الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(كِتَابُ الْفَرَائِضِ)
جَمْعُ فريضةٍ، وهي في الأصل اسْمُ مَصدَرٍ مِنْ فَرَضَ وأفْرَضَ
(1)
، وسُمِّيَ البعيرُ المأْخُوذُ في الزَّكاة
(2)
: فريضةً، فَعِيلة بمَعْنَى مفعولةٍ، مُشْتَقَّة من الفَرْض، وهو التَّقديرُ؛ لقَولِه تعالى:{فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البَقَرَة: 237]؛ أيْ: قَدَّرتم.
وتأْتِي
(3)
بِمَعْنَى القَطْع؛ لقَوله تعالى: {نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [النِّسَاء: 7]؛ أيْ: مَقْطوعًا، وبِمَعْنَى الحزّ
(4)
، يُقالُ: فَرْضُ القَوْس، وفرضته: الحَزُّ
(5)
الذي فيه الوَتَرُ، وفرضة النَّهر
(6)
؛ أيْ: ثلمَتُه، وبِمَعْنَى التَّبْيِين؛ لقَولِه تعالى:{فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التّحْريم: 2] أيْ: بَيَّنَ، وبمَعْنَى الإنْزالِ؛ لقَولِه تعالى:{إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ} [القَصَص: 85]؛ أيْ: أنْزَلَ، وبِمَعْنَى الإحْلال؛ لقَولِه تعالى:{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ} [الأحزَاب: 38] أيْ: أحلَّ، وبِمَعْنَى العَطاء، تقولُ العربُ: ما أَصَبْتُ منه فَرْضًا.
ولَمَّا كان عِلْمُ الفرائض مُشْتَمِلاً على هذه المعاني؛ لِمَا فِيهِ من السِّهام المقدَّرة، والمقادير المنقَطِعَة، والعَطاءِ المجرَّد، وقد بَيَّن لكلِّ وارِثٍ نصيبَه وأحلَّه له؛ سُمِّيَ بذلك.
ويُقالُ للعالِمِ به: فَرَضِيٌّ
(7)
، وفارِضٌ، وفَرِيضٌ؛
(1)
في (ق): وافترض.
(2)
في (ق): الركاب.
(3)
في (ظ): ويأتي.
(4)
في (ق): الخبر.
(5)
في (ق): الحر.
(6)
في (ق): النهي.
(7)
في (ق): فرض.
كعالِمٍ وعَلِيمٍ، حَكاهُ المبَرِّدُ
(1)
.
وقد وَرَدَ التَّحْريضُ على تعلُّمِها
(2)
وتَعْليمِها، فعن ابن مَسْعودٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: «تَعلَّمُوا الفَرائضَ، وعَلِّمُوها النَّاسَ، فإنِّي امْرُؤٌ مَقْبوضٌ
(3)
، وإنَّ العِلْمَ سَيُقبَضُ
(4)
، وتَظْهَرُ الفِتَنُ حتَّى يَختَلِفَ اثْنانِ في الفَرِيضة، فلا يَجِدانِ مَنْ يَفْصِلُ بَينَهما» رواه أحمدُ والتِّرمِذِيُّ والحاكِمُ، ولَفْظُه له
(5)
، وعن أبي هُرَيرةَ مَرْفوعًا: «تَعلَّمُوا الفرائضَ وعلِّمُوها، فإنَّها نِصْفُ العِلْم، وهو يُنْسَى، وهو
(1)
ينظر: أساس البلاغة 2/ 17، شرح المسلم للنووي 11/ 52.
(2)
في (ق): فعلها.
(3)
في (ق): مفترض.
(4)
في (ق): سيفيض.
(5)
أخرجه الطيالسي (403)، والدارمي (227)، والنسائي في الكبرى (6271)، والحاكم (7951)، من طريق عوف الأعرابي، عن سليمان بن جابر الهجري، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، وعند الطيالسي والنسائي في الموضع الثاني: قال عوف: بلغني عن سليمان، وعند الحاكم (7951)، عن عوف، عن رجل، عن سليمان، وفي سنده: سليمان بن جابر مجهول، وضعف الحديث ابن الصلاح وابن الملقن، وأُعل الحديث بالاضطراب، قال ابن حجر:(ورواته موثقون إلا أنه اختلف فيه على عوف الأعرابي اختلافًا كثيرًا فقال الترمذي: إنه مضطرب)، ثم أشار إلى بعض أوجه الاختلاف، ومنه أن الترمذي أخرجه (2091) من طريق الفضل بن دلهم، قال: حدثنا عوف، عن شهر بن حوشب، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«تعلموا القرآن والفرائض وعلموا الناس فإني مقبوض» ، والفضل بن دلهم لين الحديث، وشهر ضعيف.
وروي موقوفًا، أخرجه سعيد بن منصور (3)، وابن أبي شيبة (31032)، والبيهقي في الكبرى (12179)، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«من تعلم القرآن فليتعلم الفرائض» ، وإسناده صحيح، وأخرجه الدارمي (2900)، والبيهقي في الكبرى (12180)، من وجه آخر، وصحح أبو حاتم كلا الوجهين.
وأخرجه الدارقطني (4104)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وفي إسناده: المسيب بن شريك وهو متروك، وشيخه زكريا بن عطية، قال أبو حاتم:(منكر الحديث)، وعزا الحديث لأحمد ابن الملقن وابن حجر، ولم نقف عليه عنده، وذكر الألباني أنه لم يقف عليه أيضًا. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 547، البدر المنير 7/ 186، الفتح 12/ 5، الإرواء 6/ 105.
أوَّلُ عِلْمٍ يُنزَعُ من أُمَّتِي» رواهُ ابنُ ماجَهْ والدَّارَقُطْنِيُّ، من روايةِ حَفْصِ بنِ عُمَرَ، وقد ضعَّفه جماعةٌ
(1)
.
واخْتُلِف في مَعْناه؛ فقال أهْلُ السَّلامة: لا نتكلَّمُ فيه، بل يَجِبُ عَلَينا اتِّباعُه.
وقِيلَ: عُلِمَ مَعْناهُ باعْتِبار الحال، فإنَّ حالَ النَّاس اثْنانِ، حياةٌ ووفاةٌ، فالفرائضُ تتعلَّق بالثَّاني، وسائرُ العُلُوم بالأوَّل.
وقِيلَ: هو نِصْفٌ باعْتِبار الثَّواب؛ لأِنَّه يَسْتَحِقُّ بتعلُّمِ مسألةٍ واحدةٍ من الفرائض مائَةَ
(2)
حسنةٍ، وبغَيرها من العلوم عَشْرَ حسناتٍ، وقِيلَ باعْتِبار المشقَّة، وهما ضَعِيفانِ.
وأحْسَنُها: أنَّ أسبابَ الملْكِ اخْتِيارِيٌّ واضْطِرارِيٌّ، فَالاِخْتِياريُّ: إنْ شاءَ دَخَلَ في ملْكِه، وإنْ شاءَ ردَّ؛ كالشِّراء والهِبة ونحوِهما، والاِضْطِراريُّ
(3)
: يَدخُلُ في ملْكِه، اختار أو ردَّ
(4)
.
وقال عمرُ: «إذا تَحدَّثْتم فتحدَّثُوا في الفرائض، وإذا لَهَوْتُم فالْهُوا بالرَّمْيِ»
(5)
، وكان لا يُوَلِّي أحدًا حتَّى يَسأَلَه عن قِسْمة المواريث
(6)
.
(1)
أخرجه ابن ماجه (2719)، والدارقطني (4059)، والبيهقي في الكبرى (12175)، وفي سنده: حفص بن عمر بن أبي العطاف، قال البخاري وأبو حاتم وابن عدي:(منكر الحديث)، وتفرد به عن أبي الزناد. ينظر: تهذيب التهذيب 2/ 409.
(2)
في (ق): بمائة.
(3)
زيد في (ق): أن.
(4)
في (ظ): إجبار أو رد.
(5)
أخرجه الحاكم (7952)، والبيهقي في الكبرى (12178)، من طريق ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه، وفي إسناده أبو هلال الراسبي، فيه لين وأورده الذهبي في الضعفاء، وقال الحافظ:(ورواته ثقات إلا أنه منقطع)، ورواية ابن المسيب عن عمر محمولة على الاتصال عند جماعة من العلماء. ينظر: التلخيص 3/ 193، الإرواء 6/ 107.
(6)
لم نقف عليه.
وحُكِيَ أنَّ الولِيدَ بنَ مُسلِمٍ رأى في منامه: دخل بستانًا، فأكَلَ
(1)
من جميعِ ثَمَرِه إلاَّ العِنَبَ الأبْيَض، فقصَّه على شَيخِه الأوزاعيِّ، فقال: تُصِيبُ
(2)
من العلوم كلِّها إلاَّ الفرائضَ، فإنَّها جَوهَرُ العِلْم، كما أنَّ العِنَبَ الأبْيَضَ جَوهَرُ العِنَب
(3)
.
(وِهِيَ قِسْمَةُ الْمَوَارِيثِ)، فظاهِرُه: أنَّ الفرائضَ هي
(4)
نَفْسُ القِسْمة، والظَّاهِرُ: أنَّه على حَذْفِ مُضافٍ، تقديرُه: وهي العِلْم بِقِسمةِ المواريث، وصرَّح به في «الكافي» .
وهو جَمْعُ مِيراثٍ، وهو: المالُ المخَلَّفُ عن الميت، أصْلُه مِوراثٌ
(5)
انْقَلَبَت الواوُ ياءً لسُكونِها، وانْكِسارِ ما قَبْلَها، ويُقالُ له: التُّراثُ.
(وَأَسْبَابُ التَّوَارُثِ: رَحِمٌ)، وهو القَرابةُ من جِهَة البُنُوَّة والأُبُوَّة ونحوِهما؛ إذْ بها يَرِثُ بعضُهم بعْضًا؛ لقَوله تعالى: ء {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأحزَاب: 38].
(وَنِكَاحٌ)، وهو عَقْد الزَّوجِيَّة، وإنْ عَرِيَ عن الوَطْء؛ لقَوله تعالى: الآيةَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النِّسَاء: 12].
(وَوَلَاءٌ)، وهو الإنْعامُ عَلَيهِ بالعِتْق؛ لقَوله صلى الله عليه وسلم:«الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» متَّفقٌ عَلَيهِ
(6)
، ورَوَى ابنُ عمرَ مرفوعًا:«الوَلاءُ لُحمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» رواهُ ابنُ حِبَّانَ
(1)
في (ق): يأكل.
(2)
في (ق): يصيب.
(3)
ينظر: تهذيب الكمال 27/ 59، سير أعلام النبلاء 10/ 118، لكن فيهما أن صاحب الرؤيا هو محمد بن يوسف الفريابي، والذي عبرها له: سفيان الثوري
(4)
قوله: (هي) سقط من (ق).
(5)
في (ق): موارث.
(6)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
في «صحيحه» ، والحاكِمُ وقال: صحيحُ الإسْناد
(1)
، شَبَّهَ الوَلاءَ بالنَّسب، والنَّسبُ يُورَثُ به، فكذا الوَلاءُ.
ومُقْتَضاهُ: أنَّ العَتيقَ لا يَرِثُ مُعْتِقَه، وهو قَولُ الأكثرِ.
وقِيلَ: بَلَى عِنْدَ عدم
(2)
، وقاله الحَسَنُ بنُ زِيادٍ، نَقَلَه الطَّبَرِيُّ
(3)
.
ونَقَلَ ابنُ الحَكَمِ: لا أدْرِي
(4)
.
وفي «الفُروع» : يتوجَّهُ منه: يُنفَقُ على المنْعِم، واخْتارَهُ شَيخُنا، ويَشهَدُ له ما رَوَى الطَّبَرانيُّ من حديثِ عَوسَجَةَ مَولَى ابنِ عبَّاسٍ، عنه:«أنَّ رجلاً ماتَ، ولم يَترُكْ وارِثًا إلاَّ عَبْدًا أعْتَقَه، فأعْطاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مِيراثَه» ، وعَوسَجَةُ وثَّقه أبو زُرْعَةَ، لكِنْ قال البخاريُّ:(لا يَصِحُّ حديثُه)
(5)
، ولو سُلِّمَت صحَّتُه؛ فهو
(1)
أخرجه الشافعي في المسند (ص 338)، والحاكم (7990)، والبيهقي في الكبرى (21433)، عن أبي يوسف، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا. وأخرجه ابن حبان (4950)، من طريق بشر بن الوليد، عن أبي يوسف، وأدخل بين أبي يوسف وابن دينار: عبيد الله بن عمر، ورجح أبو حاتم والدارقطني أن هذا اللفظ غير محفوظ، وأن المحفوظ ما في البخاري (2535)، ومسلم (1506):«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الولاء، وعن هبته» ، ونقل البيهقي عن أبي بكر النيسابوري أنه قال:(هذا خطأ؛ لأن الثقات لم يرووه هكذا، وإنما رواه الحسن مرسلاً)، والمرسل أخرجه البيهقي (21435)، وقال:(روي من أوجه أخر كلها ضعيفة)، وصحح الحديث ابن حبان والحاكم والألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 566، وعلل الدارقطني 13/ 63، الإرواء 6/ 109
(2)
زيد في المطبوع: الوارث.
(3)
ينظر: مختصر اختلاف العلماء للطحاوي 4/ 446، النجم الوهاج 6/ 117.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 7.
(5)
أخرجه أحمد (1930)، وأبو داود (2905)، والترمذي (2106)، والنسائي في الكبرى (6376)، وابن ماجه (2741) والطبراني في الكبير (12209)، وعوسجة ذكر جمع من الأئمة أنه غير مشهور، منهم أحمد وأبو حاتم والنسائي، وقال البخاري عن حديثه:(عوسجة مولى ابن عباس، ولم يصح حديثه)، وقال أبو زرعة:(مكي ثقة)، وذكره ابن حبان في الثقات، وحسن الترمذي وابن القيم حديثه. ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 413، تهذيب الكمال 22/ 434، إعلام الموقعين 4/ 256، الإرواء 6/ 114.
محمولٌ على أنَّه أعطاهُ على جِهَةِ المصلحة، لا مِيراثًا.
(لَا غَيْرُ)؛ لأِنَّ الشَّرعَ وَرَدَ بالتَّوارُث بها، إلاَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فكانت تَرِكَتُه صدقةً لم تُورَثْ
(1)
.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَثْبُتُ) مع عَدَمِهِنَّ (بِالْمُوَالَاةِ)، وهي المؤاخاةُ، (وَالْمُعَاقَدَةِ)، وهي المحالَفةُ
(2)
؛ لقَوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّسَاء: 33]، وكان في ابْتِداء الإسلام يَقولُ الرَّجُلُ: دَمِي دَمُكَ، ومالِي مالُكَ، تَنصُرنِي وأَنصُرُكَ، وتَرِثُنِي وأَرِثُكَ، (وَإِسْلَامِهِ عَلَى يَدَيْهِ)؛ لِمَا رَوَى أَبُو أُمامَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أسْلَم على يَدَيهِ رجلٌ؛ فهو مَولاهُ يَرِثُه» رواهُ سعيدٌ في «سُنَنه»
(3)
، وكذا الْتِقاطُهُ، (وَكَوْنِهِمَا
(4)
مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ)؛ أيْ: مَكْتُوبَينِ في دِيوَانٍ واحِدٍ، قالَهُ في «المطْلَع» ، واخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(5)
، وحَكاهُ في
(1)
أخرجه مسلم (1757)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلفظ:«لا نورث، ما تركنا صدقةٌ» .
(2)
في (ق): المخالفة.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (200)، والدارقطني (4386)، وفي سنده: معاوية بن يحيى الصدفي، وهو ضعيف، وأخرجه سعيد (201)، باللفظ الذي ذكره المصنف من طريق الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد مرسلاً.
وله شاهد من حديث تميم الداري رضي الله عنه: أخرجه سعيد في سننه (203)، وأحمد (16944)، والنسائي في الكبرى (6380)، من طريق عبد الله بن موهب، عن تميم الداري مرفوعًا. قال الدارقطني:(مرسل)، للانقطاع بين ابن موهب وتميم، قال ابن حجر:(لم يسمع من تميم)، وأخرجه أبو داود (2918)، والحاكم (2869)، من طريق ابن موهب، عن قبيصة بن ذؤيب، عن تميم به، وذكر ابن عبد البر هذا الحديث مع المرسل فقال:(وهي آثار ليست بالقوية ومراسيل)، وقال ابن القيم:(وحديث تميم وإن لم يكن في رتبة الصحيح فلا ينحط عن أدنى درجات الحسن وقد عضده المرسل)، وصححه الألباني. ينظر: التمهيد 3/ 85، تهذيب السنن 8/ 94، جامع التحصيل ص 216، الصحيحة (2316).
(4)
في (ق): وكونه.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 282.
«الشَّرح» قَولاً، وظاهِرُ المتْنِ: أنَّه مِنْ جُمْلةِ الرِّوايةِ، وفي «شَرح المحرَّر»: أوْ مِنْ قَبِيلةٍ واحدةٍ.
(وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ ما ذُكِرَ كان في بَدْءِ الإسلامِ، بدليلِ ما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم آخَى بَينَ أصحابِه، فكانوا يَتَوارَثُونَ بذلك، فَنَزَلَتْ الآيةَ {وَأُولُو الأَرْحَامِ} [الأنفَال: 75]، فتَوارَثُوا بالنَّسَب» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وفي إسْنادِه مَقالٌ
(1)
.
(وَالْمُجْمَعُ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ مِنَ الذُّكُورِ عَشَرَةٌ: الاِبْنُ، وَابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ)؛ لقَولِه تعالَى: الآيةَ {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
…
(11)} [النِّسَاء: 11]، وابنُ الاِبْنِ ابْنٌ؛ لقَولِه تعالى:{يَابَنِي آدَمَ} [الأعرَاف: 26]{يَابَنِي إِسْرَائِيلَ} [البَقَرَة: 40].
(وَالْأَبُ، وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا)؛ لقَولِه تعالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 11]، والجَدُّ تَناوَلَه النَّصُّ؛ لِدُخُولِ وَلَدِ الاِبْنِ في عُمومِ الأولاد، وقِيلَ: ثَبَتَ فَرْضُه بالسُّنَّة؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام أعْطاهُ السُّدُسَ»
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (11748)، والدارقطني (4127)، من طريق سليمان بن معاذ، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما به، وسليمان بن معاذ هو ابن قرم بن معاذ الضبي، وبعض الأئمة فرق بين ابن معاذ وابن قرم، والصحيح أنهما واحد، وضعفه ابن معين والنسائي، وقال أحمد:(لا بأس به)، وقال أبو زرعة:(ليس بذاك)، قال ابن حجر:(سيئ الحفظ)، وسماك بن حرب روايته عن عكرمة مضطربة. ينظر: تهذيب الكمال 12/ 51، تهذيب التهذيب 4/ 214.
وأخرج البخاري بمعناه (4580)، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه، للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم» ، فلما نزلت:{وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} نسخت، ثم قال:{وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ} من النصر والرفادة والنصيحة، وقد ذهب الميراث ويوصي له.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (38)، وأحمد (20310)، وأبو داود (2897)، والنسائي في الكبرى (6301)، من طريق الحسن مرسلاً. وضعفه الشافعي والبيهقي بالانقطاع، لكن روي عند الطبراني في الكبير (464)، والحاكم (7980) عن الحسن عن معقل بن يسار، واختلف في سماعه منه، فقال أبو حاتم:(لم يسمع منه)، وأثبت سماعه أبو داود والبزار وابن حبان، وأخرج البخاري ومسلم رواية الحسن عن معقل في الصحيح، وصحح الحديث الحاكم.
وأخرج أحمد (19848)، وأبو داود (2896)، والترمذي (2099)، والنسائي في الكبرى (6303)، وابن الجارود (961)، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه نحوه. وهو منقطع أيضًا، فإن الحسن لم يسمع من عمران، قاله ابن المديني وأبو حاتم، وضعفه المنذري والألباني، وصححه الترمذي وابن الجارود. ينظر: سؤالات الآجري لأبي داود ص 274، المعرفة 9/ 139، نصب الراية 1/ 90، جامع التحصيل ص 164، ضعيف سنن أبي داود 2/ 396.
(وَالْأَخُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ)، فالأخُ من الأمِّ ثَبَتَ بقوله تعالى:{وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النِّسَاء: 12]، ومِن الأبَوَينِ أو الأبِ بقَوله صلى الله عليه وسلم:«أَلْحِقُوا الفرائضَ بأهْلِها، فَما أبْقَت الفُروضُ، فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»
(1)
.
(وَابْنُ الْأَخِ إِلاَّ مِنَ الْأُمِّ)؛ فإنَّه مِنْ ذَوِي الأرْحامِ.
(وَالْعَمُّ، وَابْنُهُ كَذَلِكَ)؛ أيْ: مِنْ الأبَوَينِ أو الأبِ، وعمُّ الأبِ كذلك، ولا يَدخُلُ فيه العمُّ من الأمِّ، ولا ابْنُه؛ لأِنَّهما لَيسَا من العَصَباتِ.
(وَالزَّوْجُ)؛ لقَولِه تعالى: الآيةَ {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} [النِّسَاء: 12].
(وَالْمَوْلَى الْمُنْعِمُ)؛ أي: المعتِقُ، سُمُّوا به؛ لأِنَّه أنْعَمَ على العبد بعِتْقه وتَخْليصه من أَسْرِ الرِّقِّ، ثَبَتَ بالسُّنَّة
(2)
.
والذُّكور كلُّهم عَصَباتٌ، إلاَّ الزَّوجَ، والأخَ من الأمِّ، والأبَ، وأباه مع الابن.
(وَمِنَ الْإِنَاثِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الاِبْنِ، وَالأُمُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالأخْتُ،
(1)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
مراده كما في الشرح الكبير 18/ 11: ما أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«الولاء لمن أعتق» .
وَالْمَرْأَةُ، وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
والإناث كلُّهنَّ إذا انْفَرَدْنَ عن إِخْوَتِهِنَّ
(1)
ذَواتُ فَرْضٍ، إلاَّ المعْتِقةَ، والأخَواتِ مع البنات.
أصلٌ: إذا اجْتَمَع الوارِثُونَ من الرِّجال؛ لم يَرِثْ منهم إلاَّ الأبُ، والاِبْنُ، والزَّوجُ.
وإذا اجْتَمَعَت الوارِثاتُ من النِّساء وَرِثَ مِنهُنَّ خمسةٌ: البنتُ، وبِنتُ الاِبْن، والأمُّ
(2)
، والزَّوجةُ، والأُخْتُ من الأَبَوَينِ أو الأبِ.
والذي يُمكِنُ اجْتِماعُهم من الصِّنفَينِ وارِثًا: الأَبَوانِ، والاِبْنُ، والبِنْتُ، وأحدُ الزَّوجَينِ.
(وَالْوُرَّاثُ ثَلَاثَةٌ: ذُو فَرْضٍ، وَعَصَبَةٌ)، إجْماعًا
(3)
، (وَذُو رَحِمٍ) على الأصحِّ فيه، وسيأتي، فإنْ مات ولا وارِثَ له من هؤلاء؛ فمالُه لبَيت المال، قالَهُ ابنُ هُبَيرَةَ، وهو على وَجْهِ المصلحة، قالَهُ أحمدُ؛ كالمال الضَّائع؛ لأِنَّه لا يَخْلُو عن ابْنِ عمٍّ وإنْ بَعُدَ غالِبًا، وقد نَصَّ عَلَيهِ الشَّافِعِيّ في «الأُمِّ»
(4)
.
وعَنْهُ: يَنتَقِلُ إليه على وَجْهِ الإرث، كما يَتحمَّلُ عنه الدِّيةَ؛ لقَوله عليه السلام:«أنا وارِثُ مَنْ لا وارِثَ له، أعْقِلُ عنه وأَرِثُه» صحَّحه ابْنُ حِبَّانَ والحاكِمُ
(5)
،
(1)
في (ظ): أخواتهن.
(2)
قوله: (والأم) سقط من (ق).
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 69.
(4)
ينظر: الأم 7/ 189.
(5)
أخرجه أحمد (17175)، وأبو داود (2900)، والنسائي في الكبرى (6386)، وابن ماجه (2634)، وابن حبان (6035)، والحاكم (8002)، من طريق علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه به، رجاله ثقات عدا علي بن أبي طلحة وهو صدوق، وذكر أحمد أنه له أشياء منكرة، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، وروي أيضًا من وجه آخر: أخرجه أبو داود (2901)، وأبو عوانة (5637)، من وجه آخر بلفظ:«أنا وارث من لا وارث له، أفك عانيه، وأرث ماله» ، وفيه: صالح بن يحيى بن المقدام وهو لين الحديث، والراوي عنه: يزيد بن حجر وهو مجهول، ووقع في الحديث اختلاف في الوصل والإرسال، وقال ابن معين:(ليس فيه حديث قويّ) وضعفه البيهقي، وحسنه أبو زرعة، وصححه ابن حبان والحاكم. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 552، السنن الكبرى للبيهقي 6/ 353، التلخيص الحبير 3/ 182.
وهو عليه السلام لا يَرِثُ لنَفْسِه، وإنَّما يَصرِفُ ذلك في مصالِح المسلِمين، فهم الوارِثُون.
وأجابُوا عن الأوَّل: بأنَّه لا يَلزَمُ من وُجودِ ابْنِ عَمٍّ أنْ يكونَ وارِثًا؛ لاِحْتِمالِ مانِعٍ، وأيضًا وُجودُ ابْنِ عمٍّ لَيسَ بِلازِمٍ، فإنَّ
(1)
ابْنَ الزِّنَى والمنفِيَّ بِلِعانٍ قد يكونُ الميت من أحدِ القِسمَينِ.
وهذا إذا
(2)
انْتَظَمَ أمْرُ
(3)
بَيتِ المال، فإنْ
(4)
لم يَنتَظِمْ فاخْتارَ ابنُ كجٍّ: أنَّه يُصرَفُ لِذَوِي الأرحامِ، ونَقَلَه الأئمَّةُ من الشَّافِعِيَّة
(5)
.
(1)
في (ظ): وإن.
(2)
قوله: (إذا) سقط من (ق).
(3)
قوله: (أمر) سقط من (ق).
(4)
في (ق): وإن.
(5)
ينظر: منهاج الطالبين 1/ 180، مغني المحتاج 4/ 12.
(بَابُ مِيرَاثِ ذَوِي الْفُرُوضِ)
بَدَأَ المؤلِّفُ بهم؛ لأِنَّهم الأصلُ، ولهم فُروضٌ مُقدَّرةٌ لا تَسقُطُ
(1)
.
(وَهُمْ عَشَرَةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالْأَبَوَانِ، وَالْجَدُّ، وَالْجَدَّةُ، وَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الاِبْنِ، وَالأخْتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ)؛ أيْ: من الأبَوَينِ، أو الأبِ، أو الأمِّ، (وَالأْخُ مِنَ الْأُمِّ)، فالإخْوةُ والأَخَواتُ لأمٍّ يُسَمَّونَ: بَنِي الأَخْياف، والأَخْيافُ: الأَخْلاطُ، فهم من أخْلاطِ الرِّجال، ولَيسَ هم من رجلٍ واحدٍ، ولِلأب يُسَمَّونَ: بَنِي العَلاَّت؛ لأِنَّ أُمَّ كلِّ واحدٍ منهم لم تَسْقِه
(2)
لَبَنَ رضاعِها، ولِلأبَوَينِ يُسَمَّونَ: بَنِي الأَعْيَان، سُمُّوا به؛ لأِنَّهم مِنْ عَينٍ واحدةٍ، ومِنْه قَولُه عليه السلام:«أعْيانُ بَنِي الأمِّ يَتوارَثُون»
(3)
.
(فَلِلزَّوْجِ الرُّبُعُ إِذَا كَانَ لَهَا وَلَدٌ)، ذَكَرًا كان أو أنثى، (أَوْ وَلَدُ ابْنٍ)، يُحترَزُ به عن وَلَد البنت، فإنَّه لا اعْتِبارَ به، وإنْ وَرَّثْنا ذَوِي الأرحام.
(وَالنِّصْفُ مَعَ عَدَمِهِمَا)، وهذا بالإجماع
(4)
، وسَنَدُه النَّصُّ؛ لأِنَّه تعالى نَصَّ على الولد، وَوَلَدُه مُلْحَقٌ به بالإجماع، لكِنِ اخْتَلَفوا هل حَجْبُه بالاِسْم أو المعْنَى؟
(1)
قوله: (لا تسقط) سقط من (ق).
(2)
في (ق): لم يسقه.
(3)
أخرجه أحمد (595)، والترمذي (2094)، وابن ماجه (2739)، وفي سنده: الحارث بن عبد الله الأعور، وهو ضعيف، وقال الترمذي:(هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، وقد تكلم بعض أهل العلم في الحارث، والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم)، قال ابن حجر:(وكان عالمًا بالفرائض، وقد قال النسائي: لا بأس به)، وحسن الحديث ابن عبد البر والألباني. ينظر: الاستذكار 5/ 333، التلخيص الحبير 3/ 188، الإرواء 6/ 107.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
فَقِيلَ: بالاِسم، وهو ظاهِرُ قَولِ الأصحاب؛ لأِنَّه يُسَمَّى وَلَدًا، فَتَدلُّ الآيةُ عَلَيهِ.
وقيل: بالمعْنى؛ لأِنَّ الوَلَدَ حقيقةً وَلَدُ الصُّلْب، إلاَّ أنَّهم أجْمَعُوا على أنَّ وَلَدَ الاِبْنِ يقوم مَقامَ الولد في الحَجْب، إلاَّ ما حُكِيَ عن مجاهِدٍ أنَّه لا يَحجُب، وهو مَدْفوعٌ بالإجماع
(1)
.
فإنْ قُلْتَ: هلاَّ بَدَأَ بالأولاد كما في القرآن؟ قيل: بدأ الله تعالى بهم؛ لأنَّهم أهمُّ عند الآدَمِيِّ، وهو آكَدُ، ومُرادُ الفَرَضِيِّينَ
(2)
التَّعليمُ والتَّقريبُ على الأفهام، والكلام على الزَّوجَينِ أقلُّ منه على غيرهما.
(وَلِلْمَرْأَةِ الثُّمُنُ إِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ، أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَالرُّبُعُ مَعَ عَدَمِهِمَا)، إجْماعًا
(3)
، وسَنَدُه:{وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ} الآيةَ [النِّسَاء: 12].
والزَّوجاتُ كالزَّوجة، وإنَّما جُعِلَ لهنَّ ذلك؛ لأِنَّه لو جُعِلَ لكلِّ واحدةٍ الرُّبُعُ وهنَّ أرْبَعٌ؛ لَأَخَذْنَ جميعَ المال، وزاد فَرْضُهنَّ على فَرْض الزَّوج، ومِثْلُهُنَّ الجَدَّاتُ.
فأمَّا سائر الأقارِب؛ كالبنات، وبناتِ الابن، والأخواتِ المفْتَرِقاتِ؛ فإنَّ لكلِّ جماعةٍ مِنهُنَّ ما لِلاِثْنَتَينِ، وزِدْنَ على فَرْضِ الواحدةِ؛ لأِنَّ الذَّكَرَ الذِي يَرِثُ في دَرَجَتِهنَّ لا فَرْضَ له، إلاَّ وَلَدَ الأمِّ، فإنَّ ذَكَرَهم وأنثاهم سَواءٌ؛ لأِنَّهم يَرِثُون بالرَّحِم وقَرابةِ الأمِّ المجرَّدةِ.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(2)
في (ق): الفرضين.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْأَبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ):
(حَالٌ يَرِثُ فِيهَا السُّدُسَ بِالْفَرْضِ، وَهِيَ مَعَ ذُكُورِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الاِبْنِ)؛ لِلنَّصِّ السَّابِق، والمرادُ بِوَلَدِ الاِبْنِ هنا: الذَّكَرُ.
(وَحَالٌ يَرِثُ فِيهَا بِالتَّعْصِيبِ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الاِبْنِ)؛ لقَوله تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاء: 11]، أضافَ المِيراثَ لهما، وجَعَلَ لها
(1)
الثُّلثَ، فكان الباقِي لِلأَب، وهذا شَأْنُ التَّعصيب، وهذه الحالُ مِمَّا امْتازَ بها الأبُ والجَدُّ.
(وَحَالٌ يَجْتَمِعُ لَهُ الْفَرْضُ وَالتَّعْصِيبُ، وَهِيَ مَعَ إِنَاثِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الاِبْنِ)؛ لِلنَّصِّ، وقد سَأَلَ الحجَّاجُ الشَّعْبِيَّ: عَمَّنْ مات عن أبٍ وبنتٍ، فقال: للبنت النِّصفُ، والباقي للأب، فقال له الحجَّاجُ: أصَبْتَ في المعْنَى، وأخْطَأْتَ في اللَّفظ، هلاَّ قُلْتَ: للأب السُّدُسُ، وللبنت النِّصفُ، والباقي للأب، فقال: أخْطَأْتُ، وأصاب الأميرُ
(2)
.
مسألةٌ: يَقَعُ الإرْثُ بالفرض والتَّعصيب في صُوَرٍ؛ كزوجٍ معتِقٍ، وزوجةٍ معتِقةٍ، وأخٍ لأِمٍّ هو ابنٌ
(3)
، وهو بِسببين
(4)
مختلِفَينِ، فأمَّا الجَمعُ بَينَهما بسببٍ واحدٍ، وهو الأُبُوَّةُ، فقد
(5)
تقدَّم.
(1)
في (ق): لهما.
(2)
م نقف عليه. وينظر: نهاية المطلب 9/ 55.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكشاف 10/ 339: هو ابن عم.
(4)
في (ظ): بشَيئينِ.
(5)
في (ظ): قد.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْجَدِّ هَذِهِ الْأَحْوَالُ الثَّلَاثَةُ)؛ أيْ
(1)
: لأِنَّه أبٌ؛ لقَوله تعالَى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحَجّ: 78] وقَولِ يُوسفَ: الآيةَ {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} [يُوسُف: 38]، وقَولِه عليه السلام:«ارْمُوا بَنِي إسْماعِيلَ، فإنَّ أَباكُمْ كان رامِيًا»
(2)
، ولأِنَّه لا يُقتَلُ بقَتْل ابْنِ ابنِه، ولا يُحَدُّ بقَذْفه، ولا يُقطَعُ بسَرِقةِ مالِه، وتَجِبُ عليه نَفَقَتُه، ويُمنَعُ مِنْ دَفْعِ زكاته إلَيه؛ كالأب، وقد «أعْطاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم السُّدُسَ» رواهُ سَعِيدُ بنُ منصورٍ
(3)
.
لكِنَّه يَسقُطُ بالأب، ويُنقَصُ عن رُتْبته في إحْدَى العُمَرِيَّتَينِ
(4)
، فإنَّ للأمِّ مع الجَدِّ ثُلثَ جميعِ المال.
(وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ: مَعَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَوِ الْأَبِ، فَإِنَّهُ يُقَاسِمُهُمْ كَأَخٍ)، وهو قَولُ عليٍّ
(5)
، وابنِ مسعودٍ
(6)
، وزَيد
(7)
؛ لأِنَّ الأخَ ذَكَرٌ
(1)
قوله: (أي) سقط من (ق).
(2)
أخرجه البخاري (2899)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه 7/ 11 حاشية (2).
(4)
في (ق): العمرتين.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (31220)، والشافعي في الأم (7/ 188)، والدارمي (2962)، والبيهقي في الكبرى (12440)، عن عبد الله بن سلمة، عن علي رضي الله عنه:«أنه كان يقاسم بالجد الإخوة إلى السدس» ، وإسناده صحيح، وروي عن علي من وجوه أخرى صحيحة.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (31219)، عن علقمة، قال:«كان عبد الله يُشرِّك الجد مع الإخوة، فإذا كثروا وفَّاه الثلث» ، وإسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (19063)، وابن أبي شيبة (31262)، والدارمي (2971)، والبيهقي في الكبرى (12445)، عن إبراهيم قال:«كان زيد بن ثابت يُشرِّك الجد مع الإخوة والأخوات إلى الثلث» الأثر بطوله، وهو مرسل جيد.
وأخرجه ابن أبي شيبة (31227)، والدارمي (2970)، عن الحسن مرسلاً أيضًا، ورجاله ثقات، وروي عن زيد من وجوه متعددة، وهو مشهور.
يُعصِّبُ أخْتَه، فلم يُسقِطْهُ الجَدُّ كالاِبْنِ، ولاِسْتِوائِهِما في سَببِ الاِسْتِحْقاق؛ لأِنَّ كلًّا مِنهُما يُدْلِي بالأب؛ الجدُّ بالأُبُوَّة، والأخُ بالبُنُوَّة، وقَرابةُ البُنُوَّة لا تَنقُص عن قَرابة الأُبُوَّة، بَلْ ربَّما كانَتْ أقْوَى منها، فإنَّ الاِبنَ يُسقِطُ تعصيب الأب، ولذلك مثَّله عليٌّ رضي الله عنه: «بشَجَرةٍ أنْبَتَتْ
(1)
غُصْنًا، فانْفرَقَ منه غُصْنانِ، كلٌّ منهما أقربُ منه إلى أصْلِ الشَّجرة»
(2)
، ومثَّله زَيدٌ رضي الله عنه: «بِوادٍ خَرَجَ منه نَهْرٌ، انْفَرَقَ
(3)
منه جُزءٌ
(4)
»
(5)
، ولأِنَّ كُلًّا منهما إلى الآخَر أقربُ منه إلى الوادي.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الثُّلُثُ خَيْرًا لَهُ، فَيَأْخُذُهُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ)، للذَّكَر مِثْلُ حظِّ الأنثَيَينِ، وقد يَسْتَوِي الأمْرانِ، والضَّابِطُ: أنَّ الإخْوةَ والأخَواتِ إنْ كانوا مِثْلَيهِ؛ فالمقاسَمةُ والثُّلثُ سِيَّانِ، وذلك في مسائلَ: جَدٌّ وأَخَوانِ، جَدٌّ وأخٌ وأُخْتانِ، جَدٌّ وأرْبعُ أخَواتٍ.
وإنْ كانُوا دُونَ مِثْلَيهِ، فالمقاسَمَةُ خَيرٌ له، وذلك في مسائلَ: جَدٌّ وأخٌ، جَدٌّ وأُخْتانِ، جَدٌّ وأخٌ وأُخْتٌ، جَدٌّ وثَلاثُ أخَواتٍ، جَدٌّ وأُخْتٌ.
وإنْ كانُوا فَوقَ المِثْلَينِ، فالثُّلثُ خَيرٌ له، وَوَجْهُه: بأنَّ الجَدَّ والأُمَّ إذا اجْتَمَعا؛ أخَذَ الجَدُّ مِثْلَيْ ما تأخُذُ الأُمُّ؛ لأِنَّها لا تأخُذُ إلاَّ الثُّلثَ، والإخْوةُ لا
(1)
في (ق): نبتت.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19058)، والبيهقي في الكبرى (12430)، عن عيسى الحناط، عن الشعبي مرسلاً. وعيسى متروك.
(3)
في (ق): أيفرق.
(4)
في (ق): جد.
(5)
أخرجه الدارقطني (4140)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12428)، وابن حجر في التغليق (5/ 216)، عن سليمان بن زيد بن ثابت، عن أبيه رضي الله عنه في أثر طويل، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد (1302)، مختصرًا. وسليمان بن زيد بن ثابت، قال عنه في التقريب:(مقبول).
يَنقُصون الأُمَّ من السُّدس، فَوَجَبَ أنْ لا يَنقُصُوا الجَدَّ من ضِعْف السُّدس.
وعَنْهُ: أنَّ الجَدَّ يُسقِطُ الإخْوةَ، كما يُسقِطُهم الأبُ، اخْتارَها أبو حَفْصٍ العُكْبَرِيُّ والآجُرِّيُّ، وهو مَذْهَبُ الصِّدِّيقِ
(1)
، وعُثْمانَ
(2)
، وعائشةَ
(3)
، وابنِ عبَّاسٍ
(4)
، وابنِ الزُّبَير
(5)
، وقالَهُ المزَنِيُّ، وابنُ سُرَيجٍ، وابنُ اللَّبَّان؛ لأِنَّه أبٌ بالنُّصوص السَّابِقةِ، قال ابْنُ عبَّاسٍ:«ألَا يَتَّقِي اللهَ زَيدٌ، يَجعَلُ ابنَ الاِبنِ ابْنًا، ولا يَجعَلُ أبَا الأَبِ أَبًا»
(6)
، ولأِنَّه أَوْلَى من الأخ؛ لأِنَّ له إيلادًا، ولو
(1)
أخرجه البخاري (3658)، عن عبد الله بن أبي مليكة، قال: كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد، فقال: أما الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته» أنزله أبًا. يعني أبا بكر.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19051)، والدارمي (2959)، عن هشام بن عروة، أن عروة حدثه، عن مروان: أن عمر حين طعن استشارهم في الجد، فقال له عثمان:«إن نتبع رأيك، فإن رأيك رشد، وإن نتبع رأي الشيخ قبلك، فنعم ذو الرأي كان» ، وإسناده صحيح. وروي عنه من وجوه أخرى.
(3)
علقه البيهقي في المعرفة (12612)، وابن حزم في المحلى (8/ 314) بصيغة التمريض، وذكره عن عائشة رضي الله عنها: محمد بن الحسن في الأصل للشيباني (6/ 58)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 137)، وابن حجر في الفتح (12/ 20)، ولم نقف عليه مسندًا.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19056)، والدارمي (2968)، عن طاوس، عن ابن عباس:«أنه كان يجعل الجد أبًا» ، وإسناده صحيح كما قال الحافظ في الفتح 12/ 20، وروي عنه من وجوه متعددة صحاح.
(5)
تقدم قول ابن الزبير مع قول أبي بكر رضي الله عنهما في الحاشية (1). قال الحافظ في الفتح 12/ 19: (وفيه دلالة على أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر)، وجاء ذلك مصرحًا من طريق أخرى: أخرجه أحمد (16107)، وأبو يعلى (6805)، عن سعيد بن جبير، وفيه قول ابن الزبير:«وأحق ما أخذناه قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه» ، فيه حجاج بن أرطاة وهو ضعيف. وأخرجه الطبراني في الكبير (291)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 307)، من طريق أخرى عن سعيد، ولا بأس رجاله.
(6)
ذكره في المغني 6/ 308، ولم نقف عليه، وذكر الحافظ معناه في التلخيص 3/ 195 ثم قال:(لم أره كذلك).
وأخرج ابن أبي شيبة (31207)، والدارمي (2966)، والبيهقي في الكبرى (12424)، عن عبد الرحمن بن معقل، قال: كنت عند ابن عباس فسأله رجل عن الجد، فقال له ابن عباس:«أي أب لك أكبر؟» ، فلم يدر الرجل ما يقول. فقلت أنا: آدم، فقال ابن عباس: «إن الله يقول: {يَابَنِي آدَمَ} ، ورجاله ثقات.
ازْدَحَمَت الفُروض؛ سَقَطَ الأخُ دونَه.
لكنْ ما ذَكَرَه المؤلِّف من كَيفِيَّة إرْثِه معهم هو قَولُ زَيدٍ، واعْتَمَدَ عَلَيهِ أحمدُ
(1)
؛ لِمَا رَوَى أنَسٌ مرفوعًا قال: «أرْحَمُ أُمَّتِي بأُمَّتِي أبو بَكْرٍ، وأشَدُّها في دِينِ الله عمرُ، وأصْدَقُها حَياءً عُثْمانُ، وأعْلَمُها بالحلال والحرام مُعاذٌ، وأقْرَؤُها لكتاب الله أُبَيٌّ، وأعْلَمُها بالفَرائض زَيدٌ، ولكلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وأمِينُ هذه الأمَّةِ أَبُو عُبَيدةَ بنُ الْجَرَّاح» رواهُ أحمدُ، والنَّسائِيُّ، والتِّرمذِيُّ وصحَّحه، والحاكِمُ، وقال: على شَرْطِ الشَّيخَينِ، وصَحَّحَ جماعةٌ إرْسالَه
(2)
.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ؛ أَخَذَ فَرْضَهُ)؛ لِلنَّصِّ.
(ثُمَّ لِلْجَدِّ الْأَحَظُّ مِنَ الْمُقَاسَمَةِ كَأَخٍ)؛ لأِنَّها له مع عَدَمِ الفُروض، فكذا مع وُجودِها، (وَثُلُثِ الْبَاقِي)؛ لأِنَّ ما أُخِذَ بالفَرْض كأنَّه معدومٌ، قد ذَهَب من المال، فصار ثلثُ الباقي بمنزلةِ ثلثِ الجميع، (وَسُدُسِ جَمِيعِ الْمَالِ)؛ لأِنَّه يَأخُذُه مع الوَلَد الَّذي هو أقْوَى، فَمَعَ غَيرِه من باب أَوْلَى.
وضابِطُه: أنَّه متى زاد الإخْوةُ عن اثنَينِ، أو مَنْ يَعدِلُهم من الإناث؛ فلا
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 400.
(2)
أخرجه أحمد (12904)، والترمذي (3791)، والنسائي في الكبرى (8185)، وابن ماجه (154)، وابن حبان (7131)، والحاكم (5784)، من طريق خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس رضي الله عنه به، هكذا مطولاً، وصححه الترمذي والحاكم والألباني، ورجح الدارقطني والبيهقي والخطيب أن الموصول منه فقط ذِكْرُ أبي عبيدة رضي الله عنه، وأن الباقي مرسل لم يسمعه أبو قلابة من أنس، قال ابن حجر:(وإسناده صحيح إلا أن الحفاظ قالوا: إن الصواب في أوله الإرسال، والموصول منه ما اقتصر عليه البخاري)، والذي عند البخاري (3744)، ومسلم (2419) لفظه:«إن لكل أمة أمينًا، وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح» . ينظر: التلخيص الحبير 3/ 180، الفتح 7/ 93، الصحيحة (1224).
حظَّ له في المقاسَمة، وإنْ نَقَصُوا عن ذلك؛ فلا حظَّ له في ثلث الباقي، ومتى زادت الفُروضُ عن النِّصف؛ فلا حَظَّ له في ثُلث الباقي، وإنْ نَقَصت عن النِّصف؛ فلا حَظَّ له في السُّدس، وإنْ كان الفَرضُ النِّصفَ؛ فقد اسْتَوَى
(1)
السُّدسُ وثُلثُ الباقي، وإنْ كان الإخْوةُ اثْنَينِ، والفَرْضُ النِّصفَ؛ اسْتَوَت الأحوالُ كلُّها.
(فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنِ الْفَرْضِ إِلاَّ السُّدُسُ؛ فَهَوُ لَهُ)؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام أطْعَمَه السُّدسَ»
(2)
، ولا يُنْقَصُ عَنه في قَولِ العامَّة.
وحَكَى الشَّعبِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّه كأخٍ مطلَقًا، فقال في سبعةِ إخْوَةٍ وجَدٍّ:«الجَدُّ ثامِنُهم»
(3)
.
(وَسَقَطَ مَنْ مَعَهُ مِنْهُمْ)؛ أيْ: من الإخْوة والأَخَوات؛ كأمٍّ وابْنَتَينِ وجَدٍّ وأُخْتٍ أو أخٍ، (إِلاَّ فِي الْأَكْدَرِيَّةِ)، قِيلَ: سُمِّيَتْ به؛ لتكدير
(4)
أصولِ زَيدٍ في الأَشْهَر عنه؛ لكَونِه لا يَفرِضُ للأخْت مع الجَدِّ إلاَّ فيها، ولا يُعِيلُ مسائِلَ الجَدِّ وأعالَها، وأيضًا فإنَّه جَمَعَ سِهامَ الفَرْض، وقَسَمَها على التَّعصيب.
وقِيلَ: إنَّ زَيدًا كدَّرَ على الأُخْت مِيراثَها، فأعْطاها النِّصفَ، ثُمَّ اسْتَرْجَعَه منها.
وقِيلَ: إنَّ عبدَ الملك بنَ مَرْوانَ سأل عنها رجلاً اسْمُه أكْدَرُ، فأخْطَأَ فِيهَا
(5)
، وقِيلَ: اسْمُ المرأةِ أكْدَرَةُ، وقِيلَ: اسْمُ زَوجِها، وقِيلَ: اسْمُ السَّائل.
وقِيلَ: لِتَكدُّرِ أقْوالِ الصَّحابة وكَثْرةِ اخْتِلافِهم.
(1)
في (ق): استوفى.
(2)
سبق تخريجه 7/ 11 حاشية (2).
(3)
لم نقف عليه بهذا اللفظ.
(4)
في (ق): لتكثير.
(5)
ينظر: الفرائض للثوري ص 24، مصنف ابن أبي شيبة (31243).
(وَهِيَ: زَوْجٌ، وَأُمٌّ، وَأُخْتٌ، وَجَدٌّ)، فأصْلُها من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى تسعةٍ، فعالَتْ بمِثْلِ نصفِها، (فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَلِلْجَدِّ السُّدُسُ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ، ثُمَّ يُقْسَمُ نِصْفُ الْأُخْتِ وَسُدُسُ الْجَدِّ) - وهما أربعة - (بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ)، لا تَصِحُّ ولا تُوافِقُ
(1)
، (فَتَضْرِبُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا، تَكُنْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ)، ومِنْهَا تَصِحُّ، فكلُّ مَنْ له شَيءٌ من أصل المسألة مضروبٌ في ثلاثةٍ، (لِلزَّوْجِ تِسْعَةٌ، وَلِلْأُمِّ سِتَّةٌ)، يَبقَى اثْنَا عَشَرَ بَينَ الجَدِّ والأُخْتِ، (وِلِلْجَدِّ
(2)
ثَمَانِيَةٌ، وَلِلْأُخْتِ أَرْبَعَةٌ)، ويُعايَا بها، فيُقالُ: أربعةٌ وَرِثُوا مالَ ميتٍ، فأحَدُهم أخَذَ ثُلثَه، والثَّاني ثُلثَ ما بَقِيَ، والثَّالِثُ ثُلثَ ما بَقِيَ، والرَّابِعُ ما بَقِيَ.
ونَظَمَها بعضُهم
(3)
فقال:
ما فَرْضُ أربعةٍ تَوَزَّعَ بَينَهم
…
مِيراثُ ميِّتهِم بفَرضٍ واقِعِ
(4)
فلواحدٍ ثُلُثُ الجميعِ وثُلْثُ
…
ما يَبقى لثانِيهِم
(5)
بحُكْمٍ جامِعِ
ولِثالِثٍ مِنْ بعدِهم ثُلُثُ الذي
…
يَبقَى وما يَبقَى نصيبُ الرَّابِعِ
وإنْ شِئْتَ قُلتَ: أخَذَ أحدُهم جزءًا من المال، وأخَذَ الثَّاني نصفَ ذلك الجزْءِ، وأخَذَ الثَّالثُ نصفَ ذلك الجُزئَينِ، وأخَذَ الرَّابِعُ نصفَ الأجزاء، فإنَّ الجَدَّ أخَذَ ثمانيةً، والأُخْتَ أربعةً، والأمَّ ستَّةً، وهي نصفُ ما حَصَلَ لهما، والزَّوجَ تسعةً، وهو نِصْفُ ما حصل لهم.
(وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ الْجَدِّ غَيْرُهَا، وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ مَعَ جَدٍّ إِلاَّ فِيهَا)،
(1)
في (ق): لا يصح ولا يوافق.
(2)
في (ق): للجد.
(3)
لم نقف على القائل، والأبيات ذكرها في الفروع 8/ 11.
(4)
في (ق): واتسع.
(5)
قوله: (ما يبقى لثانيهم) في (ق): ما يفي لنا منهم.
هذا مذْهَبُ زَيدٍ، وقِيلَ: إنَّه لم يُصرِّحْ به، وإنَّما أصحابُه قاسُوها على أُصولِه؛ لأِنَّه لو لم يُفرَضْ لها؛ لَسَقَطَتْ، ولَيسَ في الفريضة مَنْ يُسقِطُها.
ومَذْهَبُ الصِّدِّيقِ ومُوافِقِيهِ
(1)
: إسْقاطُ الأخت، فيكونُ للزَّوج النِّصفُ، وللأمِّ الثُّلثُ، وللجَدِّ السُّدسُ، وهو قُوَيلٌ حَكاهُ في «الرِّعاية» .
ومَذهَبُ عمرَ وابنِ مسعودٍ: للزَّوج النِّصفُ، وللأخت النِّصفُ، وللجَدِّ السُّدسُ، وللأمِّ السُّدسُ، فتَعُولُ إلى ثمانيةٍ، وجَعَلَا للأمِّ السُّدسَ؛ لِكَيلا تَفضُلَ
(2)
على الجَدِّ.
ومذْهَبُ عليٍّ كزَيدٍ، غَيرَ أنَّ زَيدًا ضَمَّ نصفَ الأُخت إلى سُدس الجَدِّ، وقَسَمَه بَينَهما أثْلاثًا
(3)
.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا زَوْجٌ؛ فَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأُخْتِ عَلَى
(1)
تقدم تخريجه 7/ 20.
(2)
في (ق): يفضل.
(3)
مذهب من تقدم ذكرهم من الصحابة رضي الله عنهم: أخرجه الثوري في الفرائض (11)، وعبد الرزاق (19074)، وابن أبي شيبة (31240)، وسعيد بن منصور (65، 66)، عن إبراهيم، قال: كان عبد الله يجعل الأكدرية من ثمانية: للزوج ثلاثة، وثلاثة للأخت، وسهم للأم، وسهم للجد، قال: وكان عليٌّ يجعلها من تسعة: ثلاثة للزوج، وثلاثة للأخت وسهمان للأم، وسهم للجد، وكان زيدٌ يجعلها من تسعة: ثلاثة للزوج وثلاثة للأخت، وسهمان للأم وسهم للجد، ثم يضربها في ثلاثة، فتصير سبعة وعشرين، فيعطي الزوج تسعة والأم ستة، ويبقى اثنا عشر، فيعطي الجد ثمانية، ويعطي الأخت أربعة. وهو مرسل صحيح، واللفظ لابن أبي شيبة.
وأما أثر عمر رضي الله عنه في الأكدرية فلم نقف عليه صريحًا، ولعله مأخوذٌ من قوله في المسألة الخرقاء الآتية قريبًا، من كونه لا يُفضِّل أمًّا على جد كما في التذكرة لابن عقيل ص 201، فإنه قال بعد أن ذكر قول عمر وابن مسعود في الأكدرية:(لأنهما كانا لا يُفضِّلان أمًّا على جد)، أخرجه الثوري في الفرائض (26)، وعبد الرزاق (19068)، وسعيد بن منصور (69)، وابن أبي شيبة (31263)، عن إبراهيم، قال:«كان عمر وابن مسعود لا يفضلان أمًّا على جد» .
ثَلَاثَةٍ)، فأصْلُها من ثلاثةٍ، للأمِّ واحِدٌ، يَبقَى اثْنانِ على ثلاثةٍ لا يَصِحُّ، فتَضْرِبُها في أصل المسألة، (فَتَصِحُّ مِنْ تِسْعَةٍ)، هذا قَولُ زَيدٍ، وَوَافَقَه الأكثرُ، (وَتُسَمَّى الْخَرْقَاءَ؛ لِكَثْرَةِ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ فِيهَا
(1)
، كأنَّ الأقْوالَ خَرَقَتْها بكَثْرَتها.
وتُسَمَّى المسبَّعة؛ لأِنَّ فِيهَا سبعةَ أقْوالٍ.
والمسدَّسة؛ لأِنَّ أقْوالَ الصَّحابة تَرجِعُ فِيهَا إلى ستَّةٍ.
والمثلَّثة؛ لأِنَّ عُثمانَ ومَنْ وافَقَه جعَلَ للأمِّ الثُّلثَ، والباقِي بَينَ الجَدِّ والأُخْت نِصْفانِ.
ويُقالُ لها: العُثْمانِيَّةُ.
والمربَّعةُ؛ لأِنَّ ابنَ مَسْعودٍ في إحْدَى الرِّوايتَينِ عنه جَعَلَها من اثْنَينِ، وتَصِحُّ من أربعةٍ، للأخت النِّصفُ، والباقِي بَينَهما نِصفَينِ
(2)
.
والرِّوايةُ الثَّانيةُ عنه؛ كقَولِ عُمَرَ
(3)
، وهو أنَّه جَعَلَها من ستَّةٍ، للأخت
(1)
أخرج عبد الرزاق (19070)، وابن أبي شيبة (31244)، عن إبراهيم، وعمن سمع الشعبي، قال في أمٍّ، وأختٍ لأبٍ وأمٍّ، وجدٍّ: إن زيد بن ثابت قال: «من تسعة أسهم: للأم ثلاثة، وللجد أربعة، وللأخت سهمان» ، وإن عليًّا قال:«للأخت النصف، ثلاثة، وللأم الثلث سهمان، وما بقي فللجد وهو سهم» ، وقال ابن مسعود:«للأخت النصف ثلاثة، وللأم السدس سهم، وما بقي، فللجد وهو سهمان» ، وقال عثمان:«أثلاثًا، ثلث للأم، وثلث للأخت، وثلث للجد» ، وقال ابن عباس:«للأم الثلث، وما بقي فللجد» ، قال وكيع: وقال الشعبي: سألني الحجاج بن يوسف عنها، فأخبرته بأقاويلهم، فأعجبه قول عليٍّ. وأخرجه سعيد بن منصور (71)، عن الشعبي قال: قال فيها سبعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر نحوه. وإسناده صحيح عن الشعبي. وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (1388)، ومن طريقه ابن حزم المحلى (8/ 315)، من طريق أخرى عن الشعبي.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (31246)، عن عمرو بن مرة، قال:«كان عبد الله يقول في أخت وأم وجد؛ للأخت النصف، والنصف الباقي بين الجد والأم» ، إسناده صحيح.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (19073)، وابن أبي شيبة (31247)، عن إبراهيم:«أن عمر قضى في جد وأم وأخت؛ فجعل للأخت النصف، وللأم سهمًا، وللجد سهمين، لم يُفضِّل أمًّا على جد» ، وهو مرسل صحيح. وتقدم أثر ابن مسعود 7/ 24 حاشية (3).
ثلاثةٌ، وللأمِّ سهمٌ، ويُعبَّر عنه بثُلث ما يَبقَى، ولا يُعبَّر عنه بالسُّدس؛ تأدُّبًا، وللجَدِّ سَهْمانِ.
والمخمَّسةُ؛ لأِنَّه اخْتَلَف فيها خمسةٌ من الصَّحابة؛ عثمانُ، وعليٌّ، وابنُ مسعودٍ، وزَيدٌ، وابنُ عبَّاسٍ، على خَمسةِ أقْوالٍ، وكان الشعبي لا يُثبِتُ الرواية عن غير هؤلاء.
والشَّعْبِيَّةُ، والحَجَّاجِيَّةُ؛ لأِنَّ الحَجَّاجَ امْتَحَنَ فِيها الشَّعْبِيَّ، فأصاب فَعَفَا عنه
(1)
.
فإن عُدِمَ الجَدُّ، سُمِّيَت المباهَلَةَ؛ لقَول ابنِ عبَّاسٍ:«مَنْ باهَلَنِي باهَلْتُه، إنَّ الله تعالى لم يَجعَلْ في مالٍ واحِدٍ نِصْفًا ونِصْفًا وثُلُثًا»
(2)
.
(وَوَلَدُ الْأَبِ كَوَلَدِ الْأَبَوَيْنِ فِي مُقَاسَمَةِ الْجَدِّ إِذَا انْفَرَدُوا)؛ لأِنَّهم يُشارِكونَهم في بُنُوَّةِ الأب التي ساوَوْا بها الجَدَّ، (فَإِنِ اجْتَمَعُوا؛ عَادَّ وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ الْجَدَّ بِوَلَدِ الْأَبِ)؛ أيْ: زاحَمَ به، وتُسمَّى المعادَّةَ، (ثُمَّ أَخَذُوا مِنْهُمْ
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (31261).
(2)
علَّقه الجصاص في أحكام القرآن (3/ 22)، عن محمد بن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه في قصة، وهذا إسناد حسن.
وأخرج البيهقي في الكبرى (12457)، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، قال: دخلت أنا وزفر بن أوس بن الحدثان على ابن عباس، فقال:«ترون الذي أحصى رمل عالج عددًا، لم يحصِ في مال نصفًا ونصفًا وثلثًا، إذا ذهب نصف ونصف، فأين موضع الثلث؟» الأثر بطوله، وأخرجه الحاكم (7985)، وحسنه الألباني في الإرواء 6/ 145، وأخرجه عبد الرزاق (19022)، وسعيد بن منصور (36)، بألفاظ قريبة من ذلك. وأخرج ابن أبي شيبة (31189)، والدارمي (3459)، عن ابن عباس أنه قال:«الفرائض لا تعول» ، وإسناده صحيح. وأخرج سعيد بن منصور (37)، عن عطاء، قال: قلت لابن عباس: لو مت أنا وأنت ما اقتسموا ميراثًا على ما نقول، قال:«فليجتمعوا فلنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ما حكم الله بما قالوا» ، وأسانيد هذه صحاح.
مَا حَصَلَ لَهُمْ)؛ لأِنَّ الجَدَّ والِدٌ، فإذا حَجَبَه أخَوانِ وارِثانِ؛ جاز أنْ يَحجُبَه أخٌ وارِثٌ وأخٌ غَيرُ وارِثٍ؛ كالأْمِّ، ولأِنَّ وَلَدَ الأب يَحجُبونه إذا انفرَدُوا، فيَحجبونه مع غيرهم كالأمِّ، ويُفارِقُ وَلَدَ الأمِّ، فإنَّ الجَدَّ يَحجُبهم، فلا يَنبغِي أنْ يَحجُبوه، بخِلافِ وَلَدِ الأب، فإنَّ الجَدَّ لا يَحجُبُهم.
وأمَّا الأخُ من الأبَوَينِ؛ فإنَّه أقْوى تَعْصِيبًا من الأخ للأب، فلا يَرِثُ معه شَيئًا، كما لو انْفرَدَا
(1)
عن الجَدِّ، فيأخُذُ مِيراثَه، كما لو اجتمع ابنٌ وابنُ ابْنٍ.
لا يُقالُ: الجَدُّ يَحجُبُ وَلَدَ الأمِّ، ولا يأخُذُ شَيئًا أنَّه هو
(2)
، والإخْوةُ يَحجُبونَ الأمَّ، ولم يأخُذُوا ميراثَها؛ لأِنَّ الجَدَّ وولدَ الأمِّ سببُ اسْتِحْقاقهم في الميراث مُختَلِفٌ، وكذلك سائرُ مَنْ يَحجُبُ، ولا يأخُذُ ميراثَ المحجوب، وههنا سببُ اسْتِحْقاق الإِخْوة الميراثَ: الأُخُوَّةُ والعُصوبة، فأيُّهما قَوِيَ حَجَبَ الآخَرَ، وأخَذَ مِيراثَه.
والمُعادَّةُ إنَّما تكونُ إذا احْتِيجَ إليها، فلو اسْتُغْنِيَ عنها؛ فلا مُعادَّةَ؛ كجَدٍّ وأخَوَينِ مِنْ أبَوَينِ وأخٍ مِنْ أبٍ.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
(3)
وَلَدُ الْأَبَوَيْنِ أُخْتًا وَاحِدَةً، فَتَأْخُذُ تَمَامَ النِّصْفِ)؛ لأِنَّ فَرضَها لا يَزيدُ على نِصْفٍ، (وَمَا فَضَلَ لَهُمْ)؛ أيْ: لِوَلَد الأب؛ لأِنَّه إنَّما يُؤخَذُ منه لكَونِ وَلَدِ الأَبَوَينِ أَوْلَى، وقد زالَتْ أوْلَوِيَّتُه
(4)
باسْتِكْمالِ حقِّه، (وَلَا يَتَّفِقُ هَذَا فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا فَرْضٌ غَيْرُ السُّدُسِ)؛ لأِنَّ أدْنَى ما يأخُذُ الجَدُّ: الثُّلُثُ من الباقي، والأُخْتُ: النِّصفُ، والباقِي بَعْدَهما هو السُّدُسُ، ولا يَلزَمُ أنْ
(1)
في (ظ): انفرد.
(2)
قوله: (شَيئًا أنَّه هو)، كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 311 والشرح 18/ 32: ميراثهم.
(3)
في (ظ): يكون.
(4)
رسمت في (ق): أولونه.
يَفضُلَ لهم شَيءٌ؛ كمسألةٍ فيها أمٌّ وجَدٌّ وأُخْتٌ لِأَبَوَينِ وأَخٌ أو أُخْتٌ لِأَبٍ.
(فَإِذَا كَانَ جَدٌّ وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبٍ؛ فَالْمَالُ بَيْنَهُمْ عَلَى أَرْبَعَةٍ)؛ لأِنَّ المقاسَمةَ خَيرٌ له، فيُجْعَلُ
(1)
كأُخْتَينِ، (لِلْجَدِّ سَهْمَانِ، وَلِكُلِّ أُخْتٍ سَهْمٌ، ثُمَّ رَجَعَتِ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، فَأَخَذَتْ مَا فِي يَدِ أُخْتِهَا كُلَّهُ)؛ لِتَستَكْمِلَ النِّصفَ.
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ مِنْ أَبٍ؛ فَلِلْجَدِّ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّه أحَظُّ له، (وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ)؛ لأِنَّها أُخْتٌ لأِبَوَينِ، (يَبْقَى لِلْأَخِ وَأُخْتِهِ السُّدُسُ)، فأصْلُها من ستَّةٍ، (بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ)؛ للعُصوبة، فتَضْرِبُها في ستَّةٍ، (فَتَصِحُّ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ)؛ للأُخْت تسعةٌ، وللجَدِّ ستَّةٌ، ويَسْتَوِي
(2)
هنا المقاسَمةُ، وثُلثُ جميعِ المال، وللأخ سَهْمانِ، وأختِه سَهْمٌ.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُمٌّ؛ فَلَهَا السُّدُسُ)؛ لأِنَّ ذلك فَرْضُها مع الإخوة، (وَلِلْجَدِّ ثُلُثُ الْبَاقِي)؛ لأِنَّه أحظُّ له، قال ابنُ المنَجَّى: وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه يَستَوِي له المقاسَمةُ، وثُلثُ الباقي، (وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ)؛ لأِنَّه فَرْضُها، (وَالْبَاقِي لَهُمْ)؛ أيْ: لِوَلَدِ الأب؛ لأِنَّهم عَصَبَةٌ، فَتَضْرِبُ ثلاثةً في ثَمانِيَةَ عَشَرَ، (وَتَصِحُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَخَمْسِينَ)، وإنْ قاسَمَ الإخْوةَ أَعْطَيتَ الأمَّ السُّدسَ، يَبقَى خمسةٌ مَقْسومةٌ على الجَدِّ والأخِ وأُخْتَينِ على ستَّةٍ، فتضْرِبُها في أصل المسألة، تَكُنْ ستَّةً وثَلاثِينَ، للأمِّ ستَّةٌ، وللجَدِّ عَشَرَةٌ، وللأُخْتِ من الأَبَوَينِ ثَمانِيةَ عَشَرَ، يَبقَى سَهْمانِ عَلَى الأخ من الأب وأختِه، لا تَصِحُّ، فاضْرِبْ ثلاثةً في ستَّةٍ وثَلاثِينَ تَكُنْ مائةً وثَمانيةً، وتَرجِعُ بالاِختِصار إلى نِصْفِها أربعةً وخَمْسينَ؛ لأِنَّها تتَّفِقُ بالنِّصف، فلِهذا قال:(وَتُسَمَّى: مُخْتَصَرَةَ زَيْدٍ).
(1)
في (ظ): فتجعل.
(2)
في (ق): تستوي.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ آخَرُ)؛ فلِلأْمِّ السُّدسُ: ثلاثةٌ، وللجَدِّ ثُلثُ الباقِي: خَمسةٌ، وللأخْتِ من الأَبَوَينِ النِّصفُ: تسعةٌ، يَبقَى سهمٌ لأِوْلادِ الأبِ على خمسةٍ لا يَصِحُّ عَلَيهم، فاضْرِبْها في ثمانيةَ عَشَرَ، (صَحَّتْ مِنْ تِسْعِينَ)، فكلُّ مَنْ له شَيءٌ من ثمانيةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ في خمسةٍ، (وَتُسَمَّى: تِسْعِينِيَّةَ زَيْدٍ).
وهذا التَّفْريعُ كلُّه على مذْهَبِ زَيدٍ؛ لأِنَّه يُوَرِّثُ الإخْوةَ مع الجَدِّ، وقد نَصَّ أحمدُ على بَعْضِ ذلك، وعلى مَعْناهُ تَبَعًا له.
مسائلُ:
أمٌّ وأُخْتانِ وجَدٌّ، المقاسَمةُ خَيرٌ له، يَبقَى خمسةٌ على أربعةٍ، وتَصِحُّ من أربعةٍ وعشرينَ.
بِنْتٌ وأخٌ وجَدٌّ، للبنت النِّصفُ، والباقِي بَينَهما نِصفَينِ، فإن كان معهما أُخْتُه؛ فالباقِي بَينَهم على خمسةٍ.
بِنْتانِ أوْ أكثرُ، أوْ بِنتٌ وبِنتُ ابْنٍ وأخْتٌ وجَدٌّ؛ لِلاِبْنَتَينِ الثُّلثانِ، والباقي بَينَهما على ثلاثةٍ، وتَصِحُّ من تسعةٍ.
وإنْ كان مكانَها أخٌ؛ فالباقي بَينَهما نِصفَينِ، وتَصِحُّ من ستَّةٍ.
وإنْ كان أُخْتانِ؛ صحَّتْ من اثْنَيْ عَشَرَ، ويَستَوِي السُّدسُ والمقاسَمةُ.
زَوجةٌ وبنتٌ وأختٌ وجَدٌّ، الباقِي بَينَ الأخت والجَدِّ على ثلاثةٍ، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ، فإنْ كان مكانَ الأخت أخٌ أوْ أُخْتانِ؛ فالباقِي بَينَهم، وتَصِحُّ مع الأخ من ستَّةَ عَشَرَ، ومع الأخْتَينِ من اثْنَينِ وثلاثينَ، وإنْ زادوا فُرِضَ للجَدِّ السُّدسُ، فانْتَقَلتْ إلى أربعةٍ وعِشْرينَ، ثمَّ تَصِحُّ على المنْكَسِرِ عَلَيهِم.
وإنْ كان مع الزَّوجة ابْنَتانِ أوْ أكثرُ، أوْ بنتٌ وبنتُ ابنٍ، أو بِنتٌ وأمٌّ وجَدٌّ؛ فَرَضْتَ للجَدِّ السُّدسَ، يَبقَى للإخوة والأخَوات سَهْمٌ، وتَصِحُّ من أربعةٍ وعِشْرينَ.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْأُمِّ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ):
(حَالٌ لَهَا السُّدُسُ، وَهِيَ مَعَ وُجُودِ الْوَلَدِ، أَوْ وَلَدِ الاِبْنِ)؛ لقَولِه تعالَى: {وَلأِبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 11]، وَوَلَدُ الوَلَد وَلَدٌ حقيقةً أوْ مَجازًا، قال الماوَرْدِيُّ: انْعَقَدَ الإجْماعُ في وَلَدِ الوَلَد، ولم يُخالِفْ فيه إلاَّ مُجاهِدٌ
(1)
.
(أَوِ الاِثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ
(2)
، كامِلِي الحُرِّيَّةِ في قَول الجُمهور، وقال ابنُ عبَّاسٍ:«لا يَحجُبُها عن الثُّلثِ إلى السُّدُس إلاَّ ثلاثةٌ» ، وحُكِيَ عن مُعاذٍ
(3)
؛ لقَوله تعالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ} [النِّسَاء: 11]، وأقلُّ الجَمْع ثلاثةٌ.
وجَوابُه: بأنَّ الجَمْعَ قد يُعَبَّرُ به عن الاِثْنَينِ، قال الزَّمَخْشَرِيُّ: لَفْظُ الإخْوةِ
(1)
ينظر: الحاوي الكبير 8/ 97.
(2)
كتب في هامش (ظ): (وأحسن ما رأيت في تقرير هذه المسألة من الاستدلال للجماعة؛ ما قاله الزمخشري: فإن قيل كيف صح أن يتناول الإخوة للأخوين والجمع خلاف التثنية؟ قلت: الإخْوة تفيد معنى الجمعيَّة المطلقة من غير كمية، وأما التثنية كالتثليث والتربيع في إفادة الكمية، لا لدلالته على الجمع المطلق، وهذا موضع الدلالة على الجمع المطلق، فدل الإخوة عليه. قال صاحب الانتصاف [وهو لابن المنيِّر الإسكندري]: ولعله أحسن في هذا التقرير ما لم يحسن كثير من حُذَّاق الأصوليين، يريد فيكفي في تغاير وصفي الجمع والتثنية؛ أن الجمع يتناول الاثنين، ويتناول أزيد منهما، لك هذا، ولك هذا، وأما التثنية فقاصرة على الاثنين، فبينهما إذن هذا العموم والخصوص، فكل تثنية جمع، وليس كل جمع تثنية).
(3)
أثر معاذ لم نقف عليه، وذكر ابن المنذر المسألة والخلاف فيها في الإشراف 4/ 322، ولم يذكره عن معاذ، وأثر ابن عباس رضي الله عنهم يأتي قريبًا.
هنا يَتَناوَلُ الأَخَوَينِ؛ لأِنَّ المقصودَ الجَمْعيَّةَ المطْلَقةَ من غَيرِ كَمِّيَّةٍ
(1)
.
وفي «صحيح الحاكم» وقال: صحيحُ الإسْناد: «أنَّ ابْنَ عبَّاسٍ احْتَجَّ على عُثمانَ، وقال: كَيفَ نَرُدُّها إلى السُّدس بالأَخَوَينِ، ولَيسا بإخْوةٍ؟ فقال عُثْمانُ: لا أسْتَطِيعُ ردَّ شَيءٍ كان قَبْلِي، ومَضَى في البُلْدان، وتَوارَثَ النَّاسُ به»
(2)
، فهذا يَدُلُّ على الإجماع قَبْلَ مُخالَفَةِ ابنِ عبَّاسٍ، ورُوِيَ أنَّه قال:«حَجَبَها قَومك يا غُلامُ»
(3)
، ولأِنَّه حَجْبٌ يتعلَّقُ بعَدَد، فكان الاِثْنانِ أوَّلَه، كحَجْب البنات لِبَناتِ الاِبن، يُؤيِّدُه قَولُه تعالى: الآيةَ {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} [النِّسَاء: 176]، وهذا الحكمُ ثابِتٌ في أخِ وأخْتٍ، وقد أُكِّد ذلك: بأنَّ جماعةً من أهل اللُّغة جَعَلُوا الاِثْنَينِ جَمْعًا حقيقةً.
وقد أغْرَبَ الحَسَنُ البصْرِيُّ، فقال: لا يَحجُبُها إلاَّ ثلاثةُ إخْوةٍ ذُكورٍ.
وعِندَنا لا فَرْقَ في حَجْبِها بَينَ الذَّكَرِ والأنْثَى، ولو كانا غَيرَ وارِثَينِ؛ لِسُقوطِهما بالأب، لا بمانِعٍ قام بهما.
(وَحَالٌ لَهَا الثُّلُثُ، وَهِيَ مَعَ عَدَمِ هَؤُلَاءِ)؛ أيْ: مع عَدَمِ مَنْ ذُكِرَ من الولد، أوْ وَلَدِ ابنِه، أو اثْنَينِ من الإخْوةِ والأَخَوات، من أيِّ الجِهات كانوا، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(4)
، وسَنَدُه قَولُه تعالَى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ
(1)
ينظر: الكشاف 1/ 483.
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (6/ 465)، والحاكم (7960)، والبيهقي في الكبرى (12297)، عن شعبة مولى ابن عباس عنه. وصححه ابن الملقن في البدر 7/ 229، وقال الحافظ في التلخيص 3/ 193:(فيه نظر؛ فإن شعبة مولى ابن عباس، وقد ضعفه النسائي)، وضعفه الألباني به في الإرواء 6/ 122، قال ابن كثير في التفسير 2/ 228:(وفي صحة هذا الأثر نظر، فإن شعبة هذا تكلم فيه مالك بن أنس، ولو كان هذا صحيحًا عن ابن عباس لذهب إليه أصحابه الأخصاء به، والمنقول عنهم خلافه).
(3)
لم نقف على هذه الرواية.
(4)
ينظر: المغني 6/ 276.
فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النِّسَاء: 11].
(وَحَالٌ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَهِيَ فِي زَوْجٍ وَأَبَوَيْنِ، وَامْرَأَةٍ وَأَبَوَيْنِ؛ لَهَا ثُلُثُ الْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِ الزَّوْجَيْنِ)، وهاتانِ المسألَتانِ تُسَمَّى العُمَرِيَّتَيْنِ؛ لأِنَّ عمرَ رضي الله عنه قضى بذلك
(1)
، ووافَقَه عُثْمانُ
(2)
، وزَيدُ بنُ ثابِتٍ
(3)
،
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (1/ 54)، وابن أبي شيبة (31057)، والبيهقي في الكبرى (12299)، عن علقمة، قال: قال عبد الله: كان عمر بن الخطاب إذا سلك بنا طريقًا فاتبعناه وجدناه سهلاً، وإنه سئل عن امرأة وأبوين، فقال:«للمرأة الرُّبع، وللأم ثُلث ما بقي، وما بقي فللأب» ، إسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي شيبة (31054)، وعبد الله بن أحمد في زوائد فضائل الصحابة (352)، والبيهقي في الكبرى (12300)، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عبد الله. وإسناده صحيح. وأخرجه الثوري في الفرائض (13)، وعبد الرزاق (19015)، وسعيد بن منصور (1/ 54)، وابن أبي شيبة (31053)، والدارمي (2914)، من طرق أخرى عن إبراهيم مرسلاً.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19016)، وابن أبي شيبة (31050)، والدارمي (2909)، والبيهقي في الكبرى (12301)، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عثمان رضي الله عنه، رجاله ثقات، أبو المهلب هو عمرو بن معاوية، ثقة، وذكره الحافظ في الإصابة 7/ 330 وقال:(له إدراك ورواية عن عمر)، فلا يبعد أن يكون سمع عثمان رضي الله عنه. وأخرجه عبد الرزاق (19014)، وسعيد بن منصور (1/ 55)، عن أبي قلابة مرسلاً.
(3)
روي عنه في امرأة وأبوين: أخرجه ابن أبي شيبة (31051)، والدارمي (2912)، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن ثابت، سئل عن امرأة وأبوين «فأعطى المرأة الربع، والأم ثلث ما بقي، وما بقي للأب» ، ورجاله ثقات. وأخرجه أحمد في العلل (5446)، والدارمي (2908)، والبيهقي في الكبرى (12309)، من طريق أخرى عن ابن المسيب. وإسناده صحيح، واختلف في سماع ابن المسيب من زيد، أثبته ابن المديني ونفاه مالك.
وروي عنه في زوج وأبوين: أخرجه عبد الرزاق (19020)، وابن أبي شيبة (31063)، والدارمي (2917)، والبيهقي في الكبرى (12305)، عن عكرمة قال: أرسلني ابن عباس إلى زيدٍ أسأله عن زوج وأبوين، فقال:«للزوج النصف، وللأم ثلث ما بقي، وللأب الفضل» ، فقال ابن عباس: أفي كتاب الله وجدته أم رأي تراه؟ قال: «بل رأي أراه، لا أرى أن أُفضِّل أمًّا على أب» ، وكان ابن عباس يجعل لها الثلث من جميع المال. قال ابن حجر في موافقة الخُبْر 1/ 163:(موقوف صحيح).
وابنُ مسعودٍ
(1)
، ورُوِي عن عليٍّ
(2)
، وقاله الحَسَنُ والثَّوْريُّ.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: «لها ثُلثُ المال كلِّه فِيهِما»
(3)
؛ لأِنَّ الله فَرَضَ لها الثُّلثَ عِنْدَ عَدَمِ الولد والإخوة، ويُرْوَى عن عليٍّ
(4)
، قال أحمدُ: وهو ظاهِرُ القرآن
(5)
، واختاره ابنُ اللَّبَّان، وقالَهُ ابنُ سُرَيجٍ في زَوجٍ وأبَوَينِ.
وفَصَّل ابنُ سِيرِينَ، فقال كقول الجماعة في زَوجٍ وأبَوَينِ، وكقول ابنِ عبَّاسٍ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (19019)، وابن أبي شيبة (31060)، والدارمي (2916)، والحاكم (7964)، عن المسيب بن رافع، عن ابن مسعود قال:«ما كان الله ليراني أُفضِّل أمًّا على أب» ، رجاله ثقات إلا أن المسيب لم يسمع من ابن مسعود كما قال أحمد والرازيان. وأخرج البيهقي في الكبرى (12304)، عن إبراهيم، عن عمر وعبد الله، في امرأة وأبوين:«للأم ثلث ما بقي» ، قال: وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «لها الثلث من جميع المال» ، وهذا مرسل جيد.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (13)، عن الحارث، عن علي أنه قال في زوج وأبوين، «فجعل للزوج النصف ثلاثة أسهم، وللأم ثلث ما بقي، وللأب سهمين» ، الحارث الأعور ضعيف، وفيه حجاج بن أرطاة وهو ضعيف أيضًا. وأخرجه سعيد بن منصور (14)، من طريق حجاج، عمن سمع عبد الله بن محمد بن علي، عن أبيه، عن علي نحوه. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12302)، من طريق أخرى، وفيه حجاج والحارث أيضًا. وأخرجه سعيد بن منصور (15)، وابن أبي شيبة (31055)، والدارمي (2913)، عن الشعبي، عن عليٍّ، وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (19018)، وابن أبي شيبة (31058)، والدارمي (2920)، والبيهقي في الكبرى (12308)، عن إبراهيم قال:«خالف ابن عباس أهل الصلاة في زوج وأبوين، فجعل النصف للزوج، وللأم الثلث من رأس المال، وللأب ما بقي» ، وهو مرسل جيد. وأخرجه الدارمي (2918)، عن عطاء، عن ابن عباس، وفيه حجاج بن أرطاة.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (16)، عن الأعمش، عن بعض أصحابه، عن علي، أنه كان يقول:«للأم ثلث الأصل» ، وفيه راوٍ مبهم، وأخرجه الدارمي (2919)، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علي، قال:«للأم ثلث جميع المال في امرأة وأبوين، وفي زوج وأبوين» ، إبراهيم النخعي لم يدرك عليًّا. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12303)، من طريق أخرى، وفيه الحسن بن عمارة، وهو متروك.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 13.
في امرأةٍ وأبَوَينِ، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأِنَّا لو فَرَضْنا لها ثُلُثَ المال في الأولى؛ لَفَضَّلْناها على الأب، وهو ممتَنِعٌ، وفي مسألة الزَّوجة لا يتأتَّى ذلك.
قال المؤلِّفُ: (والحُجَّةُ مع ابنِ عبَّاسٍ لولا انْعِقادُ الإجماع من الصَّحابة على خلافه؛ لأِنَّ الفريضةَ إذا جَمَعَتْ أبَوَينِ وذا فَرْضٍ؛ كان للأمِّ ثلثُ الباقي، كما لو كان معهما بنتٌ، ويُخالِفُ الأبُ الجَدَّ؛ لأِنَّ الأبَ في دَرَجَتِها، والجَدُّ أعلى منها).
ولأِنَّ مِيراثَهما هو ما سِوَى مِيراثِ الزَّوجَينِ، فلم يَجُزْ أنْ يُزادَ على ثلث ما وَرِثَه الأَبَوانِ، ولأِنَّ ما يأخُذُه أحدُ الزَّوجَينِ إنَّما يأخُذُه بالسَّبب، وما يُؤخَذُ بالسَّبَب؛ كالطَّارِئِ على التَّرِكةِ، فإذن: الباقِي بَعْدَه يكونُ بَينَ الأَبَوَينِ.
فَعَلَى هذا: تكون المسألةُ الأولى من اثْنَينِ، وتَصِحُّ من ستَّةٍ، والثَّانيةُ تَصِحُّ من أربعةٍ، وإنَّما قالوا: لها
(1)
ثُلثُ الباقي، ولم يَقُولُوا: سُدُس المال في الأولى، ورُبعه في الثَّانية؛ مُحافَظةً على الأَدَب في مُوافَقَةِ القُرآن، وعبَّر به في «الوجيز» اعْتِبارًا بالحاصل.
وما ذَهَب إلَيهِ ابنُ سِيرِينَ تَفْريقٌ في مَوضِعٍ أجْمَعَ الصَّحابةُ على التَّسْوِيَة فيه، ثُمَّ إنَّه مع الزَّوج يأخُذُ مِثْلَ ما أَخَذَتِ الأمُّ، كذلك مع المرأة قِياسًا عَلَيهِ.
(وَحَالٌ رَابِعٌ، وَهِيَ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا أَبٌ؛ لِكَوْنِهِ وَلَدَ زِنًى)؛ لأِنَّه لا يُنسَبُ إلى الزَّانِي، (أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ، فَإِنَّهُ يَنْقَطِعُ تَعْصِيبُهُ مِنْ جِهَةِ مَنْ نَفَاهُ) أيْ: إذا لَاعَنَ الرَّجُلُ امرأتَه، وانْتَفَى مِنْ وَلَدِها، وفرَّق الحاكِمُ بَينَهُما؛ انْتَفَى وَلَدُها عنه، وانْقَطَعَ تعصيبُه من جِهَة المُلاعِنِ، (فَلَمْ يَرِثْهُ هُوَ وَلَا أَحَدٌ مِنْ عَصَبَاتِهِ، وَتَرِثُ أُمُّهُ وَذَوُو
(2)
الْفُرُوضِ مِنْهُ فُرُوضَهُمْ)، ويَنقَطِعُ التَّوارُثُ بَينَ الزَّوجَينِ، لا
(1)
قوله: (لها) سقط من (ق).
(2)
في (ق): وذو.
نَعلَمُ فيه خِلافًا
(1)
، فإنْ مات أحدُهما قَبْلَ تمامِ اللِّعان؛ وَرِثَه الآخَرُ في قَول الجُمهور، فإنْ تَمَّ اللِّعانُ بَينَهما، فماتَ أحدُهما قَبْلَ تفريقِ الحاكِم؛ لم يتوارَثا في الأَشْهَر؛ لأِنَّ اللِّعانَ يقتَضِي التَّحريمَ المؤبَّدَ، فلم يُعتَبَر فيه التَّفريقُ؛ كالرَّضاع. والثَّانية: يَتَوارثانِ
(2)
؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام فرَّق بَينَهما»
(3)
، ولو حصل التَّفريقُ باللِّعان لم يَحتَجْ إلى تفريقه، لكِنْ لو فرَّق بَينَهما قَبْلَ تمامه؛ لم تَقَعِ الفُرْقةُ، ولم يَنقَطِع التَّوارُثُ في قَول الجماعة.
وهذا في تَوارُث الزَّوجَينِ، فأمَّا الوَلَدُ؛ فالأصحُّ أنَّه يَنتَفِي عن الملاعِن إذا تَمَّ اللِّعانُ بَينَهما من غَيرِ اعْتِبارِ تفريقِ الحاكم، فإنْ لم يَكُنْ ذَكَرَه في اللِّعان؛ لم يَنتَفِ عن الملاعِن، ولم يَنقَطِع التَّوارُثُ بَينَهما.
وقال أبو بكرٍ: يَنتَفِي بزَوالِ الفراشِ؛ لأِنَّه عليه السلام نَفَى الوَلَدَ عن المُلاعِنِ، وألْحَقَه بأُمِّه، ولم يَذكُرْه في لِعانه؛ لأِنَّه كان حَمْلاً في البطن.
وفي «الرِّعاية» : إنْ قَذَفَها ولَاعَنَها في مرضِ موتِه؛ وَرِثَتْه. وقِيلَ: لا.
وإنْ قَذَفَها في صحَّته، ولَاعَنَها في مَرضِ مَوتِه، وافْتَرَقا، فمات؛ فروايتانِ.
وإنْ أكْذَبَ نفسَه؛ لم تَرِثْه.
فإنْ نَفَى في لِعانِه وَلَدَها؛ انْقَطَعَ نَسَبُه عنه، ولم يتوارَثَا، فإنْ اسْتَلْحَقَه بعدُ؛ لَحِقَه وتوارَثَا.
تنبيهٌ: إذا ادَّعَتْه امرأةٌ دُونَ زَوجِها، وأُلْحِقَ بها؛ فهو كَوَلَدِ المُلاعَنَةِ، وكذا
(1)
ينظر: المغني 6/ 340.
(2)
في (ق): يتوارثا.
(3)
أخرجه البخاري (5315)، ومسلم (1494)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها، ففرّق بينهما، وألحق الولد بالمرأة» .
لو ادَّعاهُ الزَّانِي، وقوة اللِّعان والزِّنى، وفروعهما ولداه، ولا يورثون بأخوة الأب على المذهب
(1)
.
(وَعَصَبَتُهُ) بَعْدَ ذُكورِ وَلَدِه وإنْ نَزَلَ؛ (عَصَبَةُ أُمِّهِ) في الإرْث، نَقَلَه الأثْرَمُ وحنبلٌ
(2)
، ورُوِيَ عن عليٍّ
(3)
، وابنِ عبَّاسٍ
(4)
، وابنِ عُمَرَ
(5)
، وقاله جَمْعٌ؛ لقَولِه عليه السلام:«ألْحِقُوا الفَرائضَ بأهْلِها» الخبرَ
(6)
، وأَوْلَى الرِّجالِ به أقارِبُ أُمِّه،
(1)
قوله: (وقوة اللعان) إلى هنا، كذا في النسخ الخطية. والعبارة غير مذكورة في كتب المذهب، ولعل فيها سقطًا.
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 130، الروايتين والوجهين 2/ 63.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12482)، وابن أبي شيبة (31329)، والدارمي (3004)، والطبراني في الكبير (9663)، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن علي وابن مسعود، قالا:«عصبة ابن الملاعنة عصبة أمه» ، ومحمد ابن أبي ليلى ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة (31358)، والبيهقي في الكبرى (12492)، عن محمد بن سالم، عن الشعبي عنهما، ومحمد بن سالم الهمداني ضعيف. وأخرجه الدارمي (2999)، والبيهقي في الكبرى (12494)، عن قتادة: أن عليًّا وابن مسعود، قالا في ولد الملاعنة ترك جدته وإخوته لأمه، قال:«للجدة الثُّلث، وللإخوة الثُّلثان» ، وقال زيد بن ثابت:«للجدة السدس، وللإخوة للأم الثلث، وما بقي فلبيت المال» ، وهذا مرسل، ورجاله ثقات. وأخرجه الدارمي (3011)، والحاكم (7989)، والبيهقي في الكبرى (12491)، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن قومًا اختصموا إلى علي رضي الله عنه في ولد المتلاعنين، فجاء عصبة أبيه يطلبون ميراثه، فقال:«إن أباه كان تبرأ منه، فليس لكم من ميراثه شيء» ، فقضى بميراثه لأمه، وجعلها عصبته. ورواية سماك عن عكرمة مضطربة. وأخرجه عبد الرزاق (12481)، عن عليٍّ وحده، وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك.
(4)
أخرجه الدارمي (3009)، والبيهقي في الخلافيات (3778)، عن ابن عباس في ولد الملاعنة، هو الذي لا أب له:«ترثه أمه، وإخوته من أمه، وعصبة أمه، فإن قذفه قاذف، جُلد قاذفه» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (12478)، وابن أبي شيبة (31330)، والدارمي (3007)، عن ابن عمر، قال:«ابن الملاعنة عصبته عصبة أمه، يرثهم ويرثونه» ، فيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف الحديث.
(6)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
ولو كانت عصَبةً كأبيه؛ لَحَجَبت الإخوةَ، ولأِنَّ مَولاها مَولَى أوْلادها، فيَجِبُ أنْ يكونَ
(1)
عَصَبَتُها عَصَبَتَه كالأب، فإنْ كانَتْ أُمُّه مولاةً
(2)
؛ فما بَقِيَ فلِمَولاها، وإلاَّ جُعِلَ لبيت المال، ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ نحوُه
(3)
، وقالَهُ جَمْعٌ من التَّابِعِينَ وأهلِ المدينة.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا هِيَ عَصَبَتُهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ؛ فَعَصَبَتُهَا عَصَبَتُهُ)، نَقَلَها أبو الحارِثِ ومُهَنَّى
(4)
، وهيَ قَول ابنِ مسعودٍ
(5)
، اختارها أبو بَكْرٍ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(6)
؛ لِمَا رَوَى عمرُو بن شُعَيبٍ عن أبيهِ عن جَدِّه مرفوعًا: «أنَّه جَعَلَ مِيراثَ ابنِ الملاعَنَةِ لأُمِّه، ولِوَرَثَتِها من بعدِها
(7)
» رواهُ أبو داودَ، وعن واثلةَ بنِ الأسْقَعِ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال:«تَحُوزُ المرأةُ ثلاثةَ موارِيث: عَتِيقَها، ولَقِيطَها، ومِيراثَ وَلَدِها التي لَاعَنَتْ عليه» رواهُ أبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ وقال: حسَنٌ غريبٌ
(8)
، ولأِنَّها قامَتْ مَقامَ الأب في انْتِسابه إلَيها، فقامَتْ مَقامَه في حِيازةِ مِيراثِه، ولأِنَّهم عَصَباتٌ أدْلَوْا بها، فلم يَرِثُوا معها؛ كأقارِبِ الأب مَعَه.
(1)
في (ق): تكون.
(2)
في (ق): أمة مولاه.
(3)
لعله يريد ما أخرجه عبد الرزاق (12485)، عن قتادة، أن زيد بن ثابت قال:«ترث أمه منه الثُّلث، وما بقي في بيت المال» ، وقاله ابن عباس أيضًا. وهو منقطع.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 130، الروايتين والوجهين 2/ 63.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (12479)، وابن أبي شيبة (31322)، والطبراني في الكبير (9662)، عن قتادة عن ابن مسعود قال:«ميراث ولد الملاعنة كله لأمه» ، مرسل. وأخرجه ابن أبي شيبة (31319)، والدارمي (2998)، والحاكم (7987)، عن إبراهيم، عن عبد الله، قال في ولد الملاعنة:«ميراثه كله لأمه، فإن لم يكن له أم فهو لعصبته» ، مرسل ولا بأس رجاله. وأخرجه الدارمي (2993)، من طريق أخرى عن إبراهيم، عن عبد الله. فالأثر صحيح.
(6)
ينظر: الاختيارات ص 282.
(7)
في (ق): بعده.
(8)
سبق تخريج الحديثين 6/ 400 حاشية (4).
وعَنهُ: إنْ كان لهما ذُو فَرْضٍ؛ رُدَّ عَلَيهم، فإنْ عُدِمَ؛ فَعَصَبَتُها عَصَبتُه.
فَعَلَى الأولى: يَرِثُ أخُوهُ لأُمِّه مع بِنْتِه، لا أُخْتُه، ويُعايَا بها.
ولو خلَّف خالاً وخالةً، أوْ خالاً ومَولَى أمٍّ؛ فالمالُ للخال روايةً واحدةً.
فإذا ماتَ عَتيقُ ابنِ الملاعِنَة عن الملاعِنَة وعَصَبَتها؛ فقِيلَ: المالُ لِعَصَبَتِها على الرِّوايات، والأصحُّ: أنَّه مَبْنِيٌّ على القَول بتَعْصيبِها.
فإنْ لم يَترُك ابنُ الملاعِنةِ ذا سَهْمٍ؛ فالمالُ لِعَصَبةِ أُمِّه في قَولِ الجماعة، ونَقَلَ الخَلاَّلُ في «جامعه»: أنَّهم يَعقِلُونَ عنه.
(فَإِذَا خَلَّفَ أُمًّا وَخَالاً؛ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّه فَرْضُها، (وَبَاقِيهِ لِلْخَالِ)؛ أيْ: على الرِّواية الأُولَى؛ لأِنَّه عَصَبَتُها.
(وَعَلَى الرِّوَايَةِ الأُخْرَى: الْكُلُّ لِلْأُمِّ)؛ لأِنَّها عَصَبَتُه.
وعلى الثَّالِثة: تَستَوعِبُ
(1)
المالَ بالفَرْض والرَّدِّ، وهي قَولُ ابنِ مسعودٍ.
ومذْهَبُ زَيدٍ: الباقِي لبَيتِ المال
(2)
.
(1)
في (ظ): يستوعب.
(2)
الذي في الشرح الكبير 18/ 47: ("وعلى الرواية الأخرى: الكل للأم" وهذا قول عليٍّ وابن مسعود وأبي حنيفة وموافقيه، إلا أن ابن مسعود يعطيها إياه؛ لكونها عصبته، والباقون بالرد، وعن زيد: الباقي لبيت المال).
أثر عليٍّ وابن مسعود رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (31337)، عن سفيان، عمن سمع الشعبي عن علي وعبد الله، أنهما قالا: في ابن ملاعنة مات وترك أمه وأخاه لأمه، قال: كان علي يقول: «للأم الثلث، وللأخ السدس، ويرد ما بقي عليهما الثلثان والثلث» ، وكان ابن مسعود يقول:«للأم الثلث، وللأخ السدس، ويرد ما بقي على الأم» ، وأخرجه الدارمي (2995)، عن أبي سهل، عن الشعبي نحوه. أبو سهل هو محمد بن سالم، وهو ضعيف، ولعله الذي في الإسناد الأول.
وأثر زيد رضي الله عنه: أخرجه الدارمي (2997)، عن ابن المسيب، عن زيد بن ثابت، في ميراث ابن الملاعنة:«لأمه الثلث، والثلثان لبيت المال» ، ولا بأس بإسناده. وأخرجه عبد الرزاق (12485)، عن قتادة، عن زيد مرسلاً.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَخٌ لِأُمٍّ؛ فَلَهُ السُّدُسُ)؛ لأِنَّه فَرْضُه، (وَالْبَاقِي لَهُ)؛ أيْ: للأخ من الأمِّ؛ لأِنَّه عَصَبتُها دُونَ الخالِ؛ لأِنَّه مَحْجُوبٌ، (أَوْ لِلْأُمِّ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ)، وهذا كلُّه بَعْدَ أخْذِ الأمِّ الثُّلثَ، والأخِ السُّدسَ؛ لأِنَّه لو لم يَكُنْ كذلك؛ لَمَا كان للأمِّ شَيءٌ على الرِّواية الأُولى، ولَيسَ كذلك وِفاقًا.
فإنْ كان مَعَهُما مَولَى أُمٍّ؛ فلا شَيءَ له عِندَنا، وقال زَيدٌ ومُوَافِقُوهُ: له الباقِي.
وإنْ لم يَكنْ لِأُمِّه عَصَبةٌ إلاَّ مَولاها، فالباقِي له إذا قُلْنا: عَصَبَتُها عَصَبَتُه، وعلى الأخرى: هو للأمِّ، وقالَهُ ابنُ مسعودٍ
(1)
؛ لأِنَّها عَصَبةُ ابْنِها.
(وَإِذَا مَاتَ ابْنُ ابْنِ مُلَاعِنَةٍ، وخَلَّفَ أُمَّهُ وَجَدَّتَهُ)؛ أُمَّ أَبِيهِ الملاعِنَةَ؛ (فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّه فَرْضُها (وَبَاقِيهِ لِلْجَدَّةِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ
(2)
؛ لأِنَّها هي الملاعِنَةُ، فهي عَصَبتُه، فيكون لها الباقِي، (وَهَذِهِ جَدَّةٌ وَرِثَتْ مَعَ أُمٍّ أَكْثَرَ مِنْهَا)، فيُعايَا بها؛ لأِنَّها وَرِثَت الثُّلَثَينِ مع إرْثِ الأمِّ الثُّلث، فهو مِثْلَا نصيبِها؛ لأِنَّها عَصَبةٌ على روايةٍ، فيكونُ لها الباقي.
وعلى الأخرى
(3)
: الكلُّ للأمِّ؛ الثُّلث بالفَرْض، والباقِي بالرَّدِّ، وهو قَولُ عليٍّ
(4)
.
فإذا ماتَ ابنُ ابْنِ الملاعِنَةِ عن عمِّه وعمِّ أبيه؛ فالمالُ لِعَمِّه.
(1)
تقدم تخريج قول ابن مسعود رضي الله عنه؛ أن الأم عصبته ثم عصبتها 7/ 37 حاشية (5).
(2)
لم نقف عليه.
(3)
كتب في هامش (ظ): (هذه الرواية هي الصحيحة).
(4)
تقدم أن عليًّا رضي الله عنه جعل الأم عصبة ولم يعط عصبة أبيه شيئًا، فيما أخرج الدارمي (3011)، والحاكم (7989)، والبيهقي في الكبرى (12491)، عن ابن عباس: أن قومًا اختصموا إلى علي رضي الله عنه في ولد المتلاعنين، فجاء عصبة أبيه يطلبون ميراثه، فقال:«إن أباه كان تبرأ منه، فليس لكم من ميراثه شيء» ، فقضى بميراثه لأمه، وجعلها عصبته. وهو من رواية سماك عن عكرمة، وهي مضطربة.
وقال بعضُ العُلَماء: عمُّ الأب أَوْلى؛ لأِنَّه ابنُ الملاعِنَة.
ورُدَّ: بأنَّ العَصَبات إنَّما يُعتَبَرُ أقْرَبُهم من الميت، لا من آبائه.
فأمَّا وَلَدُ بنتِ الملاعِنَة؛ فلَيست الملاعِنَةُ عَصَبةً لهم في قَولِ الجميع.
وإنْ مات ابنُ الملاعِنَة، وخلَّف ابنَه وإنْ نَزَلَ وأُمَّه؛ فَلأِمِّه السُّدسُ، والباقِي لِلاِبن على الرِّوايات كلِّها.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْجَدَّاتِ السُّدُسُ، وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ)، وقد حَكاهُ ابنُ المنذِر إجْماعًا
(1)
.
وحَكَى غَيرُه روايةً شاذَّةً: أنَّها بمنزلة الأمِّ؛ لأِنَّها تُدْلِي بها فقامت مَقامَها عِنْدَ عَدَمها كالجَدِّ.
وأُجِيبَ: بِما رَوَى قَبيصةُ بنُ ذُؤَيْبٍ قال: جاءت الجَدَّةُ إلى أبي بكرٍ تسألُه مِيراثَها فقال: «ما لَكِ في كتاب الله شَيءٌ، وما عَلِمْتُ لكِ في سُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم شَيئًا، فارْجِعِي حتَّى أسألَ النَّاسَ» ، فسأل النَّاسَ، فقال المغيرةُ ابنُ شُعْبةَ:«حَضَرْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وأعطاها السُّدُسَ» ، فقال:«هل معك غَيرُك؟» فقام محمَّدُ بن مَسْلَمَةَ الأنصاريُّ، فشَهِدَ مِثْلَه فأنْفَذَه لها، ثُمَّ جاءت الثَّانيةُ إلى عمرَ بن الخَطَّاب، فسأَلَتْه
(2)
مِيراثَها، فقال:«ما لَكِ في كتاب الله شَيءٌ، لكِنْ هو ذاك السُّدسُ، فإذا اجْتَمَعْتُما فهو بَينَكما، وأيُّكما خَلَتْ به فهو لها» رواهُ الخمسةُ إلاَّ النَّسائيَّ، وصحَّحه التِّرمذِيُّ
(3)
.
(1)
ينظر: الإجماع ص 73.
(2)
في (ق): تسأله.
(3)
أخرجه أحمد (17978)، وأبو داود (2894)، والترمذي (2101)، والنسائي في الكبرى (6305)، وابن ماجه (2724)، وابن الجارود (959)، وابن حبان (6031)، وأُعِلَّ بأن قبيصة لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه، قال ابن حجر:(وإسناده صحيح؛ لثقة رجاله إلا أن صورته مرسل؛ فإن قبيصة لا يصح له سماع من الصدِّيق، ولا يمكن شهوده للقصة. قاله ابن عبد البر بمعناه، وقد اختلف في مولده، والصحيح أنه ولد عام الفتح، فيبعد شهوده القصة، وقد أعله عبد الحق تبعًا لابن حزم بالانقطاع)، وضعفه الألباني، وصححه الترمذي وابن الجارود وابن حبان وقوّاه ابن الملقن. ينظر: البدر المنير 7/ 208، التلخيص الحبير 3/ 186، الإرواء 6/ 124.
وعُلِمَ منه: أنَّهنَّ لا يُزَدْنَ على السُّدس فَرْضًا؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ: ثَنَا هُشَيمٌ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ، قال: «جاءت الجَدَّةُ إلى أبي بكرٍ، فأعْطَى أمَّ الأمِّ دُونَ الأب، فقال له عبدُ الرَّحْمنِ بنُ سَهْلٍ - وكان شَهِدَ بَدْرًا - يا خليفةَ رسولِ الله أعْطَيتَ التي إنْ ماتَتْ لم يَرِثْها
(1)
، ومَنَعْتَ التي لو ماتَتْ وَرِثَها! فَجَعَلَ أبو بكرٍ السُّدسَ بَينَهما»
(2)
، وهذا إجماعٌ
(3)
.
وشَرْطُه: (إِذَا تَحَاذَيْنَ)؛ لأِنَّه إذا كان بَعضُهنَّ أقْرَبَ كان الميراثُ لها، ولا خَلافَ في تَورِيثِ جَدَّتَينِ: أمِّ الأمِّ، وأمِّ الأب، وكذا إنْ عَلَتَا، وكانَتَا في القُرْب سَواءً، كأمِّ أمِّ أمٍّ، وأُمِّ أمِّ أبٍ
(4)
.
(فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ؛ فَالْمِيرَاثُ لِأَقْرَبِهِنَّ)، سَواءٌ كانا من جِهَةٍ واحدةٍ، فهو للقُرْبَى إجْماعًا
(5)
، وكذا إنْ كانا مِنْ جِهَتَينِ، والقُرْبَى من جِهَةِ الأمِّ؛ فبالاِتِّفاق أنَّ الميراثَ لها دُونَ البُعْدَى
(6)
؛ إذِ الأقْرَبُ يَحجُبُ الأبْعَدَ؛ كالآباء والأبْناء.
وظاهِرُه: أنَّ القُرْبَى من جِهَةِ الأب تَحجُبُ البُعْدَى من جِهةِ الأمِّ، وهو أشْهَرُ الرِّوايَتَينِ، ونَصَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» وغَيرهما، وهو قَولُ أهلِ العراق.
(1)
في (ق): لم ترثها.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (81)، وعبد الرزاق (19084)، والدارقطني (4133)، والبيهقي في الكبرى (12343)، عن ابن عيينة به، وأخرجه مالك (2/ 513)، والبيهقي في الكبرى (12342)، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد به. رجاله ثقات إلا أنه منقطع، قال ابن كثير:(وإن كان منقطعًا، لكنه جيد). ينظر: تحفة الطالب ص 372، الإرواء 6/ 126.
(3)
ينظر: الإجماع ص 73.
(4)
ينظر: المغني 6/ 340.
(5)
ينظر: الإجماع ص 73.
(6)
ينظر: تبيين الحقائق 6/ 223، الذخيرة 13/ 43، المهذب 2/ 410، المغني 6/ 302.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ)، بل تُشارِكُها، وبِه قَطَعَ القاضي في «جامِعه» ، وصحَّحه ابنُ عَقِيلٍ، وهي المنصوصةُ
(1)
، حتَّى إنَّ القاضِيَ في الرِّوايَتَينِ لم يَحكِ الأُولى إلاَّ عن الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ الأبَ الَّتي تُدْلِي به الجَدَّةُ لا يَحجُبُ
(2)
الجَدَّةَ مِنْ قِبَلِ الأمِّ، فالتي تُدْلِي به أَوْلَى ألاَّ يَحجُبَها
(3)
، وبهذا فارَقَت القُرْبَى من قِبَلِ الأمِّ، فإنَّها تُدْلِي بالأمِّ، وهي تَحجُبُ جَميعَ الجَدَّات.
وأُجِيبَ: بأنَّ قَولَهم: الأبُ لا يُسقِطها، قلنا: لأِنَّهنَّ لا يَرِثْنَ مِيراثَه، وإنَّما يَرِثْنَ مِيراثَ الأمَّهات؛ لكَونِهنَّ أُمَّهاتٍ، ولذلك أسْقَطَتْهُنَّ الأمُّ.
أُمُّ أمٍّ، أم أمِّ أبٍ: الميراث للأولى بلا نزاعٍ.
أمُّ أبٍ، وأمُّ أمِّ أمٍّ: الميراثُ للأولى على الأولى، وعلى الثَّانية: هو مُشْتَرِكٌ بَينَهما.
(وَلَا يَرِثُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ جَدَّاتٍ)، قالَهُ أحمدُ
(4)
، من غَيرِ زيادةٍ، رُوِيَ عن عليٍّ
(5)
، وابن مسعودٍ
(6)
،
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 65.
(2)
في (ق): لا تحجب.
(3)
في (ق): لا تحجبها.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4155.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (84)، والدارمي (2982)، والبيهقي في الكبرى (12352)، عن ابن أبي ليلى وأشعث، عن الشعبي:«أن عليًّا وزيدًا كانا يورثان ثلاث جدات: ثنتين من قبل الأب، وواحدة من قبل الأم، وكانا يجعلان السدس لأقربهما» . وأشعث بن سوَّار وابن أبي ليلى ضعيفان يُعتبر بهما، وقد تابع أحدهما الآخر، والشعبي أدرك زيدًا واختلف في سماعه من عليٍّ رضي الله عنهما. وأخرجه عبد الرزاق (19090)، والبيهقي في الكبرى (12361)، عن محمد بن سالم، عن الشعبي نحوه. ومحمد بن سالم ضعيف جدًّا.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (31279)، والبيهقي في الكبرى (12355)، عن إبراهيم، عن ابن مسعود، قال:«يرث ثلاث جدات، جدتان من قبل الأب، وجدة من قبل الأم» . وأخرج نحوه عبد الرزاق (4651)، والطبراني في الكبير (9423)، عن إبراهيم، عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 2/ 242:(مرسل صحيح؛ لأن إبراهيم لم يسمع من ابن مسعود)، ومراسيل النخعي عن ابن مسعود محمولة على الاتصال عند جماعة من الحفاظ.
وزَيدٍ
(1)
؛ لِمَا رَوَى سَعيدٌ، عن سُفْيانَ بنِ عُيَيْنةَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ورَّث ثلاثَ جَدَّاتٍ: ثِنْتَينِ من قِبَلِ الأبِ، وواحدةً من قبلِ الأمِّ» ، وأخْرَجَهُ أبُو عُبيدٍ والدَّارقُطْنِيُّ
(2)
.
وأشار إليهم المؤلِّفُ بقَوله: (أُمُّ الْأُمِّ، وَأُمُّ الْأَبِ، وَأُمُّ الْجَدِّ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أُمَّهَاتِهِنَّ، وَإِنْ عَلَتْ دَرَجَتُهُنَّ)، يُؤيِّدُه ما رَوَى سعيدٌ بإسْنادِه عن إبراهيمَ، قال:«كانوا يُوَرِّثُونِ من الجَدَّات ثلاثًا: ثِنْتَينِ مِنْ قِبَلِ الأبِ، وواحدةً مِنْ قِبَلِ الأمِّ»
(3)
. وقال جماعةٌ من العلماء: لا يَرِثُ أكثرُ من جَدَّتَينِ، وحكاهُ الزُّهْرِيُّ عن العلماء.
(1)
أخرجه الدارقطني (4138)، وابن حجر في التغليق (5/ 222)، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت:«أنه كان يورث ثلاث جدات، ثنتين من قبل الأم وواحدة من قبل الأب» ، إسناده صحيح. وروي عن زيد رضي الله عنه من وجوه أخرى لا تخلو من ضعف أخرجها الدارقطني (4137)، والبيهقي في الكبرى (12354)، وابن حزم (8/ 295).
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (79)، وابن أبي شيبة (31276)، وأبو داود في المراسيل (355)، من طرق عن منصور، عن إبراهيم مرسلاً، وإسناده صحيح مرسل، وأخرجه الدارقطني (4136)، من وجه آخر، وفي سنده: خارجة بن مصعب وهو متروك. وأخرجه أبو داود في المراسيل (359)، والبيهقي في الكبرى (12350)، من مرسل الحسن أيضًا، وفيه: الفضل بن دلهم وهو لين، قال ابن حجر:(وذكر البيهقي، عن محمد بن نصر أنه نقل اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك إلا ما روي عن سعد بن أبي وقاص أنه أنكر ذلك، ولا يصح إسناده عنه). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 187، الإرواء 6/ 127.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (94)، ومحمد بن الحسن في الحجة (4/ 222)، وأحمد كما في تنقيح التحقيق (4/ 270)، وإسناده صحيح.
وعن ابنِ عبَّاسٍ
(1)
: أنَّه وَرَّثَ الجَدَّاتِ وإنْ كَثُرْنَ، إذا كُنَّ في درجةٍ واحدةٍ، إلاَّ مَنْ أَدْلَتْ بِأَبٍ غَيرِ وارِثٍ كأمِّ أبِي الأمِّ، قال ابنُ سُراقَةَ: وبهذا قال عامَّةُ الصَّحابة
(2)
، وهو روايةُ المزَنِيِّ عن الشَّافِعِيِّ
(3)
، ويَحتَمِلُه كلامُ الخِرَقِيِّ.
فَعَلَى ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: يَرِثْنَ، وإنْ عَلَوْنَ أُمومةً، وقِيلَ: وأُبُوَّةً.
(فَأَمَّا أُمُّ أَبِي الْأُمِّ، وَأُمُّ أَبِي الْجَدِّ؛ فَلَا مِيرَاثَ لَهُمَا)، وكذا كلُّ جَدَّةٍ تُدْلِي بغَيرِ وارِثٍ، وهذا إجْماعٌ
(4)
، إلاَّ ما حُكِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ
(5)
، وجابِرِ بنِ زَيدٍ، ومُجاهِدٍ، وابنْ سِيرِينَ، فإنَّهم قالوا: تَرِثُ
(6)
، وهو قَولٌ شاذٌّ؛ لأِنَّها تُدْلِي بغَيرِ وارِثٍ، فلم تَرِثْ؛ كالأجانب، ولأِنَّهما مِنْ ذَوِي الأرحام.
والمرادُ: نَفْيُ مِيراث الجَدَّةِ المسْتَحِقَّةِ بنَفْسِها، لا بِسَبَبٍ آخَرَ.
(وَالْجَدَّاتُ الْمُتَحَاذِيَاتُ)؛ أيْ: المتساوِياتُ في الدَّرَجة بحَيثُ لا تكونُ واحدةٌ أعْلَى من الأخرى، ولا أنْزَلَ منها؛ لأِنَّ الجَدَّاتِ إنَّما يَرِثْنَ كلُّهُنَّ إذا كُنَّ في درجةٍ واحدةٍ، فمتى كان بعضُهُنَّ أقربَ؛ كان الميراثُ لها.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (31280)، والبيهقي في الكبرى (12356)، عن ليث بن أبي سليم، عن طاوس، عن ابن عباس، قال:«ترث الجدات الأربع جميعًا» ، وليث ضعيف.
(2)
روي ذلك عن بعض الصحابة، فمن ذلك: ما أخرجه البيهقي في الكبرى (12351)، عن محمد بن سيرين في الجدات الأربع:«أن عمر رضي الله عنه أطعمهن السدس» . وهو مرسل، ورجاله ثقات.
وما أخرجه ابن أبي شيبة (31290)، عن ابن سيرين، قال: كان عبد الله يورث الجدات وإن كنَّ عشرًا، ويقول:«إنما هو سهم أطعمه إياهن رسول الله صلى الله عليه وسلم» . وهو مرسل أيضًا، ورجاله ثقات. قال ابن حزم 8/ 296:(وقد روي هذا أيضًا عن علي بن أبي طالب وابن عباس وزيد بن ثابت).
(3)
ينظر: الحاوي 8/ 111، حلية العلماء 6/ 278.
(4)
ينظر: المغني 6/ 301.
(5)
الظاهر أن المراد ما تقدم تخريجه قريبًا.
(6)
في (ق): بإرثها.
ثُمَّ مَثَّلَ المتَحاذِياتِ: (أُمُّ أُمِّ أُمٍّ، وَأُمُّ أُمِّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ)، فهم مُتَساوُونَ في الدَّرجة، وهو مُتَصوَّرٌ
(1)
في الثَّلاث، وأمَّا في الأربع؛ فأمُّ أمِّ أُمِّ أُمٍّ، وأُمُّ أُمِّ أُمِّ أَبٍ، وأُمُّ أُمِّ أَبِي أَبٍ، وأُمُّ أَبِي أَبِي أبٍ، وفي الخامسة خَمْسًا، وفي السَّادِسة ستًّا، فإذا أردتَ تنزيلَ الجَدَّاتِ الوارِثاتِ وغَيرِهِنَّ؛ فاعْلَمْ أنَّ للميت في الدَّرجة الأولى جَدَّتَينِ: أمّ أمِّه، وأم أبيه، وفي الثَّانية أربعٌ؛ لأِنَّ لكلِّ واحِدٍ من أبَوَيهِ جَدَّتَينِ، فهما أربعٌ بالنِّسبة إلَيهِ، وفي الثَّالثة ثَمانٌ؛ لأِنَّ لكلِّ واحِدٍ من أبَوَيهٍ أربعًا على هذا الوجْهِ، ويكون لوالدهما
(2)
ثمانٌ، وعلى هذا؛ كلَّما عَلَوْنَ تضاعَفَ عَدَدُهنَّ، وهذا ظاهِرُ الخِرَقِيِّ مع أنَّ قَولَه: وإنْ كَثُرْنَ يَحتَمِلُ أنْ
(3)
لا يَزيدَ فَرضُهنَّ على السُّدس.
(وَتَرِثُ الْجَدَّةُ وَابْنُهَا حَيٌّ)، في ظاهر المذْهَبِ، وهو قَولُ عُمَرَ
(4)
، وابنِ مسعودٍ
(5)
، وأبِي موسى
(6)
،
(1)
في (ق): منصور.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 305 والشرح 18/ 65: لولدهما.
(3)
قوله: (أن) سقط من (ق).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19094)، وسعيد بن منصور (90)، وابن أبي شيبة (31300)، وأحمد في العلل لابن عبد الله (3781)، والدارمي (2976)، والبيهقي في الكبرى (12287)، عن سعيد بن المسيب، قال:«ورَّث عمر بن الخطاب جدة مع ابنها» ، إسناده صحيح، وسعيد عن عمر حجة كما قال أحمد.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (109)، وابن أبي شيبة (31301)، والبيهقي في الكبرى (12288)، عن أبي عمرو الشيباني، قال:«كان عبد الله يورث الجدة مع ابنها وابنها حي» ، إسناده صحيح.
وأخرج عبد الرزاق (19092)، وسعيد بن منصور (85)، وابن أبي شيبة (31299)، عن إبراهيم، قال عبد الله:«لا يحجب الجدات إلا الأم» ، وهذا مرسل صحيح.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (19097)، عن معمر، عن بلال بن أبي بردة، أن أبا موسى الأشعري:«كان يورث الجدة مع ابنها» ، بلال لم يدرك أبا موسى، وأخرجه عبد الرزاق (19100)، عن معمر، عن رجل من ولد أبي بردة، عن أبي بردة عنه. وهذا متصل لولا الرجل المبهم. وأخرج سعيد بن منصور (105)، عن الحسن وابن سيرين:«أن الأشعري ورَّث أم حسكة من ابنٍ لحسكة وحسكة حي» ، مرسل جيد، وأخرج سعيد بن منصور (104)، وابن أبي شيبة (31304)، عن حميد بن عبد الرحمن نحوه. فالأثر صحيح عن أبي موسى رضي الله عنه.
وعمرانَ بنِ حُصَينٍ
(1)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ مسعودٍ، قال:«أوَّلُ جدَّةٍ أطْعَمَها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم السُّدسَ أمُّ أبٍ مع ابنها، وابنُها حيٌّ» رواه سعيدٌ والتِّرمذيُّ
(2)
، ولأِنَّ الجَدَّاتِ أُمَّهاتٌ يَرِثْنَ مِيراثَ الأمِّ لا مِيراث الأب، فلا يُحْجَبْنَ
(3)
به؛ كأمَّهات الأمِّ.
(وَعَنْهُ: لَا تَرِثُ)، بل هي محجوبةٌ بابْنِها، وهي قَولُ زَيدٍ
(4)
؛ لأِنَّها تُدْلِي به، فلا تَرِثُ معه؛ كالجَدِّ مع الأب، وأمِّ الأمِّ مع الأمِّ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (31302)، والدارمي (2980)، والبيهقي في الكبرى (12289)، عن أبي الدهماء، قال عمران بن حصين:«ترث الجدة وابنها حي» ، إسناده صحيح، وأبو الدهماء قِرفة بن بُهَيس العدوي.
(2)
أخرجه الترمذي (2102)، والبيهقي في الكبرى (12286)، وفي سنده: محمد بن سالم الهمداني وهو شديد الضعف، وقال جماعة منهم أبو حاتم والدارقطني والإشبيلي: إنه متروك، قال البيهقي:(تفرد به محمد بن سالم، وهو غير محتج به)، وأخرجه سعيد بن منصور (99)، من طريق هشيم، عن الشعبي، عن ابن مسعود:«أن أول جدة أُطعمت السدس أم أب مع ابنها» ، وإسناده صحيح، ولفظه مرفوع حكمًا، إذا حملنا الإطعام أنه وقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشار الترمذي إلى وقفه، وتقدم تخريج الموقوف.
وقد روي مرسلاً: أخرجه سعيد بن منصور (96)، وأبو داود في المراسيل (357)، عن الحسن مرسلاً، وأخرجه ابن أبي شيبة (31303)، وأبو داود في المراسيل (358)، عن ابن سيرين مرسلاً. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 329، تهذيب التهذيب 9/ 177، الإرواء 6/ 131.
(3)
في (ق): يحتجبن.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19099)، وابن أبي شيبة (31311)، والبيهقي في الكبرى (12282)، عن ابن المسيب، قال:«كان زيد بن ثابت لا يورث الجدة أم الأب وابنها حي» ، إسناده صحيح.
وهذا الخِلافُ فيما إذا كانت أمُّ الأب أو الجَدِّ، أمَّا لو كان ابنُها عمًّا للميت، أو عمَّ أبٍ؛ فلا خِلافَ في تَورِيثِها، قالَهُ ابنُ عَقِيلٍ، وتَبِعَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّها لا تُدْلِي به.
مسائلُ:
أمُّ أبٍ وأبٌ؛ لها السُّدس على الأُولى، والباقي له، وعلى الثَّانية الكُلُّ له.
أمُّ أبٍ، وأمُّ أمٍّ، وأبٌ؛ فَعَلَى الأُولى: السُّدسُ بَينَهما، وعلى الثَّانية: هو لأِمِّ الأمِّ، وقِيلَ: نصفُه مُعادَّةً، والباقِي له.
أمُّ أبٍ، وأمُّ أمِّ أمٍّ، وأبٌ؛ السُّدس لأِمِّ الأب، ومَنْ حَجَب الجَدَّةَ بابْنِها أسْقَطَ أمَّ الأب، ثُمَّ اخْتَلَفَ القائلون بذلك، فقيل: السُّدس كلُّه لأِمِّ أمِّ الأمِّ؛ لأِنَّ التي كانت تَحجُبُها أوْ تُزاحِمُها قد سَقَطَ حُكْمُها، فصارت كالمعدَمة، وقِيلَ: بل لها نصفُ السُّدس، وقِيلَ: لا شَيءَ لها؛ لأِنَّها انْحَجَبَتْ بأمِّ الأب، ثُمَّ انْحَجَبَتْ أمُّ الأب بالأب، فصار المالُ كلُّه للأب.
(وَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَدَّةٌ ذَاتُ قَرَابَتَيْنِ)؛ كما لو تزوَّجَ ابنُ ابنِ المرأة بِنتَ بِنْتِها، فيُولَدُ لهما وَلَدٌ، فتكونُ المرأةُ أمَّ أبٍ وأمَّ أبِي أَبِيهِ، (مَعَ أُخْرَى؛ فَلَهَا)؛ أيْ: فَلِذَاتِ القَرَابَتَينِ؛ (ثُلُثَا السُّدُسِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ)، أيْ: قَولِ أحمدَ، (وَلِلْأُخْرَى ثُلُثُهُ)، كذلك قالَهُ أبو الحَسَنِ التَّميميُّ، وأبو عبد الله الوَنِّي
(1)
، فيَحْتَمِلُ أنَّهما أَخَذَا ذلك من قوله في المجوس: أنَّهم يَرِثُون بجميع قراباتهم، ويَحتَمِلُ أنَّهما أرادا بذلك قِياسَه على قَوله في ابنِ العَمِّ
(1)
هو: الحسين بن محمد الوني، نسبة إلى ون، وهي قرية من أعمال قهستان، الفرضي الشافعي، كان عالمًا في علم الفرائض، له فيه تصانيف جيدة، قتل ببغداد في فتنة البساسيري، سنة 450 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 2/ 138، طبقات الشافعية الكبرى 4/ 374.
إذا كان زَوجًا أوْ أخًا لِأُمٍّ؛ لأِنَّها شَخْصٌ ذَاتُ قَرابَتَينِ، تَرِثُ بكلٍّ منهما منفرِدةً، فَوَجَبَ أنْ تَرِثَ
(1)
بهما عند الاِجْتِماع.
وَقَالَ بعضُ العلماء: السُّدسُ بَينَهما نصفانِ؛ لأِنَّ القرابتَينِ إذا كانتا من جهةٍ واحدةٍ؛ لم تَرِثْ بهما جميعًا؛ كالأخ من الأب والأمِّ.
وجَوابُه: الفَرْقُ، فإنَّ الأخَ من الأبَوَينِ تَرجَّحَ بقرابَتَيهِ على الأخ من الأبِ.
وعَنْهُ: بأقْواهُما.
فلو تزوَّج بنتَ عمَّتِه؛ فجَدَّتُه أمُّ أمِّ أمِّ وَلَدِهما، وأمُّ أبِي أبيهِ، وبنتَ خالته فجَدَّتُه أمُّ أمِّ أمٍّ، وأمُّ أمِّ أبٍ.
فإنْ أدْلَت الجَدَّةُ بثَلاثِ جِهاتٍ تَرِثُ بها؛ لم يُمْكِنْ أنْ تُجمَعَ
(2)
معها جَدَّةٌ أخرى وارِثَةٌ عِنْدَ مَنْ لا يُوَرِّثُ أكثرَ من ثلاث.
(1)
في (ظ): يرث.
(2)
في (ق): لم نمكن أن نجمع.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْبِنْتِ الْوَاحِدَةِ) من الصُّلْب (النِّصْفُ)، بغَير خِلافٍ
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالَى:{وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النِّسَاء: 11]، وقضاؤه عليه السلام
(2)
.
(فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَصَاعِدًا؛ فَلَهُنَّ الثُّلُثَانِ)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 11]، وهو إجماعٌ
(3)
، إلاَّ روايةً شذَّت عن ابن عبَّاسٍ أنَّ الابنتين
(4)
فَرضُهما النِّصفُ
(5)
؛ أخذًا بالمفهوم، والآيةُ ظاهِرَةُ الدَّلالة على ما زاد على اثنتَينِ، ووجْهُ دَلالَتها عَلَيهما: أنَّ الآيةَ وَرَدَتْ على سببٍ خاصٍّ، وهو ما رواه جابر، قال: جاءت امرأةُ سعدِ بن الرَّبيع بابنَتَيْها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: هاتان ابْنَتَا سعدٍ، قُتِلَ أبوهما معك يوم أُحُدٍ، وابنُ عمِّهما أخَذَ مالَهما، فلم يَدَعْ لهما شَيئًا من مالٍ، قال:«يَقْضِي الله في ذلك» ، فنَزلتْ آيةُ المواريث، فدعا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابنَ عَمِّهما، فقال:«أعْطِ ابْنَتَيْ سعدٍ الثُّلُثَينِ، وأعْطِ أُمَّهما الثُّمنَ، وما بَقِيَ فهو لك» رواه أبو داودَ، وصحَّحه التِّرمذِيُّ والحاكِمُ
(6)
، ووقع في «المغْنِي» ، و «الشَّرح» أنَّه
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 70.
(2)
أخرجه البخاري (6736)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، أنه قال: أقضي فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وسلم: «للابنة النصف، ولابنة ابن السدس تكملة الثلثين، وما بقي فللأخت» .
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 69.
(4)
في (ظ): الأنثيين.
(5)
نسبه جماعة من الفقهاء والمفسرين لابن عباس رضي الله عنهما، ولم نقف عليه مسندًا، قال ابن عبد البر:(هذه الرواية منكرة عند أهل العلم قاطبة، كلهم ينكرها، ويدفعها: ما رواه ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه جعل للبنتين الثلثين)، وضعفها شيخ الإسلام وابن رجب. ينظر: الاستذكار 5/ 323، مجموع الفتاوى 31/ 350، جامع العلوم والحكم 2/ 425.
(6)
أخرجه أحمد (14798)، وأبو داود (2891)، والترمذي (2092)، وابن ماجه (2720)، والحاكم (7954)، وفي سنده: عبد الله بن محمد بن عقيل، متكلم فيه والجمهور على تضعيفه، وقوَّى حاله جماعة، قال البخاري:(كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجون بحديث ابن عقيل)، وصحح الحديث الترمذي والحاكم وحسنه ابن عبد البر والألباني. ينظر: الاستذكار 5/ 131، تهذيب التهذيب 6/ 15، الإرواء 6/ 122.
قال: «لأِخِي سعدٍ» ، فدلَّت الآيةُ على فَرْضِ ما زاد على الاِثْنَتينِ، ودلَّت السُّنَّةُ على فَرضِ الاِثنتَينِ، فهذا من السُّنَّة بيانٌ ونسخٌ لِمَا كان عليه أمرُ الجاهليَّة من تَوريثِ الذُّكور دُونَ الإناث.
و في الآية الكريمة، ادُّعِيَ زيادتُها؛ كقوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12]؛ أي: اضْرِبوا الأعناقَ.
وردَّه ابنُ عطيَّة
(1)
وجماعةٌ؛ إذ الأسماء لا تَجوزُ زيادتُها لغير
(2)
مَعْنًى، وفي قوله تعالى:{فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ} [الأنفال: 12] غَيرُ زائدةٍ؛ لأِنَّ الضَّرْبَ يكونُ في أعلى العُنُق في المفْصِل.
وقِيلَ: المعْنَى: اثْنَتَينِ فما فَوقُ.
ولأِنَّ
(3)
الأخَواتِ أضعفُ من البنات، وقد جعل للأختَينِ الثُّلثَينِ نصًّا مع بُعْدِ الدَّرجة، فللبنتَينِ الثُّلثانِ مع قُرْب الدَّرجة من باب أَوْلى.
واختُلِف فيما ثبت به فرضُ الابنتين، فقيل: بالقرآن؛ لأِنَّه تعالى ذَكَرَ حُكمَ البنت وحكمَ الثَّلاث بناتٍ دونَ حكمِ البنتَينِ
(4)
، وذَكَرَ حكْمَ الأخت والأختَين دُونَ ما زاد، فوجب حملُ كلٍّ من الآيتَينِ على الأخرى؛ لِظُهورِ المعْنَى.
ورُدَّ: بأنَّ ذلك لا يُخرِجُه عن القياس.
(1)
ينظر: تفسير ابن عطية 2/ 16.
(2)
في (ق): بغير.
(3)
في (ق): وأن.
(4)
في (ق): الاثنين.
وقيل: بالسُّنَّة، وقيل: بالتَّنبيه، وقِيلَ: بالإجماع، وقيل: بالقياس.
وما رُوِي عن ابن عبَّاسٍ رجَّحه ابنُ حَزْمٍ في بعض كُتبه، لكِنْ قال الشَّريف الأرْمَوِيُّ
(1)
: صحَّ عن ابن عبَّاسٍ رجوعُه عن ذلك
(2)
، وصار إجماعًا؛ إذ الإجماعُ بَعْدَ الاِختلاف حجة.
وممَّا يؤكِّدُ أنَّ للبنتَينِ الثُّلثَينِ: أنَّ الله تعالى قال: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاء: 11]، وهو لو كان مع واحدةٍ؛ كان حظُّها الثُّلث، فأَوْلَى وأحرى أن يَجِبَ لها مع أختها.
(وَبَنَاتُ الاِبْنِ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ إِذَا لَمْ يَكُنْ بَنَاتٌ)، بالإجماع
(3)
؛ لأِنَّ بنتَ الاِبن بنتُه، كما أنَّ ابنَ الابن ابنُه، ولدخوله في النُّصوص، سواءٌ كانت بناتُ الابن من أبٍ واحدٍ أو آباءٍ، فإنَّهن يشترِكْنَ في الثُّلثَينِ، وكان ينبغي أنْ يقولَ: إذا لم يكُنْ بنتانِ؛ لأِنَّ بناتِ الاِبن لا يَرِثْنَ
(4)
مع البنتَينِ شَيئًا.
(فَإِنْ كَانَتْ بِنْتٌ وَبَنَاتُ ابْنٍ؛ فَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبَنَاتِ الاِبْنِ - وَاحِدَةً كَانَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ - السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ)، بالإجْماع
(5)
، واخْتصَّت البنتُ بالنِّصف؛ لأِنَّه مَفْروضٌ لها، والاِسْمُ يَتَناوَلُها حقيقةً، فبَقِيَ السُّدسُ لِبَنات الاِبْنِ تَمامَ الثُّلثَينِ.
وعن هُزَيلِ بنِ شُرَحْبِيلَ، قال: سُئِل أبو موسى عن ابْنةٍ وابْنةِ ابنٍ وأُخْتٍ،
(1)
هو: عرفة بن محمد، أبو الوفاء زين الدين الأرموي، فرضي شافعيّ، من مصنفاته: الطرق الواضحات في عمل المناسخات، شرح منظومة فتح الوهاب في الحساب للزمزمي، توفي سنة 930 هـ. ينظر: الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة 1/ 261، الأعلام 5/ 225.
(2)
تقدم قريبًا كلام ابن عبد البر في ذكر الأثر الدال على رجوع ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 69.
(4)
قوله: (لا يرثن) في (ق): لأبوين.
(5)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 70.
