ في أحَدِهما بعَيبٍ أوْ غَيرِه، (وَيَبْطُلُ فِيمَا بَقِيَ)؛ لانْتِفاء المقْتَضِي للصِّحَّة، لا يُقالُ: هلاَّ

(2)

يَصِحُّ في الجَيِّد بقَدْر قِيمة الرَّدِيءِ، ويَبطُلُ في غَيرِه؟ لأِنَّه يُفْضِي إلى الرِّبا؛ لكَونِهِ عَقْدًا يَصِحُّ في ثُلُث الجَيِّد بكلِّ الرَّديءِ، وذلك رِبًا؛ ولأِنَّ المحاباةَ في البَيع وصيَّةٌ، وفِيما ذُكِرَ إبطالها

(3)

؛ لأِنَّه لا يَحصُلُ لها

(4)

شَيْءٌ.

وطَريقُ الجَبْر أنْ يُقالَ: يَصِحُّ البَيعُ في شَيءٍ من الأرْفَعِ بشَيءٍ من الأَدْنَى، وقِيمتُه ثُلُثُ شَيءٍ، فتكون

(5)

المحاباةُ بثُلُثَيْ شَيءٍ، أَلْقِها من الأرْفَعِ، يَبْقَى قَفِيزٌ إلاَّ ثُلُثَيْ شَيءٍ، يَعدِلُ ثُلُثَي

(6)

المحاباةِ، وذلك شَيءٌ وثُلُثُ شَيءٍ، فإذا جَبَرْتَه عَدَلَ شَيئَينِ؛ فالشيء

(7)

نِصْفُ القَفِيزِ.

فإن

(8)

كان الأَدْنَى يُسَاوِي عِشْرينَ؛ صحَّتْ في جَمِيع الجَيِّد بجميع الرَّدِيءِ، وإن كان الأدْنَى يُساوِي خَمسةَ عَشَرَ؛ فاعْمَلْ بالطَّرِيقَينِ

(9)

الأوَّلَينِ، ولك طريقٌ آخَرُ، وهو: أنْ تَضرِبَ ما حاباه به في ثلاثةٍ، تَبْلُغُ

(10)

خمسةً

(1)

في (ح): يقابله.

(2)

في (ح) و (ق): فلا.

(3)

في (ح): إبطالهما.

(4)

في (ح): لهما. وفي الممتع 3/ 211: بها.

(5)

في (ظ): يكون.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 6/ 210 والشرح الكبير 17/ 165: مثلي. وفي نهاية المطلب 10/ 385: ضعفي.

(7)

في (ح): والشيء.

(8)

في (ح): وإن.

(9)

في (ق): الطريقين.

(10)

في (ق): يبلغ.

ص: 549

وثلاثِينَ

(1)

، انْسُبْ قِيمةَ الجَيِّدِ إلَيهَا؛ بثُلثيها

(2)

، فيَصِحُّ بيعُ ثُلُثَي الجَيِّدِ بثُلُثَي الرَّدِيءِ، وبَطَلَ فِيمَا عَداهُ.

فَرْعٌ: لَوْ حابَى في إقالةٍ في سَلَمٍ؛ كَمَنْ أسْلَفَ عَشَرةً في كُرِّ حِنطَةٍ، ثُمَّ أقالَهُ في مَرَضه، وقِيمتُه ثلاثونَ؛ تَعيَّن الحُكْمُ كما ذَكَرَه؛ لِإمْضاءِ

(3)

الإقالَة في السَّلَم بزيادةٍ، وهو مُمْتَنِعٌ.

(وَإِنْ أَصْدَقَ امْرَأَةً عَشَرَةً لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهَا، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا: خَمْسَةٌ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ، ثُمَّ مَاتَ)؛ فَيَدخُلُها الدَّوْرُ، فنَقولُ: (لَهَا بِالصَّدَاقِ خَمْسَةٌ

(4)

؛ لأِنَّها مَهْرُ مِثْلِها، (وَشَيْءٌ بِالْمُحَابَاةِ)؛ لأِنَّها كالوصيَّة، ويبقى

(5)

لِوَرَثَة الزَّوج خَمْسَةُ الأشْياءِ، (رَجَعَ إِلَيْهِ نِصْفُ ذَلِكَ بِمَوْتِهَا)؛ لأِنَّ الزَّوجَ يَرِثُ نِصْفَ ما لاِمْرأته إذا لم يكُنْ لها وَلَدٌ، (صَارَ لَهُ سَبْعَةٌ وَنِصْفٌ إِلاَّ نِصْفَ شَيْءٍ)؛ لأِنَّه كان له خَمْسةٌ إلاَّ شيئًا

(6)

، وَوَرِثَ اثْنَينِ ونِصْفًا ونِصْفَ شَيءٍ، (يَعْدِلُ

(7)

شَيْئَيْنِ)؛ لأنه

(8)

مِثلَا ما اسْتَحَقَّتْه المرأةُ بالمحاباة، وذلك شَيءٌ، (اجْبُرْهَا بِنِصْفِ شَيْءٍ)؛ لِيُعْلَمَ، (وَقَابِلْ)؛ أيْ: يُزادُ على الشَّيئَينِ نصفُ شَيءٍ، فلْيُقابَلْ ذلك النِّصفُ المرادُ؛ أي: يَبقَى سبعةٌ ونصْفٌ، تَعْدِلُ

(9)

شَيئَينِ ونصفًا، (يَخْرُجُ الشَّيْءُ ثَلَاثَةً، فَلِوَرَثَتِهِ سِتَّةٌ)؛ لأِنَّ لهم شَيْئَينِ، (وَلِوَرَثَتِهَا

(10)

أَرْبَعَةٌ)؛ لأِنَّه كان

(1)

كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابه: خمسة وأربعين.

(2)

في (ح): بثلثها.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي المحرر للمجد 1/ 380: لإفضاء.

(4)

في (ظ): لها خمسة بالصداق. وفي (ق): لها خمسة وشيء بالصداق.

(5)

في (ح): يبقى.

(6)

قوله: (إلا شيئًا) هي في (ح): أشياء.

(7)

في (ح): تعدل.

(8)

في (ظ): إلا.

(9)

في (ق): يعدل.

(10)

في (ح): ولورثتهما.

ص: 550

لها خمسةٌ وشَيءٌ، وذلك ثمانيةٌ، رَجَعَ إلى وَرَثَته نِصفُها، وهي أربعةٌ.

والطَّريقةُ في هذا: أنْ نَنظُرَ

(1)

ما بَقِيَ في يَدِ وَرَثَةِ الزَّوج، فخُمُساهُ هو الشَّيءُ الذي صحَّت المحاباةُ فيه، وذلك لأِنَّه بَعْدَ الجَبْرِ يَعدِلُ شَيئَينِ ونِصْفًا، والشَّيءُ هو خُمُساها، وإنْ شِئْتَ أسْقَطْتَ خُمُسَه، وأخَذْتَ نِصْفَ ما بَقِيَ.

(وَإِنْ مَاتَ قَبْلَهَا؛ وَرِثَتْهُ)؛ لأِنَّها زَوجَتُه، (وَسَقَطَتِ الْمُحَابَاةُ، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ حُكمَها في المرض حُكْمُ الوصيَّة في أنَّها لا تَصِحُّ لوارِثٍ، فَعَلَيهِ: لو كانت غَيرَ وارِثِة؛ كالكافِرَة؛ لم تَسقُط المحاباةُ؛ لِعَدَمِ الإرْثِ، وحِينَئِذٍ: فلها مَهرُها وثُلُثُ ما حاباها به.

(وَعَنْهُ: تُعْتَبَرُ الْمُحَابَاةُ مِنَ الثُّلُثِ)؛ لأِنَّها مُحاباةٌ لِمَنْ يَجُوزُ

(2)

عَلَيهَا الصَّدَقةُ، فاعْتُبِرَتْ من الثُّلُث؛ كمُحاباةِ الأجْنَبِيِّ، (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: هَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ رَجَعَ عَنْهُ).

وقِيلَ: تَسقُطُ المُحاباةُ إنْ لم يُجِزْها بَقِيَّةُ الوَرَثَة.

وقِيلَ: يَسقُطُ المسَمَّى ويَجِبُ مَهْرُ المِثْلِ.

وقِيلَ: مَهْرُها ورُبُع الباقِي.

وقيل: بَلْ ثُلُثُ المُحاباةِ.

وكذا الخِلافُ فِيمَنْ تزوَّجَ مَنْ تَرِثُه

(3)

في مَرَضِه بأكثرَ مِنْ مَهْر المِثْل، ولو تزوَّج مريضةً بِدُونِ مَهْرِها؛ فهل لها ما نَقَصَ؟ فيه وَجْهانِ.

(1)

في (ق): تنظر.

(2)

في (ق): تجوز.

(3)

في (ظ): يرثه.

ص: 551

(فَصْلٌ)

(وَلَوْ مَلَكَ ابْنَ عَمِّهِ، فَأَقَرَّ فِي مَرَضِهِ: أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ؛ عَتَقَ) مِنْ رأْسِ المال؛ لأِنَّ إقْرارَ المريض بذلك كالصَّحيح، (وَلَمْ يَرِثْهُ، ذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ)، وفي «الرِّعاية»: أنَّه أقْيَسُ؛ (لِأَنَّهُ لَوْ وَرِثَهُ؛ كَانَ إِقْرَارُهُ لِوَارِثٍ)، فَيَبطُلُ عِتْقُه؛ لأِنَّه مُرتَّبٌ على صِحَّة الإقْرار، وهو لا يَصِحُّ لِوارِثٍ، وعَلَّله الخَبْري

(1)

: بأنَّ عِتْقَهم وصيَّةٌ، فلا يُجمَعُ لهم بَينَ الأمْرَينِ؛ لأِنَّهم إذا وَرِثُوا؛ بَطَلَت الوصيَّةُ، وإذا بَطَلَت الوصيَّةُ؛ بَطَلَ العِتْقُ، فيُؤَدِّي تَوْريثُهم إلى إسْقاطِ توريثهم.

وقِيلَ: يَرِثُ؛ لأِنَّه حِينَ الإقْرار لم يَكُنْ وارِثًا، فَوَجَبَ أنْ يَرِثَ؛ كما لو لم يَصِرْ وارِثًا.

(وَكَذَلِكَ عَلَى قِيَاسِهِ: لَوِ اشْتَرَى ذَا رَحِمِهِ الْمَحْرَمِ)؛ أي: مَنْ يَعتِقُ عَلَيهِ بالشراء (فِي مَرَضِهِ

(2)

وَهُوَ وَارِثُهُ، أَوْ وَصَّى لَهُ بِهِ، أَوْ وَهَبَ

(3)

لَهُ فَقَبِلَهُ فِي مَرَضِهِ)؛ أيْ: يَعتِقُ، ولا يَرِثُ؛ لِمَا ذَكَرْنَاهُ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يَعْتِقُ وَيَرِثُ)، وهو المنصوصُ

(4)

، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وحاصلُه: أنَّه إذا مَلَكَ مَنْ يَعتِقُ عَلَيهِ بِهِبةٍ أوْ وصيَّةٍ، أوْ أقرَّ أنَّه أعْتَقَ ابنَ عمِّه عَتَقَا من رأس المال، وَوَرِثَا؛ لأِنَّه حِينَ موت

(5)

مَوْرُوثه لَيسَ

(1)

هو: عبد الله بن إبراهيم بن عبد الله أبو حكيم الخبري، نسبة إلى خَبْر - بفتح الخاء وسكون الباء -، من نواحي شيراز، تفقه على أبي إسحاق الشيرازي، وبرع في الفرائض والحساب، توفي 452 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 62.

(2)

قوله: (في مرضه) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ق): وهبه.

(4)

ينظر: المغني 6/ 142.

(5)

في (ح): فوت.

ص: 552

بقاتِلٍ ولا مُخالِفٍ لِدِينِه، ولا يكون عِتْقُهم وصيَّةً.

وقِيلَ: يَعتِقُ مِنْ ثُلُثه، وإلاَّ عَتَقَ منه بقَدْر الثُّلُث، فلو دبَّرَ ابْنَ عمِّه؛ عَتَقَ ولم يَرِثْ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

وإنْ قال: أنْتَ حُرٌّ في آخِرِ حياتِي؛ عَتَقَ، والأشْهَرُ: يَرِثُ، ولَيسَ عِتْقُه وصيَّةً.

ولو علَّق عِتْقَ عَبْدِه بمَوتِ قَريبِه؛ لم يَرِثْه، ذَكَرَه جماعةٌ، قال

(2)

القاضِي: لأِنَّه لا حقَّ له فِيهِ، قال في «الفروع»: ويَتَوَجَّهُ الخِلافُ.

مسألةٌ: إذا اشْتَرَى مريضٌ مَنْ يَعتِقُ على وارِثِه؛ صحَّ، وعَتَقَ على الوارِث قَولاً واحِدًا.

وإنْ وَصَّى بعِتْقِ بَعْضِ عَبْدٍ، أوْ أعْتَقَه، أوْ دبَّرَه، وبَقِيَّتُه له أوْ لِغَيرِه، وثُلُثُه يَحمِلُ كُلَّه؛ كَمُلَ عِتْقُه، وأخَذَ الشَّرِيكُ حَقَّه.

وعَنْهُ: لا سِرايَةَ فِيهِنَّ، وهو أَوْلَى.

وفي استسعائه للشَّريك روايتانِ.

وعَنْهُ: السِّرايَةُ في المنَجَّزِ فقطْ.

قال ابنُ حَمْدانَ: وإنِ اشْتَرَى المدْيونُ ذا رَحِمِه المَحْرَمِ؛ لم يَصِحَّ، وقِيلَ: بَلَى ويُباعُ في الدَّينِ.

ولو اتَّهَبَ عَبْدٌ مَنْ يَعتِقُ على سيِّده، وقُلْنا: يَصِحُّ قَبولُه بدونِ إذْنِه؛ عَتَقَ على سيِّده.

(وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَتَزَوَّجَهَا فِي مَرَضِهِ؛ لَمْ تَرِثْهُ عَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّ إرْثَها يُفْضِي إلى بُطْلانِ عِتْقِها؛ لأِنَّه وصيَّةٌ، وإبْطالَ عِتْقِها يُبْطِلُ تَوْرِيثَها.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 448.

(2)

في (ح): وقال.

ص: 553

(وَقَالَ الْقَاضِي: تَرِثُهُ)، نَصَّ عَلَيهِ في رِوايةِ المرُّوذِيِّ

(1)

، وهو المذهَبُ؛ لأِنَّ العِتْقَ في هذه الحالِ وصيَّةٌ بِمَا لا يَلحَقُه الفَسْخُ، فيَجِبُ تصحيحُه للوارِثِ؛ كالعَفْوِ عن العَمْد في مَرَضِه، فإنَّه لا يَسقُطُ مِيراثُه، ولا تَبطُلُ

(2)

الوصيَّةُ.

ومحلُّه: ما إذا خَرَجَتْ مِنْ الثُّلُث، كما لو أعْتَقَ ابْنَ عمِّه، أو اشْتَرَى ذا رَحِمٍ يَعتِقُ عَلَيهِ مِمَّنْ يَرِثُ.

ولو أعْتَقَها في صحَّته وتَزَوَّجها في مَرَضِه؛ فإنَّه يَصِحُّ، وتَرِثُه بغَيرِ خَلافٍ عَلِمْناهُ

(3)

.

(وَلَوْ أَعْتَقَهَا وَقِيمَتُهَا مائَةٌ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَأَصْدَقَهَا مائَتَيْنِ، لَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا، وَهِيَ

(4)

مَهْرُ مِثْلِهَا، ثُمَّ مَاتَ؛ صَحَّ الْعِتْقُ) والنِّكاح؛ لأِنَّه صَدَرَ مِنْ أهْلِه في مَحَلِّه، (ولم تَسْتَحِقَّ الصَّدَاقَ؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إِلَى بُطْلَانِ عِتْقِهَا، ثُمَّ يَبْطُلُ صَدَاقُهَا)، وَوَجْهُه: أنَّها إذا اسْتَحَقَّت الصَّداقَ؛ لم يَبْقَ شَيءٌ سِوَى قَيمةِ الأَمَة المقدَّر بَقاؤُها، فلا يَنفُذُ العِتْقُ في كلِّها؛ لِكَونِ الإنسانِ مَحْجُورًا عَلَيهِ في التَّصرُّف في مَرَضِه في جَمِيعِ مالِه، وإذا بَطَلَ العِتْقُ في البَعْض؛ بَطَلَ النِّكاحُ، وإذا بَطَلَ النِّكاحُ؛ بَطَلَ الصَّداقُ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: تَسْتَحِقُّ

(5)

الْمائَتَيْنِ) وتَعتِقُ

(6)

؛ لأِنَّ العِتْقَ وَصِيَّةٌ لها، وهِيَ غَيرُ وارِثةٍ، والصَّداقُ اسْتَحَقَّتْه

(7)

بِعَقْدِ المعاوَضَة، وهي تَنفُذُ من رأْسِ

(1)

ينظر: المغني 6/ 149.

(2)

في (ق): ولا يبطل.

(3)

ينظر: المغني 6/ 149.

(4)

في (ق): وهو.

(5)

في (ظ): يستحق.

(6)

في (ظ): يعتق.

(7)

في (ق): تستحقه.

ص: 554

المال، فهو كما لو تَزَوَّجَ أجْنَبِيَّةً وأصْدَقَها المائَتَينِ.

وفي إرْثِها الخِلافُ.

قال في «المغني» : والأوَّلُ أَوْلَى من القَول بصِحَّة العِتْق واستِحْقاقِ الصَّداقِ جميعًا؛ لِإِفْضائِه إلى القَول بصِحَّة العِتْقِ في مَرَضِ الموت مِنْ جميع المال، ولا خِلافَ في فَسادِ ذلك.

فلو أصْدَقَ المائتَينِ أجْنَبِيَّةً؛ صحَّ وبَطَلَ العِتْقُ في ثُلُثَي الأَمَة؛ لأِنَّ الخُروجَ من الثُّلُث معتبر

(1)

بحالة الموْتِ، وحالَةُ الموْت لم يَبقَ له مالٌ.

وكذا لو تَلِفَت المائَتانِ قَبْلَ مَوتِه عَتَقَ مِنْها الثُّلُثُ فقطْ.

فَرْعٌ: لو أعْتَقَ أَمَةً لا يَملِكُ غَيرَها، ثُمَّ تَزَوَّجَها؛ فالنِّكاحُ صحيحٌ في الظَّاهِرِ، فإنْ ماتَ ولم يَملِكْ شَيئًا آخَرَ؛ تَبَيَّنَّا أنَّ النِّكاحَ باطِلٌ، ويَسقُطُ مَهْرُها إنْ كان لم يَدخُلْ بها، وإنْ كانَ دَخَلَ بها، ومَهرُها نِصْفُ قِيمتِها؛ عَتَقَ منها ثلاثةُ أسْباعِها، ويَرِقُّ أربعةُ أسْباعِها، وحِسابُها أنْ نَقولَ: عَتَقَ منها شَيءٌ، ولها بِصَداقِها نِصْفُ شَيءٍ، وللوَرَثَةِ شَيئانِ، فتَجْمَعُه ثلاثةَ أشْياءَ ونِصْفًا، تبسطها

(2)

تكن سَبْعةً.

مسألةٌ: مريضةٌ أعْتَقَتْ عَبْدًا لها قِيمَتُه عَشَرةٌ، وتزوجها بعَشَرَةٍ في ذِمَّته، ثُمَّ ماتَتْ وخَلَّفَتْ مائةً، فمُقْتَضَى قَولِ الأصْحابِ: أنْ تُضَمَّ العَشَرَةُ إلى المائة، فتكونُ التَّرِكةَ، ويَرِثُ نَصْفَ ذلك، والباقِي للوَرَثَةِ.

وقال أبُو يُوسُفَ ومحمَّدٌ: يُحْسَبُ عَلَيهِ قِيمَتُه أيْضًا، ويُضَمُّ إلى التَّرِكَةِ، ويَبْقَى للوَرَثَة سِتُّونَ.

وقال الشَّافِعِيُّ: لا يَرِثُ شَيئًا، وعَلَيهِ أداءُ العَشَرَة الَّتي في ذِّمَّتِه؛ لِئَلاَّ

(1)

في (ح): يعتبر.

(2)

في (ح): تقسطها.

ص: 555

يكونَ إعْتاقُه وصيَّةً لِوارِثٍ، وهو مُقْتَضَى قَولِ الخِرَقِيِّ

(1)

.

فائدةٌ: وَهَبَ أَمَةً؛ حَرُمَ على المتَّهِبِ وطْؤُها حتَّى يَبرَأَ أوْ يَموتَ

(2)

، وفي «الخلاف»: له التَّصرُّفُ، وفي «الاِنتِصار»: وَالْوَطْءُ.

(وَإِنْ تَبَرَّعَ بِثُلُثِ مَالِهِ) في مَرَضِه، (ثُمَّ اشْتَرَى أَبَاهُ مِنَ الثُّلُثَيْنِ)، وله ابْنٌ؛ (فَقَالَ الْقَاضِي) ومُتابِعُوهُ:(يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَلَا يَعْتِقُ) الأبُ في الحال إذا اعْتَبَرْنا عِتْقَه من الثُّلُث؛ لِكَونِه اشْتَراهُ بمالٍ هو مُسْتَحَقٌّ للوَرَثَة بتَقْديرِ مَوتِه، ولأِنَّ تَبَرُّعَ المريضِ إنَّما يَنفُذُ من الثُّلُث، ويُقدَّمُ الأْوَّلُ فالأْوَّلُ، فإذا قُدِّمَ التَّبَرُّعُ؛ لم يَبْقَ من الثُّلُث شَيءٌ.

ولو اشترى

(3)

أباهُ بماله، وهو تِسْعةُ دنَانِيرَ، وقِيمتُه سِتَّةٌ، فقال المجْدُ: عِنْدِي تَنفُذُ المحاباةُ؛ لِسَبْقِها العِتْقَ، ولا يَعْتِقُ عَلَيهِ كالَّتي قَبْلَها.

وقال القاضِي: يَتَحاصَّان هُنا، فيَنفُذُ ثُلُثُ الثُّلُث للبائع مُحاباةً، وثُلُثاهُ للمُشْتَرِي عِتْقًا، فيَعْتِق به ثُلُثُ رَقَبَتِه، ويَرُدُّ البائعُ دِينارَينِ، ويكونُ ثُلُثا المشْتَرِي مع الدِّينارَينِ مِيراثًا.

(فَإِذَا مَاتَ) الْمُشْتَرِي؛ (عَتَقَ عَلَى الوَارِثِ

(4)

؛ لأِنَّه مَلَكَ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيهِ، (إِنْ كَانُوا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِمْ)؛ كالأْوْلادِ مَثَلاً؛ لأِنَّ الجَدَّ يَعتِقُ على أوْلادِ ابْنِه، (وَلَا يَرِثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْتِقْ فِي حَيَاتِهِ)، إذْ

(5)

شَرْطُ الإرْثِ: أنْ يكونَ حُرًّا عِنْدَ الموْتِ، ولم يُوجَدْ.

وعلى قَول غَيرِ القاضِي، وهو مَنْ يقول: إنَّ الشِّراءَ لَيسَ بوَصِيَّةٍ؛ يَعتِقُ

(1)

ينظر: الحاوي 18/ 63، المغني 6/ 150.

(2)

في (ظ): تبرأ أو تموت.

(3)

في (ح): اشتراه.

(4)

في (ح): الورثة.

(5)

في (ق): إذا.

ص: 556

الْأَبُ، ويَنفُذُ مِنْ التَّبرُّع قَدْرُ ثُلُثِ المال حالَ الموت، وما بَقِيَ فلِلأْبِ سُدُسُه، وبِاقِيهِ للوارِثِ.

فَرْعٌ: مَنْ وُهِبَ له أَبُوهُ؛ اسْتُحِبَّ له قَبولُه، وقِيلَ: يَجِبُ.

فإنْ قَبِلَه؛ عَتَقَ عَلَيهِ بالملْك، وَوَرِثَ، وإنْ وُهِبَ لِمُكاتَبِه أَبُوهُ؛ فله قَبولُه، ويَعتِقُ بِعِتْقِهِ

(1)

.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 557

(كِتَابُ الْوَصَايَا)

وهي: جَمْعُ وصِيَّةٍ؛ كالعَطايَا جَمْعُ عَطِيَّةٍ، والعَرايا جَمْعُ عرية

(1)

، فالوصِيَّةُ فَعِيلةٌ، والياءُ

(2)

السَّاكِنَةُ بَعْد الصَّاد زائدةٌ للمَدِّ، والياءُ المتحرِّكةُ بَعْدَها لامُ الكلمة، وأُدْغِمَتْ، والتاء

(3)

للتَّأنيث.

وأصْلُه: وَصائِيُ، بهمْزةٍ مكسورةٍ بَعْدَ المدِّ، يليها

(4)

ياءٌ متحرِّكةٌ، هي

(5)

لامُ الكَلِمة، فُتِحَتْ هذه الهمزةُ العارضةُ في الجَمْع، وقُلِبَت الياءُ ألِفًا؛ لِتحرُّكِها وانْفِتاحِ ما قَبلَها، فصار وصاآ

(6)

، فكَرِهوا اجْتِماعَ أَلِفين بَينَهما همزةٌ، فَقَلَبوها ياءً، فصار: وَصَايَا.

ولو قِيلَ: إنَّ وَزْنَه: فَعَالَى، وإنَّ جَمْعَ المعْتَلِّ خِلافُ جَمْعِ الصَّحيحِ؛ لَكانَ حَسَنًا.

وهي في الأصْل: مأخوذةٌ مِنْ وَصَيتُ الشَّيءَ: إذا وَصَلْتَه، فالموصِي وَصَلَ ما كان له في حياته بِما بَعْدَ مَوتِه.

والإجْماعُ على مَشْروعيَّتها

(7)

، وسَنَدُه قَولُه تعالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ

(180)} الآيةَ [البَقَرَة: 180]، وقَولُه تعالَى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّسَاء: 11]، وقَولُه عليه السلام:«ما حقُّ امْرِئٍ مسلِمٍ له شَيءٌ يُوصِي به؛ يَبِيتُ لَيلتَينِ إلاَّ وصِيَّتُه مكتوبةٌ عِنْدَ رأْسِه» مُتَّفقٌ عَلَيهِ من حديثِ

(1)

قوله: (والعرايا جمع عرية) سقط من (ح).

(2)

في (ظ): والتاء.

(3)

في (ظ): والياء.

(4)

في (ح): تليها.

(5)

في (ظ): وهي.

(6)

في (ح): وصارا.

(7)

ينظر: مراتب الإجماع ص 110، الإجماع لابن المنذر ص 76.

ص: 559

ابنِ عمرَ

(1)

، وعن أبِي الدَّرْداء مرفوعًا:«إنَّ الله تَصدَّق عَلَيكم بثُلُثِ أمْوالكم عِنْدَ وفاتكم، زيادةً في حَسَناتِكم؛ لِيَجْعَلَها لكم زيادةً في أعْمالِكُم» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

.

(وَهِيَ الْأَمْرُ بِالتَّصَرُّفِ بَعْدَ الْمِوْتِ)، فهي لُغةً: عِبارةٌ عن الأمر؛ لِقَولِه تعالَى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} [البَقَرَة: 132]، {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعَام: 151]، ومِنُه قَولُ الخَطِيب: أُوصِيكُمْ بتقوى الله، أيْ: آمُرُكم.

فَقَولُه: (هي الأمْرُ بالتَّصرُّف) إلى آخره؛ بَيانٌ لأِحَدِ نَوعَي الوصيَّةِ، وهي أنْ يُوصِيَ إلى إنْسانٍ أنْ يتكلَّمَ على أولاده الصِّغار، أو يُفرِّقَ ثُلُثَ ماله.

والقَيدُ الأخِيرُ: أخْرَجَ الوكالةَ.

وقد أوْصَى أبو بَكْرٍ بالخِلافة لِعُمرَ

(3)

، ووصَّى بها إلى أهْل الشُّورَى

(4)

، ولم يُنكَرْ، وقد رَوَى سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن هِشامٍ، عن

(5)

عُرْوةَ، قال: «أوصى

(6)

إلى الزُّبَير سَبعةٌ من الصَّحابة، فكان يَحفَظُ عَلَيهم أمْوالَهم، ويُنفِقُ

(1)

أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).

(2)

لم يخرجه الدارقطني من حديث أبي الدرداء وإنما من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنهما، وسبق تخريجه 6/ 533 حاشية (5).

(3)

روي ذلك من وجوه متعددة، منها: ما أخرجه عبد الرزاق (9764)، وإسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية (3889)، والطبري في التاريخ (3/ 433)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 152)، والفاكهي في أخبار مكة (1808)، عن أسماء بنت عميس قالت: دخل رجل من المهاجرين على أبي بكر وهو شاكٍ، فقال: استخلفت عمر؟ وذكرت قصة. وإسناده صحيح متصل، قال ابن حجر في المطالب العالية:(رجاله ثقات). وأخرج ابن سعد في الطبقات (3/ 274)، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة، نحوه. وإسناده جيد.

(4)

أخرجه البخاري (1392)، عن عمرو بن ميمون الأودي، في قصة مقتل عمر رضي الله عنه.

(5)

في (ظ) و (ق): بن.

(6)

في (ح): أولى.

ص: 560

على أبنائهم

(1)

من ماله»

(2)

.

(وَالْوَصِيَّةُ بِالْمَالِ: هِيَ التَّبَرُّعُ بِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ)، هذا بَيانُ النَّوعِ الثَّاني منها، والقَيدُ الأخِيرُ أخْرَجَ الهِبَةَ.

وقال أبو الخَطَّاب: هي التَّبرُّعُ بمالٍ يَقِفُ نُفوذُه على خُروجه من الثُّلُث.

فَعَلَى هذا: تكونُ العَطِيَّةُ في مَرَض الموْت وصيَّةً، والصَّحيحُ أنَّها لَيسَتْ وصيَّةً؛ لمُخالَفَتِها لها في الاِسْمِ والحُكْم، قال في «المستوعب»: وفي حدِّه اخْتِلالٌ من أوْجُهٍ.

وقد يُعْتَرَضُ أيضًا: بأنَّها قد تكونُ بحقٍّ

(3)

؛ كجِلْدِ الميتة ونَحوِه، ولَيسَ بمالٍ.

قَولُه: (بالمال)؛ أيْ: بجُزْءٍ منه، وقد تكونُ

(4)

بكلِّه، ويُجِيزُه الوارِثُ.

ولها أربعةُ أرْكانٍ: الموصِي، والموصَى له، والموصَى به، والصِّيغةُ؛ وهي الإِيجابُ والقَبولُ.

فلو قال: هذا لِفُلانٍ، فهو إقْرارٌ، ولَيسَ بوصيَّةٍ، إلاَّ أنْ يَتَوافَقَا على إرادةِ الوصيَّةِ، فَيَصِحُّ.

ولو قال: هذا مِنْ مالي لِفُلانٍ، فهو وصيَّةٌ، يُعتَبَرُ القَبولُ مِمَّنْ

(5)

يُتَصوَّرُ منه مع التَّعْيين، فلو أَوْصَى لِمَسجِدٍ، أوْ لِغَيرِ مُعَيَّنٍ كالفقراء؛ لم يَحتَجْ إلى قَبولٍ.

(1)

في (ظ): أيتامهم.

(2)

أخرجه أبو بكر الدينوري في المجالسة (454)، بهذا الإسناد واللفظ، وأخرجه ابن أبي شيبة (30908)، والبخاري في التاريخ الأوسط (231)، والطبراني في الكبير (246)، والبيهقي في الكبرى (12659)، من طرق عن هشام بن عروة به نحوه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 214:(رجاله رجال الصحيح).

(3)

في (ح): نحو.

(4)

في (ق): يكون.

(5)

في (ق): بحق.

ص: 561

(وَتَصِحُّ

(1)

الوصيَّةُ بالمال (مِنَ الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، عَدْلاً كَانَ أَوْ فَاسِقًا، رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً، مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا)؛ لأِنَّ هِبَتَهم صحيحةٌ، فالوصيَّةُ أَوْلَى.

وحاصِلُه: أنَّ مَنْ جاز تصرُّفُه في ماله؛ جازت وصيَّتُه، والمرادُ: ما لم يُعايِن الموتَ، قاله في «الكافِي» ؛ لأِنَّه لا قَولَ له، والوصيَّةُ قَولٌ.

وظاهِرُه في الكافر

(2)

: لا فَرْقَ بَينَ الذِّمِّيِّ والحَرْبِيِّ، وفِيهِ احْتِمالٌ؛ لأِنَّه لا حُرمةَ له، ولا لماله.

ومُقْتَضاهُ: أنَّها تَصِحُّ وصيَّةُ العبد إنْ قُلْنا: يَملِكُ، أوْ عَتَقَ ثُمَّ مات بَعدَها.

والحاصِلُ: أنَّها تَصِحُّ من البالِغ العاقِلِ مطلَقًا، قال في «المستوعب»: لا يَختَلِفُ المذْهَبُ في هذا.

والضَّعيفُ في عَقْله إنْ مَنَعَ ذلك رُشْدَه في ماله؛ فهو كالسَّفِيه، وإلاَّ فكالعاقِلِ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

(وَ) تَصِحُّ

(3)

(مِنَ السَّفِيهِ) بمالٍ، لا على أوْلادِه (فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)، وهو قِياسُ قَولِ أحمدَ، قال الخَبْرِيُّ: هو قَولُ الأكْثَرِينَ؛ لأِنَّه إنَّما حُجِرَ عَلَيه لِحِفْظِ مالِه، ولَيسَ فيها إضاعةٌ لماله؛ لأِنَّه إنْ عاشَ؛ كان مالُه له، وإنْ ماتَ؛ فله ثَوابُه، وهو أحْوَجُ إلَيهِ مِنْ غَيرِه.

والثَّاني: لا تصِحُّ

(4)

؛ لأِنَّه مَحْجورٌ عَلَيهِ في تصرُّفاته، فلم تَصِحَّ منه؛ كالهِبة.

والأوَّلُ نَصَرَه في «الشَّرح» بأنَّه

(5)

عاقِلٌ مكلَّفٌ، فصحَّتْ منه كعِبادَتِه.

(1)

في (ح): ويصح.

(2)

في (ق): الكافي.

(3)

في (ظ): ويصح.

(4)

في (ظ): لا يصح.

(5)

في (ق): فإنه.

ص: 562

(وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ إِذَا جَاوَزَ الْعَشْرَ)، نَقَلَه صالِحٌ وحَنبَلٌ

(1)

، قال أبو بَكْرٍ: لا يَختَلِف المذْهَبُ في صِحَّتها؛ لمَا رَوَى سعيدٌ: «أنَّ صَبِيًّا مِنْ غَسَّانَ له عَشْرُ سِنِينَ أوصَى لَأخْوالٍ له، فرُفِعَ ذلك إلى عمرَ بنِ الخَطَّاب، فأجاز وصيَّتَه» ، ورَوَى مالِكٌ في «موطئه» بإسْناده عنه نحوَه

(2)

، وانْتَشَر ولم يُنكَرْ، ولأِنَّه تصرُّفٌ تمحَّضَ

(3)

نَفْعًا له، فصحَّ منه؛ كالإسلام والصَّلاة، ولأِنَّه لا يَلحَقُه ضَرَرٌ في

(4)

عاجِلِ دنياهُ ولا أُخْراهُ، بخلاف الهِبَة والعِتْق المنَجَّزِ، فإنَّه تَفْويتٌ لمالِه.

وقيَّده

(5)

الخِرَقِيُّ: إذا وافق

(6)

الحقَّ، وهو مرادٌ في جميع الوصايا.

(وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ لَهُ دُونَ السَّبْعِ)، قال أبُو بَكْرٍ: لا يَختَلِفُ المذْهَبُ فِيهِ؛

(1)

ينظر: مسائل صالح 2/ 148، المغني 6/ 215.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (430)، من طريق أبي بكر بن محمد، عن عمرو بن سليم الزرقي: وذكره. وأخرجه مالك (2/ 762)، ومن طريقه سحنون في المدونة (4/ 346)، والبيهقي في الكبرى (12657)، نحوه. وأخرجه ابن أبي شيبة (30848)، والدارمي (3330)، عن أبي بكر بن عمرو بن حزم مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (16410)، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن عمرو بن سليم الغساني نحوه. ومداره على أبي بكر بن محمد، تارة يرسله وتارة يذكر فيه عمرو بن سليم، قال البيهقي:(الخبر منقطع؛ فعمرو بن سليم الزرقي لم يدرك عمر رضي الله عنه، إلا أنه ذُكر في الخبر انتسابه إلى صاحب القصة)، وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي 6/ 282 فقال:(في الثقات لابن حبان: "قيل: إنه كان يوم قتل عمر بن الخطاب قد جاوز الحلم"، وقال أبو نصر الكلاباذي: قال الواقدي: "كان قد راهق الاحتلام يوم مات عمر". انتهى كلامه، وظهر بهذا أنه ممكن لقاؤه لعمر، فتحمل روايته عنه على الاتصال على مذهب الجمهور كما عُرف)، قال الألباني في الإرواء 6/ 81:(وكأنه لهذا قال الحافظ في الفتح: وهو قوي، فإن رجاله ثقات، وله شاهد)، وينظر أيضًا كلام الحافظ في الدراية 2/ 291.

(3)

في (ق): محض.

(4)

قوله: (في) سقط من (ق).

(5)

في (ح): في.

(6)

في (ظ): وافقه.

ص: 563

لأِنَّه لا تَمْييزَ له، ولا تَصِحُّ عبادته ولا إسْلامُه.

وعَنْهُ: تَصِحُّ لِسَبْعٍ؛ كعِبادَتِه.

(وَفَيمَا بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: بَينَ السَّبْع والعَشْر (رِوَايَتَانِ):

أقْيَسُهما: أنَّها تَصِحُّ؛ لأِنَّه عاقِلٌ يَصِحُّ إسْلامُه، ويُؤمَرُ بالصَّلاة، وتَصِحُّ

(1)

منه؛ كمَنْ جاوَزَ العَشْرَ.

والثَّانِيةُ: لا تَصِحُّ، وهي ظاهِرُ الوجيز؛ لأِنَّه ضَعِيفُ الرَّأْي، أشْبَهَ مَنْ له دُونَ السَّبْع.

ومِنَ الأصحابِ؛ كالقَاضي وأبي الخطَّابِ، وهو ظاهر نقل الميموني: أنَّه لا يقيَّدُ بسنٍّ، بل إذا عَقَلَ تصحُّ

(2)

منه

(3)

.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا جاوَزَ العَشْرَ قَبْلَ البلوغ أنَّها تَصِحُّ في المنصوص

(4)

.

وعَنْهُ: إذا بَلَغَ ثِنْتَيْ عَشْرةَ سَنَةً، حكاها ابْنُ المنذِر

(5)

، وهي قَولُ إسْحاقَ.

وفِيه وَجْهٌ: أنَّها لا تَصِحُّ منه حتَّى يَبلُغَ، تَبَعًا لاِبْنِ عَبَّاسٍ

(6)

والحَسَنِ ومُجاهِدٍ؛ لأِنَّه تَبرُّعٌ بالمال، فلم تَصِحَّ منه؛ كالهبة، والفَرْقُ واضِحٌ.

وهذا في الصَّبِيِّ، وأمَّا الجاريةُ فقد نَصَّ في روايةِ حَنبَلٍ: أنَّها إذا بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ

(7)

.

(1)

في (ظ): ويصح.

(2)

في (ظ): يصح.

(3)

قال الحارثي: لم أجد هذه منصوصة عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى. ينظر: الإنصاف 17/ 200.

(4)

ينظر: مسائل صالح 2/ 148.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4273، المغني 6/ 215.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (16421)، وابن أبي شيبة (30860)، والدارمي (3337)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«لا يجوز عتق الصبي، ولا وصيته، ولا بيعه، ولا شراؤه، ولا طلاقه» ، مداره على الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف.

(7)

ينظر: مسائل صالح 2/ 148.

ص: 564

(وَلَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ عَاقِلٍ؛ كَالطِّفْلِ)، وهو مَنْ له سِتُّ سِنِينَ فما دُونَها، (وَالمَجْنُونِ، والمُبَرْسَمِ)، وهو قَولُ الأكثَرِ فِيهِما، وفي «المغْنِي»: لا نَعلَمُ أحدًا قال بخِلافه إلاَّ إيَاس بن مُعاوِيةَ، فإنَّه أجاز وصيَّةَ الصَّبِيِّ والمجْنُون إذا وافَقَت الحقَّ، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه لا حُكْمَ لِكِلامِهما، ولا تَصِحُّ عبادتهما

(1)

ولا تصرُّفُهما، فالوصيَّةُ كذلك بَلْ أَوْلَى، فإنَّه إذا لم يَصِحَّ إسْلامُه وصَلاتُه التي هي مَحْضُ نَفْعٍ لا ضَرَرَ فيها؛ فأَوْلَى أنْ لا يَصِحَّ بَذْلُه لِمَالٍ يَتَضرَّرُ به وارِثُه

(2)

.

لكِنْ إنْ كان يُجَنُّ في الأحْيان، فأَوْصَى حالَ إفاقَتِه؛ فإنَّها تَصِحُّ؛ لأنَّه

(3)

في حُكْمِ العُقَلاء في شَهادَتِه، وَوُجوبِ العبادة عَلَيهِ.

والمغْمَى عَلَيهِ كذلك.

(وَفِي السَّكْرَانِ وَجْهَانِ):

أصحهما: أنها

(4)

لا تَصِحُّ؛ لأِنَّه غَيرُ عاقِلٍ، أشْبَهَ المجْنونَ، وطلاقُه إنَّما وَقَعَ تَغْليظًا عَلَيه؛ لاِرْتِكابه المعْصِيةَ.

والثَّانِي: تَصِحُّ

(5)

؛ بِناءً على طَلاقِه.

(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ)؛ أيْ: إذا فُهِمَتْ؛ لأِنَّها أُقِيمَتْ مُقامَ نُطْقِه في طَلاقه ولِعانِه وغَيرِهما، فإنْ لم تُفهَمْ؛ فلا حُكْمَ لها.

(وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، بِهَا)؛ أيْ: بالإشارة المفْهِمَة إذا لم يَكُنْ مَأْيُوسًا مِنْ نُطْقه، ذَكَرَه القاضِي وابنُ عَقِيلٍ، وقاله الثَّوريُّ والأَوْزاعِيُّ؛ لأِنَّه غَيرُ مَأْيُوسٍ مِنْ نُطْقِه، وكالقادِرِ على الكَلامِ.

(1)

في (ح): عبارتهما.

(2)

ينظر: المغني 6/ 216.

(3)

في (ظ): لأنها.

(4)

قوله: (أنها) سقط من (ظ) و (ق).

(5)

في (ظ): يصح.

ص: 565

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَصِحَّ)؛ كالأخْرَس، واخْتارَهُ ابنُ المنْذِرِ

(1)

، واحْتَجَّ: «بأنَّه عليه السلام صلَّى وهو قاعِدٌ، فأشار

(2)

إلَيهم فقعدوا

(3)

» رواه البُخاريُّ

(4)

.

وخرَّجه ابنُ عَقِيلٍ وجْهًا: إذا اتَّصل باعْتِقال لِسانه الموتُ.

والأوَّلُ أشْهَرُ، والفَرْقُ واضِحٌ.

(وَإِنْ وُجِدَتْ وَصِيَّتُهُ بِخَطِّهِ) الثَّابِتِ بإقْرارِ وارِثِه أوْ بَيِّنةٍ؛ (صَحَّتْ) نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ إسْحاقَ بنِ إبراهيمَ، وفِيهِ: وعُرِفَ خَطُّه، وكان مشهورَ الخَطِّ يُقبَلُ ما فِيهَا

(5)

؛ لقَولِه عليه السلام: «ما حقُّ امْرِئٍ» الخَبَرَ

(6)

، فلم يَذكُرْ شَهادةً، ولأِنَّ الوصيَّةَ يُتَسامَحُ فيها، ويَصِحُّ تعليقها على الخَطَرِ والغَرَرِ وغَيرِه، فجاز أنْ يُتَسامَحَ فِيها بقَبول الخَطِّ؛ كروايةِ الحديث وكِتابَةِ الطَّلاق.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا تَصِحَّ حَتَّى يُشْهَدَ عَلَيْهِ بِمَا فِيهَا

(7)

، هذا روايةٌ عن أحمدَ، وهِيَ قَولُ الحَسَن وأبِي ثَورٍ؛ لأِنَّ الحُكْمَ لا يَجوزُ برؤية

(8)

خطِّ الشَّاهِدِ بالشَّهادة، فكذا هنا، وأَبْلَغُ منه الحاكِمُ، فلو كَتَبَها وخَتَمَها وأشْهَدَ عَلَيهِ بما فيها؛ لم يَصِحَّ على المذهب؛ لأِنَّ الشَّاهِدَ لا يَعلَمُ ما فِيهَا، فلم يَجُزْ أنْ يَشْهَدَ عَلَيهِ، ككِتابِ القاضِي إلى القاضِي.

وفِيهَا روايةٌ ذَكَرَها الخِرَقِيُّ، وهي

(9)

قولُ جماعةٍ من التَّابِعينَ، ومَنْ

(1)

ينظر: الإشراف 4/ 441.

(2)

في (ح): وأشار.

(3)

في (ظ): يقعدوا.

(4)

أخرجه البخاري (688)، ومسلم (412)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(5)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 44.

(6)

أخرجه البخاري (2738)، ومسلم (1627).

(7)

قوله: (عليه بما فيها) في (ح): عليها.

(8)

في (ح) و (ق): برؤيته.

(9)

في (ح): وهو.

ص: 566

بَعدَهم، وعَلَيهِ فُقَهاء البَصْرة وقُضاتُها، واحْتَجَّ أبو عُبَيدٍ: بكُتُب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عُمَّاله وأُمَرائه في أمْرِ وِلايَتِه، وأحكامه، وسُنَّته

(1)

، ثُمَّ عَمِلَ به الخُلَفاءُ إلى عُمَّالهم بالأحكام الَّتي فيها الدِّماءُ والفُروجُ والأموالُ، مختومةً، لا يَعلَمُ حاملها

(2)

ما فيها، وأمضوها

(3)

على وَجْهِها، وهذا أَوْلَى من المنْع؛ لظُهور دليله.

ومن الأصحاب مَنْ خرَّج في كلِّ مسألةٍ روايةً من الأخرى، وهذا إذا لم يُعلَمْ رجوعُه عنها، وإنْ طالت مُدَّتُه، وتَغيَّرتْ أحْوالُ الموصِي

(4)

؛ لأِنَّ الأصْلَ بقاؤه، فلا يَزولُ حُكْمُه بمجرَّد الاِحْتِمال؛ كسائر الأحكام.

فائدةٌ: يُستَحبُّ أنْ يَكتُبَ وصيَّتَه، ويُشهِدَ عَلَيها؛ لأِنَّه أحْوَطُ لها، وأحْفَظُ لمَا فِيها، وقد رَوَى سعيدٌ، عن فُضَيلِ بنِ عِياضٍ، عن هِشامِ بنِ حَسَّان، عن ابنِ سَيرِينَ، عن أنَسٍ قال: «كانوا

(5)

يَكتُبون في صُدُور وصاياهم: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم، هذا ما أَوْصَى به فُلانٌ أنَّه يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ الله وحده لا شريك له

(6)

، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورسولُه، وأنَّ السَّاعةَ آتِيَةٌ لا رَيبَ فيها، وأنَّ اللهَ يَبعَثُ مَنْ في القُبور، أَوْصَى مَنْ ترك من

(7)

أهله

(8)

أنْ يتَّقُوا الله،

(1)

من ذلك كتاب الصدقة الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخرجه البخاري (1453)، من حديث أنس رضي الله عنه، وكتاب عمرو بن حزم أخرجه النسائي في الكبرى (7029)، وابن حبان (6559)، والبيهقي في الكبرى (7255)، وهو كتاب مشهورة متلقى بالقبول عند العلماء. ينظر: التمهيد 17/ 397، التلخيص الحبير 4/ 58.

(2)

في (ح): حالها فهمًا، وفي (ق): حاكمها.

(3)

في (ح): وأمضوا بها.

(4)

في (ق): القاضي.

(5)

في (ح): كان.

(6)

قوله: (وحده لا شريك له) سقط من (ق).

(7)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(8)

زاد في (ظ): أن يشهد.

ص: 567

ويُصْلِحُوا ذاتَ بَينِهم، ويُطِيعُوا اللهَ ورسولَه، إنْ كانوا مؤمنين، وأوْصاهم بما أوْصَى به

(1)

إبراهيمُ بَنِيهِ ويعقوبُ: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البَقَرَة: 132]»

(2)

.

(1)

قوله: (به) سقط من (ح) و (ق).

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (326)، وعبد الرزاق (16319)، والدارمي (3227)، والدارقطني (4303)، والبيهقي في الكبرى (12683)، وصححه الألباني في الإرواء 6/ 84.

ص: 568

(فَصْلٌ)

(وَالْوَصِيَّةُ) لا فَرْقَ فيها بَينَ الصِّحَّة والمرض.

وعَنْهُ: في الصِّحَّة من رأس المال، وفي المرض من الثُّلُث.

وعلى الأوَّل: هي العطيَّةُ المنَجَّزَة، تَنفُذُ من جميع المال.

وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: أنَّ المدبَّر في الصِّحَّة يُقدَّمُ

(1)

على المدبَّر في المرض إذا لم يحملهما

(2)

الثُّلثُ.

وذَكَرَ القاضِي: أنَّ الوصيَّةَ عطيَّةٌ بَعْدَ الموت، فلا يَجوزُ فِيهَا إلاَّ الثُّلُث على كلِّ حالٍ.

وهي

(3)

(مُسْتَحَبَّةٌ لِمِنْ تَرَكَ خَيْرًا)؛ لقَوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} [البَقَرَة: 180]، نُسِخَ الوجوبُ، وهو المنْعُ من التَّرْك، بَقِيَ الرُّجْحانُ وهو الاِسْتِحْبابُ، يُؤيِّدُه: ما رَوَى ابنُ ماجَهْ عن ابن عمرَ مرفوعًا: «يقولُ الله: يا ابْنَ آدَمَ! جَعَلْتُ لك نَصيبًا من مالك حِينَ أخَذْتُ بكَظَمِك

(4)

؛ لِأُطَهِّرَك

(5)

وأزَكِّيَكَ»

(6)

.

لكِنَّها تَجِبُ على مَنْ عَلَيهِ دَينٌ، أو واجِبٌ غَيرُه.

وعَنْهُ: تَجِبُ لكلِّ قَريبٍ غَيرِ وارِثٍ، وهذا قَولُ أبي بَكْرٍ.

(1)

في (ق): مقدم.

(2)

في (ظ): يحملها.

(3)

قوله: (لا فرق فيها بين الصحة والمرض) إلى هنا سقط من (ح).

(4)

قال في النهاية 4/ 178: (كَظَم، بالتحريك: وهو مخرج النَّفَس من الحلق).

(5)

في (ق): لا ظهرك.

(6)

أخرجه ابن ماجه (7255)، والدارقطني (4287)، وهو حديث ضعيف، فيه: مبارك بن حسان وهو لين الحديث، وقال ابن عدي:(روى أشياء غير محفوظة). ينظر: الكامل لابن عدي 8/ 29، الضعيفة (4042).

ص: 569

وفي «التَّبصرة» : عَنْهُ: وللمساكِينِ، ووجْهِ البِرِّ.

وظاهِرُه: أنَّها

(1)

لا تُستَحَبُّ لمَنْ لم يترك

(2)

خَيرًا؛ لأِنَّه تعالَى شَرَطَ تَرْكَ الخَير، والمعلَّقُ بشَرْطٍ يَنتَفِي عِنْدَ انْتِفائه، ولقَولِه:«إنَّكَ أنْ تَذَرَ وَرثَتَك أغْنِياءَ» الخَبَرَ

(3)

.

(وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ)، واخْتُلِف في مِقْداره، فعن أحمدَ: إذا تَرَكَ دُونَ الألْف؛ لا تُستَحَبُّ له الوصيَّةُ، فعُلِمَ أنَّه إذا تَرَكَ ألْفَ دِرهَمٍ فصاعِدًا؛ أنَّها تُسَنُّ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» .

وعنه

(4)

: على أربعمائة دينارٍ.

وعن ابن عبَّاسٍ: إذا تَرَكَ سَبْعَمائةِ درهَمٍ لا يُوصِي، وقال:«مَنْ ترَكَ سِتِّينَ دينارًا ما تَرَكَ خَيرًا»

(5)

.

وعن طاوُسٍ: هو ثَمانُونَ دِينارًا.

وعن النَّخَعِيِّ: ألْفٌ إلى خَمْسِمائَةٍ.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه متى كان المتْروكُ لا يَفضُلُ عن غِنَى الوَرَثَةِ؛ لم تُستَحَبَّ الوصيَّةُ، لِمَا عَلَّل به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فَعَلَيهِ: يَختَلِفُ الحالُ باخْتِلافِ الورثة في كَثْرَتِهِم وقِلَّتِهم، وغِناهُم وحاجَتِهم، فلا يَتقَيَّدُ بقَدْرٍ من المال.

والأشْهَرُ: أنَّها تُستَحَبُّ مع غِناهُ عُرْفًا.

(1)

في (ح): أنهما.

(2)

في (ح): ترك.

(3)

أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(4)

في (ح) و (ق): وعن.

(5)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (1601)، وعبد بن حميد كما في الدر المنثور (1/ 422)، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف.

ص: 570

وقِيلَ: الغَنِيُّ عُرْفًا: مَنْ له أكثرُ من ثلاثةِ آلاف

(1)

دِرهَمٍ، والمتوسِّطُ: من له ثلاثةُ آلافِ درهَمٍ، والأدْنَى: مَنْ له دُونَها.

(بِخُمُسِ مَالِهِ)، رُوِيَ عن أبي بَكْرٍ

(2)

وعَلِيٍّ

(3)

، وهو ظاهِرُ قَولِ السَّلَف، قال أبو بَكْرٍ:«رَضِيتُ بما رَضِيَ الله به لِنَفْسه» ؛ يَعْنِي في قَولِه تعالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} [الأنفَال: 41]، وقال العَلاءُ بنُ زِيادٍ: (أُوصِيَ إليَّ أنْ أسأَلَ العلماء؛ أيُّ الوصيَّة أعْدَلُ، فما تَبايَعُوا عليه فهو وصيَّةٌ، فتَبايَعُوا

(4)

على الخُمس)

(5)

.

وقِيلَ: بالثُّلث؛ للخبر

(6)

.

(1)

في (ح): ألف.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (16363)، وابن سعد في الطبقات (3/ 194)، والبيهقي في الكبرى (12574)، عن قتادة قال: ذُكر لنا أن أبا بكر رضي الله عنه أوصى بخُمُس ماله وقال: «لا أرضى من مالي إلا بما رضي الله به من غنائم المسلمين» . وأخرجه مسدد كما في المطالب العالية (1529)، وابن أبي شيبة (30918)، وابن سعد في الطبقات (3/ 194)، عن خالد بن أبي عزة نحوه. وخالد سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم. وأخرجه عبد الرزاق (16364)، عن الحسن وأبي قلابة نحوه مرسلاً. وأخرجه محمد بن الحسن في الأصل (5/ 425)، والطبري في التفسير (11/ 189)، عن الحسن وحده. وأخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 194)، عن إسحاق بن سويد مرسلاً، فهذه طرق يقوي بعضها بعضًا.

(3)

أخرجه محمد بن الحسن في الأصل (5/ 428)، وعبد الرزاق (16361)، وابن أبي شيبة (30925)، عن الحارث، عن علي قال:«لأن أُوصي بالخُمُس أحب إليَّ من أن أوصي بالرُّبع، وأن أوصي بالرُّبع أحب إليَّ من أن أوصي بالثُّلُث، ومن أوصى بالثُّلُث فلم يترك شيئًا» ، والحارث الأعور ضعيف الحديث.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي المصادر الحديثية: فما تتابعوا عليه فهو وصية، فتتابعوا.