فقال: «للبنت النِّصفُ، وللأخت النِّصفُ، وائْتِ ابنَ مسعودٍ فسَيُتابِعُني
(1)
»، فسُئلَ ابنُ مسعودٍ، وأُخبِرَ بقَولِ أبي موسى، فقال:«لقد ضَلَلْتُ إذَنْ، وما أنا من المهتَدين، أقْضِي فيها بما قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: لِلاِبْنة النِّصفُ، ولاِبْنة الابنِ السُّدسُ تَكْملةَ الثُّلثَينِ، وما بَقِيَ فلِلأْخت» ، فأتَينا أبا موسى، فأخْبَرْناهُ بقَولِ ابنِ مسعودٍ، فقال:«لا تَسألونِي ما دام هذا الحَبْرُ فِيكُمْ» رواه البخاريُّ
(2)
.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ)؛ أيْ: مع بَناتِ الاِبْن (ذَكَرٌ) في دَرَجَتِهنَّ؛ (فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، في قَولِ جمهورِ الفقهاء
(3)
من الصَّحابة ومَنْ بَعدَهم؛ لقَوله تعالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11].
وانْفَرَدَ ابنُ مسعودٍ، فقال:«لِبَنات الاِبْن الأَضَرُّ بِهنَّ من المقاسَمَة أو السُّدسِ»
(4)
، وذلك مَبْنِيٌّ على أصْله، وهو أنَّ بنتَ الاِبن لا يُعصِّبُها أخوها إذا اسْتَكْملَ البناتُ الثُّلثَينِ، وقد ناقَضَ في المقاسَمةِ إذا كان أضرَّ بهِنَّ، وكان
(5)
يَنبَغِي أنْ يُعطِيَهُنَّ السُّدسَ على كلِّ حالٍ.
(وَإِنِ اسْتَكْمَلَ الْبَنَاتُ الثُّلَثَيْنِ؛ سَقَطَ بَنَاتُ الاِبْنِ)، بالإجْماع
(6)
؛ لأِنَّه
(1)
في (ق): فتابعني.
(2)
أخرجه البخاري (6736).
(3)
في (ق): العلماء.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (31085)، وأحمد في مسائل ابن منصور (8/ 4186)، عن الأعمش قال: كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في ابنة، وابنة ابن، وابن ابن، وفي أخت لأب وأم، وأخت لأب، وإخوة لأب؛ إن ابن مسعود كان يقول:«لهذه النصف ثم ينظر، فإن كان إذا قاسم بها الذكورة أصابها أكثر من السدس، لم يزدها على السدس، وإن أصابها أقل من السدس، قاسم بما لم يلزمها الضرر» ، وكان غيره من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون:«لهذه النصف، وما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين» ، وهو مرسل صحيح.
(5)
في (ق): فكان.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 70.
تعالَى لم يَفرِضْ للأوْلاد إذا كانوا نساءً إلاَّ الثُّلثَينِ، قليلاتٍ كُنَّ أوْ كَثِيراتٍ، وهؤلاءِ لم يَخرُجْنَ عن كونِهِنَّ نساءً من الأولاد، وقد ذَهَبَ الثُّلثانِ، والمشارَكةُ مُمْتَنِعةٌ؛ لأِنَّهنَّ دُونَ
(1)
درجتِهِنَّ.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُنَّ ذَكَرٌ)؛ كأخِيهِنَّ أو ابْنِ عَمِّهِنَّ، (أَوْ أَنْزَلَ مِنْهُنَّ)؛ كابنِ أخيهنَّ، أو ابنِ عمِّهنَّ، أو ابنِ ابنِ عمِّهنَّ؛ (فَيُعَصِّبُهُنَّ فِيمَا بَقِيَ)، للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثَيَينِ، هذا قولُ عليٍّ، وزَيدٍ، وسائرِ الفقهاء غيرِ ابنِ مسعودٍ ومَنْ وافَقَه
(2)
، فإنَّه خالَفَ الصَّحابةَ في سِتِّ مسائلَ هذه إحداهُنَّ، فَجَعَلَ الباقِيَ للذَّكر دُونَ أخواتِه، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأِنَّ النِّساءَ لا يَرِثْنَ أكثرَ من الثُّلثَينِ، بدليلِ ما لو انْفَرَدْنَ.
وجوابُه: بأنَّه قد دَخَلْنَ في عموم قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11]، بدليلِ تَناوُلِ اللَّفظ لهنَّ لو لم يكُنْ بناتٌ، وعَدَمُ البنات لا يُوجِبُ لهنَّ هذا الاسمَ، ولأِنَّ كلَّ ذَكَرٍ وأُنْثى يَقتَسِمون المالَ إذا لم يَكُنْ معهم ذُو فَرْضٍ؛ يَجِبُ أنْ يَقتَسِما الفاضِلَ عنه؛ كأوْلاد الصُّلْب، والإخوةِ مع الأخوات.
(1)
في (ق): في.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (31084)، عن إبراهيم، في رجل ترك ابنتيه وابنة ابن وابن ابن أسفل منها:«فلابنتيه الثلثان، وما فضل لابن ابنه، يرد على من فوقه ومن معه من البنات في قول عليٍّ وزيد، للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يرد على من أسفل منه» ، وفي قول عبد الله: لابنتيه الثلثان ولابن ابنه ما بقي، لا يرد على أخته شيئًا ولا على من فوقه من أجل أنه استكمل الثلثين» إسناده حسن. وأخرج سعيد بن منصور (18)، والدارمي (2933)، عن مسروق، قال: كان ابن مسعود يقول في أخوات لأب وأم، وإخوة وأخوات لأب:«للأخوات من الأب والأم الثلثان، وسائر المال للذكر دون الإناث» ، فلما قدم مسروق المدينة، فسمع قول زيد بن ثابت فيها فأعجبه، فقال له بعض أصحابه: أتترك قول عبد الله؟ فقال: «إني قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الراسخين في العلم» ، وإسناده صحيح.
(فَصْلٌ)
(وَفَرْضُ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ مِثْلُ فَرْضِ الْبَنَاتِ سَوَاءً)، إجْماعًا
(1)
؛ لقَوله تعالَى: {وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176]، وهذا ممَّا لا خِلافَ فيه.
(وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْأَبِ مَعَهُنَّ كَبَنَاتِ الاِبْنِ مَعَ الْبَنَاتِ
(2)
سَوَاءً)، فأُخْتٌ لأِبَوَينِ لها النِّصفُ، وأخْتٌ أو أخواتٌ من أبٍ لهنَّ السُّدسُ تكملة الثُّلثَينِ، فإن اسْتَكْمَل الأخواتُ لِأَبَوَينِ
(3)
الثُّلثَينِ؛ سَقَطَ الأخواتُ من الأب؛ لأِنَّه لم يَبقَ من فَرْضِ الأخوات شَيءٌ.
(إِلاَّ أَنَّهُ لَا يُعَصِّبُهُنَّ إِلاَّ أَخُوهُنَّ)، للذَّكر مِثْلُ حظِّ الأنثَيَينِ، خِلافًا لاِبْنِ مَسعودٍ وأتْباعِه
(4)
، فقال: إذا اسْتَكْمَلَ الأخواتُ من الأبَوَينِ الثُّلثَينِ فالباقي للذُّكور من وَلَدِ الأب دُونَ الإناث، وجعل لهنَّ الأضرَّ بهنَّ من المقاسَمَة أو السُّدسِ، والباقي للذُّكور، كما فَعَلَ في وَلَدِ الابن مع البنات، وهنا لا يُعَصِّبُها إلاَّ أخوها.
فلو اسْتَكْمَلَ الأخواتُ من الأبَوَينِ الثُّلثَينِ، وثَمَّ أخواتٌ لأِبٍ وابنُ أخٍ لهنَّ؛ لم يكن للأخوات شَيءٌ، وكان الباقي لاِبنِ الأخ، بخِلافِ ما سَبَقَ، فإنَّ
(5)
ابنَ الاِبنِ ابْنٌ وإنْ نَزَلَ، وابْنُ الأخ لَيسَ بأخٍ.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 72، الشرح الكبير 18/ 77.
(2)
قوله: (مع البنات) سقط من (ظ).
(3)
في (ق): من الأبوين.
(4)
تقدم تخريجه 7/ 53 حاشية (4).
(5)
في (ظ): وإن.
(وَالْأَخَوَاتُ) من الأبَوَينِ أو الأب (مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ
(1)
، يَرِثْنَ مَا فَضَلَ كَالْإِخْوَةِ) في قَولِ عامَّة الفقهاء.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: «لا شَيءَ للأخوات» ، وقال في بنتٍ وأخْتٍ:«للبنت النِّصفُ، ولا شَيءَ للأخت» ، فقِيلَ له: إنَّ عمرَ رضي الله عنه قَضَى بخِلافِ ذلك، فقال ابنُ عبَّاسٍ:«أنتم أعْلَمُ أم الله؟»
(2)
يُرِيدُ قَولَه تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176] فَجَعَلَ لها النِّصفَ مع عَدَمِ الوَلَدِ.
وهذا لا يَدُلُّ على ما ذَهَبَ إلَيهِ، بل يَدُلُّ على أنَّ الأختَ لا يُفرَضُ لها النِّصفُ مع الولد، ونَحنُ نَقولُ به، وإنَّما تأخُذُه
(3)
بالتَّعصيب، كالأخ.
(وَلَيْسَتْ لَهُنَّ مَعَهُنَّ فَرِيضَةٌ مُسَمَّاةٌ)، وقد وافَقَ ابنُ عبَّاسٍ على ثُبوتِ مِيراث الأخ مع الولد
(4)
، مع قوله تعالَى:{وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النِّسَاء: 176] وعلى قِياسِ قَولِه: يَنبَغِي أنْ يَسقُطَ الأخُ؛ لاِشْتِراطِه في تَورِيثِها منها عَدَم الولد، وهو خِلافُ الإجْماع، والمبَيِّنُ لكلام الله تعالى رسولُه صلى الله عليه وسلم، وقد جَعَلَ للأخت مع البنت، وبنت الابن الباقِي عن فَرضِهِما، وهو الثُّلث
(5)
.
(1)
كتب في هامش (ظ): (أي: والمراد بالأخوات والبنات؛ الجنس لا الجمع، فإن الأخت الواحدة مع البنت الواحدة عصبة، فترث أو يرثن ما بقي بعد الفروض، وتسقط هي أو هن باستغراقه، والأصل في ذلك ما رواه البخاري: أن ابن مسعود سئل عن بنت وبنت ابن وأخت، فقال: «لأقضين فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، للبنت النصف، ولبنت الابن السدس وللأخت الباقي»).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19023)، والحاكم (7979)، والبيهقي في الكبرى (12333)، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وذكر القصة، وإسناده صحيح، قال الحاكم:(على شرط الشيخين)، ووافقه الذهبي.
(3)
في (ق): يأخذه.
(4)
لم نقف عليه صريحًا، وتوريث الأخ مع وجود البنت محل إجماع، ولم يُعرف عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه خالف. ينظر: الاستذكار 5/ 335.
(5)
أخرجه البخاري (6736)، وقد سبق.
(فَصْلٌ)
(وَلِلْوَاحِدِ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ السُّدُسُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى)، بغَيرِ خِلافٍ
(1)
؛ لقَوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النِّسَاء: 12]، والمرادُ به وَلَدُ الأمِّ بالإجماع
(2)
، وفي قراءةِ عبدِ الله وسَعْدٍ:(وله أخٌ أو أُخْتٌ من أمٍّ)
(3)
.
(فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ
(4)
فَصَاعِدًا؛ فَلَهُمُ الثُّلُثُ)؛ لقَولِه تعالَى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} ، (بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ) [النِّسَاء: 12]، إذ الشَّرِكة من غَيرِ تفصيلٍ تَقتَضِي التَّسويةَ بَينَهم؛ كما لو وصَّى أو أقرَّ لهم، ولا نَعلَمُ فيه خلافًا
(5)
إلاَّ روايةً شَذَّتْ عن ابن عبَّاسٍ
(6)
: أنَّه فَضَّلَ الذَّكَر على الأنثى؛ لقوله تعالى: الآيةَ {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً} [النِّسَاء: 176].
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 72.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(3)
نسبها لابن مسعود في الشرح الكبير 18/ 81، ولم نقف عليه، وقال في التلخيص 3/ 193:(ولم أره عن ابن مسعود)، وظاهر صنيع ابن الملقن في البدر 7/ 235 أنه لم يقف عليه أيضًا.
وقراءة سعد رضي الله عنه: أخرجها سعيد بن منصور في التفسير (592)، وابن أبي شيبة (31604)، وأبو عبيد في فضائل القرآن (ص 297)، والطبري في التفسير (6/ 483)، والدارمي (3018)، والبيهقي في الكبرى (12322)، عن القاسم بن ربيعة بن قانف، سمعت سعد بن أبي وقاص يقرأ:«وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أمه» ، تفرد به القاسم، وهو مجهول، قال الذهبي:(ما حدث عنه سوى يعلى)، وصحح إسناده الحافظ في الفتح 12/ 4.
(4)
في (ق): اثنتين.
(5)
ينظر: المغني 6/ 281.
(6)
لم نقف عليه، وقد وصف هذه الرواية بالشذوذ: الماوردي في الحاوي 8/ 105، وابن قدامة في المغني 6/ 281.
وجَوابُه: أنَّ المرادَ بها: وَلَدُ الأبَوَينِ، أو الأبِ، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وهذا مُجمَعٌ عَلَيهِ، ولا عِبرةَ بقولٍ شاذٍّ.
تنبيهٌ: الكَلالةُ اسمٌ للورثة ما عدا الوالِدِينَ والمولُودِينَ، نَصَّ عليه
(1)
، رُوِيَ عن الصَّدِّيق
(2)
، وقالَهُ زَيدٌ
(3)
، وابنُ عبَّاسٍ
(4)
، وجابِرُ بنُ زَيدٍ، وأهلُ المدينة والبصرة والكُوفَة، واحتجُّوا بقَولِ الفَرَزْدَق في بَنِي أُمَيَّةَ
(5)
:
وَرِثْتُم قَناةَ
(6)
المجْدِ لا عن كَلالةٍ
…
عن ابْنَيْ مَنافٍ عبدِ شَمْسٍ وهاشِمِ
واشْتِقاقُه من الإكليل الذي يُحِيطُ بالرَّأْس، ولا يَعْلُو عليه، فكأنَّ الوَرَثَةَ ما عدا الوالدَ والولدَ قد أحاطوا بالميت مِنْ حَولِه، لا مِنْ طَرَفِه؛ أعْلاهُ وأسْفَله، كإحاطةِ الإكْلِيلِ بالرَّأس، فأمَّا الولدُ والوالِدُ، فهُما طَرَفَا الرَّجُل، فإذا ذَهَبا كان بقيَّةُ النَّسَب كَلالةً.
وقالَتْ طائفةُ: الكلالةُ: الميتُ نفسُه الَّذي لا وَلَدَ له ولا والِدَ.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 18/ 85.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19191)، وسعيد بن منصور في التفسير (591)، وابن أبي شيبة (31600)، والطبري في التفسير (6/ 475)، والدارمي (3015)، والبيهقي في الكبرى (12263)، عن الشعبي، قال أبو بكر رضي الله عنه:«الكلالة ما عدا الولدَ والوالد» ، قال الحافظ في التلخيص 3/ 197:(رجاله ثقات إلا أنه منقطع).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (19191)، وسعيد بن منصور في التفسير (591)، وابن أبي شيبة (31600)، والطبري في التفسير (6/ 475)، والدارمي (3015)، والبيهقي في الكبرى (12263)، عن الشعبي، قال أبو بكر رضي الله عنه:«الكلالة ما عدا الولدَ والوالد» ، قال الحافظ في التلخيص 3/ 197:(رجاله ثقات إلا أنه منقطع).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19189)، وسعيد بن منصور في التفسير (588)، وابن أبي شيبة (31601)، والدارمي (3017)، والطبري في التفسير (6/ 477)، والبيهقي في الكبرى (12276)، عن حسن بن محمد بن علي، سمعت ابن عباس، يقول:«الكلالة من لا ولد ولا والد» ، إسناده صحيح.
(5)
ينظر: ديوان الفرزدق ص 612.
(6)
في (ق): فتاة.
وقِيلَ: الكلالةُ قرابةُ الأمِّ، وَرُوِيَ عن الزُّهريِّ أنَّه قال: الميت الَّذي لا وَلَدَ له ولا وَالِدَ كَلالةٌ، ويُسَمَّى وارِثُه كلالةً.
ولا خِلافَ أنَّ اسْمَ الكلالة يَقعُ على الإخوة من الجهات كلِّها
(1)
.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(فَصْلٌ فِي الْحَجْبِ)
الحَجْبُ: مأْخُوذٌ من الحِجاب، وهو المنْعُ من الميراث بِوُجودِ وارِثٍ أقْرَبَ منه، يَمْنَعُه من كلِّ الميراث أو بعضِه، ومنه سُمِّيَ حاجِبُ السُّلْطان؛ لأِنَّه يَمنَعُ مَنْ أراد الدُّخولَ إلَيهِ.
وهو ضَرْبانِ:
حَجْبُ نُقْصانٍ: كحَجْبِ الزَّوج من النِّصف إلى الرُّبع بالوَلَدِ، والزَّوجةِ من الرُّبع إلى الثُّمن به، والأمِّ من الثُّلُث إلى السُّدس.
وحَجْبُ حِرْمانٍ: وهو أنْ يُسقِطَ الشَّخْصُ غَيرَه بالكُلِّيَّة، وهو المرادُ هنا.
(يَسْقُطُ الْجَدُّ بِالْأَبِ)، حكاهُ ابنُ المنذِر إجْماعَ الصَّحابة ومَنْ بَعْدَهم
(1)
؛ لأِنَّه يُدْلِي به، ومن أدْلَى بشَخصٍ لا يَرِثُ مع وجوده، إلاَّ وَلَدَ الأمِّ، (وكلُّ جَدٍّ) يَسقُطُ (بِمَنْ
(2)
هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ)؛ لأِنَّه يُدْلِي به، فهو كإسْقاطِ الجَدِّ بالأبِ.
(وَالْجَدَّاتُ بِالْأُمِّ)، سَواءٌ كُنَّ من جهةِ الأب أو الأمِّ، بلا خِلافٍ، حكاهُ ابنُ المنذِر والماوَرْدِيُّ
(3)
؛ لأِنَّ الجَدَّاتِ يَرِثْنَ بالوِلادة، فكانت الأمُّ أَوْلَى منهنَّ؛ لمباشَرَتها الوِلادةَ.
(وَوَلَدُ الاِبْنِ بِالاِبْنِ)، بالإجْماع
(4)
؛ لِقُربِه؛ لأِنَّه إنْ كان أبًا
(5)
؛ فهو يُدْلِي به، فسَقَطَ به كما يُسقِطُ الأبُ الجَدَّ، وإنْ كان عمَّه؛ فهو أقْرَبُ منه، فيَسقُط به؛ لقَوله عليه السلام: «ألْحِقُوا
…
» الخبرَ
(6)
.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(2)
في (ق): من.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71، الحاوي الكبير 8/ 94.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 69.
(5)
في (ق): أباه.
(6)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615).
(وَوَلَدُ الْأَبَوَيْنِ بِثَلَاثَةٍ: بِالاِبْنِ، وَابْنِهِ، وَالْأَبِ)، حكاهُ ابنُ المنذِرِ إجْماعًا
(1)
؛ لأِنَّ الله تعالى جعل إرْثَهم في الكَلالة، وهي اسْمٌ لِمَا عدا الولدَ والوالد.
(وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأَبِ بِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ)؛ لأِنَّهم إذا حَجَبُوا الشَّقيقَ؛ فهو أَوْلى، (وَبِالْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ)؛ لقُوَّته بزيادة القُرْب، وعن عليٍّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بالدَّين قَبْلَ الوصيَّة، وأنَّ أعْيانَ بَنِي الأمِّ يَتَوارَثُونَ دُونَ بَنِي العَلاَّتِ، يَرِثُ الرَّجُلُ أخاهُ لأِبِيهِ وأُمِّه، دُونَ أخِيهِ لأِبِيهِ» رواهُ أحمدُ والتِّرْمذِيُّ، من روايةِ الحارثِ عن عليٍّ
(2)
.
وعن أحمدَ: يَسقُطُ وَلَدُ الأبَوَينِ والأبِ بِجَدٍّ، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ، واختارهُ شَيخُنا
(3)
، قال: وهو قَولُ طائفةٍ من أصحاب أحمدَ، كأبي حَفْصٍ البَرْمَكِيِّ والآجُرِّيِّ، لكِنْ نَقَلَ أبو طالِبٍ: لَيسَ الجَدُّ أبًا في قَولِ زَيدٍ
(4)
، واحْتَجَّ بقَولِه عليه السلام:«أفْرَضُكم زَيدٌ» وإسْنادُه ثِقاتٌ
(5)
.
(وَيَسْقُطُ وَلَدُ الْأُمِّ بِأَرْبَعَةٍ: بِالْوَلَدِ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، وَوَلَدِ الاِبْنِ، وَالْأَبِ، وَالْجَدِّ)؛ لقَوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً} [النِّسَاء: 12]، وقد سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عنها، فقال: «أمَا سمِعْتَ الآيةَ التي أُنزِلَتْ
(6)
في الصَّيف: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ} [النِّسَاء: 176] وهي مَنْ لم يَتْرُكْ وَلَدًا ولا والِدًا» رواه الحاكم في «المستدرك» من حديثِ أبي هُرَيرةَ، ثُمَّ
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 71.
(2)
تقدم تخريجه 3/ 82 حاشية (1).
(3)
ينظر: الفروع 8/ 18، مجموع الفتاوى 31/ 343.
(4)
تقدم تخريجه 3/ 18 حاشية (7).
(5)
تقدم تخريجه 7/ 21 حاشية (2).
(6)
في (ظ): نزلت.
قال: صحيحٌ على شَرْطِ مسلِمٍ
(1)
، فدلَّ على أنَّه إنَّما يَرِثُ عِنْدَ عَدَمِهما، والجَدُّ أبٌ، وَوَلَدُ الاِبْن ابْنٌ.
وقد رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ في أبَوَينِ وأَخَوَينِ لِأُمٍّ: «للأمِّ الثُّلثُ، وللأخَوَينِ الثُّلث»
(2)
.
وقِيلَ عنه: لها ثلثُ الباقي، وهذا بعيدٌ جِدًّا، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، فإنَّه يُسقِطُ الإخْوةَ كلَّهم بالجَدِّ، فكَيفَ يُوَرِّثُهم
(3)
مع الأب
(4)
.
فَرْعٌ: مَنْ لا يَرِثُ لا يَحجُبُ، نَقَلَ أبو الحارث في أخٍ مَمْلوكٍ، وابنِ أخٍ
(1)
أخرجه الحاكم (7966)، وفي سنده: يحيى بن عبد الحميد الحِمّاني، وهو ضعيف واتهمه بعض الأئمة بسرقة الحديث، وأخرجه أبو داود (371)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12272)، من طريق أبي إسحاق، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال البيهقي:(حديث أبي إسحاق عن أبي سلمة منقطع وليس بمعروف)، وأخرجه البخاري (4605)، وأبو داود (2889)، من طريق أبي إسحاق، سمعت البراء رضي الله عنه، قال:«آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}» ، وعند أبي داود:«جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، يستفتونك في الكلالة فما الكلالة؟ قال: «تجزيك آية الصيف» فقلت لأبي إسحاق: هو من مات ولم يدع ولدًا ولا والدًا؟ قال: كذلك ظنوا أنه كذلك. قال الألباني: (فهذا مما يُعِلُّ رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 392، الضعيفة (4653).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19027)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12298)، عن طاوس، قال: كان ابن عباس يقول في السدس الذي حجبه الإخوة للأم: هو للإخوة، قال:«لا يكون للأب، إنما نقصته الأم ليكون للإخوة» ، إسناده صحيح.
وصف في المغني 6/ 268 هذه الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما بالشذوذ واستبعدها جدًّا، وذكر معناها ابن حزم في المحلى 8/ 285، وقال:(فلم تصح عن ابن عباس إلا في السُّدس الذي حَطَّه الإخوة من ميراث الأم فردُّوها إلى السدس عن الثلث فقط، والمشهور عنه خلافها).
(3)
في (ظ): نورثهم.
(4)
تقدم تخريجه 7/ 20 حاشية (4).
حرٍّ: المالُ لاِبن أخيهِ
(1)
، رُوِيَ عن عمرَ
(2)
وعليٍّ
(3)
.
أصلٌ: من الورثة من لا يَسقُطُ بحالٍ، وهو الزَّوجانِ، والأبَوانِ، والاِبنُ، والبنتُ؛ لأِنَّه لا حاجِبَ لهم يَمنَعُهم من الإرث، والضَّابِطُ في ذلك: أنَّ كلَّ مَنْ لا يُتوسَّطُ بَينَه وبَينَ الميت؛ لا يَسقُطُ إرْثُه بحالٍ
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 19.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19104)، وسعيد بن منصور (138)، وابن أبي شيبة (31147)، والبيهقي في الكبرى (12259)، عن أنس بن سيرين، قال عمر:«لا يتوارث أهل ملتين شتى، ولا يحجب من لا يرث» ، مرسل ورجاله ثقات.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (31153)، والدارمي (2940)، والبيهقي في الكبرى (12260)، عن إبراهيم، قال عبد الله في المملوكين وأهل الكتاب:«يحجبون ولا يرثون» ، وقال عليٌّ وزيد:«لا يحجبون ولا يرثون» ، وهو مرسل صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (19103)، وابن أبي شيبة (31146)، والبيهقي في الكبرى (12261)، عن الشعبي مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (19108)، وابن أبي شيبة (31148)، عن أبي صادق، عن علي مرسلاً. واحتج أحمد بالأثرين كما في أحكام أهل الملل ص 331.
(4)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ الْعَصَبَاتِ)
وهو جَمْعُ عَصَبةٍ، مأخوذةٌ من العَصْب، وهو المنْعُ، سُمِّيَت الوَرَثَةُ بذلك؛ لِتَقوِّي
(1)
بعضُهم ببعضٍ بحَيثُ يَحصُلُ لكلٍّ منهم مَنَعةٌ بالآخَر.
وقِيلَ: العَصَبةُ مأخوذةٌ من العِصابة، وهي العِمامةُ؛ لأِنَّها تُحِيطُ بجميع الرَّأس، كذلك العَصَبةُ يُحِيطونَ بالميت من الجوانب كلِّها.
وقِيلَ: أصلُها الشِّدَّةُ والقُوَّةُ، ومنه: عَصَبُ الحَيَوان؛ لأِنَّه مُعِينٌ له على القُوَّة والمدافَعة.
وفي الاِصْطِلاح: هو الوارِثُ بغَير تقديرٍ، أوْ: مَنْ يُحرِزُ المالَ إذا لم يَكُنْ معه صاحِبُ
(2)
فَرْضٍ.
وهم ثلاثةُ أنواعٍ:
عَصبَةٌ بنفسه: كالمعتِق، وكلِّ ذَكَرٍ نسيب، لَيسَ بَينَه وبَينَ الميت أُنثى؛ كالاِبن.
وعَصبَةٌ بغَيرِه: كالبنت، وبنتِ الاِبن، والأخت الشَّقيقة، والأخت للأب، كلٌّ بأخِيها.
وعَصَبةٌ مع غَيرِه: كالأخَوات مع البنات.
(وَهُمْ عَشَرَةٌ: الاِبْنُ، وَابْنُهُ، وَالْأَبُ، وَأَبُوهُ، وَالْأَخُ وَابْنُهُ، إِلاَّ مِنَ الْأُمِّ)؛ لأِنَّ الأخَ من الأمِّ صاحِبُ فَرْضٍ، وابْنَ الأخ من الأمِّ من ذَوِي الأرحام، (وَالْعَمُّ، وَابْنُهُ كَذَلِكَ)؛ أيْ: من الأبَوَينِ أو الأبِ، وأمَّا العمُّ من الأمِّ، وابنُ العمِّ من الأمِّ؛ فَلَيسَا عَصَبةً؛ لأِنَّهما من ذَوِي الأرحام، (وَمَوْلَى النِّعْمَةِ)؛ أي: المعتِق، (وَمَوْلَاةُ النِّعْمَةِ)؛ أي: المعتِقَة.
(1)
في (ظ): ليقوي.
(2)
في (ق): حاجب.
(وَأَحَقُّهُمْ بِالْمِيرَاثِ أَقْرَبُهُمْ، وَيَسْقُطُ بِهِ)؛ أيْ: بالأقْرَب، (مَنْ بَعُدَ)، وهذا ظاهِرٌ، (وَأَقْرَبُهُمُ: الاِبْنُ، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ)؛ لقَولِه تعالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11]، والعربُ تَبدَأُ بالأهمِّ فالأهمِّ؛ إذ الفَرْعُ أقْربُ من الأصل؛ لأِنَّ الفَرْعَ جزءُ الميت، وجزءُ الشَّيء أقْرَبُ إلى ذلك الشَّيء مِنْ أصْلِه، واعتَبِرْ هذا بالجُزء المتَّصِل، فإنَّ إصْبعَك جُزؤُك المتَّصلِ، فهو أقْرَبُ إليك من أصلك بالحس، فكذلك جُزؤك المنفصِلِ؛ لأِنَّ المتَّصِلَ والمنفصِلَ مِنْ حَيثُ إنَّهما جزءٌ واحِدٌ لا فَرْقَ بَينَهما، فإذا عَلِمْتَ أنَّ الجزءَ المتَّصِلَ أقْربُ إليه من أصله، فالجزءُ المنفَصِلُ كذلك، وابنُ الاِبن مُلحَقٌ به إجْماعًا، وإنْ
(1)
قُلْنا: لَفظُ الولد يَصدُقُ عليه حقيقةً أوْ مجازًا؛ فالآيةُ دالَّةٌ عليه.
(ثُمَّ الْأَبُ)؛ لأِنَّ سائرَ العَصَبات يُدْلُون به، (ثُمَّ الْجَدُّ)؛ لأِنَّه أبٌ، وله إِيلادٌ وتَعْصيبٌ، (وَإِنْ عَلَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِخْوَةٌ) لِأَبَوَينِ أو لأِبٍ، فإن اجْتَمَعوا؛ فلهم حكمُ ما
(2)
تقدَّم.
تنبيهٌ: الجَدُّ يُفارِقُ الأب في مسائلَ:
الأبُ يُسقِطُ الإخوةَ والأخَواتِ، والجَدُّ يُقاسِمُهم.
الأبُ يَرُدُّ الأمَّ في العُمَريَّتَينِ من الثُّلث إلى ثلثِ الباقي، ولا يَرُدُّها الجَدُّ؛ لأِنَّه لا يُساوِيها في الدَّرجة.
الأبُ يُسقِطُ الجَدَّ، ولا يَسقُطُ هو بحالٍ.
(ثُمَّ الْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ)؛ لأِنَّه جُزْءُ أبيه، وهو مُقدَّمٌ على الأخ من الأب؛ لأِنَّه ساواه في قَرابة الأبِ، وترجَّح بقَرابة الأمِّ، (ثُمَّ مِنَ الْأَبِ)؛ لِمَا ذَكَرْناهُ، (ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ)؛ لأِنَّه يُدْلِي بأبِيهِ، واقْتَضَى ذلك تقديمَ الأخ من الأب عَلَيهِ، (ثُمَّ) ابنُ الأخ (مِنَ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ، وَإِنْ نَزَلُوا)؛ لأِنَّهم يُدْلُونَ
(1)
في (ق): فإن.
(2)
قوله: (ما) سقط من (ق).
بهم، وقُدِّموا على الأعمام؛ لأِنَّ الإخْوةَ وأوْلادَهم مِنْ وَلَدِ الأب، والأعمام من وَلَدِ الجَدِّ.
(ثُمَّ الْأَعْمَامُ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ)؛ أي: الأعمامُ من الأبَوَينِ يُقدَّمون على الأعمام من الأب، وابنُ العمِّ من الأبَوَينِ مُقَدَّمٌ على ابن
(1)
العمِّ من الأب؛ لأِنَّه يُدْلِي بمَنْ هو أَوْلَى، (ثُمَّ أَعْمَامُ الْأَبِ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ)؛ لِمَا ذَكَرْنَا، (ثُمَّ أَعْمَامُ الْجَدِّ، ثُمَّ أَبْنَاؤُهُمْ كَذَلِكَ، لَا يَرِثُ بَنُو أَبٍ أَعْلَى مَعَ بَنِي أَبٍ أَقْرَبَ مِنْهُ، وَإِنْ نَزَلَتْ دَرَجَتُهُمْ)، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ألْحِقُوا الفَرائضَ بأهْلِهَا، فما بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ» متَّفقٌ عليه
(3)
، ورُوِيَ:«ما أبْقَت الفُروضُ؛ فَلأِوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ»
(4)
، وأَوْلَى هنا: بمَعْنَى أقْرَبَ، ولا يُمْكِنُ أنْ يكونَ
(5)
بمعْنَى أحقَّ؛ لِمَا يَلزَم عليه من الإبهام
(6)
والجَهالة، فإنَّه لا يُدرى مَنْ هو الأحقُّ.
وقولُه: «ذكر» هو تأكيدٌ، أو احْتِرازٌ من الخُنْثَى، أوْ لاِخْتِصاص الرِّجال بالتَّعصيب.
فمَنْ نَكَحَ امْرأةً، وأبوهُ ابْنَتَها؛ فَوَلَدُ الأبِ عمٌّ، وَوَلَدُ الاِبْنِ خالٌ، فيَرِثُه الخالُ دُونَ العَمِّ، ولو خلَّف أخًا، وابنَ ابنِه هذا، وهو أخو زَوجَته؛ وَرِثَه
(7)
دُونَ أخيه، ويُعَايَا بها.
(1)
قوله: (ابن) سقط من (ق).
(2)
ينظر: الفروع 8/ 20.
(3)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
أخرج هذه الرواية ابن حبان (6029)، وعنده:«الفرائض» ، بدل «الفروض» .
(5)
في (ق): أن تكون.
(6)
في (ق): الإيهام.
(7)
في (ق): ورثته.
ويُقالُ أيضًا: وَرِثَتْ زَوجةٌ ثُمُنًا، وأخوها الباقي، فلو كان الإخْوةُ سبعةً؛ وَرِثُوه سَواءً، ولو كان الأبُ نَكَحَ الأمَّ؛ فَوَلَدُه عمُّ وَلَدِ الاِبْنِ وخالُه.
ولو نَكَحَ رجلانِ كلُّ واحِدٍ منهم
(1)
أمَّ الآخَر؛ فهما القائِلتانِ: مرحبًا بابْنَيْنا وزَوْجَيْنا، وابْنَيْ زَوْجَينا
(2)
، وَوَلَدُ كلِّ منهما عمُّ الآخَر.
(وَأَوْلَى وَلَدِ كُلِّ أَبٍ أَقْرَبُهُمْ إِلَيْهِ)، حتَّى في أختٍ لأِبٍ، وابنِ أخٍ مع بنتٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، (فَإِنِ اسْتَوَوْا؛ فَأَوْلَاهُمْ مَنْ كَانَ لِأَبَوَيْنِ)، وهذا كلُّه مُجمَعٌ عليه
(4)
، ونَصَّ عليه في أختٍ لِأَبَوَينِ، وأخٍ من أبٍ مع بنتٍ
(5)
.
(وَإِذَا انْقَرَضَ الْعَصَبَةُ مِنَ النَّسَبِ؛ وَرِثَ المَوْلَى المُنْعِمُ)؛ لقَوله عليه السلام: «الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَة النَّسَب»
(6)
، ورُوِي أنَّ رجلاً أعتق عبدًا، فقال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: ما تَرَى في ماله؟ فقال: «إذا لم يَدَعْ وارِثًا؛ فهو لك»
(7)
، (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ)؛ لأِنَّهم يُدْلُونَ به، (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ
(8)
؛ لأِنَّ الولاءَ مُشَبَّهٌ بالنَّسب، ثمَّ مَولاه، ولا شَيءَ لموَالِي أبيه بحالٍ؛ لأِنَّه عَتَقَ مباشَرَةً، وولاء المباشَرة أقْوَى.
ثمَّ الرَّدُّ، ثمَّ الرَّحِمُ.
وعَنْهُ: تَقدُّمهما
(9)
على الولاء.
(1)
قوله: (منهم) سقط من (ق).
(2)
في (ق): وابن زوجنا.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 20.
(4)
ينظر: المغني 6/ 278.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 20.
(6)
سبق تخريجه 7/ 9 حاشية (1).
(7)
أخرجه البيهقي في الكبرى (12382)، عن الحسن مرسلاً، وهو من رواية أشعث بن سوار عنه وهو ضعيف، وضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 6/ 164.
(8)
قوله: (الأقرب فالأقرب) سقط من (ق).
(9)
في (ظ): تَقديمها.
وعَنْهُ: الرَّدُّ بَعْدَ الرَّحِم، ثمَّ بيتُ المال بَعدَهُما.
(وَأَرْبَعَةٌ مِنَ الذُّكُورِ يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ، وَيَمْنَعُونَهُمُ
(1)
الْفَرْضَ، وَيَقْتَسِمُونَ مَا وَرِثُوا لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهُمُ: الاِبْنُ)؛ لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ
…
(11)} [النِّسَاء: 11]، فَجَعَلَ المِيراثَ عِنْدَ اجْتِماعهما للذَّكَر مِثْلَي
(2)
الأنثى من غَير فَرْضٍ لها، ولو كانت وَحدَها لَفُرِض لها، ولو فُرِضَ لها معه؛ لَأدَّى إلى تفضيلها عليه، أو المساواة، أو الإسْقاطِ، فكانت المقاسَمَةُ أعْدَلَ، (وَابْنُهُ)؛ لأِنَّه بمنزلته، (وَالْأَخُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ، وَالْأَخُ مِنَ الْأَبِ)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالاً وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاء: 176]، ولو كانَتْ مُنفَرِدَةً لَفُرِضَ لها، ولِمَا ذَكَرْناهُ.
(وَمَنْ عَدَاهُمْ مِنَ الْعَصَبَاتِ؛ يَنْفَرِدُ الذُّكُورُ بِالْمِيرَاثِ، دُونَ الْإِنَاثِ)؛ أيْ: لا حقَّ لهنَّ فيه مَعَهُم، (وَهُمْ: بَنُو الْإِخْوَةِ، وَالْأَعْمَامُ، وَبَنُوهُمْ)؛ لأنَّ أخَواتِهِم من ذَوِي الأرحام؛ لأِنَّهنَّ لَسْنَ بذواتِ فرْضٍ، ولا يَرِثْنَ منفرِداتٍ، فلا يَرِثْنَ مع إخْوَتِهنَّ شَيئًا، وهذا ممَّا لا خِلافَ
(3)
فيه.
(وَابْنُ ابْنِ الاِبْنِ يُعَصِّبُ مَنْ بِإِزَائِهِ مِنْ أَخَوَاتِهِ وَبَنَاتِ عَمِّهِ)؛ لأِنَّه ذَكَرٌ، فيَدخُلُ في قوله تعالى:{لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النِّسَاء: 11]، (وَيُعَصِّبُ مَنْ أَعْلَى مِنْهُ مِنْ عَمَّاتِهِ، وَبَنَاتِ عَمِّ أَبِيهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ فَرْضٌ)، فإنَّه لا يُعصِّبُهن، بل يكونُ باقي المال له، ولا يُشارِكُ أهْلَ الفَرْض في فَرْضِه؛ لِمَا فيه من الإضْرار بصاحِب الفَرْض، (وَلَا يُعَصِّبُ مَنْ أَنْزَلُ مِنْهُ)؛ لأِنَّه لو عصَّبه لَاقْتَضَى مُشارَكَتَه، والأبعدُ لا يُشارِكُ الأقْرَبَ.
(1)
في (ق): فيمنعونهم.
(2)
في (ق): مثل.
(3)
ينظر: المغني 6/ 275.
(وَكُلَّمَا نَزَلَتْ
(1)
دَرَجَتُهُ؛ زَادَ فِيمَنْ يُعَصِّبُهُ قَبِيلٌ)، هو الجماعةُ تكون
(2)
من الثَّلاثة فصاعِدًا، والجَمْعُ: قُبُل، قالَهُ الجَوهَرِيُّ
(3)
، (آخَرُ)؛ لأِنَّه يُعَصِّبُ مَنْ بإزائه، فيَزْدَادُ القَبِيلُ الذي بإزائه.
فإذا خلَّف خمسَ بناتِ ابْنٍ، بعضُهنَّ أنْزَلُ من بعضٍ، لا ذَكَرَ مَعَهُنَّ، كان للعُلْيا النِّصفُ، وللثَّانية السُّدسُ، وسَقَطَ سائِرُهنَّ، والباقي للعَصَبةِ.
فإنْ كان مع العُلْيا أخُوهَا أو ابنُ عمِّها؛ فالمالُ بَينَهما على ثلاثةٍ، وسَقَطَ سائِرُهن.
وإنْ كان مع الثَّانية عَصَبَتُها؛ كان الباقي - وهو النِّصفُ - بَينَهما على ثلاثةٍ.
وإنْ كان مع الثَّالثة؛ فالباقي - وهو الثُّلثُ - بَينَهما على ثلاثةٍ.
وإنْ كان مع الرَّابعة؛ فالباقي بَينَه وبَينَ الثَّالثة والرَّابعة على أربعةٍ.
وإنْ كان مع الخامسة؛ فالباقي بَعْدَ فَرْض الأولى والثَّانية بَينَهم على خمسةٍ، وتَصِحُّ من ثلاثينَ، وإنْ كان أنْزَلَ من الخامسة فكذلك.
قال في «المغْنِي» : ولا أعْلَمُ في هذا اخْتِلافًا بتوريث بنات الابن مع بني الابن بَعْدَ اسْتِكْمال الثُّلثَينِ.
مسألةٌ: لَيسَ في الفرائض مَنْ يُعصِّبُ أخْتَه، وعمَّتَه، وعمَّةَ أبيه وجَدِّه، وبناتِ أعمامِه، وبناتِ أعْمام أبيه وجَدِّه؛ إلاَّ المسْتَفِل من أولاد الابن.
(وَمَتَى كَانَ بَعْضُ بَنِي الْأَعْمَامِ زَوْجًا، أَوْ أَخًا لِأُمٍّ؛ أَخَذَ فَرْضَهُ، وَشَارَكَ الْبَاقِيَ فِي تَعْصِيبِهِمْ)، في قَول عمرَ، وعليٍّ، وزَيدٍ، وابنِ عبَّاسٍ
(4)
، وجمهورِ الفقهاء.
(1)
في (ظ): نزل.
(2)
في (ظ): يكون.
(3)
ينظر: الصحاح 5/ 1797.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (31089)، عن إبراهيم، في امرأة تركت بني عمها، أحدهم أخوها لأمها قال: فقضى فيها عمر وعلي وزيد: «أن لأخيها من أمها السُّدس، وهو شريكهم بعد في المال» ، وقضى فيها عبد الله:«أن المال له دون بني عمه» ، مرسل حسن. وأخرج سعيد بن منصور (129)، وابن أبي شيبة (31086)، والبيهقي في الكبرى (12379)، عن الشعبي، عن علي وزيد وعبد الله نحوه. وهو مرسل صحيح. وروي من وجوه أخرى، والأثر عن علي رضي الله عنه علقه البخاري بصيغة الجزم (8/ 153). ولم نقف على أثر ابن عباس رضي الله عنهما.
وقال ابنُ مسعودٍ، وجَمْعٌ: المالُ للأخ من الأمِّ؛ لأِنَّهما اسْتَوَيا في قرابة الأمِّ
(1)
، وفَضَلَه بأمٍّ، فصارا كأخَوَينِ أوْ عَمَّينِ، أحدُهما لأِبَوَينِ، والآخَرُ لأِبٍ.
وجوابه: أنَّ الأُخُوّةَ من الأمِّ يُفرَض لها بهذا الرَّحِم، فإذا أخَذَ ذلك الفَرْضَ؛ سَقَطَ هذا الرَّحِمُ، وصار بمنزلة ابنِ العمِّ الآخَرِ، فلهما ما بَقِيَ من المال بعد الفُروض.
فلو كان أبناءُ عمٍّ، أحدُهما زَوجٌ؛ فله النِّصفُ، والباقي بَينَهما نصفانِ عند الجميع.
فإن كان الآخر أخًا لأمٍّ؛ فللزَّوج النِّصفُ، وللأخ السُّدسُ، والباقي بَينَهما، فأصْلُها من ستَّةٍ، للزَّوج أربعةٌ، وللأخ سَهْمانِ، وتَرجِعُ إلى ثلاثةٍ، وعند ابن مسعودٍ الباقِي للأخ، فتكون من اثْنَينِ.
فإنْ كانا ابْنَيْ عمٍّ، أحدهما ابن أخٍ لأِمٍّ، أو ابن أختٍ لأِمٍّ؛ المالُ بَينَهما نصفانِ، ولَيس لهذا الذي هو ابن أخٍ أو ابن أختٍ لأِمٍّ مَزِيَّةٌ على الآخَر.
فإنْ قُلتَ: ألَيسَ لو كان أحدُهما ابنَ عمٍّ لِأَبَوَينِ؛ كان أَوْلَى من الآخَر، وإذا كان ابنُ عمٍّ لأِبٍ وأمٍّ لَيس فيه إلاَّ أنَّه أدْلَى برَحِمِ جدَّة الميت أمِّ أبيه، وهذا الذي هو ابن أخٍ يُدْلِي برحم أمِّ الميت، وأمُّ الميت أولى من جَدَّته، فهلاَّ كان الَّذي يُدْلِي بِرَحِمها أَوْلَى ممَّن يُدْلِي برحم الجَدَّة؟
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 6/ 284، والشرح 18/ 95: قرابة الأب.
فالجوابُ: إنَّما يُفضَّلُ بعضُ بني الأب على سائرهم إذا أدْلَى بأمٍّ هي نَظيرةٌ للأب الذي أدلى به جميعه، وإذا أدلى بعضهم برحم أمٍّ غَيرِ تلك الأمِّ؛ لم يكن له بذلك مزيَّةٌ، ألَا ترى أنَّا نقولُ في ابن عمٍّ لأِبٍ هو خالٌ من أمٍّ: ليس بأَوْلَى من بني العمِّ من الأب وإنْ كان يُدْلِي بجدَّة الميت؛ لأِنَّه يُدْلِي برحم أمِّ الأمِّ، وهي غَيرُ الأمِّ الَّتي في حدِّ جِهَة الجَدِّ؛ أبي الأب، فلم يكن له بذلك مزيَّةٌ، ولو كان لذلك مزيَّةٌ؛ لَقُلْنا في ابن عمٍّ لأِبٍ وأمٍّ وابنِ عمٍّ لأِبٍ هو ابنُ خالٍ من أمٍّ: المال بَينَهما نصفانِ؛ لأِنَّهما يُدْلِيانِ بجَدٍّ وجَدَّةٍ، فلمَّا لم نَقُلْ
(1)
ذلك؛ عُلِمَ الفَرْقُ بَينَ أنْ يُدْلِيَ بأمٍّ هي نظيرةُ الأب المدلَى به، وبَينَ أنْ يُدْلِيَ بأمٍّ هي غَيرُها، وإنْ كانت أقربَ منها إلى الميت، ذَكَرَه الونِّي.
ومحلُّ هذا: إذا لم يكن فيها من يُسقِطُ الأخَ من الأمِّ.
وإنْ
(2)
كانا ابْنَيْ عمٍّ، أحدُهما أخٌ لأِمٍّ وبِنْت، أوْ بنتُ ابنٍ؛ فللبنت أو لبنت الابن النِّصف، والباقي بينهما نصفان، وسقط الإخوة من الأمِّ.
(وَإِذَا اجْتَمَعَ ذُو فَرْضٍ وَعَصَبَةٌ؛ بُدِئَ بِذِي الْفَرْضِ فَأَخَذَ فَرْضَهُ، وَمَا بَقِيَ لِلْعَصَبَةِ)؛ لخبرِ: «ألْحِقُوا الفرائضَ بأهلها»
(3)
.
(فَإِنِ اسْتَغْرَقَتِ الْفُرُوضُ الْمَالَ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْعَصَبَةِ)؛ لأِنَّ العاصِبَ يَرِثُ الفاضِلَ، ولا فاضِلَ هنا؛ (كَزَوْجٍ، وَأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأُمٍّ، وَإِخْوَةٍ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ)، المسألةُ مِنْ ستَّةٍ، (لِلزّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلْأُمِّ السُّدُسُ، وَلِلْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ الثُّلُثُ، وَسَقَطَ سَائِرُهُمْ)؛ أيْ: باقِيهم؛ لأِنَّهم عَصَبةٌ، في قَولِ عليٍّ
(4)
، وابنْ
(1)
في (ظ): لم يقل.
(2)
في (ق): فإن.
(3)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19011)، وسعيد بن منصور (22)، وابن أبي شيبة (31110)، والدارمي (2926)، والبيهقي في الكبرى (12472)، عن أبي مجلز، قال:«كان عليٌّ لا يُشَرّكهم، وكان عثمان يُشَرّكهم» ، مرسل كما قال البيهقي. وأخرجه ابن أبي شيبة (31106)، والبيهقي في الكبرى (12483)، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن سلمة، عن عليٍّ رضي الله عنه:«أنه كان لا يُشرِّك» ، عبد الله بن سَلِمة المرادي، متكلم فيه، ومثله يُقبل في الموقوفات، ولا سيما أن له شواهد. وأخرجه سعيد بن منصور (21)، وابن أبي شيبة (31108)، وأحمد كما في مسائل ابن منصور (2983)، عن إبراهيم قال:«كان عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت يُشرِّكون، وكان عليٌّ لا يُشرِّك» ، مرسل صحيح. قال البيهقي في الخلافيات 5/ 191:(المشهور عن علي رضي الله عنه أنه لم يشرك، والصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه شرَّك).
مسعودٍ
(1)
، وأُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، وابنِ عبَّاسٍ
(2)
، وقالَهُ جَمْعٌ من التَّابِعينَ، وغَيرِهم.
ونقل حربٌ: الكلُّ يشترِكون في الثُّلث، ويُقسَمُ بَينَهم سَوِيَّةً
(3)
، رُوِيَ عن عمرَ
(4)
،
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (28)، وابن أبي شيبة (31109)، وأحمد في مسائل ابن منصور (2982)، والبيهقي في الكبرى (12477)، عن هزيل، عن عبد الله، أنه كان لا يُشرِّك، ويقول:«تكاملت السهام» ، إسناده حسن. وأخرجه عبد الرزاق (19013)، عن إبراهيم، عن علقمة عنه بإسناد صحيح.
وروي عن ابن مسعود أنه كان يُشرِّك: أخرجه عبد الرزاق (19009)، وابن أبي شيبة (31098)، وأحمد في مسائل ابن منصور (2981)، والدارمي (2924)، عن إبراهيم، عن عمر وابن مسعود وزيد بن ثابت رضي الله عنهم؛ أنهم كانوا يُشرِّكون بين الإخوة والأخوات للأب والأم مع الإخوة من الأم في ثلثهم، وكانوا يقولون:«لم يزدهم الأب إلا قربًا» . قال ابن منصور لأحمد: أليس هذا - يعني حديث هزيل في أنه لم يُشرِّك - خلافًا لحديث منصور؟ قال: (نعم)، قال أحمد:(اختلف عن عمر وعن ابن مسعود وعن زيد بن ثابت في المشتركة هذه)، وقال البيهقي في الخلافيات 5/ 191:(واختلفت الرواية فيه عن عبد الله؛ فقيل عنه: إنه لم يُشرِّك، وقيل عنه: إنه شرَّك. وهذا في رواية الشعبي وإبراهيم عنه، وهما أعرف بمذهبه من غيرهما، فيحتمل أن يكون في الابتداء لم يُشرِّك، ثم رجع إلى التشريك).
(2)
لم نقف عليهما، وأوردهما ابن عبد البر في الاستذكار (5/ 337) تعليقًا.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 21.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (19005)، وسعيد بن منصور (62)، وابن أبي شيبة (31097)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 331)، والدارمي (671)، والدارقطني (4126)، والبيهقي في الكبرى (12467)، عن وهب بن منبه، يحدث عن الحكم بن مسعود قال: شهدت عمر أشرك الإخوة من الأب والأم مع الإخوة من الأم في الثُّلث، فقال له رجل: قد قضيت في هذا عام الأول بغير هذا. قال: «وكيف قضيت؟» قال: جعلته للإخوة للأم، ولم تجعل للإخوة من الأب والأم شيئًا. قال:«ذلك على ما قضينا، وهذا على ما نقضي» ، واختلف في اسم الحكم بن مسعود، قال الذهبي في الميزان 1/ 580:(إسناد صالح)، وتوقف البخاري في سماع وهب بن منبه من الحكم، ولذا قال الذهبي:(قال البخاري: لا يصح). وأخرجه ابن أبي شيبة (31105)، عن إبراهيم قال:«كان عبد الله وعمر يشرِّكان» ، قال:«وكان عليٌّ لا يشرك» ، وهو مرسل صحيح.
وعثمانَ
(1)
، وزيدٍ
(2)
لأِنَّهم ساوَوْا وَلَدَ الأمِّ في القرابة، وقرابتهم من جهة الأب إنْ لم يَزِدْهم قُرْبًا واستِحْقاقًا؛ فلا ينبغي أنْ يُسقِطَهم.
(وَتُسَمَّى الْمُشْرَّكَةَ)، أيْ: بفتح الرَّاء؛ لأِنَّه رُوِيَ عنه التَّشريكُ، (وَالْحِمَارِيَّةَ)؛ لأِنَّ وَلَدَ الأبَوَينِ لمَّا أُسْقِطُوا قال بعضُهم، أو بعضُ الصَّحابة لعمر:«هَبْ أنَّ أباهم كان حِمارًا، فما زادهم ذلك إلاَّ قُرْبًا» ، فشرَّكَ بَينَهم
(3)
.
قال العَنْبَريُّ: القِياسُ ما قال عليٌّ، والاِسْتِحْسانُ ما قال عمرُ.
قال الخَبْرِيُّ: وهذه وَساطةٌ مَلِيحةٌ، وعبارةٌ صحيحةٌ، إلاَّ أنَّ الاِسْتِحْسانَ المجرَّدَ لَيسَ بحُجَّةٍ.
قال في «المغْنِي» : ومن العَجَب ذَهابُ الشَّافِعِيِّ إلَيهِ ههنا مع تخطئته للذَّاهِبِينَ إليه في غَيرِ هذا الموضع، مع قوله: من اسْتَحْسَنَ فقد شَرَّعَ.
(1)
تقدم تخريجه مع أثر عليٍّ رضي الله عنهما 7/ 71 حاشية (4).
(2)
تقدم تخريجه في ضمن الآثار السابقة، وقد رُوي عنه القولان، قال البيهقي في الخلافيات 5/ 191:(الصحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه شرَّك).
(3)
روى الحاكم (7969)، والبيهقي في الكبرى (12473)، عن زيد بن ثابت في المشتركة قال:«هبوا أن أباهم كان حمارًا، ما زادهم الأب إلا قربًا» ، وأشرك بينهم في الثلث. وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي، وتعقبه ابن حجر، فقال:(فيه أبو أمية بن يعلى الثقفي، وهو ضعيف)، ووافقه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 194، الإرواء 6/ 133.
(وَلَوْ
(1)
كَانَ مَكَانَهُمْ)؛ أيْ: مكانَ الإخوة من الأبَوَينِ (أَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ؛ عَالَتْ إِلَى عَشَرَةٍ)، أصْلُها من ستَّةٍ، للزَّوج النِّصفُ، وللأمِّ السُّدسُ، وللإخوة من الأمِّ الثُّلثُ، وللأخَواتِ من الأَبَوَينِ أو الأبِ الثُّلثانِ أربعةٌ، فتَصِيرُ عَشَرَةً.
(وَسُمِّيَتْ: ذَاتَ الْفُرُوخِ)؛ لأِنَّها عالَتْ بِمِثْلَيْ ثُلثِها، وهي أكثرُ ما تَعُولُ إليه الفرائضُ، سُمِّيَت الأربعةُ الزَّائدةُ بالفُروخ، والسِّتَّةُ بالأمِّ.
وتُسَمَّى: الشُّرَيْحِيَّةَ؛ لأِنَّ رجلاً أتى شُرَيحًا، وهو قاضٍ بالبصرة
(2)
، فقال: ما نَصِيبُ الزَّوج من زوجته؟ قال: النِّصفُ مع غَيرِ الولد، والرُّبعُ معه، فقال: امرأتِي ماتت، وخلَّفَتْني، وأمَّها، وأخْتَيها من أمِّها، وأختَيها لأِبِيها وأمِّها، فقال: لك إذَنْ ثلاثةٌ من عَشَرةٍ، فخرج الرَّجلُ من عِندِه، وهو يقول: لم أرَ كقاضيكم، لم يُعْطِنِي نِصْفًا ولا ثُلُثًا
(3)
، فكان شُرَيحٌ إذا لَقِيَه يَقولُ
(4)
: إنَّك ترانِي حاكِمًا ظالِمًا، وأراكَ فاسِقًا فاجِرًا؛ لأِنَّك تَكتُمُ القضيَّةَ وتُشِيعُ الفاحِشَةَ. مسائلُ:
الأولى: أمُّ الأرامِلِ، وهي ثلاثُ زَوجاتٍ، وجَدَّتانِ، وأرْبَعُ أخَواتٍ لأِمٍّ، وثَمانِ أخَواتٍ لأِبٍ وأمٍّ، سُمَّيَتْ بذلك؛ لأِنَّ الوَرَثَةَ كلَّهنَّ إناثٌ، وتُسَمَّى المسبَّعة
(5)
والدِّيناريَّة؛ لأِنَّه يُقالُ في المعاياة: مات ميتٌ، وخلَّف ورثةً،
(1)
في (ق): فلو.
(2)
في (ق): قاضي البصرة.
(3)
كتب على هامش (ظ): (لعله: ربعًا). والمثبت موافق لما في كتاب أخبار القضاة لوكيع 2/ 364، ولكتب المذهب.
(4)
زيد في (ق): له.
(5)
كذا في النسخ الخطية، والذي في كشاف القناع 10/ 356:(السبعة عشرية). وأما المسبعة فقد تقدمت ظظ
وسبعةَ عَشَرَ دينارًا، صار لكلِّ امرأةٍ دينارٌ واحِدٌ، فأصْلُها من اثني عشر، وتعول إلى سبعةَ عشرَ، ومنها تَصِحُّ، ويعايا بها، قال في «عيون المسائل»: ونَظَمَها بعضُهم فقال
(1)
:
قُلْ لمن يَقسِمُ الفرائضَ واسأل
…
إنْ سألتَ الشُّيوخَ والأحداثا
مات ميتٌ عن سبعَ عشْرَة أنثى
…
من وجوهٍ شتَّى فحُزْنَ التُّراثا
أَخَذَتْ هذه كما أخذتْ تلـ
…
ـك عقارًا ودرهمًا وأثاثَا
الثَّانيةُ: الدِّينارِيَّةُ، وهي امرأةٌ، وأمٌّ، وبنتانِ، واثنا عشر أخًا وأختًا لأِبٍ وأمٍّ، رُوِيَ أنَّ امرأةً قالت لعليٍّ: إنَّ أخِي من أبِي وأمِّي مات، وترك ستَّمائةِ دينارٍ، وأصابَنِي
(2)
منه دينارٌ واحِدٌ، فقال:«لعلَّ أخاكِ خلَّف من الورثة كذا وكذا؟» ، قالت: نعم، قال:«قد اسْتَوفَيتِ حقَّكِ»
(3)
، فأصْلُها من أربعةٍ وعِشْرينَ، وتَصِحُّ من ستِّمائةٍ.
وذَكَرَ الشَّيخُ نَصْر المقْدِسِيُّ
(4)
: أنَّها تُسَمَّى العامِريَّةَ، فإنَّ الأختَ سألت عامِرًا الشَّعْبِيَّ فأجاب
(5)
بما تقدَّم.
الثَّالثةُ: مسألةُ
(6)
الامْتِحان، وهي أربعُ نِسوةٍ، وخمسُ جَدَّاتٍ، وسَبعُ بَناتٍ، وتسعةُ إخوةٍ، سُمِّيتْ بذلك؛ لأنَّه يقال في المعاياة: مات رجلٌ،
(1)
ينظر: الفروع 8/ 25.
(2)
في (ق): فأصابني.
(3)
أورده النووي في روضة الطالبين 6/ 91 بصيغة التمريض، ولم نقف عليه.
(4)
هو: نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم المقدسي، الشيخ أبو نصر، فقيه شافعي، من مصنفاته: الحجة على تارك المحجة، الكافي، شرح الإشارة، توفي سنة 490 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 351.
(5)
في (ظ): فأصاب.
(6)
قوله: (مسألة) سقط من (ق).
وخلَّف ورثةً عدد كلِّ فريقٍ منهم أقلُّ من عشرةٍ، فلم تَصِحَّ مسألتُهم إلاَّ من ثلاثين ألفًا ومائتين وأربعين سهمًا، وجزء السَّهم فيها ألفٌ ومِائَتانِ وسِتُّونَ.
الرَّابعة: ثلاثةُ إخْوةٍ لأِبَوَينِ، أصْغرُهم زَوجٌ، له ثُلُثانِ، ولهما ثُلُثٌ، ونظمها بعضُهم فقال
(1)
:
ثلاثةُ إخوةٍ لأِبٍ وأُمٍّ
…
وكلُّهم إلى خَيرٍ فَقِيرُ
فحاز الأكبرانِ هناك ثُلْثًا
…
وباقي المالِ أحْرَزَه الصَّغيرُ
الخامِسةُ: امرأةٌ وَلَدَتْ من زَوجٍ وَلَدًا، ثُمَّ تزوَّجت بأخيه لأِبيهِ، وله خمسةُ ذُكورٍ، فَوَلَدَتْ منه مِثلَهم، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ بأجنبيٍّ، فَوَلَدَتْ منه مِثلَهم، ثمَّ مات ولدُها الأوَّلُ: وَرِثَ خمسةٌ نصفًا، وخمسةٌ ثُلثًا، وخمسةٌ سُدسًا.
ويعايا بها؛ لأِنَّه يقال: خمسةَ عَشَرَ ذكورًا وَرِثَوا مالَ ميتٍ كذلك، فأولاد الزَّوج الثَّاني منها هم إخوةٌ لأِمٍّ، وأولادُ عمِّه، وأولاده من غَيرِها أولادُ عمٍّ فقط، وأولادُها من الأجنبيِّ إخوةٌ لأِمٍّ فقطْ، وتَصِحُّ من ثلاثِينَ.
(1)
نسبه في الفروع 8/ 22 إلى عيون المسائل.
(بَابُ أُصُولِ الْمَسَائِلِ)
ومَعْنَى أصولِ المسائل: المخارِجُ التي تَخرُجُ منها فُروضُها.
والمسائلُ: جَمْعُ مسألةٍ، وهو مَصدَرُ سَأَلَ سؤالاً ومسألةً، فهو من إطْلاقِ المصدَر على المفعول بمَعْنَى مسألةٍ؛ أيْ: مسؤولةٍ بمَعْنَى سَألَ عنها.
وفيه العَولُ أيضًا، يقال: عَالَتْ؛ أي: ارْتَفَعتْ، وهو ازْدِحامُ الفرائض، بحَيثُ لا يَتَّسِعُ لها المالُ، فيَدخُل النَّقْصُ عَلَيهِم كلِّهم، ويُقسَمُ المالُ بَينَهم على قَدْرِ فُروضِهم، كما يُقسَمُ مالُ المفْلِس بَينَ غُرَمائه بالحِصَص.
وقال ابنُ عبَّاسٍ
(1)
، ومحمَّدُ بنُ الحَنَفِيَّة، ومحمَّدُ بنُ عليِّ بنِ الحُسَينِ، وعَطاءٌ: لا تَعُولُ المسائلُ، ويَلزَمُه مسألةٌ فيها زَوجٌ وأمٌّ وأَخَوانِ من أمٍّ، فإنْ حَجَبَ الأمَّ إلى السُّدس؛ خالَفَ مَذْهَبَه، فإنَّه لا يَحجُبُها بأقلّ من ثلاثةِ إخْوةٍ، وإنْ نَقَصَ الإخوةَ من الأمِّ؛ رَدَّ النَّقْصَ على مَنْ لم يُهْبِطْه الله من فرضٍ إلى ما بَقِيَ، وإنْ أعالَ المسألةَ رَجَعَ إلى قَولِ الجماعة وتَرَكَ مذْهَبَه، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: ولا نَعلَمُ اليومَ قائِلاً بمَذْهَبِه.
(الْفُرُوضُ) المقدَّرةُ في كتاب الله تعالى (سِتَّةٌ، وَهِيَ نَوْعَانِ: نِصْفٌ)، بَدَأَ الفَرَضِيُّونَ به؛ لكونه مُفرَدًا، قاله السُّبْكِيُّ، قال: (وكنتُ أَوَدُّ لو بَدَؤُوا بالثُّلثَينِ؛ لأِنَّ الله تعالى بدأَ به، حتَّى رأيتَ أبا النَّجا
(2)
، والحسينَ بنَ محمَّدٍ الوَنِّي
(3)
، بَدَأَا به، فأعْجَبَنِي ذلك)
(4)
،
(1)
تقدم تخريجه 7/ 26 حاشية (2).
(2)
هو: محمد بن المطهر بن عبيد، أبو النجا، الفارض، الضرير، فقيه مالكي، قال ابن يونس: كان حاذقًا عالمًا بالفرائض، ذكيًّا، أديبًا، توفي سنة 339 هـ ينظر: المقفى للمقريزي 7/ 149.
(3)
في (ق): المزني.
(4)
ينظر: تحرير الفتاوى 2/ 398، بداية المحتاج 2/ 541.
وهو فَرْضُ خمسةٍ، (وَرُبُعٌ)، وهو فَرْضُ اثْنَينِ، (وَثُمُنٌ)، وهو فرضُ واحِدٍ، (وَثُلُثَانِ)، وهو فَرْضُ أربعةٍ، (وَثُلُثٌ)، وهو فَرْضُ اثْنَينِ، (وَسُدُسٌ)، وهو فَرْضُ سبعةٍ.
(وَهِيَ تَخْرُجُ مِنْ سَبْعَةِ أُصُولٍ: أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ، وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ)؛ لأِنَّ كلَّ مسألةٍ فيها فَرْضٌ مُفرَدٌ؛ فأصْلُها من مَخرَجه، وإن اجْتَمَع معه فرضٌ من نوعه؛ فأصْلُها من مَخرَجِ أقلِّهما؛ لأِنَّ مَخرَجَ الكبير داخِلٌ في مَخرَجِ الصَّغيرِ.
(فأمَّا التِي لَا تَعُولُ: هِيَ مَا كَانَ فِيهَا فَرْضٌ) وما بَقِيَ، (أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ)؛ كنِصفَينِ في مسألةٍ، وهي زوجٌ، وأختٌ لأِبَوَينِ أوْ لأِبٍ، وتُسَمَّى اليَتِيمَتَينِ؛ لأِنَّهما فَرضانِ مُتَساوِيانِ، وُرِثَ بهما المالُ، ولا ثالثَ لهما.
(فَالنِّصْفُ وَحْدَهُ مِنِ اثْنَيْنِ، وَالثُّلُثُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الثُّلُثَيْنِ: مِنْ ثَلَاثَةٍ، وَالرُّبُعُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ: مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَالثُّمُنُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ النِّصْفِ: مِنْ ثَمَانِيَةٍ، فَهَذِهِ لَا تَعُولُ)؛ لأِنَّ العَولَ
(1)
ازْدِحامُ الفُرُوضِ، ولَا يُوجَدُ ذلك هنا.
(وَأَمَّا التِي تَعُولُ: فَهِيَ التِي يَجْتَمِعُ فِيهَا فُرُوضٌ أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعَيْنِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ مَعَ النِّصْفِ سُدُسٌ، أَوْ ثُلُثٌ، أَوْ ثُلُثَانِ: فَهِيَ مِنْ سِتَّةٍ)؛ لأِنَّ مَخرَجَ النِّصف من اثْنَينِ، والسُّدُسِ من ستَّةٍ، فهو داخِلٌ فيه، فيُكْتَفَى به، ومَخرَجُ الثُّلث من ثلاثةٍ، والنِّصف من اثنين، فتَضربُ إحداهما في الأخرى تكُنْ ستَّةً، وذلك أصلُ المسألة، وهو مخرَجُ السُّدس.
زوجٌ وأمٌّ وأختٌ لأِمٍّ، أبوانِ وابنتانِ.
(وَتَعُولُ)، وهو زيادةٌ في السِّهام، نَقْصٌ في أنْصِباءِ الورثة، إلى سبعةٍ؛ كزَوجٍ وأختَينِ لِأَبَوينِ أوْ لأِبٍ، أو إحداهما من أبَوَينِ والأخرى من أبٍ.
وإلى ثمانيةٍ؛ كزوجٍ وأختٍ من أبَوَينِ وأمٍّ، وتُسَمَّى المباهَلَةَ؛ لأِنَّ عُمَرَ
(1)
في (ق): المعول.
شاوَرَ الصَّحابةَ فيها، فأشار العبَّاسُ بالعَول، واتَّفَقت الصَّحابةُ عَلَيهِ إلاَّ ابنَ عبَّاسٍ، لكِنْ لم يُظْهِر النَّكيرَ في حياته، فلما ماتَ عمرُ دعا إلى المباهَلةِ، وقال: «مَنْ شاء باهَلْتُه، إنَّ الذي أحْصَى رَمْلَ عالِجٍ عددًا، لم يَجعَلْ في المال نصفًا ونصفًا وثُلثًا، إذا ذَهَبَ النِّصفانِ
(1)
فأينَ محلُّ الثُّلث؟ وايْمُ اللهِ لو قَدَّمُوا مَنْ قَدَّمَ اللهُ، وأخَّرُوا مَنْ أخَّرَ اللهُ، ما عَالَتْ مسألةٌ قطُّ»، فَقِيلَ له: لِمَ لا أظْهَرْتَ هذا زَمَنَ عمرَ؟ قال: «كان مَهِيبًا فَهِبْتُه»
(2)
.
وإلى تسعةٍ؛ كزَوجٍ وأمٍّ وثلاثِ أخَواتٍ مفْتَرِقاتٍ، ويُسَمَّى
(3)
عَولُها الغَرَّاء؛ لأِنَّها حَدَثَتْ بَعْدَ المباهَلَة، واشْتَهَر العَولُ بها.
و (إِلَى عَشَرَةٍ)؛ كزَوجٍ وأمٍّ وأخْتَينِ من أبَوَينِ وأخْتَينِ من أمٍّ، وهي أمُّ الفُروخ.
ومن عالَتْ مسألتُه إلى ثمانيةٍ أوْ تسعةٍ أوْ عَشَرَةٍ؛ لم يكن الميتُ إلاَّ امرأةً؛ لأِنَّه لا بُدَّ فيها من زَوجٍ.
(وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه لا يَجتَمِعُ في مسألةٍ أكثرُ مِنْ نصفٍ ونصفٍ وثُلثَينِ.
(وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الرُّبُعِ أَحَدُ هَذِهِ
(4)
الثَّلَاثَةِ)؛ أي: الثُّلثانِ أو الثُّلث أو السُّدس؛ (فَهِيَ مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ)؛ لأِنَّ مَخرَجَ الرُّبع والثُّلث لا مُوافَقةَ بَينَهما، فاضْرِبْ أحدَهما في الآخَر، والرُّبعُ والسُّدسُ بَينَهما مُوافَقَةٌ بالأنصاف، فاضْرِبْ وَفْقَ أحدِهما في الآخَر يَبلُغُ ذلك، ولا بُدَّ في هذا الأصل من أحدِ الزَّوجَينِ لأِجْلِ فَرْضِ الرُّبع، ولا يكون لغَيرِهما؛ كزَوجٍ وأَبَوَينِ وخَمسةِ بَنِينَ.
(1)
في (ق): النقصان.
(2)
تقدم تخريجه 7/ 26 حاشية (2).
(3)
في (ق): تسمى.
(4)
قوله: (هذه) سقط من (ق).
(وَتَعُولُ عَلَى الْإِفْرَادِ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ)، فعَولُ
(1)
ثلاثةَ عَشَرَ ثلاثةٌ
(2)
: منها إذا كان من الورثة مَنْ له رُبعٌ ونصفٌ وثُلثٌ، كزوجةٍ وأخْتٍ لِأَبَوَينِ وأَخَوَينِ لِأُمٍّ.
ومِنْها: أنْ يكونَ في
(3)
الورثة مَنْ له رُبعٌ، وسُدسٌ، وثلثانِ؛ كزوجةٍ وجَدَّةٍ وأخْتَينِ مِنْ أَبَوَينِ.
ومِنْها: أنْ يكونَ فيهم مَنْ له رُبُعٌ، ونصفٌ، وسُدسانِ، كزوجٍ وبنتٍ وبنتِ ابنٍ وأمٍّ.
وعَولُ خمسةَ عَشَرَ؛ كزوجٍ وأَبَوينِ وابْنَتَينِ.
وعَولُ سَبعةَ عَشَرَ اثْنَان: كثَلاثِ نسوةٍ، وجَدَّتَينِ، وأرْبَعِ أخواتٍ لأِمٍّ، وثمانيةِ أخَواتٍ لِأَبَوينِ أوْ لأِبٍ، وتُسَمَّى أُمَّ الأرامِلِ، ومتى عالَتْ إلى سَبْعةَ عَشَرَ لم يكن الميتُ فيها إلاَّ رجلاً
(4)
.
وإنَّما كان عَولُ هذا الأصل على الإفراد؛ لأِنَّ فيها فَرْضًا يُبايِنُ سائرَ فروضها، وهو الرُّبعُ، فإنَّه ثلاثةٌ وهو فَرْدٌ، وسائرُ فروضها أزواجٌ.
فإذا عَلِمْتَ ذلك؛ عَلِمْتَ أنَّ الاِثْنَيْ عَشَرَ تَعولُ ثلاثَ مَرَّات أوْتارًا، الأوَّلُ بمِثْل نِصْفِ سُدسها، وفي الثَّانية بمِثْلِ رُبعها، وفي الثَّالثة بمِثْلِ رُبُعها وسُدُسِها.
قال السُّهَيلِيُّ: ولَيسَ في العدد الأصمِّ ما يكون أصْلاً للمسألة وتَنقَسِمُ
(5)
(1)
في (ق): تعول، وهي غير منقوطة.
(2)
قوله: (ثلاثة) سقط من (ظ).
(3)
في (ق): من.
(4)
ذكر مسألة واحدة ولم يذكر الثانية، وهي: زوجة وأم وأختان لأم وأختان لأب. ينظر: الممتع 3/ 349، شرح المنتهى 2/ 522.
(5)
في (ق): وينقسم.
منه إلاَّ ثلاثةَ عَشَرَ، وسَبعةَ عَشَرَ؛ لأِنَّه أصلٌ من سائر العَول
(1)
.
(وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ) بالسَّبْر.
(وَإِنِ اجْتَمَعَ مَعَ الثُّمُنِ سُدُسٌ، أَوْ ثُلُثَانِ؛ فَأَصْلُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ)، فإنَّك تَضرِبُ مَخرَجَ الثُّمُن في مَخرَج الثُّلُثَينِ، أوْ في وَفْقِ مَخرَجِ السُّدس يَبلُغُ ذلك.
وإنَّما لم يَذكُر الثُّلثَ؛ لأِنَّه لا يَجتَمِعُ مع الثُّمُن؛ لكَونِه فَرْضَ الزَّوجة مع الولد، ولا يَكونُ الثُّلثُ في مسألةٍ فيها وَلَدٌ؛ لأِنَّه لا يكونُ إلاَّ لولَدِ الأمِّ، والوَلَدُ يُسْقِطُهم، وللأمِّ بشَرْطِ عَدَمِ الوَلَدِ.
زوجةٌ وأمٌّ وابنتانِ وما بَقِيَ.
ثلاثُ نِسوةٍ وأربعُ جَدَّاتٍ، وستَّةَ عَشَرَ بنتًا، وأخْتٌ.
(وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ)، وهو أنْ يكونَ في الورثة مَنْ له ثُمُنٌ، ونصفٌ، وثلاثةُ أسْداسٍ؛ كَزَوجةٍ، وبنتٍ، وبنتِ ابنٍ، وأبَوَينِ، وأنْ يكونَ فيهم مَنْ له ثُمُنٌ، وسُدسانِ، وثُلثانِ؛ كزَوجةٍ، وأبَوَينِ، وابْنَتَينِ، ولا يكون الميتُ في هذا الأصل إلاَّ رجلاً، بل لا تكونُ المسألةُ من أربعةٍ وعِشْرِينَ، إلاَّ وهو رجلٌ.
(وَلَا تَعُولُ إِلَى أَكْثَرَ مِنْهَا) بالسَّبْرِ.
وفي «التَّبصرة» روايةٌ: إلى أحدٍ وثَلاثِينَ، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ؛ لأِنَّه يَحجُبُ الزَّوجَينِ بالوَلَدِ الكافِرِ والقاتِلِ والرَّقيق، ولا يُوَرِّثُه
(2)
.
فَعَلَى قَوله: إذا كانت امرأةٌ وأمٌّ وستُّ أخَواتِ مُفْتَرِقاتٍ وولدٌ كافِرٌ؛ فللأخوات الثُّلثُ والثُّلثانِ، وللأمِّ والمرأةِ السُّدسُ والثُّمنُ سبعةٌ، وتَعُولُ إلى أحدٍ وثلاثين.
(1)
ينظر: الفرائض وشرح آيات الوصية للسهيلي ص 107.
(2)
أي: تعول إلى أحد وثلاثين على قول ابن مسعود رضي الله عنه في الحجب، وتقدم تخريجه 7/ 63 حاشية (3).
(وَتُسَمَّى الْبَخِيلَةَ؛ لِقِلَّةِ عَوْلِهَا)؛ لأِنَّها أقلُّ الأصول عَوْلاً، ولم تَعُلْ إلاَّ بمِثْلِ ثُمُنِها، (وَالْمِنْبَرِيَّةَ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه سُئِلَ عَنْهَا عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ: «صَارَ ثُمُنُهَا تُسُعًا»)، ومَضَى في خُطبته
(1)
؛ يعني: أنَّ المرأةَ كان لها الثُّمُنُ: ثلاثةٌ
(2)
من أربعةٍ وعِشْرينَ، فصار لها بالعَوْلِ ثلاثةٌ من سَبْعةٍ وعشرين، وهو التُّسعُ.
تنبيهٌ: إنَّما اخْتَصَّتْ هذه الثَّلاثةُ بالعَول دُونَ الأربعةِ لِوَجْهَينِ:
الأوَّلُ: أنَّ العَولَ إنَّما يتحقَّقُ إذا كَثُرَت الفرائضُ، فزادت الأجزاءُ على المخرَجِ، وهو لا يتحقَّقُ في غَيرِ الثَّلاثة، وأمَّا
(3)
الاِثْنانِ؛ فَلأِنَّه
(4)
مَتَى كان المخرَجُ اثْنَينِ لا تكونُ المسألةُ
(5)
إلاَّ نِصفَينِ أوْ نصفًا وما بَقِيَ، ولا يَجتَمِعُ في فريضةٍ ثلاثةُ أنصافٍ؛ لِيَحصُلَ العَوْلُ.
وأمَّا الثَّلاثةُ؛ فَلِأَنَّه لا يَجتَمِعُ في مسألةٍ ثُلثانِ ثُلثانِ، ولا ثُلثٌ وثلثٌ وثلثانِ.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (34)، عن أبي إسحاق، قال: أُتي علي في رجل، وذكره. وأخرجه ابن أبي شيبة (31202)، عن سفيان، عن رجل لم يسمه. والظاهر أنه أبو إسحاق. وأخرجه الدارقطني (4063)، والبيهقي في الكبرى (12455)، عن أبي إسحاق، عن الحارث عنه. والأثر ضعفه الألباني في الإرواء 6/ 146، فإن أبا إسحاق السبيعي مدلس، وقد أسقط الحارثَ في بعض الروايات، فيكون مدار الأثر على الحارث الأعور، وهو ضعيف.
وأخرجه أبو عبيد في الغريب (4/ 378)، وإسحاق بن منصور في مسائله (8/ 4192)، عن الحكم بن عتيبة، عن علي رضي الله عنه. وهذا مرسل، الحكم لم يدرك عليًّا رضي الله عنه.
تنبيه: قال الحافظ في التلخيص الحبير 3/ 198: (رواه أبو عبيد والبيهقي وليس عندهما أن ذلك كان على المنبر، وقد ذكره الطحاوي من رواية الحارث عن علي فذكر فيه المنبر)، ولم نقف على رواية الطحاوي.
(2)
قوله: (ثلاثة) سقط من (ق).
(3)
في (ق): أما.
(4)
قوله: (فلأنه) في (ق) ثلاثة.
(5)
في (ق): لا يكون في المسألة.
وأمَّا الأربعةُ؛ فَلِأَنَّه لا يَجتَمِعُ في مسألةٍ مَخرَجُها من أربعةٍ أكثرُ مِنْ نصفٍ ورُبعٍ.
وأمَّا الثَّمانية؛ فَلأِنَّه لا يَجتَمِعُ في مسألةٍ مَخرَجُها من ثمانيةٍ أكثرُ من نصفٍ وثُمُنٍ.
ويُبَيِّنُ ذلك: أنَّ المسألةَ إذا كانت من اثْنَينِ؛ لا بدَّ فيها من عَصَبةٍ يأخُذُ
(1)
ما بَقِيَ، إلاَّ في زوجٍ وأختٍ إذْ لا تَزاحُمَ، وإذا كانت من اثْنَينِ؛ فكذلك، إلاَّ في أختَينِ لأِبٍ، وأختَينِ لأِمٍّ، وكذا إذا كانت من أربعةٍ أو ثمانيةٍ، بخِلافِ الثَّلاثة الأخيرةِ فإنَّه لا يُتَصوَّرُ فيها وجودُ عاصِبٍ، فلِهذا قَبِلَت العَولَ.
الثَّاني: أنَّ الأصولَ قِسْمانِ: تامٌّ، وناقِصٌ.
فالتَّامُّ: هو الذي إذا جُمِعَتْ أجزاؤه الصَّحيحةُ، كانت مثلَه أو أَزْيَدَ، فالسِّتَّةُ تامَّةٌ؛ لأِنَّ لها سُدسًا، وثُلثًا
(2)
، ونصفًا؛ فَسَاوَتْ، والاِثْنا عَشَرَ لها سُدسٌ وربعٌ وثلثٌ ونصفٌ؛ فزادت، والأربعةُ والعِشْرونَ لها ثُمُنٌ وسُدُسٌ ورُبُعٌ وثُلُثٌ ونصفٌ؛ فالمجموعُ ثلاثةٌ وثلاثون، فهذه تَعُولُ.
والنَّاقِصُ: هو الَّذي إذا جُمِعَتْ أجزاؤه كانت أقلَّ منه؛ كالاِثْنَينِ ليس لها جزءٌ صحيحٌ إلاَّ النِّصفُ، وهو واحِدٌ، والثَّلاثةُ ثُلُثٌ واحِدٌ، والثُّلُثانِ تَضْعِيفُ الثُّلث، والأربعةُ لَيسَ لها إلاَّ رُبُعٌ ونصفٌ، وهما ثلاثةٌ، والثَّمانيةُ لَيسَ لها إلاَّ ثُمُنٌ ورُبُعٌ ونصفٌ، فهذه لا تعول؛ لأِنَّك إذا جَمَعْت سِهامَها الصَّحيحةَ؛ نَقَصَتْ عنها.
فائدةٌ: المسائلُ على ثلاثةِ أضْرُبٍ:
عادِلةٌ: وهي الَّتي يَسْتَوِي مالُها وفُروضُها.
(1)
في (ق): تأخذ.
(2)
في (ق): وثلثان.
وعائِلةٌ: وهي التي تَزيدُ فُروضُها عن مالها.
ومَرْدُودةٌ: وهي التي يَفضُلُ مالُها عن فروضها، ولا عَصَبةَ فِيهَا، وَشَرَعَ في شَأْنها فقال:
(فَصْلٌ فِي الرَّدِّ)
(إِذَا لَمْ تَسْتَوْعِبِ الْفُرُوضُ
(1)
الْمَالَ)؛ كما إذا خلَّف بناتٍ أو أخواتٍ (وَلَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ؛ رُدَّ الْفَاضِلُ عَلَى ذَوِي الْفُرُوضِ بِقَدْرِ فُرُوضِهِمْ)؛ كالغُرَماء يَقْتَسِمُونَ مالَ المفْلِسِ بقَدْرِ دُيونِهم، (إِلاَّ الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ)، في قَولِ عمرَ وعليٍّ وابنِ مسعودٍ
(2)
وقالَهُ الحَسَنُ وابنُ سِيرِينَ وجماعةٌ من التَّابِعينَ وغَيرِهم، قال
(3)
ابنُ سُراقَةَ: العَمَلُ عَلَيهِ اليَومَ في الأمصار
(4)
.
وعن أحمدَ: لا يُرَدُّ على ولدِ الأمِّ مع الأمِّ، ولا جَدَّةٍ مع ذي سَهْمٍ،
(1)
في (ق): لم يستوعب الفرض.
(2)
أثر عمر رضي الله عنه لم نقف عليه.
وأثر علي وابن مسعود وزيد رضي الله عنهم: أخرجه سعيد بن منصور (112)، وابن أبي شيبة (31173)، عن إبراهيم، قال:«كان عبد الله لا يرد على ستة: لا يرد على زوج، ولا على امرأة، ولا على جدة، ولا على إخوة لأم مع أم، ولا على بنات ابن مع بنات صلب، ولا على أخوات لأب مع أخوات لأب أو أم، وكان علي يرد على جميعهم إلا الزوج والمرأة» . وأخرجه عبد الرزاق (19128)، وسعيد بن منصور (115)، والدارمي (2991)، والبيهقي في الكبرى (12407)، عن الشعبي نحوه، وعند سعيد زيادة:«وكان زيد لا يرد على وارث شيئًا ويجعله في بيت المال» ، وفيه محمد بن سالم وهو ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة (31167)، والطحاوي في معاني الآثار (7440)، عن إبراهيم، عن مسروق، عن ابن مسعود وحده نحوه. وأخرجه سعيد بن منصور (117)، وابن أبي شيبة (31166)، والدارمي (2989)، عن علقمة عن ابن مسعود كذلك، وإسنادهما صحيح متصل.
(3)
في (ق): وقال.
(4)
ينظر: روضة الطالبين 6/ 6.
وابن سراقة: هو أبو الحسن محمد بن يحيى بن سراقة العامري، الفقيه الفرضي المحدث، قال النووي:(من كبار أصحابنا ومتقدميهم، وهو أحد أعلامهم في الفرائض والفقه وغيرهما)، مات في حدود 410 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 17/ 281، طبقات الشافعية 4/ 211.
ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ
(1)
.
وقال زَيدٌ
(2)
: الفاضِلُ عن ذَوِي الفُروض لِبَيت المال، ولا يُعْطَى أحدٌ فَوقَ فَرْضِه، وهو روايةٌ عن أحمدَ، وِفاقًا لمالِكٍ والشَّافِعِيِّ
(3)
؛ لقَوله تعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176]، ومَنْ ردَّ عَلَيها أعطاها الكلَّ، ولأِنَّها ذاتُ فَرْضٍ مسمًّى، فلا يُرَدُّ عليها كالزَّوج.
وجوابُه: قوله تعالى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفَال: 75]، وقد رَجَحُوا بالقُرْب إلى الميت، فكان أَوْلَى من بَيتِ المال، يؤيِّدُه قَولُه عليه السلام:«مَنْ تَرَكَ مالاً فَلِوَرَثَتِه»
(4)
، ولحديثِ واثِلَةَ:«تَحُوزُ المرأةُ ثلاثةَ مَوَارِيثَ»
(5)
، وقَولُه تعالى:{فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّسَاء: 176] لا يَنفِي أنْ يكونَ لها زيادةٌ عليه بسببٍ آخَرَ.
والزَّوجانِ لَيسَا من ذوي الأرحام، فإنَّه لا يُرَدُّ عَلَيهِما اتِّفاقًا
(6)
، إلاَّ أنَّه رُوِيَ عن عُثْمَانَ أنَّه ردَّ على زَوجٍ
(7)
، ولعلَّه كان عصبةً أوْ ذا رَحِمٍ، فأعطاه لذلك.
(1)
تقدم تخريجه في 7/ 85 حاشية (2).
(2)
تقدم في الآثار السابقة عن زيد رضي الله عنه في عدم الرد، وأخرجه عبد الرزاق (19131)، وسعيد بن منصور (113)، عن الشعبي، قال:«ما ردَّ زيد بن ثابت على ذوي القرابات شيئًا قط، كان يعطي أهل الفرائض فرائضهم، ويجعل ما بقي في بيت المال إذا لم يكن عصبة» ، وهو مرسل صحيح. وأخرج ابن أبي شيبة (31176)، عن إبراهيم النخعي قال:«لم يكن أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرد على المرأة والزوج شيئًا» ، قال:«وكان زيد يعطي كل ذي فرض فريضته، وما بقي جعله في بيت المال» ، وإسناده حسن، وهو مرسل.
(3)
ينظر: الذخيرة 13/ 54، روضة الطالبين 6/ 6.
(4)
أخرجه البخاري (2398)، ومسلم (1619)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5)
سبق تخريجه 6/ 400 حاشية (4).
(6)
ينظر: التجريد للقدوري 8/ 3927، الذخيرة 13/ 54، روضة الطالبين 6/ 6، المغني 6/ 295.
(7)
لم نقف عليه مسندًا، قال ابن عبد البر في الاستذكار 5/ 366:(أجمعوا ألا يرد على زوج ولا زوجة، إلا شيء روي عن عثمان لا يصح، ولعل ذلك الزوج أن يكون عصبة)، وبنحوه قال في المغني 6/ 296.
(فَإِنْ كَانَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ وَاحِدًا)؛ كأمٍّ أوْ جَدَّةٍ أوْ أخْتٍ أوْ بِنْتٍ؛ (أَخَذَ الْمَالَ كُلَّهُ) بالفَرْض والرَّدِّ، إذْ لا مُزاحِمَ له.
(وَإِنْ كَانَ فَرِيقًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَبَنَاتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ؛ اقْتَسَمُوهُ)؛ لأِنَّهم اسْتَوَوْا فيه؛ (كَالْعَصَبَةِ) من البَنِينَ والإخْوةِ، فإن انكَسَرَ عليهم، ضَرَبْتَ عَدَدَهم في مسألةِ الرَّدِّ.
(فَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَجْنَاسُهُمْ؛ فَخُذْ عَدَدَ سِهَامِهِمْ مِنْ أَصْلِ سِتَّةٍ) أَبَدًا؛ لأِنَّ الفُروضَ كلَّها تَخرُجُ من ستَّةٍ إلاَّ الرُّبُعَ والثُّمنَ، فإنَّهما فَرْضَا الزَّوجَينِ، ولَيسَا من أهل الرَّدِّ، (فَاجْعَلْهُ أَصْلَ مَسْأَلَتِهِمْ)، فيُقسَمُ المالُ عَلَيها، ويَنْحَصِرُ ذلك في أربعةِ أُصولٍ.
(1)
(فَإِنْ كَانَا سُدُسَيْنِ؛ كَجَدَّةٍ وَأَخٍ مِنْ أُمٍّ؛ فَهِيَ مِنِ اثْنَيْنِ)، للجَدَّة السُّدسُ، ولِلأخِ من الأمِّ السُّدسُ، أصْلُها اثْنانِ، ثُمَّ يُقسَمُ المالُ بَينَهما، لكلِّ واحِدٍ نصفُ المال؛ لأِنَّ كُلًّا منهما يُدْلِي بمِثْلِ ما يُدْلِي به الآخَرُ.
(2)
(وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُمٌّ؛ فَهِيَ مِنْ ثَلَاثَةٍ)، للأمِّ الثُّلثُ، وللأخِ من الأمِّ السُّدسُ، ثُمَّ يُقسَمُ المالُ بَينَهما على ثلاثةٍ؛ للأمِّ سَهْمانِ؛ لأِنَّها تُدْلِي بمِثْلَي الأخِ، وللآخَرِ سَهْمٌ.
(3)
(وَإِنْ كَانَ مَكَانَهَا أُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ؛ فَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ)، للأخْت النِّصفُ، وللأخ من الأمِّ السُّدسُ، فالمالُ مَقْسومٌ بَينَهما على أربعةٍ؛ لأِنَّ الأُخْتَ تُدْلِي بثلاثةِ أمْثالِ الأخِ.
(4)
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أُخْتٌ لِأَبٍ؛ فَهِيَ مِنْ خَمْسِةٍ)، للأخت من الأبَوَينِ النِّصفُ، وهو ثلاثةُ أسْداسٍ، وللأخت من الأب السُّدسُ، وللأخ من الأمِّ السُّدسُ.
وكذا ثلاثُ أخواتٍ مَفْتَرِقاتٍ، وأمٌّ وأختٌ من أبَوَينِ وأختٌ لِأُمٍّ وبِنْتانِ وجَدَّةٌ.
(وَلَا تَزِيدُ عَلَى
(1)
هَذَا أَبَدًا؛ لِأَنَّهَا لَوْ زَادَتْ سُدُسًا آخَرَ؛ لَكَمُلَ الْمَالُ)، ولم يَبقَ منه شَيءٌ يُرَدُّ.
(فَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ؛ ضَرَبْتَهُ)؛ أيْ: ضَرَبْتَ عَدَدَ الفريقِ المنكَسِرِ عَلَيهم (فِي عَدَدِ سِهَامِهِمْ)؛ أيْ: سِهامِ الوَرَثَة جميعِهم؛ (لِأَنَّهُ أَصْلُ مَسْأَلَتِهِمْ)، كما صارت السِّهامُ في العَول هي المسألةَ التي يُضرَبُ فيها العددُ.
بَيانُ ذلك: في أصْلِ اثْنَينِ: ثلاثُ جَدَّاتٍ، وأخٌ من أمٍّ، للجَدَّات سَهْمٌ لا يَنقَسِمُ عَلَيهنَّ، فتَضرِبُ عَدَدَهُنَّ في أصل المسألة، وهو اثْنانِ، تَكُنْ ستَّةً، للأخ ثلاثةٌ، ولكلِّ واحدةٍ سَهْمٌ.
أصْلُ ثلاثةٍ: أمٌّ وثلاثُ أخَواتٍ من أمٍّ، للإخْوة سَهْمانِ، لا يَصِحُّ عَلَيهنَّ، فاضْرِبْ عَدَدَهم
(2)
في أصل المسألة، وهو ثلاثةٌ، تَكُنْ تسعةً، ومنها تَصِحُّ.
أصْلُ أرْبعةٍ: أختٌ لأِبَوَينِ وأربعُ أخَواتٍ لأِبٍ، لهنَّ سهْمٌ لا يَنقَسِمُ عَلَيهنَّ، فاضْرِبْ عَدَدَهنَّ في أصْلِ المسألة، وهو أربعةٌ، تكُنْ ستَّةَ عَشَرَ، ومنها تَصِحُّ.
أصْلُ خَمْسةٍ: أمٌّ وأختٌ لأِبَوَينِ وأربعُ أخَواتٍ لأِبٍ، فاضْرِبْ عَدَدَهنَّ في أصْلِ المسألة، تكُنْ عشرينَ، ومنها تَصِحُّ.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ؛ فَأَعْطِهِ فَرْضَهُ مِنْ أَصْلِ مَسْأَلَتِهِ، وَاقْسِمِ الْبَاقِيَ عَلَى مَسْأَلَةِ الرَّدِّ، وَهُوَ يَنْقَسِمُ إِذَا كَانَتْ زَوْجَةٌ، وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنْ ثَلَاثَةٍ)؛ كأمٍّ وأخٍ من أمٍّ، وأمٍّ وأخَوَينِ من أمٍّ، (فَلِلزَّوْجَةِ الرُّبُعُ، وَالْبَاقِي لَهُمْ)، فلِلْأُمِّ من الأولى سَهْمانِ،
وللأخ سَهْمٌ، ومن الثَّانية للأمِّ سَهْمٌ، وللأخَوَينِ سَهْمانِ،
(1)
زيد في (ظ): أكثر من.
(2)
هكذا في النسخ الخطية، وصوابها: للأخوات سهمان، لا يصح عليهن فاضرب عددهن.
(وَتَصِيرُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أَرْبَعَةٍ)؛ أيْ: فتَصِحُّ المسألتانِ من أربعةٍ.
فإن انْكَسَرَ على عَدَدٍ منهم؛ كأرْبَعِ زَوجَاتٍ وأمٍّ وأخٍ من أمٍّ، ضَرَبْتَ أربعةً في مسألة الزَّوجة، تَكُنْ ستَّةَ عَشَرَ، ومِنْها تَصِحُّ.
وإن لم يَنقَسِمْ فاضِلُ الزَّوج على مسألةِ الرَّدِّ؛ لم يُمْكِنْ أنْ يُوافِقَها
(1)
؛ لأِنَّه إنْ كانَتْ مسألةُ الزَّوج من اثْنَينِ؛ فالباقِي بَعْدَ نصيبِه سَهْمٌ لا يُوافِقُ شَيئًا، وإنْ كانَتْ من أربعةٍ؛ فالباقي بَعْدَ فَرْضه ثلاثةٌ، ومِن ضرورةِ كَونِ الزَّوج له الرُّبع أنْ يكونَ للميتة وَلَدٌ، ولا يُمكِنُ أنْ تكونَ مسألةُ الرَّدِّ مع الولد من ثلاثةٍ.
وإنْ كان الزَّوجُ امرأةً؛ فالباقي بَعْدَ الثُّمن سبعةٌ، ولا تُوافِقُ
(2)
السَّبعةُ عددًا أقلَّ منها، ولا يُمكِنُ أنْ تكونَ مسألةُ الرَّدِّ من سبعةٍ أبدًا؛ لأِنَّ مسألةَ الرَّدِّ لا تَزِيدُ على خمسةٍ أبدًا.
ولهذا قال المؤلِّفُ: (وَفِي غَيْرِ هَذَا: تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي مَسْأَلَةِ الزَّوْجِ)، فَمَا بَلَغَ فإلَيهِ تَنتَقِلُ المسألةُ، وإذا أردتَ القِسْمةَ فلِأَحَدِ الزَّوجَينِ فَرْضُه، ولكلِّ واحِدٍ من أهلِ الرَّدِّ سهامُه من مَسأَلَتِه مَضْروبٌ في الفاضِلِ عن فريضةِ الزَّوج، فَمَا بَلَغَ؛ فهو له إنْ
(3)
كان واحِدًا، وإنْ كانُوا جماعةً قَسَمْتَه عَلَيهِم.
وإنْ لم يَنقَسِمْ؛ ضَرَبْتَه أوْ وَفْقَه فِيمَا انتَقَلَتْ إلَيهِ المسألةُ، وتَصِحُّ على ما نَذْكُرُه في باب التَّصْحيحِ.
ويَنحَصِرُ ذلك في خمسةِ أُصولٍ ذَكَرَها المؤلِّفُ:
(1)
(إِذَا كَانَ زَوْجٌ وَجَدَّةٌ وَأَخٌ مِنْ أُمٍّ، فَمَسْأَلَةُ الزَّوْجِ مِنِ اثْنَيْنِ)؛ لأِنَّ فَرْضَه النِّصفُ، ومَخرَجُه من اثْنَينِ، (وَمَسْأَلَةُ الرَّدِّ مِنِ اثْنَيْنِ)، فَسَهْمٌ على اثْنَينِ
(1)
في (ق): أن توافقها.
(2)
في (ظ): ولا يوافق.
(3)
في (ق): وإن.
لا يَصِحُّ ولا يُوَافِقُ، (تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى تَكُنْ أَرْبَعَةً).
(2)
(وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الزَّوْجِ زَوْجَةٌ) بأنْ
(1)
كانَتْ زَوجةً وجَدَّةً وأخًا لأِمٍّ؛ (ضَرَبْتَ مَسْأَلَةَ الرَّدِّ فِي أَرْبَعَةٍ؛ تَكُنْ ثَمَانِيَة
(2)
، ولا يَكونُ الكَسْرُ في هذا الأصلِ إلاَّ على الجَدَّات.
(3)
(وَإِنْ كَانَ مَكَانَ الْجَدَّةِ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ)؛ بأنْ
(3)
كان معها زوجةٌ وأخٌ من أمٍّ؛ (انْتَقَلَتْ إِلَى سِتَّةَ عَشَرَ)؛ فلِلزَّوجة الرُّبعُ واحِدٌ، بَقِيَ ثلاثةٌ على مسألة الرَّدِّ، وهي أربعةٌ لا تَنقَسِمُ ولا تُوافِقُ، فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى، تكُنْ ستَّةَ عَشَرَ، للزَّوجة أربعةٌ، وللأخت من الأَبَوَينِ تسعةٌ، وللأخ من الأمِّ ثلاثةٌ.
(4)
(وَإِنْ كَانَ مَعَ الزَّوْجَةِ بِنْتٌ وَبِنْتُ ابْنٍ؛ انْتَقَلَتْ إِلَى اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ)، للزَّوجة الثُّمنُ واحِدٌ، يَبقَى سبعةٌ على مسألة الرَّدِّ، وهي أربعةٌ لا تُوافِقُ، فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى، تَكُنِ اثنَينِ وثلاثِينَ، للزَّوجة أربعةٌ، وللبنت أحدٌ وعِشْرونَ، ولِبِنْتِ الاِبن سَبْعةٌ.
(5)
(وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ جَدَّةٌ)؛ فإنْ كانَتْ زَوجةً وبِنتًا وبِنتَ ابنٍ وجَدَّةً
(4)
؛ فللزَّوجة الثُّمُنُ واحِدٌ، بَقِيَ سبعةٌ على مسألة الرَّدِّ، وهي خمسةٌ، فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى، (صَارَتْ مِنْ أَرْبَعِينَ)، للزَّوجة خمسةٌ، وللبِنْت أحدٌ وعِشْرونَ، ولِبِنْت الابنِ سبعةٌ، وللجَدَّة سبعةٌ.
فإنْ كان الوارِثُ مع أحدِ الزَّوجَينِ مِمَّنْ يأخُذُ الفاضِلَ؛ فلا تنتقِلُ المسألة؛ كزَوجةٍ وبنتٍ، للزَّوجة الثُّمنُ، والباقي للبنت بالفرض والرَّدِّ.
(ثُمَّ تُصَحِّحُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا)؛ أيْ: في جميع الصُّوَر، إذا انكَسَرَ
(1)
في (ق): فإن.
(2)
قوله: (تكن ثمانية) سقط من (ظ).
(3)
في (ق): فإن.
(4)
قوله: (وجدة) سقط من (ق).
سَهْمُ فريقٍ منهم عَلَيهم؛ ضَرَبْتَه فيما انتقلت إليه المسألة؛ كأربعِ زَوجاتٍ، وإحدى وعشرين بنتًا، وأربعَ عَشْرَةَ جَدَّةً.
مسألةٌ: الزَّوجاتُ من ثمانيةٍ، فَتَضْرِبُ فيها فريضةَ الرَّدِّ، وهو خمسةٌ، تكُنْ أربعينَ، للزَّوجاتِ خمسةٌ، لا تَصِحُّ
(1)
عَلَيهنَّ ولا تُوافِقُ
(2)
، يَبقَى خَمسةٌ وثلاثون، للجَدَّات خُمُسُها سبعةٌ، على أربعةَ عَشَرَ، تُوافِق بالأسباع، فيَرجِعْنَ إلى اثْنَينِ، ويَبقَى للبنات ثمانيةٌ وعِشْرونَ، تُوافِقُ بالأسباع، فيَرجِعْنَ إلى ثلاثةٍ، والاِثْنانِ يَدخُلانِ في عدد الزَّوجات، فتَضرِبُ ثلاثةً في أربعةٍ تكُنِ اثنيْ عَشَرَ، ثُمَّ في أربعين تكُنْ أربعَمائةٍ وثمانينَ، ثمَّ كلُّ مَنْ له شَيءٌ من أربعينَ مضروبٌ في اثْنَيْ عَشَرَ الذي هو جُزْءُ السَّهم.
وإن شِئْتَ صحِّحْ مسألةَ الرَّدِّ، ثُمَّ زِدْ عَلَيها كفرض
(3)
الزَّوجِيَّة النِّصف مثلاً، وللرُّبع ثُلثًا، وللثُّمن سُبعًا، وابْسُطْ من مخرَج الكسر ليَزولَ.
مسألةٌ: أبَوانِ وابْنَتانِ من ستَّةٍ، ثُمَّ ماتَتْ إحدى البنات، وخلَّفت مَنْ خلَّفت، فإنْ كان الميتُ ذَكَرًا؛ فقد خلَّفتْ أختًا وجَدًّا وجَدَّةً من ثمانيةَ عَشَرَ، تُوافِقُ ما ماتَتْ عنه الأختُ بالأنصاف، فتَضْرِبُ نصفَ إحداهما في الأخرى؛ أربعةً وخَمْسِينَ، ثُمَّ مَنْ له شَيءٌ من الأولى مضروبٌ في وَفْقِ الثَّانية تسعةٌ، ومن الثَّانية مضروبٌ في وَفْقِ ما ماتت
(4)
عنه، وهو سَهْمٌ.
وإن كان الميتُ أنثى؛ فقد خلَّفت أخْتًا وجَدَّةً، وجدُّ الأمِّ ساقِطٌ، وتَصِحُّ من أربعةٍ، تُوافِقُ ما ماتت عنه بالأنصاف، فتَضرِبُ نصفَ إحداهما في الأخرى؛ تكن اثْنَيْ عَشَرَ، ومنه تَصِحُّ المسألتانِ، وتُسَمَّى المأْمُونِيَّةَ؛ لأِنَّ
(1)
في (ق): لا يصح.
(2)
في (ق): ولا يوافق.
(3)
في (ق): لفرض.
(4)
في (ق): مات.
المأمونَ سأل عنها يَحيى بنَ أكتم
(1)
لَمَّا أراد أنْ يُوَلِّيَه القَضاءَ، فقال له في الجَواب: الميتُ الأوَّلُ ذَكَرٌ أوْ أُنْثَى؟ فَعَلِمَ أنَّه عَرَفَها، فقال له: كم سِنُّكَ؟ فَفَطِنَ يحيى أنَّه اسْتَصْغَرَه، فقال: سِنُّ مُعاذٍ لَمَّا ولاَّهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم اليَمَنَ، وسِنُّ عَتَّابِ بنِ أَسِيدٍ لَمَّا ولاَّهُ مكَّةَ، فاسْتَحْسَنَ جَوابَه، وَوَلاَّهُ القَضاءَ
(2)
.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: أكثم، قال في تهذيب الأسماء واللغات 2/ 150:(بالثاء المثلثة).
(2)
أخرج نحو هذه الحكاية الخطيب في التاريخ 14/ 202، وابن عساكر في التاريخ 64/ 68، وقال العراقي:(أخرجه الخطيب في التاريخ بإسناد فيه نظر، وما ذكره ابن الأكثم صحيح بالنسبة إلى عتاب بن أسيد، فإنه كان حيث الولاية ابن عشرين، وأما بالنسبة لمعاذ فإنما يتم له ذلك على قول يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك وابن أبي حاتم إنه كان حين مات ابن ثمان وعشرين سنة، والمرجح أنه مات وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة في الطاعون سنة ثمانية عشر). ينظر تهذيب الكمال 19/ 282، تاريخ الإسلام طبعة بشار 5/ 1280، تخريج الإحياء العراقي مطبوع مع الإحياء ص 170.
(بَابُ تَصْحِيحِ الْمَسَائِلِ)
لَمَّا فَرَغَ من بَيانِ أُصولِ المسائِلِ؛ شَرَعَ في بَيانِ تصحيحها.
ومَعْنَى التَّصحيحِ: أنْ يُحصِّلَ
(1)
عددًا إذا قُسِمَ على الورثة على قَدْرِ إرْثِهم؛ خَرَجَ نصيبُ كلِّ فَرْدٍ سَهْمًا صحيحًا بلا كَسْرٍ، بحَيثُ لا يَحصُلُ هذا الفَرْضُ من عددٍ دُونَه.
ومَعْرفةُ ذلك تَتَوقَّفُ
(2)
على أمْرَينِ:
أحدُهما: الفاضِلُ.
والثَّانِي: مَعرِفَةُ جُزءِ السَّهْمِ، وهو يَتَوقَّفُ على مُقابَلَتَينِ:
إحداهما: مُقابَلةُ السِّهام مِنْ مسألةِ التَّأْصيلِ ورُؤوسِ أصحابِها.
والثَّاني: مُقابَلةُ رُؤوسِ كلِّ نَوعٍ من الورثة بنَوعٍ آخَرَ، حَيثُ لا يَصِحُّ انْقِسامُ سهامِ النَّوع عَلَيه، سَواءٌ بَقِيَ أوْ رَجَعَ إلى وَفْقٍ.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا انْقَسَمتْ سهامُ كلِّ فَريقٍ عَلَيهم؛ فلا يَحتاجُ إلى الضَّرْب؛ بأنْ يَترُكَ الميِّتُ زوجةً وثلاثةَ إخْوَةٍ، فالمسألةُ مِنْ أربعةٍ، للمرأةِ الرُّبُع: سَهْمٌ، والباقِي للإخْوةِ، لكلِّ واحِدٍ سَهْمٌ، ومِثْلُه كثيرٌ.
(إِذَا لَمْ يَنْقَسِمْ سَهْمُ فَرِيقٍ عَلَيْهِمْ قِسْمَةً صَحِيحَةً)؛ أيْ: بلا كَسْرٍ؛ (فَاضْرِبْ عَدَدَهُمْ)؛ أيْ: عَدَدَ رؤوس المنكَسِرِ عَلَيهِم (فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ)؛ كزَوجٍ وأُمٍّ وثلاثةِ إخْوةٍ، أصْلُها من ستَّةٍ، للزَّوج النِّصفُ ثلاثةٌ، ولِلأمِّ السُّدُسُ سَهْمٌ، وللإخوة سَهْمانِ لا تَصِحُّ، ولا تُوَافِقُ
(3)
، فاضْرِبْ عَدَدَهم، وهو ثلاثةٌ في أصْلِ المسألة، وهو ستَّةٌ، تكُنْ ثمانيةَ عَشَرَ، (وَعَوْلِهَا)؛ أيْ: تَضرِبُ عَدَدَهم
(1)
في (ق): تحصل.
(2)
في (ق): يتوقف.
(3)
في (ق): لا يصح ولا يوافق.
في أصْلِ المسألة وعَوْلِها (إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً)؛ كزَوجٍ وأمٍّ وخَمْسِ بناتٍ، أصْلُها من اثْنَيْ عَشَرَ، وتَعولُ إلى ثلاثةَ عَشَرَ، للزَّوج الرُّبعُ: ثلاثةٌ، وللأمِّ السُّدسُ: اثْنانِ، وللبنات الثُّلثانِ: ثمانيةٌ، لا تَنقَسِمُ على عَدَدِهن ولا تُوَافِقُ، فاضْرِبْ خمسةً في ثلاثةَ عَشَرَ، تكُنْ خمسةً وسِتِّينَ، (ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقِ مِثْلُ مَا كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ)، ففي الأولى: لكلِّ أخٍ سَهْمانِ، وفي الثَّانية: لكلِّ بنتٍ ثمانيةٌ.
(إِلاَّ أَنْ يُوَافِقَ عَدَدُهُمْ سِهَامَهُمْ بِنِصْفٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَجْزَاءِ)؛ كما لو كان الإخوةُ أربعةً، فإنَّ سِهامَهم تُوافِقُهم بالنِّصف، وهو اثْنانِ، (فَيُجْزِئُكَ ضَرْبُ وَفْقِ عَدَدِهِمْ، ثُمَّ يَصِيرُ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَفْقُ ما كَانَ لِجَمَاعَتِهِمْ)، فزَوجةٌ وأربعةَ عَشَرَ ابْنًا، للزَّوجة الثُّمُنُ، والباقِي وهو سبعةٌ للبنينَ لا يَصِحُّ، ويُوافِقُ بالأسْباع، فاضْرِبْ وَفْقَ البَنِينَ وهو سَهمانِ في ثمانيةٍ تكُنْ ستَّةَ عَشَرَ، للزَّوجة سَهْم في اثْنَينِ باثْنَينِ، وللبَنِينَ سبعةٌ في اثْنَينِ بأربعةَ عَشَرَ، لكلِّ ابنٍ سَهْمٌ، وهو وَفْقُ ما كان لجماعتهم؛ لأِنَّ الذي كان لجماعتهم سبعةٌ وَوَفْقُها هُنا سَهْمٌ؛ لأِنَّ الموافَقةَ بالأَسْباع.
(وَإِنِ انْكَسَرَ عَلَى فَرِيقَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ)؛ لم تَخْلُ
(1)
من أربعةِ أقْسامٍ: إمَّا المماثَلَةُ، أو المناسَبَةُ، أو التَّبايُنُ، أو الموافَقَةُ، وأشار إلى كلٍّ منهما
(2)
.
فقال في الأول: (وَكَانَتْ مُتَمَاثِلَةً؛ كَثَلَاثَةٍ وَثَلَاثَةٍ، اجْتَزَأْتَ بِأَحَدِهَا)، وطَريقُ قِسْمتها كطريقِ القِسمةِ فِيما إذا كان الكَسْرُ على فريقٍ واحِدٍ؛ كثلاثةِ إخْوةٍ لأِمٍّ، وثلاثةِ إخْوةٍ لِأَبٍ، لِوَلَدِ الأمِّ الثُّلثُ، والباقِي لولد الأبِ، أصْلُها من ثلاثةٍ، سَهْمُ كلِّ فريقٍ منهم لا يَنقَسِمُ ولا يُوافِقُ، فتَكْتَفِي
(3)
بأحدِ العَدَدَينِ،
(1)
في (ق): لم يخل.
(2)
كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابه: منها.
(3)
في (ظ): فيكتفي.
وهو ثلاثةٌ، فاضْرِبْها في أصل المسألة تكُنْ تسعةً، لِوَلَدِ
(1)
الأمِّ سهمٌ في ثلاثةٍ بثلاثةٍ، لكلِّ واحِدٍ سَهْمٌ، ولولد الأبِ اثْنانِ في ثلاثةٍ بستَّةٍ، لكلِّ واحِدٍ سَهْمانِ مثلُ ما كان لجماعتهم، ولو كان وَلَدُ الأب ستَّةً وافَقَتْ سِهامَهم بالنِّصف، فيَرجِعُ عددُهم إلى ثلاثةٍ، وكان العملُ كما ذَكَرْنا.
(وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاسِبَةً، وَهُوَ أَنْ تَنْسُبَ الْأَقَلَّ إِلَى الْأَكْثَرِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ؛ كَنِصْفِهِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، اجْتَزَأْتَ بِأَكْثَرِهَا، وَضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا) إنْ كانَتْ عائلةً؛ كجَدَّتَينِ وأربعةِ إخْوةٍ لأِبٍ، للجَدَّتَينِ السُّدسُ، وللإخوة ما بَقِيَ، أصْلُها من ستَّةٍ، وعددُهم لا يُوافِقُ سِهامَهم، وعددُ الجَدَّات نصفُ عددِ الإخْوة، فاجْتَزِئْ بالأكثرِ، وهو أربعةٌ، واضْرِبْه في أصل المسألة، تكنْ أربعةً وعِشْرِينَ، للجَدَّات سَهْمٌ في أربعةٍ بأربعةٍ، وللإخوة خمسةٌ في أربعةٍ بعشرينَ، لكلِّ واحدٍ خمسةٌ، ولو كان عددُ الإخوة عشرين لوافَقَتْهم سهامُهم بالأخماس، فيَرجِع
(2)
عددُهم إلى أربعةِ، والعملُ كذلك.
ومسألةُ العَول: اثْنا عَشَرَ أختًا لأِبٍ، وثلاثُ أخواتٍ لأُمٍّ، وستُّ جدَّاتٍ، المسألةُ من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى سبعةٍ، والثَّلاثُ رُبعُ الاِثْنَيْ عَشَرَ، والسِّتُّ نِصفُها، فاضْرِبِ
اثْنَيْ عَشَرَ في سبعةٍ، تكُنْ أربعةً وثَمانِينَ.
(وَإِنْ كَانَتْ مُتَبَايِنَةً)؛ أيْ: لا يُماثِلُ أحدُهما صاحِبَه، ولا يُناسِبُه، ولا يُوافِقُه؛ (ضَرَبْتَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ، فَمَا بَلَغَ)؛ فهو جُزْءُ السَّهم، (ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ)، فَما بَلَغَ؛ فمنه تَصِحُّ.
أمٌّ، وثلاثةُ إخوةٍ لِأُمٍّ، وأربعةٌ لأِبٍ، أصلُها من ستَّةٍ، لولد الأمِّ سَهْمانِ، لا تُوافِقُهم
(3)
، ولولد الأب ثلاثةٌ، لا تُوافِقُهم، والعَدَدانِ مُتَبايِنانِ، فاضْرِبْ
(1)
في (ق): أو لولد.
(2)
في (ق): يرجع.
(3)
في (ظ): لا يوافقهم.
أحدَهما في الآخَر؛ تكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، وهو جزء السَّهْم، فاضْرِبْه في أصل المسألة؛ تكُنِ اثْنَينِ وسَبْعِينَ، ومنها تَصِحُّ، للأمِّ سهْمٌ في اثْنَيْ عَشَرَ بمِثْلها، ولولد الأمِّ سَهْمانِ في اثْنَيْ عَشَرَ؛ بأربعةٍ وعِشْرينَ، لكلِّ واحِدٍ ثمانيةٌ، ولولد الأب ثلاثةٌ في اثْنَيْ عَشَرَ؛ بستَّةٍ وثلاثين، لكلِّ واحدٍ تسعةٌ.
فإنْ أردتَ أنْ تعرِفَ ما لأِحدهم قَبْلَ التَّصحيح؛ فاضْرِبْ سِهامَ فريقٍ في الفريق الآخَر، فما خرج فهو له، فإنْ أردتَ أنْ تَعلَمَ ما لكلِّ واحِدٍ من وَلَدِ الأمِّ؛ فَلِفَريقِه من أصل المسألة سَهْمانِ، اضْرِبْها في عدد الفريق الآخَر، وهو أربعةٌ تَكُنْ ثمانيةً، فهي لكلِّ واحدٍ من ولد الأمِّ، ولفريق ولد الأب ثلاثةٌ، اضْرِبْها في عدد ولد الأمِّ؛ تكُنْ تسعةً، فهي ما لكلِّ واحِدٍ منهم.
(وَعَوْلِهَا) إنْ كانَتْ عائلةً؛ كخَمْسِ أخَواتٍ لأِبٍ، وثلاثِ أخواتٍ لأُمٍّ، وجَدَّةٍ، أصل المسألة من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى سبعةٍ، والعَدَدانِ مُتَبايِنانِ، فاضْرِبْ ثلاثةً في خمسةٍ، تكُنْ خمسةَ عَشَرَ، اضْرِبْها في سبعةٍ، تكُنْ مائةً وخَمْسةً.
(وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَافِقَةً) بجزءٍ من الأجزاء الطَّبيعِيَّة؛ (كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ وَعَشَرَةٍ)؛ فإنَّها تُوافِقُ بالأنْصاف، (ضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي) جميعِ (الآْخَرِ، ثُمَّ وَافَقْتَ بَيْنَ مَا بَلَغَ وَبَيْنَ الثَّالِثِ)، أيْ: الموقوفِ، (وَضَرَبْتَ وَفْقَ أَحَدِهِمَا فِي الآْخَرِ، ثُمَّ اضْرِبْ مَا مَعَكَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ وَعَوْلِهَا إِنْ كَانَتْ عَائِلَةً، فَمَا بَلَغَ فَمِنْهُ تَصِحُّ).
سِتُّ جَدَّاتٍ، وتِسْعُ بناتٍ، وخَمْسةَ عَشَرَ أخًا، أصْلُها مِنْ ستَّةٍ، والأعدادُ مُتَوافِقَةٌ بالأثْلاث، فتُوقِفُ الخمسةَ عَشَرَ مثلاً، ثُمَّ اضْرِبْ وَفْقَ الجَدَّات وهو اثْنانِ في جميعِ الآخَرِ، وهو تسعةٌ، تكُنْ ثمانيةَ عَشَرَ، فبَينَها وبَينَ الموقوف مُوافَقَةٌ، فاضْرِبْ وَفْقَها، وهو ستَّةٌ في خمسةَ عَشَرَ تَبلُغْ
(1)
تِسْعِينَ، هي جُزْءُ
(1)
في (ظ): يبلغ.
السَّهم، فاضْرِبْها في أصل المسألة، تَبلُغْ خَمْسَمائةٍ وأرْبَعِينَ.
هذا إذا كانت الأعدادُ ثلاثةً فما فَوقُ، فإنْ كان عَدَدَانِ مُتَوافِقانِ؛ فإنَّك تَرُدُّ أحدَهما إلى وَفْقِه، وتَضرِبُه في جميع الآخَرِ، فما بَلَغَ ضَرَبْتَه في المسألة؛ كزوجٍ، وسِتِّ جَدَّاتٍ، وتِسْعِ أخَواتٍ
(1)
، فيتَّفِقانِ بالأثْلاث، فتَرُدُّ الجَدَّات إلى ثُلثهنَّ: اثْنَينِ، وتَضرِبُها في عَدَدِ الأخَوات تكُنْ ثمانيةَ عَشَرَ، وهي جُزْءُ السَّهْم، ثُمَّ تَضرِبُ ذلك في أصل المسألة تكُنْ مائةً وثَمانِيةً، ومنها تَصِحُّ.
تنبيهٌ: إذا كان الكَسْرُ على ثلاثةِ أحْيازٍ، نَظَرْتَ فإنْ كانت مُتَماثِلةً؛ كثَلاثِ جَدَّاتٍ، وثلاثِ بناتٍ، وثلاثةِ أعْمامٍ؛ ضَرَبْتَ أحدَها
(2)
في المسألة، فما بَلَغَ فمنه تَصِحُّ، ولكلِّ واحِدٍ منهم بَعْدَ التَّصحيح مِثْلُ ما كان لِجَماعَتِهم.
وإنْ كانَتْ مُتَناسِبةً؛ كجَدَّتَينِ، وخمسِ بناتٍ، وعشرةِ أعْمامٍ؛ اجْتَزَأْتَ بأكثرِها، وهي العَشَرةُ، وضَرَبْتَها في المسألة، تكُنْ سِتِّينَ، ومنها تَصِحُّ.
وإنْ كانَتْ مُتَبايِنَةً؛ كما إذا كان الأعْمامُ ثلاثةً، ضَرَبْتَ بعضَها في بعضٍ؛ تَبلُغْ ثَلاثِينَ، وهي جزء السَّهم، ثُمَّ تَضرِبُها في المسألة؛ تكُنْ مائةً وثَمانِينَ.
وإنْ كانَتْ مُتوافِقةً؛ فَعَلْتَ كما سَبَقَ، فإنْ تَماثَلَ اثْنانِ منها، وبايَنَها الثَّالِثُ، أو وافَقَهُما؛ ضَرَبْتَ أحدَ المتَماثِلَينِ في الثَّالث، أو في وَفْقِه إنْ وافَقَ، فما بَلَغَ فهو جزءُ السَّهم، تَضرِبُه في المسألة.
وإنْ تَناسَبَ اثْنانِ وبايَنَهما الثَّالِثُ؛ ضَرَبتَ أكثرَهما في جميع الثَّالث، أو في وَفْقه إنْ كان مُوافِقًا، ثُمَّ في المسألة.
وإنْ تَوافَقَ اثْنانِ، وبايَنَهما الثَّالِثُ؛ ضَرَبتَ وَفْقَ أحدِهما في جميعِ الآخَرِ، ثُمَّ في الثَّالث.
(1)
كتب في هامش (ظ): (لعل الأخوات لأم).
(2)
في (ظ): أحدهما.
وإنْ
(1)
تَبايَنَ اثْنانِ، وَوَافَقَهُما الثَّالثُ؛ كأربعةِ أعْمامٍ، وسِتِّ جَدَّاتٍ، وتِسْعِ بناتٍ؛ أجْزَأَكَ ضَرْبُ أحدِ المتَبايِنَينِ في الآخَر، ثُمَّ تَضرِبُه في المسألة، ويُسمَّى هذا: الموقوفَ المقيَّدَ؛ لأِنَّك إذا أردتَ وَفْقَ أحدهما؛ لم تقف إلاَّ السِّتَّةَ، فلو وقفت التِّسعةَ مثلاً، ورَدَّيت الستَّةَ إلى اثْنَينِ؛ لَدَخَلا في الأربعة، وأجْزَأَكَ ضَرْبُ الأربعة في التِّسعة، ولو وَقَفْتَ الأربعةَ، ورَدَّيت الستَّة إلى ثلاثةٍ؛ دَخَلَت في التِّسعة، وكَفاكَ ضَرْبُ الأربعة في التِّسعة.
فأمَّا إنْ كانت الأعدادُ الثَّلاثةُ مُتوافِقةً؛ فإنَّه يُسَمَّى: الموقوفَ المطلَقَ، وفي عَمَلِها طريقانِ:
أحدُهما: ما ذَكَرَه المؤلِّفُ، وهو طريق الكوفِيِّينَ.
والثَّاني: طريقُ البصريِّين، وهو أنْ تَقِفَ أحدَ الثَّلاثة، وتُوافِقَ بَينَه وبَينَ الآخَرَينِ، وتَرُدَّهما إلى وَفْقهما، ثمَّ تنظرَ في الوَفْقَينِ؛ فإن كانا متماثِلَينِ؛ ضربْتَ أحدَهما في الموقوف، وإن كانا متناسِبَينِ؛ ضربْتَ أكثرَهما فيه، وإنْ كانا متبايِنَينِ؛ ضربْتَ أحدَهما في الآخَر، ثمَّ في الموقوف، وإنْ كانا متوافِقَينِ؛ ضربتَ وَفْقَ أحدهما في الآخَر، ثمَّ في الموقوف، فما بلغ ضربْتَه في المسألة.
كعَشْرِ جَدَّاتٍ، واثْنَيْ عَشَرَ عَمًّا، وخمسةَ عَشَرَ بنتًا، فَقِفِ العشرةَ، تُوافِقُها الاثنا عشَرَ بالنِّصف، فترجع إلى ستَّةٍ، وتوافِقُها الخمسة عشر بالأخماس، فتَرجِع إلى ثلاثة، وهي داخِلةٌ في السِّتَّ، فتضربُها في العشرة؛ تكن سِتِّينَ، ثمَّ في المسألة تكن ثلاثمائةٍ وستِّينَ.
وإنْ وَقَفْتَ الاِثْنَيْ عَشرَ رجعَتِ العشرةُ إلى نصفها خمسةٌ، والخمسةَ عَشرَ
(1)
في (ق): فإن.
إلى ثُلُثها خمسةٌ، وهما مُتَماثِلانِ، فتضرب إحداهما في الاِثنيْ عشر تكن ستِّينَ.
وإن وَقَفْتَ الخمْسةَ عَشرَ رَجَعَت العشرةُ إلى اثْنَينِ، والاثنا عشَرَ إلى أربعةٍ، ودخل الاِثْنانِ في الأربعة، فتضرِبُها في الخمسةَ عَشَرَ تكُنْ ستِّينَ، ثمَّ في المسألة.
فائدةٌ: الطَّريقُ في معرفة الموافَقَة والمناسَبَة والمبايَنَة: أنْ تُلقِيَ أحدَ العددَينِ من أكثرهما مرَّةً بَعْدَ أخْرَى، فإنْ فَنِيَ؛ فالعددانِ مُتَناسِبانِ، وإن لم يَفْنَ، ولكن بَقِيَتْ منه بقيَّةٌ؛ ألقَيْتَها من العدد الأقلِّ، فإنْ بَقِيَتْ منه بقيَّةٌ؛ ألَقَيْتَها من البقيَّة الأولى، ولا تزالُ كذلك تُلْقِي كلَّ بقيَّةٍ من التي قَبْلَها، حتَّى تصلَ إلى عدد يُفْنِي الملْقَى منه غَير الواحد، فأيُّ بقيَّةٍ فَنِيَ منها غير الواحد؛ فالموافَقةُ بَينَ العددَينِ بجزءِ تلك البقيَّة، إن كانت اثْنَينِ فبالأنصاف، وإنْ كانَتْ ثلاثةً فبالأثْلاثٍ
(1)
، وإن كانت أربعةً فبالأرباع، وإن كانت بأحدَ عَشَرَ، أو اثني عشر، أو ثلاثة عشر؛ فبجزء ذلك، وإن بَقِيَ واحِدٌ؛ فالعددان متبايِنانِ.
ومِمَّا يَدُلُّ على تَناسُبِ العددَينِ: أنَّك إذا زدت على الأقلِّ مِثلَه أبدًا ساوَى الأكثرَ، ومتى قَسَمْتَ الأكثرَ على الأقلِّ؛ انْقَسَمَ قسمةً صحيحةً، ومتى نسبتَ الأقلَّ إلى الأكثرِ؛ انتسب إليه بجزءٍ واحدٍ، ولا يكون ذلك إلاَّ في النِّصف فما دُونَه.
(فَإِذَا أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ؛ فَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي الْعَدَدِ الذِي ضَرَبْتَهُ فِي الْمَسْأَلَةِ)، وهو الذي يسمَّى جزءَ السَّهم، (فَمَا بَلَغَ فَهُوَ لَهُ إِنْ كَانَ وَاحِدًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً؛ قَسَمْتَهُ عَلَيْهِمْ)، وصار لكلِّ واحدٍ منهم
(1)
في (ظ): فبأثلاث.
مثلُ ما كان لجماعتهم.
قاعِدةٌ: اعْلَمْ أنَّ الحِسابَ أربعُ مَنازِلَ: آحادٌ، وعَشَراتٌ، ومِئونَ، وأُلوفٌ، فالآحاد من واحِدٍ إلى تسعةٍ، ولَيسَ الواحِدُ بعددٍ، وإنما هو ابتداؤه، والعَشَراتُ من عَشَرةٍ إلى تِسْعِينَ، والمِئُونَ من مائَةٍ إلى تسعمائةٍ، والأُلوفُ من ألْفٍ إلى تسعةٍ آلافٍ.
وكلُّ مرتَبةٍ من هذه المراتِبِ لها تسعةُ عُقودٍ، فالآحاد عُقودُها واحِدٌ، اثْنانِ، إلى تسعةٍ، والعَشَراتُ عُقودُها عَشَرةٌ، عِشْرونَ، وكذا إلى تسعين، والمئاتُ عُقودُها مائةٌ، مائتانِ، إلى تسعِمائةٍ، والألوفُ
(1)
عقودُها ألْفٌ، ألْفانِ، إلى تسعةِ آلافٍ.
والضَّرْبُ يَنْقسِمُ إِلَى مُفرَدٍ وَمُركَّبٍ:
فالأوَّل: ما كان من ضَرْبِ مَرْتَبةٍ في مَرتَبةٍ، وهو عشرةُ أنْواعٍ.
والضَّرْبُ: عبارةٌ عن تضعيف أحدِ المضروبَينِ بعدد
(2)
آحاد الآخَر، فمعنى
(3)
قوله: كم خمسةٌ في ستَّةٍ؛ أيْ: كم تضعيفُ الخمسة ستَّ مرَّاتٍ، أو السِّتَّةِ
(4)
خمسَ مرَّاتٍ.
والآحادُ: في أي مرتبةٍ ضربْتَ؛ كان للواحد ما يَرتَفِعُ به واحدٌ من تلك المرتبة من غير تجاوُزٍ لها، فإذا قال: اضْرِبْ ثلاثةً في خمسةٍ؛ فهي خمسةَ عَشَرَ أحدًا.
فإنْ قال: في خمسين؛ فاجْعَلْها خمسةً، واضْرِبْ ثلاثةً في خمسةٍ، تكُنْ خمسةَ عَشَرَ، لكلِّ واحِدٍ عَشَرَةً، تكُنْ مائةً وخمسينَ.
(1)
في (ق): والألف.
(2)
في (ق): بعد.
(3)
في (ق): يعني.
(4)
في (ظ): والستة.
فإنْ قال: في خمسِمائةٍ؛ فخذ لكلِّ واحدٍ مائةً، تكُنْ ألْفًا وخمسَمائةٍ.
فإنْ قال: في خمسةِ آلافٍ؛ فخُذْ لكلِّ واحِدٍ ألْفًا.
والعَشَراتُ: في مثلها مئاتٌ، لكلِّ واحِدٍ مائةٌ، ولكلِّ عَشَرةٍ ألْفٌ، وفي المئات ألوفٌ لكلِّ واحِدٍ ألْفٌ، ولكلِّ عَشَرةٍ عَشَرةُ آلاف، وفي الألوف عشراتُ ألوفٍ، لكلِّ واحد عشرة آلاف، ولكلِّ عشرةٍ مائةُ ألْفٍ.
مثالُه: ثلاثُونَ في أربعين، اضْرِبْ ثلاثةً في أربعةٍ، تكن اثْنَيْ عَشَرَ، خذ لكلِّ واحدٍ مائةً تكُنْ ألْفًا ومائَتينِ، فإنْ قال: في أربعِمائةٍ؛ كانت اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا، فإنْ قال: في أربعةِ آلافٍ؛ كانت مائةَ ألْفٍ وعشرين ألْفًا.
والمِئاتُ: في مِثلِها عَشَراتُ ألوفٍ، وفي الألوف مئاتُ ألوفٍ، مِثالُه: أربعُمائةٍ في ستِّمائةٍ، تَضرِبُ أربعةً في ستَّةٍ؛ تكُنْ أربعةً وعشرين، فتكون مائَتَيْ ألْفٍ، وأربعين ألفًا، فإنْ قال: في خمسةِ آلافٍ، كانت ألْفَيْ ألْفٍ وأربعَمائةِ ألْفٍ.
والأُلوفُ: في مِثلِها أُلوفُ أُلوفٍ، مِثالُه: أربعةُ آلافٍ في خمسةِ آلافٍ، تكُنْ عشرينَ ألْفَ ألْفٍ، فإذا تكرَّرتْ لَفَظاتِ الألوف، فأسْقِطْها من الخَمْسينَ، واحْفَظْ عدَدَها، ثُمَّ اضْرِب الباقيَ بَعْدَ إلْقائها على ما قدَّمنا، فَما بَلَغَ أضَفْتَ إليه لَفَظاتِ الألوف المحفوظةَ.