(5)

أخرجه سعيد بن منصور (336)، والدارمي (3240)، وابن سعد في الطبقات (7/ 154)، وأبوه زياد بن مطر العدوي، تابعي جالس عمر رضي الله عنه. ينظر: مشاهر علماء الأمصار ص 155.

(6)

أي حديث سعد رضي الله عنه، ففيه:«الثلث والثلث كثير» ، أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

ص: 571

وفي «الإفصاح» : يُستَحَبُّ

(1)

بدونه.

وذَكَرَ جماعةٌ: بخُمُسه لمتوسط

(2)

.

وذَكَرَ آخَرُونَ: أنَّ مَنْ مَلَكَ فَوقَ ألْفٍ إلى ثلاثةٍ، ونَقَلَ أبو طالِبٍ: إن لم يكن له مالٌ كثيرٌ، ألْفانِ أو ثلاثةٌ؛ أَوْصَى بالخُمُس، ولم يُضيِّقْ على ورثته، وإن كان له مالٌ كثيرٌ؛ فبالرُّبُع والثُّلث

(3)

.

والأفضلُ: أنْ تُجعَلَ

(4)

وصيَّتُه لأِقارِبِه الَّذين

(5)

لا يَرِثُون إذا كانوا فقراءَ، بلا خِلافٍ، قالَهُ ابنُ عبدِ البَرِّ

(6)

، فإنْ وصَّى لغيرهم وتَرَكَهُم؛ صحَّتْ في قَول الجماهير.

(وَتُكْرَهُ

(7)

لِغَيْرِهِ)؛ أيْ: لِغَيرِ مَنْ تَرَكَ خَيرًا، وهو الفقيرُ، (إِنْ كَانَ لَهُ وَرَثَةٌ) مَحاوِيجُ، كذا قيَّده جماعةٌ، قال في «التَّبصرة»: رواه ابنُ منصورٍ

(8)

؛ لأِنَّه عَدَلَ عن أقاربه المحاويج إلى الأجانِب، قال الشَّعْبِيُّ:(ما من مالٍ أعظمُ أجرًا من مالٍ يَترُكُه الرَّجُل لِوَلَدِه يُغْنِيهم به عن النَّاس)

(9)

.

وأطْلَقَ في «الغنية» : اسْتِحْبابَ الوصيَّة بالثُّلُث لِقَريبٍ فقيرٍ لا يَرِثُ، فإنْ كان غَنِيًّا؛ فلِمِسكينٍ وعالِمٍ، ودَيِّنٍ قَطَعَه عن السَّبب القَدَر

(10)

، وكذا قيَّد في

(1)

في (ق): تستحب.

(2)

في (ق): كمتوسط. وفي (ظ): لموسط.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 530.

(4)

في (ق): يجعل.

(5)

في (ظ): الذي.

(6)

ينظر: التمهيد 14/ 300.

(7)

في (ظ): ويكره.

(8)

لم نجده في المطبوع من مسائل ابن منصور، وينظر: الهداية ص 341.

(9)

ينظر: التفسير من سنن سعيد بن منصور 2/ 657.

(10)

في (ظ): العذر.

ص: 572

«المغْنِي» استحْبابَها لقَريبٍ بفقْره.

(فَأَمَّا مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ فَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ)، روي

(1)

عن ابنِ مَسْعودٍ

(2)

، وقالَهُ أهلُ العراق؛ لأِنَّ المنْعَ من الزِّيادة على الثُّلُث لِحقِّ الوارِثِ، فإذا عُدِم؛ وَجَب أنْ يزولَ المنْعُ؛ لزوال عِلَّتِهِ، أشْبَهَ حال الصِّحة.

(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ

(3)

إِلاَّ الثُّلُثُ)، وهو قَولُ الأوْزاعِيِّ؛ لأِنَّ له مَنْ يَعقِلُ عنه، فلم تَنفُذْ وصيَّتُه بأكثرَ من الثُّلُث، كما لو كان له وارثٌ، مع أنَّ المسلِمِينَ يَرِثُونَه، وهو بَيتُ المال.

فَعَلَى الأوَّل: لو وَرِثَه زَوجٌ أوْ زَوجةٌ وَرُدَّ؛ بَطَلَتْ بِقَدْر فَرْضِه من ثُلُثَيهِ، فيَأخُذ الوصيُّ الثُّلُثَ، ثُمَّ ذو الفَرْض من ثُلُثَيهِ، ثُمَّ تُتَمَّم

(4)

الوصيَّةُ مِنْهُما.

وقيل: لا تُتَمَّمُ

(5)

؛ كوارِثٍ بفَرْضٍ ورَدٍّ، وعليها

(6)

: بيتُ المال جِهةُ مصلحةٍ لا وارِثٌ.

ولو وصَّى أحدُهما لآِخَرَ؛ فعلى الأُولى: كلُّه إرْثًا ووصيَّةً، وقيل: لا تصح

(7)

، وعلى الثَّانية: ثُلُثُه وصيَّةً، ثُمَّ فَرضه، والبقيَّةُ لبَيتِ المال.

تنبيهٌ: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه إذا خلَّف ذا رَحِمٍ، أنَّه لا يُمنَعُ الوصيَّةُ بجميع مالِه؛ لقَولِه: ومَنْ أوْصَى بجميعِ مالِه، ولا عَصَبَةَ ولا مَوْلَى؛

(1)

في (ظ): وروي.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (16371)، وسعيد بن منصور (217)، وابن أبي شيبة (30903)، والطحاوي في معاني الآثار (7460)، والطبراني في الكبير (9723)، وابن حزم في المحلى (8/ 357)، عن عمرو بن شرحبيل، قال عبد الله:«إنكم معشر اليمن من أجدر قوم أن يموت الرجل ولا يدع عصبة؛ فليضع ماله حيث شاء» ، صححه ابن حزم.

(3)

في (ق): لا تجوز.

(4)

في (ح): تتم، وفي (ق): يتم.

(5)

في (ق): لا يتمم.

(6)

في (ح) و (ق): وردوا عليها.

(7)

في (ظ): لا يصح.

ص: 573

فجائِزٌ

(1)

، وذلك لأِنَّ ذا الرَّحِم إرْثُه كالفَضْلة والصِّلةِ، بدليلِ: أنَّها لا تَجِبُ نَفَقَتُهم على الصَّحيح.

وظاهِرُ كلامِ المؤلِّف: أنَّها لا تَنفُذُ فيما زاد على الثُّلث؛ لأِنَّ له وارِثًا في الجملة، فيَدخُل في عُمومِ النَّصِّ كَذِي الفَرْض الَّذي يَحجُبُ بعضُهم بعضًا.

(وَلَا تَجُوزُ

(2)

لِمَنْ لَهُ وَارِثٌ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، وَلَا لِوَارِثِهِ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ)، وجُملَتُه: أنَّ الوصيَّةَ لِغَيرِ وارِثٍ تَلزَمُ في الثُّلُث من غَيرِ إجازةٍ، وما زاد عَلَيهِ مُتَوَقِّفٌ على إجازة الورثة في قول أكثرِ العلماء؛ لقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لسَعْدٍ حِينَ قال: أُوصِي بمالي كلِّه؟ قال: «لَا» ، قال: فالشَّطْرِ؟ قال: «لَا» ، قال: فالثُّلث؟

(3)

، قال:«الثُّلُث والثُّلُثُ كثيرٌ، إنَّك أنْ تَذَرَ ورثتَك أغْنِياءَ خَيرٌ مِنْ أنْ تَذَرَهُم عالةً يتكفَّفُون النَّاسَ» متَّفَقٌ عَلَيهِ

(4)

، وحديثُ عِمْرانَ في المملوكين

(5)

السِّتَّة الَّذين

(6)

أعْتَقَهم المريضُ، ولَيسَ له مالٌ سِواهُمْ

(7)

؛ يَدُلُّ على أنَّه لا يَصِحُّ تصرُّفه فِيما زاد على الثُّلُث إذا لم يُجِزِ

(8)

الوَرَثَةُ، وتجوزُ بإجازتهم؛ لأِنَّ الحقَّ لهم.

وأمَّا الوصيَّةُ للوارث

(9)

فكالوصيَّة لِغَيرِه بزيادةٍ على الثُّلُث؛ في أنَّها تَصِحُّ بالإجازة، وتَبطُلُ بالرَّدِّ، بغَيرِ خِلافٍ، قالَهُ ابنُ المنذِر وابنُ عبدِ البَرِّ

(10)

؛ لِمَا

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4271، زاد المسافر 4/ 534.

(2)

في (ظ): ولا يجوز.

(3)

قوله: (قال: فالثلث؟) سقط من (ح) و (ظ).

(4)

أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

(5)

في (ح): المهلوكين.

(6)

في (ظ): الذي.

(7)

أخرجه مسلم (1668).

(8)

في (ق): لم تجز.

(9)

في (ح): لوارث.

(10)

ينظر: الإشراف 4/ 404، التمهيد 8/ 381.

ص: 574

رَوَى أبو أُمامَةَ، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «إنَّ الله قد أَعْطَى كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه، فلا وصيَّةَ لوارِثٍ» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمذيُّ، وحسَّنَه

(1)

، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، قال:«لَا وصيَّةَ لوارثٍ إلاَّ أنْ يُجِيزَ الوَرَثَةُ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

.

وقال بعضُ أصحابنا: الوصيَّةُ باطِلةٌ، وإنْ أجازها الوارِثُ، إلاَّ أنْ يُعطوهُ عطيَّةً مُبتَدَأةً، أخْذًا من ظاهر قول أحمدَ في روايةِ حنبلٍ:(لا وصيَّةَ لوارِثٍ)

(3)

، وقالَهُ المزَنِيُّ

(4)

وغَيرُه؛ لظاهِرِ خَبرِ أبي أُمامةَ.

والأكثرُ على صحَّتها في نفسها؛ لأِنَّه تصرُّفٌ صَدَرَ من أهْلِه في محلِّه، فصحَّ كالأجنبيِّ، والخبرُ قد خُصَّ بخَبَرِ عمرو، إذ الاستثناءُ من النَّفْي إثْباتٌ، فيكونُ دليلاً على الصِّحَّة عِنْدَ الإجازة، ولو خَلا من الاِستِثْناء؛ جاز أنْ يكونَ مَعْناهُ: لا وصيَّةَ نافِذَةٌ، أوْ لازِمةٌ ونحوهما، أوْ يُقدَّرُ: لا وصيَّةَ لوارِثٍ عِنْدَ عَدَمِ الإجازة.

وفائدةُ الخِلاف: أنَّها إنْ كانَتْ صحيحةً؛ فإجازتهم تنفيذٌ، وإلاَّ هِبَةٌ مُبتَدَأةٌ.

(1)

أخرجه أحمد (22294)، وأبو داود (2870)، والترمذي (2120)، وابن ماجه (2713)، من طريق إسماعيل بن عياش، حدثنا شرحبيل بن مسلم، عن أبي أمامة رضي الله عنه، وإسماعيل صدوق في روايته عن الشاميين، وشرحبيل شامي، ووثقه أحمد والعجلي، وضعفه ابن معين، وحسن الحديث الترمذي، وصححه الألباني في الإرواء 5/ 245.

(2)

أخرجه الدارقطني (4154)، وفيه: سهل بن عمار، اتهمه الحاكم بالكذب، قال ابن حجر:(إسناده واهٍ)، وقال الألباني:(منكر)، وللحديث طرق أخرى عن جماعة من الصحابة، قال ابن حجر:(ولا يخلو إسناد كل منها عن مقال؛ لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلاً بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر). ينظر: تهذيب التهذيب 2/ 129، التلخيص الحبير 3/ 305، الفتح 5/ 372، الإرواء 6/ 98.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 44.

(4)

ينظر: الحاوي للماوردي 8/ 213.

ص: 575

ويُستَثْنَى من ذلك: إذا أَوْصَى بوقف

(1)

ثُلُثِه على بَعْضِ الوَرَثَة، فإنَّه يَصِحُّ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

وحاصِلُه: أنَّها تُكرَه لغَير وارِثٍ بأكثرَ من الثُّلث، وتَصِحُّ وتَلزَمُ بالإجازة.

وعَنْهُ: تَحرُم الزِّيادةُ عليه، فتَبطُلُ وَحْدَها.

ولا تَجوزُ

(3)

لوارِثٍ بثُلُثه، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، وفي «التبصرة»: تُكرَه، وتَصِحُّ على الأصحِّ بالإجازة.

(إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ لِكُلِّ وَارِثٍ بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِ

(5)

؛ كَمَنْ خلَّف ابنًا

(6)

وبِنْتًا، وعبْدًا قِيمتُه مائةٌ، وأَمَةً قِيمتُها خمَسونَ، فأَوْصَى لِلاِبْن بالعَبْد، ولِلبِنْت بالأَمَة، (فَهَلْ يَصِحُّ

(7)

؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما جماعةٌ.

أشْهرُهما: أنَّها تَصِحُّ؛ لأِنَّ حقَّ الوارِثِ في القَدْر لا في العَين، بدليلِ ما لو عاوَضَ المريضُ بعضَ ورثته أو أجنَبِيًّا، فإنَّه يَصِحُّ إذا كان بثَمَن المِثْل، وإنْ تَضمَّن فوات عَين المال.

والثَّاني: لا تَصِحُّ

(8)

إلاَّ بإجازةِ كلٍّ منهما للآخَر؛ لأِنَّ في الأعيان غَرَضًا صحيحًا، فلا يَجوزُ إبْطالُ حقِّه منها، كما لا يجوزُ إبْطالُه من القدر، وكذا وقَفه بالإجازة، ولو كان الوارِثُ واحدًا.

(وَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالْوَصَايَا؛ تَحَاصُّوا فِيهِ، وَأُدْخِلَ النَّقْصُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ

(1)

في (ح): موقف.

(2)

ينظر: الوقوف والترجل ص 41.

(3)

في (ظ): ولا يجوز.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 291.

(5)

في (ح): إرثه.

(6)

قوله: (ابنًا) سقط من (ح).

(7)

في (ظ): تصح.

(8)

في (ظ): لا يصح.

ص: 576

بِقَدْرِ وَصِيَّتِهِ

(1)

؛ لأِنَّهم تَساوَوْا في الأصل، وتَفاوَتُوا في المقْدار، فَوجَبَ أنْ يكونَ كذلك؛ كمسائل العَولِ، ولا فرق فيه بين العتق وغَيرِه.

فلو وصَّى لرجلٍ بِثُلث ماله، ولآِخَرَ بمائةٍ، ولثالِثٍ بمُعَيَّنٍ

(2)

قيمتُه خَمسونَ، ولِفِداء أسيرٍ بثلاثين، ولعمارةِ مسجدٍ بعشرين، وثُلثُ ماله مائةٌ، فجُمِعت الوصايا كلُّها فَبَلَغَتْ ثلاثَمائةٍ، فنُسِبت منها الثُّلُث؛ فكان ثُلثها، فيعطى كلُّ واحد ثُلُثَ وصيَّته.

(وَعَنْهُ: يُقَدَّمُ الْعِتْقُ)، وما فَضَلَ يُقسَمُ بَينَ سائرِ الوصايا على قَدْرها، وهي

(3)

قول عمرَ

(4)

، وشُرَيحٍ والثَّوريِّ؛ لأِنَّ فيه حقًّا لله تعالى وللآدَمِيِّ، فكان آكَدَ؛ لأِنَّه لا يَلحَقُه فَسْخٌ، وهو أقْوَى بدليلِ سِرايَته، ونفوذِه من المراهِق

(5)

والمفلس

(6)

، والعطايا المعلَّقة بالموت كالوصايا في هذا.

فَرْعٌ: إذا أوْصَى بعتقِ عبدٍ بعَينه؛ لَزِمَ الوارِثَ إعْتاقُه، ولم يَعتِقْ إلاَّ

(1)

في (ح) و (ق): حصته.

(2)

في (ق): بعين.

(3)

في (ح): وهو.

(4)

تبع المصنف ما في المغني 6/ 262 والشرح الكبير 17/ 227، والمعروف أنه من قول ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (16743)، وسعيد بن منصور (394)، وابن أبي شيبة (30876)، والبيهقي في الكبرى (12618)، عن نافع، عن ابن عمر، أنه كان يقول في الوصية إذا عجزت عن الثلث، قال:«يبدأ بالعتاقة» . قال ابن حزم 8/ 384: (لا يصح؛ لأنه من رواية أشعث بن سوار وهو ضعيف)، وهو كما قال.

وأما المروي عن عمر رضي الله عنه كما في الروايتين والوجهين 2/ 23: فهو ما أخرجه ابن أبي شيبة (30875)، والبيهقي في الكبرى (12624)، عن ليث، عن مجاهد، عن عمر قال:«إذا كانت وصية وعتاقة تحاصوا» . منقطع كما قال البيهقي في المعرفة 9/ 195، وقال في التلخيص 3/ 211:(في إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف).

(5)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 17/ 227: الراهن. وبنحوه في الممتع 3/ 224. وهو الصواب.

(6)

في (ظ) و (ق): المفلس.

ص: 577

بإعْتاقه، فإنِ امتَنَعَ؛ أجْبَرَه الحاكِمُ، فإنْ أعْتَقه أو الحاكِمُ؛ فهو حرٌّ من حِين أعتقه، وولاؤه للمُوصِي؛ لأِنَّه السَّببُ، وكَسْبُه بَينَ الموت والعِتْقِ إرْثٌ، وذَكَرَ جماعةٌ: له.

وفي «الفروع» : ويتوجَّه مِثلُه في مُوصىً بوقْفه، وفي «الرَّوضة»: الموصَى بعِتْقه لَيسَ بمدبَّرٍ، وله حكمُ المدبَّر في كلِّ أحكامه.

مسألةٌ: إذا أسْقَطَ عن وارثه دَينًا، أوْ وصَّى

(1)

بقضاء دينه

(2)

، أوْ أسْقَطَتْ صداقَها عن زوجها، أو عفا عن جناية مُوجِبةٍ للمال؛ فهو كالوصيَّة.

وإنْ وصَّى لغريمِ الوارِث، أو وَهَبَ له هبةً؛ صحَّ، كما لو أوْصَى لِوَلَدِ الوارث، فإنْ قَصَدَ نَفْعَ الوارِث؛ لم يَجُزْ فيما بَينَه وبَينَ الله تعالى.

(وَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ الْوَصِيَّةَ) بَعْدَ مَوت الموصِي، وعنه: وقَبلَه في مرضه، خرَّجها القاضي أبو حازِمٍ من إذْنِ الشَّفِيع في الشَّراء، ذَكَرَه في «النَّوادِر» ، واختاره ابن حمدانَ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

، (جَازَتْ) بغَير خلافٍ

(4)

؛ لَأنَّ الحقَّ لهم، فجازت بإجازتهم، كما تبطُل بِرَدِّهم.

وسواءٌ كانت الوصيَّةُ لوارِثٍ، أوْ بزيادةٍ على الثُّلث لأِجنَبِيٍّ.

وفيه روايةٌ: أنَّها لا تجوز لوارثٍ.

(وَإِجَازَتُهُمْ تَنْفِيذٌ فِي الصَّحِيحِ مِنَ المَذْهَبِ)؛ لأِنَّها إمْضاءٌ لقول الموروث، ولا مَعْنَى للتَّنفيذِ إلاَّ ذلك، فيَكْفِي لَفظُها، وهو: أجَزْتُ، وكذا أمْضَيتُ، أوْ نَفَّذْتُ، فإذا وُجِدَ شَيءٌ منها؛ لَزِمَت الوصيَّةُ، وإنْ لم يَقبَلِ الموصَى له في المجْلِس، (لَا تَفْتَقِرُ إِلَى شُرُوطِ الْهِبَةِ، وَلَا تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا)؛

(1)

في (ح): وأوصى.

(2)

قوله: (دينه) سقط من (ح).

(3)

ينظر: الاختيارات ص 278.

(4)

ينظر: الإشراف 4/ 404.

ص: 578

أيْ: أحكامُ الهِبة؛ لأِنَّها لَيسَتْ بهِبَةٍ.

(فَلَوْ كَانَ المُجِيزُ أَبًا لِلْمُجَازِ لَهُ)؛ كَمَنْ أَوْصَى لِوَلد وَلَدِه مع وجوده؛ (لَمْ يَكُنْ لَهُ)؛ أيْ: للأب (الرُّجُوعُ فِيهِ)؛ لأِنَّ الأبَ إنَّما يَرجِعُ فِيما وَهَبَ، لا فِيما وَهَبَه غَيرُه، (وَلَوْ كَانَ الْمُجَازُ عِتْقًا)؛ بأنْ أعْتَقَ عبدًا لا مالَ له سِواه، أوْ وصَّى بعِتْقه فأعْتَقُوه؛ نَفذ العِتْقُ في ثُلُثه، وَوَقَفَ عِتْقُ الباقي على إجازتهم، فإنْ أجازُوهُ؛ عَتَقَ جميعُه، و (كَانَ الْوَلَاءُ لِلْمُوصِي)؛ لأِنَّه هو الَّذي أعْتَقَه، (يَخْتَصُّ بِهِ عَصَبَتُهُ)؛ كما لو أعْتَقَه في صحَّته، (وَلَوْ كَانَ وَقْفًا عَلَى الْمُجِيزِينَ)؛ كالوقْف على أوْلاده؛ (صَحَّ) أي: الوَقْفُ روايةً واحدةً؛ لأِنَّ الواقِفَ عليهم أبوهُمْ.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِجَازَةَ هِبَةٌ)؛ أخْذًا من إطْلاقه في روايةِ حنبلٍ: (لا وَصيَّةَ لِوارِثٍ)

(1)

، وظاهِرُه نَفْيُ الوصيَّة مطلَقًا، فتكونُ إجازتُهم ابْتِداءَ عطيَّةٍ.

وأطْلَقَهما أبو الفَرَج، وخَصَّها في «الانتصار»: بالوارث

(2)

.

(فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ)، فتَفْتَقِرُ

(3)

إلى شُروطِ الهِبة من القَبْض ونحوِه، ولِلأب الرُّجوعُ في جميع ما وصَّى به لاِبْنِه، ويكونُ الولاءُ مشتَرَكًا بَينَ العَصَبةِ وغَيرِهم من الورثة، والوَقْفُ يَنبَنِي على صحَّة وَقْفِ الإنسان على نفسه.

وكلامُ القاضي يقتَضِي أنَّ في صحَّتها بلفظ الإجازة إذا قلنا: هي هِبَةٌ؛ وَجْهَينِ، قال المجْدُ: والصِّحَّةُ ظاهِرُ المذهب، وهذا إنَّما يَظهَرُ في الزَّائد على الثُّلث، ولهذا قيل: الخِلافُ مبنيٌّ على أنَّ الوصيَّة بالزَّائد على الثُّلُث هل هو باطِلٌ، أوْ مَوقُوفٌ على الإجازة؟

(1)

ينظر: الوقوف والترجل ص 44.

(2)

في (ح): فالوارث.

(3)

في (ظ): فيفتقر.

ص: 579

وقيل

(1)

: الخلاف مبنيٌّ على القَول بالصِّحَّة، وأمَّا على البُطْلان فلا مَعْنَى للتَّنفيذ، وهو أشْبَهُ.

وقرَّر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّ الوارِثَ إذا أسْقَطَ حقَّه قَبْلَ القسمة؛ فإنَّه يَسقُطُ، وطَرَدَ هذا

(2)

في الأعيان المشاعة؛ كالغانِم

(3)

إذا أسْقَطَ حقَّه من الغنيمة، والموقوفِ عَلَيه إذا أسقط حقَّه من الوَقْف، والمضارِبِ إذا أسقط حقَّه من الرِّبْح

(4)

.

فوائدُ أُخَرُ:

منها: إذا أوْصَى له بمجهولٍ، فأجازه الوارِثُ، فإنْ قُلْنا: هي تنفيذٌ؛ صحَّتْ، وإلاَّ فَوَجْهانِ.

ومنها: لو حَلَف لا يَهَبُ، فأجاز، فإنْ قُلْنا: هي عطيَّةٌ؛ حَنِثَ، وإلاَّ فلا.

ومنها: إجازةُ المفْلِس، فقال في «المغْنِي»: إنَّها نافِذةٌ، وهو مُنزَّلٌ على القول بالتَّنفيذ، ويُخرَّج على قول القاضي خِلافه؛ لأِنَّه لَيسَ من أهل التَّبرُّع.

ومنها: أنَّ ما جاوَزَ الثُّلُثَ من الوصايا إذا أجِيزَ؛ هل يُزاحَم بالزَّائد ما لم يُجاوِزْه؟ هو مَبْنِيٌّ على هذا الاِخْتِلاف، ذَكَرَه المجْدُ.

قال الشَّيخُ زين

(5)

الدِّين بن رَجَبٍ: (وأشْكَلَ تَوجِيهُه على الأصْحاب، وهو واضِح، فإنَّه إذا كانت مَعَنا وصِيَّتانِ، إحداهما مُجاوِزَةٌ للثُّلث، والأخْرَى لا تُجاوِزُه؛ كنِصْفٍ وثُلُثٍ، فأجاز الورثةُ الوصيَّةَ المجاوِزَةَ للثُّلُث خاصَّةً؛ فإنْ قُلْنا: الإجازةُ تنفيذٌ، زاحَمَ صاحِبُ النِّصْف صاحِب الثُّلُث بنِصْفٍ كامِلٍ،

(1)

قوله: (الخلاف مبني على أن الوصية بالزائد) إلى هنا سقط من (ح).

(2)

في (ح): هنا.

(3)

في (ح) و (ظ): كالمغانم.

(4)

ينظر: الاختيارات ص 452.

(5)

في (ح): تقي.

ص: 580

فيُقسَمُ الثُّلُث بَينَهما على خمسةٍ؛ لِصاحِب النِّصف ثلاثةُ أخْماسه، ولِلآخَرِ خُمُساهُ، ثُمَّ يُكمَّلُ لصاحِبِ النِّصْفِ نِصفُه بالإجازة.

وإنْ قُلْنا: هي عَطِيَّةٌ، فإنَّما يُزاحِمُه بثُلثٍ خاصَّةً؛ إذ الزِّيادةُ عَلَيهِ عَطِيَّةٌ مَحْضَةٌ من الورثة، ثُمَّ تُتَلقَّ

(1)

من الميت، فلا يُزاحَمُ بها

(2)

الوصايا، فيُقسَمُ الثُّلُثُ بَينَهما نِصفَينِ، ثُمَّ يُكمَّل لصاحِبِ النِّصف ثُلُثٌ بالإجازة).

(وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ، وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ وَارِثٌ)؛ كَمَنْ أَوْصَى لأِحدِ إخْوَتِه، (فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ غَيْرَ وَارِثٍ)، بِسَبَبِ تجدُّدِ ابنٍ للمُوصِي؛ (صَحَّتِ الْوَصِيَّةُ لَهُ)؛ لأِنَّ الأخَ عِنْدَ الموت لَيسَ بِوارِثٍ، والاِعْتِبارُ في الوصيَّة بالموت؛ لأِنَّه الحالُ الذي يَحصُل به الاِنْتِقالُ إلى الوارث والموصَى له، ومَعْناهُ: أنَّها صحيحةٌ في الثُّلث، وما زاد عليه مَوقُوفٌ على الإجازة.

(وَإِنْ أُوصِيَ

(3)

له وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ)؛ كَمَنْ أوْصَى لأِخِيهِ مع وُجود ابْنِه، (فَصَارَ عِنْدَ المَوْتِ وَارِثًا؛ بَطَلَتْ)، وحكاهُ في «الرِّعاية» قَولاً، والمذْهَبُ: أنَّها لا تَصِحُّ إلاَّ بإجازةِ بقيَّةِ الوَرَثَة؛ (لأِنَّ اعْتِبَارَ الْوَصِيَّةِ بِالمَوْتِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(4)

، فلو وَصَّى لِثلاثَةِ إخْوةٍ له مُفْتَرِقِينَ، ولا وَلَدَ له، ومات؛ لم تصحَّ الوصيَّةُ لغَيرِ الأخِ من الأب إلاَّ بإجازة الوَرَثَة، وإنْ وُلِد له ابن؛ صحَّت الوصيَّةُ للجميع من غَيرِ إجازةٍ إذا لم تتجاوَز الثُّلثَ، وإنْ وُلِد له بنتٌ؛ جازت الوصيَّة لغير الأخ من الأبَوَينِ، فيكون لهما ثُلُثَا الموصَى بَينَهما.

فَرْعٌ: لو وصَّى لاِمْرأةٍ أجْنَبِيَّةٍ، وأوْصَتْ له، ثُمَّ تزوَّجها؛ لم تَجُزْ

(5)

(1)

كذا في النسخ الخطية: (ثم تتلق). والذي في قواعد ابن رجب 3/ 311: (لم تتلق).

(2)

في (ظ): فلا تزاحم به.

(3)

في (ح): وصى.

(4)

ينظر: المغني 6/ 148.

(5)

في (ظ): لم يجز.

ص: 581

وصيتهما

(1)

إلاَّ بالإجازة.

وإنْ أوصى

(2)

أحدهما للآخَر، ثُمَّ طلَّقها؛ جازت الوصيَّةُ؛ لأِنَّه صار غَيرَ وارِثٍ، إلاَّ أنَّه إنْ طلَّقَها في مَرَضِ مَوتِه، فَقِياسُ المذهب: أنَّها لا تُعْطَى أكثرَ من مِيراثِها؛ لأِنَّه متهم

(3)

أنَّه طلَّقها لِيُوصِلَ إلَيها مالَه بالوصيَّة، فلم يَنفُذْ، كما لو طلَّقها في مرض مَوتِه، وأوْصَى لها بأكثر

(4)

من مِيراثِها.

(وَلَا تَصِحُّ إِجَازَتُهُمْ وَرَدُّهُمْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ المُوصِي)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لأِنَّه حقٌّ لهم حِينَئِذٍ، فَتَصِحُّ منهم الإجازةُ والرَّدُّ كسائِرِ الحُقوق، (وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ)، هذا زيادةُ إيضاحٍ، فدلَّ على أنَّ الحقَّ لم يَمْلِكوه، فلم يَصِحَّ منهم ما ذُكِرَ، كالمرأة تُسقِطُ

(6)

مَهْرَها قَبْلَ النِّكاح، والشَّفيعِ يُسقطُ شُفْعَتَه قَبْلَ البَيع، وقد سَبَقَ.

فَرْعٌ: لا تَصِحُّ الإجازةُ والرَّدُّ إلاَّ مِنْ جائِزِ التَّصرُّف، وتَقَدَّم الخِلافُ في المفْلِس والسَّفِيه.

(وَمَنْ أَجَازَ الْوَصِيَّةَ)؛ كما إذا كانت بجُزْءٍ مُشاعٍ زائدٍ على الثُّلُث، (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَجَزْتُ؛ لِأَنَّنِي ظَنَنْتُ المَالَ قَلَيلاً)؛ كما إذا أَوْصَى بنِصْف مالِه، فأجازه الوارِثُ، وكان المالُ سِتَّةَ آلافٍ، فقال: ظَنَنْتُه ثلاثةَ آلافٍ؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّ الإجازةَ إمَّا تنفيذٌ أوْ هِبَةٌ، وكِلاهُما لا يَجوزُ في المجْهولِ، (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ كَذِبُهُ.

(1)

في (ح): وصيتها.

(2)

قوله: (وإن أوصى) في (ح): وأوصى.

(3)

في (ح): بمتهم.

(4)

في (ح): أكثر.

(5)

ينظر: المغني 6/ 147.

(6)

في (ظ): يسقط.

ص: 582

(وَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا زَادَ عَلَى ظَنِّهِ

(1)

فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز»

(2)

، فَعَلَى هذا: يَرجِعُ بخَمْسِمائةٍ؛ لأِنَّه رَضِيَ بإجازة الوصيَّة على الزَّائد

(3)

على الثُّلث خمسمائة

(4)

، فكانت ألْفًا، فيَرجِعُ بخَمْسِمائةٍ، فيَحصُلُ للموصَى له: ألْفانِ وخَمْسُمائةٍ.

والثَّاني: أنَّه لا يُقبَلُ قَولُه؛ لأِنَّه أجاز عقْدًا له الخِيارُ في فَسْخه، فبَطَلَ خِيارُه؛ كما لو أجاز البَيعَ مَنْ له الخِيارُ في فَسْخِه بعَيبٍ أوْ خِيارٍ.

(إِلَا أَنْ تَقُومَ بِهِ

(5)

بَيِّنَةٌ) تَشهَدُ باعْتِرافه بقَدْره، أوْ يكونَ المالُ ظاهِرًا لا يَخفَى عَلَيهِ؛ لم يُقبَلْ قَولُه إذا قُلْنا: الإجازةُ تنفيذٌ، وإنْ قُلْنا: هي هِبَةٌ؛ فله الرُّجوعُ فِيما يَجوزُ الرُّجوعُ في الهبة

(6)

في مِثْلِه.

ومِنَ الأصحاب؛ كالقاضي والمجد، بنى

(7)

هذه المسألةَ على أنه: هل

(8)

يُعتَبَرُ أنْ يكونَ المجازُ مَعْلومًا للمُجِيز أمْ لا؟ فذَكَرَ المجْدُ: بأنَّه لو أجاز قَدْرًا مسْتَوِيًا من

(9)

المال، ثُمَّ قال: ظنَنْتُ المالَ قليلاً؛ أنَّه لا يُقبَلُ قَولُه.

ولا تَنَافِيَ بَينَهُما لِوَجْهَينِ:

أحدهما: أنَّ صحَّةَ إجازةِ المجْهول لا تُنافِي ثُبوتَ الرُّجوع فيه إذا تبيَّن فيه ضَرَرٌ على المجِيزِ لم يُعْلَمْ؛ اسْتِدْراكًا لِظُلامَتِه، كما نَقولُ

(10)

فيمَنْ أسقَطَ

(1)

في (ظ): على ما ظنه.

(2)

قوله: (مع يمينه؛ لأنه يحتمل كذبه) إلى هنا سقط من (ح).

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 3/ 228: على أن الزائد.

(4)

في (ق): مائة.

(5)

في (ح): عليه.

(6)

قوله: (في الهبة) في (ح): فالهبة.

(7)

في (ظ): بيَّن.

(8)

قوله: (على أنه هل) هي في (ح): على هل. وفي (ظ): على أنه.

(9)

في (ح): في.

(10)

في (ظ): يقول.

ص: 583

شُفْعتَه لِمَعْنًى، ثُمَّ بانَ بخِلافه، فإنَّ

(1)

له العَودَ إلَيها، فكذلك هنا إذا أجاز الجُزْءَ الموصَى به يَظُنُّه قليلاً فبانَ كثيرًا، فله الرُّجوعُ بما زاد على ظنِّه.

والثَّاني: أنَّه إذا اعْتَقَد أنَّ النِّصفَ الموصَى به -مثلاً- مائةٌ وخمسون درهمًا، ثمَّ بانَ ألْفًا، فهو إنَّما أجاز خمسينَ، لم يُجِزْ أكثرَ منها، فلا يجوز أكثرُ منها، فلا تَنفُذُ إجازتُه في غَيرها، وهذا بخلاف ما إذا أجاز النِّصْفَ.

(وَإِنْ كَانَ المُجَازُ عَيْنًا)؛ كعبدٍ تزيدُ قيمَتُه على الثُّلُث، (فَقَالَ: ظَنَنْتُ بَاقِيَ الْمَالِ كَثِيرًا

(2)

؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي أَظْهَرِ

(3)

الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ العَبدَ مَعْلومٌ لا جَهالةَ فيه.

والثَّانِي: أنَّه يَملِكُ الفَسْخَ؛ لأِنَّه قد يَسمَحُ بذلك ظَنًّا منه أنَّه يَبْقَى له من المال ما يَكفِيهِ، فإذا

(4)

بانَ خَلافُ ذلك لَحِقَه الضَّرَرُ في الإجازة، فَمَلَكَ الفَسْخَ كالأُولَى.

وقِيلَ: يَصِحُّ وَجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّ المجازَ مَعْلومٌ.

وكذا الخلافُ فِيمَا إذا كان المجازُ مَبْلَغًا مَعْلومًا، فلو كان العَبْدُ قِيمَتُه سِتُّمائَةٍ، فيُجِيزُ الوصيَّةَ بِناءً على أنَّ المالَ ألْفٌ - مثلاً -، ثمَّ تبَيَّنَ أنَّه سِتُّمائَةٍ، فيَدَّعِي أنَّه إنَّما أجاز بِناءً على ذلك.

فعلى الأول

(5)

والثَّالث: جميعُ العبد للمُوصَى له، وعلى الثَّاني: ثُلُثَا العَبْد وتُسُعُه؛ لأِنَّ له ثُلُثَ المال بالأصل، وهو أربعُمائَةٍ، وقد أجاز له سِتَّةً وسَتِّينَ وثُلُثَينِ؛ لأِنَّ ذلك هو ما بين الألْف وسِتِّمائةٍ المظنونةِ قِيمةَ العَبْدِ.

(1)

في (ح): فإنه.

(2)

في (ق): قليلاً. والمثبت موافق لمتن المقنع.

(3)

في (ظ): أحد.

(4)

في (ظ): فإن.

(5)

في (ح): الأولى.

ص: 584

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فإنْ قال: ظنَنْتُ أنَّ قِيمتَه ألْفٌ، فَبَانَ أكثرَ؛ قُبِلَ، ولَيس نقضًا

(1)

؛ لصحَّة الإجازة ببيِّنةٍ أوْ إقرارٍ، قال: وإنْ أجاز وقال: أردتُ أصلَ الوصيَّة؛ قُبِلَ

(2)

.

(3)

وَلَا يَثْبُتُ المِلْكُ لِلْمُوصَى لَهُ إِلاَّ بِالْقَبُولِ بَعْدَ المَوْتِ)؛ أيْ: إذا كانَتْ لمعين

(4)

يُمكِنُ القَبولُ منه

(5)

، في قَولِ جمهور الفقهاء؛ لأِنَّه تمليكُ مالٍ، فاعتبِرَ قَبولُه كالهِبة، قال أحمدُ: الهِبَةُ والوصيَّةُ واحدةٌ

(6)

.

ولا يتعيَّنُ القَبولُ باللَّفظ، بل يَحصُلُ به

(7)

وبِمَا قامَ مَقامَه؛ كالهِبة والبَيع، ويجوز القَبولُ على التَّراخِي؛ كالفَور، وحِينَئِذٍ الملْكُ له شَرْطانِ:

الأوَّلُ: القَبولُ.

الثَّاني: أنْ يكونَ القَبولُ بَعْدَ مَوت الموصِي؛ لأِنَّه قَبْلَ ذلك لم يَثْبُتْ له حقٌّ.

فأمَّا إنْ كانَتْ لِغَير مُعيَّنٍ؛ كالفقراء، أو لا يُمكِنُ حَصْرُهم؛ كبَنِي تميمٍ، أوْ على مصلحةِ مسجِدٍ أوْ حجٍّ؛ لم يَفتَقِرْ إلى قَبولٍ، ولَزِمَتْ بمجرَّد الموت؛ لأِنَّ اعْتِبارَ القَبول منهم مُتَعذِّرٌ، فَسَقَطَ اعْتِبارُه؛ كالوقْفِ عَلَيهِم، ولا يَتَعَيَّنُ واحِدٌ منهم، فيُكتَفَى به.

ولو كان فِيهم ذُو رَحِمٍ من الموصَى له؛ كمن أوْصَى بعَبدٍ للفقراء وأبوه

(8)

(1)

في (ظ): بقضاء.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 436، الاختيارات ص 278.

(3)

من هنا: المتن في (ظ) غير واضح بسبب التصوير.

(4)

في (ح): المعين.

(5)

في (ق): فيه.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4277.

(7)

قوله: (به) سقط من (ح).

(8)

في (ح) و (ق): أو أبوه.

ص: 585

منهم؛ لم يَعتِقْ عَلَيهِ؛ لأِنَّ الملْكَ لا يَثبُتُ لكلٍّ منهم إلاَّ بالقَبْضِ.

(فَأَمَّا قَبُولُهُ وَرَدُّهُ قَبْلَ الْمَوْتِ؛ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ)؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ له حقٌّ.

(فَإِنْ

(1)

مَاتَ الْمُوصَى لَهُ قَبْلَ مَوْتِ المُوصِي

(2)

؛ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ) في قَولِ أكثرِ العلماء

(3)

؛ لأِنَّها عطيَّةٌ صادَفَت المعْطَى ميتًا، فلم تَصِحَّ، كما لو وَهَبَ ميتًا، إلاَّ أنْ يكونَ أَوْصَى بقَضاء دَينِه، فلا تَبطُلُ، قالَهُ الحارِثِيُّ وغَيرُه.

(وَإِنْ رَدَّهَا بَعْدَ مَوْتِهِ

(4)

؛ بَطَلَتْ أَيْضًا)؛ لِلرَّدِّ أحْوالٌ:

مِنْها: أنْ يَرُدَّها قَبلَ مَوت الموصِي، فلا يَصِحُّ الرَّدُّ، وقَد ذَكَرَه؛ لأِنَّ الوصيَّةَ لم تَقَعْ بَعْدُ، أشْبَهَ ردَّ المبِيعِ قَبْلَ إِيجابِ البيع

(5)

، ولأِنَّه لَيسَ بمحلٍّ للقَبول.

ومِنْها: أنْ يَرُدَّها بَعْدَ الموت وقَبْلَ القَبول، وهي مسألةُ المتْنِ؛ فيَصِحُّ الرَّدُّ، وتَبطُلُ الوصيَّةُ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

؛ لأِنَّه أسْقَطَ حقَّه في حالةٍ يَملِكُ قَبولَه وأخْذَه، أشْبَهَ عَفْوَ الشَّفيع عنها بَعْدَ البَيع.

ومِنْها: أنْ يَرُدَّ بَعْدَ القَبول والقَبْض، فلا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لأِنَّ ملْكَه قد استقرَّ عَلَيهِ

(7)

، أشْبَهَ ردَّه لسائر

(8)

أمْلاكِه، إلاَّ أنْ تَرْضَى

(9)

الوَرَثةُ بذلك، فتكون

(10)

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): الوصي.

(3)

في (ق): الفقهاء.

(4)

في (ق): بعده.

(5)

في (ح): المبيع.

(6)

ينظر: المغني 6/ 154.

(7)

في (ق): عليها.

(8)

في (ح) و (ظ): كسائر. والمثبت موافق للمغني 6/ 154، والشرح الكبير 17/ 243.

(9)

في (ق): يرضى.

(10)

في (ق): فيكون.

ص: 586

هِبةً منه لهم، تَفتَقِرُ

(1)

إلى شُروطها.

ومنها: أنْ يَرُدَّ بَعْدَ القَبول وقَبْلَ القَبْض، فلا يَصِحُّ الرَّدُّ؛ لأِنَّ الملْكَ يَحصُلُ فيه بالقَبول مِنْ غَير قَبْضٍ.

وقِيلَ: يَصِحُّ فيما كِيلَ أوْ وُزِنَ، دُونَ المعيَّن في الأشْهَرِ فيهِما.

وقِيلَ: يَصِحُّ مطلَقًا؛ بِناءً على أنَّ القَبْضَ مُعْتَبَرٌ فيه.

فإنْ لم يَقبَل؛ فكمُتَحَجِّرٍ مَواتًا؛ أي: للوَرَثَة مطالَبَتُه بأحَدِهما، فإن امْتَنَع؛ حُكِم عليه بالرَّدِّ، وسَقَطَ حقُّه منها.

وكلُّ مَوضِعٍ صحَّ الرَّدُّ قَبْلَ القَبول أو القَبض؛ فالمردودُ إرْثٌ، ولَيسَ له ردُّه إذنْ إلى بعض الورثة، ولا إلى غَيرهم.

وإذا امْتَنَع الرَّدُّ بَعْدَ القَبول والقَبْض؛ فله هِبَتُه وتمليكُه لوارِثٍ وغَيرِه.

فَرْعٌ: يَحصُلُ الرَّدُّ بقَوله: رَدَدْتُ الوصيَّةَ، وكذا لا أَقْبَلُها، قال أحمدُ: إذا أوْصَى لرجلٍ

(2)

بألْفٍ، فقال: لا أَقْبَلُها؛ فهي لِوَرَثَته

(3)

.

(وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ، وَقَبْلَ الرَّدِّ وَالْقَبُولِ؛ قَامَ وَارِثُهُ مَقَامَهُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه حقٌّ ثَبَتَ للمَورُوث، فيَنتَقِلُ إلى الوارث

(4)

بَعْدَ مَوتِه؛ لقَوله عليه السلام: «مَنْ تَرَك حقًّا؛ فَلِوَرَثَتِه»

(5)

، وكَخِيار العَيب.

ثُمَّ إنْ كان الوارِثُ جماعةً؛ اعتُبِر القَبولُ والرَّدُّ مِنْ جميعهم، وإنْ ردَّ بَعْضٌ وقَبِلَ آخَرُ؛ تَرتَّبَ على كلٍّ حُكمُه، فإنْ كان فيهم مَولِيًّا عَلَيهِ؛ تقيَّد

(6)

وَلِيُّه بفِعْلِ الأحَظِّ.

(1)

في (ظ) و (ق): يفتقر.

(2)

في (ق): إلى رجل.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 292.

(4)

في (ح): الورثة.

(5)

أخرجه البخاري (2298)، ومسلم (1619)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

في (ح): بقية.

ص: 587

(وَقَالَ الْقَاضِي: تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ)، وهو روايةٌ؛ لأِنَّها تفتقر إلى القبول

(1)

، فإذا ماتَ قَبْلَه؛ بَطَلَتْ؛ كالهِبَة، (عَلَى

(2)

قِيَاسِ قَوْلِهِ)؛ أيْ: قَولِ الإمام؛ لأِنَّه خِيارٌ لا يُعتَاضُ عنه، فبَطَلَ؛ كخِيارِ المجْلِس والشَّرطِ والشُّفْعةِ، نَصَّ عليه

(3)

، وهذا مِثلُه، وحَكَى في «المغْنِي» و «الشَّرح» البُطْلانَ، عن ابنِ حامِدٍ، وأنَّ القاضِيَ قال: هو قِياسُ المذْهَب.

(وَإِنْ قَبِلَهَا بَعْدَ الْمَوْتِ؛ ثَبَتَ

(4)

المِلْكُ) للمُوصَى له (حِينَ الْقَبُولِ فِي الصَّحِيحِ) من المذْهَبِ، أَوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ

(5)

، وهو قَولُ أهلِ العراق؛ لأِنَّه تمليكُ عَينٍ لِمُعَيَّنٍ، يفتقر

(6)

إلى القَبول، فلم يَسْبِقِ الملْكُ القَبولَ؛ كسائر العُقود، والقَبولُ مِنْ تمامِ السَّبَب، والحُكْمُ لا يَتَقدَّمُ سبَبَه ولَا شَرْطَه.

وفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية»: أنَّه إذا قَبِلَ تبَيَّنَّا أنَّ الملكَ ثَبَتَ حينَ مَوت الموصِي؛ لأِنَّ ما وَجَبَ انْتِقالُه بالقَبول وَجَب انتِقالُه من جِهَةِ الموجِبِ عند الإيجاب كالهِبة.

واخْتارَ أبو بَكْرٍ: أنَّ الملْكَ يَقِفُ مُرَاعًى.

وعلى الأوَّل: هل هي قَبْلَ القَبول على ملْكِ الميت أو الورثة؟ فيه وجْهانِ، ونَصَّ أحمدُ في مَواضِعَ: أنَّه لا يُعتَبَرُ له القَبولُ، فيَملِكُه قَهْرًا؛ كالميراث

(7)

، وحكاه الحُلْوانِيُّ عن الأصْحاب، ولهذا الاِخْتِلاف فوائدُ نبَّه المؤلِّفُ على بعضها.

(1)

قوله: (إلى القبول) سقط من (ظ) و (ق).

(2)

في (ق): في.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2725.

(4)

في (ح): يثبت.

(5)

ينظر: الهداية ص 345.

(6)

في (ح): المعين يفتقر، وفي (ق): تفتقر.

(7)

ينظر: قواعد ابن رجب 3/ 373.

ص: 588

(1)

فَمَا حَدَثَ قَبْلَهُ)؛ أيْ: قَبْلَ القَبول (مِنْ نَمَاءٍ مُنْفَصِلٍ)؛ كالوَلَد والثَّمَرة؛ فهو لورَثَتِه؛ لأِنَّه ملكُهم، فعلى هذا يزكُّونه، وقِيلَ: للميت، وقِيلَ: مُنْذُ ماتَ الموصِي؛ فيُزَكِّيهِ.

وفي «القواعد» : (أنَّ النَّماءَ

(2)

المنْفَصِلَ إنْ قُلْنا: هو على ملْك الموصَى له؛ فهو له لا يُحْسَبُ عليه من الثُّلث، وإنْ قُلْنا: هو على ملْك الميت، فتَتَوفَّرُ به التَّرِكةُ، فيَزْدادُ به الثُّلث، وإنْ قُلْنا: على ملك الورثة؛ فنَماؤه لهم خاصَّةً.

وذَكَرَ القاضِي في «خِلافه» : أنَّ ملْكَ الموصى

(3)

له لا يتقدَّم القَبولَ، وأنَّ النَّماءَ قَبْلَه للورثة مع أنَّ العَينَ باقيةٌ على حكمِ ملكِ

(4)

الميتِ، فلا يَتَوفَّرُ به الثُّلثُ؛ لأِنَّه لم يكُنْ ملْكًا له حِينَ الموت).

(وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلاً؛ تَبِعَهَا) كما يَتْبَعُ في العُقود والفُسوخ.

(وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِأَمَةٍ، فَوَطِئَهَا الْوَارِثُ قَبْلَ الْقَبولِ)؛ أيْ: قَبولِ الموصَى له، (فَأَوْلَدَهَا؛ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ لأِنَّه وَطئَ مَمْلُوكَتَهُ، (وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يَجِبُ عَلَيه مَهْرٌ مِنْ وَطْءِ مملوكتِه، (وَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه وَطِئَها في ملْكِه، (لَا تَلْزَمُهُ

(5)

قِيمَتُهُ)؛ لأِنَّه لا حقَّ فيه لأِحَدٍ، بل انْعَقَد حُرًّا.

(وَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِلْمُوصَى

(6)

إذا قَبِلها؛ لأِنَّه فَوَّتَها عَلَيهِ، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَها.

لا يُقالُ: كَيفَ قَضَيتُم هنا بعِتْقِها، وهي لا تَعتِقُ بإعْتاقِه؛ لأِنَّ الاِسْتِيلادَ أقْوَى، بدليلِ نُفُوذه من المجْنُون، والمراهِقِ، والشَّريكِ المعْسِرِ، وإنْ لم يَنفُذْ إعْتاقُهم.

(1)

هنا ينتهي عدم وضوح المتن من (ظ).

(2)

قوله: (أن النماء) في (ق): والنماء.

(3)

في (ح): الوصي.

(4)

في (ظ): مال.

(5)

في (ظ): يلزمه.

(6)

في (ح) و (ق): للوصي. وهما بمعنى واحد كما في شرح المنتهى 2/ 459.

ص: 589

لكِنْ إذا وَطِئَها الموصَى له قَبْلَ قَبولها؛ كان ذلك قَبُولاً لها، ويَثبُتُ

(1)

الملْكُ له؛ كوطْءِ مَنْ له الخِيار.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِزَوْجَتِهِ، فَأَوْلَدَهَا قَبْلَ الْقَبُولِ؛ لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ لأِنَّها لم تَصِرْ ملْكًا له بَعْدُ، (وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ)؛ لأِنَّه مِنْ وَطْءٍ في ملْكِ غَيرِه.

(وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِأَبِيهِ، فَمَاتَ) الموصَى له (قَبْلَ الْقَبُولِ؛ فَقَبِلَ ابْنُهُ)؛ صحَّ، و (عَتَقَ المُوصَى بِهِ)، وهو الجَدُّ، (حِينَئِذٍ)؛ أيْ: حِينَ القَبول، (وَلَمْ يَرِثْ) من ابنه

(2)

(شَيْئًا

(3)

؛ لأِنَّ حُرِّيَّتَه إنَّما حَدَثَتْ حِينَ القَبولِ بَعْدَ أنْ صار الميراثُ لِغَيرِه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ حِينَ الْمَوْتِ)؛ كالبَيع، (فَتَنْعَكِسُ هَذِهِ الْأَحْكَامُ)، فيَكونُ النَّماءُ المنْفَصِلُ للمُوصَى له؛ كالمتَّصِل؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِه.

وفي الثَّانية: أنَّها لا تَصِيرُ أمَّ وَلدٍ له؛ لأِنَّه وَطْءٌ في غَيرِ ملْكٍ، وهي باقيةٌ على الرِّقِّ، وعَلَيهِ المَهْرُ؛ لأِنَّه وَطِئَ مملوكةَ غَيرِه، وَوَلَدُه رقيقٌ؛ لِمَا ذَكَرْنا.

وفي الثَّالثة: يكونُ حرَّ الأصل، ولا وَلاءَ عَلَيهِ، وأمُّه أمَّ وَلَدٍ؛ لأِنَّها عَلِقَتْ منه بحرٍّ

(4)

في ملْكِه.

وفي الرَّابعة: تَثْبُتُ حُرِّيَّتُه مِنْ حِينِ مَوتِ الموصِي، ويَرِثُ من ابنه السُّدُسَ.

وللخِلافِ فوائدُ أخْرَى:

مِنْها: لو أوْصَى بأمته

(5)

لزَوجها، فلم يَعلَمْ حتَّى أوْلَدَها، ثُمَّ قَبِلَها، فإنْ

(1)

في (ق): وثبت.

(2)

في (ح): أبيه.

(3)

زيد في (ح): (لأنه لم يعتق في حياته) وهي غير موجودة في المغني والشرح.

(4)

في (ح) و (ق): بجزء. والمثبت موافق للمغني 6/ 158 والشرح الكبير 17/ 254.

(5)

في (ظ): بأمةٍ.

ص: 590

قِيلَ: يَملِكُها بالموت؛ فَوَلَدُه حُرٌّ، وهي أمُّ وَلَدِه، ويَبطُلُ نكاحُه بالموت، وإنْ قِيلَ: لا يَمْلِكُها إلاَّ بَعْدَ القَبول؛ فنِكاحُه باقٍ قَبْلَ القَبول، وَوَلدُه رقيقٌ للوارِثِ.

ومِنْهَا: لو زوَّج أَمَتَه بابْنِه، ثُمَّ وصَّى بها لآِخَرَ، وهي تَخرُجُ من الثُّلث؛ لم يَنفَسِخْ نكاحُ الاِبْن، وعلى الثَّاني عَكْسُه.

ومِنْها: لو وصَّى لرجل

(1)

بأرضٍ، فبَنَى الوارِثُ فيها، أوْ غَرَسَ قَبْلَ القَبول، ثُمَّ قَبِلَ؛ ففي «الإرشاد»: إنْ كان الوارِثُ عالِمًا بالوصيَّة؛ قُلِعَ غَرْسُه وبناؤُه مَجَّانًا، وإنْ كان جاهِلاً؛ فوَجْهانِ.

قال في «القواعد» : (وهذا مُتَوَجِّهٌ على القَول بالملْك بالموت، أمَّا إن قيل: إنَّها قَبْلَ القَبول على ملْكِ الوارِث؛ فهو كبِناءِ مُشْتَرِي الشِّقْص المشْفوعِ وغَرْسِه، فيكونُ مُحترَمًا يُتَمَلَّك بقِيمته).