مِثالُه: ثلاثونَ ألْفَ ألْفٍ في ستِّمائةِ ألْفِ أَلْفِ أَلْفٍ تَحفَظُ لَفَظَات الألوف، وهي خمسٌ، ثمَّ تَضرِبُ ثَلاثِينَ في ستِّمائةٍ
(1)
؛ بأنْ تَضرِبَ ثلاثةً في ستَّةٍ تكنْ ثمانيةَ عَشَرَ، تأخُذُ لكلِّ واحِدٍ ألْفًا؛ لأِنَّ عَشَرَةً في مائةٍ ألْفٌ، تكن ثمانيةَ عَشَرَ ألْفًا، وتُضيفُ إلَيها لَفَظات الألوف الخَمْس فتكون
(2)
: ثمانيةَ عَشَرَ
(1)
قوله: (في ستمائة) في (ق): وستمائة.
(2)
في (ظ): فيكون.
ألْفَ ألْفِ ألْفِ ألْفِ ألْفِ ألْفٍ.
فرعٌ
(1)
منه في المركَّب: إذا قال: اضْرِبْ خمسةَ عَشَرَ في ستَّةَ عَشَرَ، فالبابُ في هذا ونحوه من أحدَ عَشَرَ إلى تسعةَ عَشَرَ: أنْ تَضُمَّ
(2)
آحادَ أحدِ العددَينِ إلى الآخَرِ جميعِه، تكن
(3)
أحدًا وعشرين، تأخُذُ لكلِّ واحِدٍ عَشَرَةٌ، وتَضُمَّ إليه ضَرْبَ الآحاد في الآحاد، تكُنْ مائَتَينِ وأرْبعينَ.
فإنْ قال: ثلاثةً وعشرين في سبعةٍ وعشرين؛ ضَمَمْتَ الآحادَ أحدهما إلى الآخَر، تكُنْ ثلاثين، وتُضَعِّفُها لأِجْلِ العِشْرينَ؛ تكُنْ سِتِّينَ، تأخُذُ لكلِّ واحِدٍ عَشَرةً؛ تكُنْ ستَّمائةٍ، وتَضُمُّ إليها سبعةً في ثلاثةٍ؛ يكُن الجميعُ ستَّمائةٍ وأحدًا وعشرين.
وكذلك ما زاد على هذا إلى تسعةٍ وتِسْعِينَ، إذا تَساوَت العَشَراتُ في المضروبين، تُضعِّفه بعددها، مثلَ خمسةٍ وثلاثين في ستَّةٍ
(4)
وثلاثين، تَضُمُّ آحادَ أحدِهما إلى الآخَر تكن أحدًا وأربعين، فتضعِّفُها ثلاثَ مَرَّاتٍ؛ لأِنَّ العَشَراتِ ثلاثٌ، تكُنْ مائةً وثلاثةً وعشرين، تأخُذ لكلِّ واحِدٍ عَشَرَةً، فتكون ألْفًا ومائَتَينِ وثَلاثِينَ، وتَضُمُّ إليه مَضْروبَ خمسةٍ في ستَّةٍ تكن
(5)
ألْفًا ومائَتَينِ وسِتِّينَ.
فإن اخْتلَف عُقودُ العشرات فيهما؛ فكرِّرْ أحدَ المضروبَينِ بعدَدِ عَشَرات الآخَر، وكرِّرْ آحادَ الآخَرِ بعدد عَشَرات المكرَّر، فما بَلَغَ؛ فخُذْ لكلِّ واحِدٍ عَشَرةً، وضُمَّ إليه المرتَفِعَ من ضَرْبِ الآحاد في الآحاد.
(1)
في (ظ): نوع.
(2)
في (ق): أن يضم.
(3)
في (ق): يكن.
(4)
في (ق): ستمائة.
(5)
في (ق): يكن.
مثالُه: ثلاثةً وثلاثين في أربعةٍ وأربعين، فكرِّر الأربعةَ والأربعين ثلاثَ مرَّاتٍ، تكن مائةً واثْنَينِ وثلَاثِينَ، وكرِّر الثَّلاثةَ أربعَ مرَّاتٍ، تكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، تَصِرْ مائةً وأربعةً وأربعين، فتأخُذُ لكلِّ واحِدٍ عَشَرةً، وتُضِيفُ إليه مَضروبَ ثلاثةٍ في أربعةٍ، تكُنْ ألْفًا وأربعَمائةٍ واثْنَينِ وخمسينَ.
قاعِدةٌ نافِعةٌ في الضَّرْب: وهي إذا كان أحدُ المضْروبَينِ يُنسَبُ إلى مرتبةٍ فَوقَه، أو يَنقَسِمُ على مرتبةٍ دونَه، فانظر أيُّهما أوْضَحُ نسبةً إلى مرتبةٍ فَوقَه أو دُونَه، واعرف نسبةَ ذلك أنَّه النِّصفُ، أو الخُمس، أو العُشر، أو غير ذلك، ثُمَّ خُذْ بقَدْر تلك النِّسبة من العدد الآخَر.
ثمَّ إنْ كنتَ نَسَبْتَ العددَ الأوَّلَ إلى العُشر، فخُذْ لكلِّ واحِدٍ عَشَرَةً، وإنْ نَسَبْتَه إلى المائةِ فخذ لكلِّ واحِدٍ مائةً، وإنْ نَسَبتَه إلى الألْف فخُذْ لكلِّ واحِدٍ ألْفًا.
ويتَّضِحُ ذلك في ثلاثةِ فُصولٍ:
الأوَّلُ: في النِّسبة إلى العشرة: ثلاثةٌ وثُلثٌ في تسعةٍ وستِّين، نسبة المضروب إلى العشرة بالثُّلث، فخذ ثُلث المضروب فيه، وهو ثلاثةٌ وعشرون، وخُذْ لكلِّ واحِدٍ عشرةً؛ تكُنْ مائَتَينِ وثَلاثِينَ، وهكذا إلى آخره.
الثَّاني: في النِّسبة إلى المائة: اثْنَا عَشَرَ ونصفٌ في أربعةٍ وستِّين، المضروب ثُمن المائة، فخُذْ ثُمُن المضروب فيه، وهو ثمانيةٌ، وخذ لكلِّ واحِدٍ مائةً، تكن ثمانمائَةٍ، وهكذا إلى آخِره.
الثَّالث: في النِّسبة إلى الألْفِ: مائةٌ وخمسةٌ وعِشْرونَ في مائَتَينِ وأربعين، نسبة المضروب إلى الألف بالثُّمن، فخُذْ ثُمن المضروب فيه، وهو ثلاثون، وخُذْ لكلِّ واحِدٍ ألْفًا، تكُنْ ثلاثين ألْفًا.
وإنْ قال: مائةً وثلاثةً وعشرين في مائَتَينِ اثْنَينِ
(1)
وخمسينَ، إنْ شِئْتَ نقَصْتَ الاِثْنَينِ، وأخذتَ رُبع المائة والثَّلاثة وعشرين، وأخذْتَ لكلِّ واحِدٍ ألْفًا، ثمَّ ضَربْتَ اثْنَينِ في مائةٍ وثلاثةٍ وعشرين، وزِدتَه عَلَيها.
وإنْ شِئْتَ زدتَ اثْنَينِ على المائة والثَّلاثة وعشرين؛ لتكونَ
(2)
ثُمن الألْف، وأخذْتَ ثُمن المائَتَينِ واثْنَينِ وخمسين، وجعلت لكلِّ واحِدٍ ألْفًا، ثمَّ ضربْتَ الاِثْنَينِ في مائَتَينِ اثْنَينِ
(3)
وخمسين، ونقصته من المبلغ، وأيَّهما فَعَلْتَ، خَرَجَ الجَوابُ ثَلاثِينَ ألْفًا وتِسعمِائةٍ وستَّةً وتِسعِينَ.
وإنْ قال: اضْرِبْ مائةً واثْنَينِ في ثمانيةٍ وتِسعِينَ، ضَرَبْتَ مائةً في مائةٍ تكنْ عَشَرةَ آلافٍ، ونَقَصْتَ من ذلك ضَرْبَ اثْنَينِ في اثْنَينِ؛ لأِنَّ النَّاقِصَ في الزَّائد ناقِصٌ، والزَّائدَ في الزَّائدِ والنَّاقِصَ في النَّاقِص زائدانِ.
(1)
كذا في النسخ الخطية، والصواب: واثنين.
(2)
في (ظ): ليكون.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والصواب: واثنين.
(فَصْلٌ)
واعْتَبِرْ صحَّةَ ضَرْبِك بالميزان، وهو أنْ تأخُذَ عَدَدَ عُقود المضروب، وعددَ عُقود المضروب فيه، فإنْ كان أكثرَ من تسعةٍ؛ ألْقَيتَ منه تسعةً أبدًا، وضرَبْتَ الباقِيَ بعضَه في بعضٍ، فما بَلَغَ؛ أخَذْتَ عُقوده وحَفِظْتَها إنْ كانَتْ أقلَّ من تسعةٍ، وإنْ كانت أكثرَ من تسعةٍ؛ أسْقَطْتَ منها تسعةً أبدًا، وحفِظْتَ الباقِي، ثمَّ أخذتَ عقودَ ما ارتفع معك من الضَّرب على هذا التَّقدير، فإنْ تساويا؛ فحِسابُكَ صحيحٌ، وإنْ زاد أوْ نَقَصَ؛ فالحِسابُ خَطَأٌ.
فإذا قال: اضْرِبْ خمسةً وثلاثين في ثمانيةٍ وأربعين؛ فالجَوابُ: ألْفٌ وستُّمائةٍ وثمانون، واعتبارُ صحَّةِ ذلك: أنْ تأخُذَ عقود المضروب، وهي ثمانيةٌ، وعقود المضروب فيه، وهي اثْنا عَشَرَ، فتُلْقِي منها تسعةً، يَبقَى ثلاثةٌ، تَضرِبُها في ثمانيةٍ، تكُنْ أربعةً وعشرين، تأخُذُ عُقودَها تكن ستَّةً، وهي الميزانُ، فقابِلْ بها عُقودَ جوابِك، وهي خمسةَ عَشَرَ، تُلْقِي منها تسعةً، يَبقَى ستَّةٌ، فقد صحَّ الحِسابُ.
فَصْلٌ في ضَرْبِ
(1)
الكُسور في الكُسور
وهو
(2)
نسبةٌ، فقولُك: كم ثُلثٌ في سبعةٍ؛ فمَعْناهُ: كم ثُلُثُ السَّبعة؛ وقولُك: رُبعٌ في رُبعٍ، جَوابُه: رُبع رُبعٍ، ويُعبَّرُ عنه بنِصفِ ثُمُنٍ، وإذا قيل: سُبعٌ في تُسعٍ، فجوابه: سُبعُ تُسعٍ، وكذا: ثُمنٌ في عُشرٍ، فجوابه: ثُمنُ عُشرٍ.
والأصلُ في ذلك أنْ تَضرِبَ أحدَ الكَسْرَينِ في الآخَر، وتَنسُبَ منه ما يكون من ضرْبِ الكَسْر في الكَسْر، مِثالُه: رُبعٌ في سُدسٍ، تضرِبُ أربعةً في ستَّة، تكن أربعةً وعشرين، وتَضرِبُ واحِدًا في واحِدٍ، وتَنسُبُه من أربعةٍ وعشرينَ، تكُنْ ثلثَ ثُمنٍ.
فإنْ قال: كَمْ خُمسانِ في ثلاثةِ أسْباعٍ؟ فاضْرِبْ خمسةً في سبعةٍ، تكُنْ خمسةً وثلاثِينَ، واضْرِب اثْنَينِ في ثلاثةٍ تكُنْ ستَّةً، انسُبْها من المبلَغ؛ تكن سُبعًا وخُمسَ سُبعٍ.
فإنْ قال: اضْرِبْ ثلاثةَ أخْماسٍ في عشرين، ضربْتَ عددَ الكُسور، وهي ثلاثةٌ، في عشرين، تكن سِتِّينَ، اقْسِمْها على مخرَج الكَسْر، وهو خمسةٌ تكُن اثْنَيْ عَشَرَ، وهو الجوابُ.
فإنْ قال: خمسةُ أسْباعٍ في مائةٍ؛ ضربْتَ خمسةً في مائةٍ، وقَسَمْتَ المرتَفِعَ على سبعةٍ، تَخرُجْ
(3)
أحدًا وسبعينَ وثلاثةَ أسْباعٍ.
فإنْ قال: ثلاثة أجزاءٍ من ثلاثةَ عَشَرَ في خمسةَ عَشَرَ، ضَربْتَ ثلاثةً في خمسةَ عَشَرَ، تكُنْ خمسةً وأربعين، تَقْسِمُها على ثلاثةَ عَشَرَ، تخرجُ ثلاثةً وستَّةَ أجْزاءٍ من ثلاثةَ عَشَرَ.
(1)
في (ق): وضرب.
(2)
في (ق): هو.
(3)
في (ظ): يخرج.
فإنْ قال: ثُلثٌ ورُبعٌ في خمسةِ أجْزاءٍ من سبعةَ عَشَرَ؛ أخَذْتَ مخرَجَ الثُّلث والرُّبع، وهو اثْنا عَشَرَ، وضَرَبْتَه في سبعةَ عَشَرَ تكُنْ مائَتَينِ وأربعةً، ثمَّ تَضرِبُ الثُّلثَ والرُّبعَ، وهو سبعةٌ، في خمسةٍ، تكن خمسةً وثلاثين، تَنسُبُه من المبلغ بالأجْزاء.
وإنْ شِئْتَ قلتَ: أربعٌ وثلاثون هي سُدُسٌ، ويَبقَى جزءٌ، فيكون الجَوابُ سُدسًا وجُزْءًا من مائَتَينِ وأربعةٍ
(1)
.
(1)
زيد في (ق): والله أعلم. وكتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المصنف رحمه الله تعالى).
(بَابُ الْمُنَاسَخَاتِ)
النَّسخُ لغةً: إبْطالُ الشَّيء وإزالَتُه، يُقالُ: نَسَخَتِ الشَّمسُ الظِّلَّ، إذا أذْهَبَتْه وحلَّت مَحَلَّه
(1)
.
وسُمِّيتْ مُناسَخَةُ الفرائض - وهو مَوتُ وَرَثةٍ بَعْدَ ورثةٍ قَبْلَ قِسمةِ التِّرِكة - بذلك؛ لِزَوالِ حُكْمِ الأوَّل ورَفْعِه، وقِيلَ: لأِنَّ المالَ تَناسَخَتْهُ الأيْدِي.
وهو من عَوِيصِ
(2)
الفَرائض، ويَجرِي مَجْرَى التَّصْحيح في المعْنَى.
(وَمَعْنَاهَا: أَنْ يَمُوتَ بَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيْتِ قَبْلَ قَسْمِ تَرِكَتِهِ)، هذا بيانٌ لِمَعْنَى المناسَخات اصْطِلاحًا.
(وَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ)، معلومةٌ بالحَصْر.
(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ
(3)
وَرَثَةُ الثَّانِي يَرِثُونَهُ عَلَى حَسَبِ مِيرَاثِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونُوا عَصَبَةً لَهُمْ، فَاقْسِمِ الْمَالَ بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، وَلَا تَنْظُرْ
(4)
إِلَى الْمَيْتِ الْأَوَّلِ).
كأربعةِ بَنِينَ، وثلاثِ بناتٍ، ماتَتْ بِنتٌ، ثُمَّ ابنٌ، ثُمَّ بِنْتٌ، ثُمَّ ابنٌ، بَقِيَ ابنانِ وبِنْتٌ؛ فاقْسِمِ المالَ على خمسةٍ، ولا يَحتاجُ إلى عَمَلٍ.
وكذا نَقولُ في أَبَوَينِ، وزَوجةٍ، وابْنَينِ، وبِنتَينِ، ماتَتْ بِنتٌ، ثُمَّ الزَّوجةُ، ثُمَّ ابنٌ، ثُمَّ الأب، ثُمَّ الأمُّ، فقد صارت المواريثُ كلُّها بَينَ الاِبنِ والبِنت الباقِيَينِ
(5)
أثْلاثًا، واسْتَغْنَيتَ عن عَمَلِ المسائل.
(1)
في (ق): وجلست مجلسه.
(2)
في (ق): غويص.
(3)
في (ظ): تكون.
(4)
في (ظ): ينظر.
(5)
في (ق): الباقيتين.
ورُبَّما اختُصِرت المسائلُ بَعْدَ التَّصحيح بالموافَقة بَينَ السِّهام، فإذا صحَّت المسألةُ نَظَرْتَ فيها، فإنْ كان لجميعها كَسْرٌ يَتَّفقُ فيه جميعُ السِّهام؛ ردَدْتَ المسألةَ إلى ذلك الكَسْر، ورددتَ سِهامَ كلِّ وارِثٍ إليه؛ لِيكونَ أسهلَ في العمل؛ كزوجةٍ، وبنتٍ، وابنٍ، ماتت البنتُ، فتصِحُّ المسألَتانِ من اثْنَينِ وسَبْعِينَ، للزَّوجة بحقِّها ستَّةَ عَشَرَ، وللابْنِ
(1)
ستَّةٌ وخَمْسونَ، تتَّفِقُ سهامُها بالأثمان، فترُدُّها إلى ثُمُنِها تسعةً، للزَّوجة سَهْمانِ، وللابن سبعةٌ.
(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ مِنَ الْمَوْتَى لَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا؛ كَإِخْوَةٍ خَلَّفَ كُلُّ وَاحِدٍ بَنِيهِ).
كرجلٍ تُوُفِّيَ وتَرَك أربعةَ بَنِينَ، فمات أحدُهم عن ابْنَينِ، والثَّاني عن ثلاثةٍ، والثَّالثُ عن أربعةٍ، والرَّابِعُ عن ستَّةٍ، فالأُولى من أربعةٍ، والثَّانيةُ من اثْنَينِ، والثَّالثةُ من ثلاثةٍ، والرَّابعةُ من أربعةٍ، والخامسةُ من ستَّةٍ.
(فَاجْعَلْ مَسَائِلَهُمْ كَعَدَدٍ انْكَسَرَتْ عَلَيْهِمْ سِهَامُهُمْ)؛ لأِنَّ كلَّ مسألةٍ لِمُسْتَحِقِّها، فهي كالعدد المذكور، (وَتُصَحِّحُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي بَابِ التَّصْحِيحِ)؛ لأِنَّ المسائلَ - كالأعداد - أربعةٌ، فالاِثْنانِ يَدخُلانِ في الأربعة، والثَّلاثةُ في السِّتَّة، والأربعةُ تُوافِقُ السِّتَّةَ بالأَنصاف، فتَضرِبُ نِصفَ إحداهما في الأخرى؛ تكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ، ثُمَّ تَضرِبُها في المسألة الأولى؛ تكُنْ ثمانيةً وأربعينَ، لورثةِ كلِّ ابنٍ: اثْنَا عَشَرَ، فَلِكُلِّ واحِدٍ من ابْنَيِ الأوَّل ستَّةٌ، ولكلِّ واحِدٍ من بَنِي الثَّاني أربعةٌ، ولكلِّ واحِدٍ من بَنِي الثَّالث ثلاثةٌ، ولكلِّ واحِدٍ من بَنِي الرَّابع سَهْمانِ.
وإنْ كانَتْ مُتبايِنَةً؛ ضربْتَ بعضَها في بعضٍ، فما بلغ ضربْتَه في الأولى؛ كما لو خلَّفَ أحدُ الإخوة ابْنَينِ، والآخَرُ ثلاثةً، والآخَرُ خمسةً.
(1)
في (ق): وللبنت.
وإنْ كانَتْ مُتَماثِلةً؛ اجْتَزأْتَ بأحدها، كما لو خلَّف كلُّ واحِدٍ ابْنَينِ.
(الثَّالِثُ: مَا عَدَا ذَلِكَ)، وهو ثلاثةُ أقْسامٍ:
أحدُها: أنْ يَنقَسِمَ سِهامُ الميتِ الثَّاني على مَسْأَلَتِه.
الثَّانِي: أنْ لا يَنقَسِمَ عَلَيها، بَلْ يُوافِقَها.
الثَّالِثُ: أنْ لا يَنقَسِمَ عَلَيها، ولا يُوافِقَها.
(فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ، وَانْظُرْ مَا صَارَ لِلثَّانِي مِنْهَا، فَاقْسِمْهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ) بَعْدَ أنْ تُصحِّحَها، (فَإِنِ انْقَسَمَ، صَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَى).
(كَرَجُلٍ خَلَّفَ امْرَأَةً، وَبِنْتًا، وَأَخًا)، هي من ثمانيةٍ، (ثُمَّ مَاتَتِ الْبِنْتُ، وَخَلَّفَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا وَعَمَّهَا، فَإِنَّ لَهَا) من الأُولى: (أَرْبَعَةً، وَمَسْأَلَتُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ)؛ للزَّوج الرُّبع: سَهْمٌ، وللبنت النِّصفُ: سَهْمانِ، والباقِي وهو سَهْمٌ للعمِّ، (فَصَحَّتِ الْمَسْأَلَتَانِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ، وَصَارَ لِلْأَخِ أَرْبَعَةٌ)؛ من أخيه ثلاثةٌ، ومِنْ بِنْتِ أخيهِ سَهْمٌ.
من ذلك: أمٌّ وعمٌّ، مات العَمُّ عن بنتٍ وعَصَبةٍ، الأولى من ثلاثةٍ، والثَّانيةُ من اثْنَينِ، فصحَّت المسألَتانِ من ثلاثةٍ.
ثلاثُ أخَوَاتٍ مُتفرِّقاتٍ؛ ماتَتِ الأختُ من الأَبَوَينِ عن ابْنَتَينِ ومَنْ خلَّفَتْ، صحَّت المسألتانِ من خمسةٍ.
بنتٌ وبنتُ ابنٍ وأخٌ، ماتت البنتُ عن ابْنَتَينِ وعمِّها، فصحَّت المسألتانِ من ستَّةٍ، وصار للأخ ثلاثةٌ.
(وَإِنْ لَمْ تَنْقَسِمْ
(1)
؛ وَافَقْتَ بَيْنَ سِهَامِهِ وَمَسْأَلَتِهِ، ثُمَّ ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَتِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى)؛ لِيخرُجَ
(2)
بلا كَسْرٍ، (ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الأْولَى
(1)
في (ق): لم ينقسم.
(2)
في (ق): لتخرج.
مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي وَفْقِ سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي)؛ لأِنَّ به يُعلَمُ قَدرُ ما لكلِّ واحِدٍ.
(مِثْلَ أَنْ تَكُونَ الزَّوْجَةُ أُمًّا لِلْبِنْتِ
(1)
فِي مَسْأَلَتِنَا)؛ أيْ: في المسألة الأولى، (فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا مِنِ اثْنَيْ عَشَرَ)؛ لأِنَّ فيها نصفًا، ورُبعًا، وسُدسًا، (تُوَافِقُ
(2)
سِهَامَهَا بِالرُّبُعِ)؛ لأِنَّ لها من الأولى أربعةً، وبَينَها وبَينَ الاِثْنَيْ عَشَرَ مُوافَقة بالأرْباع، (فَتَرْجِعُ إِلَى رُبُعِهَا ثَلَاثَةٌ)؛ لأِنَّها وَفْقُها، (تَضْرِبُهَا
(3)
فِي الْأُولَى) وهي ثمانيةٌ، (تَكُنْ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ)؛ للمرأة من الأولى: سهمٌ في ثلاثةٍ؛ بثلاثةٍ، وللأخ: ثلاثةٌ في ثلاثةٍ بتسعةٍ، وللزَّوج من الثَّانية ثلاثةٌ مضروبةٌ في واحِدٍ؛ لأِنَّه الوَفْقُ بثلاثةٍ، وللبنت ستَّةٌ في واحِدٍ بستَّةٍ، وللأمِّ سَهْمانِ في واحِدٍ بسَهْمَينِ، وللعمِّ سَهْمٌ.
ومن ذلك: زوجٌ، وأمٌّ، وسِتُّ أخَوَاتٍ مُفْتَرِقاتٍ، ماتَتْ إحدى الأخْتَينِ من الأمِّ، وخَلَّفَتْ مَنْ خلَّفَتْ، فالأولى من عشرةٍ، والثَّانيةُ من ستَّةٍ؛ لأِنَّها خلَّفَتْ أُمًّا وأُخْتَينِ لأِبَوَينِ وأخْتَينِ من أبٍ
(4)
، تَضرِبُها في الأولى، ومنها تَصِحُّ.
(وَإِنْ لَمْ تُوَافِقْ سِهَامُهُ مَسْأَلَتَهُ؛ ضَرَبْتَ الثَّانِيَةَ فِي الْأُولَى، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْأُولَى مَضْرُوبٌ فِي الثَّانِيَةِ، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ مَضْرُوبٌ فِي سِهَامِ الْمَيِّتِ الثَّانِي).
(مِثْلَ أَنْ تُخَلِّفَ الْبِنْتُ بِنْتَيْنِ)، فيَكونُ تَرَكَ امْرأةً وبِنْتًا وأخًا، ثُمَّ ماتت
(1)
قوله: (للبنت) سقط من (ظ).
(2)
في (ق): فوافق.
(3)
في (ق): فتضربه.
(4)
كتب في هامش (ظ): (صوابه: وأخت من أبوين وأختين من أم، والأختان من الأب لا شيء لهما؛ لأنهما أجانب)، وينظر: الشرح الكبير 18/ 145.
البنتُ عن أربعةٍ، وخلَّفَتْ زَوجًا وأُمًّا وابْنَتَينِ، (فَإِنَّ مَسْأَلَتَهَا) من اثْنَيْ عَشَرَ، (تَعُولُ إِلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ)، لا تَنقَسِمُ عَلَيها سِهامُها، ولا تُوافِقُها، (تَضْرِبُهَا فِي الْأُولَى)، وهي ثمانيةٌ، (تَكُنْ مِائَةً وَأَرْبَعَةً، وَتَعْمَلُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا)، للمرأة من الأولى سهمٌ في ثلاثةَ عَشَرَ: بثلاثةَ عَشَرَ، وللأخ ثلاثةٌ في ثلاثةَ عَشَرَ بتسعةٍ وثَلاثِينَ، وللزَّوج من الثَّانية ثلاثةٌ في أربعةٍ باثْنَيْ عَشَرَ، وللبِنتَينِ ثمانيةٌ في أربعةٍ باثْنَينِ وثَلاثِينَ، وللأمِّ سَهْمانِ في أربعةٍ بثَمانيةٍ.
(فَإِنْ مَاتَ ثَالِثٌ؛ جَمَعْتَ سِهَامَهُ مِمَّا صَحَّتْ مِنْهُ الْأُولَيَانِ
(1)
، وَعَمِلْتَ عَمَلَكَ فِي مَسْأَلَةِ الثَّانِي مَعَ الْأَوَّلِ)، أيْ: فانظُرْ نصيبَه من المسألتين، فإن انقَسَمَ على مسألته فذاك، وإنْ لم ينقَسِمْ ووافَق؛ فاضْرِب وَفْقَ المسألة الثَّالثة في الأُولَيَينِ
(2)
، وإنْ لم يُوافِقْ؛ فاضْرِبْ جميعَ المسألة في المسألتَينِ.
مِثالُه: زوجةٌ
(3)
، وأمٌّ، وثلاثُ أخَواتٍ مُفْتَرِقاتٍ، فالأُولى من خمسةَ عَشَرَ، ماتت الأختُ من الأبوَينِ، وخلَّفتْ زوجًا ومَنْ خلَّفَتْ، فمسألتُها من ثمانيةٍ، وسِهامُها ستَّةٌ، يتَّفِقان بالنِّصف، فتَضرِبُ نصفَ مسألتها في الأولى، تكُنْ ستِّينَ، ثمَّ ماتت الأمُّ، وخلَّفتْ زوجًا وأُخْتًا، وبنتَها وهي الأخت من الأمِّ، فمسألتُها من أربعةٍ، ولها من المسألتَينِ أحدَ عَشَرَ سَهْمًا، لا تُوافِقُ، فتَضرِبُ مسألتَها في الأُولَيَينِ
(4)
، تكُنْ مائتين وأربعينَ، ومنها تصِحُّ الثَّلاثُ.
(وَكَذَلِكَ تَصْنَعُ فِي الرَّابِعِ)؛ أيْ: كما فعلَ في الثَّالث؛ كرجلٍ خلَّف زوجةً وأبَوَينِ وابنتَينِ، ثُمَّ مات الأبُ، وترك أخًا لِأَبَوَينِ ومن خلَّف، ثُمَّ ماتت
(1)
في (ق): الأولتان.
(2)
في (ق): الأولتين.
(3)
في (ق): زوج.
(4)
في (ق): الأولتين.
الأمُّ، وخلَّفتْ أمًّا وعمًّا ومَنْ خلَّفتْ، ثُمَّ ماتت إحْدَى البِنْتَينِ، وخلَّفت زَوجًا ومَنْ خلَّفَتْ، تصِحُّ الأولى من سبعةٍ وعِشْرينَ، والثَّانيةُ من أربعةٍ وعِشْرينَ، تُوافِقُ تَرِكةَ الأب بالأَرْباع، ثُمَّ ماتت الأمُّ عن سبعةٍ وعِشْرينَ، وخلَّفتْ أمًّا وبِنْتَيِ ابنٍ وعَمًّا، فمسألَتُها من ستَّةٍ، وتَرِكَتُها تُوافِقُها بالأثْلاث، ثُمَّ ماتت إحْدَى البِنْتَينِ عن مائةٍ وثلاثِينَ، وتَرَكَتْ زَوجًا وأُمًّا وأُخْتًا، فمسألتُها من ثمانيةٍ، وتَرِكتُها تُوافِقُها بالأنصاف، فتَصِحُّ المسائلُ الأربعُ من ألْفٍ ومائَتَينِ وستَّةٍ وتِسْعِينَ، للزَّوجة من الأولى والرَّابعةِ: مائَتانِ وأربعةٌ وسَبْعونَ، وللبنتِ الباقيةِ من المسائلِ الأربعِ: سَبْعُمائةٍ وخمسةَ عَشَرَ، ولأِخِي الميتِ الثَّاني: أربعونَ، ولأِمِّ الثَّالثة: ستَّةٌ وثلاثونَ، ولِعَمِّها كذلك، ولزوجِ الرَّابعة: مائةٌ وخمسةٌ وتسعون، فالقِيراطُ فيها: بأربعةٍ وخَمْسينَ.
(وَ) تَصنَعُ في (مَنْ بَعْدَهُ)؛ مِنْ خامِسٍ أوْ سادِسٍ؛ كامرأةٍ ماتَتْ عن زَوجٍ، وأربعِ أخَواتٍ مِنْ أبَوَينِ، وأُخْتَينِ من أمٍّ، وأمٍّ، ثمَّ ماتت الأمُّ عن زَوجٍ، وأخٍ، ومَنْ خلَّفتْ، ثُمَّ ماتت إحْدَى أخَواتِ الأَبَوَينِ عن ثَلاثِ بَنِينَ وبِنتَينِ، ثُمَّ ماتَتْ أخرى عمَّن في المسألة، وهم أخْتانِ لِأَبَوَينِ، وأختانِ من أمٍّ، ثمَّ ماتت أخرى عن زوجٍ، وبِنتَينِ، وابنٍ، المسألةُ الأولى من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى عشَرَةٍ.
ماتت الأمُّ عن زوجٍ، وستِّ بناتٍ، وأخٍ، مسألتُها
(1)
من اثْنَيْ عَشَرَ، وتصِحُّ من ستَّةٍ وثلاثَينَ، وما في يدها سهمٌ لا تَصِحُّ ولا تُوافِقُ
(2)
، فاضْرِبْ ستَّةً وثَلاثينَ في عَشَرَةٍ، تبلغ ثلاثَمائةٍ وستِّينَ، ومنها تَصِحُّ المسألتانِ، للزَّوج من الأولى: ثلاثةٌ مضروبةٌ في ستَّةٍ وثَلاثِينَ، تبلُغْ مائةً وثمانيةً، وللأخوات من الأَبَوَينِ من الأولى: أربعةٌ مضروبةٌ في ستَّةٍ وثلاثِينَ، تَبلُغ مِائةً وأربعةً
(1)
في (ق): فمسألتها.
(2)
في (ق): لا يصح ولا يوافق.
وأرْبَعِينَ، وللأخْتَينِ من الأمِّ: سَهْمانِ مَضْروبةٌ فيها، تبلُغُ اثْنَينِ وسَبعينَ، ولزوجِ الأمِّ من الثَّانية: تسعةٌ مضروبةٌ في نصيب الأمِّ، وهو سَهْمٌ بتسعةٍ، وللبنات: أربعةٌ وعِشْرُونَ مضروبةٌ فيه تكن كذلك، وللأخ: ثلاثةٌ مضروبةٌ في سَهْمٍ تكُنْ ثلاثةً.
ثمَّ ماتت الأخت من الأَبَوَينِ، وحَظُّها
(1)
من المسألتَينِ أربعونَ، ومسألتُها من ثمانيةٍ
(2)
، فنصيبُها صحيحٌ على مسألتها، لكلِّ ابنٍ عَشَرةٌ، ولكلِّ بنتٍ خمسةٌ.
ثمَّ ماتت الأختُ الأخرى عن أربعين سهمًا، ومسألتها من ثلاثة، وتصحُّ من ستَّةٍ، وحينَئِذٍ لا تَصِحُّ، وتُوافِقُ بالأنصاف، فاضْرِبْ نصفَ مسألتها وهو ثلاثةٌ في ثلاثِمائةٍ وستِّينَ تَبلُغْ ألْفًا وثَمانِينَ، لِزَوجِ الميتة الأولى مائةٌ وثَمانيةٌ مضروبةٌ في ثلاثةٍ، تكُنْ ثلاثَمائةٍ وأربعةً وعِشْرينَ، للأختَينِ من الأَبَوَينِ
(3)
من الأُولَيَينِ
(4)
ثمانونَ مضروبةٌ في ثلاثةٍ، تكُنْ مائَتَينِ وأربعينَ، لكلِّ أُخْتٍ مائةٌ وعِشْرونَ، وللأختَينِ من الأمِّ من الأُولَيَينِ
(5)
كذلك، ولزوجِ الأمِّ تسعةٌ مضروبةٌ في ثلاثةٍ، تَبلُغُ سبعةً وعِشْرِينَ، وللبَنِينَ والبنات من الثَّالثة أربعون سهمًا، مضروبةٌ في ثلاثةٍ، بمائةٍ
(6)
وعِشْرينَ، لكلِّ ابنٍ ثلاثون، ولكلِّ بنتٍ خمسةَ عَشَرَ، وللأخْتَينِ من الأبَوَينِ من الرَّابعة أربعةٌ، مضروبةٌ في وَفْقِ ما في يد الميتة، وهو عِشْرُونَ، تكُنْ ثمانينَ، لكلِّ أُخْتٍ أرْبَعونَ، وللأُخْتَينِ من الأمِّ سَهْمانِ مَضْروبانِ في عشرين تكُنْ أرْبَعِينَ، لكلِّ أخْتٍ عِشْرُونَ.
(1)
في (ق): وخصها.
(2)
في (ق): مائة.
(3)
قوله: (الأولى مائة وثمانية
…
) إلى هنا سقط من (ق).
(4)
في (ق): الأولتين.
(5)
في (ق): الأولتين.
(6)
في (ظ): بثمانية.
ثُمَّ ماتت الأختُ الأخرى من الأبَوَينِ عن مائةٍ وسِتِّينَ سَهْمًا، ومَسأَلَتُها تَصِحُّ من ستَّةَ عَشَرَ، فتَرِكَتُها صحيحةٌ على مسألتها، لِزَوجِها أرْبَعونَ، ولكلِّ ابْنٍ سِتُّونَ، ولكلِّ بِنْتٍ ثلاثونَ، قِيراطُها
(1)
بخَمسةٍ وأرْبَعِينَ، واللهُ أعْلَمُ
(2)
.
(1)
في (ق): فقيراطها.
(2)
قوله: (والله أعلم) سقط من (ق).
(بَابُ قَسْمِ التَّرِكَاتِ)
اعْلَمْ أنَّ القِسْمةَ والنِّسبةَ مِمَّا يُسْتَعانُ بهما في تصحيح المسائلِ والمناسَخاتِ.
فالقِسْمةُ: هي معرفةُ نَصِيبِ الواحِدِ من المقْسومِ عَلَيهِ، وإنْ شِئْتَ قلتَ: هو سؤالٌ عن عددِ ما في المقْسوم من أمْثال المقْسوم عليه.
ولهذا إذا ضربتَ الخارِجَ بالقِسْمة من المقْسوم عَلَيهِ، ساوَى المقْسومَ، فمعنى قولِه: اقْسِمْ ستَّةً وثَلاثِينَ على تسعةٍ؛ أيْ: كمْ نصيبُ الواحِد من التِّسعة؟ أوْ كَمْ في السِّتَّة والثَّلاثين مِثْلُ التِّسعة؟ وإذا ضربتَ الخارِجَ بالقِسْمة، وهو أربعةٌ في التِّسعة، كان مِثْلَ المقْسوم.
والنِّسبةُ: معرفةُ قَدْرِ المنسوب من المنسوب إلَيهِ.
والعَدَدُ يَنقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقْسامٍ: أوَّلَ، وثانٍ، ومُشْتَرَكٍ.
فالأوَّلُ: ما لا يَصِحُّ له كَسْرٌ؛ كأحَدَ عَشَرَ، وثلاثةَ عَشَرَ، فالنِّسبةُ إلى هذا النَّوعِ بالأَجْزاء.
والثَّاني: هو كلُّ عَدَدٍ له كَسْرٌ دُونَ العَشَرةِ، مِثْلَ: ثمانيةٍ وأرْبَعِينَ، التي سُدسُها ثمانيةٌ وثُمنُها ستَّةٌ، ومثل: مائة التي نصفُ عُشرِها خمسةٌ، ونحو ذلك، فهذا يُنسَبُ إليه بألفاظِ الكُسور التِّسعةِ وما تركَّب منها.
والمشترَك: هو الذي يكون له كَسْرٌ فَوقَ العَشَرة، وهو ما تركَّب
(1)
من الأجزاء الصُّمِّ؛ كاثْنَينِ وخَمْسينَ التي رُبعُها ثلاثةَ عَشَرَ، ومائةٍ واثْنَينِ
(2)
وثلاثِينَ التي نصفُ سُدسِها أحَدَ عَشَرَ، والنِّسبةُ إلى هذا العدد بالأجزاء
(1)
في (ق): ما يركب.
(2)
في (ق): اثنين.
والكسور معًا.
فإنْ أردتَ أنْ تَنسب إلى عددٍ؛ استَخْرَجْتَ منه كلَّ كَسْرٍ تصِحُّ
(1)
منه، بأنْ تَنظُرَ ما تركَّب منه العدد من الأعداد دُونَ العَشَرة إذا أردتَ من كم يتركَّب العددُ؛ بأنْ تَقسِمه على عشرةٍ، وعلى تسعةٍ، ثُمَّ إلى الاِثْنَينِ، فعلى أيِّ شَيءٍ انقَسَمَ؛ فاعْلَمْ أنَّه يتركَّبُ منه؛ كمائةٍ
(2)
وعِشْرينَ، هي تضعيفُ ثلاثةٍ بأربعةٍ بعَشَرةٍ، فالواحِدُ منها ثُلث رُبع عُشرٍ، والأربعةُ ثُلثُ عُشْرٍ تستخرج النسبة من ألفاظ الأعداد المتركِّبة
(3)
منها، فإذا أضعَفْتَ عددَينِ منها أحدهما بالآخَر، كانت نسبتُه بلَفْظِ الثَّالث، ألَا تَرَى أنَّك إذا أضعَفْتَ الثَّلاثةَ بالأربعة كانت اثْنَيْ عَشَرَ، وذلك العُشْرُ وهو مَخرَجُ لفظِ العدد الثَّالث، وإنْ أضعَفْتَ الأربعةَ بالعَشَرة كان الثُّلثَ، وإنْ أضعَفْتَ الثَّلاثةَ بالعشرة كان الرُّبعَ؟!
(إِذَا خَلَّفَ تَرِكَةً مَعْلُومَةً، فَأَمْكَنَكَ نِسْبَةُ نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ مِنَ الْمَسْأَلَةِ؛ فَأَعْطِهِ مِثْلَ تِلْكَ النِّسْبَةِ مِنَ التَّرِكَةِ)؛ كامرأةٍ ماتتْ عن زوجٍ وأبَوَينِ وابْنَتَينِ، المسألةُ من خمسةَ عَشَرَ، والتَّرِكةُ أربعون دِينارًا، فللزَّوج ثلاثةٌ، وهي خُمُس المسألة، فله خُمسُ التَّركة، ثمانيةُ دنانِيرَ، ولكلِّ واحدٍ من الأبَوَينِ ثُلثَا خُمسِ المسألة
(4)
، فله ثُلثَا الثَّمانية، وذلك خمسةُ دنانِيرَ وثُلثُ دِينارٍ، ولكلِّ واحدةٍ من البِنْتَينِ مثْلُ ما للأبَوَينِ كِلَيهِما، وذلك عشرةٌ وثُلُثانِ.
(وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ، وَضَرَبْتَ الْخَارِجَ بِالْقَسْمِ فِي نَصِيبِ كُلِّ وَارِثٍ، فَمَا اجْتَمَعَ فَهُوَ نَصِيبُهُ)، ففي مسألتنا: إذا قَسَمْتَها على المسألة كان الخارِجُ دِينارَينِ وثُلثَينِ، فإذا ضَرَبْتَها في نصيب الزَّوج - وهو
(1)
في (ق): يصح.
(2)
في (ق): ثلاثة.
(3)
في (ق): المشتركة.
(4)
في (ظ): التركة.
ثلاثةٌ -؛ كانت ثمانيةَ دنانِيرَ، وإذا ضَرَبْتَها في نصيبِ كلِّ واحِدٍ من الأبَوَينِ؛ كانت خمسةً وثُلثًا، وإذا ضربتَها في نصيبِ كلِّ واحدةٍ من البِنْتَينِ؛ كانَتْ عَشَرَةَ دنانِيرَ وثُلثَينِ.
(وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ سِهَامَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَهَا عَلَى الْمَسْأَلَةِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ)، فإذا ضربتَ نصيبَ الزَّوج - وهو ثلاثةٌ - في التَّرِكة؛ كانَتْ مائةً وعِشْرينَ، فإذا قَسَمْتَها على المسألة وهي خمسةَ عَشَرَ
(1)
؛ خرج بالقَسْم ثمانيةٌ، وإذا ضربْتَ نصيبَ أحدِ الأَبَوَينِ فيها؛ كان ثمانينَ، فإذا قَسَمْتَها على المسألة؛ خرج خمسةٌ وثُلثٌ، وإذا ضربْتَ نصيبَ كلِّ واحِدَةٍ من البنتَينِ فيها؛ كانَتْ مائةً
(2)
وستِّينَ، فإذا قَسَمْتَها على المسألة؛ خرج بالقسم عَشَرةٌ وثُلثانِ.
لكِنْ إنْ كانَت المسألةُ من الأعداد الصُّمِّ لم يُمكِن العملُ بالطَّريق الأولى؛ لأِنَّه لا نسبةَ فيها؛ كزَوجٍ وأمٍّ وابْنَتَينِ، والتَّرِكةُ خمسونَ دينارًا، المسألةُ من ثلاثةَ عَشَرَ، إذا قَسَمْتَ عليها التَّرِكةُ؛ خرج بالقَسْم لكلٍّ منهم ثلاثةُ دَنانِيرَ، وأحَدَ عَشَرَ جُزءًا من ثلاثةَ عَشَرَ جزءًا من دِينارٍ، تَضرِبُ ذلك في سِهامِ الزَّوج، وهي ثلاثةٌ، يَجتَمِعُ له أحدَ عَشَرَ دِينارًا وسبعةُ أجْزاءٍ، وتَضرِبُ نصيبَ الأمِّ؛ تَكُنْ
(3)
سبعةَ دنانِيرَ وتسعةَ أجْزاءٍ، ولكلِّ بِنتٍ ضِعْفُ ذلك، وإنْ ضربتَ سهامَ كلِّ وارِثٍ في الخَمْسِينَ، وقَسَمْتَها على المسألة؛ خرج ما ذَكَرْنا
(4)
.
(وَإِنْ شِئْتَ فِي مَسَائِلِ الْمُنَاسَخَاتِ: قَسَمْتَ التَّرِكَةَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الأُو] لَى، ثُمَّ أَخَذْتَ نَصِيبَ الثَّانِي، فَقَسَمْتَهُ عَلَى مَسْأَلَتِهِ، وَكَذَلِكَ الثَّالِثُ)؛ كرجلٍ تُوُفِّيَ وخلَّف أربعَ بَنِينَ، وأرْبَعِينَ دِينارًا، فإذا قَسَمْتَها عَلَيهِم خَرجَ لكلِّ واحِدٍ
(1)
في (ق): دنانير.
(2)
في (ق): ثمانية.
(3)
في (ظ): يكن.
(4)
في (ق): ذكرناه.
عَشَرَةٌ، ثُمَّ مات أحدُهم عن زَوجةٍ وإخْوَتِه؛ فمسألتُه من أربعةٍ، فإذا قَسَمْتَ عَلَيها العَشَرةَ؛ كان للزَّوجة دِينارانِ ونصفٌ، ولكلِّ أخٍ كذلك، ثُمَّ مات أحدُهم عن زَوجةٍ وأخَوَيهِ؛ فهي من أربعةٍ، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ، فإذا قَسَمْتَ مجموعَ ما لَه منهما، وهو اثْنا عَشَرَ ونِصْفٌ؛ كان للزَّوجة ثلاثةُ دنانِيرَ وثُمنٌ، ولكلِّ أخٍ أربعةٌ ونِصْفٌ وثُمنُ، مجموعُ
(1)
ما حصل للأخَوَينِ الباقِيَينِ من الأولى والثَّانية والثَّالثة سبعةَ عَشَرَ دِينارًا وثُمنُ دِينارٍ ونِصفُ ثُمُنٍ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْمَسْأَلَةِ وَالتَّرِكَةِ مُوَافَقَةٌ؛ فَوَافِقْ بَيْنَهُمَا، وَاقْسِمْ وَفْقَ التَّرِكَةِ عَلَى وَفْقِ الْمَسْأَلَةِ)، مِثالُه: زوجةٌ، وأمٌّ، وثلاثُ أخَواتٍ مُفْترِقاتٍ، المسألةُ من خمسةَ عَشَرَ، والتَّرِكةُ عِشْرُون دِينارًا، ماتَت الأمُّ، وخلَّفَتْ أبَوَينِ ومَنْ خلَّفتْ، فهي مِنْ ستَّةٍ، للأمِّ من الأولى سَهْمانِ، لا تَنقَسِمُ على السِّتَّة، وتُوافِقُها بالنِّصف، فتَضرِبُ نصفَ السِّتَّة في الأُولَى؛ تكُنْ خمسةً وأرْبَعِينَ.
وإنْ شِئْتَ نسبتَ نصيبَ كلِّ وارِثٍ، وأعْطَيتَه من التَّرِكة مثلَ تلك النِّسبة، فللمرأة تسعةٌ، وهي خُمسُ المسألة، فلها خُمسُ التَّرِكة: أربعةُ دنانِيرَ، للأخت
(2)
من الأمِّ ثمانيةٌ، وهي ثمانيةُ أتْساعِ الخُمس، فلها من التَّرِكة: ثمانيةُ أتْساعِ خُمسِها، وهي ثلاثةُ دنانِيرَ وخمسةُ أتْساعِ دينارٍ، وللأخْت من الأبَوَينِ عِشْرونَ، وهي أربعةُ أتساعِ المسألة، فلها أربعةُ أتساع التَّرِكة، وهي ثمانيةُ دنانِيرَ وثمانيةُ أتْساعِ دِينارٍ، وللأخت من الأب ستَّةٌ، وهي تُسُعُ المسألة وخُمُسُ تُسُعِها، فلها من التَّرِكة: دِينارَانِ وثُلُثانِ.
وإنْ شِئْتَ قَسَمْت العِشْرينَ على خمسةٍ وأربعينَ، وضربتَ الخارِجَ بالقَسْم في نصيبِ كلِّ وارِثٍ، فيَخرُج ما ذَكَرْنا
(3)
.
(1)
في (ق): فمجموع.
(2)
في (ق): وللأخت.
(3)
في (ق): ما ذكرناه.
وإنْ شِئْتَ ضربتَ سهامَ كلِّ وارِثٍ في التَّرِكة، وقَسَمْتَ ما بَلَغَ على المسألة، فما خرج فهو نصيبُه.
وإنْ شِئْتَ وافقتَ بَينَ التَّرِكة والمسألة، وهي هنا تُوافِقُ بالأخماس، فتردُّ المسألةَ إلى تسعةٍ، والتَّرِكةَ إلى أربعةٍ، وتَضرِبُ سهامَ كلِّ وارِثٍ في أربعةٍ، وتَقْسِمُه على تسعةٍ، يَخرُجُ ما ذَكَرْنا.
(وَإِنْ أَرَدْتَ الْقِسْمَةَ عَلَى قَرَارِيطِ الدِّينَارِ)، وهي أربعةٌ وعِشْرُونَ قِيرَاطًا في عُرْفِ بلدِنا؛ (فَاجْعَلْ عَدَدَ الْقَرَارِيطِ كَالتَّرِكَةِ الْمَعْلُومَةِ، وَاعْمَلْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا) من قَبْلُ، فإذا أردتَ قسمةَ السِّهامِ الكثيرةِ على ذلك؛ فاجْعَل التَّرِكةَ كلَّها قراريطَ، فإذا كانت التَّرِكةُ دِينارَينِ وقِيراطَينِ، فابْسُط الكلَّ قراريطَ؛ تكُنْ خَمْسِينَ، ثُمَّ اعْمَلْ على نحو ما إذا كانت التَّرِكةُ كلُّها دنانِيرَ.
فإنْ كانت السِّهامُ كثيرةً، وأردتَ أنْ تعلَمَ سهمَ القِيراط؛ فانْظُرْ ما يتركَّبُ
(1)
منه العدَدُ، فإنَّه لا بدَّ أن يتركَّبَ من ضَرْبِ عَدَدٍ في عَدَدٍ، فانْسُبْ أحدَهما إلى أربعةٍ وعِشْرِينَ إنْ كان أقلَّ منها، وخُذْ من العدد الآخَرِ مثلَ تلك النِّسبة، فما كان؛ فهو لكلِّ قِيراطٍ.
وإنْ كان أكثرَ من أربعةٍ وعِشْرينَ؛ قَسَمْتَه عَلَيها، فما خرج بالقَسم، فاضْرِبْه في العدد الآخَر، فما بَلَغَ فهو نصيبُ القِيراط؛ كستِّمائَةٍ، فإنَّها متركِّبةٌ من ضَرْبِ عِشْرِينَ في ثَلاثِينَ، فانْسُب العِشرين إلى أربعةٍ وعِشْرين، تكُنْ نصفَها وثُلثَها، فخُذْ نصفَ الثَّلاثين وثُلثها خمسةً وعِشْرينَ، فهي سَهْمُ القِيراط.
وإنْ شِئْتَ قَسَمْتَ الثَّلاثِينَ على أربعةٍ وعِشرينَ، فيَخرُج بالقَسم سَهْمٌ ورُبُعٌ، فاضْرِبْها في العِشرين
(2)
؛ تكُنْ خمسةً وعِشْرينَ، وهي
(3)
سهمُ القِيراطِ.
(1)
في (ق): ما تركب.
(2)
في (ق): الكسرين.
(3)
في (ق): وهو.
فإنْ كان في سَهْمِ القِيراط كَسْرٌ بَسَطْتَها من جنس الكسر، ونَسَبْتَها منها.
مِثالُه: زوجٌ وأبَوانِ وابْنَتانِ، ماتت الأمُّ وخلَّفت أُمًّا، وزَوجًا، وأختًا من أبَوَينِ، وأختَينِ من أبٍ، وأخْتَينِ من أمٍّ، فالأُولى من خمسةَ عَشَرَ، والثَّانيةُ من عِشْرينَ، فتَضرِبُ وَفْقَ أحدِهما في الأخرى
(1)
؛ تكن مائةً وخَمْسينَ، وسَهْمُ القِيراطِ ستَّةٌ ورُبعٌ، ابْسُطْها أرْباعًا، تكُنْ خَمْسةً وعِشْرِينَ، فهذه سهم القِيراط.
فلِلْبِنْت من الأولى أربعةٌ في عَشَرةٍ، تكُنْ أرْبَعِينَ، فلها بخمسةٍ وعِشْرينَ أربعُ قراريطَ، تَبْقَى
(2)
خمسةَ عَشَرَ، اضْرِبْها في مخرَج الكَسْر تكُنْ ستَّةً، اقْسِمْها على خمسةٍ وعِشْرينَ تكُن اثْنَيْنِ وخَمْسِينَ، فصار لها ستَّةٌ وخُمُسانِ.
وللأب من
(3)
الأولى والثَّانية ستَّةٌ وعِشْرُونَ، فله بخَمْسةٍ وعِشْرينَ أربعةٌ، وابْسُط السَّهْمَ الباقِيَ أرْباعًا؛ تكُنْ أربعةَ أخْماسِ خُمسٍ، ولزَوج الأولى ثلاثونَ، فله بخَمْسةٍ وعِشْرينَ أربعةُ قَراريطَ، وابسُطِ الخمسةَ الباقِيةَ، تكُنْ عِشْرينَ، وهي أربعةُ أخْماسِ قِيراطٍ.
ولِأُمِّ الثَّانية سَهْمانِ ابْسُطْها أرباعًا، تكُنْ خُمسَ قِيراطٍ، وثلاثةَ أخْماسِ خُمسِ قِيراطٍ.
وكذلك لكلِّ أختٍ من أمٍّ وللأختَينِ للأب مِثْلُ ذلك، وللأخت من الأبَوَينِ ستَّةٌ، ابْسُطْها أرْباعًا، تكُنْ أربعةَ أخْماسِ قِيراطٍ، وأربعةَ أخْماسِ خُمسٍ.
تنبيهٌ: اعلَمْ أنَّ أهلَ بَغْدادَ وما ضاهاها من الأمْصار جَعَلوا الدِّرْهَمَ ثمانيةً وأرْبَعِينَ حبَّةً، والدَّانِقَ ثَمانَ حَبَّاتٍ؛ لأِنَّ الدِّرْهَمَ ستَّةُ دَوانِيقَ في سائر الأمْصار، وصيَّرُوا الدِّرهمَ اثْنَيْ عَشَرَ قِيراطًا، والقِيراطَ أربعَ حَبَّاتٍ، وجَعَلُوا
(1)
في (ق): الآخر.
(2)
في (ق): يبقى.
(3)
في (ق): الأولى.
الدِّرهَمَ أربعةً وعِشْرينَ طَسُوجًا
(1)
، والطَّسوجُ حِينَئِذٍ حبَّتانِ، والدِّينارَ سِتِّينَ حَبَّةً.
ولَيسَ بَينَ النَّاس اخْتِلافٌ أنَّ عَشَرَةَ دَراهِمَ وَزْنُها سبعةُ مَثَاقِيلَ، والمِثْقالُ: دِرْهَمٌ وثلاثةُ أسْباعِ دِرْهَمٍ؛ لأِنَّك إذا قَسَمْتَ العَشَرَةَ على السَّبعة؛ خرج واحدٌ وثلاثةُ أسباعٍ، فيكونُ الدِّرهَمُ نصفَ مِثْقالٍ وخُمُسَهُ؛ لأِنَّ السَّبعةَ من العَشَرة نِصفُها وخُمسُها.
وأمَّا الدِّينارُ فهو ثَمانُ دَوانِيقَ وأربعةُ أسْباعِ دانِقٍ من دَوانِيقِ الدَّراهِم؛ لأِنَّ الدِّرْهَمَ ستَّةُ دَوانِيقَ، فإذا زِدْتَ على ستَّةٍ ثلاثةَ أسْباعِها؛ صار ثمانيةً وأربعةَ أسْباعٍ، والدِّينارُ سبعةَ عَشَرَ قِيراطًا وسُبعُ قِيراطٍ من قَراريطِ الدِّرْهم، وهو أربعةٌ وثلاثون طَسوجًا وسُبع طَسوجٍ، وهو ثَمانيةٌ وسِتُّونَ حبَّةً
(2)
، وأربعةُ أسْباعِ حبَّةٍ من حَبَّات الدِّرْهَمِ، وهو أربعة عشر قيراطًا؛ لأنَّ الدِّرهم نصفُ المثْقالِ وخُمسه، والمثقال عشرون قيراطًا، فنصفها وخُمسها أربعةَ عَشَرَ، ونصفُ الدِّرهم سبعةُ قراريطَ، وثُلث الدِّرهم أربعةُ قَراريطَ وثُلثا قِيراطٍ من قَراريطِ الدِّينار، وهو أربعةُ قَرارِيطَ وحبَّتَانِ؛ لأِنَّ القِيراطَ ثلاثُ حبَّاتٍ.
(فَإِنْ كَانَتِ التَّرِكَةُ سِهَامًا مِنْ عَقَارٍ؛ كَثُلُثٍ وُرُبُعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ)؛ فلك في عَمَلها طريقان، وهو المنبَّهُ عَلَيهِ بقَولِه:(فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَجْمَعَهَا مِنْ قَرَارِيطِ الدِّينَارِ)، وهو أربعةٌ وعِشْرونَ قِيراطًا في عُرْفِنا، (وَتَقْسِمَهَا عَلَى مَا قُلْنَا).
فعلى هذا: إذا جَمَعْتَها من قَرارِيطِ الدِّينار، كانَتْ أربعةَ عَشَرَ قِيراطًا، وجَعَلْتَها كأنَّها دَنانِيرَ، ثُمَّ قَسَمْتَ ذلك على المسألة.
فزَوجٌ وأمٌّ وأخْتٌ من أبَوَينِ، المسألةُ من ثمانيةٍ، للزَّوج ثلاثةٌ، هي رُبعُها
(1)
في (ق): طوجًا.
(2)
في (ق): وحبة.
وثُمنُها، فله رُبُعُ أربعةَ عَشَرَ قِيراطًا وثُمُنُها، وهو خمسةُ قَرارِيطَ ورُبعٌ، وللأمِّ سَهْمانِ، هي رُبُعُ التَّرِكة، فَلَهَا رُبُع القَرارِيطِ المذكورة، وهو ثلاثةٌ ونصفٌ، وللأخت مِثْلُ الزَّوج، فانْقَسَمَتْ بغَيرِ ضَرْبٍ.
(وَإِنْ شِئْتَ وَافَقْتَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ)؛ أيْ: إنْ لم يَنقَسِمْ، (وَضَرَبْتَ الْمَسْأَلَةَ أَوْ وَفْقَهَا فِي مَخْرَجِ سِهَامِ الْعَقَارِ، ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الْمَسْأَلَةِ مَضْرُوبٌ فِي السِّهَامِ الْمَوْرُوثَةِ مِنَ الْعَقَارِ أَوْ فِي وَفْقِهَا، فَمَا كَانَ؛ فَانْسُبْهُ مِنَ الْمَبْلَغِ، فَمَا خَرَجَ فَهُوَ نَصِيبُهُ).
مِثالُه: زَوجٌ، وأبَوَانِ، وابْنَتانِ، والتَّرِكةُ رُبُعُ دارٍ وخُمسُها، المسألةُ من خمسةَ عَشَرَ، تُوافِقُ السِّهامَ الموروثةَ في العَقار بالثُّلث، فإنَّها تسعةٌ، فتَرُدُّ المسألةَ إلى
(1)
خمسةٍ، ثُمَّ تَضرِبُها في مَخرَجِ سِهام العَقار، وهي عِشْرونَ، تكُنْ مائَةً، فللزَّوج من المسألة ثلاثةٌ في وَفْقِ سِهامِ العَقَار ثلاثةٌ: تسعةً من مائةٍ، وهي نصفُ عُشرِ الدَّار، وخُمسُ خُمسِها، ولكلِّ واحدٍ من الأَبَوينِ سَهْمانِ في ثلاثةٍ: ستَّةٌ، وهي ثلاثةُ أخْماسِ عُشُرِ الدَّار، ولكلِّ بنتٍ ضِعْفُ ذلك، وهو عُشرٌ، وخُمس عُشرٍ.
وإنْ شِئْتَ نَسَبْتَ سِهامَ كلِّ وارِثٍ من المسألة، فما بَلَغَ أعْطَيته منها بقدر نسبةِ السِّهام إلى سِهامِ العَقار، فللزَّوج من المسألة الخُمس؛ فله خُمسُ التَّرِكةِ، وكذلك تَفْعَلُ في البواقِي.
وإنْ لم تُوافِق السِّهامُ الموروثةُ المسألةَ؛ ضَرَبْتَ المسألةَ جميعَها في مَخرَجِ سِهامِ العَقار، فما بَلَغَ فمنه تَصِحُّ، وكلُّ مَنْ له شَيءٌ من المسألة مضروبٌ في السِّهام، فما بَلَغَ، فانْسُبْه من العدد المجتمِعِ، فما خَرَجَ بالنِّسبة
(2)
؛ فله مِثْلُ تلك النِّسبة من الدِّينارِ.
(1)
كتب في هامش (ق): (ثُلثه).
(2)
في (ق): النسبة.
حِسابُ الْمَجْهُولَاتِ:
زَوْجٌ، وأمٌّ، وأخْتانِ لأِبٍ وأمٍّ، أخَذَ الزَّوجُ بمِيراثِه: خمسةً وأرْبَعِينَ دِينارًا، كم التَّرِكةُ؟
فالطَّريقُ في ذلك: أنْ تَقْسِمَ ما أخَذَه على سهامه، فيَخرُجُ
(1)
خمسةَ عَشَرَ، فاضْرِبْها في سهام المسألة، وهي ثمانيةٌ، تكُنْ مائةً وعِشْرِينَ، وهي التَّرِكةُ.
وإنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ ما أخَذَه في سهام المسألة، تكُنْ ثلاثَمائَةٍ وسِتِّينَ، وقَسَمْتَ ذلك على سهام الزَّوج، يَخرُجُ ما ذَكَرْناهُ.
وإنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ ما أخَذَه في سِهامِ باقِي الورَثَةِ، وقَسمْتَ ذلك على سهامه، فما خَرَجَ فهو باقِي التَّرِكةِ.
وإنْ شِئْتَ قُلتَ: سهامُ مَنْ بَقِيَ مِثْلُ سِهامِه مرَّة وثَلاثِينَ، فيَجِبُ أنْ يكونَ الباقِي خمسةً وسبعِينَ.
فإنْ أخَذَ وارِثٌ بدَينه
(2)
وإرْثِه جزءًا من التَّرِكة؛ كنِصْفٍ وثُلثٍ؛ صحَّحْتَ المسألةَ، وأسْقَطْتَ منها سَهْمَه، وضَرَبْتَ ما بَقِيَ في مخرَج الجُزْء الذي أخَذَه، فما ارْتَفَعَ منها تُنزِله، ثُمَّ أسْقِطْ من المخْرَج ما أخَذَه، واضْرِبْ ما بَقِيَ مِمَّا صحَّتْ منه المسألةُ، فما بَلَغَ فإرْثٌ، وباقِي
(3)
التَّرِكةِ دَينٌ.
فائدةٌ: قال الإمامُ أحمدُ في قَولِه تَعالَى: {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} الآية [النِّسَاء: 8]: (وذلك إذا قَسَمَ القَوم المِيراثَ، فقال خطَّاب
(4)
بنُ عبدِ الله: قَسَمَ لي أبو موسى بهذه الآيةِ، وفَعَلَ ذلك غَيرُه، والآيةُ مُحْكَمةٌ)
(5)
،
(1)
في (ق): فتخرج.
(2)
في (ق): بدية.
(3)
في (ق): وما في.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: حطَّان، كما في المصادر الحديثية.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 35.
والأثر: أخرجه ابن أبي شيبة (30896)، والطبري في التفسير (6/ 440)، وابن حزم في المحلى (8/ 346)، عن يونس بن جبير، عن حطان بن عبد الله الرقاشي. وإسناده صحيح.
وقال ابنُ المسيِّبِ: (إنَّها منسوخةٌ، كانَتْ قَبْلَ الفرائض)
(1)
.
(1)
ينظر: تفسير الطبري 6/ 435.
(بَابُ ذَوِي الْأَرْحَامِ)
هذا البابُ مَعْقُودٌ لِبَيانِ ذَوِي الأرحام، وبَيانِ مِيراثِهم.
والأرْحامُ: جَمْعُ رَحِمٍ، بِوَزْنِ كَتِفٍ، وفِيهِ اللُّغاتُ الأربعُ في الفَخِذِ، وهو بَيْتُ مَنْبتِ الوَلَدِ، ووِعاؤه في البَطْنِ.
وقال الجَوهَرِيُّ: الرَّحِمُ رَحِمُ الأنْثَى، وهي مؤنَّثةٌ، والرَّحِمُ: القَرابةُ
(1)
.
وقال صاحِبُ «المطالِعِ» : هي مَعْنًى من المعاني، وهو النَّسَبُ والاِتِّصالُ
(2)
الذي يجمع والده
(3)
، فسُمِّيَ المعْنَى باسْمِ ذلك المحلِّ تقريبًا للأفهام
(4)
.
ثُمَّ يُطلَقُ الرَّحِمُ على كلِّ قرابةٍ، والمرادُ هنا: قَرابَةٌ مخصوصةٌ، بدليلِ قَولِه:(وَهُمْ كُلُّ قَرَابَةٍ لَيْسَ بِذِي فَرْضٍ، وَلَا عَصَبَةٍ)، وهم أحدُ الأقْسام المذْكُورِينَ في آخِرِ كِتابِ الفرائض.
ثُمَّ شَرَعَ في بَيانِ تَعْدادِهم، فقال:(وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ صِنْفًا: وَلَدُ الْبَنَاتِ، وَوَلَدُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ مِنَ الْأُمِّ، وَالْعَمَّاتُ، وَالْأَخْوَالُ، وَالْخَالَاتُ، وَأَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ، أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنَ الْجَدِّ، وَمَنْ أَدْلَى بِهِمْ)، فهؤلاءِ يُسَمَّونَ ذَوِي الأرحامِ، وهم وارِثُونَ حَيثُ لم تكُنْ
(5)
عَصَبَةٌ، ولا ذُو فَرْضٍ من أهلِ الرَّدِّ، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ
(6)
،
(1)
ينظر: الصحاح 5/ 1929.
(2)
في (ق): والإيصال.
(3)
الذي في المطالع: يجمعه رحمُ والدةٍ.
(4)
ينظر: مطالع الأنوار 3/ 133.
(5)
في (ق): لم يكن.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (31113)، عن زرٍّ، عن عمر:«أنه قسم المال بين عمة وخالة» ، قال ابن التركماني 6/ 217:(سند صحيح متصل). وأخرج سعيد بن منصور (154)، وابن أبي شيبة (31114)، والطحاوي في معاني الآثار (7438)، والدارقطني (4161)، والبيهقي في الكبرى (12220)، عن الشعبي، عن زياد قال:«أنا أعلم الناس بقضاء عمر بن الخطاب فيها، جعل العمة بمنزلة الأب فجعل لها الثلثين، وجعل الخالة بمنزلة الأم فجعل لها الثلث» ، وإسناده صحيح إلى زياد، وهو ابن أبي سفيان كما جاء مصرحًا به عند الدارقطني، وضعف ابنُ حبان زيادًا كما في الميزان 2/ 86، وبه ضعف الألباني هذه الطريق في الإرواء 6/ 143. وأخرجه عبد الرزاق (19113)، وسعيد بن منصور (153)، وابن أبي شيبة (31121)، عن الحسن: «أن عمر ورَّث الخالة والعمة، فورَّث العمة الثلثين، والخالة الثلث». وأخرجه سعيد بن منصور (165)، وابن أبي شيبة (31118)، والدارمي (3103)، من مرسل إبراهيم. وأخرجه الدارمي (3092)، والطحاوي في معاني الآثار (7443)، من مرسل بكر المزني. وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (7442)، من مرسل جابر بن زيد. وروي من وجوه أخرى، قال ابن التركماني 6/ 217:(هذه وجوه كثيرة عن عمر يشدُّ بعضها بعضًا)، خلافًا للبيهقي في الكبرى 6/ 355، فإنه أعلَّها بالإرسال، وبمخالفة ما روي عن عمر رضي الله عنه عند مالك (2/ 516).
وعليٍّ
(1)
، وأبي عُبَيدةَ، ومعاذٍ
(2)
، وأبِي الدَّرداءِ
(3)
، وقالَهُ شُرَيحٌ، وطاوُسٌ،
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (31116)، عن سليمان العبسي، عن رجل:«عن علي أنه كان يقول في العمة والخالة بقول عمر؛ للعمة الثلثان، وللخالة الثلث» ، وراويه مبهم. وأخرج البيهقي في الكبرى (12222)، عن المغيرة، عن أصحابه:«كان علي وعبد الله إذا لم يجدوا ذا سهم؛ أعطوا القرابة، أعطوا بنت البنت المال كله، والخال المال كله، وكذلك ابنة الأخ، وابنة الأخت للأم أو للأب والأم أو للأب، والعمة، وابنة العم، وابنة بنت الابن، والجد من قبل الأم، وما قرب أو بعد إذا كان رحمًا فله المال إذا لم يوجد غيره، فإن وجد ابنة بنت وابنة أخت؛ فالنصف والنصف، وإن كانت عمة وخالة؛ فالثلث والثلثان، وابنة الخال وابنة الخالة الثلث والثلثان» ، وهو مرسل، مغيرة هو الضبي، يروي عن النخعي والشعبي ونحوهما، وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (7444)، عن إبراهيم نحوه مرسلاً.
(2)
أثر أبي عبيدة ومعاذ رضي الله عنهما أوردهما ابن قدامة في المغني 6/ 317، ولم نقف عليهما.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة - طبعة الشثري - (33244)، عن أبي الزاهرية - قال أبو بكر: أظنه عن جبير بن نفير -، قال: كنت جالسًا عند أبي الدرداء، وكان قاضيًا، فأتاه رجل فقال: إن ابن أختي مات ولم يدع وارثًا، فكيف ترى في ماله؟ قال:«انطلق فاقبضه» ، إسناده جيد.
وعَطاءٌ، وعَلْقَمَةُ، ومَسْروقٌ، وعُمَرُ بنُ عَبدِ العزيز، وحكاهُ الخَبْرِيُّ عن أبي هُرَيرةَ
(1)
، وعائشةَ
(2)
، وسائرِ الفقهاء.
وكان زَيدٌ لا يُوَرِّثُهم
(3)
، ويَجعَلُ الباقِيَ لِبَيتِ المال، وعن أبي بكرٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وغيرِهما نحوُه
(4)
، وقالَهُ الزُّهْرِيُّ، والأوزاعيُّ، ومالِكٌ، والشَّافِعِيُّ
(5)
؛ لِمَا رَوَى عَطَاءُ بنُ يَسارٍ: «أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم رَكِبَ إلى قُباء
(1)
لم نقف عليه، وروي عنه مرفوعًا: أخرجه الدارمي (3095)، وأبو عوانة (5643)، والدارقطني (4121)، والبيهقي في الكبرى (12214)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«الخال وارث من لا وارث له» ، اختلف فيه على ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، قال البيهقي:(هذا مختلف فيه على شريك كما ترى، وليث بن أبي سليم غير محتج به)، وضعفه الدارقطني في العلل 10/ 64.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (19124)، والدارمي (3020)، والنسائي في الكبرى (6319)، وأبو عوانة (5641)، والدارقطني (4114)، والبيهقي في الكبرى (12215)، عن طاوس، عن عائشة أنها قالت:«الله ورسوله مولى من لا مولى له، والخال وارث من لا وارث له» ، قال البيهقي: (هذا هو المحفوظ من قول عائشة موقوفًا عليها
…
والرفع غير محفوظ)، وصحح الألباني المرفوع في الإرواء بشواهده 6/ 139.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (170)، عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب ومكحول وعطية بن قيس، عن زيد بن ثابت، قال:«لا يرث ابن أخت، ولا ابنة أخ، ولا بنت عم، ولا خال، ولا عمة، ولا خالة» ، فيه أبو بكر بن أبي مريم الغساني، وهو ضعيف الحديث. وأخرجه عبد الرزاق (16207)، عن قتادة:«أن زيد بن ثابت كان يورث المال دون ذوي الأرحام» ، مرسل. وأخرجه عبد الرزاق (16209)، عن الشعبي قال:«ما رد زيد بن ثابت على ذوي الأرحام شيئًا قط» ، مرسل، ورجاله ثقات، وروي عن زيد رضي الله عنه من وجوه أخرى.
(4)
لم نقف على قولهما، وقد أنكر القاضي أبو خازم الحنفي المتوفى سنة 292 هـ وروده عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، قال السرخسي في المبسوط 30/ 2 عن أثر أبي بكر رضي الله عنه:(هذا غير صحيح، فإنه حُكي أن المعتضد سأل أبا خازم القاضي عن هذه المسألة، فقال: أجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم غير زيد بن ثابت على توريث ذوي الأرحام، ولا يعتد بقوله بمقابلة إجماعهم. وقال المعتضد: أليس أنه يروى ذلك عن أبي بكر وعمر وعثمان؟ فقال: كلا، وقد كذب من روى ذلك عنهم)، قال السرخسي:(وقد صدق أبو خازم فيما قال).
(5)
ينظر: التاج والإكليل لمختصر خليل 8/ 592، روضة الطالبين 6/ 5، وهو قول الشافعية إن انتظم بيت المال.
يَسْتَخِيرُ الله تعالى في العَمَّة والخالة، فأنزل الله: أنْ لا مِيراثَ لهما» رواهُ سعيدٌ في «سُنَنِه» والدَّارِقُطْنِيُّ
(1)
، ولأِنَّ العَمَّةَ وبنتَ الأخ لا يَرِثانِ مع إخْوَتِهما، فلا يَرِثانِ مُنفَرِدَتَينِ كالأجْنَبِيَّات، ولأِنَّ انْضِمامَ الأخ إلَيهِما يُقَوِّيهما، بدليلِ: أنَّ بناتِ الاِبن والأخَوات من الأب يُعصِّبُهنَّ أخُوهُنَّ، فإذا لم يَرِثْ هاتان مع أخِيهِما؛ فَمَعَ عَدَمِه أَوْلَى، ولأِنَّ الموارِيثَ إنَّما ثَبَتَتْ بالنَّصِّ، وهو مُنْتَفٍ هنا.
وجوابُه: قَولُه تعالى: {وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} [الأنفَال: 75]؛ أيْ: أحقُّ بالتَّوارُث في حكم الله تعالى.
قال العلماءُ: كان التَّوارُثُ في ابْتِداء الإسلام بالحِلْفِ، فكان الرَّجُلُ يقول للرَّجل: دَمِي دَمُكَ، ومالِي مالُكَ، تَنصُرُنِي وأنْصُرُكَ، وتَرِثُنِي وأَرِثُك، فيَتعاقَدانِ الحِلْفَ بَينَهما على ذلك، فيَتَوارَثانِ به دُونَ القَرابة؛ لقَولِه تعالى: {وَالَّذِينَ عاَقَدَتْ
(2)
أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} [النِّسَاء: 33]، ثُمَّ نُسِخَ ذلك، وصار التَّوارُثُ بالإسلام والهِجْرة، فإذا كان له وَلَدٌ، ولم يُهاجِرْ؛ وَرِثَه المهاجِرُونَ دُونَه؛ لقَولِه تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (163)، وأبو داود في المراسيل (361)، - ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12204) - والدارقطني (4156)، عن عطاء مرسلاً، ووصله الحاكم (7998)، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وتفرد بوصله ضرار بن صرد، وقد ضعفه أكثر الأئمة، وقال البخاري والنسائي:(متروك)، وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عند الحاكم (7996)، وفي سنده: عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف، وشاهد آخر عند الحاكم (7997)، وفيه: سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك، وشاهد آخر عند الدارقطني (4159)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وضعفه الدارقطني، ورجح هو وابن الملقن المرسل. ينظر: خلاصة البدر 2/ 130، تهذيب التهذيب 4/ 456.
(2)
وهي قراءة غير الكوفيين من القراء. ينظر: شرح طيبة النشر لابن الجزري ص 215.
شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا} [الأنفَال: 72]، ثُمَّ نُسِخَ بقَوله تعالى: الآيةَ {وَأُولُو الأَرْحَامِ
…
} الآية [الأنفَال: 75].
وعن المِقْدادِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «الخالُ وارِثُ مَنْ لا وارِثَ له، يَعقِلُ عَنْه ويَرِثُه» رواه الشَّافِعِيُّ، وأحمدُ، وغَيرُهما، ورجالُه ثِقاتٌ
(1)
، ورَوَى أحمدُ، وابنُ ماجَهْ، والتِّرْمذِيُّ، وحسَّنه، نحوَ هذا من حديثِ أبِي أُمامةَ، قال التِّرْمَذِيُّ:(وإلى هذا الحديثِ ذَهَبَ أكثرُ أهلِ العِلْمِ)
(2)
، ورَوَى التِّرْمذِيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ من حديثِ عائشةَ نحوَه، ورجالُه ثِقاتٌ، وتكلَّمَ فيه بعضُهم
(3)
.
لا يُقالُ: المرادُ أنَّ مَنْ لَيسَ له إلاَّ خالٌ فلا وارِثَ له، كما يُقالُ: الجُوعُ زادُ مَنْ لا زادَ له، والماءُ طِيبُ مَنْ لا طِيبَ له، والصَّبْرُ حِيلةُ مَنْ لا حِيلةَ له، أوْ أنَّه أراد بالخال السُّلْطانَ؛ لأِنَّه قال: يَرِثُ مالَه ويَرِثُه، وأنَّ الصَّحابةَ فَهِمُوا ذلك، وأنَّه سمَّاه وارِثًا، والأصلُ
(4)
الحقيقةُ.
(1)
تقدم تخريجه 7/ 13 حاشية (5).
(2)
أخرجه أحمد (189)، والترمذي (2103)، والنسائي في الكبرى (6317)، وابن ماجه (2737)، والبزار (253)، وابن الجارود (964)، وابن حبان (6037)، وفي سنده: عبد الرحمن بن الحارث بن عياش المخزومي، وهو صدوق له أوهام، وحسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود وابن حبان، وقال البزار:(أحسن إسنادٍ فيه: حديث أبي أمامة بن سهل)، وحسنه ابن حجر والألباني. ينظر: الفتح 12/ 30، الإرواء 4/ 137.
(3)
أخرجه الترمذي (2104)، والنسائي في الكبرى (6318)، والدارقطني (4112)، والحاكم (8004)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه، ورجح رفعه ابن التركماني والألباني، وأخرج الموقوف عبد الرزاق (16202)، والنسائي في الكبرى (6319)، والدارمي (3020)، وكلا الإسنادين مداره على عمرو بن مسلم الجَنَديّ اليماني، وهو مختلف فيه، والأقرب كما قال ابن حجر أنه:(صدوق له أوهام)، وقد أخرج له مسلم، وقال الترمذي:(حديث غريب وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عن عائشة)، وأخرجه عبد الرزاق (16199)، عن معمر، عن ابن طاوس مرسلاً. ينظر: البدر المنير 7/ 199، الجوهر النقي 6/ 215، الإرواء 6/ 141.
(4)
في (ق): فالأصل.
وما ذُكِر من أنَّه يستعمل للنفي
(1)
؛ مُعارَضٌ بأنَّه يُستَعْمَلُ للإثبات، كقَولِهم
(2)
: يا عِمادَ مَنْ لا عِمادَ له، ويا سَنَدَ مَنْ لا سَنَدَ له.
ولأِنَّه ذُو قَرابَةٍ فيَرِثُ، كَذَوِي الفَرْضِ، ولأِنَّه ساوَى النَّاسَ في الإسلام، وزاد عَلَيهِم بالقَرابة، فكان أَوْلَى بمالِه منهم، ولهذا كان أحقَّ في الحياة بصَدَقَته وصِلَتِه، وبَعْدَ
(3)
الموت بوصيَّته، مع أنَّ حديثَهم مُرسَلٌ، ثُمَّ يَحتَمِلُ أنَّه لا مِيراثَ له مع ذَوِي الفَرْضِ والعَصَبات.
وقَولُه: لا يَرِثانِ مع إخْوَتِهما، لأِنَّهما أقْوَى.
وقَولُهم: إنَّه إنَّما يَثْبُتُ بالنَّصِّ، ولا نَصَّ هنا، مَردُودٌ بالنُّصوص الواردةِ فيه.
والإرثُ بالرَّدِّ مُقدَّمٌ عَلَيهِمْ، قال الخَبْرِيُّ: لم يَخْتَلِفُوا فيه إلاَّ ما رُوِيَ عن سعيدِ بن المسيِّب، وعمرَ بن عبد العزيز أنَّهما وَرَّثا الخالَ مع البِنْت، فيَحتَمِلُ أنَّه عَصبةٌ، أوْ مَولًى؛ لِئلاَّ يُخالِفَ الإجْماعَ.
(وَيَرِثُونَ بِالتَّنْزِيلِ) في قَولِ الأكثرِ.
وعَنْهُ: أنَّهم يَرِثُونَ على ترتيب العَصَبات، وهو قَولُ أبي حَنِيفةَ وأصحابِه
(4)
، فجَعَلُوا أوْلاهم
(5)
أوْلادَ البنات، ثمَّ أوْلادَ الأخَوات، ثُمَّ الأخْوالَ والخالاتِ والعَمَّاتِ، وأوْلاهُمْ مَنْ كان لأِبَوَينِ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ لأِمٍّ، واخْتَلَفوا في تفضيله، نبَّه على ذلك الخَبْرِيُّ، ثُمَّ قال: ويسمَّى مذهبُهم قَولَ أهلِ القَرابة، وأمَّا باقِي
(6)
المُوَرِّثِينَ لهم فيُسَمَّونَ المنَزِّلِينَ، وهم فيه على
(1)
قوله: (للنفي) سقط من (ظ).
(2)
في (ق): لقولهم.
(3)
في (ق): بعد.
(4)
ينظر: المبسوط 30/ 3، الاختيار لتعليل المختار 5/ 105.
(5)
في (ظ): أولادهم. والمثبت موافق لما في المغني 6/ 320، والشرح 18/ 167.
(6)
قوله: (وأما باقي) غير واضح في (ق) ولعله: وأما ما في.
مذاهِبَ، وإنَّما المعوَّل
(1)
على قَولِ الجَمِّ الغَفِيرِ من المنَزِّلِينَ، وبه يُفْتِي أكثرُ أصحابنا اليومَ لِعَدَمِ بَيْتِ المال.
(وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ شَخْصٍ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَدْلَى بِهِ)؛ لأِنَّهم نزَّلوا كلَّ فَرِيقٍ منهم مَنزِلةَ الوارِثِ الذي يُدْلِي به، وقَسَمُوا نصيبَ الوارِثِ بَينَ المُدْلِينَ به على قَدْرِ مِيراثِهم منه، فإنْ بَعُدُوا؛ نُزِّلُوا دَرَجَةً دَرَجَةً حتَّى يَصِلُوا إلى مَنْ يَمُتُّونَ به، فيَأخُذُونَ مِيراثَه، (فَتَجْعَلَ
(2)
وَلَدَ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ، كَأُمَّهَاتِهِمْ، وَبَنَاتِ الْإِخْوَةِ وَالْأَعْمَامِ وَوَلَدِ الْإِخْوَةِ مِنَ الْأُمِّ؛ كَآبَائِهِمْ، وَالْأَخْوَالَ وَالْخَالَاتِ وَأَبَا الْأُمِّ؛ كَالْأُمِّ، وَالْعَمَّاتِ وَالْعَمَّ مِنَ الْأُمِّ؛ كَالْأَبِ)، رُوِيَ عن عُمَرَ، وعَلِيٍّ، وابنِ مَسعودٍ
(3)
، وهذا هو الصَّحيحُ في تَنزِيلِ العمَّة أبًا، والخالةِ أُمًّا؛ لِمَا رَوَى
(1)
في (ظ): القول.
(2)
في (ظ): فيجعل.
(3)
تقدم المروي عن عمر وعلي رضي الله عنهما في جعل العمة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الأم 7/ 126 حاشية (6)، 7/ 127 حاشية (1).
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (31119)، عن عمر بن بشير الهمداني، عن الشعبي:«عن ابن مسعود، أنه كان يقول في الخالة والعمة: للعمة الثلثان، وللخالة الثلث» ، وأخرجه محمد بن الحسن في الحجة (4/ 241)، والدارمي (3104)، بمعناه، وهو مرسل، وعمر متكلم فيه. وأخرجه سعيد بن منصور (155)، والدارمي (3024)، والبيهقي في الكبرى (12221)، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود، أنه قال:«العمة بمنزلة الأب، والخالة بمنزلة الأم، وبنت الأخ بمنزلة الأخ، وكل ذي رحم بمنزلة رحمه التي تجره، إذا لم يكن وارث أو فريضة» ، وأخرجه عبد الرزاق (19115)، عن الشعبي بدون ذكر مسروق، ومداره على محمد بن سالم الهمداني، وهو ضعيف. وأخرجه الطحاوي في معاني الآثار (7441)، من وجه آخر عن مسروق، عن عبد الله بلفظ:«الخالة والدة» ، ولا بأس بإسناده. وأخرجه سعيد بن منصور (156)، وابن أبي شيبة (31122)، والطحاوي في معاني الآثار (7450)، من طرق عن إبراهيم مرسلاً. قال الحافظ في الفتح 12/ 30:(وأخرج - يعني أبا عبيد - بسند صحيح عن ابن مسعود: أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم، فقسم المال بينهما أثلاثًا).
الزُّهْرِيُّ، وفي «ابن المنجَّى»: عن أنسٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «العَمَّةُ بمَنزِلةِ الأبِ إذا لم يَكُنْ بَينَهما أبٌ، والخالةُ بمَنزِلةِ الأمِّ إذا لم يَكُنْ بَينَهما أُمٌّ» رواه أحمدُ
(1)
، ولأِنَّ الأبَ أقْوَى جِهاتِ العَمَّة، والأمَّ أقْوَى جِهاتِ الخالة، فتعيَّنَ تَنزِيلُهما بهما دُونَ غَيرِهما؛ كبِنْت الأخ وبنتِ العَمِّ، فإنَّهما يُنزَّلانِ مَنزِلةَ أَبَوَيهِما دُونَ أخَوَيْهما، ولأِنَّه إذا اجْتَمعَ لهما قَراباتٌ، ولم يُمكِنْ تَورِيثُهما بجميعها ورَّثْناها بالأقْوَى؛ كالمجوس عِنْدَ مَنْ لا يُوَرِّثُهم بجميع قراباتهم، وكالأخ من الأبَوَينِ، فإنَّا نُوَرِّثُه بالتَّعصيب، وهي جِهةُ أبِيهِ دُونَ قَرابةِ أُمِّه.
(وَعَنْهُ): أنَّ العَمَّةَ والعَمَّ من الأمِّ (كَالْعَمِّ)، رُوِيَ عن عليٍّ
(2)
، وقالَهُ عَلْقَمةُ ومَسروقٌ، فَعَلَى هذه: تجعلُهنَّ
(3)
كلَّهنَّ بمنزلة العمِّ من الأَبَوينِ؛ لأِنَّه أقْواهمْ.
وعنه: العَمَّة لأِبَوَينِ أوْ لأِبٍ كجَدٍّ، فَعَلَى هذه: العمَّةُ لِأُمٍّ والعمُّ لِأُمٍّ؛ كالجَدَّة أمِّهما.
وهل
(4)
عمَّة الأب لأِبَوَينِ أوْ لأِبٍ كالجَدِّ، أو كعمِّ الأب من الأبَوَينِ، أوْ كأبي الجَدِّ؟ مَبنِيٌّ على الرِّوايات؛ لأِنَّها تُدْلِي بالجَدِّ، أوْ بأخِيهِ، أوْ بأُمِّه.
وهل عمُّ الأب من الأمِّ، وعمَّة الأب لأِمٍّ كالجَدِّ، أوْ كعمِّ الأب من
(1)
لم نقف عليه في كتب أحمد المطبوعة، وذكره أبو يعلى في الروايتين (2/ 52)، عن عبد الله بن أحمد، حدثني أبي، حدثنا يزيد، أخبرنا الحجاج بن أرطاة، عن الزهري مرسلاً. وذكره ابن عبد البر فقال:(ورووا فيه حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً ليس بقوي) فذكره، وقال البيهقي:(مرسل ضعيف). ينظر: الاستذكار 5/ 360، مختصر الخلافيات لَلَّخْمي 4/ 12، الإرواء 6/ 142.
تنبيه: الرواية عن الزهري، وليست عن أنس، كذا في المغني (6/ 320)، وشرح الزركشي (4/ 495).
(2)
لم نقف عليه، وأورده في المغني 6/ 319، والزركشي في شرحه 4/ 495.
(3)
في (ظ): يجعلهن.
(4)
في (ق): وعلى.
أبَوَينِ، أو كأمِّ الجَدِّ؟ مبنيٌّ على الخِلاف، ولَيسا كأبِي الجَدِّ؛ لأِنَّه أجنبيٌّ منهما.
مسائلُ:
بنتُ بنتٍ، وبنتُ بنتِ ابنٍ، المالُ بَينَهما على أربعةٍ، فإنْ كان معهما بنتُ أخٍ؛ فالباقي لها، وتَصِحُّ من ستَّةٍ، فإنْ كان معهما خالةٌ؛ فلِبِنت البنت النِّصفُ، ولبِنت بنتِ الاِبنِ السُّدسُ تكملة الثُّلَثَينِ، وللخالة السُّدسُ، والباقي لبنت الأخ.
فإنْ كان مكانَ الخالة عمَّةٌ؛ حَجَبَتْ بنتَ الأخ، وأخَذَت الباقِيَ؛ لأِنَّ العمَّةَ كالأب، فيَسقُط
(1)
مَنْ هو بمنزلة الأخ.
ومَنْ نزَّلها عمًّا؛ جعل الباقِيَ لبنت الأخ، وأسْقَطَ بها العَمَّةَ، ومَنْ نزَّلها جَدًّا؛ قاسَمَ بها ابنةَ الأخ الثُّلثَ الباقِيَ بَينَهما نِصْفَينِ، ومَنْ نزَّلَها جدَّةً؛ جَعَلَ لها السُّدسَ، ولبِنت الأخ الباقِي.
وفي قَولِ أهلِ القرابة: لا تَرِثُ
(2)
بنتُ الأخ مع بنتِ البنت، ولا مع بنتِ بنتِ البنت
(3)
شيئًا.
(ثُمَّ تَجْعَلُ نَصِيبَ كُلِّ وَارِثٍ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ)؛ كما ذَكَرْنا.
(فَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ، وَاسْتَوَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْهُ)؛ بأنْ كانوا في درجةٍ واحدةٍ؛ (فَنَصِيبُهُ
(4)
بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ)؛ كإرْثِهم منه، (ذَكَرُهُمْ وَأُنْثَاهُمْ سَوَاءٌ)، نَقَلَه الأثرمُ، وحنبلٌ، وإبراهيمُ بنُ الحارث في الخال والخالة
(5)
يُعطَوْنَ
(1)
في (ق): فتسقط.
(2)
في (ظ): لا يرث.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 320، والشرح الكبير 18/ 168: بنت بنت الابن.
(4)
في (ظ): فنصفه.
(5)
كذا في المغني 6/ 325، والشرح الكبير 18/ 169، والذي في الروايتين والوجهين 2/ 53: في ولد الخال والخالة: يعطون بالسوية.
بالسَّوِيَّة
(1)
، وهذا قَولُ أبي عُبَيدٍ وإسحاقَ، قال في «المستوعب»: وعليه جمهورُ أصحابنا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه
(2)
في «الفروع» ؛ لأِنَّهم يَرِثونَ بالرَّحِمِ المجرَّدة، فاسْتَوَى ذَكَرُهم وأُنثاهم؛ كولد الأمِّ.
(وَعَنْهُ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)، نَقَلَهُ المرُّوذِيُّ
(3)
، وعَلَيهِ أهلُ العراق، وعامَّةُ المنَزِّلينَ كالأولاد، ولأِنَّ مِيراثَهم مُعتَبَرٌ بغَيرهم، ولا يَجوزُ حَمْلُهم على ذَوِي الفُروض؛ لاِسْتِيعابِهم المالَ به، ولا على العَصبة البعيد؛ لاِنْفِراد الذَّكَر به، فَوَجَبَ اعْتِبارُهم بالقُرْبِ من العَصَباتِ، (إِلاَّ وَلَدَ الْأُمِّ)، هذا متَّفَقٌ عليه بَينَ الجميع
(4)
؛ لأِنَّ آباءهم يسْتَوِي ذَكَرُهم وأنثاهم، وغايَتُه أنْ يَثْبُت للفرع ما للأصل، إلاَّ في قول من أماتَ السَّبَبَ، فإنَّ عِندَه: للذَّكر مِثلُ حظِّ الأنثَيَينِ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يُسَوَّى بَيْنَهُمْ، إِلاَّ الْخَالَ وَالْخَالَةَ)، هذا روايةٌ، واختارها الشِّيرازيُّ، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» ، وقال: اسْتِحْسانًا؛ يعني: أنَّ مُقْتَضَى الدَّليلِ التَّسْويةُ، خَرَجَ منه الخالُ والخالةُ على سبيل الاِسْتِحْسان، وذَكَرَ بعضُهم: أنَّه رُوِيَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «الخالُ والِدٌ
(5)
إذا لم يكُنْ دُونَه أمٌّ، والخالة أُمٌّ إذا لم يَكُنْ
(6)
دونَها أمٌّ»
(7)
.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 53.
(2)
في (ظ): قدمه.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 53.
(4)
ينظر: المغني 6/ 325.
(5)
في (ق): ولد.
(6)
في (ق): لم تكن.
(7)
سبق قريبًا بمعناه في ذكر الخالة 7/ 133 حاشية (1)، وأما لفظ:«الخال والد» ، فأخرجه ابن أبي الدنيا في مكارم الأخلاق (407)، وابن بشران في الأمالي (935)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، وفي سنده: الحكم بن عبد الله بن سعد الأيلي، قال أحمد عنه:(أحاديثه كلها موضوعة)، وقال النسائي والدارقطني وغيرهم:(متروك الحديث)، وأخرجه ابن شاهين في الجزء الخامس من الأفراد (1)، من طريق أخرى، وفيه: عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، قال ابن عدي عنه:(وعامة حديثه غير محفوظة)، قال الذهبي:(أحد الضعفاء، أتى عن مالك بمصائب)، وأخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق كما في المقاصد الحسنة للسخاوي (ص 320)، وفي سنده: سعيد بن سلام العطار، اتهمه أحمد بالكذب، وقال البخاري:(يذكر بوضع الحديث)، وضعف الحديث الألباني، وروي عن عمر رضي الله عنه موقوفًا عند عبد الرزاق (16198)، بلفظ:«إنما الخال والد» ، وفيه قصة، وفي سنده: ابن أبي المخارق وهو ضعيف. ينظر: الكامل لابن عدي 5/ 424، ميزان الاعتدال 1/ 572، 2/ 488، الضعيفة (7126).
فإنْ صحَّ فيُعكِّر
(1)
عليه تنزيلُ الخال بمنزلة الأمِّ، لكِنْ قال في «المغْنِي»:(لا أعلمُ له موافِقًا على هذا القول، ولا عَلِمْتُ وَجْهَه)، قال القاضي: لم أجِدْ هذا بِعَينه عن أحمدَ، والخِلافُ إنَّما هو في ذكرٍ وأُنْثى، أبوهُما وأمُّهما واحِدٌ، فأمَّا إذا اخْتَلَفَتْ آباؤُهم وأمَّهاتهم؛ كالأخوال والخالات المفْتَرِقِينَ، والعَمَّات المفْتَرِقات، أوْ إذا أَدْلَى كلُّ واحِدٍ منهم بغَيرِ مَنْ أدْلَى به الآخَرُ؛ كابنٍ بنتٍ، وبنتِ بنتٍ أخرى؛ فله مَوضِعٌ يُذكَرُ فيه.
مِثالُه: ابنُ أخْتٍ معه أخْتُه، أو ابنُ بنتٍ معه أخْتُه، المالُ بَينَهما نصفانِ على المذهب، وأثْلاثًا على الثَّانية.
بنتُ بنتٍ، وبنتُ بنتِ ابنٍ، هي من أرْبعةٍ عند المنَزِّلِينَ جميعِهم، وعند أهل القرابة: المالُ لبِنت البنت؛ لأِنَّها أقربُ.
فإن كان معهما بنتَا بِنْتِ ابْنٍ أخرى، فكأنَّهم
(2)
بنتَا ابْنٍ وبنتٍ، فمسألتُهم من ثمانيةٍ، وتَصِحُّ من ستَّةَ عَشَرَ.
(وَإِذَا كَانَ ابْنُ وَبِنْتُ أُخْتٍ، وَبِنْتُ أُخْتٍ أُخْرَى؛ فَلِبِنْتِ الْأُخْتِ وَحْدَهَا النِّصْفُ)؛ لأِنَّه حقُّ أُمِّها، (وِلِلْأُخْرَى وَأَخِيهَا النِّصْفُ بَيْنَهُمَا)، يَحتَمِلُ أنْ يَكونَ بَينَهما نِصفانِ، وهو قَولُ الجمهور، فَعَلَى هذا تَصِحُّ من أربعةٍ، ويَحتَمِلُ
(1)
في (ق): فيعلو.
(2)
في (ق): مكانهم.
أنْ يكونَ بَينَهما أثْلاثًا، وهو الرِّوايةُ الأخرى، فتَصِحُّ من ستَّةٍ، والأوَّلُ أظْهَرُ.
قال في «الشَّرح» : (لا اخْتِلافَ
(1)
بَينَ المنَزِّلِينَ في أنَّ لِولَدِ كلِّ أخْتٍ مِيراثَها، وهو النِّصفُ، فمَن سَوَّى جَعَلَ النِّصفَ بَينَهما نصفَينِ، والنِّصفَ الآخَرَ للأخرى، ومَنْ فضَّل جعله بَينَهما أثْلاثًا.
وقال أبو يوسفَ: للابن النِّصفُ، ولكلِّ بنتٍ الرُّبعُ، وتصحُّ من أربعةٍ.
وقال محمدٌ: لِوَلَدِ الأخت الأولى الثُّلثانِ بَينَهما على ثلاثةٍ، وللأخرى الثُّلث، وتَصِحُّ من تِسعةٍ).
(وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنَ المُدْلَى بِهِ؛ جَعَلْتَهُ
(2)
كَالْمَيِّتِ)؛ لأِنَّ جِهةَ اخْتِلاف المنازِل تَظهَرُ بذلك، (وَقَسَمْتَ نَصِيبَهُ بَيْنَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)؛ لأِنَّه يُجعَلُ كالميت، والميتُ يقْسَمُ نصيبُه على ورثته بحَسَبِ منازلهم منه.
ثُمَّ بَيَّنَ ذلك بقوله: (كَثَلَاثِ خَالَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ، وَثَلَاثِ عَمَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ؛ فَالثُّلُثُ بَيْنَ الْخَالَاتِ عَلَى خَمْسَةٍ)؛ لأِنَّهنَّ يُدْلِينَ بالأمِّ، (وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْعَمَّاتِ كَذَلِكَ)؛ لأِنَّهنَّ يُدْلِينَ بالأب على المذهب، ومنازِلُهم منه مختَلِفةٌ، فكأنَّ الميتَ خلَّف أبًا وأمًّا، فما صارَ للأمِّ بَينَ إخْوتها على خمسةٍ، وكذلك في العمَّات، فصار الكسرُ في الموضعين على خمسةٍ.
(فَاجْتَزِ بِأَحَدِهِمَا)؛ أيْ: أحدُهما يُجْزِئُ عن الآخَر، (وَاضْرِبْهَا فِي ثَلَاثَةٍ)؛ لأِنَّ فيها ثُلثًا، وكلٌّ من القبيلتَينِ
(3)
مسألتُه من ستَّةٍ، فتَرجِعُ بالرَّدِّ إلى خمسةٍ، وسهمُ كلِّ قَبِيلٍ لا ينقَسِم على مسألته، ولا يُوافِقُ، فاكْتَفِ بأحدهما لتَماثُلِه، واضْرِبْهُ، (تَكُنْ خَمْسَةَ عَشَرَ)، فللخالات سَهْمٌ في
(4)
خمسةٍ مَقْسومةٍ بَينَهُنَّ،
(1)
في (ق): لا خلاف.
(2)
في (ظ): جعله.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 382: القبيلين.
(4)
في (ق): من.
(لِلْخَالَةِ التِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ: ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَلِلتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ: سَهْمٌ، وَلِلتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ: سَهْمٌ)؛ لأِنَّ الثُّلثَ قد صار للأمِّ، فيُقْسَمُ بَينَ إخْوتِها على ما ذُكِرَ؛ لأِنَّهنَّ أخواتٌ لها مُفْتَرِقاتٌ، فيُقسَمُ نَصيبُها
(1)
بَينَهنَّ بالفَرْض والرَّدِّ.
(وَلِلْعَمَّةِ التِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ: سِتَّةُ أَسْهُمٍ، وَلِلَّتِي مِنْ قِبَلِ الْأَبِ: سَهْمَانِ، وَلِلتِي مِنْ قِبَلِ الْأُمِّ: سَهْمَانِ) وهذا قَولُ عامَّة المنَزِّلِينَ.
وعِنْدَ أهلِ القرابة: للعمَّة من الأبَوَينِ الثُّلثانِ، وللخالة من الأبَوَينِ الثُّلثُ، وسَقَطَ سائرُهم.
وقال نُعَيمٌ
(2)
وإسْحاقُ: الخالاتُ كلُّهنَّ سَواءٌ، فيكونُ نَصيبُهنَّ
(3)
بَينَهنَّ على ثلاثةٍ، وكذلك نصيبُ العَمَّات بَينَهنَّ على ثلاثةٍ، يَتَساوَوْنَ فيه، فتكون المسألةُ من تسعةٍ.
فَعَلَى ما ذَكَرَه المؤلِّفُ: إنْ كان مع الخالات خالٌ من أمٍّ، ومع العمَّات عمٌّ مِنْ أُمٍّ؛ فسَهْمُ كلِّ واحِدٍ من الفَريقَينِ بَينَهم على ستَّةٍ، وتَصِحُّ مِنْ ثَمانيةَ عَشَرَ عند المنَزِّلِينَ.
(وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ أَخْوَالٍ مُفْتَرِقِينَ؛ فَلِلْخَالِ مِنَ الْأُمِّ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي لِلْخَالِ مِنَ الْأَبَوَيْنِ)؛ كما لو خلَّف ثلاثةَ إخْوةٍ مُفْتَرِقِينَ، فإنَّه يَسقُطُ الأخُ من الأب بالأخ من الأَبَوَينِ، كسُقوطِ الخال من الأب به، فَعَلَى هذا تَصِحُّ المسألةُ من ستَّةٍ.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ)؛ أيْ: مع الأخْوال (أَبُو أُمٍّ؛ أَسَقَطَهُمْ، كَمَا يُسْقِطُ الْأَبُ الْإَخْوَةَ)؛ لأِنَّ حُكْمَ مَنْ يُدْلِي مِثْلُ حكمِ المُدْلَى به، والأبُ المُدْلَى به يُسقِطُ الإخوةَ، فكذا أبو الأمِّ المُدْلَى به يُسقِطُهم.
(1)
في (ق): نصفها.
(2)
هو نعيم بن حماد. ينظر: المغني 6/ 325.
(3)
في (ق): نصفهن.
قال في «الفنون» : خالةُ الأب كأخْتِها الجَدَّةِ أُمِّ الأب، وتَقدَّمَ: هل
(1)
العمَّةُ كأبٍ أمْ لَا؟
ولَمَّا أَسْقَطت الأمُّ أُمَّهاتِ الأب كأُمَّهاتِها؛ عُلِمَ أنَّ كلَّهنَّ يُدْلِينَ بالأمومة، والعَجَبُ من هاتَينِ المسألَتَينِ: أنَّ قَرَابَتَي الأبِ من جانِبَيْ أبيه وأُمِّه كجِهَتَينِ، وجِهةِ الأُمومةِ مع جِهةِ الأُبوَّة كجِهةٍ، ذَكَرَه في «الفروع» .
مسألةٌ: ثلاثةُ أخْوالٍ مُفْتَرِقِينَ، معهم أخوَاتُهم، وعمٌّ وعَمَّةٌ من أُمٍّ، الثُّلثُ بَينَ الأخوال والخالات على ستَّةٍ، للخال والخالة من الأمِّ الثُّلثُ بَينَهما بالسَّوِيَّة، وثُلثاهُ للخال والخالة من الأبَوَينِ بَينَهما على ثلاثةٍ عِنْدَ مَنْ فضَّلَ، وهو إحْدَى الرِّوايَتَينِ، وقَولُ أكثرِ المنَزِّلِينَ، والثَّانيةُ: بَينَهما سَواءً فيهما.
(وَإِنْ خَلَّفَ ثَلَاثَ بَنَاتِ عُمُومَةٍ مُفْتَرِقِينَ؛ فَالْمَالُ لِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ)، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
؛ لأِنَّهنَّ أُقِمْنَ مُقامَ آبائِهنَّ، فبِنْتُ العمِّ من الأبَوَينِ بمَنزِلةِ أبِيها، وبِنتُ العمِّ من الأب بمَنزِلةِ أبِيها، وبِنتُ العمِّ من الأمِّ بمَنزِلةِ أُمِّها، ولو ماتَ شَخْصٌ وخلَّف ثلاثةَ أعْمامٍ مُفْتَرِقِينَ؛ كان الميراثُ للعمِّ من الأبَوَينِ؛ لِسُقوطِ العمِّ من الأب به، والآخَرُ من ذَوِي الأرحام، وهذا قَولُ أهلِ القرابة وأكثرِ أهلِ التَّنزيل.
وقال الثَّورِيُّ: المالُ بَينَ بِنتِ العَمِّ من الأبَوَينِ وبِنتِ العَمِّ من الأمِّ على أربعةٍ.
وقال أبو عُبَيدٍ: لِبِنتِ العَمِّ من الأمِّ السُّدسُ، والباقِي لِبِنتِ العمِّ من الأبَوَينِ، كبنات الإخوة.
وردَّه في «المغْنِي» : بأنَّهنَّ بمَنزِلةِ آبائهنَّ، وفارَقَ بناتِ الإخوة؛ لأِنَّ
(1)
في (ق): على.
(2)
ينظر: المحرر 1/ 404.
آباءهنَّ يكون المالُ بَينَهم على ستَّةٍ، ويَرِثُ الأخُ من الأمِّ مع الأخ من الأبَوَينِ، بخِلافِ العُمومة.
وقِيلَ: على قِياسِ قَولِ محمَّدِ بنِ سالِمٍ: المالُ لِبِنْتِ العَمِّ من الأمِّ؛ لأِنَّها بَعْدَ دَرَجَتَينِ بمَنزِلةِ الأب، فيَسقُطُ به العَمُّ. قال الخَبْرِيُّ: ولَيسَ بشَيءٍ.
وقال أبو الخَطَّاب قَولاً
(1)
مِنْ رَأْيِه يُفْضِي إلى هذا، فإنَّه ذَكَرَ الأُبُوَّةَ جِهَةً، والعُمومةَ جِهَةً أخرى.
قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : ولو عَلِمَ إفْضاءَ
(2)
هذا القَولِ إلى هذا لم يَذهَبْ إلَيهِ؛ لِمَا فِيهِ من مُخالَفةِ الإجماع ومُقْتَضَى الدَّليلِ، وإسْقاطِ القَوِيِّ
(3)
بالضَّعيف، والقريب بالبعيد.
قال في «المغْنِي» : ولا يَختَلِف المذهبُ أنَّ الحُكْمَ في هذه المسألةِ على ما ذَكَرْنا.
وهذا إيماءٌ إلى أنَّ العُمومةَ لَيسَتْ جِهَةً مُنفَرِدةٍ، وإنَّما هي من جهة الأب.
وكذا الخِلافُ إنْ كان مَعهنَّ بِنتُ عَمِّه، ولو كان مع الجميع بنتُ أخٍ لأِبَوَينِ أوْ لأِبٍ، فالكلُّ لها على المذهب.
(وَإِنْ أَدْلَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ بِجَمَاعَةٍ؛ قَسَمْتَ المَالَ بَيْنَ المُدْلَى بِهِمْ كَأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ)؛ لأِنَّهم أصلُ مَنْ أدْلَى بهم، (فَمَا صَارَ لِكُلِّ وَارِثٍ؛ فَهُوَ لِمَنْ أَدْلَى بِهِ) إذا لم يَسبِقْ بعضُهم بَعْضًا؛ لأِنَّهم وُرَّاثُه.
فإذا خلَّف ثلاثَ بناتِ أخْتٍ لِأَبَوَينِ، وثَلاثَ بناتِ أخْتٍ لأِبٍ، وثلاثَ بناتِ أخْتٍ لأِمٍّ، وثَلاثَ بناتِ عمٍّ؛ اقْسِم المالَ بَينَ المدْلَى به، فلِبَنات الأختِ من الأبَوَينِ النِّصفُ، ولبناتِ الأختِ من الأب السُّدسُ، ولِلآخَرِينَ
(1)
قوله: (قولاً) لعله في (ق): هو لا.
(2)
في (ق): أفضى.
(3)
في (ق): القول.
كذلك، والباقِي وهو سَهْمٌ للعمِّ، ثُمَّ اقْسِمْ نصيبَ كلِّ وارِثٍ على وَرَثَتِه، فنَصيبُ الأخْت للأبَوَينِ على بَناتِها صحيحٌ عَلَيهنَّ، ونصيبُ الأختِ للأبِ على بناتِها لا يَصِحُّ ولا يُوافِقُ، وكذا نصيبُ الأختِ للأمِّ، والأعْدادُ مُتَماثِلةٌ، فاجْتَزِ بِبَعْضِها، واضْرِبْهُ في أصلِ المسألة تكُنْ ثَمانيةَ عَشَرَ؛ لبنات الأخت للأبَوَينِ تسعةٌ، لكلِّ واحِدةٍ ثلاثةٌ، ولِبَناتِ الأخت للأب ثلاثةٌ، لكلِّ واحدةٍ سَهْمٌ، ولِبَناتِ الأختِ للأمِّ كذلك، ولِبَناتِ العمِّ مِثْلُهنَّ.
(وَإِنْ أَسْقَطَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا؛ عَمِلْتَ عَلَى ذَلِكَ)؛ كأبِي الأمِّ والأخوال، فأسْقِط الأخوالَ؛ لأِنَّ الأبَ يُسقِطُ الإخوةَ والأَخَواتِ.
وثلاثُ بَناتِ إخْوةٍ مُفْتَرِقِينَ، لبنتِ الأخ للأمِّ السُّدسُ، والباقي للتي من الأَبَوَينِ؛ كآبائهنَّ.
(وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُنَّ أَقْرَبَ مِنْ بَعْضٍ؛ فَمَنْ سَبَقَ إِلَى الْوَارِثِ؛ وَرِثَ)، ولو بَعُدَ عن الميت، (وَأَسْقَطَ غَيْرَهُ) إذا كانا من جهةٍ واحدةٍ.
كبِنْتِ بنتٍ، وبِنْتِ بنتِ بنتٍ؛ المالُ للأولى؛ لأِنَّ القَريبَ يَرِثُ، ويُسْقِطُ البعيدَ.
وكخالةٍ، وأمِّ أبي أمٍّ؛ الميراثُ للخالة؛ لأِنَّها تَلْقَى الأمَّ بأوَّلِ دَرَجَةٍ.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَا مِنْ جِهَتَيْنِ؛ فَيُنَزَّلُ
(1)
الْبَعِيدُ حَتَّى يَلْحَقَ بِوَارِثِهِ)، فيأخُذ نَصيبَه، (سَوَاءٌ سَقَطَ بِهِ الْقَرِيبُ أَوْ لَا)، عند المنَزِّلِينَ في ذلك، (كَبِنْتِ بِنْتِ بِنْتٍ، وبِنْتِ أَخٍ لِأُمٍّ، الْمَالُ لِبِنْتِ بِنْتِ الْبِنْتِ)؛ لأِنَّ جَدَّتَها - وهي البنتُ - تُسقِط الأخَ من الأمِّ.
ومَنْ وَرَّثَ الأقربَ؛ جَعَلَه لِبِنْتِ الأخِ، وحَكَى هذا في «التَّرغيب» روايةً، فقال: الإرْثُ للجِهَة القُرْبَى مطلَقًا.
(1)
في (ق): فتنزل.
وفي «الرَّوضة» : ابنُ بنتٍ، وابنُ أختٍ لأِمٍّ؛ له السُّدسُ، ولاِبنِ البنت النِّصفُ، والمالُ بَينَهما على أربعةٍ.
والقَولُ الأوَّلُ ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، نَقَلَ عنه جماعةٌ في خالةٍ، وبنتِ خالةٍ، وبنتِ ابنِ عمٍّ: للخالة الثُّلثُ، ولاِبْنةِ ابنِ العمِّ الثُّلثانِ، ولا تُعْطَى بنتُ الخالة شَيئًا
(1)
.
ونَقَلَ عنه حنبلٌ أنَّه قال: قال سُفْيانُ قَولاً حَسَنًا: إذا كانتْ خالةٌ، وبِنتُ ابنِ عمٍّ؛ تُعْطَى الخالةُ الثُّلثَ، وبنتُ ابنِ العمِّ الثُّلثَينِ
(2)
.
فَرْعٌ: إذا انْفَرَدَ واحِدٌ مِنْ ذَوِي الأرحام؛ أخَذَ المالَ كلَّه.
وإنْ كانوا جماعةً، فأدْلَوْا بشَخْصٍ واحِدٍ؛ كخالةٍ، وأمِّ أبِي أُمٍّ، وابنِ خالٍ؛ فالمالُ للخالة؛ لأِنَّها تَلْقَى الأمَّ بأوَّلِ دَرَجَةٍ في قَولِ
(3)
عامَّةِ المنَزِّلِينَ، إلاَّ أنَّه حُكِيَ عن النَّخَعِيِّ وشَرِيكٍ في قرابة الأمِّ خاصَّةً، فإنَّهم أماتوا الأمَّ، وجَعَلُوا نَصيبَها لِوَرَثَتِها، ويُسَمَّى قَولُهم: قَوْلَ مَنْ أماتَ السَّبَبَ، واسْتَعْمَلَه بعضُ الفَرَضِيِّينَ في جَميعِ ذَوِي الأرحامِ.
(وَالْجِهَاتُ) التي يَرِثُ بها ذَوُو الأرحام (أَرْبَعٌ: الأُبُوَّةُ، وَالأُمُومَةُ، وَالبُنُوَّةُ، وَالأُخُوَّةُ)؛ لأِنَّ المدْلَى به لا يَخرُجُ عن ذلك.
والمجزومُ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، واختارَه المؤلِّفُ آخِرًا: أنَّها ثلاثٌ، وأنَّ الأُخوَّةَ لَيسَتْ منها، فَعَلَى هذا: يَرِثُ أسْبَقُهم إلى الوارِث، قال في «الشَّرح»: وهو أَوْلَى إنْ شاء الله تعالى، وما ذَكَرَه المؤلِّفُ هنا هو قَولٌ في المذهب.
فَعَلَى هذا: العَمُّ يُدْلِي بالأُبُوَّة، والخالُ يُدْلِي بالأُمُومةِ، وبَناتُ الاِبنِ
(1)
ينظر: المغني 6/ 321.
(2)
ينظر: المغني 6/ 321.
(3)
قوله: (في قول) هو في (ق): وقول.
بالبُنوَّة، وبَناتُ الأخت بالأُخُوَّة، لكِنْ يَلزَمُ عَلَيهِ
(1)
إسْقاطُ بنتِ عمِّه مع بُعْدِها لبَنتِ
(2)
أخٍ، ويَلزَمُ على جِهَةِ البُنُوَّة إسْقاطُها لِبِنْتِ بنتِ أخٍ.
(وَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ: الْعُمُومَةُ جِهَةٌ خَامِسَةٌ)، قال المؤلِّفُ: لم أعْلَمْ أنَّ أحَدًا من أصحابِنا ولا مِنْ غَيرِهم عَدَّ الجِهاتِ وبَيَّنها إلاَّ
(3)
أبَا الخَطَّاب، فإنَّه عدَّها خَمْسَ جِهاتٍ، (وَهُوَ مُفْضٍ إِلَى إِسْقَاطِ بِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأَبَوَيْنِ بِبِنْتِ الْعَمِّ مِنَ الْأُمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ)؛ لأِنَّ بِنْتَ العَمِّ من الأُمِّ وبِنْتَ العَمَّةِ يُدْلِيانِ بالأب، وبِنْتَ العَمِّ من الأبَوَينِ تُدْلِي بأبِيها، وهو عمٌّ، والأب يُسقِطُ العَمَّ، (وَمَا نَعْلَمُ بِهِ قَائِلاً)، وهو خِلافُ نَصِّ أحمدَ.
مع أنَّه ذَكَرَ في «المغْنِي» أنَّ قَولَه قِياسُ قَولِ محمَّدِ بنِ سالِمٍ؛ لأِنَّها بَعْدَ دَرَجَتَينِ بمَنزِلة الأب، والأبُ يُسقِطُ العمَّ.
فَعَلَى المذْهَبِ: البُنوَّةُ كلُّها جِهَةٌ واحِدةٌ.
وعَنْهُ: كلُّ وَلَدٍ للصُّلْب جِهَةٌ، قال في «المحرَّر»: وهي الصَّحيحةُ عِنْدِي.
وعَنْهُ: كلُّ وارِثٍ جِهَةٌ.
فإنْ كانت بنتُ بنتِ بنتٍ، وبِنتُ بنتِ ابنٍ؛ فالمالُ بَينَهما على أربعةٍ إنْ قُلْنا: كلُّ وَلَدٍ للصُّلْبِ جِهَةٌ.
وعلى المذهب: المالُ للثَّانية؛ لِسَبْقِها إلى الوارِثِ.
ولو كان مَعَهُما بنتُ بنتِ بِنْتٍ أخْرَى؛ فالمالُ لِوَلَدِ بِنْتَي الصُّلْب على الأُولَى.
عمَّةٌ وابنُ خالٍ: له الثُّلثُ، ولها الباقي، وإن كان مَعَهُما خالةُ أُمٍّ؛ سَقَطَ
(1)
في (ق): عليها.
(2)
في (ظ): كبنت.
(3)
قوله: (إلا) غير واضح في (ظ).
بها ابنُ الخال، وكان لها السُّدسُ، والباقي للعمَّة على المذْهَبِ. وإنْ قُلْنَا: كلُّ وارِثٍ جِهَةٌ؛ فلا شَيءَ للخالة.
وإذا كان خالةُ أمٍّ وخالةُ أبٍ؛ فالمالُ لهما بالسَّوِيَّة؛ كجَدَّتَينِ، فإن كان معهما أمُّ أبِي أُمٍّ؛ أسْقَطَتْهما عِنْدَ مَنْ جَعَلَ كلَّ وارِثٍ جِهَةً، وعلى المذهب: تسقط هي دونهما.
وإذا كان ابنُ ابنِ أخْتٍ لأِمٍّ، وبنتُ ابنِ بنتِ أخٍ لأِبٍ
(1)
؛ فله السُّدسُ، ولها الباقي، ويَلزَمُ مَنْ جَعَلَ الأُخُوَّةَ جِهَةً أنْ يَجعَلَ المالَ للبِنْت، وهو بعيدٌ جِدًّا، حَيثُ يَجعَلُ أخْتَينِ
(2)
أهل جهةٍ واحدةٍ.
بنتُ بنتِ بنتٍ، وبنتُ بنتِ بنتِ بنتٍ، وبنتُ أخٍ؛ المالُ بَينَ الأولى والثَّالثةِ، وسَقَطَت الثَّانيةُ، إلاَّ عِنْدَ محمَّد بنِ سالِمٍ ونُعَيمٍ، فإنَّها تُشارِكُهما، ومَن وَرَّثَ الأقربَ جَعَلَه لبنتِ الأخِ؛ لأِنَّها أسبقُ.
وعِنْدَ أهلِ القرابة: هو للأُولَى وحْدَها؛ لأِنَّها مِنْ وَلَدِ الميت، وهي أقربُ من الثَّانية.
(وَمَنْ أَمَتَّ) أيْ: أدْلَى (بِقَرَابَتَيْنِ) مِنْ ذَوِي الأرحام؛ (وَرِثَ بِهِمَا) بإجْماعٍ مِنْ المُوَرِّثِينَ، إلاَّ ما يُحكَى عن أبي يوسُفَ: أنَّهم لا يُورَّثونَ
(3)
إلاَّ بقرابةٍ واحدةٍ
(4)
، ولا يَصِحُّ في نفسه ولا عنه؛ لأِنَّه شَخْصٌ له جِهَتانِ لا يُرجَّح بهما، فَوَرِثَ بِهما؛ كالأخ إذا كان ابنَ عمٍّ، وحِسابُه: أنْ يَجعَلَ ذا القَرابَتَينِ كشَخْصَينِ.
وعَنْهُ: يَرِثُ بأقْواهما، فنقولُ في ابنِ بنتِ بنتٍ هو ابنُ ابنِ بنتٍ أخرى،
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المحرر 1/ 405 والإنصاف 18/ 192: بنت ابن ابن أخ لأب.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المحرر 1/ 405 والإنصاف 18/ 192: أجنبيَّتَين.
(3)
في (ق): لا يرثون.
(4)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار 5/ 108، الجوهرة النيرة 2/ 309.
وبنتِ بنتِ بنتٍ أخرى: لِلاِبنِ الثُّلثانِ، وللبنت الثُّلثُ، فإنْ كانَتْ أُمُّهما واحدةً؛ فله ثلاثةُ أرْباعِ المالِ عِنْدَ مَنْ سَوَّى، ولأُخْتِه الرُّبعُ، ومَنْ فضَّل جَعَلَ له النِّصفَ والثُّلثَ، ولِأُخْتِه السُّدسَ، هذا قَولُ أكْثَرِ المنَزِّلِينَ.
بِنْتَا أختٍ من أمٍّ، إحداهما بنتُ أخٍ من أبٍ، وبنتُ أختٍ من الأبَوَينِ، هي من اثْنَيْ عَشَرَ، ستَّةٌ لبنت الأخت من الأبَوَينِ، وأربعةٌ لذات القَرابَتَينِ من جهةِ أبِيهَا، ولها سَهْمٌ من جهةِ أُمِّها، وللأخرى سَهْمٌ.
عمَّتانِ من أبٍ، إحْداهما خالةٌ من أُمٍّ، وخالةٌ من أبَوَينِ، هي من اثْنَيْ عَشَرَ: لِذَاتِ القَرابَتَينِ خمسةٌ، وللعمَّة الأخرى أربعةٌ، وللخالة من الأبَوَينِ ثلاثةٌ، فإنْ كان معهما عمٌّ من أمٍّ، هو خالٌ من أبٍ؛ صحَّتْ من تِسْعِينَ.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ؛ أَعْطَيْتَهُ فَرْضَهُ)؛ لِلآيَتَينِ السَّابِقَتَينِ، (غَيْرَ مَحْجُوبٍ وَلَا مُعَاوَلٍ
(1)
، قال في «المغْنِي»: (لا أعلمُ فيه
(2)
خِلافًا بَينَ مَنْ وَرَّثَهم أنَّهم يَرِثونَ مع أحَدِ الزَّوجَينِ ما فَضَلَ عن مِيراثِه، من غَيرِ حَجْبٍ ولا مُعاوَلةٍ؛ لأِنَّ الله تعالى فَرَضَ للزَّوج والزَّوجة، ونَصَّ عَلَيهما، فلا يُحجَبانِ بذَوِي الأرحام، وهم غَيرُ مَنصوصٍ عَلَيهِم) انتهى، ولأِنَّ ذا الرَّحِم لا يَرِثُ مع ذِي فَرْضٍ، وإنَّما وَرِثَ معه هنا؛ لكَونِ أنَّ
(3)
أَحَدَ الزَّوجَينِ لا يُرَدُّ عَلَيهِ، (وَقَسَمْتَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمْ؛ كَمَا لَوِ انْفَرَدُوا)، قالَهُ إمامُنا
(4)
، وأبو عُبَيدٍ، وعامَّةُ مَنَّ وَرَّثَهم؛ لأِنَّ صاحِبَ الفَرْضِ أَخَذَ فَرْضَه، كأنَّ الميتَ لم يُخَلِّفْ إلاَّ ذلك.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْسَمَ الْفَاضِلُ عَنِ الزَّوْجِ بَيْنَهُمْ، كَمَا يُقْسَمُ بَيْنَ مَنْ أَدْلَوْا
(1)
قال في المطلع ص 372: (بفتح الواو، أي: منقوص بالعول).
(2)
قوله: (فيه) سقط من (ظ).
(3)
قوله: (أن) سقط من (ق).
(4)
ينظر: الشرح الكبير 18/ 200.
بِهِ)، وهو قَولُ يَحْيَى بنِ آدَمَ وضِرَارٍ وظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وذَكَرَه في «التَّعليق» و «الواضِح» ؛ لأِنَّه الأصلُ الذي وَقَعَ به إرْثُهم.
وهذا الخِلافُ إنَّما يَقَعُ في مسألةٍ فيها مَنْ يُدْلِي بِذِي فَرْضٍ ومَن يُدْلِي بعَصَبةٍ، فأمَّا إنْ أَدْلَى جميعُهم بِذِي فَرْضٍ أوْ عَصَبةٍ؛ فلا خِلافَ فِيهِ، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
(فَإِذَا خَلَّفَتْ زَوْجًا، وَبِنْتَ بِنْتٍ، وَبِنْتَ أُخْتٍ) لِأَبَوَينِ، أوْ لأِبٍ:(فَلِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ)، وهو المذْهَبُ، وتَصِحُّ من أربعةٍ.
(وَعَلَى الآْخَرِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثَةٍ: لِبِنْتِ الْبِنْتِ سَهْمَانِ، وَلِبِنْتِ الْأُخْتِ سَهْمٌ)، وتَصِحُّ من ستَّةٍ.
فلو كان زوجةٌ، وبنتُ بنتٍ، وبِنتُ أختٍ لأِبٍ؛ فللزَّوجة الرُّبُعُ، والباقِي بَينَهما نِصفَينِ على المنصوص، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ.
وعلى الثَّاني: البقيَّةُ بَينَهما على سبعةٍ، لبِنتِ البنتِ أربعةٌ، ولِلأُخْرى ثلاثةٌ، وتَصِحُّ مِنْ ثمانيةٍ وعِشْرينَ، فتَضرِبُ سبعةً في أربعةٍ.
مسألةٌ: زَوجةٌ، وابْنَتَا ابْنَتَينِ
(1)
، وابْنَتَا أخْتَينِ، للزَّوجة الرُّبُعُ، ولِبِنْتَي البِنتَينِ
(2)
ثُلثَا الباقي، وهو النِّصفُ، ولِبِنتَي الأخْتَينِ الباقِي، وهو الرُّبعُ، وتَصِحُّ من ثمانيةٍ.
وعلى الآخَرِ: تُفرَضُ المسألةُ من ثمانيةٍ، للزَّوجة الثُّمنُ، ولِلْبِنتَينِ الثُّلثانِ، ولَيسَ لها ثُلثانِ، فتَضرِبُها في ثلاثةٍ، تَكُنْ أربعةً وعِشْرينَ، للزَّوجة الثُّمنُ، وللبِنتَينِ ستَّةَ عَشَرَ، ولِبِنتَي الأختَينِ الباقي، وهو خمسةٌ، ثُمَّ تُعْطِي الزَّوجةَ
(1)
في (ق): ابنين.
(2)
في (ق): الابنين.
الرُّبعَ، ويُقسَمُ الباقي على أحدٍ وعِشْرينَ سَهْمًا، للبِنتَينِ ستَّةَ عَشَرَ، ولبِنْتَي الأخْتَينِ خمسةٌ، والأحَدُ وعِشْرونَ ثلاثةُ أرْباعٍ، تُكمِّلها بأنْ تَزِيدَ عَلَيها سبعةً، تكُنْ ثمانيةً وعِشْرينَ، للزَّوجة سبعةٌ، وللبِنْتَينِ ستَّةَ عَشَرَ، ولبِنتَي الأخْتَينِ خمسةٌ، لا تَنقَسِمُ
(1)
عَلَيها، فتَضرِبُها في اثْنَينِ، تكُنْ ستَّةً وخَمْسينَ، ومنها تَصِحُّ.
(وَلَا يَعُولُ مِنْ مَسَائِلِ ذَوِي الْأَرْحَامِ إلاَّ مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَشِبْهُهَا)، وهي أصلُ ستَّةٍ، (وَهِيَ خَالَةٌ، وَسِتُّ بَنَاتِ سِتِّ أَخَوَاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ)؛ للخالة السُّدسُ؛ لأِنَّها تُدْلِي بالأمِّ، ولِبِنْتَي الأخْتِ
(2)
من الأمِّ الثُّلثُ، ولِبَناتِ الأخْتَينِ من الأبَوَينِ الثُّلثانِ أرْبعةٌ، (تَعُولُ إِلَى سَبْعَةٍ)؛ لأِنَّ العَولَ الزَّائدَ على هذا لا يَكونُ إلاَّ لأِحَدِ الزَّوجَينِ، ولَيس ذلك في ذَوِي الأرحام.
قَولُه: (وشِبْهُها) أيْ: لَيسَ العَولُ مُختَصًّا بعَينِ هذه المسألةِ، بَلْ يَجْرِي فيها وفي كلِّ مسألةٍ فيها مَنْ يَقومُ مَقامَ الأمِّ أو الجَدَةِ، ومَنْ يَقومُ مَقامَ الأخَواتِ المفْتَرِقاتِ مِمَّنْ يأخُذُ المالَ كلَّه بالفَرْض؛ كخَالَةٍ أوْ أبِي أُمٍّ، وبنتِ أخٍ لِأُمٍّ، وثلاثِ بناتِ ثلاثِ أخَواتٍ مُفْتَرِقاتٍ
(3)
.
(1)
في (ظ): لا ينقسم.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 18/ 203 والممتع 3/ 388: الأختين.
(3)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ مِيرَاثِ الْحَمْلِ)
الْحَمْلُ بفَتْح الحاء: ما في بَطْنِ الحُبْلَى، وبِكَسْرها: ما يُحمَلُ على ظَهْرٍ أوْ رَأْسٍ، وفي حَمْلِ الشَّجَرةِ قَولانِ، حكاهما ابنُ دُرَيدٍ
(1)
، ويُقالُ: امرأةٌ حامِلٌ وحامِلةٌ؛ إذا كانَتْ حُبْلَى، فإذا حَمَلَتْ شَيئًا على ظَهْرِها أوْ رأْسِها؛ فهِيَ حامِلةٌ لا غَيرُ.
(إِذَا مَاتَ عَنْ حَمْلٍ يَرِثُهُ)؛ وُقِفَ الأمْرُ حتَّى يَتَبَيَّنَ، فإنِ امْتَنَعُوا (وَطَالَبَ بَقِيَّةُ الْوَرَثَةِ بِالْقِسْمَةِ)؛ أُجِيبُوا إلَيها، ولم يُعْطَوْا كلَّ المالِ بغَيرِ خِلافٍ
(2)
، فيُدفَعُ إلى مَنْ لا يَنقُصُه الحَمْلُ كَمالُ مِيراثِه، وإلى مَنْ يَنقُصُه أقلُّ مِيراثِه، ولا يُدفَعُ إلى مَنْ يَسقُطُ شَيءٌ.
فأمَّا مَنْ يُشارِكُه؛ فأكثرُ أهلِ العلم قالوا: يُوقَفُ للحَمْلِ شَيءٌ، ويُدفَعُ إلى شُرَكائه الباقي.
نادِرةٌ: حَكَى الماوَرْدِيُّ قال: أخْبَرَنِي رجلٌ من أهل اليَمَن وَرَدَ طالِبًا للعلم، وكان من أهل الدِّين والفَضْل
(3)
: أنَّ امرأةً باليَمَن وضَعَتْ شَيئًا كالكَرْشِ، فَظُنَّ أنْ لا وَلَدَ فيه، فأُلْقِيَ على قارِعةِ الطَّريقِ، فلمَّا طَلَعَتِ الشَّمسُ وحَمِيَ؛ تحرَّك، فأُخِذَ فشُقَّ، فخَرجَ منه سبعةُ أوْلادٍ ذُكورٍ، وعاشُوا جميعًا، وكانوا خَلْقًا سَوِيًّا، إلاَّ أنَّه كان في أعْضادِهم قِصَرٌ.
قال: وصارَعَنِي أحدُهم فَصَرَعَنِي، فكُنْتُ أُعَيَّرُ به، ويُقال: صَرَعَكَ سُبُعُ رَجُلٍ
(4)
.
(1)
ينظر: الصحاح 4/ 1677، المطلع ص 275.
(2)
ينظر: المغني 6/ 382.
(3)
قوله: (والفضل) سقط من (ق).
(4)
ينظر: الحاوي 8/ 171.
قال المؤلِّفُ: وأخْبَرَني مَنْ أثِقُ به سنةَ ثمانٍ أوْ تِسْعٍ وسِتِّمائةٍ عن رجُلٍ ضَريرٍ
(1)
بِدِمَشْقَ أنَّه قال: وَلَدَت امْرأتِي سبعةً في بَطْنٍ واحِدٍ، ذُكورًا وإناثًا
(2)
.
وأُجِيبَ: بأنَّ هذا نادِرٌ، فلا يُعوَّلُ عَلَيهِ، ولا يَجوزُ مَنْعُ المِيراث مِنْ أجْلِه؛ كما لو لم يَكُنْ بالمرأة حَمْلٌ.
(وَقَفْتَ نَصِيبَ ذَكَرَيْنِ)؛ لأِنَّ وِلادةَ التَّوأَمَينِ كثيرٌ مُعْتادٌ، فلم يَجُز النُّقصانُ عنه؛ لأِنَّه مُعْتادٌ، ولا الزِّيادةُ عَلَيهِ؛ لأِنَّه نادِرٌ، (إِنْ كَانَ نَصِيبُهُمَا أَكْثَرَ)؛ كرجلٍ مات عن امرأةٍ وابنٍ وحَمْلٍ، فمسألتُه من ثمانيةٍ، وتَصِحُّ من أربعةٍ وعِشْرِينَ، للذَّكَرَينِ أربعةَ عَشَرَ، وهو أكثرُ من نصِيبِ ابْنَتَينِ.
(وَإِلاَّ وَقَفْتَ نَصِيبَ ابْنَتَيْنِ)؛ أيْ: إنْ كان نصيبُهما أكْثَرَ؛ كرجلٍ مات عن امرأةٍ وأبَوَينِ وحَمْلٍ، فمسألتُه من أربعةٍ وعِشْرينَ، وتَصِحُّ من سبعةٍ وعِشْرِينَ، لِلاِبْنَتَينِ منها ستَّةَ عَشَرَ، وهو أكثرُ من نصيبِ ذَكَرَينِ.
وضابِطُه: أنَّ الفُروضَ متى زادت على ثُلُثِ المال؛ فمِيراثُ الإناث أكثرُ، وهذا هو المرْوِيُّ عن أحمدَ، وقالَهُ محمَّدُ بنُ الحَسَنِ واللُّؤْلُؤِيُّ.
وقال شَرِيكٌ وَوَافَقَه جماعةٌ: إنَّه يُوقَفُ نَصيبُ أربعةٍ.
وقال اللَّيثُ وأبو يوسُفَ: ويُوقَفُ
(3)
نصيبُ غُلامٍ، ويُؤخَذُ ضَمِينٌ من الوَرَثة
(4)
.
وعلى المذْهَب: يُشْتَرَطُ لِوَقْفِ النَّصيب المذْكورِ: كَوْنُه وارِثًا، وأنْ يَطلُبَ بَقِيَّةُ الوَرَثةِ القِسْمةَ، وقد ذَكَرَه المؤلِّفُ، فإنْ لم يَطْلُبوها؛ بَقِيَ الأمرُ على حاله إلى الوضع، وهذا ظاهِرٌ.
(1)
قوله: (ضرير) سقط من (ق).
(2)
ينظر: المغني 6/ 383.
(3)
في (ق): يوقف.
(4)
ينظر: المبسوط 30/ 52، المغني 6/ 383.
(وَدَفَعْتَ إِلَى مَنْ لَا يَحْجُبُهُ الْحَمْلُ أَقَلَّ مِيراثِهِ)؛ لأِنَّه اليَقِينُ، وما زاد مَشْكوكٌ فيه، كرجلٍ مات عن امرأةٍ وحَمْلٍ، فبِتَقدِير خُروجه حيًّا: لها الثُّمنُ، وبِتَقْديرِ خُروجِه ميِّتًا: لها الرُّبعُ، فيُدفَعُ إلَيها الثُّمنُ؛ لأِنَّه أَقَلُّ.
(وَلَا يَدْفَعْ
(1)
إِلَى مَنْ يُسْقِطُهُ شَيئًا)؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ خُروجُ الحَمْلِ حيًّا، وهو يُسقِطُ الموْجُودَ، فلم يُدفَعْ إليه مع الشَّكِّ في اسْتِحْقاقه؛ كرجلٍ خلَّفَ امرأةً وحَمْلاً وثلاثَ أخَواتٍ مُفْتَرِقاتٍ، فالوَلَدُ الذَّكَرُ يُسقِطُ الأخَواتِ من كلِّ جانِبٍ، وهو يَحتَمِلُ أنْ يكونَ ذَكَرًا.
(فَإِذَا وُضِعَ الْحَمْلُ؛ دَفَعْتَ إِلَيْهِ نَصِيبَهُ)؛ لأِنَّه حقُّه، (وَرَدَدْتَ الْبَاقِيَ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ)؛ لأِنَّ ذلك حقُّهم، لكِنْ إنْ كان يَرِثُ الموْقوفَ كلَّه - كما في المسألتَينِ - أخَذَه كلَّه، وإنْ أعْوَزَ شَيئًا؛ رَجَعَ على مَنْ في يده.
وهل يَجْرِي في حَول الزَّكاة، كما قالَهُ ابنُ حَمْدانَ مِنْ مَوتِه؛ لِحُكْمِنا له بالملْك ظاهِرًا حتَّى مَنَعْنَا باقِيَ الوَرَثة، أوْ إذَنْ، كما هو ظاهِرُ كلامِ الأكثرِ، وجَزَمَ به المجْدُ في زكاة مالِ الصَّبِيِّ؟ فيه
(2)
وَجْهانِ، ذَكَرَهما أبو المعالي.
قال: ولو وصَّى لحَمْلٍ ومات، فَوَضَعَتْ لِدُونِ ستَّةِ أشْهُرٍ وقَبِلَ وليُّه؛ مَلَكَ المالَ، وهل يَنعَقِدُ حَولُه من الموت أو القَبولِ؟ فِيهِ خِلافٌ في حُصول الملْكِ.
وإنْ لم تَكُنْ تُوطَأُ، فَوَضَعَتْ لِمُضِيِّ أربعِ سِنِينَ، وقُلْنَا: تَصِحُّ الوصيَّةُ له؛ ففي وُجوبِ زكاةِ ما مَضَى من المدَّة قَبلَ الوَضْع؛ وَجْهانِ.
تنبيهٌ: اعْلَمْ أنَّه ربَّما يكونُ الحَمْلُ لا يَرِثُ إلاَّ إذا كان ذَكَرًا، مِثْلَ أنْ يكونَ مِنْ جَدِّ الميت، أو عمِّه، أوْ أخِيهِ؛ كبنتٍ وعمٍّ وامرأةِ أخٍ حامِلٍ، للبِنتِ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي متن المقنع ص 277:(تدفع).
(2)
قوله: (الصبي فيه) هو في (ق): الصيرفية.
النِّصفُ، والباقي مَوقُوفٌ في قَولِهم جميعًا.
وربَّما كان الحَمْلُ لا يَرِثُ، إلاَّ إذا كان أنْثَى؛ كزَوجٍ وأختٍ لأِبَوَينِ وامرأةِ أبٍ حامِلٍ، يُوقَفُ سَهْمُه من سبعةٍ، فإنْ وَلَدَتْه أنْثَى أَخَذَتْه، وإنْ وَلَدَتْه ذَكَرًا، أو ذَكَرَينِ، أوْ ذَكَرًا وأُنْثَى؛ اقْتَسَمَه الزَّوجُ والأختُ، وكذلك إنْ تَرَكَتْ أخْتًا لأِبٍ؛ لم يُدفَعْ إلَيها شَيءٌ لِجَوازِ أنْ تَلِدَ ذَكَرًا فيُسقِطُها.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا اسْتَهَلَّ المَوْلُودُ صَارِخًا)، سُمِّيَ الصُّراخُ: استِهْلالاً تَجَوُّزًا، وأصْلُه: أنَّ النَّاس إذا رأوا الِهلالَ صاحُوا عِنْدَ رُؤْيَتِه واجْتَمَعُوا، فأراهُ بعضُهم بَعْضًا، فسُمِّيَ الصَّوتُ عِنْدَ اسْتِهْلالِ الهلالِ: اسْتِهْلالاً، ثُمَّ سُمِّيَ الصَّوتُ من المولود: اسْتِهْلالاً؛ لأِنَّه صَوتٌ عِنْدَ وُجودِ شَيءٍ يُجتَمَعُ له، ويُفْرَحُ به.
وفسَّر الجَوهَريُّ الاِسْتِهْلالَ بالصُّراخ
(1)
، وكذا المؤلِّفُ؛ لِيُنبِّهَ بذلك على حياته، وفِيهِ شَيءٌ؛ لأِنَّه إنْ جُعِلَ حالاً؛ كان فِيهِ إشْعارٌ بانْفِكاكِ الاِسْتِهْلال عَنْه، وكذا إنْ جُعِلَ تمييزًا؛ لأِنَّه لا يَأْتِي إلاَّ بَعْدَ ما يَحتَمِلُ الأمْرَينِ، والتَّفسيرُ يَأْباهُ، والأظْهَرُ: أنَّه حالٌ يؤكِّده؛ كقوله تعالى: {وَلَا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} [هُود: 85].
(وَرِثَ، وَوُرِثَ)، نَقَلَه أبو طالِبٍ
(2)
، وفي «الرَّوضة»: هو الصَّحيحُ عِندَنَا، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(3)
، والحَسَنِ، وابنِ سِيرِينَ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا قال:«إذا اسْتَهَلَّ المولودُ وَرِثَ» رواهُ أبو داودَ، وعن جابِرٍ نحوُه، رواهُ ابنُ ماجَهْ
(4)
، فدلَّ أنَّه لا يَرِثُ بغَيرِ الاِسْتِهْلال، وفي لَفْظٍ ذَكَرَه ابنُ سُراقَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الصَّبِيِّ إذا وَقَعَ صارِخًا فاسْتَهَلَّ: «وَرِثَ، وَتَمَّتْ دِيَتُه،
(1)
ينظر: الصحاح 5/ 1852.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4224، مسائل صالح 3/ 238، زاد المسافر 4/ 119، الفروع 8/ 41.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (31489)، والدارمي (3169)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«إذا استهل الصبي ورث وورث وصُلِّي عليه» ، وأخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 20)، مرفوعًا، ومدارهما على شريك القاضي وهو ضعيف، ومرة رفعه ومرة وقفه، ثم إنه رواه عن أبي إسحاق السبيعي، وقد اختلط وسماع شريك منه متأخر.
(4)
سبق تخريج حديث أبي هريرة وحديث جابر رضي الله عنهما في الجنائز 3/ 121 حاشية (4).
وسُمِّيَ، وصُلِّيَ عَلَيهِ، وإنْ وَقَعَ حَيًّا ولم يَسْتَهِلَّ؛ لم تَتِمَّ دِيَتُه، وفِيهِ غُرَّةٌ على العاقِلَة»
(1)
.
(وَفِي مَعْنَاهُ: الْعُطَاسُ، وَالتَّنَفُّسُ، وَالاِرْتِضَاعُ)، وكذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وزاد: البُكاءَ، رَوَى يُوسفُ بن موسى عن أحمدَ أنَّه قال: يَرِثُ السِّقْطُ ويُورَثُ إذا اسْتَهَلَّ، فَقِيلَ له: مَا الاِسْتِهْلالُ؟ قال: إذا صاحَ أوْ عَطَسَ أوْ بَكَى
(2)
.
فَعَلَى هذا: كلُّ صوتٍ يُوجَدُ منه يُعلَمُ
(3)
به حياتُه؛ فهو اسْتِهْلالٌ، وقالَهُ الزُّهْرِيُّ والقاسِمُ؛ لأِنَّه صَوتٌ عُلِمَت به حياتُه، أشْبَهَ الصُّراخَ.
وعَنْهُ: إذا عُلِمَتْ حياتُه بصَوتٍ أوْ حركةٍ أوْ رضاعٍ أوْ غَيرِه؛ وَرِثَ، وَثَبَتَ له أحكامُ المُسْتَهِلِّ، وقالَهُ الثَّورِيُّ وغَيرُه، ولأِنَّ ما ذُكِرَ في مَعْنَى الاِسْتِهْلالِ، فَثَبَتَ له حُكْمُه.
(وَمَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ)؛ كالبُكاء والحَركة الطَّويلة.
ولو قال: (وإذا اسْتَهَلَّ الموْلودُ) ك «الكافي» لكان أَوْلَى، لكِنْ خصَّه طائفةٌ بأنَّه لا يَرِثُ إلاَّ إذا اسْتَهلَّ صارِخًا، وذلك يُقَيَّدُ
(4)
بأمْرَينِ:
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (12486)، من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«من السنة أن لا يرث المنفوس ولا يورث، حتى يستهل صارخًا» ، وفي سنده موسى بن داود الضبي وهو صدوق له أوهام، وأشار أبو داود إلى إرساله فقال:(ورواه يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال)، وذكره، وهو مرسل، ووصله أبو طاهر السلفي في الطيوريات (2/ 299)، لكن سنده ضعيف، قال ابن الملقن:(وإسناده ضعيف؛ لأن فيه عبد الله بن شبيب وهو واهٍ)، وكذا قال ابن حجر والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 343، التلخيص الحبير 4/ 364، الإرواء 6/ 147.
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 119.
(3)
في (ق): تعلم.
(4)
في (ق): يستند.
أحدُهما: أنْ يُعلَمَ أنَّه كان مَوجُودًا حالَ الموت، وهو أنْ تَأْتِيَ
(1)
به لأِقلَّ من ستَّةِ أشْهُرٍ، فإنْ أتَتْ به لِأكْثَرَ، وكان لها زَوجٌ أوْ سيِّدٌ يَطَؤُها؛ لم يَرِثْ، إلاَّ أنْ يُقِرَّ الوَرَثَةُ به.
الثَّاني: أنْ تَضَعَه حيًّا، فإنْ وَضَعَتْهُ مَيِّتًا؛ لم يَرِثْ إجْماعًا
(2)
.
(وَأَمَّا الْحَرَكَةُ) اليَسيرةُ، (وَالاِخْتِلَاجُ؛ فَلَا يَدُلُّ
(3)
عَلَى الْحَيَاةِ)، فإنَّ اللَّحْمَ يَخْتَلِجُ، لا سيَّما إذا خَرَجَ من مكانٍ ضَيِّقٍ فتَضامَّتْ أجزاؤُه، ثُمَّ خَرَجَ إلى مكانٍ فَسِيحٍ؛ فإنَّه يَتَحرَّكُ وإنْ لم تَكُنْ
(4)
فيه حياةٌ، ثُمَّ إنْ كانَتْ فيه حياةٌ؛ فلا يُعلَمُ كَونُها مُسْتَقِرَّةً؛ لاِحْتِمالِ أنْ تكونَ كحَرَكَةِ المذْبوح، فإنَّ غالِبَ الحَيَواناتِ يَتَحَرَّكُ بَعْدَ الذَّبح حركةً شديدةً، وهو في حُكْمِ الميت، قالَهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
ونَقَلَ ابنُ الحَكَمِ: إذا تحرَّك؛ ففيه الدِّيَةُ كاملةً، ولا يَرِثُ ولا يُورَثُ حتَّى يَسْتَهِلَّ
(5)
.
(وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فَاسْتَهَلَّ، ثُمَّ انْفَصَلَ مَيِّتًا؛ لَمْ يَرِثْ) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّه لَمْ يَثْبُتْ له أحْكامُ الدُّنيا وهو حيٌّ، أشْبَهَ ما لو مات في بَطْنِ أُمِّه.
(وَعَنْهُ: يَرِثُ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، ولأنَّه عُلِمت حياتُه.
(وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَاسْتَهَلَّ أَحَدُهُمَا وَأَشْكَلَ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا؛ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ؛ فَهُوَ المُسْتَهِلُّ)، قالَهُ القاضِي، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّه لا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهما، فتَعَيَّنَت القُرْعَةُ؛ كطلاقِ إحْدَى نسائِهِ، والسَّفَرِ بها، والبَداءة بالقَسْم لها.
(1)
في (ظ): يأتي.
(2)
ينظر: المغني 6/ 384.
(3)
في (ق): فلا تدل.
(4)
في (ق): لم يكن.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 120.
وفي الخَبْرِيِّ: لَيسَ في هذا عن السَّلَف نَصٌّ.
وقال الفَرَضِيُّونَ: تُعمَلُ المسألةُ على الحالَينِ، ويُعْطَى كلُّ وارِثٍ اليَقِينَ، ويُوقَفُ البَاقِي حتَّى يَصْطَلِحُوا عَلَيهِ.
وقِيلَ: يُقْسَمُ بَينَهم على حَسَبِ الاِحْتِمال.
وعلى الأوَّل: مَحَلُّه ما إذا اخْتَلَف مِيراثُهما؛ بأنْ كانَا ذَكَرًا وأنْثَى، فإنْ كانا ذَكَرَينِ أوْ عَكْسَه؛ فَلَا فَرْقَ.
تمامٌ: رَجُلٌ خلَّف أمَّه، وأخاهُ، وأمَّ وَلَدٍ حامِلاً منه، فَوَلَدَتْ تَوأَمَينِ ذَكَرًا وأُنْثَى، فاستهلَّ أحدُهما، ولم يُعْلَمْ، فالجَواب: إنْ كان الاِبْنُ المسْتَهِلُّ؛ فَلِلأْمِّ السُّدُسُ، والباقِي له، تَرِثُ أُمُّه الثُّلثَ، والباقي للعمِّ.
فعلى هذا: تَضرِبُ ثلاثةً في ستَّةٍ تكُنْ ثمانيةَ عَشَرَ، لأِمِّ الميت ثلاثةٌ، ولأِمِّ الوَلَدِ خمسةٌ، وللعمِّ عَشَرةٌ.
وإنْ كانت البنتُ؛ فهي من ستَّةٍ، وتموتُ عن ثلاثةٍ؛ لأُمِّها سَهْمٌ، ولِعَمِّها سَهْمانِ، والسِّتَّةُ تَدخُلُ في الثَّمانِيةَ عَشَرَ، فَمَنْ له شَيءٌ من ثمانيةَ عَشَرَ مَضْروبٌ في ثلاثةٍ
(1)
؛ فَسُدسُ الأمِّ لا يَتَغيَّر، وللعمِّ من السِّتَّة أربعةٌ في ثلاثةٍ: اثْنا عَشَرَ، وله من الثَّمانية عَشَرَ: عَشَرَةٌ في واحِدٍ، فهذا اليَقِينُ فيأخُذُه، ولِأُمِّ الوَلَد خَمسةٌ في سَهْمٍ، وسَهْمٌ في ثلاثةٍ، فتَأخُذُها، وتَقِفُ سَهْمَيْنِ بَينَ الأخ وأمِّ الوَلَدِ حتَّى يَصْطَلِحا عَلَيهِما.
فَرْعٌ: إذا مات كافِرٌ عن حَمْلٍ منه؛ لم يَرِثْه، نَصَّ عَلَيه
(2)
؛ لحُكمِه بإسْلامِه
(1)
قوله: (فَمَنْ له شَيءٌ من ثمانيةَ عَشَرَ مَضْروبٌ في ثلاثةٍ)، هي في المغني 6/ 386 والشرح الكبير 18/ 216:(فمن له شيء من ثمانية عشر مضروب في واحد، ومن له شيء من ستة مضروب في ثلاثة)، وأشار في هامش (ظ) إلى ذلك وقال:(لعل ذلك سبقةُ قلم من المؤلف).
(2)
ينظر: أهل الملل ص 331.
قَبلَ وَضْعه.
وقِيلَ: يَرِثُه، وهو أظْهَرُ؛ لِعَدَم تقدُّم الإسلام، واخْتِلافُ الدِّين لَيس من جِهَته؛ كالطَّلاق في المرض، ولأِنَّه يَرِثُ إجْماعًا، فلا يَسقُطُ بمُخْتَلَفٍ فيه، وهو الإسلامُ.
وكذا إنْ كان من كافِرٍ غَيرِه، فأسْلَمَتْ أُمُّه قَبْلَ وَضْعِه، مِثْلَ أنْ يُخلِّفَ أُمَّه حامِلاً من غَيرِ أبيه.
وفي «الرِّعاية» احْتِمالٌ: بأنَّه يَرِثُ حَيثُ ثَبَتَ النَّسَبُ.
فائدةٌ: إذا زوَّجَ أَمَتَه بحُرٍّ فأحْبَلَهَا، فقال السَّيِّدُ: إنْ كان حَمْلُكِ ذَكَرًا فأنتِ وهو قِنَّانِ، وإلاَّ حُرَّانِ
(1)
، فهي القائلةُ: إنْ أَلِدْ ذَكَرًا لم أَرِثْ ولم يَرِثْ وإلاَّ وَرِثْنا.
ومن خلَّفتْ زَوجًا وأُمًّا وإخوةً لأِمٍّ وامرأةَ أبٍ حامِلاً؛ فهي القائلةُ: إنْ أَلِدْ أنْثَى وَرِثْتُ لا ذَكَرًا.
(1)
قوله: (وإلا حران) هو في (ق): والآخران.
(بَابُ مِيرَاثِ الْمَفْقُودِ)
هو اسمُ مَفْعولٍ من: فَقَدتُ الشَّيءَ أفْقِدُه فَقْدًا وفقْدانًا، بكَسْر الفاء وضمِّها.
(وَإِذَا انْقَطَعَ خَبَرُهُ)؛ أيْ: لم يُعلَمْ، (لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ؛ كَالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا
(1)
؛ كالسِّياحة وطَلَبِ العِلْم والأَسْر؛ (انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ)؛ أيْ: تَتِمَّةُ (تِسْعِينَ سَنَةً مِنْ يَوْمِ وُلِدَ)، هذا أشْهَرُ الرِّوايَتَينِ، قاله في «المستوعب» ، وهو قَولُ عبدِ الملِكِ بنِ الماجشُون؛ لأِنَّ الأصلَ الحياةُ، والغالِبُ أنه لا يَعِيشُ أكثرَ منها.
(وَعَنْهُ: يُنْتَظَرُ أَبَدًا)، فلا يُقسَمُ مالُه، ولا تَتَزَوَّجُ امْرأتُه حتَّى يُعلَمَ مَوتُه، أوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ لا يَعِيشُ في مِثْلها، فيَجْتَهِدُ الحاكِمُ، وقالَهُ أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ التَّقديرَ لا يُصارُ إلَيهِ إلاَّ بِنَصٍّ، وهو مُنْتَفٍ هنا، وكغَيبة ابنِ تِسْعِينَ سَنَةً، ذَكَرَه في «الترغيب» .
وعَنْهُ: يُنتظَرُ أبدًا حتَّى يُتيَقَّنَ مَوتُه.
وعَنْهُ: زَمَنًا لا يَعِيشُ مِثْلُه غالِبًا، اختاره أبو بكرٍ وغَيره.
وقال عبدُ الله بن الحَكَم
(2)
: يُنتَظَرُ به تمامَ سَبْعِينَ
(3)
سنةً مع سَنَةِ يَومِ
(4)
فُقِدَ؛ لِأَثَرٍ
(5)
.
(1)
قوله: (كالتجارة ونحوها) سقط من (ق).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 6/ 390:(عبد الله بن عبد الحكم).
وهو: عبد الله بن عبد الحكم بن أعين أبو محمد المالكي، مفتي الديار المصرية، صاحب مالك، توفي سنة 214 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 10/ 220.
(3)
في (ق): تسعين.
(4)
لعلها في (ق): قوم.
(5)
أخرجه الترمذي (3550)، وابن ماجه (4236)، وابن حبان (2980)، والحاكم (3598)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أعمار أمتي ما بين الستين، إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك» ، قال الترمذي:(حسن غريب)، وصححه ابن حبان والحاكم، وحسنه ابن حجر، وقال الألباني:(صحيح لغيره). ينظر: الفتح 11/ 240، الصحيحة (757).
وقال ابن رَزِينٍ: يَحتَمِلُ عِنْدِي أربعَ سِنينَ؛ لِقَضاءِ عمرَ
(1)
. وفِيهِ شَيءٌ؛ لأِنَّه إنَّما هو في مَهْلَكَةٍ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: مائةً وعِشْرينَ سنةً مُنذُ وُلِدَ، وهو قَولُ الحسَن بنِ زِيادٍ، فلو فُقِدَ وهو ابنُ سِتِّينَ؛ لم يُقْسَمْ مالُه حتَّى تَمْضِيَ
(2)
عَلَيهِ سِتُّونَ سَنَةً أخْرَى، فيُقْسَمُ حِينَئِذٍ بَينَ وَرَثَتِه إنْ كانُوا أحْياءً، وإنْ ماتَ بعضُهم قَبْلَ مُضِيِّ مائةٍ وعِشْرينَ، وخلَّف ورثةً؛ لَم يكُنْ له شَيءٌ من مالِ المفقود، وكان مالُه للأحْياء منهم.
فإنْ مَضَت المدَّةُ، ولم يُعلَمْ خَبَرُ المفقود؛ رُدَّ الموقُوفُ إلى ورثة مَورُوث المفقود، ولم يكُنْ لورثةِ المفقود، وحَكَى الخَبْريُّ: أنَّه الصَّحيحُ عِندَه، والذي ذَكَرْناهُ حكاهُ ابنُ اللَّبَّانِ عن اللؤلؤي.
(وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكَ؛ كَالذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ)؛ كَمَنْ يَخرُج إلى الصَّلاة، أو في حاجةٍ قريبةٍ فلا يَعودُ، (أَوْ فِي مَفَازَةٍ)، هي واحدةُ المفاوِزِ، قال ابنُ الأعرابِيِّ: سُمِّيتْ به تَفاؤُلاً بالسَّلامة
(3)
، ويَجوزُ أنْ يكونَ سُمِّيتْ
(1)
أخرجه مالك (2/ 575)، وعنه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 250)، وسحنون في المدونة (2/ 31)، والبيهقي في الكبرى (15566)، عن ابن المسيب: أن عمر بن الخطاب قال: «أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؛ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ثم تحل» . وصححه ابن حزم وابن حجر. وروي من وجوه أخرى: أخرجها عبد الرزاق (12320)، وسعيد بن منصور (1751)، وابن أبي شيبة (16720)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 346)، والدارقطني (3848)، وغيرهم. ينظر: المحلى 9/ 318، الفتح 9/ 431.
(2)
في (ق): يمضي.
(3)
ينظر: الصحاح 3/ 890.
مَفازَةً مِنْ فازَ يَفُوزُ؛ إذا مات، حكاها ابنُ القَّطَّاعِ
(1)
، فيكونُ
(2)
من الأضْداد، (مَهْلَكَةٍ)، بفَتْح الميم واللاَّم، ويَجوزُ كَسْرُها، حكاهما أبو السَّعادات
(3)
، ويَجوزُ ضَمُّ الميم مع كَسْر اللاَّم، اسمُ فاعِلٍ من أهْلَكَتْ فهِي مُهلِكةٌ، وهي أرضٌ يَكثُرُ فيها الهَلاكُ؛ (كَالْحِجَازِ، أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ الْحَرْبِ، أَوْ فِي الْبَحْرِ إِذَا غَرِقَتْ سَفِينَتُهُ) فسَلِمَ قَومٌ دُونَ آخَرِينَ؛ (انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ أَرْبَعِ سِنِينَ)؛ لأِنَّها أكثرُ مدَّةِ الحَمْل، (ثُمَّ يُقْسَمُ مَالُهُ) على المذْهب، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، واختاره الأكثرُ؛ لأِنَّ الصَّحابةَ اتَّفَقُوا على اعْتِدادِ امْرأَتِه، وحِلِّها للأزواج، وإذا ثَبَتَ ذلك في النِّكاح مع الاِحْتِياط لِلْأَبْضاعِ؛ ففي المال أَوْلَى؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ هَلاكُه، أشْبَهَ ما لو مَضَتْ مُدَّةٌ لا يَعِيشُ مِثلَها.
وعَنْهُ: مع أربعةِ أشْهُرٍ وعَشْرًا؛ لأِنَّه الوَقْتُ الذي يُباحُ لاِمْرأته التَّزَوُّجُ
(5)
فيه، ذَكَرَه القاضي.
وعَنْهُ: هو كالقِسْمِ قَبْلَه.
وفي «الواضح» : وعَنْهُ: زَمَنًا لا يَجُوزُ مِثْلُه، ونَقَلَ: تسعينَ
(6)
.
والأوَّلُ أصحُّ.
فظاهِرُه
(7)
: لا فَرْقَ في ذلك بَينَ الحُرِّ والعبدِ، يُؤيِّدُه ما نَقَلَ الميْمونِيُّ في
(1)
ينظر: الأفعال 2/ 490، أبنية الأسماء والأفعال ص 287.
(2)
في (ق): فتكون.
(3)
ينظر: النهاية 5/ 271.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 245.
(5)
في (ق): الزوج.
(6)
قوله: (ونقل: تسعين) هي في (ق): ومثل بسبعين. وعبارة الفروع 8/ 45: (وفي الواضح: وعنه: زمنا لا يجوز مثله، قال: وحدها في بعض رواياته بتسعين، وقيل: بسبعين).
(7)
في (ق): وظاهره أنه.
عَبْدٍ مفقودٍ: الظَّاهِرُ أنَّه كالحُرِّ، ونَقَلَ مهنَّى وأبو طالِبٍ: هو على النِّصف
(1)
.
فَرْعٌ: يُزكَّى المالُ قَبْلَ قَسْمِه بَينَ الورثة لِمَا مَضَى، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
.
(وَعَنْهُ: التَّوَقُّفُ) في أمْرِه، وقال: قد هِبْتُ الجَوابَ فيها، وكأنِّي أُحِبُّ السَّلامةَ
(3)
، ولأِنَّ حياتَه ومَوتَه مُتَعارِضانِ، فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ.
والمذْهَبُ الأوَّلُ، ولم يُفرِّقْ سائرُ أهلِ العِلْم بَينَ صُوَرِ
(4)
الفقْدانِ.
(فَإِنْ مَاتَ مَوْرُوثُهُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ؛ دُفِعَ إِلَى كُلِّ وَارِثٍ الْيَقِينُ)، هذا مذْهَبُ أحمدَ وأكثرِ العلماء؛ لأِنَّه مُسْتَحِقٌّ له على كلِّ تَقْديرٍ، (وَوُقِفَ الْبَاقِي) حتَّى يَتَبَيَّنَ أمْرُه، أوْ تَمْضِيَ مُدَّةُ الاِنتِظار؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ مُسْتَحِقُّه، أشْبَهَ الذي يَنقُصُ نصيبُه بالحَمْل.
فتَعمَلُ المسألةَ بأنَّه حَيٌّ، ثُمَّ بأنَّه ميتٌ، ثُمَّ اضْرِبْ إحداهما أو وَفْقَها في الأخرى، واجْتَزِ بإحداهما إنْ تماثَلَتَا، أوْ بأكْثَرِهما إنْ تَناسَبَتَا، ويأخُذُ
(5)
اليَقينَ الوارِثُ منهما، ومَنْ كان ساقِطًا في إحداهما؛ لم يأخُذْ شَيئًا.
زَوجٌ، وأُمٌّ، وأختٌ، وجَدٌّ، وأخٌ مفقودٌ، مسألةُ الموت من سبعةٍ وعِشْرينَ، وهي الأكْدَرِيَّة، ومسألةُ الحياة من ثمانيةَ عَشَرَ، وهما يَتَّفِقانِ بالأتْساعِ، فتَبلُغ بالضَّرْب أربعةً وخَمْسِينَ، للزَّوج النِّصفُ من مسألةِ الحياة، والثُّلثُ من مسألة الموت، فيُعْطَى الثُّلثَ، وللأمِّ التُّسعانِ من مسألة الموت، والسُّدسُ من مسألة الحياة، فتُعْطَى السُّدسَ، وللجَدِّ ستَّةَ عَشَرَ سَهْمًا من مسألة الموت، وتسعةٌ من مسألة الحياة، فيُعْطَى التِّسعةَ، وللأخت ثمانيةٌ من مسألة
(1)
ينظر: الفروع 8/ 45.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 46.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 222.
(4)
في (ق): ضرر.
(5)
في (ق): ومأخذ.
الموت، وثلاثةٌ من مسألة الحياة، تَبْقَى
(1)
خمسةَ عَشَرَ مَوقُوفةً، أخَذَت الأمُّ ثلاثةً، والأختُ خمسةً، والجَدُّ سبعةً على روايةِ ردِّ الموقوف إلى ورثة الأوَّلِ، وعلى روايةِ قِسمة نصيبِه مِمَّا وُقِفَ على ورثته وهي ستَّةٌ؛ لأِنَّه وُرِثَ مِثْلَا الأختِ؛ يَبقَى تسعةٌ، والمعروفُ أنَّهما وجْهانِ.
وقِيلَ - وهو الأصحُّ عِنْدَ المجْدِ، وظاهِرُ قَولِ الونِّي
(2)
-: أنْ تَعمَلَ المسألةَ على تقديرِ حياته
(3)
فقطْ، وتَقِفَ نصيبَه إنْ وَرِثَ، وفي أخْذِ ضَمِينٍ مِمَّنْ معه زيادةٌ وجْهانِ.
(فَإِنْ قَدِمَ؛ أَخَذَ نَصِيبَه)؛ لأِنَّه وُقِفَ من أجْلِه، وهو المسْتَحِقُّ له، فَوَجَبَ أنْ يأخُذَه كما لو كان غَيرَ مَفْقودٍ، (وَإِنْ لَمْ يَأْتِ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَالِهِ)؛ لأِنَّه محكومٌ له به، أشْبَهَ سائرَ مالِه.
والحاصِلُ: أنَّه متى بانَ المفقودُ حيًّا يَومَ مَوتِ مَورُوثِه؛ فله حقُّه، والباقي لِمُسْتَحِقِّه
(4)
، وإنْ بان مَيتًا؛ فالموْقوفُ لورثة الميت، وفي «المغْنِي» وغَيره: وكذا إنْ جُهِلَ وَقْتُ مَوتِه.
وإن انْقَضَتْ مدَّةُ تربُّصِه، ولم يَتَبَيَّنْ شَيءٌ؛ قُسِمَ ما وُقِفَ للمفقود على ورثته يَومَئِذٍ، كسائرِ مالِه؛ لأِنَّه محكومٌ بحياته، جَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ، وصحَّحَه في «المحرَّر» .
وقِيلَ: يُرَدُّ إلى ورثة الأوَّلِ، جَزَمَ به صاحِبُ «المجرد» و «التَّهذيب» و «الفُصول» و «المستوعب» و «المغْنِي» ؛ لأِنَّه مَشْكوكٌ في حياته حِينَ ماتَ مَورُوثُه، فلا يَثْبُتُ بالشَّكِّ كالجَنين
(5)
.
(1)
في (ق): يبقى.
(2)
في (ظ): المزني.
(3)
في (ظ): حسابه.
(4)
في (ق): لمستحقيه.
(5)
في (ق): كالحيين.
فعلى هذا: لا يَجوزُ في مدَّةِ التَّربُّص أنْ يُقْضَى منه دَينُه، ولا يُنفَقَ منه
(1)
على زَوجَتِه أوْ بهيمته، وعلى الأوَّلِ: يَجوزُ؛ كسائر مالِه.
(وَلِبَاقِي الْوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلحُوا عَلَى مَا زَادَ عَلَى نَصِيبِهِ فَيَقْتَسِمُوهُ)، اختاره ابنُ اللَّبَّانِ، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّه حقُّهم لا يَخرُجُ عنهم.
وأنْكَرَ ذلك الونيُّ، وقال: لا فائدةَ أنْ يُنقَصَ بعضُ الورثة عمَّا يَستَحِقُّه في مسألة الحياة، وهي مُتَيقَّنةٌ، ثُمَّ يُقالَ له: لك أنْ تُصالِحَ على بعضه، بل إنْ جاز ذلك؛ فالأَوْلَى أنْ تُقْسَمَ المسألةُ على تقديرِ الحياة، ويُقَفَ
(2)
نصيبُ المفقود لا غَيرُ.
ولم يَرْتَضِه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ إباحةَ الصُّلْح عَلَيهِ لا تَمنَعُ وُجوبَ وَقْفِه، وَوُجوبُ وَقْفِه لا يَمنَعُ الصُّلحَ عَلَيهِ لذلك، ولأِنَّ تَجْويزَ أخْذِ الإنسانِ حقَّ غَيرِه بِرِضاهُ وصُلْحِه؛ لا يَلزَمُ منه جَوازُ أخْذِه بغَيرِ إذْنِه، وحِينَئِذٍ لهم أنْ يَصْطَلِحُوا على كلِّ الموْقوفِ إنْ حَجَبَ أحَدًا ولم يَرِثْ، أوْ كان أخًا لأِبٍ عصَّب أخْتَه مع زَوجٍ وأخْتٍ لأِبَوَينِ.
تنبيهٌ: إذا قُسِمَ مالُه ثم قَدِمَ؛ أخَذَ ما وَجَدَه بِعَينِه، والتَّالِفُ لَيسَ بمَضْمونٍ، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ ابنِ منصورٍ
(3)
، وقدَّمَها في «الرِّعاية» ، واخْتارَهُ جَمْعٌ؛ لأِنَّه إنَّما قُسِمَ بحقٍّ لهم.
وعَنْهُ: مضمونٌ، صحَّحها ابنُ عَقِيلٍ وغَيره، وجَزَمَ به المؤلِّفُ.
وإنْ حَصَلَ لِأَسِيرٍ مِنْ وَقْفٍ؛ تَسَلَّمَه وحَفِظَه وَكِيلُه ومَنْ يَنتَقِلُ إلَيهِ بَعْدَه جميعًا، واختار في «الفروع»: يَكْفِي وَكيلُه، وهو ظاهِرٌ.
ومَنْ أشْكَلَ نَسَبُه؛ فكَمَفْقودٍ، ومَفْقُودانِ فأكثرُ؛ كخَناثَى في تَنزيلٍ.
(1)
قوله: (منه) سقط من (ظ).
(2)
في (ق): وتقف.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1971.
(بَابُ مِيرَاثِ الْخُنْثَى)
وجَمْعُه: الخَناثَى؛ كالحَبالَى.
(وَهُوَ الذِي لَهُ ذَكَرٌ وَفَرْجُ امْرَأَةٍ)، وكذا قاله الجَوهَرِيُّ
(1)
، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: أوْ له ثُقْبٌ في مَكانِ الفَرْج يَخرُجُ منه البَولُ، (فَيُعْتَبَرُ بِمَبَالِهِ)، قال ابنُ المنذِر: وهو إجْماعُ مَنْ يُحفَظُ عنه من أهل العلم
(2)
، فإنْ بالَ مِنْ حَيثُ يَبولُ الرَّجلُ فهو رجلٌ، وإنْ بالَ مِنْ حَيثُ تَبولُ المرأةُ فهو امرأةٌ، وفِيهِ حديثٌ مرفوعٌ، رواه الكَلْبِيُّ، عن أبي صالِحٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ
(3)
، ولأِنَّ خروجَ البَولِ أعمُّ العَلامات؛ لِوُجودِها من الصَّغِيرِ والكبير، وسائرُ العلامات إنَّما تُوجَدُ بَعْدَ الكِبَرِ؛ كنَباتِ اللِّحية، وخروجِ المَنِيِّ والحَيض، وأوَّلُ مَنْ قَضَى فيه بذلك عامِرُ بنُ ظَرِبٍ العُدْوانِيُّ
(4)
.
(فَإِنْ بَالَ، أَوْ سَبَقَ بَوْلُهُ مِنْ ذَكَرِهِ؛ فَهُوَ رَجُلٌ، وَإِنْ سَبَقَ مِنْ فَرْجِهِ؛ فَهُوَ امْرَأَةٌ)، نَصَّ عَلَيهِ
(5)
؛ أيْ: إذا بالَ مِنْ أحَدِهما أوْ سَبَقَ بَولُه منه؛ فالحُكْمُ له.
(1)
ينظر: الصحاح 1/ 281.
(2)
ينظر: الإجماع ص 75.
(3)
أخرجه ابن عدي في الكامل (7/ 282)، والبيهقي في الكبرى (12518)، مرفوعًا ولفظه:«يورث من حيث يبول» ، وهو من رواية الكلبي عن أبي صالح، وهي نسخة ضعيفة في الحديث، قال ابن عدي عنها:(وأما في الحديث فخاصة إذا روى، عن أبي صالح، عن ابن عباس؛ ففيه مناكير واشتهر به فيما بين الضعفاء)، قال البيهقي:(محمد بن السائب الكلبي لا يحتج به)، ونسبه إلى الكذب جماعة، قال ابن حجر:(متروك الحديث بل كذاب). ينظر: البدر المنير 2/ 483، التلخيص الحبير 1/ 354.
(4)
هو: عامر بن الظرب بن عمرو بن عياذ العدواني، من حكماء الجاهلية، كان إمام مضر وحكمها وفارسها، وممن حرم الخمر في الجاهلية، وأول من قضى بأول دية مقدارها مائة من الإبل. ينظر: كنوز الذهب في تاريخ حلب 2/ 57، الأعلام للزركلي 3/ 252.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4515.
(وَإِنْ خَرَجَا مَعًا؛ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا) في الأصحِّ، قال ابْنُ حَمْدانَ: قَدْرًا وعَدَدًا؛ لأِنَّ له تأثيرًا.
والثَّاني: لا يُعتَبَرُ أكثرُهما، ونَقَلَه ابنُ هانِئٍ
(1)
، وهو ظاهِرُ كلامِ أبي الفَرَجِ وغَيرِه؛ لأِنَّ الخَرْقَ الذي يكونُ في مَجْرَى البَول قد يكونُ مُتَّسِعًا بحَيثُ لا يَتَجاوَزُه إلاَّ يسيرًا.
وهل يُعْتَبَرُ السَّبْقُ في الاِنقِطاع؟ فيه روايَتانِ، وفي «التَّبصرة»: يُعتَبَرُ طُولُهما خُروجًا، ونَقَلَه أبو طالِبٍ
(2)
؛ لأِنَّ بَولَه يَمْتَدُّ، وبَولَها يَسِيلُ.
وقدَّم ابنُ عَقِيلٍ الكَثْرةَ على السَّبق.
وقال هو والقاضي: إنْ خَرَجَا معًا؛ حُكِمَ للمتأخِّر؛ أيْ: لآِخِرِهما انْقِطاعًا.
وقال جابِرُ بنُ زَيدٍ: يُوقَفُ إلى جانِبِ حائطٍ، فإنْ بال عَلَيه فهو رجلٌ، وإنْ سَلْسَلَ بَينَ فَخِذَيهِ فهو امْرأةٌ.
والمذهَبُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ الكَثرةَ مَزِيَّةٌ
(3)
لإحْدَى العَلامَتَينِ، فيُعتَبَرُ بها؛ كالسَّبق.
(فَإِنِ اسْتَوَيَا) في وُجودِ البَولِ منهما، وعَدَمِ سَبْقِه وكَثْرَتِه في أحَدِهما؛ (فَهُوَ مُشْكِلٌ)؛ لأِنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحَدِ أمْرَيهِ على الآخَرِ.
(فَإِنْ كَانَ يُرْجَى انْكِشَافُ حَالِهِ، وَهُوَ الصَّغِيرُ)، واحْتِيجَ إلى قَسْمِ تَرِكةِ مَنْ يَرِثُه؛ (أُعْطِيَ وَمَنْ مَعَهُ الْيَقِينَ)؛ أيْ: يُعْطَى مَنْ يَرِثُ على تقديرِ ذُكورِيَّته وأُنُوثيَّته الأقلَّ مِمَّا يَرِثُ فِيهِما، ولا يُعْطَى مَنْ يُسقِطُه في أحَدِ الحالَينِ شَيئًا، ومَنْ لا يَختَلِفُ مِيراثُه مِنهُمَا يُعْطَى حقَّهُ كامِلاً، (وَوُقِفَ الْبَاقِي حَتَّى يَبْلُغَ) في
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 69.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 46.
(3)
في (ق): مزيد.
قَول الجُمْهور، فيُعْمَلُ
(1)
بما ظَهَرَ من علامةِ رجلٍ أو امرأةٍ، وهو يَحصُلُ بالسِّنِّ
(2)
أو الإنْباتِ، وبه يَنكَشِفُ الأمرُ، (فَيَظْهَرُ فِيهِ عَلَامَاتُ الرِّجَالِ مِنْ نَبَاتِ لِحْيَتِهِ، وَخُرُوجِ المَنِيِّ مِنْ ذَكَرِهِ، أَوْ عَلَامَاتِ النِّسَاءِ مِنَ الْحَيْضِ وَنَحْوِهِ)؛ كتَفَلُّك ثَدْيَيْه
(3)
، والمنصوص
(4)
: أوْ سُقوطِهما.
قال في «الفروع» : وكذا إنْ حاضَ من فَرْجِه، وأنْزَلَ مِنْ ذَكَرِه، فإن وُجِدَ أحدُهما؛ فَوَجْهانِ، وإنْ وُجِدَا مِنْ مَخْرَجٍ واحِدٍ؛ فلا ذَكَرٌ ولا أنْثَى.
وفي «الجامع» : لا في إِرْثٍ ودِيَةٍ؛ لأِنَّ للغَيرِ حَقًّا.
وقِيلَ: أوِ انْتَشَرَ بَولُه على كثِيبِ رَمْلٍ، أو اشْتَهَى النِّساءَ؛ فذَكَرٌ، والعَكْسُ بالعَكْس.
وقال عليٌّ
(5)
والحسنُ البصريُّ: تُعَدُّ أضْلاعُه، فإنْ كانَتْ ستَّةَ عَشَرَ؛ فرجلٌ، وإنْ كانَتْ سبعةَ عَشَرَ؛ فأُنْثَى؛ لأِنَّ أضْلاعَها أكثرُ بواحِدٍ، واخْتارَهُ ابنُ أبي موسى، قال ابنُ اللَّبَّانِ والأصحابُ: لو صحَّ هذا؛ لَمَا وَقَعَ في الخُنْثَى إشْكالٌ.
(وَإِنْ يُئِسَ مِنْ
(6)
ذَلِكَ بِمَوْتِهِ، أَوْ عَدَمِ الْعَلَامَاتِ بَعْدَ بُلُوغِهِ)؛ أيْ: لم يَظهَرْ فيه شَيءٌ من العلامات المذكورةِ، أو اخْتَلَطَتْ فأمْنَى من كلٍّ من
(1)
في (ق): فنعمل.
(2)
في (ق): بالسبق.
(3)
في (ق): وثديه.
(4)
قوله: (والمنصوص) سقط من (ظ). ينظر: الفروع 8/ 53.
(5)
أخرجه الزبير بن بكار في الأخبار الموفقيات (ص 25)، وأبو حاتم في الجرح والتعديل (1063)، ووكيع في أخبار القضاة (2/ 197)، والخطيب في تاريخه (13/ 443)، عن عبد الله بن معاوية بن ميسرة بن شريح الكندي، قال: حدثني أبي معاوية بن ميسرة، عن أبيه ميسرة عن شريح في قصة طويلة. قال أبو حاتم:(تدبرته فإذا هو شبه الموضوع، فلم أسمعه على العمد)، وفي إسناده مجاهيل كما أشار الألباني في الصحيحة 2/ 427.
(6)
قوله: (من) سقط من (ظ).
الفَرْجَينِ؛ فيُسمَّى: مُشْكِلاً، وحِينَئِذٍ (أُعْطِيَ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ، وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى)، نَصَّ عَلَيهِ، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(1)
، ولم يُعرَفْ له في الصَّحابة مُنكِرٌ، وأهلِ مكَّةَ والمدينةِ واللؤلؤي وخَلْقٍ، ولأِنَّ حالَتَيهِ تساوَتَا، فَوَجَبَ التَّسويةُ بَينَ حُكمِهما، كما لو تَدَاعَى نفسانِ دارًا بأيدِيهِما، ولا بيِّنةَ لهما، ولَيس نورثه بأسوأ حالِه، ولا سبيلَ إلى الوقْف؛ لأِنَّه لا غايةَ له تُنتَظَرُ
(2)
، وفيه تضييعٌ مع تعيُّن اسْتِحقاق الورثة له، فيُعْطَى هو نصف مِيراثِ ذَكَرٍ ونصفَ ميراث أنثى، ويُعْطَى مَنْ معه نصفَ ما لَه حالةَ الذُّكوريَّة، ونصفَ ما لَه حالة الأنوثيَّة، إلاَّ أنْ يَرِثَ بأحدهما، فيُعْطَى نصفَه.
وسواءٌ كان الخُنْثى ومَنْ معه يَتَزاحَمانِ من جِهَتَينِ مُختَلِفَتَينِ؛ كوَلَدٍ خُنْثَى وعمٍّ، فإنَّ الخُنْثَى يُزاحِمُ العمَّ في تعصيبه بِبُنوَّته، فيَمنَعُه من أخْذِ الباقي، والعمُّ يُزاحِمُه بعُمومَتِه في الزَّائدِ على فَرْضِ البِنْت، أوْ كَوَلَدٍ خُنْثَى وأبٍ، أوْ مِنْ جِهَةٍ واحدَةٍ؛ كالأوْلادِ والإخْوة المتَّفِقِينَ.
(فَإِذَا كَانَ مَعَ الْخُنْثَى بِنْتٌ وَابْنٌ؛ جَعَلْتَ لِلْبِنْتِ أَقَلَّ عَدَدٍ لَهُ نِصْفٌ، وَهُوَ سَهْمَانِ، وَلِلذَّكَرِ أَرْبَعَةً، وِلِلْخُنْثَى ثَلَاثَةً)، وهذا قَولُ الثَّورِيِّ واللُّؤلؤي في هذه المسألةِ وفي كلِّ مسألةٍ فيها وَلَدٌ إذا كان فيهم خُنْثَى، قال المؤلِّفُ: وهذا قَولٌ لا بَأْسَ به، لكِنْ
(3)
قال في «المستوعب» : هذا لا يَصِحُّ على أصْلِنا.
فإنْ كان مَكانَ الاِبْنِ أخٌ أوْ غَيرُه من العَصَباتِ؛ فله السُّدسُ، والباقِي بَينَ
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 69.
ولم نقف عليه من قول ابن عباس رضي الله عنهما، والمشهور من قول الشعبي كما أخرجه ابن أبي شيبة (31367)، والدارمي (3014)، والدارقطني (4102)، عن الشعبي، في مولود ولد ليس له ما للذكر ولا ما للأنثى، يبول من سرته، قال:«له نصف حظ الأنثى، ونصف حظ الذكر» .
(2)
في (ظ): ينتظر.
(3)
قوله: (لكن) سقط من (ق).
الخُنْثَى والبِنْتِ على خمسةٍ.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا)، ويُسَمَّى: مَذْهَبَ المنَزِّلِينَ: (تَعْمَلُ الْمَسْأَلَةَ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرٌ، ثُمَّ عَلَى أَنَّهُ أُنْثَى)؛ لأِنَّ له حالَينِ، فلم يَكُنْ بُدٌّ من اعْتِبارهما، (ثُمَّ تَضْرِبُ إِحْدَاهُمَا) إنْ تَبايَنَتا، (أَوْ وَفْقَهَا فِي الْأُخْرَى إِنِ اتَّفَقَتَا، وَتَجْتَزِئُ
(1)
بِإِحْدَاهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا، أَوْ بِأَكْثَرِهِمَا إِنْ تَنَاسَبَتَا، وَتَضْرِبُهَا فِي اثْنَيْنِ، ثُمَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ إِحْدَى الْمَسْأَلَتَيْنِ مَضْرُوبٌ فِي الْأُخْرَى أَوْ فِي وَفْقِهَا).
ففي التَّبايُن، وهي مسألةُ المتْنِ: مسألةُ الذُّكورةِ من خمسةٍ، والأُنوثةِ مِنْ أربعةٍ، فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى تكُنْ عِشْرِينَ، ثُمَّ في اثْنَينِ تكُنْ أربَعِينَ، للبنتِ سَهْمٌ في خمسةٍ، وسَهمٌ في أربعةٍ: تِسعةٌ، وللذَّكَر: ثمانيةَ عَشَرَ، وللخُنْثى سَهْمٌ في خمسةٍ، وسَهْمانِ في أربعةٍ: ثلاثةَ عَشَرَ، وهي دُونَ ثُلث الأرْبَعِينَ.
وعلى قَولِ الثَّورِيِّ وهو يُوافِقُ قَولَ الأصحاب في بَعْضِ المواضِع ويُخالِفُ في بعضِها، فَعَلَى قَوله: تكن المسألةُ من تسعةٍ، للخُنْثَى الثُّلثُ، وهو ثلاثةٌ.
وعلى قَولِ مَنْ وَرَّثه بالدَّعْوَى فِيما بَقِيَ بَعْدَ اليَقِينِ فَوافَقَ قَولَ المنَزِّلِينَ في أكثرِ المواضِع فإنَّه يقول في هذه المسألةِ: للذَّكر الخُمُسانِ بيَقينٍ، وذلك ستَّةَ عَشَرَ مِنْ أرْبَعِينَ، وهو يدَّعي النِّصفَ عِشْرينَ، وللبنتِ الخُمُسُ بيَقِينٍ: ثمانيةٌ، وهي تدَّعِي الرُّبعَ، وللخُنْثى الرُّبع بيَقِينٍ، وهو يَدَّعِي الخُمُسَينِ: ستَّةَ عَشَرَ، والمختلَفُ فيه ستَّةُ أسْهُمٍ يدَّعِيها الخُنْثى كلَّها، فتُعطِيهِ نصفَها ثلاثةً، مع العَشَرة الَّتي معه، صار له ثلاثةَ عَشَرَ، والاِبْنُ يدَّعِي أربعةً، فتُعطِيهِ
(2)
نصفَها: اثْنَينِ، صار له ثمانيةَ عَشَرَ، والبنتُ تدَّعِي سَهْمَينِ، فتَدْفَع إليها سَهْمًا صار لها تسعةٌ.
(1)
في (ظ): يجتزئ.
(2)
في (ق): فيعطيه.
ومَنْ ورَّثَه بالدَّعوَى من أصل المال؛ فعلى قولهم: يكون الميراثُ في هذه المسألة من ثلاثةٍ وعِشْرينَ؛ لأِنَّ المدَّعَى هنا نصفٌ ورُبعٌ وخُمسانِ، ومَخرَجُهما من عِشْرينَ، يُعطَى الاِبنُ النِّصفَ عَشَرَةً، والبنتُ خمسةً، والخُنْثى ثمانيةً، تَكُنْ ثلاثةً وعِشْرينَ.
وفي التَّوافُق: زَوجٌ، وأمٌّ، وَوَلَدُ أبٍ خُنثَى، فالذُّكورِيَّةُ مِنْ ستَّةٍ، والأنوثِيَّةُ من ثمانيةٍ، وبَينَهما مُوافَقَةٌ، فاضْرِبْ نصفَ أحدِهما في الآخر تَكُنْ أربعةً وعشرينَ، ثُمَّ في اثْنَينِ، تكُنْ ثمانيةً وأربعينَ.
وفي التَّماثل: زوجةٌ
(1)
وَوَلَدٌ خُنْثى وعمٌّ، فالذُّكوريَّةُ من ثمانيةٍ، والأنوثيَّة كذلك، فاجْتَزِئْ بأحدهما، واضْرِبْها في حالَينِ، تكُنْ ستَّةَ عَشَرَ.
وفي التَّناسُب: أمٌّ وبنتٌ وَوَلدٌ خُنْثى وعمٌّ، فالذُّكوريَّة من ستَّةٍ، وتصِحُّ من ثمانيةَ عَشَرَ، والأنوثِيَّة من ستَّةٍ، وتَصِحُّ منها، وهي تُناسِبُ الأُولَى بالثُّلث، فاجْتَزِ بأكثرِهما، وهو ثمانيةَ عَشَرَ، فاضْرِبْها في حالَينِ؛ تكُنْ ستَّةً وثلاثِينَ.
(وَتَجْمَعُ مَا لَهُ مِنْهُمَا إِنْ تَمَاثَلَتَا).
فإنْ كان الخُنْثَى يَرِثُ في حالٍ دُونَ حالٍ؛ كزَوجٍ وأُخْتٍ لأَبَوَينِ وَوَلَدِ أبٍ خُنْثَى؛ فمُقْتَضَى قَولِ الثَّوريِّ: أنْ تَجعَلَ
(2)
للخُنْثَى نصفَ ما يَرِثُه في حال إرْثِه، وهو نصفُ سَهْمٍ، فتَضُمُّه إلى سِهامِ الباقِينَ، وهي ستَّةٌ، ثُمَّ تَبْسُطُها أنصافًا
(3)
؛ لِيَزولَ الكَسْرُ، فتَصِيرُ ثلاثةَ عَشَرَ، له منها سَهْمٌ، والباقي بَينَ الزَّوج والأخت نِصْفَينِ، وقد عَمِلَها أبو الخَطَّاب في «الهداية» على ذلك.
وأمَّا في التَّنزيل: فتَصِحُّ من ثمانيةٍ وعِشْرِينَ؛ للخُنْثَى سَهْمانِ، وهي نصفُ سُبعٍ، ولكلِّ واحِدٍ من الآخَرِينَ ثلاثةَ عَشَرَ.
(1)
في (ق): زوج.
(2)
في (ظ): يجعل.
(3)
في (ظ): أيضًا. والمثبت موافق للمغني 6/ 338 والشرح الكبير 18/ 248.
فائدةٌ: الخَناثَى من الورثة: ستَّةٌ؛ الوَلَدُ، وَوَلَدُ الاِبنِ، والأخُ، وَوَلَدُه، والعمُّ، وَوَلَدُه، فالزَّوجانِ، والأَبَوانِ، والجَدَّانِ؛ فلا يُتصوَّرُ فيهم ذلك، والخِلافُ يَقَعُ في ثلاثةٍ: الولَدِ، وَوَلَدِ الاِبنِ، والأخِ، وأمَّا الباقي: فَلَيسَ للإناث منهم مِيراثٌ، فيكون للخُنْثَى منهم نصفُ مِيراثِ ذَكَرٍ بلا خِلافٍ، قالَه الخَبْرِيُّ.
(وَإِنْ كَانَا خُنْثَيَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ نَزَّلْتَهُمْ بِعَدَدِ أَحْوَالِهِمْ)، هذا هو المذْهَبُ، وعليه أكثرُ الأصحاب، وهو قَولُ ابنِ أبي لَيلَى، وضِرارٍ، ويَحيى بنِ آدَمَ؛ كإعْطائِهم اليَقينَ قَبلَ البُلوغ.
فَعلَى هذا: تَجعَلُ للابنين
(1)
أربعةَ أحْوالٍ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ كلٌّ منهم ذَكَرًا، وأن يكونَ كلٌّ منهم أُنْثَى، ويَحتَمِلُ أنْ يكونُوا ذُكورًا، وأنْ يكونُوا إناثًا، وللثَّلاثة ثمانيةٌ، وللأربعة ستَّةَ عَشَرَ، وللخمسة اثْنَانِ وثلاثونَ، ثُمَّ تَجمَعُ ما لهم في
(2)
الأحوال كلِّها، فتَقْسِمُه على عدد أحْوالِهم، فما خَرَجَ بالقَسْمِ؛ فهو لهم إنْ كانوا من جِهَةٍ واحِدةٍ، وإنْ كانُوا من جهاتٍ؛ جَمَعْتَ ما لِكلِّ واحِدٍ منهم في الأحوال، وقَسَمْتَه على عدد الأحوال كلِّها؛ فالخارِجُ بالقَسْم هو نَصيبُه.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، وِفاقًا لأِبِي يُوسفَ:(تُنَزِّلُهُمْ حَالَينِ؛ مَرَّةً ذُكُورًا وَمَرَّةً إِنَاثًا)؛ كما تَصنَعُ بالواحد
(3)
.
(وَالْأَوَّلُ أَوْلَى)؛ لأِنَّه يُعْطَى كلُّ واحِدٍ بحَسَبِ ما فيه من الاِحْتِمال، فيُعْدَلُ بَينَهم، وعلى الثَّاني: يُعْطَى ببعضِ الاِحْتِمالات دُونَ بعْضٍ، وهذا تحكُّمٌ لا دليلَ عليه.
(1)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 18/ 249 والممتع 3/ 400: للاثنين.
(2)
في (ق): من.
(3)
ينظر: المبسوط 30/ 92.
ابنٌ وخُنْثَيانِ: مسألةُ الذُّكوريَّةِ من ثلاثةٍ، والأنوثيَّة
(1)
مِنْ أربعةٍ، وذُكوريَّةُ أحدِهما وأنوثيَّةُ الآخَرِ من خمسةٍ، للمُقدَّر ولورثَتِه سَهْمانِ، وللآخَرِ سَهْمٌ، فاجْتَزِ بأحَدِهما لِتَماثُلِهما، واضْرِبْ بقيَّةَ الأحوال بعضَها في بعضٍ لِتَبايُنِها تكُنْ سِتِّينَ، ثم
(2)
في الأحوال: مائَتَينِ وأرْبَعِينَ، فَلَهُما في حال الذُّكوريَّة ثُلثا المالِ، وهو أرْبَعونَ، وفي حال الأنوثةِ نصفُه، وهو ثلاثون، وفي حال ذكوريَّة أحدهما وأنوثيَّة الآخَرِ ثلاثةُ أخْماسِه، وهو ستَّةٌ وثلاثون، وفي الحال الآخَرِ كذلك، فإذا جَمَعْتَ ذلك كان ما ذكرنا، فاقْسِمْه على أربعةٍ؛ تكُنْ خَمسةً وثَلاثِينَ ونصفًا، لكلِّ واحِدٍ سبعةَ عَشَرَ ونِصفٌ ورُبعٌ، ثمَّ اضْرِبْ نصيبَ كلِّ واحدٍ في أربعةٍ، يَصِحُّ لكلِّ خُنْثَى أحدٌ وسبعونَ، وللابن ثمانية وتسعون، وعلى هذا فقِسْ.
وإذا كان وَلَدٌ خُنْثَى وولدُ أخٍ خُنْثَى وعمٌّ، فإنْ كانا ذَكَرَينِ؛ فالمالُ للوَلَد، وإنْ كانا أُنْثَيَيْنِ؛ فللبنت النِّصفُ، والباقي للعمِّ، فهي من أربعةٍ عِنْدَ مَنْ نزَّلهم حالَينِ؛ للولد ثلاثةُ أرباعِ المال، وللعمِّ رُبعُه.
ومَن نزَّلهم أحْوالاً كانت من ثمانيةٍ؛ للولد المالُ في حالَينِ، والنِّصفُ في حالَينِ، فله رُبعُ ذلك، وهو ثلاثةُ أرْباعِ المال، ولولد الأخ نِصفُ المال في حالٍ، فله رُبعُه، وهو الثَّمنُ، وللعمِّ مثلُ ذلك، وهذا أعْدَلُ.
ومَن قال بالدَّعْوَى فيما زاد على اليقين؛ قال: للولد النِّصفُ يقينًا، والنِّصفُ الآخَر يَتداعَونَه، فيكون المالُ
(3)
بَينَهم أثْلاثًا، وتَصِحُّ من ستَّةٍ.
وقد ذَكَرَ في «المحرَّر» حُكْمَ الخُنْثَى وبيَّنه بأحسنِ طَريقٍ، وفصَّلَه أبْلغَ تَفْصيلٍ، فليُراجَعْ هناك.
(1)
في (ق): والأنوثة.
(2)
قوله: (ثم) سقطت من (ظ).
(3)
قوله: (المال) سقط من (ق).
فَصْلٌ
قال المؤلِّفُ: وَجَدْنا في عَصْرنا شَبِيهًا بالخُنْثَى، لم يَذكُرْه الفَرَضِيُّون، شَخْصَينِ لَيسَ لهما في قُبُلهما مَخرَجٌ، ولا ذَكَرٌ، ولا فَرْجٌ.
أمَّا أحَدُهما: فَذَكَرُوا أنَّه لَيسَ له في قُبُلِه إلاَّ لَحْمَةٌ نابِتَةٌ
(1)
كالرَّبْوةِ يَرشَحُ منها البَوْلُ رَشْحًا على الدَّوام، وأَرْسَلَ إلَينا، فسألَنَا عن الصَّلاة والتَّحرُّزِ من النَّجاسة.
والثَّانِي: لَيسَ له إلاَّ مَخرَجٌ واحِدٌ فِيما بَينَ المخْرَجَينِ، منه يَتَغوَّطُ ومِنهُ يَبُولُ، وأُخْبِرْتُ عنه أنَّه يَلبَسُ لِباسَ النِّساءِ ويُخالِطُهنَّ ويَغزِلُ مَعَهنَّ، ويَعُدُّ نَفْسَه امرأةً.
قال: وحُدِّثت أنَّ في بعَضِ بلادِ العَجَم شَخْصًا لَيسَ له قُبُلٌ ولا دُبُرٌ، وإنَّما يَتَقَيَّأُ ما يأكُلُه ويَشْرَبُه، فهذا وما أشْبَهَه في مَعْنَى الخُنْثى؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُ اعْتِبارُه بِمَبالِه، وإنْ لم يَكُنْ له عَلامةٌ أخْرَى فهو مُشْكِلٌ، يَنبَغِي أنْ يَثْبُتَ له حكمُه في مِيراثِه.
(1)
في (ق): ثابتة.
(بَابُ مِيرَاثِ الْغَرْقَى وَمَنْ عَمِيَ مَوْتُهُمْ)
أيْ
(1)
: خَفِيَ ولم يُعلَمْ.
وكان يَنبَغِي للمؤلِّف أنْ يَذكُرَ هذا البابَ عَقِبَ المفْقودِ؛ لأِنَّه جَهْلٌ يُوجِبُ التَّوقُّفَ في الإرْث، وهُنا يُوجِبُ حِرْمانَه في بَعْضِ الصُّوَر.
(إِذَا مَاتَ مُتَوَارِثَانِ، فَجُهِلَ أَوَّلُهُمَا مَوْتًا؛ كَالْغَرْقَى)، هو جَمْعُ غَرِيقٍ، كقَتِيلٍ وجَرِيحٍ، (وَالْهَدْمَى)، يَجوزُ أنْ يكونَ جَمْعُ هَدِيمٍ بمَعْنَى مَهْدومٍ، كجَرِيحٍ بمَعْنَى مَجْروحٍ، قال ابنُ أبي الفَتْحِ: ولم أرَ هذا مَنْقولاً
(2)
، (وَاخْتَلَفَ وَارِثُهُمَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا)؛ أي: ادَّعَى وَرَثَةُ كلِّ ميِّتٍ سَبْقَ الآخَرِ، ولا بيِّنةَ، أوْ تَعارَضَت البيِّنةُ؛ تَحالَفَا ولم يَتَوارَثَا، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، واخْتارَه الأكثرُ.
وقال جماعةٌ: بَلَى.
وخرَّجوا منها: المنْعَ في جَهْلِهم الحالَ، اخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
.
(فَقَدْ نُقِلَ عَنْ أَحْمَدَ فِي امْرَأَةٍ وَابْنِهَا مَاتَا، فَقَالَ زَوْجُهَا: مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا، ثُمَّ مَاتَ ابْنِي فَوَرِثْتُهُ، وَقَالَ أَخُوهَا: مَاتَ ابْنُهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثْنَاهَا: أنَّه يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى إِبْطَالِ دَعْوَى صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يُنْكِرُ ما ادُّعِيَ به عَلَيهِ، والمنْكِرُ عَلَيهِ اليَمينُ، وهذا إذا لم تَكُنْ
(5)
بَيِّنةٌ، (وَيَكُونُ مِيرَاثُ الاِبْنِ لِأَبِيهِ)؛ لأِنَّه وارِثُه الحَيُّ المُتَيَقَّنُ، وغَيرُه مَشْكوكٌ فيه، (وَمِيرَاثُ
(1)
في (ق): أو.
(2)
ينظر: المطلع ص 376.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 57.
(4)
أي: المنع من إرث بعضهم من بعض عند جهلهم فيمن مات أولاً، واختاره شيخ الإسلام. ينظر: مجموع الفتاوى 31/ 256، الاختيارات ص 282.
(5)
في (ق): لم يكن.
المَرْأَةِ لِأَخِيهَا وَزَوْجِهَا نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّهما اللَّذانِ يَرِثانِها يقينًا، وغَيرُهما مَشْكوكٌ فيه، (ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ) في «الدَّعاوَى» ، وهو قَولُ الصِّدِّيقِ، وزَيْدٍ
(1)
، وابنِ عبَّاسٍ
(2)
، والحَسَنِ بنِ عليٍّ
(3)
، وعمرَ بنِ عبدِ العزيز، والأوزاعِيِّ، والزُّهْرِيِّ، وأكثرِ العلماء، وهو المنصوصُ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا مات المتوارِثانِ معًا، وعَلِمَ الورثةُ ذلك؛ فلا إرْثَ، صرَّح به في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ من شَرْطِ تَورِيثِه كَونَه حَيًّا حِينَ مَوت الآخَرِ.
(وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ) وقد نَصَّ عَلَيهِ
(4)
، واخْتارَه الأكْثَرُ:(أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَوْتَى يَرِثُ صَاحِبَهُ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ)؛ أيْ: مالِه القَديمِ الأصْليِّ، (دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنَ الْمَيِّتِ مَعَهُ)، وهو المسْتَحْدَثُ، ويُقالُ له: الطَّارِقُ، والطَّرِيقُ
(5)
، وسَواءٌ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (19167)، والبيهقي في الكبرى (12250)، عن عباد بن كثير، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد. ولفظ البيهقي: عن زيد بن ثابت قال: أمرني أبو بكر رضي الله عنه حيث قتل أهل اليمامة؛ أن يورث الأحياء من الأموات، ولا يورث بعضهم من بعض»، وأخرجه عبد الرزاق (19160، 19166)، عن عباد بن كثير، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد، عن زيد بن ثابت وحده. وعباد بن كثير ضعيف. وأخرجه الدارمي (3087)، والدارقطني (4210)، والبيهقي في الكبرى (12252)، عن ابن أبي الزناد، عن أبيه به نحوه، ولفظه عند الدارمي:«كل قوم متوارثين، عمي موتهم في هدم أو غرق، فإنهم لا يتوارثون، يرثهم الأحياء» ، وضعفه أحمد وقال:(من يقول هذا عن زيد؟ إنما هو من حديث أبي الزناد)، وقيل له أيضًا: فأهل الحرة لم يورث بعضهم من بعض، قال:(وهذا عن أبي الزناد أيضًا). ينظر: المقرر على المحرر 2/ 84.
(2)
لم نقف عليه.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (239)، عن ابن شبرمة، قال: حدثني الثقة، عن الحسن بن علي، أنه كان يقول:«يرث كل واحد منهما ورثته» ، وفيه راوٍ مبهم، وابن شبرمة هو عبد الله، فقيه أهل الكوفة.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4207، مسائل صالح 2/ 7، مسائل أبي داود ص 295.
(5)
كذا في النسخ الخطية: (الطارق والطريق)، والذي في المطلع ص 376: الطارف والطريف.
جَهِلَ الوَرَثَةُ كَيفَ ماتَا، أوْ تحقَّقُوا السَّابِقَ وجَهِلُوا عَينَه.
(فَيُقَدَّرُ أَحَدُهُمَا مَاتَ أَوَّلاً، وَيُوَرَّثُ الآْخَرُ مِنْهُ، ثُمَّ يُقْسَمُ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ عَلَى الْأَحْيَاءِ مِنْ وَرَثَتِهِ، ثُمَّ يُصْنَعُ بِالثَّانِي كَذَلِكَ)، فيُقدَّرُ أنَّ المرأةَ ماتَتْ أوَّلاً، فَوَرِثَها زَوجُها وابْنُها أرْباعًا، ثُمَّ يأخُذُ ما وَرِثَه الاِبْنُ فيُدفَعُ لِوَرَثَتِه
(1)
الأحياءِ، وهُمُ الأبُ، فيَجتَمِعُ له جَميعُ مالِه، ثُمَّ يُقدَّرُ أنَّ الاِبْنَ مات أوَّلاً، فَوَرِثَه أبَواهُ أثْلاثًا، ثُمَّ يأخُذُ ثُلثَ الأمِّ فيَقْسِمُه بَينَ وَرَثَتِها الأحياءِ، وهم أخُوها وزَوجُها نِصفَينِ فيَحصُل للأخ السُّدسُ من مال الاِبْنِ، قال أحمدُ
(2)
: أذْهَبُ إلى قَولِ عُمَرَ
(3)
وعليٍّ
(4)
وشُرَيحٍ وإبراهيمَ والشَّعبيِّ، وحكاهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح»
(1)
في (ق): لورثة.
(2)
ينظر: المغني 6/ 378.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (229، 230)، عن إبراهيم، عن عمر أنه قال في أناس ماتوا في بيت جميعًا لا يُدرى أيهم مات قبل صاحبه، قال:«يورث بعضهم من بعض» ، مرسل، ورجاله ثقات. وأخرجه سعيد بن منصور (232)، والدارمي (3090)، من طرق عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، قال: وقع الطاعون بالشام عام عَمَواس، فجعل أهل البيت يموتون من آخرهم، فكتب في ذلك إلى عمر، فكتب عمر:«أن وَرِثُوا بعضهم من بعض» . وأخرجه ابن أبي شيبة (31344)، عن ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عبيدة، عن عمر رضي الله عنه. وأخرجه عبد الرزاق (19153)، عن ابن أبي ليلى عن عمر وعليٍّ مرسلاً. ومداره على محمد بن أبي ليلى، وهو سيئ الحفظ. وأخرجه ابن أبي شيبة (31342)، عن أبي حَصِين، عن الشعبي. وأخرجه أحمد في مسائل ابن منصور (2997)، وابن أبي شيبة (31346)، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمر، وهذا مرسل جيد. وروي من طرق أخرى.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (231)، وابن أبي شيبة (31343)، والبيهقي في المعرفة (9/ 109)، عن الحارث:«عن علي أن قومًا غرقوا في سفينة، فورّث علي بعضهم من بعض» ، والحارث الجعفي ضعيف. وأخرجه سعيد بن منصور (233)، عن أشعث بن سوار، عن الشعبي نحوه مرسلاً. والأشعث ضعيف. وأخرجه عبد الرزاق (19152)، وابن أبي شيبة (31345)، والبخاري في التاريخ الكبير (445)، والدارمي (3091)، عن حريش البجلي، عن أبيه:«أن رجلاً وابنه، أو أخوين؛ قُتِلا يوم صفِّين جميعًا، لا يُدرى أيهما قتل أولًّا، قال: فورَّث عليٌّ كل واحد منهما صاحبه» ، وحريش وأبوه مجهولان. وأخرجه البيهقي في الكبرى (12256)، عن شيخ من أهل البصرة، عن عمارة بن حزن، عن أبيه: أن عليًّا رضي الله عنه ورث قتلى الجمل، فورث ورثتهم الأحياء. وعمارة لم نعرفه. وقد احتج الإمام أحمد بأثر عمر وعلي كما في المقرر على أبواب المحرر 2/ 84.
عن جَمْعٍ من التَّابِعِينَ ومَنْ بَعْدَهم.
قال الشَّعْبِيُّ: (وَقَعَ الطَّاعُونُ بالشَّام عامَ عَمَواسٍ، فَجَعَلَ أهْلُ البَيتِ يَمُوتُونَ عن آخِرِهم، فكُتِبَ في ذلك إلى عمرَ، فأمَرَ عُمَرُ أنْ وَرِّثُوا بَعْضَهم مِنْ بَعْضٍ)
(1)
، وَرُوِيَ عن إيَاسٍ المُزَنِيِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن قَومٍ وَقَعَ عَلَيهِم بَيتٌ، فقال:«يَرِثُ بَعضُهم بَعْضًا»
(2)
.
وحَمَلَ بَعْضُ الأصْحاب نَصَّ أحمدَ الذي حَكاهُ الخِرَقِيُّ اخْتِصاصَه بِما إذا ادَّعَى وارِثُ كلِّ ميِّتٍ بأنَّ مَورُوثَه كان آخِرَهما مَوتًا، فأمَّا مع الجَهْل؛ فيُوَرَّثُ
(3)
كلُّ واحِدٍ منهما من الآخَرِ؛ لأِنَّ مع التَّداعِي يتوجَّه اليَمِينُ على المدَّعَى عَلَيهِ، بخِلافِ ما إذا اتَّفَقُوا على الجَهْلِ؛ لكَونِها لا تُشْرَعُ حِينَئِذٍ.
واحْتَجَّ في «المغْنِي» و «الشَّرح» للرِّواية الأُولَى: بِمَا رَوَى سعيدٌ في «سُننه» : حدَّثنا إسْماعِيلُ بنَ عُوَيسٍ
(4)
، عن يَحيى بنِ سَعِيدٍ:«أنَّ قَتْلَى اليمامةِ وصِفِّينَ والحرَّةِ لم يَرِثْ بعضُهم من بَعْضٍ، وَوَرَّثُوا عَصَبَتَهم الأحياءَ»
(5)
،
(1)
تقدم تخريجه 7/ 174 حاشية (3).
(2)
لم نقف عليه مرفوعًا، لكن روي موقوفًا على إياس المزني رضي الله عنه، فقد أخرجه عبد الرزاق (19159)، وسعيد بن منصور (234)، والدارقطني (4079)، من طريق أبي المنهال، عن إياس بن عبدٍ المزني وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم:«أن قومًا وقع عليهم بيت، فورث بعضهم من بعض» ، وإسناده صحيح، قال ابن قدامة:(والصحيح أن هذا إنما هو عن إياس نفسه، وأنه هو المسؤول، وليس برواية عن النبي صلى الله عليه وسلم. هكذا رواه سعيد في سننه، وحكاه الإمام أحمد عنه). ينظر: المغني 6/ 379، الإرواء 6/ 154.
(3)
في (ق): فنورث.
(4)
كذا في النسخ الخطية، والذي في سنن سعيد: إسماعيل بن عياش.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (238)، ورواية إسماعيل بن عياش عن غير الشاميين ضعيفة وهذا منها؛ فإن يحيى مدني. وأخرجه عبد الرزاق (19165)، عن ابن جريج، عن يحيى مختصرًا.
وقال: ثَنَا عَبدُ العزيز بنُ محمَّدٍ، عن جَعفَرِ بنِ محمَّدٍ، عن أبِيهِم: «أنَّ أُمَّ كُلْثومٍ بنتَ عَلِيٍّ تُوُفِّيَتْ هي وابْنُها زَيدُ بنُ عُمَرَ، فلم يُدْرَ أيُّهما ماتَ قَبْلَ صاحِبِه، فلم تَرِثْه
(1)
ولم يَرِثْها»
(2)
، ولأِنَّ شَرْطَ التَّوارُث حياةُ الوارِثِ بَعْدَ مَوتِ الموْرُوثِ، ولَيسَ بمَعْلومٍ، فلا يَثْبُتُ مع الشَّكِّ في شَرْطِه، ولأِنَّه مَشْكُوكٌ في حياته حِينَ موتِ
(3)
مَوْرُوثِه، فلا يَرِثُه؛ كالحَمْل إذا وَضَعَتْهُ ميتًا، ولا
(4)
تَورِيث كلِّ واحِدٍ منهما خَطأٌ قَطْعًا؛ لأِنَّه لا يَخْلُو من
(5)
أنْ يكونَ مَوتُهما معًا، أوْ يَسبِقَ أحَدُهما، وتَورِيثُ السابِقِ بالموت خَطَأٌ يَقِينًا مُخالِفٌ للإجماع، فكَيفَ يُعمَلُ به؟!
وقال أبو ثَورٍ، وابن سُرَيجٍ، وطائفةٌ: يُعْطَى كلُّ وارِثٍ اليَقِينَ، ويُوقَفُ المشْكوكُ فيه حتَّى يَتَبَيَّنَ الأمْرُ أوْ يَصْطلِحُوا، وحكاهُ في «الرِّعاية» قَولاً.
وقال أبو بَكْرٍ: المالُ بَينَهما نصْفانِ، وأبْطَلَه في «المغْنِي» بأنَّه يقتضي
(6)
إِلَى أنْ يُعْطَى الأخُ ما لا يَدَّعِيهِ ولا يَسْتَحِقُّه يَقِينًا؛ لأِنَّه لا يَدَّعِي مِنْ مالِ الاِبْنِ أكثرَ مِنْ سُدُسِه، ولا يُمكِنُ أنْ يَسْتَحِقَّ أكثرَ منه.
فَرْعٌ: لو عُلِمَ السَّابِقُ ثُمَّ نُسِيَ؛ فالحُكْمُ فيه كما لو جُهِلَ. وقِيلَ: بالقُرْعة، قال الأَزَجِيُّ: وإنَّما لم نُجِزِ
(7)
القرعَةَ لِعَدَمِ دخولِها في النَّسَبِ. وقال الوَنِّيُّ:
(1)
في (ق): فلم يرثه.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (240)، والدارمي (3089)، والبيهقي في الكبرى (12254)، ولا بأس برجاله. وأخرجه سحنون في المدونة (2/ 593)، من طريق أخرى مرسلة.
(3)
في (ظ): يرث.
(4)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 18/ 259: ولأن.
(5)
في (ق): إما.
(6)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 10/ 279: يفضي.
(7)
في (ظ): لم تُجر.
يُعمَلُ باليقِينِ، ويُوقَفُ مع الشَّكِّ.
(فَعَلَى هَذَا: لَوْ غَرِقَ أَخَوَانِ، أَحَدُهُمَا مَوْلَى زَيْدٍ، وَالآْخَرُ مَوْلَى عَمْرٍو؛ صَارَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَى الآْخَرِ)؛ لأِنَّه إذا قُدِّرَ مَوتُ مَوْلَى زَيْدٍ أَوَّلاً؛ اسْتَحَقَّ مِيرَاثَه أخُوهُ
(1)
، ثُمَّ يُدفَعُ إلى ورثَتِه
(2)
الأحْياءِ، وهو مَولاهُ، ثُمَّ هكذا يُقدَّرُ في مَولَى عَمْرٍو.
(وَعَلَى الْقَوْلِ الآْخَرِ)، وهو مَنْ لم يُوَرِّثْ أحدَهما من صاحبه:(يَصِيرُ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَوْلَاهُ، وَهُوَ أَحْسَنُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى)؛ لِمَا تَقَدَّم، ومَنْ قال بالوقْف؛ وَقَفَ مالَهما.
وإن ادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّ مَولاهُ آخِرُهما مَوتًا؛ حَلَفَ كلُّ واحِدٍ منهما على إبْطالِ دَعْوَى صاحِبِه، وأَخَذَ مالَ مَولاهُ على ما ذَكَرَه الخِرَقِيُّ.
وإنْ كان لهما أُخْتٌ؛ فَمَنْ وَرَّثَ كلَّ واحِدٍ منهما من صاحِبِه؛ جَعَلَ لها الثُّلُثَينِ من مالِ كلِّ واحِدٍ منهما، والنِّصفَ على القول الآخَرِ.
وإنْ خلَّف كلُّ واحِدٍ منهما زَوجَةً وبِنْتًا؛ فَمَنْ لم يُورِّثْ بَعضَهم من بَعْضٍ؛ صحَّحها من ثمانيةٍ؛ لاِمْرأتِه الثُّمُنُ، ولاِبْنَتِه النِّصفُ، والباقِي لِمَولاهُ.
ومَنْ ورَّثَهم؛ جَعَلَ الباقِيَ لِأَخِيهِ، ثُمَّ قَسَمَهُ بَينَ وَرَثَةِ أخِيهِ على ثمانيةٍ، ثُمَّ ضَرَبَها في الثَّمانية الأُولَى، فصحَّتْ من أربعةٍ وسِتِّينَ؛ لاِمْرأتِه ثمانيةٌ، ولاِبْنَتِه اثْنانِ وثلاثونَ، ولاِمْرأةِ أخِيهِ ثُمُنُ الباقِي ثلاثةٌ، ولاِبْنَتِه اثْنَا عَشَرَ، ولِمَولاهُ الباقِي تسعةٌ.
مسألةٌ: لو عَيَّنَ الورثةُ وَقْتَ مَوتِ أحدِهما، وشَكُّوا هل ماتَ الآخَرُ قَبْلَه أوْ بَعْدَه؛ وَرِثَ مَنْ شُكَّ في مَوته من الآخَر؛ إذِ الأصلُ بَقاؤُهُ.
وقِيلَ: لا تَوارُثَ بَينَهما بحالٍ، وهو بَعِيدٌ.
(1)
في (ظ): ثم أخوه.
(2)
في (ق): ورثة.
ولو مات أخَوانِ عِنْدَ الزَّوال، أحدُهُما بالمشْرِقِ، والآخَرُ بالمغْرِبِ؛ وَرِثَ الذِي ماتَ بالمغْرِبِ مِنَ الذِي ماتَ بالمشْرِقِ؛ لِمَوتِه قَبْلَه، بِناءً على اخْتِلافِ الزَّوال، قالَهُ في «الفائق» .
(بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ الْمِلَلِ)
وهو جَمْعُ مِلَّةٍ، بكَسْرِ الميم إفْرادًا وجَمْعًا، وهي: الدِّينُ والشَّريعةُ.
(لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ)، قال أحمدُ: لَيسَ بَينَ النَّاس اخْتِلافٌ فيه
(1)
، وهو قَولُ جُمهورِ الصَّحابة والتَّابِعِينَ ومَنْ بَعدَهم
(2)
.
ورُوِيَ عن عُمرَ ومُعاذٍ ومُعاوِيَةَ خِلافُه
(3)
.
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 131.
(2)
منهم عمر رضي الله عنه: أخرج البخاري (1588)، أنه رضي الله عنه قال:«لا يرث المؤمن الكافر» ، وتقدم عدم توريث الكفار عن علي وزيد رضي الله عنهم 7/ 63 حاشية (3).
(3)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10145، 19294)، وابن عبد البر في التمهيد (9/ 163)، عن الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، أن عمر بن الخطاب قال:«أهل الشرك نرثهم ولا يرثونا» ، مرسل، قال ابن الملقن في التوضيح 30/ 574:(ولم يصح).
قلنا: كذا لفظُهُ في المصنف والتمهيد، وساقه ابن عبد البر في قول من قال بالتوريث، وقد جاء في موطن آخر من المصنف بلفظ:«أهل الشرك لا نرثهم ولا يرثونا» ، بزيادة:(لا)، وأخرجه عبد الرزاق (9856)، بالإسناد السابق، وأخرجه الثوري في الفرائض (7)، بنفس الإسناد، من طريق نُعيم عن الثوري، وأخرجه الدارمي (3033)، عن محمد بن يوسف، عن سفيان به مثله. وأخرجه أيضًا سعيد بن منصور (141)، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن عمر بلفظ:«لا نرث أهل الملل ولا يرثوننا» ، وروي عن عمر من غير طريق إبراهيم بهذا اللفظ أيضًا: أخرجه مالك برواية أبي مصعب الزهري (3063)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (12232)، عن سعيد بن المسيب، عن عمر. وهو المشهور الصحيح عن عمر رضي الله عنه كما قال ابن عبد البر في الاستذكار 5/ 368 وابن قدامة في المغني 6/ 367، وأما لفظ:«أهل الشرك نرثهم» ، بدون (لا)؛ فمما تفرد به عبد الرزاق عن الثوري في أحد موطنيه من مصنفه، ورواية عبد الرزاق عن الثوري تُكلِّم في بعضها، فإما أن يكون الخطأ منه أو ممن روى عنه المصنف، والله أعلم.
وأثر معاذ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (31450)، وأحمد (22005)، وأبو داود (2913)، والطبراني في الكبير (338)، والحاكم (8006)، والبيهقي في الكبرى (12153)، عن عبد الله بن بريدة، عن يحيى بن يَعْمَرَ، عن أبي الأسود الدؤلي، قال: أُتي معاذ بن جبل في رجل قد مات على غير الإسلام وترك ابنه مسلمًا، فورَّثه منه معاذ، وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الإسلام يزيد ولا ينقص» ، وصححه الحاكم، قال الحافظ في الفتح 12/ 50:(وتُعقِّب بالانقطاع بين أبي الأسود ومعاذ، ولكن سماعه منه ممكن، وقد زعم الجورقاني أنه باطل، وهي مجازفة)، ويؤيد الانقطاع: ما أخرجه أبو داود (2912)، والبيهقي في الكبرى (12154)، عن عبد الله بن بريدة: أن أخوين اختصما إلى يحيى بن يَعْمَرَ، يهودي ومسلم، فورَّث المسلمَ منهما، وقال: حدثني أبو الأسود، أن رجلاً حدثه، أن معاذًا حدثه، ثم ذكره. قال البيهقي:(وهذا رجل مجهول، فهو منقطع)، وبهذا أعله الألباني في ضعيف أبي داود 2/ 402. وأخرجه أحمد بن منيع كما في المطالب العالية (1545)، والبزار (2636)، والطبراني في الكبير (340)، عن يحيى بن يعمر، عن معاذ، هكذا مرسلاً. وقوَّى إسناده الحافظ في الفتح 12/ 50.
وأثر معاوية رضي الله عنه: أخرجه الدارمي (3038)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 108)، عن الشعبي، عن مسروق، قال:«كان معاوية يورث المسلم من الكافر، ولا يورث الكافر من المسلم» ، قال الحافظ:(موقوف صحيح). وروي عنه من وجوه أخرى عند سعيد بن منصور (147)، وابن أبي شيبة (31451)، وابن الأعرابي في الأوائل (155).
والعَمَلُ على الأوَّل.
ولا فَرْقَ فيه
(1)
بَينَ أنْ يكونَ من نَسَبٍ أوْ نكاحٍ، وصرَّح به في «الوجيز» ، وقيَّد الكافِرَ بالأصليِّ، وهو مُرادٌ.
(وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ)، إجْماعًا
(2)
، وسَنَدُه: ما رَوَى أسامةُ بنُ زَيدٍ مَرْفوعًا: «لا يَرِثُ المسْلِمُ الكافِرَ، ولا الكافِرُ المسْلِمَ» متَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
، ولأِنَّ الوَلاءَ
(4)
بَينَهما مُنقَطِعةٌ، فلم يَتَوارَثَا.
(إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ؛ فَيَرِثُهُ)، نَقَلَه الأثْرَمُ ومحمَّدُ بنُ الحَكَم
(5)
، واختاره الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب في «خِلافَيهِما» ؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ
(1)
قوله: (فيه) سقط من (ق).
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 98، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 109.
(3)
أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614).
(4)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح 18/ 266: الولاية.
(5)
ينظر: المغني 6/ 370.
في «سُنَنه» من طَريقَينِ، عن عُرْوةَ وابنِ أبي مُلَيكَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أسْلَمَ على شَيءٍ فهو له»
(1)
، وعن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «كلُّ قَسْمٍ قُسِمَ في الجاهليَّة؛ فهو على ما قُسِمَ، وكلُّ قَسْمٍ أدْرَكَه قَسْمُ الإسلام؛ فإنَّه على قَسْمِ الإسلام» رواهُ أبو داودَ وابنُ ماجَهْ
(2)
، وقَضَى به عمرُ وعُثْمانُ
(3)
،
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (189، 190)، عن عروة بن الزبير، وفي الموضع الثاني عن ابن مليكة مرسلاً عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أسلم على شيء فهو له» ، قال ابن عبد الهادي:(إسناد صحيح، لكنه مرسل)، وأخرجه البيهقي في الكبرى (18259)، موصولاً من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفي سنده: ياسين بن معاذ الزيات، قال البخاري عنه:(يتكلمون فيه، منكر الحديث)، وقال النسائي:(متروك)، وروي من حديث ابن عباس ومن حديث بريدة رضي الله عنهم بأسانيد فيها مقال، وحسنه بجميع طرقه الألباني، ويشهد له أيضًا حديث صخر بن عيلة رضي الله عنه أخرجه أحمد (18778)، وذكر قصةً وفيه:«إذا أسلم الرجل، فهو أحق بأرضه وماله» ، وقال ابن حجر:(رجاله موثقون)، وحسنه الألباني. ينظر: التاريخ الكبير 8/ 429، تنقيح التحقيق 4/ 265، ميزان الاعتدال 4/ 385، بلوغ المرام (1299)، الإرواء 6/ 156، الصحيحة (1230).
أخرجه أبو داود (2914)، وابن ماجه (2485)، والبزار (5262)، والبيهقي في الكبرى (18286)، وفي سنده: محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ، وحسن ابن القطان الحديث، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيد)، وصححه الألباني. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 518، تنقيح التحقيق 4/ 264، الإرواء 6/ 157.
(2)
أخرجه أبو داود (2914)، وابن ماجه (2485)، والبزار (5262)، والبيهقي في الكبرى (18286)، وفي سنده: محمد بن مسلم الطائفي، وهو صدوق يخطئ، وحسن ابن القطان الحديث، وقال ابن عبد الهادي:(إسناده جيد)، وصححه الألباني. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 518، تنقيح التحقيق 4/ 264، الإرواء 6/ 157.
(3)
أخرجه القاضي إسماعيل في أحاديث أيوب (51)، والطبراني في الكبير (635)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (6635)، عن أبي قلابة، عن حسان بن بلال المزني، عن يزيد بن قتادة: أن إنسانًا من أهله مات وهو على غير الإسلام، فورثته ابنته دوني وكانت على دينه، ثم إن جدي أسلم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حُنينًا، فتوفي وترك نخلاً؛ فأسلمت، فخاصمت على الميراث إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحدث عبد الله بن الأرقم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى أنه من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فله نصيبه، فقضى لها عثمان رضي الله عنه، فذهبت بذلك الأول وشاركتني في الأخرى. وأخرجه عبد الرزاق (19320)، عن أبي قلابة، عن رجل بنحوه. وأخرجه سعيد بن منصور (185)، وابن أبي شيبة (31633)، عن أبي قلابة، عن يزيد بن قتادة نحوه. ويزيد بن قتادة في صحبته نظر كما في الاستيعاب 4/ 1578، وذكره العجلي في ثقات التابعين، وسكت عنه البخاري وابن أبي حاتم. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 226:(رجاله رجال الصحيح خلا حسان بن بلال، وهو ثقة)، ولعله ذهب إلى أن يزيدًا له صحبة، فإنه ليس من رجال الصحيح.
رواه ابنُ عبدِ البَرِّ في «التَّمهيد» ، ولم يُنكَرْ، فكان إجْماعًا.
والحِكمةُ فيه: التَّرغِيبُ في الإسلام والحثُّ عليه.
فعلى هذا: إنْ أسْلَمَ قَبْلَ قَسْمِ البَعْض؛ وَرِثَ ما بَقِيَ، فإنْ كان الوارِثُ واحِدًا فتَصَرُّفُه في التَّرِكة وحِيازَتُها كقِسْمَتها، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
وظاهِرُه: أنَّه إذا قُسِمَت التَّرِكةُ، وتَعَيَّنَ حقُّ كلِّ وارِثٍ، ثمَّ أسْلَمَ؛ فلا شَيءَ له.
واسْتَثْنَى الخِرَقِيُّ، والمجْدُ، والجَدُّ: الميراثَ بالوَلاء، وهو: ما إذا أعْتَقَ الكافِرُ مسلِمًا، أوْ بالعكس، فإنَّه يَرِثُه بالوَلاء على المذْهَبِ؛ لِثُبوتِه.
(وَعَنْهُ: لَا يَرِثُهُ)، نقلها أبو طالِبٍ
(1)
، وصحَّحها جماعةٌ، وقاله أكثرُ العلماء؛ لقَولِه عليه السلام: «لا يَرِثُ المسلِمُ الكافِرَ
…
» الخبرَ
(2)
، ولأِنَّ الملْكَ قد انتَقَلَ عنه بالموت، فلم يُشارِكْهم مَنْ أسْلَمَ؛ كما لو اقْتَسَمُوا، أو كان رقيقًا فأُعْتِق.
فَعَلَيها: تَرِثُ
(3)
عَصَبةُ سيِّده الموافِقِ لدِينه.
وورَّث الشَّيخُ تقيُّ الدِّين المسلمَ من ذِمِّيٍّ؛ لِئَلاَّ يَمتَنِعَ قَريبُه
(4)
من الإسلام، ولِوُجوبِ نَصْرِهم ولا يَنصُروننا
(5)
.
(وَإِنْ عَتَقَ عَبْدٌ بَعْدَ مَوْتِ مَوْرُوثِهِ، وَقَبْلَ الْقَسْمِ؛ لَمْ يَرِثْ وَجْهًا وَاحِدًا)،
(1)
ينظر: المغني 6/ 370.
(2)
أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614).
(3)
في (ق): يرث.
(4)
في (ق): قربه.
(5)
ينظر: الاختيارات ص 283.
نَصَّ عليه في روايةِ ابنِ الحَكَم
(1)
، وقالَهُ جُمْهورُ الفقهاء من الصَّحابة ومَن بَعدَهم
(2)
؛ لأِنَّ مُقْتَضَى الدَّليل مَنْعُه مطلَقًا، خَرَجَ منه ما سَبَقَ، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقْتَضاهُ.
وعَنْهُ: يَرِثُ، ذَكَرَها ابنُ أبي موسى؛ كمَن أسْلَم، وقاله ابنُ مَسْعودٍ
(3)
، ومَكحولٌ، وقَتادةُ.
والأوَّلُ أصحُّ، قال ابنُ حَمْدانَ: والمذْهَبُ تَورِيثُ مَنْ أسْلَمَ لا مَنْ عَتَقَ، والفَرْقُ: أنَّ الإسْلامَ أعْظَمُ الطَّاعات والقُرَبِ وَرَدَ الشَّرعُ بالتَّأليف عليه، فَوَرَدَ الشَّرْعُ بتَورِيثه؛ تَرْغِيبًا له في الإسلام، والعِتْق لا صُنْعَ له فيه، ولا يُحْمَدُ عليه، فلم يَصِحَّ قَياسُه عليه، ولَولا ما وَرَدَ مِنْ الأثر في تَورِيثِ مَنْ أسْلَمَ؛ لَكانَ النَّظَرُ أنْ لا يَرِثَ مَنْ لم يَكُنْ من أهْلِ الميراث حِينَ الموت.
فَرْعٌ: لو مَلَكَ ابنَ عمِّه، فدَبَّره؛ يَعْتِق بمَوته ولم يَرِثْه؛ لأِنَّه رقيقٌ حِينَ الموت.
وإنْ قال: أنت حُرٌّ في آخِرِ حَياتِي عَتَقَ وَوَرِثَ في الأصحِّ؛ كحُرِّيَّته حِينَ الموت.
(وَيَرِثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِنِ اتَّفَقَتْ أَدْيَانُهُمْ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(4)
؛ لأِنَّ المانِعَ من الإرث اخْتِلافُ الدِّين، وهو مُنْتَفٍ، لكِنْ لا فَرْقَ بَينَ أهلِ الذِّمَّة وغَيرِهم من الكُفَّار في ذلك؛ لِمَفْهومِ حديثِ أُسامةَ
(5)
.
(1)
ينظر: زاد المسافر 4/ 123، الروايتين والوجهين 2/ 65.
(2)
تقدم ذكر قول علي وزيد وابن مسعود رضي الله عنهم في أن المملوكين لا يرثون 7/ 63 حاشية (3).
(3)
تقدم تخريجه 7/ 224 حاشية (4).
(4)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 108.
(5)
وهو قوله: «لا يَرِثُ المسْلِمُ الكافِرَ، ولا الكافِرُ المسْلِمَ» ، تقدم تخريجه 7/ 182 حاشية (2).
(وَهُمْ ثَلَاثُ مِلَلٍ)، هذا رِوايةٌ:(الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ)؛ لأنَّ كُلًّا منهما له كِتابٌ وأحْكامٌ وشَرائِعُ غَيرُ الأخْرى، (وَدِينُ سَائِرِهِمْ)؛ أيْ: باقِيهِم؛ كالمجوس وعَبَدةِ الأوْثان، فإنَّهم مِلَّةٌ واحِدةٌ؛ لأِنَّه يَشمَلُهم بأنَّه لا كِتابَ لهم، وهذا قَولُ شُرَيحٍ وعَطاءٍ وجَمْعٍ، واخْتارَه القاضِي وعامَّةُ الأصحاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِمَا رَوَى عَبدُ الله بنُ عُمَرَ
(1)
: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَتوارَثُ أهْلُ مِلَّتَينِ شَتَّى» رواه أبو داودَ
(2)
، ولأِنَّ الموالاةَ مُنقَطِعةٌ بَينَهم، أشْبَهَ اخْتِلافَهم بالكفر والإسلام.
وعَنْهُ: الكُفْرُ مِلَلٌ مُختلِفَةٌ، اخْتارَه أبو بَكْرٍ والشَّريفُ وأبو الخَطَّاب في «خِلافَيهِما»
(3)
، وقدَّمه في «الفروع» ، وهو
(4)
قَولُ كثيرٍ من العلماء؛ لأِنَّ الخَبَرَ المذكورَ يَنفِي تَوارُثَهم، ولم نَسمَعْ عن أحمدَ تصريحًا بذِكْرِ انْقِسامِ الملْك، فَعَلَى هذا: لا توارُثَ بَينَها، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: يَحتمِلُ أنْ تَكونَ مِلَلاً كثيرةً، فتكونَ المجوسيَّةُ مِلَّةً، وعَبدةُ الأوثان مِلَّةً، وعُبَّادُ الشَّمس مِلَّةً، قال في «المغْنِي»: وهو أصحُّ؛ لأِنَّ كلَّ فَريقَينِ منهم لا مُوالاةَ بَينَهم ولا اتِّفاقَ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وتبع المصنف ما في الشرح الكبير 18/ 275، وصوابه: عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
(2)
أخرجه أحمد (6664)، وأبو داود (2911)، والنسائي في الكبرى (6350)، وابن الجارود (967)، والدارقطني (4074)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده مرفوعًا، قال ابن عبد البر عن إسناد أبي داود:(إسناد صحيح لا مطعن فيه)، وكذا قال ابن حجر، وحسنه الألباني.
وأخرجه ابن حبان (5996)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما في خطبة يوم فتح مكة، وأخرجه النسائي (6348)، والحاكم (2944)، بهذا اللفظ لكن من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه، قال الدارقطني:(هذا اللفظ في حديث أسامة غير محفوظ). ينظر: الفتح 12/ 51، التلخيص الحبير 3/ 190، الإرواء 6/ 121.
(3)
في (ق): خلافهما.
(4)
في (ق): وهذا.
في دِينٍ، وقَولُ مَنْ حَصَرَ المِلَّةَ بِعدَمِ الكتاب لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه وَصْفٌ عَدَمِيٌّ لا يَقْتَضِي حُكْمًا.
وعَنْهُ: مِلَّةٌ واحدةٌ، نَقَلَها حَرْبٌ
(1)
، فَعَلَيها: يَتوارَثُونَ، اخْتارَها
(2)
الخَلاَّلُ؛ لقَولِه تعالَى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفَال: 73]، عامٌّ في جميعهم، فالصابِئةُ قِيلَ: كاليهود، وقيلَ: كالنَّصارَى.
(وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَدْيَانُهُمْ؛ لَمْ يَتَوَارَثَا)، هذا هو المذْهَبُ؛ لخَبَرِ ابنِ عمرَ.
(وَعَنْهُ: يَتَوَارَثُونَ)، قدَّمه في «الكافي» و «المحرَّر» ؛ لمَفْهومِ حديثِ أُسامةَ، قال في «الشَّرح»: وهذا يَجيءُ على قَولِنا: إنَّ الكفرَ مِلَّةٌ واحدةٌ.
(وَلَا يَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا، وَلَا حَرْبِيٌّ ذِمِّيًّا، ذَكَرَهُ الْقَاضِي)، وقالَهُ أكثرُ أصحابنا، وذَكَرَه أبو الخَطَّاب في «التَّهذيب» اتِّفاقًا؛ لاِنْقِطاعِ الموالاةِ بَينَهُما.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَتَوَارَثَا)، نَصَّ عليه في روايةِ يعقوبَ
(3)
، وقاله القاضي في «تعليقه» ، قال في «الاِنْتِصار»: وهو الأقْوَى في المذهب؛ عَمَلاً بظاهِرِ الخَبَرِ، ولأِنَّهم أهلُ مِلَّةٍ واحدةٍ، وإنَّما اخْتَلَفَت الدَّارُ.
قال في «المغْنِي» : قِياسُ المذْهَبِ عِنْدِي: أنَّ المِلَّةَ الواحدةَ يَتَوارَثُونَ وإن اخْتَلَفَتْ دِيارُهم؛ لأِنَّ العُموماتِ من
(4)
النُّصوص تَقْتَضِي تَورِيثَهم، ولم يَرِدْ بتَخْصيصهم نَصٌّ ولا إجْماعٌ، ولا يَصِحُّ فيهم قِياسٌ، فيَجِبُ العَمَلُ بِعُمومِها، ولأِنَّ مُقْتَضَى التَّورِيثِ مَوجُودٌ، فيُعمَلُ به، ما لم يَقُمْ دليلٌ على تحقُّقِ المانِعِ.
مسألةٌ: يَتوارَثُ حَرْبِيٌّ ومُسْتَأْمِنٌ، وذِمِّيٌّ وَمسْتَأْمِنٌ، وفي «المنتخب»: يَرِثُ مُسْتَأْمِنًا وَرَثَتُه بدارِ حَرْبٍ؛ لأِنَّه حَرْبِيٌّ، وفي «التَّرغيب»: هو في حُكْمِ ذِمِّيٍّ،
(1)
ينظر: المغني 6/ 368.
(2)
في (ق): اختاره.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 64.
(4)
في (ق): في.
ونَقَلَ أبو الحارِث: المسْتَأْمِنُ يَموتُ هنا يَرِثُه وَرَثَتُه
(1)
.
(وَالمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ
(2)
؛ لأِنَّه لا يُقَرُّ على كُفْرِه، فلم يَثبُتْ له حُكْمُ الدِّين الذي انْتَقَلَ إليه، ولهذا لا تَحِلُّ ذَبيحَتُه، ولا نِكاحُ نسائه، ولو انْتَقَلَ إلى دِينِ أهلِ الكتاب؛ لأِنَّ المرتدَّ تَزُولُ أمْلاكُه الثَّابِتةُ له أو استِقْرارُها فلِئلاَّ
(3)
يَثبُتَ له ملْكٌ أَوْلَى.
(إِلاَّ أَنْ يُسْلِمَ قَبْلَ قَسْمِ المِيرَاثِ)؛ فعلى الخلافِ السَّابِق.
ولو ارْتدَّ مُتَوارِثانِ، فمات أحدُهما؛ لم يَرِثْه الآخَرُ؛ لأِنَّ المرتدَّ لا يَرِثُ ولا يُورَثُ، لكن قال المؤلِّفُ: قِياسُ المذْهَبِ: أنَّ أحدَ الزَّوجَينِ إذا ارْتَدَّ في مَرَضِ مَوتِه؛ وَرِثَه الآخَرُ، ويُخرَّجُ في مِيراثِ سائرِ الأقارب كذلك.
(وَإِنْ قُتِلَ) أوْ ماتَ (فِي رِدَّتِهِ؛ فَمَالُهُ فَيْءٌ) في بَيتِ مالِ المسلمين، هذا هو المشهورُ والصَّحيحُ، وقالَهُ ابنُ عبَّاسٍ وغَيره
(4)
؛ لأِنَّه كافِرٌ، فَلَا يَرِثُه المسْلِمُ؛ كالكافِرِ الأصليِّ، ولأِنَّ مالَه مالُ مَرْتَدٍّ، أشْبَهَ الذي كَسَبَه في رِدَّته، ولا يُمكِنُ جَعْلُه لأِهْلِ دِينِه؛ لأِنَّه لا يَرِثُهم، فلا يَرِثُونه؛ كغَيرِهم من أهلِ الأدْيانِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) رُوِيَ عن الصِّدِّيقِ
(5)
وعليٍّ
(6)
(1)
في (ظ): ترثه ورثته. ينظر: الفروع 8/ 64.
(2)
ينظر: المغني 6/ 370.
(3)
في (ق) قليلاً. ولعل الصواب: قألاّ.
(4)
علَّقه الشافعي في الأم (6/ 184)، وعنه البيهقي في الكبرى (6/ 415)، قال الشافعي:(روي أن معاوية كتب إلى ابن عباس وزيد بن ثابت يسألهما عن ميراث المرتد، فقالا: لبيت المال)، ولم نقف عليه مسندًا.
(5)
قال في المغني 6/ 372: (يروى عن زيد بن ثابت، قال: بعثني أبو بكر عند رجوعه إلى أهل الردة أن أقسم أموالهم بين ورثتهم المسلمين)، ولم نقف عليه بهذا اللفظ، وتقدم 7/ 173 حاشية (1) أن أبا بكر قضى في أهل اليمامة بمثل قول زيد بن ثابت:«ورث الأحياء من الأموات» .
(6)
أخرجه عبد الرزاق (10138)، وسعيد بن منصور (311)، وابن أبي شيبة (31384)، والدارمي (3117)، والبيهقي في الكبرى (12462)، عن أبي عمرو الشيباني:«أن علي بن أبي طالب جعل ميراث المرتد لورثته من المسلمين» ، وذلك في قصة مستورد العجلي لما تنصَّر. ورجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق (19301)، وابن أبي شيبة (31385)، والدارمي (3118)، والبيهقي في الكبرى (12460)، عن الحجاج، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه. قال البيهقي:(منقطع، والحجاج غير محتج به)، وأخرجه عبد الرزاق من طرق أخرى فيها انقطاع. وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (5299)، والبيهقي في الكبرى (12463)، عن ابن عبيد بن الأبرص، عن علي رضي الله عنه، وذكر قصة المستورد، فذكر فيها قتله، قال: ولم يعرض لماله. وفيها شريك القاضي وهو ضعيف، قال البيهقي:(رواه الشعبي وعبد الملك بن عمير عن عليٍّ دون ذكر المال)، ونقل عن الشافعي قوله:(يزعم بعض أهل الحديث أنه غلط)، وأعلَّه الإمام أحمد فقال:(ليس يصح الحديث الذي يروى عن علي رضي الله عنه، أن ميراث المرتد لورثته من المسلمين، ليس بشيء عندي)، وقال مرة:(ذا خطأ). ينظر: أحكام أهل الملل ص 458.
وابنِ مسعودٍ
(1)
وجمعٍ، واختارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين؛ لأِنَّ رِدَّتَه كمَرضِ مَوتِه، والفَرْق بَينَهما أنَّ على الأولى: يأخُذُونَه فَيئًا، وعلى الثَّانية: إرْثًا.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ لِوَرَثَتِهِ مِنْ أَهْلِ الدِّينِ الَّذِي اخْتَارَهُ)، رُوِيَ عن عَلقَمةَ؛ لأِنَّه كافِرٌ فوَرِثه
(2)
أهلُ دِينِه؛ كالحَرْبِيِّ، فإنْ لم يَكُنْ فيهم مَنْ يَرِثُه؛ فهو فَيْءٌ.
وظاهِرُ ما ذَكَرَه الأصْحابُ: لا فَرْقَ بَينَ تِلادِ مالِه وطارِئِه
(3)
.
فإن
(4)
ارتدَّ ودَخَلَ دارَ الحرب؛ وُقِفَ مالُه إلى أنْ يَموتَ على الأصحِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» .
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (31383)، والدارمي (3116)، والطحاوي في معاني الآثار (5300)، والبيهقي في الكبرى (12466)، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن عبد الله، قال:«إذا ارتد المرتد ورثه ولده» ، قال البيهقي:(منقطع، القاسم لم يدرك جده). وأخرجه عبد الرزاق (10140)، والطحاوي في معاني الآثار (5301)، من طرق عن الحكم بن عتيبة، أن ابن مسعود قال:«ميراثه لورثته من المسلمين» ، وهو منقطع أيضًا.
(2)
في (ظ): يرثه.
(3)
في (ق): وطارقه.
(4)
في (ق): بأن.
تنبيهٌ: لم يتعرَّض المؤلِّفُ لحكْمِ الزِّنْدِيقِ، وهو الذي يُظهِرُ الإسلامَ ويُبطِنُ الكُفْرَ، الذي كان يُسَمَّى مُنافِقًا في عَصْرِه عليه السلام، حُكمُه كالمرتدِّ، قال في «الفصول»: وآكَدُ، حَيثُ لا تُقبَلُ تَوبتُه
(1)
، قال في «الفروع»: والمرادُ إذا لم يَتُبْ، أوْ تاب ولم نَقبَلْها
(2)
.
واحتجَّ المؤلِّفُ وغَيرُه: بكفِّ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عنهم بإظْهارِ الشَّهادة، مع علم الله تعالى له بباطِنِهم.
واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّ المنافِقَ يَرِثُ ويُورَثُ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يأخُذْ من تَرِكةِ مُنافِقٍ شَيئًا، ولا جَعَلَه فَيْئًا، فَعُلِمَ أنَّ الميراثَ مَدارُه على النُّصرة الظَّاهِرة، واسْمُ الإسلام يَجْرِي عليهم في الظَّاهِر إجْماعًا
(3)
.
ولا لِحُكْمِ الدَّاعية، وهو إذا دعا إلى بِدْعةٍ مُكفِّرةٍ؛ فمالُه فَيءٌ، نَصَّ عليه في الجَهْمِيِّ
(4)
، وعلى الأصحِّ: أو غَيرِ داعِيةٍ، وهما في غَسْلِه والصَّلاة عليه وغيرِ ذلك.
ونَقَلَ الميْمُونِيُّ في الجَهْمِيِّ إذا مات في قَرْيةٍ لَيسَ فيها إلاَّ نصارَى، مَنْ يَشهَدُه؟ قال: أنا لا أشْهَدُه، يَشهَدُه مَنْ شاءَ
(5)
، قال ابنُ حامِدٍ: ظاهِرُ المذْهَبِ خِلافُها.
(1)
قوله: (لا تقبل توبته) لعلها في (ق) لا يتقبل موته. وهي غير منقوطة.
(2)
في (ظ): يقبلها.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 7/ 210، الاختيارات ص 283.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 129.
(5)
ينظر: المغني 2/ 416.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَسْلَمَ الْمَجُوسُ، أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا؛ وَرِثُوا بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِمْ) إنْ أمْكَنَ، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قَولُ عمرَ، وعليٍّ، وابنِ مسعودٍ، وابنِ عبَّاسٍ، وزَيدٍ في الصَّحيح عنه
(2)
، وجَمْعٍ من التَّابِعِينَ وغَيرِهم، واخْتارَهُ ابنُ اللَّبَّانِ؛ لأِنَّ الله تعالى فَرَضَ للأمِّ الثُّلثَ، وللأخت النِّصفَ، فإذا كانت الأمُّ أخْتًا؛ وَجَبَ إعْطاؤها ما فَرضَ اللهُ لها في الآيَتَينِ؛ كالشَّخْصَينِ، ولأِنَّهما قرابَتانِ تَرِثُ كلُّ واحدةٍ منهما مُنفَرِدةً، ولا تَحجُبُ إحداهما الأخرى إذا كانا في شَخْصَينِ، ولا ترجيحَ فيهما، فيَرِثُ بهما جميعًا؛ كزَوجٍ هو ابنُ عمٍّ، وابنُ عمٍّ هو أخٌ لأِمٍّ.
وعَنْهُ: يَرِثُ بأقْوَى القَرابَتَينِ، وهي التي لا تَسقُطُ بحالٍ، رُوِيَ عن زَيدٍ
(3)
، وقاله الحَسَنُ والزُّهْرِيُّ؛ لأِنَّهما قَرابَتانِ لا يُورَّثُ بهما في الإسلام،
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4211، زاد المسافر 4/ 125.
(2)
تبع المصنف ما في المغني 6/ 375، ولم نقف عليه من قول عمر وابن عباس وزيد رضي الله عنهم، وذكره محمد بن الحسن في الأصل 6/ 99 عن عمر رضي الله عنه.
وأثر عليٍّ وابن مسعود رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (9906)، وابن أبي شيبة (31424)، والدارمي (3131)، والبيهقي في الكبرى (12512)، عن الشعبي، عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما أنهما قالا في المجوس:«يرث من مكانين» ، وفي إسناده محمد بن سالم الهمداني، وهو ضعيف. وأخرج عبد الرزاق (9910)، عن أبي صادق أو غيره:«أن عليًّا كان يورث المجوسي من مكانين» ، يعني: إذا تزوج أخته أو أمه. وأبو صادق الأزدي، قال ابن حجر في التهذيب 12/ 130:(حديثه عن علي مرسل). وأخرج البيهقي في الكبرى (12511)، عن يحيى بن الجزار عن علي نحوه، وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك. وقال البيهقي:(الروايات عن الصحابة في هذا الباب ليست بالقوية).
(3)
علقه البيهقي في الكبرى (12509)، فقال:(يُذكر عن زيد بن ثابت أنه قال: «يرث بأدنى الأمرين، ولا يرث من وجهين»)، ولم يذكر إسناده.
فلا يُورَّثُ بهما في غَيرِه، كما لو أسْقَطَتْ إحداهما الأخرى.
وجَوابُه: أنَّ أبا بَكْرٍ أنْكَرَ هذه الرِّوايةَ، وقال: لم يَحْكِ حنبلٌ عن أحمدَ لَفْظًا ومَعْنًى، وبأنَّ القَرابَتَينِ في الأصل يُسقِطُ إحداهما الأخرى إذا كانا في شَخْصَينِ، فكذا إذا كانا في شخصٍ واحدٍ.
وقَولُهم: لا تُورَّثُ بهما في الإسلام؛ لِعَدَمِ وجودِهما، فلو تُصُوِّرَ وُجودُهما؛ كزَوجٍ هو ابنُ عمٍّ؛ وَرِثَ بِهِمَا.
تنبيهٌ: اعْلَمْ أنَّ المسائلَ التي يَجتَمِعُ بها قرابتان يَصِحُّ الإرْثُ بهما سِتٌّ؛ إحداهنَّ في الذُّكور، وهي: عمٌّ هو أخٌ لأِمٍّ، وخمسٌ في الإناث، وهي: بنتٌ هي أختٌ أوْ بنتُ ابنٍ، وأمٌّ هي أختٌ، وأمُّ أمٍّ هي أختٌ لأِبٍ، وأمُّ أبٍ هي أختٌ لأِمٍّ.
ومتى كانت البنتُ أُخْتًا، والميتُ رجلٌ؛ فهي أختٌ لأُمٍّ، ومتى كان امرأةً فهي أختٌ لأِبٍ.
فإنْ قِيلَ: أمٌّ هي أختٌ لأِمٍّ، أوْ أمُّ أمٍّ هي أختٌ لأُمٍّ، وأمُّ أب هي أختٌ لأِبٍ؛ فهو مُحالٌ.
(فَإِذَا خَلَّفَ أُمَّهُ، وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ أَبِيهِ، وَعَمًّا؛ وَرِثَتِ الثُّلُثَ بِكَوْنِهَا أُمًّا، وَالنِّصْفَ بِكَوْنِهَا أُخْتًا)؛ لِمَا تقدَّمَ، (وَالْبَاقِي لِلْعَمِّ)؛ لِخَبَرِ:«ألْحِقُوا الفَرائضَ بأهْلِها، فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رجلٍ ذَكَرٍ»
(1)
.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا أُخْتٌ أُخْرَى؛ لَمْ تَرِثْ بِكَوْنِهَا أُمًّا إِلاَّ السُّدُسَ)، وعلَّله:(لِأَنَّهَا انْحَجَبَتْ بِنَفْسِهَا وَبِالْأُخْرَى)، لأِنَّ الأمَّ تُرَدُّ من الثُّلُث إلى السُّدس بالأخْتَينِ، ومَنْ وَرَّثَها بأقْوَى القَرابَتَينِ؛ وَرَّثَها الثُّلثَ بكَونِها أُمًّا، ولم يَحجُبْها
(2)
بنَفْسها.
(1)
أخرجه البخاري (6732)، ومسلم (1615)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(2)
في (ق): ولم تحجبها.
وقد تَحجُبُ هي نفْسَها، وهو ما إذا تزوَّجَ مَجوسِيٌّ أمَّه، فأوْلَدَها بنتًا، ثُمَّ مات؛ فلها السُّدسُ، ولاِبْنَتِه النِّصفُ، ولا تَرِثُ
(1)
أمُّه بالزَّوجيَّة، ولا ابْنَتُه بالأخُوَّة للأمِّ؛ لأِنَّ وَلَدَ الأمِّ
(2)
، وهو مَوجُودٌ هنا، فتكون
(3)
إذًا قد حَجَبَتْ نفْسَها بنفْسِها.
مسألةٌ: مَجُوسِيٌّ تزوَّجَ ابنتَه، فأوْلَدَها بنتًا، ثُمَّ مات عنها، وعن عمٍّ؛ فلهما الثُّلثانِ، والبقيَّةُ للعمِّ، ولا تَرِثُ الكبْرَى بالزَّوجِيَّة في قَولِ الجميعِ.
فإنْ ماتت الكُبْرَى بعدَه؛ فالمالُ للصُّغْرَى؛ لأِنَّها بنتٌ وأُخْتٌ، فإنْ ماتَتْ
(4)
قَبْلَ الكُبْرى فلها نصفٌ وثلثٌ، والبقيَّةُ للعمِّ، ومَنْ ورَّثَ بأقْواهما لم يُورِّثْها بالأُخُوَّة شَيئًا في المسْأَلَتَينِ.
ثمَّ لو تزوَّجَ الصُّغْرَى، فَوَلَدَتْ بِنْتًا، وخلَّف مَعَهنَّ عَمًّا؛ فلِبَناتِه الثُّلثانِ، وما بَقِيَ للعمِّ، ولو ماتَتْ
(5)
بَعدَه ابنتُه الكُبْرى؛ فللوُسْطَى النِّصفُ؛ لأِنَّها بنتٌ، وما بَقِيَ لها وللصُّغْرى؛ لأِنَّهما أُخْتانِ لأِبٍ، وتَصِحُّ من أربعةٍ، فهذه بنتُ بنتٍ، وَرِثَتْ مع بنتٍ فَوقَ السُّدس.
ولو ماتَتْ
(6)
بَعدَه الوُسْطَى؛ فالكُبْرَى: أمٌّ وأختٌ لأِبٍ، والصُّغرَى: بنتٌ وأختٌ لأِبٍ، فللأمِّ السُّدسُ، وللبنت النِّصفُ، وما بَقِيَ لهما بالتَّعصيب.
وإنْ ماتَت الصُّغْرى بَعدَها؛ فأمُّ أمِّها أُخْتٌ لأِبٍ، فلها الثُّلثانِ، وما بَقِيَ للعمِّ.
(1)
في (ظ): يرث.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 3/ 413: لأن ولد الأم يسقط بالولد.
(3)
في (ظ): فيكون.
(4)
في (ق): مات.
(5)
في (ق): مات.
(6)
في (ق): مات.
ولو ماتَتْ
(1)
بَعْدَه بنتُه الصُّغْرَى؛ فللوُسْطَى بأنَّها أمٌّ: السُّدسُ، وحَجَبَتْ نَفْسَها، ولهما الثُّلثانِ؛ بأنَّهما أُخْتانِ لأِبٍ، وما بَقِيَ للعمِّ، ولا تَرِثُ الكُبْرَى بأنَّها جَدَّةٌ مع أمٍّ، فهذه جَدَّةٌ حَجَبَتْ أُمًّا، وَوَرِثَتْ معها، ومَن حَجَبَ نفْسَه عمل به.
(وَلَا يَرِثُونَ بِنِكَاحِ ذَوَاتِ المَحَارِمِ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(2)
، (وَلَا بِنِكَاحٍ لَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ)؛ كمَنْ تزوَّج مطلَّقَتَه ثَلاثًا، (لَوْ أَسْلَمُوا)؛ لأِنَّه باطِلٌ لا يُقَرُّ عليه، والمجوسُ وغَيرُهم في هذا سَواءٌ.
وظاهِرُه: أنَّهم إذا اعْتَقَدوا صِحَّتَه، وأُقِرُّوا عليه بَعْدَ الإسلام؛ يَرِثونَ به، سَواءٌ وُجِدَ بشروطه الصَّحيحة المعتبَرة في نكاحِ المسلِمينَ أوْ لَا؛ كمَنْ تزوَّجَ بلا شُهودٍ ونحوِه؛ لأِنَّه نكاحٌ يُقَرُّ عليه، فتَرتَّبَ
(3)
عليه الإرْثُ؛ كالنِّكاح الصَّحيح، وفي بعض الأنْكِحة خِلافٌ.
واستِحْقاقُ الإرْثِ مبنيٌّ على الخلاف في أنَّه يُقَرُّ عليه أمْ لا، فالمجوسِيُّ إذا تزوَّجَ امرأةً في عِدَّتها؛ فظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّهما يَتوارَثانِ؛ لِإقْرارهم عَلَيهِ بَعْدَ الإسلام.
وقال القاضي: إنْ أسْلَما بَعْدَ انْقِضاءِ العِدَّةِ أُقِرَّا، وإلاَّ فَلَا، فَعلَيه: لو مات أحدُهما قَبلَ انْقِضاءِ العِدَّة؛ لم يَتوارَثَا، وإنْ ماتَ بعدَه تَوارَثَا، وتأوَّلَ كلامَ أحمدَ على مَنْ أسْلَمَ بَعْدَ انْقِضاء العِدَّة، والله أعلم
(4)
.
(1)
في (ق): مات.
(2)
ينظر: المغني 6/ 374.
(3)
في (ق): فرتب.
(4)
قوله: (والله أعلم) سقطت من (ظ).
(بَابُ مِيرَاثِ الْمُطَلَّقَةِ)
أيْ: غَيرِ مَشْدودةٍ ولا مُمْسَكةِ بعَقْدِ النِّكاح.
(إِذَا طَلَّقَهَا فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضٍ غَيْرِ مَخُوفٍ، أَوْ غَيْرِ مَرَضِ الْمَوْتِ طَلَاقًا بَائِنًا؛ قَطَعَ التَّوَارُثَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ التَّوارُثَ سبَبُه الزَّوجِيَّةُ، وهي معدومةٌ هنا، ولأِنَّ حُكْمَ الطَّلاق في مَرَضٍ غَيرِ مَخُوفٍ؛ حُكْمُ الطَّلاق في الصِّحَّة.
وحِينَئِذٍ إذا طلَّقَها في صحَّته طَلاقًا بائنًا، أوْ رَجْعِيًّا فبانَتْ بانْقِضاءِ عِدَّتها؛ لم يَتوارَثا إجْماعًا
(1)
؛ لِزَوالِ الزَّوجِيَّةِ التي هي سببُ المِيراث.
فإنْ طلَّقها في المرض المخُوفِ، ثُمَّ فصحَّ
(2)
منه ومات بَعْدَه؛ لم تَرِثْه.
(وَإِنْ كَانَ رَجْعِيًّا؛ لَمْ يَقْطَعْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ)، سَواءٌ كان صحيحًا أوْ مريضًا، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لأِنَّ الرَّجْعِيَّةَ زَوجةٌ.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ الْمَخُوفِ طَلَاقًا لَا يُتَّهَمُ فِيهِ؛ بِأَنْ سَأَلَتْهُ الطَّلَاقَ)؛ أيْ: في مَرضِه، فأجابها؛ فالأصحُّ: أنَّها لا تَرِثُه؛ لأِنَّه لَيسَ بفارٍّ.
والثَّانيةُ: بَلَى، صحَّحها في «المستوعب» ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
؛ لأِنَّه طَلَّقها في مَرَضِه، فهو كمَنْ سَألَتْه طلقةً فطلَّقها ثلاثًا.
وقال أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: إذا سألَتْه الطَّلاقَ، فطلَّقها ثلاثًا؛ لم تَرِثْه، وهو مَعْنَى كلامِ جماعةٍ.
وكذلك الحكمُ إذا خالَعَها.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 110، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 36.
(2)
في (ق): نصح. والذي في الشرح الكبير 18/ 299: فإن طلقها في المرض المخوف فصح.
(3)
ينظر: المغني 6/ 394.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 60.
(أَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى فِعْلٍ لَهَا مِنْهُ بُدٌّ فَفَعَلَتْهُ)، أوْ خَيَّرَها فاخْتارَتْ نَفْسَها، أوْ علَّقَ طلاقَها على مَشيئَتِها فشاءت؛ فالأصحُّ: أنَّها لا تَرِثُه؛ لأِنَّه لَيسَ بفارٍّ، ولِزَوالِ الزَّوجِيَّةِ بأمْرٍ لا يُتَّهَمُ فيه، لكِنْ إنْ لم تَعْلَمْ بتَعْليق طلاقِها، فَفَعَلَتْ ما عُلِّقَ عَلَيهِ؛ وَرِثَتْه؛ لأِنَّها مَعْذُورةٌ فيه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
(أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى شَرْطٍ فِي الصِّحَّةِ) لَيسَ مِنْ صُنْعِهِما ولا مِنْ صُنْعِها، ولها منه بُدٌّ، (فَوُجِدَ فِي الْمَرَضِ)؛ كقُدومِ زَيدٍ مَثَلاً؛ لم تَرِثْه؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وذَكَرَ القاضِي روايةً أخْرَى فِيهِما: بالإرْثِ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ وَقَعَ في المرض.
فلو عَلَّقَ طلاقَها على فِعْلِ نَفْسِه وفَعَلَه في المرض؛ وَرِثَتْه؛ لأِنَّه أوْقَعَه في المرض.
ولَوْ قال في الصِّحَّة: أنتِ طالِقٌ إنْ لم أضْرِبْ غُلامِي، فلم يَضرِبْه حتَّى مات؛ وَرِثَتْه، ولا يَرِثُها إنْ ماتَتْ، وإنْ مات الغُلامُ والزَّوجُ مَرِيضٌ؛ طَلَقَت، وكان كتعليقه على مجيءِ زَيدٍ.
وكذا إنْ قال: إنْ لم أُوَفِّكِ مَهْرَكِ فأنتِ طالِقٌ، فإن ادَّعَى أنَّه وفَّاها مَهْرَها، فأنْكَرَتْه؛ صُدِّقَ الزَّوجُ في تَورِيثه منها؛ لأِنَّ الأصلَ بَقاءُ النِّكاح، ولم يُصدَّقْ في براءته منه؛ لأِنَّ الأصلَ بقاؤه في ذِمَّته.
فلو قال لها في صحَّته: إنْ لم أتَزَوَّجْ عَلَيكِ فأنتِ طالِقٌ، فكذلك نَصَّ عليه
(1)
، وهو قَولُ الحَسَنِ.
فَرْعٌ: إذا قال لها في صحَّته: إذا مَرِضْتُ فأنتِ طالِقٌ؛ فهو كطلاق المريض سَواءٌ.
وإنْ أقَرَّ في مَرَضِه أنَّه كان طلَّقها في صحَّتِه ثلاثًا؛ لم يُقبَلْ إقْرارُه، وكان
(1)
ينظر: الهداية ص 462، المغني 6/ 399.
كطلاقِ المريض؛ لأِنَّه أقرَّ بما يُبطِلُ حقَّ غَيرِه، فلم يُقْبَلْ؛ كما لو أقرَّ بما لها.
(أَوْ طَلَّقَ) المسلِمُ في المرض طلاقًا بائنًا، (مَنْ لَا يَرِثُ؛ كَالْأَمَةِ وَالذِّمِّيَّةِ؛ فَعَتَقَتْ أَوْ أَسْلَمَتْ)، ثُمَّ ماتَ عَقِبَها؛ (فَهُوَ كَطَلَاقِ الصَّحِيحِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)؛ أيْ: لم يَرِثاهُ؛ لأِنَّه لَيسَ بِفَارٍّ.
والثَّانيةُ: بَلَى؛ لأِنَّه طلاقٌ في مَرَضِ الموت، فَوَرِثاهُ كغَيرِهِما، وهذه الرِّوايةُ لم يَذكُرْها في «المغْنِي» و «الكافي» ، فلو قال لهما: أنْتُما طالِقَتَان غَدًا، فَعَتَقَت الأمَةُ، وأسْلَمَت الذِّمِّيةُ؛ لم يَرِثاهُ؛ لأِنَّه لَيسَ بِفارٍّ.
(فَإِنْ كَانَ مُتَّهَمًا بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا الْمِيرَاثَ، مِثْلَ أَنْ طَلَّقَهَا) ثلاثًا - وفي «المحرَّر» : أبانَها، وهو أوْلَى - في مَرَضِه المخُوفِ (ابْتِدَاءً)؛ وَرِثَتْه إذا مات، في قَولِ عُمَرَ
(1)
، وعُثْمانَ
(2)
، وشُرَيحٍ، وعُرْوةَ، وغَيرِهم.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12201)، وسعيد بن منصور (1960)، والبيهقي في الكبرى (15131)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 416)، عن مغيرة بن مقسم، عن إبراهيم، أن عمر بن الخطاب قال:«إذا طلقها مريضًا؛ ورثته ما كانت في العدة، ولا يرثها» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (19038)، من طريق جرير بن عبد الحميد، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن شريح به. وهذا مرسل، وقد أعله جماعة، قال البيهقي:(منقطع، ولم يسمعه مغيرة من إبراهيم، إنما قال: ذكر عبيدة عن إبراهيم عن عمر، وعبيدة الضبي ضعيف)، بل قال الإمام أحمد:(ترك الناس حديثه)، وأخرج البيهقي في المعرفة (14851)، بإسناده عن علي بن المديني، قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كان شعبة يروي حديث مغيرة، عن عبيدة، عن إبراهيم، عن عمر، في الذي يطلق وهو مريض. قال يحيى: وكان هشيم يقول في هذا الحديث: ذكر عبيدة، عن إبراهيم، عن عمر. قال يحيى: فسألت عبيدة عنه، فحدثنا عن إبراهيم والشعبي، أن ابن هبيرة كتب إلى شريح في الذي يطلق وهو مريض، وليس عن عمر. ونقل البخاري في التاريخ الكبير 6/ 128 نحو ذلك عن يحيى بن سعيد، قال الحافظ في موافقة الخبر:(ابن هبيرة اسمه عمر، فلعل الراوي ظنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه توهُّمًا).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12192)، وابن أبي شيبة (19035)، والشافعي في الأم (5/ 271)، والدارقطني (4049)، والبيهقي في الكبرى (15124)، عن ابن جريج، أخبرني ابن أبي مليكة، أنه سأل ابن الزبير عن الرجل يطلق المرأة فيبتُّها ثم يموت وهي في عدتها، فقال ابن الزبير:«طلَّق عبد الرحمن بن عوف تُماضر بنت الأصبغ الكلبية فبتَّها ثم مات وهي في عدتها؛ فورَّثها عثمان» ، قال ابن الزبير:«أما أنا فلا أرى أن ترث مبتوتة» ، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 7/ 42، وصححه ابن حجر والألباني. ينظر: موافقة الخبر 2/ 419، الإرواء 6/ 159.
وقال عليٌّ، وعبدُ الله بنُ الزُّبَيرِ، وعبدُ الرَّحمن بنُ عَوفٍ
(1)
: لا تَرِثُ مَبْتوتَةٌ؛ لأِنَّها بائِنٌ، فلا تَرِثُ؛ كالبائِنِ في الصِّحَّة، وكما لو كان الطَّلاقُ باخْتِيارِها.
وجوابُه: بأنَّ عُثْمانَ ورَّث تُماضِرَ بنتَ الأَصْبَغ الكَلْبِيَّةَ من عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ، وكان طلَّقها في مَرَضِه فبتَّها، واشْتَهَرَ ذلك في الصَّحابة ولم يُنكَرْ، فكان إجْماعًا، ولم يَثْبُتْ عن عليٍّ وعبدِ الرَّحمنِ خلافُ هذا، بل رَوَى عُرْوةُ: أنَّ عُثْمانَ قال لعبد الرَّحمنِ: «إنْ متَّ لَأُوَرِّثَنَّها منكَ» ، قال:«قد عَلِمْتُ ذلك»
(2)
.
(1)
أما قول ابن الزبير وعبد الرحمن بن عوف؛ فمذكور في قصة تماضر المتقدم تخريجها.