ومِنْها: لو بِيعَ شِقْصٌ في شَرِكة الورثة والموصَى له قَبْلَ قَبوله، فإنْ قُلْنا: الملْك له من حِين الموت؛ فهو

(2)

شريكٌ للورثة في الشُّفْعة، وإلا فلا حقَّ له فيها.

ومِنْها: جَرَيانُه من حين الموت في حول الزَّكاة، فإنْ قُلْنا: مَلَكه

(3)

الموصَى له؛ جَرَى في

(4)

حَوله، وإنْ قُلْنا: للورثة؛ فهل يَجْرِي في حولهم حتَّى لو تأخَّرَ القَبولُ سَنَةً، كانت زكاتُه عَلَيهم، أمْ لا؛ لِضعْف ملْكِهم فيه، وتزلزله

(5)

، وتَعَلُّق حقِّ الموصَى له به؛ فهو كمالِ المكاتَب؟ فيه تَرَدُّدٌ.

(1)

في (ح): الرجل.

(2)

في (ح): فهي.

(3)

في (ح): يملكه.

(4)

في (ق): من.

(5)

في (ح): تزلزله.

ص: 591

ومِنْها: لو نَقَصَ الموصَى به في

(1)

سِعْرٍ أوْ صِفَةٍ، فَذَكَرَ جماعةٌ: أنَّه يُقوَّمُ بسِعْرِه وَقْتَ الموت.

وفي «المحرَّر» : إنْ قُلْنا: يَملِكُه بالموت؛ اعْتُبِرتْ قِيمتُه من التَّرِكة بسِعْرِ يَومِ الموت على أدْنَى صِفاتِه من يَوم الموت إلى القَبول؛ لأِنَّ الزِّيادةَ حَصَلَتْ في ملْكِه، فلا تُحسَب عَلَيهِ، والنَّقصُ لم يَدخُلْ في ضَمانه.

وإنْ قُلْنا: يَملِكُه من حِينِ القَبول؛ اعتُبِرَتْ قِيمتُه يَومَ القَبول سِعْرًا وصِفَةً؛ لأِنَّه لم يَمْلِكْه قَبْلَ ذلك.

وذَكَرَ الخِرَقِيُّ، ونَصَّ عَلَيهِ: أنَّه تُعتَبَرُ

(2)

قيمتُه يَومَ الوصيَّةِ

(3)

، ولم يَحْكِ في «المغْنِي» خِلافًا، فظاهِرُه: أنَّه يُعْتَبَرُ سِعْرُه بيوم الموت على الوُجوه كلِّها؛ لأِنَّ حقَّه تعلَّق بالموصَى به تعلُّقًا قَطَعَ تصرُّفَ الوَرَثَة فيه، فيكونُ ضمانُه عليه؛ كالعبد الجانِي.

(1)

في (ح): من.

(2)

في (ظ): يعتبر.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4337.

ص: 592

(فَصْلٌ)

(وَيَجُوزُ الرُّجُوعُ فِي الْوَصِيَّةِ)؛ لقَولِ عُمَرَ: «يُغَيِّرُ الرَّجُلُ ما شاء في وصيَّتِه»

(1)

، وهو اتِّفاقٌ في غَيرِ الوصيَّة بالعِتْق

(2)

، ولأِنَّها عطيَّةٌ تَتَنَجَّزُ بالموت، فجاز له الرُّجوع عنها قَبْلَ تَنجِيزها، كهِبَةِ ما يَفْتَقِرُ إلى القَبْض قَبْلَ قَبْضِه.

وقال الشَّعْبِيُّ وغَيرُه: يُغَيِّرُ ما شاءَ مِنْها إلاَّ العِتْقَ؛ لأِنَّه إعْتاقٌ بَعْدَ الموت، فلم يَملِكْ تَغْيِيرَه

(3)

كالتَّدْبِير.

وجَوابُه: بالمنْعِ، ولو سُلِّمَ؛ فالوصيَّةُ تُفارِقُ التَّدْبيرَ، فإنَّه تعليقٌ على شَرْطٍ، فلم يَمْلِكْ تَغْيِيرَه؛ كتَعْليقِه على صِفَةٍ في الحياة.

(فَإِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي وَصِيَّتِي، أَوْ أَبْطَلْتُهَا، أَوَ نَحْوَ

(4)

ذَلِكَ)؛ كَ: غَيَّرْتها، أو فَسَخْتُها؛ (بَطَلَتْ)؛ لأِنَّه صريحٌ في الرُّجوع.

(وَإنْ

(5)

قَالَ فِي الْمُوصَى بِهِ: هذا لِوَرَثَتِي)؛ لأِنَّ ذلك يُنافِي كَونَه وصيَّةً، (أَوْ) قال:(مَا أَوْصَيْتُ بِهِ لِفُلَانٍ فَهُوَ لِفُلَانٍ؛ كَانَ رُجُوعًا) بغَيرِ خِلافٍ

(1)

أخرجه الدارمي (3254)، وابن حزم (8/ 391)، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن أبي ربيعة. وأخرجه ابن وهب كما في المدونة (4/ 328)، عن عمرو بن شعيب، عن الحارث بن ربيعة. وأخرجه ابن أبي شيبة (30804)، عن عمرو بن شعيب، عن عبد الله بن الحارث بن أبي ربيعة أو الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة. والشك في اسمه لا يضر. قال الألباني في الإرواء 6/ 99:(سند صحيح، رجاله ثقات إن كان عمرو بن شعيب سمعه من عبد الله بن أبي ربيعة، فإن كان هذا عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المكي الصحابي، وإلا فلم أعرفه، وسكت عليه الحافظ في التلخيص)، وإن كان هو الصحابي فإن عمرًا لا يُعرف بالسماع منه. وأخرجه عبد الرزاق (16379)، والدارمي (3258)، عن قتادة، عن عمر مرسلاً.

(2)

ينظر: تحفة الفقهاء 3/ 223، المعونة 1/ 1644، الأم 4/ 124، المغني 6/ 188.

(3)

في (ق): تغيره.

(4)

في (ح): ونحو.

(5)

في (ظ): فإن.

ص: 593

نَعلَمُه

(1)

؛ لرُجوعه عن الأوَّل وصَرْفِه إلى الثَّاني، أشْبَهَ ما لو صرَّح بالرُّجوع.

(وَإِنْ وَصَّى بِهِ لآِخَرَ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا) في قَولِ الجمهور؛ لِتَعلُّق حقِّ كلِّ واحدٍ منهما على السَّواء، فَوَجَبَ أنْ يَشْتَرِكا

(2)

فيه، كما لو قال: هو بَينَهما.

وقِيلَ: للثَّاني.

ونَقَلَ الأثْرَمُ: يُؤخَذُ بآخِر الوصيَّة

(3)

، وهو قَولُ عَطاءٍ وطاوُسٍ؛ لأِنَّ الثَّانيةَ تُنافِي الأُولَى، فإذا أتى بها؛ كان رجوعًا، كما لو قال: هذا لِوَرَثَتِي.

ورُدَّ: بالفَرْق.

وفي «التبصرة» : للأوَّل.

وأيُّهما مات؛ فهو للآخَر؛ لأِنَّه اشْتِراكُ تَزَاحُمٍ.

فَرْعٌ: لو وَصَّى بثُلُثِه لِرَجُلٍ، ثُمَّ بثُلثه لآخر

(4)

؛ فمُتَغايِرانِ

(5)

، وفي الرَّدِّ؛ يُقسَمُ بَينَهما.

ولو وَصَّى بجميعِ مالِه لرجُلٍ، ثُمَّ وَصَّى به لآِخَرَ؛ فهو بَينَهما.

(وَإِنْ بَاعَهُ، أَوْ وَهَبَهُ، أَوْ رَهَنَهُ؛ كَانَ رُجُوعًا)؛ لأِنَّه أزال ملكَه عنه، وذلك يُنافِي الوصيَّةَ، والرَّهْنُ يراد

(6)

للبيع، أشْبَهَ ما لو باعَه، ولأِنَّ الوصيَّةَ تَنقُلُ الملْكَ حِينَ الموتِ، وذلك بقيمةِ القابِلِيَّة

(7)

له

(8)

،

(1)

ينظر: المغني 6/ 188.

(2)

في (ق): أن يشترط.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 38.

(4)

في (ح): الآخر.

(5)

في (ق): فيغايران.

(6)

زيد في (ح): به.

(7)

في (ق): العاملية. والمثبت موافق للممتع 3/ 235.

(8)

قوله: (له) سقط من (ح).

ص: 594

والقابِلِيَّة

(1)

للنَّقْل غَيرُ مَوجُودةٍ فيما رَهَنَه.

وكذا إنْ كان ثَوبًا فَفَصَّلَه ولَبِسَه، أوْ جارِيَةً فأحْبَلَها أوْ أوْلَدَها.

(وَإِنْ كَاتَبَهُ، أَوْ دَبَّرَهُ، أَوْ جَحَدَ الْوَصِيَّةَ)، أوْ أوْجَبَه في بَيعٍ أوْ هِبَةٍ، فلَمْ يَقْبَلْ، أوْ عرضه

(2)

في بَيعٍ، أوْ رَهْنٍ، أوْ وَصَّى بِبَيعِه أوْ هِبَتِه؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أصَحُّهما: أنَّه رجوعٌ؛ لأِنَّ الكتابةَ والتَّدبيرَ أقْوَى من الوصيَّة؛ لأِنَّه يَتَنَجَّزُ بالموت، فيَسبِقُ أخْذَ الموصَى له، وجَحْدُها ظاهِرٌ في الرُّجوع، وفي الباقِي يَدُلُّ على اخْتِياره الرُّجوع.

والثَّاني: لا يكون رُجوعًا؛ لأِنَّ الكتابةَ والتَّدبيرَ لا يَخرُجُ بهما عن ملْكِه، والوصيَّةَ عَقْدٌ، فلا تَبطُلُ بالجُحود؛ كسائر العُقود، وكإيجاره، وتزوِيجِه، ولُبْسِه، وسُكْناهُ.

وهذا كلُّه إذا كانت بمُعَيَّنٍ، فإنْ كانَتْ بثُلث مالِه، فيَتْلَفُ أوْ يَبِيعُه، ثُمَّ يَملِكُ مالاً آخَرَ؛ فهي باقيةٌ، ولَيسَ برجوعٍ.

(وَإِنْ خَلَطَهُ بِغَيْرِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَمَيَّزُ)، ولا يَنفَصِلُ عنه غالِبًا، قالَهُ في «الرِّعاية» ، (أَوْ أَزَالَ اسْمَهُ؛ فَطَحَنَ الْحِنْطَةَ، أَوْ خَبَزَ الدَّقِيقَ، أَوْ جَعَلَ الْخُبْزَ فَتِيتًا، أَوْ نَسَجَ الْغَزْلَ، أَوْ نَجَرَ الْخَشَبَةَ بَابًا وَنَحْوَهُ، أَوِ انْهَدَمَتِ الدَّارُ وَزَالَ اسْمُهَا؛ فَقَالَ الْقَاضِي: هُوَ رُجُوعٌ)، صحَّحه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه أزال اسْمَه، وأخْرَجَه عن دُخُولِه في الاِسْمِ الدَّالِّ على الموصَى به.

(وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهِ وَجْهَيْنِ):

(1)

في (ق): والعاملية.

(2)

في (ظ): عوضه.

ص: 595

أحدهما: أنَّه رجوعٌ، وقالَهُ أكثرُ العلماء، ونَصَرَه في «الشَّرح» .

والثَّاني، واخْتارَه أبو الخَطَّاب: أنَّه لَيْسَ برجوعٍ؛ لأِنَّ الموصَى به باقٍ، أشْبَهَ غَسْلَ الثَّوب، وهو لا يُسَمَّى غَزْلاً، كما لا يُسَمَّى الغَزْلُ كُتَّانًا.

وكذا الخِلافُ إذا ضَرَبَ النقرة

(1)

، أوْ ذَبَحَ الشَّاةَ، أوْ بَنَى، أوْ غَرَسَ، وذَكَرَهُما ابْنُ رَزِينٍ في وطئه.

فَرْعٌ: إذا حَدَثَ بالموصَى به ما يُزِيلُ اسْمَه من غَيرِ فِعْلِ الموصِي؛ كالحَبِّ إذا سَقَطَ وصار زَرْعًا، والدَّارِ إذا انْهَدَمَتْ وصارَتْ فَضاءً؛ فَوَجْهانِ: أشْهَرُهُما البُطْلانُ؛ لأِنَّ الباقِيَ لا يَتَناوَلُه الاِسْمُ.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، ثُمَّ خَلَطَ الصُّبْرَةَ بِأُخْرَى؛ لَمْ يَكُنْ رُجُوعًا)؛ لأِنَّه كان مُشَاعًا، وبَقِيَ على إشاعَتِه، وسَواءٌ خَلَطَها بِمِثْلها، أوْ دُونِها، أوْ خَيرٍ منها.

وقِيلَ: إنْ خَلَطَها بخَيرٍ منها؛ كان رُجوعًا، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّه لا يُمكِنُه تسليمُ الموصَى به إلاَّ بتَسْليمِ خَيرٍ منه، ولا يَجِبُ على الوارث تسليم

(2)

خَيرٍ منه، فصار مُتعَذِّرَ التَّسْليم.

(فَإنْ

(3)

زَادَ) الموصي

(4)

(فِي الدَّارِ عِمَارَةً، أَوِ انْهَدَمَ بَعْضُهَا) في حياةِ الموصِي؛ (فَهَلْ يَسْتَحِقُّهُ الْمُوصَى لَهُ

(5)

؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «الفروع» في الزِّيادة.

أحدهما

(6)

: لا يَستَحِقُّه؛ لأِنَّ الزِّيادةَ لم تتناوَلْها الوصيَّةُ، والأَنقاضَ لا

(1)

في (ح): البقرة.

(2)

قوله: (تسليم) سقط من (ح).

(3)

في (ح): وإن.

(4)

في (ح) و (ق): الوصي.

(5)

قوله: (الموصى له) في (ح) و (ق): الوصي.

(6)

في (ح): أحدها.

ص: 596

يَدخُلُ في مُسَمَّى الدَّار، وإنَّما يتبع الدَّارَ في الوصيَّة ما يَتْبَعُها في البَيعِ.

والثَّاني: يَسْتَحِقُّهما، قدَّمه في «الحاشية» ؛ لأِنَّ الزِّيادةَ تابِعةٌ؛ كالسِّمَن، والمنْهَدِمُ قد دخل في الوصيَّة، فتبقى

(1)

الوصيَّةُ ببقائها.

والمذْهَبُ: أنَّ زيادةَ الموصِي فيها للورثة، دُونَ المنْهَدِم.

وقال ابْنُ حَمْدانَ: الأنقاضُ، أو العِمارةُ إرْثٌ.

وقِيلَ: إنْ صارَتْ فَضاءً في حياة الموصي

(2)

؛ بَطَلَت الوصيَّةُ، وإنْ بَقِيَ اسْمُها؛ أخَذَها، لا ما انْفَصَلَ منها.

فَرْعٌ: إذا بَنَى فيها الوارِثُ وقد خَرَجَت من الثُّلث؛ رَجَعَ على الموصَى له بِقِيمة البِناء، وقِيلَ: لا رُجوعَ، وعَلَيهِ أرْشُ ما نَقَصَ من الدَّار عمَّا كانَتْ عَلَيهِ قَبْلَ عِمارته، وإنْ جَهِلَ الوصيَّةَ؛ فله قِيمةُ بنائه غَيرَ مَقْلُوعٍ.

فائدةٌ: نَقَلَ الحَسَنُ بنُ ثَوَابٍ عن أحمدَ في رجُلٍ قال: ثُلُثِي لِفُلانٍ، ويُعْطَى فُلانٌ منه مائةً في كلِّ شَهْرٍ إلى أنْ يَموتَ؛ فهو للآخَرِ منهما، ويُعْطَى هذا مائةً في كلِّ شَهْرٍ، فإنْ مات وفضل منه

(3)

شَيءٌ؛ رُدَّ إلى صاحب الثُّلث

(4)

، فحَكَمَ بصحَّة الوصيَّة وإنْفاذِها على ما أَمَرَ به الموصِي.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ) بمُعيَّنٍ

(5)

، (ثُمَّ قَالَ: إِنْ قَدِمَ فُلَانٌ فَهُوَ لَهُ، فَقَدِمَ فِي حَيَاةِ المُوصِي؛ فَهُوَ لَهُ)؛ لأِنَّه جَعَلَه له بِشَرْطِ قُدومِه، وقد وُجِدَ.

(وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ «الفروع» ، وصحَّحه ابنُ المنَجَّى؛ لأِنَّه لَمَّا مات قَبْلَ قُدومه؛ انْتَقَلَ

(1)

في (ظ): فيبقى.

(2)

في (ح): الوصي.

(3)

قوله: (منه) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

ينظر: المغني 6/ 190.

(5)

في (ق): معين.

ص: 597

إلى الأوَّل؛ لِعَدم الشَّرْط في الثَّاني، وقُدومِ الثَّاني بَعْدَ ملْكِ الأوَّل له، وانْقِطاعِ حقِّ الموصِي منه، فَبَقِيَ للأوَّل.

(وَفِي الآْخَرِ: هُوَ

(1)

لِلْقَادِمِ)؛ لأِنَّه مشروطٌ له بِقُدومه، وقد وُجِدَ، أشْبَهَ ما لو قال: إنْ حَمَلَتْ نَخْلَتِي بَعْدَ مَوتِي فهو لِفُلانٍ، فحَمَلَتْ بَعْدَ مَوتِه، فإنَّه يَسْتَحِقُّ حَمْلَها بَعْدَ ملْكِ الورثة لأِصْلِها.

(1)

في (ح): فهو.

ص: 598

(فَصْلٌ)

(وَتُخْرَجُ الْوَاجِبَاتُ)؛ كقَضاءِ الدَّين والزَّكاة والحجِّ (مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْصَى بِهَا أَوْ لَمْ يُوصِ)؛ لقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّسَاء: 11]، ولقَول عليٍّ:«قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالدَّين قَبْلَ الوصيَّةِ» رواهُ التِّرمذيُّ

(1)

، ولأِنَّ حقَّ الورثة إنَّما هو بَعْدَ أداءِ الدَّين، وقد حَكَى القُرْطبِيُّ الإجْماعَ على تقديمِ الدَّين على الوصيَّة

(2)

، إلاَّ ما حُكِيَ عن أبي ثَورٍ: أنَّه قَدَّمها عَلَيهِ، حكاهُ العَبْدَرِيُّ.

والحِكمةُ في تقديمها في الآية: أنَّ الوصيَّةَ لَمَّا أشْبَهَت الميراثَ في كَونِها بلا عِوَضٍ؛ فكان في إخْراجِها مشقَّةٌ على الوارث، فقُدِّمت حَثًّا على إخْراجِها.

قال الزَّمَخْشَرِيُّ

(3)

: ولذلك جِيءَ بكلمةِ «أوْ» الَّتي للتَّسوية؛ أيْ: فيَسْتَوِيانِ في الاِهْتِمام وعَدَمِ التَّضْيِيع

(4)

، وإنْ كان مقدَّمًا عَلَيها.

وقال السُّهَيلِيُّ: لَمَّا كانت الوصيَّةُ طاعةً وخَيرًا، والدَّينُ غالِبًا لِمَنفَعَةٍ، وهو مَذْمومٌ في غالِبِ أحْواله، وقد تَعَوَّذَ منه عليه السلام

(5)

، فَبَدَأَ بالأفْضَل

(6)

.

وقال ابنُ عَطِيَّةَ: الوصيَّةُ غالِبًا تَكُون لِضِعافٍ، فَقُوِّيَ جانِبُها بالتَّقديم في

(1)

سبق في الجنائز 3/ 82 حاشية (1).

(2)

ينظر: تفسير القرطبي 5/ 73.

(3)

ينظر: الكشاف للزمخشري 1/ 484.

(4)

في (ق): التضبيع.

(5)

أخرجه البخاري (2893)، من حديث أنس رضي الله عنه، وفيه:«اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين، وغلبة الرجال» .

(6)

ينظر: الفرائض وشرح آيات الوصية ص 49.

ص: 599

الذِّكْر؛ لِئَلاَّ يُطمَعَ ويُتَساهَلَ فيها بخِلافِ الدَّين

(1)

.

وحِينَئِذٍ: إنْ كان له وَصِيٌّ؛ قام بإخْراج ذلك ونَفاذِه، وإلاَّ فالوارِثُ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

وقِيلَ: يَتَوَلاَّهُ الحاكِمُ، كما لو كان الوارِثُ صغيرًا ولا وَصِيَّ له.

فَرْعٌ: إذا أخْرَجَ أجْنَبِيٌّ عن ميتٍ زكاةً تَلزَمُه بإذْنِ وصيِّه أوْ وارِثِه؛ أجْزَأَتْ، وإلاَّ فوجْهانِ.

وكذا لو أخْرَجَها الوارِثُ، وثَمَّ أجْنَبِيٌّ أخْرَجَها ولم يُعْلِمْه، وكذا الحجُّ والكَفَّارةُ.

(وَإِنْ

(3)

وَصَّى مَعَهَا)؛ أيْ: مع الواجبات، (بِتَبَرُّعٍ

(4)

؛ اعْتُبِرَ الثُّلُثُ مِنَ الْبَاقِي)؛ أيْ: بَعْدَ إخْراجِ الواجِبِ، فلو كانَتْ تَرِكَتُه أرْبَعينَ، فيُوصِي بِثُلُث ماله، وعَلَيهِ دَينٌ عَشَرَةٌ، فتُدفَعُ أوَّلاً، ويُدفَعُ

(5)

إلى الموصَى له بالثُّلث عشرة

(6)

، وهو ثُلُثُ الباقي بَعْدَ الدَّين.

(فَإِنْ

(7)

قَالَ: أَخْرِجُوا الْوَاجِبَ مِنْ ثُلُثِي)؛ أُخرِجَ الثُّلُثُ، وتُمِّمَ من رأس المال على ما قال الموصِي

(8)

، كأنَّه قَصَدَ إرْفاقَ وَرَثَتِه بذلك.

فإنْ كان وَصَّى معها بتَبَرُّعٍ؛ (فَقَالَ الْقَاضِي: يُبْدَأُ بِهِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، (فَإِنْ فَضَلَ مِنَ الثُّلُثِ شَيْءٌ؛ فَهُوَ لِصَاحِبِ

(1)

ينظر: المحرر الوجيز 2/ 17.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 450.

(3)

في (ح): فإن.

(4)

في (ح): متبرع.

(5)

في (ظ): وتدفع.

(6)

في (ح): عشر.

(7)

في (ح): وإن.

(8)

في (ظ): الوصي.

ص: 600

التَّبَرُّعِ)؛ لأِنَّ الدَّين تَجبُ البَداءَةُ به قَبْلَ الميراث والتَّبرُّع، فإذا عَيَّنَه في الثُّلث؛ وَجَبَت البَداءَةُ به، وما فَضَلَ للتَّبَرُّع، (وَإِلاَّ بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ

(1)

؛ أيْ: إنْ لم يَفضُلْ شَيءٌ للتَّبَرُّع؛ سَقَطَ؛ لأِنَّه لم يُوصِ له بِشَيْءٍ، إلاَّ أنْ يُجِيزَ الوَرَثةُ، فيُعْطَى ما أُوصِيَ له به.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُزَاحِمُ

(2)

بِهِ أَصْحَابَ الْوَصَايَا)، فيَحتَمِل ما قاله القاضي وغَيرُه، (وَيَحْتَمِلُ) ما قاله المؤلِّفُ هنا، (وَهُوَ أَنْ يُقْسَمَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) على قَدْرِ حَقَّيهِما؛ كالموصَى لهما (وَيُتَمَّمُ الْوَاجِبُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)؛ لأِنَّه لا بُدَّ مِنْ وَفائه، ولم يَبْقَ من الثُّلُث ما هو مَحَلٌّ له، (فَيَدْخُلُهُ الدَّوْرُ)؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ قَدْرُ الثُّلُث، حتَّى يُعلَمَ ما هو تَتِمَّة الواجِبِ، ولا يُعلَمُ تتمته

(3)

حتَّى يُعْلَمَ ما يَسْتَحِقُّه بالمزاحَمة، ولا يُعلَمُ ما يَسْتَحِقُّه بالمزاحَمَة حتَّى يُعلَمَ الثُّلثُ، فَعَلَى هذا: يحتاجُ إلى العَمَل بطَريق الجَبْر.

(فَلَوْ كَانَ الْمَالُ ثَلَاثِينَ، وَالْوَاجِبُ عَشَرَةً، وَالْوَصِيَّةُ عَشَرَةً؛ جَعَلْتَ تَتِمَّةَ الْوَاجِبِ شَيْئًا) ونكَّر

(4)

؛ لأِنَّه غَيرُ مَعْلومٍ حالاً، لا مَآلاً، (يَكُنِ الثُّلُثُ عَشَرَةً إِلاَّ ثُلُثَ شَيْءٍ)؛ لأِنَّك إذا أسْقَطْتَ شَيئًا من ثَلاثين؛ يَكُنْ ثُلُثُها ذلك، (بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: بَينَ الواجِبِ والوصيَّةِ؛ لِتَساوِيهِما في القَدْر، (لِلْوَاجِبِ خَمْسَةٌ إِلاَّ سُدُسَ شَيْءٍ)؛ لأِنَّه نِصْفُ ما ذُكِرَ، (تَضُمُّ

(5)

إِلَيْهِ شَيْئًا)؛ لأِنَّه تَتِمَّتُه، (يَكُنْ عَشَرَةً)؛ لأِنَّ الشَّيءَ سِتَّةٌ، خَرَجَ منه سُدُسٌ؛ جَبْرًا للخَمْسة، فيبقى خَمْسةٌ، وخَمْسةُ أسْدَاسٍ تَعدِلُ عَشَرةً، (فَتُجْبَرُ الْخَمْسَةُ بِسُدُسِ شَيْءٍ مِنَ الشَّيْءِ)؛

(1)

في (ح): وصيته.

(2)

في (ظ): تزاحم.

(3)

في (ح): قيمته.

(4)

في (ح): وأنكر.

(5)

في (ح): فضم. وفي (ق): يضم.

ص: 601

لِيَخْرُجَ بلا كَسْرٍ، (يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَيْءٍ تَعْدِلُ خَمْسَةً، فَالشَّيْءُ سِتَّةٌ)؛ لأِنَّ الخَمْسةَ إذا عَدَلَتْ خَمسةَ أسْداسٍ كان كلُّ سُدُسٍ يَعدِلُ واحِدًا، (وَيَحْصُلُ لِلْوَصِيِّ الآْخَرِ)، وهو صاحِبُ التَّبرُّع؛ (أَرْبَعَةٌ).

وفي عَمَلِها طريقٌ آخَرُ: وهو أنْ تَقْسِمَ

(1)

الثُّلُثَ بكَماله بَينَ الوصايا بالقِسْط، ثُمَّ ما بَقِيَ من الواجب أَخَذته من الورثة وصاحِبِ التَّبَرُّع بالقِسْط، فيَحصُلُ للواجب خَمْسةٌ، يَبْقَى له خَمْسةٌ، تأخُذُ

(2)

من صاحِبِ التَّبرُّع دِينارًا؛ لأِنَّك نَسَبتَ ما لصاحِبِ التَّبرُّع وهو خَمْسةٌ من خمسةٍ وعِشْرينَ؛ فكانَتِ الخُمُسَ، وتأخذ

(3)

من الورثة أرْبعَةً.

فَرْعٌ: إذا أَوْصَى بالواجِبِ، وقَرَنَ

(4)

به الوصيَّةَ بتبرُّعٍ، مِثْلَ: حُجُّوا عَنِّي، وأَدُّوا دَينِي، وتَصَدَّقوا عنِّي؛ فوَجْهانِ:

أصحُّهما: أنَّ الواجِبَ من رأس المال؛ لأِنَّ الاِقْتِران في اللَّفْظ لا يَدُلُّ على التَّساوِي في الحُكْم؛ لقوله تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} [الأنعَام: 141].

والثَّاني: أنَّه من الثُّلُث؛ لأِنَّه قَرَنَ به ما يُخرِجُه من الثُّلث.

ومَنْ مات بطَريقِ مَكَّةَ؛ لَزِمَه أنْ يُوصِيَ بحَجَّةِ الإسْلامِ، قالَهُ في «الرَّوْضة» ، وكذا كلُّ واجِبٍ عَلَيهِ

(5)

.

(1)

في (ظ): يقسم.

(2)

في (ظ): يأخذ.

(3)

في (ظ): ويأخذ.

(4)

في (ق): وفرق.

(5)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 602

(بَابُ المُوصَى لَهُ)

هذا هو الرُّكْنُ الثَّاني.

(تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ مَنْ يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ، مِنْ مُسْلِمٍ وَذَمِّيٍّ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(1)

؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا} [الأحزَاب: 6]، قال محمَّدُ بنُ الحنَفِيَّة:(هو وصيَّةُ المسْلِم لليهوديِّ والنَّصْرانيِّ)

(2)

؛ لأِنَّ الهِبَةَ تَصِحُّ لهم، فصحَّتْ لهم الوصيَّةُ؛ كالمسْلِمِ.

وعُلِمُ منه: صِحَّتُها من الذِّمِّيِّ للمُسْلِم من بابِ أَوْلَى.

ويُستَثنَى من الوصيَّة لكافِرٍ: ما إذا أَوْصَى له بمُصْحَفٍ، أوْ عَبْدٍ مسلِمٍ، أوْ سِلاحٍ، أوْ حدِّ قَذْفٍ، فإنَّه لا يَصِحُّ.

(وَمُرْتَدٍّ)؛ كالهِبَة، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، لكِنْ إنْ ضاقَ الثُّلُثُ عنه وعن وَصِيَّتِه؛ بُدِئَ بعتقه

(3)

.

(وَحَرْبِيٍّ)، وظاهِرُه ولو كان في دارِ الحرب، نَصَّ عليه

(4)

، وقاله أكثرُ العلماء.

وقِيلَ: لا تَصِحُّ

(5)

؛ لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ

(9)} الآيةَ [المُمتَحنَة: 9]، فدلَّ على أنَّ مَنْ قاتَلَنا لا يَحِلُّ بِرُّه.

وجوابُه: بأنَّه قد حَصَلَ الإجماعُ على صحَّة الهَبَة له، والوصيَّةُ في مَعْناهُ،

(1)

ينظر: المغني 6/ 217.

(2)

أخرجه الطبري في التفسير بنحوه (19/ 19).

(3)

قوله: (لكن إن ضاق الثلث عنه وعن وصيته بدئ بعتقه) سقط من (ح).

(4)

ينظر: المغني 6/ 218.

(5)

في (ظ): لا يصح.

ص: 603

وقضيَّةُ عُمَرَ شاهِدةٌ بذلك

(1)

.

ومَحَلُّ الخِلاف فيه: إذا أَوْصَى له بغَيرِ السِّلاح والخَيْل، فإنْ كانَتْ بِشَيءٍ منهما؛ فيتوجَّه أنَّه كبَيعِه منه

(2)

.

فَرْعٌ: إذا أَوْصَى لِحَرْبِيٍّ بعَبْدٍ كافِرٍ، فأسْلَمَ قَبْلَ مَوتِ الموصِي؛ بَطَلَتْ، وإنْ أسْلَمَ بَعْدَه قَبْلَ القَبول؛ فوَجْهانِ، وقِيلَ: إنْ مُلِكَتْ بالقَبول؛ بَطَلَتْ، وإنْ مَلَكَه بالموت فلا، وقِيلَ: بَلَى، وهو أَوْلَى.

(وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تَصِحُّ لِمُرْتَدٍّ)؛ لأنَّ

(3)

ملْكَه غَيرُ مُسْتَقِرٍّ، ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ، فهو كالميت، ولأِنَّ ملْكَه يَزُولُ عن ماله بِرِدَّته في قَولِ أبي بَكْرٍ وجماعةٍ، فلا يَثْبُتُ الملْكُ له بالوصَيَّة.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ بَقِيَ ملْكُه؛ صحَّ الإِيصاءُ له؛ كالهِبَة له مُطْلَقًا، وإنْ زال ملْكُه في الحال؛ فلا، وإنْ وُقِفَ أمْرُ مالِه على إسْلامِه، فأَسْلَمَ؛ احْتَمَلَ وَجْهَينِ.

ولو عَبَّرَ بقَولِه: (في الأصحِّ فِيهِما) لكان أَوْلَى؛ إذْ الخِلافُ فِيهِما مَعًا.

تنبيهٌ: يُعتَبَرُ تَعْيينُ الموصَى له، فلو قال: ثُلُثِي لأِحَدِ هذَينِ، أوْ لِجارِه، أوْ قرابة

(4)

محمَّدٍ بِاسْمٍ مُشْتَرَكٍ؛ لم يَصِحَّ.

وعَنْهُ: بَلَى، كقَولِه: أعْطُوا ثُلُثِي أحدَهُما، في الأصحِّ، فَقِيلَ: يُعيِّنُه الوارِثُ، وقِيلَ: بِقُرْعَةٍ.

وجَزَمَ ابنُ رَزِينٍ بصِحَّتها بِمَجْهولٍ ومَعْدومٍ.

(1)

مراده كما ذكره في الشرح الكبير 17/ 280: ما أخرجه البخاري (2619)، ومسلم (2068)، أن عمر رضي الله عنه أرسل إلى أخٍ له من أهل مكة قبل أن يسلم بحُلَّةٍ أعطاه إياها النبي صلى الله عليه وسلم.

(2)

قوله: (ومحل الخلاف فيه إذا أوصى

) إلى هنا سقط من (ح).

(3)

في (ظ): لأنه.

(4)

في (ح): قرابته.

ص: 604

فعلى الأَوَّلة؛ لَوْ قال: عَبْدِي غانِمٌ حُرٌّ بَعْدَ مَوتِي، وله مائةٌ، وله عَبْدانِ بهذا الاِسْمِ؛ عَتَقَ أحَدُهما بِقُرْعَةٍ، ولا شَيءَ له، نَقَلَه يعقوبُ

(1)

، وعلى الثَّانية: هِيَ له من ثُلُثِه، اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ.

(وَتَصِحُّ لِمُكَاتَبِهِ)؛ لأِنَّه مَعَهُ كالأجْنَبِيِّ في المعامَلات، فكذا في الوصيَّة، ولأِنَّه يَمْلِكُ المالَ بالعَقْد، فصحَّت الوصيَّةُ له كالحُرِّ.

وتَصِحُّ لِمكاتَبِ وارِثِه، ومُكاتَبِ أَجْنَبِيٍّ، سَواءٌ وصَّى له

(2)

بِجُزْءٍ شائع أوْ مُعَيَّنٍ؛ لأِنَّ الوَرَثَةَ لا يَسْتَحِقُّون المكاتَبَ، ولا يَمْلِكونَ مَالَه.

فإنْ قال: ضَعُوا عن مكاتَبِي بعضَ كِتابَتِه؛ وضَعُوا ما شاؤُوا، وإِنْ قال: ضَعُوا نَجْمًا؛ فَلَهُمْ وَضْعُ أيِّ نَجْمٍ شاؤُوا، سَواءٌ

(3)

اتَّفَقَتْ أو اخْتَلَفَتْ، فإنْ قال: ضَعُوا عنه أيَّ نَجْمٍ شاء؛ رُدَّ ذلك إلى مَشيئَتِه، وإنْ قال: ضَعُوا عنه أكثرَ نجومِه؛ وَضَعُوا عنه أكثرَ مِنْ نِصْفِها، وإنْ قال: الأَوْسَطَ؛ تعيَّنَ، وإنْ كانَتْ خمسةً؛ تعيَّنَ الثَّالِثُ، أوْ سَبْعَةً؛ تَعَيَّنَ الرَّابِعُ، وإن اخْتَلَفَتْ؛ رُجِعَ إلى قَول الوَرَثَةِ.

(وَمُدَبَّرِهِ)؛ لأِنَّه يَصِيرُ حُرًّا حِينَ لُزُومِ الوصيَّة، فصحَّتْ كأمِّ الوَلَد، فإنْ لم يَخرُجْ من الثُّلُث هو والوصيَّة؛ قُدِّمَ عِتْقُه على الوصيَّة؛ لأِنَّه أنْفَعُ له.

وقال القاضِي: يَعتِقُ بعضُه، ويَمْلِكُ منها بقَدْر ما عَتَقَ منه.

وجوابُه: بأنَّه وَصَّى لِعَبْدِه وصيَّةً صحيحةً، فيُقدَّمُ عِتْقُه على ما يَحصُلُ له من المال، كما لو أَوْصَى لِعَبدِه القِنِّ بِمُشاعٍ من مالِه.

(وَأُمِّ وَلَدِهِ)؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ: «أنَّ عمرَ أَوْصَى لِأُمَّهاتِ أوْلادِه لكلِّ واحِدةٍ

(1)

ينظر: الفروع 7/ 459.

(2)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(3)

في (ق): وسواء.

ص: 605

بأربعةِ آلافٍ»

(1)

، ورُوِيَ عن عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ

(2)

وغَيرِه من التَّابِعينَ وغيرهم؛ لأِنَّها حُرَّةٌ حينَ لُزُومِ الوصيَّة، وكَوَصِيَّتِه أنَّ ثُلُثَ قريته

(3)

وَقْفٌ عَلَيها ما دامَتْ على وَلَدِها، نَقَلَهُ المرُّوذِيُّ

(4)

.

وإنْ شَرَطَ عَدَمَ تَزْويجها، فَفَعَلَتْ، وأَخَذَت الوصيَّةَ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ؛ فقِيلَ: تَبطُلُ، وقِيلَ: لا؛ كَوَصِيَّته بِعِتْقِ أَمَتِه على شَرْطِه.

(وَتَصِحُّ لِعَبْدِ غَيْرِهِ)؛ لأِنَّه يَصِحُّ اكْتِسابُه، فصحَّت الوصيَّةُ كالحُرِّ، إنْ قُلْنا: يَمْلِكُ، صرَّح به في «الفروع» ، وفي «الواضِحِ» - وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ -: خِلافُه، وهذا بِشَرْطِ: ألاَّ يَكونَ عَبْدَ وارِثِه ولا قاتِلِه إنْ لم يَصِرْ حُرًّا وَقْتَ نَقْل الملْك.

(فَإِذَا قَبِلَهَا؛ فَهِيَ لِسَيِّدِهِ)؛ لأِنَّه مِنْ كَسْبِ عَبْدِه، وكَسْبُه للسيد

(5)

، ما لم يكُنْ حُرًّا وَقْتَ مَوتِ مُوصٍ.

وإنْ عَتَقَ بَعْدَه وقَبْلَ القَبول؛ فالخِلافُ.

وظاهِرُه: أنَّ قَبولَ العَبْدِ لا يَفتقِرُ إلى إِذْنِ السَّيِّدِ؛ لأِنَّه كَسْبٌ؛ كالاِحْتِطاب.

وفِيهِ وَجْهٌ؛ لأِنَّه تَصرُّفٌ من العبد، فهو كَبَيعِه.

ورُدَّ: بأنَّه تحصيلُ مالٍ بغَيرِ عِوَضٍ، فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلى إذْنِه؛ كالمباح.

(وَتَصِحُّ لِعَبْدِهِ بِمُشَاعٍ؛ كَثُلُثِ مَالِهِ)؛ لأِنَّها وصيَّةٌ تضمَّنَت العِتْقَ بثُلُث ماله؛

(1)

أخرجه عبد الرزاق (16458)، وسعيد بن منصور (438)، وابن أبي شيبة (30974)، وأحمد في مسائل إسحاق (9/ 4666)، والدارمي (3324)، عن الحسن مرسلاً.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30975)، وابن سعد في الطبقات (7/ 11)، عن الحسن:«أن عمران بن حصين أوصى لأمهات أولاده» ، ومراسيل الحسن ضعيفة.

(3)

في (ح): فرسه.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 60.

(5)

في (ح): للسيدة.

ص: 606

فصحَّت، كما لو صرَّح بذلك.

(فَإَذَا أَوْصَى لَهُ

(1)

بِثُلُثِهِ؛ عَتَقَ)؛ كما إذا كان ثُلُثُه مائَةً، وقِيمَةُ العبْدِ مائَةً أوْ دُونَها؛ عَتَقَ؛ لأِنَّه مَلَكَ من كلِّ جُزْءٍ من المال ثُلُثَه مُشاعًا، ومن جُمْلَته نَفْسُه، فيَملِكُ ثُلُثَها، وإذنْ يَعْتِقُ ذلك الجُزْء؛ لِتَعذُّر ملْكِ نَفْسِه، ويَسْرِي إلى بَقِيَّته، كما لو أَعْتَقَ بعضَ عَبْدِه، بل أَوْلَى، (وَأَخَذَ فَاضِلَ الثُّلُثِ)؛ لأِنَّه صَارَ حُرًّا.

(وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الثُّلُثِ؛ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ)، ولا يَعْتِقُ منه أكثرُ مِنْ ذلك؛ لأِنَّ الوصيَّةَ لا تَنفُذُ في الزَّائد على الثُّلُث إلاَّ بإجازةِ الوارِثِ، ولم تُوجَدْ

(2)

.

وعُلِم ممَّا سَبَقَ: أنَّه إذا

(3)

أوْصَى له بنفسه، أو رَقَبَتِه؛ أنَّه يَصِحُّ، ويَعْتِقُ بقَبوله إن خَرَجَ من ثُلُثِه، وإلاَّ عَتَقَ منه بِقَدْره.

وإنْ وصَّى له بِبَعْضِ رقَبَتِه، فَخَرجَ من الثُّلُث؛ عَتَقَ ما وَصَّى له به، وفي بقِيَّته روايَتانِ.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمُعَيَّنٍ)؛ كدارٍ وثَوبٍ، (أَوْ بِمائَةٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) في قَول الأكثرِ؛ لأِنَّه يَصِيرُ ملْكًا للورثة، فما وصَّى له به فهو لهم، فكأنَّه وصَّى لِوَرَثَتِه بما يَرِثُونَه، فلا فائدةَ فيه.

وعَنْهُ: يَصِحُّ

(4)

كالمشاع، وعَلَيها ما ذَكَرَه في «الكافي»: أنَّه يُشرَى العَبْدُ من الوصيَّة فيَعتِقُ، وما بَقِيَ فهو له، قال الزَّرْكَشِيُّ: محافظة على تصحيح كلامِ المكلَّف ما أمْكَنَ؛ إذْ تَصحيحُ الوصيَّة يَستَلْزِمُ ذلك.

وبَنَى الشِّيرازِيُّ الخِلافَ على تمْليكه، ثُمَّ قال: وعلى رواية الصِّحَّة؛ تُدفَعُ

(1)

قوله: (له) سقط من (ظ) و (ق).

(2)

في (ظ): ولم يوجد.

(3)

قوله: (إذا) سقط من (ح).

(4)

في (ق): تصح.

ص: 607

المائةُ إلَيهِ، فإنْ باعَهُ الوَرَثَةُ بَعْدَ ذلك، فالمائةُ لهم، قال في «الرعاية»: إذا لم يَشْرِطْها المبْتاعُ.

وعَنْهُ: تَصِحُّ، ويُعْطَى ثُلُثَ المعَيَّن إنْ خَرَجَ معه من الثُّلُث.

وعَنْهُ: مَنْعُها لقِنٍّ زَمَنَها

(1)

، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.

وعَنْهُ: كَمَالِهِ.

(وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَصِحُّ).

(وَتَصِحُّ لِلْحَمْلِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(2)

؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تَجْرِي مَجْرَى الميراثِ في الاِنْتِقال بَعْدَ الموتِ، وقد سَمَّى اللهُ تعالى الميراثَ وصيَّةً بقَوله: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ

(11)} [النِّسَاء: 11]، والحَمْلُ يَرِثُ، فصحَّت الوصيَّةُ له، مع أنَّها أوْسَعُ من الميراث؛ لأِنَّها تَصِحُّ للمُخالِف في الدِّين والعَبْدِ، فالوصية له

(3)

أَوْلَى.

لكِنْ إن انفصَلَ ميتًا؛ بَطَلَتْ؛ لأِنَّه لا يَرِثُ؛ لاِحْتِمالِ أنْ لا يكونَ حيًّا حِينَ الوصيَّة، فلا يَثْبُتانِ بالشَّكِّ، وسواءٌ مات لِعارِضٍ مِنْ ضَرْبِ بَطْنٍ أوْ غَيرِه، فإنْ وضعته

(4)

حيًّا؛ صحَّتْ.

(إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حِينَ

(5)

الْوَصِيَّةِ)؛ لِتَحَقُّقِ الشَّرْط، (بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ) من حِين الوصيَّة، (إِنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، أَوْ سَيِّدٍ يَطَؤُهَا)، أوْ بائِنًا؛ للعِلْم بِوُجودِه حالَ الوصيَّة؛ إذِ التَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ لِمَعْدومٍ.

(1)

في (ح) و (ق): كقن زمنها. والمثبت موافق لما في الإنصاف 17/ 289، قال:(وعنه، لا تصح لقن زمن الوصية).

(2)

ينظر: المغني 7/ 180.

(3)

قوله: (له) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

في (ح): وصيته.

(5)

في (ح): حال.

ص: 608

وفي «المغْنِي» : (أنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أشْهُرٍ فما دُونُ)، وفِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّها إذا وَضَعَتْه لِسِتَّةِ أشْهُرٍ احْتَمَلَ حُدوثُه حالَ الوصيَّة، فلم يُصادِفْ مَوجُودًا يَقِينًا.

وقد وَهِمَ ابنُ المنَجَّى، فقال: لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ سِتَّةِ أشْهُرٍ؛ لأِنَّها إذا وَضَعَتْهُ لذلك

(1)

؛ عُلِمَ أنَّه كان مَوجُودًا حالَ الوصيَّة، وتَقدَّمَ رَدُّه.

ومُقْتَضاهُ: أنَّها إذا وَضَعَتْه لأِكْثَرَ مِنْ ذلك؛ أنَّها لا تَصِحُّ الوصيَّةُ؛ لاِحْتِمالِ حُدوثِه بَعْدَها.

وعلى الأوَّل: لو كانَتْ فِراشًا لهما وما وَطِئَا لِبُعْدٍ، أوْ مَرَضٍ، أوْ حَبْسٍ؛ صحَّتِ الوصيَّةُ في ظاهِرِ كلامِهم.

(أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ إِنْ لَمْ تَكُنْ

(2)

كَذَلِكَ)؛ أيْ: إنْ لم تَكُنْ ذاتَ زَوْجٍ، أوْ سَيِّدٍ يَطَؤُها، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه محكومٌ بِوُجودِه، لَاحِقٌ بِأَبِيهِ.

والثَّانِي: لا تَصِحُّ الوصيَّةُ؛ لأِنَّه مَشْكُوكٌ في وُجودِه، فلم تصحَّ

(3)

مع الشَّكِّ فيه، ولا يَلزَمُ من لُحُوقِ النَّسَب صحَّةُ الوصيَّةِ، فإنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بالاِحْتِمال.

وفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّه إذا أَتَتْ به لأِكثَرَ من سَنَتَينِ إذا كانَتْ بائِنًا؛ لا تَثْبُتُ

(4)

له الوصيَّةُ؛ بِناءً على أنَّ

(5)

أكثر مُدَّةِ الحَمْل سَنَتانِ.

(وَإِنْ وَصَّى لِمَنْ تَحْمِلُ هَذِهِ الْمَرْأَةُ؛ لَمْ يَصِحَّ) في قول الأكْثَرِ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تمليكٌ، فلا تَصِحُّ للمَعْدوم، بخِلافِ الموصَى به، فإنَّه تمليكٌ، فلم يُعْتَبَرْ وُجودُه، ولأِنَّ الوصيَّةَ أُجْرِيَتْ مُجْرَى الميراث.

(1)

في (ق): كذلك.

(2)

في (ظ): لم يكن.

(3)

في (ظ): فلم يصح.

(4)

في (ظ): لا يثبت. وفي (ق): لما تثبت.

(5)

قوله: (أن) سقط من (ظ).

ص: 609

وقِيلَ: يَصِحُّ

(1)

كما يَصِحُّ بما تَحمِلُ هذه الجارِيَةُ، وكما لو وَقَفَ على مَنْ يَحدُثُ من وَلَده، أوْ وَلَدِ وَلَدِه.

ورُدَّ: بالفَرْق بَينَهما؛ لأِنَّها تَجْرِي مَجْرَى الميراث، ولا تَحصُلُ

(2)

إلاَّ لموجُودٍ، والوَقْفُ يُرادُ للدَّوام، ومِنْ ضَرورَتهِ إثْباتُه للمَعْدومِ.

(وَإِنْ

(3)

قَتَلَ الْمُوصَى

(4)

الْمُوصِيَ) ولو خَطَأً؛ (بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ)، قالَهُ الثَّورِيُّ، واخْتارَهُ أبو بَكْرٍ، ونَصَّ عَلَيهِ في المدبَّر

(5)

؛ لأِنَّ القَتْلَ يَمْنَعُ الميراثَ الَّذي هو آكَدُ منها، فالوصيَّةُ أَوْلَى، ولأِنَّه عُومِلَ بِنَقِيضِ قَصْدِه.

وقال ابنُ حامِدٍ: تَجوزُ الوصيَّةُ له، واحْتَجَّ بقَولِ أحمدَ: مَنْ جَرَحَ رجلاً خَطَأً، فعَفَا المجْروحُ، فقال: يُعْتَبَرُ من ثُلُثِه، وهذه وصيَّةٌ لِقاتِلٍ

(6)

؛ لأِنَّ الهِبَةَ له تَصِحُّ، فكذا الوصيَّة.

(وَإِنْ جَرَحَهُ، ثُمَّ أَوْصَى لَهُ، فَمَاتَ مِنَ الْجُرْحِ؛ لَمْ تَبْطُلْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)؛ لأِنَّها بَعْدَ الجُرْح صَدَرَتْ من

(7)

أهْلِها في مَحَلِّها، لم يَطْرَأْ عَلَيها ما يُبْطِلُها، بخِلافِ ما إذا تَقَدَّمَتْ، فإنَّ القَتْلَ طرأ

(8)

عَلَيها فأبْطَلَها، فيَبْطُلُ ما هو آكَدُ منها، وبهذا

(9)

جَمَعَ أبو الخَطَّاب بَينَ نَصَّيِ

(10)

الإمام

(11)

.

(1)

في (ق): تصح.

(2)

في (ظ): ولا يحصل.

(3)

في (ظ): ولو.

(4)

في (ظ) و (ق): الوصي.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4636، الروايتين والوجهين 3/ 120.

(6)

ينظر: المغني 6/ 224.

(7)

في (ح): في.

(8)

في (ح): طوي.

(9)

في (ظ): ولهذا.

(10)

في (ح): تعين، وفي (ق): نص.

(11)

كتب في هامش (ظ): (في الموضعين).

ص: 610

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ رِوَايَتَانِ):

إحْداهُما: لا تَصِحُّ، سواءٌ وصَّى له ثُمَّ قَتَلَه، أوْ جَرَحَه جُرْحًا صالِحًا للزُّهُوق ثُمَّ وَصَّى له؛ لأِنَّه قاتِلٌ، فَبَطَلَتْ؛ كالميراث.

والثَّانية: بلى؛ لأِنَّها تمليكٌ بعَقْدٍ فَضَاهَت الهبة

(1)

.

والأَوْلَى ما ذَكَرَه المؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»

(2)

.

(وَإِنْ وَصَّى لِصِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِ الزَّكَاةِ)؛ كالفقراء، (أَوْ لِجَمِيعِ الْأَصْنَافِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّهم من أبْوابِ البِرِّ، ولأِنَّهم يَمْلِكُون، بدليلِ الزَّكاة والوَقْف.

(وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْقَدْرَ الذِي يُعْطَاهُ مِنَ الزَّكَاةِ)؛ لأِنَّ المطْلَقَ في كَلامِ الآدَمِيِّينَ يُحمَلُ على المقيَّد في كلامِ الله تعالى.

قال في «المغْنِي» : (ويَنبَغِي أنْ يُجْعَلَ لكلِّ صِنْفٍ حَيثُ أَوْصَى لِجَميعِهم ثُمُنُ الوصيَّة، كما لو أَوْصَى لِثَمانِ قبائلَ، والفَرْقُ بَينَهما حَيثُ يَجوزُ الاِقْتِصارُ على صِنْفٍ واحِدٍ: أنَّ آية الزَّكاة أُرِيدَ بها مَنْ يَجوزُ الدَّفْعُ إلَيهِ، والوصيَّةُ أُرِيدَ بها بَيانُ مَنْ يَجِبُ الدَّفْعُ إلَيهِ) انْتَهى.

ويَجوزُ الاِقْتِصارُ مِنْ كلِّ صِنْفٍ على واحِدٍ في ظاهِرِ المذهب.

وعَنْهُ: يُتَقَيَّدُ بثلاثةٍ من كلِّ صِنْفٍ، ولا يُصرَفُ إلاَّ إلى المسْتَحِقِّ من أهل بَلَدِه.

فَرْعٌ: إذا أوْصَى بشَيءٍ لِزَيدٍ، وبِشَيءٍ للفقراء ولجيرانه، وزَيدٌ منهم؛ لم يُشارِكْهم، نَصَّ عَلَيهِما

(3)

، ولو وصَّى لقَرابته بشَيءٍ، وللفقراء كذلك؛ فلِقَريبٍ فقيرٍ سَهْمانِ، ذَكَره أبو المعالِي.

(1)

قوله: (لأنها تمليك بعقد فضاهت الهبة) في (ح): كالهبة.

(2)

في (ح): في «الفروع» .

(3)

ينظر: المحرر 1/ 384.

ص: 611

قال في «الفروع» : (ويَتَوجَّهُ تخريجُ حُكْمِ كلِّ صورةٍ إلى الأخرى).

قال شَيخُنا

(1)

: (قد يُفرَّقُ بَينَهما بأنَّ زَيدًا يَتَعيَّنُ، والقَرابةَ

(2)

لَفْظٌ عامٌّ يَدخُلُ فيه الفقراء وغَيرُهم، فصَلَحَ كلٌّ مِنْ وَصْفَيهِ سَبَبًا؛ لاِسْتِحْقاقِه به، فإنَّه علَّق اسْتِحْقاقَه بِوَصفِهِ، وهو القَرابةُ، فإذا كان فيه وَصْفانِ صار اسْتِحْقاقُه بهما، بخِلافِ زَيدٍ فإنَّه علَّق اسْتِحْقاقَه بعَينِه، وعَينُه لا تَتَعدَّدُ).

(وَإنْ وَصَّى لِكَتْبِ الْقُرْآنِ، أَوِ الْعِلْمِ، أَوْ لِمَسْجِدٍ، أَوْ لِفَرَسٍ حَبِيسٍ يُنْفَقُ عَلَيْهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ ذلك قُربةٌ، فصحَّ بَذْلُ المال فيه؛ كالوصيَّة للفقير، والموصَى به للمسجد يُصرَفُ في مصالحه عَمَلاً بالعُرْف، ويَصرِفُه النَّاظِرُ إلى الْأَهَمِّ والْأَصْلَح باجتهاده

(3)

، فلو قال: إنْ متُّ فبَيْتِي للمسجد، أو فأَعْطُوه مائَةً من مالي؛ تَوَجَّهَ صحَّتُه، ولو أراد تمليكَ الفَرَس أو المسجد

(4)

؛ لم يَصِحَّ.

(فَإِنْ

(5)

مَاتَ الْفَرَسُ؛ رُدَّ الْمُوصَى بِهِ، أَوْ بَاقِيهِ) إنْ كان أنْفَقَ بَعْضَه، (إِلَى الْوَرَثَةِ)؛ لأِنَّه لَمَّا بَطَلَ مَحَلُّ الوصيَّة؛ وَجَبَ الرَّدُّ إلى الوَرَثَة؛ كَوَصِيَّتِه بِعِتْقِ عَبْدِ زَيْدٍ، فَتَعَذَّرَ، أوْ شِراءِ عَبْدٍ بأَلْفٍ، أوْ عَبْدِ زَيدٍ بها في المنصوص فيه، فاشْتَرَوه بِدُونِها.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه لا يُصرَفُ إلى فَرَسٍ آخَرَ حَبِيسٍ في المنصوص

(6)

.

مسائلُ:

إذا أَوْصَى بخِدْمةِ عبْدِه سَنَةً، ثُمَّ هو حُرٌّ؛ صَحَّت الوصيَّةُ، فلو ردَّها، أوْ

(1)

هو ابن نصر الله البغدادي، والنقل من حواشي الفروع.

(2)

في (ق): والفقراء.

(3)

قوله: (عملاً بالعرف، ويصرفه الناظر إلى الأهم والأصلح باجتهاده) سقط من (ح).

(4)

قوله: (أو المسجد) سقط من (ح).

(5)

في (ح): وإن.

(6)

ينظر: الوقوف والترجل ص 104.

ص: 612

وهبَ الخِدْمَة؛ عَتَقَ في الحال، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» خِلافُه.

وإنْ أوْصَى بعِتْقِ نَسَمَةٍ بألْفٍ، فأعْتَقُوا نَسَمَةً بخَمْسِمائةٍ؛ لَزِمَهم عِتْقُ أخرى بخَمْسِمائةٍ في الأصحِّ.

وإن قال: أربعة بكذا؛ جاز الفضل بَينَها ما لم يُسَمِّ ثمَنًا معلومًا، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

ولو وَصَّى أنْ يَشْتَرِيَ فَرَسًا للغزو بمُعَيَّنٍ، فاشْتَراهُ بأقلَّ منه؛ فَبَاقِيهِ نَفَقَةٌ لا إرْثٌ في المنصوص

(2)

.

(وَإِنْ وَصَّى فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ؛ صُرِفَ فِي الْقُرَبِ) كلِّها، اخْتارَهُ المؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ اللَّفْظَ للعُموم، فيَجِبُ الحَمْلُ عَلَيهِ، ولا يَجوزُ التَّخْصيصُ إلاَّ بدليلٍ.

(وَقِيلَ: عَنْهُ) أيْ: عن الإمام أحمدَ: (يُصْرَفُ فِي أَرْبَعِ جِهَاتٍ؛ فِي الْأَقَارِبِ

(3)

، وَالْمَسَاكِينِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ)، قال ابنُ المنَجَّى: وهي المذْهَبُ؛ لأِنَّ أبْوابَ البِرِّ وإنْ كانَتْ عامَّة، إلاَّ أنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حالِ المُوصِي أنَّه أراد المشْهورَ منها، والجِهاتُ الأربعُ هي أشْهَرُ القُرَب؛ لأِنَّ الصَّدَقَةَ على الأقارب صدقةٌ وصِلَةٌ، والمساكِينَ مَصارِفُ الصَّدَقات، والحجَّ والجِهادَ مِنْ أكبَرِ شعائرِ الإسلام.

وظاهِرُه: أنَّها سَواءٌ، لكنَّ الغَزْوَ أفْضَلُها، فَيُبْدَأُ به، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ حَرْبٍ

(4)

، وهو قَولُ أبي الدَّرْداءِ

(5)

.

(1)

ينظر: الفروع 7/ 460.

(2)

ينظر: الفروع 7/ 461.

(3)

في (ح): أقاربه.

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 62، مسائل أبي داود ص 262.

(5)

أخرجه أحمد (21719)، وسعيد بن منصور (2330)، والترمذي (2123)، والحاكم (2846)، والبيهقي في الكبرى (7833)، عن أبي حبيبة الطائي قال: أوصى إليَّ أخي بطائفة من ماله، فلقيت أبا الدرداء فقلت: إن أخي أوصى إلي بطائفة من ماله، فأين ترى لي وضعه، في الفقراء، أو المساكين، أو المجاهدين في سبيل الله؟ فقال: أما أنا فلو كنت لم أعدل المجاهدين، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«مثل الذي يعتق عند الموت كمثل الذي يهدي إذا شبع» ، وأخرجه أبو داود (3968)، والنسائي (3614)، وابن حبان (3336)، وغيرهم مختصرًا. قال الترمذي:(حسن صحيح)، وحسنه ابن حجر، ولم يوافقهما الألباني؛ لجهالة أبي حبيبة، سئل ابن معين: من هو؟ فقال: (لا أدري)، وقال الذهبي:(لا يُدرى من هو). ينظر: تاريخ ابن معين 3/ 512، ميزان الاعتدال 4/ 513 الفتح 5/ 374، الضعيفة 3/ 490.

ص: 613

(وَعَنْهُ: فِدَاءُ الْأَسْرَى مَكَانَ الْحَجِّ)؛ لأنَّ فِداءَهم من أعْظَمِ القُرُباتِ؛ لِمَا فيه من تَخْلِيص رَقَبَةٍ مؤمنةٍ من أيدي الكُفَّار، وهو يتضمَّنُ منفعة

(1)

المخَلَّصِ، ونَفْعَ نفْسِه، بخِلافِ الحجِّ.

ونَقَلَ المرُّوذِيُّ عنه فِيمَنْ أَوْصَى بثُلُثهِ في أبواب البِرِّ: يُجزَّأ

(2)

ثلاثةَ أجْزاءٍ، في الجهاد، والأقارب، والحجِّ

(3)

.

قال في «المغْنِي» : وهذا لَيسَ على سَبِيلِ اللُّزُوم والتَّحْديدِ، بل يَجوزُ صَرْفُها في الجِهات كلِّها؛ للعُمومِ، ولأِنَّه ربَّما كان غَيرُ هذه الجِهاتِ من تَكْفِينِ ميتٍ، وإصْلاحِ طريقٍ، وإعْتاقِ رَقَبَةٍ، وإغاثَةِ مَلْهُوفٍ؛ أحْوَجَ مِنْ بعَضِها وأَحَقَّ.

فَرْعٌ: إذا قال: ضَعْ ثُلُثِي حَيثُ أراك الله؛ فله صَرْفُه في أيِّ جِهَةٍ من جِهاتِ القُرَب؛ عَمَلاً بمُقْتَضَى وصيَّتِه.

وقال القاضي: يَجِبُ صَرْفُه إلى الفقراء والمساكينِ.

والأفْضَلُ: صَرْفُه إلى فقراءِ أقارِبِه، فإنْ لم يَجِدْ؛ فإلى محارِمِه من الرّضاع، فإنْ لم يكُنْ؛ فإلى جيرانه.

(1)

في (ح): نفعة.

(2)

في (ح): بجزاء.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 540، الوقوف والترجل ص 62 من رواية حرب.

ص: 614

(وَإِنْ وَصَّى)؛ أيْ: مَنْ لا حجَّ عَلَيهِ، قاله في «الوجيز» و «الفروع»:(أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ بِأَلْفٍ؛ صُرِفَ) مِنْ ثُلُثِه (فِي حِجَّةٍ)؛ أيْ: مُؤْنَةِ حَجِّه، أمانةً، أو جعالةً، أوْ إجارةً، إنْ صحَّ الإِيجارُ عَلَيهِ، من مَحَلِّ وصيَّته؛ كحَجِّه بنفسه، وقِيلَ: أوْ مِنَ المِيقات، وهو أَوْلَى، (بَعْدَ أُخْرَى)، راكِبًا أوْ راجِلاً، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، (حَتَّى يَنْفَدَ)؛ لأِنَّه وصَّى بها في جِهةِ قُرْبَةٍ، فَوَجَبَ صَرْفُها فِيهَا؛ كالوصيَّة في سَبِيلِ الله.

وعَنْهُ: لا يُصرَفُ منها سِوَى مُؤْنَةِ حِجَّةٍ واحِدَةٍ، والبَقِيَّةُ إرْثٌ.

وعَنْهُ: بَعْدَ حجِّه؛ للحجِّ أو في

(2)

سبيل الله

(3)

.

فلو لم تَكْفِ الألْفُ، أو البقيَّةُ؛ حجَّ من حَيثُ يَبلُغُ في ظاهِرِ نصوصه.

وعَنْهُ: يُعانُ به في حجٍّ، قال القاضي: وحَكاهُ العَنْبَرِيُّ عن سَوَّارٍ القاضِي

(4)

.

ونَقَلَ أبو داودَ: يُخَيَّرُ بَينَهُما

(5)

.

(وَيَدْفَعُ) الموصَى (إِلَى كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَحُجُّ بِهِ)، مِنْ غَيرِ زيادةٍ على نَفَقَةِ المِثْل؛ لأِنَّه أطْلَقَ له التَّصرُّفَ في المعاوَضَة، فاقْتَضَى عِوَضَ المِثْل؛ كالتَّوكِيلِ في البَيعِ.

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 185، مسائل صالح 1/ 242، مسائل عبد الله ص 243، مسائل ابن منصور 5/ 2369.

(2)

قوله: (في) سقط من (ح) و (ق).

(3)

أي: بعد الحجة الأولى، تصرف في الحج أو في سبيل الله.

(4)

العنبري: سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله بن قدامة، من بني العنبر، من تميم، قاضي البصرة، مات سنة 245 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 11/ 543.

وسوار: هو سوار بن عبد الله بن قدامة، من بني العنبر بن عمر بن تميم كان قاضيًا عادلاً تولى قضاء البصرة لأبي جعفر المنصور وكانت وفاته بها سنة 156 هـ. ينظر: أخبار القضاة 2/ 57.

(5)

لم نجده في مسائل أبي داود.

ص: 615

ثُمَّ إنْ كان الموصَى به لا يَحمِلُه الثُّلُثُ؛ لم يَخْلُ مِنْ أنْ يكونَ الحجُّ فَرْضًا أوْ نَفْلًا، فإنْ كان فَرْضًا؛ أخَذَ أكثرَ الأمْرَينِ من الثُّلث أو القَدْرِ الكافي لحجِّ الفَرْض إذا كان قَدْ أوْصَى بالثُّلُث.

فإنْ كان الثُّلُثُ أكثرَ؛ أَخَذَه، وصُرف في الفرض قَدْرَ ما يَكفِيهِ، وباقَيِه في حجَّةٍ أخرى حتَّى يَنفَدَ.

وإنْ كان الثُّلُثُ أقلَّ؛ تمَّم قَدْرَ ما يَكْفِي الحجَّ، في قَول الجمهور.

وإنْ كان تَطَوُّعًا؛ أَخَذَ الثُّلُثَ لا غَيرُ إذا لم يُجِزِ الوَرَثَةُ، ويُحَجُّ به على ما وَصَفْنا.

(وَإَنْ قَالَ: يُحَجُّ عَنِّي حِجَّةً بِأَلْفٍ؛ دُفِعَ الْكُلُّ إِلَى مَنْ يَحُجُّ)؛ لأِنَّه أوْصَى بها في حِجَّةٍ واحدةٍ، فَوَجَبَ أنْ يُعملَ بها، فإنْ فَضَلَ منها فَضْلٌ؛ فهو لِمَنْ يَحُجُّ؛ لأِنَّه قَصَدَ إرْفاقَه، فكأنَّه صرَّح به.

وقِيلَ: إِرْثٌ، جَزَمَ به في «التَّبصرة» .

ولا يَدْفَعُها إلى وارِثٍ، نَصَّ عَليهِ

(1)

، زاد في «الشَّرح» وغَيره: حَيثُ كان فِيهَا فَضْلٌ إلاَّ بإذْنِ الورثة.

واخْتارَ جماعةٌ: للوارِث أنْ يَحُجَّ عنه إذا عيَّنه، ولم يَزِدْ على نَفَقَة المِثْل.

وفي «الفصول» : إنْ لم يُعيِّنْه جاز.

وقِيلَ له في روايةِ أبي داودَ: أَوْصَى أنْ يَحُجَّ عَنْهُ. قال: لا، كأنَّه وصيَّةٌ لوارث

(2)

.

(فَإِنْ عَيَّنهُ في الْوَصِيَّةِ

(3)

، فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ بِأَلْفٍ)؛ صُرِفَ ذلك إلَيهِ،

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 540.

(2)

في (ح): للوارث. وينظر: مسائل أبي داود ص 185.

(3)

قوله: (في الوصية) سقط من (ظ) و (ق).

ص: 616

(فَإِنْ أَبَى

(1)

الْحَجَّ، وَقَالَ: اصْرِفُوا إِلَيَّ

(2)

الْفَضْلَ؛ لَمْ يُعْطَهُ)؛ لأِنَّه إنَّما وَصَّى له بالزِّيادة بشَرْطِ الحجِّ، ولم يُوجَدْ، (وَبَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ)، حَكاهُ في «الفروع» قَولاً؛ لأِنَّ الموصَى له لم يَقْبَلْها بامْتِناعه من فِعْلِها، أشْبَهَ ما لو أوْصَى له بمالٍ فردَّه.

وقِيلَ: (في حقِّه)، وقد زاده بعضُ مَنْ أَذِنَ له المؤلِّف في الإصلاح؛ لأِنَّ الوصيَّةَ فيها حقٌّ للحَجِّ، وحقٌّ للمُوصَى له، فإذا ردَّه؛ بَطَلَ في حَقِّه دُونَ غَيرِه، كقَولِه: بِيعُوا عَبْدِي لِفُلانٍ، وتصدَّقُوا بِثَمَنِه، فلم يَقْبَلْه، وكما لَوْ لَمْ يَقْدِر الموصَى له بفرَسٍ في السَّبيل على الخُروجِ، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(3)

، ويُحَجُّ عنه بأقلِّ ما يُمكِنُ من نَفَقَةٍ أوْ أُجْرَةٍ، والبقيَّةُ إرْثٌ؛ كالفَرْض.

فَرْعٌ: إذا قال: حُجُّوا عنِّي حجَّةً، ولم يَذكُرْ قَدْرًا من المال؛ فإنَّه لا يُدفَعُ إلى مَنْ يَحُجُّ إلاَّ قَدْرَ نَفَقَةِ المِثْل، والباقِي للورثة.

قال في «الشَّرح» : (وهذا يَنْبَنِي على أنَّه لا يَجوزُ الاِسْتِئْجارُ عليه، فإنْ قُلْنَا بجَوازه؛ فلا يُسْتَأْجَرُ إلاَّ ثقة

(4)

بأقلِّ ما يُمكِنُ، وما فَضَلَ فهو للأجير؛ لأِنَّه مَلَكَ ما أُعْطِيَ بعَقْد الإجارة، وإنْ تَلِفَ المالُ في الطَّريق؛ فهو من ماله، ويَلزَمُه إتْمامُ العمل).

فلو وَصَّى بثَلاثِ حِجَجٍ إلى ثلاثةِ نَفَرٍ؛ صحَّ صَرْفُها في عامٍ واحِدٍ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «الرِّعاية» عَكْسُه.

تنبيهٌ: إذا أوْصَى أنْ يُحَجَّ عنه بالنَّفقة؛ صحَّ.

واختار أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: إنْ وَصَّى بألْفٍ يُحَجُّ بها؛ صُرِفَ في كلِّ

(1)

في (ح): فأبى.

(2)

في (ظ): لي.

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 109.

(4)

في (ح): نفسه.

ص: 617

حجَّةٍ قَدْرُ نَفَقَتِه حتَّى يَنفَدَ.

وإنْ قال: حُجُّوا عَنِّي بألْفٍ؛ فما فَضَلَ للورثة.

ولو قال: يَحُجُّ عنِّي زَيدٌ بألْفٍ، فما فَضَلَ؛ وصيَّةٌ له إنْ يَحُجَّ

(1)

، وله تأخيرُه لِعُذْرٍ، ولا يُعْطَى إلى أيَّام الحجِّ، قاله أحمدُ

(2)

.

نَقَلَ أبو طالِبٍ: اشْتَرى به متاعًا، يتَّجِرُ به؟ قال: لا يَجُوزُ، قد خالَفَ، لم يَقُل: اتَّجِرْ به

(3)

.

ولا يصِحُّ أنْ يَحُجَّ وَصِيٌّ بإخراجها، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ لأِنَّه مُنَفِّذٌ، كقَولِهِ: تَصَدَّقْ عنِّي؛ لا يَأخُذُ

(5)

منه، وكما لا يَحُجُّ

(6)

على دابَّةٍ موصًى بها في السَّبيل.

(وَإِنْ وَصَّى لِأَهْلِ سِكَّتِهِ؛ فَهُوَ لِأَهْلِ دَرْبِهِ)؛ لأِنَّ السِّكَّةَ: الطَّريقُ، والدَّرْبُ طريقٌ مُضافٌ إليه، وحِينَئِذٍ يُعْطَى مَنْ كان ساكِنًا وقْتَ الوصيَّة، أوْ طَرَأَ إلَيهِ بَعْدَها، وجَزَمَ في «المستوعب» بالأوَّل، ونَصَّ عَلَيهِ

(7)

.

وقِيلَ: أهلُ دَرْبِه، وسِكَّتِهِ: أهلُ المحلَّة الذين طَريقُهم في دَرْبِه.

(وَإِنْ وَصَّى لِجِيرَانِهِ؛ تَنَاوَلَ أَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ)، نَصَّ عَلَيهِ

(8)

، وهو قَولُ الأوْزَاعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الْجارُ أرْبَعُونَ دارًا، هَكَذَا وهَكَذَا وهَكَذَا» رواهُ أحمدُ

(9)

، وهذا نَصٌّ لا يَجوزُ العُدولُ عنه إنْ

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 469 والإنصاف 17/ 321: إنْ حجَّ.

(2)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 41.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 469.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 470.

(5)

في (ق): لا تأخذ.

(6)

في (ق): لا تحج.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 538.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 538.

(9)

أخرجه أبو يعلى (5982)، ومن طريقه ابن حبان في المجروحين (2/ 150)، وفي سنده: عبد السلام بن أبي الجنوب وهو واهٍ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (12611، 12612)، من طريقين بنحوه عن عائشة رضي الله عنها، وضعفهما البيهقي، قال البيهقي:(وإنما يعرف من حديث ابن شهاب الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً)، والمرسل أخرجه أبو داود في المراسيل (350)، وأخرجه الطبراني في الكبير (143)، من حديث كعب بن مالك رضي الله عنه بنحوه، وفي سنده يوسف بن السفر وهو متروك. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 207، الضعيفة (277).

ص: 618

صحَّ، وإلاَّ فالْجارُ المقارِبُ، ويُرجَعُ فِيهِ إلى العُرْف، قاله في «الشَّرح» ، وحكاه في «الفروع» قَولاً.

ونَقَل ابنُ مَنْصورٍ: يَنْبَغِي أنْ لا يُعْطَى إلاَّ الجارُ الملاصِقُ

(1)

؛ لأِنَّه مُشْتَقٌّ من المجاوَرَةِ.

ومُقْتَضاهُ: أنَّ المجموعَ مائةٌ وسِتُّونَ، وفيهِ نَظَرٌ، فإنَّ دارَ الموصِي قد تكونُ كبيرةً في التَّرْبِيعِ

(2)

، فيُسامِتُها مِنْ كلِّ جِهَةٍ أكثرُ من دارِ؛ لِصِغَرِ المسامِتَةِ لها، أوْ يسامتها

(3)

دارانِ، يَخرُج مِنْ كلٍّ منها شَيءٌ عنها، فيَزيدُ على العَدَد.

ويُقسَمُ المالُ على عَدَدِ الدُّور، وكلُّ حِصَّةِ دارٍ تُقْسَمُ على سُكَّانها.

وجِيرانُ المسجد: مَنْ يَسمَعُ النداء منه

(4)

.

وقال أبو يوسُفَ

(5)

: الجِيرانُ: أهلُ المحَلَّة إنْ جَمَعَهم مَسْجِدٌ.

فإنْ تفرَّق أهلُها في مَسْجِدَينِ صغيرَينِ مُتَقارِبَينِ؛ فكذلك، وإنْ كانا عَظيمَينِ فكلُّ أهلِ مسجِدٍ جِيرانٌ.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مُسْتَدَارُ أرْبَعِينَ دَارًا)، وهو روايةٌ عن أحمدَ؛ لأِنَّ الخَبَرَ يَحتَمِلُه.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 6/ 2604.

(2)

في (ق): الوسع.

(3)

في (ظ): يساويها، في (ق): يساومتها.

(4)

قوله: (منه) سقط من (ظ) و (ق).

(5)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 5/ 77، اللباب 4/ 179.

ص: 619

وعَنْهُ: ثَلاثِينَ دارًا من كلِّ جانِبٍ، ذَكَرَها ابنُ هُبَيرَةَ وابنُ الزَّاغُونِيِّ، قال: واحْتَجَّ لذلك بحديثٍ رواهُ الزُّهْرِيُّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(1)

.

(وَإِنْ وَصَّى لِأَقْرَبِ قَرَابَتِهِ)، أوْ لأِقْرَبِ النَّاس إلَيهِ، أوْ أقْرَبِهم به رَحِمًا، (وَلَهُ أَبٌ وَابْنٌ؛ فَهُمَا سَوَاءٌ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يُدْلِي بنَفْسِه مِنْ غَيرِ واسِطَةٍ، فإنْ

(2)

كان أحَدُهما؛ تَعَيَّنَ بلا شَكٍّ، (وَالْجَدُّ وَالْأَخُ سَوَاءٌ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يُدْلِي بالأبِ من غَيرِ واسِطَةٍ.

(وَيَحْتَمِلُ)، وحَكاهُ في «المستوعب» وجْهًا:(تَقْدِيمُ الاِبْنِ عَلَى الْأَبِ)؛ لأِنَّه يُسْقِطُ تَعْصِيبَه.

ورُدَّ: بأنَّ إسْقاطَ تَعْصيبِه لا يَمنَعُ

(3)

مساواتَه في القُرْب، ولا كَونَه أقْرَبَ منه، بدليلِ ابنِ الاِبنِ يُسقِط

(4)

تعصيبَ مَنْ بعده.

(وَالْأَخِ عَلَى الْجَدِّ)؛ لأِنَّه يُدْلِي بِبُنُوَّةِ الأبِ، والجدُّ يُدْلِي بالأُبُوَّة، فَهُما كالأب والاِبنِ.

ورُدَّ: بأنَّه لا يَصِحُّ قِياسُ الأخ على الاِبْنِ؛ لأِنَّه يُسْقِطُ تَعْصيبَ الجَدِّ، بخِلافِ الاِبْن.

وعُلِمَ منه: تَقْديمُ الاِبْنِ على الجَدِّ، والأبِ على ابْنِ الاِبْن.

تنبيهٌ: البِنْتُ كالاِبْن، والجَدُّ أبُو الْأَب، وأبُو الأمِّ، وأمُّ الأبِ، وأمُّ الأمِّ؛ كلُّهم سَواءٌ، ذَكَرَه في «المغْنِي» .

ويَحتَمِلُ: تقديمُ أبِي الأب على أبي الأمِّ؛ لأِنَّه يُسْقِطُه.

ثُمَّ بَعْدَ الأوْلاد؛ أوْلادُ البَنينَ وإنْ سَفَلُوا، الأقْرَبُ فالأقْرَبُ، الذُّكورُ والإناثُ.

(1)

سبق تخريجه 6/ 618 حاشية (9).

(2)

في (ق): وإن.

(3)

في (ظ): لا تمنع.

(4)

في (ظ): فسقط.

ص: 620

وفي أوْلاد البنات وَجْهانِ، بِناءً على الوَقْف.

ثُمَّ بعد الأولاد؛ الأجدادُ، الأقْرَبُ منهم فالأقْرَبُ؛ لأِنَّهم العَمودُ الثَّاني، ثمَّ الإخْوَةُ والأَخَواتُ، ثُمَّ وَلَدُهم وإنْ سَفَلُوا، ولَا شَيءَ لولَدِ الأَخَواتَ إذا قُلْنا بِعَدَمِ دخولِ وَلَدِ البنات.

والعمُّ من الأب والعمُّ من الأمِّ سَواءٌ، وفِيهِ احْتِمالٌ، وكذلك أبْناؤهما على التَّرتيب، ذَكَرَه القاضي.

(وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ وَالْأَخُ مِنَ الْأُمِّ سَوَاءٌ)؛ لأِنَّهما في درجةٍ واحدةٍ، لا يُقالُ: كَيفَ يُسَوَّى بَينَهُما؛ إذ لو أوْصَى لقَرابَته؛ لم يَدخُلْ فيها وَلَدُ الأمِّ على المذهب، ومَنْ لا يَدخُلُ في القَرابَة لا يَدخُلُ في أقْرَبِ القَرابَة؛ لأنَّ ذلك مُخَرَّجٌ على الرِّواية الأخرى، كما ذَكَرَه في «المغْني» ، لا على المذْهَبِ.

(وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقُّ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ له قَرابَتَينِ، فهو أقْرَبُ مِمَّنْ له قرابةٌ واحدةٌ.

فلَوْ أَوْصَى لِعَصَبَتِه؛ فهو لِمَنْ يَرِثُه بالتَّعْصيب، سَواءٌ كان ممَّن

(1)

يَرِثُه في الحال أوْ لَا، ويَسْتَوِي فيه قريبُهم وبعيدُهم.

فَرْعٌ: لم يَتَعرَّض المؤلِّفُ لِذَوِي الأرحام؛ فإنْ قُلْنا بالرِّواية الَّتي تَجعَلُ القَرابةَ: كلُّ مَنْ يَقَعُ عَلَيهِ اسْمُ القرابة؛ كان حكمُهم كما سَلَفَ، وإنْ قُلْنَا: القَرابَةُ تَختَصُّ

(2)

بمَنْ كان من أولاد الآباء؛ فلا يدخل فيهم

(3)

الأمُّ ولا أقارِبُها.

مسألةٌ: أوْصَى لِجماعةٍ من أقْرَبِ النَّاس إليه؛ أُعْطِيَ ثلاثةٌ، فإنْ كانوا أكثرَ في درجةٍ واحدةٍ؛ كالإخْوَة؛ فهو لِجَميعِهم؛ لأِنَّ الاِسْمَ يَشْمَلُهم، وإنْ لم

(1)

في (ح): ممن كان.

(2)

في (ظ): يختص.

(3)

في (ح): فيه.

ص: 621

يُوجَدْ ثلاثةٌ في درجةٍ واحدةٍ؛ كُملتْ من الثَّانية، وإنْ لم تَكْمُلْ

(1)

منها؛ فَمِنَ الثَّالِثة.

فوائدُ:

أوْصَى بإحْراق ثُلُثِ مالِه؛ صحَّ وصُرِفَ في تَجْمِيرِ الكعبة، وتَنْويرِ المساجد، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.

وفي التراب؛ يُصرَفُ في تَكْفينِ الموْتَى.

وفي الماء؛ يُصرَف في عَمَلِ سُفُنٍ للجِهاد.

وفي الهواء؛ قال شَيخُنَا مُحِبُّ الدِّين بنُ نَصْرِ الله: يَتَوَجَّهُ: أنْ يُعْمَلَ به باذهنج

(2)

لمسجدٍ يَنتَفِعُ به المصلُّون، وفيه شَيءٌ.

ولو وَصَّى بكُتُب العِلْم لآِخَرَ؛ لم يَدخُلْ فيها كُتُبُ الكَلامِ؛ لأِنَّها لَيسَتْ من العِلْم، ولو أَوْصَى بِدَفْنِها؛ لم تُدْفَنْ، قالَهُ أحمدُ، ونَقَلَ الأثْرَمُ: لَا بَأْسَ، وقال الخَلاَّلُ: الْأَحْوَطُ دَفْنُها.

(1)

في (ق): لم يكمل.

(2)

الباذهنج: كلمة معرَّبة، أصلها في الفارسية: باذ آهنج، مركبة من: باذ بمعنى: ساحب، ومن: آهنج بمعنى: الهواء، والمعنى الكلي: ساحب الهواء، أو مدخله، نافذة، أو فتحة للتهوية. ينظر: المعجم العربي لأسماء الملابس ص 43.

ص: 622

(فَصْلٌ)

(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ لِكَنِيسَةٍ، وَلَا بَيْتِ نَارٍ)، ولا لِعِمارتهما والإنفاقِ عَلَيهما؛ لأِنَّ ذلك معصيةٌ، وسواءٌ كان الموصِي مسلِمًا، أوْ ذِمِّيًّا.

(وَلَا لِكَتْبِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) على الأصحِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّها كُتُبٌ منسوخةٌ، والاِشْتِغالُ بها غَيرُ جائزٍ؛ لِمَا فيها من التَّبديل والتَّغيير.

وذَكَرَ القاضي: لو أوْصَى بحُصُرٍ لبِيَعٍ

(1)

وقناديلها، لا على قَصْدِ تعظيمها؛ فهو جائزٌ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ في الحقيقة لأِهلِ الذِّمَّة؛ لكَونهم يَنتَفِعون بها.

والأصحُّ: أنَّها لا تَصِحُّ؛ لأِنَّ ذلك إعانةٌ لهم على معصيتهم، وتعظيمِ كنائسهم.

وعن أحمدَ: صحَّتُها من الذِّمِّيِّ لِخِدمة الكنيسة.

فَرْعٌ: أوْصَى بِبِناءِ بَيتٍ يَسكُنُه المجْتازُون من أهل الذِّمَّة والحربِ؛ صحَّ؛ لأِنَّ بِناءَ مساكِنِهم لَيسَ بمعصيةٍ.

ولا تَصِحُّ

(2)

لكافِرٍ بمُصْحَفٍ؛ كعبدٍ مسلِمٍ، بدليلِ: البيع والهبة، وإنْ وصَّى له بعبدٍ

(3)

كافِرٍ، فأسْلَم في حياةِ الموصِي؛ بَطَلَتْ، وإنْ أسْلَمَ بَعْدَ الموت، وقَبْلَ القَبول؛ انْبَنَى على الخِلاف.

(وَلَا لِمَلَكٍ، وَلَا لِمَيْتٍ، وَلَا بَهِيمَةٍ)، ولا لِجِنِّيٍّ؛ لأِنَّه تمليكٌ، فلم تَصِحَّ

(4)

لهم؛ كالهبة.

(1)

في (ح): ليبيع.

(2)

في (ظ): ولا يصح.

(3)

زيد في (ح): له.

(4)

في (ظ): فلم يصح.

ص: 623

لكن

(1)

تَصِحُّ

(2)

وصيَّتُه لِحَبِيسٍ، وفَرَسِ زَيدٍ، ولو لم يَقْبَلْه، ويَصرِفُه في عَلَفِه، فإنْ مات؛ فالباقي للورثة.

(وَإِنْ وَصَّى بِثُلُثِهِ)، أوْ مائَةٍ

(3)

، (لِحَيٍّ وَمَيْتٍ يَعْلَمُ مَوْتَهُ؛ فَالْكُلُّ لِلْحَيِّ)، اختاره أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وذَكَرَ ابنُ المنَجَّى أنَّه المذْهَبُ؛ لأِنَّه لَمَّا أوْصَى بذلك مع عِلْمه بمَوته؛ فكأنَّه قَصَدَ الوصيَّةَ للحَيِّ وَحْدَه

(4)

، كما لو صرَّح به، إلاَّ أنْ يقولَ

(5)

: هو بَينَهما، كالمنصوصِ في: له ولجبريلَ، أو الحائطِ

(6)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ إِلاَّ النِّصْفُ)، هذا الاِحْتِمالُ هو المذْهَبُ، وقدَّمه الأشْياخُ؛ لأِنَّه أضاف الوصيَّةَ إلَيهِما، فإذا

(7)

لم يَكُنْ أحَدُهما مَحَلًّا للتَّمْليك، بَطَلَ في نصِيبِه، وبَقِيَ نَصيبُ الحيِّ، وهو النِّصْفُ.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مَوْتَهُ؛ فَلِلْحَيِّ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ)، وَجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه أضاف الوصية

(8)

إلَيهِما، ولا قَرِينةَ تَدُلُّ على عَدَمِ إرادةِ الآخَرِ، فَوَجَبَ أنْ يكونَ له النِّصْفُ؛ عَمَلاً بالمقْتَضِي السَّالِمِ عن المعارِض

(9)

، وكما لو أَوْصَى لِحَيَّيْنِ، فمات أحدُهما، بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(10)

.

(1)

في (ح): فرع.

(2)

في (ق): يصح.

(3)

في (ق): بمائةٍ.

(4)

في (ق): كله.

(5)

في (ق): نقول.

(6)

ينظر: الفروع 7/ 461.

(7)

في (ح): إليها فإذ.

(8)

قوله: (الوصية) سقط من (ظ).

(9)

في (ح): العارض.

(10)

ينظر: المغني 6/ 153.

ص: 624

فَرْعٌ: أوْصَى لله تعالى ولِزَيدٍ بشَيءٍ؛ فنِصْفانِ

(1)

، وجَزَمَ في «الكافي» وغَيره: بأنَّ جَمِيعَه لِزَيدٍ؛ لأِنَّ ذِكْرَ الله تعالى للتَّبَرُّك.

وإنْ وَصَّى للرَّسول ولِزَيدٍ؛ صحَّ، ونِصْفُ الرَّسول يُصرَف في المصالِح.

(وَإِنْ وَصَّى لِوَارِثِهِ

(2)

وَأَجْنَبِيٍّ بِثُلُثِ مَالِهِ)، فأجاز الورثة

(3)

وصيَّةَ الوارث، فالثُّلُث بَينَهما، وفي الرَّدِّ أشار إلَيهِ بِقَولِه:(فَرَدَّ الْوَرَثَةُ؛ فَلِلْأَجْنَبِيِّ السُّدُسُ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ كُلًّا منهما له السُّدُسُ، فصحَّ للأجنبِيِّ؛ إذْ لا اعْتِراضَ للورثة

(4)

عَلَيهِ، وبَطَلَ سُدُسُ الوارِثِ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ له لا تَصِحُّ إلاَّ بإجازةِ الوارِثِ.

وفي «الرِّعاية» : إذا أوْصَى لوارِثٍ وغَيرِه بثُلُثه؛ اشْتَرَكا مع الإجازة، ومع الرَّدِّ على الوارث للآخَرِ الثُّلُثُ، وقِيلَ: نِصفُه، كما لو أَوْصَى لهما بثُلُثه، فردَّ عَلَيهِما، أو على الوارث فقطْ.

وإنْ ردَّ الزَّائدَ على الثُّلُث دُونَ وصيَّته عَينًا؛ فهو لهما، وقِيلَ: للأجنبيِّ، وقِيلَ: له السُّدُسُ، ويَبطُلُ الباقي.

ولو أُجِيزَ للوارث وحدَه؛ فله الثُّلُثُ، وكذا الأجنبيُّ إذنْ، وقِيلَ: السُّدُسُ.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُمَا)؛ أيْ: للوارِثِ وأجْنَبِيٍّ، (بِثُلُثَيْ مَالِهِ؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ أيْ: إذا أبطل الورثةُ الزَّائدَ على الثُّلث من غَيرِ تعيينِ نصيبِ أحَدِهما؛ فالثُّلُث بَينَهما، لكلِّ واحِدٍ منهما السُّدُسُ، واخْتارَهُ في الوجيز؛ لأِنَّ

(1)

كتب في هامش (ظ): (قال الحارثي: حكى صاحب «التلخيص» والشافعية وجهين فيما إذا قال: ثُلثي لله ولزيد؛ أحد الوجهين: يُصرف النصف للفقراء والباقي لزيد).

(2)

في (ح): لورثة.

(3)

في (ح): الوصية.

(4)

في (ح): الورثة.

ص: 625

الوارِثَ يُزاحِمُ الأجنبيَّ مع الإجازة، فإذا رَدُّوا؛ تَعيَّنَ أنْ يكونَ الباقي بَينَهما، كما لو تَلِفَ بغَيرِ ردٍّ.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّهم لا يَقدِرون على إبْطال الثُّلث فَما دُون إذا كان لأِجنبيٍّ، ولو جَعَلْنا الوصيَّةَ بَينَهما؛ لَمَلَكوا إبْطالَ ما زاد على السُّدُس، وكما لو خَصُّوا الوارثَ بالإبْطال.

فإنْ قالوا: أجَزْنا وصيَّةَ الوارث، ورَدَدْنا نِصْفَ وصيَّة الأجنبيِّ؛ صحَّ، واتُّبعَ؛ كالعكس، وإنْ أجازوا أنْ يَنقُصُوا الأجنبيَّ عن نصفِ وصيَّته؛ لم يَملِكُوا ذلك مطلَقًا، فإنْ ردُّوا جميعَ وصيَّة الوارث، ونِصْفَ وصيَّةِ الأجنبيِّ؛ فلهم ذلك، على قَولِ القاضي، وعلى قَول أبي الخَطَّاب: يَتَوفَّرُ الثُّلُث كلُّه للأجنبيِّ.

(وَإِنْ وَصَّى بِمَالِهِ لاِبْنَيْهِ وَأَجْنَبِيٍّ، فَرَدَّا

(1)

وَصِيَّتَهُ؛ فَلَهُ التُّسُعُ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لأِنَّه بالرَّدِّ رَجَعَت الوصيَّةُ إلى الثُّلث، والموصَى له ابْنانِ وأجنبيٌّ، فيكونُ للأجنبيِّ التُّسُعُ؛ لأِنَّه ثُلُثُ الثُّلُثِ.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّ الأجنبيَّ موصًى له بالثُّلُث، وبالرَّدِّ بَطَلَتْ وصيَّة الوارث، فَوَجَبَ أنْ يكونَ له الثُّلُثُ؛ عَمَلاً بالوصيَّة السَّالِمة عن المزاحِم.

(وَإِنْ وَصَّى لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِثُلُثِهِ؛ فَلِزَيْدٍ التُّسُعُ)، هذا هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه وَصَّى لِثَلاثِ جِهاتٍ، فَوَجَبَت التَّسْويةُ، كما لو وَصَّى لِزَيدٍ وبَكْرٍ وخَالِدٍ.

وقال محمَّدُ بنُ الحَسَن: له الخُمُسُ، وللفقراء خُمُسانِ، وللمساكين خُمُسانِ؛ لأِنَّ أقلَّ الجَمْع اثْنانِ

(2)

.

(1)

في (ح): فردوا.

(2)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 5/ 76.

ص: 626

وقال ابنُ حَمْدانَ: ويَحتَمِلُ أنَّ له السُّدُسَ؛ لأِنَّهما هنا صِنْفٌ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان زَيدٌ مِسْكينًا؛ أنَّه لا يُدفَعُ إليه من سهمهم؛ إذ العَطْفُ يَقتَضِي المغايَرةَ.

فلو كانت الوصيَّةُ لِقَومٍ يُمكِنُ حَصرُهم؛ كزَيدٍ وإخْوته، فهو كأحدهم في وجْهٍ، وفي آخَرَ: كالتي قبلها.

فلو وصَّى بثُلُثه لزيدٍ وللفقراء؛ فنِصْفانِ، وقِيلَ: كأحَدِهم.

تنبيهٌ: لو أوْصَى مسلمٌ

(1)

لأِهْلِ قَرْيته، وقِيلَ: أوْ لِقَرابَته بلفظٍ عامٍّ؛ لم يَعُمَّ كافِرَهم إلاَّ بِذِكْره في الأشْهَر، وإنْ كان الموصِي كافِرًا؛ عَمَّ مسلمَهم بِدُون ذِكْره في الأصحِّ.

وقِيلَ: إنْ كان أهلُ القرية أو الأقارِبُ كلُّهم كُفَّارًا، والموصِي مسلِمًا؛ عمَّهم، كما لو كان فيهم مسلِمٌ، وإن كان أكثرُهم كُفَّارًا؛ لم يَعُمَّهم، وفِيهِ احْتِمالٌ.

مسألةٌ: أوْصَى بثُلُثه للمساكين، وله أقارِبُ محاويجُ، ولم يُوصِ لهم بشَيءٍ، ولم يَرِثُوهُ، فإنَّهم أحقُّ به.

ولو وَصَّى نصرانِيٌّ بثلثه لفقراء المسلمين، وله إخْوةٌ فقراءُ، أُعْطِيَ كلُّ واحِدٍ خمسينَ فَقَطْ، نَصَّ عَلَيهِما

(2)

.

ولو وصَّى لولدِ زَيدٍ، ولَيس له إلاَّ وَلَدُ وَلَدٍ؛ دَخَلُوا فيها، ويَحتَمِلُ دخولُ وَلَدِ البنينَ فقطْ

(3)

.

(1)

في (ح): لمسلم.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 291.

(3)

زيد في (ق): والله أعلم. وكتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 627

(بَابُ الْمُوصَى بِهِ)

هذا هو الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْها.

(تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ؛ كَالآبِقِ) من

(1)

الرَّقيق، (وَالشَّارِدِ) من الدَّوابِّ، (وَالطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ، والحَمْلِ

(2)

فِي الْبَطْنِ، وَاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ)؛ لأِنَّها إذا صحَّتْ بالمعدوم فهذا أَوْلَى، ولأِنَّها أُجْرِيَتْ مُجْرَى الميراث، وهذا يُورَث، فيُوصَى به، وللوصيِّ السَّعْيُ في تحصيله، فإنْ قَدَرَ عَلَيهِ؛ أَخَذَه إذا خَرج من الثُّلث.

ولا فَرْقَ في الحَمْل بَينَ أنْ يكونَ رقيقًا، أوْ حَمْلَ بهيمةٍ مملوكةٍ له؛ لأِنَّ الغرر

(3)

لا يَمنَعُ الصِّحَّةَ، فجرى مَجْرَى إعتاقه، فإن انفصل ميتًا؛ بطلت، وإنْ خرج حيًّا، وعَلِمْنا وُجودَه حالَ الوصيَّة، أوْ حَكَمْنا بوجوده؛ صحَّتْ، وإن لم يكن كذلك؛ فلا؛ لاِحْتِمال حدوثه.

ويُعتبَرُ إمْكانُ الموصَى به، فلو وصَّى بما تَحمِلُ أمتُه العقيمُ، أو بألْفِ قنطارٍ من شجرةٍ معيَّنةٍ من

(4)

سنَةٍ معينة

(5)

.

قال في «الترغيب» وغيره: واختصاصُه به، فلو وصَّى بمالِ غَيرِه؛ لم يَصِحَّ، ولو مَلَكَه بَعْدُ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ لم تَنعَقِدْ.

(وَبِالْمَعْدُومِ)؛ لأِنَّه يَجوزُ أنْ يُملَكَ بالسَّلَم والمساقاة، فجاز أنْ يُملَكَ بالوصيَّة؛ (كَالَّذِي تَحْمِلُ أَمَتُهُ أَوْ شَجَرَتُهُ أَبَدًا)؛ أيْ: يكونُ ذلك للموصَى له

(1)

في (ظ) و (ق): في.

(2)

في (ح): أو الحمل.

(3)

في (ح): الضرر.

(4)

في (ق): في.

(5)

قوله: (من سنة معينة) سقط من (ح).

ص: 628

على التَّأْبيد، (أَوْ فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ)؛ كسنةٍ، دون

(1)

ما عداها، معرَّفًا أوْ منكَّرًا، ولا يَلزَمُ الوارِثَ السَّقْيُ؛ لَأنَّه لم يَضمَنْ تَسليمَها، بخِلافِ مُشْتَرٍ.

(فَإِنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ فَهُوَ لَهُ)؛ أيْ: للموصَى له بمُقْتَضَى الوصيَّة، (وَإِلاَّ بَطَلَتْ)؛ لأِنَّها لم تصادِفْ

(2)

مَحَلًّا؛ كالوصيَّة بثُلُثِه ولم يُخلِّفْ شَيئًا.

فَرْعٌ: تَصِحُّ الوصيَّةُ بإناءِ ذَهَبٍ أوْ فِضَّةٍ، وبزوجته

(3)

؛ أيْ: له أمةٌ فيُوصِي بها لِزَوجها، ويَنفَسِخُ نكاحُه وَقْتَ ثُبوتِ ملْكِه لها.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمائَةٍ لَا يَمْلِكُهَا؛ صَحَّ)، إذْ غايَتُه أنَّها معدومةٌ، والوصيَّةُ به صحيحةٌ، (فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْمَوْتِ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ مِنْهَا)؛ صحَّتْ؛ لأِنَّه أمْكَنَ نُفوذُها، (وَإِلاَّ بَطَلَتْ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.

(وَتَصِحُّ بِمَا فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ؛ كَالْكَلْبِ) المعلَّم

(4)

؛ لأِنَّه يباح

(5)

اقْتِناؤُه للصَّيد والماشِية والحَرْث، وقِيلَ: وحِفْظِ البُيوت؛ لأِنَّ فيه نَفْعًا مُباحًا، وتُقَر اليَدُ عَلَيهِ، والوصيَّةُ تبرُّعٌ، فصحَّتْ في غير المال؛ كالمال، وكصِحَّة

(6)

هِبَتِه.

فإنْ كان ممَّا لا

(7)

يُباحُ اقْتِناؤه؛ لم تَصِحَّ

(8)

، سَواءٌ قال: من كِلابِي، أو مِنْ مالِي؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ شِراءُ الكلب؛ لأِنَّه لا قيمةَ له، بخلاف ما إذا أوْصَى بشاةٍ ولا شاةَ له، فإنَّه يُمكِنُ تحصيلُها

(9)

بالشِّراء.

(1)

قوله: (دون) سقط من (ح).

(2)

في (ظ): لم يصادف.

(3)

في (ح): ومزجته.

(4)

قوله: (المعلم) سقط من (ح).

(5)

في (ح): مباح.

(6)

في (ظ): ولصحة.

(7)

قوله: (لا) سقط من (ق).

(8)

في (ظ): لم يصح.

(9)

في (ق): تخليصها.

ص: 629

وظاهِرُه: أنَّها لا تَصِحُّ بالجِرْوِ الصَّغِيرِ، وهو وَجْهٌ، والأصحُّ: صحَّتُها بتربيته لأحدها

(1)

.

وفي «الفروع» : وإنْ لم يَصِدْ به، أوْ يصيد إن احتاجه، أو لِحِفْظ ماشيةٍ أو زرعٍ إن

(2)

حصل؛ فخلافٌ.

وفي «الواضح» : الكلْبُ لَيسَ مِمَّا يَملِكُه.

(وَالزَّيْتِ النَّجِسِ) إذا جاز الاِسْتِصْباحُ به، قاله في «الشَّرح» ، وإلاَّ لم يَصِحَّ؛ إذْ لَيسَ فيه نَفْعٌ مُباحٌ؛ كالخنزير وسائِرِ سِباعِ البهائم الَّتي لا تَصلُحُ للصَّيد.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوصِي مَالٌ) سِواهُ؛ (فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تَنفُذُ في الثُّلُث.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ) غَير الموصَى به؛ (فَجَمِيعُ ذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ قَلَّ الْمَالُ، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ قليلَ المال خَيرٌ من الكلب؛ لكَونه

(3)

لا قِيمةَ له، فالثُّلُثُ أكثرُ منه حَينئِذٍ.

(وَفِي الآْخَرِ: لَهُ ثُلُثُهُ) وإنْ كثُر المالُ؛ لأِنَّ موضوعَ الوصيَّة على أنْ يُسلَّمَ ثُلُثا التَّرِكة للورثة، وليس في التركة شَيءٌ من جنس الموصَى به.

تنبيهٌ: أوْصَى لرجلٍ بكِلابِه، ولآِخَرَ بثُلُث ماله؛ فله الثُّلُث، وللأوَّل ثُلُثُ الكلاب، وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ ما حَصَلَ للوَرَثَة من ثُلُثَي المالِ؛ قد جازت

(4)

الوصيَّةُ فِيمَا يُقابِلُه من حقِّ الموصَى له، وهو ثُلُثُ المال، ولم يُحتَسَبْ على الورثة بالكلاب؛ لأِنَّها لَيست بمالٍ، وإذا قُسِمَت الكِلابُ بَينَ الوارث

(1)

في (ح): لأحدهما.

(2)

في (ظ): فإن.

(3)

في (ق): لأنه.

(4)

في (ظ): صارت.

ص: 630

والموصَى له؛ قُسِمَتْ على عددها، فإن تشاحُّوا؛ أُقْرِعَ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ)؛ لأِنَّها لم تُصادِفْ مَحَلًّا يَثبُتُ الحقُّ فيه.

فإن تجدَّد له كلبٌ؛ فيتوجَّه: الصِّحَّةُ؛ نَظَرًا إلى حالة الموت لا الوصية

(1)

.

(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِمَا لَا نَفْعَ فِيهِ؛ كَالْخَمْرِ، وَالْمَيْتَةِ، وَنَحْوِهِمَا)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تمليكٌ، فلا تَصِحُّ بذلك؛ كالهبة، وقد حثَّ الشارِعُ على إراقة الخمر وإعْدامه، فلم يُناسِبْ صحَّةَ الوصيَّة.

وظاهِرُه: ولو قُلْنا: يَطهُرُ جِلْدُ الميتة بالدِّباغ، ويتوجَّه: عَكْسُه.

(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَجْهُولِ؛ كَعَبْدٍ وَشَاةٍ)؛ لأِنَّها إذا صحَّتْ بالمعْدُوم؛ فالمجْهُولُ أَوْلَى، ولأِنَّه يَنتَقِلُ إلى الوارث، فصحَّت الوصيَّةُ به؛ كالمعلوم، (وَيُعْطَى)؛ أيْ: يُعطيه الوارِثُ (مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الاِسْمُ)؛ لأِنَّه اليقينُ؛ كما لو أقرَّ له بعبْدٍ، قال القاضي: يُعطيه الورثةُ ما شاؤوا من ذَكَرٍ أو أنثى.

وصحَّحَ في «المغني» : أنَّه لا يُعطى إلاَّ ذَكَرًا؛ لأِنَّه تعالى سبحانه

(2)

فرَّق بَينَ العبيد والإماء بقوله: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النُّور: 32]، وهو يَقْتَضِي المغايَرة، ولأِنَّه العُرْفُ، وبدليل الوكالة، وكعكسه، ولَيسَ له أن يُعطيَه خُنْثَى، فلو أَوْصَى له بواحِدٍ من رقيقه؛ شَمِلَ الكلَّ.

(فَإِنِ

(3)

اخْتَلَفَ الاِسْمُ بِالْحَقِيقَةِ

(4)

وَالْعُرْفِ؛ كَالشَّاةِ فِي

(5)

الْعُرْفِ لِلْأُنْثَى،

(1)

قوله: (فإن تجدد له كلب فيتوجه الصحة نظرًا إلى حالة الموت لا الوصية) سقط من (ح).

(2)

قوله: (تعالى سبحانه) في (ق): يقال.

(3)

في (ظ): وإن.

(4)

في (ق): فالحقيقة.

(5)

في (ظ): وفي.

ص: 631

وَالْبَعِيرِ وَالثَّوْرِ هُوَ فِي الْعُرْفِ لِلذَّكَرِ

(1)

وَحْدَهُ، وَفِي الْحَقِيقَةِ لِلذَّكَرِ

(2)

وَالْأُنْثَى؛ غُلِّبَ الْعُرْفُ) في اخْتِيار المؤلِّف، وجزم به في «الوجيز» و «التَّبصرة» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّ المتكلِّمَ إنَّما يتكلَّم بعُرْفه، ولأِنَّه المتبادِرُ إلى الفهم.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تُغَلَّبُ الْحَقِيقَةُ)؛ لأِنَّها الأصلُ، ولهذا يُحمَلُ عَلَيهِ كلامُ الله تعالى، وكلامُ رسوله عليه السلام.

فعلى هذا: إذا أوصى بشاةٍ

(3)

؛ تَتَناوَلُ

(4)

الذَّكرَ والأنثى، والضَّأْنَ والمعْزَ، والكبيرة

(5)

والصَّغيرة؛ لأِنَّ اسْمَ الشَّاة يَتناوَلُ ذلك كلَّه، بدليل قَوله عليه السلام:«في أربعين شاةً شاةٌ»

(6)

.

وقال المؤلِّفُ: لا يَتناوَلُ إلاَّ أنثى

(7)

كبيرةً، إلاَّ أنْ يكونَ في بَلَدٍ عُرْفُهم يَتناوَلُ ذلك.

وفي «الخلاف» : الشِّياه

(8)

: اسمٌ لجنس الغَنَم، يَتناوَل الصِّغارَ والكِبارَ، والكَبْشُ: الذَّكَرُ الكبيرُ من الضَّأْنِ، والتَّيسُ: الذَّكَرُ الكبيرُ من المعْزِ، والجَمَلُ

(9)

: الذَّكَرُ، والنَّاقةُ: الأنثى.

ولو قال: عشَرة من إبلي؛ وقَعَ على الذَّكَر والأنثى.

وقيل: إنْ قال: عَشَرةً - بالهاء -؛ فهو للذُّكور، وإن قال: بغَير هاءٍ؛ فهو

(1)

في (ح): الذكر.

(2)

في (ح): الذكر.

(3)

في (ح): شاة.

(4)

في (ظ): يتناول.

(5)

في (ح): أو الكبيرة.

(6)

سبق تخريجه 3/ 248 حاشية (7).

(7)

قوله: (إلا أنثى) في (ح): الأنثى. والمثبت موافق لما في المغني 6/ 254.

(8)

في (ق): الشاة.

(9)

في (ق): الحمل.

ص: 632

للإناث، وكذلك الغنم، وفي البعير وجْهانِ، حكاهما في «الشَّرح» ، وهما مبنيَّانِ على الخلاف.

والثَّور: الذَّكَرُ، والبقرةُ: للأنثى.

(وَالدَّابَّةُ: اسْمٌ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى؛ مِنَ الْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ)، قاله الأصحابُ؛ لأِنَّ ذلك هو المتعارَفُ، فإنْ قُرِن به ما يَصرِفه إلى أحدها؛ كقوله: دابَّةٌ يُقاتَلُ عليها؛ انصرف إلى الخيل، وإن

(1)

قال: يُنتفَعُ بظَهْرها ونَسْلِها؛ خرج منه البِغالُ، وخَرَجَ منه الذَّكَرُ، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، وحكاه في «الرِّعاية» قَولاً.

وقِيلَ: يُعتَبَر عُرْفُ البلد.

وفي «التمهيد» : في الحقيقة العرفيَّة: الدَّابَّة للفرس عُرْفًا، والإطلاقُ يَنصرِف إليه، وقالَهُ في «الفنون» عن أصولِيٍّ؛ يعني: نفسَه، قال: لنَوع قُوَّةٍ في الدَّبيب؛ لأِنَّه ذُو كرٍّ وفرٍّ، انتهى.

والفرسُ: للذَّكر والأنثى، والحِصانُ: للذَّكر، وعكسُه: الحِجْرَةُ

(2)

.

والحِمار: للذَّكَر، والأَتانُ: للأنثى.

فَرْعٌ: لا يَستَحِقُّ للدَّابَّةِ سَرْجًا، ولا للبعير رَحْلاً.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ؛ كَعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ)، وَشاةٍ من غَنَمه؛ (صَحَّ)؛ لأِنَّ الجَهالةَ هنا أقلُّ من الجهالة في عَبْدٍ، وقد صحَّت فيه، فَلَأَنْ تصِحَّ هنا من بابِ أَوْلَى، (وَيُعْطِيهِ

(3)

الْوَرَثَةُ مَا شَاؤُوا مِنْهُمْ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، نقله ابنُ

(1)

في (ظ): فإن.

(2)

هكذا في النسخ الخطية: الحجرة، بالتاء، وقال في لسان العرب 4/ 170:(والحجر: الفرس الأنثى، لم يدخلوا فيه الهاء؛ لأنه اسم لا يشركها فيه المذكر، والجمع أحجار وحجورة وحجور).

(3)

في (ظ): وتعطيه.