وقول علي رضي الله عنه: علَّقه ابن حزم في المحلى (9/ 494)، من طريق قتادة، أن علي بن أبي طالب قال:«لا ترث المبتوتة» ، ولم نقف عليه مسندًا، وقتادة عن علي مرسل.
وروي عن علي رضي الله عنه خلافه: أخرجه ابن أبي شيبة (19042)، وابن حزم في المحلى (9/ 493)، عن الشعبي: أن أم البنين كانت تحت عثمان بن عفان، فلما حُصر طلَّقها، فلما قتل أتت عليًّا، فذكرت ذلك له، فقال:«تركها حتى إذا أشرف على الموت طلقها» ، فورَّثها. وهذا مرسل ورجاله ثقات، وروى ابن وهب كما في المدونة (2/ 89)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (9/ 490)، أخبرني رجال من أهل العلم، أن عليًّا قال:«المطلقة في المرض ترث» ، منقطع وفيه إبهام.
واختلف الفقهاء في قول عليٍّ رضي الله عنه في المسألة، فمنهم من جعله ممن لا يُورِّثها؛ كالماوردي في الحاوي 8/ 149، وابن قدامة في المغني 6/ 395 وتبعه المصنف، ومنهم من جعله ممن يُورِّثها؛ كالبغوي في شرح السنة 8/ 374، والعمراني في البيان 9/ 25.
(2)
علقه ابن حزم في المحلى (9/ 486)، من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، وهو مرسل جيد. وروى سعيد بن منصور (1970)، القصة من طريق هشام عن أبيه دون الحرف الذي ذكره المصنف.
وما رُوِيَ عن ابن الزُّبَير؛ فهو مَسْبوقٌ بالإجماع، ولأِنَّه قَصَدَ قَصْدًا فاسِدًا، فعُومِلَ بنَقِيضِ قَصْدِه؛ كالقاتِلِ القاصِدِ استِعْجالَ المِيراث.
(أَوْ عَلَّقَهُ)؛ أي
(1)
: الثَّلاث (عَلَى فِعْلٍ لَا بُدَّ لَهَا مِنْهُ) شَرْعًا؛ (كَالصَّلَاةِ) المفروضةِ، (وَنَحْوِهَا)؛ كالصَّوم الواجِبِ، أوْ عَقْلاً؛ كأكْلٍ ونحوِه، لأِنَّها تُضْطَرُّ إلى فِعْلِ ذلك، فتعليقُه عليه كتَنْجيزه في قَول الجميعِ.
وكذا إنْ عَلَّقَه على كلامها لأِبَوَيها أو أحدِهما، قَطَعَ به في «المنتخَب» و «الشَّرح» ، وذَكَرَه في «الرِّعاية» قَولاً، وفي «المحرَّر»: وكلامِ أبِيهَا فَفَعَلَتْه.
وكذا لو طلَّقها طلقةً بِعِوَضٍ من غَيرِها، أوْ قَذَفَها في صحَّته ولاعَنَها في مرضه، وقِيلَ: للحدِّ، لا لِنَفْيِ الوَلَدِ؛ وَرِثَتْه على الأصحِّ، وجزم جماعةٌ بخِلافه.
وإنْ آلى منها في مرضه، ثمَّ صحَّ، ثمَّ رَجَع إلى مرضه، وبانت بالإِيلاءِ؛ لم تَرِثْه، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(أَوْ قَالَ لِلذِّمِّيَّةِ أَوِ الْأَمَةِ: إِذَا أَسْلَمْتِ أَوْ عَتَقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ) ثلاثًا؛ لأِنَّ قَصْدَ الحِرْمانِ ظاهِرٌ فيه؛ لكَونِه رتَّبَ الطَّلاقَ على الموجِبِ للإرْثِ.
(أَوْ عَلِمَ أَنَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ غَدًا، فَطَلَّقَهَا)؛ أيْ: أبانَها (الْيَوْمَ)؛ لأِنَّه فَارٌّ، وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يَعلَمْ؛ أنَّها لا تَرِثُه، وهو ظاهِرٌ؛ لِعَدَم الفِرار، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(2)
.
وكذا إذا وَطِئَ عاقِلٌ - وقِيلَ: مكلَّفٌ - حَماتَه، أوْ علَّق إبانتها في صحَّته على مرضه، أو على فِعْلٍ له، فَفَعَلَه في مَرَضِه، أوْ على تَرْكِه؛ نحْو: لَأتزوَّجَنَّ عَلَيكِ، أوْ وكَّلَ في صحَّته مَنْ يُبِينُها متى شاء، فأبانَها في مَرَضِه.
(1)
قوله: (أي) سقط من (ظ).
(2)
ينظر: المغني 6/ 398.
(وَرِثَتْهُ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ)، روايةً واحدةً؛ لوجود المقْتَضِي، (وَلَمْ يَرِثْهَا)؛ لأِنَّ مُقتَضَى البَيْنونَة قَطْعُ التَّوارُثِ، خُولِفَ في الزَّوجة لِمَا ذَكَرْنا، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقْتَضَى الأصلِ.
(وَهَلْ تَرِثُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ تَرِثُهُ الْمُطَلَّقَةُ قَبْلَ الدُّخُولِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
الأَشْهَرُ: أنَّها تَرِثُه في العِدَّة وبَعْدَها ما لم تَتَزَوَّجْ، نَقَلَه
(1)
واخْتارَه الأكثرُ، وذَكَرَ أبو بَكْرٍ: أنَّ قَولَ أحمدَ لا يَختَلِفُ في ذلك، وهو قَولُ الحَسَنِ وجَمْعٍ؛ لِمَا رَوَى أبو سَلَمَةَ بنُ عبدِ الرَّحمن:«أنَّ أباهُ طلَّقَ أُمَّه وهو مريضٌ، فَوَرَّثَها بَعْدَ انقِضاء العِدَّة»
(2)
، ولأِنَّ سبَبَ تَورِيثِها فِرارُه من مِيراثها، وهذا المعْنَى لا يَزُولُ بانْقِضاء العِدَّةِ، وشَرْطُه: ما لم تَرتَدَّ، وَالأَظْهَرُ: أوْ تُسْلِمْ.
والثَّانيةُ: لا تَرِثُ بَعْدَ العِدَّة، اخْتارَهُ في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى تَورِيثِ أكْثَرَ مِنْ أرْبَعٍ، فلم يَجُزْ، كما لو تزوَّجتْ، فَعَلَى هذا: لو تزوَّجَ أرْبَعًا سِواهَا، ثُمَّ مات؛ صحَّ على الأصحِّ، فَتَرِثُه الخَمْسُ.
وعَنْهُ، وصحَّحَها في «المحرَّر»: أنَّ رُبعَه للمَبْتوتَةِ، وثلاثةَ أرْباعِه للأرْبَعِ إنْ تزوَّجَهُنَّ في عَقْدٍ، وإلاَّ فَلِلثَّلاثِ السَّوابِقِ بالعَقْدِ.
وقِيلَ: كلُّه للمَبتوتة، فإنْ تزوَّجَتْ أوْ ماتَتْ؛ فحقُّها للجُدُد في عَقْدٍ، وإلاَّ فللسَّابِقةِ إلى كمالِ أرْبَعٍ بالمتْبوعةِ
(3)
.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1614، مسائل صالح 2/ 235، مسائل ابن هانئ 1/ 236.
(2)
أخرجه مالك (2/ 571)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 271)، وابن وهب كما في المدونة (2/ 89)، والدارقطني (4051)، والبيهقي في الكبرى (15126)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 419)، عن ابن شهاب، عن طلحة بن عبد الله بن عوف وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن:«أن عبد الرحمن بن عوف طلَّق امرأته البتة وهو مريض، فورَّثها عثمان بن عفان منه بعد انقضاء عدتها» ، قال ابن حجر:(موقوف منقطع السند، والذي قبله موصول وهو يشدُّه)، يريد به ما تقدم تخريجه من قصة تماضر الكلبية. ينظر 7/ 195 حاشية (2).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 59 والإنصاف 18/ 320: بالمبتوتة.
وأمَّا المطلَّقة قَبْلَ الدُّخول فرِوايَتانِ، أطْلَقَهما في «الفروع» ، وقدَّمَ في «المحرَّر»: عَدَمَ الإرْثِ.
وذَكَرَ أبو بَكْرٍ - إذا طَلَّقَها ثلاثًا قَبْلَ الدُّخولِ في مَرَضِه - أرْبَعَ رِواياتٍ:
إحْداهُنَّ: لها الصَّداقُ كامِلاً والمِيراثُ، وعَلَيها العِدَّةُ؛ لأِنَّ المِيراثَ ثَبَتَ للمَدْخُول بها؛ لِفِراره، وهذا فارٌّ، وإذا ثَبَتَ المِيراثُ؛ وَجَبَ تكميلُ الصَّداق.
قال المؤلِّف: (ويَنْبَغِي أنْ تكونَ العِدَّةُ عِدَّةَ وَفاةٍ)، وقِيلَ: طَلاقٍ.
والثَّانيةُ: لها المِيراثُ والصَّداقُ، ولا عِدَّةَ عَلَيها؛ لأِنَّ العِدَّةَ حقٌّ عَلَيها، فلا تَجِبُ بفِراره.
والثَّالِثَةُ: لها المِيراثُ ونصفُ الصَّداق، وعَلَيها العِدَّةُ، وهِيَ قَولُ مالِكٍ
(1)
؛ لقَولِه تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
…
(237)} الآية [البَقَرَة: 237].
والرَّابِعةُ: لا تَرِثُ ولا عِدَّةَ عَلَيها، ولها نصفُ الصَّداق، وهي قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ الله تعالى نَصَّ على تَنْصِيفِ الصَّداق، ونَفَى العِدَّةَ عن المطلَّقة قَبْلَ الدُّخول، وأمَّا المِيراثُ فَلَيسَتْ زَوجةً ولا مُعْتدَّةً من نِكاحٍ، أشْبَهَت المطلَّقةَ في الصِّحَّة.
فإنْ خَلَا بها، وأنْكَرَ الوَطْءَ، وصدَّقَتْه؛ فلها المِيراثُ، وعَلَيها العِدَّةُ للوفاة، ويُكمَّلُ لها الصَّداقُ؛ لأِنَّ الخَلْوةَ تَكْفِي في ثُبوتِ هذه الأحكامِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ؛ لَمْ تَرِثْهُ)؛ لأِنَّها فَعَلَتْ باخْتِيارِها ما يُنافِي نكاحَ الأوَّل، أشْبَهَ ما لو فَسَخَت النِّكاحَ، وسَواءٌ كانَتْ باقِيَةً مع الزَّوج الثَّانِي أوْ بانَتْ منه في قَولِ أكثرِ العلماء.
(وَإِنْ أَكْرَهَ الاِبْنُ) وهو عاقِلٌ وارِثٌ (امْرَأَةَ أَبِيهِ)، أوْ جَدِّه المريضِ، (عَلَى مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا) مِنْ وَطْءٍ أوْ غَيرِه؛ (لَمْ يَقْطَعْ مِيرَاثَهَا)؛ لأِنَّه قَصَدَ حِرْمانَها،
(1)
ينظر: الكافي في فقه أهل المدينة 2/ 584.
أشْبَهَ ما لو أبانها زَوجُها.
وظاهِرُه: سَواءٌ زادَ إرْثُه أوْ نَقَصَ، أوْ كان له أوْلادٌ أُخَرُ أوْ لم يَكُنْ له، أوْ فاتَ إرْثُه بقَتْلٍ أوْ حَجْبٍ.
فإنْ طاوَعَتْهُ؛ فالأشْهَرُ: أنَّها لا تَرِثُه؛ لأِنَّها مُشارِكةٌ له فِيمَا يَنفَسِخُ نكاحُها، أشْبَهَ ما لو خالَعَتْهُ.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
(1)
لَهُ امْرَأَةٌ) وارِثَةٌ (سِوَاهَا)؛ فإنَّ المسْتَكْرَهَةَ لا تَرِثُ؛ لاِنْتِفاءِ التُّهَمة.
وكذا لو كان الاِبْنُ مجنونًا، أوْ عَبْدًا، أوْ كافِرًا، أو اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَهُ وهو نائِمٌ؛ لم تَرِثْه في الأصحِّ.
والاِعْتِبارُ بالتُّهَمة حالَ الإكْراه، فَعَلَى هذا: لو صار ابْنُ الاِبْنِ وارِثًا بَعْدَ ذلك؛ لم تَرِثْ؛ لاِنْتِفاءِ التُّهَمة حالَ الوَطْء، وعَكْسُه لو كان وارِثًا حالَ الوَطْءِ، فعادَ مَحجُوبًا؛ وَرِثَتْ؛ لِوُجودِ التُّهمةِ حِينَ الوَطْءِ.
وَجَزَم بعضُهم: إن انْتَفَت التُّهمةُ بقَصْد حِرْمانِها الإرثَ أوْ بَعضَه؛ لم تَرِثْه في الأصحِّ.
قال في «الفروع» : (فيتوجَّهُ منه: لو تزوَّج في مرضه مُضارَّة ليَنقُصَ إرْثَ غَيرِها، وأقرَّتْ به؛ لم تَرِثْه، ومَعْنَى كلامِ شَيخِنا
(2)
- وهو ظاهِرُ كَلامِ غَيرِه -: تَرِثُه؛ لأِنَّ له أنْ يُوصِيَ بالثُّلث).
فَرْعٌ: لو كان للمريض امْرَأتانِ، فاسْتَكْرَهَ ابنُه إحداهما؛ لم تَرِثْه؛ لاِنْتِفاء التُّهمة، لكَون مِيراثِها لا يَرجِعُ إلَيهِ، وإنِ اسْتَكْرَهَ الثَّانيةَ بَعدَها وَرِثَتْ؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ في حقِّهما، فإن استكرههما
(3)
معًا؛ وَرِثَتَا مَعًا.
(1)
في (ق): أن يكون.
(2)
أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الفروع 8/ 62.
(3)
في (ظ): استكرهما.
مسألةٌ: تقدَّم أنَّه إذا وَطِئَ حماتَه أنَّ امرأتَه تَبِينُ منه وتَرِثُه، سَواءٌ طاوَعَتْه
(1)
أوْ لَا، وإنْ كان زائلَ العَقْل حِينَ الوَطْء؛ لم تَرِثْ شَيئًا؛ لأِنَّه لَيسَ له قَصْدٌ صحيحٌ، فلا يكون فارًّا.
وكذا لو وَطِئَ بنتَ امْرَأَتِه وهو زائلُ العَقْل، فإنْ كان صَبِيًّا عاقِلاً؛ وَرِثَتْ؛ لأِنَّ له قَصْدًا صحيحًا.
وفي القُبلة والمباشَرَة دُونَ الفَرْجِ رِوايَتانِ:
إحداهما: تَنشُرُ الحُرمةَ؛ كالوطء.
والثَّانيةُ: لا؛ كالنَّظَرِ.
وخرَّج بعضُ أصحابنا في النَّظَر إلى الفَرْجِ والخلْوة لِشَهْوةٍ وَجْهًا: أنه يَنشُرُ الحُرْمَةَ، والأصحُّ خِلافُه.
(وَإِنْ فَعَلَتْ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا مَا يَفْسَخُ نِكَاحَهَا)؛ بأنْ تُرضِعَ زَوجَها الصَّغيرَ، أو تَرتَدَّ؛ سَقَطَ مِيراثُها (ولَمْ يَسْقُطْ مِيرَاثُ زَوْجِهَا)؛ لأِنَّها أحدُ الزَّوجَينِ، فلم يُسقِط فِعْلُها
(2)
مِيراثَ الآخَر؛ كالزَّوج.
قال في «الفروع» : (والزَّوجُ في إرْثِها إذا قَطَعَتْ نكاحَها منه كفِعْلِه، وكذا رِدَّةُ أحدِهما، ذَكَرَه في «الانتصار»، ذَكَرَهُ الشَّيخُ قِياسَ المذهب، والأَشْهَرُ: لا، وكذا خرَّج الشَّيخُ في سائرِ الأقارِبِ).
تنبيهٌ: إذا أُعْتِقَتْ فاخْتارَتْ نَفْسَها، أوْ كان الزَّوجُ عِنِّينًا فأُجِّلَ سَنَةً، ولم يُصِبْها حتَّى مَرِضَتْ في آخِرِ الحَول، فاخْتارَتْ
(3)
فُرْقَتَه، وفُرِّقَ بَينَهما؛ لم يتوارَثَا، ذَكَرَه ابنُ اللَّبَّانِ.
وذَكَرَ القاضي في المعْتَقَةِ إذا اخْتارَتْ نَفْسَها في مرضها: لم يَرِثْها؛ لأِنَّ
(1)
في (ق): طاوعه.
(2)
في (ق): فعليها.
(3)
قوله: (نَفْسَها، أوْ كان الزَّوجُ عِنِّينًا فأُجِّلَ سَنَةً) إلى هنا سقط من (ق).
فَسْخَ النِّكاح لِدَفْعِ الضَّرَرِ، لا للفِرارِ.
ولو زوَّجَ ابنةَ أخيه
(1)
صغيرةً
(2)
، فَفَسَخَت النِّكاحَ في مَرَضِها، لم يَرِثْها الزَّوجُ، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ
(3)
؛ لأِنَّ النِّكاحَ فاسِدٌ من أصْلِه في الصَّحيح من المذْهَبِ.
وعن أحمدَ: خِلافُه، ولها الخِيارُ؛ لأِنَّ الفَسْخَ لَيسَ للفِرار، فلم يَرِثْها؛ كما لو فَسَخَت المعْتَقَةُ نِكاحَها.
(وَإِنْ خَلَّفَ زَوْجَاتٍ، نِكَاحُ بَعْضِهِنَّ فَاسِدٌ)، قال في «المحرَّر»: أوْ مُنقَطِعٌ قَطْعًا يَمْنَعُ الإرْثَ، ولم يُعلَمْ عَينُها؛ (أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ)؛ لأِنَّها تُزيلُ الإبْهامَ، فَشُرِعَتْ كالعَينِ
(4)
، (فَمَنْ أَصَابَتْهَا
(5)
الْقُرْعَةُ؛ فَلَا مِيرَاثَ لَهَا)، ذَكَرَه أبو بَكْرٍ والأصحابُ؛ لأِنَّ القُرْعَةَ تُعَيِّنُها.
فَرْعٌ: لو قتلها
(6)
في مرضه، ثمَّ ماتَ؛ لم تَرِثْه؛ لخُروجِها من حيِّزِ التَّمَلُّكِ
(7)
والتَّمْلِيكِ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغَيره، ويَتَوَجَّهُ خِلافٌ؛ كمَنْ وَقَعَ في شَبَكتِه صَيدٌ بَعْدَ مَوته، ذَكَرَه في «الفروع» .
(وَإِذَا طَلَّقَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ فِي مَرَضِهِ، فَانْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ، وَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهُنَّ؛ فَالْمِيرَاثُ لِلزَّوْجَاتِ. وَعَنْهُ: أَنَّهُ بَيْنَ الثَّمَانِ)، جَعَلَ ابنُ المنَجَّى هذا الخِلافَ مَبْنِيٌّ على أنَّ المطلَّقةَ في مرض الموت هل تَرِثُ ما لم تتزوَّجْ؟ والأصحُّ الإرثُ، فَعَلَى هذا: الصَّحيحُ هنا أنَّ المِيراثَ بَينَ الثَّمان، وفِيهِ شَيءٌ.
(1)
في (ظ): أخته.
(2)
أي: ثم بلغت، كما في المغني 6/ 400، والشرح 18/ 316.
(3)
ينظر: المغني 6/ 400.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي كشاف القناع 10/ 500: كالعتق.
(5)
في (ق): أصابته.
(6)
في (ق): قبلها.
(7)
في (ق): الملك.
ونَقَلَ أبو الخَطَّاب: أنَّ المِيراثَ هل هو للمُطلَّقات، أوْ بَينَ الثَّمان؟ فيه وَجْهانِ:
أحدُهما: أنَّه بَينَ المطلَّقات؛ لأِنَّهنَّ يَرِثْنَ ما كنَّ
(1)
يَرِثْنَ، وكنَّ يَرِثْنَ جميعَ المِيراثِ، فكذا بعد تَزْويجِه.
والثَّاني: أنَّه بَينَ الثَّمان؛ لأِنَّ المطلَّقات إذا وَرِثْنَ، وقد مَضَى نكاحُهنَّ؛ فَلَأَنْ تَرِثَ
(2)
الزَّوجاتُ ونكاحُهنَّ باقٍ بطريقِ الأَوْلَى.
وجُمْلتُه: أنَّ المريضَ إذا طلَّقَ امرأتَه، ثُمَّ نَكَحَ غَيرَها، ثُمَّ مات؛ لم يَخْلُ
(3)
مِنْ حالَينِ:
أحدهما: أنْ يموتَ في عِدَّة المطلَّقةِ؛ فتَرِثاهُ جَميعًا في قَول الجُمْهور.
وفيه وَجْهٌ: أنَّ المِيراثَ كلَّه للمطلَّقة، بِناءً على أنَّ نكاحَ المريض غَيرُ صحيحٍ؛ لأِنَّها تَرِثُ منه ما كانت تَرِثُ قَبلَ طلاقِها، وهو جميعُ الميراث، فكذا بَعْدَه.
وردَّه في «المغْنِي» و «الشَّرح» : بأنَّها إنَّما تَرِثُ ما كانت تَرِثُ لو لم يُطلِّقْها، ولو تزوَّج ولم يُطلِّقْها؛ لم تَرِثْ إلاَّ نصفَ مِيراثِ الزَّوجات، فكذا إذا طَلَّقها، فعلى هذا: لو تزوَّج ثلاثًا في مرضه؛ فللمُطلَّقة رُبعُ مِيراثِ الزَّوجات، ولكلِّ واحدةٍ مِنْهُنَّ رُبعُه.
الثَّاني: أنْ يموتَ بَعْدَ انْقِضاء عِدَّةِ المطلَّقة، فيكونُ المِيراثُ كلُّه للزَّوجات.
وعَنْهُ: للأرْبَع، كما لو مات في عِدَّةِ المطلَّقة.
مسألةٌ: إذا كنَّ أربعَ نِسوةٍ، فطلَّق إحداهُنَّ في مَرَضِه ثلاثًا، ثُمَّ نَكَحَ أُخْرَى
(1)
في (ق): الملك.
(2)
في (ق): يرث.
(3)
في (ق): يرث.
في عِدَّة المطلَّقة، أوْ طلَّقَها ونَكَحَ أُخْتَها في عِدَّتها، وماتَ في عِدَّتِها؛ فالنِّكاحُ باطِلٌ، والمِيراثُ بَينَ المطلَّقة وباقي الزَّوجات الأوائلِ.
فإنْ مات بَعْدَ انْقِضاء عِدَّتها؛ ففي مِيراثِها رِوايَتانِ:
إحداهما: لا مِيراثَ لها، فيكون لباقِي الزَّوجات.
والثَّانيةُ: تَرِثُ مَعَهنَّ، ولا شَيءَ للمَنْكوحَةِ.
فإنْ تزوَّج الخامِسةَ بَعْدَ انْقِضاءِ عِدَّة المطلَّقة؛ صحَّ نِكاحُها، وهل تَرِثُ المطلَّقةُ؟ على رِوايَتَينِ، ظاهِرُ كلامِ أحمدَ: عَدَمُ الإرث؛ لأِنَّه يَلزَمُ منه تَورِيثُ ثَمانِ نِسوةٍ، أوْ أُخْتينِ، أوْ حِرْمانُ الزَّوجاتِ المنصوصِ على مِيراثِهنَّ، فَعَلَى هذا: يكونُ المِيراثُ للزَّوجات دُونَ المطلَّقة.
والثَّانيةُ: تَرِثُ المطلَّقة، وفيه وجهان:
أحدُهما: يكونُ المِيراثُ بَينَ الخَمْس.
والثَّاني: يكونُ للمطلَّقة والمنكوحات الأوائلِ؛ لأِنَّ المريضَ مَمْنوعٌ من أنْ يَحرِمَهنَّ مِيراثَهنَّ بالطَّلاق، فكذا يُمنَعُ من تَنْقيصهِنَّ منه.
وَرَدَّ المؤلِّفُ كِلَا الوَجْهَينِ، أمَّا أحدُهما؛ فرَدَّه نَصُّ الكتاب على تَورِيث الزَّوجات، فلا تَجوزُ مُخالَفَتُه.
وأمَّا الآخَرُ؛ فِلأِنَّ اللهَ تعالى لم يُبِحْ نكاحَ
(1)
أكثرَ من أربعٍ، ولا الجَمْعَ بَينَ الأخْتَينِ، فلا يَجوزُ أنْ يَجْتَمِعْنَ في مَيراثِه بالزَّوجيَّة.
وعلى هذا: لو طلَّق أربعًا في مرضه، وانْقَضَتْ عِدَّتهنَّ، ونَكَحَ أرْبَعًا سِواهُنَّ، ثُمَّ مات في مرضه؛ فعلى المختار: تَرِثُه
(2)
المنكوحاتُ خاصَّةً، وعلى الثَّاني: فيه وجْهانِ:
(1)
في (ظ): نكاحهن.
(2)
في (ق): يرثه.
أحدُهما: أنَّه بَينَ الثَّمانِ.
والثَّاني: أنَّه للمُطلَّقات.
وإنْ صحَّ من مَرَضِه، ثُمَّ تزوَّج أرْبَعًا في صحَّتِه، ثُمَّ مات؛ فالمِيراثُ لهنَّ في قَولِ الجَماعة، ولا شَيءَ للمُطلَّقات.
فَرْعٌ: إذا ادَّعَتْ عَلَيه زَوجتُه طَلاقًا يَقطَعُ المِيراثَ، فأنْكَرَ؛ لم تَرِثْه إنْ مات إذا كانت مُقِيمةً على قَولِها، ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الفروع» .
(بَابُ الْإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي الْمِيرَاثِ)
(إِذَا أَقَرَّ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ)، ولو مع أهْلِيَّةِ الشَّهادة، ولو أنَّه واحِدٌ، ذَكَرًا كان أو أُنْثَى، (بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ، فَصَدَّقَهُمْ، أَوْ كَانَ صَغِيرًا)، أوْ مجنونًا، وسَواءٌ كان مِنْ حُرَّةٍ أوْ أَمَةٍ، نَقَلَه الجماعةُ
(1)
؛ (ثَبَتَ نَسَبُهُ وَإِرْثُهُ)؛ لأِنَّه عليه السلام قَبِلَ قَولَ عبدِ ابنِ زَمْعَةَ لمَّا ادَّعَى نَسَبَ وليدةِ أبِيهِ
(2)
، وقال:«هذا أخِي، وُلِدَ على فِراشِ أَبِي»
(3)
، فأثْبَتَ نَسَبَه منه، ولأِنَّ الوارِثَ يَقُومُ مَقامَ مُوَرِّثِه في مِيراثِه ودُيونِه وسائرِ حقوقه، فكذا في النَّسَب، وإذا ثَبَتَ النَّسبُ ثَبَتَ الإرْثُ.
واشْتُرِطَ في البالِغِ العاقِلِ التَّصْديقُ؛ لأِنَّ الإقْرارَ بالنَّسَبِ إقْرارٌ، فاشْتُرِطَ تَصْديقُ المُقَرِّ له؛ كالإقْرار بالمال، وفي الصَّغير يُكْتَفَى بِصِغَرِه؛ لِعَدَم اعْتِبارِ قَوله، فقُبِلَ الإقْرارُ بنَفْسِه وإنْ لم يُصدِّقْه؛ كالمال.
وظاهِرُه: أنَّه يَثبُتُ النَّسبُ ولو مع وُجودِ مُنكِرٍ لا يَرِثُ لِمانِعِ رِقٍّ ونحوِه إنْ كان مَجهولَ النَّسب، وإلاَّ فَلَا، والإرْثُ إنْ لم يَكُنْ به مانِعٌ.
(سَوَاءٌ كَانُوا)؛ أي: المُقِرِّينَ (جَمَاعَةً أَوْ وَاحِدًا)؛ لأِنَّهم سَواءٌ في الإقْرار بالمال، فكذا في الإقْرار بغَيرِه.
(وَسَوَاءٌ كَانَ المُقَرُّ بِهِ يَحْجُبُ المُقِرَّ، أَوْ لَا يَحْجُبُهُ؛ كَأَخٍ يُقِرُّ بِابْنٍ لِلْمَيِّتِ)، أو ابنِ ابْنٍ يُقِرُّ بابْنٍ للميِّت، فإنَّه يَثْبُتُ نَسَبُه وإرْثُه، ويَسقُطُ المقِرُّ، هذا هو المذْهَبُ، وقالَهُ شُرَيحٌ؛ لأِنَّه ثابِتُ النَّسب، لم يُوجَدْ في حقِّه مانِعٌ من الإرْث، فَدَخَلَ في عُمومِ النَّصِّ، والعِبرةُ بكَونِه وارِثًا حالةَ الإقْرار.
وقِيلَ: لا يَرِثُ مُسقِطٌ، اختاره أبو إسْحاقَ، وذَكَرَه الأَزَجِيُّ عن
(1)
ينظر: الفروع 8/ 86.
(2)
في (ق): ابنه.
(3)
أخرجه البخاري (2218)، ومسلم (1457)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
الأصحاب سِوَى القاضِي، وأنَّه الصَّحيحُ؛ لأِنَّ تَورِيثَه يُفْضِي إلى إسْقاطِ تَورِيثِه؛ فَسَقَطَ؛ لأِنَّه لو وَرِثَ لخرَجَ المقِرُّ عن كَونِه وارِثًا، فيَبطُلُ إقْرارُه، فَعَلَيهِ: نصيبُه بِيَدِ المقِرِّ، وقِيلَ: بِبَيتِ
(1)
المال.
فإنْ بَلغ الصَّغيرُ، وعَقَلَ المجْنونُ، فصدَّقا المقِرَّ؛ يَثبُتُ إرْثُهما من المقِرِّ.
وعلى الأوَّل: يُعتَبَرُ إقْرارُ الزَّوج والمولى المعتِق إذا كانا من الورثة، ولو كانت بنتًا صحَّ؛ لإرْثِها بالفَرْض والرَّدِّ.
فَرْعٌ: إذا أقرَّ أحدُ الزَّوجَينِ بابْنٍ لِلآخَرِ من غَيرِه، فصدَّقه نائبُ الإمامِ؛ ثَبَتَ نَسَبُه، وفيه احْتِمالٌ ذَكَرَه الأزَجِيُّ؛ لأِنَّ الإمامَ لَيسَ له مَنصِبُ الورثة، قال: وهو مَبنِيٌّ على أنَّه هل له اسْتِيفاءُ قَوَدٍ لا وارِثَ له؟ وإذا لم يَثبُتْ؛ أخَذَ نصفَ ما بِيَدِ المقِرِّ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُهُمْ) بوارِثٍ مُشارِكٍ لهم في المِيراث؛ (لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ)، بالإجْماع
(2)
، ذَكَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ النَّسَبَ لا يَتَبَعَّضُ، فلا يُمكِنُ إثْباتُه في حقِّ المقِرِّ دُونَ المنكِر، ولا إثْباتُه في حَقِّهما؛ لأِنَّ الآخَرَ مُنكِرٌ، فلا يُقبَلُ إقْرارُ غَيرِه عَلَيهِ، ولم تُوجَدْ
(3)
شهادةٌ يَثبُتُ بها النَّسَبُ، ولو كان المقِرُّ عَدْلَينِ؛ لأِنه إقرارٌ مِنْ بعضِ الورثة.
وعَنْهُ: إنْ أقرَّ اثْنانِ منهم على أبيهما بدَينٍ أوْ نَسَبٍ؛ ثَبَتَ في حقِّ غَيرِهم؛ إعطاءً
(4)
له حكمَ شهادةٍ وإقْرارٍ، وفي اعتبار العدالة منهما رِوايَتانِ.
(إِلاَّ أَنْ يَشْهَدَ مِنْهُمْ)، أوْ مِنْ غَيرِهم؛ (عَدْلَانِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ)، أوْ وَلَدُه، (أَوْ أَنَّ الْمَيِّتَ أَقَرَّ بِهِ)؛ ثَبت نسبُه من المقِرِّينَ الوارِثينَ، ويُشارِكُهم في
(1)
في (ظ): يثبت.
(2)
ينظر: المغني 5/ 145.
(3)
في (ق): ولم يوجد.
(4)
في (ق): أعطى.
الإرث؛ لأِنَّها بيِّنةٌ عادِلةٌ، فثَبَتَ النَّسبُ بهما كالأجانب، ولأِنَّهما لو شَهِدَا على غَيرِ مُوَرِّثهما؛ لقُبِلَ، فكذا إذا شَهِدَا عليه.
وقِيلَ: لا، جَزَمَ به الأَزَجِيُّ وغَيرُه.
فلو كان المقَرُّ به أخًا، ومات المقِرُّ عن بَنِي عمٍّ وَرِثُوه، وعلى الأوَّل يَرِثُه الأخُ.
وهل يَثبُتُ نسبُه مِنْ وَلَدِ المقِرِّ المنكِرِ له تَبَعًا، فتَثبُتُ العُمومة؟ فيه وَجْهانِ، وفي «الانتصار» خِلافٌ مع كونه أكبرَ سِنًّا من أبِي المقَرِّ أو معروفِ النَّسَب.
ولو مات المقِرُّ، وخَلَّفه والمنكرَ؛ فإرْثُه بَينَهما، فلو خَلَّفَه فقط؛ ورِثَه.
وذَكَرَ جماعةٌ: إقراره كوصيَّةٍ، فيأخُذُ المالَ في وَجْهٍ، وثلثَه في آخَرَ.
وقِيلَ: المالُ لبيت المال.
(وَعَلَى المُقِرِّ) إذا لم يَثبُت النَّسبُ؛ (أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ فَضْلَ مَا فِي يَدِهِ عَنْ مِيرَاثِهِ)؛ لأِنَّه تبَيَّنَ بإقْرارِه أنَّه لا يَستَحِقُّه، (فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ بِأَخٍ؛ فَلَهُ ثُلُثُ مَا فِي يَدِهِ)، نَقَلَه بَكرُ بنُ محمَّدٍ
(1)
؛ لأِنَّ في يده النِّصفَ، وهو لا يَستَحِقُّ إلاَّ الثُّلثَ، فالسُّدسُ مُسْتَحَقٌّ للمُقَرِّ به، وهو ثلثُ النِّصف.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ؛ فَلَهَا خُمُسُ مَا فِي يَدِهِ)؛ لأِنَّ في يده النِّصفَ، وهو يَسْتَحِقُّ خُمُسَينِ، فنصف الخُمُسِ مُسْتَحَقٌّ للمُقَرِّ بها، وهو خُمسُ ما في يده، هذا قَول الجمهور.
وقال النَّخَعِيُّ وحَمَّادٌ: تُقاسِمُه
(2)
ما في يده؛ لأِنَّه يقولُ: أنا وأنتِ سَواءٌ في ميراثِ أبِينا، وما أخَذَه المنكِرُ بمنزلة التَّالِفِ.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 92.
(2)
في (ظ): يقاسمه.
وأُجِيبَ بأنَّه: إنَّما أقَرَّ له بالفاضِل عن ميراثه، فلم يَلزَمْه أكثرُ ممَّا أقرَّ به، كما لو أقرَّ له بمُعَيَّنٍ، وكإقرارِ أحدِ الشَّريكَينِ بجناية العبد، والتَّرِكةُ بَينَهم أثْلاثًا، فلا يَستَحِقُّ مِمَّا في يده إلاَّ الثُّلثَ، كما لو ثَبَتَ نسبُه ببيِّنةٍ.
فَرْعٌ: خلَّف ابْنًا، فأقرَّ بأخٍ، ثُمَّ جَحَدَه؛ لم يُقْبَلْ جَحْدُه، ولَزِمَه أنْ يَدفَعَ نصفَ ما في يده، فإنْ صدَّقه المقَرُّ له، أو بِه؛ فوجْهَانِ، ذَكَرَهُما في «الكافي» وغيره.
فإنْ أقرَّ بَعْدَ جَحْدِه بآخَرَ: احْتَمَلَ أنْ لا يَلزَمه له شَيءٌ، وإنْ كان لم يَدفَعْ إلى الأوَّل شَيئًا لَزِمَه أنْ يَدفَعَ إليه نصفَ ما في يَدِه، ولا يَلزَمُه للآخَرِ شَيءٌ، ويَحتَمِلُ أنْ يَلزَمَه دَفْعُ النِّصف كلِّه إلى الثَّاني، ويَحتَمِلُ أنْ يَلزَمَه ثُلثُ ما في يده للثَّاني، كما لو أقرَّ بالثَّاني من غَيرِ جَحْدِ الأوَّلِ.
فإنْ خلَّفَ ابْنَينِ فأقرَّ أحدُهما بأخٍ، ثُمَّ جَحَدَه، ثُمَّ أقرَّ بأخٍ؛ لم يَلزَمْه للثَّاني شَيءٌ، وعلى الاِحْتِمال الثَّاني: يَدفَعُ إليه نصفَ ما في يده، وعلى الثَّالث: يَلزَمُه دَفْعُ ما بَقِيَ في يده، ولا يَثبُتُ نَسَبُ واحِدٍ منهما، ويَثْبُتُ نَسَبُ المقَرِّ به الأوَّلِ في المسألة الأولى دُونَ الثَّاني.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ المُقِرِّ فَضْلٌ؛ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقَرِّ بِهِ)؛ لأِنَّه يُقِرُّ على غَيرِه.
(وَإِذَا خَلَّفَ أَخًا مِنْ أَبٍ، وَأَخًا مِنْ أُمٍّ، فَأَقَرَّا بِأَخٍ مِنْ أَبَوَيْنِ؛ ثَبَتَ نَسَبُهُ)؛ لِإقْرار كلِّ الورثة به، (وَأَخَذَ مَا فِي يَدِ الْأَخِ مِنَ الْأَبِ)؛ لأِنَّه تبيَّن بإقْراره أنَّه لا حقَّ له، وأنَّ الحقَّ للمُقَرِّ به؛ إذْ هو مَحْجوبٌ به.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأَبِ؛ أَخَذَ مَا فِي يَدِهِ)؛ لأِنَّه يُسقِطُه في المِيراث، وقال أبو الخَطَّاب: يأخُذُ نصفَ ما في يدِه، وهو سَهْوٌ، (وَلَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّ كلَّ الوَرَثَة لم يُقِرُّوا به، وإقْرارُهم شَرْطٌ في ثُبوتِه.
(وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ الْأَخُ مِنَ الْأُمِّ، أَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ سِوَاهُ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأِنَّه لا فَضْلَ في يده، وهذا بخِلافِ ما إذا أقرَّ بأخَوَينِ من أُمٍّ؛ فإنَّه يَدفَع إلَيهِما ثلثَ ما في
يده؛ لأِنَّ في يده السُّدسَ، وبإقْراره اعْتَرَفَ أنَّه لا يَستَحِقُّ من المِيراث إلاَّ التُّسُعَ، فيَبْقَى في يده نصفُ التُّسُع، وهو ثلثُ ما في يده.
(وَطَرِيقُ الْعَمَلِ) في هذا البابِ: (أَنْ تَضْرِبَ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ)؛ لأِنَّ به يَظهَرُ ما للمُقِرِّ وما للمُنكِر، وما يَفضُلُ، وتُراعَى الموافَقَةُ، (وَتَدْفَعَ
(1)
إِلَى المُقِرِّ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، وَإِلَى المُنْكِرِ سَهْمَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ، وَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِلْمُقَرِّ بِهِ)، فإذا أقرَّ أحدُ الاِبْنَيْنِ بأخٍ؛ فمَسألةُ الإقْرار من ثلاثةٍ، والإنكار من اثْنَينِ، فاضْرِبْ إحداهما في الأخرى؛ لِتَبايُنِهما؛ تكُنْ ستَّةً؛ للمُقِرِّ سَهْمٌ من الإقرار في الإنكار باثْنَينِ، وللمنكِر سَهْمٌ من الإنكار في الإقرار بثلاثةٍ، يَبْقَى سَهْمٌ للمُقَرِّ له؛ لأِنَّه الفاضِلُ، وهو ثُلثُ ما بَقِيَ في يد المقِرِّ؛ لأِنَّ النِّصفَ في يده، وقد تبيَّنَ هنا أنَّه ثلاثةٌ.
(فَلَوْ خَلَّفَ ابْنَيْنِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَخَوَيْنِ، فَصَدَّقَهُ أَخُوهُ فِي أَحَدِهِمَا؛ ثَبَتَ نَسَبُ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ)؛ لِإقْرارِ كلِّ الورثةِ به، (فَصَارُوا ثَلَاثَةً، ثُمَّ تَضْرِبُ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ)، وهي أربعةٌ، (فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ)، وهي ثلاثةٌ، (تَكُنِ اثْنَيْ عَشَرَ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، (لِلْمُنْكِرِ سَهْمٌ مِنَ الْإِنْكَارِ فِي الْإِقْرَارِ: أَرْبَعَةٌ، وَلِلْمُقِرِّ سَهْمٌ مِنَ الْإِقْرَارِ فِي الْإِنْكَارِ: ثَلَاثَةٌ، وَلِلْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ إِنْ صَدَّقَ المُقِرَّ مِثْلُ سَهْمِهِ)؛ لأِنَّه مُقِرٌّ، (وَإِنْ أَنْكَرَهُ مِثْلُ سَهْمِ المُنْكِرِ)؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، (وَمَا فَضَلَ لِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهُوَ سَهْمَانِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ، وَسَهْمٌ فِي حَالِ الْإِنْكَارِ)؛ لأِنَّ ذلك هو الفاضِلُ، وهذا أصحُّ الأقْوال، قالَهُ في «الشَّرح» .
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: لَا يَأْخُذُ المُتَّفَقُ عَلَيْهِ مِنَ المُنْكِرِ فِي حَالِ التَّصْدِيقِ إِلاَّ رُبُعَ مَا فِي يَدِهِ)؛ لأِنَّه لا يَدَّعِي أكثرَ منه؛ لأِنَّه يدَّعِي أنَّهم
(2)
أربعةٌ،
(1)
في (ظ): ويدفع.
(2)
في (ظ): أنه.
(وَصَحِّحْهَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ)؛ لأِنَّ أصلَ المسألة من اثْنَينِ، والمقَرُّ به يَستحِقُّ رُبعَ ما في يد المنكِر، فاضْرِبْ أربعةً في اثنَينِ بثمانيةٍ، (لِلْمُنْكِرِ ثَلَاثَةٌ)؛ لأِنَّه كان يَستحِقُّ أربعةً، أخَذَ منها المتَّفَقُ عَلَيهِ رُبعَها، بَقِيَ ثلاثةٌ، (وَلِلْمُخْتَلَفِ فِيهِ سَهْمٌ)؛ لأِنَّه يَستحِقُّ رُبعَ ما في يدِ المقِرِّ بِهِما، (وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَخَوَيْنِ سَهْمَانِ)؛ لأِنَّه كان يَستحِقُّ أربعةً، خَرَجَ منها سَهْمٌ للمتَّفقِ عَلَيهِ، وسَهْمٌ للمُخْتَلَفِ فيه، بَقِيَ اثْنانِ للآخَرِ.
وذَكَرَ ابنُ اللَّبَّانِ: أنَّ هذا قِياسُ قَولِ مالِكٍ والشَّافِعيِّ.
وفِيهِ نَظَرٌ؛ لأِنَّ المنكِرَ يُقِرُّ أنَّه لا يَستحِقُّ إلاَّ الثُّلثَ، وقد حَضَرَ مَنْ يدَّعِي الزِّيادةَ، فَوَجَبَ دَفْعُها إليه، ونظيرُه لو ادَّعَى إنسانٌ دارًا في يدِ آخَرَ، فأقرَّ بها لغَيره، فقال المقَرُّ له: إنَّما هِيَ للمُدَّعِي، فإنَّها تُسلَّمُ إليه.
وقد ردَّ الخَبْرِيُّ على ابنِ اللَّبَّانِ قَولَه، وقال: يَبقَى مع المنكِرِ ثلاثةُ أثْمانٍ، وهو لا يَدَّعِي إلاَّ الثُّلثَ، وقد حَضَرَ مَنْ يدَّعِي هذه الزِّيادةَ، ولا مُنازِعَ له فيها، فيَجِبُ دَفْعُها إلَيهِ.
قال: والصَّحيحُ أنْ يَضُمَّ المتَّفَقُ عَلَيهِ السُّدسَ الذي يأخُذُه من المقَرِّ به، فيَضُمُّه إلى النِّصف الذي
(1)
بِيَدِ المقِرِّ لهما، فيَقْتَسمانه أثْلاثًا، فتَصِحُّ من تسعةٍ، للمنكِر ثلاثةٌ، ولكلِّ واحِدٍ من الآخَرِينَ
(2)
سهْمانِ.
قال في «المغْنِي» : ولا يَستَقِيمُ هذا على قَولِ مَنْ لا يُلزِمُ المقِرَّ أكثرَ من الفَضْل عن مِيراثِه؛ لأِنَّ المقِرَّ بهما والمتَّفَقَ عَلَيهِ لا يَنقُصُ مِيراثُه عن الرُّبُع
(3)
، ولم يَحصُلْ له على هذا القَولِ إلاَّ التُّسُعانِ.
وقِيلَ: في حالِ الإنكار يَدفَعُ المقِرُّ بهما إلَيهِما نصفَ ما في يده، ويأخُذُ
(1)
زيد في (ق): هو.
(2)
في (ق): الأخوين.
(3)
في (ظ): الرابع.
المتَّفَقُ عليه من المنكِر ثلثَ ما في يده، فيَحصُل للمنكِر الثُّلثُ، وللمُقِرِّ الرُّبعُ، وللمتَّفَق عليه السُّدسُ والثُّمنُ، وللمُختَلَفِ فيه الثُّمنُ، وتَصِحُّ من أربعةٍ وعِشْرينَ، للمُنكِرِ ثمانيةٌ، وللمتَّفَق عَلَيه سبعةٌ، وللمُقِرِّ ستَّةٌ، وللمُختَلَفِ ثَلاثةٌ، قال ابنُ حَمْدانَ: وهو أصحُّ.
(وَإِنْ خَلَّفَ ابْنًا، فَأَقَرَّ بِأَخَوَيْنِ بِكَلَامٍ مُتَّصِلٍ؛ ثَبَتَ نَسَبَهُمَا) مُطلَقًا، (سَوَاءٌ اتَّفَقَا) مع إقْرارِ الاِبْنِ بهما، (أَوِ اخْتَلَفَا)؛ أيْ: تَجاحَدَا؛ لأِنَّ نَسَبَهُما ثَبَتَ بإقْرارِ كلٍّ من الورثة قَبْلَهما، فلم تُعتَبَرْ مُوافَقَةُ الآخَرِ، كما لو كانا صغِيرَينِ.
(وَيَحْتَمِلَ: أَلاَّ يَثْبُتَ نَسَبُهُمَا مَعَ اخْتِلَافِهِمَا)؛ لأِنَّ الإقْرارَ بكلِّ واحِدٍ مِنْهُما لم يَصدُرْ من كلِّ الورثة
(1)
، ويَدفَعُ إلى كلِّ واحِدٍ منهما ثُلثَ ما في يده، فإنْ صدَّقَ أحدُهما بصاحبه وجَحَدَه الآخَرُ؛ ثَبَتَ نَسَبُ المتَّفَقِ عليه، وفي الآخَر وجْهانِ.
فإنْ كانا تَوْأَمَيْنِ؛ ثَبَتَ نَسَبُهما، ولم يُلْتَفت إلى إنكارِ المنكِرِ منهما، سواءٌ تَجاحَدَا معًا أوْ جَحَدَ أحدُهما صاحِبَه، ومتى أقرَّ الوارِثُ بأحدِهما؛ ثَبَتَ نَسَبُ الآخَرِ.
فإنْ أقرَّ بنَسَبِ صغِيرَينِ معًا ثَبَتَ نَسَبُهما على الأوَّل، وعلى الثَّانِي فيه احْتِمالانِ.
(فَإِنْ أَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا بَعْدَ الآْخَرِ؛ أُعْطِيَ الْأَوَّلُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ)، بغَيرِ خِلافٍ
(2)
؛ لأِنَّه اعْتَرَف بأُخُوَّتِه، فيَلزَمُ منه إرْثُه، فتكونُ المسألةُ بالنِّسبة إليه مقسومةً على اثْنَينِ، (وَالثَّانِي ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ)، وهو السُّدسُ؛ لأِنَّه فاضِلٌ عن حقِّه؛ لأِنَّه أقرَّ أنَّ الأوْلادَ ثلاثةٌ، فأحدُهم يَستَحِقُّ الثُّلثَ فَقَطْ، (وَثَبَتَ نَسَبُ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّه أقَرَّ به كلُّ الورثة، (وَيَقِفُ نَسَبُ الثَّانِي عَلَى تَصْدِيقِهِ)؛ لأِنَّه صار
(1)
في (ق): الذرية.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 18/ 353.
من الورثة.
وكذا إنْ كانا تَوْأَمَيْنِ.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : وإنْ كَذَّبَ الثَّاني بالأوَّل، وهو مُصدِّقٌ به؛ ثَبَتَ نَسَبُ الثَّلاثة، وقِيلَ: يَسقُطُ نَسَبُ الأوَّلِ، ويأخُذُ الثَّانِي ثُلُثَيْ ما في يده، وثُلُثَ ما في يَدِ المقِرِّ.
(وَإِنْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِامْرَأَةٍ لِلْمَيِّتِ؛ لَزِمَهُ مِنْ إِرْثِهَا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ)؛ أيْ: يَلزَمُه ما يَفضُلُ في يده لها عن حقِّه، كما لو أقرَّ بابْنٍ.
وفي «الرِّعاية» : وإنْ أقرَّ بها كلُّهم، أو شَهِدَ بالنِّكاح اثْنانِ منهم أوْ مِنْ غَيرِهِم؛ ثَبَتَ كلُّ إرْثِها.
فإنْ ماتَ المنكِرُ، فأقرَّ به ابنُه؛ فهل يُكمَّلُ إرْثُها؟ فيه وَجْهانِ.
مسألةٌ: إذا خلَّف ثلاثةَ بَنِينَ، فأقرَّ أحدُهم بأخٍ وأخْتٍ، فصدَّقَه أحدُهما في الأخ، والآخَرُ في الأخت؛ لم يَثبُتْ نَسَبُهما، ويَدفَعُ المقِرُّ بهما إليهما ثُلثَ ما في يده، ويَدفَعُ المقِرُّ بالأخ إليه رُبعَ ما في يده، ويَدفَعُ المقِرُّ بالأخت إليها سُبعَ ما في يده.
فأصْلُ المسألة ثلاثةٌ؛ سهمُ المقِرِّ يُقسَمُ بَينَهما وبَينَه على تسعةٍ؛ له ستَّةٌ، ولهما ثلاثةٌ، وسهمُ المقرِّ بالأخ بَينَهما على أربعة؛ له ثلاثةٌ ولأِخيهِ سهمٌ، وسهمُ المقِرِّ بالأخت بَينَه وبَينَها على سبعةٍ؛ له ستَّةٌ، ولها سهمٌ، وكلُّها متبايِنةٌ، فاضْرِبْ أربعةً في سبعةٍ في تسعةٍ، ثُمَّ في أصْلِ المسألة، تكُنْ سبعَمائةٍ وستَّةً وخَمْسينَ، ومنها تصحُّ، للمُقِرِّ بهما ستَّةٌ في أربعةٍ في سبعةٍ، بمائةٍ وثمانيةٍ وسِتِّينَ، وللمُقِرِّ بالأخت ستَّةٌ في أربعةٍ في تسعةٍ، بمائَتَينِ وستَّةَ عَشَرَ، وللمُقِرِّ بالأخ ثلاثةٌ في سبعةٍ في تسعةٍ، بمائةٍ وتسعةٍ وثَمانِينَ، وللأخ المقَرَّ به سَهْمانِ في أربعةٍ في سبعةٍ
(1)
، بستَّةٍ وخَمْسِينَ، وسهمٌ في سبعةٍ في تسعةٍ،
(1)
في (ق): تسعة.
بثلاثةٍ وسِتِّينَ، فيَجتَمِعُ له مائةٌ وتسعةَ عَشَرَ، وللأخت سهمٌ في أربعةٍ في سبعةٍ، بثمانيةٍ وعِشْرينَ، وسهمٌ في أربعةٍ في تسعةٍ، بستَّةٍ وثَلاثَينَ، يَجتَمِعُ لها أربعةٌ وسِتُّونَ، ولا فَرْقَ بَينَ تَصادُقِهما وتجاحُدِهما؛ لأِنَّه لا فَضْلَ في يدِ أحدِهما عن مِيراثِه.
(وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ: مَاتَ أَبِي وَأَنْتَ أَخِي)، أوْ ماتَ أَبُونا ونَحْنُ ابْناهُ، (فَقَالَ: هُوَ أَبِي، وَلَسْتَ بِأَخِي؛ لَمْ يُقْبَلْ إِنْكَارُهُ)؛ لأِنَّه نَسَبَ الميتَ إلَيهِ بأنَّه أبوهُ، وأقرَّ بمشارَكة المقِرِّ في ميراثه بطريقِ الأُخُوَّة، فلمَّا أنْكَرَ أُخُوَّتَه؛ لم يَثْبُتْ إقْرارُه به، وبَقِيَتْ دَعْواهُ: أنَّه أبوهُ دُونَه غَيرُ مَقْبولةٍ، كما لو ادَّعى ذلك قَبْلَ الإقرار، وحِينَئِذٍ فالمالُ بَينَهُما، وقِيلَ: للمُقِرِّ، وقِيلَ: للمُقَرِّ به.
(وَإِنْ قَالَ: مَاتَ أَبُوكَ وَأَنَا أَخُوكَ؛ قَالَ: لَسْتَ أَخِي؛ فَالْمَالُ كُلُّهُ لِلْمُقَرِّ بِهِ)؛ لأِنَّه صَدَرَ الإقْرارُ بأنَّه أبوهُ، وذلك يُوجِبُ كَونَ المِيراثَ له، ثُمَّ ادَّعَى مُشارَكَتَه بَعْدَ ثُبوتِ الأُبُوَّة للأوَّل، فإذا أنْكَرَ أُخُوَّتَه؛ لم تُقْبَلْ دَعْوَى هذا المقِرِّ.
(وَإِنْ قَالَ: مَاتَتْ زَوْجَتِي وَأَنْتَ أَخُوهَا؛ قَالَ: لَسْتَ بِزَوْجِهَا، فَهَلْ يُقْبَلُ إِنْكَارُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
أصحُّهما: أنَّه يُقبَلُ إنكارُ الأخ؛ لأِنَّ النِّكاحَ يَفتَقِرُ إلى إقامة البيِّنة عَلَيهِ.
والثَّانِي: لا يُقْبَلُ؛ لمَا سَبَقَ، والمالُ بَينَهما، قال في «الشَّرح»: وهذه المسألةُ تُشبِهُ الأولى مِنْ حَيثُ إنَّه نَسَبَ الميتَ إلَيهِ بالزَّوجِيَّة في ابْتِداءِ إقْراره، كما نَسَبَ الأُبُوَّةَ في قَولِه: مات أبِي، وتُفارِقُها: في
(1)
أنَّ الزَّوجِيَّةَ مِنْ شَرْطِها الإشْهادُ، ويُسْتَحَبُّ الإعْلانُ بها واشتِهارُها، فلا تكادُ تَخْفَى، بخِلافِ النَّسَب، فإنَّه إنَّما يُشهَدُ عَلَيه بالاِسْتِفاضة غالِبًا.
(1)
قوله: (في) سقط من (ق).
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا أَقَرَّ مَنْ أُعِيلَتْ لَهُ المَسْأَلَةُ بِمَنْ يُزِيلُ العَوْلَ؛ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ)، أصْلُها من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى سبعةٍ، (أَقَرَّتْ إِحْدَاهُمَا بِأَخٍ؛ فَاضْرِبْ مَسْأَلَةَ الْإِقْرَارِ)، وهي ثمانيةٌ ناشِئَةٌ مِنْ ضَرْبِ أربعةٍ في اثْنَينِ، (فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ)، وهي سبعةٌ، (تَكُنْ سِتَّةً وَخَمْسِينَ، فَاعْمَلْ
(1)
عَلَى مَا ذَكَرْنَا، يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ)، مُرتَفِعةٌ من ضَرْبِ ثلاثةٍ، وهي مَا لَهُ من
(2)
مسألة الإنكار، في ثمانيةٍ، (وَلِلْمُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ)، مُرتَفِعةٌ مِنْ ضَرْبِ اثْنَينِ في ثَمانيةٍ، (وَلِلْمُقِرَّةِ سَبْعَةٌ)؛ لأِنَّ لها من مسألةِ الإقْرار سَهْمًا مضروبًا في مسألة الإنكار، (يَبْقَى تِسْعَةٌ لِلْأَخِ)؛ لأِنَّها الفاضِلُ، (فَإِنْ صَدَّقَهَا الزَّوْجُ؛ فَهُوَ يَدَّعِي أَرْبَعَةً)، وهي تمامُ النِّصف، (وَالْأَخُ يَدَّعِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ)؛ لأِنَّه يَدَّعِي اسْتِحْقاقَ رُبعِ المال، (وَلِلْمُقَرِّ
(3)
بِهِ مِنْ السِّهَامِ تِسْعَةٌ، فَاقْسِمْهَا)؛ أي: التِّسعة (عَلَى سِهَامِهِمْ) المدَّعَى به، وهي ثمانيةَ عَشَرَ، (لِكُلِّ سَهْمَيْنِ سَهْمًا، فَيَحْصُلُ لِلزَّوْجِ سَهْمَانِ) مُضافَانِ إلى ما أَخَذَه، وهو أربعةٌ وعِشْرونَ، تكُنْ ستَّةً وعِشْرِينَ، (وَلِلْأَخِ سَبْعَةٌ) مُضافةٌ إلى ما أَخَذَه، فإنْ أقَرَّتِ الأخْتانِ، وأنْكَرَ الزَّوجُ؛ دُفِعَ إلى كلِّ أختٍ سبعةٌ، وإلى الأخ أربعةَ عَشَرَ، يَبْقَى أربعةٌ، يُقِرَّانِ بها للزَّوج، وهو يُنكِرُها، وفي ذلك ثلاثةُ أَوْجُهٍ ستأتي.
(فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ أُخْتَانِ لِأُمٍّ)، فتكونُ مسألةُ الإنكار من ستَّةٍ، وتَعُولُ إلى تسعةٍ، ومسألةُ الإقرار من أربعةٍ وعِشْرِينَ؛ لأِنَّ فيها نصفًا وثُلثًا، وما بَقِيَ وهو
(1)
في (ق): واعمل.
(2)
في (ق): في.
(3)
في (ق): والمقر.
سهمٌ على أربعةٍ، لا يَصِحُّ ولا يُوافِقُ، فاضْرِبْ ستَّةً في أربعةٍ تَبلُغْ
(1)
ذلك، فإذا نَظَرْتَ بَينَهما؛ فهما متَّفِقانِ بالأثْلاث، (فَإِذَا ضَرَبْتَ وَفْقَ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ؛ كَانَتِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ، لِلزَّوْجِ ثَلَاثَةٌ مِنْ مَسْأَلَةِ الْإِنْكَارِ، فِي وَفْقِ مَسْأَلَةِ الْإِقْرَارِ) وهي ثمانيةٌ؛ (أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ)، مرتَفِعةٌ مِمَّا ذَكَرْنا، (وَلِلْأُخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ) سَهْمانِ في ثمانيةٍ؛ (سِتَّةَ عَشَرَ، وَلِلْأَخْتِ المُنْكِرَةِ سِتَّةَ عَشَرَ)، مُرتَفِعةٌ من ضَرْبِ اثْنَينِ في ثمانيةٍ، (وَلِلْمُقِرَّةِ ثَلَاثَةٌ)؛ لأِنَّ لها سهْمًا من مسألة الإقْرار، مَضرُوبٌ في وَفْقِ مسألة الإنكار، وهو ثلاثةٌ بثلاثةٍ، (يَبْقَى فِي يَدِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ)؛ أي: من الاِثْنَينِ والسَبعِينَ
(2)
، (لِلْأَخِ مِنْهَا سِتَّةٌ)، ضعف نصيبها، (يَبْقَى سَبْعَةٌ لَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ)؛ لاِسْتِكْمالِ كلِّ واحِدٍ حقَّه، (فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ):
(أَحَدُهَا)، قدَّمه في «الشَّرح» و «الفروع»:(تُقَرُّ فِي يَدِ المُقِرَّةِ)؛ لأِنَّه لا يَدَّعِيها أحدٌ.
(وَالثَّانِي: تُؤْخَذُ
(3)
إِلَى بَيْتِ الْمَالِ)؛ لأِنَّه مَوضِعُ الأموال التي لا أرْبابَ لها.
(وَالثَّالِثُ: يُقْسَمُ
(4)
بَيْنَ المُقِرَّةِ وَالزَّوْجِ وَالأخْتَيْنِ مِنَ الْأُمِّ عَلَى حَسَبِ مَا يَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَهُمْ)؛ لأِنَّ هذا المالَ لا يَخرُجُ عنهم، فإنَّ المُقِرَّةَ إنْ كانَتَ صادِقةً؛ فهو للزَّوج والأختَينِ من الأمِّ، وإنْ كانَتْ كاذِبةً؛ فهو لهما
(5)
، وإذا كان لهم لا يَخرُجُ عنهم؛ قُسِمَ بَينَهم على قَدْرِ الاِحْتِمال، كما قَسَمْنا مِيراثَ الخُنْثَى وبَينَ من
(6)
معه على ذلك، فعلى هذا: يكونُ للمُقِرَّةِ النِّصفُ، وللزَّوجِ
(1)
في (ق): يبلغ.
(2)
في (ظ): وسبعين.
(3)
في (ظ): يؤخذ.
(4)
في (ق): تقسم.
(5)
في (ظ): لها.
(6)
قوله: (من) سقط من (ق).
والأختَينِ من الأمِّ النِّصف بَينَهم على خمسةٍ؛ لأِنَّ هذا في حالٍ للمُقِرَّة، وفي حالٍ لهما، فيُقْسَمُ بَينَهم نصفَينِ.
ثُمَّ تَجعَلُ نصفَ الزَّوجِ والأختَينِ من الأمِّ على خمسةٍ؛ لأِنَّ له النِّصفَ، ولهما الثُّلثَ، وذلك خمسةٌ من ستَّةٍ، فتَقْسِمُ السَّبعةَ بَينَهم على عَشَرةٍ، للمُقِرَّة خمسةٌ، وللزَّوج ثلاثةٌ، وللأختَينِ سَهْمانِ.
فإذا أردتَ تصحيحَ المسألة؛ فاضْرِبْها وهي اثْنانِ وسبعونَ في عشرةٍ، ثُمَّ كلُّ مَنْ له شَيءٌ من اثنَينِ وسبعِينَ مضروبٌ في عشرةٍ، ومَن له شَيءٌ من عشرةٍ مضروبٌ في سبعةٍ.
(فَإِنْ صَدَّقَ الزَّوْجُ المُقِرَّةَ؛ فَهُوَ يَدَّعِي اثْنَيْ عَشَرَ)؛ لأِنَّ له النِّصفَ، وهو هنا ستَّةٌ وثلاثونَ، معه منها أربعةٌ وعِشْرونَ، بَقِيَ ما ذَكَرَ، (وَالْأَخُ يَدَّعِي سِتَّةً)؛ لأِنَّه هو وأُخْتاهُ يدَّعون أربعةً من أربعةٍ وعِشْرينَ، مضروبةً في وَفْقِ مسألة الإنكار، وهو ثلاثةٌ، تكُن اثْنَيْ عَشَرَ، له نِصفُها، (يَكُونَانِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَلَا تَنْقَسِمُ
(1)
عَلَيْهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ، وَلَا تُوَافِقُهَا، فَاضْرِبْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ)؛ لاِنْكِسارها على المقْسومِ عَلَيهِ، (فِي المَسْأَلَةِ)، وهو اثْنانِ وسَبْعُونَ، تكُنْ ألْفًا ومائَتَيْنِ ستَّةً وتِسْعِينَ
(2)
.
(ثُمَّ كُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنِ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ مَضْرُوبٌ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَكُلُّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مَضْرُوبٌ فِي ثَلَاثَةَ عَشَرَ)، فللزَّوج أربعةٌ وعِشْرونَ في ثمانيةَ عَشَرَ: بأربعِمائةٍ واثْنَينِ وثلاثِينَ، وللأختَينِ من الأمِّ: مائَتانِ ثمانيةٌ وثلاثُونَ
(3)
، وللمنكِرة كذلك، وللمُقِرَّة ثلاثةٌ في ثمانيةَ عَشَرَ: بأربعةٍ
(1)
في (ظ): ولا ينقسم.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 18/ 367: وستة وتسعين.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 18/ 367، وفي الممتع 3/ 431: مائتين وثمانية وثمانين.
وخَمْسِينَ، وللأخ ستَّةٌ في ثلاثةَ عَشَرَ: ثمانيةٌ وسَبْعونَ، وللزَّوج اثْنا عَشَرَ في ثلاثةَ عَشَرَ: مائةٌ
(1)
وستَّةٌ وخَمْسونَ، وتَرجِعُ بالاِخْتِصار إلى مائتَينِ وستَّةَ عَشَرَ؛ لأِنَّ السِّهامَ كلَّها تتَّفِقُ بالأسْداسِ.
(وَعَلَى هَذَا تَعْمَلُ مَا وَرَدَ عَلَيْكَ) من هذه المسائلِ؛ لأِنَّها مِثلُها مَعْنًى، فكذا يَجِبُ أنْ تكونَ مثلَها عَمَلاً.
مسألةٌ: ثلاثةُ إخْوةٍ لأِبٍ، ادَّعَت امرأةٌ أنَّها أختُ الميِّت لأِبيهِ وأُمِّه، فصدَّقَها الأكبرُ، وقال الأوسطُ: هي أختٌ لأِمٍّ، وقال الأصغرُ: هي أختٌ لأِبٍ؛ فالأكبرُ يَدفَعُ إليها نصفَ ما في يده، ويَدفَع الأوسطُ سُدسَ ما في يده، ويَدفَعُ الأصغرُ سُبعَ ما بَقِيَ، وتصحُّ من مائةٍ وستَّةٍ وعِشْرينَ؛ لأِنَّ أصْلَ مسألتهم من ثلاثةٍ، ومسألة الأكبر من اثنَينِ، والثَّاني من ستَّةٍ، والثَّالثِ من سبعةٍ، والاِثْنانِ داخِلانِ في السِّتَّة، فتَضرِبُ ستَّةً في سبعةٍ باثْنَينِ وأربعينَ، فهذا ما في يدِ كلِّ واحِدٍ منهم، فتأخُذُ من الأكبر أحدًا وعشرين، ومن الأوسط سبعةً، وهو السُّدسُ، ومن الأصغر: ستَّةً، وهو السُّبع، فصار لها أربعةٌ وثَمانُونَ
(2)
.
فَرْعٌ: إذا مات رجلٌ، وخلَّف ابنَينِ، فمات أحدُهما وتَرَكَ بنتًا، فأقَرَّ الثَّانِي بأخٍ له من أبيه؛ فَفِي يده ثلاثةُ أرباع المال، وهو يَزعُمُ أنَّ له رُبعًا وسُدُسًا، فيَفضُلُ في يده ثُلثٌ يَرُدُّه على المقَرِّ به، فإنْ أقرَّتْ به البنتُ وحْدَها؛ ففي يَدِها الرُّبعُ، وهي تَزعُم أنَّ لها السُّدسَ، يَفضُلُ في يَدِها نصفُ السُّدسِ، تَدفَعُه إلى المقَرِّ له.
(1)
في (ظ): بمائة.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 6/ 360 والشرح 18/ 357: وثلاثون.
(بَابُ مِيرَاثِ الْقَاتِلِ)
عَقَدَ هذا البابَ لِبَيانِ إرْثِ القاتِل وعَدَمِه، وهو المقصودُ بالتَّرجمة، وكان يَنبَغِي أنْ يُعبِّرَ بالنَّفيِ.
والقَتْلُ على ضَربَينِ: مَضمونٌ، وغَيرُ مضمونٍ.
فالمضمونُ: مُوجِبٌ للحِرْمانِ، وهو المعبَّرُ عنه بقَولِه:(كُلُّ قَتْلٍ مَضْمُونٍ بِقِصَاصٍ، أوْ دِيَةٍ، أَوْ كَفَّارَةٍ)؛ كمَن رَمَى إلى صفِّ الكفَّار فأصاب مسلِمًا، (يَمْنَعُ الْقَاتِلَ مِيرَاثَ الْمَقْتُولِ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا يَرِثُ الْقَاتِلُ شَيْئًا» رواهُ أبو داودَ والدَّارَقُطْنِيُّ، وعن عمرَ قال: سمعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ: «لَيسَ لِقاتِلٍ مِيراثٌ» رواهُ مالِكٌ وأحمدُ، وعن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا مِثْلُه، رواهُ أحمدُ، ورَوَى النَّسائِيُّ مَعْناهُ مرفوعًا، صحَّحه ابنُ عبدِ البرِّ في الفرائض
(1)
، ونَقَلَ الاِتِّفاقَ عليه، وضعَّفَه غَيرُه.
(1)
وقع اختلاف في هذا الحديث؛ فأخرجه أبو داود (4564)، من طريق سليمان بن موسى الأشدق، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده في حديث طويل، وأخرجه النسائي في الكبرى (6333)، والدارقطني (4148، 4149)، من طريق إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج ويحيى بن سعيد وذكر آخر ثلاثتهم، عن عمرو بن شعيب به. والأشدق قال عنه البخاري:(عنده مناكير)، وتكلم فيه آخرون قال ابن حجر:(صدوق فقيه في حديثه بعض لين)، وإسماعيل بن عياش روايته عن الحجازيين ضعيفة، وخالفهم يحيى بن سعيد الأنصاري، فرواه عن عمرو بن شعيب، عن عمر رضي الله عنه مرفوعًا، أخرجه مالك في الموطأ (2/ 867)، وأحمد (347)، والنسائي في الكبرى (6334)، وابن ماجه (2646)، والبيهقي في الكبرى (12239)، لكنه منقطع؛ عمرو بن شعيب لم يسمع من عمر رضي الله عنه، والحديث قواه ابن عبد البر، ورجح النسائي وابن عبد الهادي رواية يحيى بن سعيد، وقال ابن حجر:(والصواب وقفه على عمر)، وضعفه مرفوعًا الألباني، وروي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الترمذي (2109)، وابن ماجه (2735)، وفيه إسحاق بن أبي فروة وهو متروك.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الدارقطني كما ذكره ابن الملقن في البدر (7/ 227)، ولم نقف عليه في السنن، وفي سنده: ليث بن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرجه البيهقي في الكبرى (12242)، وفي سنده: عمرو برق، ويقال: ابن برق، وهو عمرو بن عبد الله بن الأسوار اليماني وفي حديثه ضعف. ينظر: التمهيد 23/ 437، تنقيح التحقيق 4/ 257، ميزان الاعتدال 3/ 295، تهذيب التهذيب 4/ 227، بلوغ المرام (900)، الإرواء 6/ 115.
والمعْنَى فيه: أنَّه لو ورَّثْنا القاتِلَ؛ لم نأمنْ
(1)
من ذاعِرٍ
(2)
مُسْتَعْجِلٍ الإرْثَ أنْ يَقتُلَ مُوَرِّثَه، فيَفْنَى العالَمُ، فاقْتَضَت المصلحةُ حِرمانَه، ولأِنَّ القَتْلَ قَطَعَ الموالاةَ، وهي سببُ الإرثِ.
وظاهِرُه: أنَّ المقْتولَ يَرِثُ من قاتِلِه مِثْلَ أنْ يَجرَح مُورِّثَه، ثُمَّ يَموتُ قَبلَ المجروح من تلك الجراحة.
وسَواءٌ انفرَدَ به أوْ شارَك غَيرَه، فلو شهد على مورِّثه مع جماعةٍ ظُلْمًا بقَتْلٍ؛ لم يَرِثْه.
(سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا)، بالإجْماعِ
(3)
، إلاَّ ما حُكِيَ عن سعيدِ بنِ المسيِّب وابنِ جُبَيرٍ: أنَّهما وَرَّثاهُ منه؛ لأِنَّ آيةَ الموارِيث تَناوَلَتْه بعُمومها، فيَجِبُ العَمَلُ بها.
ولا تَعْويلَ على هذا القَولِ؛ لِشُذوذِه، وقِيامِ الدَّليل على خلافه، فإنَّ «عمرَ أعْطَى دِيةَ ابنِ قَتادةَ المَذْحِجِيِّ لأِخِيهِ دُونَ أبيه، وكان حذَفَه بسَيفٍ فَقَتَلَه»
(4)
، واشْتَهَرَ ذلك في الصَّحابة، ولم يُنكَرْ، فكان كالإجماع، ولأِنَّ الوارِثَ ربُّما
(1)
في (ظ): يأمن.
(2)
رجل ذاعر: ذو عيوب، وأما الداعر فالخبيث. ينظر: تاج العروس 11/ 373.
(3)
ينظر: الإشراف 4/ 356، مراتب الإجماع ص 98.
(4)
أخرجه مالك (2/ 867)، وعنه الشافعي في الأم (6/ 36)، وعبد الرزاق (17782)، والبيهقي في الكبرى (15963)، عن يحيى بن سعيد، عن عمرو بن شعيب به. وأخرجه ابن ماجه (2646)، والبيهقي في الكبرى (12239)، من طرق أخرى عن يحيى. قال البيهقي:(هذا الحديث منقطع، فأكده الشافعي بأن عددًا من أهل العلم يقول به)، وقال الألباني في الإرواء 6/ 115:(إسناد صحيح، ولكنه مرسل).
اسْتَعْجَلَ مَوتَ مُورِّثِه ليأخُذَ مالَه، كما فَعَلَ الإسرائيليُّ الذي قَتَلَ ابنَ عمِّه، فأنزل الله تعالى فيه قصَّةَ البقرة.
(أَوْ خَطَأً)، نَصَّ عَلَيه
(1)
، وهو قَولُ جُمْهورِ العُلَماء.
وذهب سعيدُ بنُ المسيِّب، وعَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، والأوزاعيُّ، والزُّهريُّ: أنَّه يَرِثُ من المال دُونَ الدِّية، ورُوِيَ نحوُه عن عليٍّ
(2)
؛ لأِنَّ مِيراثَه ثابِتٌ بالكتاب، والسُّنَّةُ تُخَصِّصُ قاتِلَ العَمْد، فَوَجَبَ البَقاءُ على الظَّاهِر فِيما سِواهُ.
وأُجِيبَ: بما تقدَّم، ولأِنَّ مَنْ لا يَرِثُ من الدِّيةِ لا يَرِثُ من غَيرها؛ كقاتِلِ العَمْد والمخالِفِ في الدِّين؛ سَدًّا للذَّريعةِ، وطَلَبًا للتَّحرُّز عنه.
لكِنْ ذَكَرَ أبو الوفاء، وأبو يَعْلَى الصَّغيرُ: أنَّه يَرِثُ مَنْ لا قَصْدَ له من صبِيٍّ ومجنونٍ، وإنَّما يُحرَم من يُتَّهم، وصحَّحه أبو الوفاء، ونَصُّ أحمدَ خِلافُه
(3)
؛ لأِنَّه قد يُظهِرُ الجُنونَ لِيَقْتُلَه، وقد يُحرِّضُ عاقِلٌ صبِيًّا، فحَسَمْنا المادَّةَ؛ كالخطأ.
(بِمُبَاشَرَةٍ) كان الخطأُ؛ كمَنْ رَمَى صَيدًا فأصاب مُوَرِّثَه، (أَوْ سَبَبٍ)؛ كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا عُدْوانًا، فَسَقَطَ فيها مُوَرِّثُه، (صَغِيرًا كَانَ الْقَاتِلُ أَوْ كَبِيرًا)؛ لأِنَّه قَاتِلٌ، فتَشْمَلُه الأدلَّةُ.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ الأبِ وغَيرِه، وسَواءٌ قَصَدَ مصلحتَه؛ كضَرْبِ الأبِ والزَّوجِ للتَّأديب، وكسَقْيِه الدَّواءَ، وبَطِّ جُرْحِه، والمعالجةِ إذا مات به.
وفي «الفروع» : (ولو شَرِبَتْ دواءً، فأسقطتْ
(4)
جنينَها؛ لم تَرِثْ من الغُرَّة
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3392.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (31409)، عن يحيى بن أبي كثير، عن عليٍّ في رجل قتل أمَّه فقال:«إن كان خطأً ورث، وإن كان عمدًا لم يرث» ، وهذا مرسل.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 70.
(4)
في (ق): وأسقطت.
شَيئًا، نَصَّ عليه
(1)
.
وقِيلَ: مَنْ أدَّب وَلَدَه فماتَ؛ لم يَرِثْه، وأنَّه إنْ سقاهُ دواءً أوْ فَصَدَه، أوْ بَطَّ سلْعَتَه لحاجةٍ؛ فوَجْهان، وأنَّ في الحافِر احْتِمالَينِ، ومِثلُه: نَصْبُ سِكِّينٍ، وَوَضْع حَجَرٍ، ورَشُّ ماءٍ، وإخْراج جناحٍ) انتهى.
وقاله في «الرِّعاية» أيضًا، وجزم في «الحاشية»: بأنَّه إذا أدَّب وَلَدَه فمات؛ يُمنَعُ الإرْثَ، وظاهِرُ «الشَّرح»: إذا لم يَقصِدْ مصلحتَه.
(وَمَا لَا يُضْمَنُ بِشَيْءٍ؛ كَالْقَتْلِ قِصَاصًا، أَوْ حَدًّا)؛ كَمَنْ قَتَلَه الإمامُ بالرَّجْم أو بالمحاربة، وكذا إنْ شَهِدَ على مُوَرِّثه بما يُوجِبُ الحَدَّ أو القصاصَ، نَقَلَ محمَّدُ بنُ الحَكَمِ
(2)
في أربعةِ شُهودٍ شَهِدُوا على أخْتِهم
(3)
بالزِّنى، فرُجِمَتْ، فرجمها مع النَّاس: يَرِثُونها
(4)
؛ لأِنَّهم غَيرُ قَتَلةٍ، ويتوجَّهُ في تَزْكِيَة شُهودٍ كذلك.
(أَوْ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ)؛ لأِنَّه فَعَلَ فِعْلاً مَأْذُونًا فيه، فلم يَمنَعِ المِيراثَ، كما لو أطْعَمَه وسقاه فأفْضَى إلى تَلَفِه.
(وَقَتْلِ الْعَادِلِ الْبَاغِيَ، أَوِ الْبَاغِي الْعَادِلَ، فَلَا يَمْنَعُ)، صحَّحه في «الهداية» و «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ المنْعَ من العدوان حَسْمًا لِمادَّته، ونَفْيًا للقَتْل المحرَّم، فلو مُنِع هنا، لكان مانِعًا من اسْتِيفاءِ الواجِبِ، أو الحقِّ المباحِ اسْتِيفاؤه.
(وَعَنْهُ: لَا يَرِثُ الْبَاغِي الْعَادِلَ، وَلَا الْعَادِلُ الْبَاغِيَ)؛ لِعُمومِ الأدِلَّة، وهاتانِ رِوايتانِ، لكِنِ الأَوْلى: لا يَرِثُ الباغِي العادِلَ، جَزَمَ بها القاضِي في
(1)
ينظر: الفروع 8/ 69.
(2)
في (ق): عبد الحكم.
(3)
في (ق): أخيهم.
(4)
ينظر: زاد المسافر 4/ 122 من رواية أبي النضر العجلي، والروايتين والوجهين 2/ 73.
«الجامِع الصَّغيرِ» ، والشَّريفُ وأبو الخَطَّاب في «خلافيهما» ، و «المغْنِي» ، و «التَّبصرة» ، و «التَّرغيب» ؛ لأِنَّ الباغِيَ آثِمٌ ظالِمٌ، فناسَبَ أنْ لا يَرِثَ، مع دخوله في عموم الأدِلَّة، وهذا بخِلافِ العادِلِ؛ لأِنَّه مأْذونٌ في الفِعْل مُثابٌ عَلَيهِ، وذلك لا يُناسِبُ نَفْيَ الإرْثِ.
واخْتارَ المؤلِّفُ وجَمْعٌ: إنْ جَرَحَه العادِلٌ لِيَصيرَ غَيرَ مُمْتَنعٍ؛ وَرِثَه، لا إنْ تعمَّدَ قَتْلَه ابتداءً، قال في «الفروع»: وهو متَّجِهٌ.
ولأِنَّ العادِلَ إذا مُنِعَ من الإرث مع الإذْن؛ جاز أنْ يُمنَعَ منه كلُّ قاتِلٍ؛ لأِنَّ أعْلَى مراتبِه أنْ يكونَ مأْذونًا له فيه.
(فَيُخَرَّجُ مِنْهُ: أَنَّ كُلَّ قَاتِلٍ لَا يَرِثُ) بحالٍ، في رِوايةٍ هي ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وعُموم الأدلَّة يَشهَدُ
(1)
لها، وهذا مَبْنِيٌّ على سَدِّ الذَّريعة.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه إنَّما حُرِمَ المِيراثَ في مَحَلِّ الوِفاق؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إلى اتِّخاذ القَتْل المحرَّمِ وسيلةً، وفي مَسألَتِنا حِرْمانُ المِيراثِ يمنَعُ إقامةَ الحدود واسْتِيفاءَ الحُقوق المشروعةِ، ولا يُفْضِي إلى اتِّخاذ قَتْلٍ مُحرَّمٍ، فهو ضِدُّ ما ثَبَتَ في الأصل.
مسألةٌ: أربعةُ إخْوةٍ قَتَلَ أكبرُهم الثَّانِيَ، ثُمَّ قَتَلَ الثَّالِثُ الأصغرَ؛ سَقَطَ القِصاصُ عن الأكبر؛ لأِنَّ مِيراثَ الثَّاني صار للثَّالثِ والأصغرِ نِصفَينِ، فلمَّا قَتَلَ الثَّالِثُ الأصغرَ؛ لم يَرِثْه، ورثه
(2)
الأكبرُ، فَرَجَعَ إليه نصفُ دَمِ نَفْسِه، وميراثُ الأصغرِ جميعُه، فيَسقُطُ عنه القِصاصُ لمِيراثه بعضَ دم نِفْسِه، وله القِصاصُ من الثَّالث، ويَرِثُه في ظاهر المذهب، فإنْ اقْتَصَّ منه وَرِثَه، وَوَرِثَ إخْوتَه الثَّلاثةَ، واللهُ أعْلَمُ بالصَّواب
(3)
.
(1)
في (ق): تشهد.
(2)
في (ظ): دونه. والذي في المغني 6/ 366، والشرح الكبير 18/ 375: وورثه.
(3)
قوله: (بالصواب) سقط من (ق).
(بَابُ مِيرَاثِ الْمُعْتَقِ بَعْضُهُ)
ذَكَرَ في هذا البابِ المانِعَ من الإرْثِ، وهو الرِّقُّ، مع ما تقدَّم من اخْتِلافِ الدِّين، والقَتْلِ
(1)
المضْمونِ، ومَن يَرِثُ بِبَعْضِه
(2)
.
(لَا يَرِثُ الْعَبْدُ)، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
، قال في «المغْنِي»: لا نَعلَمُ فِيهِ خِلافًا، إلاَّ ما رُوِيَ عن ابنِ مَسعودٍ في رَجُلٍ مات وتَرَكَ أبًا مَمْلوكًا:«يُشْتَرَى من ماله ويُعتَقُ، ثُمَّ يَرِثُ»
(4)
، وقالَهُ الحَسَنُ.
وعن أحمدَ: يَرِثُ عِنْدَ عَدَمِ وارِثٍ، ذَكَرَه في «المُذْهب» ، وأبو البَقاء في «النَّاهض» .
والأوَّلُ قَولُ الجمهور، ولأِنَّ فيه نَقْصًا يَمنَعُ كَونَه مَورُوثًا، فمَنَعَ
(5)
كَونَه وارِثًا؛ كالمرتدِّ، ويُفارِقُ الوصيَّةَ، فإنَّها تَصِحُّ، وتَكونُ لِمَولاهُ، وقِيَاسُهم بالحَمْل يَنتَقِضُ بمخْتَلِفِي الدَّين.
(وَلَا يُورَثُ) إِجْماعًا
(6)
؛ لأِنَّه لا
(7)
مالَ له فيُورَثُ عنه، ولأِنَّه لا يَملِكُ، وإنْ قِيلَ به؛ فملْكُه ناقِصٌ غَيرُ مُسْتَقِرٍّ، يَنتَقِلُ إلى سيِّدِه بزَوالِ ملْكِه فيه، يَدُلُّ
(1)
في (ق): والقدر.
(2)
في (ق): بعضه.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 297، مسائل عبد الله ص 350.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (191)، وابن أبي شيبة (31156)، عن محمد بن سيرين، عن ابن مسعود، وهو مرسل، ورجاله ثقات. وأخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 189)، وابن أبي شيبة (31155)، والبيهقي في المعرفة (12509)، عن إبراهيم عن عبد الله مرسلاً. ورواية إبراهيم عن ابن مسعود محمولة على الاتصال عند جماعة من المحدثين.
(5)
في (ق): يمنع.
(6)
ينظر: المغني 6/ 346.
(7)
قوله: (لا) سقط من (ظ).
عَلَيهِ قَولُه عليه السلام: «مَنْ بَاعَ عَبْدًا وله مالٌ
…
» إلى آخِرِه
(1)
؛ إذ السَّيِّدُ أحقُّ بمَنافِعِه وأكْسابِه، فكذا بَعْدَ مَمَاتِه.
(سَوَاءٌ كَانَ قِنًّا)، قال ابنُ سِيدَه وغَيرُه:(هو وأبوه مَمْلوكانِ)
(2)
، وفي اصْطِلاحِ الفقهاء: هو الرَّقيقُ الكامِلُ، الذي لم يَحصُلْ فيه شَيءٌ من أسباب العِتْق ومُقدِّماتِه، قال الجَوهَرِيُّ:(ويَسْتَوِي فيه الواحِدُ والاِثْنانِ، والجَمعُ والمؤنَّثُ، وربَّما قالوا: عَبِيد أَقْنانٌ، ويُجمَعُ على أَقِنَّةٍ)
(3)
، (أَوْ مُدَبَّرًا)؛ لأِنَّ فيه جميعَ أحْكام العبودية، بدليلِ أنَّه عليه السلام باعَه
(4)
، (أَوْ مُكَاتَبًا)؛ لأِنَّه عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ، وهذا ظاهِرٌ فيما إذا لم يَمْلِكْ قَدْرَ ما عليه.
وقال القاضي وأبو الخَطَّاب: إذا أدَّى ثلاثةَ أرْباعِ كتابته، وعَجَزَ عن الرُّبع؛ عَتَقَ؛ لأِنَّه يَجِبُ إيتاؤه ذلك.
وفي روايةٍ أخرى: أنَّه إذا مَلَكَ ما يُؤدِّي صار حُرًّا، يَرِثُ ويُورَثُ، فإذا مات له مَنْ يَرِثُه؛ وَرِثَ، وإنْ مات؛ فلسيِّده بقيَّةُ كتابته، والباقِي لِوَرَثَتِه؛ لأِثَرٍ سيأتي.
(أَوْ أُمَّ وَلَدٍ)؛ لأِنَّها رقيقةٌ يجري فيها جميعُ أحْكامِ الرِّقِّ، إلاَّ ما استُثْنِيَ.
فَرْعٌ: المعلَّقُ عِتقُه بصفةٍ إذا لم تُوجَدْ؛ كذلك.
(فَأَمَّا المُعْتَقُ بَعْضُهُ؛ فَمَا كَسَبَهُ بِجُزْئِهِ الْحُرِّ)؛ مِثْلَ أنْ يكونَ قد هَايَأَ سيِّدَه على منفعته، فاكتسب في أيَّامه أو وَرِثَ شَيئًا؛ فإنَّ المِيراثَ إنَّما يَستَحِقُّه بجُزْئِه الحُرِّ، (فَلِوَرَثَتِهِ، وَيَرِثُ) إذا مات له مَنْ يَرِثُه، (وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ مَا فِيهِ مِنَ
(1)
أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه. وأخرجه أحمد (4552)، وأبو داود (3433)، باللفظ الذي ذكره المصنف.
(2)
ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 6/ 134.
(3)
ينظر: الصحاح 6/ 2184.
(4)
أخرجه البخاري (2141)، ومسلم (997)، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً أعتق غلامًا له عن دُبُر، فاحتاج، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «من يشتريه مني
…
» الحديث.
الْحُرِّيَّةِ)، في قَولِ عليٍّ
(1)
وابنْ مسعودٍ
(2)
، واخْتارَهُ جَمْعٌ؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بنُ أحمدَ، ثَنَا الرَّملي
(3)
، عن يزيدَ بنِ هارونَ، عن عَطاءٍ، عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في العبد يَعتِقُ بعضُه: «يَرِثُ ويُورَثُ على ما عَتَقَ منه»
(4)
، وفيه انْقِطاعٌ، قال أحمدُ: إذا كان العبدُ نصفُه حُرًّا ونصفُه رقيقًا؛ وَرِثَ بقَدْرِ الحُرِّيَّة
(5)
، وكذلك رُوِيَ
(6)
عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأِنَّه يَجِبُ أنْ يُثبَتَ لكلِّ بَعْضٍ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (15668)، وابن أبي شيبة (21511)، عن قابوس بن أبي المخارق، عن أبيه، قال: بعث عليٌّ محمدَ بن أبي بكر على مصر، فكتب إليه يسأله عن مكاتَب مات وترك مالاً وولدًا، فكتب يأمر في الكتاب:«إن كان ترك وفاء لمكاتبته يدعى مواليه فيستوفون، وما بقي كان ميراثًا لولده» ، وإسناده جيد. وأخرجه سعيد بن منصور كما في المحلى (7/ 527)، عن إبراهيم النخعي والشعبي، كلاهما عن علي بن أبي طالب، قال:«المكاتب يرث بقدر ما أدى، ويحجب بقدر ما أدى، ويعتق منه بقدر ما أدى» ، وهذه مراسيل حسان، وأخرجه عبد الرزاق (15734)، وابن حزم (8/ 243)، عن قتادة مرسلاً. وروي عن علي رضي الله عنه من وجوه أخرى لا تخلو من ضعف يسير.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (15655)، وابن أبي شيبة (21512)، والبيهقي في الكبرى (21643)، عن الشعبي: أن شريحًا كان يقضي في المكاتب قضاء عبد الله، إذا ترك مالاً وعليه بقية من مكاتبته؛ يعطي لمواليه من مكاتبته، وما بقي كان لورثته. إسناده صحيح.
(3)
في (ظ): البرمكي.
(4)
لم نقف عليه في زوائد عبد الله بن أحمد، وقد ذكره ابن قدامة في المغني (6/ 349)، وأخرجه أحمد (1944)، بلفظ:«يعتق منه بقدر ما أدى دية الحر، وبقدر ما رَقَّ منه دية العبد» ، وأخرجه أبو داود (4582)، والترمذي (1259)، والنسائي (4809)، وابن الجارود (982)، والحاكم (2865)، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أصاب المكاتب حدًّا، أو ورث ميراثًا، يرث على قدر ما عتق منه» ، ووقع في هذا اختلاف، قال النسائي:(لا يصح، وهو مختلف فيه)، وقال ابن عبد الهادي:(روي موقوفًا ومرسلاً، وفي إسناده اختلاف)، وحسنه الترمذي وابن القيم، وصححه ابن الجارود والحاكم والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 278، تهذيب السنن ط المعرفة 5/ 386، الإرواء 6/ 161.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4491.
(6)
في (ق): كذلك.
حكمُه، كما لو كان الآخَرُ مِثْلَه، وقِياسًا لأحدهما على الآخَرِ.
وقال زَيدٌ: لا يَرِثُ ولا يُورَثُ، وأحكامُه أحكامُ العبد، وِفاقًا لِمَالِكٍ
(1)
، وجَعَلَ مالَه لمالِكِ باقِيهِ، قال ابنُ اللَّبَّان: وهو غلطٌ؛ لأِنَّه لَيسَ لمالِكِ باقِيهِ على ما عَتَق منه ملْكٌ، ولا وَلاءَ عَلَيهِ، ولا هو ذو رَحِمٍ.
(فَإِذَا كَانَتْ بِنْتٌ وَأُمٌّ، نِصْفُهُمَا حُرٌّ، وَأَبٌ حُرٌّ؛ فَلِلْبِنْتِ بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُ مِيراثِهَا)؛ لأِنَّها لو كانَتْ كاملةَ الحُرِّيَّةِ؛ لكان لها النِّصفُ، فَوَجَبَ أنْ يكونَ لها بنصفِ حُرِّيَّتها نصفُه، (وَهُوَ الرُّبُعُ)؛ لأِنَّه نصفُ النِّصفِ، (وَلِلْأُمِّ مَعَ حُرِّيَّتِهَا وَرِقِّ الْبِنْتِ؛ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّه مِيراثُها حِينَئِذٍ، (وَالسُّدُسُ مَعَ حُرِّيَّةِ الْبِنْتِ، فَقَدْ حَجَبَتْهَا حُرِّيَّتُهَا عَنِ السُّدُسِ، فَبِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا تَحْجُبُهَا عَنْ نِصْفِهِ، يَبْقَى لَهَا الرُّبُعُ)، وهو نصفُ النِّصفِ، (لَوْ كَانَتْ حُرَّةً؛ فَلَهَا بِنِصْفِ حُرِّيَّتِهَا نِصْفُهُ، وَهُوَ الثُّمُنُ)؛ لأِنَّه نصفُ ما يسْتحِقُّه
(2)
بالحُرِّيَّةِ الكامِلةِ، (وَالْبِاقِي لِلْأَبِ)؛ لأِنَّ له السُّدسَ بالفَرْض، وما بَقِيَ بَعدَه بالتَّعصيب؛ لأِنَّه أَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ.
(وَإِنْ شِئْتَ نَزَّلْتَهُمْ أَحْوَالاً؛ كَتَنْزِيلِ الْخَنَاثَى)، فَتقولُ: إذا
(3)
كانَتَا حُرَّتَينِ؛ فالمسألةُ من ستَّةٍ؛ للبنت ثلاثةٌ، وللأمِّ سَهْمٌ، والباقي للأب، وإنْ كانا رقِيقَينِ فالمالُ للأب، وإنْ كانت البنتُ وحدَها حُرَّةً؛ فلها النِّصفُ، والباقي للأب، فهي من اثْنَينِ، وإن كانت الأمُّ وحدَها حرَّةً؛ فلها الثُّلثُ، فهي من ثلاثةٍ، وكلُّها تدخُلُ في السِّتَّة، فتَضرِبُها في الأحوال الأربعةِ، تكن أربعةً وعِشْرينَ؛ للبنت ستَّةٌ، وهي الرُّبعُ؛ لأِنَّ لها النِّصفَ في حالَينِ، وللأمِّ ثلاثةٌ؛ لأِنَّ لها السُّدسَ في حالٍ، والثُّلثَ في حالٍ، والباقي للأب؛ لأِنَّ المالَ له في حالٍ، والثُّلثَ في حالٍ، والنِّصفَ في حالٍ، والثُّلثانِ في حالٍ، صار ذلك خمسةَ
(1)
ينظر: التهذيب في اختصار المدونة 4/ 618، الكافي في فقه أهل المدينة 2/ 1049.
(2)
في (ق): تستحقه.
(3)
في (ق): إن.
عَشَرَ، وترجِعُ بالاِخْتِصار إلى ثمانيةٍ.
(وَإِذَا كَانَ عَصَبَتَانِ) لا يَحجُبُ أحدُهما الآخَرَ، (نِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُرٌّ؛ كَالْأَخَوَينِ؛ فَهَلَ تُكَمَّلُ الْحُرِّيَّةُ فِيهِمَا؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: تُكَمَّلُ، قالَهُ في «المستوعب» ، وهو قِياسُ قَولِ عليٍّ
(1)
، قاله الخَبْريُّ، فتُضَمُّ الحُرِّيَّةُ من أحدهما إلى ما في الآخَر منهما، فإنْ كملَ منهما واحِدٌ؛ وَرِثَا جَميعًا مِيراثَ ابنٍ حُرٍّ
(2)
؛ لأِنَّ نِصْفَيْ شَيءٍ شيءٌ كامِلٌ، ثُمَّ يُقسَمُ
(3)
ما وَرِثاهُ بَينَهما على قَدْرِ ما في كلِّ واحِدٍ منهما، ففي مسألةِ الكتاب: يُكمَّلُ، وكذا إذا كان ثُلُثَا أحدِهم حرًّا، وثُلُث الآخَر كذلك، فيُقْسَمُ حينَئِذٍ ما وَرِثاهُ بَينَهما أثْلاثًا، فإنْ نَقَصَ ما فِيهِما من الحُرِّيَّة عن جُزْءٍ كامِلٍ؛ وَرِثَا بقَدرِ ما فِيهِما، وإنْ زاد على جُزْءٍ واحِدٍ، وكان الجُزآنِ فِيهِما سَواءً؛ قُسِمَ ما وَرِثاهُ بَينَهما بالسَّوِيَّة، وإن اخْتَلَفا أُعْطِيَ كلُّ واحِدٍ منهما بقَدرِ ما فيه.
والثَّاني: لا تُكمَّلُ، وهو أشْهَرُ؛ لأِنَّها لو كُمِّلَتْ؛ لم يَظهَرْ للرِّقِّ فائدةٌ، وكانا في مِيراثِهما كالحُرِّيَّة، وعَلَيهِ فيه وجْهانِ:
أحدُهما: لكلِّ واحِدٍ نصفُ مالِه في حالِ حرِّيَّتِهما، وهو هنا الرُّبعُ.
والثَّاني: بطريق الخِطابِ، ومَعْناهُ: لو خاطَبْتَهما لقُلْتَ
(4)
للحُرِّ: لكَ المالُ لو كان أخوكَ رقيقًا، ونصفُه لو كان حُرًّا، فَعَلَى هذا: لكلِّ واحِدٍ رُبعٌ وثُمنٌ.
ولو كان ابنٌ وبنتٌ، نَصفُهما حُرٌّ، وعمٌّ، فَعَلَى الأوَّل: لهما ثلاثةُ أرباع المال، ونصفُه على الثَّاني، وخَمْسةُ أثْمانه على الثَّالث.
(1)
تقدم 7/ 226 حاشية (1).
(2)
في (ق): آخر.
(3)
في (ق): تقسم.
(4)
قوله: (لقلت) سقط من (ق).
ولو كان معهم أُمٌّ؛ فلها السُّدسُ على الأوْجُه، والاِبنُ والبنتُ؛ هل لهما على الأوَّل على ثلاثةٍ ثلاثةُ أرباعِ المال الباقي بَعْدَ السُّدس، أوْ ثلاثةُ أرباع المالِ؟ فيه وجْهانِ، وعلى الثَّاني: هل لهما نصفُ المال، أو نصفُ الباقي بَعْدَ السُّدس؟ على وَجْهَينِ.
(فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَحْجُبُ الآْخَرَ
(1)
، كَابْنٍ وَابْنِ ابْنٍ)؛ فوجْهانِ، (وَالصَّحِيحُ: أَنَّها لَا تُكَمَّلُ)؛ لأِنَّ الشَّيءَ لا يُكمَّلُ ممَّا يُسقِطُه، ولا يُجمَعُ بَينَه وبَينَ ما يُنافِيهِ.
فإنْ كان نصفُ كلٍّ منهما حُرًّا؛ فلِلاِبْنِ النِّصفُ، ولا شَيءَ لاِبْنِه على الأوسط، وعلى الأوَّل الرُّبعُ، وعلى الثَّالث النِّصفُ.
قال في «الشَّرح» : (وَوَرَّثَهم بعضُهم بالخِطاب وتَنْزيلِ الأحوال، وحَجَبَ بعضَهم ببَعْضٍ على مِثالِ تنزيلِ الخَناثَى، وهو قَولُ أبي يُوسُفَ).
مسألةٌ: أمٌّ وأخَوانِ بأحدهما رِقٌّ، لها ثُلثٌ، وحَجَبها أبو الخَطَّاب بقَدْرِ حُرِّيَّته، فبنصفها عن نصف سُدسٍ.
تنبيهٌ: يُرَدُّ على ذي فرضٍ وعَصَبةٍ لم تَرِثْ
(2)
بقَدْرِ نسبةِ الحُرِّيَّة منهما، فلبنتٍ نصفُها حُرٌّ: النِّصفُ بفَرْضٍ ورَدٍّ، ولاِبْنٍ مَكانَها: النِّصفُ بالعُصوبة، والبقيَّةُ لبَيتِ المال، ولاِبْنَينِ نصفُهما حُرَّانِ لم نُوَرِّثْهما المالَ: البقيَّةُ مع عَدَمِ عَصَبةٍ، ولِبِنْتٍ وجَدَّةٍ نصفُهما حُرٌّ: المالُ نِصفَينِ بفَرْضٍ ورَدٍّ، ومع حُرِّيَّته
(3)
ثلاثةِ أرْباعِهما: المالُ بَينَهما أرْباعًا بقَدرِ فَرضَيْهِما، ومع حرِّيَّةِ ثُلثِهما: الثُّلثانِ بَينَهما، والبقيَّةُ لبيت المال.
(1)
في (ظ): الأخرى.
(2)
في (ظ): يرث.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في الفروع 8/ 75: ومع حريَّةِ.
ابنٌ نصفُه حُرٌّ: له نصفُ المال، فإنْ كان معه آخَرُ؛ فلهما المالُ في وَجْهٍ، وفي آخَرَ: لهما نصفُه، والباقي للعصبة، أو لبيت المال.
وقِيلَ: لكلٍّ منهما ثلاثةُ أثْمانِ المال؛ لأِنَّهما لو كانا حُرَّينِ لكان لكلٍّ منهما النِّصفُ، ولو كانا رقِيقَينِ لم يكن لهما شيءٌ، ولو كان الأكبرُ حرًّا لكان المالُ له، وبالعكس، فلكلِّ واحِدٍ منهما في الأحوال الأربعةِ مالٌ ونصفٌ، فله رُبعُ ذلك، وهو ثلاثةُ أثْمانٍ.
فإنْ كان معهما ابنٌ آخَرُ ثُلثُه حرٌّ؛ فعلى الوجْهِ الأوَّل: يُقسَمُ المال بَينَهم على ثمانيةٍ، كما تُقسَمُ مسألةُ المباهَلَةِ، وعلى الثَّاني: يُقسَمُ النِّصفُ بَينَهم على ثمانيةٍ، وفي وَجْهٍ: يُقسَمُ الثُّلثُ بَينَهم أثْلاثًا، ثُمَّ يُقسَمُ السُّدسُ بَينَ صاحِبَيِ النِّصفَينِ نِصْفَينِ.
(بَابُ الْوَلَاءِ)
أيْ: بابُ مِيراثِ الوَلاءِ؛ لأِنَّ الوَلاءَ لا يُورَثُ، وإنَّما يُورَثُ به، فهو من إضافةِ الشَّيء إلى سَبَبِه؛ لأِنَّ سَبَبَ المِيراث هنا: الوَلاءُ، ولا شَكَّ أنَّه من جملة الأسباب التي يُتَوارَثُ بها.
والوَلاءُ: بفَتْح الواوِ مَمْدودٌ، وهو: ثُبوتُ حكمٍ شَرْعِيٍّ بالعِتْق، أوْ تَعاطِي سَبَبِه.
ومَعْناهُ: أنَّه إذا أعْتَقَ رقيقًا على أيِّ جِهةٍ صار له عَصَبةً في جميعِ أحْكامِ التَّعصيب عِنْدَ عَدَمِ العَصَبة من النَّسب؛ كالمِيراث، وولايةِ النِّكاح، والعَقْل.
والأصلُ فيه: قَولُه تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} [الأحزَاب: 5]؛ يَعْنِي: الأدْعِياءَ، مع قَولِه عليه السلام:«الوَلاءُ لِمَنْ أعْتَقَ» متَّفقٌ عَلَيهِ
(1)
، وإنَّما تأخَّر الوَلاءُ عن النَّسب؛ لقَولِه صلى الله عليه وسلم في
(2)
حديثِ عبدِ الله بنِ أبي أَوْفَى: «الوَلاءُ لُحْمةٌ كلُحْمة النَّسَب» رواه الخَلاَّلُ، ورواه الشَّافِعِيُّ وابنُ حِبَّانَ من حديثِ ابنِ عُمَرَ مرفوعًا، وفيه:«لا يُباع ولا يُوهَبُ»
(3)
، شبَّهه بالنَّسب، والمشبَّه
(4)
دُونَ المشبَّهِ به، وأيْضًا: فإنَّ النَّسَبَ أقْوَى منه؛ لأِنَّه تتعلَّق به المحْرَمِيَّةُ، ووُجوبُ النَّفقة، وردُّ
(5)
الشَّهادةِ، ونحوُها، بخِلافِ الوَلاء.
(كُلُّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا)، وفي «الفروع»: رقيقًا، وهي أَوْلَى، وسَواءٌ أعْتَقَه
(1)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في (ق): من.
(3)
سبق تخريجه 7/ 9 حاشية (1).
(4)
في (ق): والشبه.
(5)
في (ظ): وترد.
كلَّه أو بعضَه، فسَرَى إلى بقيَّته؛ فله عليه الوَلاءُ إجْماعًا
(1)
، حَيثُ لم يُعتِقْه عن نذره أو كفَّارته.
وكلامُه شامِلٌ للمسلم وغيرِه، فلو أعْتَقَ الحربيُّ حربيًّا؛ فله عليه الوَلاءُ في قَولِ عامَّتهم، فإنْ جاء المعتِقُ مسلِمًا؛ فالوَلاءُ بحاله، وإنْ سُبِيَ مَولَى النِّعمة، لم يَرِثْ ما دام عبدًا، فإنْ عَتَقَ؛ فعليه الوَلاءُ لمعتقه، وله الوَلاء على عتيقه، وهل يَثبُتُ لمعتِقِ السَّيِّد وَلاءٌ على مُعْتَقِه؟ فيه احْتِمالانِ.
فإنْ كان الذي اشْتَراهُ مولاهُ، فأعتقه؛ فكلُّ واحِدٍ منهما مَوْلَى صاحبه، وإنْ أسَرَه مَولاه فكذلك، وإنْ سُبِيَ المعتَقُ فاشْتَراهُ رَجُلٌ فأعْتَقَه؛ بَطَلَ وَلاءُ الأوَّل، وصار للثَّاني على المشهور.
وإنْ أعْتَقَ ذِمِّيٌّ عَبْدًا، فَهَرَبَ إلى دار الحرب، فاسْتُرِقَّ؛ فالحكمُ فيه كما لو أعْتَقَه الحرُّ
(2)
سَواءً.
وإنْ أعتق مسلِمٌ كافِرًا، فهَرَبَ إلى دار الحرب
(3)
، ثمَّ سَباهُ المسلمون؛ لم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه، وقال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ جَوازُه، فعلى هذا: إن اسْتُرِقَّ فالوَلاءُ للثَّانِي، وقِيلَ: للأوّل، وقِيلَ: بَينَهما.
وإن
(4)
أعتق مسلِمٌ مسلِمًا، أو أعْتَقَه ذِمِّيٌّ، ثُمَّ ارتدَّ ولَحِقَ بدار الحرب، فسُبِيَ؛ لم يَجُزِ اسْتِرْقاقُه، وإن اشْتُرِيَ؛ فهو باطِلٌ، ولا تُقبَلُ
(5)
منه إلاَّ التَّوبة أو القَتْلُ.
(أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ بِرَحِمٍ)؛ يَعْنِي: إذا ملكه يَعتِقُ عليه بالملك، فكان ولاؤه له،
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 75.
(2)
كذا في النسخة الخطية، والذي في المغني 6/ 411، والشرح 18/ 404: حربي.
(3)
قوله: (فهرب إلى دار الحرب، فاسترق فالحكم
…
) إلى هنا سقط من (ق).
(4)
في (ظ): فإن.
(5)
في (ق): ولا يقبل.
كما لو باشَرَ عِتْقَه، وسَواءٌ مَلَكَه بشِراءٍ أو هبةٍ أوْ إرثٍ أوْ غَنِيمةٍ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
.
(أَوْ كِتَابَةٍ)؛ يعني: إذا كاتَبَه، فأدَّى ما كُوتِبَ عليه؛ عَتَقَ، ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يؤدِّيَ إلى سيِّده أو إلى ورثته؛ لأِنَّ عِتْقَه بكتابته، وهي من سيِّده.
وحَكَى ابنُ سُراقةَ عن عمرِو بنِ دِينارٍ، وأبي ثَورٍ: أنَّه لا وَلاءَ على المكاتَب؛ لأِنَّه اشْتَرَى نفسَه، فلم يكن عليه وَلاءٌ، كما لو اشْتَراهُ أجْنَبِيٌّ، فأعْتَقَه، وهذا قُوَيلٌ عِندَنَا، ورُدَّ بالأحاديث المشهورةِ.
فَرْعٌ: إذا اشْتَرَى العبدُ نفسَه من سيِّده بِعِوَضٍ حالٍّ؛ عَتَقَ، والولاءُ لسيِّده؛ نَصَّ عليه؛ كالمكاتَب، وفيه قَولٌ.
(أَوْ تَدْبِيرٍ)؛ أي: عَتَقَ عليه بالتَّدبير؛ فولاؤه لسيِّده في قَولِ عامَّة الفقهاء.
(أَوِ اسْتِيلَادٍ)؛ يعني: إذا عَتَقَتْ أمُّ الولد بِمَوتِ سيِّدها؛ فولاؤها له، يَرِثُها أقْرَبُ عَصَبَته في قَولِ الجمهور.
وقال ابنُ مسعودٍ
(2)
: تَعتِقُ
(3)
من نصيبِ ولدِها، فيكون الولاءُ له.
وقال عليٌّ
(4)
: لا تَعْتِقُ ما لم يُعتِقْها، وله بَيعُها، واختاره جابرُ بنُ زَيدٍ.
(1)
ينظر: المغني 6/ 415.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (13215)، وسعيد بن منصور (2061)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 185)، والطبراني في الكبير (9684)، والبيهقي في الكبرى (21797)، وابن حزم في المحلى (8/ 213)، وابن حجر في موافقة الخبر (1/ 169)، عن زيد بن وهب، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال في أم الولد:«تعتق من نصيب ولدها» ، من قصة فيها طول، قال ابن حزم:(إسناد في غاية الصحة)، وقال ابن حجر:(موقوف رجاله ثقات).
(3)
في (ظ): يعتق.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (2048)، وعبد الرزاق (13224)، وابن أبي شيبة (21590)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (1/ 442)، والبيهقي في الكبرى (21794)، عن عَبِيدةَ، عن علي، قال:«اجتمع رأيي ورأي عمر في عتق أمهات الأولاد، فلما وليت رأيت أن أرقهن» ، قال الحافظ في التلخيص 4/ 522:(هذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد).
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّها عَتَقَتْ بفِعْلِه من ماله، فكان ولاؤها له، كما لو عَتَقَتْ بقَولِه.
(أَوْ وَصِيَّةٍ بِعِتْقِهِ)؛ أيْ: إذا أوصى أنْ يُعتَقَ عنه بَعْدَ مَوتِه، فأُعْتِقَ؛ فالولاءُ له، وكذا إنْ وصَّى به، ولم يَقُلْ: عَنِّي.
(فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ)؛ أيْ: يَثبُتُ للمُعتِق على المعتَق، إلاَّ إذا أعْتَقَ قِنٌّ قِنًّا يَملكه، نَصَّ عليه، (وَعَلَى أَوْلَادِهِ، مِنْ زَوْجَةٍ مُعْتَقَةٍ، أَوْ مِنْ أَمَتِهِ)؛ لأِنَّه وليُّ نِعمَتِهم وعِتْقُهم بسبَبِه، ولأِنَّه
(1)
فَرْعٌ، والفَرْعُ يَتبَعُ أصْلَه، بشَرْطِ أنْ يكونوا من زوجةٍ معتَقةٍ أو سُرِّيَّته
(2)
، فإنْ كانت أمُّهم حُرَّةَ الأصل؛ فَلَا وَلاءَ على ولدها؛ لأِنَّهم يَتْبَعونَها في الحُرِّيَّةِ والرِّقِّ، فيَتْبَعونَها في عَدَمِ الوَلاء؛ إذْ لَيسَ عَلَيها وَلاءٌ، (وَعَلَى مُعْتَقِيهِ، وَمُعْتَقِي أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِهِمْ، وَمُعْتَقِيهِمْ أَبَدًا مَا تَنَاسَلُوا)؛ لأِنَّه وليُّ نِعمَتِهم، وبسبَبِه عَتَقُوا، أشْبَهَ ما لو باشَرَهم بالعِتْق.
(وَيَرِثُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْعَصَبَةِ مِنَ النَّسَبِ)؛ أيْ: إذا لم يكن للمعتَق عَصَبةٌ ولا ذو فَرْضٍ؛ فهو للمَوْلَى؛ لِمَا رَوَى الحَسَنُ مرفوعًا: «المِيراثُ للعَصَبة، وإنْ
(3)
لم يَكُنْ عَصَبةٌ؛ فللمَولَى»
(4)
، ولأنَّ النَّسَبَ أقْوَى من الوَلاء، بدليلِ: أنَّه يتعلَّق به التَّحريمُ، وسقوطُ القِصاص، وردُّ الشَّهادة، بخِلافِ الوَلاء.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان عصبةٌ أوْ ذُو فَرْضٍ يَستغْرِقُ فُروضُهم المالَ؛ فلا شَيءَ للمَولى، بغَيرِ خِلافٍ نعلمه
(5)
، ولو كان ذُو فَرْضٍ لا يستغْرِقُ المالَ؛ فالباقِي للمَولَى.
(1)
في (ظ): لأنه.
(2)
في (ظ): سرية.
(3)
في (ق): فإن.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور في سننه (281)، عن الحسن مرسلاً، وإسناده صحيح إلى الحسن، لكنه مرسل. ينظر: الإرواء 6/ 163، التكميل لصالح آل الشيخ 1/ 116.
(5)
ينظر: المغني 6/ 410.
(ثُمَّ يَرِثُ بِهِ عَصَبَاتُهُ)، سَواءٌ كان ابْنًا، أوْ أخًا، أوْ أبًا، أوْ غَيرَه من العَصَبات، ولا فَرْقَ بَينَ كَونِ المعتِق ذَكَرًا أوْ أُنْثَى، (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ)؛ لمَا رَوَى أحمدُ، عن سعيد بنِ المسيّب مرفوعًا أنَّه قال:«الموْلَى أخٌ في الدِّين، ومَولَى نعمةٍ يَرِثُه أوْلَى النَّاس بالمعتِق»
(1)
، ولأِنَّه حقٌّ من حقوقه، فَوَجَبَ أنْ يَرِثَ به أقربُ عَصَباتِه؛ كالنَّسب، فإنْ لم يَكُنْ له عَصَبَةٌ؛ فلِمَولاهُ.
(وَعَنْهُ فِي المُكَاتَبِ إِذَا أَدَّى إِلَى الْوَرَثَةِ: أنَّ
(2)
وَلَاءَهُ لَهُمْ)؛ لأِنَّه انتقل إلَيهِم، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَوهُ، (وَإِنْ أَدَّى إِلَيْهِمَا؛ فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: بَينَ السَّيِّد والوَرَثةِ؛ لأِنَّ العِتْقَ يَتْبَعُ الأداءَ.
وفي «التَّبصرة» وَجْهٌ: أنَّه للورثة.
وفي «المبهج» : إنْ أعْتَقَ كلُّ الورثة المكاتَبَ؛ نَفَذَ، والوَلاءُ للرِّجال، وفي النِّساء روايتانِ.
(وَمَنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ حُرَّ الْأَصْلِ، وَلَمْ يَمَسَّهُ رِقٌّ؛ فَلَا وَلَاءَ عَلَيهِ)؛ أيْ: إذا كان أحدُ الزَّوجَينِ حرَّ الأصل؛ فلا وَلاءَ على ولدهما، سَواءٌ كان الآخَرُ عربِيًّا أوْ مَوْلًى؛ لأِنَّ الأمَّ إنْ كانَتْ حرَّةَ الأصل؛ فالولدُ يَتبَعُها فيما إذا كان الأبُ رقِيقًا في انْتِفاء الرِّقِّ والوَلاءِ؛ فَلَأنْ يَتْبَعَها في نَفْيِ الوَلاء أَوْلَى، وإنْ كان الأبُ حرَّ الأصل؛ فالوَلَدُ يَتْبَعُه فيما إذا كان عليه ولاءٌ، بحَيثُ يَصِيرُ الوَلاء عَلَيه لمَولَى أبِيهِ؛ فَلَأَنْ يَتْبَعَه في سقوط الولاء عنه أَوْلَى.
وعلى هذا: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ مسلِمًا أوْ ذِمِّيًّا، معلومَ النَّسب أوْ
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (272)، والدارمي (3049)، والبيهقي في الكبرى (21501)، من طريق يونس بن يزيد، عن الزهري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المولى أخ في الدين ونعمة، وأولى الناس بميراثه أقربهم من المعتق» وإسناده صحيح إلى الزهري، قال الألباني:(وعلته الإرسال أو الإعضال، فإن الزهري تابعي صغير، غالب رواياته عن التابعين)، ولم نقف عليه عند أحمد في مظانه ولا من رواية سعيد. ينظر: الإرواء 6/ 164.
(2)
في (ظ): لأن.
مجهولَه، قال الأصحابُ: هذا هو الأشْبَهُ بمذهب أحمدَ، ونَصَرَه في «الشَّرح» .
وقال القاضي: إنْ كان مَجهولَ النَّسب؛ ثبت الولاء على ولده لمَولَى الأمِّ إنْ كانت مولاةً، وعلَّله الخَبْرِيُّ: بأنَّ مقتضَى ثبوتِه لمَولى الأمِّ مَوجُودٌ، وإنَّما امْتَنَعَ في مَحَلِّ الوفاق لحُرِّيَّة الأب، فإذا لم تكن معلومةً؛ فقد وَقَعَ الشَّكُّ في المانع، فيبقى على الأصل.
وجَوابُه: بأنَّ الأبَ حُرٌّ محكومٌ بحُرِّيَّته، أشْبَهَ معروفَ النَّسب؛ إذ الأصلُ في
(1)
الآدَمِيِّينَ الحُرِّيَّةُ.
فإنْ كانَ الأبُ مَولًى، والأمُّ مَجْهولةَ النَّسب؛ فَعَلَى الخِلاف، والمذهَبُ: لا وَلاءَ عليه.
وقد عُلِمَ: أنَّ مَنْ أبوه حُرُّ الأصل وأُمُّه عتيقةٌ؛ فلا وَلاءَ عليه، كعَكْسِها، وعَنْهُ: بَلَى لمَولَى أبِيهِ.
ومَنْ كانَتْ أمُّه عتيقةً، وأبوهُ مَجهولَ النَّسب؛ فلا ولاءَ عَلَيهِ، وعَنْهُ: بلى؛ لمَوْلَى أمِّه.
مسألةٌ: إذا تزوَّج عبدٌ بمعتَقَةٍ
(2)
لقَومٍ أوْ بحُرَّةِ الأصل، فأوْلَدَها، ثُمَّ أعْتَقَه مَولاهُ؛ فقال
(3)
ابنُ أبي موسى: لا يَختَلِفُ قَولُ أحمدَ أنَّ وَلاءَ أوْلادِه لمَوْلَى أبيهم، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
وفي حرِّ الأصل إذا تزوَّج أمَةً، فعَتَقَ وَلَدُها على سيِّدها؛ فله ولاؤه.
(وَمَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً)؛ كقَوله: أعْتَقْتُك سائِبةً، كأنَّه يجعله لله، أوْ: أعْتَقْتُك
(1)
في (ق): من.
(2)
في (ق): معتقه.
(3)
في (ظ): قال.
ولَا وَلاءَ لي عَلَيك، وأصْلُه من تَسْيِيبِ
(1)
الدَّوابِّ، ولا نِزاعَ في صحَّة العِتْق، والخِلافُ إنَّما هو في ثُبوت الوَلاء للمعتِق، وفِيهِ رِوايَتانِ، حكاهما الشَّيخانِ.
فأشْهَرُهما، واختاره أكثرُ الأصحاب، حتَّى إنَّ القاضِيَ والشَّريفَ وأبا الخَطَّاب في «خِلافَيهِما» وابنَ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» لم يَذكُرُوا خِلافًا: أنَّه لا وَلاءَ عَلَيهِ؛ لأِنَّ «ابنَ عمرَ أعْتَقَ سائبةً، فمات، فاشْتَرَى ابنُ عمرَ بماله رِقابًا، فأعْتَقَهم»
(2)
، وعلَّله أحمدُ
(3)
: بأنَّه جَعَلَه لله، فلا يَجوزُ أنْ يَرجِعَ إلَيهِ منه شَيءٌ، ففي عَقْلِه لكَونه معتِقًا، وانْتِفاء الوَلاءِ عنه؛ روايتانِ، قاله أبو المعالي، ومالُه لبيت المال.
والثَّانيةُ: أنَّه يَثبُتُ الوَلاءُ للمعتِق، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع» ، قال المؤلِّفُ: وهو أصحُّ في النَّظر؛ لعموم الأخبار، وعن هُزَيلِ بنِ شُرَحْبِيل قال: جاء رجلٌ إلى عبد الله فقال: إنِّي أعتقتُ عَبْدًا، وجَعَلْتُه سائبةً فَماتَ، وتَرَكَ مالاً، ولم يَدَعْ وارِثًا؟ فقال عبدُ الله: «إنَّ أهلَ الإسلام لا يُسَيِّبونَ، وإنَّما كان أهلُ الجاهليَّة يُسَيِّبونَ، وأنْتَ وليُّ نعمتِه، وإنْ
(4)
تأثَّمْتَ وتحرَّجْتَ في شَيءٍ؛ فنَحنُ نَقبَلُه»، وجَعَلَه في بَيتِ المالِ، رواه مسلِمٌ
(5)
،
(1)
في (ق): تسيبت.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (16231)، وابن أبي شيبة (31430)، والبيهقي في الكبرى (21485)، عن بكر بن عبد الله المزني، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وذكره. إسناده صحيح متصل.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 398.
(4)
في (ق): فإن.
(5)
لم نقف عليه في مسلم، والمصنف تبع ما في المغني (6/ 413)، والشرح (18/ 420)، والحديث عزاه في تحفة الإشراف (9596)، إلى البخاري وحده، وذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين (1/ 238) في أفراد البخاري.
وقد أخرجه البخاري (6753)، مختصرًا كما قال الحميدي والبيهقي، وأخرجه سفيان بتمامه في الفرائض (56)، بالإسناد الذي رواه البخاري عنه، وعنه عبد الرزاق (16223)، والطبراني في الكبير (9879)، والبيهقي في الكبرى (21473).
وقال سعيدٌ: ثَنَا هُشَيمٌ، عن منصورٍ: أنَّ عُمَرَ وابنَ مَسْعودٍ قَالَا في مِيراثِ السَّائبة: «هو للذي أعْتَقَه»
(1)
.
(أَوْ فِي زَكَاتِهِ، أَوْ نَذْرِهِ، أَوْ كَفَّارَتِهِ؛ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ):
(إِحْدَاهُمَا: لَهُ عَلَيْهِ الْوَلَاءُ)؛ للعُموم، ولأِنَّ عائشةَ اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ بشَرْطِ العِتْق
(2)
، وهو يُوجِبُ العِتْقَ، ولم يَمنَعْ ذلك ثبوتَ الوَلاءِ لها.
(والثَّانِيَةُ: لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه أعْتَقَه في الزَّكاة من غَيرِ ماله، فلم يَكُنْ له عليه الوَلاءُ، كما لو دَفَعَها إلى السَّاعِي، فاشْتَرَى بها وأعْتَقَ، وكما لو دَفَعَ إلى المكاتَب مالاً، فأدَّاهُ في كِتابَتِه، وفارَقَ الذي اشْتَرَطَ عليه العِتْقَ، فإنَّه أعْتَقَه من ماله، والعِتْقُ في الكفَّارة والنَّذر واجِبٌ عليه، أشْبَهَ العِتْقَ في الزَّكاة.
(وَمَا رَجَعَ مِنْ مِيرَاثِهِ؛ رُدَّ فِي مِثْلِهِ، يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ)، هذا هو المعروفُ في السَّائبة؛ لمَا رُوِيَ عن ابن عمرَ
(3)
، ونَظَرًا إلى أنَّه جَعَلَه مَحْضًا لله، فيَختَصُّ بهذه الجهةِ.
وهل وِلايةُ الإعْتاق للإمام؛ لأِنَّه النَّائبُ عن الله، وهو أظهرُ، أو للسَّيِّد؛ لأِنَّه المعتِقُ؟ فيه رِوايَتانِ.
وقال أحمدُ في الذي يُعتِقُ مِنْ زَكاتِه: إنْ وَرِثَ منه شَيئًا جَعَلَه في مِثْلِه
(4)
، وهو قَولُ الحَسَنِ وإسْحاقَ، قال في «الشَّرح»: وعلى قِياسِ ذلك: العِتْقُ في الكَفَّارة والنَّذر؛ لأِنَّه واجِبٌ عَلَيهِ.
وعَنْهُ في السَّائبة والمعتَقِ في الواجِب: لا وَلاءَ عَلَيهِ، بَلْ مالُه لِبَيتِ المالِ؛ لأِنَّه لا وارِثَ له.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (224)، وهو مرسل.
(2)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504).
(3)
تقدم تخريجه 7/ 237 حاشية (2).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1147.
فعلى الأوَّل: إذا خلَّف السَّائبةُ ذا فَرْضٍ لا يَستَغْرِقُ
(1)
مالَه؛ أخَذَ فَرضَه، واشْتَرَى بباقِيهِ رِقابًا يُعتِقُهم، ولا يُرَدُّ على أهل الفَرْض، فلو تَرَك بنتًا ومعتِقًا؛ فللبِنْت النِّصفُ، والباقِي
(2)
يصرَف في العِتْق؛ إذْ جِهةُ العتْق هي المستَحِقَّةُ للوَلاء، وعلى
(3)
القول بأنَّ الوَلاءَ للسَّيِّد؛ فالمالُ بَينَهما نِصْفانِ.
وعلى الآخَر: الجَميعُ للبنت بالفَرْضِ والرَّدِّ؛ إذِ الرَّدُّ مُقدَّمٌ على بيت المال.
(وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ مَيِّتٍ أَوْ حَيٍّ، بِلَا أَمْرِهِ؛ فَوَلَاؤُهُ لِلْمُعْتِقِ)؛ للخَبَر
(4)
، ولأِنَّه أعْتَقَه بغَيرِ إذْنِ الآخَر، فكان وَلاؤُه للمُعتِق، كما لو لم يَنْوِهِ.
لكِنْ ذَكَرَ في «المحرَّر» ، و «الفروع» ، و «الوجيز» ، تَبَعًا للقاضي: أنَّه إذا أعْتَقَ عن ميِّتٍ في واجِبٍ عليه؛ أنَّ العِتْقَ يَقَعُ عن الميِّت؛ لمكانِ الحاجة إلى ذلك، وهو الاِحْتِياجُ إلى براءة الذِّمَّة، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بِناءً على أنَّ الكفَّارةَ ونحوَها مِنْ شَرْطِها الدُّخولُ في ملْكِ المكفَّرِ عَنْهُ، وحِينَئِذٍ يَصِحُّ العِتْقُ.
وقِيلَ: لا يَصِحُّ إلاَّ بوصيَّةٍ، قال في «التَّرغيب»: بناءً على قَولِنا: الوَلاءُ للمعتَقِ عَنْه.
وإنْ تَبرَّع بعِتْقِه عنه؛ فهل يُجزِئُه كإطْعامٍ وكِسْوةٍ أمْ لا؟ جَزَمَ به في «التَّرغيب» ؛ لأِنَّ مَقصودَه الوَلاءُ، ولا يُمكِنُ إثْباتُه بِدُونِ المعتَقِ عنه، فيه وَجْهانِ.
(1)
في (ق): لا تستغرق.
(2)
في (ق): والثاني.
(3)
في (ظ): على.
(4)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها، ولفظه:«إنما الولاء لمن أعتق» .
وإنْ تبرَّع عنه أجنبِيٌّ؛ فثالثُها: يُجزِئُه في إطْعامٍ وكِسْوَةٍ.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُ عَنْهُ بِأَمْرِهِ)؛ صحَّ؛ لأِنَّه نائِبٌ عنه، فكان (الْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ) في قَولِ أكثرِهم، كما لو باشَرَه.
ولِما ذَكَرَه حالاتٌ، نبَّه عَلَيها بقَولِه:(وَإِذَا قَالَ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ؛ فَفَعَلَ) قَبْلَ فِراقِه أوْ بَعْدَهُ؛ (فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ، وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا، قاله في «المغْنِي» ؛ لأِنَّه أعْتَقَه عنه بشَرْطِ العِوَضِ، فيُقدَّرُ ابْتِياعُه منه، ثُمَّ تَوكيلُه في عِتْقِه لِيَصِحَّ، أشْبَهَ ما لو ابْتاعَهُ منه ثُمَّ وكَّله في عِتْقِه، وكإطْعامه
(1)
عنه والكِسوةِ.
وذَكَر ابن أبي موسى: لا يُجزِئُه حتَّى يُملِّكَه إيَّاه، فيُعتِقُه هو، ونَقَلَهُ مهنَّى
(2)
.
وعلى الأوّل: يُجزِئُه عن واجِبٍ ما لم يَكنْ قرينة
(3)
، ويَلزَمُه عِوَضُه بالْتِزامه.
وعنه: يَلزَمُه ما لم يَنْفِه.
وعنه: العتقُ والوَلاء للمسؤول لا للسَّائل، إلاَّ حَيثُ الْتَزَم العِوَضَ.
وفي «التَّرغيب» : لو قال: أعْتِقْه عن كَفَّارتي، ولك عليَّ مائةٌ، فأعْتَقَه؛ عَتَقَ، ولم يُجزِئْه، وتَلزَمُه
(4)
المائةُ، والوَلاءُ له.
قال ابن عَقِيلٍ: لو قال: أعْتِقْه عنِّي بهذا الخَمْرِ والخِنزيرِ؛ مَلَكَه، وعَتَقَ؛ كالهِبة، والملْكُ يَقِفُ على القَبْضِ في هِبَةٍ بلَفْظِها، لا بِلَفْظِ العِتْقِ، بدليلِ:
(1)
في (ظ): وكإطعامه طعامه.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 81.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 81: قريبه.
(4)
في (ظ): ويلزمه.
أعْتِقْ عبدَك
(1)
عنِّي؛ يَنتَقِلُ الملْكُ قَبْلَ إعْتاقِه.
ويجوزُ جَعْلُه قابِضًا من طريق الحكم؛ كقَوله: بِعْتُك، أو وَهَبْتُك هذا، فقال المشْتَرِي: هو حُرٌّ؛ عَتَقَ، وقُدِّر القَبولُ حُكْمًا.
(وَإِنْ قَالَ: أَعْتِقْهُ وَالثَّمَنُ عَلَيَّ)، أوْ أعْتِقْه عنكَ وعليَّ ثَمَنُه، (فَفَعَلَ؛ فَالثَّمَنُ عَلَيْهِ)؛ أي: على السَّائل؛ لأِنَّه جَعَلَ جُعْلاً على الإعتاق؛ فَلَزِمَه بالعَمَل، أشْبَهَ ما لو قال: مَنْ بَنَى لي هذا حائطًا فله كذا، استحقَّه بعَمَلِه، (وَالْوَلَاءُ) والعِتْقُ (لِلْمُعْتِقِ)؛ أي: المسؤولِ على الأصحِّ؛ لأِنَّه لم يأْمُرْه بإعْتاقه عنه، ولا قَصَدَ به المعتِقُ ذلك، فلم يُوجَدْ ما يَقتَضِي صرفَه إليه، فيَبْقَى للمسؤول؛ عَمَلاً بالخَبَرِ، ويُجْزِئُه عن واجب في الأصحِّ.
وقال القاضي في مَوضِعٍ: لا يُجزِئُ عن الواجب، ويَقَعُ العِتْقُ، والوَلاءُ للسَّائل. قال في «المحرر»: وفيه بُعْدٌ.
تنبيهٌ: بَقِيَ هنا صُورَتانِ:
الأولى: إذا قال: أعْتِقْه عنِّي، وأطْلَق؛ فيَحتَمِلُ أنَّه يَلزَمُه العِوَضُ، كما لو صرَّح به؛ إذ الغالِبُ في انتقال الملك العِوَضُ، ويَحتَمِلُ عَدمَه؛ لأِنَّه الْتِزامُ ما لم يَلتَزِمْه.
الثَّاني: إذا قال: أعْتِقْه عنِّي مَجَّانًا؛ لم يَلزَمْه العِوَضُ بلا نِزاعٍ
(2)
، والوَلاءُ والعِتقُ للسَّائل في ظاهر كلام الخِرَقِيِّ وجماعةٍ.
فرعٌ: لو قال: أعْتِقْ مكاتَبَك على ألْفٍ، فَفَعَلَ؛ عَتَقَ، ولَزِمَ القائلَ
(3)
ألْفٌ، وولاؤه للمعتِق، وقيل: للقائل
(4)
، فلو قال: اقْبَلْه على درهمٍ؛ فَلَغْوٌ،
(1)
في (ق): عبدي.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 4/ 553.
(3)
في (ق): القابل.
(4)
في (ق): للقابل.
ذكره في «الانتصار» ، قال في «الفروع»: ويتوجَّه وَجْهٌ.
(وَإِنْ قَالَ الْكَافِرُ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ عَبْدَكَ المُسْلِمَ عَنِّي وَعَلَيَّ ثَمَنُهُ، فَفَعَلَ، فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهُما في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدهما، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّه يَصِحُّ ويَعتِقُ؛ لأِنَّه يَمْلِكُه زَمَنًا يسيرًا، فاغْتُفِرَ هذا الضَّرَرُ اليسيرُ لأِجْلِ تحصيلِ الحُرِّيَّة للأبَدِ، وهو نَفْعٌ عظيمٌ؛ لأِنَّه يصيرُ متهيِّئًا للطَّاعات وإكْمالِ القُرُباتِ، وحِينَئِذٍ الوَلاءُ للكافر، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لظاهر الخَبَرِ.