ص: 633

منصورٍ

(1)

، واخْتارَه أبو الخَطَّاب والشَّريفُ في «خِلافَيهِما» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ لَفْظَه تَناوَلَ واحِدًا، والأقلُّ هو اليقينُ، فيكونُ هو الواجِب، فعلى هذا: ما يَدفَعه الوارِثُ من صحيحٍ أو معيب

(2)

، جيِّدٍ أوْ رَدِيءٍ؛ يَلزَمُ قَبولُه؛ لِتَناوُل الاِسمِ له.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُعْطَى وَاحِدًا بِالْقُرْعَةِ)، هذا روايةٌ، واختارها ابنُ أبي موسى؛ لأِنَّ الجَميعَ سواء

(3)

بالنِّسبة إلى الاِسْتِحْقاق، فكان له أحدُهم بالقُرْعة؛ كالعِتْق.

ولم يُرجِّح في «الفروع» شَيئًا.

وفي «التَّبصرة» : هما في لفظٍ احتَمَلَ مَعْنَيَينِ، قال: ويَحتَمِلُ حَمْلُه على ظاهرهما.

(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَبِيدٌ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الوصيَّة تَقْتَضِي عبْدًا من الموجودِينَ حالَ الوصيَّة، أشْبَهَ ما لو أَوْصَى له بما في الكِيس ولا شَيءَ فيه، أوْ بِداره ولا دارَ له.

(وَتَصِحُّ فِي الآْخَرِ)؛ لأِنَّه لَمَّا تعذَّرت الصِّفةُ بَقِيَ أصلُ الوصيَّة، أشْبَهَ ما لو أوْصَى له بألْفٍ لا يَملِكُها ثُمَّ مَلَكَها، (وَيُشْتَرَى لَهُ مَا يُسَمَّى عَبْدًا)؛ لأِنَّ الاِسْمَ يتناوَلُه، فيَخرُج به عن عُهْدةِ الوصيَّة، وكقوله: عبدٌ من مالِي

(4)

.

ونَقَل ابنُ منصورٍ فِيمَنْ قال: أعْطُوه مائةً من أحد كِيسَيَّ، فلم يُوجَدْ فيهما شَيءٌ: يُعْطَى مائةً؛ لأِنَّه قَصَدَ إعْطاءَه

(5)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4332.

(2)

في (ح): ومعيب.

(3)

في (ح): شراء.

(4)

في (ق): مال.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4328.

ص: 634

وإنْ مَلَكَه قَبلَ مَوته؛ فوجْهانِ.

(فَإِنْ

(1)

كَانَ لَهُ عَبِيدٌ فَمَاتُوا إِلاَّ وَاحِدًا)، أوْ لم يكُنْ له إلاَّ عبدٌ واحِدٌ؛ (تَعَيَّنَتِ الْوَصِيَّةُ فِيهِ)؛ لأِنَّه لم يَبْقَ غَيرُه، وقد تعذَّر تسليمُ الباقي، وهذا إنْ حَمَلَه الثُّلُثُ، قالَهُ في «الرِّعاية» .

وقِيلَ: يُقرَعُ بَينَ الحيِّ والميت.

وإنْ تَلِفَ رقيقُه جميعُهم قَبْلَ مَوت الموصِي، أوْ بَعْدَه، بغَيرِ تفريطٍ من الوارث؛ بَطَلَتْ؛ لأِنَّ التَّرِكَة غَيرُ مَضْمونةٍ عَلَيهم؛ لحصولها

(2)

في أيْدِيهم بغَيرِ فِعْلِهم.

فَرْعٌ: أوْصَى بعِتْقِ أحَدِ عَبِيدِه الموجُودِينَ؛ صحَّ، وأجْزَأَ عِتْقُ ما يُسمَّى عبدًا، وقِيلَ: ما يُجزِئُ في كَفَّارة، وهل يُعَيِّنُه الوارِثُ أوْ بقُرْعةٍ؟ فيه وجْهانِ، وقال في «المستوعب»: للعبيد تعيينُ عِتْقِ أحَدِهم.

(وَإِنْ قُتِلُوا كُلُّهُمْ؛ فَلَهُ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ)، إمَّا باخْتِيار الورثة، أوْ بالقُرْعة، على الخلاف، (عَلَى قَاتِلِهِ)؛ لأِنَّ حقَّه في واحدٍ منهم، وقد قَتَلَهم كلَّهم؛ فَوَجَبَ عَلَيهِ ضَمانُه، كما لو قَتَلَ واحِدٌ عَبْدَ غَيرِه، وهذا إذا قُتِلُوا بَعْدَ مَوت الموصِي.

فَرْعٌ: لا تَصِحُّ الوصيَّةُ بأمِّ وَلَدِه، نَصَّ عَلَيهِ. وقِيلَ: بَلَى. وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ جاز بَيعُها ولم تَعتِقْ بمَوتِه، وإلاَّ فلا.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِقَوْسٍ)؛ صحَّ؛ لأِنَّ فِيهِ منفعةً مُباحةً، فإنْ كان (لَهُ أقْوَاسٌ لِلرَّمْيِ وَالْبُنْدُقِ وَالنَّدْفِ؛ فَلَهُ قَوْسُ النُّشَّابِ) في ظاهر المذهب؛ (لِأَنَّهُ أَظْهَرُهَا)، ويُسمَّى الفارِسِيَّ، وقَوسُ النَّبْل يُسَمَّى: العَربِيَّ، (إِلاَّ أَنْ تَقْتَرِنَ

(3)

(1)

في (ح): وإن.

(2)

في (ح): لحصولهم.

(3)

في (ظ): يقترن.

ص: 635

بِهِ

(1)

قَرِينَةٌ)؛ كما لو كان الموصَى له نَدَّافًا، أوْ بُنْدُقَانِيًّا، أوْ غازِيًا، فإنَّه (يُصْرَفُ

(2)

إِلَى غَيْرِهِ)؛ لأِنَّ القَرِينةَ كالصَّريح، وهذا إذا أَطْلَقَ، فإن وَصَفَها بصفةٍ، أوْ كان له قَوسٌ واحِدٌ؛ تعيَّنَتْ.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا؛ كَالْوَصِيَّةِ بِعَبْدٍ مِنْ عَبِيدِهِ)؛ لأِنَّ اللَّفْظ يَتَناوَلُ جميعَها. وقِيلَ: له غَيرُ قَوْسِ بُنْدُقٍ. وقِيلَ: ما يُرْمَى به عادةً.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَستَحِقُّ وَتَرَها؛ لأِنَّه مُنفَصِلٌ عنها.

وقِيلَ: بلى، جَزَمَ به في «الترغيب» ؛ لأِنَّه لا يُنتَفَعُ بها إلاَّ به، فكان كجُزْءٍ من أجْزائها.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِكَلْبٍ أَوْ طَبْلٍ، وَلَهُ مِنْهَا مُبَاحٌ)؛ ككلب الصَّيد، وطَبْل الحرب، (وَمُحَرَّمٌ)؛ كضِدِّهما، وكالأسود البهيم؛ (انْصَرَفَ إِلَى الْمُبَاحِ)؛ لأِنَّ فِيهِ مَنفعةً مُباحةً، ووجودُ المحرَّم كعَدَمِه شَرْعًا، فلا يَشمَلُه اللَّفْظُ عِنْدَ الإطلاق.

وقيل: لا تَصِحُّ الوصيَّةُ بهما معًا.

(فَإِنْ

(3)

لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ مُحَرَّمٌ؛ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ بالمحرَّم معصيَةٌ، فلم تصِحَّ كالكنيسة.

فلو كان طَبْلٌ إذا فُصِلَ صَلَح للحرب؛ لم تَصِحَّ.

ويُلحَقُ بطَبْل اللَّهْو؛ المزمار والطُّنبور وعُود اللَّهو؛ لأِنَّها محرَّمةٌ، سواءٌ كانت فيه الأوتار أو لا؛ لأِنَّه مُهَيَّأٌ لفعل المعصية.

وتُباحُ الوصيَّةُ بالدُّفِّ المباح؛ للخبر

(4)

.

(1)

في (ظ): بها.

(2)

في (ح): تصرف.

(3)

في (ح): وإن.

(4)

أي: لما ورد في إباحة الدف، منها: ما أخرجه البخاري (3529)، ومسلم (892)، عن عائشة: أن أبا بكر رضي الله عنهما دخل عليها، وعندها جاريتان في أيام منى تغنيان، وتدففان، وتضربان

الحديث، وما أخرجه الترمذي (1088)، والنسائي (3369)، وابن ماجه (1896)، من حديث محمد بن حاطب مرفوعًا:«فصل بين الحلال والحرام، الدف والصوت في النكاح» ، وحسنه الترمذي، والألباني. ينظر: الإرواء 7/ 50.

ص: 636

(وَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيمَا عَلِمَ مِنْ مَالِهِ) اتِّفاقًا، (وَمَا لَمْ يَعْلَمْ)؛ أيْ: تُنفَّذُ وصيَّتُه في ثُلُث الموجود، وإنْ جَهِلَه.

وعَنْهُ: إنْ عَلِمَ به

(1)

، وحُكِيَ ذلك عن أبَانَ بنِ عُثْمانَ، وعُمَرَ بنِ عبد العزيز، وربيعةَ، إلاَّ في المدبَّر، فإنَّه يَدخُلُ في كلِّ شَيءٍ.

والأوَّلُ أشْهَرُ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ بجزءٍ من ماله لَفْظٌ عامٌّ، فيَدخُل فيه ما لا

(2)

يَعلَمُ به من ماله، كما لو نَذَرَ الصَّدقةَ بثُلثه.

(وَإِذَا أَوْصَى

(3)

بِثُلُثِهِ، فَاسْتَحْدَثَ مَالاً) قَبلَ مَوته؛ (دَخَلَ ثُلُثُهُ فِي الْوَصِيَّةِ)، في قَول أكثرِ العلماء، ولا فَرْق عِندَهم بَينَ التِّلاد والمسْتَفاد؛ لأِنَّ الحادِثَ من ماله يَرِثُه وَرَثَتُه، وتُقْضَى منه ديونُه، أشْبَهَ ما لو مَلَكَه قَبلَ الوصيَّة.

وعنه: يَعُمُّ المتجدِّدَ مع عِلْمه به، أوْ قَولِه: بثُلُثِي يَومَ أموتُ.

(وَإِنْ قُتِلَ) عَمْدًا أو خَطَأً، (وَأُخِذَتْ دِيَتُهُ؛ فَهَلْ تَدْخُلُ الدِّيَةُ فِي الْوَصِيَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما، وهي المذهَبُ، وجَزَم بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع»: تَدخُلُ ديتُه مطلَقًا؛ لأِنَّها تَجِبُ للميت بَدَلَ نفسه، ونفسُه له، فكذا بَدَلُها، قال أحمدُ:(قَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ الدِّيَةَ مِيراثٌ)

(4)

،

(1)

في (ق): ربه.

(2)

في (ق): لم.

(3)

زيد في (ق): له.

(4)

ينظر: الفروع 7/ 472، والحديث أخرجه أحمد (7091)، وأبو داود (4564)، والنسائي (4801)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده. وإسناده لا بأس به، فيه سليمان بن موسى الأشدق وهو صدوق فقيه في حديثه بعض اللين، ويرويه عن محمد بن راشد المكحولي وهو صدوق يهم، وأخرجه عبد الرزاق (17774) عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب. وهذا معضل.

ويشهد له ما أخرجه البخاري (6740)، ومسلم (1681): عن أبي هريرة، قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لِحْيانَ سقط ميتًا بغرة، عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى لها بالغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وأن العقل على عصبتها» .

ص: 637

فيُقضَى منها دُيُونُه وتجهيزه

(1)

؛ لأِنَّه إنَّما يَحوزُ وَرَثَتُه مِنْ أمْلاكه ما استَغْنَى عنه، بدليل أنَّه يَجوزُ أنْ يَتَجَدَّدَ له ملْكٌ بَعْدَ مَوته؛ كصَيدٍ وَقَعَ في أحبولة نَصَبَها، خِلافًا ل «الانتصار» وغَيرِه، وإنْ تَلِفَ بها شَيءٌ؛ فيَتوَجَّهُ في ضَمان الميت الخِلافُ، قالَهُ في «الفروع» ، ورُوِيَ عن عليٍّ مِثْلُ ذلك في دية الخَطَأ

(2)

.

والثَّانيةُ: لا تَدخُلُ في وصيَّته، نَقَلَها ابنُ منصورٍ

(3)

؛ لأِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ للوَرَثَة بَعْدَ مَوت الموصِي؛ لأِنَّ سبَبَها الموتُ، فلا يَجوزُ وُجوبُها قَبلَه؛ لأِنَّ الحُكْمَ لا يَتَقدَّمُ سَبَبَه؛ إذْ بالموت تَزُولُ أمْلاكُه.

(فَإِنْ

(4)

وَصَّى بِمُعَيَّنٍ بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَةِ؛ فَهَلْ تُحْسَبُ الدِّيَةُ عَلَى الْوَرَثَةِ مِنْ الثُّلُثَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما مَبْنِيَّانِ على الرِّوايَتَينِ.

فَعَلَى الأُولى: تُحسَبُ الدِّيةُ من ماله، فإنْ كانَتْ وصيَّتُه بِقَدْرِ نِصْفِ الدِّيَة، أوْ أقلَّ منه؛ نُفِّذت الوصيَّةُ، وإلاَّ أُخْرِج منه قَدْرُ ثُلُثِها.

(1)

في (ح): تجهيزه.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30745)، عن قتادة، عن خِلَاسِ، عن علي في رجل أوصى بثلث ماله وقتل خطأ، قال:«الثُّلُث داخل في ديته» ، وقتادة مدلس، وخلاس روايته عن عليٍّ من كتاب. وأخرجه ابن أبي شيبة (30746)، عن الحارث، عن علي نحوه، والحارث الأعور ضعيف. وأخرجه عبد الرزاق (17771)، عن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب قال: قال علي: «قد ظلم الإخوةَ من الأم من لم يجعل لهم من الدية ميراثًا» ، مرسل.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4294.

(4)

في (ح): وإن.

ص: 638

وعلى الثَّانية: لا تُحْسَبُ الدِّيَةُ، وتُخرَجُ الوصيَّةُ من تِلادِ ماله دُونَ دِيَته، بِناءً على أنَّ الدِّيَةَ لَيست من ماله، فيَخْتَصُّ بها الوَرَثَةُ.

ص: 639

(فَصْلٌ)

(وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالْمَنْفَعَةِ الْمُفْرَدَةِ)، في قَولِ الأكْثَرِ؛ لأِنَّه يَصِحُّ تمليكُها بعَقْدِ المعاوَضَة، فتَصِحُّ الوصيَّةُ بها؛ كالأعيان، ولأِنَّها هِبَةُ المنفعة بَعْدَ الموت، فصحَّت في الحياة كالمقارِنة

(1)

، وسَواءٌ وصَّى بها أبدًا، أوْ مُدَّةً مُعَيَّنةً.

لكِنْ يُعتبَرُ خُروجُ ذلك مِنْ ثُلُث المال، نَصَّ عَلَيه في سُكْنَى الدَّار

(2)

، وهو قَولُ مَنْ قال بصحَّة الوصيَّة بِها، وإنْ لم تَخرُجْ

(3)

من الثُّلُث؛ أُجِيزَ منها بقَدر الثُّلُث.

وقال

(4)

: إذا أوْصَى بخِدْمةِ عبده سَنَةً، فلم تَخرُجْ

(5)

من الثُّلث؛ خُيِّرَ الورثةُ بَينَ تسليم خِدْمته سَنَةً، وبَينَ ثُلُث المال.

وقال الحنفيَّةُ: يَخدُمُ الموصَى له يومًا والورثة يومين

(6)

حتَّى تُستَكْمَلَ

(7)

منه، فإنْ أراد الورثةُ بَيعَه؛ بِيع

(8)

.

ولنا: أنَّها وصيَّةٌ صحيحةٌ، فَوَجَبَ تنفيذُها على صِفَتها، فإنْ أُرِيدَ تقويمُها، وكانت الوصيَّةُ مُقَيَّدةً بمُدَّةٍ؛ قُوِّم

(9)

الموصَى بمَنفَعَتِه مَسْلُوبَ المنْفَعةِ

(1)

في (ح): بالمقارنة.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4352.

(3)

في (ظ): لم يخرج.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 182 والشرح 17/ 365:(وقال مالك).

ينظر: المدونة 4/ 342.

(5)

في (ظ): فلم يخرج.

(6)

قوله: (يومين) سقط من (ظ) و (ق). والمثبت موافق للمغني 6/ 183 والشرح 17/ 365.

(7)

في (ظ): يستكمل.

(8)

ينظر: المبسوط 27/ 181، البحر الرائق 8/ 514.

(9)

في (ح): يوم.

ص: 640

تَلْكَ المدَّةَ، ثُمَّ تُقَوَّمُ المنفعةُ تلك المدَّةَ، فيُنَظَرُ كَمْ قِيمتُها.

فَرْعٌ: للمُوصَى له بِنَفْع العبد أو الدار

(1)

إجارتُها تلك المدَّةَ، وله إخْراجُ العبد عن البلد؛ لأنَّه

(2)

مالِكٌ لِنَفْعِه، فَمَلَكَ إخْراجَه وإجارتَه كالمسْتَأْجِر.

(فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمَنَافِعِ أَمَتِهِ أَبَدًا، أَوْ مُدَّةً مُعَيَّنَةً؛ صَحَّ)؛ لأِنَّها وصيَّةٌ بمَنفَعَةٍ، وهي صحيحةٌ بها، (فَإِذَا أَوْصَى بِهَا أَبَدًا؛ فَلِلْوَرَثَةِ عِتْقُهَا)؛ لأِنَّها مملوكةٌ لهم، ومَنافِعُها للموصَى له، ولا يَرجِعُ على المعْتِقِ بشَيءٍ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أعْتَقَها صاحِبُ المنفعةِ؛ لم تَعتِقْ؛ لأِنَّ العِتقَ للرَّقَبَة، وهو لا يَملِكُها.

فإنْ وَهَبَ صاحِبُ المنفعة مَنافِعَه للعبد، أوْ أسْقَطَها عنه؛ صحَّ، وللوَرَثَة الانتِفاعُ به؛ لأِنَّ ما يُوهَبُ للعبد يكون لِسَيِّده.

(وَ) لهم (بَيْعُهَا)؛ لأِنَّها أمةٌ مملوكةٌ، تَصِحُّ الوصيَّةُ بها، فصحَّ بيعها كغَيرِها، وتُباعُ مسلوبةَ المنفعة، ويَقُومُ المشْتَرِي مَقامَ البائع

(3)

فيما له وعَلَيهِ.

وقيل: لا تُباعُ؛ لأِنَّ ما لا نَفْعَ فيه لا يَصِحُّ بَيعُه؛ كالحشرات.

ورُدَّ: بأنَّه يُمكِنُه إعْتاقُها، وتَحصيلُ ولائها

(4)

وثوابِ عِتْقِها، بخِلافِ الحشرات.

(وَقِيلَ: لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا إِلاَّ لِمَالِكِ نَفْعِهَا)؛ لأِنَّه يَجتَمِعُ له الرَّقَبةُ والمنفعةُ، فيَنتَفِعُ بذلك، بخِلافِ غَيرِه، بدليلِ جوازِ بَيعِ الثَّمرة قَبْلَ بُدُوِّ صلاحِها لِمالِكِ الشَّجر، وبَيعِ الزَّرع لمالك الأرض، دُونَ غَيرِهما.

وفي كِتابَتها الخِلافُ.

(1)

في (ح): الدار أو العبد.

(2)

زيد في (ح): لا.

(3)

في (ق): البيع.

(4)

في (ق): ولايتها.

ص: 641

(وَلَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِهَا)؛ أيْ: بإذْنِ صاحِبِ المنفعة، ولَيسَ لواحدٍ منهما الاِنْفِرادُ بتزوِيجِها؛ لأِنَّ مالِكَ المنفعة لا يَملِكُ رَقَبَتَها، وصاحِبَ المنفعة يَتَضرَّرُ به، فإن اتَّفَقا على ذلك؛ جاز.

فإن

(1)

طَلَبَت التَّزويجَ؛ وَجَبَ؛ لأِنَّه لِحَقِّها، وهو مقدَّمٌ عَلَيهِما، ووليُّها مَالِكُ الرَّقَبة، وقِيلَ: هما.

(وَ) لهم (أَخْذُ مَهْرِهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَ)، في اختيار المؤلِّف وصاحبِ «الوجيز» ؛ (لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِهَا) مُفْرَدَةً، ولا مَعَ غَيرِها، وإنَّما هي تابِعةٌ للرَّقَبة، فتَكونُ لصاحبها.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: مَهْرُهَا لِلْوَصِيِّ

(2)

؛ لأنَّه من منافعها.

(وَإِنْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ)؛ لأِنَّ وَطْءَ الشُّبهة يَكونُ الوَلَدُ حُرًّا؛ لاِعْتِقاد الواطِئِ أنَّه وَطِئَ في ملْكٍ؛ كالمغرور

(3)

بأَمَةٍ.

(وَلِلْوَرَثَةِ قِيمَةُ وَلَدِهَا)؛ لأِنَّه امْتَنَع رِقُّه، فَوَجَبَ جَبْرُ ما فات من رِقِّه، (عِنْدَ الْوَضْعِ)؛ لأِنَّه حِينَئِذٍ وُجِدَ، ولأِنَّه قَبْلَ الوضع لا تُعْلَمُ

(4)

قِيمَتُه، فَوَجَبَ اعْتِبارُ أوَّلِ حالةٍ يُعْلَمُ بها، (عَلَى الْوَاطِئِ)؛ لأِنَّه يُفوِّت

(5)

رِقَّه.

(وَإِنْ قُتِلَتْ؛ فَلَهُمْ قِيمَتُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ الإتْلافَ صادَفَ الرَّقَبةَ، وهم مالِكُوها، وفَواتُ المنفعة حَصَلَ ضِمْنًا، وتَبطُلُ وصيَّتُه؛ كالإجارة.

(وَفِي الآْخَرِ: يُشْتَرَى بِهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهَا)؛ لأِنَّ كلَّ حقٍّ تعلَّق بالعَين؛ تعلَّق بِبَدَلها إذا لم يَبطُلْ سَبَبُ استِحْقاقها، ويُفارِقُ الزَّوجةَ والعَينَ المسْتَأْجَرةَ؛

(1)

في (ح): وإن.

(2)

كتب في هامش (ظ): (قول الأصحاب هو المذهب).

(3)

في (ح): كالغرور.

(4)

في (ق): لا يعلم.

(5)

في (ق): مفوت.

ص: 642

لأِنَّ سَبَبَ الاستِحْقاق يَبطُلُ بِتَلَفِها، ويَحتَمِلُ أنَّ ذلك لِمَالِكِ النَّفْع.

(وَلِلْوَصِيِّ)؛ أيْ: لمالِكِ نفعها

(1)

: (اسْتِخْدَامُهَا) حَضَرًا وَسَفَرًا، (وَإِجَارَتُهَا، وَإِعَارَتُهَا)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ له بنَفْعِها، وهذا منه.

فإنْ قَتَلَها وارِثُها؛ فَعَلَيه قِيمةُ المنْفَعةِ، قالَهُ في «الاِنتصار». وفي «التَّبصرة»: إنْ قُتِلَتْ فَرَقَبةٌ بثَمَنِها مَقامَها. وقِيلَ: لِمالِكِ نَفْعِها، قال: وهو أَوْلَى.

(وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَطْؤُهَا)؛ لأِنَّ مالِكَ المنفعة لَيسَ بزَوجٍ، ولا مالِكٍ للرَّقَبة، والوَطْءُ لا يُباحُ بغَيرِهما، ومالِكَ الرَّقَبة لا يَملِكُها ملْكًا تامًّا، ولا يَأمَنُ أنْ تَحمِلَ منه، وربَّما أفْضَى إلى هلاكها.

لكِنْ أيُّهما وَطِئَها؛ فلا حَدَّ عَلَيهِ؛ لأِنَّه وَطْءُ شُبْهَةٍ؛ لِوُجودِ الملْكِ لكلٍّ منهما، فإن وَلَدَتْ؛ فهو حُرٌّ.

فإنْ كان الواطِئُ صاحِبَ المنفعة؛ لم تَصِرْ أمَّ وَلَدٍ له؛ لأِنَّه لا يَملِكُها، وعَلَيهِ قِيمةُ وَلَدِها عند الوَضْع، كما تقدَّم.

وإنْ كان مالِكَ الرَّقَبةِ؛ صارَتْ أُمَّ وَلَدٍ له؛ لأِنَّها عَلِقَتْ منه بحُرٍّ

(2)

في ملكه، وفي وُجوبِ قِيمتِه عَلَيه

(3)

الوجهان

(4)

، ولا مَهْرَ عَلَيه في اختيار المؤلِّف، وله المهْرُ على صاحِب المنفعة، إنْ كان هو الواطِئَ، وعِنْدَ أصحابنا: تَنْعَكِسُ الأحكام.

وقِيلَ: يَجِبُ الحدُّ على صاحب المنفعة إذا وَطِئَ؛ كالمسْتَأْجِر، وعلى هذا يكون ولدُه مملوكًا.

(1)

في (ح): نفعه.

(2)

في (ظ) و (ق): بجزء. والمثبت موافق للمغني 6/ 185 والشرح الكبير 17/ 372.

(3)

في (ق): عليها.

(4)

في (ح): وجهان.

ص: 643

(وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًى؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُهَا)؛ لأِنَّ الوَلَدَ يَتْبَعُ الأمَّ في حُكْمِها؛ كَوَلَدِ المكاتَبَة والمدبَّرة.

وقيل: هو لِمالِكِ الرَّقَبة؛ لأِنَّه لَيسَ من النَّفْع الموصَى به، ولا هو من الرَّقَبة الموصَى بِنَفْعها.

(وَفِي نَفَقَتِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ):

(أَحَدُهَا: أَنَّهُ فِي كَسْبِهَا)؛ لأِنَّه يَتعذَّرُ إيجابُها على مالِكِ الرَّقَبة؛ لكَونه لا نَفْعَ له، وعلى مالِكِ المنفعة؛ لكَونه لا رَقَبَةَ له، فلم يَبْقَ إلاَّ إِيجابُها في كَسْبِها، قال في «الشَّرح»: وهذا راجِعٌ إلى إيجابها على صاحب المنفعة؛ لأنَّ كَسْبَها من منافعها، فعَلَيهِ: إن لم يَكُنْ لها كَسْبٌ؛ فَقِيلَ: تَجِبُ في بَيتِ المال.

(وَالثَّانِي: عَلَى مَالِكِهَا)؛ أيْ: مالِكِ الرَّقَبة، وهو الذي

(1)

ذَكَرَهُ الشَّرِيفُ أبو جَعفَرٍ مذهبًا لأِحمدَ، وقاله أبو ثَوْرٍ؛ لأِنَّ النَّفقةَ على الرَّقبة، فكانت على مالكها؛ كنفقةِ المسْتَأْجَر، وكما لو لم يكُنْ له منفعةٌ، ولأِنَّ الفِطْرةَ تَتْبَعُ النَّفقةَ، وَوُجوب التَّابِعِ يَدُلُّ على وُجوب المتْبُوع عَلَيهِ.

(وَالثَّالِثُ: عَلَى الْوَصِيِّ

(2)

؛ أيْ: صاحِبِ المنفعة، صحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وجَزَم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه يَمْلِكُ نَفْعَها، فكانت النَّفقةُ عَلَيهِ؛ كالزَّوج.

وهذا لَيسَ خاصًّا بالأَمَة، بل حُكْمُ سائِرِ الحَيَوانات الموصَى بِنَفْعِها كذلك؛ قياسًا عَلَيها.

ونَفْعُها بَعْدَ الوصيِّ لِوَرَثَتِه، قَطَعَ به في «الاِنْتِصار» ، وأنَّه يَحتَمِلُ مِثْلُه في هِبَةِ نَفْعِ دارِه وسُكْناها شَهْرًا وتَسْليمِها، وقِيلَ: لِوَرَثَة الموصِي.

(1)

قوله: (وهو الذي) سقط من (ح) و (ق).

(2)

كتب في هامش (ظ): (الوجه الثالث هو المذهب).

ص: 644

(وَفِي اعْتِبَارِهَا مِنَ الثُّلُثِ وَجْهَانِ)؛ لأِنَّ المنفعةَ مجهولةٌ لا يُمكِنُ تَقويمُها، فَوَجَبَ اعْتِبارُ جَمِيعِها:

(أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ جَمِيعُهَا مِنَ الثُّلُثِ)، يَعْنِي: تُقوَّم بمنفعتها

(1)

، ويُعْتَبَرُ خُروجُ ثمنها من الثُّلُث؛ لأِنَّ أمةً

(2)

لا منفعَةَ لها؛ لا قِيمةَ لها غالِبًا.

(وَالثَّانِي: تُقَوَّمُ بِمَنْفَعَتِهَا، ثُمَّ تُقَوَّمُ مَسْلُوبَةَ الْمَنْفَعَةِ؛ فَيُعْتَبَرُ مَا بَيْنَهُمَا)، فإذا كانت قيمتُها بمنفعتها: مائةً، ومَسْلوبةَ المنفعة: عشرةً، عَلِمْنا أنَّ قِيمةَ المنفعة: تِسْعون، وكذا إذا أوصى بنَفْعها وقْتًا مقدَّرًا، مُعَرَّفًا أو مُنَكَّرًا.

وقِيلَ: يُعتَبَرُ وحدَه من ثلثه

(3)

؛ لِإمْكان تَقويمه مُفْرَدًا، ويَصِحُّ بَيعُها، وإنْ أطْلَقَ فمَعَ الرَّقَبة، قال في «المستوعب»: وهو الصَّحيحُ عِنْدِي، وقال ابنُ حَمْدانَ: بَلْ بقِسْطه من التَّركة، ولا يقوم

(4)

على أحدهما.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِرَقَبَتِهَا، ولآِخَرَ بِمَنْفَعَتِهَا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ الأوَّلَ يَنتَفِعُ بعِتْقها وولائها وبَيعِها في الجملة، والثَّانِي ظاهِرٌ.

(وَصَاحِبُ الرَّقَبَةِ؛ كَالْوَارِثِ فِيمَا ذَكَرْنَا)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مالِكُها.

تنبيه: أوْصَى بثَمَرِ

(5)

شَجرةٍ لزَيدٍ، وبرقَبَتها لعمرٍو؛ لم يَملِكْ أحدُهما إجْبارَ الآخَر على سَقْيِها، ولا مَنْعَه منه إذا لم يَضرُّه، وإن يَبِست الشَّجرة، أو بعضُها؛ فهو لعمرٍو.

وإنْ وصَّى بثمرتها

(6)

، أو حَمْل أَمَتِه أو شاتِه، فلم تَحمِلْ تلك المدَّة؛ فلا شَيءَ لزيدٍ.

(1)

في (ظ): يقوم بمنفعتها، وفي (ح): تقوم منفعتها.

(2)

في (ح): أمته.

(3)

في (ح): الثلث.

(4)

في (ق): ولا تقوم.

(5)

في (ق): بثمرة.

(6)

في (ق): بثمنها.

ص: 645

وإنْ قال: لك ثمرتُها، أو حَمْلُ الحيوان، أوَّل عامٍ تثمرُ أو تحمل

(1)

؛ صحَّ.

وإنْ وَصَّى لزَيدٍ بِلَبَنِ شاتِه وصُوفِها، أو بأحدهما؛ صحَّ، ويُقوَّم الموصَى به دون العَين.

وإنْ وصَّى لرجُلٍ بحَبِّ زَرْعِه، ولآِخَرَ بِتِبْنه

(2)

صحَّ، والنَّفقةُ بَينَهما، ويَنبَغِي أنْ يكونَ

(3)

على قَدْر قِيمةِ حقِّ كلِّ واحِدٍ منهما، فإن امْتَنَعَ أحدُهما من الإنفاق؛ ففي إجْباره وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على الحائط المشْتَرَك إذا انْهدَمَ.

وإنْ وَصَّى لرجلٍ بِخاتمٍ، ولآِخَرَ بِفَصِّه؛ صَحَّ، ولَيسَ لأِحدِهما الاِنْتِفاعُ به إلاَّ بإذْنِ الآخَرِ، وأيُّهُما طَلَبَ قَلْعَ الفَصِّ منه؛ أُجِيبَ إلَيهِ، ويُجبَرُ الآخَرُ على ذلك، فإن اتَّفَقا على بَيعه أوْ لُبْسِه

(4)

؛ جازَ.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمُكَاتَبِهِ؛ صَحَّ) إنْ صحَّ بَيعُه؛ لأِنَّه مَمْلوكٌ كالقِنِّ، (وَيَكُونُ كَمَا لَوِ اشْتَرَاهُ)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ تمليكٌ، أشْبَهَت الشِّراءَ، فإنْ أدَّى عَتَقَ، والوَلاءُ له؛ كالمشْتَرِي، وإنْ عَجَزَ؛ عادَ رقيقًا له.

فإنْ عَجَزَ في حياة الموصِي؛ لم تَبطُل الوصيَّةُ؛ لأِنَّ رقَّه لا يُنافِيها، وإنْ أدَّى إلَيهِ؛ بَطَلَتْ.

فإنْ قال: إنْ عَجَزَ ورقَّ؛ فهو لك بَعْدَ مَوتِي، فعَجَزَ في حياة الموصِي؛ صحَّتْ، وإنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوته؛ بَطَلَتْ.

وإنْ قال: إنْ عَجَزَ بَعْدَ مَوتي فهو لك؛ ففيه وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على ما إذا قال: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوتِي فأنْتَ حُرٌّ.

(1)

في (ظ): يثمر أو يحمل.

(2)

في (ح): بنبته.

(3)

في (ق): أن تكون.

(4)

في (ق): كسبه.

ص: 646

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمَالِ الْكِتَابَةِ، أَوْ بِنَجْمٍ مِنْهَا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّها تَصِحُّ بما لَيسَ بمستقر

(1)

، كما تَصِحُّ بما لا يَمْلِكُه في الحال؛ كحَمْلِ الجاريَةِ، وحِينَئِذٍ للمُوصَى له اسْتِيفاءُ المال عِنْدَ حُلولِه والإبْراءُ منه، ويَعْتِقُ بأحَدِهما، والوَلاءُ لِسَيِّده؛ لأِنَّه المنْعِمُ عَلَيهِ.

وفي «الخلاف» : لا تَصِحُّ الوصيَّةُ بمال الكِتابة والعَقْلِ؛ لأِنَّه غَيرُ مُسْتَقِرٍّ.

وعلى الأوَّل: إذا عَجَزَ فأراد الوارِثُ تعجيزَه، وأراد الوصِيُّ إنْظارَه، أوْ بالعكس؛ قُدِّمَ قَولُ الوارث، ومَتَى عَجَزَ فهو عَبْدٌ للوارث، وإنْ وَصَّى بما يُعَجِّلُه المكاتَبُ؛ صحَّ، فإنْ عَجَّلَ شَيئًا فهو للوصِيِّ، وإنْ لم يُعَجِّلْ شَيئًا حتَّى حَلَّتْ نُجُومُه؛ بَطَلَتْ.

(وَإِنْ وَصَّى بِرَقَبَتِهِ لِرَجُلٍ، وَبِمَا عَلَيْهِ لآِخَرَ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ كُلًّا من الرَّقَبة والدَّين

(2)

مملوكٌ للمُوصِي

(3)

، فصحَّ كغَيره، ولا أَثَرَ لكَونه غَيرَ مُسْتَقِرٍّ؛ لأِنَّها تصحُّ بالمعدوم.

(فَإِنْ أَدَّى)، أوْ أبْرَأَه منه؛ (عَتَقَ)؛ لأِنَّ هذا شَأْنُ المكاتَب، وتَبطُلُ وصيَّةُ صاحب الرَّقَبة، قالَهُ الأصْحابُ.

وقِيلَ: لا تَبطُلُ، ويكونُ الوَلاءُ له؛ لأِنَّه أقامَهُ مُقامَ نَفْسِه.

(وَإِنْ عَجَزَ؛ فَهُوَ) قِنٌّ (لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ)، حَيثُ فَسَخَها؛ لأِنَّه مُوصًى له بِرَقَبَتِه، وإنَّما عَتَقَ بالأداء؛ لأِنَّ العِتْقَ مُقَدَّمٌ على حقِّ الموصِي، فأَوْلَى أنْ يُقدَّمَ على الموصَى له، (وَبَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ الْمَالِ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الباقِيَ لم يُصادِفْ مَحَلًّا، فإن كان صاحِبُ المال قَبَضَ من مالِ الكِتابة شَيئًا؛ فهو له.

(1)

في (ح): مستقرًا.

(2)

في (ق): والعين.

(3)

في (ق): للمؤجر.

ص: 647

فإن اخْتَلَفا في فَسْخِ الكتابة بَعْدَ العَجْز؛ قُدِّم قَولُ صاحِبِ الرَّقَبة؛ كالوارث.

فإن كانت الكِتابةُ فاسِدةً، فأَوْصَى بما في ذِمَّته؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لا شَيءَ في ذِمَّته، وتَصِحُّ

(1)

بما إذا قال: بما

(2)

أَقبِضُه من مال الكتابة، وتَصِحُّ

(3)

فيها برَقَبَة المكاتَب؛ كالصَّحيحة.

فَرْعٌ: أَوْصَى بعِتْقِ مُكاتَبِه، أو الإبْراءِ مِنْ دَينِه؛ اعْتُبِر من الثُّلُث أقلُّ الأَمْرَينِ من قِيمتِه مُكاتَبًا، أوْ مال الكتابة؛ لأِنَّ العِتْقَ إبْراءٌ، وبالعكس؛ فاعْتُبِرَ أقلُّهما، فإن احْتَمَله الثُّلُثُ؛ عَتَقَ وَبَرِئَ، وإن احْتَمَل بعضَه؛ كنصفه؛ عَتَقَ منه نصفُه، وبَقِيَ نصفُه مكاتَبًا، ويَعتِقُ ثُلُثُه في الحال إنْ لم يكن له مالٌ سِواهُ، والباقي على الكتابة.

فإنْ قال: ضَعُوا نَجْمًا؛ فما

(4)

شاء الورثةُ، وإن قال: أكثرَ ما

(5)

عَلَيهِ؛ وُضِعَ فَوقُ نصفه، ك: ضَعُوا عنه أكبرَ

(6)

نُجومه، وأكَبرُها: أكثرها

(7)

مالاً، وأوْسَطُها: الثَّاني إنْ كانت ثلاثةً، والثَّالِثُ إنْ كانتْ خمسةً، وإنْ قال: ما شاء؛ فالكلُّ، وقِيلَ: لا؛ ك: ما شاء من مالها.

مسألةٌ: فإنْ قال: اشْتَرُوا بثُلُثِي رقابًا وأعْتِقُوهم؛ لم يُصرَفْ في المكاتَبِينَ، فإن اتَّسَعَ الثُّلُثُ لثَلاثةٍ؛ لم يَجُزْ أنْ يُشتَرَى أقلُّ منها، فإنْ قُدِرَ أنْ يُشْتَرَى أكثرُ

(1)

في (ظ): ويصح.

(2)

قوله: (قال بما) سقط من (ح). و (قال) وحدها سقطت من (ق).

(3)

في (ظ): ويصح.

(4)

في (ظ): بما.

(5)

في (ح): ما يكون. والمثبت موافق للفروع 7/ 476.

(6)

في (ق): أكثر.

(7)

قوله: (أكثرها) سقط من (ح).

ص: 648

من ثلاثةٍ؛ فهو أفضلُ، وإنْ أمْكَنَ شِراءُ ثلاثةٍ رخيصةٍ، وحِصَّةٍ من رابعٍ

(1)

؛ فالثَّلاثةُ الغاليةُ

(2)

أَوْلَى.

ويُقدَّمُ مَنْ به ترجيحٌ من عِفَّةٍ ودِينٍ وصلاحٍ، ولا يُجزِئُ إلاَّ رقبةٌ مسلمةٌ سالمةٌ من العُيوب؛ كالكفَّارة.

وإنْ وصَّى بكفَّارةِ أيْمانٍ؛ فأقلُّه ثلاثةٌ، نَقَلَه حَنبَلٌ

(3)

.

(1)

في (ح) و (ظ): أربع.

(2)

في (ق): العالية.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 476.

ص: 649

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ أُوصِيَ لَهُ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ)، الباءُ زائدةٌ، كقَولك: مَرَرْتُ بأخيك بِزَيدٍ، ولا يجوز أنْ يكونَ

(1)

(بعَينه) تَوكيدًا؛ لأِنَّ «شَيئًا» نكرةٌ غَيرُ محدودةٍ، (فَتَلِفَ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي، أَوْ بَعْدَهُ) قَبْلَ القَبُولِ؛ (بَطَلَتِ الْوَصِيَّةُ)، حَكاهُ ابنُ المنْذِر إجْماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه من أهل العِلْم

(2)

؛ لأِنَّ الموصَى له إنَّما يَسْتَحِقُّ المعيَّنَ، فإذا ذَهَبَ؛ زال حَقُّه، كما لو تَلِفَ في يده، والتَّرِكةُ في يَدِ الوَرثة غَيرُ مضمونةٍ عَلَيهم؛ لأِنَّها حَصَلَتْ في أيديهم بغَيرِ فِعْلِهم، ولا تفريطٍ منهم، فلم يَضْمَنُوا شَيئًا.

(وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ غَيْرَهُ)؛ أيْ: غَيرَ المعيَّن، (بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي؛ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ)؛ لأِنَّ حُقوقَ الورثة لم تَتَعلَّقْ به؛ لِتَعْيينه للمُوصَى له، بدليلِ: أنَّه يَمْلِكُ أخْذَه بغَيرِ رضاهم، فتَعيَّنَ حقُّه فيه دُونَ سائر ماله، قال أحمدُ، فِيمَنْ خلَّفَ مائَتيْ دِينارٍ وعَبْدًا قِيمَتُه مائةٌ، ووصَّى لرجُلٍ بالعبد، فسُرِقَت الدَّنانيرُ بَعْدَ الموت: فالعَبْدُ للموصَى له

(3)

.

وفي «الرِّعاية» : إنْ تَلِفَت التَّركةُ - قَبْلَ القَبول - غَيْرَ الموصَى به معيَّنًا؛ فللمُوصَى له ثلثه إنْ مَلَكَه عِنْدَ القَبول، وإلاَّ كُلُّه.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان عِنْدَ الموت

(4)

قَدْرَ الثُّلُث أو أقلَّ، وإلاَّ مَلَكَ منه بقَدْرِ الثُّلُث.

(وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْهُ زَمَانًا؛ قُوِّمَ وَقْتَ الْمَوْتِ)؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ في قيمة الوصيَّة

(1)

في (ق): أن تكون.

(2)

ينظر: الإجماع ص 77.

(3)

ينظر: المغني 6/ 258.

(4)

قوله: (كان عند الموت) سقط من (ح).

ص: 650

بخروجها من الثُّلث وعَدَمِ خُروجها بحالة الموت؛ لأِنَّها حالةُ لُزوم الوصيَّة، فتُعْتَبَرُ

(1)

قِيمةُ المال فيها بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(2)

، (لَا وَقْتَ الْأَخْذِ)، هو تأكيدٌ، فيُنظَرُ كَمْ كان الموصَى به وقْتَ الموت، فإنْ كان ثُلُثَ التَّرِكةِ أوْ دُونَه؛ اسْتَحَقَّه الموصَى له، وإنْ زادت قيمتُه حتَّى صار مِثْلَ المال أو أكثرَ، أوْ هَلَكَ المالُ سواهُ؛ اخْتَصَّ به، ولا شَيءَ للورَثَة.

وإنْ كان حِينَ الموت زائدًا على الثُّلُث؛ فللمُوصَى له قَدْرُ الثُّلُث، وإنْ كان نصفَ المال؛ فله ثُلُثاهُ، وإنْ كان ثُلَثَه

(3)

؛ فله نصفُه، وإنْ كان نصفَ المال وثُلُثَه؛ فله خُمُساه، ولا عِبرةَ بالزِّيادة أو النُّقصان بَعْدَ ذلك، فلو وصَّى بعِتْقِ عبدٍ قِيمَتُه مائةٌ، وله مائتانِ، فزادت قِيمتُه بَعْدَ الموت، فصار يُساوَي مائَتَينِ؛ فهو للمُوصَى له، وإنْ كانت قيمتُه حِينَ الموت مائتَينِ، فللمُوصَى له ثُلُثاهُ؛ لأِنَّهما ثُلُثُ المال.

وإنْ نَقَصَتْ قِيمتُه بَعْدَ الموت، فصارتْ مائةً؛ لم يَزِدْ حقُّ الموصَى له إلاَّ بالإجازة، وإنْ كانت قيمتُه أربعَمائةٍ؛ فللموصَى له النِّصفُ، لا يُزادُ حقُّه عن ذلك، سَواءٌ نَقَصَ العبدُ أوْ زَادَ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى الْمُعَيَّنِ إِلاَّ مَالٌ غَائِبٌ

(4)

، أَوْ دَيْنٌ فِي ذِمَّةِ مُوسِرٍ أَوْ مُعْسِرٍ؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ ثُلُثُ الْمُوصَى بِهِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّ حقَّه في الثُّلُث مُتَيَقَّنٌ، فَوَجَبَ تسليمُ ثُلُث المعيَّن إلَيهِ، ولَيسَ له أخْذُ المعيَّن قَبلَ قُدومِ الغائِبِ وقَبْضِ الدَّينِ؛ لأِنَّه ربَّما تَلِفَ، فلا تَنْفذُ الوصيَّةُ في المعيَّن كلِّه، وكما لو لم يُخلِّفْ غَيرَ المعيَّن.

(1)

في (ق): فيعتبر.

(2)

ينظر: المغني 6/ 258.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 259 والشرح الكبير 17/ 385: ثُلُثيه.

(4)

في (ح): غاصب.

ص: 651

وقِيلَ: لا يُدفَعُ إلَيهِ شَيءٌ؛ لأِنَّ الوَرَثَةَ شركاؤه في التَّرِكة، فلا يَحصُلُ له شَيءٌ ما لم يَحصُلْ للوَرَثَة مثلاه

(1)

.

(وَكُلَّمَا اقْتُضِيَ مِنَ الدَّيْنِ شَيْءٌ، أَوْ حَضَرَ مِنَ الْغَائِبِ شَيْءٌ؛ مَلَكَ مِنَ الْمُوصَى بِهِ قَدْرَ ثُلُثِهِ، حَتَّى يَمْلِكَهُ كُلَّهُ)؛ لأِنَّه مُوصًى له به، يخرج

(2)

من ثُلُثه، وإنَّما مُنِعَ قَبْلَ ذلك لأِجْلِ حقِّ الورثة، وقد زال.

فلو خلَّف ابْنًا وتِسْعةً عَيْنًا، أَوْصَى بها لشَخْصٍ، وعشرينَ دينارًا دَينًا، فللوصِيِّ ثُلُثُها: ثلاثةٌ، فإذا اقْتَضَى ثلاثةً فله من التِّسعة واحِدٌ، حتَّى يَقتَضِيَ ثمانيةَ عَشَرَ، فتكمَّلُ له

(3)

التِّسعةُ، وإنْ تعذَّر اسْتِيفاءُ الدَّين؛ فللابن السِّتَّةُ الباقيةُ.

ولو كان الدَّينُ تسعةً؛ فالابْنُ يأخُذُ ثُلُثَ العَين، والوصِيُّ ثُلُثَها، ويَبقَى ثُلُثُها موقوفًا، كلَّما اسْتُوفِيَ من الدَّين شَيءٌ؛ فللوصي

(4)

من العَين قَدْرُ ثُلُثِه

(5)

، فإذا اسْتُوفِيَ الدَّينُ؛ كُمِّل للوصيِّ ستَّةٌ، وهي ثُلُثُ الجميع.

وإنْ كانت الوصيَّةُ بنصْفِ العَينِ؛ أَخَذَ الوصيُّ ثُلُثَها، والاِبْنُ نصفَها، ويَبقَى سُدُسُها مَوقُوفًا، فمَتَى اقْتَضَى من الدَّين ثُلُثَيْه؛ كَمُلَتْ وصِيَّتُه.

(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي الْمُدَبَّرِ)، ذَكَرَه أصْحابُنا؛ أي: يَعتِقُ في الحال

(6)

ثُلُثُه، وكلَّما اقْتُضِيَ من الدَّين شَيءٌ، أوْ حَضَرَ من الغائب؛ عَتَقَ منه بقَدْرِ ثُلُثِه، حتَّى يَعتِقَ جميعُه إنْ خَرَجَ من الثُّلث.

(1)

في (ح): ثلثاه.

(2)

قوله: (به يخرج) في (ح): فخرج.

(3)

قوله: (له) سقط من (ق).

(4)

في (ح): فالموصي.

(5)

في (ظ): ثلثيه. والمثبت موافق للمغني 6/ 260 والشرح الكبير 17/ 388.

(6)

في (ق): المال.

ص: 652

وفي «التَّرغيب» : فيه نَظَرٌ، فإنَّه

(1)

مِنْ تَنجِيزِ عِتْقِ ثُلُثِه تسليمُ ثُلُثَيه إلى الورثة، وتسليطهم عليهما مع توقُّع عِتْقِهما بحضور المال. وهذا سَهْوٌ منه، قال: وكذا إذا كان الدَّينُ على أحَدِ أخَوَي الميت، ولا مالَ له غَيرُه؛ فهل يَبْرأُ عن نصيب نفسه قَبْلَ تسليمِ نصيبِ أخيه؟ على الوجْهَينِ.

فَرْعٌ: إذا كان الدَّينُ مساوِيًا للعَين، وأوْصَى لِشَخْصٍ بثُلُث ماله؛ فلا شَيءَ له قَبْلَ اسْتِيفائه، فكلَّما اقْتُضِيَ منه شَيءٌ؛ فله ثُلُثُه، وللابْنِ ثلثاهُ.

وقال أهلُ العراق: هو أحقُّ بما يَخرُجُ من الدَّين حتَّى يَستوفِيَ وصيَّتَه.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ عَبْدٍ، فَاسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ؛ فَلَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي)؛ أيْ: إذا أوْصَى له بمُعَيَّنٍ

(2)

، فاسْتُحِقَّ بعضُه؛ فله ما بَقِيَ منه إنْ حَمَلَه الثُّلُثُ؛ لأِنَّ الباقِيَ كلَّه موصًى

(3)

به، وقد خَرَجَ من الثُّلُث فاسْتَحَقَّه، كما لو كان معيَّنًا.

وقِيلَ: له ثُلُثُ الباقِي، كقَولِه: (وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِثُلُثِ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَاسْتُحِقَّ اثْنَانِ مِنْهُمْ، أَوْ مَاتَا

(4)

؛ فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي) في قَولِ أكْثَرِهم؛ لأِنَّه لم يُوصِ له من الباقي بأكْثَرَ من ثُلُثِه، وقد شَرَّكَ بَينَه وبَينَ وَرَثَتِه في اسْتِحْقاقه.

وقِيلَ: له الباقي، ما لم يَعبُرْ ثُلث

(5)

قيمتهم، كما لو أَوْصَى له بثُلُث صُبْرَةِ مَكِيلٍ أو مَوزُونٍ فَتَلِفَ ثُلُثاها، وقيل: ثُلُثُها.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِعَبْدٍ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، قِيمَتُهُ مِائَةٌ، وَلآِخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَمِلْكُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ مِائَتَانِ)؛ أيْ: إذا أَوْصَى لِشَخصٍ بمُعَيَّنٍ من ماله، ولآِخَرَ بجُزْءٍ مُشاعٍ منه؛ كثُلُثه، فأُجِيزَ لهما؛ انْفَرَدَ صاحِبُ المشاع بوصيَّته من غَيرِ المعيَّن،

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 463: فإنه يلزم.

(2)

في (ق): بعين.

(3)

في (ح): يوصى.

(4)

في (ح): كانا.

(5)

في (ح): ثلثه.

ص: 653

ثُمَّ شارَكَ صاحِبَ المعَيَّن فيه، فيُقْسَمُ بَينَهما على قَدْر حقِّهما فيه، ويَدخُلُ النَّقْصُ على كلِّ واحْدٍ منهما بقَدر وصيَّته؛ كمسائل العَول.

وقد نبَّه عَلَيهِ المؤلِّفُ بقَولِه: (فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ؛ فَلِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ: ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ)، وهو ستَّةٌ وسِتُّونَ وثُلُثانِ، لا يُزاحِمُه الآخَرُ فيها، (وَرُبُعُ الْعَبْدِ)؛ أيْ: يَشْتَرِكانِ فيه، لهذا ثُلُثُه ولِلآخَرِ جَميعُه، فابْسُطْه من جنس الكَسْر، وهو الثُّلُثُ يَصِيرُ العَبْدُ ثلاثةً، واضْمُمْ إليها الثُّلُثَ الذي للآخَر، تصير

(1)

أربعة، ثُمَّ اقسم

(2)

على أربعةِ أسْهُمٍ فيصير

(3)

الثُّلُثُ رُبُعًا؛ كمَسائلِ العَولِ، فيَخرُج لصاحب الثُّلُث ما ذَكَرَه، (وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ: ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ).

ثُمَّ انْتَقَلَ إلى حالة الرَّدِّ، فقال:(وَإِنْ رَدُّوا، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ)، وهو المذهَبُ:(لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سُدُسُ الْمِائَتَيْنِ وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِلْمُوصَى لَهُ بِالْعَبْدِ نِصْفُهُ)، وطريقه

(4)

: أنْ تَرُدَّ وصيَّتَهما إلى ثُلُث المال، وهو نَصْفُ وصيَّتهما، فيَرجِعُ كلُّ واحِدٍ إلى نِصْفِ وصيَّته، فيَرجِعُ صاحِبُ الثُّلُث إلى سُدُسِ الجميع، ويَرجِعُ صاحِبُ العَبْد إلى نِصْفه.

(وَعِنْدِي)، وهو قَولُ ابنُ أبي ليلى، وحكاه المجْدُ تخريجًا:(أَنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى حَسَبِ مَا لَهُمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ)؛ كسائر الوصايا، (لِصَاحِبِ الثُّلُثِ: خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ، وَعُشْرُ الْعَبْدِ، وَنِصْفُ عُشْرِهِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ: رُبُعُهُ وَخُمُسُهُ)، وطريقُه: أنْ تَضرِبَ مَخرَجَ الثُّلُث في مَخرَجِ الرُّبُع، تكن

(5)

: اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ في ثلاثةٍ، تكُنْ: ستَّةً وثلاثينَ، لصاحِبِ الثُّلُث ثُلُثُ

(1)

في (ح): يصير.

(2)

في (ح): يقسم.

(3)

في (ح): يصير.

(4)

في (ح): وطريقته.

(5)

في (ظ): يكن.

ص: 654

المائَتَينِ، وهو ثَمانيةٌ

(1)

، ورُبُع العَبْد، وهو ثلاثةُ أسْهُمٍ، صار له أحدَ عَشَرَ، ولصاحِبِ العبد ثلاثةُ أرباعه، وذلك تِسْعةٌ، فتَضُمُّها إلى سِهامِ صاحِبِ الثُّلُث، تصيرُ عشرينَ سهْمًا.

ففي حال الرَّدِّ: تَجعَلُ

(2)

الثُّلُثَ عشرينَ سهمًا

(3)

، فيصيرُ المالُ سِتِّينَ، فلِصاحِبِ العَبْد تسعةٌ من العبد، وهو رُبُعُه وخُمُسُه، ولصاحِبِ الثُّلُث ثمانيةٌ من المائَتَينِ

(4)

، وهو خُمُسُها، وثلاثةٌ من العبد، وذلك عُشْرُه

(5)

، ونصفُ عُشْره.

وأوْضَحُ منه أنْ نقولَ

(6)

: حَصَلَ لهما في الإجازة مائةٌ وستَّةٌ وسِتُّونَ وثُلثَانِ، ونسبة الثُّلُث إلى ذلك: ثلاثةُ أخْماسٍ، فيَرجِعُ كلٌّ منهما إلى ثلاثةِ أخْماسه، فيَحصُلُ للمُوصَى له بالثُّلُث أرْبعونَ، وهو خُمُسُ المائَتَينِ، ومن العَبْد خَمسةَ عَشَرَ، وهو عُشْرُه ونِصْفُ عُشْرِه، وللمُوصَى له بالعبد: خمسةٌ وأرْبَعون، وهي رُبُعُه وخُمُسه

(7)

.

تنبيهٌ: إذا كانت الوصيَّةُ في حالِ الرَّدِّ لا تُجاوِزُ الثُّلُثَ؛ فهي كحالة الإجازة، كرَجُلٍ خلَّف خَمْسَمائةٍ، وعبدًا قِيمتُه مائةٌ، ووصَّى بسُدُس ماله لشخْصٍ، ولآِخَرَ بالعبد؛ فلا أثَر للرَّدِّ هنا، ويأخُذُ صاحِبُ المشاع سُدُسَ المال، وسُبُعَ العبد، وللآخَر ستَّةُ أسْباعه.

(1)

كذا في النسخ، وفي المغني 6/ 227: وهو ثمانية من أربعين.

(2)

في (ظ): يجعل.

(3)

قوله: (سهمًا) سقط من (ح).

(4)

كذا في النسخ الخطية، والشرح الكبير 17/ 396، والذي في المغني 6/ 228: ثمانية من أربعين.

(5)

في (ق): عشرة.

(6)

في (ق): تقول.

(7)

في (ح): وهو خمسه وربعه.

ص: 655

وإنْ جاوَزت الثُّلُثَ - كما ذَكَرَه المؤلِّف -؛ رَدَدْتَ وصيَّتَهما إلى الثُّلث، وقِسْمَته بَينَهُما على قَدْر وصيَّتهما، إلاَّ أنَّ صاحِبَ المعيَّن

(1)

يأخُذُ نصيبَه من المعيَّن، والآخَرَ يأخُذُ حقَّه من جميع المال، هذا قَولُ الخِرَقِيِّ وعامَّةِ الأصْحابِ، فَعَلَيه: يأخُذُ سُدُسَ جميع المال؛ لأنَّه وَصَّى له بثُلُث الجميع.

وعلى قَول المؤلِّف: وصيَّةُ صاحِبِ العبد دُونَ وصيَّةِ صاحِبِ الثُّلُث؛ لأِنَّه وَصَّى له بشَيءٍ شَرَّكَ معه غَيرَه، وصاحِبُ الثُّلُث أفْرَدَه بشَيءٍ لم يُشارِكْه فِيهِ غيره

(2)

، فَوَجَبَ أنْ يُقْسَمَ الثُّلُث بَينَهُما حالَةَ الرَّدِّ على حَسَبِ ما لَهما في حالة الإجازة؛ كسائر الوصايا.

(وَإِنْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ بِالنِّصْفِ مَكَانَ الثُّلُثِ، فَأَجَازُوا؛ فَلَهُ مِائَةٌ)؛ لأِنَّه لا مُزاحِمَ له فيها، (وَثُلُثُ الْعَبْدِ)؛ لأِنَّه مُوصًى له بنِصفه، وللآخر

(3)

بكلِّه، وذلك نصفانِ ونِصْفٌ، فيَرجِعُ إلى الثُّلُث، (وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثَاهُ)؛ لِرُجُوعِ كُلِّ نِصْفٍ إلى ثُلُثٍ.

(وَإِنْ رَدُّوا؛ فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ رُبُعُ المِائَتَيْنِ، وَسُدُسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ ثُلُثُهُ)؛ لأِنَّ مَنْ له شَيْءٌ فيُرَدُّ إلى نِصْفِه.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، وهو المذْهَبُ:(لِصَاحِبِ النِّصْفِ خُمُسُ الْمِائَتَيْنِ، وَخُمُسُ الْعَبْدِ، وَلِصَاحِبِ الْعَبْدِ خُمُسَاهُ)؛ لأِنَّ الوصيَّةَ هنا بمِائَتَينِ

(4)

وخَمْسينَ، بالعبد وقِيمتُه مائةٌ، وبنصف المال، وهو مِائَةٌ وخَمْسونَ، ونِسبةُ الثُّلُث إلى ذلك بالخَمْسِينَ، (وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)؛ لأِنَّ العَمَلَ فيهما

(5)

مُتقارِبٌ.

(1)

في (ح): العين.

(2)

في (ح): لم يشرك غيره فيه.

(3)

في (ق): ولآخر.

(4)

في (ق): مائتين.

(5)

في (ق): فيها.

ص: 656

(وَالطَّرِيقُ فِيهَا: أَنْ تَنْظُرَ مَا حَصَلَ لَهُمَا فِي حَالِ الْإِجَازَةِ، فَتَنْسُبَ

(1)

إِلَيْهِ ثُلُثَ الْمَالِ، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا كَانَ لَهُ فِي الْإِجَازَةِ بِمِثْلِ

(2)

نِسْبَةِ الثُّلُثِ إِلَيْهِ)؛ لأِنَّه حَصَلَ لهما في الإجازة الثُّلُثانِ، ونِسْبةُ الثُّلُث إلَيهِما بالنِّصف، فَلِكلِّ واحد منهما نصفُ ما حَصَلَ لهما

(3)

في الإجازة، وقد كان لصاحب النِّصْف من المائَتَينِ نصفُها، فله رُبُعُها، وكان له من العبد ثُلُثُه، فصار له سُدُسُه، وكان لصاحب العَبْد ثُلُثاهُ، فصار له ثُلُثُه.

(وَعَلَى قَوْلِ الْخِرَقِيِّ) والأصْحابِ: (تَنْسُبُ

(4)

الثُّلُثَ إِلَى وَصِيَّتِهِمَا جَمِيعًا، وَيُعْطَى كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا لَهُ فِي الْإِجَازَةِ

(5)

مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ)؛ لأِنَّ نِسْبةَ الثُّلُث إلى وَصِيَّتِهما بالخَمْسِينَ؛ لأِنَّ النِّصفَ والثُّلُثَ مِائتانِ وخَمْسون، فالثُّلُثُ خُمُساها، فلصاحب العبد خُمُساهُ؛ لأِنَّه وصيَّتُه، ولصاحِب النِّصف الخُمُس؛ لأِنَّه خُمُسَا وصِيَّتِه.

فإنْ كانت المسألةُ بحالها، وملْكُه - غَيرَ العَبد - ثلاثَمِائَةٍ؛ ففي الإجازة لصاحب النِّصف مائةٌ وخَمسونَ وثُلُثُ العبد، ولصاحِبِ العبد ثُلُثاهُ، وفي الرَّدِّ لصاحب النِّصف تُسُعَا المالِ كلِّه، ولصاحِب العبد أربعةُ أتْساعِه.

وعلى قَول المؤلِّف: لصاحب العبد ثُلُثُه وخُمُسين

(6)

تُسُعِه، وللآخَر تُسُعُه وثُلُثُ خُمُسِه، ومن المال ثَمانونَ، وهو رُبُعُها وسُدُسُ عُشْرِها.

فإنْ وَصَّى له بجميع ماله، ولآِخَرَ بالعبد؛ ففي الإجازة: لصاحِبِ العبد نصفُه، والباقي كلُّه للآخَر، وفي الرَّدِّ: يُقسَمُ الثُّلُثُ بَينَهما على خمسة؛

(1)

في (ظ): فينسب.

(2)

في (ق): مثل.

(3)

في (ح): له.

(4)

في (ظ): ينسب.

(5)

كتب في هامش (ظ): (صوابه: من وصيته بمثل تلك النسبة، والله أعلم).

(6)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 17/ 399: خُمُس.

ص: 657

لصاحب العبد خُمُسُه، وهو رُبُع العبد وسُدُسُ عُشْرِه، وللآخَر أربعةُ أخْماسِه.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِمِائَةٍ، وَلِثَالِثٍ بِتَمَامِ الثُّلُثِ عَلَى الْمِائَةِ، فَلَمْ يَزِدِ الثُّلُثُ عَلَى الْمِائَةِ)، كما إذا كان المالُ

(1)

ثلاثَمِائَةٍ؛ (بَطَلَتْ وَصِيَّةُ صَاحِبِ التَّمَامِ)؛ لأِنَّه لم يُوصَ له بِشَيءٍ، أشْبَهَ ما لو أَوْصَى له بِدارٍ، ولا دارَ له، ويُقْسَم الثُّلُثُ في حالِ الرَّدِّ بَينَهما على قَدْر وصيَّتِهما.

(وَإِنْ

(2)

زَادَ) الثُّلُثُ (عَنِ الْمِائَةِ)؛ بأنْ كان المال

(3)

سِتَّمِائَةٍ، (فَأَجَازَ الْوَرَثَةُ؛ نَفَذَتِ

(4)

الْوَصِيَّةُ عَلَى مَا قَالَ الْمُوصِي)، فيَأخُذُ صاحِبُ الثُّلُثِ مِائَتَينِ، وكلٌّ من الوصيين

(5)

مِائَةً.

(وَإِنْ رَدُّوا

(6)

؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ وَصِيَّتِهِ عِنْدِي)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الوصايا رَجَعَتْ إلى نِصفِها، فَدَخَلَ النَّقْصُ على كلِّ واحِدٍ بقَدْرِ مالِه في الوصيَّة؛ كسائر الوصايا.

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَيْسَ لِصَاحِبِ التَّمَامِ شَيْءٌ حَتَّى تَكْمُلَ الْمِائَةُ لِصَاحِبِهَا، وَيَكُونُ لَهُ مَا فَضَلَ عَنْهَا)؛ لأِنَّه إنَّما يستحق

(7)

بَعْدَ تَمامِ المِائَةِ لصاحِبِها، ولم يَفضُلْ هنا له

(8)

شَيءٌ.

فَعَلَى قَوله: لصاحِبِ الثُّلُث نِصفُه، ولِصاحِبِ المِائَةِ مِائَةٌ، ولصاحِب التَّمام نِصفُ ما فَوقَ المائَتَينِ، قال في «المحرَّر»: وهو الصَّحيحُ.

(1)

قوله: (المال) سقط من (ح).

(2)

في (ح): فإن.

(3)

قوله: (بأن كان المال) في (ح): كان له المئة.

(4)

في (ق): بطلت.

(5)

في (ح) و (ق): الوصيتين. والمثبت موافق للشرح الكبير 17/ 400.

(6)

في (ق): رادوا.

(7)

في (ح): استحق.

(8)

في (ح): له هنا.

ص: 658

فإنْ كان المالُ تِسْعَمِائَةٍ، ورَدَّ الورثة

(1)

؛ فَعَلَى الأوَّل: لصاحِب الثُّلُث مِائَةٌ وخَمْسُون، ولصاحِب المِائَةِ خَمْسُونَ، ولصاحب التَّمام مِائَةٌ؛ لأِنَّ الوصيَّةَ كانَتْ بالثُّلُثَينِ، فَرَجَعَتْ إلى الثُّلُث، فَرَدَدْنا كلَّ واحِدٍ منهم إلى نِصْف وصيَّته.

وعلى الثاني

(2)

: لصاحِبِ المِائَةِ مِائَةٌ، لا يُنْقَصُ منها شَيءٌ، ولصاحِبِ التَّمام خَمْسُون.

(وَيَجُوزُ أَنْ يُزَاحِمَ بِهِ)، هذا من تمامِ قَولِ القاضِي، وهو أنْ يُعادَ به، (وَلَا يُعْطِيَهُ شَيْئًا؛ كَوَلَدِ الْأَبِ مَعَ وَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُزَاحَمَةِ الْجَدِّ)؛ أيْ: يُزاحِمُ الجَدَّ بالأخ من الأب، ولا يُعْطِيهِ شَيئًا.

واختارَ المجْدُ: أنَّها تَبطُلُ وصيَّةُ صاحِبِ التَّمام هنا، ويقتسم الآخران

(3)

الثُّلُث كأنْ لا وصيَّة لغَيرهما؛ كما إذا لم يُجاوِز الثُّلُثُ مِائَةً.

مسائلُ:

الأولى: تَرَكَ ستَّمائَةٍ، ووصَّى لرجُلٍ بِمائَةٍ، ولآِخَرَ بِتَمامِ الثُّلُث؛ اسْتَحَقَّ كلٌّ منهما مائةً، وإنْ ردَّ الأوَّلُ وصيَّتَه؛ فللآخَرِ مائةٌ.

وإنْ وَصَّى للأوَّل بمائَتَينِ، ولِلآخَرِ ببقيَّة الثُّلُث؛ فلا شَيءَ للثَّاني، سَواءٌ ردَّتْ وصية الأوَّل، أو أجازها.

وقال أهلُ العراق: إنْ ردَّ الأوَّلُ؛ فللثَّانِي مِائَتانِ في المسْأَلَتَينِ، وهو احْتِمالٌ لنا.

الثَّانيةُ: أوْصَى لشَخْصٍ بعَبْدٍ، ولآخر

(4)

بتمامِ الثُّلُث، فمات العَبْدُ قَبْلَ الموصِي؛ قُوِّمَت التَّرِكةُ بدونه، ثُمَّ أُلْقِيَتْ قِيمَتُه من ثُلُثها، ثُمَّ البقيَّةُ لوصيَّة التَّمام.

(1)

في (ح): وردوا للورثة.

(2)

قوله: (وعلى الثاني) في (ح): والثاني.

(3)

في (ق): الأخوان.

(4)

في (ظ): وللآخر.

ص: 659

وإنْ ردَّ صاحِبُ

(1)

وصيَّته بَعْدَ مَوت الموصِي، أوْ ماتَ قَبْلَه، أوْ ماتَ العَبْدُ بَعْدَ مَوتِه، بَقِيَتْ وصيَّةُ الآخَرِ.

الثَّالِثةُ: أَوْصَى لشَخْصٍ بثُلُث مالِه، ويُعْطِي زَيدًا منه كلَّ شَهْرٍ مائةً حتَّى يموتَ؛ صحَّ، فإنْ ماتَ وبَقِيَ شَيءٌ؛ فهو للأوَّل، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

.

الرَّابِعةُ: أوْصَى لوارِثٍ وغَيرِه بثُلُثَيْ مالِه؛ اشْتَرَكا مع الإجازة، ومع الرَّدِّ؛ للآخَرِ الثُّلُثُ، وقِيلَ: نصفُه؛ كوصيَّته لهما بثُلُثه، والرَّدُّ على الوارث.

وإنْ رَدُّوا ما جاوَزَ الثُّلُثَ، لا وصيَّةَ عَينًا، فالثُّلُثُ بَينَهُما، وقِيلَ: لِلآخَرِ، وقيل: له السُّدُسُ.

وإنْ أُجِيزَ للوارث؛ فله الثُّلُثُ، وكذا الأجنبيُّ، وقِيلَ

(3)

: السُّدُسُ

(4)

.

(1)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه: صاحب العبد. ينظر: الكافي 2/ 285.

(2)

ينظر: المغني 6/ 190.

(3)

زيد في (ق): له.

(4)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المصنف رحمه الله تعالى).

ص: 660

(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْأَنْصِبَاءِ وَالْأَجْزَاءِ)

الأنْصِباءُ: جَمْعُ نَصِيبٍ؛ كصديقٍ وأصْدِقاء، والأجْزَاءُ: جَمْعُ جُزْءٍ، والفَرْقُ بَينَهما ظاهِرٌ.

(إِذَا أَوْصَى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ؛ فَلَهُ مِثْلُ نَصِيبِهِ)، مِنْ غَيرِ زِيادةٍ ولا نُقْصانٍ، (مَضْمُومًا إِلَى الْمَسْأَلَةِ)؛ أيْ: يُؤخَذُ مِثلُ نصيبِ المعَيَّن، ويُزادُ على ما تَصِحُّ منه مسألةُ الورثة في قَولِ أكثرِ العلماء.

وقال مالِكٌ وزُفَر

(1)

: لا

(2)

يُعْطَى مِثْلَ نصيبِ المعيَّنِ، أوْ مِثْلَ نصيب أحدهم إنْ كانوا يَتَساوَوْنَ في أصْلِ المسألة، غَيرَ مَزِيدٍ، ويُقسَمُ الباقِي بَينَ الورثة، لأنَّ

(3)

نصيبَ الوارث قَبْلَ الوصيَّة من أصْلِ المال، فلو وَصَّى بمثل

(4)

نصيب ابْنِه، وله ابنٌ؛ فالوصيَّةُ بجميع المال، وإنْ كانوا اثْنَيْنِ فالوصيَّةُ بالنِّصف، ثُمَّ قال مالِكٌ: إن

(5)

كانوا يتفاضَلُونَ نُظِر

(6)

إلى عدد رؤوسهم، فأعْطِيَ سَهْمًا من عددهم؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ اعْتِبارُ أنْصِبائهم؛ لِتَفاضُلِهِم.

وأُجِيبَ: بأنَّه جَعَلَ وارِثَه أصْلاً وقاعِدةً، حَمَلَ عَلَيهِ نصيبَ الموصَى له، وجَعَلَ مِثلاً له، وهذا يَقْتَضِي مُساواتَهما، فلو أُعْطِيَ من أصل المال؛ لم يُعْطَ مِثْلَ نصيبه، ولا حَصَلَت التَّسويةُ.

(1)

ينظر: مختصر اختلاف العلماء 5/ 23، المدونة 4/ 376، المغني 6/ 161.

(2)

كذا في النسخ الخطية، بإثبات (لا)، والذي في المغني 6/ 161 والشرح الكبير 17/ 403 بدونها، وهو الموافق لقول مالك وزفر.

(3)

قوله: (لأن) في (ظ) و (ق): إلا أن.

(4)

في (ح): مثل.

(5)

في (ظ): وإن.

(6)

في (ظ) و (ق): نظرا.

ص: 661

(فَإِنْ

(1)

وَصَّى

(2)

بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ، وَلَهُ ابْنَانِ؛ فَلَهُ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّ ذلك مثلَ ما يَحصُلُ لاِبْنِه؛ لأِنَّ الثُّلُثَ إذا خرج؛ بَقِيَ ثُلُثَا المال، لكلِّ ابنٍ ثُلُثٌ.

(وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً؛ فَلَهُ الرُّبُعُ)؛ لِمَا ذَكَرْناهُ، (فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ بِنْتٌ؛ فَلَهُ التُّسُعَانِ)؛ لأِنَّ المسألةَ من سَبْعةٍ، لكلِّ ابْنٍ سَهْمانِ، وللأنْثَى سَهْمٌ، ويُزادُ عَلَيها مِثْلُ نَصِيبِ ابنٍ، فتَصيرُ تِسْعةً، فالاثنان

(3)

منها تُسُعانِ.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا بدَّ أن

(4)

يكونَ الموصَى له بمِثْلِ نصيبِه وارِثًا، فلو كان رقيقًا، أو قاتِلاً، أوْ مُخالِفًا لِدِينه، أوْ مَحْجُوبًا؛ لم يَصِحَّ، وفي «الفصول» احْتِمالٌ.

(وَإِنْ وَصَّى بِنَصِيبِ ابْنٍ؛ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو المذْهَبُ، وقاله

(5)

أهلُ المدينة والبصرة، واللؤلؤي

(6)

؛ لأنَّه أمْكَنَ تصحيحُ كلامه بحَمْله

(7)

على مجازه

(8)

، فصحَّ؛ كالطَّلاق والعتق بالكناية

(9)

، ولأِنَّه لو أوْصَى بجميع ماله صحَّ مع تضمُّنه الوصيَّةَ بنصيب ورثته كلِّهم.

(1)

في (ح) و (ق): وإن.

(2)

زاد في: (ظ): له.

(3)

في (ظ): فالابنان.

(4)

في (ظ) و (ق): وأن.

(5)

في (ح): وقال.

(6)

في (ح): والكوفة. والمثبت موافق لما في المغني 6/ 162، والشرح 17/ 405. وفي البناية شرح الهداية 13/ 419: أنه قول زفر، رواه الحسن بن زياد عنه.

واللؤلؤي: هو أبو علي الحسن بن زياد الأنصاري مولاهم، الكوفي، صاحب أبي حنيفة، نزل بغداد، ولي القضاء ثم عزل نفسه، توفي سنة 204 هـ. ينظر: الجواهر المضية 1/ 542، سير أعلام النبلاء 9/ 543.

(7)

في (ق): بجملة.

(8)

في (ح): مجاوزة.

(9)

في (ح): بالكتابة.

ص: 662

(وَالثَّانِي: لَا يَصِحُّ)، ذَكَرَه القاضِي؛ لأِنَّه أوْصَى بما هو حقٌّ لِلاِبن، كما لَوْ قال: بِدارِ ابْنِي، أوْ ما يأخُذُه من وارِثِه، وإنَّما يَصِحُّ في التَّولِيَة نحو: بِعْتُكَه بما اشْتَرَيته؛ للعُرْف.

قال في «الفروع» : (فيتوجه

(1)

الخِلافُ في: بِعْتُكَه بما باع به فلانٌ عبدَه، ويَعلَمانِه، فقالوا: يَصِحُّ، وظاهِرُه يَصِحُّ البَيعُ، ولو كان الثَّمَنُ عَرْضًا).

(وَإِنْ وَصَّى بِضِعْفِ نَصِيبِ ابْنِه، أَوْ بِضِعْفَيْهِ؛ فَلَهُ مِثْلُهُ مَرَّتَيْنِ، وَإِنْ وَصَّى بِثَلَاثَةِ أَضْعَافِه؛ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، هَذَا

(2)

الصَّحِيحُ عِنْدِي)، وهو قَولُ أبي عُبَيدٍ والجَوهَرِيِّ

(3)

؛ لقوله تعالى: {إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسرَاء: 75]، وقوله تعالى:{فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا} [سَبَإ: 37]، وقد صحَّ: «أنَّ عمرَ أَضْعف

(4)

الزَّكاةَ على نَصارى بَنِي تَغْلِبَ، فكان يأخُذُ من المائَتَينِ عَشَرَةً»

(5)

، فدلَّ ما ذَكَرْنا أنَّ الضِّعْفَ: مِثْلانِ، قال الأزْهَرِيُّ: الضِّعْفُ: المِثْلُ فما فَوقَه

(6)

.

فأمَّا قَولُه: إنَّ الضِّعْفَينِ المِثْلانِ، فقد رَوَى ابنُ الأنباريِّ

(7)

، عن هِشامِ بنِ مُعاوِيَةَ النَّحْويِّ، قال: العربُ تتكلَّمُ بالضِّعف مُثَنًّى، فتقولُ: إنْ أعْطَيْتَني درهمًا فلك ضِعْفاه؛ أي

(8)

: مِثْلاهُ، وإفْرادُه لا بأْسَ به؛ لأِن التثنية

(9)

أحْسَنُ؛

(1)

في (ح): ويتوجه.

(2)

في (ح): هذا هو.

(3)

ينظر: الصحاح 4/ 1390، المطلع ص 359.

(4)

في (ح): ضعف.

(5)

تقدم تخريجه 6/ 595 حاشية (6).

(6)

ينظر: تهذيب اللغة 1/ 304.

(7)

ينظر: الأضداد لابن الأنباري ص 131.

(8)

قوله: (ضعفاه أي) سقط من (ح).

(9)

في (ظ): الثنية.

ص: 663

يَعْنِي: أنَّ المفرَدَ والمثنى

(1)

هنا

(2)

بمعنًى واحِدٍ، وكِلاهُما يُرادُ به المِثْلانِ، وإذا اسْتَعْملوه على هذا الوجْه وَجَبَ اتِّباعُهم فيه

(3)

، وإنْ خالَفْنا القِياسَ.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا)، وهو المذهَبُ:(ضِعْفَاهُ: ثَلَاثَةُ أَمْثَالِهِ، وَثَلَاثَةُ أَضْعَافِهِ: أَرْبَعَةُ أَمْثَالِهِ)، وهو قَولُ أبي عُبَيدةَ مَعْمَرِ بْنِ المثَنَّى

(4)

، (كُلَّما زَادَ ضِعْفًا؛ زَادَ مَرَّةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ لا بُدَّ لها من أَثَرٍ، وأقلُّ الأعداد: المرَّةُ.

وأجاب في «المغْنِي» و «الشَّرح» عن ذلك

(5)

: بقوله تعالى: {فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ} [البَقَرَة: 265]، قال عِكْرِمَةُ:«تَحمِلُ في كلِّ عامٍ مرَّتَينِ»

(6)

، وأنَّه لا خِلافَ بَينَ المفسِّرين في

(7)

قَولِه تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ} [الأحزَاب: 30] أنَّ المرادَ: مرَّتَينِ

(8)

، وقد دلَّ عَلَيهِ قَولُه تعالى:{نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزَاب: 31]، ومُحالٌ أنْ يَجعَلَ أجْرَها على العمَلِ الصَّالِحِ مرَّتَينِ، وعذابَها على الفاحشة ثلاثَ مرَّاتٍ، فإنَّ الله تعالى إنَّما يُريدُ تضعيفَ الحَسَنات على السَّيِّئات، هذا هو المعْهودُ من فَضْله وكَرَمه.

وقَولُ أبي عُبَيدةَ خالَفَه غَيرُه، قال ابنُ عَرَفَةَ: لا أُحِبُّ قَولَه، ورَدَّه بالآية الكريمة، وحِينَئِذٍ الضِّعْفُ مَحَلُّ وِفاقٍ.

(وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِ وَرَثَتِهِ، وَلَمْ يُسَمِّهِ

(9)

؛ كَانَ لَهُ مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ

(1)

في (ق): والمبني.

(2)

في (ظ): هذا.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ح).

(4)

ينظر: مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن مثنى 2/ 136.

(5)

قوله: (عن ذلك) سقط من (ح).

(6)

ينظر: تفسير الثعلبي 2/ 264.

(7)

قوله: (في) سقط من (ح).

(8)

ينظر: المغني 6/ 163.

(9)

في (ح): ولم يسم.

ص: 664

نَصِيبًا

(1)

في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّه اليقينُ، وما زاد مَشْكوكٌ فيه، ولو خَصَّه به، فهو له كما لو أطْلَقَ، وكان تأكيدًا.

(فَلَوْ كَانُوا ابْنًا وَأَرْبَعَ زَوْجَاتٍ؛ صَحَّتْ

(2)

مِنِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ)؛ لأِنَّ أصلَ المسألة من ثمانيةٍ؛ للزّوجات سَهْمٌ عَلَيهِنَّ لا يَصحُّ

(3)

، ولا يُوافِقُ، فاضْرِبْ عَدَدَهُنَّ في ثمانيةٍ، تَبلُغ اثْنَينِ وثلاثِين، (لِكُلِّ امْرَأَةٍ سَهْمٌ)، ولِلاِبْنِ ثَمانِيَةٌ وعِشْرونَ، (وَلِلْوَصِيِّ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَيْهَا، فَتَصِيرُ مِنْ

(4)

ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ).

ولو وَصَّى بمِثْلِ نصيبِ وَلَدِه، وله ابْنٌ وبِنْتٌ، فله مِثْلُ نصيبِ البِنْت، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

.

ولو أوصى

(6)

بمِثْلِ أكْثَرِهِم، أوْ أعْظَمِهم نَصِيبًا؛ فله ذلك مُضافًا إلى المسألة، فيكونُ له في مسألة المؤلِّف: ثَمانِيَةٌ وعِشْرونَ، فتَصِيرُ ستِّينَ سَهْمًا.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ لَوْ كَانَ؛ فَلَهُ مِثْلُ مَا لَهُ لَوْ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ وَهُوَ مَوْجُودٌ)؛ أيْ: يُقدَّرُ

(7)

الوارِثُ مَوجُودًا، وانظر

(8)

ما للمُوصَى له مع وُجودِه، فهو له مع عَدَمِه.

وطَرِيقُه: أنْ تَنظُرَ مِنْ

(9)

كم تَصِحُّ مسألتُهم مع عَدَم الوارِث، ثمَّ مِنْ

(10)

(1)

قوله: (نصيبًا) سقط من (ح).

(2)

في (ح): صحته.

(3)

في (ح): لا يصح عليهن.

(4)

قوله: (من) سقط من (ح).

(5)

ينظر: الفروع 7/ 477.

(6)

في (ح): وصى.

(7)

في (ق): بقدر.

(8)

في (ح): انظر.

(9)

قوله: (من) سقط من (ح).

(10)

قوله: (من) سقط من (ح).

ص: 665

كم تَصِحُّ مع وُجوده، ثُمَّ تَضرِبَ إحْداهما في الأخرى، ثُمَّ تَقْسِمَ ما ارْتَفَعَ على مسألة الوُجود، فَما خَرَجَ بالقسمة أضفته

(1)

إلى ما ارْتَفَع من الضَّرْب، وهو للموصَى له، واقْسِمْ ما ارتَفَع بَينَ الوَرَثَة.

(فَإِذَا كَانَ الْوَارِثُ أَرْبَعَةَ بَنِينَ؛ فَلِلْوَصِيِّ السُّدُسُ)؛ لأِنَّ المسألةَ مع عَدَمِ الخامِسِ المقدَّر وُجُوده: من أرْبَعةٍ، ومع وُجُوده من خَمْسةٍ، فتَضرِبُ إحداهما في الأخرى، تَكُونُ عشرين

(2)

، تَقْسِمُها على خمسةٍ يَخرُجُ لكلِّ سَهْمٍ أربعةٌ، فتُضِيفُها إلى العِشْرينَ تَصِيرُ أربعةً وعِشْرينَ، للمُوصَى له أرْبَعةٌ، وهي السُّدُسُ، ولكلِّ ابْنٍ خَمْسةٌ، وهي ثُمُنٌ ونِصْفُ سُدُسٍ.

(وَلَوْ كَانُوا ثَلَاثَةً؛ فَلَهُ الْخُمُسُ)، ولو كانوا اثْنَينِ فله الرُّبُعُ؛ لِمَا ذَكَرْناهُ.

فلو خَلَّفَت امرأةٌ زَوجًا وأُخْتًا، وأَوْصَتْ بمِثْلِ نَصِيبِ خامِسٍ لو كان؛ فلِلمُوصَى له الخُمُسُ؛ لأِنَّ لِلأمِّ الرُّبُعَ لو كانَتْ، فتجعل

(3)

له سَهْمًا يُضافُ إلى أرْبَعةٍ، تكون

(4)

خُمُسًا.

(وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً، فَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ خَامِسٍ لَوْ كَانَ إِلَّا مِثْلَ نَصِيبِ

(5)

سَادِسٍ لَوْ كَانَ؛ فَقَدْ أَوْصَى لَهُ بِالْخُمُسِ إِلاَّ السُّدُسَ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ)؛ لأِنَّه

(6)

استَثنَى السُّدُسَ من الخُمُس.

وطَرِيقُها: أنْ تَضْرِبَ إحداهما في الأخرى، تكن

(7)

ثَلاثِينَ، خُمُسُها سِتَّةٌ، وسُدُسُها خَمسةٌ، فإذا استَثنيْتَ الخَمْسةَ من السِّتَّة بَقِيَ سَهْمٌ للمُوصَى له،

(1)

في (ح): أضعفته.

(2)

في (ح): عشر.

(3)

في (ح) و (ق): فيجعل.

(4)

في (ظ): تكن.

(5)

زاد في (ظ): من.

(6)

في (ح): لأن.

(7)

في (ظ): يكن.

ص: 666

فزِدْه

(1)

على الثَّلاثِينَ.

وهو المرادُ بقوله: (فَيَكُونُ لَهُ سَهْمٌ يُزَادُ عَلَى الثَّلَاثِينَ سَهْمًا)، فتَصِيرُ أَحَدًا وثَلاثِينَ، أعْطِ الموصَى له سَهْمًا، يَبْقَى ثَلاثُونَ على أرْبَعةٍ، لا تَنقَسِمُ، وتُوافِقُ بالنِّصف، فَرُدَّها إلى خَمْسةَ عَشَرَ، واضْرِبْها في أربعةٍ تَكُنْ سِتِّينَ، زِد عَلَيها سَهْمَينِ للمُوصَى له، وهو المرادُ بقَولِه: (وَتَصِحُّ

(2)

مِنِ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ، لَهُ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةَ عَشَرَ)، وبالجَبْر تَجعَلُ المالَ أربعةً وشَيئًا تَدفَعُه إلى الموصَى له، يَبْقَى أربعةٌ تَقْسِمُها على خمسةٍ، تخرج

(3)

أربعةُ أخْماسٍ، وتَقْسِمُها على سِتَّةٍ، يخرج

(4)

ثُلُثانِ، فيسقط

(5)

الثُّلُثانِ من أربعةِ الأخْماس يَبْقَى سَهْمانِ من خمسةَ عشَرَ، ثُمَّ تَضرِبُ الأربعةَ في الخمسةَ عَشَرَ؛ لأِنَّها مخرج

(6)

الثُّلُث والخُمُس، تَكُنْ سِتِّينَ، تَزيدُ عَلَيها السَّهْمَينِ للمُوصَى له، فقد حَصَلَ له خُمُس السِّتِّين إلاَّ سُدُسَها، فخُمُسُها اثْنا عَشَرَ، وسُدُسُها عَشَرَةٌ.

وفي بعض النُّسخ المقْروءةِ على المؤلِّف: (ولو كانوا أربعةً، فأوصى بمِثْل نَصيب أحدهم إلاَّ مِثْل نصيب ابنٍ خامِسٍ لو كان، فقد أوصى له بالخُمُس إلا السُّدس بعد الوصيَّة)، وهذه هي الصَّحيحة المعتمَدة في المذهب الموافِقَةُ لطريقة الأصحاب.

وعلى ما ذَكَرَه هنا هي مشكِلةٌ على طريقة الأصحاب، ولكنَّ معناها لأِبِي الخَطَّاب، والمجْدِ، وابنِ حَمْدانَ، وأجاب الحارِثِيُّ عنها: بأنَّ قولَهم:

(1)

في (ح): فرد.

(2)

في (ح): تصح.

(3)

في (ظ): يخرج.

(4)

في (ح) و (ق): تخرج.

(5)

في (ظ) و (ق): فتسقط.

(6)

في (ح): تخرج.

ص: 667

أوْصَى له بالخُمس إلاَّ السُّدس؛ صحيحٌ باعْتِبار أنَّ له نَصِيبَ الخامس المقدَّرِ غَير مضمومٍ، وأنَّ النَّصيبَ هو المسْتَثْنى، انتهى.

قال

(1)

الناظم: وقُرِئَ عَلَيهِ في نُسخةٍ أخرى: (وصَّى بمِثْل نصيبِ أحدِهم إلاَّ مِثْلَ نَصيب ابنٍ سادِسٍ لو كان)، فَعَلَى هذا: يَصِحُّ أنَّه أوصى له بالخُمس إلاَّ السُّدس.

فَرْعٌ: إذا خلَّف بِنْتًا واحِدةً، ووصَّى بمِثْل نصيبِها؛ فهو كما لو وَصَّى بنصيب ابنٍ عِندنا؛ لأِنَّها تَستَوْعِبُ المالَ بالفَرض والرَّدِّ، وعِندَ مَنْ لا يَرَى الرَّدَّ: يَقتَضِي أنْ يكونَ له الثُّلُث، ولها نِصفُ الباقي، والفاضِلُ لبيت المال.

فإنْ خلَّف أُخْتَينِ، ووصَّى بمِثْل نصيبِ إحداهما؛ فهي من ثلاثة، وعِندَ مَنْ لا يَرَى الرَّدَّ: من أربعةٍ مقْسومةٍ بَينَهم.

فلو خلَّف

(2)

ثلاثةَ بَنَين، ووصَّى لثلاثةٍ بمِثْل أنْصِبائهم؛ فالمالُ بَينَهم على ستَّةٍ مع الإجازة، وفي الرَّدِّ على تسعةٍ، للمُوصَى له ثلاثةٌ، والباقي لهم.

(1)

في (ح): وقال.

(2)

زاد في (ظ): له.

ص: 668

(فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ)

(إِذَا وَصَّى

(1)

لَهُ بِجُزْءٍ، أَوْ حَظٍّ، أَوْ شَيْءٍ، أَوْ نَصِيبٍ)، أوْ قِسْطٍ؛ (فَلِلْوَرَثَةِ أَنْ يُعْطُوهُ مَا شَاؤُوا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(2)

؛ لأِنَّ ما يُعطُونَه يَقَعُ عليه الاِسْمُ؛ كقَولِه: أعْطُوا فلانًا من مالي؛ لكَونه لا حدَّ له في اللُّغة ولا في الشَّرع، فكان على إطلاقه.

لكنَّ شَرطَه أنْ يكونَ ما يُتَمَوَّلُ، قاله في «الرِّعاية» ، و «الوجيز» ، و «الفروع» ، فلو أَوْصَى بثُلُثه إلاَّ حَظًّا؛ أُعْطِيَ ما يَصِحُّ اسْتِثْناؤه.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ؛ فَفِيهِ

(3)

ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ):

(إِحْدَاهُنَّ

(4)

: لَهُ السُّدُسُ بِمَنْزِلَةِ سُدُسٍ مَفْرُوضٍ)، نَقَلَه ابنُ مَنصورٍ

(5)

، واختاره القاضي وأصحابُه، وقدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لِمَا رَوَى ابنُ مسعودٍ:«أنَّ رجلاً أوْصَى لآِخَرَ بسَهْمٍ من المال، فأعطاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم السُّدُسَ»

(6)

، وهو قَولُ عليٍّ

(7)

،

(1)

في (ح): أوصى.

(2)

ينظر: المغني 6/ 160.

(3)

في (ح): ففيها.

(4)

كتب في هامش (ظ): (هذه الرواية هي المذهب).

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4303.

(6)

أخرجه البزار (2047)، والطبراني في الأوسط (8338)، وفي سنده: محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك.

(7)

تبع المؤلف ما في المغني 6/ 159 والشرح الكبير 17/ 419، ولم نقف عليه، وأورد ابن المنذر المسألة في الإشراف 4/ 428، وذكر قول ابن مسعود وإياس بن معاوية وغيرهم أن له السدس، ولم يذكر قول علي رضي الله عنه.

وفي مسائل ابن منصور 8/ 4303: قلت: رجل أوصى لرجل بسهم من ماله؟ فقال إسحاق: (الذي نأخذ به؛ ما قال عليٌّ رضي الله عنه للاحتياط، ولكن لو أن ذاهبًا ذهب إلى السُّدس كما قال شريح، عالت أو لم تعل؛ لكان ذلك مذهبًا).

ص: 669

وابنِ مَسعودٍ

(1)

، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابة، ولأِنَّ السَّهْمَ في كلام العرب السُّدُس، قاله إياسُ بنُ مُعاويةَ

(2)

، فتَنصرِفُ الوصيَّةُ إلَيه، كما لو لَفَظَ به، (إِنْ لَمْ تَكْمُلْ فُرُوضُ الْمَسْأَلَةِ)؛ كبِنْتٍ وبِنْتِ ابْنٍ، (أَوْ كَانُوا عَصَبَةً)؛ كالبَنينَ أو الإخوة، (أُعْطِيَ سُدُسًا كَامِلاً)؛ لأِنَّه مُوصًى به، (وَإِنْ كَمُلَتْ فُرُوضُهَا؛ أُعِيلَتْ بِهِ، وَإِنْ عَالَتْ؛ أُعِيلَ مَعَهَا) كمسائل العَول.

وقِيلَ: له سُدسُه كلُّه، أطْلَقَه في روايةِ حَرْبٍ

(3)

، وأطْلَقَه في «المحرَّر» و «الرَّوضة» ، ولعلَّ مُرادَهم ما ذَكَرَه المؤلِّفُ من التَّفْصيل.

(وَالثَّانِيَةُ: لَهُ سَهْمٌ مِمَّا تَصِحُّ مِنْهُ الْمَسْأَلَةُ) مضافًا إلَيها، وهي ظاهِرُ كلامه في روايةِ الأثْرم وأبِي طالِبٍ

(4)

؛ لأِنَّ (سَهْمًا) يَنصرِفُ إلى سِهام فَرِيضَتِه، أشْبَهَ ما لو قال: فريضتِي أو كذا

(5)

سَهْمًا لك منها سَهْمٌ.

قال القاضي، وتَبِعَه المؤلِّفُ:(مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ)، فإنْ زاد عَلَيه؛ فَلَهُ السُّدسُ؛ لأِنَّه مُتَحَقَّقٌ.

(وَالثَّالِثَةُ: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَقَلِّ

(6)

الْوَرَثَةِ) مضمومًا إلَيها، اختاره

(7)

الخَلاَّلُ

(1)

أخرجه محمد بن الحسن في الأصل (5/ 426)، وابن أبي شيبة (30801)، عن هُزَيْل، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، أنه سئل عن إنسان أوصى بسهم، فقال:«له السُّدُس» ، وأخرجه البزار (2047)، بإسناده ورفعه، ومدار الموقوف والمرفوع على العرزمي وهو متروك كما تقدم.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30802).

(3)

ينظر: الوقوف والترجل ص 68.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 17.

(5)

قوله: (فريضتي أو كذا سهمًا) كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 159 والشرح الكبير 17/ 419: فريضتي كذا وكذا سهمًا.

(6)

في (ح): أقل نصيب.

(7)

في (ح): اختارها.

ص: 670

وصاحِبُه؛ لأِنَّ السَّهْمَ يُطلَقُ، ويُرادُ

(1)

به النَّصِيبُ، والنَّصِيبُ هنا: هو نصيبُ الورثة، والأقلُّ منها هو المتيقن

(2)

، (مَا لَمْ يَزِدْ عَلَى السُّدُسِ)، كذا قيَّده تَبَعًا للقاضي وجمْعٍ، فإنْ زاد عَلَيهِ؛ رُدَّ إلَيهِ؛ لأِنَّه أقلُّ سَهْمٍ يَرِثُه ذُو

(3)

قَرابَةٍ، والمجْدُ وجماعةٌ أجْرَوْا

(4)

هاتَينِ الرِّوايَتَينِ على إطلاقهما؛ نَظَرًا لِإطْلاق الإمام.

مَسائِلُ تُوضِّحُ ما ذُكِرَ:

رجلٌ خلَّف أُمًّا وبِنتَينِ، وأَوْصَى بسَهْمٍ من ماله؛ فعلى الأُولى: يُكمَّلُ به السُّدسُ؛ إذ مسألتُهم من ستَّةٍ، تَرجِعُ بالرَّدِّ إلى خمسةٍ، فيُزادُ عَلَيها السَّهْمُ الموصَى به، فتَصيرُ من ستَّةٍ، وكذا على الأُخْرَيَينِ.

ولو كانت أمًّا وأُخْتًا، فيضاف

(5)

إليها السُّدسُ على الأُولى والثَّانية، وعلى الثَّالِثة: يُضافُ إلَيها مِثْلُ نصيب الأمِّ؛ لأنَّه

(6)

أقلُّ نَصِيبِ وارِثٍ، فتَصِيرُ من سَبْعةٍ، وعلى ما قيَّده المؤلِّفُ تَبَعًا للقاضي: له السُّدُسُ؛ لأِنَّ النَّصيبَ زاد عَلَيهِ.

ولو كانت ابنتان

(7)

وأبَوَانِ؛ فهي من ستَّةٍ، وتَعُولُ بالسَّهْم الموصَى به إلى سبعةٍ على الرِّوايات

(8)

.

ولو كانت أُخْتانِ لأِبَوينِ وأُخْتانِ لأِمٍّ وأمٌّ؛ فهي من ستَّةِ، وتَعولُ إلى

(1)

في (ق): مطلق ويزاد.

(2)

في (ق): المتعين.

(3)

في (ظ): ذوا.

(4)

في (ق): أخروا.

(5)

في (ح): فيضافا، وفي (ق): فيصار.

(6)

في (ح): لأمه.

(7)

في (ح): اثنتان.

(8)

قوله: (ولو كانت ابنتان

) إلى هنا سقط من (ق).

ص: 671

سَبعةٍ، وتَعولُ بالسَّهم الموصَى به إلى ثَمانية على الرِّوايات أيضًا.

ولو كان ثلاثُ أخَوَاتٍ لأِبَوَينِ وأَخَوانِ وأُخْتانِ لأِمٍّ وأمٌّ؛ فهي من ستَّةٍ، وتَعولُ إلى سبعةٍ، وبالسَّهْم الموصَى به على الأولى إلى ثمانيةٍ، وتصحُّ

(1)

من ثمانيةٍ وأربَعِينَ، وعلى الثَّانية: تَصِحُّ من اثْنَينِ وأرْبَعينَ، يُزادُ إلَيها

(2)

السَّهمُ، فتَصيرُ من ثلاثةٍ وأربعين، وعلى الثَّالثة: تَصِحُّ من اثْنَينِ وأرْبَعينَ، ويُزادُ عليها أقلُّ أنْصِباء الورثة، وهو ثلاثةُ أسهم

(3)

، فتَصِيرُ من خمسة

(4)

وأربعين.

ولو كان زَوجًا وأُخْتًا؛ كان له السُّبُعُ، كما لو كان مَعَهما جَدَّةٌ على الرِّوايات.

وذَكَرَ في «المغْنِي» ، و «الشَّرح»: (الذي يَقتَضِيهِ القِياسُ فِيما إذا أوْصَى بسَهْمٍ من ماله: إنْ صحَّ أنَّ السَّهْمَ في لسان العرب، أوْ صحَّ

(5)

الحديثُ السَّابِقُ؛ فهو كما لو أَوْصَى بسُدُس مالِه، وإلاَّ فهو كما لو أَوْصَى بجُزْءٍ من ماله، على ما اختاره الشَّافِعِيُّ

(6)

.

خلَّف زَوجةً وأُمًّا وابْنًا، وأوْصَى لآِخَرَ بسَهْمٍ من ماله، فذَكَر أبو الخَطَّاب: أنَّها تَصِحُّ على الأولى من أربعةٍ وعِشْرينَ، وكذا على الثَّالثة، وعلى الثَّانية من خَمْسةٍ وعِشْرينَ.

قال في «المستوعب» : أمَّا حُكمُه في هذه المسألةِ صحيحٌ على الثَّالثة، وفي حُكْمِه على الرِّوايَتَينِ الأوَّلتين

(7)

سَهْوٌ منه؛ لأِنَّه أعْطَى الزَّوجةَ والأمَّ

(1)

في (ح): ويصح.

(2)

في (ق): عليها.

(3)

قوله: (ثلاثة أسهم) في (ح) و (ق): سهمان.

(4)

في (ح) و (ق): أربعة.

(5)

قوله: (أو صح) هو في (ق) أوضح.

(6)

ينظر: الحاوي الكبير 8/ 206، البيان 8/ 237.

(7)

في (ظ): الأُوليين.

ص: 672

فَرضَهما قَبْلَ الوصيَّة، وذلك بخِلافِ نصِّ القرآن والإجْماع، ثمَّ صحَّحها على الأولى من مائةٍ وأربعةٍ وأرْبَعِينَ، وعلى الأخرى من سبعةٍ وعِشْرينَ.

فرعٌ: خلَّف أبَوَينِ وابنين، ووصَّى لشَخْصٍ بسُدُسٍ من

(1)

ماله، ولآِخَرَ بسَهْمٍ منه، جَعَلْتَ ذا

(2)

السَّهْمِ كأحَدِ أبَوَيهِ، وأعْطَيتَ صاحبَ السُّدس سُدُسًا كامِلاً، وقَسَمْتَ الباقِيَ بَينَ الوَرَثَة والوصيِّ على سبعةٍ، وتصحُّ

(3)

من اثْنَينِ وأرْبعينَ، لصاحب السُّدس سَبْعةٌ، ولصاحِبِ السَّهْم سَهْمٌ على الرِّوايات.

ويَحتَمِلُ أنْ يُعْطَى الموصَى له بالسَّهم السُّبعَ كامِلاً، كما لو أَوْصَى له به من غَيرِ وصيَّةٍ أخرى، فتكونُ

(4)

له ستَّةٌ، ويَبْقَى تسعةٌ وعِشْرونَ على ستَّةٍ، لا تَنقَسِمُ، فتَضرِبُها في اثْنَيْنِ وأرْبَعينَ، تكن

(5)

مائتين واثنين وخمسين.

(وَإِنْ وَصَّى لَهُ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ؛ كَثُلُثٍ أَوْ رُبُعٍ؛ أَخَذْتَهُ مِنْ مَخْرَجِهِ)، فيكونُ ذلك صحيحًا، فالثُّلُث مَخرَجُه من ثلاثةٍ، والرُّبُع من أرْبَعةٍ، (فَدَفَعْتَهُ إِلَيْهِ)؛ أيْ: إلى الموصَى له؛ لأِنَّه مُوصًى له به، (وَقَسَمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الْوَرَثَةِ)؛ لأِنَّه حقُّهم.

فلو كان له ابنانِ، والوصيَّةُ بالثُّلُث؛ صحَّتْ من ثلاثةٍ، ولو كان ثلاثةٌ، والوصيَّةُ بالرُّبع؛ صحَّتْ من أربعةٍ.

(إِلاَّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يُجِيزُوا لَهُ)؛ أيْ: للمُوصَى له؛ (فَتَفْرِضُ

(6)

لَهُ الثُّلُثَ، وَتَقْسِمُ

(7)

الثُّلَثَيْنِ عَلَيْهَا)؛ أيْ: على مسألة الوَرَثَةِ، فإن انْقَسَمتْ

(1)

قوله: (من) سقط من (ح).

(2)

في (ح): حصلت ذلك.

(3)

في (ح): ويصح.

(4)

في (ق): فيكون.

(5)

في (ظ): يكن.

(6)

في (ح): فيعوض، وفي (ظ): فيفرض.

(7)

في (ظ): ويقسم.

ص: 673

فظاهِرٌ، وإنْ لم تَنقَسِمْ ضَرَبْتَ المسألةَ أوْ وَفْقَها في مَخرَج الوصيَّة، فما بَلَغَ فمِنه تَصِحُّ.

وظاهره

(1)

: أنَّهم إذا أجازوا؛ فإنَّها تُنفَّذُ في الموصَى به مطلَقًا.

(وَإِنْ وَصَّى بِجُزْأَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ؛ أَخَذْتَهَا مِنْ مَخْرَجِهَا، وَقَسَمْتَ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ)؛ أيْ: مسألةِ الورثةِ، (فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ، وَرَدَّ الْوَرَثَةُ؛ جَعَلْتَ السِّهَامَ الْحَاصِلَةَ لِلْأَوْصِيَاءِ ثُلُثَ الْمَالِ)؛ لِيُقسَمَ ذلك بَينَ الأوْصِياءِ بلا كَسْرٍ، (وَدَفَعْتَ الثُّلُثَيْنِ إِلَى الْوَرَثَةِ)؛ لأِنَّه حقُّهم.

(فَلَوْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِرُبُعِهِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ

(2)

؛ أَخَذْتَ الثُّلُثَ وَالرُّبُعَ مِنْ مَخْرَجِهِمَا: سَبْعَةً مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ)؛ لأِنَّ مَخرَجَ الثُّلُث من ثلاثةٍ، والرُّبعِ من أربعةٍ، فإذا ضَربْتَ أحدَهما في الآخَر؛ كانت اثْنَيْ عَشَرَ، فثُلثُها ورُبعُها: سَبعةٌ

(3)

، (يَبْقَى

(4)

خَمْسَةٌ لِلاِبْنَينِ

(5)

إِنْ أَجَازَا)، وتَصِحُّ من أربعةٍ وعِشْرينَ، لصاحِبِ الثُّلُث: ثمانيةٌ، ولصاحِبِ الرُّبُع: ستَّةٌ، يَبقَى عَشَرَةٌ للابنين

(6)

.

(وَإِنْ رَدَّا؛ جَعَلْتَ السَّبْعَةَ ثُلُثَ الْمَالِ) مقسومةً بَينَهما على قَدرِ وصيَّتهما، لصاحب الثُّلث أربعةٌ، ولصاحِبِ الرُّبُع ثلاثةٌ، (فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ)، تَبقَى

(7)

أربعةَ عَشَرَ، للابنَينِ نِصفَينِ.

(1)

في (ح): فظاهره.

(2)

في (ح): اثنين.

(3)

أي: ثلثها: أربعة، وربعها: ثلاثة، فمجموع البسطين: سبعة.

(4)

في (ظ): تبقى.

(5)

في (ح): للاثنين.

(6)

في (ح): للاثنين.

(7)

في (ق): يبقى.

ص: 674

(وَإِنْ أَجَازَا لِأًحَدِهِمَا دُونَ الآْخَرِ، أَوْ أَجَازَ أَحَدُهُمَا لَهُما

(1)

دُونَ الآْخَرِ، أَوْ أَجَازَ كُلُّ وَاحِدٍ لِوَاحِدٍ)؛ فوافِقْ بَينَ مسألة الإجازة ومسألة الرَّدِّ، وهما يتَّفِقانِ بالأثْلاثِ، (فَاضْرِبْ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، - وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ - فِي مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، تَكُنْ مِائَةً وَثَمَانِيَةً وَسِتِّينَ، لِلذِي أُجِيزَ لَهُ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ

(2)

مَسْأَلَةِ الرَّدِّ)، فإنْ كانت الإجازةُ لصاحِبِ الثُّلُث وحدَه؛ فسَهْمُه من

(3)

مسألة الإجازة ثَمانِيةٌ، مَضْروبٌ في وَفْق مسألةِ الرَّدِّ، وهو سبعة، تكن

(4)

ستَّةٌ وخَمْسونَ، ولصاحب الرُّبع نصيبُه من مسألة الرَّدِّ: ثلاثةٌ في وَفْق مسألة الإجازة: ثمانيةٌ، تكن أربعةً وعِشْرينَ، فصار المجموعُ للوَصِيَّينِ: ثمانينَ سَهْمًا، والباقي وهو ثمانيةٌ وثمانونَ بَينَ الابنين

(5)

، لكلِّ ابن أربعةٌ وأربعون سهمًا.

وإنْ أجازا لصاحب الرُّبع وحدَه؛ أخَذْتَ سهمَه من مسألة الإجازة ستَّةً، مضروبةً في وَفْق مسألة الرَّدِّ، وهو سبعةٌ، تكن

(6)

اثْنَينِ وأرْبَعينَ، تَدفَعُها

(7)

إليه، ولصاحب الثُّلث سهمُه من مسألة الرَّدِّ أربعةٌ، تَضربُها في وَفْق مسألة الإجازة، وهو ثمانيةٌ، تَكُنِ اثْنَينِ وثلاثينَ، فصار المجموعُ أربعةً وسَبْعينَ، يَبقَى أربعةٌ وتِسْعون للابنين

(8)

.

وإنْ أجازَ أحدُ الابنين

(9)

لهما دُونَ الآخَرِ؛

(1)

قوله: (لهما) سقط من (ق).

(2)

قوله: (وفق) سقط من (ح) و (ق). والمثبت موافق لما في المقنع ص 260 والشرح الكبير 17/ 426 والممتع 3/ 279.

(3)

في (ح): في.

(4)

قوله (تكن) سقط من (ظ)، وقوله: (فسهمه من مسألة الإجازة

) إلى هنا سقط من (ق).

(5)

في (ح): الاثنين.

(6)

في (ظ): يكن.

(7)

في (ظ): يدفعها.

(8)

في (ح): للاثنين.

(9)

في (ح): الاثنين.

ص: 675

فَلِلذِي أجاز لهما

(1)

سهمُه من مسألة الإجازة: خمسةٌ، مضروبة

(2)

في وَفْق مسألةِ الرَّدِّ سبعةٌ، تَكُنْ خمسةً وثلاثِينَ، وللذي رُدَّ سهمُه في

(3)

مسألة

(4)

الرَّدِّ سبعة، مضروبٌ في وَفْق مسألة الإجازة، وهو ثمانيةٌ، تَكُنْ ستَّةً وخمسين، تضمها

(5)

إلى خمسةٍ وثلاثِينَ؛ تكُنْ أحدًا وتسعين، يبقى للوصيَّينِ سبعةٌ وسبعون، بَينَهما على سبعةٍ، لصاحب الثُّلث أربعةٌ وأربعونَ، ولصاحب الرُّبع ثلاثةٌ وثلاثون، وهو المرادُ بقَوله:(وَلِلذِي رُدَّ عَلَيْهِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ، وَلِلذِي أَجَازَ لَهُمَا نَصِيبُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَلِلآْخَرِ سَهْمُهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الرَّدِّ فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِجَازَةِ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ عَلَى سَبْعَةٍ).