والثَّاني: لا يَصِحُّ ولا يَعتِقُ؛ لأِنَّه يَلزَمُ من الصِّحَّة ثُبوتُ الملك المقدَّر، وهو كالمحقَّق، وثبوتُ المحقَّق مَنفِيٌّ؛ لمَا فيه من الصَّغار، فكذلك ثُبوتُ ما يُشْبِهُه.
وحكاهما في «الرِّعاية» رِوايَتَينِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ؛ فَلَهُ وَلَاؤُهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّه مُعتِقٌ، فيَدخُلُ في قَوله عليه السلام:«الوَلاءُ لمَنْ أَعْتَقَ»
(2)
، وحِينَئِذٍ: يَثبُتُ الوَلاءُ للأنثى على الذَّكَر، وبالعَكْس.
(وَهَلْ يَرِثُ بِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(إِحْدَاهُمَا: لَا يَرِثُ)، وهو قَولُ جمهور الفقهاء، قال في «المغْنِي»: وهو أصحُّ في الأَثَر والنَّظَر؛ لِخَبَرِ أُسامةَ: «لا يَرِثُ المسلِمُ الكافِرَ ولا الكافِرُ المسلِمَ»
(3)
، ولأِنَّه مِيراثٌ، فَمَنَعَه
(4)
اخْتِلافُ الدِّين؛ كمِيراثِ النَّسَبِ، والمِيراثُ بالنَّسب أقْوَى، فإذا مَنَعَ الأقْوَى؛ فالأضْعَفُ أَوْلَى.
(1)
ينظر: المغني 6/ 4103.
(2)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
أخرجه البخاري (6764)، ومسلم (1614).
(4)
في (ق): يمنعه.
والثَّانيةُ: يَرِثُه، رُوِيَ عن عمرَ
(1)
، وعليٍّ
(2)
، وغَيرِهما، واحْتَجَّ أحمدُ
(3)
بقَولِ عليٍّ: «الوَلاءُ شُعْبةٌ من الرِّقِّ»
(4)
، فلم يَضُرَّ تَبايُنُ الدِّين، بخِلافِ الإرْثِ بالنَّسب.
(لَكِنْ)؛ أيْ: على الأُولَى: (إِنْ كَانَ لَهُ)؛ أيْ: للسَّيِّد (عَصَبَةٌ عَلَى دِينِ المُعْتَقِ)، بفَتْحِ التَّاء؛ (وَرِثَهُ)؛ أيْ: العَصَبةُ، أشْبَهَ ما لو كان الأقربُ من العَصَبة مُخالِفًا لدينِ الميِّت وَالأبْعَدُ على دِينِه.
(وَإِنْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا)؛ أيْ: من السَّيِّد والمعتَق؛ (وَرِثَ المُعْتِقُ)، بكَسْرِ التَّاء، (رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّهما اجْتَمَعا على الإسلام، فتوارَثا؛ كالمتُناسِبَينِ؛ لزَوالِ المانِعِ.
(1)
الذي في المغني 6/ 410 والشرح الكبير 18/ 431: (روي ذلك عن علي وعمر بن عبد العزيز)، ولم نقف عليه من قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم نجد من ذكره عنه في كتب الأصحاب.
(2)
روي عن علي رضي الله عنه أن الكافر يرث المسلم إذا كان عبدًا له، وسيأتي قوله:«الولاء شعبة من الرق» ، فيتلخص من ذلك مذهبه: أخرجه ابن أبي شيبة (31443)، وسعيد بن منصور (142)، ومسدد كما في المطالب العالية (1547)، عن الحارث، عن علي، قال:«لا يرث الكافر المسلم، ولا المسلم الكافر إلا أن يكون عبدًا له، فيرثه» ، والحارث الأعور ضعيف الحديث.
(3)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 338.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (31562)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 190)، والبيهقي في الكبرى (21491)، وإسناده صحيح، واحتج به أحمد كما ذكر المصنف.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ إِلاَّ مَا أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَ مَنْ أَعْتَقْنَ)، وأولادَهما، ومَنْ جَرُّوا وَلاءَه، (أَوْ كَاتَبْنَ، أَوْ كَاتَبَ مَنْ كَاتَبْنَ)، هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، واخْتارَه الأكْثَرُ، ورُوِيَ عن عمرَ، وعُثْمانَ، وعليٍّ
(1)
، وغَيرِهم، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ في عَصرِهِم، فكان كالإجماع، وسَنَدُه: ما رَوَى عَمْرُو ابنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا قال:«مِيراثُ الوَلاءِ للكُبَرِ من الذُّكور، ولا يَرِثُ النِّساءُ من الوَلاء إلاَّ وَلاءَ مَنْ أعْتَقْنَ، أوْ أعْتَقَ مَنْ أعْتَقْنَ»
(2)
، ولأِنَّ الوَلاءَ مُشَبَّهٌ
(3)
بالنَّسَب، والمَوْلَى المعتَق من المَولى المنْعِمِ بمَنزِلةِ أخِيهِ أو عَمِّه، فَوَلَدُه من العَتيق بمَنزلةِ وَلَدِ أخِيهِ أوْ عَمِّه، ولا يَرِثُ منهم إلاَّ الذُّكورُ خاصَّةً، ويُستثنى منه: إلاَّ عتيقُ ابنِ مُلاعَنة، فإنَّ المُلاعَنَةَ تَرِثُه على المنصوص إنْ عُدِمَ الاِبْنُ
(4)
، وقُلْنا: هي العَصَبَةُ، وإلاَّ عَصَبَتُها.
(وَعَنْهُ فِي بِنْتِ المُعْتِقِ خَاصَّةً: تَرِثُ)، نَقَلَها أبو طالِبٍ
(5)
، وَوَهَّمَه أبو بَكْرٍ
(1)
لم نقف عليه عن عثمان رضي الله عنه، وذكره الزركشي في شرحه 4/ 566.
وأثر عمر وعلي رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (31504)، والدارمي (3187)، والبيهقي في الكبرى (21512)، عن إبراهيم:«عن علي وعمر وزيد، أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء إلا ما أعتقن» ، وهذا مرسل جيد. وأخرجه البيهقي في الكبرى (21511)، عن زيد بن وهب، عن علي وعبد الله وزيد بن ثابت رضي الله عنهم، نحوه، وإسناده حسن، وزيد بن وهب الجهني ثقة مخضرم، رحل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقُبض وهو في الطريق، وروى عن جماعة من الصحابة منهم المذكورون.
(2)
لم نقف عليه، وقال الزيلعي في نصب الراية 4/ 154 عن المرفوع:(غريب)، ثم ذكر الآثار الموقوفة، وقال الألباني في الإرواء 6/ 166:(لم أقف على إسناده).
(3)
في (ق): يشبه.
(4)
ينظر: المحرر 1/ 417، الفروع 8/ 82.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 58.
في حكايتها عنه، واخْتارَها القاضِي وأصحابُه، وإلَيها مَيْلُ المجْدِ في «المنتقى» ، واحتجَّ الإمامُ أحمدُ بما رَوَى ابنُ عبَّاسٍ:«أنَّ مَولًى لِحَمزةَ تُوُفِّيَ، وتَرَكَ ابْنَتَه وابنةَ حمزةَ، فأعْطَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَه النِّصفَ، وابنةَ حمزةَ النِّصفَ» ورواهُ الدَّارِقُطْنِيُّ
(1)
، وقد رَوَى إبراهيمُ النَّخَعِيُّ، ويحيى بنُ آدَمَ، وإسْحاقُ: أنَّ المَوْلَى كان لحمزةَ.
واعْتُرِضَ عَلَيهِ: بأنَّ المَوْلَى كان لاِبْنةِ حمزةَ، قالَه أحمدُ في روايةِ ابنِ القاسِمِ، وسَأَلَه: هل كان الْمَوْلَى لِحمزةَ أوْ لاِبْنَتِه؟ فقال: لاِبْنَتِه
(2)
، فقد نَصَّ على أنَّ ابْنةَ حمزةَ وَرِثَتْ بِولاءِ نَفْسِها؛ لأِنَّها هي المعتِقةُ، وصحَّحه في «الكافي» و «الشَّرح» ، ويرشحه: ما رَوَى ابنُ ماجَهْ، عن محمَّد بنِ عبدِ الرَّحمن بنِ أبي لَيلى، عن الحَكَم، عن عبد الله بنِ شَدَّادٍ، عن بنتِ حمزةَ، وهي أُخْتُ ابنِ شَدَّادٍ لأِمِّه، قالت: «مات مَولايَ، وتَرَكَ ابْنَتَه، فَقَسَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم مالَه
(3)
، فجَعَلَ لي النِّصفَ ولها النِّصفَ»
(4)
.
ورُدَّ: بأنَّ ابنَ أبي لَيلى ضعيفٌ، ثُمَّ يَحتَمِلُ تعدُّدُ الواقِعة، فلا مُعارَضَةَ، ولو سُلِّمَ الاِتِّحادُ؛ فيَحتمِلُ أنَّه أُضِيفَ مَولَى الوالِدِ إلى الولد، بِناءً على أنَّ الوَلاءَ يَنتَقِلُ إليه، أوْ أنَّه يَرِثُ به.
وعَنْهُ: أنَّها تَرِثُ مع عَدَمِ عَصَبةٍ.
وعَنْهُ: تَرِثُ مع أخيها.
(1)
أخرجه الدارقطني (4109)، وفي سنده: سليمان بن داود الشاذكوني وهو متهم بالوضع.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 58.
(3)
زاد في (ظ): بيني وبينه.
(4)
أخرجه النسائي في الكبرى (6365)، وابن ماجه (2734)، والطبراني في الكبير (874)، وابن أبي ليلى سيئ الحفظ جدًّا، وخولف فيه، فرواه ابن عون، عن الحكم مرسلاً، أخرجه النسائي في الكبرى (6366)، ورجح النسائي والدارقطني إرساله، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 183، الإرواء 6/ 135.
فلو اشْتَرَى هو وأُخْتُه أباهما، فَعَتَقَ، ثُمَّ اشْتَرَى عبدًا وأعْتَقَه، ثُمَّ مات عَتِيقُه بَعْدَ أبيه؛ وَرِثَه ابْنُه لَا بِنتُه. وعلى الثَّانية: يَرِثانِه أثْلاثًا.
فلو نَكَحَتْ عَتِيقَها وأحْبَلَها؛ فهي القائلةُ: إنْ ألِدْ أنثى فالنِّصفُ، وذَكَرًا الثُّمنُ، وإنْ لم أَلِدْ فالجميعُ.
(وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)؛ لِإجْماعِ الصَّحابة ومَنْ بَعْدَهم عَلَيهِ.
مسائلُ:
إذا خلَّف بنتَ مُعتِقه وابنَ عمِّ مُعتِقِه؛ فَلا شَيءَ للبِنْت، وجميعُ المال لاِبنِ عمِّ المعتِق على الأُولَى، وعلى الثَّانية: للبِنت النِّصفُ، والباقِي لاِبْنِ العَمِّ.
ولو خلَّف المعتَقُ بِنتَه وبِنتَ مُعتِقِه؛ فالمالُ كلُّه لاِبْنَتِه على الأُولى بالفَرْض والرَّدِّ، وعلى الثَّانية: لاِبْنَتِه النِّصفُ، ولاِبْنةِ مُعتِقِه النَّصفُ.
ولو كان بَدَلَ بنتِ مُعتِقه أختُ مُعتِقه؛ فلا شيء لها قَولاً واحِدًا.
(وَلَا يَرِثُ) بالوَلاء (ذُو فَرْضٍ)؛ كالأخ من الأمِّ والزَّوج إذا لم يكونا ابْنَيْ عمٍّ، (إِلاَّ الْأَبُ وَالْجَدُّ، يَرِثَانِ السُّدُسَ مَعَ الاِبْنِ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ جماعةٍ
(1)
؛ لأِنَّهما يَرِثانِ ذلك في غَيرِ الوَلاء، فكذا في الوَلاء.
واختار أبو إسْحاقَ: سُقوطَهما مع ابنٍ، وهو قَولُ زَيدٍ
(2)
وأكثرِ الفقهاء؛ لأِنَّ الاِبنَ أقْربُ العَصَبةِ، وهما يَرِثانِ معه بالفَرْض، ولا يَرِثُ بالولاء ذُو فَرْضٍ.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4230.
(2)
أخرجه الدارمي (3051)، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت، في رجل ترك أباه وابن ابنه، فقال:«الولاء لابن الابن» ، وإسناده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (31520)، عن قتادة، عن شريح وزيد بن ثابت، في رجل مات وترك ابنه وأباه ومولاه، ثم مات المولى وترك مالاً، فقال شريح:«لأبيه السدس، وما بقي فللابن» ، وقال زيد بن ثابت:«المال للابن، وليس للأب شيء» ، وهذا مرسل، ورجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق (16298)، وابن أبي شيبة (31527)، عن سفيان بلاغًا.
وجَوابُه: بأنَّه عَصَبةُ وارِثٍ، فاسْتَحَقَّ من الوَلاء؛ كالأخَوَينِ، ولا نُسلِّم أنَّ الاِبنَ أقربُ من الأب، بل هُمَا فيه سَواءٌ، وكِلاهُما عَصَبةٌ لا يُسقِطُ أحدُهما الآخَرَ، بل يَتَفاضَلانِ في الميراث، فكذا في الإرْث بالوَلاء.
وفي «الاِنتِصار» ربَّما
(1)
حَمَلْنا تَوريثَ أبٍ سُدسًا بفَرضٍ مع ابنٍ على روايةِ تَورِيثِ بنتِ المَولَى، فيَجِيءُ مِنْ هذا: أنَّه يَرِثُ قَرابةُ المَوْلَى بالوَلاءِ على نَحْوِ مِيراثِهم.
(وَالْجَدُّ يَرِثُ الثُّلُثَ مَعَ الْإِخْوَةِ إِذَا كَانَ أَحَظَّ لَهُ)؛ أيْ: إذا زاد عددُ البَنِينَ على اثْنَينِ؛ لأِنَّه يَرِثُ ذلك معهم في غَيرِ الوَلاء، فكذا في الوَلاء.
وإنْ
(2)
خلَّف المعتِقُ أخاهُ وجَدَّه؛ فالوَلاءُ بَينَهما نِصْفانِ.
وعن زَيدٍ: المالُ للأخ؛ لأِنَّه ابنُ الأب، والجَدُّ أَبُوهُ، والاِبْنُ أحقُّ من الأب.
ومَنْ جَعَلَ الجَدَّ أبًا: وَرَّثَه وحده.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : أنَّ الجَدَّ كأخٍ وإنْ كثُروا، قال في «التَّرغيب»: وهو أقْيَسُ، ويُعادُّ
(3)
الإخْوةُ من الأَبَوَينِ الجَدَّ بالإخْوةِ من الأب، ثُمَّ يأخُذُون ما حَصَلَ لهم كالمِيراثِ.
وقال ابنُ سُرَيجٍ: هو على عددِهم، ورُدَّ: بالمِيراث.
ولا يُعتَدُّ بالأخَواتِ؛ لأِنَّهنَّ لا يَرِثْنَ مُنفَرِداتٍ، وكالأخوة من الأمِّ.
وَوَلَدِ الأب إذا انْفَرَدْنَ مع الجَدِّ؛ كَوَلَدِ الأَبَوَينِ.
مسائلُ:
إذا خلَّف جدَّ مَولاهُ، وابنَ أخِي مَولاهُ؛ فالمالُ للجَدِّ في قَولِهم جميعًا،
(1)
في (ق): إنما.
(2)
في (ق): فإن.
(3)
في (ق): وتعاد.
وكما لو خلَّف جَدَّ مَولاه وعمَّ مَولاهُ، فلو تَرَكَ جَدَّ أبِي مَولاهُ، وعَمَّ مَولاهُ؛ فهو للجَدِّ في قَولِ أهلِ العراق، وقال الشَّافِعِيُّ: هو للعَمِّ وبَنِيهِ وإنْ سَفَلُوا، دُونَ جَدِّ الأب
(1)
.
فَرْعٌ: لا يَرِثُ المَولى من أسْفَلَ مُعتِقَه في قَولِ عامَّتهم.
وحُكِيَ عن شُرَيحٍ، وطاوُسٍ: أنَّهما وَرَّثاه؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ، حسَّنه التِّرْمِذِيُّ
(2)
، ورُوِيَ ذلك عن عمرَ
(3)
.
وعلى الأوَّل: لا يَعقِلُ عنه.
(وَالْوَلَاءُ لَا يُورَثُ، وَإِنَّمَا يُورَثُ بِهِ)، في قَولِ الأكثرِ؛ لأِنَّه عليه السلام شبَّهه بالنَّسب
(4)
، والنَّسب لا يُورَثُ، وإنَّما يُورَثُ به، ولأِنَّ الوَلاءَ إنَّما يَحصُلُ بإنْعامِ السَّيِّد على رقِيقِه بالعِتْقِ، وهذا المعْنَى لا يَنتَقِلُ عن المعِتْق
(5)
، فكذا الوَلاءُ.
(وَلَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ)؛ أيْ: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام نَهَى عن بَيعِ الوَلاء وهِبَتِه»
(6)
، ولا يَجوزُ شِراؤه، ولا وَقْفُه، ولَا أنْ يَأْذَنَ لمَولاهُ، فيُوالِيَ مَنْ شاء.
لكِنْ رَوَى سعيدٌ، عن سُفْيانَ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ: «أنَّ مَيمونةَ وَهَبَتْ
(1)
ينظر: الحاوي للماوردي 18/ 92.
(2)
مراده حديث ابن عباس رضي الله عنهما: «أنَّ رجلاً مات، ولم يترك وارثًا إلا عبدًا أعتَقَه، فأعطاهُ النبي صلى الله عليه وسلم ميراثَه» ، وقد سبق تخريجه 7/ 9 حاشية (5).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (16195)، وسعيد بن منصور (195)، والفاكهي في أخبار مكة (2164)، عن عطاء بن أبي رباح، قال:«مات قين في خطِّ بني جُمَح، ولم يترك قرابة إلا عبدًا هو أعتقه، فأمر عمر أن يُعطى المال» ، مرسل، ورجاله ثقات.
(4)
في حديث: «الولاء لحمة كلحمة النسب» وقد سبق 7/ 9 حاشية (1).
(5)
في (ظ): العتق.
(6)
أخرجه البخاري (2535)، ومسلم (1506)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
وَلاءَ سُلَيمانَ بنِ يَسَارٍ لاِبْنِ عبَّاسٍ، وكان مُكاتَبًا»
(1)
، ورُوِيَ عنها أيضًا:«أنَّها وَهَبَتْ وَلاءَ مَوالِيها للعبَّاس»
(2)
، وقال ابنُ جُرَيجٍ: قُلْتُ لِعَطاءٍ: أَذِنْتُ لِمَولايَ أنْ يُوَالِيَ مَنْ شاء، فيَجُوزُ؟ قال: نَعَمْ
(3)
.
وجَوابُه: ما سَبَقَ، وبأنَّه عليه السلام قال:«لَعَنَ اللهُ مَنْ تَوَلَّى غَيرَ مَوالِيهِ»
(4)
ولأِنَّه مَعْنًى يُورَثُ به، فلا يَنتَقِلُ عنه؛ كالقرابة.
فَعَلَى هذا: لا يَنتَقِلُ الوَلاءُ عن المعتِق بمَوته، ولا يَرِثُه وَرَثَتُه، وإنَّما يَرِثُونَ المالَ به مع بَقائِه، وهو للمعتِقِ.
(وَهُوَ لِلْكُبَرِ خَاصَّةً)؛ أيْ: أنَّه
(5)
يَرِثُ بالوَلاء أقربُ عَصَبات السَّيِّد إلَيهِ يَومَ مات عَتِيقُه، لا يَومَ ماتَ السَّيِّدُ، هذا هو المخْتارُ للأصحاب، والمشهورُ من الرِّوَايَتَينِ، قال أحمدُ في روايةِ صالِحٍ: حديثُ عمرَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ما أَحْرَزَ الوالِدُ والوَلَدُ فهو لِعَصَبَته مَنْ كانَ» يَرْوِيهِ عمرُو بنُ شُعَيبٍ
(6)
، وقد رُوِيَ
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (280)، وابن أبي شيبة (20475)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 527)، عن عمرو بن دينار به. ورجاله ثقات، وظاهره الإرسال. وأخرجه محمد بن الحسن في الأصل (6/ 377)، عن أبي يوسف، حدثني محدث، عن سليمان بن يسار بنحوه. قال عبد الله في مسائله (1076): قلت لأبي: تذهب إلى حديث عمرو بن دينار؛ أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس؟ فقال أبي: (لا)، وقال أبي:(ابن عباس؛ روى عنه عطاء، عن ابن عباس: «الولاء لا يباع ولا يوهب»، وكرهه ابن مسعود، وجابر).
(2)
علَّقه ابن عبد البر في التمهيد (16/ 336)، عن حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار: أن ميمونة بنت الحارث وهبت ولاء مواليها للعباس، فولاؤهم لهم اليوم. وذكره الحافظ في الفتح 12/ 43 بلفظ: أن ميمونة وهبت ولاء مواليها للعباس وولده.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (16152).
(4)
أخرجه البخاري (3172)، ومسلم (1370)، من حديث علي رضي الله عنه.
(5)
في (ق): إنما.
(6)
أخرجه أحمد (183)، وأبو داود (2917)، والنسائي في الكبرى (6314)، وابن ماجه (2732)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن عمر رضي الله عنه، وفيه قصة، وصححه ابن المديني وابن عبد البر، وحسنه الألباني. ينظر: بلوغ المرام (955)، الصحيحة (2213).
عن عمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وزيدٍ، وابنِ مَسعودٍ، أنَّهم قالوا:«الوَلاءُ للكُبَرِ»
(1)
، فهذا الذي نذهب إليه، وهو قَولُ أكثرِ النَّاس
(2)
.
قُلْتُ: وقد رواهُ سعيدٌ، ثَنا هُشَيمٌ، ثَنا أشْعَثُ بنُ سَوَّارٍ، عن الشَّعْبِيِّ:«أنَّ عُمَرَ، وعَلِيًّا، وزَيدًا، وابنَ مسعودٍ: جَعَلُوا الوَلاءَ للكُبَرِ»
(3)
.
والثَّانيةُ، ونَقَلَها حنبلٌ وابنُ الحَكَمِ: أنَّ الوَلاءَ
(4)
يُورَث كالمال
(5)
، وقالَهُ جَمْعٌ من الصَّحابة
(6)
، ومَعْناهُ: أنَّ مَنْ مَلَكَ شَيئًا في حَياتِه؛ فهو لِوَرَثَتِه، لكِنْ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (16238)، وابن أبي شيبة (31560)، والبيهقي في الكبرى (21495)، عن منصور، عن إبراهيم، قال عمر وعبد الله وزيد:«الولاء للكبر» ، وعند عبد الرزاق:(علي) مكان (عبد الله). وأخرجه سعيد بن منصور (265)، وابن أبي شيبة (31559)، والبيهقي في الكبرى (21496)، عن إبراهيم، عن علي وعبد الله وزيد. وأخرجه سعيد بن منصور (267)، والدارمي (3065)، والبيهقي في الكبرى (21494)، عن أشعث بن سوَّار، عن الشعبي، عن عمر وعبد الله وعلي وزيد. وأشعث ضعيف. وأخرجه ابن أبي شيبة (31561)، والدارمي (3067)، عن الشعبي عن علي وزيد. وأخرج البيهقي في الكبرى (21511)، عن زيد بن وهب، عن علي وعبد الله وزيد. إسناده حسن. وأخرج مالك (2/ 784)، وعنه الشافعي في الأم (4/ 134)، والبيهقي في الكبرى (21492)، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، في قصة أن عثمان رضي الله عنه قضى بنحوه. إسناده صحيح. وأخرج البيهقي في الكبرى (21493)، عن سعيد بن المسيب، أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قالا:«الولاء للكبر» ، وإسناده صحيح. وقد روي من وجوه أخرى.
(2)
لم نجدها في المطبوع من مسائل صالح، وينظر: زاد المسافر 4/ 148.
(3)
أخرجه سعيد (267)، وتقدم مطولاً ضمن تخريج الآثار في حاشية (1).
(4)
زيد في (ق): لا.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 56، الهداية ص 635.
(6)
روي عن عمر وعلي وابن عباس رضي الله عنهم كما في المغني 6/ 428 وشرح الزركشي 4/ 568 وغيرهما، ولم نقف عليه مسندًا عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه أحمد (183)، وابن أبي شيبة (31518)، وأبو داود (2917)، والنسائي في الكبرى (6314)، وابن ماجه (2732)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: تزوج رِئاب بن حذيفة أم وائل، فولدت له ثلاثة، فتوفيت أمهم، فورثها بنوها رباعًا وولاءَ مواليها، فخرج بهم عمرو بن العاص إلى الشام، فماتوا في طاعون عمواس، فورثهم عمرو وكان عصبتهم، فلما رجع عمرو بن العاص جاء بنو معمر يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر، فقال عمر: أقضي بينكم بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:«ما أحرز الولد والوالد فهو لعصبته من كان» ، قال: فقضى لنا به. هذا لفظ ابن ماجه. وصححه ابن المديني وابن عبد البر كما في البلوغ ص 368.
وأخرجه عبد الرزاق (16248)، عن ابن جريج، أن عمرو بن شعيب ذكر أن عندهم كتابًا من عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص:«إن كان لرجل موالٍ وله ابنان، فمات الأب؛ كان الولاء لابنيه، ثم مات أحد ابنيه وله ولد ذكور، ثم مات بعض الموالي؛ كان ابن الابن على حصة أبيه من الولاء، ولم يكن الولاء لعمه» .
وأثر علي رضي الله عنه: تقدم تخريجه 7/ 243 حاشية (4) ولفظه: «الولاء شعبة من الرق، فمن أحرز الميراث أحرز الولاء» .
يَختَصُّ به العَصَبةُ.
(فَإِذَا) - هذا تفريعٌ على المسألة ويُوْضِح
(1)
لَها - (مَاتَ المُعْتِقُ، وَخَلَّفَ عَتِيقَهُ وَابْنَيْنِ، فَمَاتَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ بَعْدَهُ عَنِ ابْنٍ، ثُمَّ مَاتَ الْعَتِيقُ؛ فَالْمِيرَاثُ لاِبْنِ المُعْتِقِ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ أبي طالِبٍ
(2)
؛ لأِنَّ ابنَ المعْتِقِ أقْرَبُ النَّاس إليه يَومَ ماتَ المعتِقُ، قال أحمدُ: قَولُه عليه السلام: «أَعْطِهِ أكْبرَ خُزاعَةَ»
(3)
لَيسَ أكبرَهم سِنًّا، ولكِنه
(4)
أقْربُهم إلى خُزاعةَ
(5)
.
(1)
كذا في النسخ الخطية والظاهر أن صوابه: وتوضيحٌ.
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 149.
(3)
أخرجه أحمد (22944)، وأبو داود (2903)، والنسائي في الكبرى (6361)، والبيهقي في الكبرى (12402)، من حديث بريدة رضي الله عنه، وفي سنده: أبو بكر بن أحمر واسمه جبريل، وثقه ابن معين، وقال أبو زرعة:(شيخ)، وقال النسائي:(ليس بالقوي، والحديث منكر)، قال ابن حجر:(صدوق يهم)، وضعف الحديث الموصلي وابن حزم والمنذري والألباني. ينظر: تحفة الأشراف 2/ 79، تهذيب التهذيب 2/ 61، نيل الأوطار 6/ 78، ضعيف سنن أبي داود 2/ 397.
(4)
في (ظ): ولكن.
(5)
ينظر: زاد المسافر 4/ 148.
وعلى الثَّانية: هو بَينَهما نصفانِ؛ لأِنَّه لمَّا ماتَ الموْلَى المنْعِمُ؛ وَرِثَ ابْناهُ الوَلاءَ بَينَهما نِصفَينِ، فإذا مات أحدُهما؛ انتقل نصيبُه إلى ابنه.
(وَإِنْ مَاتَ الاِبْنَانِ بَعْدَهُ وَقَبْلَ الْمَوْلَى، وَخَلَّفَ أَحَدُهُمَا ابْنًا، وَالآْخَرُ تِسْعَةً؛ فَوَلَاؤُهُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ)، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، (لِكُلِّ وَاحِدٍ عُشْرُهُ)، لأِنَّ الجميعَ في القُرْب إلى السَّيِّد يَومَ مات العَتيقُ سَواءٌ.
وعلى الأُخْرَى، ونَصَّ عَلَيها هنا في روايةِ بَكْرِ بنِ محمَّدٍ
(2)
: لاِبْنِ الاِبْن النِّصفُ إرْثًا عن أبيه، والنِّصفُ الآخَرُ على بَنِي الاِبْنِ الآخَرِ على تسعةٍ، وتَصِحُّ من ثَمانيةَ عَشَرَ.
فَرْعٌ: إذا لم يُخلِّفْ عَصَبَةً مِنْ نَسَب مَولاهُ؛ فَمالُه لِمَولَى أُمِّه، ثُمَّ لأِقْرَبِ عَصَباتِه، فإذا انْقَرَضَ العَصَباتُ ومَوالِي عَصَباتِهم؛ فمالُه لِبَيتِ المالِ.
(وَإِذَا اشْتَرَى رَجُلٌ وَأُخْتُهُ أَبَاهُمَا، أَوْ أَخَاهُمَا، فَعَتَقَ)؛ يَعْنِي: بالملْكِ، (ثُمَّ اشْتَرَى عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ مَاتَ الْمُعْتَقُ)؛ فمِيراثُه بَينَهما أثْلاثًا بالنَّسب، (ثُمَّ مَاتَ مَوْلَاهُ؛ وَرِثَهُ الرَّجُلُ)؛ لأِنَّه ابنُ المعتِقِ أوْ أخُوهُ، فَوَرِثَه بالنَّسَب، (دُونَ أُخْتِهِ)؛ لأِنَّها مَولاةُ المعتِقِ، وعَصَبةُ المعتَق مُقدَّمٌ على مَولاهُ.
ورُوِيَ عن مالِكٍ أنَّه قال: سَأَلْتُ عنها سَبْعِينَ قاضِيًا من قُضاةِ العِراق فأَخْطَؤُوا فِيهَا.
قال في «المستوعب» : وهذا مِمَّا لا خِلافَ فِيهِ، إلاَّ على ما نَقَلَه الخِرَقِيُّ في بِنتِ المعتِق خاصَّة، وحِينَئِذٍ إذا اشْتَرَيَا أباهما؛ كان مِيراثُ العَبْد بَينَهما أثْلاثًا.
مسألةٌ: إذا خلَّف بنتَ مَولاهُ ومَولَى أبيه؛ فمالُه لبَيتِ المال؛ لأِنَّه ثَبَتَ
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4430، زاد المسافر 4/ 149.
(2)
ينظر: زاد المسافر 4/ 149.
عَلَيهِ الوَلاءُ من جِهَةِ مُباشَرَته العِتْقَ، فلم يَثْبُتْ عَلَيهِ بإعْتاقِ أبِيهِ
(1)
.
فائدةٌ: امرأةٌ حُرَّةٌ لا وَلاءَ عَلَيها، وأبواها رقيقانِ؛ فيُتصوَّرُ: إذا كانوا كُفَّارًا، فتُسلِمُ هي ويُسْبَى أبَوَاها، ويُسْتَرَقَّانِ، وإذا كان أبوها عبدًا تزوَّج بأمَةٍ على أنَّها حُرَّةٌ، فَوَلَدَتْها ثُمَّ ماتَتْ.
(وَإِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ، وَخَلَّفَتِ ابْنَهَا، وَعَصَبَتَهَا) غَيرَه، (وَمَوْلَاهَا؛ فَوَلَاؤُهُ لاِبْنِهَا، وَعَقْلُهُ عَلَى عَصَبَتِهَا)؛ لِمَا رَوَى إبراهيمُ، قال: اخْتَصَمَ عليٌّ والزُّبَيرُ في مَولَى صَفِيَّةَ، فقال عليٌّ:«مَولى عمَّتي، وأنا أعْقِلُ عنه» ، وقال الزُّبَيرُ:«مَوْلَى أُمِّي وَأَنَا أَرِثُه» ، فَقَضَى عمرُ على عليٍّ بالعَقْلِ، وقَضَى للزُّبَيرِ بالمِيراث، رواهُ سعيدٌ واحتجَّ به أحمدُ
(2)
.
وظاهِرُه: أنَّ الاِبْنَ لَيسَ من العَصَبة، وهو مُقْتَضَى كلامِ الأكْثَرِينَ، ومنهم مَنْ يَجعَلُه منها كالرِّواية الأخرى، يَقولُ: الوَلاءُ له، والعَقْلُ عَلَيهِ، فإنْ بادَ بَنُوها فولاؤه لِعَصَبَتها.
ونَقَلَ عنه جعفرُ بنُ محمَّدٍ: ولاؤُه لِعَصبةِ بَنِيها
(3)
، وهو مُوافِقٌ للوَلاءِ يُورَثُ، ثُمَّ لِعَصَبَةِ بَنِيها
(4)
، وقِيلَ: لبَيتِ المال.
(1)
في (ق): أمه.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (274)، وفيه عبيدة الضبي وهو ضعيف. وأخرجه عبد الرزاق (16255)، وابن أبي شيبة (27580)، والبيهقي في الكبرى (16377)، من طريق حماد بن أبي سليمان، عن إبراهيم. قال في التلخيص الحبير 4/ 103:(منقطع). وأخرجه سحنون في المدونة (2/ 578)، عن ابن شهاب قال: أخبرني رجال من أهل العلم، وذكره. وأخرجه إسحاق بن راهويه كما في المطالب العالية (1541)، عن الحكم بن عتيبة مرسلاً. وعلقه البيهقي في الخلافيات (7/ 65)، عن الشعبي مرسلاً. واحتج به أحمد كما في مسائل ابن منصور (3199).
(3)
ينظر: المحرر 1/ 418، الفروع 8/ 84.
(4)
في (ظ): بنتها
ولم يُفرِّق الخِرَقِيُّ وابْنُ حَمْدانَ بَينَ الرَّجلِ والمرأةِ، والأكثرُ كالمتْنِ.
قال في «الشَّرح» : أمَّا الرَّجُلُ المعتِقُ فإنَّه يَعقِلُ عن مُعتَقِه؛ لأِنَّه عَصَبةٌ من أهل العَقْل، ويَعقِلُ ابنُه وأبوهُ؛ لأِنَّهما مِنْ عَصَباتِه وعَشِيرتِه، فلا يُلحَقُ ابْنُه
(1)
من
(2)
نَفْيِ العَقْلِ بابْنِ المرأة؛ لأِنَّها لا تَعقِلُ ابْنَها.
(1)
في (ق): أثبته.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 6/ 433: في.
(فَصْلٌ فِي جَرِّ الْوَلَاءِ)
(كُلُّ مَنْ بَاشَرَ الْعِتْقَ، أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ) لِسَبَبٍ مِنْ الأسباب؛ (لَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ بِحَالٍ)؛ لقَوله عليه السلام: «الوَلاءُ لمَنْ أَعْتَقَ»
(1)
، ولأِنَّ غَيرَه لَيس مِثلَه في النِّعمة، ولأِنَّ مُقتَضَى الدَّليلِ أنْ لا يَنتَقِلَ حقٌّ عن
(2)
مُستَحِقِّه، خُولِفَ فِيمَن اشْتَرَى أبَا مَنْ عليه الوَلاءُ تَبَعًا لأُمِّهم، فيَبقَى ما عَداهُ على مُقتَضَى الأصلِ.
(فَأَمَّا إِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ مُعْتَقَةً فَأَوْلَدَهَا)؛ فَوَلَدُه منها أحْرارٌ، (وَوَلَاءُ وَلَدِهَا لِمَوَالِي أُمِّهِ)؛ لأِنَّهم سببُ الإنْعام على الوَلَد؛ لكَونِه انْعَتَقَ بعِتْقِ أُمِّه.
(فَإِنْ أَعْتَقَ الْعَبْدَ سَيِّدُهُ؛ انْجَرَّ وَلَاءُ وَلَدِهِ
(3)
إِلَيْهِ)، أيْ: إلى مُعتِق العَبْد في قَولِ الجُمْهور من الصَّحابة ومَن بَعْدَهم؛ لِمَا رَوَى عبدُ الرَّحمن عن الزُّبَيرِ: «أنَّه لَمَّا قَدِمَ خَيبَرَ رأى فِتْيةً لُعْسًا
(4)
، فأعْجَبَه ظرفُهم وجَمالُهم، فسأل عنهم، فقيل: مَوالِي رافِعِ بنِ خَدِيجٍ، وأبُوهُم مَمْلوكٌ لآِلِ الحُرَقَة، فاشْتَرَى الزُّبَيرُ أباهم فأعْتَقَه، وقال لأِوْلادِه: انْتَسِبُوا إليَّ، فإنَّ ولاءَكم لي، فقال رافِعٌ: بل هُوَ لِي، فإنَّهم عَتَقُوا بعِتْقِ أُمِّهم، فاحْتَكَمُوا إلى عُثْمانَ، فَقَضَى بالوَلاء للزُّبَير»
(5)
، وأجْمَعَت عَلَيهِ الصَّحابةُ، ولأِنَّ الأبَ لمَّا كان مملوكًا؛ لم يَصلُحْ
(1)
أخرجه البخاري (456)، ومسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في (ظ): غير.
(3)
قوله: (ولاء ولده) هو في (ق): ولاؤه.
(4)
في (ق): لغشًا.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (16281)، وابن أبي شيبة (31540)، عن محمد التيمي مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (16283)، وابن أبي شيبة (31539)، والبيهقي في الكبرى (21518)، عن هشام بن عروة، عن أبيه. قال الألباني في الإرواء:(سند صحيح، على خلاف في سماع عروة من أبيه الزبير). وأخرجه مالك (2/ 782)، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن مرسلاً. وروي من وجوه أخرى مرسلة. قال البيهقي: (هذا هو المشهور عن عثمان رضي الله عنه.
وارِثًا ولا ولِيًّا في نكاحٍ، فكان كولد الملاعَنَة، يَنقطِعُ نَسَبُه عن أبيه، فثَبَتَ الوَلاءُ لموْلَى أُمِّه، وانْتَسَبَ إلَيها، فإذا عَتَقَ العبدُ صَلَحَ للانْتِساب، وعاد وارِثًا ولِيًّا، فعادت النِّسبةُ إليه وإلى مَوالِيهِ، كما لو اسْتَلْحَقَ الملاعِنُ وَلَدَه.
فائدةٌ: اللَّعَسُ
(1)
: سَوادٌ في الشَّفَتَينِ تَستَحْسِنُه العربُ، ومِثلُه اللَّمْياء، قال ذُو الرُّمَّة
(2)
:
لَمْياءُ في شَفَتَيها حُوَّةٌ لَعَسٌ
(3)
…
وفي اللِّثَات
(4)
وفي أنْيابِها شَنَبُ
(وَلَا يَعُودُ إِلَى مَوَالِي الأُمِّ بِحَالٍ)؛ أي: إذا انجرَّ الوَلاءُ إلى مَوالِي الأب، ثمَّ انْقَرَضُوا؛ عاد الوَلاءُ إلى بَيتِ المال، ولم يَعُدْ إلى مَوالِي الأمِّ بحالٍ، في قَولِ أكثرِهم، وعن ابن عبَّاسٍ خِلافُه
(5)
.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ الوَلاءَ يَجرِي مَجرَى الاِنتِسابِ، ولو انْقَرضَ الأبُ وآباؤه لم يَعُد النَّسَبُ إلى الأمِّ، فكذا الوَلاءُ، فعليه: لو وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِ الأبِ؛ كان ولاءُ ولدها لَموْلَى أبيه بغَيرِ خِلافٍ
(6)
، فإنْ نفاه باللِّعان؛ عاد ولاؤه لموالِي الأمِّ، فإنْ عاد فاسْتَلْحَقَه؛ عاد الوَلاءُ إلى مَوالِي الأبِ.
فَرْعٌ: حُكمُ المكاتَب يتزوَّج في كتابته، فيُولَد له ثُمَّ يَعتِقُ؛ حُكْمُ القِنِّ في جرِّ الوَلاء، وكذا المدبَّرُ والمعلَّقُ عِتْقُه بصفةٍ؛ لأِنَّهم عَبِيدٌ.
(1)
في (ق): اللغش.
(2)
ينظر: ديوان ذي الرمة 1/ 32.
(3)
في (ق): لغش.
(4)
في (ق): اللفات.
(5)
أخرجه أحمد في مسائل ابن منصور (3014)، عن وكيع، عن أبان بن صمعة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا تزوج المملوك الحرة فما جرى في الرحم فولاؤه لموالي الأم، فإذا أُعتق الأب جر الولاء، فإذا مات الأب رجع الولاء» . أبان صدوق إلا أنه اختلط، ولا يُعرف متى سمع منه وكيع.
(6)
ينظر: المغني 6/ 419.
أصلٌ: اعْلَمْ أنَّه لا يَنْجَرُّ الوَلاءُ إلاَّ بِشُروطٍ ثلاثةٍ:
أحدها: أنْ يكونَ الأبُ عبدًا حِينَ الولادة، فإنْ كان حُرًّا، وزَوجتُه مَولاةً، فإنْ كان حرَّ الأصل؛ فلا وَلاءَ على وَلَدِه بحالٍ، وإنْ كان مَولًى؛ ثَبَتَ الوَلاءُ على وَلَدِه لِمَوالِيهِ أبدًا، ولا جَرَّ فيه.
الثَّاني: أنْ تكونَ الأمُّ مَولاةً، فإنْ لم تكن
(1)
كذلك، فإنْ كانَتْ حُرَّةَ الأصل؛ فلا ولاءَ على وَلَدِها بحالٍ، وهم أحرارٌ بحُرِّيَّتها، وإنْ كانَتْ أَمَةً؛ فَوَلَدُها رقيقٌ لِسيِّدها، فإنْ أعْتَقَهم؛ فَولاؤهم له مُطلَقًا، لا يَنجَرُّ عنه بحالٍ.
الثَّالِثُ: أنْ يُعتِقَ العبدَ سيِّدُه، فإنْ مات على الرِّقِّ؛ لم يَنجَرَّ الوَلاءُ بحالٍ.
فإن اخْتَلَف سيِّدُ العبد ومَوْلَى الأمِّ في العبد بَعْدَ مَوتِه، فقال سيِّدُه: مات حُرًّا بَعْدَ جَرِّ الوَلاء، وأنكر ذلك مَولَى الأمِّ، قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ الرِّقِّ، ذَكَرَه أبو بَكْرٍ.
(وَإِنْ أُعْتِقَ الْجَدُّ) قَبلَه؛ (لَمْ يَجُرَّ وَلَاءَهُمْ
(2)
فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، قال أحمدُ: الجَدُّ لا يَجُرُّ الوَلاءَ، لَيس هو كالأب
(3)
، ولأِنَّ الأصلَ بقاءُ الوَلاء لِمُستَحِقِّه، وإنَّما خُولِفَ هذا الأصل؛ للاِتِّفاق على أنَّه يَنجَرُّ بعِتْقِ الأب، والجَدُّ لا يُساوِيهِ، بدليلِ أنَّه لو أُعتق الأبُ بَعْدَ الجَدِّ؛ جرَّه عن مَولَى الجَدِّ إلَيهِ، ولأِنَّه لو أسْلَمَ الجَدُّ لم يَتبَعْه وَلَدُ وَلَدِه، ولأِنَّ الجَدَّ يُدلِي بغَيرِه، ولا يَستَقِرُّ الوَلاءُ عَلَيهِ، فلم يَجُرَّ الوَلاءَ؛ كالأخ.
(وَعَنْهُ: يَجُرُّهُ)؛ أيْ: إلى مَولاهُ بكلِّ حالٍ، وهو قَولُ أهلِ المدينة.
فإنْ أُعْتِق الأبُ بَعْدَ ذلك؛ جرَّه عن مَوالِي الجَدِّ إليه؛ لأِنَّ الجَدَّ يَقومُ مَقامَ
(1)
في (ظ): يكن.
(2)
قوله: (لم يجر ولاءهم) في (ق): لم يجره.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 58.
الأب في التَّعْصِيبِ وأحْكامِ النَّسب، فكذا في جَرِّ الوَلاء، وعَلَيها: لا فَرْقَ بَينَ القريب والبعيد؛ لأِنَّ البعيدَ يقومُ مَقامَ الأب؛ كالقريب.
وعنه: إنْ عَتَقَ والأبُ ميِّتٌ؛ جَرَّ الوَلاءَ، وإنْ عَتَقَ والأبُ حيٌّ؛ فلا، سَواءٌ عَتَقَ الأبُ أوْ ماتِ قِنًّا، ذَكَرَها الخَلاَّلُ.
فَرْعٌ: إذا تزوَّج مُعتَقٌ بمُعتَقةٍ، فأوْلَدَها وَلَدَينِ؛ فولاؤهما لموالي أبِيهِما، فإنْ نَفاهُما باللِّعان؛ عاد الولاءُ إلى مَوالِي أمِّهما، فإنْ ماتَ أحدُهما؛ فمِيراثُه لأُمِّه ومَوالِيها، فإنْ أكْذَبَ أبوهما نَفْسَه؛ لَحِقَه نَسَبُهما، واسْتَرْجَعَ المِيراثَ من مَولَى الأمِّ.
(وَإِنِ اشْتَرَى الاِبْنُ أَبَاهُ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ) بالملْك
(1)
؛ للخَبَر
(2)
، (وَلَهُ وَلَاؤُهُ)؛ لأِنَّه عَتَقَ عَلَيهِ بسبَبِ شِرائِه، فكان له الوَلاءُ، كما لو باشَرَه بالعِتْق، (وَوَلَاءُ إِخْوَتِهِ)؛ لأِنَّهم تَبَعٌ لأِبِيهم، (وَيَبْقَى وَلَاؤُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ) في قَولِ جُمهور الفقهاء؛ (لِأَنَّهُ لَا يَجُرُّ وَلَاءَ نَفْسِهِ).
وشَذَّ عَمْرُو بنُ دِينارٍ فقال: يَجُرُّه، وهو بعيدٌ؛ لأِنَّه يؤدِّي إلى أنْ يكونَ
(1)
في (ق): بالمال.
(2)
وهو حديث: «من ملك ذا رحم محرم فهو حر» ، أخرجه أحمد (20167)، وأبو داود (3949)، والترمذي (1365)، والنسائي في الكبرى (4878)، وابن ماجه (2524)، وابن الجارود (973)، من طريق الحسن، عن سمرة رضي الله عنه مرفوعًا، واختلف في سماعه منه، ورجح ابن المديني والبخاري أنه سمع منه مطلقًا، ولكن في الحديث علة أخرى قال ابن عبد الهادي:(قد تكلم في هذا الحديث بسبب آخر: انفراد حماد به، وشكه فيه، ومخالفة غيره ممن هو أثبت منه له)، وذكر ابن القيم جملة مما يُعل به الحديث، وقال ابن حجر:(ورجح جمع من الحفاظ أنه موقوف)، وصححه ابن حزم وعبد الحق وابن القطان وابن التركماني والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 5/ 96، تهذيب السنن ط المعرفة 5/ 407، التلخيص الحبير 4/ 509، بلوغ المرام (1425) الإرواء 6/ 169.
الوَلاءُ ثابِتًا على أَبَوَيهِ دُونَه، مع كَونِه مولودًا لهما في حالة رِقِّهما، وليس لنا مثلُ هذا في الأصول، ولا يُمكِنُ أنْ يكونَ مَولَى نفسِه يَعقِلُ عنها ويَرِثُها ويُزَوِّجُها.
(وَإِنِ اشْتَرَى الْوَلَدُ عَبْدًا، فَأَعْتَقَهُ، ثُمَّ اشْتَرَى الْعَتِيقُ أَبَا مُعْتِقِهِ، فَأَعْتَقَهُ؛ ثَبَتَ لَهُ وَلَاؤُهُ)؛ أيْ: فإنَّه يَجُرُّ وَلاءَ سيِّده، فيكونُ لهذا الوَلَدِ على مُعتَقِه الولاءُ بإعْتاقِه إيَّاه، (وَجَرَّ وَلَاءَ مُعْتِقِهِ)؛ أيْ: وللعَتيق وَلاءُ مُعتِقه بِوَلائه على أبَوَيهِ، (وَصَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَوْلَى الآْخَرِ)؛ لأِنَّ الوَلَدَ مَولَى المعتَق؛ لأِنَّه أعْتَقَه، والمعتَقَ مَولَى الوَلَدِ؛ لأِنَّه أعْتَقَ أباهُ، وشَرْطُه أنْ يكونَ الوَلَدُ من مُعتقه؛ لِيَنجَرَّ الوَلاءُ إلى المعتِقِ بشِراء أبِيهِ، فلو كانت حُرَّةَ الأصل، لم يكُنْ عَلَيهِ وَلاءٌ لأِحَدٍ.
(وَمِثْلُهُ: لَوْ أَعْتَقَ الْحَرْبِيُّ عَبْدًا، ثُمَّ سَبَى الْعَبْدُ مُعْتِقَهُ)؛ أيْ: أَسَرَ سيِّدَه، (فَأَعْتَقَهُ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَاءُ صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مُنْعِمٌ على الآخَر بخَلاصِ رَقَبتِه من الرِّقِّ.
فإنْ سَبَى المسلِمونَ العتيقَ الأوَّلَ؛ فَرَقَّ، ثُمَّ أُعْتِقَ؛ فولاؤه لمُعْتِقِه ثانِيًا، وقِيلَ: للأوَّل، وقِيلَ: لهما.
فَعَلَى الأوَّل، وهو الأصح: لا يَنجَرُّ ما كان للأوَّل قَبْلَ الرِّقِّ مِنْ وَلاءِ وَلَدٍ، أوْ عتيقٍ، إلى الأخير، وكذا عَتِيقُ ذِمِّيٍّ، وقِيلَ: أوْ مسلِمٍ.
مسائلُ:
الأولى: إذا تزوَّج ولدُ المعتَقة بمعتَقةٍ، فأوْلَدَها، فاشْتَرَى جَدَّه؛ عَتَقَ عَلَيهِ، وله ولاؤه، وولاءُ أبِيهِ، وسائرُ أوْلادِ جَدِّه، وولاءُ المشْتَرِي لِموْلَى أُمِّ أبِيهِ في قَولِ الجُمهور.
الثَّانيةُ: إذا تزوَّج عبدٌ بمعتَقةٍ، فأوْلَدَها، فتزوَّج الولَدُ بمعْتَقَة رَجُلٍ، فأوْلَدَها؛ فولاءُ هذا لِموْلَى أمِّ أبِيهِ في وَجْهٍ؛ لأِنَّ له الوَلاءَ على أبِيهِ، فكان له
عَلَيهِ، كما لو كان مَولَى جَدِّه.
وفي آخَرَ: ولاؤه لِموْلَى أمِّه؛ لأِنَّ الوَلاءَ الثَّابِتَ على أبِيهِ من جِهَةِ أمِّه، ومِثْلُ ذلك ثابِتٌ في حقِّ نفسه.
الثَّالثةُ: تزوَّج مُعتَقٌ بمعتَقَةٍ، فأوْلَدَها بنتًا، وتزوَّج عبدٌ بمعتَقَةٍ، فأوْلَدَها ابْنًا، فتزوَّج هذا الوَلَدُ ببنتِ المعتَقَتينِ
(1)
، فأوْلَدَها وَلَدًا؛ فولاءُ وَلَدِها لمولَى أمِّ أبِيهِ؛ لأِنَّ له الوَلاءَ على أبيه.
فإنْ تزوَّجت البنتُ المذكورةُ بِمَمْلوكٍ؛ فولاءُ ولدِها لمولَى أبِيهِا؛ لأِنَّ وَلاءَها له، فإنْ كان أبوها
(2)
ابنَ مملوكٍ ومعتقة؛ فالوَلاءُ لموْلَى أمِّ أبِي الأمِّ على الوَجْه الأوَّلِ؛ لأِنَّ مَولَى أمِّ أبِي الأمِّ يَثبُتُ له الولاءُ على أبي الأمِّ مُقدَّمًا على أمِّها
(3)
، وثَبَتَ له الوَلاءُ عليها.
(1)
في (ظ): المعتقين.
(2)
في (ق): أبوهما.
(3)
في (ق): أمهما.
(فَصْلٌ فِي دَوْرِ الْوَلَاءِ)
مَعْنَى دَوْرِ الوَلاء: أنْ يَخرُجَ من مال ميِّتٍ قِسْطٌ إلى مال ميِّتٍ آخَرَ بحُكمِ الوَلاء، ثُمَّ يَرجِعُ من ذلك القِسْطِ جُزْءٌ إلى الميت الآخَرِ بحُكْمِ الوَلاء أيضًا، فيكونُ هذا الجزءُ الرَّاجِع قد دار بَينَهما.
واعْلَمْ: أنَّه لا يَقَعُ الدَّورُ في مسألةٍ حتَّى يَجتَمِعَ فِيها شُروطٌ:
أنْ يكونَ المعتَقُ اثْنَينِ فصاعِدًا.
وأنْ يموتَ في مسألةٍ اثْنانِ فصاعِدًا.
وأنْ يكونَ الباقِي
(1)
منهما يَحُوزُ إرْثَ الميِّت.
(إِذَا اشْتَرَى ابْنُ وَبِنْتُ مُعْتَقَةٍ أَبَاهُمَا
(2)
؛ فَعَتَقَ عَلَيْهِمَا)؛ لأِنَّه ذُو رَحِمٍ محرمٍ، (وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ عَتَقَ عَلَيهِ نِصفُه، (وَجَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ وَلَاءِ صَاحِبِهِ)؛ لأِنَّ وَلاءَ الوَلَدِ تابِعٌ لِوَلاءِ الوالِدِ، (وَيَبْقَى نِصْفُهُ لِمَوْلَى أُمِّهِ)؛ لأِنَّ الشَّخصَ لا يَجُرُّ وَلاءَ نَفْسِه.
(فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ؛ وَرِثَاهُ أَثْلَاثًا)؛ لأِنَّ مِيراثَ النَّسَب مُقدَّمٌ على الوَلاءِ، ومِيراثُ النَّسب للذَّكر مِثْلُ حظِّ الأُنْثَيَينِ.
(وَإِنْ مَاتَتِ الْبِنْتُ بَعْدَهُ؛ وَرِثَهَا أَخُوهَا بِالنَّسَبِ)، ومِيراثُ الأخِ من الأخت بالنَّسِب ظاهِرٌ، (ثُمَّ إِذَا مَاتَ أَخُوهَا؛ فَمَالُهُ لِمَوَالِي أُمِّهِ)؛ لأِنَّه لا مُنَاسِبَ له، (وَهُمْ أُخْتُهُ وَمَوَالِي أُمِّهِ؛ فَلِمَوَالِي أُمِّهِ النِّصْفُ، وَالنِّصْفُ الآْخَرُ لِمَوَالِي أُخْتِهِ)؛ لأِنَّ الوَلاءَ بَينَهما نِصْفانِ، (وَهُمْ أَخُوهَا وَمَوَالِي أُمِّهَا، فَلِمَوَالِي أُمِّهَا نِصْفُ ذَلِكَ، وَهُوَ الرُّبُعُ)؛ لأِنَّ وَلاءَ الأخت بَينَ الأخ ومَوَالِي الأخت نصفانِ، (يَبْقَى الرُّبُعُ، وَهُوَ الْجُزْءُ الدَّائِرُ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْأَخِ، وَعَادَ إِلَيْهِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ):
(1)
في (ق): الثاني.
(2)
زيد في (ق): أو أخاهما.
(أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لِمَوَالِي
(1)
الْأُمِّ)، قال أبو عبد الله الوَنِّيُّ: هو قِياسُ قَولِ أحمدَ، قال في «الشَّرح» وهو قَولُ الجُمهور، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ مُقْتَضَى كَونِه دائِرًا أنْ يَدُورَ أبدًا، وفي كلِّ دَورةٍ يَصِيرُ لمولَى الأمِّ نصفُه، ولا يَزالُ كذلك حتَّى يَنفُذَ كلُّه إلى مَوالِي الأمِّ.
(وَالثَّانِي: أَنَّهُ لِبَيْتِ الْمَالِ)، قاله القاضي، وقِياسُ قَولِ أكثرِهم، (لِأَنَّهُ لَا مُسْتَحِقَّ لَهُ)؛ أي: مُعَيَّنٌ.
وقِيلَ: يُرَدُّ على سِهامِ الموالي أثْلاثًا، لمَوَالِي أمِّه الثُّلُثانِ، ولمَوالِي أُمِّها الثُّلثُ.
فإنْ كانت المسألةُ بحالها، إلاَّ أنَّ مَكانَ الاِبْنِ بنتٌ، فاشْتَرَتْ أباها؛ عَتَقَ عَلَيها، وجَرَّ وَلاءَ أُخْتِها، فإذا ماتَ الأبُ؛ فِلابْنتَيهِ الثُّلُثانِ بالنَّسب، والباقِي لمُعتِقِه بالوَلاء.
فإنْ ماتت البنتُ التي لم تَشْتَرِهِ بَعْدَ ذلك؛ فمالُها لِأُخْتِها
(2)
؛ نصفُه بالنَّسب، ونصفُه بأنَّها مَولاةُ أبِيها، ولو ماتت التي اشْتَرَتْه فلأُخْتِها
(3)
النِّصفُ، والباقي لِمَوالِي أمِّها.
فإن اشْتَرَت البنتانِ أباهما؛ عَتَقَ عَلَيهما، وجرَّ كلُّ واحِدٍ منهما نصفَ ولاءِ صاحبه، فإنْ مات الأبُ؛ وَرِثَه ابْنَتاهُ بالنسب والوَلاء.
فإنْ ماتَتْ إحداهما بَعْدَ ذلك؛ فلأخْتها النِّصفُ بالنَّسب، ونصفُ الباقِي بما جرَّ الأبُ إليها من وَلاء نصفِها، [فإنْ ماتَتْ إحداهما قَبْلَ الأب، ثمَّ مات الأبُ]
(4)
، فصار لها ثلاثةُ أرباع المال، والرُّبعُ الباقي لِمَوالِي أُمِّها.
فإنْ ماتَتْ إحداهما قَبلَ أبيها؛ فمالُها له، ثُمَّ إذا مات الأبُ؛ فللباقِيَةِ
(1)
في (ظ): لمولى.
(2)
في (ق): لأخيها.
(3)
في (ق): فلأخيها.
(4)
هذه العبارة مقحمة، وهي غير موجودة في المغني ولا الشرح الكبير، وستأتي قريبًا.
نصفُ مِيراثِ أبيها؛ لأِنَّها بِنتُه، ونصفُ الباقِي، وهو الرُّبعُ؛ لأِنَّها مَولاةٌ
(1)
، يَبقَى الرُّبعُ لموالِي البنت التي ماتَتْ قَبلَه.
فإنْ ماتَت الباقيةُ بَعْدَهما
(2)
؛ فمالُها لموَالِيها، نصفُه لموالِي أمِّها، ونصفُه لموالِي
(3)
أخْتِها الميتةِ، وهم أُخْتُها ومَوالِي أمِّها؛ فنصفُه لموالِي
(4)
أمِّها، وهو الرُّبعُ، والرُّبعُ الباقِي يَرجِعُ إلى هذه الميتةِ، فهذا الجُزءُ دائِرٌ؛ لأِنَّه خَرَجَ من هذه الميتةِ، ثُمَّ دارَ إلَيها، ففيه الوَجْهانِ السَّابِقانِ.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 18/ 466: مولاة نصفه.
(2)
في (ق): بعدها.
(3)
في (ظ): لمولى.
(4)
في (ظ): لمولى.
(كِتَابُ الْعِتْقِ)
وهو لغةً: الخُلُوصُ، ومِنهُ عِتاقُ الخَيلِ والطَّير؛ أيْ: خالِصُها، وسُمِّيَ به البَيتُ الحرامُ؛ لِخُلوصِه من أيْدِي الجَبابِرةِ.
وفي الشَّرع: تحريرُ الرَّقبة وتَخْليصُها من الرِّقِّ، وخُصَّت به الرَّقَبةُ وإنْ تَناوَلَ العِتقُ الجميعَ؛ لأِنَّ ملْكَ السَّيِّد له كالغُلِّ المانِعِ له من الخروج، فإذا أُعْتِقَ؛ فكأنَّ رَقَبَته أُطْلِقَت من ذلك.
يُقالُ: عَتَقَ العبدُ، وأَعْتَقْتُه أنا؛ فهو عَتِيقٌ، ومُعْتَقٌ، وهم عُتَقاءُ، وأَمَةٌ عَتِيقٌ وعَتِيقةٌ، وإِماءٌ عَتَائِقُ وعُتَّقٌ، بمَعْنى
(1)
: فاعِلٍ لا مَفعولٍ؛ لأِنَّه لا يُقالُ: عَتَقَ العبدُ، فهو مَعْتُوقٌ، وقِيلَ: تَسمِيَتُه مَعْتوقًا لَحْنٌ، وقِيلَ: لا.
والإجماعُ على صحَّته، وحُصول القُربةِ به
(2)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النساء: 92] و {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البَلَد: 13]، وقَولُه عليه السلام:«مَنْ أعْتَقَ امْرَأً مُسلِمًا؛ اسْتَنقَذَ اللهُ بكلِّ عُضْوٍ منه عُضْوًا منه من النَّار» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ من حديثِ أبي هُرَيرةَ
(3)
.
(وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ) وأعْظَمِها؛ لأِنَّه تعالى جَعَلَه كفَّارةً للقَتْل، والظِّهار، والوَطْء في رَمَضانِ، والأَيمانِ، وجَعَلَه عليه السلام فَكاكًا لمعتِقه من النَّار، ولأِنَّ فيه تخليصَ الآدَمِيِّ المعصومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ، وملْكِ نفسِه ومنافِعِه، وتَكميلَ أحكامِه، وتمكينَه من التَّصرُّف في نَفْسِه ومَنافِعِه على حَسَبِ إرادته واخْتِيارِه.
وفي «التَّبصرة» : هو أحبُّها إلى الله تعالى.
(1)
في (ق): معنى.
(2)
في (ق): منه. ينظر: مراتب الإجماع ص 162، الإجماع لابن المنذر ص 129.
(3)
أخرجه البخاري (2517، 6715)، ومسلم (1509).
وأفْضَلُ الرِّقاب: أنْفَسُها عِنْدَ أهْلِها، وأغْلاهَا ثَمَنًا، نَقَلَه الجماعةُ
(1)
، فظاهِرُه: ولو كافِرةً، ويُثابُ على عِتْقِه، قال في «الفنون»: لا يَختَلِفُ النَّاس فيه، واحتجَّ به، وبِرِقِّ الذُّرِّيَّة على أنِّ الرِّقَّ لَيسَ بِعُقوبةٍ، بل محنةٌ وبَلْوَى.
فائدةٌ: الأفضلُ عِتْقُ ذَكَرٍ. وعنه: أُنْثَى لأِنثى. وعنه: أَمَتَينِ؛ كعِتْقِه رجلاً، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وتَزويجُه بها
(2)
.
ويَصِحُّ مِمَّنْ تَصِحُّ وصِيَّتُه، وعنه: وَهِبَتُه.
(وَالمُسْتَحَبُّ: عِتْقُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ)، فيَسْتَغْنِي
(3)
به؛ أيْ: يجد ما ينفق عليه، فلا يبقى عَيلة ولا محتاجًا.
(فَأَمَّا مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا كَسْبَ؛ فَلَا يُسْتَحَبُّ عِتْقُهُ، وَلَا كِتَابَتُهُ) هذا روايةٌ، وهو المذهَبُ؛ لأِنَّه يَتضرَّرُ بفَواتِ نَفَقَتِه الواجبةِ له، وصار كَلًّا على النَّاس.
وعنه: يُستَحَبُّ، قال ابنُ حَمدانَ: ويُحملُ بِوُجوبِ نَفَقَتِه عليه
(4)
.
وعنه: يُكرَه
(5)
كِتابَتُه.
وعنه: الأنثى لِخَوفِ محرَّمٍ؛ كقَطعِ طَريقٍ، أوْ جاريةٍ يُخافُ عَلَيها الزِّنى والفَسادُ، فإنْ ظُنَّ إفْضاؤه إليه؛ حَرُمَ، ويَصِحُّ عِتْقُه، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» ، قال في «الفروع»: ويتوجَّهُ؛ كَمَنْ باع أو اشْتَرَى
(6)
بقَصْدِ
(7)
الحَرامِ.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 98.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 98.
(3)
في (ق): يستغني.
(4)
عبارة الإنصاف 19/ 8: (قال في «الرعاية الكبرى»: قلت: ويحتمل الاستحباب على القول بوجوب نفقته عليه).
(5)
في (ق): تكره.
(6)
في (ظ): واشترى.
(7)
في (ق): يقصد.
(وَيَحْصُلُ الْعِتْقُ بِالْقَوْلِ)، فلو قال: أنت حرٌّ في هذا الزَّمان أو المكان؛ عَتَقَ مطلَقًا، (وَالْمِلْكِ)، وسيأتِي، قال في «الكافي»: والاِسْتِيلادِ.
ولا يَحصُلُ بالنِّيَّة المجرَّدة في ظاهِرِ كلامِه؛ لأِنَّه إزالةُ ملكٍ، فكان كالطَّلاق.
(فَأَمَّا الْقَوْلُ؛ فَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الْعِتْقِ، وَالْحُرِّيَّةِ)؛ لأِنَّه إزالةُ ملْكٍ، فانْقَسَمَ إلى صريحٍ وكِنايةٍ كالطَّلاق، ولأِنَّهما لَفْظانِ وَرَدَا في الكتاب والسُّنَّة، فَوَجَبَ اعْتِبارُهما، (كَيْفَ صُرِّفَا)، وكذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، والمرادُ به غَيرُ مُضارِعٍ؛ لأِنَّه وَعْدٌ، وأَمْرٍ؛ لأِنَّه لا يَصلُحُ للإنشاء، ولا هو خبرٌ فيؤاخَذَ به.
وعنه: يُعتبَرُ مع ذلك نيةُ وُقوعه كالكِناية.
فلو قال لاِمرأةٍ لا يَعرِفُها: تَنَحَّيْ يا حُرَّةُ، فإذا هي أَمَتُه؛ عَتَقَتْ. وعنه
(1)
.
قال السَّامَرِّيُّ: وأصلُ ذلك الرِّوايَتانِ في اعْتِبارِ النِّيَّة في صريحِ العِتْقِ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» و «الفروع» : أنَّ الرَّجُلَ إذا قال: عَبْدِي حُرٌّ، يُرِيدُ عِفَّتَه وكَرَمَ خُلُقِه؛ أنَّه لا يَعتِقُ في ظاهر المذهَبِ.
ونَقَلَ حنبلٌ: سُئِلَ أبو عبد الله عن رجلٍ قال لِعَبْده: أنت حُرٌّ، وهو يعاتِبُه، قال: إذا كان لا يريد أنْ يُعْتِقَ؛ رَجَوتُ أنْ لا يَعتِقَ، وأنا أهابُ المسألة
(2)
؛ لأِنَّه نَوَى بكلامه ما يَحتَمِلُه، فانْصرَفَ إليه، وإنْ طَلَبَ اسْتِحْلافَه حَلَفَ
(3)
.
وظاهِرُ كلامِهم: أنَّه يَعتِقُ ولو كان هازِلاً، لا مِنْ نائمٍ ونحوِه.
(وَكِنَايَتُهُ نَحْوَ: خَلَّيْتُكَ، وَالْحَقْ بِأَهْلِكَ، وَاذْهَبْ حَيْثُ شِئْتَ، وَنَحْوُها)؛ كقَولِه: أطلقْتُك، وحبلُك على غارِبِك، فهذا إنْ نَوَى به العِتْقَ؛ عَتَقَ، وإلاَّ
(1)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المستوعب للسامري 2/ 242: والأخرى: لا تعتق.
(2)
في (ق): المسلم.
(3)
ينظر: المغني 10/ 294.
فلا؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ غَيرَه، فلم يَرِدْ به كتابٌ ولا سُنَّةٌ ولا عُرْفُ اسْتِعْمالٍ، وفي «التَّبصرة»: أوْ دلالةُ حالٍ؛ لأِنَّ فيه مَعْنَى الإزالة، فجاز أنْ يُكَنَّى به عن العتق؛ كالطَّلاق.
(وَفِي قَوْلِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، وَلَا سُلْطَانَ، وَلَا مِلْكَ)، ولا خِدمةَ (لِي عَلَيْكَ، وَلَا رِقَّ لِي عَلَيْكَ، وَفَكَكْتُ رَقَبَتَكَ، وَأَنْتَ مَوْلَايَ، وَأَنْتَ لِلهِ، وَأَنْتَ سَائِبَةٌ؛ رِوَايَتَانِ)، كذا في «الكافي» و «المحرَّر» و «الفروع»:
(إِحْدَاهُمَا: أَنَّهُ صَرِيحٌ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه يَتَضَمَّنُ العِتْقَ، وقد وَرَدَ في قَوله تعالى:{فَكُّ رَقَبَةٍ (13)} [البَلَد: 13]؛ يَعْنِي: العتقَ، فكانَتْ صريحةً؛ كالعتق.
(وَالْأُخْرَى: كِنَايَةٌ)، صحَّحها السَّامَرِّيُّ، وهي الأشْهَرُ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ غَيرَ العتق.
وقد ذَكَرَ القاضي وأبو الخَطَّاب الرِّوايَتَينِ في قَولِه: لا سُلْطانَ لي عَلَيكَ، ولا سبيلَ لي عَلَيك.
قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ أنَّهما كِنايةٌ.
وظاهِرُ «الواضح» : وَهَبْتُك لله؛ صريحٌ، وسوَّى القاضِي بَينَها وبَينَ: أنت لله، وفي «الموجز»: هي ورَفَعْتُ يَدِي عنك إلى الله؛ كنايةٌ.
(وَفِي قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ حَرَامٌ)، لَيسَ بصريحٍ اتِّفاقًا، وفيه (رِوَايَتَانِ):
(إِحْدَاهُمَا: كِنَايَةٌ)، جَزَمَ بها في «الوجيز» ، وصحَّحها في «الشَّرح» في: أنتِ حرامٌ؛ كقَولِه: لا سَبيلَ لي عَلَيكِ.
(وَالْأُخْرَى: لَا تَعْتِقُ وَإِنْ نَوَى)؛ لأِنَّ الرِّقَّ ملكٌ لا يُستَدْرَكُ بالرَّجْعة، فلم يَزُلْ بما ذُكِرَ؛ كملك بقيَّة المال.
وحاصِلُه: أنَّه إذا قال لِأَمَتِه: أنتِ طالِقٌ، يَنوِي به العِتْقَ؛ أنَّها لا تَعتِقُ؛
لأِنَّ الطَّلاقَ لفظٌ وُضِعَ لإزالةِ الملك عن المنفعة، فلم يَزُلْ به الملْكُ عن الرَّقَبة؛ كفَسْخِ الإجارة، وكما لو قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي.
وعنه: كنايةٌ، يَعتِقُ به إنْ نَوَى؛ لأِنَّ الرِّقَّ أحدُ الملْكَينِ على الآدَمِيِّ، فيَزولُ بلَفْظِ الطَّلاق كالآخَرِ، وكالحُرِّيَّة في إزالة النِّكاح.
وعنه: لا تَطلُقُ إذا أضافَ إليها الحُرِّيَّةَ.
(وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ: أَنْتَ
(1)
ابْنِي؛ لَمْ يَعْتِقْ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي)؛ كقَولِه لمَنْ لا يُمكِنُ كَونُه منه: أنتَ ابْنِي، في الأصحِّ؛ كقوله: أعْتَقْتُكَ، أو أنت حُرٌّ مِنْ ألْفِ سنةٍ، وفي «الانتصار»: إنْ قالَ لأُمَتِه: أنْت ابْنِي، ولِعَبْدِه: أنْت بنتي
(2)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَعْتِقَ)، هذا وَجْهٌ، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه اعْتَرَفَ بما تَثْبُتُ به حُرِّيَّتُه، أشْبَهَ ما لو أقرَّ بها.
والأوَّلُ المذهَبُ؛ لأِنَّه قَولٌ يُتَحَقَّقُ كَذِبُه فيه، كما لو قال لطفلٍ: هذا أبي، ولطِفْلةٍ: هذه أمِّي، ولأِنَّه لو قال لزَوجتِه وهيَ أسنُّ منه: هذه ابْنَتِي، أو قال لها وهو أسنُّ منها: هذه أمِّي؛ لم تَطلُقْ، فكذا هنا.
أمَّا إذا أمْكَنَ كَونُه منه، ولو كان له نَسَبٌ معروفٌ؛ فإنَّه يَعتِقُ؛ لجَوازِ كَونِه من وَطْءِ شُبْهةٍ.
وقيل: لا؛ لِكَذِبِه شرعًا.
ومِثْلُه لأِصغرَ: أنت أبي.
وفي «الرعاية» : وقيل: إنْ كان مِثْلُه يُولَدُ لِمِثْلِه مطلَقًا؛ عَتَقَ، وإلاَّ فَلَا.
(وَإِذَا أَعْتَقَ حَامِلاً عَتَقَ
(3)
جَنِينُهَا)؛ لأِنَّه تابِعٌ لأِمِّه، بدليلِ دخوله في
(1)
في (ق): إن.
(2)
أي: لم يعتق. ينظر: الفروع 8/ 101، الإنصاف 19/ 20.
(3)
في (ظ): عن.
البَيعِ، (إِلاَّ أَنْ يَسْتَثْنِيَهُ)، فإنَّه لا يَعتِقُ، وقاله ابن عمرَ
(1)
وأبو هُرَيرةَ
(2)
، قال أحمدُ: أذْهَبُ إلى حديثِ ابنِ عمرَ في العِتْق، ولا أذْهَبُ إليه في البَيعِ
(3)
، ولقَوله عليه السلام:«المسلِمُونَ على شُروطِهِمْ»
(4)
.
وفيه وَجْهٌ، وذَكَرَه القاضِي روايةً: أنَّه لا يَصِحُّ استِثْناؤه كالبيع، وبه قال أكثرُهم، وكما لو اسْتَثْنَى بعضَ أعضائها.
وجَوابُه: أنَّ الحَمْلَ معلومٌ، فصحَّ اسْتِثْناؤه؛ للخبرِ
(5)
، بخلاف البيع؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فاعْتُبِرَ فيه العِلْمُ بصفاتِ العِوَضِ، والعِتْقُ يُعتَبَرُ فيه العِلْمُ بوُجوده، وقد وُجِدَ، ولا يَصِحُّ قِياسُه على بَعْضِ أعْضائِها؛ لأِنَّه لا يصحُّ انفرادُه عنها، بخِلافِه هنا.
(وَإِنْ أَعْتَقَ مَا فِي بَطْنِهَا دُونَهَا؛ عَتَقَ وَحْدَهُ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(6)
؛ لأِنَّ حكمَه حكمُ الإنسان المنفَرِدِ، ولهذا نورِّثُ
(7)
الجَنينَ إذا ضُرِبَ بطنُ أمِّه، فأسْقَطَتْ جنينًا؛ فإنَّه يَجِبُ غُرَّةٌ مَورُوثةٌ عنه، كأنَّه سَقَطَ حَيًّا، وكتَدْبِيرٍ وكتابةٍ.
وعَنْهُ: لا يَصِحُّ حتَّى يُوضَعَ حيًّا، فيكونُ كَمَنْ عُلِّقَ عِتْقُه بشَرْطٍ.
وإنْ أعْتقَ مَنْ حَمْلُها لِغَيرِه؛ كالموصَى به؛ ضَمِنَ قِيمتَه، ذَكَرَه القاضي.
(1)
تقدم تخريجه 5/ 62 حاشية (3).
(2)
ذكره ابن المنذر في الإشراف 7/ 51، ولم يسنده، وقال ابن حزم في المحلى 8/ 170:(وقد روي أيضًا عن أبي هريرة)، واحتج به إسحاق بن راهويه كما في مسائل ابن منصور 8/ 4413، ولم نقف عليه.
(3)
ينظر: المغني 10/ 448.
(4)
تقدّم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).
(5)
لعل مراده حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الثُّنْيا إلا أن تعلم» ، أخرجه أبو داود (3405)، والترمذي (1290)، والنسائي (3880)، وهو حديث صحيح، وأخرجه مسلم بنحوه (1536).
(6)
ينظر: المغني 10/ 448.
(7)
في (ظ): يورث.
وقدَّم في «المستوعب» : لا يَعتِقُ، وجَزَمَ به في «التَّرغيب» ، واختاره في «المحرَّر» .
(وَأَمَّا الْمِلْكُ) - هذا شُروعٌ في بيان القِسْم الثَّاني -: (فَمَنْ مَلَكَ ذَا رِحِمٍ مَحْرَمٍ)، ولو حَمْلاً؛ (عَتَقَ عَلَيْهِ) في ظاهِر المذْهَبِ؛ لِمَا رَوَى حمادُ بنُ سَلَمَةَ، عن قَتادةَ، عن الحَسَنِ، عن سَمُرةَ مرفوعًا قال:«مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ فهو حُرٌّ» رواه الخَمْسةُ، وحسَّنه التِّرمذيُّ
(1)
، وقال: العَمَلُ على هذا عِنْدَ أهلِ العِلْمِ، وعن قَتادةَ، عن عمرَ مَوقُوفًا مِثلُه، رواه أبو داودَ
(2)
، وقَتادةُ لم يُدرِكْ عمرَ، وعن ابن عمرَ مرفوعًا مِثلُه، رواه ابنُ ماجَهْ بإسنادٍ جيِّدٍ
(3)
،
(1)
أخرجه أحمد (20227)، وأبو داود (3949)، والترمذي (1365)، والنسائي في الكبرى (4878)، وابن ماجه (2524)، وابن الجارود (973)، والحاكم (2852)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة رضي الله عنه به مرفوعًا، وتفرد بوصله حماد بن سلمة، ووقع منه شك برفعه في بعض الطرق، وروي مرسلاً ورجح جمع من الأئمة إرساله، منهم أبو داود والترمذي والبيهقي وابن القيم وابن حجر، وقال:(أشار البخاري إلى تضعيفه، وقال علي بن المديني: هذا عندي منكر)، والمرسل أخرجه أبو داود (3951، 3952)، من طريقين عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، وسنده حسن، وسعيد بن أبي عروبة البصري، أثبت وأحفظ الناس لحديث قتادة، كما قاله ابن معين والرازيان وغيرهم، وصحح الحديث موصولاً ابن الجارود والحاكمُ والذهبي والألباني. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 211، الجرح والتعديل 4/ 65، معرفة السنن 14/ 406، الجوهر النقي 10/ 289، تهذيب السنن 5/ 407، التلخيص الحبير 4/ 390، الإرواء 6/ 169.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (16856)، وأبو داود (3950)، والنسائي في الكبرى (4883)، والبيهقي في الكبرى (21417)، عن قتادة قال: قال عمر بن الخطاب: «من ملك ذا رحم مَحْرَمٍ فهو حر» ، منقطع. وأخرجه ابن أبي شيبة (20079)، والنسائي في الكبرى (4887)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/ 446)، عن الحكم عن عمر مرسلاً. وأخرجه النسائي في الكبرى (4890)، والطحاوي في معاني الآثار (4704)، والبيهقي في الكبرى (21422)، وابن حزم في المحلى (8/ 191)، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر. وهذا إسناد صحيح متصل، وصححه الطحاوي.
(3)
أخرجه النسائي في السنن الكبرى (4877)، وابن ماجه (2525)، والبزار (6130)، وابن الجارود (972)، والطحاوي في شرح المعاني (4699)، والحاكم (2851) من طريق ضمرة بن ربيعة، عن سفيان، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا، وسنده في ظاهره الصحة، لكن أعله بعض الأئمة بتفرّد ضمرة به، ووهَمه فيه، - وضمرة بن ربيعة صدوق يهِم قليلاً -، قال أحمد:(ليس من ذا شيء، وهِم ضمرة)، وقال مرة:(ليس له أصل)، وقال النسائي:(حديث منكر)، وكذا قال الترمذي والبيهقي، وصححه ابن التركماني والذهبي وابن القطان والإشبيلي وابن حزم والألباني. ينظر: تاريخ أبي زرعة ص 459، مسائل أبي داود (1999)، المحلى 8/ 198، معرفة السنن 14/ 407، الأحكام الوسطى 4/ 15، بيان الوهم 5/ 436، الجوهر النقي 10/ 290، البدر المنير 9/ 708، التهذيب 4/ 461، الإرواء 6/ 170.
لكن قال أحمدُ: (لا أصلَ له)، ولأِنَّه ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ، فعَتَقَ عليه بالملك؛ كعَمُودَي النسب.
وظاهِرُه: سَواءٌ وافَقَه في دِينِه أوْ لا، وسَواءٌ كانوا من الأولاد وإنْ سَفَلوا، أوْ مِنْ الآباء
(1)
وإنْ عَلَوْا، من عَمُودَي نسبِه كما قُلْنا، أوْ مِنْ غَيرِهم؛ كالأخ وأوْلادِه وإنْ نَزَلُوا، والأعمامِ والعَمَّاتِ، والأخوالِ والخالات، وإنْ عَلَوْا، دُونَ أوْلادِهم.
(وَعَنْهُ: لَا يَعْتِقُ إِلاَّ عَمُودَا النَّسَبِ)، قال في «الكافي»: بناءً على أنَّه لا نَفَقةَ لغَيرِهم، وفي «الانتصار»: لنا فيه خِلافٌ، واخْتارَ الآجُرِّيُّ: لا نَفَقَةَ لغَيرِهم، وذَكَرَ أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: أنَّه آكَدُ من التَّعليقِ، فلو علَّق عِتْقَ عبده على ملْكِه؛ عَتَقَ بملكِه، لا بتعليقه.
ورجَّح ابنُ عَقِيلٍ: لا عِتْقَ بملْكٍ.
وعَنْهُ: إنْ مَلَكَه بإرْثٍ؛ لم يَعتِقْ، وفي إجْباره على عِتْقِه روايتان.
وعَنْهُ: لا يَعْتِقُ حَمْلٌ حتَّى يُولَدَ في ملْكِه حيًّا.
فلو زَوَّجَ ابْنَهُ بأَمَتِه، فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوت جَدِّه؛ فهل هو مَورُوثٌ عنه أوْ حُرٌّ؟ فيه الرِّوايَتانِ.
(1)
في (ق): الإماء.
فَرْعٌ: عُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لا يَعتِقُ بشِراءِ رَحِمٍ غَيرِ مَحْرَمٍ، ولا مَحْرَمٍ برَضاعٍ أو مُصاهَرَةٍ، نَقَلَه الجَماعةُ
(1)
، وقال: على قَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ مَلَكَ ذا رَحِمٍ مَحْرَمٍ؛ فهو حُرٌّ» فالرَّضاعةُ لَيسَتْ بِرَحِمٍ، وقال الزُّهْرِيِّ:«مَضَتِ السُّنَّةُ بأنْ يُباعَ»
(2)
، وكَرِهَ أحمدُ بَيعَ أخِيهِ لِرضاعٍ
(3)
، رُوِيَ عن ابنِ مَسْعودٍ
(4)
.
(وَإِنْ مَلَكَ وَلَدَهُ مِنَ الزِّنَى؛ لَمْ يَعْتِقْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، المذهَبُ: أنَّ أحكامَ الولَدِ غَيرُ ثابِتَةٍ فيه، وهي: الميراثُ، وعَدَمُ الحَجْب، والمحرَمِيَّة، ووجوبُ الإنفاق، وثبوتُ الوِلايَة عليه، ومِثلُه: لو مَلَكَ أباهُ من زِنًى، ذَكَرَه في «التَّبصرةِ» .
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَعْتِقَ)؛ لأِنَّه جُزؤُه حقيقةً، وقد ثبت فيه حكمُ تحريمِ التَّزويج، بدليل أنَّه لو مَلَكَ وَلَدَه المخالِفَ له في الدِّين؛ عَتَقَ عليه مع انتفاء هذه الأحكام، لكِنْ قال أبو الخَطَّاب: قِياسُ المذهب في تحريمِ نكاحِ بنتِه من الزِّنى: أنْ يَعتِقَ عَلَيهِ.
(وَإِنْ مَلَكَ سَهْمًا مِمَّنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الْمِيرَاثِ، وَهُوَ مُوسِرٌ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ)، سواءٌ مَلَكَه بعِوَضٍ أوْ بغَيرِه؛ كالهِبة والاِغْتِنام والوصيَّة، باخْتِياره أو بغَيرِه، كالميراث؛ لأِنَّ كلَّ ما يَعتِقُ به الكُلُّ؛ يَعتِقُ به البَعْضُ؛ كالإعتاق بالقَولِ.
(وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَيْهِ إِلاَّ مَا مَلَكَ)؛ لأِنَّه لو أعْتَقَه لم يَعتِقْ،
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4256، الفروع 8/ 104.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (16866)، بإسناد صحيح.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 104.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (16860)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9720)، وابن حزم في المحلى (8/ 192)، عن علقمة قال: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: إن جارية لي أرضعت ابنًا لي، وإني أريد أن أبيعها، قال: فمقته ابن مسعود وقال: «ليته ينادي: من أَبيعه أم ولدي؟» إسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين.
واسْتَقَرَّ ذلك الجزءُ فيه، وإنْ كان مُوسِرًا، وكان الملْكُ باختياره؛ سَرَى إلى باقِيهِ، ويَعتِقُ عَلَيهِ كلُّه.
(وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ) في قَولِ أكثرِهم؛ لأِنَّه فوَّته عَلَيهِ.
وقال قَومٌ: لا يَعتِقُ عَلَيه إلاَّ ما مَلَكَ، سَواءٌ مَلَكَه بشِراءٍ أوْ غَيرِه؛ لأِنَّه لم يُعتِقْه، وإنَّما عَتَقَ عَلَيهِ بغَيرِ اختيارٍ منه، فلم يَسْرِ، أشْبَهَ ما لو مَلَكَه بالمِيراثِ.
وجَوابُه: بأنَّه فَعَلَ سبَبَ العِتْق اخْتِيارًا منه، فَسَرَى، ولَزِمَه الضَّمانُ، كما لو وَكَّلَ مَنْ أعْتَقَ نَصيبَه، وفارَقَ الإرْثَ؛ فإنَّه حَصَلَ بغَيرِ فِعْلِه ولا قَصْدِه، وكما لو جَرَحَ إنْسانًا.
(وَإِنْ مَلَكَهُ بِالْمِيرَاثِ؛ لَمْ يَعْتِقْ مِنْهُ إِلاَّ مَا مَلَكَ، مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا)، هذا هو المذهَبُ؛ لأِنَّه لم يتسبَّبْ
(1)
إلى إعْتاقِه، وإنَّما حَصَلَ بغَيرِ اخْتِيارِه.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ نَصِيبُ الشَّرِيكِ إِنْ كَانَ مُوسِرًا)؛ لأِنَّه عَتَقَ عَلَيهِ بعضُه وهو مُوسِرٌ، فَسَرَى إلى باقِيهِ، كما لو وَصَّى له به فَقَبِلَه.
والموسِرُ هنا: القادِرُ حالةَ العِتْق على قِيمتِه، بشَرْطِ أنْ يكونَ ذلك فاضِلاً، كالفِطْرة.
وإنْ
(2)
قُلْنا: لا يَعتِقُ؛ فَهل يُجبَرُ على إعْتاقِه؟ فيه رِوايَتانِ.
وإنْ كان مُعْسِرًا؛ لم يَعتِقْ منه إلاَّ ما مَلَكَ، وهل يُسْتَسْعَى العَبْدُ في باقِيهِ؟ على رِوايَتَينِ.
فَرْعٌ: إذا وَرِثَ صبِيٌّ أوْ مَجْنونٌ جُزءًا ممَّن يَعتِقُ عَلَيهِما؛ عَتَقَ، ولم يَسْرِ إلى باقِيهِ.
وكذا إنْ وُهِبَ لهما، أوْ وُصِّيَ لهما به، وهما مُعْسِرانِ؛ فعلى الوليِّ
(1)
في (ق): لم ينتسب.
(2)
في (ق): فإن.
القَبولُ، وإنْ كانا مُوسِرَينِ؛ فَوَجْهانِ مَبْنِيَّانِ على أنَّه: هل يُقَوَّمُ عَلَيهِما باقِيهِ إذا مَلَكَا بَعْضَه؟ وفيه وجْهانِ.
(وَإِنْ مَثلَ)؛ كضَرَب، وهو بتشديد الثَّاء
(1)
، وقال أبو السَّعادات:(مَثَلْتُ بالحَيوان أَمْثُل مَثْلاً: إذا قَطَعْتَ أطْرافَه)
(2)
، وبالقَتْيل
(3)
: إذا جَدَعْتَ أَنفَه أوْ أُذْنَه ونحوَه، (بِعَبْدِهِ)، ولو عبَّر برَقِيقِه
(4)
؛ لَعَمَّ، (فَجَدَعَ أَنْفَهُ، أَوْ أُذْنَهُ، وَنَحْوَ ذَلِكَ)؛ كحَرْقِ عُضْوٍ منه، قال ابنُ حَمدانَ: أوْ حرَّقه بالنَّار؛ (عَتَقَ، نَصَّ عَلَيْهِ
(5)
؛ أيْ: بلا حُكْمٍ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ زِنباعًا جَدَعَ عبدًا، فأتَى العَبْدُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فذَكَر ذلك له، فقال:«اذْهَبْ فأنت حُرٌّ» رواه أحمدُ وغَيرُه
(6)
.
لا مُكاتَبٍ، قالَهُ جماعةٌ.
ولا يَحصُلُ بضَرْبِه وخَدْشِه
(7)
.
وفي اعْتِبارِ القَصْدِ وثُبوتِ الوَلاء؛ وَجْهانِ، والأشْهَرُ: ثُبوتُه.
(1)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المطلع ص 382: مَثَل بوزن ضرب. ومَثَّل: بتشديد الثاء.
(2)
ينظر: النهاية 4/ 294.
(3)
في (ظ): القتل.
(4)
في (ق): برقبته.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3325.
(6)
أخرجه أبو داود (4519)، وابن ماجه (2680) من طريق سوَّار أبي حمزة، حدثنا عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه، وسوّار ضعيف ليس بالقويِّ، يعتبر به، والحديث أخرجه عبد الرزاق (17932)، وأحمد (6710)، والطبراني في الكبير (5301)، عن معمر وابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما به نحوه، وسنده رجاله ثقات، وحسنه الألباني بطرقه. ينظر: سؤالات البرقاني للدارقطني (210)، تهذيب الكمال 12/ 236، الإرواء 6/ 168.
(7)
في (ق): وخدمته.
ولو زاد ثَمَنُه بجَبٍّ أوْ خِصاءٍ؛ فقال في «الفروع» : يتوجَّه حِلُّ الزِّيادة.
(وَقَالَ الْقَاضِي: الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ)؛ كالمُكاتَبِ؛ لأِنَّ سيِّدَه لم يُعتِقْه بلَفْظٍ صريحٍ ولا كِنايَةٍ، فلم يَزُلْ ملْكُه عنه، أشْبَهَ جنايتَه على دابَّتِه.
والمذهَبُ الأوَّلُ؛ لثُبوتِ الحديث السَّابق، وحِينَئِذٍ يُترَكُ القِياسُ.
فَرْعٌ: إذا وَطِئَ جارِيَتَه المباحةَ له التي لا يُوطَأُ مِثْلُها، فأَفْضاها
(1)
؛ عَتَقَتْ، قالَهُ ابنُ حَمْدانَ، وإنْ أَكْرَهَ رجُلاً يَزْنِي بها، فأفْضاها؛ فاحْتِمالانِ.
(وَإِذَا أَعْتَقَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ؛ فَمَالُهُ لِلسَّيِّدِ)، نَصَرَه في «المستوعب» و «الشَّرح» وغَيرهما، وقاله ابنُ مسعودٍ
(2)
وأَنَسٌ
(3)
، وهو قَولُ أكثرِهم، واحتجَّ جماعةٌ بخَبرِ ابن مسعودٍ أنَّه قال لغُلامه عُمَيرٍ: يا عُمَيرُ، سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقولُ:«أيُّما رجلٍ أعْتَقَ عبدَه؛ فمالُه للسَّيِّد» رواه الأثْرَمُ وابنُ ماجَهْ، وفيه ضعْفٌ
(4)
،
(1)
أي: خرق ما بين سبيليها. ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي 1/ 211.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (14618)، وابن أبي شيبة (21517)، والطبراني في الكبير (9157)، والبيهقي في الكبرى (10773)، عن عمران بن عمير، عن أبيه، وكان غلامًا لعبد الله بن مسعود، فأعتقه، ثم قال:«إنما مالك مالي» ، ثم قال:«هو لك» . عمران وأبوه مجهولان.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (14619)، وابن أبي شيبة (21518)، عن ابن سيرين، أن أنس بن مالك سأل عبدًا له عن ماله، فأخبره بمال كثير، فأعتقه، وقال:«مالك لك» . وصححه ابن حزم في المحلى (8/ 208).
(4)
أخرجه ابن ماجه (2530)، من طريق المطّلب بن زياد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن جدِّه عُمير، وهو مولى ابن مسعود، عن ابن مسعود رضي الله عنه به. وإسحاق بن إبراهيم بن عُمير المسعودي مجهول، ولكن تابعه عبد الأعلى بن أبي المساور: أخرجه الشّاشي في مسنده (823)، والبيهقي في الكبرى (10773)، فرواه عن عمران بن عمير، عن أبيه به. وعبد الأعلى متروك منكر الحديث، والحديث ضعفه البخاريّ والعقيليّ والبوصيري والألباني، وعدّه ابن عَدِيٍّ من مناكيره، ونقلَ عن البخاريّ أنه قال:(إسحاق بن إبراهيم بن عمران بن عُمير المسعودي لا يُتابع في رفع حديثه)، وقد روي عنه موقوفًا وتقدم. ينظر: التاريخ الكبير 1/ 379، الضعفاء للعقيلي 1/ 97، الكامل لابن عدي 1/ 544، الإرواء 1/ 171.
ولأِنَّ العبدَ ومالَه كانا للسَّيِّد، فأزال ملكَه عن أحدهما، فبَقِيَ ملْكُه في الآخَر؛ كما لو باعه.
(وَعَنْهُ: لِلْعَبْدِ)، وهو قَولُ النَّخَعِيِّ؛ لِمَا رَوَى نافعٌ عن ابنْ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أعْتَقَ عبدًا وله مالٌ؛ فمالُ العَبد له، إلاَّ أنْ يَشتَرِطَه السَّيِّدُ» رواه أحمدُ وأبو داودَ وابنُ ماجَهْ، بإسْنادٍ جيِّدٍ، لكِنْ قال أحمدُ: يَروِيهِ عُبَيدُ الله بنُ جعفرٍ من أهل مِصْرَ، وهو ضعيفٌ في الحَديث، وكان صاحبَ فقهٍ
(1)
.
حكمُ المدبَّر، وأمِّ الولد إذا مات سيِّدُها، والمكاتَبِ، ولهم أمْوالٌ؛ حكمُ العبد.
(1)
أخرجه أبو داود (3962)، والنسائي في الكبرى (4961)، وابن ماجه (2529)، والبيهقي في الكبرى (10764)، وصحح إسناده ابن حجر، والحديث أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543) - بلفظ البيع لا العتق -، وقال البخاري:(وعن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر في العبد)، واختُلف على نافع في لفظ الحديث، فقال بكير بن الأشجّ:«إلاّ أن يشترطه السّيد» ، وقال غيره:«إلاَّ أن يشترط المبتاع» ، والأخيرة رواية الجماعة كما قاله البيهقي، وقد اتفق عليها الشيخان، قال ابن حجر:(لكن أشار البيهقيّ إلى أنّ المتن شاذّ؛ لمخالفة ابن أبي جعفر غيره عن نافع، فإنّهم رووه بلفظ البيع لا العتق، وتُعقِّب باحتمال أن يكونا حديثين). ينظر: موافقة الخبر 2/ 393، فتح الباري 5/ 50.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ)، غَيرَ شَعْرٍ وسِنٍّ وظُفُرٍ، (مُعَيَّنًا)؛ كرأسه وإصبعه، (أَوْ مُشَاعًا)؛ كعُشره أوْ نِصفِه؛ (عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ)؛ لقَوله عليه السلام:«مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا له في مَمْلوكٍ؛ فهو حُرٌّ من ماله»
(1)
، وفي «الصَّحيحَينِ» مَعْناهُ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرةَ
(2)
، ولأِنَّه إزالةُ ملْكٍ عن بعضِ رقيقِه، فزال جميعُه؛ كالطَّلاق، ويُفارِق البَيعَ، فإنَّه لا يَحتاجُ إلى السِّعاية، ولا يَنْبَنِي على التَّغليب والسِّراية.
مسائلُ:
الأولى: إذا حَفَرَ بئرًا عُدْوانًا، أوْ نَصَبَ سِكِّينًا، فتَلِفَ عبدُه أوْ بعضُه، أوْ داواه وهو غَيرُ حاذقٍ
(3)
، أوْ حدَّه وزاد سَوطًا، أوْ ضَرَبَها على غسْلٍ مِنْ حَيضٍ لِيَطَأَها؛ فهل يَعتِقُ
(4)
؟ على وَجْهَينِ.
الثَّانيةُ: إذا قال لِحُرٍّ: اشترني مِنْ سيِّدي بهذا المالِ، وأعْتِقْنِي، ففعل؛ عَتَقَ، وعلى المشْتَرِي لسيِّده مِثْلُ ثَمَنِه المسمَّى، وله ولاؤه، وإن اشتراه بعَينِ المال؛ بَطَلَ العتقُ والشِّراءُ على المذهب.
الثالثة: إذا قال لأمتَيْهِ: إحداكما
(5)
حرَّةٌ، ولم ينوِ؛ حَرُمَ وطؤُهما معًا بدونِ قُرْعةٍ، فإنْ وطِئَ إحداهما؛ لم تَعتِق الأخرى، كما لو عيَّنها ثُمَّ نَسِيَها
(1)
أخرجه أبو عوانة بسند صحيح في مستخرجه (4732) بلفظ مقارب للفظ المذكور.
(2)
أخرجه البخاري (2504)، ومسلم (1503) بلفظ:«من أعتق شِقْصًا له في عبد، أُعتق كلّه، إنْ كان له مال، وإلَا يُستسعى غير مشقوق عليه» .
(3)
في (ق): صادق.
(4)
في (ظ): تعتق.
(5)
في (ق): إحداهما.
على المذهب.
الرَّابعةُ: إذا قال لِأَمَته: إنْ صَلَّيتِ مكشوفةَ الرَّأس فأنت حرَّةٌ قَبْلَه، فصلَّتْ كذلك؛ عَتَقَتْ، وقِيلَ: لا، جزم به أبو المعالي؛ لِبُطْلانِ الصِّفة بتقديم المشروط.
وإنْ قال: إنْ أقْرَرْتُ بكَ لزَيدٍ فأنت حُرَّةٌ
(1)
قَبْلَه، فأَقَرَّ له به؛ صحَّ إقرارُه فقط، وإنْ قال: إنْ أقررْتُ بكَ له فأنت حرٌّ ساعةَ
(2)
إقْرارِي؛ لم يَصِحَّا.
الخامِسةُ: إذا قال: عَبْدِي حرٌّ أوْ أمَتِي، ولم يَنوِ البَعْضَ؛ عَتَقَ الكلُّ، وقيل: أحدُهم بقُرعةٍ.
وفي «المغني» : إذا قال: امرأتي طالِقٌ وأمَتِي حرَّةٌ، ولم
(3)
ينوِ شيئًا؛ فقال أبو الخَطَّاب: تَطلُقُ
(4)
الكلُّ ويَعتِقْنَ؛ لأِنَّ الواحدَ المضافَ يَعُمُّ؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34]، رُوِيَ ذلك عن ابن عبَّاسٍ
(5)
.
وقال جماعةٌ: يَقَعُ على واحدةٍ مُبهَمةٍ، كما لو قال: إحداكنَّ طالِقٌ أوْ حُرَّةٌ، قال المؤلِّفُ: وهو أصحُّ إنْ شاء الله تعالى.
(وَإِنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ)؛ أيْ: أعْتَقَ من عبدٍ مُشتَرَكٍ، (وَهُوَ مُوسِرٌ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 113: حرٌّ.
(2)
قوله: (حرة ساعة) في (ق): حر ساعتي.
(3)
في (ظ): لم.
(4)
في (ظ): يطلق.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (1171)، وابن أبي شيبة (19062)، وأبو عبيد في الغريب (5/ 249)، والبيهقي في الكبرى (15134)، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، في رجل له ثلاث نسوة طلق إحداهن تطليقة، ولم تقع نيته على أحد منهن قال:«ينالهن من الطلاق ما ينالهن من الميراث» ، إسناده صحيح. قال أحمد في مسائل حرب 1/ 459:(ولو كان له نسوة، فقال: امرأته طالق. ذهبت إلى قول ابن عباس أنه يقع عليهن الطلاق).
بِقِيمَةِ بَاقِيهِ؛ عَتَقَ كُلُّهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نعلَمُه
(1)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا له في عبدٍ، وكان له ما يَبلُغُ ثَمَنَ العبدِ؛ قُوِّمَ عليه العبدُ قِيمةَ عَدْلٍ، فأعْطَى شُركاءَه حِصَصَهم، وعَتَقَ عليه العبدُ، وإلاَّ فقد عَتَقَ منه ما عَتَقَ» متَّفَقٌ عليه
(2)
، وفي «المغني»: مُقتَضَى نصِّه
(3)
: لا يُباعُ له أصْلُ مالٍ.
أوْ كاتَبه فأدَّى إليه
(4)
.
(وَعَلَيْهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ
(5)
أيْ: قِيمةُ
(6)
أنْصِباءِ شُرَكائه، والوَلاءُ له، قاله الجُمْهور.
وقال البَتِّيُّ: لا يَعتِقُ إلاَّ حصَّةُ المعتِقِ، ونصيب الباقِينَ باقٍ على الرِّقِّ، ولا شَيءَ على المعتِقِ.
وجَوابُه: حديثُ ابنِ عمرَ، وحديثُ أبي المَلِيح بنِ أُسامةَ عن أبيه: أنَّ رجلاً أعْتَقَ شِقْصًا له في مَمْلوكٍ، فرُفِعَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فجَعَلَ خَلاصَه عليه في ماله، وقال: «لَيسَ فيه
(7)
شَرِيكٌ» رواه أحمدُ، وفي لفظٍ له:«هو حُرٌّ كلُّه، لَيس لله عز وجل فيه شَرِيكٌ»
(8)
.
(1)
ينظر: المغني 10/ 298.
(2)
أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501).
(3)
أي: مقتضى نص الإمام أحمد في رواية ابن منصور: (لا يباع فيه دار، ولا رباع). ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4415، المغني 10/ 302.
(4)
أي: عتق. ينظر: الفروع 8/ 106.
(5)
في متن المقنع ص 289 زيادة: (يَوْمَ العِتْقِ لِشَرِيكِهِ).
(6)
في (ق): بقيمة.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المصادر الحديثية: لله.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (901)، وأحمد (20716)، وأبو داود (3933)، والنسائي في السنن الكبرى (4951)، والطحاوي في شرح المشكل (5382)، من طرق عن همّام بن يحيى، عن قتادة، عن أبي المليح، عن أبيه أسامة بن عمير الهذلي رضي الله عنه موصولاً، وأخرجه أبو داود (3933)، عن محمد بن كثير العبدي، عن همام، عن قتادة، عن أبي المليح مرسلاً، والأوَّل عن همام أصحّ، ومحمَّد بن كثير مختلف فيه، ضعفه ابن معين وغيره، واحتجّ به الشيخان في روايته عن غير همام، والحديث أخرجه أحمد (20709)، والنسائي في الكبرى (4952)، والطحاوي في شرح المشكل (5383)، من وجه آخر مرسلاً، ورجح إرساله أحمد والنسائي، وقال ابن حجر عن رواية الوصل:(إسنادها قوي). ينظر: المغني 10/ 299، تحفة الأشراف 1/ 65، الفتح 5/ 159.
تنبيهٌ: القِيمةُ تعتبَرُ وقتَ العتق؛ لأِنَّه وَقْتُ الإتْلافِ، وفي «الإرشاد» وَجْهٌ: يَومَ تقويمِه، فإن اختلفا فيها؛ رُجِع إلى أهل الخِبْرة، فإنْ تعذَّرَ فيُقبَلُ فيها قَولُ المعتِق.
وقيل: يَعتِقُ بدَفْع قِيمتِه، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
.
فلو أعتق شريكُه قَبلَها؛ فوجْهانِ، وله نصفُ القِيمة، قاله أحمدُ
(2)
، لا قِيمةُ النِّصف.
وهل يُقوَّمُ كامِلاً ولا عِتْقَ فيه، أوْ قد عَتَقَ؟ فِيهِ قَولان للعلماء، الأوَّل قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
؛ لظاهِرِ الخَبَر.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُ شَرِيكُهُ بَعْدَ ذَلِكَ)، وقَبْلَ أخْذِ القيمة؛ (لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فِيهِ عِتْقٌ)، في قَولِ الجمهور؛ لخَبَرِ ابنِ عمرَ، ولأِنَّه قد صار حُرًّا بعِتْقِ الأوَّلِ له.
وقِيلَ: لا يَعتِقُ إلاَّ بَعْدَ أداءِ القيمة، كما تقدَّم.
(وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ لَمْ يَعْتِقْ إِلاَّ نَصِيبُهُ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، (وَبَقِيَ حَقُّ شَرِيكِهِ فِيهِ)؛ أيْ: باقٍ على الرِّقِّ، فإذا أعْتَقَه شَريكُه؛ عَتَقَ عليه نصيبُه في قَولِ الأكثرِ، ورُوِيَ عن عروةَ: «أنَّه اشْتَرَى عَبْدًا فأعْتَقَ نصفَه، فكان يُشاهِرُه، شَهْرٌ
(1)
ينظر: الفروع 8/ 107، الاختيارات ص 287.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4380، الفروع 8/ 107.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 7/ 433، وفيه:(أصحهما الأول، وهو الذي قاله أبو العباس فيما أظن).
عَبْدٌ وشَهْرٌ حرٌّ»
(1)
.
(وَعَنْهُ: يَعْتِقُ كُلُّهُ، وَيُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ بَاقِيهِ، غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ)، نَصَرَه في «الانتصار» ، واختاره أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، وقاله الأوزاعيُّ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أعْتَقَ شِقْصًا له في مَمْلوكٍ؛ فعَلَيه أنْ يُعتِقَه إنْ كان له مالٌ، وإلَّا قُوِّمَ عليه، فاسْتُسْعِيَ به غَيرَ مَشْقُوقٍ عليه» متَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
، ولأِنَّ بها إفراز حقِّه، خرج عن يده، فيُسْتَسْعَى العبدُ في قيمته؛ لأِنَّها في ذمَّته، ويصيرُ حكمُه حكمَ الأحرار.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ الاِسْتِسْعاءَ إعْتاقٌ بعِوَضٍ، فلم يُجبَرْ عليه، كالكتابة، وحديثُ أبي هُرَيرةَ قد طَعَن فيه الأئمةُ، قال أبو عبد الله: (لَيَس في الاِسْتِسْعاء شَيءٌ يَثبُتُ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(4)
، وحديث أبي هريرةَ يَروِيهِ ابنُ أبي عَروبةَ، وأمَّا هِشامٌ وشُعبَةُ
(5)
ومَعمَرٌ؛ فلم يَذكُرُوه، وقد ذَكَرَ هَمَّام أنَّه من قَولِ أبي قَتادةَ وفُتْياهُ.
فَرْعٌ: يَعتِقُ على الموسِرِ ببَعْضه بِقَدره في المنصوص
(6)
.
(وإِذَا
(7)
كَانَ الْعَبْدُ لِثَلَاثَةٍ، لِأَحَدِهِمْ نِصْفُهُ، وَلآِخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِلثَّالِثِ سُدُسُهُ، فَأَعْتَقَ صَاحِبُ النِّصْفِ وَصَاحِبُ السُّدُسِ مَعًا)، بأنْ
(8)
تلفَّظا بالعتق مَعًا، أوْ علَّقاهُ على صِفَةٍ واحِدَةٍ، أو وَكَّلَا لشَخْصٍ في عِتْقِه، (وَهُمَا مُوسِرَانِ)؛
(1)
لم نقف عليه.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 109، الاختيارات ص 287.
(3)
أخرج البخاري (2504)، ومسلم (1503) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
ينظر: تهذيب الأجوبة ص 33.
(5)
في (ق): وعروة.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4415، مسائل صالح 2/ 73.
(7)
في (ق): فإذا.
(8)
في (ظ): فإن.
لاِخْتِصاصه بالسِّراية؛ (عَتَقَ عَلَيْهِمَا، وَضَمِنَا حَقَّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّ العِتْقَ بمنزلة الإتْلافِ، وقَدْ وُجِدَ منهما؛ يَتَساوَيانِ في ضَمانِه، كما لو جَرَحَه أحدُهما جُرْحًا، وَالآخَرُ أكبرَ
(1)
منه.
ويُفَارِقُ الشُّفْعةَ، فإنَّها تَثْبُتُ لِإِزالة الضَّرَر عن نَصيبِ الشَّريكِ الذي لم يَبِعْ، فكان اسْتِحْقاقُه على قدْر نصيبِه، ولأِنَّ الضَّمانَ ههُنَا لِدَفْعِ الضَّرر منهما، وفي الشُّفعة لِدَفْعِ الضَّرَر عنهما.
(وَصَارَ وَلَاؤُهُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا)؛ لأِنَّا إذا حَكَمْنا بأنَّ الثُّلُث مُعتَقٌ عَلَيهِما نِصفَينِ؛ فنِصفُه سُدُسٌ، إذا ضَمَمْناهُ إلى النِّصف صار ثُلَثَينِ، والسُّدسُ الآخَرُ إلى سُدسِ المعتِق؛ صارا ثُلثًا.
(وَيَحْتَمِلُ) - هذا الاِحْتِمالُ لأِبي الخَطَّاب -: (أَنْ يَضْمَنَاهُ عَلَى قَدْرِ مِلْكَيْهِمَا فِيهِ)؛ لأِنَّ السِّرايةَ حَصَلَتْ بإعْتاقِ ملْكِهِما، وما وَجَبَ بسبب الملك كان على قَدْره؛ كالنَّفقة واسْتِحقاقِ الشُّفْعة، فعلى هذا يَصِيرُ الوَلاءُ بَينَهما أرباعًا، لصاحب السُّدس رُبعُه، ولصاحبِ النِّصف ثلاثةُ أرْباعه.
ولو كان المعتِقُ صاحبَ النِّصف وصاحبَ الثُّلث؛ فعلى المذهب: لصاحب النِّصف الثُّلثُ والرُّبُعُ، ولصاحِب الثُّلثِ الرُّبعُ والسُّدسُ.
وعلى الاِحْتِمال: السُّدسُ بَينَهما أخْماسًا، لصاحب النِّصف ثلاثةُ أخْماسِه، ولصاحب الثُّلث خُمساهُ، فالعَبدُ على ثلاثِينَ سهمًا، لصاحب النِّصف ثمانيةَ عَشَرَ، وهي نصفٌ ونصفُ خُمُسٍ، ولصاحب الثُّلث اثْنَا عَشَرَ، وذلك خُمُساهُ.
ولو كان المعتِقُ صاحبَ الثُّلث والسُّدس؛ فَعَلَى المذهب: لصاحب الثُّلث ثُلثٌ ورُبُعٌ، ولصاحب السُّدس رُبُعٌ وسُدُسٌ.
(1)
في (ظ): أكثر.
وعلى الاِحْتِمال: النِّصفُ مَقْسومٌ بَينَهما، لصاحب الثُّلُث الثُّلثانِ، ولصاحب السُّدس الثُّلثُ، والضَّمانُ والوَلاءُ تابِعانِ للسِّراية.
(وَإِذَا أَعَتَقَ الكَافِرُ نَصِيبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، وَهُوَ مُوسِرٌ؛ سَرَى إِلَى بَاقِيهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، ذَكَرَه القاضِي، واخْتارَه في «المغْنِي» و «الشَّرح»؛ لِعُمومِ:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا له في عَبْدٍ»
(1)
، ولمَا علَّل به في حديثِ أبِي المَلِيح
(2)
، ولأِنَّه تقويمُ مُتلَفٍ، فاسْتَوَى فيه المسلِمُ والكافِرُ، كتَقْويمِ المُتْلَفاتِ.
والثَّاني: لا يَسْرِي، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ فيه تقديرَ الملكِ، والكافِرُ لا يَجُوزُ أنْ يتملَّك المسلِمَ.
ورُدَّ: بأن هذا لَيسَ بضَمانِ تمليكٍ، وإنَّما هو ضَمانُ إتْلافٍ.
ولَيسَ بجَيِّدٍ؛ إذ لو صحَّ لم يكن له وَلاءٌ، والفَرْضُ: أنَّ له الوَلاءَ على ما عَتَقَ عليه، فدلَّ على أنَّه يَدخُلُ في ملْكِه، ثُمَّ يَعتِقُ، والمحْذورُ مَغْمورٌ بما حَصَلَ من مصلحة العتق.
(وَإِذَا ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ أَنَّ شَرِيكَهُ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ، وَهُمَا مُوسِرَانِ؛ فَقَدْ صَارَ الْعَبْدُ حُرًّا؛ لاِعْتِرَافِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِحُرِّيَّتِهِ)؛ أيْ: مُعْتَرِفٌ بحُرِّيَّة نصيبِه، شاهِدٌ على شريكه بحُرِّيِّة نصفِه الآخَر؛ لأِنَّه يَقولُ لشَريكه: أعْتَقْتَ نصيبَك، فَسَرَى العِتْقُ إلى نَصِيبِي، فَعَتَقَ كلُّه عَلَيكَ، ولَزِمَكَ قِيمةُ نَصِيبِي، فقد صار العبدُ حُرًّا؛ لاِعْتِرافِهِما بحُرِّيَّته، (وَصَارَ مُدَّعِيًا عَلَى شَرِيكِهِ قِيمَةَ حَقِّهِ مِنْهُ)، فإنْ كان لأِحدِهما بيِّنةٌ؛ حُكِمَ بها، وإنْ لم يَكُنْ بيِّنةً؛ حَلَفَ كلُّ واحِدٍ منهما لصاحبه، وبَرِئَا، فإنْ نَكَلَ أحدُهما قُضِيَ عَلَيه، وإنْ نَكَلَا جميعًا سَقَطَ حقُّهما؛ لِتَماثُلِهما.
(وَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّه لا يدَّعِيهِ؛ لأِنَّه يَقُولُ لصاحبه: أنت
(1)
أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1510) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2)
تقدّم تخريجه 7/ 280 حاشية (8).
المعتِقُ، وولاؤه لك، لا حقَّ لي فيه.
ولا فَرْقَ في هذه الحالِ بَينَ المسلِم والكافِرِ؛ لِتَساوِي العَدْلِ والفاسِق في الاِعْتِراف والدَّعْوَى.
فإن اعترف به أحدُهما؛ ثبت له؛ لأِنَّه لا مستَحقَّ له سِواهُ، ولَزِمَه قِيمةُ نصيبِ شريكه؛ لاِعْتِرافِهِ بها، وله ولاؤه كلُّه، وإلاَّ فلِبَيت المال.
(وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ عِتْقَ المعسِر لا يَسْرِي إلى غَيرِه، بل هو شاهِدٌ على صاحبه بإعْتاقِ نصيبِه.
فإنْ كانا فاسِقَينِ؛ فلا أثَرَ لكلامِهما، وإن كانا عَدْلَينِ؛ عُمِلَ بشَهادتهما؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لا يَجُرُّ إلى نفسه نفعًا، ولا يَدفَعُ عنها ضَرَرًا.
وقِيلَ: في العِتق شاهِدٌ ويمينٌ.
فإنْ حَلَفَ مَعَهما؛ عَتَقَ كلُّه، وإنْ حَلَفَ مع أحدهما؛ عَتَقَ نصفُه، على الرِّواية الأخرى، ويَبقَى نصفُه رقيقًا، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ.
وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: لا يُصدَّق أحدُهما على الآخر، وذَكَرَه في «زاد المسافر» ، وعلَّله: بأنَّهما خَصمانِ، ولا شَهادةَ لخَصْم على خَصمِه.
(وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ؛ عَتَقَ حِينَئِذٍ)؛ لأِنَّه مُعتَرِفٌ بحرِّيَّته، (وَلَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِهِ)؛ لأِنَّ السِّرايةَ فرعُ الإعتاق، ولم يُوجَدْ منه ذلك، وإنَّما حُكِمَ عليه بالعتقِ؛ لاِعْتِرافِه أنَّ شَريكَه أعْتَقَه، ولا يَثبُتُ له عَلَيهِ ولاءٌ؛ لأنَّه لا يدَّعِي إعْتاقَه، بل يَعتَرِفُ بأنَّ المعتِقَ غَيرُه، وإنَّما هو مخلِّص له ممَّن يَسْتَرِقُّه، فهو كالأسير من أيدي الكفَّار.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَعْتِقُ جَمِيعُهُ)؛ لأِنَّه شِراءٌ حَصَلَ به الإعْتاقُ، أشْبَهَ شِراءَ بعضِ ولده.
وإنْ أكْذَبَ نفسَه في شهادته؛ لم يُقبَلْ في الأصحِّ.
وهل يَثبُتُ الوَلاءُ عليه إنْ أعْتَقَه؟ فيه احْتِمالانِ.
فإنِ
(1)
اشْتَرَى كلُّ واحِدٍ منهما نصيبَ صاحِبِه؛ فقد صار العبدُ حُرًّا كلُّه، ولا وَلاءَ عَلَيهِ.
(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا، وَالآْخَرُ مُعْسِرًا؛ عَتَقَ نَصِيبُ المُعْسِرِ وَحْدَهُ)؛ لأِنَّه قد صار حُرًّا بإعْتاقِ شَريكِه الموسِرِ الَّذي يَسْرِي عِتْقُه، ولم يَعتِقْ نصيبُ الموسِرِ؛ لأِنَّه يَدَّعِي أنَّ المعْسِرَ الَّذي لا يَسْرِي عِتقُه؛ أعْتَقَ نَصيبَه، فَعَتَقَ وَحْدَه.
ولا تُقبَلُ شهادةُ المعْسِرِ؛ لأِنَّه يَجُرُّ نَفْعًا بها؛ لكَونِه يُوجِبُ عليه بشهادته قيمةَ حِصَّتِه، فَعَلَى هذا: إنْ لم يَكُنْ للعبد بيِّنةٌ سِواه؛ حَلَفَ الموسِرُ، وبَرِئَ من القِيمة والعِتْقِ مَعًا، ولا وَلاءَ للمعتِق في نصيبه؛ لأِنَّه لا يدَّعيهِ، ولا للمُوسِرِ كذلك
(2)
، فإنْ عادَ المعْسِرُ، فأعْتَقَه وادَّعاه؛ ثبت له.
(وَإِذَا قَالَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ، فَأَعْتَقَ الْأَوَّلُ وَهُوَ مُوسِرٌ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ) نصيبُه بالعتق، ونصيبُ شَريكِه بالسِّراية، هذا اخْتِيارُ الأصحاب، ويُقَوَّمُ عليه نصيبُ شريكه، ولا يَقَعُ عِتْقُه؛ لأِنَّ السِّرايةَ سَبَقَتْ، فمَنَعَتْ عِتْقَ الشَّريك.
قال المؤلِّفُ: ويَحتَمِلُ أنْ يَعتِقَ عَلَيهما جميعًا، وله ولاؤه كلُّه.
وقِيلَ: يَعتِقُ على القائلِ كلُّه بالشَّرط، ويكونُ ولاؤه لهما.
(وَإِنْ كَان مُعْسِرًا؛ عَتَقَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَصِيبُهُ)؛ لأِنَّ عِتْقَ المعْسِرِ لا يَسْرِي إلى نصيبِ الشَّريك، فَوَقعَ عِتقُ الشَّريك؛ لأِنَّه وُجِدَ بشَرْطِ
(3)
عِتْقِه، ولم يُوجَدْ ما يَمنَعُ وُقوعَه، ويكونُ الوَلاءُ لهما.
(وَإنْ قَالَ: إِذَا أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ مَعَ نَصِيبِكَ، فَأَعْتَقَ نَصِيبَهُ؛ عَتَقَ
(1)
في (ق): وإن.
(2)
في (ق): لذلك.
(3)
في (ق): شرط.
عَلَيْهِمَا) في الأصحِّ، (مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا)، ولم يَلزَم المعتقَ شَيءٌ؛ لأِنَّ عِتْقَ شريكِه وَقَعَ مُقارِنًا للعِتْقِ المعلَّق ضرورة قوله:(فنصيبي حرٌّ مع نصيبك)، فلم تَجِدِ السِّرايةُ مَحَلًّا؛ لأِنَّها لا تُوجَدُ إلاَّ بَعْدَ عتقِ الأوَّل لنَصيبِه.
وقِيلَ: يَعتِقُ كلُّه على المعتِقِ؛ لأِنَّ إعتاقَ نصيبِه شرطُ عِتْقِ نصيب شريكه، فيَلزَمُ أنْ يكونَ سابِقًا عليه.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه أمْكَنَ العَملُ بمقتضى شَرْطِه، فَوَجَبَ العَمَلُ به.
مسائلُ:
الأولى: إذا قال: إذا أعتقتَ نصيبَك فنصيبي حُرٌّ قَبْلَ إعتاقِك؛ وقَعَا معًا إذا أعتق نصيبَه، هذا مُقْتَضَى قَولِ أبي بكرٍ والقاضي.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَعتِقُ كلُّه على المعتِق، ولا يَقَعُ إعْتاقُ شريكِه؛ لأِنَّه إعتاقٌ في زَمَنٍ ماضٍ.
وقال السَّامَرِّيُّ: يَعتِقُ جميعُه على القائل، ويَضمَنُ لشريكه قِيمةَ نصيبِه منه.
الثَّانيةُ: إذا كان له
(1)
نصفُ عَبدَينِ مُتَساوِيَيِ القيمةِ، لا يَملِكُ غيرَهما، فأعْتَقَ أحدُهما في صحَّته؛ عَتَقَ وسَرَى إلى نصيب شريكه، فإنْ أعْتَقَ النِّصفَ الآخَرَ عَتَقَ؛ لأِنَّ وجوبَ القيمة في ذِمَّته لا تَمنَعُ
(2)
صحَّةَ عِتْقِه، ولم يَسْرِ؛ لأِنَّه مُعْسِرٌ.
الثَّالثةُ: إذا قال لعَبدِه: أنت حرٌّ متى شئتَ، أو حيثُ شئتَ؛ لم يَعتِقْ حتَّى يَشاءَ بالقَول، فَورًا أوْ تراخِيًا، وكذا: أنتَ حرٌّ إنْ شِئْتَ.
وقِيلَ: يتوقَّف على المجلس؛ لأِنَّه بمنزلة التَّخْيِيرِ.
(1)
قوله: (له) سقط من (ق).
(2)
في (ق): لا يمنع.
فإنْ قال: أنت حرٌّ كيفَ شئتَ؛ احْتَمَلَ أنْ يعتِقَ في الحال، واحْتَمَل أنْ لا يَعْتِقَ حتَّى يشاءَ.
(وإنْ قال: جَعَلْتُ عِتقَك إليكَ، أوْ خيَّرتُك، ونوى تفويضَ العتق إليه، فأعْتَقَ نفسَه في المجلس؛ عَتَقَ، ويَتوجَّهُ كطلاقٍ)، قاله في «الفروع» .
(فَصْلٌ)
(وَيَصِحُّ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالصِّفَاتِ؛ كَدُخُولِ الدَّارِ، وَمَجِيءِ الْأَمْطَارِ)؛ لأِنَّه عِتْقٌ بصفةٍ، فصحَّ كالتَّدْبِيرِ، (وَلَا يَمْلِكُ إِبْطَالَهَا)؛ أيْ: إبطالَ الصِّفات (بِالْقَوْلِ)؛ لأِنَّه ألْزَمَ نفسَه شيئًا، فلم يَمْلِكْ إبطالَه بالقول؛ كالنَّذر.
وذكر ابنُ الزَّاغُونِيِّ روايةً: أنَّ له ذلك؛ كالبيع.
(وَلَهُ بَيْعُهُ، وَهِبَتُهُ، وَوَقْفُهُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ)؛ كإجارته؛ لأِنَّ ملْكَه باقٍ عليه؛ إذِ العِتْقُ لا يَقَعُ إلاَّ بعْدَ وجودِ الشَّرْط؛ لأِنَّ المعلَّق بشرطٍ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ الشَّرط.
وَلَهُ وَطْءُ الأَمَة على الأصحِّ، كالتَّدبيرِ.
وعنه: لا؛ لأِنَّ ملكه غيرُ تامٍّ.
والأوَّلُ هو المذْهَبُ، فمتى جاء الوقْتُ، وهو في ملْكِه؛ عَتَقَ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
، فإنْ خَرَجَ عنه ببيعٍ أو نحوِه؛ لم يَعتِقْ في قَولِ الأكثرِ.
فإنْ قال: إنْ أعْطَيْتَنِي ألْفًا فأنت حرٌّ؛ فهذه صفةٌ لازِمةٌ، لا سبيلَ للسَّيِّد ولا للعبد إلى إبطالها مع بقاء الملْكِ، فإنْ أَبْرَأَه السَّيِّدُ من الأَلْفِ؛ لم تَصِحَّ البراءةُ، ولم يَعتِقْ إلاَّ بِمَجيئِها، وما بَقِيَ في يد العبد بَعْدَ الألْفِ من كَسْبِه يكونُ لسيِّده، بخلاف الكتابة.
فَرْعٌ: لا يَعتِقُ قَبلَ وجودِ الصِّفة بكمالِها؛ كالجُعل في الجِعالة، وذَكَرَ القاضِي: أنَّ مِنْ أصْلِنا: أنَّ العِتْقَ المعلَّقَ بصفةٍ يُوجد
(2)
بوجود بعضها، كما لو قال: أنتَ حرٌّ إنْ أكَلْتَ رغيفًا، فأكَلَ نصفَه.
ولا يصحُّ ذلك لأمورٍ؛ منها: أنَّ موضوعَ الشَّرط في الكتاب والسُّنَّة
(1)
ينظر: المغني 10/ 333.
(2)
في (ظ): فوجد.
وأحْكامِ الشَّريعة على أنَّه لا يَثبُتُ المشروطُ بدونِ شَرْطِه
(1)
.
(فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ) بَعْدَ أنْ خَرج منه؛ (عَادَتِ الصِّفَةُ)؛ لأِنَّ التَّعليقَ وتحقُّقَ الشَّرطِ مَوجُودانِ في ملْكِه، فَوَجَب العملُ به، كما لو لم يَزُلْ ملْكُه عنه.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قَدْ وُجِدَتْ فِي حَالِ زَوَالِ مِلْكِهِ، فَهَلْ يَعُودُ بِعَوْدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
المنصوصُ عن أحمدَ: أنَّها لا تَعودُ
(2)
؛ لأِنَّها انْحَلَّتْ بوجودها
(3)
في ملْكِه، ولأِنَّ العِتْقَ مُعلَّقٌ بشَرْطٍ لا يَقْتَضِي التَّكرارَ، فإذا وُجِدَ مرَّةً؛ انْحَلَّتِ اليَمِينُ.
والثَّانيةُ: تَعُودُ؛ لأِنَّه لم تُوجَدِ الصِّفةُ التي يَعتِقُ
(4)
بها، أشْبَهَ ما لو عاد إلى ملْكِه قَبلَ وُجودِ الصِّفَة، ولأِنَّ الملْكَ مقدَّرٌ في الصِّفة، فكأنَّه قالَ: إذا دخلت الدَّارَ وأنتَ في ملْكِي فأنت حُرٌّ، ولم يُوجَدْ ذلك.
وفرَّق في «المغْنِي» و «الشَّرح» بَينَ الطَّلاق والعِتْقِ، مِنْ حَيثُ إنَّ النِّكاحَ الثَّانِيَ يَنْبَنِي على الأوَّلِ، والعِتْقُ بخَلافِه.
فَرْعٌ: إذا قال لعبدِه عَمْرٍو: إنْ دخلْتَ الدَّارَ فأنْتَ وعبدِي زَيدٌ حرَّانِ، فباعه، ثمَّ دَخَلَ الدَّارَ، أو قال: إنْ دخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ، وعبدِي زَيدٌ حرٌّ، ثُمَّ أبانَها، ثمَّ دَخَلَتْها؛ قال ابن حمدانَ: يَحتَمِلُ عِتْقُ زَيدٍ وعَدَمُه.
(وَتَبْطُلُ الصِّفَةُ بِمَوْتِهِ)؛ لأِنَّ ملكَه زالَ، فتَبطُلُ تصرُّفاته بزواله؛ كالبيع.
(فَإِنْ
(5)
قَالَ: إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ بَعْدَ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي
(1)
ينظر بقية الأوجه: المغني 10/ 335، الشرح الكبير 19/ 74.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 136.
(3)
زيد في (ق): فلم تعد كما لو انحلت بوجودها.
(4)
في (ق): تعتق.
(5)
في (ق): فلو.
بِشَهْرٍ؛ فَهَلْ يَصِحُّ، وَيَعْتِقُ بِذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ).
وفِيهِ مَسأَلَتانِ:
الأُولَى، وهي الأصحُّ في «الشَّرح»: أنَّ هذه الصِّفةَ لا تَنعَقِدُ؛ لأِنَّه علَّق عِتْقَه على صفةٍ تُوجَدُ بَعْدَ زَوالِ ملْكِه، فلم يصحَّ
(1)
، كما لو قال: إنْ دَخَلْتَ الدَّار بَعْدَ بَيْعِي إيَّاكَ فأنتَ حرٌّ، ولأِنَّه إعْتاقٌ له بَعْدَ قرارِ ملْكِ غَيرِه، فلم يَعتِقْ، كالمنجَّز.
والثَّانيةُ: يَعتِقُ، ذَكَرَه القاضي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه صرَّح، فحُمِلَ عَلَيهِ، كما لو وَصَّى بإعْتاقِه، وبِبَيعِ سِلْعَتِه ويَتصدَّقُ بِثَمَنِها، ويُفارِقُ التَّصرُّفَ بَعْدَ البيع، فإنَّ الله تعالى جَعَلَ للإنسان التَّصرُّفَ بَعْدَ مَوتِه في ثُلُثه، بخِلافِ ما بَعْدَ البيع.
الثَّانيةُ: إذا قال: أنتَ حرٌّ بَعْدَ مَوتِي بشَهْرٍ؛ فقال مُهَنَّى: سألتُ أحمدَ عن هذا فقال: هذا لا يكون شيئًا بَعْدَ مَوتِه
(2)
، واخْتارَه أبو بَكْرٍ؛ لمَا ذَكَرْنا في التي قَبْلَها.
والثَّانيةُ: يَعْتِقُ إذا وُجِدَت الصِّفةُ بَعْدَ الموت، ذَكَرَه القاضي وابنُ أبي موسى؛ لأِنَّ صحَّةَ التَّعليق تُوجِبُ وقوعَ العِتْقِ عِنْدَ شَرْطِه ضرورةً، فَعَلَى هذا: يكون قَبْلَ العِتْق ملكًا للوارِث، وكَسْبُه له؛ كأمِّ الولد.
وعلى الأُولَى: لا يَملِكُ
(3)
الورثةُ بَيعَه قَبْلَ فِعْلِه؛ كموصًى به قَبْلَ قَبوله.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتَهَا فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَدَخَلَهَا فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ؛ صَارَ مُدَبَّرًا)؛ لأِنَّه وُجِدَ شَرْطُ التَّدْبِير، وهو دخولُ الدَّار، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا لم يَدخُلْها في حياةِ السَّيِّد؛ لأِنَّه جُعِلَ ظَرْفًا لِوقوع الحُرِّيَّة، وذلك يَقتَضِي سَبْقَ
(1)
في (ظ): تصح.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 118، المغني 10/ 345.
(3)
في (ظ): تملك.
دخولِ الدَّار في الحياة، أنَّه للشَّرط
(1)
؛ إذِ الشَّرْطُ لا بُدَّ مِنْ سَبْقِه الجَزاءَ.
(فَإِنْ
(2)
قَالَ) الحُرُّ: (إِنْ مَلَكْتُ فُلَانًا فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فَهُوَ حُرٌّ؛ فَهَلْ يَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا يَصِحُّ ولا يَعتِقُ، رُوِيَ عن عليٍّ
(3)
، وابْنِ عبَّاسٍ
(4)
، وجابِرٍ
(5)
، وخَلْقٍ، وفي «المغْنِي»: هي ظاهر المذهَبِ؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ
(1)
قوله: (أنه الشرط) كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 3/ 465: ضرورة أنه الشرط.
(2)
في (ق): وإن.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11451)، وسعيد بن منصور (1030)، والبيهقي في الكبرى (14884)، من طرق عن جويبر، عن الضحاك، عن النَّزّال بن سَبْرة، عن علي موقوفًا. وأخرجه عبد الرزاق (11450)، وابن ماجه (2049)، والبيهقي في الكبرى (15658)، مرفوعًا، ومدارهما على جويبر بن سعيد، وهو ضعيف، ورجح الموقوف منه - على ضعفه -: العقيلي والدارقطني وغيرهما. وللموقوف طرق أخرى بألفاظ مختصرة: أخرجه ابن أبي شيبة (17816)، وحرب الكرماني (1/ 379)، وأخرجه البيهقي في الخلافيات (4328)، من طريق أخرى، وكلاهما لا يخلو من ضعف، وروي عنه مرفوعًا من وجوه أخرى ضعيفة. ينظر: الضعفاء للعقيلي 4/ 428، علل الدارقطني 4/ 141، التلخيص الحبير 3/ 454.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (11449)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: سأله مروان عن نسيب له وقت امرأة، إن تزوجها فهي طالق، فقال ابن عباس:«لا طلاق حتى تنكح، ولا عتق حتى تملك» ، إسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (11448)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 359)، والبيهقي في الكبرى (14885)، عن عطاء، عن ابن عباس. وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
(5)
ذكره الترمذي (3/ 478)، تعليقًا، ولم نقف عليه، وروي مرفوعًا: أخرجه الطيالسي (1876)، وعبد الرزاق (15919)، والحاكم (3572)، والبيهقي في الكبرى (14876)، من وجوه متعددة عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«لا طلاق لمن لا يملك، ولا عتق لمن لا يملك» ، واختلف في صحته، قال الدارقطني:(لا يصح عن جابر، وإنما رواه ابن المنكدر مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب)، ووافقه ابن الجوزي، وأعلَّه ابن حجر، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي والألباني. ينظر: العلل 3/ 74، العلل المتناهية 2/ 151، بلوغ المرام ص 330، الإرواء 6/ 174.
شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه مرفوعًا:«لَا عِتْقَ لاِبْنِ آدَمَ فِيما لا يَمْلِكُ، ولا طَلاقَ لاِبنِ آدَمَ فِيما لا يَملِكُ» ، قال التِّرمِذِيُّ:(هذا حديثٌ حَسَنٌ، وهو أحْسَنُ ما رُوِيَ في هذا البابِ)
(1)
، ولأِنَّه قَولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابة، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ، فكان كالإجماع، ولأِنَّه لا يَملِكُ تَنجِيزَ العِتْقِ، فلم يَملِكْ تَعلِيقَه؛ لقَولِه عليه السلام:«لَا عِتْقَ قَبْلَ ملْكٍ» رواه أبو داود الطَّيالِسِيُّ
(2)
.
والثَّانيةُ: يَعتِقُ إذا مَلَكَه، قَدَّمه في «الفروع» ، ونَقَلَه الجماعةُ
(3)
، واخْتارَه أصْحابُنا، قاله القاضِي وغَيرُه؛ لأِنَّ العِتْقَ مَقصودٌ من الملك، والنِّكاح لا يُقصَدُ به الطَّلاقُ.
وفرَّق أحمدُ
(4)
: بأنَّ الطَّلاقَ لَيسَ لله، ولا فيه قُرْبةٌ إلى الله تعالى، ولأِنَّه أضاف العِتْقَ إلى حالِ ملْكِ عِتْقِه فيه، أشْبَهَ ما لو كان التَّعليقُ في ملْكِه.
(وَإِنْ قَالَهُ العَبْدُ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ العبدَ لا يَصِحُّ منه العِتْقُ حِينَ التَّعليق؛ لكونِه لا يَملِكُ، وإنْ مَلَكَ فهو ملْكٌ ضعيفٌ غَيرُ مُسْتَقِرٍّ، لا يَتَمَكَّنُ من التَّصرُّف فيه، وللسَّيِّد انْتِزاعُه منه، بخِلافِ الحرِّ.
والثَّانِي: أنَّ العبدَ إذا قال ذلك، ثُمَّ عَتَقَ ومَلَكَ؛ عَتَقَ كالحرِّ.
(1)
أخرجه الطيالسي (2379)، وأحمد (6780)، والترمذي (1181)، وابن ماجه (2047)، وابن الجارود (743)، والطحاوي في شرح المشكل (660)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدِّه رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده حسن، وقد حسّنه الخطابي وابن عبد البرّ والألباني، وقال الترمذي:(سألتُ محمد بن إسماعيل - يعني البخاري -، فقلت: أيّ حديث في هذا الباب أصحّ في الطلاق قبل النكاح؟ فقال: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه)، وفي الباب عن علي بن أبي طالب وابن عبّاس وجابر بن عبد الله رضي الله عنهم تقدم تخريجه قريبًا، وصححه الألباني بمجموع شواهده. ينظر: العلل الكبير (302)، الاستذكار 6/ 189، البدر المنير 8/ 93، الإرواء 6/ 173.
(2)
هو ما تقدم تخريجه في الحاشية السابقة.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 114.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 235، مسائل ابن منصور 8/ 4456، الفروع 8/ 114.
فَرْعٌ: إذا قال الحرُّ: أوَّلُ عَبْدٍ أمْلكُه فهو حرٌّ؛ انْبَنَى على العتق قَبْلَ الملْكِ، وفيه رِوايَتانِ.
فإنْ لم يَمْلِكْ بَعْدَ واحِدٍ شيئًا؛ فَوَجْهانِ، وإنْ مَلَكَ اثْنَينِ معًا؛ فَقِيلَ: بِعِتْقِهما
(1)
؛ لأِنَّ الأوَّلِيَّةَ وُجِدَتْ فيهما جميعًا، كالمسابَقةِ وعَكْسِه.
وقِيلَ: واحِدٌ بقُرعةٍ، قدَّمه في «الشَّرح» ، ونَقَلَه مهنَّى في أوَّلِ غُلامٍ أو امرأةٍ تَطلُعُ: فهو حرٌّ أوْ طالِقٌ، وذَكَرَ المؤلِّفُ لَفْظَها: أوَّلُ مَنْ يَطلُعُ مِنْ عَبِيدِي
(2)
.
مسألةٌ: إذا قال لعبدِ غَيرِه: إنْ كلَّمْتُك فأنتَ حرٌّ، ثُمَّ مَلَكَه، ثُمَّ كلَّمه؛ لم يَعتِقْ.
(وَإِنْ قَالَ: آخِرُ مَمْلُوكٍ أشْتَرِيهِ فَهُوَ حُرٌّ، وَقُلْنَا بِصِحَّةِ الصِّفَةِ)؛ أيْ: صحَّةِ التَّعليق؛ لأِنَّ الحُرِّيَّةَ عُلِّقَتْ على الاِتِّصاف بالآخِرِيَّة، وقد وُجِدَتِ في الآخِرِ، (فَمَلَكَ عَبِيدًا، ثُمَّ مَاتَ؛ فَآخِرُهُمْ حُرٌّ مِنْ حِينِ الشَّرَاءِ)؛ لأِنَّه قد تَبَيَّنَّا أنَّه كان حُرًّا حِينَ مَلَكَه، (وَ) يَكونُ (كَسْبُهُ لَهُ)، وإنْ كانَ أَمَةً كان أوْلادُها أحْرارًا من حِينَ وَلَدَتْهُم؛ لأِنَّهم أوْلادُ حُرَّةٍ، وإنْ كان وَطِئَها؛ فَعَلَيهِ مَهرُها؛ لأِنَّه وَطِئَ حرَّةً أجنبيَّةً، ولا يَحِلُّ له وطْؤُها إذا اشْتَراها حتَّى يَشْتَرِيَ غَيرَها؛ لأِنَّه إذا لم يَشْتَرِ بعدَها غَيرَها، فهي آخِرُ في الحال، فإنْ مَلَكَ اثْنَينِ؛ فكأوَّل.
فَرْعٌ: إذا قال لعبدِ غَيرِه: أنت حرٌّ من مالِي، أوْ في مالِي؛ لم يَعتِقْ وإنْ رضِيَ سيِّدُه، نَصَّ عَلَيهِ
(3)
.
فلو قال لِأَمَتِه: كلُّ مَولودٍ تَلِدِينَه فهو حرٌّ؛ عَتَقَ كلُّ وَلَدٍ وَلَدَتْه في ملْكِه في قَولِ العامَّة، فإنْ باعَها، ثُمَّ وَلَدتْ؛ لم يَعتِقْ ولدُها؛ لِوَلادتها له بَعْدَ زوالِ ملْكِه.
(1)
في (ق): يعتقهما.
(2)
ينظر: المغني 10/ 339.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 115.
(وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ فَهُوَ حُرٌّ، فَوَلَدَتْ حَيًّا ثُمَّ مَيِّتًا؛ لَمْ يَعْتِقِ الْأَوَّلُ)؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ شَرْطُ عِتْقِه، ومُقْتَضَى قَوْلِ الشَّريف: أنَّه يَعتِقُ الحيُّ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ مَيِّتًا ثُمَّ حَيًّا؛ عَتَقَ الثَّانِي)؛ لوُجودِ شَرْطِه.
(وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأَشْكَلَ الآْخِرُ مِنْهُمَا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ أحدَهما اسْتَحقَّ العِتْقَ، ولم يُعلَم بعينه
(1)
، فوجه إخراجه بالقُرعة، كما لو قال: أحدُكما حُرٌّ.
تنبيهٌ: إذا قال لأمَته: أوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَه فهو حرٌّ، فَوَلَدتْ ميِّتًا، ثُمَّ حَيًّا؛ فعنه: يَعتِقُ الحيُّ، ذَكَرَه الشَّريفُ. وعَنْه: لا، وهو الصَّحيحُ، قال المؤلِّفُ: لأِنَّ شَرْطَ العتق إنَّما وُجِدَ من الميِّت، ولَيسَ بمَحَلٍّ للعتق، فانحلَّت اليمينُ به.
وإنْ قال: آخِرُ وَلَدٍ تَلِدِينَه فهو حرٌّ، فَوَلَدتْ حَيًّا ثُمَّ ميِّتًا، ثُمَّ لم تَلِدْ بَعْدَ ذلك شيئًا؛ ففي عِتْق الحيِّ رِوايَتانِ.
وإنْ قال: أوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَه فهو حُرٌّ، فَوَلَدت اثْنَينِ، وأشْكَلَ أوَّلُهما خُروجًا؛ عَتَقَ أحدُهما بالقُرعة.
وعنه: يَعتِقانِ جميعًا.
واختار في «التَّرغيب» : أنَّ معناهما
(2)
أنَّ أمَدَ مَنْعِ السَّيِّد منهما هل هو القُرْعةُ، أو الاِنْكِشافُ؟
وفي «الانتصار» احْتِمالٌ: لا يَعتِقُ وَلَدٌ حَدَثَ؛ كتعليقه
(3)
بملْكِه.
(وَلَا يَتْبَعُ وَلَدُ المُعْتَقَةِ بِالصِّفَةِ أُمَّهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ أيْ: إذا حَمَلَتْ بَعْدَ التَّعليق، وَوَضَعَتْ قَبْلَ وُجودِ الصِّفة، ثُمَّ وُجِدَتْ بَعْدَ ذلك؛ لم يَعتِق
(1)
في (ق): عينه.
(2)
في (ق): منعناهما.
(3)
في (ق): لتعليقه.
الوَلَدُ؛ لأِنَّ الصِّفةَ لم تتعلَّق به حالَ
(1)
التَّعليق، ولا في حال العِتْق.
والوجْهُ الثَّاني: أنَّه
(2)
يَتبَعُها في العتق، قِياسًا على وَلَدِ المدبَّرة.
وفرَّق القاضِي: بأنَّ ولد المدبَّرة يَعتِقُ بمَوتِ سيِّدها، سواءٌ كانت الأمُّ باقيةً على ملْكِ السَّيِّد، أوْ باعَها
(3)
، أوْ ماتَتْ قبلَه، ووَلَدُ المعلَّق عِتْقُها بصفةٍ لا يَعتِقُ إلاَّ بعِتْقِ أُمِّه.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ حَامِلاً بِهِ
(4)
حَالَ عِتْقِهَا، أَوْ حَالَ تَعْلِيقِ عِتْقِهَا)؛ أيْ: إذا علَّق عِتْقَ أَمةٍ بصفةٍ وهي حاملٌ؛ تَبِعَها وَلَدُها؛ كعُضْوٍ مِنْ أعضائها، فإنْ وَضَعَتْه قَبْلَ وجودِ الصِّفة، ثُمَّ وُجِدَت؛ عَتَقَ؛ لأِنَّه تابعٌ في الصِّفة، أشْبَهَ ما لو كان في البطن.
وإنْ كانَتْ حامِلاً حالَ التَّعليق، ثُمَّ وُجِدت الصِّفةُ وهي حامِلٌ؛ عَتَقَتْ هي وحَمْلُها؛ لأِنَّ العِتْقَ وُجِدَ فيها وهي حاملٌ، فتَبِعَها ولدُها؛ كالمنجَّز.
فَرْعٌ: إذا بَطَلَت الصِّفةُ بِبَيعٍ أوْ مَوتٍ؛ لم يَعتِق الولدُ؛ لأِنَّه لم يَصِرْ معتَقًا بصِفَةٍ.
(وَإِنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ وَعَلَيْكَ أَلْفٌ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ؛ عَتَقَ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، ذَكَرَه المتأخِّرون مِنْ أصحابنا؛ لأِنَّه أعْتَقَه بغَيرِ شَرْطٍ، وجَعَلَ عَلَيهِ عِوَضًا لم يَقبَلْه، فلم يَعتِقْ به
(5)
، ولم يَلزَمْه شَيءٌ، ونَصَرَه القاضي وأصحابُه؛ كقَوله: أنت حرٌّ، وعَلَيك مِائةٌ، على الأصحِّ.
(1)
في (ق): كمال.
(2)
في (ظ): أن.
(3)
في (ق): أباعها.
(4)
قوله: (به) سقط من (ظ).
(5)
قوله: (فلم يعتق به) كذا في النسخ الخطية، والذي المغني 10/ 337 والشرح الكبير 19/ 97 والممتع 3/ 467: فعتق.
(وَعَنْهُ: إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْعَبْدُ؛ لَمْ يَعْتِقْ)، نقله محمَّدُ بنُ جعفرِ
(1)
؛ لأِنَّ السَّيِّدَ قَصَدَ المعاوَضةَ، فإذا لم يَقبَل العبدُ؛ وَجَبَ أنْ يَبْقَى المالُ على ما كان عَلَيه.
(وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَقْبَلَ)، فإنْ لم يَقبَلْ لم يَعتِقْ في قَولِ الأكثرِ؛ لأِنَّه أعْتَقَه بِعِوَضٍ، فلم يَعتِقْ بِدُونِ قَبوله، كقوله: أنت حرٌّ بمائةٍ، أوْ بعتُك نفسَك بمائةٍ؛ لأِنَّ «على» تُستَعْمَلُ للشَّرْط والعِوَضِ، {قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)} [الكهف: 66]، و {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ} [القَصَص: 27]، ولو قال في النِّكاح: زوَّجْتُك فُلانةَ ابْنَتِي على خمسِمائةٍ، فَقَبِلَ الآخَرُ؛ صحَّ، وَوَجَبَ الصَّداقُ.
وقَولُه لِأَمَتِه: أعْتَقْتُكِ على أنْ تُزوِّجِينِي نفسَك؛ كقوله: على مائةٍ.
وإنْ أَباهُ؛ لَزِمَتْه القيمةُ.
وقِيلَ: يعتِقُ بقَبولها مَجَّانًا.
وَاخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ: لا يَعتِقُ إلاَّ بالأداء.
فإنْ باعه نفسَه بمالٍ في يَدِه؛ صحَّ على الأصحِّ، وعَتَقَ في الحال، وفي الولاء رِوايَتانِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي سَنَةً؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: يعتِقُ بلا قَبولٍ، وتَلزَمُه الخِدمةُ، نَصَّ عَلَيهِ.
(وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَعْتِقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ قَصْدَ المعاوَضة فيها ظاهِرٌ، فَعَلَى هذا: إذا قَبِلَ؛ عَتَقَ في الحال، ولَزِمَتْه خِدْمَتُه سنَةً.
فإنْ ماتَ السَّيِّدُ قَبْلَ كمالِ السَّنة؛ رُجِعَ على العبد بقيمةِ ما بَقِيَ من الخدمة؛ لأِنَّه إذا تعذَّر اسْتِيفاءُ العِوَضِ رُجِعَ
(2)
إلى قيمته؛ كالخُلع والصُّلح
(1)
ينظر: المغني 10/ 337.
(2)
في (ق): يرجع.
عن دمِ العمد
(1)
.
وهل للسَّيِّد بَيعُها؟ فيه رِوايَتانِ، ونَقَلَ
(2)
حَرْبٌ
(3)
: لا بأسَ بِبَيعها من العبد، أوْ ممَّن شاء، ولم يَذكُرُوا لو اسْتَثْنَى خِدمتَه مدَّةَ حياتِه، وذَكَرُوا صحَّته في الوقْف، وهذا مِثْلُه، بخِلافِ شَرطِ البائع خدمةَ المبِيعِ مدَّةَ حياتِه؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ يَختَلِفُ الثَّمَنُ لأِجْلِه.
فُرُوعٌ:
إذا قال: إنْ خَدَمْتَنِي سنةً فأنت حُرٌّ؛ لم يَعتِقْ حتَى يَخدُمَه، فإنْ ماتَ سيِّدُه فيها؛ لم يَعْتِقْ.
وإنْ قال: أنتَ حُرٌّ بشَرْطِ أنْ تَخدُمَ زَيدًا بَعْدَ مَوتِي سَنَةً؛ صحَّ على الأصحِّ، وعَتَقَ بذلك.
فإنْ أبْرَأَه زَيدٌ من الخدمة؛ عَتَقَ في الحال، وقِيلِ: بَعْدَ سَنَةٍ.
فإنْ كانت الخِدمةُ لِبِيعَةٍ، وهما نَصرانِيَّانِ، فأسْلَمَ العبدُ قَبْلَ تمامها؛ عَتَقَ في الحال، وهل تَلْزَمُه القِيمةُ لبقيَّة الخدمة؟ على رِوايَتَينِ
(4)
.
إذا قال لجاريةٍ: إنْ خَدَمْتِ ابْنِي حتَّى يَستَغْنِيَ فأنت حُرَّةٌ؛ لم تَعْتِقْ حتَّى تَخدُمَه إلى أنْ يَكْبَرَ وَيَسْتَغْنِيَ عن الرّضاع.
إذا قال: إنْ أَعْطَيْتَنِي مائةً فأنت حُرٌّ؛ فتعليقٌ مَحْضٌ، لا يُبطِلُه ما دام
(1)
في (ظ): العبد.
(2)
في (ق): نقل.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 121.
(4)
كتب في هامش (ظ): (وأطلقهما في «المحرر» و «الرعايتين» و «الحاوي الصغير» و «الفائق» وغيرهم، وذكره ابن أبي موسى فمن بعده، إحداهما: لا يلزمه ويعتق مجانًا، جزم به في «المنور»، وهو الصواب، والرواية الثانية: تلزمه القيمة لبقية الخدمة لتعذرها بعد إسلامه. قاله في «تصحيح الفروع»).
ملْكُه، ولا يَعتِقُ بإبْراءٍ، بل بِدَفْعِها، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، وما فَضَل عنها لسيِّده، ولا يَكفِيهِ أنْ يُعطِيَه مِنْ ملْكِه؛ إذْ لا ملْكَ له على الأصحِّ.
وهو كقَولِه لاِمْرأتِه: إنْ أعْطَيْتِنِي مائةً فأنت طالِقٌ، فأتتْ بمائةٍ مَغصوبَةٍ، ففي وُقوعه احْتِمالانِ، قاله في «التَّرغيب» ، والعِتْقُ مِثْلُه.
إذا قال: اشْتَرنِي من سيِّدي بهذا المالِ، وأعْتِقْني، فَفَعَلَ؛ عَتَقَ، ولَزِمَ مُشْتَرِيَهُ المسمَّى.
وكذا إن اشْتَراه بعَينه إنْ لم تَتَعيَّن النُّقودُ، وإلاَّ بَطَلَا.
وعنه: أَجْبُنُ عنه
(2)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 127.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 282، الفروع 8/ 121.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ؛ عَتَقَ عَلَيْهِ مُدَبَّرُوهُ، وَمُكَاتَبُوهُ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلادِهِ وَشِقْصٌ يَمْلِكُهُ)، وعَبْدُ عَبْدِه المأْذونِ، نَصَّ عَلَيهِ
(1)
، وإن اسْتَوعَبَهم دَينُ المأْذُون؛ لأِنَّ لَفْظَه عامٌّ فِيهِم، فيَعْتِقُونَ كما لو عيَّنهم.
ونَقَلَ مُهَنَّى: لا يَعتِقُ شِقْصٌ حتَّى يَنوِيَه
(2)
، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغَيره؛ لأِنَّه لا يَملِكُه كلَّه.
فَرْعٌ: إذا علَّق بشَرْطٍ قدَّمه أوْ أخَّرَه؛ فَسَواءٌ إنْ صحَّ تعليقُه بالملْك، ذَكَرَه المؤلِّفُ في «فتاويه» .
(وَإِنْ قَالَ: أَحَدُ عَبْدَيَّ حُرٌّ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ أحدَهما اسْتَحقَّ العِتْقَ، ولم يُعلَمْ عَينُه، أشْبَهَ ما لو أعتقَ المريضُ الجَمِيعَ ولم يَخرُجُوا مِنْ ثُلُثِه، (فَمَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ؛ فَهُوَ حُرٌّ مِنْ حِينَ أَعْتَقَهُ)؛ لأِنَّه تَعيَّنَ.
وظاهِرُه: أنَّه لَيسَ للسَّيِّد التَّعْيِينُ، وهو الأصحُّ، ولا للوارِثِ بَعْدَه.
فإنْ قال: أردتُ هذا بعَينِه؛ قُبِلَ منه، وعَتَقَ؛ لأِنَّ ذلك إنَّما يُعرَفُ مِنْ جِهَتِه.
وقَولُه: (مِنْ حين أعْتَقَه)؛ يُريدُ: أنَّ العَبْدَ إنْ كان اكْتَسبَ مالاً بَعْدَ العِتْقِ؛ فهو له دُونَ سيِّدِه؛ لأِنَّا تبيَّنَّا أنَّه اكْتَسَبَ في حالِ الحرِّيَّة.
(وَإِنْ مَاتَ؛ أَقْرَعَ الْوَرَثَةُ)؛ لأِنَّهم يَقُومُونَ مَقامَ مُورِّثِهِمْ.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيِّ)، فإنْ وَقَعَتْ على الميِّت؛ حَسَبْناهُ من التَّرِكة، وقَوَّمناهُ حِينَ الإعْتاقِ، سَوَاءٌ ماتَ في حياةِ سيِّده أوْ بَعْدَه
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4474، الروايتين والوجهين 3/ 316.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 316.
قَبْلَ القُرْعة.
فَعَلَيهِ: إنْ وَقَعَتْ على الحيِّ؛ نُظِرَ في الميِّت، فإنْ كان مَوتُه قَبْلَ مَوتِ سيِّده، أوْ بَعْدَه قَبْلَ قَبْضِ الوارِث له؛ لم يُحسَبْ
(1)
من التَّرِكة، فتَكونُ التَّرِكةُ الحيَّ وَحْدَه، فيَعتِقُ ثُلُثُه، وتُعتبَرُ قِيمةُ الإعتاق؛ لأِنَّه حِينَ الإتْلاف، وتُعتبَرُ
(2)
قِيمةُ التَّرِكة بأقلِّ الأمْرَينِ من حين الموت إلى حين قبض الوارث.
وقِيلَ: يُحسَب الميِّتُ من التَّرِكة.
وإنْ كان مَوتُه بَعْدَ قَبْضِ الوارِثِ له؛ حُسِبَ من التَّرِكة؛ لأِنَّه وَصَلَ إلَيهِم، وجَعَلْناهُ كالحيِّ في تقويمه معه.
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدًا ثُمَّ أُنْسِيَهُ؛ أُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ) في قِياسِ قَولِ أحمدَ، وقالَهُ اللَّيثُ؛ لأِنَّ مُستَحِقَّ العِتْقِ غَيرُ مُعيَّنٍ، أشْبَهَ ما لو عَتَقَ جميعُهم في مَرَضِ مَوتِه.
فإنْ لم يُقرَعْ؛ فإنَّه يُقبَلُ قَولُه في عِتْقِ مَنْ عيَّنَه
(3)
دُونَ غَيرِه، فإذا قال: أعتقتُ هذا؛ عتَقَ، ورَقَّ الباقُون.
وإنْ قال: أعْتَقْتُ هذا، لا بل هذا؛ عَتَقَا جميعًا.
وكذا إقرارُ وارِثٍ.
(فَإِنْ عُلِمَ بَعْدَهَا)؛ أيْ: بَعْدَ القُرعة (أَنَّ المُعْتَقَ غَيْرُهُ؛ عَتَقَ)؛ لِتَبَيُّنِ
(4)
أمْرِه، (وَهَلْ يَبْطُلُ عِتْقُ الْأَوَّلِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: أنَّه يَبطُلُ، ويُرَدُّ إلى الرِّقِّ؛ لأِنَّه تبيَّنَ له المعتَقُ، فيَعتِقُ دُونَ غَيرِه، كما لو لم يُقرَعْ.
(1)
في (ق): لم يحتسب.
(2)
في (ظ): ويعتبر.
(3)
في (ق): حينه.
(4)
في (ق): ليتبين.
والثَّانِي، وهو مُقْتَضَى قَولِ ابنِ حامِدٍ: أنَّهما يَعتِقانِ؛ لأِنَّ الأوَّلَ تَثبُتُ الحُرِّيَّةُ فيه بالقُرعة، فلا تَزُولُ
(1)
؛ كسائر الأحرار، وكما لو كانت القُرعةُ بحُكْمِ حاكِمٍ.
(1)
في (ق): فلا يزول.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ) المخوفِ، (وَلَمْ تُجِزِ
(1)
الْوَرَثَةُ؛ اعْتُبِرَ مِنْ ثُلُثِهِ)؛ لأِنَّه عليه السلام لم يُجِزْ عِتْقَ الَّذي أعْتَقَ ستَّةَ مَمْلُوكِينَ في مَرضِ مَوتِه إلاَّ ثُلثَهم
(2)
، ولأِنَّه تبرُّعٌ بمالٍ، أشْبَهَ الهِبَةَ، وكالتَّدبير، والوصيَّة بالعتق.
فعلى هذا: ما زاد على الثُّلث إنْ أجازه الوارِثُ؛ جَازَ، وإنْ رَدَّه؛ بَطَلَ؛ لأِنَّ الحقَّ له.
(وَإِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ عَبْدِهِ فِي مَرَضِهِ، أَوْ دَبَّرَهُ)؛ بأنْ قال: إذا مِتُّ فنِصفُ عَبْدِي حرٌّ، ثُمَّ ماتَ، (وَثُلُثُه يَحْتَمِلُ جَمِيعَهُ؛ عَتَقَ جَمِيعُهُ) على المذهب، وهو قَولُ أكثرِ الفقهاء؛ لأِنَّه يَزولُ
(3)
التَّدبير كالعِتْق بالسِّراية؛ لأِنَّه إعْتاقٌ لبعضِ عبدِه، فيَعتِقُ جميعُه، كما لو أعتقه في حياته.
وشَرْطُه كما ذَكَرَه: أنْ يكونَ ثُلثُ المريض يَحتَمِلُه؛ لأِنَّ تصرُّف المريضِ بالمباشَرة في الزَّائد عن الثُّلث لا يَصِحُّ؛ فَلَأَنْ لا يَسْرِيَ فيه بطريقِ الأَوْلى، فلو ماتَ العبدُ قَبْلَ سيِّده؛ عَتَقَ بِقَدْر ثُلثه.
(وَعَنْهُ: لَا يَعْتِقُ إِلاَّ مَا أَعْتَقَ)؛ لأِنَّه لا يَمنَعُ جَوازَ البيع، فلم يَسْرِ؛ كتعليقه بالصِّفة في الحياة.
فَرْعٌ: إذا دبَّر أحدُ الشَّريكَينِ نصيبَه؛ صحَّ، ولم يَلزَمْه لشريكه في الحال شيءٌ، فإذا مات عتَق الجزْءُ المدبَّرُ إذا خرج من ثُلثه، وفي سِرايَتِه في نصيب الشَّريك الخِلافُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، أَوْ دَبَّرَهُ، وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُ بَاقِيَهُ؛
(1)
في (ق): ولم يجز.
(2)
أخرجه مسلم (1668).
(3)
قوله: (لأنه يزول) كذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 19/ 110: لأنهم يرون.
أُعْطِيَ الشَّرِيكُ)؛ أيْ: قِيمةَ باقِيهِ بتقْديرِ الحُكْم بالحرِّيَّة
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «وَأَعْطَى شُرَكاءَه حِصَصَهم
(2)
، (وَكَانَ جَمِيعُهُ حُرًّا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، ويُعْطَى الشَّريكُ قيمةَ نصيبه من الثُّلث؛ لأِنَّ ملْكَ المعتِق لِثُلث المالِ تامُّ التَّصرُّف فيه بالتَّبرُّع، فهو كمالِ الصَّحيح الموسِرِ
(3)
(وَالْأُخْرَى: لَا يَعْتِقُ إِلاَّ مَا مَلَكَ مِنْهُ)؛ أيْ: حصَّتُه فقط؛ لأِنَّ ملْكَه يَزولُ إلى ورثته بمَوتِه، فلا يَبقَى شيءٌ يُقضَى منه الشَّريكُ.
لكن قال القاضِي: ما أعْتَقَه في مرض موته سَرَى، وما دبَّره أو أوْصَى
(4)
بعِتْقه؛ فلا، فالرِّواية في سِرايَة العِتْق في حال الحياة أصحُّ، والرِّوايةُ في وُقوفِه في التَّدبير أصحُّ؛ لأِنَّ العِتْقَ في الحياة يَنفُذُ في حالِ ملْك المعتِق وصحَّةِ تصرُّفه، وتصرُّفه في ثُلُثه كتصرُّف الصَّحيح في ماله كلِّه، وأمَّا التَّدبير والوصيَّةُ فإنَّما يَحصُلُ العِتْقُ به في حال زوالِ ملكِ المعتِق وتصرُّفاته.
(وَلَوْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سِتَّةَ أَعْبُدٍ، قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، وَثُلُثُهُ يَحْتَمِلُهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يَسْتَغْرِقُهُمْ؛ بِيعُوا فِي دَيْنِهِ).
وجُملتُه: أنَّ المريضَ إذا أعْتَقَ عَبِيدَه، أوْ دبَّرهم، وهم يَخرُجون من ثُلثه في الظَّاهِر، فأعْتَقْناهم، ثُمَّ ماتَ، فَظَهَرَ عَلَيهِ دَينٌ يَستَغْرِقُهم؛ تبيَّنَّا بُطْلانَ عِتْقِهم، فيُباعُونَ في الدَّين، ويَكونُ عِتْقُهم وصيَّةً، والدَّينُ مقدَّمٌ على الوصيَّةِ، ولأِنَّ الدَّينَ يُقدَّمُ
(5)
على المِيراث بالاِتِّفاق، ولهذا يُباع في قَضاءِ الدَّينِ؛ لقَوله تعالى:{مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النِّسَاء: 11]، ورَدَّ ابنُ أبي لَيلى
(1)
في (ق): بالمحرمية.
(2)
أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
في (ظ): والموسر.
(4)
في (ق): وصى.
(5)
في (ق): مقدم.
عبْدًا أعْتَقَه سيِّدُه عِنْدَ الموت وعليه دَينٌ، فاسْتَحْسَن ذلك أحمدُ رضي الله عنه
(1)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَعْتِقَ ثُلُثُهُمْ)، هذا روايةٌ ذَكَرَها أبو الخَطَّاب، فَعَلَى هذا: يَعتِقُ منه بِقَدْر الثُّلث، ويُرَدُّ الباقِي؛ لأِنَّ تصرُّف المريض في ثلثِه كتصرُّف الصَّحيح في ماله، وكما لو لم يَكُنْ عَلَيهِ دَينٌ.
ولأِنَّه تبرُّعٌ في مَرَض مَوتِه بما يُعتَبَرُ خُروجُه من الثُّلث، فقُدِّمَ عَلَيهِ الدَّينُ كالهبة
(2)
.
فإنْ قال الوَرَثةُ: نحن نُمْضِي العتقَ، ونَقْضِي الدَّينَ؛ لم يَنفُذْ في وَجْهٍ؛ لأِنَّ الدَّينَ كان مانِعًا منه، فيكون باطلاً، ولا يَصِحُّ بزوال المانع بَعدَه.
وفي آخرَ: يَنفُذُ العِتْقُ؛ لأِنَّه إذا سَقَطَ الدَّينُ؛ وَجَبَ نُفوذُه.
وقِيلَ: أصلُهما: إذا تصرَّف الورثةُ في التَّركة ببيعٍ وغيرِه، وعلى الميِّت دَينٌ، وقُضِيَ الدَّينُ؛ هل يَنفُذُ؟ فيه وجْهانِ.
فرعٌ: إذا أعْتَقَ المريضُ ثلاثةَ أعْبُدٍ لا مالَ له غَيرُهم، فأقْرَعَ الورثةُ، فأعْتَقُوا واحدًا وأرَقُّوا اثنَينِ، ثُمَّ ظَهَرَ عليه دَينٌ يَستَغْرِقُ نصفَهم؛ فوَجْهانِ:
أحدهما: تَبطُل القُرعةُ.
والثَّاني: لا، فيُقالُ للورثة: اقضُوا ثُلثَي الدَّينِ، وهو بقدرِ قيمةِ نصفِ العَبدَينِ اللَّذَينِ بَقِيَا، إمَّا من العبيد أو من غَيرِهم، ويَجِبُ ردُّ نصف العبد الذي عَتَقَ، فإن كان الذي أعْتَقَ العَبدَينِ؛ أَقرَعَ بَينَهما، فإذا خرجتْ لأِحدِهما، وكان بقَدر السُّدس من التَّركة؛ عَتَقَ وبِيعَ الآخَرُ في الدَّين، وإنْ كان أكثرَ منه؛
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4498.
(2)
قوله: (ولأِنَّه تبرُّعٌ في مَرَض مَوتِه بما يُعتَبَرُ خُروجُه من الثُّلث، فقُدِّمَ عَلَيهِ الدَّينُ كالهبة) تعليلٌ للقول الأول، ولذلك ذكره في المغني والشارح تعليلاً للمذهب، في كون الأعبُد يُباعون في الدَّين، خلافًا لما يوهمه كلام المصنف من أنه دليل للقول الثاني. ينظر: المغني 10/ 329، الشرح الكبير 19/ 115.
عَتَقَ بقَدْر السُّدس، فإن كان أقلَّ؛ عَتَقَ، وعَتَقَ من الآخَر تمامُ السُّدسِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُمْ، فَأَعْتَقْنَا ثُلُثَهُمْ، ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ مَالٌ يَخْرُجُونَ مِنْ ثُلُثِهِ؛ عَتَقَ مَنْ أُرِقَّ مِنْهُمْ)؛ أيْ: إذا أعْتَقَ عبيدَه في مرضه، لم يَعتِقْ منهم إلاَّ الثُّلثُ، ويَرِقُّ الثُّلثانِ إذا لم يُجِزِ الورثةُ.
فإذا فُعِل ذلك، ثُمَّ ظَهَر له مالٌ بقدر ثُلثَيهم؛ تبيَّنَّا أنَّهم عَتَقُوا حِينَ أعْتَقَهم؛ لأِنَّ تصرُّفَ المريض في ثُلُثِ ماله نافِذٌ، وقد بانَ أنَّهم ثُلثُ ماله، وخَفاءُ ذلك علينا لا يَمنَعُ كَونَه مَوجُودًا، فلا يَمنَعُ كَونَ العتق واقِعًا، فعلى هذا: يكونون أحرارًا من حين أعتقهم، وكَسْبُهم لهم.
وإِنْ كان تصرَّفَ فيهم ببيعٍ ونحوِه؛ كان باطِلاً، وإنْ كانوا قد تصرَّفوا؛ فحُكمُهم كالأحرار، فلو تزوَّج منهم عبدٌ بغَيرِ إذْنِ سيِّده؛ كان نكاحُه صحيحًا، وَوَجَبَ عليه المهرُ.
وإنْ ظَهَرَ له بقدر قيمتهم؛ عَتَقَ ثُلثاهم؛ لأِنَّه ثلثُ جميعِ المال، وإنْ ظَهَرَ له مالٌ بقدر نصفهم؛ عَتَقَ نصفُهم، وإنْ كان بقدر ثلثِهم؛ عَتَقَ أربعةُ أتْساعِهم، وعلى هذا الحِسابُ.
(وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ مَالٌ؛ جَزَّأْنَاهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، كُلُّ اثْنَيْنِ جُزْءًا، وَأَقْرَعْنَا بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ
(1)
حُرِّيَّةٍ وَسَهْمَيْ رِقٍّ، فَمَنْ خَرَجَ لَهُ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ؛ عَتَقَ، وَرَقَّ الْبَاقُونَ) في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لقوله تعالى:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ} [آل عِمرَان: 44]، وقوله تعالى:{فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141)} [الصَّافات: 141]، وعن عِمرانَ بنِ حُصَينٍ:«أنَّ رجلاً من الأنصارِ أعْتَقَ ستَّةَ مَمْلوكَينِ في مَرضِه، لا مالَ له غَيرُهم، فجزَّأهم النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ثلاثةَ أجْزاءٍ، فأعْتَقَ اثنَينِ، وأَرَقَّ أربعةً، وقال له قَولاً شديدًا» رواهُ الجماعةُ إلاَّ البُخارِيَّ
(2)
، قال
(1)
في (ق): بسهمي.
(2)
أخرجه مسلم (1668)، وأبو داود (3958)، والترمذي (1364)، والنسائي (1958)، وابن ماجه (2345).
أحمدُ: (في القُرعة خمسُ سُنَنٍ)
(1)
، وأجْمَعُوا على استعمالها في القِسمة، وإذا أراد الرَّجلُ السَّفرَ بإحْدى نسائه، وكذا إذا تشاحَّ الأولياءُ في التَّزويج، أو مَنْ يتولَّى القِصاصَ
(2)
، ولأِنَّه حقٌّ في تفريقه ضَرَرٌ، فَوَجَبَ جَمْعُه بالقرعة؛ كقِسمة الإجبار مع الطَّلَب.
وبذلك يَبطُل قَولُ الخصم: إنَّه مخالِفٌ للقياس، ثمَّ لو سُلِّم؛ فالحجَّةُ الحديثُ مطلَقًا.
فَعَلَى هذا: لا بدَّ من تساوِي القيمةِ والعَدَدِ فيهم؛ كثلاثةٍ أوْ ستَّةٍ أوْ تسعةٍ، قِيمة كلِّ واحدٍ منهم مِثْلُ قيمة الآخَر، فإنْ كانوا مُتَساوِي العَدد دُونَ القيمة؛ كستَّةِ أعْبُدٍ قيمةُ اثنَينِ ثلاثُمائةٍ ثلاثُمائةٍ
(3)
، واثنَينِ مِائتانِ مِائتانِ، واثنَينِ مائةٌ مائةٌ؛ جعلتَ الاِثنَينِ اللَّذَينِ قِيمتُهما أربعُمائةٍ جزءًا، وكلَّ واحدٍ من اللَّذَينِ قِيمتُهما مائةٌ مائةٌ
(4)
مع كلِّ واحدٍ من الأُولَيَينِ جزءًا.
وظاهِرُ المتن: أنَّه لا فَرقَ بَينَ أنْ يُعتِقَهم في دفعةٍ واحدةٍ أوْ دفعاتٍ، وأنَّ العطايا يساوى بَينَ متقدِّمها ومتأخِّرها.
(1)
ينظر: مسائل صالح 2/ 103.
(2)
ينظر: المغني 10/ 321.
(3)
قوله: (ثلاثمائة) سقط من (ظ).
(4)
قوله: (مائة) سقط من (ق).
فَصلٌ في كَيفيَّة القُرْعة
قال أحمدُ: قال سعيدُ بنُ جُبَيرٍ: يُقرَع بَينَهم بالخَواتيمِ، أَقْرَعَ بَينَ اثنَينِ في ثَوبٍ، فأخرج خاتَمَ هذا وخاتَمَ هذا، ثمَّ قال: يُخرِجونَهُما، ثمَّ يَدفَع
(1)
إلى رجلٍ، فيُخرِجُ منهما
(2)
واحدًا، قال أحمدُ: بأيِّ شَيءٍ خرجت ممَّا يتَّفِقانِ عليه؛ وقع الحكم به، سَواءٌ كان رِقاعًا أوْ خواتيمَ
(3)
.
وقال أصحابُنا المتأخِّرون: الأَوْلى أنْ يَقطَع رقاعًا صغارًا مستويةً، ثمَّ تُجعَلَ في بَنادِقِ شَمْعٍ أو غَيرِه، متساويةَ القدر، ثُمَّ تُلْقَى في حِجْرِ واحِدٍ لم يَحضُرْ، ويُغطَّى عَليها بثَوبٍ، ثمَّ يُقالَ له: أدْخِلْ يَدَكَ، فأخْرِجْ بُندُقةً، فيَفُضُّها، ويُعلَمُ ما فيها.
وفي كَيفيَّتها طُرُقٌ، وستأتي
(4)
في القسمة إنْ شاء الله تعالى.
(وَإِنْ كَانُوا ثَمَانِيَةً؛ فَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمُ بَسَهْمَيْ حُرِّيَّةٍ، وَخَمْسَةِ رِقٍّ، وَسَهْمٍ لِمَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ خُروجُ الثُّلث بالقُرعة، فكَيفَ اتَّفَقَ حصل ذلك الغَرَضُ.
(وَإِنْ شَاءَ جَزَّأَهُمْ أَرْبَعَةَ أَجْزَاءٍ، وَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ بِسَهْمِ حُرِّيَّةٍ، وَثَلَاثَةِ رِقٍّ، ثُمَّ أَعَادَ الْقُرْعَةَ بَيْنَهُمْ لِإِخْرَاجِ مَنْ ثُلُثَاهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه يَجعَلُ كلَّ اثنَينِ جُزءًا، ويُقرِعُ بَينَهم بما ذُكِرَ؛ لِيَظهَرَ الفريق
(5)
المعتق من غَيرِه، ويُعيدُ القرعةَ؛ ليَظهَرَ مَنْ ثُلثاهُ حُرٌّ.
(1)
في (ق): تدفع.
(2)
في (ق): منها.
(3)
ينظر: المغني 10/ 321.
(4)
في (ظ): وسيأتي.
(5)
في (ظ): التفريق.
(وَإِنْ فَعَلَ غَيْرَ ذَلِكَ؛ جَازَ)؛ بأنْ يَجعَلَ ثلاثةً جُزءًا
(1)
، وثلاثةً جزءًا
(2)
، واثنَينِ جُزءًا، فإنْ خَرَجَت القرعةُ على الاِثنَينِ؛ عَتَقَا، ويُكمَّل
(3)
الثُّلثُ بالقُرعة من الباقِينَ، وإنْ خرجتْ لثلاثةٍ أقْرَعَ بَينَهم بسهْمَيْ حريَّةٍ وسهمِ رِقٍّ، ثُمَّ أُعِيدت القرعةُ بَينَهم، فمَن وَقَعَ له سهمُ العتق؛ عَتَقَ ثُلُثاهُ، فإنْ كان جميعُ ماله عَبدَينِ؛ أقْرَعْنا بَينَهما
(4)
بسَهْمِ حرِّيَّةٍ وسَهْمِ رِقٍّ على كلِّ حالٍ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا مِائَتَانِ، وَالآْخَرِ ثَلَاثُمِائَةٍ؛ جَمَعْتَ قِيمَتَهُمَا، وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَجَعَلْتَهَا الثُّلُثَ)، هذا إذا لم يُجِزِ الورثةُ عِتْقَهما؛ عَتَقَ ثُلثُهما، وكَمِّل الثُّلثَ في أحدهما، فتَجمَعُ قِيمَتَهما، فتكونُ خمسَمائةٍ، (ثُمَّ أَقْرَعْتَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ ضَرَبْتَهُ فِي ثَلَاثَةٍ)؛ أيْ: تَضرِب قِيمتَه في ثلاثةٍ، ونَسَبْنَا قِيمَتَهما إلى المرتَفِع بالضَّرب، فما خَرَجَ من النِّسبةِ؛ عَتَقَ من العَبْدِ بقَدْره، (تَكُنْ سِتَّمِائَةٍ، ثُمَّ نَسَبْتَ مِنْهُ خَمْسَ المائَةِ)؛ لأِنَّها الثُّلثُ تقديرًا، (يَكُنِ الْعِتْقُ فِيهِ خَمْسَةَ أَسْدَاسِهِ)؛ لأِنَّ خمسَمائةٍ من ستِّمائةٍ: خمسةُ أسْداسِها، (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى الآْخَرِ)، وهو الذي قيمتُه ثلاثُمائةٍ؛ (عَتَقَ مِنْهُ
(5)
خَمْسَةُ أَتْسَاعِهِ)؛ لأِنَّك إذا ضربتَ قِيمتَه، وهي ثلاثُمائةٍ في ثلاثةٍ كانَتْ: تسعَمائةٍ، فإذا نَسَبْتَ خمسَمائةٍ كانت خمسةَ أتْساعها.
(وَكُلُّ شَيْءٍ يَأْتِي مِنْ هَذَا فَسَبِيلُهُ أَنْ يُضْرَبَ فِي ثَلَاثَةٍ، لِيَخْرُجَ بِلَا كَسْرٍ)، هذا قَولُ مَنْ يَرَى جَمْعَ العِتْق في بعض العبد بالقُرعة.
(وَإِنْ أَعْتَقَ وَاحِدًا)؛ أيْ: غَيرَ مُعَيَّنٍ، (مِنْ ثَلَاثَةِ أَعْبُدٍ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي
(1)
في (ق): أجزاء.
(2)
في (ق): أجزاء.
(3)
في (ظ): تكمل.
(4)
في (ق): بينهم.
(5)
قوله: (عتق منه) في (ق): يكن العتق.
حَيَاةِ سَيِّدِهِ؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيَّيْنِ)، هذا هو الأصحُّ.
وقِيلَ: يُقرع بَينَهما دُونَ الميِّت.
وعلى الأوَّل: (فَإِنْ وَقَعَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى المَيِّتِ؛ رَقَّ الآْخَرَانِ)؛ كما لو كانوا أحْياءً، (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَى أَحَدِ الْحَيَّيْنِ؛ عَتَقَ إِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ)؛ لأِنَّ تصرُّفَ المريض معتَبَرٌ من الثُّلث، بخِلافِ الأُولَى، فإنَّه لم يُشرَطْ فيها؛ لأِنَّ الميِّتَ إنْ كان وَفْق
(1)
الثُّلثِ؛ فلا إشْكالَ فيه، وإنْ كان أكثرَ؛ فالزَّائدُ عن الثُّلث هَلَكَ على مالكه، وإنْ كان
(2)
فلا يَعتِقُ من الآخَرَينِ شَيٌ؛ لأِنَّه لم يُعتِقْ إلاَّ واحدًا.
(وَإِنْ أَعْتَقَ الثَّلَاثَةَ فِي مَرَضِهِ، فَمَاتَ أَحَدُهُمْ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ؛ فَكَذَلِكَ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ)؛ أيْ: يُقْرَعُ بَينَه وبَينَ الحَيَّينِ؛ لأِنَّ الحُرِّيَّةَ إنَّما تَنفُذُ من
(3)
الثُّلث، أشْبَهَ ما لو أعتق واحدًا منهم.
لا يُقال: لَيس
(4)
حُكمُ عتقِ الثَّلاثة لَيسَ كحكمه
(5)
عِتق أحدِهم في بعض الصُّوَر؛ لأِنَّ الميِّتَ لو كانت قيمتُه أقلَّ من الآخَرَينِ؛ فمع وقوع القُرعة عليه تُكمَّل
(6)
من الآخَرَينِ، والمرادُ به: التَّشبيه في نفس القرعة، من غير تعرُّضٍ للقيمة.
(وَالْأَوْلَى: أَنْ يُقْرَعَ بَيْنَ الْحَيَّيْنِ وَيُسْقَطَ حُكْمُ المَيِّتِ)؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ في خروجه من الثُّلث بحالة الموت، وحالةُ الموت إنَّما كان له العَبْدانِ
(7)
، وهما
(1)
في (ظ): وقف. والمثبت موافق لما في كشاف القناع 11/ 50.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 3/ 475، والكشاف 11/ 50: وإن كان أقل.
(3)
في (ظ): في.
(4)
قوله: (ليس) غير موجودة في الممتع 3/ 476.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 3/ 476: كحكم.
(6)
في (ق): يكمل.
(7)
قوله: (له العبدان) في (ظ): للعبدان.
كلُّ مالِه، وصار بمنزلة ما لو أعْتَقَ العَبْدَينِ في مرضه، ولم يكن له مالٌ غَيرُهم.
فَرْعٌ: لو وكَّلَ أحدُ الشَّريكَينِ الآخَرَ في عِتْقِ نصيبِه، فقال الوكيلُ: نصيبِي حُرٌّ؛ عتَقَ، وسَرَى إلى نصيب شريكه، والوَلاءُ له، وإنْ أعتق نصيبَ شريكه عتَقَ، وسَرَى إلى نصيبه إنْ كان مُوسِرًا، والوَلاء للموكِّل.
وإنْ أعتقَ نصفَ العبد ولم يَنْوِ شيئًا؛ احْتَمَل أن ينصرِفَ إلى نصيبه؛ لأِنَّه لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ، واحْتَمَلَ أن ينصرِفَ إلى نصيب شريكه؛ لأِنَّه أَمَرَه بالإعتاق، ويَحتَمِلُ أنْ ينصرِفَ إليهما لتساويهما، وأيُّهما حَكَمْنا بالعتق عليه؛ ضَمِنَ نصيبَ شريكه.
وقيل: لا يَضمَن؛ لأِنَّ الوكيلَ إذا أعتق نصيبه، فسَرَى إلى الآخَر؛ لم يَضمَنْه؛ لأِنَّه مأْذونٌ له في العِتْقِ.
(بَابُ التَّدْبِيرِ)
سُمِّيَ تَدْبِيرًا؛ لأِنَّ الوفاةَ دُبُرَ الحياةِ، يُقالُ: دبَّرَه تَدْبيرًا؛ إذا علَّق عِتْقَه بمَوتِه، يُقالُ: أعْتَقَه عن دُبُرٍ؛ أيْ: بَعْدَ الموت، وقالَ ابنُ عَقِيلٍ: هو مُشْتَقٌّ مِنْ إدْباره مِنْ الدُّنيا، ولا يُسْتَعْمَلُ في كلِّ شيءٍ بَعْدَ الموت مِنْ وصيَّةٍ وَوَقْفٍ وغَيرِه، فهو لفظٌ يُخَصُّ به العِتْقُ بَعْدَ الموت.
والأصلُ فيه: حديثُ جابِرٍ: أنَّ رجلاً من الأنصار أعْتَقَ غُلامًا له عن دُبُرٍ، لم يَكُنْ له مالٌ غَيرُه، فبَلَغَ ذلك النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال:«مَنْ يَشْتَرِيهِ مِنِّي؟» فاشْتَراهُ نُعَيمٌ بن النَّحَّام بثَمانِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَدَفَعَها إليه، متَّفَقٌ عَلَيهِ
(1)
، وقالَ ابنُ المنذِرِ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نحفَظُ عنه من أهل العلم على أنَّ من دبَّرَ عَبْدَه أو أَمَتَه، ولم يَرجِعْ عن ذلك حتَّى مات، والمدبَّرُ يَخرُجُ من ثُلُثِ ماله بَعْدَ قَضاءِ الدَّين وإنفاذِ وَصَاياهُ، وكان السَّيِّدُ بالِغًا جائِزَ التَّصرُّف؛ أنَّه يَعتِقُ
(2)
.
(وَهُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالمَوْتِ)، هذا بَيانٌ لمَعْنَى التَّدبيرِ شَرْعًا، ولا تَصِحُّ وصيَّتُه به.
(وَيُعْتَبَرُ مِنَ الثُّلُثِ)؛ أيْ: إنَّما يَعتِقُ إذا خَرَجَ من ثُلث المال في قَولِ أكثرِ العلماء.
ورُوِيَ عن ابن مسعودٍ وغَيرِه: أنَّه من رأسِ المالِ
(3)
، ونَقَلَه حَنبَلٌ عن
(1)
أخرجه البخاري (2141، 7186)، ومسلم (997).
(2)
ينظر: الإجماع ص 111.
(3)
أخرجه الثوري في الفرائض (59)، عن أشعث، عن الشعبي، عن علي وعبد الله قالا:«من جميع المال» ، يعني المدبر. وهو مرسل ضعيف؛ أشعث هو ابن سوَّار، وهو ضعيف. وأخرج نحوه سعيد بن منصور (464)، وابن الجعد (2243)، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وفيه شريك النخعي وجابر الجعفي وهما ضعيفان، ووقع في إسناده اضطراب.
الإمام
(1)
؛ قِياسًا على أمِّ الوَلَدِ.
وجَوابُه: بأنَّه تبرُّعٌ بَعْدَ الموت، فكان من الثُّلث كالوصيَّة، وما نَقَلَه حنبلٌ لا عَمَلَ عليه، قال أبو بَكْرٍ: هو قَولٌ قديمٌ رَجَعَ عنه إلى ما قاله الجماعةُ، فَعَلَى هذا: إذا لم يَخرُج منه، وأجاز الورثةُ؛ عَتَق جميعُه، وإلاَّ عَتَقَ منه مِقدارُ الثُّلث.
وهل يُسْتَسْعَى في قِيمةِ باقِيهِ؟ على رِوَايَتَينِ، وعَنْهُ: في الصِّحَّة مُطلَقًا.
فَرْعٌ: إذا اجْتَمَع العِتْقُ في المرض والتَّدبير؛ قُدِّمَ العِتْقُ.
وإنْ اجْتَمَعَ هو والوصيَّةُ بعِتْقِه؛ تساويا؛ لوجودهما بَعْدَ الموت. وقيلَ: يُقدَّم التَّدبير؛ لحصوله بلا مُهْلَةٍ.
(وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ مَنْ تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ)؛ لأِنَّه تَبرُّعٌ بالمال بَعْدَ الموت، أشْبَهَ الوصيَّةَ.
وقال الخِرَقيُّ: إذا جاوزَ العَشْرَ وكان يَعرِفُه، والجارِيةُ إذا جاوَزَت التِّسعَ.
وجوابُه: بأنَّه يُؤمَرُ بالصَّلاة، والجاريةُ بقَولِ عائشةَ:«إذا بَلَغَت الجاريةُ تِسْعًا فهي امرأةٌ»
(2)
، ولأِنَّه سِنٌّ يُمكِنُ بُلوغُها فيه.
ويَصِحُّ تدبيرُ المحْجُور عليه لسفهٍ
(3)
، ولا يَصِحُّ من المجنون.
ويصحُّ من الكافِر ولو حربِيًّا ومُرْتَدًّا إنْ تبينَّا
(4)
مِلْكَه له فأسْلَمَ، فإنْ ماتَ مُرْتَدًّا؛ بَطَلَ في الأصحِّ.
(وَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الْعِتْقِ وَالحُرِّيَّةِ المُعَلَّقَيْنِ بِالمَوْتِ)؛ كقَوله: أنْتَ حُرٌّ، أوْ
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 114.
(2)
تقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).
(3)
قوله: (لسفه) سقط من (ظ).
(4)
في (ظ): بقينا.
عَتِيقٌ، أوْ مُعتَقٌ، أوْ مُحرَّرٌ بَعْدَ مَوتِي، فيَصيرُ بذلك مُدبَّرًا، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
، (وَلَفْظُ التَّدْبِيرِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهَا)، غَيرَ أمْرٍ ومُضارِعٍ، فإذا قال: أنت مُدبَّرٌ، أو دبَّرتك؛ فإنَّه يَصِيرُ مدبَّرًا بمجرَّد اللَّفظ وإنْ لم يَنوِهِ.
وكناياتُ العِتْق المنجَّز يكونُ للتَّدبير إذا أضاف إلَيهِ ذِكْرَ الموت.
(وَيَصِحُّ مُطْلَقًا)؛ أيْ: مِنْ غَيرِ شَرْطٍ آخَرَ، نحو: إنْ مُتُّ فأنْتَ حُرٌّ، أوْ مُدبَّرٌ.
(وَمُقَيَّدًا)؛ لأِنَّه تعليقٌ للعِتْقِ على شَرْطٍ، فصحَّ مطلَقًا ومُقَيَّدًا؛ كتعليقِ العِتْق بغَيرِ الموت، (بِأَنْ يَقُولَ: إِنْ مُتُّ فِي مَرَضِي هَذَا، أَوْ عَامِي هَذَا)، أوْ في بَلَدِي هذا؛ (فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ مُدَبَّرٌ)؛ لأِنَّه تقييدٌ خاصٌّ.
وقد يكونُ غَيرَ خاصٍّ، مِثْلَ أنْ يُعلِّقَه على صفةٍ؛ ك: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فأنت حُرٌّ، أو إنْ
(2)
قَدِمَ زَيدٌ، أوْ شَفَى اللهُ مريضِي فأنت مدبَّرٌ، فهذا لا يصير مدبَّرًا في الحال؛ لأِنَّه علَّق التَّدبير بشرطٍ، فإذا وُجِدَ صار مدبَّرًا، وعَتَقَ بمَوتِ سيِّده.
وإنْ لم يُوجَدْ في حياةِ السَّيِّد، وَوُجِدَ بَعْدَ مَوْته؛ لم يَعتِقْ؛ لأِنَّ إطْلاقَ الشَّرْط يَقتَضِي وُجودَه في الحياة، بدليلِ: ما لو علَّق عليه عِتْقًا مُنَجَّزًا.
فَرْعانِ:
الأوَّلُ: إذا قال: إذا قرأتَ القرآن فأنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوتِي، فَقَرأه جميعَه؛ صار مُدبَّرًا، بخِلافِ قراءةِ بعضِه، فإنْ قال: إذا قرأتَ قرآنًا فأنتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوتِي، فَقَرَأَ بَعضَه؛ صار مُدبَّرًا؛ لأِنَّه في الأولى عرَّفه باللاَّم المقتَضِيةِ لِلاِسْتِغْراق، بخِلافِ الثَّانية.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 19/ 144.
(2)
في (ظ): وإن.
الثَّاني: إذا قالا لِعبْدِهما: إنْ مُتْنا فأنْتَ حُرٌّ؛ فهو تعليقٌ للحرِّيَّة بمَوتِهما جميعًا، ذَكَرَه القاضِي وغَيره، ولا يَعتِقُ بمَوتِ أحدِهِما شَيءٌ، ولا بِبَيعِ وارِثِه حقَّه.
وقال أحمدُ، واختاره المؤلِّفُ: إذا مات أحدُهما فنصيبُه حُرٌّ
(1)
.
فإنْ أراد أنَّه حُرٌّ بَعْدَ آخِرِهما مَوتًا؛ فإنْ جاز تعليقُ الحُرِّيَّة على صفةٍ بَعْدَ الموت؛ عَتَقَ بَعْدَ مَوتِ الآخَرِ منهما عَلَيهما، وإلاَّ عَتَقَ نصيبُ الآخَر منهما بالتَّدبير، وفي سِرايَته إن احْتَمَله ثُلثُه الرِّوايَتانِ.
(وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ، فَمَتَى شَاءَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ صَارَ مُدَبَّرًا)، يَعتِقُ بمَوته؛ لأِنَّ المشيئةَ على التَّراخِي، فَمَتَى وُجِدَت المشيئةُ وُجِدَ الشَّرطُ، كقَولِه: إذا شِئْتَ، أوْ أيَّ وقتٍ شِئْتَ، فإنْ ماتَ السَّيِّدُ قَبْلَ المشيئة؛ بَطَلَتْ.
فإنْ قال: مَتَى شِئْتَ بَعْدَ مَوتِي، أوْ أيَّ وَقْتٍ شِئْتَ بَعْدَ مَوتِي؛ فهو تعليقٌ للعتق على صفةٍ.
وقال القاضي: يَصِحُّ، فعليه: يكونُ على التَّراخي، وما كسبَه قَبْلَ مشيئته فهو لورثة سيِّده، بخلافِ الموصَى به، فإنَّ في كَسْبِه قَبْلَ القَبولِ وَجْهَينِ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ شِئْتَ، فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ؛ فَقِيَاسُ المَذْهَبِ: أَنَّهُ كَذَلِكَ)، أيْ: أنَّه على التَّراخِي؛ كَ: مَتَى شِئْتَ.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ شَاءَ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ مُدَبَّرًا، وَإِلاَّ فَلَا)؛ لأِنَّ المشيئةَ كالاِختِيار.
(وَإِذَا قَالَ: قَدْ رَجَعْتُ فِي تَدْبِيرِي، أَوْ قَدْ أَبْطَلْتُهُ؛ لَمْ يَبْطُلْ) في الصَّحيح من المذْهَبِ؛ (لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لِلْعِتْقِ بِصِفَةٍ)، وكما لو قال: إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فأنْتَ حُرٌّ.
(1)
ينظر: المغني 10/ 347.
(وَعَنْهُ: يَبْطُلُ؛ كَالْوَصِيَّةِ)؛ لأِنَّه جَعَلَ له نفسَه بَعْدَ مَوتِه، فكان ذلك وصيَّةً، فجاز الرُّجوعُ فيها بالقَول، كما لو وَصَّى له بعَبْدٍ آخَرَ.
فلا يَصِحُّ رُجوعُه في حَمْلٍ لم يُوجَدْ، وإنْ رَجَعَ في حامِلٍ؛ ففي حَمْلِها وَجْهانِ، لا بَعْدَ وَضْعِه.
والرِّوايَتانِ: إذا لم يأتِ بصريحِ التَّعليق، أو صريحِ الوصيَّة، قاله في «التَّرغيب» وغيره.
وعَنْهُ: لا يَصِحُّ في الأَمَة.
وإنْ أنْكَرَه؛ لم يَرجِعْ إنْ قُلْنَا: تعليقٌ، وإلاَّ فَوَجْهانِ.
تنبيهٌ: إذا قال: إذا أدَّيتَ إلى وَرَثَتِي ألْفًا فأنْتَ حُرٌّ؛ فقد رَجَعَ عن تدبيره، قال ابنُ حَمْدانَ: كما لو ردَّ الوصيَّةَ ولم يَقبَلْها.
وإنْ دبَّرَه كلَّه، ثُمَّ رَجَعَ في نِصْفِه؛ صحَّ إذا قُلْنَا بصحَّة الرُّجوع في جميعه.
فإنْ غَيَّرَ التَّدْبيرَ فكان مطلَقًا فَجَعَلَه مُقَيَّدًا؛ صار مُقيَّدًا إنْ قُلْنا بصحَّةِ الرُّجوع، وإنْ كان مُقَيَّدًا فأطْلَقَه؛ صحَّ على كلِّ حالٍ؛ لأِنَّه زيادةٌ، فلا يُمنَعُ منه.
(وَلَهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَهِبَتُهُ)، نَقَلَه الجماعةُ عنه
(1)
؛ لأِنَّه عِتْقٌ مُعلَّقٌ بصفةٍ، فلم يَمنَعْ مِنْ بَيعِه، وظاهِرُه: مُطلَقًا في الدَّينِ وغَيرِه، مع الحاجة وَعَدَمِها وإنْ لم يرضَ به
(2)
.
(وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ) بَعْدَ البيع؛ (عَادَ التَّدْبِيرُ)؛ لأِنَّه مُعلَّقٌ عِتْقُه بصفةٍ.
وبَناهُ القاضِي على أصْلٍ، وهو أنَّ التَّدبيرَ هل هو تعليقٌ للعتق بصفةٍ أو
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 292، مسائل صالح 1/ 391، مسائل عبد الله ص 277، مسائل ابن منصور 8/ 4441.
(2)
كتب في هامش (ظ): (أي: إن لم يرض المدبر بالبيع).
وصيَّةٌ؟ فَعَلَى الأوَّل: يَعُودُ، بخِلافِ الوصيَّة، وهذا روايةٌ عن أحمدَ.
(وَعَنْهُ: لَا يُبَاعُ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ)؛ لأِنَّ الدَّينَ يُقدَّمُ
(1)
على العتق المحقَّق في بَعْضِ المواضِعِ؛ فَلَأَنْ يُقدَّمَ على ما انعقد فيه سبب الحُرِّيَّة بطريقِ الأَوْلَى.
وعَنْهُ: لحاجةٍ، اختارَها الخِرَقِيُّ، وجَزَمَ بها في «الكافي» ؛ لأِنَّه عليه السلام إنَّما باعَهُ لحاجةِ صاحبِه
(2)
.
(وَعَنْهُ: لَا تُبَاعُ الْأَمَةُ خَاصَّةً)؛ لأِنَّ في جوازِ بَيعِها إباحةً لِفَرْجِها، وتَسْلِيطَ مُشْتَرِيها على وَطْئِها، مع وقوع الخِلاف في بَيعِها وحِلِّها
(3)
، بخِلافِ المدبَّر، قال المؤلِّف: لا نَعلَمُ التَّفريقَ بَينَهما عن غَيرِ إمامِنا.
والصَّحيحُ الأوَّل، قال الجُوزَجانيُّ: صحَّتْ أحاديثُ بَيعِ المدبَّر باسْتقامَةِ الطُّرق، والخَبَرُ إذا صحَّ استُغْنِيَ به عن غَيرِه، ولأنَّه عِتْقٌ بصفةٍ، فلم يَمنَع البَيعَ، كقوله: إنْ دخلتَ الدَّارَ فأنْتَ حُرٌّ، وخَبرُهم لَيسَ بصحيحٍ، وإنَّما هو عن ابن عمرَ
(4)
، ويَحتَمِلُ أنَّه أراد بَعْدَ الموت، أو على الاِسْتِحْبابِ، ولا يَصِحُّ قِياسُه على أمِّ الوَلَدِ؛ لأِنَّ عِتْقَها ثَبَتَ بغَيرِ اختيار سيِّدِها، وإذا لم يَصِحَّ، أو دبَّر الحَمْل، ثُمَّ باع أُمَّهُ؛ فكاسْتِثنائه في البيع، قاله في «التَّرغيب» .
وفي «الرَّوضة» : له بَيعُ العبد في الدَّين، وفي بَيعِها فيه رِوايَتانِ.
(وَمَا وَلَدَتِ المُدَبَّرَةُ بَعْدَ تَدْبِيرِهَا؛ فَهُوَ بِمَنْزِلَتِهَا)، الوَلَدُ الحادِثُ بَعْدَ
(1)
في (ق): مقدم.
(2)
تقدّم تخريجه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما 7/ 312 حاشية (1).
(3)
في (ق): وحكمها.
(4)
يشير - كما في الشرح الكبير 19/ 157 - إلى ما أخرجه الدارقطني (4264)، والبيهقي في الكبرى (21572)، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«المدبر لا يباع ولا يوهب» ، قال الدارقطني:(لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف)، وصوَّب هو والبيهقي الموقوف، وهو ما أخرجه ابن أبي شيبة (20668)، والدارقطني (4265)، والبيهقي في الكبرى (21571)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«لا يباع المدبر» ، وإسناده صحيح.
التَّدبير لا يَخْلُو مِنْ حالَينِ:
أحدهما: أنْ يكونَ مَوجُودًا حالَ تدبيرها، ويُعلَمُ ذلك، بأنْ تأتيَ به لأِقلَّ مِنْ ستَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِينِه، فيَدخُلُ معها بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ كعُضْوٍ مِنْ أعضائها، فإنْ بَطَلَ التَّدبير في الأمِّ؛ لم يَبطُلْ في وَلَدِها؛ لأِنَّه ثَبَتَ أصْلاً.
الثَّاني: أنْ تَحمِلَ به بَعْدَ التَّدبير، فهو يَتبَعُ أُمَّه مطلَقًا في قَولِ أكثرِ أهلِ العِلْمِ.
ونَقَلَ حَنبَلٌ عنه: أنَّ وَلَدَها عبدٌ إذا لم يَشْرِط الولِيُّ
(2)
، فظاهِرُه: أنَّه لا يَتبَعُها، ولا يعتِقُ
(3)
بمَوتِ سيِّدها، ولأِنَّ عِتْقَها معلَّقٌ
(4)
بصفةٍ، أشْبَهَ مَنْ عُلِّق عِتْقُها بدخول الدَّارِ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لقَولِ عمرَ وابنِه وجابرٍ: «إنَّ وَلَدَها بمنزلتها»
(5)
، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ في الصَّحابة، فكان كالإجماع، ولأِنَّ الأمَّ اسْتَحَقَّت الحُرِّيَّةَ
(1)
ينظر: الشرح الكبير 19/ 162.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 118.
(3)
في (ظ): ولا تعتق.
(4)
في (ق): تعلق.
(5)
أثر عمر رضي الله عنه لم نقف عليه، والمؤلف تبع ما في المغني 10/ 353، والذي في الروايتين والوجهين 3/ 119:(روي عن عثمان وابن عمر وجابر)، وهو الأولى، فإن أثر عثمان رضي الله عنه أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (12/ 458)، والبيهقي في الكبرى (21583)، بسند جيد.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور (460)، وابن أبي شيبة (20623)، والطحاوي في مشكل الاثار (12/ 458)، والدارقطني (4257)، والبيهقي في الكبرى (21584)، عن ابن عمر أنه كان يقول:«ولد المدبرة بمنزلتها، يرِقُّون برقها، ويَعْتِقون بعتقها» ، وإسناده صحيح ورجاله رجال الشيخين.
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (20637)، والطحاوي في مشكل الآثار (12/ 457)، والبيهقي في الكبرى (21595)، عن أبي الزبير، عن جابر، قال:«ما أرى أولاد المدبرة، إلا بمنزلة أمهم» ، وإسناده صحيح.
بِمَوتِ سيِّدها، فيَتْبَعُها وَلَدُها كأمِّ الولد.
فَعَلَى هذا: إنْ بَطَلَ التَّدبيرُ في الأمِّ لِمَعْنًى اخْتَصَّ بها فَقَطْ
(1)
، فإنْ لم يتبع
(2)
الثُّلث لهما جميعًا؛ أُقْرِعَ بَينَهما.
(وَلَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا مِنْ قَبْلِ التَّدْبِيرِ) على المذهب؛ لأِنَّه لا يَتبَعُها في العتق ولا في الاِسْتِيلاد، ففي التَّدبير أَوْلَى.
وذَكَرَ أبو الخطَّاب: أنَّ حَنْبَلاً نقل عن عمِّه
(3)
في الرَّجل يُدبِّرُ الجاريةَ ولها وَلَدٌ، قال: وَلَدُها مَعَها
(4)
، وحَمَلَها المؤلِّفُ: على الولد بَعْدَ التَّدبير؛ تَوفِيقًا بَينَ كَلامَيهِ.
وعُلِمَ: أنَّ وَلَدَ المدبَّر لا يَتبَعُ أباهُ مُطلَقًا على المذهب؛ لأِنَّ الوَلَدَ إنَّما يَتبَعُ أُمَّه في الحُرِّيَّة والرِّقِّ.
وعنه، وهي ظاهِرُ «المغْنِي» و «الشَّرح»: الجَزْمُ بها في ولده من أَمَتِه المأْذُونِ له في التَّسَرِّي بها يكون مُدبَّرًا؛ لأِنَّه وَلَدُه مِنْ أَمَتِه
(5)
؛ فتَبِعَه كالحُرِّ.
وفي «الرِّعاية» : لا يكونُ وَلَدُ المدبَّر مِنْ أَمَتِه
(6)
مِثلَه في الأصحِّ، بل يَتْبَعُ أُمَّه.
(وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَتِهِ)، رُوِيَ عن ابن عمرَ وابنِ عبَّاسٍ
(7)
؛ كمَمْلوكَتِه، فيَدخُلُ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 10/ 353 والشرح الكبير 19/ 163 زيادة: لم يبطل في ولدها.
(2)
كذا في النسخ الخطاة، والذي في المغني 10/ 353 والشرح الكبير 19/ 163: يتسع.
(3)
في (ق): عمر.
(4)
ينظر: المغني 10/ 353.
(5)
في (ق): أمة.
(6)
في (ق): أمة.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (16696)، وابن أبي شيبة (20524)، عن عطاء، أن ابن عباس وابن عمر وغيرهما قالوا:«يصيب الرجل وليدته إذا دبرها إن أحب» . وأخرج مالك (2/ 814)، وعبد الرزاق (16697)، والشافعي في الملحق بالأم (8/ 27)، والبيهقي في الكبرى (21581)، عن نافع «أن عبد الله بن عمر دبر جاريتين له، فكان يطؤهما وهما مدبرتان» ، وإسنادهما صحيح، واحتج بقولهما أحمد في رواية الميموني وأبي الحارث كما في تهذيب الأجوبة ص 71.
تَحْتَ قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، قال أحمدُ: لا أعْلَمُ أحَدًا كَرِهَ ذلك غَيرَ الزُّهْرِيِّ
(1)
.
وعَنْهُ: لا يَجوزُ وَطْءُ بنتِ مدبَّرَتِه، وهو مَحمُولٌ على أنَّه وطِئَ أُمَّها.
(فَإِنْ أَوْلَدَهَا؛ بَطَلَ تَدْبِيرُهَا)؛ لأِنَّ الاِسْتِيلادَ أقْوَى من التَّدبير، فأبْطَلَه كالنِّكاح مع الملْكِ.
(وَإِذَا
(2)
دَبَّرَ المُكَاتَبَ)؛ جاز، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لأِنَّه تعليقٌ لِعَتْقِه بصفةٍ، وهو يَملِكُ إعْتاقَه، فيَملِكُ التَّعليقَ وإنْ قِيلَ: هو وصيَّةٌ.
(أَوْ كَاتَبَ المُدَبَّرَ؛ جَازَ)، وهو قَولُ ابنِ مَسْعودٍ
(4)
وأبي هُرَيرةَ
(5)
؛ لأِنَّ التَّدبيرَ إنْ كانَ عِتْقًا بصفةٍ لم يَمنَعِ الكتابةَ، وكذا إنْ كان وصيةً، كما لو وصَّى بعِتْقِه، ثُمَّ كاتَبَه.
وذَكَرَ القاضِي: أنَّه يَبطُلُ بها إذا قُلْنَا: هو وصيَّةٌ، كما لو وَصَّى به لرجلٍ، ثُمَّ كاتَبَهُ.
(1)
ينظر: تهذيب الأجوبة ص 71.
(2)
في (ق): فإذا.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 19/ 170.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (21360)، والبخاري في التاريخ (1/ 210)، عن محمد بن قيس بن الأحنف، عن أبيه، عن ابن مسعود، في الرجل يبيع مُدبَّرًا له خدمته، قال:«ما أخذ سيده فهو له، وما بقي فلا شيء» ، محمد بن قيس وأبوه مجهولان.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (21359)، والبيهقي في الكبرى (21580)، عن أبي هريرة، قال: دبَّرت امرأة من قريش غلامًا لها، ثم أرادت أن تكاتبه، فكتب الرسول إلى أبي هريرة، فقال:«كاتبيه، فإن أدى مكاتبته فذاك، وإن حدث به حدث عَتَقَ» ، صححه الألباني في الإرواء 6/ 176.
(فَإِنْ أَدَّى؛ عَتَقَ)؛ لأِنَّ ذلك شَأْنُ المكاتَب، (وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهُ قَبْلَ الْأَدَاءِ؛ عَتَقَ)؛ لأِنَّ ذلك شَأنُ المدبَّر، (إِنْ حَمَلَ الثُّلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ)؛ لأِنَّ المدبَّرَ يُعتَبَرُ في عِتْقِه بالتَّدبير خُروجُه من الثُّلث، وبَطَلَت الكتابةُ.
(وَإِلاَّ عَتَقَ مِنْهُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ) حَيثُ لم يَخرُجْ كلُّه من الثُّلث؛ لأِنَّ ذلك لا مانِعَ له، (وَسَقَطَ مِنَ الْكِتَابَةِ بِقَدْرِ مَا عَتَقَ)؛ لاِنْتِفاءِ مَحَلِّها بالعتق، (وَهُوَ عَلَى الْكِتَابَةِ فِيمَا بَقِيَ)؛ لأِنَّ مَحلَّها لم يُعارِضْه شَيءٌ، فَعَلَى هذا: لو خرج نصفُه من الثُّلث؛ عَتَقَ نصفُه، وسَقَطَ نصفُ الكتابة، وبَقِيَ نصفُه، والذي يُحسَبُ من الثُّلث؛ إنَّما هو قِيمةُ المدبَّر وَقْتَ مَوتِ سيِّده؛ لأنَّ المدبَّرَ لو لم يَكُنْ مكاتَبًا؛ لَاعتُبِرَتْ قِيمتُه.
ومَتَى عَتَقَ بالتَّدبير؛ كان ما في يده لسيِّده؛ لأِنَّه كان له قَبْلَ العتق، فكذا بَعْدَه، ذَكَرَه الأصْحابُ.
قال المؤلِّفُ: وعِنْدِي أنَّه يَعتِقُ ويَتبَعُه وَلَدُه وأكْسابُه؛ لأِنَّ السَّيِّدَ لا يَملِكُ إبْطالَ كِتابَتِه؛ لِكَونِها عَقْدًا لازِمًا مِنْ جِهَتِه، وإنَّما يَملِكُ إسْقاطَ حقِّه عَلَيهِ.
وعَنْهُ: له؛ كَلُبْسِه.
ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ
(1)
: ما لا بدَّ مِنْ لُبْسِه، وكما لو ادَّعى المدبَّرُ أنَّه كَسَبَه بَعْدَ مَوتِه، وأمْكَنَ لثُبوتِ يَدِه عَلَيهِ، بخِلافِ وَلَدِه
(2)
.
(وَإِذَا دَبَّرَ) وهو مُوسِرٌ (شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ لَمْ يَسْرِ إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّه تعليقٌ للعتق بصفةٍ، فلم يَسْرِ؛ كتعليقه بدخولِ الدَّار.
ويُفارِقُ الاِسْتِيلادَ، فإنَّه آكدُ، بدليلِ: أنَّه يَعتِقُ من جميعِ المال، ولو قَتَلَتْ سيِّدَها؛ لم يَبطُل اسْتِيلادُها، والمدبَّرُ بخِلافه.
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 63.
(2)
كتب في هامش (ظ): (وكذا إن أولد أمته ثم كاتبها، أو كاتبها ثم أولدها، لكن تَعْتِق بموته مطلقًا).
وإنْ ماتَ المدبِّرُ؛ عَتَقَ نصيبُه إنْ خَرَجَ من الثُّلث، وفي سِرايَتِه إلى نصيبِ شريكِه رِوايَتانِ.
(فَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكُهُ) نصيبَه؛ (سَرَى إِلَى المُدَبَّرِ، وَغَرِمَ قِيمَتَهُ لِسَيِّدِهِ) إنْ كان مُوسِرًا؛ لِخَبَرِ ابنِ عمرَ
(1)
، ولأِنَّه إذا سَرَى إلى إبْطالِ الملك الذي هو آكَدُ من الوَلاء، والوَلاء أَوْلَى، ما ذُكر فيه لا أصْلَ له
(2)
، ويَبطُلُ بما إذا علَّق عِتْقَ نصيبِه بصفةٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَسْرِيَ فِي الْأَوَّلِ)، ويَضمَنُ قِيمتَه؛ لأِنَّ المدبَّرَ اسْتَحَقَّ العتقَ
(3)
بمَوتِ سيِّدِه، فَسَرَى كأمِّ الوَلَدِ، (دُونَ الثَّانِي)؛ أي: لا يَسْرِي؛ لأِنَّه قد انْعَقَدَ له سببٌ اسْتَحقَّ الوَلاءَ على العبد، فلم يَكُنْ لِلآخَر إبْطالُه.
تنبيهٌ: إذا دبَّرا عبدَهما معًا؛ صحَّ، ولا يَعتِقُ بمَوتِ أحدِهما، ولا بِبَيْعِ
(4)
وارِثِه حقَّه، ثُمَّ إنْ أعْتَقَ أحدُهما حقَّه؛ ففي وُجوبِ ضَمانِ حقِّ الآخَرِ وَجْهانِ.
وفي «الشَّرح» : إذا دبَّر كلُّ واحِدٍ من الشَّرِيكَينِ حقَّه، فمات أحدُهما؛ عَتَقَ نصيبُه، وبَقِيَ نصيبُ الآخَر على التَّدبير إنْ لم يفِ ثُلثُه بقيمةِ حصَّةِ شريكه، وإنْ كان يَفِي؛ فهل يَسْرِي؟ على رِوايَتَينِ.
وإنْ قال كلُّ واحِدٍ منهما: إذا متْنَا فأنْتَ حُرٌّ، فإذا مات أحدُهما فنِصفُه حُرٌّ، وقال القاضِي: هذا تعليقٌ للحُرِّيَّة بمَوتِهما جميعًا.
فإنْ عَتَقَ بالتَّدبير؛ فما مَعَهُ إذِنْ إرثٌ.
وعَنْهُ: بل هو له، اختاره المؤلِّفُ، كما لو بَقِيَ مُدَّةً، فادَّعاه كَسْبًا بَعْدَ مَوتِه، حَلَفَ له، فإنْ أقامَ بيِّنةً؛ قُدِّمَتْ على بيِّنةِ الورثة.
(1)
أخرجه البخاري (2522)، ومسلم (1501).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وصواب العبارة كما في المغني 10/ 347، والشرح 19/ 175: فالولاء أولى، وما ذكروه لا أصل له.
(3)
في (ظ): العبد.
(4)
في (ق): ولا يتبع.
وعنه: تُقدَّمُ بيِّنةُ الدَّاخِل.
وإنْ أعْتَقَ عبدَه القِنَّ، أوْ كاتَبَه، أوْ أعْتَقَ مُكاتَبَه؛ فما بيده لسيِّده، وعنه: له.
وعِتقه مكاتَبَه؛ قيل: إبْراءٌ مِمَّا بَقِيَ، وقِيلَ: فسخ؛ كعتقه في كفَّارةٍ.
(وَإِذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ الْكَافِرِ؛ لَمْ يُقَرَّ فِي يَدِهِ)؛ أيْ: أَمَرْناهُ بإزالةِ ملْكِه عنه، لِئلاَّ يَبْقَى الكافِرُ مالِكًا لِمسلِمٍ؛ كغَيرِ المدبَّر، وكما لو أسْلَمَ مُكاتَبُه وعَجَزَ.
وقِيلَ: لا يَلْزَمُه إن اسْتَدامَ تَدْبيرَه، ويُحالُ بَينَهما، وتَلزَمُه
(1)
نَفَقَتُه حتَّى يَعتِقَ بمَوتِه.
(وَتُرِكَ
(2)
فِي يَدِ عَدْلٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ كَسْبِهِ)؛ لأِنَّه أَوْلَى النَّاسِ به، (وَمَا فَضَلَ لِسَيِّدِهِ)؛ لأِنَّه مَمْلوكُه، (وَإِنْ أَعْوَزَ؛ فَعَلَيْهِ تَمَامُهُ)؛ لأِنَّ نفقةَ المملوك على السَّيِّد إنْ لم يَكُنْ له كَسْبٌ.
(إِلاَّ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ، وَنَقُولَ بِصِحَّةِ الرُّجُوعِ، فَيُجْبَرُ عَلَى بَيْعِه)، ولا يُترَكُ في يَدِ عَدْلٍ؛ لأِنَّ الكافِرَ لا يُقَرُّ على اسْتِقْرار ملْكِه على المسْلِمِ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّ المدبَّرَ إذا كان لم يَكُنْ له كَسْبٌ؛ أنَّه يُجبَرُ سيِّدُه على الإنْفاقِ عَلَيهِ؛ لأِنَّه مِلْكه.
(وَمَنْ أَنْكَرَ التَّدْبِيرَ؛ لَمْ يُحْكَمْ عَلَيْهِ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ)؛ أي: إذا ادَّعى العَبْدُ على سيِّدِه أنَّه دبَّره، صحَّتْ دَعْوَاهُ؛ لأِنَّه يَدَّعِي اسْتِحْقاقَ العِتْقِ، فإنْ أنْكَرَ، ولم يَكُنْ للمدبَّر بيِّنةٌ؛ قُبِلَ قَولُ السَّيِّد مع يَمِينِه؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه، وجَحْدُه التَّدبيرَ لَيسَ رُجوعًا إنْ جُعِلَ عِتْقًا بصِفَةٍ، وإلاَّ فَوَجْهانِ.
فإنْ
(3)
جُعِلَ رُجوعًا؛ لم تُسمَعْ دَعْواهُ ولا بيِّنَتُه، قال ابنُ حَمْدانَ: إنْ
(1)
في (ظ): ويلزمه.
(2)
في (ق): ويترك.
(3)
في (ق): وإن.
جوَّزنا الرُّجوعَ وحَلَفَ عَلَيهِ؛ صحَّ، وإلاَّ فلا.
وإنْ كان الاِخْتِلافُ بَينَ العبد وَوَرَثةِ سيِّدِه؛ فكالخِلاف مع السَّيِّد، إلاَّ أنَّ الدَّعْوَى صحيحةٌ بغَيرِ خِلافٍ
(1)
، وأيْمانُهم على نَفْيِ العِلْم، وتَجِبُ اليمينُ على كلِّ واحِدٍ من الورثة، فَمَنْ نَكَلَ منهم؛ عَتَقَ نصيبُه، ولم يَسْرِ إلى باقِيهِ.
ويُشتَرَطُ في الشَّاهِدَينِ العدالةُ بغَيِر خِلافٍ؛ لأِنَّ ذلك شَرْطٌ فيهما
(2)
.
(وَهَلْ يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينِ الْعَبْدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: وَجَزَم بها في «الوجيز» : أنَّه يُحكَم به؛ قِياسًا على البيع.
والثَّانيةُ: لا يُحكَمُ عَلَيه بذلك؛ لأِنَّ الغَرَضَ إثْباتُ الحُرِّيَّة وتكميلُ الأحكام، فلا يَثبُتُ ذلك إلاَّ بشهادةِ عَدْلَينِ؛ كالنِّكاح والطَّلاق.
(وَإِذَا قَتَلَ المُدَبَّرُ سَيِّدَهُ؛ بَطَلَ تَدْبِيرُهُ)؛ لأِنَّه قَصَدَ اسْتِعْجالَ العِتْقِ بالقَتْلِ المحرَّم، فعُوقِبَ بنَقِيضِ قَصْدِه؛ كَمَنْعِ المِيراث بِقَتْلِ المورُوث، ولأِنَّ التَّدبير وصيَّةٌ، فيَبطُلُ بالقَتْل؛ كالوصيَّة بالمال.
ولا يَلزَمُ على هذا عِتْقُ أمِّ الولد؛ لكَونِها آكَدُ.
وحِينَئِذٍ فلا فَرْقَ بَينَ كَونِ القَتْل عَمْدًا أوْ خَطَأً، كما لا فَرْقَ بَينَ حِرمانِ الإرْثِ وإبْطالِ وصيَّةِ القاتل، وإنْ قِيلَ: لا تَبطُلُ الوصيَّةُ بالموت؛ فالتَّدبيرُ أَوْلَى؛ نَظَرًا للعتق.
فَرْعٌ: إذا جَنَى المدبَّرُ؛ لم يَبطُلْ تَدْبيرُه، ويُباعُ في الجناية، وسيِّدُه بالخِيارِ، ومَنْ لم يُجَوِّزْ بَيعَه؛ أوْجَبَ فِداءَه على سيِّده؛ كأمِّ الولد، فإنْ مات سيِّدُه قَبْلَ بيعِه؛ عَتَقَ وأَرْشُ جِنايَتِه في تَرِكةِ سَيِّدِه، وإنْ فَداهُ سَيِّدُه؛ بَقِيَ تَدبِيرُه، وإنْ باعَ بعضَه بها؛ فَبَاقِيهِ مُدَبَّرٌ.
(1)
ينظر: المغني 10/ 356.
(2)
في (ق): فيها.
وإنْ جُنِيَ على المدبَّر؛ فأرْشُ الجِنايَة لِسَيِّده، فإنْ كانت الجِنايَةُ على نفسه؛ وَجَبَتْ قِيمَتُه لسيِّده، وبَطَلَ التَّدبيرُ بهَلاكه.
لا يُقالُ: قِيمَتُه قائمةٌ مَقامَه كالعبد المرْهونِ والموْقُوف؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما لازِمٌ، فتعلَّقَ الحقُّ بِبَدَلِه، والتَّدبيرُ غَيرُ لازِمٍ؛ لأِنَّه يُمكِنُه إبْطالُه بالبيع وغَيرِه، فلم يَتعَلَّق الحقُّ بِبَدَلِه.
(بَابُ الْكِتَابَةِ)
سُمِّيَتْ به؛ لأِنَّ السَّيِّدَ يَكتُبُ بَيْنَه
(1)
وبَينَه كِتابًا بما اتَّفقا عَلَيهِ.
وقِيلَ: سُمِّيَتْ به من الكَتْبِ، وهو الضَّمُّ؛ لأِنَّ المكاتَبَ يَضُمُّ بعضَ النُّجوم إلى بعْضٍ، ومِنْهُ سُمِّيَ الخَرْزُ: كَتْبًا، والكَتِيبةُ كَتِيبةً؛ لاِنْضِمامِ بعضِها إلى بعضٍ.
وهو في الاِصْطِلاح: عِتْقٌ على مالٍ مُنَجَّمٍ نَجْمَينِ فصاعِدًا، إلى أوقاتٍ مَعْلومةٍ؛ لأِنَّ النُّجومَ هي الأوقاتُ المخْتَلِفَةُ؛ إذِ العَرَبُ كانت لا تَعرِفُ الحِسابَ، وإنَّما تَعرِفُ الأوْقاتَ بطُلوعِ النُّجوم، فَسُمِّيَتِ الأوْقاتُ نُجومًا، كما قال بعضُهم
(2)
:
إِذَا سُهَيْلٌ أَوَّلَ اللَّيْلِ طَلَعْ فَابْنُ اللَّبُونِ الْحِقُّ، وَالْحِقُّ جَذَعْ
(3)
(وَهِيَ: بَيْعُ الْعَبْدِ) - لَوْ قال: الرَّقيق لَعَمَّ - (نَفْسَهُ بِمَالٍ فِي ذِمَّتِهِ)، هذا بَيانٌ لمَعْنَى الكِتابةِ شَرْعًا.
ويُشتَرَطُ فيه: أنْ يكونَ مُباحًا مَعْلومًا، يَصِحُّ السَّلَمُ فيه، مُنَجَّمًا، يَعلَمُ قِسْطَ كلِّ نَجْمٍ ومُدَّتَه أوْ مَنفَعَتَه مُؤجَّلةً.
والإجْماعُ على مَشروعيَّتِها
(4)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ر، وقَولُه عليه السلام: «مَنْ أعانَ غارِمًا، أوْ غازِيًا، أوْ مُكاتَبًا في كِتابَتِه؛ أظلَّه الله في ظِلِّه
(5)
يَومَ لا ظلَّ
(1)
في (ق): به.
(2)
عزاه أبو داود في السنن 3/ 41 للرياشي.
(3)
في (ظ): الجذع.
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 111، مراتب الإجماع ص 165.
(5)
قوله: (ظله) سقط من (ظ).
إلا ظِلُّه» رواهُ سَهْلُ بنُ حُنَيْفِ
(1)
.
فإذا كاتَبَ رقيقَه وله مالٌ؛ فهو لسيِّده، إلاَّ أنْ يَشْتَرِطَه المكاتَبُ، في قَولِ أكثرِ العلماء.
وعَنْهُ: للرَّقيق.
(وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لِمَنْ يَعْلَمُ فِيهِ خَيْرًا)؛ للنَّصِّ، (وَهُوَ الْكَسْبُ وَالْأَمَانَةُ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، وأسْقَطَ الأمانةَ في «الواضح» و «الموجز» و «التَّبصرة» .
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، إِذَا ابْتَغَاهَا مِنْ سَيِّدِهِ) بقيمتِه (أُجْبِرَ عَلَيْهَا)، اختاره أبو بَكْرٍ، ذَكَرَه الحُلْوانِيُّ، لقوله تعالى:{فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النُّور: 33]، والأمرُ للوُجوب، وقد رَوَى محمَّدُ بنُ سِيرِينَ:«أنَّ أباهُ سِيرِينَ كانَ عَبْدًا لأِنَسِ بنِ مالِكٍ، فَسَأَلَه أنْ يُكاتِبَه، فأبَى عَلَيهِ، فأخَبَرَ سِيرِينُ عمرَ بنَ الخَطَّاب، فَرَفَعَ الدِّرَّةَ عَلَيهِ، وقَرَأَ الآيةَ، فكاتَبَهُ أَنَسٌ»
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد (15986)، وعبد بن حميد في المنتخب (471)، وابن أبي شيبة (22176)، والطحاوي في شرح المشكل (3818)، والطبراني في الكبير (5590)، من طرق عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عبد الله بن سهل بن حنيف، عن أبيه مرفوعًا، وسنده ضعيف، قال البوصيريّ:(مدار أسانيد حديث سهل بن حنيف هذا على: عبد الله بن محمد بن عقيل، وهو ضعيف، ضعّفه أحمد بن حنبل وابن معين وأبو حاتم وعلي بن المديني وابن خزيمة وغيرهم). وهو في التّحقيق صدوق حسن الحديث، إلاّ فيما تفرّد به مما لا يحتمل تفرّده فيه، لكن فيه: عبد الله بن سهل بن حنيف، قال أبو زرعة:(لا أعرف حاله)، وقال الحسيني:(ليس بالمشهور)، والحديث ضعّفه البوصيري والألباني، وصحّحه الحاكم، وتُعقِّب، وحسّنه ابن حجر، وقال ابن عساكر:(حسن غريب). ينظر: معجم الشيوخ لابن عساكر 1/ 496، ميزان الاعتدال 2/ 485، الإكمال في ذكر من له رواية في مسند الإمام أحمد (449)، إتحاف الخيرة المهرة 5/ 458، ذيل الكاشف (771)، الأمالي المطلقة (101)، الضّعيفة (4555).
(2)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 119)، والطبري في التفسير (17/ 276)، والبيهقي في الكبرى (21615)، وصحح إسناده ابن كثير في التفسير 6/ 53. وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 151)، ووصله إسماعيل القاضي في أحكام القرآن له كما في المحلى (8/ 221)، وتغليق التعليق (3/ 348).
وقدَّم في «الرَّوضة» : الإباحةَ.
والمشهورُ الأوَّلُ؛ لأِنَّه إعْتاقٌ بعِوَضٍ، فلم يَجِبْ عَلَيهِ؛ كالاِسْتِسْعاء، والآيةُ محمولةٌ على النَّدب، وقَولُ عمرَ يُخالِفُه فِعْلُ أَنَسٍ.
قال أحمدُ: (الخَيرُ: صِدْقٌ وصلاحٌ وَوَفاءٌ بمالِ الكتابة)
(1)
، ونَحوُ هذا قَولُ جماعةٍ.
وقال الشَّافِعِيُّ: هو قُوَّةٌ على الكَسْبِ والأمانةُ
(2)
، وفسَّره به المؤلِّف وغَيرُه، وهو بمعنى الأوَّل، وقال ابنُ عبَّاسٍ: «غَناءٌ
(3)
وإعْطاءٌ للمال»
(4)
.
ولا خِلافَ بَينَهم: في أنَّ مَنْ لا خَيرَ فيه لا تَجِبُ إجابتُه
(5)
.
(وَهَلْ تُكْرَهُ كِتَابَةُ مَنْ لَا كَسْبَ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ): إحداهما، وهي ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، والمذْهَبُ: أنَّها تُكرَهُ، وهو قَولُ ابنِ عمرَ
(6)
ومَسْروقٍ والأَوْزاعِيِّ؛ لأِنَّ فيها إضْرارًا بالمسلمين، وجَعْلَه
(1)
ينظر: المغني 10/ 366.
(2)
ينظر: تفسير الثعلبي 7/ 96، تفسير الماوردي 4/ 100.
(3)
الغناء: بفتح الغين مع المد، الكفاية. وينظر: مقاييس اللغة 4/ 397.
(4)
علقه الواحدي في البسيط (16/ 235)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:«قوة على الكسب، وأداء المال» . وأخرج البيهقي في الكبرى (21604)، عن ابن عباس رضي الله عنهما من طريق أخرى قال:«أمانة ووفاء» . وأخرج الطبري في التفسير (17/ 278)، وابن أبي حاتم في التفسير (14457)، والبيهقي في الكبرى (21603)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، قال:«إن علمتم لهم حيلة، ولا تلقوا مؤنتهم على المسلمين» ، وإسناده جيد.
(5)
في (ق): كتابته. وينظر: المغني 10/ 366.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (15585)، وابن أبي شيبة (22204)، والطبري في التفسير (17/ 278)، والبيهقي في الكبرى (21605)، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه كان يكره أن يكاتب عبده إذا لم يكن له حرفة، يقول:«تطعمني من أوساخ الناس؟!» إسناده صحيح.
كَلًّا وعِيالاً عَلَيهم، مع تفويتِ نَفَقَتِه
(1)
الواجبةِ على سيِّدِه.
والثَّانية، وهي قَولُ أكثرِ العلماء: لا تُكرَهُ؛ لأِنَّ بَرِيرَةَ كاتَبَتْ ولا حِرْفةَ لها، ولم يُنكِرْ ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، احْتَجَّ به ابنُ المنذِر
(2)
.
وقال المؤلِّفُ: إنْ كان يَجِدُ مَنْ يَكْفِيهِ مُؤنَتَه؛ لم تُكرَهْ، وإلاَّ كُرِهَتْ.
لكِنْ ذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّ الأَمَةَ إذا كانَتْ لا كَسْبَ لها؛ فإنَّها
(3)
تُكرَهُ لها إجْماعًا
(4)
.
(وَلَا تَصِحُّ إِلاَّ مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ
(5)
مِنْ غَيرِ جائزِ التَّصرُّف؛ كالبَيعِ.
(وَإِنْ كَاتَبَ المُمَيِّزُ عَبْدَهُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ تصرُّفَ المميِّزِ بإذْنِ وَلِيِّه صحيحٌ في غَيرِ الكتابة، فكذا فيها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَصِحَّ
(6)
لأِنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ، كالمجْنون، وبَناهُ في «الشَّرح»: على أنَّه لا يَصِحُّ بَيعُه بإذْنِ وَلِيِّه، ولأِنَّه عَقْدُ إعْتاقٍ، فلم يَصِحَّ منه، كالعْتِق بغَيرِ مالٍ، وكما لو كان بغَيرِ إذْنِ وليِّه.
وإنْ كاتَبَ المكلَّفُ عبدَه الطِّفلَ أو المجنونَ؛ لم يَصِحَّ، لكِنْ إذا قال: إذا أدَّيْتُما إليَّ فأنتما حُرَّانِ؛ عَتَقَا بالأداء صفةً لا كِتابةً، وما في أيديهما لسيِّدهما، وإنْ لم يَقُلْ؛ فَوَجْهانِ، واختار القاضي العِتْقَ.
(وَإِنْ كَاتَبَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ المُمَيِّزَ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه مُمَيِّزٌ، والمصلحةُ له في العتق
(1)
في (ق): نفقة.
(2)
ينظر: الإشراف 7/ 8.
(3)
زيد في (ق): لا.
(4)
ينظر: اختلاف الأئمة العلماء 2/ 435.
(5)
في (ق): فلم تصح.
(6)
في (ق): ألا تصح.
بخَلاصِه من الرِّقِّ، كالبالِغِ.
فَرْعٌ: إذا كاتَبَ الذِّمِّيُّ عَبْدَه، ثُّمَّ أسْلَما؛ صحَّ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أوْ عِتْقٌ بصفةٍ، وكَلاهُما صحيحٌ.
وإنْ أسْلَمَ مُكاتَبُ الذِّمِّيِّ؛ لم تَنفَسِخ الكِتابةُ، ولا يُجبَرُ على إزالةِ ملْكِه، فإنْ عَجَزَ؛ أُجْبِرَ.
فإنِ اشْتَرَى مسلِمًا وكاتَبَه
(1)
؛ لم تَصِحَّ الكتابةُ؛ لأِنَّها لا تُزيلُ الملْكَ، وقال القاضي: تَصِحُّ، وإنْ دبَّرَه؛ لم يَصِحَّ.
وإنْ كاتَبَ الذِّمِّيُّ عبدَه الذي أسلم في يَدِه؛ صحَّ.
وإنْ كاتَبَ الحَرْبِيُّ عبدَه؛ صحَّ، سواءٌ كان في دار الحرب أو دار الإسلام.
وقال بعضُ الأئمَّة: لا؛ لأِنَّ ملْكَه ناقِصٌ.
وجوابه: قوله تعالى: {وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ
…
(27)} [الأحزَاب: 27]، وهذه الإضافةُ تَقْتَضِي صحَّةَ أمْلاكِهم، فتَقْتَضِي صحَّةَ تَصرُّفاتِهم.
(وَلَا تَصِحُّ إِلاَّ بِالْقَوْلِ)؛ لأِنَّها إمَّا بَيعٌ، وإمَّا تعليقٌ للعِتْق على الأداء، وكلاهما يُشْتَرَطُ له القَولُ.
(وَتَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ: كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا)؛ لأِنَّه لَفْظُها الموضوعُ لها، فانْعَقَدَتْ به كَلَفْظِ النِّكاح، ويُشتَرَطُ مَعَه قَبوله، ذَكَره في «الموجز» و «التَّبصرة» و «التَّرغيب» ، وغَيرها.
(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ) ذلك، بل قال:(فَإِذَا أَدَّيْتَ إِلَيَّ فَأَنْتَ حُرٌّ)؛ لأِنَّه صريحٌ في الكتابة، فانْعَقَدَ به؛ كصريح البَيع ونحوه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُشْتَرَطَ قَوْلُهُ)، هذا وجْهٌ في «التَّرغيب» ، وهو روايةٌ في
(1)
في (ق): فكاتبه.
«الموجز» و «التَّبصرة» ، وقِيلَ:(أَوْ نِيَّتُهُ)؛ لأِنَّ الكتابةَ في المعْنَى تعليقُ العِتْق على الأداء، فلا بُدَّ من التَّلفُّظ به أوْ نِيَّتِه.
ويُشتَرَطُ أنْ تكونَ في الصِّحَّة، فإنْ كاتَبَه في مَرَضِه المخُوفِ؛ اعْتُبِرَ من ثُلُثه.
وقال أبو الخطَّاب في «رؤوس المسائل» : من الكُلِّ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ كالبيع.
والأوَّلُ أَوْلَى.
(وَلَا تَصِحُّ
(1)
إِلاَّ عَلَى عِوَضٍ) مُباحٍ، (مَعْلُومٍ، مُنَجَّمٍ نَجْمَيْنِ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ كالبَيعِ، ومِنْ شَرْطِه أنْ يكونَ مُؤجَّلاً؛ لأِنَّ جَعْلَه حالًّا يُفْضِي إلى العجز عن أدائه وفَسْخِ العَقْد، مع أنَّ جماعةً من الصَّحابة عَقَدُوها كذلك، ولو جازَتْ حالَّةً لَفُعِلَ، (فَصَاعِدًا)، قال الإمامُ أحمدُ:(من النَّاس مَنْ يَقولُ: نَجْمٌ واحدٌ، ومنهم مَنْ يَقولُ: نَجْمانِ، ونَجْمانِ أحبُّ إليَّ)
(2)
، فظاهِرُه: أنَّه لا يَجوزُ أقلُّ مِنْ نَجْمَينِ؛ لأِنَّ الكِتابةَ مُشْتَقَّةٌ من الضَّمِّ، فَوَجَبَ افْتِقارُها إلى نَجْمَينِ؛ لِيَحصُلَ الضَّمُّ، ورُوِيَ عن عُثْمانَ
(3)
وعليٍّ
(4)
.
(1)
في (ظ): ولا يصح.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4396.
(3)
أخرجه يعقوب في المعرفة (2/ 412)، والطحاوي في المشكل (11/ 170)، والبيهقي في الكبرى (21623)، عن مسلم بن أبي مريم، عن عبدٍ لعثمان رضي الله عنه قال: كنت مملوكًا لعثمان، فقلت ذات يوم: يا أمير المؤمنين، أسألك الكتابة، فقال:«لولا آية في كتاب الله ما فعلت، أُكاتبك على مائة ألف على أن تَعُدَّها لي في عدتين» . إسناده جيد.
(4)
أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 190)، والبيهقي في الكبرى (21761)، عن خِلَاس بن عمرو، عن عليٍّ قال:«إذا عجز المكاتب اسْتُسْعيَ حولين، فإن أدى، وإلا رُدَّ في الرق» . خلاس ثقة، وروايته عن علي من كتاب، وبذلك ضعفه البيهقي. وأخرجه ابن أبي شيبة (21413)، والبيهقي في الكبرى (21760)، عن الحارث، عن علي. والحارث الأعور ضعيف.
(يَعْلَمُ قَدْرَ مَا يُؤَدِّي فِي كُلِّ نَجْمٍ)؛ لِئَلاَّ يُؤدِّيَ إلى المنازَعة، وسَواءٌ تَساوَتِ المدَّةُ أو اخْتَلَفَتْ.
وعَلَيهِ: في تَوقِيتها بساعَتَينِ
(1)
، أمْ يُعتَبَرُ ما لَه وَقْعٌ في القُدْرة على الكَسْبِ؟ فيه خِلافٌ في «الانتصار»
(2)
.
(وَقِيلَ: يَصِحُّ
(3)
عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ)، قاله ابنُ أبي موسى، وفي «الشَّرح»: أنَّه قِياسُ المذْهَبِ؛ لأِنَّه عَقْدٌ يُشتَرَطُ فيه التَّأجيلُ، فجاز إلى أجلٍ واحِدٍ كالسَّلَم، ولأِنَّ القَصْدَ بالتَّأجيل إمْكانُ التَّسْليم عِنْدَه، ويَحصُلُ ذلك بالنَّجم الواحد.
وفي «التَّرغيب» في كتابةِ مَنْ نِصفُه حُرٌّ كتابةً حالَّةً؛ وَجْهانِ.
وفي «الكافي» : والأَحْوَطُ نَجْمانِ فصاعِدًا. انتهى.
فإنْ قال: يُؤدِّي إليَّ مِنْ كلِّ عامٍ مائَةً؛ جاز، ويكونُ أَجَلُ كلِّ مائةٍ عِنْدَ انْقِضاء السَّنَة.
وظاهِرُ قَولِ القاضي: أنَّه لا يَصِحُّ.
ورُدَّ: بقَولِ بَرِيرةَ
(4)
: «كاتبتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ، في كلِّ عامٍ أوقيَّةٌ» ، فإنَّ الأجلَ إذا تعلَّق بمُدَّةٍ تعلَّق بأحدِ طَرَفَيها، فإنْ كان بحرفِ «إلى» تعلَّق بأوَّلها؛ كقوله: إلى شهرِ رمضانَ، وإنْ كان بحرفِ «في» كان إلى آخِرِها؛ لأِنَّه جَعَلَ جميعَها وَقْتًا لأِدائها.
(1)
في (ق): توقيتهما مشاعتين.
(2)
كتب في هامش (ظ): (قلت: ظاهر كلام كثير من الأصحاب: الصحة، ولكن العرف والعادة والمعنى: أنه لا يصح؛ قياسًا على السلم، لكن السلم أضيق، والله أعلم)، وهو من كلام المرداوي في تصحيح الفروع 8/ 140.
(3)
في (ق): تصح.
(4)
في (ق): بفعل بريرة. والحديث أخرجه البخاري (2563) ومسلم (1504).
(وَقَالَ الْقَاضِي) وأصحابُه: (تَصِحُّ عَلَى عَبْدٍ مُطْلَقٍ)، صحَّحه ابنُ حَمْدانَ؛ كمَهْرٍ؛ لأِنَّ العِتْقَ لا يَلحَقُه الفَسْخُ، فجاز أنْ يكونَ الحَيَوَانُ المطلَقُ فيه عِوَضًا؛ كالعَقْل.
وذَكَرَ أبو بَكْرٍ: أنَّه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ ما لا يَجوزُ أنْ يكونَ عِوَضًا في البيع والإجارة؛ لا يَجوزُ أنْ يكونَ عِوَضًا في الكتابة؛ كالثَّواب المطلَقِ، ويُفارِقُ العَقْلَ؛ لأِنَّه بدلُ متلفٍ مُقدَّرٌ في الشَّرعِ، وهنا عِوَضٌ مُقدَّرٌ في عَقْدٍ، أشْبَهَ البَيعَ، ولأِنَّ الحَيَوانَ المطلَقَ لا تجوز الكتابةُ عَلَيهِ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
، إنَّما الخِلافُ في العبد المطلَقِ.
(وَلَهُ الْوَسَطُ)، وهو السِّنْدِيُّ؛ لأِنَّه كذلك عنده
(2)
في النِّكاح والخُلْع، فكذا هنا.
(وَتَصِحُّ على مالٍ وَخِدْمَةٍ)؛ لأِنَّ كُلًّا منهما يَصِحُّ أنْ يكونَ عِوَضًا في غَيرِ الكتابة، فَلْيَكُنْ فيها كذلك.
(سَوَاءٌ تَقَدَّمَتِ الْخِدْمَةُ أَوْ تَأَخَّرَتْ)؛ لأِنَّ تَقَدُّمَها وتأخُّرها لا يُخرِجُها عن كَونها صالحةً للعِوَض.
وظاهرُه: أنَّها تَصِحُّ على الخِدْمة الحالَّة لا المالِ، لأنَّ
(3)
المنْعَ منه في المال إنَّما كان لِئَلاَّ يتحقَّقَ
(4)
عَجْزُه عن أداء العِوَض، وهو مَفْقودٌ
(5)
في الخدمة.
فإنْ كاتَبَه في الشَّهر القابِلِ؛ صحَّ، كالمحرَّم في ذِي الحجَّة، ولو قدَّمها؛
(1)
ينظر: المغني 10/ 375.
(2)
في (ظ): عقده.
(3)
في (ظ): فإن.
(4)
قوله: (لئلا يتحقق) هو في (ق): ليتحقق. والمثبت موافق لما في الممتع 3/ 488.
(5)
في (ق): مقصود.
فأوَّلُها عُقَيبَ العَقْد مع الإطلاق.
ولو كاتَبَه على خدمةِ شَهْرٍ ودِينارٍ، ومحلُّه
(1)
سَلْخُ الشَّهر، أوْ في أثنائه أوْ عَيَّناهُ؛ وَجْهانِ؛ لاِتِّحاد المدَّة.
وإنْ شَرَطَه بَعْدَ الشَّهر بيومٍ أوْ أكثرَ؛ صحَّ، وإنْ شَرَطَه حالًّا فلا.
(وَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ)، فَقَبَضَه هو أوْ وَلِيُّ مجنونٍ، ولو من مجنونٍ، قاله في «التَّرغيب» ، (أَوْ أُبْرِئَ مِنْهُ)، والأصحُّ: أوْ بَعض ورثته الموسر من حقِّه؛ (عَتَقَ)؛ لأِنَّه لم يَبْقَ لسيِّده عليه شَيءٌ، ولا يَعتِقُ قَبْلَ أداءِ جميعِ الكتابة في ظاهِرِ كَلامِ الخِرَقِيِّ؛ لِما رَوَى عمرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا قال:«المكاتَبُ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ» رواه أبو داودَ
(2)
، دلَّ بِمَنطُوقِه: أنَّه لا يَعتِقُ حتَّى يُؤَدِّيَ جميعَ كتابته، وبمَفْهومه: أنَّه إذا أدَّاها لا يَبْقَى عَبْدًا، (وَمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ؛ فَهُوَ لَهُ)؛ لأِنَّه مالِكٌ له، بدليلِ صحَّةِ تصرُّفه فيه قَبْلَ العِتْقِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ إِذَا مَلَكَ مَا يُؤَدِّي؛ صَارَ حُرًّا)؛ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كان لِإحْداكُنَّ مُكاتَبٌ له ما يُؤَدِّي؛ فَلْتَحْتَجِبْ منه» رواه الخمسةُ، وصحَّحه التِّرمِذِيُّ
(3)
، وهو من روايةِ نَبْهانَ مَوْلَى أمِّ سَلَمةَ،
(1)
في (ق): محله.
(2)
أخرجه أحمد (6726)، وأبو داود (3926)، والنسائي في الكبرى (5008)، وابن ماجه (2519)، والطحاوي في شرح المعاني (4712)، والبيهقي في الكبرى (21638)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، وإسناده حسن، والحديث صحّحه الحاكم، وحسّنه النّوويّ وابن حجر والألباني، وقال ابن كثير:(وهو صحيح عنه)، أي عن عمرو بن شعيب. ينظر: البدر المنير 9/ 742، إرشاد الفقيه لابن كثير 2/ 117، بلوغ المرام (1431)، الإرواء 6/ 119.
(3)
أخرجه أحمد (26473)، وأبو داود (3928)، والترمذي (1261)، والنسائي في الكبرى (9184)، وابن ماجه (2520)، والحاكم (2867)، من طرق عن ابن عيينة، عن الزهريّ، عن نبهان، مولى أمّ سلمة، عن أمِّ سلمة رضي الله عنها مرفوعًا، ونبهان القرشيّ المخزوميّ: لم يروِ عنه إلاّ الزهريّ، ومحمد بن عبد الرحمن ولم يوثّقه معتبر إلاّ ابن حبان، فهو مجهول، ولهذا قال ابن حجر:(مقبول)، أي إذا توبع وإلاّ فهو ليّن الحديث، والحديث ضعّفه الشافعي وابن حزم والألباني، وقال الإمام أحمد:(نبهان روَى حديثًا عجيبًا)، قال ابن قدامة:(وكأنّه أشار إلى ضعف حديثه)، وصحّحه الترمذي والحاكم والذهبيّ. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 10/ 550، المغني 7/ 106، تهذيب الكمال 29/ 311، الإرواء 6/ 182.
وثَّقه ابنُ حِبَّانَ
(1)
، وتكلَّم فيه ابنُ عبدِ البَرِّ
(2)
، فَأَمَرَهُنَّ بالحِجاب بِمُجرَّدِ ملْكِه لمَا يُؤدِّيهِ، ولأِنَّه مالِكٌ لمالِ الكتابة، أشْبَهَ ما لَوْ أدَّاهُ.
(وَيُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ)؛ أيْ: إذا امْتَنَعَ من الأداء، أجْبَرَه الحاكِمُ؛ كسائرِ الدُّيونِ الحالَّةِ القادِرِ عَلَيها، فإنْ هَلَكَ ما في يَدِه قَبْلَ أدائه؛ صار دَيْنًا في ذِمَّتِه مع حُرِّيَّتِه.
والصَّحيحُ الأوَّلُ، وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ، ولأِنَّه عَلَّقَ عِتْقَه بعِوَضٍ، فلم يَعتِقْ قَبلَ الأداء، كما لو قال: إذا أدَّيتَ إليَّ ألْفًا؛ فَعَلَيها: إنْ أدَّى عَتَقَ، وقِيمتُه لسيِّده على قاتِلِه، وإنْ لم يُؤدِّ؛ لم يَعتِقْ.
وإن امْتَنَعَ من الأداء؛ فقال أبو بكرٍ: يُؤدِّيهِ الإمامُ عنه، ولا يَكونُ ذلك عَجْزًا.
ولا يَملِكُ السَّيِّدُ الفَسْخَ في الأصحِّ، ويَملِكُ تَعْجِيزَ نَفْسِه مع قُدْرته على الكَسْبِ، ولا يَملِكُه إنْ مَلَكَ وَفاءً على الأصحِّ.
(فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ الْأَدَاءِ)؛ ماتَ رقيقًا، وانْفَسَخَتِ الكِتابةُ، و (كَانَ مَا فِي يَدِهِ لِسَيِّدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ)؛ أيْ: إذا مات عن وفاءٍ، وقُلْنا: لا يَعتِقُ بملْكِه؛ انْفَسَخَت الكتابةُ في الصَّحيح عنه، وإنْ أعْتَقَ وارِثٌ مُوسِرٌ حقَّه؛ سَرَى في
(1)
الثقات لابن حبان (5/ 486).
(2)
ينظر: الاستذكار 6/ 169.
الأصحِّ، وضَمِنَ حقَّ بقيَّةِ الورثة، وإِنْ أُبْرِئَ من بعض النُّجوم؛ لم يَعتِقْ منه شَيءٌ في الأصحِّ.
(وَعَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: لِسَيِّدِهِ بَقِيَّةُ كِتَابَتِهِ، وَالْبَاقِي لِوَرَثَتِهِ)؛ أيْ: يَعتِقُ ويَموتُ حُرًّا، فيكونُ لسيِّده بقيَّةُ كتابته، والباقِي لِوَرَثته، رُوِيَ عن عليٍّ، وابنِ مسعودٍ، ومُعاويةَ
(1)
، وهو قَولُ أكثرِ أهلِ العِلْمِ.
وقال القاضي: يكونُ حُرًّا في آخِر جُزْءٍ مِنْ حياته؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم تَنفَسِخْ بالموت كالبيع.
والأوَّلُ أَوْلَى، وتُفارِقُ الكِتابةُ البَيعَ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ من المتعاقِدَينِ غَيرُ مَعْقودٍ عَلَيهِ، ولا يتعلَّقُ بعَينه، فلم يَنفَسِخْ
(2)
بتَلَفِه، بخِلافِ الكتابة.
فإنْ ماتَ ولم يُخلِّفْ وَفاءً؛ فلا خِلافَ في المذْهَبِ أنَّها تَنفَسِخُ ويموتُ رقيقًا، وما في يدِه لسيِّده، وهو قَولُ أكثرِ
(3)
أهلِ الفَتْوَى، إلاَّ أنْ يموتَ بَعْدَ أداءِ ثلاثةِ أرْباعِ مالِ الكتابة، ففيه خِلافٌ يأتي.
(وَإِذَا عُجِّلَتِ الْكِتَابَةُ قَبْلَ مَحِلِّهَا؛ لَزِمَ السَّيِّدَ الْأَخْذُ، وَعَتَقَ)، هذا هو المنصوصُ عن أحمدَ
(4)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ذَلِكَ إِذَا كَانَ فِي قَبْضِهِ ضَرَرٌ)، هذا روايةٌ؛ أنَّه لا يَلزَمُه قَبولُ المال إلاَّ عِنْدَ نُجومه؛ لأِنَّ بقاءَ المكاتَب في هذه المدَّة في ملْكِه
(1)
أثر عليٍّ وابن مسعود رضي الله عنهما تقدم تخريجه 7/ 226 حاشية (1)، (2).
وأثر معاوية رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (15664)، والبيهقي في الكبرى (21687)، عن معبد الجهني، أن معاوية قال في مكاتب مات وله ولد أحرار ومال:«أن يعطى سيده بقية كتابته، ويكون ما بقي لولده الأحرار» ، إسناده جيد، معبد الجهني هو القدري، صدوق مبتدع.
(2)
في (ق): فلم تنفسخ.
(3)
قوله: (أكثر) سقط من (ق).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4409.
حقٌّ له، ولم يَرْضَ بِزَواله، فلم يَزُلْ؛ كما لو علَّق عِتْقَه على شَرْطٍ؛ لم يَعتِقْ قَبْلَ وُجودِه.
والصَّحيحُ في المذهب الأوَّلُ، وأطْلَقَ أحمدُ والخِرَقِيُّ قَولَهما فيه، وهو مُقَيَّدٌ بما لا ضَرَرَ في قَبْضه قَبْلَ مَحِلِّه، كالذي لا يَختَلِفُ قَديمُه ولا حَديثُه، ولا يَحتاجُ إلى مُؤْنَةٍ.
وقال القاضِي: المذْهَبُ عِنْدِي: أنَّ فيه تَفْصيلاً ذَكَرْناهُ في السَّلَم.
واخْتارَ أبو بَكْرٍ: أنَّه يَلزَمُه قَبولُه من غَيرِ تَفْصيلٍ؛ اعْتِمادًا على إطْلاقِ أحمدَ والخِرَقِيِّ، رواه سعيدٌ عن عمرَ وعُثْمانَ
(1)
، ولأِنَّ الأجلَ حقٌّ لِمَنْ عَلَيهِ الدَّينُ، فإذا قدَّمه؛ فقد رَضِيَ بإسْقاطِ حقِّه، فَسَقَطَ كسائر الحقوق.
(1)
لم نقف عليه عند سعيد بن منصور، وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 120)، والبيهقي في الكبرى (21707)، وابن حزم (8/ 251)، عن أنس بن سيرين، عن أبيه، قال: كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألف درهم، فأتيت أنس بن مالك بكتابته، فأبى أن يقبلها مني إلا نجومًا، فأتيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكرت ذلك له، فقال:«أراد أنس الميراث» ، وكتب إلى أنس:«أن اقبلها من الرجل» . فقبلها. قال ابن حزم: (هذا أحسن ما روي فيه عن عمر، وسائرها منقطع)، وصححه الألباني في الإرواء 5/ 217. وروي من وجوه أخرى عند ابن وهب في المدونة (2/ 464)، وابن أبي شيبة (22548)، والدارقطني (4215)، وغيرهم ولا تخلو من ضعف.
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (22546)، والبيهقي في الكبرى (21710)، عن محمد بن سيرين، قال: أراد مكاتب أن يُعطي مولاه المال كله، فقال: لا آخذه إلا نجومًا، فكتب له عثمان عتقه، فأخذ المال، وقال:«أنا أعطيكه نجومًا، فلما رأى ذلك الرجل أخذ المال» . وذكر ابن المبارك عند البيهقي أن قتادة روى نحوه عن عثمان رضي الله عنه. وأخرج عبد الرزاق (15714)، عن أبي قلابة عن عثمان نحوه. فهذه مراسيل حسان، يتقوَّى بعضها ببعض، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور (8/ 4409). وروى ابن وهب كما في المدونة (2/ 465)، ومن طريقه ابن حزم (8/ 251)، وابن عساكر في تاريخه (11/ 506)، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، أن أباه كاتب عبدًا له، وذكر قصة نحوها عن عثمان. رواه ابن وهب عن ابن لهيعة، وهو ضعيف، وروايته عنه أمثل من غيرها.
لا يُقالُ: إذا علَّقَ عِتْقَ رقيقه على فِعْلٍ في وَقْتٍ، فَفَعَلَه
(1)
في غَيرِه لا يَعتِقُ؛ لأِنَّه مَلَكَ صفةً مجرَّدةً لا يَعتِقُ إلاَّ بِوُجودها، والكتابةُ مُعاوَضةٌ يَبْرَأُ فيها بأداء العِوَضِ، فافْتَرَقَا.
فَرْعٌ: لو أحْضَرَ مالَ الكتابة أوْ بَعضَه لِيُسلِّمَه، فقال السَّيِّدُ: هو حرامٌ، وأنْكَرَه المكاتَبُ؛ قُبِلَ قَولُه، وَوَجَبَ قَبْضُه ويَعتِقُ به.
وإنْ أقامَّ السَّيِّدُ بيِّنةً بتحريمِه؛ لم يَجُزْ له أخْذُه، وإلاَّ فله تحليفُ عَبْدِه أنَّه حَلالٌ، فإنْ نَكَلَ؛ حَلَفَ سيِّدُه، وله قَبْضُه مِنْ دَينٍ آخَرَ عَلَيهِ وتَعجِيزه.
وفي تَعْجيزِه قَبْلَ أخْذِ ذلك عن جهةِ الدَّين وَجْهانِ.
وإنْ حَلَفَ العَبْدُ؛ قِيلَ لسيِّده: إمَّا أنْ تأخُذَه أوْ تَبْرَأَ منه، فإنْ أبَى؛ أَخَذَه الحاكِمُ.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ المُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ، وَيَضَعَ عَنْهُ بَعْضَ كِتَابَتِهِ)، مِثْلَ أنْ يُكاتِبَه على نَجْمَينِ إلى سنةٍ، ثُمَّ قال: عجِّلْ لي خمسَمائَةٍ حتَّى أضَعَ عنك الباقِي، أوْ قال: صالِحْنِي على خمسِمائةٍ مُعجَّلةٍ؛ جاز ذلك، وهو قَولُ طاوُسٍ والزُّهْرِيِّ؛ لأِنَّ مالَ الكتابة غَيرُ مُسْتَقِرٍّ، ولا هو من الدُّيون الصَّحيحة؛ لأِنَّه لا يُجبَرُ على أدائه، ولا تَصِحُّ الكفالةُ به، وإنِّما جَعَلَ الشَّرعُ هذا العقدَ وسيلةً إلى العِتْق، وأوْجَبَ فيه التَّأجيلَ؛ مُبالَغَةً في تحصيل العتق، وتخفيفًا عن المكاتب، وإذا أمْكَنَه التَّعجيلُ على وَجْهٍ يَسقطُ عنه بعضُ ما عَلَيهِ، كان أبْلَغَ في حصول العتق.
وإنِ
(2)
اتَّفقا على الزِّيادة في الدَّين والأجلِ؛ لم يَجُزْ، وفيه احْتِمالٌ، فعلى هذا: لو اتَّفَقا على ذلك، ثُمَّ رَجَعَ أحدُهما قَبْلَ التَّعجيل؛ صحَّ رجوعُه.
(1)
في (ق): يفعله.
(2)
في (ق): فإن.
فَرْعٌ: إذا صالَحَ المكاتَبُ سيِّدَه عمَّا في ذِمَّته بغَيرِ جِنْسه؛ صحَّ، إلاَّ أنَّه لا يَجوزُ أنْ يُصالِحَه على شَيءٍ مُؤجَّلٍ؛ لأِنَّه يكونُ بَيعَ دَينٍ بدَينٍ.
وإنْ صالَحَه عن أحدِ النَّقْدَينِ بالآخَر، أو عن الحِنْطة بشَعِيرٍ؛ لم يَجُزِ التَّفرُّقُ قَبْلَ القَبْض؛ لأِنَّه بَيعٌ في الحقيقة.
وقال القاضِي: لا تَصِحُّ هذه المصالَحةُ مُطلَقًا؛ لأِنَّ هذا دَينٌ من شَرْطِه التَّأجيلُ.
وقال ابْنُ أبي مُوسَى: لا يَجْرِي الرِّبا بَينَ المكاتَبِ وسيِّدِه، فَعَلَى قَولِه: تَجوزُ المصالحةُ كَيفَ ما كانت؛ كعبده القِنِّ وسيِّده.
والأوَّلُ أَوْلَى.
(وَإِذَا أَدَّى وَعَتَقَ، فَوَجَدَ السَّيِّدُ بِالْعِوَضِ عَيْبًا؛ فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْعِتْقُ)، إذا بانَ بالعِوَض عَيبٌ فأمْسَكَه؛ اسْتَقَرَّ العِتْقُ؛ لأِنَّ إمْساكَه المعيبَ راضِيًا به؛ رِضًى منه بإسْقاطِ حقِّه، فَجَرَى مَجْرَى إبْرائِه.
وإنِ
(1)
اخْتارَ إمْساكَه وأخْذ أرْش العَيبِ؛ فله ذلك، وإنْ ردَّه أَخَذَ عِوَضَه، وهو المرادُ بقَولِه: أوْ قِيمته، قال أبو بكرٍ: وقِياسُ قَولِ أحمدَ: أنَّه لا يَبطُلُ العِتْقُ؛ لأِنَّه إتْلافٌ، فإذا حُكِمَ بوقوعه؛ لم يَبطُلْ، أشْبَهَ الخُلْعَ.
وقال القاضي: يتوجَّه أنَّ له الرَّدَّ، ويُحكَمُ بارْتِفاع العِتْقِ؛ لأِنَّ الكتابةَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ يَلحَقُه الفَسْخُ بالتَّراضِي؛ كالمبيع، أمَّا إذا دَفَعَ مالَ الكتابةِ، فَبَانَ مُسْتَحَقًّا تبيَّنَّا أنَّ العِتْقَ لم يَقَعْ؛ لأِنَّ وُجودَ هذا الدَّفْعِ كَعَدَمِه؛ لأِنَّه لم يؤدِّ
(2)
الواجِبَ عَلَيهِ.
(1)
في (ظ): إن.
(2)
في (ق): لم يرد.
(فَصْلٌ)
(وَيَمْلِكُ المُكَاتَبُ أَكْسَابَهُ، وَمَنَافِعَهُ، وَالْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ)، بالإجْماع
(1)
؛ لأِنَّ عَقْدَ الكتابة لتحصيلِ العِتْق، ولا يَحصُلُ إلاَّ بأداءِ عِوَضِه، وهو مُتَعذِّرٌ إلَّا بالاِكْتِساب، والبيعُ والشِّراءُ مِنْ أقْوَى جِهاتِ الاِكْتِسابِ، فإنَّه قد جاءَ في الأثَرِ:«أنَّ تسعةَ أعْشارِ الرِّزْق في التِّجارة»
(2)
، (وَالْإِجَارَةَ، وَالاِسْتِئْجَارَ)؛ كالبَيعِ، (وَالسَّفَرَ)، قَريبًا كان أوْ بعيدًا؛ لأِنَّه من أسبابِ الكَسْبِ، وقد أطْلَقَ القَولَ فيه.
وقِياسُ المذْهَبِ: أنَّ له مَنْعَه مِنْ سَفَرٍ تَحِلُّ نُجومُ كتابته قَبْلَ قُدومِه؛ كالغَريمِ الذي يَحِلُّ الدَّينُ عَلَيهِ قَبْلَ مُدَّةِ سَفَرِه.
(وَأَخْذَ الصَّدَقَةِ)، واجبةً كانَتْ أوْ مُستَحَبَّةً؛ لأِنَّ الله تعالى أَذِنَ للمُكاتَبِينَ الأخْذَ من الواجِبة، فالمستَحَبَّةُ أَوْلَى.
(وَالْإِنْفَاقَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَرَقِيقِهِ)؛ لأِنَّ ذلك مِمَّا لا غِنَى عنه، والمرادُ بالولد؛ أي: التَّابع له؛ كَوَلِده مِنْ أمَته، فإنْ عَجَزَ، ولم يَفسخْ سيِّدُه كِتابَتَه؛ فتَلزَمُ
(3)
النَّفقةُ لسيِّده
(4)
، وللمُكاتَبِ النَّفقةُ على وَلَدِه مِنْ أَمَةٍ لسيِّده، وفِيهِ من
(1)
ينظر: المغني 10/ 397.
(2)
أخرجه مسدّد كما في إتحاف الخيرة (2730)، وفي المطالب العالية (1434)، من طريق داود بن أبي هند، عن نُعيم بن عبد الرحمن بلاغًا. ونعيم بن عبد الرّحمن الأزدي، ذكره البخاريّ وابن أبي حاتم وابن حبّان وغيرهم في التّابعين، وقال أبو حاتم والعسكريّ:(روى عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم مرسلاً، ولم يلقه)، فالحديث مرسل كما قاله العراقيّ، وقال البوصيري:(هذا إسناد ضعيف، لجهالة نعيم بن عبد الرحمن). ينظر: الجرح والتعديل 8/ 361، التاريخ الكبير 8/ 97، المغني عن حمل الأسفار ص 504، الإصابة 6/ 400.
(3)
في (ق): فيلزم.
(4)
أي: على سيده. ينظر الشرح الكبير 24/ 423.
مكاتَبَةٍ
(1)
لسيِّده احْتِمالانِ.
(وَكُلَّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الْمَالِ)؛ أيْ: يَملِكُ كلَّ تصرُّفٍ فيه صلاحُ المال؛ كأداء أرْشِ الجناية، وجَرَيانِ الرِّبا بَينَهما؛ لأِنَّه صار لِمَا بَذَلَه من العِوَضِ كالحرِّ، وله المطالبة بالشُّفْعة، والأخْذُ بها من سيِّده ومِنْ غَيرِه، وعَكْسُه لو اشْتَرَى المكاتَبُ شِقْصًا لسيِّده فيه شِرْكٌ
(2)
؛ فله الأخْذُ بالشُّفعة من المكاتَب.
(وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُسَافِرَ، وَلَا يَأْخُذَ الصَّدَقَةَ؛ فَهَلْ يَصِحُّ الشَّرْطُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: إذا شَرَط عليه أنْ لا يُسافِرَ، فهو شرطٌ باطلٌ، قاله القاضي وجَمْعٌ؛ لأِنَّه يُنافِي مُقتَضَى العَقْدِ، فلم يَصِحَّ شَرْطُه؛ كشَرْطِ تَرْكِ الاِكْتِساب.
والثَّاني، وقاله أبو الخَطَّاب، وهو الأصحُّ: أنَّه يَصِحُّ شَرْطُه؛ لأِنَّ له فيه فائدةً، فَلَزِمَ كما لو شَرَطَ نَقْدًا معلومًا، فَعَلَيهِ لسيِّده مَنْعُه منه، فإنْ سافَرَ فله ردُّه إنْ أمْكَنَه، وإلاَّ مَلَكَ تعجيزَه وردَّه إلى الرِّقِّ؛ لأِنَّه لم يَفِ بشَرْطه.
وقِيلَ: لا يَملِكُ ذلك؛ كإمْكانِه ردَّه.
وأمَّا إذا شَرَطَ عليه أنْ لا يسأل النَّاس؛ فقال أحمدُ
(3)
: قال جابِرُ بنُ عبد الله: «هم على شُروطِهم»
(4)
، فظاهِرُه: أنَّ الشَّرْطَ لازِمٌ، وهو الأصحُّ، وأنَّه إنْ خالَفَ مَرَّةً؛ لم يُعجِّزْه، بخلاف المرَّتَينِ فأكثرَ، قال أبو بَكْرٍ: إذا رآه يَسألُ النَّاسَ
(5)
مرَّةً في مرَّةٍ؛ عَجَّزه، كما إذا حلَّ نجمٌ في نَجْمٍ، ولأِنَّ فيه
(1)
في (ق): مكاتبه.
(2)
في (ق): شركة.
(3)
ينظر: المغني 10/ 397.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (15717)، والطحاوي في معاني الآثار (4724)، والبيهقي في الكبرى (21682)، وابن حجر في التغليق (3/ 414). وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 198).
(5)
قوله: (الناس) سقط من (ق).
غَرَضًا صحيحًا، وهو أنْ لا يكونَ كَلًّا على النَّاس، ولا يُطعِمَه من صدقتهم وأوْساخهم.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب: أنَّه لا يَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لأِنَّه تعالى جَعَلَ لهم سَهْمًا من الصَّدقة، فلا يَصِحُّ الاِشْتِراطُ حِينَئِذٍ، كما لا يَصِحُّ شَرْطُ نَوعٍ من التِّجارة.
فَرْعٌ: إقْرارُ المكاتَب بالبيع والشِّراء والعَيب والدَّين؛ صحيحٌ؛ لأِنَّ مَنْ مَلَكَ شَيئًا مَلَكَ الإقْرارَ به، ويتعلَّقُ دَينُه بِذِمَّته
(1)
؛ لأِنَّه في يَدِ نَفْسِه، فَلَيسَ من السَّيِّد غُرورٌ، بخِلافِ المأْذونِ له.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَلَا يَتَسَرَّى، وَلَا يَتَبَرَّعَ، وَلَا يُقْرِضَ، وَلَا يُحَابِيَ، وَلَا يَقْتَصَّ مِنْ عَبْدِهِ الْجَانِي عَلَى بَعْضِ رَقِيقِهِ، وَلَا يُكَاتِبَ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)، وفِيهِ مَسائِلُ:
الأولى: لَيس للمكاتَبِ أنْ يَتزَوَّجَ إلاَّ بإذْنِ السَّيِّد في قَولِ عامَّتهم.
وقِيلَ: له ذلك، بخلاف المكاتَبَةِ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ كالبيع.