لم يَذكُر المؤلِّفُ ما للمُجاز له، والمردودِ عليه، وما للمُجِيز، فنقول: إذا أجاز الاِبْنانِ لصاحب الثُّلث، كان له ستَّةٌ وخَمسونَ، وإذا رَدَّا عَلَيهِ؛ كان له اثْنانِ وثلاثُونَ، فقد نَقَصَه ردُّهما أربعةً وعِشْرينَ. وإنْ أجازا لصاحب الرُّبع؛ كان له اثْنانِ وأربعون، وإنْ ردَّا عليه؛ كان له أربعةٌ وعِشْرونَ، فنَقَصَه ردُّ أحدهما تسعةً، يَبقَى له ثلاثةٌ وثلاثون.

وأمَّا الابنان

(6)

، فالذي أجاز لصاحب الثُّلث إذا أجاز لهما؛ كان له خمسةٌ وثلاثون، وإذا رَدَّ عليهما؛ كان له ستَّةٌ وخمسون، فنَقَصَتْه الإجازةُ لهما أحدًا وعشرين، لصاحب الثُّلث منها اثنا عَشَرَ، يَبقَى له أربعةٌ وأربعون،

(1)

قوله: (لهما) سقط من (ح) و (ق).

(2)

في (ح): مضروب.

(3)

في (ق): من.

(4)

قوله: (وفق مسألة الرد سبعة تكن خمسة وثلاثين، وللذي رد سهمه في مسألة) سقط من (ح).

(5)

في (ح): يضمها.

(6)

في (ح): الاثنان.

ص: 676

والذي أجاز لصاحب الرُّبع إذا أجاز لهما؛ كان له خمسةٌ وثلاثون، وإذا رَدَّ عليهما؛ كان له ستَّةٌ وخمسون، فنَقَصَتْه الإجازةُ لهما أحدًا وعشرين

(1)

، منها تسعةٌ لصاحب الرُّبع، بقي له سبعةٌ وأربعون، وللوصيَّينِ سبعةٌ وسَبْعون، لصاحب الثُّلث أربعةٌ وأربعون، ولصاحب الرُّبع ثلاثةٌ وثلاثون، فصار المجموعُ لهما ولِلابنَينِ: مائةً وثمانيةً وستِّينَ.

مسألةٌ: أوْصى لشخصٍ بنصفِ مالِه، ولآِخَرَ برُبعه؛ فللأوَّل نصفُ المال، وللآخَرِ رُبعه، مع الإجازة، وإنْ ردَّ الورثةُ؛ قَسَمْتَ الثُّلث بَينَهما على قَدْر سِهامهما، لصاحب النِّصف ثُلُثاه، ولِلآخَرِ ثُلُثُه، وقَسَمْت الثُّلُثَينِ على الورثة، هذا قَول الجمهور.

(1)

قوله: (لصاحب الثلث منها اثنا عشر يبقى له أربعة وأربعون

) إلى هنا سقط من (ح).

ص: 677

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ زَادَتِ الْوَصَايَا عَلَى الْمَالِ؛ عَمِلْتَ فِيهَا عَمَلَكَ فِي مَسَائِلِ الْعَوْلِ)، نَصَّ عَلَيه

(1)

؛ أيْ: تَجعَلُ وصاياهم كالفروض التي

(2)

فَرَضَها الله تعالى للورثة إذا زادت على المال.

(فَإِذَا وَصَّى

(3)

بِنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَرُبُعٍ وَسُدُسٍ؛ أَخَذْتَهَا مِنْ) مَخرَجها (اثْنَيْ عَشَرَ، وَعَالَتْ إِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ، فَتَقْسِمُ الْمَالَ بَيْنَهُمْ)؛ أي

(4)

: بَينَ أصحابِ الوصايا (كَذَلِكَ)؛ أيْ: على خمسةَ عَشَرَ، (إِنْ أُجِيزَ لَهُمْ، وَالثُّلُثَ

(5)

إِنْ رُدَّ عَلَيْهِمْ)، فتَصِحُّ مسألةُ الرَّدِّ من خمسةٍ وأرْبَعِينَ.

وأصْلُه ما رَوَى سعيدُ بنُ منصورٍ، ثنا أبو مُعاوِيةَ، ثنا أبو عاصِمٍ الثَّقَفيُّ، قال: قال لي إبراهيمُ النَّخَعِيُّ: ما تَقولُ في رجُلٍ أَوْصَى بنِصْفِ وثلُثِ مالِه ورُبُعِ مالِه؟ قلتُ: لا يَجوزُ، قال: قد أجازُوهُ، قلتْ: لا أدْرِي، قال: أمْسِكِ اثْنَيْ عَشَرَ، فأخْرِجْ نصفَها ستَّةً، وثُلُثَها أربعةً، ورُبُعَها ثلاثةً، فاقْسِم المالَ على ثلاثةَ عَشَرَ

(6)

.

وكان أبو حنيفةَ يقولُ

(7)

: يأخُذُ أكثرُهم وصيَّةً ما يَفضُل به على مَنْ دونه،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4303.

(2)

في (ح) و (ظ): الذي.

(3)

في (ق): أوصى.

(4)

قوله: (بينهم أي) سقط من (ح).

(5)

في (ح): أو الثلث.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور (381)، وابن أبي شيبة (30794)، وسفيان بن يعقوب في المعرفة (3/ 232)، والبيهقي في الكبرى (12593).

(7)

ينظر: المبسوط 27/ 150.

ص: 678

ثُمَّ يَقْتَسِمون الباقيَ إنْ أجازوا، وفي الرَّدِّ لا يُضرَبُ

(1)

لأِحَدٍ بأكثرَ من الثُّلث، وإنْ نقص بعضهم عن الثُّلث أخذ أكثرهم وصيةً

(2)

ما يَفضُلُ به على مَنْ دُونَه؛ كرجلٍ أوْصَى بثُلثَيْ مالِه ونصفِه وثلثِه، فالمالُ بَينَهم على تسعةٍ مع الإجازة، والثُّلُثُ بَينَهم كذلك في الرَّدِّ؛ كمسألةٍ فيها زَوجٌ وأُختانِ لأِبٍ وأُخْتانِ لِأُمٍّ.

وجَوابُه: أنَّ نَظِيرَ الأوَّل مسائل العَول في الفرائض والدُّيون، وما ذَكَرَه لا نَظيرَ له، مع أنَّ فرضَ الله تعالى آكَدُ من فَرْضِ الموصِي ووصيِّه، ثُمَّ إنَّ صاحبَ الفرض المفروض لا يَنفرِدُ بفَضْله، فكذا في الوصايا.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِجَمِيعِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِنِصْفِهِ، وَخَلَّفَ ابْنَيْنِ؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمَا

(3)

عَلَى ثَلَاثَةٍ إِنْ أُجِيزَ لَهُمَا، وَالثُّلُثُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مَعَ الرَّدِّ)، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، وجزم به الأكثرُ؛ لأِنَّك إذا

(5)

بَسطتَ المالَ من جِنْس الكَسْر كان نصفَينِ، فإذا ضَمَمْتَ إلَيهِما النِّصفَ الآخَرَ صارت ثلاثةً، فتَقسِم

(6)

المالَ على ثلاثةٍ، ويَصِيرُ النِّصْفُ ثُلُثًا؛ كزَوْجٍ وأمٍّ وثَلاثِ أخَواتٍ مَفْترِقاتٍ.

وإنْ ردُّوا؛ فالثُّلثُ بَينَهما على ثلاثةٍ؛ لصاحب المال سَهْمانِ، ولصاحب النِّصف سَهْمٌ.

وفي «التَّرغيب» وجْهٌ: فِيمَنْ أَوْصَى بماله لوارثه، ولآِخَرَ بثُلُثِه، وأجيزَ؛ فللأجنبيِّ ثُلُثُه، ومع الرَّدِّ؛ هل الثُّلُثُ بَينَهما على أربعةٍ، أوْ ثلاثةٍ، أوْ للأجنبيِّ؟ فيه خِلافٌ.

(1)

في (ق): لا تضرب.

(2)

قوله: (وصية) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ح) و (ق): بينهم.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4339.

(5)

في (ح): إذ.

(6)

في (ظ): فيقسم.

ص: 679

(فَإِنْ

(1)

أُجِيزَ لِصَاحِبِ الْمَالِ وَحْدَهُ؛ فَلِصَاحِبِ النِّصْفِ التُّسُعُ)؛ لأِنَّ الثُّلثَ بَينَهما على ثلاثةٍ، لصاحب النِّصف ثلاثةٌ وهو التُّسعُ، (وَالْبَاقِي) وهو ثمانيةُ أتْساعِ المال (لِصَاحِبِ الْمَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه مُوصًى له بالمال كلِّه، وإنَّما مُنِعَ من ذلك في حال الإجازة لهما؛ لمزاحَمَة صاحبِه له، فإذا زالت المزاحَمَةُ في الباقي؛ كان له.

(وَفِي الآْخَرِ: لَيْسَ لَهُ إِلاَّ ثُلُثَا الْمَالِ التِي كَانَتْ لَهُ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ لَهُمَا)، إذِ الإجازةُ له وحدَه بمنزلةِ الإجازة لهما، (وَيَبْقَى التُّسُعَانِ لِلْوَرَثَةِ)، إذْ لا مزاحَمَةَ لهم فِيهِما، ضرورة أخذ كلِّ واحدٍ من الموصَى له ما وُصِّيَ له به.

(وَإِنْ أَجَازُوا لِصَاحِبِ النِّصْفِ وَحْدَهُ؛ فَلَهُ النِّصْفُ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّه مُوصًى له به، وإنَّما مُنِعَ منه في حال الإجازة؛ للمزاحَمَة.

(وَفِي الآْخَرِ: لَهُ الثُّلُثُ) الَّذي كان في حال الإجازة لهما؛ لأِنَّ ما زاد على ذلك إنَّما كان حقًّا لصاحب المال، أَخَذَه الورثةُ منه بالرَّدِّ، فيأخُذُه الوارِثُ.

(وَلِصَاحِبِ الْمَالِ التُّسُعَانِ)؛ أيْ: على الوجْهَينِ؛ لأِنَّ له ثُلثَي الثُّلث، وهما ذلك.

(وَإِنْ أَجَازَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ لَهُمَا؛ فَسَهْمُهُ

(2)

بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ)، وحِينَئِذٍ فلا شَيءَ للمجيز، وللابن الآخَرِ الثُّلثُ، والثُّلثانِ بَينَ الوصِيَّينِ على ثلاثةٍ، فيَأخُذُ مالاً له ثُلُثٌ مَقْسومٌ يكن ثلاثةً، وهو تسعةٌ، للموصَى لهما ثلاثةٌ في الأصل، يَبقَى ستَّةٌ، لكلِّ ابْنٍ ثلاثةٌ، ثمَّ

(3)

يُقسَمُ

(4)

نصيبُ المجيز لهما، فيَصيرُ لهما

(1)

في (ظ): وإن.

(2)

في (ظ): نصيبه، وفي (ق): فنصيبه.

(3)

قوله: (ثم) سقط من (ح).

(4)

في (ق): تقسم.

ص: 680

ستَّةٌ مقسومةٌ بَينَهما أثلاثًا، لصاحب المال أربعةٌ، ولصاحِبِ النِّصف سَهْمانِ، ويَبقَى للرَّادِّ ثلاثةُ أسْهُمٍ يَختَصُّ بها.

(وَإِنْ أَجَازَ) أحدُهما (لِصَاحِبِ الْمَالِ؛ دَفَعَ إِلَيْهِ كُلَّ مَا فِي يَدِهِ، أَوْ ثُلُثَيْهِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ)، وقد سَبَقَا، فيكونُ للآخَرِ التُّسعُ، ولِلاِبْن الآخَرِ الثُّلث

(1)

، والباقِي لصاحِبِ المال في وَجْهٍ.

وفي آخَرَ: له أربعةُ أتْساعٍ، والتُّسعُ الباقِي للمُجِيزِ.

(وَإِنْ أَجَازَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ؛ دَفَعَ إِلَيْهِ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ، وَنِصْفَ سُدُسِهِ أَوْ ثُلُثِهِ) على الوجْهِ الأوَّلِ، وهو أنْ يكونَ له النِّصفُ، فيَدفَعُ إليه نِصْفَ ما يَتِمُّ به النِّصْفُ، وهو تُسُعٌ ونِصْفُ سُدُسٍ في وَجْهٍ، وهو ثُلُثُ ما في يده ورُبُعُه.

وفي آخَرَ: يَدفَعُ ثُلُثَ ما في يده، فيَصِيرُ له تُسُعانِ، ولصاحب المال تُسُعانِ، وللمُجِيز تُسُعانِ، والثُّلُثُ للذي لم يُجِزْ.

وعلى الأوَّل: تَصِحُّ من ستَّةٍ وثلاثين، للذي لم يُجِزِ اثْنا عَشَرَ، وللمُجِيزِ خمسةٌ، ولصاحِبِ النِّصف أحدَ عَشَرَ، ولصاحب المال ثمانيةٌ، وذلك لأِنَّ مسألةَ الرَّدِّ من تسعةٍ، لصاحب النِّصف منها سَهْمٌ، فلو أجاز له الابنان

(2)

؛ كان له تمامُ النِّصف ثلاثةٌ ونصفٌ، فإذا أجاز له أحدُهما؛ لَزِمَه نصفُ ذلك؛ سَهْمٌ ونصفٌ ورُبُعٌ، فتضرب مَخرَجَ الرُّبُع في تِسْعةٍ، تَكُنْ ستَّةً وثَلاثِينَ.

واعْلَمْ أنَّ صاحِبَ «المحرَّر» و «الفروع» فَرَضَا ذلك فيما إذا أَوْصَى لزَيدٍ بماله، ولعمْرٍو بثُلُثِه، وله ابْنانِ، فأجازا، فالمالُ أرباعًا، لزَيدٍ ثلاثةُ أرباعه، ولعمْرٍو رُبُعُه، وإنْ رَدَّا؛ فالثُّلُثُ بَينَهما كذلك، ولكلِّ ابنٍ أربعةٌ.

وإنْ أجازا لزَيدٍ؛ فلِعَمْرٍو رُبُعُ الثُّلُث، والبقيَّةُ لزَيدٍ، أَعْطَى له وصيَّتَه أو

(1)

في (ح): ثلاثة أتساع، وقوله:(الثلث) مكانه بياض في (ق). والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 17/ 435.

(2)

في (ح): الاثنان.

ص: 681

الممْكِنَ منهما

(1)

، وقِيلَ: ثلاثةُ أرباعه؛ كالإجازة لهما.

وإنْ أجازا لعَمْرٍو؛ فله تَتِمَّةُ الثُّلث. وقِيلَ: تَتِمَّة الرُّبُع، ولزَيدٍ ثلاثةُ أرباعِ الثُّلُث.

وإنْ أجاز ابْنٌ لهما؛ أَخَذَا ما مَعَه أرْباعًا.

وإنْ أجاز لزَيدٍ؛ أخَذَ ما معه. وقِيلَ: ثلاثة أرباعه.

وإنْ أجاز لعَمْرٍو؛ أخَذَ نصفَ تَتِمَّة الثُّلُث. وقِيلَ: نِصْفَ تَتِمَّة الرُّبع. وقِيلَ: الثُّلث أو الرُّبع.

(1)

في (ق): والممكن منها.

ص: 682

(فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَنْصِبَاءِ)

(إِذَا خَلَّفَ ابْنَيْنِ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ، وَلآِخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنٍ؛ فَفِيهَا وَجْهَانِ)، كذا أطْلَقَهما في «الكافي» ، و «الفروع» ، وغيرُهما:

(أَحَدُهُمَا)، وجَزَمَ به في «الوجيز»:(لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ)؛ كما لو لم يَكُنْ معه وَصِيٌّ آخَرُ، ولِلآخَرِ الثُّلُث، (وَعِنْدَ الرَّدِّ: يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْوَصِيَّيْنِ نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّه موصًى

(1)

لهما بثُلُثَيْ ماله، وقد رجعت

(2)

وصيَّتُهما بالرَّدِّ إلى نصفها، وتَصِحُّ من ستَّةٍ.

(والثَّانِي

(3)

: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لاِبْنٍ)؛ لأِنَّه لو كان أكثرَ من ذلك؛ لَأَخَذَ أكثرَ من الاِبن، والموصِي قد سَوَّى بَينَهما، (وَهُوَ ثُلُثُ الْبَاقِي، وَذَلِكَ التُّسُعَانِ عِنْدَ الْإِجَازَةِ)؛ لأِنَّ للمُوصَى له بالثُّلُث ثُلثَ المال، يَبقَى سَهمانِ بَينَ الموصَى له بالنَّصيب وبَينَ الاِبْنَينِ على ثلاثةٍ، فتَضرِبُها في ثلاثةٍ تَكُنْ تِسْعةً، لصاحب الثُّلُث ثَلاثةٌ، ولكلِّ ابْنٍ سَهْمانِ، وللمُوصَى له بالنَّصيب سَهْمانِ، وهي

(4)

تُسُعانِ، (وَعِنْدَ الرَّدِّ: يُقْسَمُ) الثُّلثُ (بَيْنَهُمَا عَلَى خَمْسَةٍ) التي كانت لهما في حال الإجازة، لصاحب الثُّلُث ثلاثةٌ، ولصاحب النَّصيب سَهْمانِ، ولِكُلِّ ابْنٍ خمسةٌ.

(وَإِنْ كَانَ الْجُزْءُ الْمُوصَى بِهِ النِّصْفَ)؛ صحَّتْ على الأوَّل من اثْنَيْ عَشَرَ في حال الإجازة، وفي الرَّدِّ: من خمسةَ عَشَرَ، وعلى الثَّانِي: تَصِحُّ من ستَّةٍ في حال الإجازة، وفي الرَّدِّ: من اثْنَيْ عَشَرَ.

(1)

في (ح) و (ق): يوصى.

(2)

قوله: (وقد رجعت) في (ح): وقدر حصته.

(3)

في (ق): والباقي.

(4)

في (ق): وهو.

ص: 683

ويَزِيدُ

(1)

بوجْهٍ آخَرَ، وهو قَولُه:(خُرِّجَ فِيهَا وَجْهٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِصَاحِبِ النَّصِيبِ فِي حَالِ الْإِجَازَةِ ثُلُثَ الثُّلُثَيْنِ)؛ لأِنَّ الثُّلُثَيْنِ حقُّ الوَرَثَة، وهو شريكُهم، فيكونُ له ثُلثُ ذلك، (وَفِي الرَّدِّ يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ، لِصَاحِبِ النِّصْفِ تِسْعَةٌ، وَلِصَاحِبِ النَّصِيبِ أَرْبَعَةٌ).

بيانُه: أنَّ الورثةَ لا تَلزَمُهم

(2)

إجازةُ أكثرَ من ثُلث المال، فإذا أجازُوهُ؛ حُسِبَ من نَصِيبِهم؛ لأِنَّهم تَبرَّعوا به، ويَبقَى نصيبُ الموصَى له بالنَّصيب على حاله، كأنَّه لم يَخرُجْ من المال إلاَّ الثُّلث، فيَبقَى الثُّلُثانِ بَينَه وبَينَ الاِبْنَين على ثلاثةٍ؛ لأِنَّ له مِثْلَ نصيبِ أحدِهم، فتُجعَلُ المسألةُ من ثمانيةَ عَشَرَ؛ لأِنَّها أقلُّ عَدَدٍ له نِصْفٌ، ولِثُلُثه ثُلثٌ، لصاحب النِّصف تسعةٌ؛ لأِنَّه مُجازٌ له، ويُعْطَى صاحِبُ النَّصيب ثُلُثَ الثُّلُثَينِ: أربعةً، صار المجموعُ: ثلاثةَ عَشَرَ، يَبقَى خمسةٌ لِلاِبْنَينِ، لا تَصِحُّ عَلَيهما، فتَضرِبُ عَدَدَهما في ثمانيةَ عَشَرَ، تَكُنْ ستَّةً وثَلاثِينَ، لصاحب النِّصف: ثمانيةَ عَشَرَ، ولِلآخَر: ثمانيةٌ، يَبْقَى عَشَرَةٌ لِلاِبْنَيْنِ، وإنْ ردَّا

(3)

قَسَمْتَ الثُّلُثَ بَينَهما على ثلاثةَ عَشَرَ، فتَصِحُّ من تسعةٍ وثلاثين.

وإنْ كان الجزء الموصَى به الثُّلَثَينِ؛ فَعَلَى الأوَّل: للموصَى له بالنصيب الثُّلث في حال الإجازة، وتَصِحُّ من ثلاثةٍ، وفي الرَّدِّ: يُقْسمُ

(4)

الثُّلثُ بَينَهما على ثلاثةٍ، وتَصِحُّ من تسعةٍ.

وعلى الثَّاني: للموصَى له بالنَّصيب التُّسُعُ، ولِلآخَرِ الثُّلُثانِ في حال الإجازة، وتَصِحُّ من تسعةٍ أيضًا، وفي الرَّدِّ: يُقْسَمُ الثُّلثُ بَينَهما على سبعةٍ،

(1)

في (ق): وتزيد.

(2)

في (ق): لا يلزمهم.

(3)

في (ح): رد.

(4)

في (ظ): تقسم.

ص: 684

وتصحُّ

(1)

من أَحَدٍ وعِشرينَ.

وعلى الثَّالِث: لصاحب النَّصيب ثُلُثُ الثُّلَثَينِ، ولِلآخَر الثُّلُثانِ، فهي من تسعةٍ، وتَصِحُّ من ثمانيةَ عَشَرَ في حال الإجازة، لصاحب الثُّلَثَينِ: اثْنا عَشَرَ، ولصاحب النَّصيب: أربعةٌ، يَبقَى سَهْمانِ للابنين

(2)

، وفي الرَّدِّ: يُقسَمُ الثُّلثُ بَينَهما على ستة

(3)

عشرَ، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ وأربعين.

وإنْ كان الجُزْءُ الموصَى به جميعَ المال؛ فَعَلَى الأوَّل: يُقسَمُ المال

(4)

بَينَهما على أربعةٍ، وعلى الثَّاني: لا يَحصُل لصاحب النَّصيب شَيءٌ؛ لأِنَّه لا يَحصُلُ للابن

(5)

شَيءٌ، وهذا مما

(6)

يُوهِنُ هذا الوَجْهَ؛ لِعَدَم اطِّراده، ويكونُ الكلُّ لصاحب المال في حال الإجازة، وفي الرَّدِّ: يأخُذُ صاحبُ المال الثُّلث، ويَبقَى الثُّلُثانِ بَينَ صاحب النَّصيب وبَينَ الابنين

(7)

على ثلاثةٍ، وتَصِحُّ من تسعةٍ.

وعلى الثَّالث: لصاحب النَّصيب ثُلُثُ الثُّلثَينِ، اثْنانِ من تسعةٍ، ولصاحب المال تسعةٌ، فتَصِحُّ من أحدَ عَشَرَ، وفي الرَّدِّ: من ثلاثةٍ وثَلاثِينَ، لصاحب المال تسعةٌ، ولصاحب النَّصيب اثْنانِ، ولكلِّ ابْنٍ أحدَ عَشَرَ.

(وَإِنْ وَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، وَلآِخَرَ

(8)

بِثُلُثِ بَاقِي الْمَالِ، فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لِصَاحِبِ النَّصِيبِ ثُلُثُ الْمَالِ، وَلِلآْخَرِ: ثُلُثُ الْبَاقِي؛

(1)

في (ح): ويصح.

(2)

في (ح): للاثنين.

(3)

في (ح): تسعة.

(4)

في (ح): الملك.

(5)

في (ق): للابنين.

(6)

في (ح): ما.

(7)

في (ح): الاثنين.

(8)

في (ظ): وللآخر.

ص: 685

تُسُعَانِ، وَالْبَاقِي لِلْوَرَثَةِ)، وتَصِحُّ من تسعةٍ، هذا

(1)

مع الإجازة، ومع الرَّدِّ: الثُّلُثُ بَينَهما على خمسةٍ، وتَصِحُّ من خَمْسةَ عَشَرَ.

(وَعَلَى الْوَجْهِ

(2)

الثَّانِي: يَدْخُلُهَا الدَّوْرُ)؛ لِتَوقُّف معرفةِ كلٍّ مِنْ ثُلُثِ الباقي ونَصِيبِ ابْنٍ على الآخَرِ.

(وَلِعَمَلِهَا طُرُقٌ)؛ لأِنَّه تارةً بعَمَل المجهول، وتارةً بالجَبْر، وتارةً بالمنكوس:

(أَحَدُهَا: أَنْ تَجْعَلَ الْمَالَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ)، وإنَّما جُعِل ثلاثةَ أسْهُمٍ؛ لِيكونَ للباقي

(3)

بَعْدَ النَّصيب ثُلُثٌ، (وَنَصِيبًا، تَدْفَعُ النَّصِيبَ

(4)

إِلَى الْمُوصَى لَهُ بِنَصِيبِ ابْنٍ)؛ لأِنَّه مُوصًى له بذلك، (وَلِلآْخَرِ ثُلُثُ الْبَاقِي؛ سَهْمٌ، يَبْقَى سَهْمَانِ، لِكُلِّ ابْنٍ سَهْمٌ، وَذَلِكَ)؛ أي: السَّهمُ، (هُوَ النَّصِيبُ)؛ لأِنَّه الذي جُعِلَ لكلِّ ابْنٍ، (فَصَحَّتْ مِنْ أَرْبَعَةٍ).

وعَمَلُها بطَريقِ الباب: أنْ تَضرِبَ مَخرَجَ كلِّ وصيَّةٍ في الأخرى تَكُنْ تَسعةً، ألقِ منها واحدًا دائمًا من مَخرَج الوصيَّة بالجُزْء

(5)

، فالنَّصيبُ سَهْمانِ، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ.

وفي «الشَّرح» : تَضرِبُ ثلاثةً في ثلاثةٍ، وهي

(6)

عَدَدُ البَنِينَ مع الوصيِّ، تَكُنْ تسعةً، انقُصْ منها واحدًا، يَبقَى ثمانيةٌ، ومنها تَصِحُّ، وكذا تَعمَلُ بما

(7)

يَرِدُ عَلَيكَ من هذه المسائلِ.

(1)

في (ح): وهذا.

(2)

قوله: (الوجه) سقط من (ظ) و (ق).

(3)

في (ح): الباقي.

(4)

في (ق): النصف.

(5)

في (ظ): بالجبر. والمثبت موافق للمخطوط من نسخة المرداوي وغيره من الفروع.

(6)

في (ح): وبقي.

(7)

في (ق): ما.

ص: 686

(وبِالْجَبْرِ)، سُمِّيَ به؛ لأِنَّ الكَسْرَ الذي فَوقَ السِّهام يَنجَبِرُ:(تَأْخُذُ مَالاً)؛ أيْ: مجهولاً؛ لأِنَّ العِلْمَ به ابْتِداءً لا يُمْكِنُ، (تُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا)، وهو وصيَّةُ صاحِبِ النَّصيب، (وَثُلُثَ الْبَاقِي)، وهو وصيَّةُ الآخَرِ من المال، وإنَّما فُعِلَ ذلك؛ لِيُعْلَم الباقِي حتَّى يُقْسَمَ على الورثة، (يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ إِلاَّ ثُلُثَيْ نَصِيبٍ)؛ لأِنَّك لمَّا أسْقَطْتَ النَّصيبَ، ثُمَّ أردْتَ أنْ تُسْقِطَ ثُلُثَ الباقي، وهو ثُلُثُ المال إلاَّ ثُلُثَ نصيبٍ؛ فتحتاجُ

(1)

إلى جَبْرِ النَّصيب، فإذا جَبَرَ وأسْقَطَ من المال ثُلُثًا؛ بَقِيَ ثُلُثَا مالٍ إلاَّ ثُلُثَيْ نَصِيبٍ، (يَعْدِلُ

(2)

نَصِيبَيْنِ)؛ لأِنَّ ذلك حقُّ جميعِ الوَرَثَة، وهُم اثْنانِ، (اجْبُرْهَا بِثُلُثَيْ نَصِيبٍ)؛ لِيَبْقَى بِلَا كَسْرٍ، (وَزِدْ مِثْلَ ذَلِكَ عَلَى النَّصِيبَيْنِ)؛ لِيُقابِلَ ذلك الكَسْرَ المجْبورَ به، (يَبْقَى ثُلُثَا مَالٍ، يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ)؛ لأِنَّه حقُّ الورثة، (ابْسُطِ

(3)

الْكُلَّ أَثْلَاثًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ)؛ لِيَصيرَ بلا كَسْرٍ، (يَصِرْ

(4)

مَالَيْنِ يَعْدِلُ

(5)

ثَمَانِيَةَ أَنْصِبَاءَ)؛ لأِنَّ ثُلُثي

(6)

المالِ إذا بُسِطَ أثْلاثًا صارَا مَالَينِ، والنَّصِيبَينِ والثُّلُثَينِ إذا بُسطا

(7)

أثْلاثًا صارَا ثَمانِيةَ أنْصِباء، (اقْلِبْ فَاجْعَلِ الْمَالَ ثَمَانِيَةً، وَالنَّصِيبَ اثْنَيْنِ)، وتَرجِعُ بالاِخْتِصار إلى أربعةٍ.

(وَإِنْ شِئْتَ) - هذا بَيانُ طَريقِ المنْكوسِ - (قُلْتَ: لِلاِبْنَينِ

(8)

سَهْمَانِ)؛ لأِنَّ ذلك أقلُّ ما يُمكِنُ من عددٍ صحيحٍ، وهو مالٌ، (ثُمَّ تَقُولُ: هَذَا بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِه) سَهْمًا، (يَصِرْ ثَلَاثَةً، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ ابْنٍ؛

(1)

في (ظ): فيحتاج.

(2)

في (ح): تعدل.

(3)

في (ق): أسقط.

(4)

في (ق): تصير.

(5)

في (ق): تعدل.

(6)

في (ح): بثمن، وفي (ق): ثمن. والمثبت موافق لما في الممتع 3/ 290.

(7)

في (ح): بسط.

(8)

في (ح): للاثنين.

ص: 687

تَصِيرُ

(1)

أَرْبَعَةً) للمُوصَى له بالنَّصيب سَهْمٌ، ولِلآخَرِ سَهْمٌ، ولكلِّ ابنٍ سَهْمٌ.

وإنْ شِئْتَ ضَربْتَ ثلاثةً - وهو مَخرَجُ الثُّلُث - في ثلاثةٍ، وهو عَدَدُ البَنينَ مع الوصِيِّ، تَكُنْ تسعةً، انقُصْ منها واحدًا، يَبقَى ثمانيةٌ، ومنها تَصِحُّ، وتُسَمَّى: طريقَ الباب، فلو كانت الوصيَّةُ بِرُبُع الباقِي؛ قُلْتَ: هذا بقيَّةُ مالٍ ذَهَبَ رُبُعُه، فزِدْ عليه مِثْلَ ثُلُثِه، وإنْ كانَتْ بخُمُس الباقِي؛ قُلْتَ: هذا بَقِيَّةُ مالٍ ذَهَبَ خُمُسُه، فَزِدْ عَلَيه مِثْلَ رُبُعه

(2)

.

مسألةٌ: إذا خلَّفَ ثلاثةَ بَنِينَ، وَوَصَّى لرجُلٍ بمِثْلِ نصيبِ أحدِهم، ولآِخَرَ بنصف باقِي المال، فَفِيهِ أوْجُهٌ:

أحدُها: يُعطَى صاحبُ النَّصيب مِثْلَ نصيبِ ابْنٍ إذا لم يَكُنْ ثَمَّ وصيَّةٌ أخْرَى.

والثَّاني: يُعطَى نَصيبَه من ثُلُثَي المالِ

(3)

.

والثَّالثُ: يُعطَى مِثْلَ نصيبِ ابْنٍ بَعْدَ أخْذِ صاحِبِ النِّصف وصيَّتَه، فيَدخُلُها الدَّوْرُ، ولها طُرُقٌ:

أحدُها: أنْ تأخُذَ مَخرَجَ النِّصف، فتُسقِطَ منه سَهْمًا، يَبقَى سَهْمٌ، فهو النَّصيبُ، فزِدْ على عَدَدِ البَنِينَ واحِدًا، تَكُنْ أربعةً، فتَضرِبُها في المخرَج، تَكُنْ ثمانيةً، تَنقُصُها سَهْمًا يَبقَى سَبعةٌ، فهي المال، للمُوصَى

(4)

له بالنَّصيب؛ سَهْمٌ، وللآخَرِ نصفُ الباقي؛ ثلاثةٌ، ولكلِّ ابْنٍ سَهْمٌ.

الثَّاني: أنْ تزيدَ سِهامُ البَنِينَ نصفَ سَهْمٍ، وتَضرِبَها في المخْرَج تَكُنْ سبعةً.

(1)

في (ق): يصير. وفي (ح): تصر.

(2)

في (ح): أربعة.

(3)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 17/ 443: ثلث المال.

(4)

في (ق): الموصى.

ص: 688

الثَّالثُ: طريقُ المنْكوس، وهو أنْ تأخُذَ سِهامَ البَنينَ، وهي ثلاثةٌ، فتَقولَ: هذا بقيَّةُ مالٍ، ذَهَبَ نصفُه، فإذا أردتَ تكميلَه زِدْتَ عَلَيه مِثْلَه، ثُمَّ زِدْ عَلَيهِ مثل

(1)

نَصِيبِ ابْنٍ، تَكُنْ سبعةً.

الرَّابعُ: أنْ تَجعلَ المالَ سَهْمَينِ ونَصِيبًا، تَدفَعُ النَّصيبَ إلى الموصَى له به، يبقَى سَهْمٌ للبَنينَ يَعدِلُ ثلاثةَ أنْصِباءَ، فالمالُ كلُّه سبعةٌ، وبالجَبْر تأخُذُ مالاً، وتُلْقِي منه نَصيبًا، يَبقَى مالٌ إلاَّ نصيبًا

(2)

، تدفع نصيبَ الباقي إلى الوصِيِّ الآخَرِ، يَبْقَى نِصْفُ مالٍ إلاَّ نصفَ نَصِيبٍ، يَعدِلُ ثلاثةَ أنصِباءَ، اجْبُرْهُ بنِصْفِ نصيبٍ، وزِدْهُ عَلَيهِ، يَبْقَى نَصِيبًا كامِلاً يَعدِلُ ثلاثةً ونصفًا، فالمالُ سبعةٌ.

(وَإِنْ كَانَتْ وَصِيَّةُ الثَّانِي بِثُلُثِ مَا يَبْقَى مِنَ النِّصْفِ؛ فَبِالطَّرِيقِ الأُولَى

(3)

، وهي أنْ تَعمَلَ بالمجْهول، (تَجْعَلُ الْمَالَ سِتَّةً وَنَصِيبَيْنِ)؛ لِيَكونَ الباقي من النِّصف - بعد

(4)

النَّصيب - له ثُلُثٌ صحيحٌ يأخُذُه الموصَى له، (تَدْفَعُ نَصِيبًا

(5)

إِلَى الْمُوصَى لَهُ بهِ

(6)

، وَإِلَى الآْخَرِ ثُلُثَ بَقِيَّةِ النِّصْفِ سَهْمًا)؛ لأِنَّه مُوصًى لهما بذلك، (وَإِلَى أَحَدِ الابْنَينِ

(7)

نَصِيبًا)؛ لِأَنَّه يَسْتَحِقُّ مِثْلَ مَا يَسْتَحِقُّ صاحِبُ النَّصيب، (بَقِيَ خَمْسَةٌ لِلاِبْنِ الآْخَرِ)؛ لأِنَّه لم يَبْقَ حقٌّ لغَيرِه، (فَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ)؛ لأِنَّه مِثْلُ ما أَخَذَ الاِبْنُ، (وَالْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ)، للموصى

(8)

(1)

في (ح): بمثل.

(2)

قوله: (إلا نصيبًا) في (ح): الأنصباء.

(3)

في (ح): الأول.

(4)

في (ح) و (ق): يد.

(5)

في (ح): تدفع النصيب. وفي (ظ): يدفع نصيبًا.

(6)

قوله: (به) سقط من (ظ) و (ق).

(7)

في (ح): الاثنين.

(8)

في (ح): الموصى.

ص: 689

له بثُلُثِ باقِي النِّصف سَهْمٌ، يَبْقَى خَمْسةَ عَشَرَ، للمُوصَى له بالنَّصيب خَمْسةٌ، ولكلِّ ابْنٍ خمسةٌ.

وعلى الوجْه الأوَّل: تَصِحُّ من ثمانيةَ عَشَرَ، لصاحب النِّصف ستَّةٌ، وللآخَر ثُلُثُ ما يَبقَى من النِّصف: سَهْمٌ، يَبقَى أحدَ عَشَرَ لِلاِبْنَينِ، وتَصِحُّ من ستَّةٍ وثَلاثِينَ، لصاحب النَّصيب اثْنَا عَشَرَ، ولصاحب الثُّلُث سَهْمانِ، ولكلِّ ابْنٍ أحدَ عَشَرَ.

هذا مع الإجازة، وفي الرَّدِّ تَصِحُّ من أحَدٍ وعشرينَ، للأوَّل ستَّةُ أسْهُمٍ، وللآخَر سَهْمٌ، ولكلِّ ابْنٍ سبعةٌ.

(وَبِالْجَبْرِ تَأْخُذُ

(1)

مَالاً، وَتُلْقِي مِنْهُ نَصِيبًا وَثُلُثَ بَاقِي النِّصْفِ، يَبْقَى خَمْسَةُ أَسْدَاسِ مَالٍ إِلاَّ ثُلُثَيْ نَصِيبٍ)؛ لأِنَّه الباقِي بَعْدَ الإلقاء

(2)

، (يَعْدِلُ نَصِيبَيْنِ وَثُلُثَيْنِ)، وجُبْرانُه لِيَزولَ الكَسْرُ، (ابْسُطِ الْكُلَّ أَسْدَاسًا مِنْ جِنْسِ الْكَسْرِ، وَاقْلِبْ، وَحَوِّلْ)؛ أيْ: بأنْ تَجعَلَ أجْزاءَ المال النَّصيبَ، وأجْزاءَ النَّصيبِ المالَ، (يَصِيرُ الْمَالُ سِتَّةَ عَشَرَ)؛ لأِنَّ النَّصِيبَينِ وثُلُثَينِ ستَّةَ عَشَرَ، (وَالنَّصِيبُ خَمْسَةٌ)؛ لأِنَّ ما تقدَّم خمسةُ أسْداسٍ.

وإنْ شِئْتَ أخَذْتَ نصفَ مالٍ، ألْقَيتَ منه نصيبًا، يَبقَى نصفُ مالٍ إلاَّ نصيبًا، ألْقِ ثُلُثَه، يَبقَى ثُلُثُ مالٍ إلاَّ ثُلُثَيْ نصيبٍ، ضُمُّه إلى نِصف المال، تَصيرُ

(3)

خمسةَ أسْداسٍ إلاَّ ثُلُثيْ نصيبٍ، تَعدِلُ

(4)

نَصِيبَينِ، اجْبُرْ وقابِلْ، تَصيرُ

(5)

خمسةَ أسْداسِ مالٍ، يَعدِلُ نَصِيبَينِ وثُلثَينِ، ابسُط الكلَّ أسداسًا من

(1)

في (ح): يأخذ.

(2)

في (ح): إلا إلقاء.

(3)

في (ق): يصير.

(4)

في (ق): يعدل.

(5)

في (ق): يصير.

ص: 690

جنس الكَسْرِ، واقْلِبْ، يَكنِ المالُ ستَّةَ عَشَرَ، والنَّصيبُ

(1)

.

(وَإِنْ خَلَّفَ أُمًّا وَبِنْتًا وَأُخْتًا، وَأَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُمِّ وَسُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلآِخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْأُخْتِ وَرُبُعِ مَا بَقِيَ، وَلآِخَرَ بِمِثْلِ نَصِيبِ الْبِنْتِ وَثُلُثِ مَا بَقِيَ؛ فَقُلْ: مَسْأَلَةُ الْوَرَثَةِ مِنْ سِتَّةٍ)؛ لأِنَّ فِيهَا سُدُسًا ونِصْفًا، ومَا بَقِيَ، (وَهِيَ)؛ أي: السِّتَّةُ (بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ ثُلُثُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ مِثْلَ نِصْفِهِ ثَلَاثَةً)، تَكُنْ تسعةً، (ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نَصِيبِ الْبِنْتِ)، وهو ثلاثةٌ، (تَكُنِ

(2)

اثْنَيْ عَشَرَ، فَهِيَ

(3)

بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ رُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ ثُلُثَهُ)، وهو أربعةٌ، (وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُخْتِ، صَارَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَهِيَ

(4)

بَقِيَّةُ مَالٍ ذَهَبَ سُبُعُهُ، فَزِدْ عَلَيْهِ

(5)

سُدُسَهُ، وَمِثْلَ نَصِيبِ الْأُمِّ، تَكُنِ

(6)

اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ)، هذا

(7)

طريقُ المنكوس، فتَدفَعُ إلى الموصَى له بمِثْل نصيب الأمِّ سهمًا، وسُبعَ ما بَقِيَ؛ ثلاثةٌ، يَبقَى ثمانيةَ عَشَرَ، تَدفَعُ إلى الموصَى له بمثل نصيب الأخت؛ سَهْمَينِ ورُبعَ الباقي؛ أربعةٌ، فيحصل له ستَّةٌ، ويَبقَى اثْنا عَشَرَ، تَدفَع إلى الموصَى له بمِثْل نصيب البنت؛ ثلاثةٌ، يَبْقَى تسعةٌ، تَدفَعُ إلَيهِ ثُلُثها؛ ثلاثة

(8)

، يصير له ستَّةٌ، ويَبقَى ستَّةٌ للورثة.

هذا مع الإجازة، ومع الرَّدِّ: تجعل

(9)

الثُّلث ستَّة عشر، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ وأرْبَعينَ، للموصَى له بمِثْل نصيب الأم

(10)

أربعةٌ، ولكلِّ واحِدٍ من الوصيَّينِ

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 17/ 443: والنصيب خمسة.

(2)

في (ظ): يكن.

(3)

في (ح): فهو.

(4)

في (ح): وهو.

(5)

زيد في (ح): مثل.

(6)

في (ظ): يكن.

(7)

في (ق): وهذا.

(8)

قوله: (ثلاثة) سقط من (ظ).

(9)

في (ح): يجعل.

(10)

في (ح): إلا أم.

ص: 691

الآخَرَينِ ستَّةٌ، وللورثة اثْنانِ وثلاثونَ، لا تَنقَسِمُ

(1)

على مسألتهم، وتُوافِقُها

(2)

بالأنصاف، فتَضرِبُ وَفْقَ أحدِهما في الآخَر تَكُنْ مائةً وأربعةً وأرْبَعينَ.

وبِطَرِيقِ البَابِ: تَضرِبُ المخارِجَ بعضَها في بعضٍ، يَكُنْ

(3)

أرْبَعًا وثَمانينَ، فتَنقُصُ منها سُبُعَها، ورُبُعَها، وثُلثَها، يبقَى ثلاثٌ وعشرونَ، فهو النَّصيب.

ثُمَّ تقول: المسألة من ستَّةٍ، فزِدْ مِثلَ نصيب الأمِّ سهمًا، ثُمَّ انْقُصْ منه سبعةً، يَبقَى ستَّةُ أسْباعٍ، ثُمَّ مِثلَ نصيب الأخت سَهْمَينِ، ثُمَّ انْقُصْ منها رُبُعَها، يَبقَى سهمٌ ونصفٌ، ثُمَّ زِدْ مِثْلَ نصيبِ البنت ثلاثةً، ثُمَّ انقُصْ منها ثُلُثَها، يَبقَى سَهْمانِ، فيَجمَعُ ذلك أربعةً وسُبُعينِ ونصفَ سُبُعٍ، تُضِيفُها إلى المسألة، وهي ستَّةٌ، تَكُنْ عَشَرَةً وسُبُعينِ ونصفَ سُبُعٍ، تضرِبُها في أرْبَعٍ وثمانين يَبلُغْ

(4)

ثمانَمائةٍ وسَبْعين، للموصَى له بمِثْلِ نصيب الأمِّ ثلاثةٌ وعشرون، يبقى ثمانُمائةٍ وسبعةٌ وأربعون، أعطِه سُبُعَها؛ مائةً وأحدًا وعشرين، وللموصَى له بمِثْل نصيب الأخت سَهْمانِ، وهو ستَّةٌ وأربعونَ، يَبقَى ثمانُمائةٍ وأربعةٌ وعشرون، أعْطِه رُبُعَها مائَتَينِ وستَّةً، وللموصَى له بمِثْل نصيب البنت ثلاثةٌ، وهو تسعةٌ وسِتُّونَ، يَبقَى ثمانُمائةٍ وأحدٌ، أعْطِها ثُلُثَها؛ مائَتَينِ وسبعةً وسِتِّينَ.

وبِالْجَبْرِ: تأخُذُ مالاً وتُلْقِي منه مِثْلَ نصيب البنت، ثلاثةَ أنْصِباءَ وثُلُثَ الباقي، يَبقَى ثُلُثا مالٍ إلاَّ نَصِيبَينِ، ألْقِ منها مِثْلَ نصيب الأخْتِ، نَصِيبَينِ ورُبُعَ الباقي، يبقَ نصفُ مالٍ إلاَّ ثلاثةَ أنْصِباءَ، ألْقِ منها مِثْلَ نصيب الأمِّ، يَبقَ

(1)

في (ق): لا ينقسم.

(2)

في (ق): ويوافقها.

(3)

في (ق): تكن.

(4)

في (ق): تبلغ.

ص: 692

نصفُ مالٍ إلاَّ أربعةَ أنْصِباءَ، ألْقِ سُبُعَها، وهو نصفُ سُبُعِ مالٍ، وأربعةُ أسباعِ نصيبٍ، يَبْقَ ثلاثةُ أسْباعِ مالٍ إلاَّ ثلاثةَ أنصِباءَ وثلاثةَ أسْباعِ نصيبٍ، تَعدِلُ

(1)

أنْصِباءَ الوَرَثةِ، ستَّةٌ، اجْبُرْها بثلاثةِ أنْصِباءَ، وثلاثةِ أسْباعِ نصيبٍ، ابْسُط الكلَّ أسْباعًا من جنس الكَسْر، يَصِر النَّصيبُ ستَّةً وسِتِّينَ، والمالُ ثلاثةً، اقْلِبْ فاجْعَل النَّصيبَ ثلاثة

(2)

، والمالَ سِتَّةً وسِتِّينَ، ادْفَع إلى الموصَى له بمثل نصيب الأمِّ نصيبًا، وهو ثلاثةُ أسْهُمٍ، وسُبُعَ الباقي، تِسْعَةٌ، يَبقَى أربعةٌ وخمسون، ادْفَعْ إلى الموصَى له بمِثْل نصيبِ الأخْتِ نَصِيبَينِ ستَّةَ أسْهُمٍ، ورُبُعَ الباقي، وهو اثْنا عَشَرَ، يَبقَى ستَّةٌ وثلاثونَ، ادْفَع إلى الموصَى له بمِثْل نصيب البنت ثلاثةَ أنْصِباءَ، وهي تسعةٌ، وثُلُثَ الباقي تسعةٌ أيضًا

(3)

، يَبقَى ثمانيةَ عَشَرَ للورثة، للأمِّ ثلاثةٌ، وللأخت ستَّةٌ، وللبنت تسعةٌ، هذا مع الإجازة، وتَرجِعُ بالاِخْتِصار إلى اثْنَينِ وعِشرينَ، ومع الرَّدِّ يُقسَمُ الثُّلُثُ بَينَهم على ثَمانيةٍ وأربعين، وتَصِحُّ من مائةٍ وأربعةٍ وأرْبَعِينَ.

والْأَحْسَنُ فِي عَمَلِهَا أنْ نقولَ

(4)

: مسألةُ الوَرَثة مِنْ ستَّةٍ، تُعْطِي الموصَى له بمِثْلِ نصيب البنت ثلاثةً، وثُلُثَ ما بَقِيَ من السِّتَّة، سَهْمٌ، وللمُوصَى له بمِثْل نصيب الأخت سَهْمان ورُبُع ما بَقِيَ، وهو سَهْمٌ، وللموصَى له بمِثْل نصيب الأمِّ سهمٌ وسُبعُ ما بَقِيَ، وهو خمسةُ أسْباعِ سَهْمٍ، فيَكونُ المجموعُ ثمانيةَ أسْهُمٍ وخمسةَ أسْباعِ سَهْمٍ، يضاف إلى مسألة الورثة، وهي ستَّةٌ، تَكُنْ أربعةَ عَشَرَ سَهْمًا، وخمسةَ أسْباعِ سَهْمٍ، تَضْرِبُها في سبعةٍ ليَخرُجَ الكَسْرُ صحيحًا، تَكُنْ مائةً وثلاثةً، فَمَنْ له منها شَيءٌ فمضروبٌ في سبعةٍ، فللبنت

(1)

في (ق): يعدل.

(2)

قوله: (ثلاثة) مكانه بياض في (ح).

(3)

في (ح): أنصباء.

(4)

في (ق): تقول.

ص: 693

أحدٌ وعِشْرُون، وللأخْت أربعةَ عَشَرَ، وللأمِّ سبعةٌ، وللمُوصَى له بمِثْلِ نصيبِ البنت وثُلُثِ ما بَقِيَ ثمانيةٌ وعِشْرونَ، وللموصَى له بمِثْل نصيب الأخت ورُبُعِ ما بَقِيَ أحدٌ وعِشْرونَ، وللموصَى له بمثل نصيب الأمِّ اثْنَا عَشَرَ، وهذه طريقةٌ صحيحةٌ، وتَعمَلُ كلَّما وَرَدَ عَلَيكَ كذلك.

مسألةٌ: خلَّفتْ زَوجًا وأُمًّا وأُخْتًا لأب

(1)

، وأوْصَتْ بمثل نصيبِ الأمِّ وثُلُثِ ما بَقِيَ، ولآِخَرَ بمِثْل نَصِيبِ الزَّوج ونصفِ ما بَقِيَ، فمسألةُ الورثة من ثَمانيةٍ، وهي مالٌ ذَهَبَ نصفُه، فزِدْ عَلَيهِ مثله، يَكُنْ ستَّةَ عَشَرَ، ومِثْل نصيب الزَّوج ثلاثةٌ، يصير تسعةَ عَشَرَ، وهي بقيَّةُ مالٍ ذَهَبَ ثُلثُه، فزِدْ عَلَيهِ نصفَه، صار ثمانيةً وعِشْرين ونصفًا، فزِدْ عَلَيهِ مِثْلَ نصيب الأخت سَهْمَينِ، يَكُنْ ثلاثينَ ونِصْفًا، ابْسُطْها من جنس الكسر أحدًا وسِتِّينَ، للمُوصَى له بمثل نصيب الأمِّ أربعةٌ، يَبقَى سبعةٌ وخمسون، ادْفَعْ إلَيهِ ثُلُثها تسعةَ عَشَرَ، يَبقَى ثمانيةٌ وثلاثُونَ، ادْفَعْ إلى الموصَى له بمِثْل نصيبِ الزَّوج ستَّة، يَبقَى اثنانِ وثلاثونَ، ادْفَعْ إليه نصفَها، يَبْقَى ستَّةَ عَشَرَ، للزَّوج ستَّةٌ، وللأمِّ أربعةٌ، وللأخت ستَّةٌ.

هذا مع الإجازة، ومع الرَّدِّ: تَجعل السِّهامَ الحاصِلةَ للأوْصِياء ثُلُثَ المال، وهي خمسةٌ وأربعون، فيكون مجموعُ المسألة من مائةٍ وخمسةٍ وثلاثِينَ.

(وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ، وَوَصَّى لِرَجُلٍ بِمِثْلِ نَصِيبِ أحَدِهِمْ إِلاَّ رُبُعَ المالِ؛ فَخُذْ

(2)

مَخْرَجَ الْكَسْرِ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَزِدْ عَلَيْهِ رُبُعَهُ)؛ لأِنَّه مُسْتَثْنًى، (تَكُنْ

(3)

خَمْسَةً، فَهُوَ نَصِيبُ كُلِّ ابْنٍ، وَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ وَاحِدًا)، يَكُنْ أَرْبَعَةً،

(1)

قوله: (لأب) سقط من (ح).

(2)

في (ح): خذ.

(3)

في (ق): يكن.

ص: 694

(وَاضْرِبْهُ

(1)

فِي مَخْرَجِ الْكَسْرِ) أربعةٌ، (يَكُنْ

(2)

سِتَّةَ عَشَرَ، أَعْطِ الْمُوصَى لَهُ نَصِيبًا، وَهُوَ خَمْسَةٌ، وَاسْتَثْنِ مِنْهُ رُبُعَ الْمَالِ أَرْبَعَةً، يَبْقَى لَهُ سَهْمٌ، وَلِكُلِّ ابْنِ خَمْسَةٌ)، وإنْ شِئْتَ خَصَصْتَ كلَّ ابنٍ بِرُبُعٍ، وقَسَمْتَ الرُّبُعَ الباقِيَ بَيْنَه وبَينَهم على أربعةٍ.

(وَإِنْ قَالَ: إِلاَّ رُبُعَ الْبَاقِي بَعْدَ النَّصِيبِ؛ فَزِدْ عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ سَهْمًا وَرُبُعًا)؛ لأِنَّ ذلك طريقٌ إلى معرفة الموصَى به، (وَاضْرِبْهُ فِي الْمَخْرَجِ)، أيْ: في مَخرَج الكَسْرِ (يَكُنْ

(3)

سَبْعَةَ عَشَرَ، لَهُ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ ابْنٍ خَمْسَةٌ)؛ لأِنَّ النَّصيبَ خمسةٌ، فإذا أسقط

(4)

من سبعةَ عَشَرَ بَقِيَ اثْنَا عَشَرَ، فإذا سَقَط

(5)

منها رُبُعٌ، وهو ثلاثةٌ؛ بَقِيَ من النَّصيب سَهْمانِ، هما للموصَى له، ولكلِّ ابنٍ خمسةٌ.

وبالجَبْر: تأخُذُ مالاً وتَدفَعُ منه نصيبًا إلى الموصى

(6)

، ويُستَثْنَى

(7)

منه: ربعُ الباقي، وهو ربعُ مالٍ إلاَّ ربعَ نصيبٍ، صار مالٌ ورُبعٌ إلاَّ نصيبًا ورُبعًا، يَعدِلُ أنْصِباءَ البَنينَ، وهم ثلاثةٌ، اجْبُرْ وقابِلْ، يَخرُج النَّصيبُ خمسةً، والمالُ سبعةَ عَشَرَ.

وطريقٌ آخَرُ: وهو أنْ تَفرض

(8)

المال أربعةً ونصيبًا، خُذْ منه أحدًا، زِدْه على الأربعة، فلكلِّ ابنٍ أحدٌ وثُلثانِ، وهو النَّصيبُ، ابْسُط الكلَّ أثْلاثًا،

(1)

في (ح): وأربعة.

(2)

في (ق): تكن.

(3)

في (ق): تكن.

(4)

في (ح): سقط.

(5)

في (ق): أسقط.

(6)

في (ظ): الوصي.

(7)

في (ق): وتستثنى.

(8)

في (ظ): يفرض.

ص: 695

تَبلُغ

(1)

سبعةَ عَشَرَ، وللموصَى

(2)

بباقي النَّصيب اثْنانِ، ولكلِّ ابنٍ خمسةٌ.

(وَإِنْ قَالَ: إِلاَّ رُبُعَ المَالِ

(3)

بَعْدَ الْوَصِيَّةِ، جَعَلْتَ الْمَخْرَجَ ثَلَاثَةً، وَزِدْتَ عَلَيْهِ وَاحِدًا، يَكُنْ أَرْبَعَةً، فَهُوَ النَّصِيبُ، وَزِدْ

(4)

عَلَى عَدَدِ الْبَنِينَ سَهْمًا وَثُلُثًا)؛ لأِنَّ ذلك طريقٌ إلى معرفة الموصَى به، (وَاضْرِبْهُ فِي الْمَخْرَجِ

(5)

، يَكُنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ سَهْمًا

(6)

، لَهُ سَهْمٌ)؛ لأِنَّه مُوصًى له بنصيبٍ، وقد تبيَّنَ أنَّه أربعةٌ إلاَّ رُبعَ الباقي بَعْدَ الوصيَّة، وقد تبيَّنَ أنَّه ثلاثةٌ، فبَقِيَ له سَهْمٌ، (وِلِكُلِّ ابْنٍ أَرْبَعَةٌ).

وإنْ شِئْتَ قُلْتَ: المالُ كلُّه ثلاثةُ أنْصِباءَ ووصيَّةٌ، الوصيَّةُ هي نصيبٌ إلاَّ رُبعَ الباقي بَعدُ

(7)

، وذلك ثلاثةُ أرْباعِ نصيبٍ، فبقي

(8)

رُبُعُ نصيبٍ، فهو الوصيَّة، والمالُ كلُّه ثلاثةٌ ورُبُعٌ، ابسُطْها تكنْ ثلاثةَ عَشَرَ، وإنْ شِئْتَ انقُص الجُزْءَ المستَثْنَى أحدًا يَبقَ ثلاثةٌ، زِدْها نصيبًا، وزِدْ منه أحدًا عليها، فالأربعُ للبَنينَ، لكلِّ ابنٍ سَهْمٌ وثُلُثٌ، وهو النَّصيبُ، وبالبَسْط تَبلُغُ

(9)

ثَلاثةَ عَشَرَ.

(وَلَا

(10)

يَلِيقُ بِهَذَا الْكِتَابِ التَّطْوِيلُ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا)؛ لأِنَّه مُختَصَرٌ.

مسائلُ:

الأولى: خلَّف ثلاثةَ بَنِينَ، ووصَّى لعمِّه بمِثْل نصيب أحدهم إلاَّ ثُلثَ وصيَّةِ خاله، ولخالِه بمِثْل نصيبِ أحدهم إلاَّ رُبُعَ وصيَّةِ عمِّه، فاضْرِبْ مَخرَجَ

(1)

في (ق): يبلغ.

(2)

في (ظ): وللوصي، وفي (ق): للوصي.

(3)

في (ح): الباقي.

(4)

في (ح): وزدت.

(5)

قوله: (واضربه في المخرج) هي في (ح): وضربته في ثلاثة.

(6)

قوله: (سهمًا) سقط من (ظ) و (ق).

(7)

قوله: (بعد) سقطت من (ح).

(8)

في (ح): فيبقى.

(9)

في (ق): يبلغ.

(10)

في (ح): وما.

ص: 696

الثُّلث في مخرَج الرُّبع، يَكُنْ اثْنَيْ عَشَرَ، انقُصْها سَهْمًا، يَبقَى أحدَ عَشَرَ، فهي نصيبُ ابنٍ، انقُصْها

(1)

سَهْمَينِ، يَبقَى تسعةٌ، فهي وصيَّة الخال، وإنْ نَقَصْتَها ثلاثةً فهي ثمانيةٌ، وهي وصيَّة العمِّ.

وبالجَبر: تَجعل مع العمِّ أربعةَ دراهِمَ، ومع الخال ثلاثةَ دنانيرَ، ثُمَّ تزيد على الدَّراهم دينارًا، وعلى الدَّنانير درهمًا، يبلغ كلُّ واحِدٍ منهما نصيبًا، اجْبُرْ وقابِلْ، وأسْقِط المشْتَرَكَ، يَبقَى معك دِينارانِ، تَعدِلُ ثلاثةَ دراهم، فاقْلِبْ وحَوِّلْ تَصِرِ الدَّراهِمُ ثمانيةً، والدَّنانيرُ تسعةً.

الثَّانية: أوْصَى لعمِّه بعَشَرةٍ إلاَّ رُبُع وصيَّةِ خاله، ولخاله بعَشرةٍ إلاَّ خُمُسَ وصيَّة عمِّه، فاضْرِبِ المخارِجَ تكُنْ عشرينَ، انقُصْها

(2)

سهمًا، تكُنْ تسعةَ عَشَرَ، فهي المقسومُ عَلَيهِ، ثمَّ اجْعَل مع الخال

(3)

أربعةً، انقُصْها سهمًا، يَبْقَى ثلاثةٌ، اضْرِبْها في العشرة، ثُمَّ فيما

(4)

مع العمِّ، وهو خمسةٌ، تكُنْ مائةً وخمسينَ، اقْسِمْها على تسعةَ عَشَرَ، فهي وصيَّةُ عمِّه، يَخرُج سبعةٌ وسبعةَ عشَرَ جُزْءًا من تسعةَ عَشَرَ، فهي وصيَّةُ عمِّه، واجْعَلْ مع العمِّ خمسةً، وانقُصْها سهمًا، واضْرِبْها في عَشَرةٍ، ثُمَّ في أربعةٍ، تكُنْ مائةً وستِّينَ، اقْسِمْها تكُنْ ثمانية

(5)

وثمانيةَ أجْزاءٍ، فهي وصيَّةُ خاله.

الثَّالثةُ: إذا أوْصَى لرجُلٍ بمِثْلِ نصيبِ أحَدِ بَنِيهِ، وهم ثلاثةٌ، ولآِخَرَ بثُلثِ ما يَبقَى من الثُّلُث، ولآِخَرَ بدِرْهَمٍ؛ فاجْعَل المالَ تسعةَ دراهِمَ وثلاثةَ أنْصِباءَ، وإلى الثَّاني

(6)

والثَّالث دِرْهَمَينِ، بَقِيَ سبعةٌ ونصيبانِ، ادْفَعْ نَصِيبَينِ

(1)

في (ق): انقصهما.

(2)

في (ح): نقصها.

(3)

في (ح) و (ق): المال.

(4)

في (ظ) و (ق): ثم ما في.

(5)

في (ح): مائة.

(6)

هكذا في النسخ الخطية، وفي المغني 6/ 172، والشرح 17/ 457: فادفع إلى الوصي الأول نصيبًا، وإلى الثاني والثالث

).

ص: 697

إلى ابنين

(1)

، يبقى

(2)

سبعةٌ للابْن الثَّالث، فالنَّصيبُ سبعةٌ، والمالُ ثلاثون، فإنْ كانت الوصيَّةُ الثَّالثةُ بدِرهَمَينِ؛ فالنَّصيبُ ستَّةٌ، والمالُ سبعةٌ وعِشْرُون.

واللهُ أعْلَمُ بالصواب

(3)

.

(1)

في (ح): اثنين.

(2)

في (ح): فبقي.

(3)

قوله: (بالصواب) سقط من (ح) و (ق).

ص: 698

(بَابُ الْمُوصَى إِلَيْهِ)

لا بأْسَ بالدُّخول في الوصيَّة؛ لِفِعْل الصَّحابة رضي الله عنهم، فرُوِي عن أبي عبيد

(1)

: «أنَّه لَمَّا عبَر الفُرَات أوْصَى إلى عمرَ»

(2)

، «وأوْصَى إلى الزُّبير ستَّةٌ من الصَّحابة؛ منهم: عُثمانُ، وابنُ مسعودٍ، وعبدُ الرَّحمن بنُ عَوفٍ»

(3)

، ولأِنَّها وكالةٌ أشْبَهَت الوديعةَ.

وقِياسُ قَولِ أحمدَ: أنَّ عَدَمَ الدُّخول فيها أَوْلَى؛ لِمَا فِيها من الخَطَر، وهو لا يَعدِلُ بالسَّلامة شَيئًا؛ كما كان يَرَى عَدَمَ الالْتِقاط، وتَرْكَ الإحرام قَبْلَ الميقات، وحديثُ أبي ذرٍّ شاهِدٌ بذلك

(4)

.

(تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُسْلِمِ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، عَاقِلٍ، عَدْلٍ)، مكلَّفٍ، رشيدٍ، إجْماعًا

(5)

، ولو مسْتُورًا أوْ عاجِزًا، ويُضَمُّ إليهِ أمينٌ، (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا)؛ لأِنَّه يصح

(6)

اسْتِنابتُه في الحياة، فصحَّ أنْ يُوصَى إليه كالحُرِّ.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ بين

(7)

أنْ يكونَ عبْدًا للموصِي أوْ لغَيرِه، ذَكَرَه ابنُ حامِدٍ، لكِنْ إنْ كان لغَيرِه؛ اشْتُرِط إذْنُ سيِّده.

(1)

في (ظ) و (ق): عبيدة. والمثبت هو الموافق لما في المصادر الحديثية، وهو أبو عبيد بن مسعود الثقفي.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (30911)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستيعاب (4/ 1710)، وابن حجر في الإصابة (7/ 223)، عن قيس بن أبي حازم به. وإسناده صحيح.

(3)

تقدم تخريجه 6/ 561 حاشية (2).

(4)

مراده ما أخرجه مسلم (1826)، عن أبي ذر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يا أبا ذر، إني أراك ضعيفًا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمرنَّ على اثنين، ولا تَوَلَّيَنَّ مالَ يتيم» .

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 77.

(6)

في (ح): تصح.

(7)

قوله: (بين) سقط من (ح).

ص: 699

وخصَّه الأوزاعيُّ والنَّخَعِيُّ: بعَبده.

وقال أبو يوسفَ ومحمَّدٌ وفاقًا للشافعي

(1)

: لا تصح

(2)

إلى عبدٍ بحال؛ لأنَّه لا يكون ولِيًّا على ابنه بالكسب

(3)

، فلا يَجوزُ أنْ يَلِيَ الوصيَّةَ؛ كالمجنون.

وجوابُه: بأنَّه يَنتَقِضُ بالمرأة، والمكاتَب، والمدبَّر.

والمعتَقُ بعضُه كالعبد.

(أَوْ مُرَاهِقًا)، بكَسْر الهاء، وهو القريبُ من الاِحْتِلام، فظاهِرُه: أنَّ البُلوغَ لَيسَ بشَرْطٍ في صحَّتها؛ لأِنَّ المراهِقَ كالبالغ في إمْكانِ التَّصرُّف، فصحَّت إليه كالبالغ، وهذا روايةٌ.

وفي أخرى: تَصِحُّ إلى مُمَيِّزٍ، قال

(4)

القاضي: هو قياسُ المذْهَب؛ لأِنَّ أحمدَ نَصَّ على صحَّة وكالته

(5)

، فيُعْتَبَرُ على هذا مجاوزة العَشر

(6)

، وفي «المغْنِي»: لا أعْلَمُ فيه نَصًّا عن أحمدَ.

والمذهَبُ: اشتراط

(7)

البُلوغ، جَزَمَ به الأكثرُ؛ لأِنَّه لَيسَ من أهل الشَّهادة والإقْرار، وهو مُوَلًّى عَلَيهِ، فلم يَكُنْ من أهل الولاية؛ كالطِّفل.

(أَوِ امْرَأَةً) في قَولِ جمهورِ العلماء، ولم يُجِزْهُ عَطاءٌ؛ لأِنَّها لا تكونُ قاضيَةً.

(1)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 4/ 184، البيان للعمراني 3/ 804.

(2)

في (ح): لا يصح.

(3)

كذا في (ظ) و (ق)، وفي (ح): أشبه الكسب. والذي في المغني 6/ 245 والشرح الكبير 17/ 464: بالنسب.

(4)

في (ظ): وقال.

(5)

ينظر: الشرح الكبير 17/ 465.

(6)

قوله: (العشر) سقط من (ح).

(7)

في (ح): اشترط.

ص: 700

وجَوابُه: بأنَّ «عمرَ أوْصَى إلى حفصةَ»

(1)

، ولأِنَّها من أهل الشَّهادات، أشْبَهَت الرَّجُلَ، وتُخالِفُ

(2)

القَضاءَ، فإنَّه يُعتَبَرُ له الكمالُ في الخِلْقة والاِجْتِهاد.

(أَوْ أُمَّ وَلَدٍ)، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لأِنَّها تكونُ حرَّةً من أصل المال عِنْدَ نُفوذِ الوصيَّة.

(وَلَا تَصِحُّ إِلَى غَيْرِهِمْ)؛ كالطِّفل والمجْنون؛ لأِنَّهما لَيسَا من أهل التَّصرُّف في أموالهما

(4)

، فلا يَلِيَانِ على غَيرِهما.

والكافِرِ؛ لأِنَّه لَيسَ من أهل الوِلايَة على المسْلِمِ، فلم تَصِحَّ إلَيهِ بغَير خِلافٍ نَعْلَمُه

(5)

.

والفاسِقِ؛ لأِنَّه لَيسَ بأمينٍ، ولا من أهل الشَّهادة؛ كالمجْنون.

وكذا لا تَصِحُّ إلى مَنْ لا يَهتَدِي إلى

(6)

التَّصرُّف؛ لِسَفَهٍ، أوْ مَرَضٍ، أوْ هَرَمٍ، ونحوِه.

(وَعَنْهُ: تَصِحُّ إِلَى الْفَاسِقِ، وَيَضُمُّ الْحَاكِمُ إِلَيْهِ أَمِينًا)، اختارها الخرقيُّ؛ جَمْعًا بَيْنَ نَظَرِ الموصِي وحِفْظِ المال، وشرطه

(7)

: إنْ أمْكَنَ الحِفْظُ به، صرَّح به في «الفروع» وغيره.

وعَنْهُ: تَصِحُّ إلَيهِ مطلَقًا؛ أيْ: لا يَفْتَقِرُ إلى أمينٍ، حكاها أبو الخَطَّاب في «خلافه» ، وأخَذَها في «المغْنِي» من روايةِ ابنِ مَنْصورٍ: (إذا كان مُتَّهَمًا لم

(1)

تقدم تخريجه 6/ 435 حاشية (6).

(2)

في (ق): ويخالف.

(3)

ينظر: المغني 6/ 245.

(4)

في (ح): أمواليهما.

(5)

ينظر: المغني 6/ 244.

(6)

قوله: (إلى) سقط من (ح).

(7)

في (ح): وبشرطه.

ص: 701

يَخرُجْ من يَدِه)

(1)

، ولأِنَّه أهلٌ للائتمان

(2)

في الجُمْلة، بدليلِ جوازِ إيداعِه، لكِنْ تَتِمَّةُ روايةِ ابنِ منصورٍ:(ويُجعَلُ معه آخَرُ)؛ كروايةِ يوسفَ بنِ موسَى: (إنْ كان

(3)

مُتَّهَمًا؛ ضُمَّ إلَيهِ أمينٌ يَعلَمُ ما جَرَى، ولا تُنزَع الوصيَّةُ منه)

(4)

، وذَكَرَها جماعةٌ

(5)

في فِسْقٍ طارئٍ فَقَط.

وقيل عَكْسُه.

وتَرجَمه الخَلاَّل: هل للورثة

(6)

ضَمُّ أمينٍ مع الوصيِّ المتَّهَمِ؟

ثُمَّ إنْ ضمَّه

(7)

بأُجْرَةٍ من الوصيَّة؛ توجَّه جَوازُه، ومن الوصي؛ فيه نَظَرٌ

(8)

، بخِلافِ ضمِّه مع الفِسْقِ.

وعُلِمَ مِنْهُ: أنَّه لا نَظَرَ لحاكم

(9)

مع وَصِيٍّ خاصٍّ كُفْءٍ.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، فِيمَنْ أُوصِيَ إلَيه بإخْراجِ حِجَّةٍ: (وِلايَةُ

(10)

الدَّفْع والتَّعيين للنَّاظِرِ الخاصِّ، وإنَّما

(11)

للولِيِّ العامِّ الاعتراض

(12)

لِعَدَمِ أهْلِيَّته أوْ فِعْلِه محرَّمًا)

(13)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4305.

(2)

في (ح): الائتمان.

(3)

قوله: (كان) سقط من (ح).

(4)

ينظر: الوقوف والترجل ص 69.

(5)

في (ح): الجماعة.

(6)

في (ح): الورثة.

(7)

في (ح): ضم.

(8)

قوله: (الوصي فيه نظر) هو في (ق): الموصي به نظر.

(9)

في (ح): للحاكم.

(10)

في (ق): ولايته.

(11)

في (ق): وأما.

(12)

في (ح): الاعتراف.

(13)

ينظر: الفروع 7/ 487.

ص: 702

فظاهِرُه: أنَّه لا نَظَرَ، ولا ضَمَّ مع وصِيٍّ غَيرِ متَّهَمٍ

(1)

، وذَكَرَه جماعةٌ.

(وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَ

(2)

الْمَوْتِ؛ فَهَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما - وهو الأصح -: أنَّه يُعتَبَرُ وُجودُ هذه الشُّروط في الوصيِّ عِنْدَ الوصيَّة والموت؛ لأِنَّها شُروطُ العَقْد، فيُعتَبَرُ حالَ وجوده؛ كسائر العُقُود.

والثَّاني: أنَّها تُعتَبَرُ حالةَ الموت حَسْبُ؛ كالوصيَّة له، ولأِنَّ شروطَ الشَّهادة تُعتَبَرُ حالةَ التَّحمُّلِ لا الأداء.

ورُدَّ: بأنَّ الوصيَّةَ صحيحةٌ وإنْ كانَتْ لوارِثٍ، وإنَّما يُعتَبَرُ عَدَمُ الإرث وخروجُها من الثُّلث للنُّفوذ واللُّزوم، فاعتُبِرَ بحالته، بخلاف مسألتنا، فإنَّها شُروطٌ لصحَّة العَقْدِ، فاعتبرت

(3)

بحالةِ العَقْد، ولا يَنْفَعُ وُجودُها بَعْدَه.

وقِيلَ: ويُعتَبَرُ

(4)

ما بَينَهُما.

(وَإِذَا أَوْصَى إِلَى وَاحِدٍ، وَبَعْدَهُ إِلَى آخَرَ؛ فَهُمَا وَصِيَّانِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، كما لو أوصى إليهما جميعًا، (إِلاَّ أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَخْرَجْتُ)، أوْ عَزَلَتُ (الْأَوَّلَ)، فإنَّها تَبطُلُ وصيَّتُه؛ لأِنَّه صرَّح

(6)

بعَزْله فانْعَزَلَ؛ كما لو وكَّله ثُمَّ عَزَلَه.

(وَلَيْسَ لِأًحَدِهِمَا)؛ أي: الوصِيَّينِ، سَواءٌ أوْصَى إلَيهِما مَعًا أوْ على التَّعاقُب؛ (الانْفِرَادُ

(7)

بِالتَّصَرُّفِ)؛ لأِنَّه لم يَرْضَ بنَظَره وحدَه؛ كالوكِيلَينِ،

(1)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 7/ 487 والإنصاف 17/ 467: مع وصي متهم.

(2)

في (ح): بعد.

(3)

في (ح): فاعتبر.

(4)

في (ح): يعتبر.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4360.

(6)

في (ق): خرج.

(7)

في (ح): إلا انفراد.

ص: 703

(إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ)، فإنَّه يَنفَرِدُ بالتَّصرُّف، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، كما لو كان مُنفَرِدًا.

وعلى الأوَّل: متى تعذَّر اجْتِماعُهما؛ أقام الحاكِمُ مقام

(2)

الغائب أمينًا، ذَكَرَه في «المغْني» و «الشَّرح» .

فلو اخْتَلَفا في جَعْل المال عِنْدَ مَنْ يكونُ منهما؛ جُعِل في مكان يكون

(3)

تحتَ أيديهما جميعًا.

وقال مالِكٌ: يُجعَل عِنْدَ أعْدَلِهما

(4)

.

وقال أصحابُ الرَّأْي: يُقسَمُ بَينَهما، وهو المنصوصُ عن

(5)

الشَّافِعِيِّ

(6)

.

(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا)، أوْ وُجِدَ منه ما يُوجِبُ عَزْلَه؛ (أَقَامَ الْحَاكِمُ مُقَامَهُ

(7)

أَمِينًا) لُزُومًا؛ لأِنَّ الموصِيَ لم يَرْضَ بنَظَرِه وحدَه، فلو أراد الحاكِمُ أنْ يَكتَفِيَ بالثَّاني؛ لم يَجُزْ.

وإنْ وُجِد منهما ما يقْتَضِي المنْعَ؛ فللحاكِمِ أنْ يَنصِبَ مكانَهما، وفي الاكتفاء بواحِدٍ وجْهانِ، كذا في «الشَّرح» و «الفروع» .

ومَحَلُّ ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: ما إذا أطْلَقَ، فإنْ جَعَلَ لِكُلٍّ منهما التَّصرُّفَ؛ لم يَجُزْ للحاكم إقامةُ أمين

(8)

.

وفي «الرِّعاية» : إذا مات أحدُهما، أوْ جُنَّ، وعَجَزَ الآخَرُ عنها، أوْ فَسَقَ؛

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 546.

(2)

في (ح): مكان.

(3)

قوله: (يكون) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

ينظر: المدونة 4/ 334.

(5)

في (ح): عند.

(6)

ينظر: المبسوط 28/ 28، نهاية المطلب 11/ 359.

(7)

في (ح): مكانه.

(8)

في (ح): اثنين.

ص: 704

أقام اثنين

(1)

؛ كما لو عَجَزَا أوْ فسقا

(2)

. وقِيلَ: يَكْفِي واحِدٌ.

(وَكَذَلِكَ إِنْ فَسَقَ)؛ أيْ: يُقِيمُ الحاكِمُ مقامَه أمينًا. (وَعَنْهُ: يُضَمُّ إِلَيْهِ أَمِينٌ)، تقدَّم الكلامُ في صحَّة الوصيَّة إلى الفاسق، والكلامُ الآن على الفِسْق الطَّارِئِ، فعِنْدَ المؤلِّف: هو مَبْنِيٌّ على الرِّوايَتَينِ في صحَّة الوصيَّة إلَيهِ ابْتِداءً.

واختار القاضي وغيرُه: البُطْلانَ، ويُقِيمُ الحاكِمُ مقامَه أمينًا، وهو قَولُ الثَّوريِّ وإسْحاقَ، وحَمل كلام

(3)

أحمدَ والخِرَقِيِّ على الفِسْق الطَّارِئِ بعد

(4)

الموت.

وعِنْدَ المجْدِ: يُبدَّلُ بأمِينٍ بلا نِزاع؛ نَظَرًا إلى أنَّ الوصِيَّ

(5)

في الاِبْتِداء قد رَضِيَه واختاره، والظَّاهِرُ: أنَّه إنَّما فَعَلَ ذلك لِمَعْنًى رآه فيه؛ إمَّا لِزِيادةِ حفظه

(6)

، أوْ إحْكامِ تصرُّفه، ونحوِه مِمَّا يَرْبُو على ما فيه من الخيانة، بخِلافِ ما لو طَرَأَ فِسْقُه، فإن حال

(7)

الموصِي يَقتَضِي أنَّه إنَّما رَضِي بِعَدْلٍ ولا عَدْلَ.

وذَكَرَ في «الشَّرح» : (أنَّ التفريق

(8)

بَينَ الفِسْق المقارِنِ والطَّارِئِ بعيدٌ

(9)

، فإنَّ الشُّروطَ تُعتَبَرُ في الدَّوام؛ كاعْتِبارها في الاِبْتِداء، سِيَّما إذا كانت لِمَعْنًى يُحتاجُ إلَيهِ في الدَّوام، وإذا لم يَكُنْ بُدٌّ من التَّفريق؛ فاعْتِبارُ العدالة في الدَّوام أَوْلَى، مِنْ قِبَلِ أنَّ الفِسْقَ إذا كان مَوجُودًا حالَ الوصيَّة؛ فقد رَضِيَ به الموصِي

(1)

في (ظ) و (ق): أمين. والمثبت هو الظاهر، قال في الفروع 7/ 489:(فإن وُجد منهما؛ ففي الاكتفاء بواحد وجهان).

(2)

في (ح): وفسقا.

(3)

قوله: (كلام) سقط من (ح).

(4)

في (ح): عند.

(5)

في (ق): الموصي.

(6)

في (ح): الزيادة وحفظه.

(7)

قوله: (فإن حال) في (ح): فحال.

(8)

في (ح): التفرق.

(9)

في (ق): مفيد.

ص: 705

مع عِلْمِه بحاله، وأوْصَى إلَيهِ راضِيًا بتصرُّفه مع فِسْقِه، فيُشعِر ذلك بأنَّه عَلِمَ أنَّ عِنْدَه من الشَّفَقة على اليَتِيمِ ما يَمنَعُه من التَّفريط فيه وخيانتِه في ماله، بخِلافِ ما إذا طَرَأَ فِسْقُه، فإنَّه لم يَرْضَ به على تلك الحال، والاِعْتِبارُ بِرِضاهُ).

(وَيَصِحُّ قَبُولُهُ لِلْوَصِيَّةِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي)؛ لأِنَّه إذْنٌ في التَّصرُّف، فصَحَّ قَبولُه بَعْدَ العَقْد كالوكالة، بخِلافِ الوصيَّة له، فإنَّها تمليكٌ في وَقْتٍ، فلم يَصِحَّ القَبولُ قَبْلَ الوقْت، (وَبَعْدَ مَوْتِهِ)؛ لأِنَّها نَوعُ وصيَّةٍ، فَصَحَّ قَبولُها كالوصيَّة، ومَتَى قَبِلَ صار وصِيًّا.

فَرْعٌ: يَجوزُ أنْ يَجعَلَ للوصِيِّ جُعْلاً؛ كالوكالة، ومُقاسَمَةُ الوصِيِّ الموصَى له جائزةٌ على الوَرَثَة؛ لأِنَّه نائبٌ عَنْهُم، فمُقاسَمَتُه

(1)

للوَرَثَة على الموصَى له غَيرُ جائزةٍ؛ لأِنَّه لَيسَ بنائبٍ عنه

(2)

.

(وَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ مَتَى شَاءَ)؛ لأِنَّه مُتصرِّفٌ بالإذن كالوكيل، وظاهِرُه: مع القُدْرة وحياة

(3)

الموصِي، وضِدِّهما

(4)

.

(وَعَنْهُ: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِهِ)، ذَكَرَها ابنُ أبي مُوسَى، وقاله أبو حنيفةَ، وزاد

(5)

: لا يَجوزُ في حياته إلاَّ بحضرَتِه

(6)

؛ لأِنَّه غرَّه

(7)

بالْتِزامِ وصيَّتِه، ومَنَعَه بذلك الإيصاءَ إلى غَيرِه.

ونَقَلَ الأثْرَمُ وحَنبَلٌ: له عَزْلُ نَفْسِه إنْ وَجَدَ حاكِمًا

(8)

، قدَّمه في «المحرَّر» .

(1)

كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 17/ 483: ومقاسمته

(2)

في (ح): عنه، وفي (ق): عنهم.

(3)

في (ح): حياة.

(4)

في (ح): وضدها.

(5)

زيد في (ح): وعنه.

(6)

ينظر: تحفة الفقهاء 3/ 218، الدر المختار 5/ 484.

(7)

في (ح): غيره.

(8)

ينظر: الفروع 7/ 491.

ص: 706

وعَنْهُ: لَيسَ له ذلك قَبْلَ مَوتِه إذا لم يُعْلِمْه، قِيلَ لأِحْمَدَ: إنْ قَبِلَها، ثُمَّ غَيَّرَ الوصيَّةَ فِيها، قال: لا يَلزَمُه قبولها

(1)

إذا غَيَّرَ فِيها

(2)

.

مسألةٌ: ما أنْفَقَه وصيٌّ متبرِّعٌ بمعروفٍ في ثُبوتها فمِنْ مالِ يتيمٍ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

.

(وَلِلْمُوصِي عَزْلُه مَتَى شَاءَ)؛ كالموكِّل.

(وَلَيْسَ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُوصِيَ)؛ أيْ: إذا أُطْلِق على المذهب؛ لأِنَّه قُصِرَ في تَولِيَتِه، فلم يكُنْ له التَّفويضُ كالوكيل، (إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ إِلَيْهِ)؛ بأنْ يقولَ: أذِنتُ لك أن توصِيَ إلى مَنْ شِئْتَ، أوْ: كُلُّ مَنْ أوْصَيتَ إلَيهِ فقد أَوصَيتُ إليه، أوْ: هو وصِيِّي، فإنَّه يَصِحُّ في قَولِ أكثرِ العلماء؛ كالوكيل إذا أُمِرَ بالتَّوكيل.

(وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ) مُطلَقًا؛ لأِنَّ الأبَ أقامَهُ مَقامَ نفسه، فمَلَكَ الوصيَّة؛ كالأب.

والفَرْق واضِحٌ، فإنَّ الأبَ يَلِي بغير

(4)

توليةِ أحدٍ.

وحَكَى في «الرِّعاية» قَولاً: أنَّ الرِّوايَتَينِ فيما يَتوَلَّى مِثْلُه، ويَصِحُّ فيما لا

(5)

يَتوَلاَّهُ مِثْلُه.

وقِيلَ: إنْ أَذِنَ له في الوصيَّة إلى شخصٍ مُعَيَّنٍ؛ جاز، وإلاَّ فلا.

تنبيهٌ: إذا قال: أَوصَيتُ إلى زَيدٍ، فإنْ ماتَ فعَمْرٍو؛ صحَّ روايةً واحدةً، ويكونُ كلٌّ منهما وصِيًّا، إلاَّ أنَّ عَمْرًا بَعْدَ زَيدٍ، ومِثلُه: أَوصَى إلَيهِ، ثُمَّ قال: إنْ تاب ابْنِي عن فِسْقِه، أوْ قَدِمَ من غَيبَتِه، أوْ صحَّ من مَرَضِه، أوْ رَشَدَ؛ صار

(1)

قوله: (قبولها) سقط من (ح).

(2)

ينظر: الفروع 7/ 491.

(3)

ينظر: الفروع 7/ 492، الاختيارات ص 280.

(4)

في (ح): من غير.

(5)

قوله: (لا) سقط من (ح).

ص: 707

الثَّانِي وصِيًّا عِنْدَ الشرط

(1)

، ذكره الأصحاب، أو: هو وصِيِّي

(2)

سنةً ثُمَّ عَمْرٌو؛ للخبر: «أمِيرُكم زَيدٌ»

(3)

، والوصيَّة كالتَّأْمِير.

قال في «الفروع» : (ويتوجَّه: لا؛ لأِنَّ الوصيَّةَ اسْتِنابَةٌ بَعْدَ الموت، فهي كالوكالة في الحياة، ولهذا: هل للوصِيِّ أنْ يُوصِيَ ويَعزِلَ مَنْ وَصَّى إليه؟ ولا يَصِحُّ

(4)

إلاَّ في معلومٍ، وللمُوصِي عَزْلُه وغَيرُ ذلك؛ كالوكيل.

فلِهذا لا يُعارِضُ ذلك ما ذَكَرَه القاضي وجماعةٌ: إذا قال الخليفةُ: الإمامُ بَعْدِي فُلانٌ، فإنْ ماتَ فلان

(5)

في حياتي، أوْ تَغَيَّرَ حالُه؛ فالخَليفةُ فُلانٌ؛ صحَّ، وكذا في الثَّالث والرَّابع.

وإنْ قال: فُلانٌ وليُّ عهدي

(6)

، فإنْ وَلِيَ ثُمَّ ماتَ؛ فَفُلانٌ بَعدَه؛ لم يَصِحَّ للثَّاني، وعلَّلوه: بأنَّه إذا وَلِيَ صار إمامًا، وصار التَّصرُّفُ والنَّظَرُ والاِخْتِيارُ إلَيهِ، فكان العَهْدُ إلَيهِ فيمن

(7)

يَراهُ، وفي التي قَبْلَها جَعَل العَهْد إلى غَيرِه عِنْدَ مَوتِه، وتغير

(8)

صفاته في الحالة التي لم تَثْبُتْ للمَعْهود إلَيهِ إمامةٌ.

وظاهِرُ هذا: أنَّه لو علَّقَ ولِيُّ الأمر وِلايَةَ الحُكْم أو وظيفة

(9)

بشَرْطِ شُغورِها، أو بشَرْطٍ فَوُجِد

(10)

الشَّرطُ بَعْدَ مَوتِ وَلِيِّ الأمر والقيام مَقامَه؛ أنَّ

(1)

في (ح): الشروط.

(2)

في (ق): وصي.

(3)

أخرجه البخاري (4261)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أمَّر رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤتة زيد بن حارثة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن قُتل زيد فجعفر، وإن قُتل جعفر فعبد الله بن رواحة» .

(4)

في (ق): ولا تصح.

(5)

قوله: (فلان) سقط من (ح).

(6)

في (ح): عبدي.

(7)

في (ظ): فيما.

(8)

في (ح): وتعتبر.

(9)

في (ح): وظيفته.

(10)

في (ق): يوجد.

ص: 708

وِلايَتَه تَبطُلُ، وأنَّ النَّظَرَ والاِخْتِيارَ لِمَنْ قامَ مَقامَه، يُؤيِّدُه: أنَّ الأصحابَ اعْتَبَرُوا وِلايَةَ الحكم بالوكالة في مسائِلَ، فإنَّه لو عَلَّقَ عِتْقًا أوْ غَيرَه بشَرْطٍ؛ بَطَلَ بمَوتِه؛ لِزَوالِ ملْكِه، فتَبطُلُ تَصرُّفاتُه) انتهى.

وذَكَرَ بعضُ المحقِّقينَ: أنَّ في اعتبار الولاية بالوكالة نَظَرًا؛ لأِنَّ تعليقَ الوكالة بالموت لا تَصِحُّ، بخِلافِ الولاية، كما إذا عَهِدَ الإمامُ لآِخَرَ بَعْدَه، فإنَّه يَصِحُّ، فالأَوْلَى اعْتِبارُ الوِلايةِ بالوصيَّة؛ لأِنَّها تتعلق

(1)

بالموتِ لا الحياة

(2)

، بخِلافِ الوكالة، فإنَّها

(3)

لا تتعلَّق بالموت إجْماعًا، وتَبطُلُ به، فهي ضِدُّ الوكالة؛ لِصِحَّتها بَعْدَ الموت خاصَّةً، والوكالةُ لا تَصِحُّ إلاَّ في الحياة، فَهُمَا مُتَضادَّتانِ، فلا يَلزَمُ من صِحَّتها بَعْدَ الموت صِحَّتُها في الحياة، فإذا انْقَطَعَتْ وِلايَةُ العاهِدِ قَبْلَ مَوتِه بعَزْلِه أوْ جنونه

(4)

؛ يَنبَغِي أنْ يَبطُلَ عَهدُه، كما لو زال ملْكُ الموصِي عن العَينِ الموصَى بِهَا قَبْلَ مَوتِه.

(وَلَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ إِلاَّ فِي) تَصرُّفٍ (مَعْلُومٍ)؛ لِيَعلَم الموصَى إليه ما وُصِّيَ به إلَيهِ لِيَحْفَظَه ويَتصرَّفَ فيه، (يَمْلِكُ المُوصِي

(5)

فِعْلَهُ؛ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَفْرِيقِ الْوَصِيَّةِ، وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ)؛ لأِنَّ الوَصِيَّ يَتصرَّف بالإذن، فلم يَجُزْ إلاَّ في مَعْلُومٍ يَملِكُه الموصِي؛ كالوكالة، ولَيسَ هذا خاصًّا بالأطفال، بل ذُو الوِلاية إذا أَوْصَى إلى مَنْ يَنْظُرُ في أمْرِ أولادِهِ المجانِينِ ومَنْ لم يُؤنَسْ منه

(6)

رُشْدٌ؛ صحَّ، بأنْ يَحفَظَ مالَهم، ويتصرَّفَ فِيهِ بالأحَظِّ، فأمَّا مَنْ لا

(7)

ولايةَ له

(1)

في (ح): تعليق.

(2)

في (ح): لا لحياة.

(3)

في (ح): فإن.

(4)

في (ح): حياته.

(5)

في (ح): الوصي.

(6)

في (ظ): منهم.

(7)

قوله: (لا) سقط من (ح).

ص: 709

عَلَيهم؛ كالعُقَلاء الرَّاشِدينَ، وغَيرِ أولاده من الإخوة والأعْمامِ؛ فلا تَصِحُّ الوصيَّة؛ لِعَدَم الولاية في الحياة.

فَرْعٌ: تصِحُّ الوصيَّةُ بِحَدِّ قَذْفِه يَسْتَوفِيهِ له، لا للمُوصَى له.

(وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ فِي شَيْءٍ؛ لَمْ يَصِرْ وَصِيًّا فِي غَيْرِهِ)؛ لأِنَّه اسْتَفادَ التَّصرُّفَ بالإذْن من جِهَتِه، فكان مقصورًا على ما أَذِنَ فيه كالوكيل.

وقال أبو حنيفةَ: يَملِكُ الكلَّ

(1)

؛ لأِنَّها ولايةٌ تَنتَقِلُ من الأب، فلا تتبعَّضُ؛ كوِلايَةِ الجَدِّ.

وأُجِيبَ: بمَنْع وِلايَتِه، ولو سُلِّم؛ فاسْتَفادَها بالقَرابة، وهي لا تتبعَّض، والإذْنُ يتبعَّض، فافْتَرقا.

فإنْ وَصَّى إليه في تَرِكَتِه، وأنْ يقومَ مَقامَه؛ فهذا وصيٌّ في جميع أموره، يَبِيعُ ويَشْتَرِي إذا كان نَظَرًا لهم.

(وَإِذَا أَوْصَى إِلَيْهِ بِتَفْرِيقِ ثُلُثِهِ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ إِخْرَاجَ ثُلُثِ مَا فِي أَيْدِيهِمْ؛ أَخْرَجَهُ كُلَّهُ مِمَّا فِي يَدِهِ)؛ نَقَلَه أبو طالِبٍ

(2)

؛ لأِنَّ حقَّ الموصَى له يتعلق

(3)

بأجْزاءِ التَّرِكة، فجاز أنْ يَدفَعَ إليه مِمَّا في يده؛ كما يَدفَعُ إلى بعض الوَرَثَة.

(وَعَنْهُ: يُخْرِجُ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ)؛ لأِنَّه مُوصًى به، ولا حقَّ للورثة فيه، وثُلُثاهُ لَيسَ كذلك، (وَيَحْبِسُ بَاقِيَهُ حَتَّى يُخْرِجُوا)؛ لأِنَّ إخْراجَ بقيَّةِ الثُّلث واجِبٌ، وهذا وسيلةٌ إليه.

وفي «الفروع» : في جَواز قَضائه باطِنًا، وتَكمِيلِ ثُلُثِه من بقيَّة ماله روايتانِ، وحَمَلهما

(4)

في «المغني» و «الشَّرح» على حالَتَينِ:

(1)

ينظر: الأصل للشيباني 5/ 195، المبسوط 28/ 26.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 547.

(3)

في (ظ): متعلق.

(4)

في (ح): وحملها.

ص: 710

فالأُولَى: محمولةٌ على ما إذا كان المالُ جنسًا واحِدًا؛ لأِنَّه لا فائدةَ في انتظار إخراجِهم.

والثَّانيةُ: محمولةٌ على ما إذا كان أجْناسًا؛ لأِنَّها تتعلَّق بثُلُث كلِّ جِنْسٍ، فلم يَجُزْ أنْ يُخرِجَ عِوَضًا عن ثلث ما في أيديهم مِمَّا في يَدِه؛ لأِنَّها مُعاوَضَةٌ تتعلَّق بتَراضِيهِم.

وحَكَى ذلك في «الرِّعاية» قَولاً عن

(1)

أحمد: يَرُدُّه

(2)

إلَيهم ويَطلُبُهم بالثُّلث.

فإنْ فرَّقه، ثُمَّ ظَهَرَ دَينٌ مُسْتَغْرِقٌ، أوْ جُهِلَ مُوصًى له فتصدَّق هو أو حاكِمٌ؛ لم يَضمَنْ على الأصحِّ، وقال ابنُ حَمْدانَ: بل يَرجِعُ به؛ كَوَفاءِ

(3)

الدَّين.

(وَإِنْ أَوْصَاهُ بِقَضَاءِ دَيْنٍ مُعَيَّنٍ، فَأَبَى الْوَرَثَةُ)، أوْ جَحَدُوا، وتعذَّر

(4)

ثُبوتُ (ذَلِكَ؛ قَضَاهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ)؛ أيْ: باطِنًا، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّه واجِبٌ، سَواءٌ رَضُوا به أوْ أبَوْهُ، ولأِنَّه لا حقَّ لهم إلاَّ بَعْدَ وفاءِ الدَّين.

والثَّانية: المنع

(5)

؛ لأِنَّه لا يَأمَنُ رُجوعَهم عَلَيهِ.

وقِيلَ له في روايةِ أبي داودَ مع عدم البيِّنة في الدَّين: أَيَحِلُّ له إن لم

(6)

يُنفِّذْه؟ قال: لا

(7)

.

(1)

في (ح) و (ق): وعن.

(2)

في (ظ): برده.

(3)

في (ق): لوفاء.

(4)

في (ح): تعذر.

(5)

قوله: (المنع) سقط من (ح).

(6)

قوله: (لم) سقطت من (ح).

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 289، قال: سمعت أحمد، وسئل عن رجل أوصى إلى رجل وأقر له أن لفلان ولفلان، أللورثة أن يعنتوه؟ قال: بد من بينة، قال: قد أقر به للوصي؟ قال: فالقاضي أمين ينبغي له أن ينفذه، قيل لأحمد: فيحل له إن لم ينفذه؟ قال: لا.

ص: 711

وعَنْهُ: إنْ أَذِنَ فِيهِ حاكِمٌ جاز، قِيلَ لأِحمدَ: فإنْ عَلِمَ الوَصِيُّ أنَّ لرجلٍ عَلَيهِ حقًّا، فجاء الغَريمُ يُطالِبُ الوصِيَّ

(1)

، وقدَّمه إلى القاضي ليستحلفه

(2)

: أنَّ مَا لِي في يَدَيكَ حقٌّ، قال:(لا يَحلِفُ، ويُعلِمُ القاضِي بالقضيَّة، فإنْ أعْطاهُ القاضِي فهو أعْلَمُ)

(3)

؛ أي: يُقيمُ القاضِي ثبوتَه، ويُشهِد بما

(4)

أَمَرَه به، فلو صدَّقه وارِثٌ؛ لَزِمَه منه بِقَدْر حقِّه، نَصَّ عَلَيهِ.

فإنْ كان ثَمَّ بيِّنةٌ؛ ففي لُزُومِ قضائه بلا حاكِمٍ، ففي «المغْنِي» و «الشَّرح»: في جوازه روايتانِ، ما لم يصدِّقه وارِثُه المكلَّفُ؛ لأِنَّه إقْرارٌ منهم على أنفسهم.

مسألةٌ: يُسَنُّ الإيصاءُ بقَضاءِ الدَّين؛ لأِنَّه إذا شُرِعَ له الوصيَّةُ في حقِّ غَيرِه؛ فحاجةُ نَفْسِه أَوْلَى، وهذا في الدَّين الذي لا يَعجِزُ عن وفائه في الحال، فأمَّا الذي يَعجِزُ عن وفائه في الحال؛ فالوَصاةُ به واجِبَةٌ، قاله بعضهم

(5)

.

(وَعَنْهُ فِيمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ لِمَيْتٍ، وَعَلَى الْمَيْتِ دَيْنٌ

(6)

: أَنَّهُ يَقْضِي دَيْنَ الْمَيْتِ إِنْ لَمْ يَخَفْ تَبِعَةً)؛ يَعْنِي: إذا خافَ أنْ يَطْلُبَه الوَرَثَةُ بما عَلَيهِ، ويُنكِرُوا الدَّيْنَ على مَورُوثِهم

(7)

؛ فلا يَقْضِيهِ؛ لأِنَّه لا يَأْمَنُ رُجوعَهم عَلَيهِ.

(1)

في (ق): الموصي.

(2)

في (ح) و (ق): يستحلفه.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 550.

(4)

في (ق): ما.

(5)

قوله: (مسألة: يسن الإيصاء

) إلى هنا سقط من (ح).

(6)

قوله: (دين) سقط من (ح).

(7)

في (ق): مورثهم.

ص: 712

وإنْ لم يَخَفْ ذلك؛ قَضَى

(1)

دَينَ الميت بما

(2)

عَلَيهِ؛ من تَبرِئَةِ ذمَّتِه وذمَّة الميت

(3)

.

وفي براءة المَدِين باطِنًا بقضاءِ دَينٍ يَعْلَمُه على الميت الرِّوايَتانِ. فإنْ كان عَلَيهِ دَينٌ لِمَيْتٍ، وَوَصَّى به لِزَيْدٍ؛ فله دَفْعُه إلَيهِ، أو إلى وصِيِّ الميت، وإنْ لم يوصِ

(4)

به، ولا يَقْضِيهِ عَينًا

(5)

؛ لم يَبْرَأْ بِدَفْعه إلاَّ إلى الوارث والوصيِّ جميعًا.

وقِيلَ: يَبرَأُ بِدَفْعه إلى الوصيِّ.

فَرْعٌ: صَرَفَ أجْنَبِيٌّ الموصى

(6)

به لِمُعَيَّنٍ، وقِيلَ: أوْ لغَيرِه في جِهَتِه؛ لم يَضمَنْه، وإنْ وصَّاهُ بإعْطاءِ مُدَّعٍ دَينًا بيمينه؛ نَقَده

(7)

من رأس ماله، قاله

(8)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(9)

.

ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: بِبَيِّنةٍ

(10)

، ونَقَلَ عبدُ الله: يُقبَلُ مع صِدْقِ المدَّعِي

(11)

، ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ فِيمَنْ وصَّاهُ بدَفْعِ مَهْرِ امْرأتِه: لم يَدفَعْه في غيبة الورثة

(12)

.

(1)

في (ق): يصير.

(2)

في (ح): ما.

(3)

قوله: (وإن لم يخف ذلك

)، كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 17/ 490:(وإن لم يخف ذلك؛ قضى دين الميت الذي عليه بدين الميت الذي له؛ لما فيه من تبرئة ذمته وذمة الميت).

(4)

في (ح): لم يؤمن.

(5)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الإنصاف 17/ 492: ولا يقبضه عينًا.

(6)

في (ح): الوصي.

(7)

في (ظ): نفذه.

(8)

في (ق): قال.

(9)

ينظر: الفروع 7/ 495، الاختيارات ص 281.

(10)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 45.

(11)

ينظر: مسائل عبد الله ص 382.

(12)

لم نجده في مسائل ابن هانئ، وينظر: الفروع 7/ 495.

ص: 713

(وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْكَافِرِ إِلَى الْمُسْلِمِ)؛ لِقَبول شهادته عَلَيه وعلى غَيرِه، ومَحَلُّه: ما لم تَكُنْ التَّرِكةُ خَمْرًا، أوْ خِنزيرًا، أوْ نَحْوَهما

(1)

.

(وَإِلَى مَنْ كَانَ عَدْلاً فِي دِينِهِ) في الأَشْهَر؛ لأِنَّه يَلِي بالنَّسَب، فيلي بالوصية

(2)

كالمسْلِم.

والثَّاني: لا تَصِحُّ

(3)

، وهو قَولُ أبي ثَورٍ؛ لأِنَّه أسْوَأُ حالاً من الفاسِقِ.

وعلى الأوَّل: إذا لم يَكُنْ عَدْلاً في دِينه لا تَصِحُّ

(4)

؛ لأِنَّ عَدَمَ العدالة في المسلم تَمنَعُ الصِّحَّة، فالكافِرُ أَوْلَى.

(وَإِذَا

(5)

قَالَ: ضَعْ ثُلُثِي حَيْثُ شِئْتَ، أَوْ أَعْطِهِ)، أوْ تصدَّقْ به عَلَى (مَنْ شِئْتَ؛ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَخْذُهُ) في المنصوص

(6)

؛ لأِنَّه تمليكٌ مَلَكه بالإذْنِ، فلا يَكونُ قابِلاً له؛ كالوكيل، وقِيلَ: يَعمَلُ بالقرينة.

(وَلَا دَفْعُهُ إِلَى وَلَدِهِ)؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ في حقِّه؛ كهو، وأباحه الشَّيخانِ، وذَكَرَ جماعةٌ: مَنْعَ ابنه

(7)

، وذَكَرَه آخَرون: وأبِيهِ، ولم يَزِيدُوا.

ولا يَجوز دَفْعُه إلى وارثه، سَواءٌ كان غنيًّا أوْ فَقِيرًا، نَصَّ عَلَيهِ، وذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ في مَنْعِ مَنْ يَمُونُه وَجْهًا.

(وَيَحْتَمِلُ: جَوَازُ ذَلِكَ؛ لِتَنَاوُلِ

(8)

اللَّفْظِ لَهُ)، ولأِنَّه يَجوزُ دَفْعُه إلى الأجنبيِّ، فكذا ما ذُكِرَ.

(1)

في (ق): ونحوهما.

(2)

في (ظ): قبل الوصية.

(3)

في (ظ): لا يصح.

(4)

في (ظ): لا يصح.

(5)

في (ح): وإن.

(6)

قوله: (في المنصوص) سقط من (ظ) و (ق). وينظر: المغني 5/ 87.

(7)

في (ح): مع أبيه.

(8)

في (ح): لمناول.

ص: 714

وقِيلَ: له إعْطاءُ وَلَدِه وسائرِ أقاربه إذا كانوا مُسْتَحِقِّينَ، دُونَ نَفْسِه؛ لأِنَّه مأْمُورٌ بالتَّفريق، وقد وُجِدَ.

مسائلُ:

إذا قال: تصدَّقْ من مالي؛ احْتَمَل ما تناوَله الاِسْمُ، واحْتَمَلَ ما قلَّ وكَثُرَ؛ لأِنَّه لو أراد مُعيَّنًا عيَّنَه، ذكره

(1)

في «التَّمهيد» .

مَنْ أُوصِيَ إليه بحفر بئرٍ في طريقِ مكَّةَ، أوْ في السَّبيل، فقال: لا أَقْدِرُ، فقال الموصِي: افْعَلْ ما تَرَى؛ لم يَجُزْ حفرها

(2)

بدارِ قَومٍ لا بئرَ لهم

(3)

؛ لِمَا فيه من تخصيصهم، نَقَلَه ابنُ هانِئٍ

(4)

.

ولو أَمَرَه ببناءِ مسجِدٍ، فلم يَجِدْ عَرْصَةً؛ لم يَجُزْ شِراءُ عَرْصَةٍ يزيدُها في مسجِدٍ صغيرِ، نَصَّ عليه

(5)

.

ولو قال: ادْفَعْ هذا إلى يَتَامَى فُلانٍ؛ فإقْرارٌ بقرينةٍ، وإلاَّ وصية

(6)

، ذَكَرَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(7)

.

(وَإِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى بَيْعِ بَعْضِ الْعَقَارِ لِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيْتِ، أَوْ حَاجَةِ الصِّغَارِ، وَفِي بَيْعِ بَعْضِهِ نَقْصٌ)؛ أيْ: ضَرَرٌ؛ (فَلَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ) إذا امْتَنَعُوا أوْ غابُوا، والصِّغارِ، نَصَّ عَلَيهِ

(8)

؛ لأِنَّ الوصي

(9)

يَملِكُ بَيعَ التَّرِكةِ،

(1)

في (ح): ذكر.

(2)

زيد في (ح): إلا.

(3)

قوله: (لا بئر لهم) هو في (ق): لا ينزلهم.

(4)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 45.

(5)

ينظر: الفروع 7/ 496.

(6)

في (ح): وصيته.

(7)

ينظر: الفروع 7/ 496، الاختيارات ص 281.

(8)

ينظر: مسائل أبي داود 288.

(9)

في (ح): الموصي.

ص: 715

فَمَلَكَ بيع

(1)

جَميعِها، كما لو كان الورثةُ صغارًا، أو التركة

(2)

مُسْتَغْرَقَةً، وكالعَينِ المرْهونَة.

وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يكن فيه

(3)

ضررٌ؛ فلَيس له البَيع على الكبار؛ لأِنَّه إنَّما جاز أوَّلاً لدَفْع الضَّرر.

وقِيلَ: يَبيعُ بقَدْر دَينٍ ووصيَّةٍ وحِصَّةِ صغارٍ.

وقِيلَ

(4)

لأِحمدَ: بَيعُ الوصيِّ الدُّورَ على الصِّغار يَجُوزُ؟ قال: إذا كان نَظَرًا لهم

(5)

لا على كِبارٍ يُؤنَسُ فِيهِ رُشْدٌ، هو كالأب في كلِّ شَيءٍ إلاَّ في النِّكاح، قِيلَ له: وإنْ لم يَكُنْ أثبت

(6)

وصيَّتَه

(7)

عِنْدَ القاضي؟ قال: إذا كانَتْ له بَيِّنةٌ

(8)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّهُ

(9)

لَيْسَ لَهُ الْبَيْعُ عَلَى الْكِبَارِ)؛ لأِنَّه لا يَجِبُ على الإنسان بَيعُ مِلْكِه لِيَزْدادَ ثَمَنُ ملْكِ غَيرِه، كما لو كان شريكُهم غَيرَ وارِثٍ، قَالَ:(وَهُوَ أَقْيَسُ)، وصحَّحه في «الشرح»

(10)

.

وقال ابنُ أبي لَيلَى: يَجُوزُ له البَيعُ على الكلِّ فيما لا بُدَّ منه.

فَرْعٌ: إذا مات في مَوضِعٍ لا حاكِمَ فيه ولا وصيَّ؛ فلِمَنْ حَضَرَه من

(1)

قوله: (بيع) سقط من (ح).

(2)

في (ح): والتركة.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ظ) و (ق).

(4)

في (ق): قيل.

(5)

في (ح): نظر إليهم.

(6)

في (ح): أثبتت.

(7)

في (ق): وصية.

(8)

ينظر: مسائل أبي داود 288.

(9)

في (ح): أن.

(10)

زيد في (ح): و «المغني» .

ص: 716

المسلمين حوزُ

(1)

تَرِكَتِه، وبيعُ ما يَراهُ، وقِيلَ: إلاَّ الإماءَ، قال أحمدُ في الجَوارِي:(أُحبُّ أنْ يَتَوَلَّى بَيعَهنَّ الحاكِمُ)

(2)

، قال في «الشَّرح»: (وإنَّما تَوَقَّفَ عن بَيعِهِنَّ على طريقِ الاِخْتِيار احْتِياطًا؛ لأِنَّ بَيعَهُنَّ يَتَضَمَّنُ إباحةَ فروجهن

(3)

.

وعلى المذْهَبِ: يَجُوزُ؛ لأِنَّه مَوضِعُ ضَرورَةٍ، ويُكَفِّنُه منها ثُمَّ مِنْ عِندِه، ويَرجِعُ عَلَيها أوْ عَلَى مَنْ تَلزَمُه نَفَقَتُه إنْ نَواهُ ولا حاكِمَ.

فإنْ تعذَّرَ الإذْنُ؛ رَجَعَ، وقِيلَ: فِيهِ وجْهانِ؛ كإمْكانِه ولم يَسْتَأْذِنْهُ أوْ لم يَنْوِ مع إذْنِه، واللهُ تَعَالَى أعلم

(4)

.

(1)

رسمت في (ح): أحوز.

(2)

ينظر: مسائل صالح 1/ 291.

(3)

في (ظ) و (ق): فرجهن.

(4)

نهاية النسخة (ح)، وكتب في آخرها:(تم الجزء الثاني من «المبدع شرح المقنع»، ويتلوه في الثالث كتاب الفرائض)، وكتب على هامش (ق):(آخر المجلد الثاني من نسخة المصنف عفا الله عنه).

ص: 717