ورُدَّ: بأنَّه يَدخُلُ في قَوله عليه السلام: «أيُّما عبدٍ تزوَّجَ بغَيرِ إذْنِ سيِّده؛ فهو عاهِرٌ»
(2)
، ولأِنَّ على السَّيِّد في ذلك ضَرَرًا؛ لأِنَّه يَحتاجُ أنْ يؤدِّيَ المهرَ
(1)
في (ق): وتتعلق ذمته بذمته.
(2)
أخرجه أحمد (14212)، وأبو داود (2078)، والترمذي (1111)، وابن الجارود (686)، والحاكم (2787)، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا، وعبد الله مختلف فيه، وبه أعلّ الحديث غير واحد، كابن دقيق العيد وابن الملقن، قال الترمذي:(هو صدوق، وقد تكلّم فيه بعض أهل العلم من قبل حفظه، وسمعت محمد بن إسماعيل، يقول: كان أحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم والحميدي يحتجّون بحديث عبد الله بن محمد بن عقيل، قال محمّد - يعني البخاريّ -: وهو مقارب الحديث)، والحديث صحّحه ابن الجارود والحاكم والذهبيّ، وحسّنه الترمذيّ، وقال:(حديث حسن صحيح)، وقال مرةً أخرى:(حديث جابر حديث حسن، وروَى بعضهم هذا الحديث، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن عمر، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم ولا يصحّ، والصّحيح عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر)، وحسنه الألباني. ينظر: الإلمام 2/ 633، نصب الراية 3/ 203، البدر المنير 7/ 592، الدراية 2/ 64، الإرواء 6/ 351.
والنَّفقةَ مِنْ كَسْبه، وربَّما عَجَزَ فيُرَقُّ، ويَرجِعُ إليه ناقِصَ القيمة.
أمَّا إذا أَذِنَ سيِّدُه؛ جاز؛ لمفهومِ الخَبَرِ، ولأِنَّ المنْعَ لِحَقِّه، فإذا أَذِنَ فقد أسْقَطَ حقَّه، مع أنَّه لو أَذِنَ للقنِّ لَصَحَّ، فالمكاتَبُ أَوْلَى.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُزوِّجُ عَبدَه ولا أَمَتَه إلاَّ بإذْنِ سيِّده على الأصحِّ.
وعن القاضي: له تزويجُ الأَمَة فَقَطْ؛ لأِنَّه يأخُذُ عِوَضًا في تَزْويجِها.
ولنا: أنَّ على السَّيِّد فيه ضَرَرًا، ويَلزَمُه نفقةُ امْرَأَتِه ومَهْرُها، وهي تُملِّك
(1)
الزَّوجَ بُضْعَها وتَنقُص قِيمتها، وتسلِّم نفسَها لَيْلاً، وكَسْبُها لسيِّدها.
الثَّانيةُ: إذا أذِنَ له في التَّسرِّي جاز؛ لأِنَّ ملكَهُ ناقِصٌ، قال الزُّهْرِيُّ: لا يَنبَغِي لأِهْلِه أنْ يَمنَعُوه من التَّسرِّي. وعن أحمدَ: المنْعُ. وعنه: عَكْسُه. ورُدَّ: بأنَّ على السَّيِّد ضرَرًا، فمُنِعَ
(2)
منه كالتَّزويج، لكِنْ لا يَعتِقُ عَلَيهِ؛ لأِنَّ ملْكَه غَيرُ تامٍّ، ولَيسَ له بَيعُه؛ لأِنَّه وَلَدُه، ويكونُ مَوقُوفًا على كتابته، فإنْ أدَّى؛ عَتَقَ، وعَتَقَ الولدُ؛ لأِنَّه يَملِكُ، أشْبَهَ الحرَّ، وإنْ عَجَزَ؛ عاد إلى الرِّقِّ.
الثَّالِثةُ: لَيسَ له اسْتِهْلاكُ ماله ولا هِبَتُه بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لأِنَّ حقَّ السَّيِّد لم يَنقَطِعْ عنه؛ لأِنَّه قد يَعجِزُ فيَعودُ إلَيهِ، ويَجوزُ بإذْنِ سيِّده؛ دَفْعًا لِضَرَرِه.
الرَّابِعةُ: أنَّه لا يُقرِضُ إلاَّ بإذْنِ سيِّده؛ لأِنَّه بعَرَضِيَّة أنْ لا يعودَ إليه بفَلَسِ أو مَوتِ المقْتَرِض، ولا شَيءَ معه، ولم يَذكُرُوا قَرْضَه بِرَهْنٍ.
الخامِسةُ: أنْ لا يُحابِيَ بالمال إلاَّ بإِذْن سيِّدِه؛ لأِنَّه تبرُّعٌ، فمُنِعَ منه كالْهِبَة، ولأِنَّ في ذلك ضَرَرًا على السَّيِّد.
(1)
في (ظ): بملك.
(2)
في (ق): يمنع.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 19/ 245.
السَّادسةُ: لَيسَ له أنْ يَقْتَصَّ من عَبْدِه الجاني على بعضِ رقيقِه إلاَّ بإذْنِ سيِّده؛ لأِنَّه إتْلافٌ لماله باخْتِياره، ولِمَا في ذلك من الضَّرَر.
وقال القاضي: له ذلك؛ لأِنَّه من مصالِحِ ملْكِه؛ لأِنَّه إذا لم يَسْتَوْفِ منه؛ صار وسيلةً إلى إقْدامِ بعضِهم على بعضٍ.
السَّابِعةُ: لَيسَ له أنْ يُكاتِبَ بعضَ رقيقِه إلاَّ بإذْنِ سيِّده؛ لأِنَّه لَيسَ له أنْ يُعْتِقَ، فلم يَكُنْ له أنْ يُكاتِبَ؛ كالمأْذُونِ له في التِّجارة.
(وَوَلَاءُ مَنْ يُعْتِقُهُ وَيُكَاتِبُهُ لِسَيِّدِهِ)؛ لأِنَّه إذا ثَبَتَ له الوَلاءُ على المكاتَبِ؛ فَلَأَنْ يَثبُتَ على مَنْ أنْعَمَ عَلَيهِ المكاتَبُ بطَريقِ الأَوْلَى.
وقِيلَ: له إنْ عَتَقَ.
(وَلَا يُكَفِّرُ بِالْمَالِ)؛ لأِنَّه عَبْدٌ لا تَلزَمه
(1)
زَكاةٌ ولا نفقةُ قَرِيبٍ.
(وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ)، صحَّحها في «المغْنِي» ، وقدَّمها في «الفروع» ؛ لأِنَّ الحقَّ للسَّيِّد، وقد أَذِنَ فيه.
قال ابنُ المنَجَّى: وهذا الخِلافُ في الجَواز لا الوُجوبِ؛ لأِنَّه لو وَجَبَ عليه التَّكفيرُ بالمال؛ لكان عليه في ذلك ضَرَرٌ؛ لِما فِيهِ من إفْضائه إلى تفويتِ الحُرِّيَّة، فلم يَجِب التَّكْفِيرُ بالمال؛ كالتَّبرُّع.
(وَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ، أَوْ يُضَارِبَ بِمَالِهِ؟) أوْ يَبِيعَ نَساءً ولو بِرَهْنٍ، وهِبَتُه بعِوَضٍ، وقَوَدُه من بعض رقيقه الجاني على بعضه إذا كَفَلَ بعضٌ بعضًا وَحْدَه، وعِتْقُه بمالٍ في ذِمَّته، وقَوَدُه لنفسه ممَّن جَنَى على طَرَفِهِ بلا إِذْنٍ؟ (يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)؛ كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدهما: لا يَجُوزُ، وجَزَمَ
(2)
به في «الوجيز» ؛ لِمَا في ذلك من الضَّرَر
(1)
في (ظ): لا يلزمه.
(2)
في (ق): جزم.
على السَّيِّد، ورُبَّما فيه غَرَرٌ مِنْ حَيثُ إنَّه سلَّم مالَه لغَيرِه.
والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّ ذلك قد يكون سببًا للرِّبْح، أشْبَهَ الاِسْتِدانةَ من غَيرِ رَهْنٍ.
مسائلُ:
الأولى: لَيسَ له أنْ يَحُجَّ إن احْتاجَ إلى إنفاق ماله فيه، ونَقَلَ الميمُونِيُّ: له أنْ يَحُجَّ ما لم يَحلَّ نَجْمٌ
(1)
، وهو محمولٌ على أنَّه لا يَحُجُّ إلاَّ بإِذْنِ سيِّده، قاله في «المغْنِي» ، فإنْ أمْكَنَه الحجُّ من غَيرِ إنْفاقِ مالِه؛ فيَجوزُ إذا لم يأتِ نَجْمُه.
الثَّانيةُ: لا تَجوزُ هديَّةٌ
(2)
للمأْكولِ، وإعارةُ دوابِّه، والتَّوسعةُ عليه في النَّفقة.
ويَحتَمِلُ الجَوازُ، ولا يَضمَنُ، قال الحُلْوانِيُّ: له إطعامُ الطَّعام لِضِيفانِه، وإعارةُ أواني منزلِه مطلَقًا.
الثَّالثة: إذا شَرَطَ الخِدْمةَ؛ فله ذلك، وإلاَّ فلا، نَقَلَه الميْمُونِيُّ
(3)
، وفي «الاِنتصار»: يَستَمْتِعُ بجارِيَته، ويَستَخْدِمُها، ويَتَصرَّفُ بمَشيئَتِه إلاَّ بتبرُّعٍ.
(وَلَيْسَ لَهُ شِرَاءُ ذَا رَحِمِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)، اختاره أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه تصرُّفٌ يُؤدِّي إلى إتْلافِ مالِه، فإنَّه يَخرُجُ مِنْ ثُلثه، فلم يَجُزْ كالهِبة.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ ذَلِكَ)، رجَّحه في «الشَّرح» ، وصحَّحه ابنُ حَمْدانَ؛ كتملُّكهم بالوصيَّة والهِبة؛ إذْ لا ضَرَرَ في ذلك، فإنَّه إنْ عَجَزَ؛ فهم عبيدٌ، وإنْ عَتَقَ لم يَضُرَّ السَّيِّدَ عِتْقُهم.
(1)
ينظر: المغني 10/ 395.
(2)
في (ق): هديته.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 146.
ومِثلُه الفِداءُ، قالَهُ في «المنتخب» ، وفيه: في «التَّرغيب» : يَفْدِيهِ بقِيمَتِه.
ويَصِحُّ شِراءُ مَنْ يَعتِقُ على سيِّده، ذَكَرَه في «الانتصار» و «التَّرغيب» ، فإنْ عَجَزَ عَتَقُوا.
(وَلَهُ أَنْ يَقْبَلَهُمْ إِذَا وُهِبُوا لَهُ، أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِمَالِهِ)؛ لأِنَّه لَيسَ في القَبول إتْلافُ مالٍ ولا ضَرَرٌ، مع أنَّه سببٌ لِتَحْصِيلِ الحُرِّيَّة بتقديرِ الأداء، وذلك مطلوبٌ شَرْعًا.
(وَمَتَى مَلَكَهُمْ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيْعُهُمْ)، ولا إخْراجُهم عن ملْكِه؛ لأِنَّ مَنْ يَعتِقُ عَلَيهِ يُنزَّلُ مَنزِلةَ جُزْئِه، فلم يَجُزْ ذلك كبَعْضِه، (وَلَهُ كَسْبُهُمْ)؛ لأِنَّهم مَمالِيكُه.
(وَحُكْمُهُمْ حُكْمُهُ)؛ لأِنَّهم تَبَعٌ له، (فَإِنْ عَتَقَ؛ عَتَقُوا)؛ أيْ: لأِنَّه إذا أدَّى عَتَقَ وكمُلَ ملْكُه فيهم، فَعَتَقُوا حِينَئِذٍ، وولاؤهم له دُونَ سيِّده، واخْتارَ في «المغْنِي»: أنَّهم يَعتِقُونَ بإعْتاقِ سيِّده لهم، وإنْ أعْتَقَهم المكاتَبُ بإذْنِ سيِّده عَتَقُوا، (وَإِنْ رَقَّ؛ صَارُوا رَقِيقًا لِلسَّيِّدِ)، ونَفَقتُهم على المكاتَب؛ لأِنَّهم عَبِيدُه، فإنْ أعْتَقَهم السَّيِّدُ؛ لم يَعْتِقُوا؛ لأِنَّهم لَيسُوا عَبِيدًا له.
(وَكَذَلِكُ الْحُكْمُ فِي وَلَدِهِ مِنْ أَمَتِهِ)؛ لأِنَّه مِنْ ذَوِي رَحِمِه، فكان حكمُه حكمَه.
(وَوَلَدُ الْمُكَاتَبَةِ الذِي وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ يَتْبَعُهَا)؛ لأِنَّ الكتابةَ سببٌ للعِتْق، فَسَرَى إلى الولد كالاِسْتِيلادِ، فإنْ عَتَقَتْ بالأداء أو الإبْراء؛ عَتَقَ، وسَواءٌ كان حَمْلاً حالَ الكتابة أوْ حَدَثَ بَعْدَها، فأمَّا قَبْلَ الكتابة فلا يَتْبَعُها؛ لأِنَّه لو باشَرَها بالعتق لم يَتْبَعْها وَلَدُها؛ فَلَأَنْ لا يَتْبَعَها في الكتابة بطَريقِ الأَوْلَى.
فَرْعٌ: قِيمةُ الولَدِ إنْ تَلِفَ، وكَسْبُه، وأَرْشُ الجناية عَلَيهِ؛ لأِمِّه، ونَفَقَتُه عَلَيها، وإنْ ماتَتْ أُمُّه؛ عاد رقيقًا، فإنْ خلَّفَ وَفاءً؛ انْبَنَى على فَسْخِ الكتابة.
وإنْ عَتَقَتْ بغَيرِ الأداء أو الإبراء؛ لم يَعتِقْ وَلَدُها في الأصحِّ.
وإنْ أعْتَقَ السَّيِّدُ وَلَدَها دُونَها صحَّ، نَصَّ عليه
(1)
، وقال القاضي: لَا.
وَوَلَدُ بِنْتِها؛ كبِنْتِها، وولد ابْنِها؛ حُكمُه حُكمُ أُمِّه.
(وَإِنِ اشْتَرَى الْمُكاتَبُ زَوْجَتَهُ)، أو المكاتبَةُ زَوجَها؛ صحَّ؛ لأِنَّه يَملِكُ التَّصرُّفَ فيه، وإذا مَلَكَ أحدُهما صاحبَه؛ (انْفَسَخَ نِكَاحُهَا)؛ لأِنَّه لا يَجتَمِعُ ملْكُ اليَمِينِ وملْكُ النِّكاح.
ولو زَوَّج ابْنَتَه من مكاتَبِه، فمات السَّيِّدُ قَبْلَ عِتْقِه؛ انْفَسَخ النِّكاحُ.
(وَإِنِ اسْتَوْلَدَ أَمَتَهُ، فَهَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ بَيْعُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
المذْهَبُ: أنَّها تصيرُ أمَّ وَلَدٍ له، يَمتَنِعُ عليه بَيعُها؛ لأِنَّها مُسْتَوْلَدَتُه، أشْبَهتْ مَسْتَوْلَدَةَ الحُرِّ.
والثَّاني: لَا؛ لأِنَّها حَمَلَتْ بمَمْلوكٍ في غَيرِ ملْكٍ تامٍّ.
(1)
ينظر: المغني 10/ 432.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَمْلِكُ السَّيِّدُ شَيئًا مِنْ كَسْبِهِ)؛ لأِنَّه اشْتَرى نفسَه، ولا يَبقَى ذلك لبائعه؛ كسائر المبِيعات، ولأِنَّ الملْكَ الواحِدَ لا يَتَوَارَدُ عليه مالِكانِ في وقتٍ واحدٍ.
(وَلَا يَبِيعُهُ دِرْهَمًا بِدِرْهَمَيْنِ)؛ لأِنَّ المكاتَبَ مع سيِّده كالأجْنَبِيِّ، فيَحرُمُ الرِّبا بَينَهما في الأصحِّ، إلاَّ في مالِ الكتابة.
(وَإِنْ جَنَى عَلَيْهِ)؛ فلا قِصاصَ، لكِنْ يَجِبُ (عَلَيْهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ)؛ لأِنَّه معه كالأجنبيِّ، ولا يَجِبُ إلاَّ بِانْدِمالِ الجُرْحِ، فإنْ قُتِلَ؛ فَهَدَرٌ.
(وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً)، وظاهِرُ كلامِ المؤلِّف: أوْ مَنَعَه مُدَّةً؛ (فَعَلَيْهِ)؛ أيْ: على السَّيِّد (أَرْفَقُ الْأَمْرَيْنِ بِهِ مِنْ إِنْظَارِهِ مِثْلَ
(1)
تِلْكَ الْمُدَّةِ)؛ لأِنَّ ذلك نَظِيرُ ما فاتَه، (أَوْ أُجْرَةِ مِثْلِهِ)؛ لأِنَّه فَوَّتَ مَنافِعَه، فَلَزِمَه عِوَضُها كالعبدِ.
وقِيلَ: يَلزَمُه أرْفَقُهما بمُكاتَبِهِ؛ لأِنَّه وُجِدَ سببُها، فكان له أنْفَعُهما.
فإنْ قَهَرَه أجنبيٌّ؛ لَزِمَه أجْرةُ مِثْلِه، وإن قَهَرَه أهلُ الحرب؛ لم يَلزَم السَّيِّدَ إنْظارُه؛ لأِنَّ الحَبْسَ لَيسَ من جِهَتِه.
(وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَطَأَ مُكَاتَبَتَهُ)؛ لأِنَّه زالَ ملْكُه عن اسْتِخْدامها، وأَرْشُ الجناية عَلَيها، فمُنِعَ مِنْ وَطْئِها؛ كالمعتَقَة، (إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ) فله ذلك، نَصَّ عليه
(2)
، ونَصَرَهُ في «الشَّرح» ؛ لِبَقاءِ أصلِ الملْكِ؛ كراهِنٍ يَطَأُ بِشَرْطٍ، ذَكَرَه في «عيون المسائل» و «المنتخب» .
وعنه: لا، اخْتارَه أبو الخَطَّاب واختاره ابنُ عَقِيلٍ.
(1)
قوله: (مثل) سقط من (ق).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4432.
وفي «الشَّرح» : وقِيلَ: له وَطْؤُها في الوقت الذي لا يَشغَلُها عن الكَسْبِ.
(فَإِنْ
(1)
وَطِئَهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ، أَوْ وَطِئَ أَمَتَهَا؛ فَلَهَا عَلَيْهِ الْمَهْرُ)؛ لأِنَّه عِوَضُ شَيءٍ مُستَحَقٍّ للكتابة، فكان لها؛ كبقيَّة مَنافِعِها، وسَواءٌ أكْرَهَها عليه أوْ طاوَعَتْه؛ لأِنَّه عِوَضُ مَنفَعَتِها، فَوَجَبَ لها؛ كأجْرةِ خِدمَتِها.
وقِيلَ: إنْ طاوَعَتْه فلا.
(وَيُؤَدَّبُ)؛ لأِنَّه وَطِئَ وطْئًا مُحرَّمًا، (وَلَا يُبْلَغُ بِهِ الْحَدُّ)؛ لأِنَّ الحَدَّ يُدْرَأُ بالشُّبهات، والمكاتَبةُ مَمْلوكةٌ في قَولِ عامَّتهم، وإنْ كان أحدُهما عالِمًا تحريمَ ذلك والآخَرُ جاهِلاً؛ عُزِّرَ العالِمُ، وعُذِرَ الجاهِلُ.
(وَإِنْ شَرَطَ وَطْأَهَا؛ فَلَا مَهْرَ لَهَا عَلَيْهِ)؛ لِما تقدَّم من صحَّةِ اشْتِراطه، وكذا لا تعزيرَ عَلَيه؛ لأِنَّه وَطِئَ ملْكَه، فإنْ أوْلَدَها بشرط صارَتْ أمَّ ولدٍ له، وهو حُرٌّ يَلحَقَه نَسَبُه، ولا يَلزَمُه قِيمتُه؛ لأِنَّها وَضَعَتْه في ملكِه، ولا تَبطُلُ كتابتُها بذلك.
أصلٌ: لَيسَ له وَطْءُ بنتِ مكاتَبَتِه، فإنْ وَطِئَها عُزِّر، ومَهرُها حُكمُه حُكمُ كَسْبِها، يكونُ لأُمِّها تَستَعِينُ به في كتابتها.
فإنْ أحْبَلَها؛ صارتْ أُمَّ وَلَدٍ له، والولَدُ حرٌّ، يَلحَقُه نَسَبُه، ولا تَجِبُ
(2)
عَلَيهِ قِيمتُها، ولا قِيمةُ وَلَدِها على الأَشْهَرِ.
ولَيسَ له وَطْءُ جاريةِ مُكاتَبَتِه، ولا مُكاتَبِه اتِّفاقًا
(3)
، فإنْ فَعَلَ عُزِّر، وَوَلَدُه حُرٌّ، يَلحَقُه نَسَبُه، وتَصِيرُ أمَّ وَلَدٍ له، وعَلَيهِ قِيمتُها، ومَهْرُها لسيِّدها، ولا تَجِبُ قِيمةُ وَلَدِها على الأصحِّ.
(1)
في (ظ): وإن.
(2)
في (ق): ولا يجب.
(3)
ينظر: العناية شرح الهداية 9/ 160، المدونة 4/ 148، أسنى المطالب 3/ 210، الشرح الكبير 19/ 280.
(فَإِنْ أَدَّتْ؛ عَتَقَتْ) بالكتابة؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ من جِهةِ سيِّدها، وما فَضَلَ من كَسْبِها فهو لها، وإنْ عَجَزَتْ، ورُدَّتْ إلى الرِّقِّ؛ بَطَلَ حُكمُ كتابتها، وبَقِيَ حُكْمُ الاِسْتِيلادِ مُنفَرِدًا، وما في يَدِها لورثةِ سيِّدها.
(فَإِنْ مَاتَ) السَّيِّدُ قَبْلَ عَجْزِها و (قَبْلَ أَدَائِهَا؛ عَتَقَتْ)؛ لأِنَّها أمُّ وَلَدِه، وقد اجْتَمَع لها شَيئانِ يَقتَضِيانِ العِتْقَ، فأيُّهما سَبَقَ عَتَقَتْ به، (وَسَقَطَ مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهَا)؛ لأِنَّها عَتَقَتْ بغَيرِ الكتابة.
(وَمَا فِي يَدِهَا لَهَا)، ذَكَرَه القاضي وابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّ العِتْقَ إذا وَقَعَ في الكتابة لا
(1)
يُبطِلُ حُكمَها، ولأِنَّ الملْكَ كان ثابِتًا لها، والعِتْقُ لا يَقتَضِي زوالَه عنها، أشْبَهَ ما لو عَتَقَتْ بالإبْراء من مالِ الكتابة، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ
(2)
بَعْدَ عَجْزِهَا)، فيكونُ
(3)
للسَّيِّد؛ لأِنَّها قد عادتْ إلى ملِكِه بالعجز.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا) - أيْ: أكثرُهم -: (هُوَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا)؛ لأِنَّها عَتَقَتْ بحُكمِ الاِسْتِيلادِ، فأشْبَهَ غَيرَ الكتابة.
(وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إِذَا أَعْتَقَ المُكَاتَبَ سَيِّدُهُ)؛ لأِنَّ عِتْقَه بالمباشَرَة كعِتْقِها بالاِسْتِيلادِ، فَوَجَبَ اسْتِواؤهما في الحُكمِ.
لكِنْ في «المغْنِي» و «الكافي» : يَحتَمِلُ أنْ يُفرَّقَ بَينَهما من حَيثُ إنَّ الإعْتاقَ يَكونُ بِرِضًى في العتْقِ، فيكونُ رِضًى منه بإعْطائها مالَها، والعِتقُ بالاِسْتِيلاد يَحصُلُ بغَيرِ رِضى الورثة واخْتِيارهم، فلا يُتبَعُ المكاتَبُ شَيئًا من ماله.
(وَإِنْ كَاتَبَ اثْنَانِ جَارِيَتَهُمَا
(4)
، ثُمَّ وَطِئَاهَا؛ فَلَهَا الْمَهْرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ
(1)
قوله: (لا) سقط من (ق). والمثبت موافق لما في الكافي.
(2)
في (ق): لا تكون.
(3)
في (ق): فتكون.
(4)
في (ق): جاريتاهما.
مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ الوَطْءَ يُوجِبُ المهْرَ، وقد وُجِدَ ذلك منهما، فإنْ كانَتْ بِكْرًا حِينَ وطِئَها الأوَّلُ؛ فعليه مَهْرُ بِكْرٍ، وعلى الآخَر مَهْرُ ثيِّبٍ.
فإنْ أفْضاها أحدُهما بِوَطْئِه؛ فعليه لها ثُلثُ قيمتِها.
وقِيلَ: يَلزَمُه قَدْرُ نَقْصِها.
وقال القاضي: يَلزَمُه قِيمَتُها.
وهذا مَبْنِيٌّ على الواجِبِ في إفْضاءِ الحُرِّ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا)؛ أُدِّبَ، ولا حدَّ عَلَيهِ لشبهةِ الملك، ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ منه (صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ لأِنَّها عَلِقَتْ بحرٍّ في
(1)
شَيءٍ يَملِكُ بعضَه، وذلك مُوجِبٌ للسِّراية؛ لأِنَّ الاِسْتِيلادَ أقْوَى من العِتْقِ، بدليلِ صحَّتِه من المجْنون، ويَنفُذُ من جاريةِ ابنِه، ومن رأس المال في المرض، (وَيَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ نِصْفَ قِيمَتِهَا) قِنًّا؛ لأِنَّه فَوَّتَ عَلَيهِ رِقَّها بصَيرُورَتِها أُمَّ وَلَدٍ، فإنْ كان مُوسِرًا؛ أدَّاه، وإنْ كانَ مُعْسِرًا؛ ففي ذِمَّته، هذا ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ الإحْبالَ أَقْوَى من العِتْقِ.
وفي ضَمان نصفِ مَهْرِها وَجْهانِ، والوَجْهُ الثَّاني
(2)
: عليه نصفُها مكاتَبًا، ولها كلُّ المهر.
(وَهَلْ يَغْرَمُ نِصْفَ قِيمَةِ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أظْهَرُهما: لا يَلزَمُه؛ لأِنَّها وَضَعَتْه في ملْكِه والولدُ حُرٌّ.
والثَّانيةُ
(3)
، وصحَّحَها القاضِي على المذهب؛ لأِنَّه كان من سبيل هذا النِّصفِ أنْ يكون مَمْلوكًا لشريكه، فقد أتْلَفَ رقَّه عليه.
(1)
في (ق): من.
(2)
كتب في هامش (ظ): (وهو قوي).
(3)
كذا في النسخ الخطية، والمراد: يلزمه، كما في الإنصاف 19/ 292. وكتب في هامش (ظ):(وهي المذهب).
واختار أبو بكرٍ: أنَّها إنْ وَضَعَتْه بَعْدَ التَّقويم؛ فلا شَيءَ على الواطِئِ، وإنْ وَضَعَتْهُ قَبْلَ التَّقويم؛ غَرِمَ نصفَ قِيمَتِه.
(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ فَأُلْحِقَ بِهِمَا؛ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا)؛ لأِنَّ الوَلَدَ مَنْسوبٌ إلَيهِما، (يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا، وَبَاقِيهَا بِمَوْتِ الآْخَرِ)؛ لأِنَّه الَّذي يَمْلِكُه كلٌّ مِنْهُما.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يَسْرِي اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمَا إِلَى نَصِيبِ صَاحِبِهِ إِلاَّ أَنْ يَعْجِزَ)؛ لأِنَّ المكاتَبةَ انَعْقَدَ فيها سببُ الحرِّيَّة، ولِمكاتِبِها عليه الوَلاءُ، وفي السِّرايَة إبْطالٌ لذلك.
(فَيُنْظَرُ حِينَئِذٍ)؛ لأِنَّ له حالةً يَسْرِي فيها، وحالةً لا يَسْرِي فيها؛ (فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ قُوِّمَ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّ اسْتِيلادَ الموسِرِ مُوجِبٌ للسِّراية في الرَّقيق، وحِينَئِذٍ فنصفُها أمُّ ولدٍ ونصفُها مَوقُوفٌ، فإنْ أدَّتْ عَتَقَتْ، وإنْ عَجَزَتْ فُسِخت الكتابةُ، وقُوِّمَتْ على الواطِئِ، وصار جميعُها أُمَّ ولدٍ، (وَإِلاَّ فَلَا) أيْ: إذا كان الواطِئُ مُعسِرًا؛ لم يَسْرِ إحْبالُه إلى نصيبِ شريكِه؛ لأِنَّه إعْتاقٌ، فلم يَسْرِ مع الإعْسار كالقَول، ويَصِيرُ نصفُها أُمَّ ولدٍ، فإنْ عَجَزَت اسْتَقرَّ الرِّقُّ في نصفِها، وثَبَتَ حُكمُ الاِسْتِيلادِ لِنِصفِها.
(فَصْلٌ)
(وَيَجُوزُ بَيْعُ المُكَاتَبِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفُروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ قالتْ: جاءتْ بَرِيرةُ فقالت: إنِّي كاتبتُ أهْلِي على تِسْعِ أواقٍ، كلَّ عامٍ أُوقِيَّةٌ، فأعِينِينِي، قالتْ عائشةُ: إنْ أَحَبَّ أهلُك أنْ أعُدَّها لهم عِدَّةً، ويكونُ وَلاؤكِ لي فَعَلْتُ، فعَرَضَتْ ذلك عَلَيهم فأبَوْا، فَذَكَرَتْ عائشةُ ذلك
(1)
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا يَمْنَعْكِ ذلك، ابْتاعِي وأعْتِقِي» متَّفَقٌ عليه
(2)
، قال ابنُ المنذِر: (بِيعَتْ بَرِيرةُ بِعِلْمِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهي مُكاتَبةٌ، ولم يُنكِرْ ذلك، فلا
(3)
وَجْهَ لمَنْ أنْكرَه، ولا أعْلَمُ خَبرًا يُعارِضُه، ولا أعْلَمُ في شَيءٍ من الأخبار دليلاً على عَجْزها)
(4)
.
وتأوَّله الشَّافِعيُّ: على أنَّها كانَتْ قد عَجَزَتْ
(5)
، ولَيسَ في الخبر ما يَدُلُّ عليه، بل قَولُها:«أعِينِينِي» دليلٌ على بقائها على الكتابة.
(وَمُشْتَرِيهِ يَقُومُ مَقَامَ الْمُكَاتِبِ)؛ لأِنَّه بَدَلٌ عنه، وفيه إشْعارٌ بأنَّ الكتابةَ لا تَنفَسِخُ بالبَيع، وهو كذلك بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(6)
؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ، فلم تَنفَسِخْ به كالنِّكاح، وحكاهُ ابنُ المنذِرِ إجْماعًا إذا كان ماضِيًا فيها
(7)
، مُؤَدِّيًا ما يَجِبُ عليه من نُجومه في أوْقاتها، (فِي أَنَّهُ
(8)
إِذَا أَدَّى؛ عَتَقَ) دُونَ وَلَدِه، (وَوَلَاؤُهُ
(1)
في (ق): ذلك عائشة.
(2)
أخرجه البخاري (2563)، ومسلم (1504).
(3)
في (ق): ولا.
(4)
ينظر: الإشراف 7/ 30.
(5)
ينظر: الأم 4/ 132.
(6)
ينظر: المغني 10/ 280.
(7)
ينظر: الإشراف لابن المنذر 7/ 28.
(8)
قوله: (في أنه) هو في (ق): وأنه.
لَهُ، وَإِنْ عَجَزَ؛ عَادَ قِنًّا لَهُ)؛ لأِنَّ حُكمَه مع بائعه كذلك.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أنَّهُ مُكَاتَبٌ؛ فَلَهُ الرَّدُّ) وأخْذُ الثَّمن، (أَوِ) الإمساك مع (الْأَرْشِ)؛ لأِنَّ الكتابةَ نَقْصٌ؛ لأِنّه لا يَقدِرُ على التَّصرُّف فيه، وقد انْعَقَدَ سببُ الحُرِّيَّة فيه، أشْبَهَ الأَمَةَ المزوَّجةَ.
(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ)؛ لأِنَّه عَقْدٌ يَمنَعُ اسْتِحْقاقَ الكَسْب، فمَنَعَ البَيعَ؛ كالذي لا نَفْعَ فيه.
وعَنْهُ: المنْعُ بأكثرَ من كتابته، لا بقَدْرِها، حكاها ابنُ أبي موسى.
وفي «الواضِح» : في مُدبَّرٍ كذلك؛ أيْ: على الخِلاف؛ كعبدٍ أُوصِي بمنفعتِه.
وحُكْمُ الوصيَّة به وهِبتِه كبَيعِه.
وعَنْهُ: المنْعُ من هِبَتِه؛ قَصْرًا على الموْرِدِ، فأمَّا وَقْفُه؛ فلا يَجوزُ لاِنْتِفاءِ الاِسْتِقرار.
فَرْعٌ: لا يَصِحُّ بَيعُ الدَّين على المكاتَب من نُجومه كدَينِ السَّلَم، فإنْ سلَّم المكاتَبُ إلى المشْترِي نجومَه؛ فقيلَ: يَعْتِقُ ويَبرَأُ المكاتَبُ من مال الكتابة، ويَرجِعُ السَّيِّدُ على المشْتَرِي بما قَبَضَه، وقِيلَ: لا يَعْتِقُ، رجَّحه في «الشَّرح» ، ومالُ الكتابة باقٍ في ذمَّة المكاتَب، ويَرجِعُ المكاتَبُ على المشتري بما دَفَعَه إليه، ويَرجِعُ المشْتَرِي على البائع، فإنْ سلَّم المشتري إلى البائع؛ لم يَصِحَّ تسليمُه؛ لأِنَّه قَبَضَه بغَيرِ إذْنِ المكاتَب، أشْبَهَ ما لو أخذَه من ماله بغَير إذْنِه.
(وَإِنِ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ المُكَاتَبَينِ الآْخَرَ؛ صَحَّ شِرَاءُ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّ التَّصرُّفَ صدَرَ مِنْ أهْلِه في محلِّه، (وَبَطَلَ شِرَاءُ الثَّانِي)؛ لأِنَّ العَبْدَ لا يَملِكُ سيِّدَه؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى تَناقُض الأحكام؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ يقول لصاحبِه: أنا مَولاكَ، ولي وَلاؤكَ، وإنْ عَجَزْتَ صِرْتَ لي رقيقًا.
(سَوَاءٌ كَانَا لِوَاحِدٍ أَوْ لاِثْنَيْنِ)؛ لأِنَّ العِلَّةَ: كَونُ العبد لا يَمْلِكُ سيِّدَه،
وهي مَوجُودةٌ هنا.
(وَإِنْ جُهِلَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا؛ فَسَدَ الْبَيْعَانِ)، اختاره أكثرُ الأصحاب؛ كنكاح الولِيَّينِ
(1)
إذا أشْكَلَ الأوَّلُ منهما، ولا يَحتاجُ ذلك إلى فَسْخٍ ولا إلى قُرْعةٍ، وأجْراه القاضي مَجْرَى الولِيَّينِ
(2)
، فعلى هذا: يَفسَخُ الحاكِمُ البَيعَينِ في روايةٍ، ويُقرِعُ بَينَهما في أخرى.
(وَإِنْ أَسَرَ العَدُوُّ المُكَاتَبَ، فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ، فَأَحَبَّ سَيِّدُهُ أَخْذَهُ
(3)
؛ أَخَذَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ)؛ أيْ: يأخُذُه سيِّدُه بما اشْتَراه الغَيرُ، وهو مَبْنِيٌّ على ما إذا اسْتَولَى الكُفَّارُ على مالِ مسلِمٍ، ثُمَّ اسْتَولَى عليه المسْلِمونَ، ثُمَّ وَجَدَه صاحِبُه بَعْدَ القِسمة، وفيه خِلافٌ سبقَ.
وهل يَحتَسِبُ على المكاتَب بالمدَّة الَّتي كان فيها عِنْدَ الكافِرِ؟ فِيها وَجْهانِ، رجَّح في «الشَّرح»: أنَّه يَحتَسِبُ بها.
(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يُحِبَّ سيِّدُه أخْذَه؛ (فَهُوَ عِنْدَ المُشْتَرِي مُبْقًى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ كِتَابَتِهِ)؛ لأِنَّ الكتابةَ عَقْدٌ لازِمٌ لا تَبطُلُ بالبيع؛ فَلَأنْ لا تَبطُلَ بالأَسْرِ بطريقِ الأَولَى، (يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ)؛ لأِنَّه مكاتَبٌ قد أدَّى كتابتَه، (وَوَلَاؤُهُ لَهُ)؛ لأِنَّه مُعتِقه.
فَرْعٌ: إذا قال لسيِّده: أعْتِقْ مُكاتَبَكَ على كذا، فَفَعَلَ؛ عَتَقَ، ولَزِمَه ما الْتَزَمَ به.
وفي «الرِّعاية» : إذا أدَّى حَرْبِيٌّ عن مكاتَبٍ دَينَ الكتابة بلا إذْنِه؛ لم يَرجِعْ، وإنْ قَضَى دَينًا آخَرَ؛ رَجَعَ به إنْ نَواهُ.
(1)
في (ق): الوليتين.
(2)
في (ق): الوليتين.
(3)
قوله: (أخذه) سقط من (ظ).
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ جَنَى عَلَى سَيِّدِهِ أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ)؛ أيْ: إذا جَنَى المكاتَبُ جِنايةً مُوجِبةً للمال؛ تعلَّق أرْشُها برَقَبَته.
وقال قَومٌ: جنايتُه على سيِّده.
وقال آخَرونَ: يَرجِعُ بها
(1)
سيِّدُه.
فَعَلَى الأوَّل: يَبدَأُ بأداء الجناية.
(مُقَدَّمًا عَلَى الْكِتَابَةِ)، سَواءٌ حلَّ نَجْمٌ أوْ لا، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأِنَّ جِنايَتَه تُقدَّم على حقِّ الملْكِ إذا كان قِنًّا، فعلى حقِّه في المكاتَب أَوْلَى.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَتَحَاصَّانِ)؛ لأِنَّهما اشْتَرَكا في الاِسْتِحْقاق، فتَساوَيَا.
وكذا إنْ أقرَّ بجنايةٍ.
(وَإِنْ عَتَقَ؛ فَعَلَيْهِ فِدَاءُ نَفْسِهِ)؛ أيْ: إذا أدَّى مُبادِرًا، ولَيسَ مَحْجورًا عليه؛ عَتَقَ، واسْتقرَّ الفِداءُ، ويَكونُ الأرْشُ في ذمَّته، فيَضمَنُ ما كان عليه قَبْلَ العِتْقِ، ويَفْديهِ بأقلِّ الأمْرَينِ مِنْ قيمته أو أَرْشِ جنايته، وإنْ أعْتقَه السَّيِّدُ؛ فعليه فِداؤه؛ لأِنَّه أتْلَفَ مَحَلَّ الاِسْتِحقاق، أشْبَهَ ما لو قَتَلَه.
(وَإِنْ عَجَزَ؛ فَلِسَيِّدِهِ تَعْجِيزُهُ إِنْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الأَرْشَ حقٌّ له، فكان له تعجيزُه إذا عَجَزَ عنه؛ كمالِ الكتابة.
(وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَفَدَاهُ سَيِّدُهُ)؛ لأِنَّه لو كان عبْدًا؛ لَملَكَ فِداءَه، فكذا هُنا، (وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يَفْدِه؛ (فُسِخَتِ الْكِتَابَةُ، وَبِيعَ فِي الْجِنَايَةِ) قِنًّا، نَقَلَه ابنُ مَنصورٍ
(3)
؛ لأِنَّ حقَّ المجنيِّ عليه مُقدَّمٌ على حقِّ السَّيِّد؛ لأِنَّ
(1)
زيد في (ق): على.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3433.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3433 الفروع 8/ 154.
أرْشَ الجناية يتعلَّق
(1)
بعَينِ المكاتَب، بخِلافِ السَّيِّد، فإنَّ حقَّه متعلِّقٌ بالذِّمَّة.
ونَقَلَ الأثْرمُ: جنايتُه في رَقَبته، يَفْديهِ إنْ شاءَ
(2)
، قال أبو بَكْرٍ: وبه أَقُولُ.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ؛ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ)؛ أيْ: على السَّيِّد فِداءُ الجانِي؛ لأِنَّه فَوَّتَ تَسْليمَ الرَّقبة إلى المجنيِّ عليه، فكان عليه فِداؤه، كما لو قَتَلَه.
(وَالْوَاجِبُ فِي الفِدَاءِ: أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ)؛ لأِنَّ الأقلَّ إنْ كان القيمةَ؛ فهو لا يَستَحِقُّ إلاَّ الرَّقبةَ، والقِيمةُ بَدَلٌ عنها؛ لأِنَّ حقَّه في المالِيَّة لا العَينِ، وإنْ كان الأقلُّ أَرْشَ الجِنايةِ؛ فهو لا يَستَحِقُّ أكثرَ منها؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يَستَحِقُّ أكثرَ ممَّا جُنِيَ عليه.
وعنه: جنايتُه على أجنبيٍّ، وعنه: وسيِّده؛ بالأرْش كلِّه.
(وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كَامِلَةً)؛ لأِنَّه تعذَّرَ تسليمُه إلى المجنيِّ عليه، أشْبَهَ ما لو جَنَى عبدُه غَيرُ الجاني، وامْتَنَع من تسليمه.
مسائلُ:
الأولى: إذا جَنَى على سيِّده فِيما دُونَ النَّفس عَمْدًا؛ فلسيِّده القِصاصُ، فإنْ عَفَا على مالٍ، أوْ كانَتْ مُوجِبةً له؛ وَجَبَ؛ لأِنَّ المكاتَبَ مع سيِّده كالأجنبيِّ، ويَفْدِي نفسَه بما ذَكَرْنا.
فإن اختارَ السَّيِّدُ تأخيرَ الأرْش، وتقديمَ مال الكتابة؛ جاز، ويعتِق إذا أدَّى، خلافًا لأبي بكرٍ.
وحكمُ ورثة السَّيِّد مع المكاتَب؛ حكمُ سيِّده معه.
فإنْ جَنَى جناياتٍ؛ اسْتُوفِيَتْ كلُّها، فإنْ كان بعضُها مُوجِبًا للقصاص؛ فلِوَليِّه الاِسْتِيفاءُ، وتَبطُلُ حقوقُ الآخَرينَ، فإنْ عُفي إلى مالٍ؛ فكجناية المال،
(1)
في (ق): تتعلق.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3433، الفروع 8/ 154.
فإنْ أعتقه السَّيِّدُ، أو فَداه؛ لَزِمَه الأقلُّ من قيمته أو أَرْشِها، مجتمعةً على الأَشْهَر.
(وَإِنْ لَزِمَتْهُ دُيُونٌ) معاملةً؛ (تَعَلَّقَتْ بِذِمَّتِهِ) لا رَقَبَته، ومُقدَّمُها محجورٌ عليه؛ لعدَمِ تعلُّقها برَقَبته، فلهذا: إنْ لم يكن بيده مالٌ؛ فليس لغريمه تعجيزُه، بخلاف الأرشِ ودَينِ الكتابة، (يُتْبَعُ بِهَا بَعْدَ الْعِتْقِ)؛ أي: إذا عَجَزَ عنها؛ لأِنَّ ذلك حالَ يساره.
وعنه: وتتعلَّق
(1)
برقبته، قال في «المحرَّر»:(وهو أصحُّ عِنْدِي)، فتَتساوَى
(2)
الأقْدامُ، ويَملِك تعجيزَه، ويَشتَرِك ربُّ الدَّين والأَرْشِ بَعْدَ موته؛ لفَوتِ الرَّقَبة.
وقِيلَ: يُقدَّمُ دَينُ المعاملة.
ولغَيرِ المحجورِ تقديمُ أيِّ دَينٍ شاء، وذَكَر ابنُ عَقِيلٍ وغيره: أنَّه بعدَ موته هل يُقدَّم دَينُ الأجنبيِّ على السَّيِّد؛ كحالة الحياة
(3)
، أمْ يتحاصَّانِ؟ فيه روايتانِ.
وهل تصرُّف
(4)
سيِّدِه بدَينِ معاملةٍ مع غريمٍ؟ فيه وجهان.
(1)
في (ظ): ويتعلق.
(2)
في (ظ): فيتساوى.
(3)
في (ظ): (كحالة السيد كحالة الحياة).
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 155 والإنصاف 19/ 324: يضرب.
(فَصْلٌ)
(وَالْكِتَابَةُ: عَقْدٌ لَازِمٌ مِنَ الطَّرَفَيْنِ، لَا يَدْخُلُهَا الْخِيَارُ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البيعَ، (وَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا فَسْخَهَا)؛ كسائر العقود اللاَّزِمة.
(وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهَا عَلَى شَرْطٍ مُسْتَقْبَلٍ)؛ كسائر عُقود المعاوَضات.
وقِيلَ: يصِحُّ العَقْدُ دُونَ الشَّرْط، وكذا كلُّ شَرْطٍ فاسِدٍ فيها.
(وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(1)
، (وَلَا جُنُونِهِ، وَلَا الْحَجْرِ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّها عَقْدٌ لازِمٌ، فلم تَنفَسِخْ بشَيءٍ من ذلك؛ كالبَيع، ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: إنْ أدَّى بَعْضَ كتابتِه ثمَّ ماتَ السَّيِّدُ؛ يُحتَسَبُ من ثُلثه ما بَقِيَ من العَبد ويَعْتِقُ
(2)
.
(وَيَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ إِلَى سَيِّدِهِ، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ مِنَ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ)؛ لأِنَّ الكتابةَ مَوضُوعُها العِتقُ بتقدير الأداء، فإذا وُجِدَ؛ وَجَبَ أنْ يترتَّبَ عليه ما يقتضيه، ولأِنَّه انتقل إلى الورثة مع بقاء الكتابة، فهو كالأداءِ إلى مُورِّثهم، ويكون مقسومًا بَينَهم على قَدْرِ مواريثهم؛ كسائر ديونه.
وإذا عَتَقَ بالأداء إلى الورثة؛ فولاؤه لسيِّده، اختاره الخِرَقيُّ وأبو بكرٍ، وهو قَولُ أكثرِ الفقهاء، ثُمَّ يَختَصُّ به عَصَبَتُه.
وعنه: للورثة.
فعلى الأوَّل: إنْ باعه الورثةُ، أو وَهَبوهُ؛ فاحْتِمالانِ.
وكذا يَعتِقُ بالإبراء، وفي الاِعْتِياض وَجْهانِ، قاله في «الرِّعاية» .
(وَإِنْ حَلَّ نَجْمٌ، وَلَمْ يُؤَدِّهِ؛ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ)؛ أيْ: فَسْخُ الكتابة، قدَّمه في
(1)
ينظر: المغني 10/ 385.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 63.
«الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه حقٌّ له، فكان له الفَسْخُ، كما لو أعْسَرَ المشتري ببعض ثمنِ المبيع قَبْلَ قَبْضِه.
(وَعَنْهُ: لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَحِلَّ نَجْمَانِ)، هذا ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وكلامِ كثيرٍ من الأصْحابِ؛ لِمَا رُوِيَ عن عليٍّ قال:«لا يُرَدُّ المكاتَبُ إلى الرِّقِّ حتَّى يَتَوالى عليه نَجْمانِ»
(1)
، ولأِنَّه عَقْدٌ اعْتُبِر فيه التَّنجيم لإرفاق العبد؛ فيُعتَبَرُ فيه ما هو أرْفَقُ له.
وإذا قُلْنا: للسَّيِّد الفَسْخُ؛ لم تَنفَسِخ الكتابةُ بالعجز، بل له مطالبةُ المكاتَب بما حلَّ من نُجومه والصَّبرُ عليه، فإن اختار الصَّبرَ عليه؛ لم يَملِك العبدُ الفَسْخَ بغَيرِ خلافٍ
(2)
.
وإن اختار الفَسْخَ؛ فله ذلك بغَيرِ حضورِ حاكِمٍ، ولا يَلزَمُه الاِسْتِنابةُ؛ لفِعْلِ ابنِ عمرَ، رواهُ سعيدٌ
(3)
.
(وَعَنْهُ: لَا يَعْجِزُ حَتَّى يَقُولَ: قَدْ عَجَزْتُ)، حكاها ابنُ أبي موسى؛ لأِنَّ فَواتَ العِوَض لا يتحقَّق بذلك.
وعنه: إنْ أدَّى أكثرَ مال الكتابة؛ لم يُرَدَّ إلى الرِّقِّ، ويُتبَعُ بما بَقِيَ.
ويَلزَمُه إنظارُه ثلاثًا؛ كبَيعِ عرضٍ، ومثله مالُ غائبٍ دُونَ مسافة قصرٍ يرجو قدومَه، ودَينٌ حالٌّ على مَلِيءٍ ومُودِعٍ.
وأطْلَقَ جَمْعٌ: لا يَلزَمُ السَّيِّدَ اسْتِيفاؤه، قال في «الفروع»: فيتوجَّه مثلُه في غَيره.
(1)
تقدم تخريجه 7/ 331 حاشية (4).
(2)
ينظر: الإشراف 7/ 33.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (21757)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا أبو عوانة، عن إسحاق مولى عبد الله بن عمر؛ أن أباه كاتبه عبد الله بن عمر على ثلاثين ألفًا، فعجز؛ فردَّه في الرق. وأخرجه عبد الرزاق (15724)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 144)، وابن أبي شيبة (21538)، والبيهقي في الكبرى (21753)، عن نافع، عن ابن عمر:«أن مكاتبًا له عجز، فردَّه مملوكًا، وأمسك ما أخذ منه» . وإسناده صحيح.
(وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ فَسْخُهَا بِحَالٍ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه، قاله في «المغني» ؛ لأِنَّها سببُ الحرِّيَّة، وفيها حقٌّ لله تعالى، وفي فسخها إبطالٌ لذلك الحقِّ.
(وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ العَقْدَ لِحَظِّه، فمَلَكَ فسخَه؛ كمرتَهِنٍ، وكاتِّفاقهما، وعلَّله ابنُ المنجى: بأنَّ مُعظَمَ المقصود له، فإذا رَضِيَ بإسقاطِ حقِّه؛ سَقَطَ، ولَيسَ بظاهِرٍ.
(وَلَوْ زَوَّجَ ابْنَتَهُ مِنْ مُكَاتَبِهِ) بِرِضاهَا، (ثُمَّ مَاتَ) السَّيِّدُ، أو وَرِث زوجتَه المكاتَبةَ؛ (انْفَسَخَ النِّكَاحُ) على المذهب، فيُعايَا بها؛ لأِنَّ زَوجتَه تملِكه أو تملِك سَهْمًا منه، فانْفَسَخَ نكاحُها؛ كما لو اشْتَرَتْه.
ولا بدَّ فيها من أمورٍ:
أحدها: أنَّ الحرِّيَّةَ ليست من شروط صحَّة النِّكاح.
وثانيها: أنْ يُزَوِّجَها بإذْنِها.
وثالِثُها: أنْ تكونَ
(1)
وارِثةً، فلو كان بَينَهما اخِتْلافُ دِينٍ، أو كانت قاتِلَةً
(2)
؛ فالنِّكاحُ بحاله؛ لأِنَّها ما مَلَكَتْه، ولا شَيئًا منه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يُفْسَخَ حَتَّى يَعْجِزَ)؛ لأِنَّها لا تَرِثُه، وإنَّما تملِك
(3)
نصيبَها من الدَّين الذي في ذِمَّته.
وفي «الانتصار» : نَصَّ في رواية ابن منصورٍ: أنَّ الدَّينَ يَمنَعُ انْتِقالَ ما يُقابِلُه إلى الورثة
(4)
، فعلى هذه: الوصيَّة بمُعيَّنٍ والكتابة تَمنَعُ الانتقال، فلا فَسْخَ.
وعلى روايةٍ: أنَّه لا يَمنَع، فتَنعَكِس الأحكام.
(1)
في (ق): أن يكون.
(2)
في (ظ): أو كاتب قاتله.
(3)
في (ق): يملك.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4499.
والحكمُ في سائر النِّساء كالحكم في البنت.
(وَيَجِبُ عَلَى سَيِّدِهِ أَنْ يُؤْتِيَهُ) شَيئًا مِمَّا كُوتِبَ عليه، رُوي عن عليٍّ
(1)
وابن عبَّاسٍ
(2)
لقوله تعالى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النُّور: 33].
قال ابنُ عبَّاسٍ: المراد: «إعْطاؤه من الصَّدقة»
(3)
.
واخْتَلَف مُوجَبُه؛ فقدَّرها إمامُنا: (بِرُبُعِ مَالِ الْكِتَابَةِ)، رواه أبو بكرٍ عن عليٍّ مرفوعًا، ورُوي موقوفًا
(4)
.
وأوْجَبَه الشافعيُّ مِنْ غير تقديرٍ، واخْتَلَفَ أصحابُه؛ فمنهم مَنْ أوْجَبَ ما اختاره السِّيِّدُ، ومنهم مَنْ قال: يُقدِّرُه الحاكمُ باجْتِهاده؛ كالمتعة
(5)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (15591)، وابن أبي شيبة (21341)، والطبري في التفسير (17/ 283)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 165)، والبيهقي في الكبرى (21669)، عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: سمعت عليًّا يقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال: «الربع مما تكاتبونهم عليه» ، إسناده صحيح.
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (17/ 285)، وابن أبي حاتم في تفسيره (14511)، والبيهقي في الكبرى (21675)، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قول الله:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} ، يقول:«ضعوا عنهم من مكاتبتهم» . وإسناده جيد.
(3)
أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (14505)، عن عطاء، عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} : «أمر الله المؤمنين أن يعينوا في الرقاب» . ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور (6/ 191). وعلقه الواحدي في الوسيط (3/ 319)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:«يريد سهم الرقاب يعطى منه المكاتبون» .
(4)
أخرجه عبد الرزاق (15589)، والنسائي في الكبرى (5017)، والطبراني في الأوسط (3001)، عن ابن جريج، قال: أخبرني عطاء بن السّائب، أنّ عبد الله بن حبيب - السلميّ - أخبره، عن عليٍّ رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال:{وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} قال: «ربع الكتابة» ، وروي موقوفًا كما تقدم، ورجح وقفه الدارقطني والبيهقي وابن كثير، وقال: (هذا حديث غريب، ورفعه منكر، والأشبه أنه موقوف على عليّ رضي الله عنه. ينظر: العلل للدارقطني 4/ 164، معرفة السنن والآثار 14/ 451، تفسير ابن كثير 6/ 54، الإرواء 6/ 181.
(5)
ينظر: الحاوي الكبير 18/ 186، مغني المحتاج 6/ 491.
(إِنْ شَاءَ وَضَعَهُ عَنْهُ
(1)
، وَإِنْ شَاءَ قَبَضَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ التَّخفيفُ عن المكاتَب، ولأِنَّه أبْلَغُ في النُّصح، وأعْوَنُ على حصول العتق، فيكونُ أفضلَ من الإيتاء، والآيةُ تَدُلُّ عليه بطريق التَّنبيه.
وفي «الرَّوضة» روايةٌ وقدَّمها: لا يَجِبُ إيتاءُ الرُّبع، والأمرُ في الآية للاستحبابِ.
فعلى ما ذكره المؤلِّفُ: إنْ أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره؛ جاز، ويَلزَمُه قَبولُها. وقِيلَ: لا.
وإنْ أعطاه من غير جنسه؛ جاز له أخْذُه، ولا يَلزَمه في الأشْهَر.
ووقتُ الوجوب؛ حينَ العتق، وإنْ مات السَّيِّدُ قَبْلَ إيتائه؛ فهو دَينٌ في تَرِكَتِه.
(فَإِنْ أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ)، وعنه: أو أكثرَ، (وَعَجَزَ عَنِ الرُّبُعِ؛ عَتَقَ)، ولسيِّده الفَسْخُ في أنَصِّ الرِّوايَتَينِ فيهما.
وفي «التَّرغيب» : في عتقه بالتَّقاصِّ روايتانِ، ولم يَذكُر العَجْزَ، وقال: لو أبرأه من بعض النُّجوم أو أدَّاه؛ لم يَعتِقْ منه على الأصحِّ، وأنَّه لو كان على سيِّده بمِثْل النُّجوم؛ عَتَقَ على الأصحِّ.
(وَلَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ فِي قَوْلِ الْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ)، ونَسَبَه في «الكافي» إلى الأصحاب؛ لعَجْزه عما وَجَبَ دَفْعُه إليه، فَوَجَبَ أنْ يعتِقَ، ولا تَنفَسِخُ الكتابة، كما لو لم يبقَ عليه شَيءٌ أصلاً، ولأِنَّه عَجَزَ عن حقٍّ له، فلم تتوقَّفْ حُرِّيَّتُه على أدائه؛ كأرشِ جنايةِ سيِّده
(2)
، وحِينَئِذٍ: يُتبَعُ بما بَقِيَ عليه، اختاره أبو بكرٍ.
(1)
في (ق): عنهم.
(2)
زيد في (ق): عليه.
(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ: أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَة)، اختاره ابنُ أبي موسى، ورجَّحه في «الشَّرح» ، ورَوَى الأثرمُ عن عمرَ، وابنِه، وزيدٍ، وعائشةَ، أنَّهم قالوا:«المكاتَبُ عبدٌ ما بَقِيَ عَلَيه درهمٌ»
(1)
، ورواه
(2)
أبو داودَ مرفوعًا
(3)
. ويجوز أن يتوقَّفَ العتقُ على أداء الجميع وإنْ وَجَبَ ردُّ البعض إليه؛ كما لو قال: إذا أدَّيتَ إليَّ ألْفًا فأنت حرٌّ، ولله عليَّ ردُّ رُبعها؛ فإنَّه لا يعتِقُ حتَّى يُؤدِّيَها، وإن وجبَ عليه ردُّ بعضها.
(1)
أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (15664)، والطحاوي في معاني الآثار (4713)، والبيهقي في الكبرى (21649)، عن معبد الجهني، عن عمر بن الخطاب قال:«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ، معبد عن عمر مرسل، وهو صدوق مبتدع. وأخرج سحنون في المدونة (2/ 458)، عن ابن وهب، عن غير واحد، عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وجابر بن عبد الله نحوه. وهو منقطع. وأخرج ابن أبي شيبة (21515)، والبيهقي في الكبرى (21686)، عن قتادة عن عمر مرسلاً.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك (2/ 787)، وابن أبي شيبة (20565)، والطحاوي في معاني الآثار (4723)، والبيهقي في الكبرى (21644)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر:«المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته شيء» ، إسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 152).
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (20567)، وابن سعد في الطبقات (5/ 174)، والطحاوي في معاني الآثار (4717، 4718)، والبيهقي في الكبرى (21645)، عن سليمان بن يسار، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«إنك عبد ما بقي عليك شيء» ، في قصة. وإسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 152).
وأثر زيد رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (15717)، والشافعي في الملحق بالأم (8/ 56)، وابن أبي شيبة (20566)، والطحاوي في معاني الآثار (4724)، والبيهقي في الكبرى (21642)، عن مجاهد، عن زيد بن ثابت قال:«المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» . إسناده صحيح، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 152).
(2)
في (ق): رواه.
(3)
من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه رضي الله عنه، وتقدّم تخريجه 7/ 334 حاشية (2).
ورُوِيَ عن عليٍّ أنَّه قال: «يعتِقُ بقَدْر ما أدَّى»
(1)
؛ لحديث ابنِ عبَّاسٍ، رواه أبو داودَ والتِّرمِذيُّ، وحسَّنه
(2)
.
تنبيهٌ: إذا عجز المكاتَبُ، أو ردَّ في الكتابة، وكان في يده مالٌ؛ فهو لسيِّده إلاَّ أنْ يكونَ من صدقةٍ مفروضةٍ؛ ففيه روايتانِ:
إحداهما: هو لسيِّده.
والأخرى: يُجعَلُ في المكاتَبِينَ.
واختار أبو بكرٍ والقاضي: يردُّ إلى أربابه، وهو قولُ إسحاقَ.
ولو قال لمكاتَبه: متى عَجَزْتَ بَعْدَ مَوتِي فأنت حرٌّ، فهذا تعليقٌ للحرِّيَّة على صفةٍ تحدُث بعدَ الموت، وفيه خلافٌ، فعلى الصِّحَّة: إن ادَّعى العجزَ قبلَ حلول النُّجوم؛ لم يعتِقْ؛ لأِنَّه لم يَجِبْ عليه شيءٌ يَعجِزُ عنه.
فَرْعٌ: إذا كاتَبَه، ثُمَّ أسقط عنه مالَ الكتابة؛ بَرِئَ وعَتَقَ، ولم يَرجِعْ على سيِّده بالقدر الذي كان يجب عليه إيتاؤه.
وكذا لو أسقط عنه القدرَ الذي يَلزَمه إيتاؤه واسْتوفَى الباقي؛ لم يلزمه شَيءٌ.
وخرَّجه بعضُ أصحابنا على الخلاف في الصَّداق، ولا يَصِحُّ، بدليلِ ما
(1)
تقدم تخريجه 7/ 226 حاشية (1).
(2)
أخرجه أبو داود (4581)، والنسائي (4809)، وأحمد (1984)، والطيالسي (2809)، وابن الجارود (982)، والحاكم (2865)، من طرق عن يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في دية المكاتب يُقتل: يُودَى ما أدّى من مكاتبته دية الحرّ، وما بقيَ دية المملوك» ، وأخرجه الترمذي (1259)، والنسائي (4811)، من طريق أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بنحوه. وسنده صحيح، وقد صحّحه الحاكم وابن القطان وابن حزم والذهبي وابن التركماني والألباني، وحسّنه الترمذي، وقال:(حديث ابن عباس حديث حسن)، وقال ابن عبد الهادي:(رُوي موقوفًا ومرسلاً، وفي إسناده اختلاف). ينظر: الجوهر النقي 10/ 326، تنقيح التحقيق 4/ 278، البدر المنير 9/ 746، الإرواء 6/ 161.
لو قَبَضَه السَّيِّدُ منه، ثُمَّ آتاه؛ لم
(1)
يَرجِعُ عليه بشيءٍ، بخلاف الصَّداق.
مسألةٌ: إذا كاتَبَ ثلاثةٌ عبدًا، فادَّعى الأداءَ إليهم، فصدَّقه اثْنانِ وأنكره الثَّالِثُ؛ شاركهما فيما أقرَّا بقبضه، ونَصُّه: تُقبَلُ شهادتُهما عليه
(2)
.
وفي «المغْنِي» و «المحرَّر» : قِياسُ المذهب: لا، واختاره ابن أبي موسى وغَيرُه.
(1)
في (ظ): ولم.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 160.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا كَاتَبَ عَبِيدًا لَهُ كِتَابَةً وَاحِدَةً بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ) في قَولِ أكثرِ أهلِ العلم؛ لأِنَّ الكتابةَ بَيعٌ، فصحَّ عَقْدُها على جماعةٍ جملةً واحِدةً بعِوَض واحدٍ كالبيع، وهذا بخلافِ قَولِ ثلاثةٍ لبائع: اشترَيتُ أنا زَيدًا، وهذا عمرًا، وهذا بَكْرًا بمائةِ درهمٍ.
(وَيُقَسَّطُ الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمْ) يَومَ الْعَقْدِ؛ لأِنَّه حِينُ المعاوَضةِ، ولأِنَّه عِوَضٌ، فَيُقسَّط على المعوَّض، كما لو اشترى شِقصًا وسَيفًا، وكما لو اشترى عَبِيدًا، فَرُدَّ واحدٌ بعَيبٍ.
(وَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُكَاتَبًا بِقَدْرِ حِصَّتِهِ، يَعْتِقُ بِأَدَائِهَا، وَيُعَجَّزُ بِالْعَجْزِ عَنْهَا وَحْدَهُ)؛ لأِنَّ الحِصَّةَ بمنزلة الثَّمنِ المنْقُود
(1)
، فإنْ شَرَطَ عليهم في العقد: أنَّ كلَّ واحِدٍ منهم ضامِنٌ عن الباقِينَ؛ فَسَدَ الشَّرطُ، وصحَّ العقدُ.
وعنه: صحَّةُ الشَّرط، وفي «الرعاية»: غُلبت فيها الصِّفةُ، فتكون جائزةً.
فإن مات أحدُهم أو عَتَقَ؛ سَقَطَ قَدْرُ حصَّته، نَصَّ عليه
(2)
فإنْ قال الأعلون قيمةً
(3)
أدَّيْنا على قدر قيمتنا، وقال الأدنونَ قيمةً
(4)
: بل على عددنا؛ فالقولُ قَولُ مَنْ يدَّعي التَّسويةَ إنْ جُعِل العِوضُ بَينَهم على عددهم، وإلاَّ فوجْهانِ.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْعِوَضُ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِهِمْ)، قال أبو بكرٍ: يتوجَّه لأِبي عبد الله: أنَّ العِوضَ بَينَهم على عدد رؤوسهم؛ لأِنَّه أُضيف إليهم إضافةً
(1)
في (ق): المفقود.
(2)
ينظر: المغني 10/ 456.
(3)
في (ظ): قيمته.
(4)
في (ظ): قيمته.
واحدةً، كما لو أقرَّ لهم بشيءٍ.
(وَلَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ حَتَّى يُؤَدِّيَ جَمِيعَ الْكِتَابَةِ)، اختاره
(1)
ابنُ أبي موسى؛ لأنَّ الكتابةَ مقدَّرٌ
(2)
فيها قَولُ السَّيِّد: متى أدَّيْتم فأنتم أحرارٌ.
وفي «المغني» : الأوَّلُ أصحُّ، والإقرار لَيسَ بعِوَضٍ.
(فَلَوِ اخْتَلَفُوا بَعْدَ الْأَدَاءِ فِي قَدْرِ مَا أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي أَدَاءَ قَدْرِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ من حاله
(3)
أداءُ ما وَجَبَ عليه، فوجب قَبولُ قوله فيه؛ لاِعْتِضاده بالظَّاهر.
ونَقَل ابن منصورٍ: إذا كاتَبَ
(4)
على نفسه وولده، ولم يَعلَمْ عِدَّتَهم ولم يُسمِّهم؛ فقد دخلوا في الكتابة أيضًا
(5)
.
(وَيَجُوزُ أَنْ يُكَاتِبَ بَعْضَ عَبْدِهِ)؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ، فصحَّتْ في بعضه كالبيع، ويَملِكُ من كَسْبِه بقَدْرِ ما كُوتب عليه.
وفي «التَّرغيب» : يُقسَمُ كَسْبُه بَينَ سيِّده وبَينَ مالِكِ باقِيهِ نِصفَينِ، في إحدى الرِّوايَتَينِ، وفي الأخرى: يومًا له ويومًا لمالك باقِيهِ؛ يعني: إذا كاتَبَ نصفَه.
(فَإِنْ أَدَّى عَتَقَ)؛ لأِنَّه إذا سَرَى فيه العتقُ إلى ملك غيره؛ فإلى ملكه أَوْلَى.
(وَتَجُوزُ
(6)
كِتَابَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بِغَيْرِ إِذْنِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فجازَ بغَيرِ إذْن الشَّريك كالبيع.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان مُعْسِرًا فلا بُدَّ من إذْنِ شريكه.
(1)
في (ق): واختاره.
(2)
في (ق): يقدر.
(3)
في (ق): حال.
(4)
في (ق): كانت.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4741.
(6)
في (ق): ويجوز.
(فَإِذَا أَدَّى مَا كُوتِبَ عَلَيْهِ، وَمِثْلَهُ لِسَيِّدِهِ الآْخَرِ؛ عَتَقَ كُلُّهُ إِنْ كَانَ الذِي كَاتَبَهُ مُوسِرًا)؛ لأِنَّ بعضَه يَعتِقُ بأداء الكتابة، فيَسْرِي إلى نصيبِ الشَّريك، كما لو باشَرَ نصيبَه بالعتقِ، (وَعَلَيْهِ قِيمَةُ حِصَّةِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّه فوَّت الحصةَ على مالكها لإتلافها بالعتق، كما لو قتله.
(فَإِنْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ قَبْلَ أَدَائِهَا؛ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا)، وعليه قيمةُ نصيبِ المكاتَبِ؛ لقَوله عليه السلام:«مَنْ أعْتَقَ شِرْكًا له في عبدٍ»
(1)
وهذا داخِلٌ في عمومه، ولأِنَّه عِتْقٌ لجزءٍ
(2)
من العبد من مُوسِرٍ غيرِ محجورٍ عليه، فسرى إلى باقيه؛ كالقنِّ.
وفي كلام المؤلِّف: أنَّه يَجِب عليه قيمةُ حصَّة شريكه مكاتَبًا؛ لأِنَّه أتلفه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان مُعسِرًا؛ عَتَقَ نصيبُه، وباقيه على الكتابة، فإنْ عَجَزَ؛ عاد الجزءُ
(3)
المكاتَبُ رقيقًا، إلاَّ على روايةِ الاِسْتِسْعاء.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، وأبو بكرٍ:(لَا يَسْرِي إِلَى نَصِيبِ الْمُكَاتَبِ)؛ لأِنَّه قد انعقد للمكاتِب سببُ الولاء، فلا يجوز إبطالُه، (إِلاَّ أَنْ يَعْجِزَ، فَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ)؛ لأِنَّه عاد قِنًّا، فلا يُفْضِي إلى المحذورِ المذكورِ.
(وَإِنْ كَاتَبَا عَبْدَهُمَا جَازَ، سَوَاءٌ كَانَ عَلَى التَّسَاوِي أَوِ التَّفَاضُلِ)؛ لأِنَّها عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فجاز من الشَّريكَينِ متساوِيًا ومُتفاضِلاً؛ كالبيع.
(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَيْهِمَا إِلاَّ عَلَى التَّسَاوِي)، يعني: على قدر الملك، فيتساوَيانِ في الأداءِ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(4)
، فإنْ قَبَضَ أحدُهما دُونَ الآخَر شيئًا؛ لم يَصِحَّ، وللآخَر أنْ يأخُذَ حصَّتَه إذا لم يكن أذِنَ في القبض، فإنْ أذِنَ
(1)
أخرجه البخاري (2491)، ومسلم (1501).
(2)
في (ق): كجزء.
(3)
في (ق): الحر.
(4)
ينظر: المغني 10/ 412.
فيه فَوجْهانِ:
أصحُّهما: يَصِحُّ؛ لأِنَّ المنْعَ لحقِّه، فجاز بإذْنه.
والثَّاني: لا، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّ حقَّه في ذمَّته، فلم يَقَعْ إذْنُه فيه.
(فَإِذَا كَمُلَ أَدَاؤُهُ إِلَى أَحَدِهِمَا قَبْلَ الآْخَرِ؛ عَتَقَ كُلُّهُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ نصيبَه يَعتِقُ بالأداء، فيَسْرِي إلى نصيب شريكه.
(وَإِنْ أَدَّى إِلَى أَحَدِهِمَا دُونَ صَاحِبِهِ؛ لَمْ يَعْتِقْ)؛ لأِنَّ العتقَ لا يحصل بأداء مال الغير، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الآْخَرِ، فَيَعْتِقُ)؛ لأِنَّ المكاتَبَ محجورٌ عليه لحقِّ السَّيِّد، فإذا أذِنَ له؛ صحَّ الأداءُ، وحِينَئِذٍ يَقَعُ العتقُ؛ لحصول الأداء الصَّحيحِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَعْتِقَ)؛ لأِنَّ حقَّ السَّيِّد في ذمَّة المكاتَب، وما في يد المكاتَب ملكٌ له، فإذا أذِنَ السَّيِّدُ فيه؛ لم ينفُذْ.
(فَصْلٌ)
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْكِتَابَةِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يُنْكِرُهَا)؛ لأِنَّ الأصلَ معه.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ عِوَضِهَا)، أوْ جِنسه، أو أجله؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ أيْ: مع يمينه، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وذَكَرَ القاضي: أنَّها المذهَبُ؛ لأِنَّه اختلافٌ في الكتابة، فكانَ القولُ قَولَ السَّيِّد، كما لو اختلفا في العقد.
والثَّانيةُ: يُقبَلُ قَولُ المكاتَب، نَصَرَها الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب في «خِلافَيهِما» ، وصحَّحها ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» ؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، والقَولُ قَولُه، ومُدَّعًى عليه، فيَدخُلُ في العموم، وكما لو أعتقه بمالٍ.
وأجاب المؤلِّفُ: بأنَّه إنَّما قُدِّمَ؛ لأِنَّ الأصلَ معه، والأصلُ هنا مع السَّيِّد؛ إذ الأصلُ في المكاتَب وكَسْبِه أنَّه لسيِّده.
وجوابه: بأنَّ الاِخْتلافَ لم يقعْ في المكاتَب وكَسْبِه، وإنَّما وَقَعَ فيما حصل العقدُ عليه.
والثَّالثة: يتحالَفانِ ويترادَّان، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّهما اخْتَلَفا في عِوض العقد القائم بَينَهما، فوَجَبَ التَّحالفُ إذا لم تكن
(1)
بينةٌ؛ كالبيع.
وفرَّق بَينهما في «المغني» : بأنَّ الأصلَ عدمُ ملك كلِّ واحدٍ منهما لِما صار إليه
(2)
، والأصلُ في المكاتَب وكَسْبِه: أنَّه لسيِّده، فلذلك قُبِلَ قَولُه فيه؛ ولأِنَّ التَّحالُفَ في البيعِ مقيَّدٌ، بخلاف الكتابة؛ إذ الحاصل بالتَّحالُف فسخُ الكتابة، وردُّ الرَّقيق إلى رِقِّه، وهذا حاصلٌ مِنْ جَعْلِ القول قولَ السَّيِّد.
(1)
في (ق): لم يكن.
(2)
قوله: (إليه) سقط من (ق).
فإنْ تحالفَا قَبْلَ العتق؛ فُسِخ العقدُ، إلاَّ أنْ يرضَى أحدُهما بقولِ صاحبه، وإنْ كان بَعْدَه؛ رجع السَّيِّدُ بقيمته، ورجع العبدُ بما أدَّاه.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي وَفَاءِ مَالِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ)؛ أيْ: مع يمينه؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، ويُمهَلُ المكاتَبُ ثلاثًا.
(فَإِنْ أَقَامَ الْعَبْدُ شَاهِدًا) ذَكَرًا (وَحَلَفَ مَعَهُ، أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ؛ ثَبَتَ الْأَدَاءُ وَعَتَقَ)؛ لأِنَّ النِّزاعَ بَينَهما في أداء المال، والمالُ يُقبَلُ فيه ذلك.
وقِيلَ: في غَيرِ النَّجم الأخير.
وإنِ ادَّعَى كلُّ واحِدٍ من مكاتَبِيه الوفاءَ؛ عَتَقَ مَنْ عيَّنه، وحَلَف لغَيره.
وإنْ قال: لا أعلم عينَه؛ حَلَفَ على ذلك، وعُيِّنَ بقُرعةٍ، ومَنْ بقيَ منهما؛ مكاتَبًا
(1)
.
وإنْ مات السَّيِّدُ ولم يعَيِّن؛ فوارِثُه كَهُوَ.
فَرْعٌ: إذا أقرَّ السَّيِّدُ بقَبْض مالِ الكتابة؛ عَتَقَ العبدُ إذا كان ممَّن يَصِحُّ إقرارُه، ولو كان في مَرَضِ مَوته.
ولو قال: اسْتَوفَيتُ كتابتي كلَّها إنْ شاء الله تعالى، أوْ زَيدٌ؛ عَتَقَ، ولم يُؤثِّر الاستثناءُ ولو في مرضه، ذَكَرَه المؤلِّفُ.
(1)
الظاهر أن المراد: يبقى مكاتبًا.
(فَصْلٌ)
(وَالْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ - مِثْلَ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ)، أوْ مجهولٍ -؛ (يُغَلَّبُ فِيهَا حُكْمُ الصِّفَةِ فِي أَنَّهُ إِذَا أَدَّى عَتَقَ)، اختاره القاضي وغيرُه؛ كسائر الكتابات الفاسدة.
واختار في «الانتصار» : إنْ أتَى بالتَّعليق؛ كقوله: إذا أدَّيت إليَّ فأنت حرٌّ؛ فإنَّه يعتِقُ بالصِّفة المجرَّدة، لا بالكتابة.
فأمَّا الكتابةُ التي لا يكونُ عِوَضُها مُحرَّمًا؛ فإنَّها تُساوِي الصَّحيحةَ في أربعةِ أحْكامٍ:
أحدُها: أنَّه يعتِقُ بأداء ما كُوتِبَ عليه، سواءٌ صرَّح بالصِّفة؛ بأنْ يقولَ: إذا أدَّيتَ إليَّ فأنت حُرٌّ، أو لم يَقُلْ.
الثَّاني: أنَّه إذا أعتقه بالأداء؛ لم يَلزَمْه قيمةُ نفسه، ولم يَرجِعْ على سيِّده بما أعطاه.
الثَّالثُ: أنَّ المكاتَبَ يَملِكُ التَّصرُّف في كَسْبِه.
الرَّابعُ: إذا كاتَبَ جماعةً كتابةً فاسدةً، فأدَّى أحدُهم حصتَه؛ عَتَقَ على القول بأنَّه يعتِقُ بها في الصَّحيحة.
وعنه: بطلانُها بعِوَضٍ محرَّمٍ، اختاره أبو بكرٍ.
(وَلَا يَعْتِقُ بِالْإِبْرَاءِ)؛ لأِنَّ المالَ غَيرُ ثابِتٍ في العقد، بخلافِ الصَّحيحة، ولكلِّ واحِدٍ منهما فَسْخُها، سَواءٌ كان ثَمَّ صفةٌ أوْ لَا، وأنَّ السَّيِّدَ لا يَلزَمُه أنْ يُؤدِّيَ إليه شيئًا من الكتابة.
(وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ السَّيِّدِ)؛ لأِنَّ الفاسِدةَ عقدٌ جائزٌ، لا يَؤُولُ إلى اللُّزوم، فانْفَسخَتْ بذلك كالوكالة.
(وَجُنُونِهِ، وَالْحَجْرِ لِلسَّفَهِ)؛ لأِنَّ المقصودَ فيها المعاوضةُ، والصِّفةُ مَبنِيَّةٌ
عليها، بخلاف الصِّفة المجرَّدة.
قال المؤلِّفُ: والأَوْلَى أنَّها لا تَبطُلُ هنا؛ لأِنَّ الصِّفةَ المجرَّدةَ لا تَبطُل بذلك، والمغلَّب
(1)
في هذه الكتابة حكمُ الصِّفة المجرَّدة.
(وَيَمْلِكُ السَّيِّدُ أَخْذَ مَا فِي يَدِهِ)؛ لأِنَّه ملْكُه ومالُه، (وَإِنْ فَضَلَ عَنِ الْأَدَاءِ فَضْلٌ؛ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ)، قاله أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّه عَتَقَ بالصِّفة لا بالمعاوَضة.
وقال القاضي، وتَبِعَه في «المغْنِي»: ما يَفضُلُ في يده بعدَ الأداء؛ فهو له.
والأوَّلُ أصحُّ.
(وَهَلْ يَتْبَعُ المُكَاتَبَةَ وَلَدُهَا فِيهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما، وهو أقْيَسُ وأصحُّ: لا يَتبَعُها؛ لأِنَّه إنَّما تَبِعَ في الصَّحيحة بحُكم العَقْد، وهو مفقودٌ هنا.
والثَّاني: يَتبَعُ
(2)
؛ كالصَّحيحة، ورجَّحه بعضُهم.
وكذا الخِلافُ في وجوب الإيتاءِ فيه.
وكذا جعل مَنْ أَوْلَدَها أمَّ ولده، وفيه وجهٌ في الصِّحَّة ذَكَرَه القاضي.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَنْفَسِخُ بِالمَوْتِ، وَلَا الْجُنُونِ
(3)
، وَلَا الْحَجْرِ)؛ لأِنَّ الفاسِدةَ كالصَّحيحة في وُقوعِ العِتْق، وفي تبعيَّة الوَلَد وذَوِي رحِمِه، فكذلك في الفسخ، ولأِنَّ الشَّارِعَ مُتَشوِّفٌ إلى العتق، وما ذُكِرَ وسيلةٌ إليه، فوَجَبَ الحُكْمُ به؛ تحصيلاً للمطلوب الشَّرعيِّ.
(وَتَعْتِقُ
(4)
بِالْأَدَاءِ إِلَى الْوَارِثِ) على قَوله؛ لكَونها لا تَنفَسِخ؛ لتشوُّف الشَّارع إلى العتق، ولأِنَّه قائمٌ مَقامَ مُورِّثِه.
(1)
في (ظ): وليغلب.
(2)
في (ق): تتبع.
(3)
في (ق): بالجنون.
(4)
في (ق): ويعتق.
(بَابُ أَحْكَامِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ)
الأحْكامُ جَمْعُ حُكْمٍ، وهو في اللُّغة: القضاءُ، والحِكمةُ.
وفي الاِصْطِلاحِ: خِطابُ الله المفيدُ فائدةً شرعيَّةً.
وأحْكامُهنَّ: ما ذَكَرَه من
(1)
تحريمِ بَيعِهنَّ، وجوازِ الاِنْتِفاع بهنَّ، ونحوِه.
وأُمَّهاتٌ جمعُ أمٍّ، باعْتِبار الأصل، وأُمَّاتٌ باعْتِبار اللَّفظ، وقِيلَ: الأُمَّهاتُ للنَّاس، والأُمَّاتُ للبهائم.
وقد أشْعَرَ كلامُه بجواز التَّسرِّي، وهو إجْماعٌ بلا شكٍّ
(2)
؛ لقوله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6)} [المؤمنون: 5 - 6]، واشْتَهَرَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَوْلَدَ مارِيَةَ القِبْطِيَّةَ
(3)
، وعَمِلَت الصَّحابةُ على ذلك؛ منهم عمرُ
(4)
وعليٌّ
(5)
، وكان عليُّ بنُ الحُسَينِ
(6)
، والقاسِمُ بنُ محمَّدٍ، وسالِمُ بنُ عبدِ الله أُمَّهاتُهم أمُّ أوْلادٍ.
(وَإِذَا عَلِقَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، فَوَضَعَتْ مَا تَبَيَّنَ
(7)
فِيهِ بَعْضُ خَلْقِ إِنْسَانٍ
(8)
؛ صَارَتْ بِذَلِكَ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)، نَقولُ: يُشتَرَط لكونِها أمَّ ولدٍ شَرْطانِ:
(1)
في (ق): في.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 63، المغني 10/ 465.
(3)
ينظر: الإشراف 7/ 8. ومارية القبطية هي أم إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
تقدم تخريجه 6/ 606 حاشية (1).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (13212)، عن ابن جريج، عن عطاء بلغه، أن عليًّا كتب في عهده:«إني تركت تسع عشرة سرية، فأيتهن ما كانت ذات ولد قُوِّمت بحصة ولدها بميراثه مني، وأيتهن ما لم تكن ذات ولد فهي حرة» ، قال: فسألت محمد بن علي بن حسين الأكبر: أذلك في عهد علي؟ قال: «نعم» . وهو مرسل.
(6)
في (ق): الحسن.
(7)
في (ق): يتبين.
(8)
في (ق): الإنسان.
أحدُهما: أنْ تَحمِلَ به في ملْكِه، سَواءٌ كان من وَطْءٍ مباحٍ أوْ محرَّمٍ، فأمَّا إنْ عَلِقَتْ منه في غَيرِ ملكِه؛ لم تَصِرْ أمَّ وَلَدٍ، وظاهِرُ الأوَّل: ولو كان محجورًا عليه.
الثَّاني: أنْ تَضَعَ ما يَتَبيَّنُ فيه شيءٌ من خَلْق الإنسان، حيًّا كان أوْ ميِّتًا، أسْقَطَتْه أو كان تامًّا، رَوَى الأثْرَمُ عن ابن عمرَ قال:«أعْتَقَهَا ولدُها وإنْ كان سِقْطًا»
(1)
، ورَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ عن ابن عبَّاس مرفوعًا نحوَه
(2)
، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا بَينَ القائِلينَ بثُبوت الاِسْتِيلاد
(3)
.
(1)
لم نقف عليه، وذكره في المغني 10/ 477 عن عمر وابن عمر رضي الله عنهما.
وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (13244)، وسعيد بن منصور (2051)، وابن أبي شيبة (21478)، والبيهقي في الكبرى (21785)، عن عكرمة، عن عمر قال:«أم الولد أعتقها ولدها، وإن كان سقطًا» ، وروي عن عكرمة عن عمر من وجوه أخرى صحيحة، وعكرمة عن عمر مرسل، ووصله خُصيف بن عبد الرحمن، أخرجه سعيد بن منصور (2052)، والبيهقي في الكبرى (21786)، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن عمر. وخُصيف ضعيف. وقال الحافظ في التلخيص 4/ 519:(الصحيح أنه من قول ابن عمر).
(2)
أخرجه ابن ماجه (2516)، وابن أبي عاصم في الآحاد (3132)، والدارقطني (4233)، والحاكم (2191)، والبيهقي في الكبرى (21782)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ولدت أمّ إبراهيم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أعتقها ولدها» ، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: أبو بكر بن عبد الله بن أبي سَبْرة القرشي، عالم مكثر لكنه متروك، وقد رُمي بالوضع، ووقع عند ابن ماجه:(عن أبي بكر النهشلي)، قال المزيّ:(هكذا وقع عنده في هذا الحديث، والأشبه أنه أبو بكر بن أبي سَبْرة؛ فإنّه معدود في الرواة عن الحسين بن عبد الله، وفي شيوخ أبي عاصم النبيل، بخلاف النهشلي)، وفيه أيضًا: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس الهاشمي، وهو مجمع على ضعفه، وشدّد غير واحد من الأئمّة في أمره، قال أحمد:(منكر الحديث). وله طرق أخرى مدارها كلّها على حسين بن عبد الله الهاشمي. وضعّفه مرفوعًا ابن عبد البرّ وابن القطّان وابن الملقن والبوصيري وابن حجر والألباني. ينظر: الاستذكار 7/ 331، البدر المنير 9/ 754، موافقة الخبر 1/ 170، التلخيص الحبير 4/ 401، الإرواء 6/ 185.
(3)
ينظر: المغني 10/ 477.
ونَقَلَ حنبلٌ وأبو الحارثِ
(1)
: يُغسَلُ السِّقْطُ، ويُصلَّى عليه بعدَ أربعةِ أشْهُرٍ، وإنْ كان أقلَّ من ذلك فلا، واحتجَّ بحديثِ ابنِ مسعودٍ:«في عشرينَ ومائةِ يومٍ يُنْفَخُ فيه الروحُ»
(2)
.
وتَنقَضِي به العِدَّةُ، وتعتِقُ الأمةُ إذا دخل في الخلْق الرَّابع، وقدَّم في «الإيضاح»: ستَّةَ أشْهُرٍ.
وذَكَرَ الخِرَقِيُّ شرطًا ثالثًا، وهو: أنْ تَحمِلَ بحُرٍّ.
(فَإِذَا مَاتَ؛ عَتَقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا)، في قَولِ مَنْ رأى عِتْقَهنَّ؛ لأِنَّها تعتِقُ من رأس المال؛ لأِنَّ ذلك إتْلافٌ حصل بسبب حاجةٍ أصليَّةٍ، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَه في أكلٍ ونحوِه.
وقِيلَ: إنْ جاز بَيعُها لم تعتِقْ بمَوته.
ونقل الميمونيُّ: إنْ لم تَضَعْ، وتبيَّن
(3)
حَمْلُها في بطنها؛ عَتَقَتْ، وأنَّه يُمنَعُ من نَقْلِ الملك لِمَا في بطنها حتَّى يُعلَمَ
(4)
.
فَرْعٌ: إذا عَتَقَتْ بمَوتِ سيِّدها؛ فما في يدها فهو لورثة سيِّدها. وقال ابنُ حَمْدانَ: بل لها، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ روايَتَينِ.
ولا فَرْقَ بين المُسلمةِ والكافِرةِ، والعَفِيفة والفاجِرَة، والمسلِمِ والفاجِرِ، وضدِّهما في قَول الجماهير، ورَوَى سعيدٌ عن عمرَ
(5)
، وعمر بن عبد العزيز
(1)
ينظر: الفروع 8/ 164
(2)
أخرجه البخاري (3332)، ومسلم (2643).
(3)
في (ظ): ويبين.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 129، الفروع 8/ 164
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (2055)، عن أبي عطية مالك بن عامر، أن عمر بن الخطاب، قال في أم الولد:«إن أسلمت وأحصنت وعفَّت؛ أُعتقت، وإن كفرت وفجرت وغدرت؛ رَقَّت» ، رجاله ثقات، وأبو عطية، قال البخاري عنه في التاريخ الكبير 7/ 305:(قال: جاءنا كتاب عمر)، فالظاهر أن روايته عنه مرسلة.
كلامًا، قال المؤلِّفُ عَقِبَه: فعلى هذا يَحصُل العِتْقُ بالمسلمة والعفيفة، دُونَ ضدِّهما.
(وَإِنْ وَضَعَتْ جِسْمًا لَا تَخْطِيطَ فِيهِ)، مِثْلَ المضغة ونحوِها، وعُلِمَ منه
(1)
أنَّه مُبتَدَأُ خلقِ آدَمِيٍّ؛ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا تَصِيرُ أُمَّ ولد له، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وهو المذهَبُ؛ لأِنَّ ذلك لَيسَ بولدٍ، وعِتْقُها مشروطٌ بصَيرورتها أمَّ وَلَدٍ، فَعَلَى هذا: لا تَنقَضِي به عدَّةُ الحرَّة، ولا يَجِبُ على الضَّارِب المتْلِفِ له غُرَّةٌ ولا كَفَّارةٌ.
والثَّانية: بلى، فتتعلَّقُ به الأحكامُ الأربعةُ، أشْبَهَ ما لو تبيَّن.
وعَنْهُ: أنَّها تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ، ولا تَنقَضِي به عدَّةُ الحرَّةِ.
فعلى ذلك: لا بُدَّ من شهادةِ ثقاتٍ مِنْ القوابل أنَّه مُبتَدأُ خلقِ آدَمِيٍّ؛ لأِنَّها إذا وَضَعَتْ نطفةً؛ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ، وكذا إذا ألْقَتْ عَلَقَةً، قَطَعَ به المجدُ والمؤلِّف في «الكافي» ، ونَصَّ أحمدُ في روايةِ يوسفَ بنِ موسى: أنَّها تعتِقُ وإنْ لم تُتِمَّ أربعةَ أشْهُرٍ بَعْدَ أنْ يُرَى خَلقُه، ويُعلَمَ أنَّه وَلَدٌ
(2)
.
(وَإِنْ أَصَابَهَا فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ)؛ كشُبهةٍ، (ثُمَّ مَلَكَهَا حَامِلاً؛ عَتَقَ الْجَنِينُ)؛ لأِنَّه ابْنُه، وقد دخل في ملْكِه، (وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) على المذهب، سَواءٌ مَلَكَها حامِلاً، فَوَلَدَتْ في ملْكِه، أوْ مَلَكَها بَعْدَ وِلادَتها؛ لأِنَّها لم تَعْلَقْ في ملْكِه، أشْبَهَ ما
(3)
لو اشْتَراها بعدَ الوَضْع.
(وَعَنْهُ: تَصِيرُ) أُمَّ وَلَدٍ في الحالَينِ؛ لأِنَّ لحرمةِ البَعْض أَثَرًا فِي تحريرِ الجميع، بدليلِ ما لو أعْتَقَ بَعْضَها، قال أحمدُ:(ما سَمِعْنا فيه أنَّها لا تَصِيرُ أُمَّ ولدٍ حتَّى تَلِدَ في ملْكِه)
(4)
.
(1)
قوله: (منه) سقط من (ق).
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 129.
(3)
قوله: (ما) سقط من (ظ).
(4)
لم نجد كلام أحمد، وفي مسائل صالح 2/ 252:(إذا تزوج الرجل الأمة فأولدها، ثم اشتراها بعد ذلك؛ فأكثر ما سمعنا عنه من التابعين يقولون: لا تكون أم ولد حتى تلد عنده وهو يملكها، وقال بعض الناس: هي أم ولد وليس له بيعها).
وفي المغني 10/ 471: (ونقل القاضي ابن أبي موسى عن أحمد رضي الله عنه: أنها تصير أم ولد في الحالين،
…
ولم أجد هذه الرواية عن أحمد، فيما إذا ملكها بعد ولادتها، إنما نقل عنه التوقف عنها في رواية مهنى، فقال: لا أقول فيها شيئًا، وصرح في رواية جماعة سواه، بجواز بيعها، فقال: لا أرى بأسًا أن يبيعها، إنما الحسن وحده قال: إنها أم ولد، وقال: أكثر ما سمعنا)، ثم ذكر رواية صالح المتقدمة. وينظر: مسائل صالح 2/ 252، مسائل ابن منصور 4/ 1682، زاد المسافر 3/ 424.
وعنه: إنْ مَلَكَها حامِلاً؛ صارتْ أمَّ ولدٍ، وقال في «الكافي» وتَبِعَه ابنُ حَمْدانَ: أو وَطِئَها في أثْناءِ حَمْلِها أو وسطه؛ لأِنَّ الماءَ يَزِيدُ في سَمعِهِ وبَصَرِه.
وظاهِرُ المذْهَبِ: أنَّها لا تكونُ أمَّ وَلَدٍ حتَّى تَحْبَلَ منه في ملْكِه، ويَحرُمُ بَيعُ الولد، ويُعتِقُه نَصًّا
(1)
.
(وَأَحْكَامُ أُمِّ الْوَلَدِ أَحْكَامُ الْأَمَةِ؛ فِي الْإِجَارَةِ، وَالاِسْتِخْدَامِ، وَالْوَطْءِ)؛ لأِنَّها مملوكةٌ، أشْبَهَت القِنَّ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ قال:«مَنْ وَطِئَ أَمَتَه فَوَلَدَتْ له؛ فهي مُعتَقَةٌ عن دُبُرٍ منه، أوْ قال: مِنْ بَعدِه» رواه أحمدُ وابنُ ماجه
(2)
، فدلَّ على أنَّها باقيةٌ على الرِّقِّ، فعلى هذا: لسيِّدها كَسْبُها.
(وَسَائِرِ أُمُورِهَا)؛ كالتَّزويج والعتقِ ونحوِه من أحكامِ الإماء، ولا يَرِدُ عليه كَونُها لا ترث
(3)
، بل تعتِق بمَوتِ سيِّدها، ويُحَدُّ قاذِفُها، وتَسْتَتِرُ ستْرَ الحرَّة
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 196. وقوله: (ويحرم بيع الولد، ويعتقه نصًا) سقط من (ق).
(2)
أخرجه أحمد (2759، 2937)، وابن ماجه (2515)، ولفظ المصنف عند أحمد، وعند ابن ماجه:«أيما رجل ولدت أمته منه، فهي معتقة عن دبر منه» ، وهو حديث ضعيف، في سنده: حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وهو مجمع على ضعفه، وقد سبق بلفظ: ذُكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أعتقها ولدها» . 7/ 376 حاشية (2).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 7/ 533: تورث.
على روايةٍ.
نَعَمْ، يَرِدُ عليه: أنَّه لا يَصِحُّ تَدْبيرُها؛ لاِنْتِفاءِ فائدته، ولهذا لو طرأَ الاِسْتِيلادُ على التَّدبير؛ أبْطَلَه.
قال ابنُ حَمْدانَ: قلتُ: يَصِحُّ إنْ جاز بَيعُها، وقُلْنَا: التَّدبيرُ عِتْقٌ بصِفَةٍ، وقد يَرِدُ ما أشْعَرَ به كلامُ أحمدَ في رواية أبي طالِبٍ: أنَّه لا يَطؤها؛ لأِنَّه لا يَقدِرُ على بَيعِها
(1)
، فجَعَلَ العِلَّةَ عَدَمَ البيع، والمذهبُ خلافُ هذه الرِّوايةِ: أنَّه
(2)
يَجُوزُ وَطْؤها.
(إِلاَّ فِيمَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ فِي رَقَبَتِهَا؛ كَالْبَيْعِ)؛ لِمَا روى ابنُ عمرَ مرفوعًا: أنَّه نهى عن بَيعِ أمَّهات الأولاد، وقالَ:«لا يُبَعْنَ، ولا يُوهَبْنَ، ولا يُورَثْنَ، يَستَمْتِعُ بها السَّيِّدُ ما دام حيًّا، فإذا مات فهي حُرَّةٌ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ، ورواهُ مالِكٌ في «الموَطَّأ» ، والدَّارَقُطْنِيُّ من طريقٍ آخَرَ عن ابن عمرَ عن عمرَ مِنْ قَولِه، قال المجْدُ: وهو أصحُّ
(3)
، وعن ابن عبَّاسٍ، قال: ذُكِرَتْ أمُّ إبراهيمَ
(1)
ينظر: شرح الزركشي 7/ 534.
(2)
في (ق): وأنه.
(3)
أخرجه الدارقطني (4247، 4248)، عن يونس بن محمد - يعني المؤدب - عن عبد العزيز بن مسلم - القَسملي -، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا. وسنده في ظاهره صحيح، لكن خالف القسمليَّ جمعٌ، فرووه عن ابن دينار عنه موقوفًا: أخرجه عبد الرزاق (13228)، وابن أبي شيبة (21596)، والدارقطني (4249)، والبيهقي في الكبرى (21765)، من طرق عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنه موقوفًا. وأسانيدها صحيحة حسنة، وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 776)، وسعيد بن منصور (2053) من طريق نافع، عن عبد الله بن عمر؛ عن عمر. وإسناده صحيح موقوفًا، كما قاله الحافظان ابن كثير وابن حجر، واختلف الأئمة، فصحّح الرّفعَ ابن القطّان، ومال إليه ابن دقيق العيد، وصحّح وقفَه الدّارقطني والبيهقي والخطيب والبيهقي وابن عبد الهادي والألباني. ينظر: العلل للدارقطني 13/ 192، معرفة السنن 14/ 467، تاريخ بغداد 2/ 82، بيان الوهم 5/ 447، الإلمام (771)، تنقيح التحقيق 5/ 104، نصب الراية 3/ 288، البدر المنير 9/ 755، موافقة الخبر 1/ 171، الإرواء 6/ 187.
عندَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: «أعْتَقَها وَلَدُها» رواه ابن ماجه والدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
، وروى سعيدٌ، حدَّثنا أبو معاويةَ، عن المغيرة، عن الشَّعْبِيِّ، عن عَبِيدةَ، قال: خَطَبَ عليٌّ النَّاسَ، فقال:«شاوَرَنِي عمرُ في أُمَّهات الأولاد، فرأيتُ أنا وعمرُ أنْ أُعْتِقَهُنَّ، فقضى به عمرُ حياتَه، وعُثْمانُ حياتَه، فلمَّا وُلِّيتُ رأيتُ فيهِنَّ رأْيًا» ، قال عَبيدةُ: فَرَأْيُ عمرَ وعليٍّ في الجماعة أحبُّ إلَينا مِنْ رَأْيِ عليٍّ وحدَه
(2)
، وهذا دليلُ الإجماع.
(وَالْهِبَةِ، وَالْوَقْفِ، أَوْ مَا يُرَادُ لَهُ)؛ أيْ: للبيع؛ (كَالرَّهْنِ)؛ لأِنَّ ذلك يُنافِي انعقادَ سببِ الحُرِّيَّة ويُبطِلُه.
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ)؛ أخْذًا من قَولِ أحمدَ في روايةِ صالِحٍ، وسَأَلَه: إلى أيِّ شيءٍ تَذهَبُ في بَيعِ أمَّهات الأولاد؟ قال: أكرهُهُ
(3)
، وقالَ في روايةِ ابنِ منصورٍ: لا يُعجِبُنِي
(4)
، فجعل أبو الخطَّاب ذلك روايةً، وهي قَولُ ابن عبَّاسٍ، وابنِ مسعودِ، وابنِ الزُّبَير
(5)
، وقاله داودُ،
(1)
ينظر: الإشراف 7/ 8. وحديث ابن عباس رضي الله عنهما تقدم تخريجه 7/ 376 حاشية (2).
(2)
تقدم تخريجه 7/ 233 حاشية (4).
(3)
لم نجده في المطبوع من مسائل صالح. وينظر: المغني 10/ 469.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1983.
(5)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (13218)، وسعيد بن منصور (2060)، عن عطاء، عن ابن عباس في أم الولد، قال:«بعها كما تبيع شاتك أو بعيرك» . إسناده صحيح، وعلقه البخاري في تاريخه 3/ 388 عن عمرو به، وقال:(وهذا المعروف من فتيا ابن عباس).
وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (13214)، وسعيد بن منصور (2061)، وابن أبي شيبة (21592)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 185)، والطبراني في الكبير (9684)، وابن حجر في موافقة الخبر (1/ 169)، عن زيد بن وهب، قال: مات رجل منا وترك أم ولد، وأراد الوليد بن عقبة أن يبيعها في دَينه، فأتيا ابن مسعود، فذكرنا ذلك له، فقال:«إن كان لا بد؛ فاجعلوها من نصيب أولادها» . قال الحافظ: (رجاله ثقات).
وأثر ابن الزبير رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (13229)، وسعيد بن منصور (2053)، وابن أبي شيبة (21591)، والبيهقي في الكبرى (21795)، وابن حجر في موافقة الخبر (1/ 171)، عن نافع قال: جاء رجلٌ ابنَ عمر، فقال: إن ابن الزبير قد أذن ببيع أمهات الأولاد، قال: فقال ابن عمر: «لكن أبا حفص عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، أتعرفونه؟ لم يأذن ببيعهن، وأعتقهن» ، قال الحافظ:(موقوف صحيح).
وعن عطاءٍ عن جابِرٍ قال: «بِعْنا على عهد النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وأبي بكرٍ، فلمَّا كان عمرُ نهانا فانْتَهَينا» رواه أبو داودَ
(1)
.
وإنَّما كَرِهَ ذلك أحمدُ للاخْتِلاف فيه، فقِيلَ: لا تعتِقُ بمَوته.
وهل هذا الخلافُ شُبْهَةٌ؟ فيه نِزاعٌ، والأقوى شبهةٌ، قاله الشَّيخ تقيُّ الدِّين، وأنَّه يَنبَنِي عليه: لو وَطِئَ مُعتَقِدًا تحريمَه، هل يَلحَقُه نسبُه، أوْ يُرجَمُ المحصَنُ؟ أمَّا التَّعزيرُ فواجِبٌ
(2)
.
قال ابنُ عَقيلٍ في «الفنون» : يَجوزُ البَيعُ؛ لأِنَّه قَولُ عليٍّ وغيرِه، وإجْماعُ التَّابِعِينَ لا يَرفَعُه، وحكاه بعضُهم: إجماعَ الصَّحابة
(3)
.
(وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ)، ولَيسَ هذا روايةً مخالِفةً لِمَا نَصَّ عليه في روايةِ الجماعةِ؛ لأِنَّ السَّلَفَ يُطلِقون الكراهةَ على التَّحريم كثيرًا، ومتى كان التَّحريمُ مُصرَّحًا به؛ وجب الحَمْلُ عليه.
وقَولُ جابِرٍ لَيسَ بصَرِيحٍ في ذلك، وأجاب جماعةٌ: بأنَّه كان مباحًا، ثُمَّ نَهَى عنه، ولم يَظهَر النَّهيُ لِمَنْ باعَ؛ لأِنَّ أبا بكرٍ لم تَطُلْ مُدَّتُه، وكان مُشْتَغِلاً بما هو أهمُّ من أمر الدِّين، ثُمَّ ظَهَرَ ذلك زمنَ عمرَ، فأظْهَرَ المنْعَ اعْتِمادًا على النَّهي؛ لتعذُّرِ النَّسخ حِينَئِذٍ.
(1)
أخرجه أبو داود (3954)، وابن حبان (4324)، والحاكم (2189)، والبيهقي في الكبرى (21791)، قال الحاكم والذهبي:(صحيح على شرط مسلم)، قال الألباني:(وهو كما قالا). ينظر: الإرواء 6/ 189.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 166، الاختيارات ص 289.
(3)
ينظر: التمهيد 3/ 137، المنتقى للباجي 6/ 22.
وحَكَى ابنُ عبدِ البَرِّ، والإسْفَرايِينِيُّ، والباجِيُّ، وابنُ بَطَّالٍ، والبَغَوِيُّ، الإجماعَ على أنَّه لا يَجوزُ
(1)
.
(ثُمَّ إِنْ وَلَدَتْ) أمُّ الولد بعدَ ثُبوت حكمِ الاِسْتِيلاد (مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا)، من زوجٍ أو غَيرِه؛ (فَلِوَلَدِهَا حُكْمُهَا)؛ أيْ: في جميع الأحكام، إلاَّ أنَّه لا يَجوزُ للسَّيِّد أن يَستَمْتِعَ بِبَناتها؛ لأِنَّه دَخَلَ بأُمِّهنَّ، قال أحمدُ:(قال ابنُ عمرَ وابنُ عبَّاسٍ وغَيرُهما: «وَلدُها بمَنزِلتها»)
(2)
، ولا نَعلَمُ في هذا خِلافًا بَينَ القائلين بثُبوتِ حكمِ الاِسْتِيلاد، إلاَّ أنَّ عمرَ بنَ عبد العزيز قال: هم عَبِيدٌ
(3)
، (فِي الْعِتْقِ بِمَوْتِ سَيِّدِهَا)؛ لأِنَّ الولدَ تَبَعٌ لأُمِّه في الحرِّيَّةِ والرِّقِّ، فتَبِعها في سبب الحرِّيَّة، (سَوَاءٌ عَتَقَتْ) الأمُّ (أَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ
(4)
؛ لأِنَّ سبب الحرِّيَّة قد انْعَقَدَ، وهو شَبِيهٌ بنفس العتق، فكما لا يَرتَفِعُ العِتْقُ بعدَ وُقوعه؛ فكذلك لا يَرتَفِعُ السبب بعدَ وقوعه، وكذلك ولدُ المدبَّرة، بخِلافِ ولدِ المكاتَبة، فإنْ أعْتَقَ أمَّ الولد أو المدبَّرة لم يعتِقْ ولدُها، وإنْ أعْتَقَ ولدَهما؛ لم يعتِقا بعِتْقِه، وإنْ أعْتَقَ المكاتَبةَ
(5)
؛ عَتَقَ ولدُها، نَصَّ عليهِ
(6)
.
(1)
ينظر: التمهيد 3/ 137، المنتقى للباجي 6/ 22، شرح البخاري لابن بطال 7/ 60، شرح السنة للبغوي 9/ 370.
(2)
ينظر: المغني 10/ 479.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (13254)، وسعيد بن منصور (460)، وابن أبي شيبة (20617)، عن نافع، عن ابن عمر في الرجل يزوِّج أم ولده فتلد الأولاد، قال:«إذا أعتقت أمهم فهم أحرار» ، وفي لفظ:«ولد أم الولد بمنزلتها» ، وإسناده صحيح. وأخرجه البيهقي في الكبرى (21800)، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أنه سمع عبد الله بن عمر، يقول نحوه. وإسناده جيد. ولم نقف عليه من قول ابن عباس رضي الله عنهما.
(3)
ينظر: المغني 10/ 479.
(4)
في (ق): أو مات قبلها.
(5)
في (ق): المكاتب.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4472.
(وَإِنْ مَاتَ سَيِّدُهَا، وَهِيَ حَامِلٌ مِنْهُ؛ فَهَلْ تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ لِمُدَّةِ حَمْلِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، هذا مَبْنِيٌّ على الخلافِ في نفقة الحامِلِ، فإنْ قُلْنا: هي للحملِ؛ فلا نفقةَ لها؛ لأِنَّ الحَمْلَ له نصيبٌ في الميراث، فتَجِبُ نفقتُه في نصيبِه.
وإنْ قُلْنا: للحاملِ؛ فلها النَّفقةُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه شَغَلَها بحَمله، فكانَ عِوَضُ ذلك عليه، كمَا لو استأْجَرَ دارًا؛ كانَتْ أُجْرتُها عليه.
وفي «الرِّعاية» : هل تَجِبُ نَفَقَتُها في الكلِّ، أو في حِصَّةِ ولدها؟ على روايَتَينِ.
(وَإِذَا جَنَتْ أُمُّ الْوَلَدِ)؛ تعلَّق أرْشُ جِنايَتها برَقَبتها؛ كالقِنِّ، (فَدَاهَا سَيِّدُهَا)؛ لأِنَّه امْتَنَعَ عليه بَيعُها، (بِقِيمَتِهَا أَوْ دُونِهَا)؛ أيْ: بالأقلِّ منهما، فإنْ ماتَتْ قَبْلَ فِدائها؛ فلا شَيءَ على سيِّدها، وإنْ نَقَصَتْ قِيمتُها قَبلَه أيضًا؛ وَجَبَ فِداؤها بقِيمتها يَومَ الفِداء، وإنْ زادَتْ قِيمتُها؛ زاد فِداؤها، وإنْ كَسَبَتْ بعدَ جِنايتها شَيئًا؛ فهو لِسيِّدها، وكذلك ولدُها، وإنْ فَداها حالَ حَمْلِها؛ فعليه قِيمتُها حامِلاً، وإنْ أتْلَفَها سيِّدُها؛ فعليه قِيمتُها، وإنْ نقصها؛ فعليه نَقْصُها.
(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ فِدَاؤُهَا بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ)؛ كالْقِنِّ في روايةٍ، بالِغةً ما بَلَغَتْ؛ لِمَنْعه
(1)
من تسليمها بسببٍ مِنْ جِهته.
والفَرْقُ ظاهِرٌ؛ لأِنَّه لا يُمكِنه تسليمُها للبيع، بخلافِ الْقِنِّ.
(وَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ؛ فَدَاهَا أَيْضًا)، نَقَلَه ابنُ منصورٍ
(2)
، واختاره الأصحابُ، حتَّى قال أبو بكرٍ: ولو أَلْفَ مرَّةٍ؛ لأِنَّها أمُّ ولدٍ جانِيةٌ، فَلَزِمَه فداؤها؛ كالأوَّل.
(وَعَنْهُ: يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِذِمَّتِهَا)؛ أيْ: يُتبَعُ
(3)
به بعدَ العتقِ، قدَّمه في
(1)
في (ق): كمنعه. والمثبت موافق لشرح الزركشي 7/ 552. س
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3433، الروايتين والوجهين 2/ 286.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في شرح الزركشي 7/ 553: تتبع.
«التَّرغيب» ؛ حِذارًا مِنْ إضرار السَّيِّد بتَكرارِ الفداء مع مَنْعه مِنْ بَيعها، ولأِنَّها جانيةٌ، فلم يَلزَمِ السَّيِّدَ أكثرُ مِنْ قِيمتِها؛ كما لو لم يَكُنْ فَداها.
وعلى هذه: قال ابنُ حَمْدانَ: قلتُ: يَرجِعُ الثَّاني على الأوَّل بما يَخُصُّه مِمَّا أَخَذَه، كذا أطْلَقهما الأكثرُ، وقيَّدها القاضِي في رِوايَتَيهِ، والمؤلِّفُ في «المغْنِي» ، حاكيًا له عن أبي الخَطَّاب: بما إذا فَداها أوَّلاً بقيمتها.
ومُقتضَى
(1)
هذا: أنَّه لو فَداها أوَّلاً بالأَرْش؛ لَزِمَه فِداؤها ثانيًا بما بَقِيَ من قيمتها بلا خِلافٍ.
فَرْعٌ: إذا جَنَتْ جِناياتٍ قَبْلَ الفِداء؛ تعلَّق أرشُ الجميع برَقَبتها، ولم يَكُنْ عليه فيها كلِّها إلاَّ الأقلُّ من قيمتها أو أَرْشِ جميعِها، ويَشتَرِكُ الجميعُ في الواجِبِ لهم.
فإنْ أَبْرَأَ بعضُهم من حقِّه؛ توفَّر الواجِبُ على الباقين، إذا كانت كلُّها قَبْلَ الفِداء، وإنْ كان المعفوُّ عنها بعدَ فِدائه؛ توفَّر أرْشُها على سيِّدها.
(وَإِنْ قَتَلَتْ سَيِّدَهَا عَمْدًا؛ فَعَلَيْهَا الْقِصَاصُ) إنْ لم يَكُنْ له منها وَلَدٌ، وإنْ كان له منها ولدٌ، وهو الوارِثُ وحدَه؛ فلا قِصاصَ، وكذا إنْ كان معه غيرُه على الأصحِّ؛ لأِنَّه وَرِثَ بعضَ الدَّم، وحِينَئِذٍ إذا لم يَجِب القِصاصُ؛ فَعَلَيها قيمةُ نَفْسِها، وقد توقَّف أحمدُ في هذه المسألةِ في رِوايةِ مُهَنَّى
(2)
، وعَنْهُ: يَقتُلُها أوْلادُه مِنْ غَيرِها.
(فَإِنْ عَفَوْا عَلَى مَالٍ، أَوْ كَانَتِ الْجِنَايَةُ خَطَأً؛ فَعَلَيْهَا قِيمَةُ نَفْسِهَا)، كذا أطْلَقَه الخِرَقِيُّ والقاضِي وأصحابُه، وهو روايةٌ؛ لأِنَّ الجنايةَ وُجِدتْ منها، وهي مملوكةٌ، فَوَجَبَ عليها قيمةُ نَفْسِها.
وقال أبو الخَطَّاب، والمجْدُ، وابنُ حَمْدانَ: عَلَيها الأقلُّ من قِيمتِها أو
(1)
في (ظ): ويقتضي.
(2)
ينظر: المغني 10/ 485.
أَرْشِ جِنايتها، ولعلَّ إطلاقَ الأُولى محمولٌ على الغالِبِ؛ إذِ الغالِبُ أنَّ قيمةَ الأَمَةِ لا تزيد
(1)
على دِيَةِ الحُرِّ.
وفي «الرَّوضة» : في قَتْلِ الخَطَأ الدِّيةُ على العاقِلَة؛ لأِنَّ عندَ آخِرِ جُزْئِيَّات
(2)
المقتول عَتَقَتْ، وَوَجَبَ الضَّمانُ.
(وَتَعْتِقُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ)؛ لأِنَّ المقتضِيَ لِعِتْقها قد زال، لا يُقالُ: يَنبغِي أنْ لا تعتِقَ كالقاتِل لا يَرِثُ؛ لأِنَّه يَلزَمُ نَقْلُ الملك فيها، وأنَّه يَمْتَنِعُ، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّ الاِسْتِيلادَ كما هو سببٌ للعتق بعدَ الموت؛ كذلك النَّسبُ سببٌ لِلازِمِه، فكما جاز تخلُّفُ الإرْثِ مع قيام السَّبب بالنَّصِّ؛ فكذلك يَنبَغِي أنْ يتخلَّفَ العِتْقُ مع قِيامِ سَبَبِه؛ لأِنَّه مِثْلُه.
قال السَّامَرِّيُّ: إذا قَتَلَتْ أمُّ الولد سيِّدَها؛ عَتَقَتْ قَولاً واحِدًا، بخِلافِ المدبَّرة في أحدِ الوَجْهَينِ.
(وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهَا) على المذهب؛ كالمدبَّرة؛ لأِنَّ الحدَّ يُحتاطُ لِإِسْقاطِه، ويُدرَأُ بالشُّبهة.
(وَعَنْهُ: عَلَيْهِ
(3)
الْحَدُّ)، نَقَلَها أبو طالِبٍ، قال: إذا كان لها ابْنٌ، واحتجَّ بحديثِ ابنِ عمرَ
(4)
، ولأِنَّ لها معنًى
(5)
مَنَعَ بيعَها وإرثها، أشْبَهَت الحرَّةَ.
(1)
في (ق): لا يزيد.
(2)
زيد في (ق): من.
(3)
في (ق): عليها.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 165.
وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: هو ما أخرجه عبد الرزاق (13799)، وابن أبي شيبة (28251)، عن أيوب، عن نافع، أنّ أميرًا من الأمراء سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن أمّ ولد قُذفت؟ «فأمر بقاذفها أن يُجلد ثمانين» . وسنده صحيح كما قاله ابن حجر في الفتح (12/ 185)، وأخرجه ابن أبي شيبة (28252) عن يحيى بن سعيد، عن نافع، عنه بلفظ:«يُجلد قاذف أمّ الولد» ، وسنده حسن.
(5)
في (ظ): يعني.
وأكثرُ الأصحاب كالمؤلِّف أطْلقوا هذه الرِّوايةَ، وظاهرُها التَّقييدُ، فيكون المذهبُ: عدمَ حدِّه روايةً واحدةً.
ولعلَّ الخِلافَ بما إذا كان لها ابنٌ حرٌّ؛ لأنَّها لا تصيرُ أمَّ ولدٍ إلاَّ بذلك.
ويَنبَغِي
(1)
إجراءُ الخِلاف بما إذا كانَ لها زَوجٌ حرٌّ.
ونظيرُه: لو قَذَفَ أمةً
(2)
أو ذِمِّيَّة لها ابنٌ أوْ زَوجٌ مُسلِمانِ؛ فهل يُحَدُّ؟ على روايتَينِ ذَكَرَهما المجْدُ وغَيرُه.
(1)
في (ق): وينتفي.
(2)
في (ق): أمه.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ الْكَافِرِ)، وظاهِرُه: ولو كان حَربِيًّا؛ لأِنَّه يَصِحُّ عِتقُهم، (أَوْ مُدَبَّرَتُهُ؛ مُنِعَ مِنْ غِشْيَانِهَا)؛ حِذارًا مِنْ أنْ يَطَأَ مُشْرِكٌ مسلمةً؛ لقوله تعالى:{فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الآية [المُمتَحنَة: 10].
وظاهِرُه: أنَّ ملكَه يُقَرُّ عَلَيها، وهو المختارُ؛ لأِنَّ عِتْقَها مَجَّانًا فيه إضْرارٌ بالسَّيِّد، وبالسِّعايَة فيه إضْرارٌ بها؛ لإلزامِها
(1)
الكَسْبَ بغَيرِ رضاها، وهو مَنفِيٌّ شَرْعًا.
(وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا)؛ لِئَلاَّ يتلذَّذَ بها، ولا يَخْلُو بها؛ لأِنَّ ذلك يُفْضِي إلى الوطء المحرَّمِ.
(وَأُجْبِرَ عَلَى نَفَقَتِهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ)؛ لأِنَّه مالِكٌ لها.
(فَإِنْ أَسْلَمَ؛ حَلَّتْ لَهُ)؛ لِما ذَكَرْنَا، (وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَائِهَا؛ عَتَقَتْ)، نَصَرَه في «الشَّرح» وغيره، وتُسَلَّمُ إلى امرأةٍ ثقةٍ تكونُ عِنْدَها، وتقومُ بأمْرها.
وإنِ احْتاجَتْ إلى أَجْرٍ أو أجرةِ
(2)
مَسكَنٍ؛ فعلى سيِّدها.
وذَكَرَ القاضي: أنَّ نَفَقتَها في كَسْبها، والفاضِلَ منه لسيِّدها.
وإنْ
(3)
عَجَزَ كَسْبُها عن نفقتها؛ فهل يَلزَمُ السَّيِّدَ نَفَقَتُها؟ على رِوايتَينِ، قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ: أنَّ نَفَقتَها على سيِّدها وكَسْبَها له.
ونَقَلَ مُهَنَّى: أنَّها تعتِقُ بمجرَّد الإسلام
(4)
؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى بَيعِها، ولا إقْرارِ ملْكِه عَلَيها.
(1)
في (ظ): لالتزامها.
(2)
في (ق): أجر.
(3)
في (ق): فإن.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 19/ 457.
قالَ الزَّركشيُّ: ولا أعْلَمُ له سَلَفًا في ذلك، على أنَّ أبا بكرٍ لم يُثْبِت الثَّانيَ أيضًا، فقال
(1)
: أظنُّ أنَّ أبا عبد الله أطْلَقَ ذلك لمُهَنَّى على سبيل المناظَرَةِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تُسْتَسْعَى فِي حَيَاتِهِ وَتَعْتِقُ)، نَقَلَها مُهَنَّى، قاله القاضي؛ لأِنَّ بَيعَها وعِتْقَها مَجَّانًا مَنفِيَّانِ، وكذلك
(2)
إقرارُ الملك عليها؛ لِمَا فيه من إقْرارِ الكافِر على المسلِم، فَسَلَكَ بها طَريقَه، وهو الاِسْتِسْعاءُ.
(وَإِذَا وَطِئَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْجَارِيَةَ)؛ حَرُمَ بغَيرِ خلافٍ نعلمُه
(3)
، وأُدِّبَ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وقُدِحَ في عَدالَتِه
(4)
، ولا حدَّ عليه في قَولِ أكثرِهم.
فإنْ لم تَحمِلْ منه؛ فهي باقيةٌ على ملكهما، وعليه نصفُ مهرِ مِثلِها لشريكه، طاوَعَتْه أوْ لا.
ونقلَ حَرْبٌ
(5)
: إنْ كانتْ بِكْرًا فقد نَقَصَ منها، فعليه العقرُ، والثَّيِّبُ لم تَنقُصْ، وفيه اخْتِلافٌ.
(فَإِنْ أَوْلَدَهَا؛ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ)؛ أيْ: إذا وَضَعَتْ ما يتبيَّنُ فيه بعضُ خَلْقِ الإنسان، كما لو كانت خالصةً له، وتَخرُج
(6)
بذلك من مِلكِ الشَّريك، مُوسِرًا كان الواطِئُ أوْ مُعْسِرًا؛ لأِنَّ الإيلادَ أقْوَى من الإعتاقِ، بدليلِ نُفوذِه من رأسِ مالِ المريض والمجنون.
(وَوَلَدُهُ حُرٌّ)، يَلحَقُ نَسبُه بوالده؛ لأِنَّه وَطْءٌ في محلٍّ له فيه ملْكٌ، أشْبَهَ ما لو وَطِئَها في الإحرام.
(1)
في (ق): يقال.
(2)
في (ق): ولذلك.
(3)
ينظر: المغني 10/ 312.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 166.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 166.
(6)
في (ظ): ويخرج.
وقال القاضي وأبو الخَطَّاب: يَحتَمِلُ أنْ يكونَ الولدُ حُرًّا، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ نصفُه حُرًّا ونصفُه رقيقًا؛ كأُمِّه، وكَوَلَدِ المعتَقِ بعضُها، وبهذا تبيَّنَ أنَّه لم يستحلَّ انعقاد الولد من حرٍّ وقِنٍّ.
(وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ)؛ لأِنَّه أتْلَفَه عَلَيهِ، بدَفْعه
(1)
إليه إنْ كان مُوسِرًا، (وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ)؛ كما لو أتْلَفَها.
وعنه: ونصفُ مَهرِها.
وعنه: ونصفُ قِيمةِ الولد.
(فَإِنْ وَطِئَهَا الثَّانِي بَعْدَ ذَلِكَ، فَأَوْلَدَهَا؛ فَعَلَيْهِ مَهْرُهَا)؛ لأِنَّه وطِئَ أَمَةَ غَيرِه؛ لأِنَّ نصفَه انْتَقَلَ إلى الواطِئِ الأوَّلِ بالاِسْتِيلاد.
(فَإِنْ كَانَ عَالِمًا؛ فَوَلَدُهُ رَقِيقٌ)؛ كَوَطْءِ الأَمَة الأجْنَبيَّة؛ لأِنَّ الوَطْءَ حرامٌ، والولدُ تَبَعٌ لأِمِّه.
(وَإِنْ جَهِلَ إِيلَادَ شَرِيكِهِ، أَوْ أَنَّهَا صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ؛ فَوَلَدُهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه مِنْ وَطْءِ شُبْهةٍ.
(وَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ يَوْمَ الْوِلَادَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)؛ لأِنَّه فوَّتَ رِقَّه على مالِكِ أُمِّه، وقَبْلَ الولادة لا يُمكِنُ تقويمُه، وإلاَّ فَهُمْ رقيقٌ.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ مُوسِرًا أوْ مُعْسِرًا.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ الأوَّلُ مُعْسِرًا؛ لَمْ يَسْرِ اسْتِيلَادُهُ)؛ كالعِتْق، ولِمَا فيه من الضَّررِ اللاَّحِق بالمالِك، ولأِنَّه لو أعْتَقَ نصفَه من العبد المشْتَرَك؛ لم يَسْرِ مع الإعْسار، فكذلك مع الاِسْتِيلاد.
(وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا، يَعْتِقُ نِصْفُهَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا)؛ لأِنَّ ذلك نصيبُه، وقد ثبت له حكمُ الاِسْتِيلاد، ويَكْمُلُ عِتْقُهَا بِمَوْتِ الآْخَرِ، ولم يَذكُرْه المؤلِّفُ لِظُهورِه.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: يدفعه، كما في الممتع 3/ 527.
(وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مُوسِرٌ؛ فَهَلْ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: لا يَسْرِي عِتْقُه؛ لأِنَّه يُبطِلُ حقَّ صاحِبِه الذي انْعَقَدَ سبَبُه بالاِسْتِيلاد.
والثَّاني: يُقوَّم عليه؛ لحديثِ ابنِ عمرَ
(1)
، وهو أَوْلَى وأصحُّ؛ كما لو أعتقَ أحدُ الشَّريكَينِ نصيبَه مِنْ الأمَةِ القِنِّ، ولأِنَّ الاِسْتِيلادَ أقْوَى من الإعتاق.
وظاهِرُه: ولو قلَّ ملْكُه منها.
خاتمةٌ: إذا وطِئَ حرٌّ أو والدُهُ أمةً لأِهْلِ الغنيمة وهو منهم، أوْ لمكاتَبه؛ فالمهْرُ، فإنْ أحْبَلَها؛ فأمُّ ولدِه، وَوَلَدُه حرٌّ، ويَلزَمُه قِيمتُها.
وعَنْهُ: ومَهرُها
(2)
.
وعَنْهُ: وقِيمةُ
(3)
الولد.
وكذا الأبُ يُولِدُ جاريةَ ابْنِه.
وذَكَرَ جماعةٌ هنا: لا يَثبُتُ له في ذِمَّته شَيءٌ، وهو ظاهِرُ كلامِه.
وتقدَّم حكمُ التَّعزير والحَدِّ.
فإنْ كان الاِبنُ وَطِئَها؛ لم تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ في المنصوص، ويُحَدُّ في الأصحِّ بِوَطْءِ أَمَةِ أبِيهِ وأُمِّه عالِمًا تحريمَه، ولا يَلحَقُه الولدُ، نَقَلَه حنبلٌ وغَيرُه، ونَقَلَ الميمونيُّ خِلافَه
(4)
.
فإنْ وَطِئَ أَمَتَه وهي مُزوَّجةٌ؛ عُزِّرَ ولم يُحدَّ.
فإنْ أوْلَدَها صارَتْ أمَّ وَلَدٍ، وَوَلَدُه حُرٌّ، ولا يَلحَقُه النَّسبُ، خِلافًا للقاضي.
(1)
تقدم تخريجه 7/ 280 حاشية (8).
(2)
في (ظ): مهرها.
(3)
في (ظ): قيمة.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 168.
فإنْ كانَتْ حامِلاً من غَيرِه؛ حَرُمَ بَيعُ الولد، ويُعتِقُه.
ونقل الأثرمُ: يَعْتِقُ عليه، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويُستَحَبُّ، وفي وُجوبِه خِلافٌ
(1)
.
ونقلَ ابنُ منصورٍ
(2)
: إذا تزوَّج بِكْرًا، فدَخَلَ بها، فإذا هي حُبْلَى؛ قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «لها الصَّداقُ بما اسْتَحْلَلْتَ منها، والولدُ عَبْدٌ لك
(3)
، فإذا وَلَدَت فاجْلِدوها، ولها الصَّداقُ، ولا حَدَّ؛ لَعلَّها اسْتُكْرِهَتْ»، رواهُ أبو داودَ بمَعْناهُ من طُرقٍ
(4)
، قال الخَطَّابيُّ: لا أعْلَمُ أحَدًا من الفُقَهاء قالَ به، وهو مُرسَلٌ
(5)
.
وفي «الهَدْيِ» : (قِيلَ: لَمَّا كان وَلَدَ زِنًى، وقد غَرَّتْه من نفسها، وغَرِمَ صَداقَها؛ أخْدَمَه وَلدَها، وجَعَلَه له كالعبد.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 169.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3706.
(3)
في (ق): ذلك.
(4)
رواه سعيد بن المسيب، واختلف في وصله وإرساله: فأخرجه عبد الرزاق (10704)، وأبو داود (2131)، وابن أبي عاصم في الآحاد (2212)، والحاكم (2746)، والبيهقي في الكبرى (13889)، عن ابن جريج، عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب، عن رجل من الأنصار يقال له بصرة، وذكره مرفوعًا. وابن جريج مدلس، ولم يصرِّح بالسّماع، والظاهر أنه دلّسه وأسقط الواسطة، فقد أخرج عبد الرزاق (10705)، عن ابن جريج، أنه قال: حُدّثت عن صفوان بن سليم، عن سعيد بن المسيب مثله. قال البيهقي:(إنما أخذه ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى، عن صفوان بن سليم، وإبراهيم مختلف في عدالته)، بل هو متروك كما قاله الأئمة، وخالف ابنَ جريج في وصله جمعٌ، قال أبو داود:(روى هذا الحديث قتادة، عن سعيد بن يزيد، عن ابن المسيب، ورواه يحيى بن أبي كثير، عن يزيد بن نعيم، عن سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، عن سعيد بن المسيب، أرسلوه كلّهم)، والحديث صحح سنده موصولاً الحاكم، والصّحيح فيه الإرسال كما قاله أبو داود وأبو حاتم والإشبيلي والألباني. ينظر: العلل لابن أبي حاتم 4/ 64، الأحكام الوسطى 3/ 156، تهذيب سنن أبي داود 2/ 799، ضعيف سنن أبي داود 2/ 219.
(5)
ينظر: معالم السنن 3/ 218.
ويَحتَمِلُ: أنَّه أرَقَّه عُقوبةً لأمِّه على زِناها وغُرورِها، ويكونُ خاصًّا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم.
ويَحتَمِلُ: أنَّه منسوخٌ.
وقِيلَ: كان في أوَّلِ الإسلام يُسْتَرَقُّ الحُرُّ في الدَّينِ، واللهُ أعْلَمُ)
(1)
.
(1)
ينظر: زاد المعاد 5/ 96.
(كِتَابُ النِّكَاحَ)
النِّكاحُ في كلامِ العرب: الوَطْءُ، قالَهُ الأَزْهَرِيُّ
(1)
، وسُمِّيَ التَّزويجُ نكاحًا؛ لأِنَّه سببُ الوَطْءِ.
وقال أبو عَمْرٍو غُلامُ ثَعلَبٍ
(2)
: الذي حصَّلْناهُ عن ثَعلَبٍ عن الكُوفِيِّينَ، وعن المبرِّد عن البصريِّينَ: أنَّه الجمعُ.
قال الشَّاعِرُ
(3)
:
أيُّها الْمُنكِحُ الثُّريَّا سُهَيلاً
…
عَمْرُكَ اللهُ كَيفَ يجتمعان؟
وقال الجَوهَرِيُّ: هو الوَطْءُ، وقد يكونُ العَقْدَ
(4)
.
وعن الزَّجَّاجِيِّ: أنَّه بمعناهما جميعًا
(5)
.
وقال ابنُ جِنِّيْ عن شَيخه أبي عليٍّ الفارِسِيِّ: فَرَّقَت العربُ فَرْقًا لَطِيفًا، فإذا قالوا: نَكَحَ فُلانةَ؛ أرادوا تزويجَها، وإذا قالوا: نَكَحَ امرأتَه؛ أرادوا مُجامَعتَها
(6)
.
وفي الشَّرع: هو عَقْدُ التَّزويج، فعندَ إطلاقِ لفظِه يَنصرِفُ إلَيهِ، ما لم
(1)
ينظر: تهذيب اللغة 4/ 64.
(2)
صوابه: أبو عمر، وهو: محمد بن عبد الواحد، يعرف بغلام ثعلب، أحد أئمة اللغة المكثرين من التصنيف، من مصنفاته: الياقوتة وهي رسالة في غريب القرآن، وفضائل معاوية، وغريب الحديث، صنفه على مسند أحمد، توفي ببغداد سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 329، سير أعلام النبلاء 15/ 508.
(3)
في (ق): القاضي. هو عمر بن أبي ربيعة. ينظر: ديوانه ص 497، وفيه:(يلتقيان) بدل (يجتمعان).
(4)
ينظر: الصحاح 1/ 413.
(5)
ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 249.
(6)
ينظر: تحرير ألفاظ التنبيه ص 249.
يَصرِفْه دليلٌ.
وهو حقيقةٌ في العقد، جَزَمَ به أكثرُ الأصْحاب؛ لأِنَّه الأَشْهَرُ في الكتاب والسُّنَّة، ولهذا قِيلَ: لَيسَ في القرآن العظيم لفظُ النِّكاح بمَعْنَى الوَطْءِ، إلاَّ قَولُه تعالى:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البَقَرَة: 230]، ولصحَّة نفيِه عن الوطء، وهو دليلُ المجاز، ولقَولِ العرب: أنْكَحْنَا الفَرَى
(1)
فَسَتَرَى؛ أي: أضْرَبْنا فَحْلَ حُمُرِ الوَحْش أُتنَه
(2)
، فَسَترَى ما يتولَّد منهما
(3)
، فضُرِب مثلاً للأمر يَجتَمِعونَ عَلَيه ثُمَّ يتفرَّقونَ عنه.
وقال القاضِي في «العِدَّة» ، وأبو الخَطاب، وأبو يَعْلَى الصَّغيرُ: هو حقيقةٌ في الوَطْءِ؛ لمَا تقدَّمَ عن ثَعلَبٍ، والأصلُ عَدَمُ النَّقل، قال أبو الخَطَّاب: وتحريمُ مَنْ عَقَدَ عَلَيها الأبُ اسْتَفَدْناهُ بالإجماع.
والأَشْهَرُ: أنَّه مُشتَرَكٌ، قاله في «الوسيلة» ، و «الفروع» .
وقِيلَ: حقيقةٌ فيهما، اختاره جماعةٌ.
ثُمَّ قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ ما قُلْنا؛ لأِنَّ الأَشْهَرَ اسْتِعْمالُ لَفْظةِ
(4)
النِّكاح بإزاء العَقْدِ في الكتاب، والسُّنَّة، ولسانِ أهلْ العَرَبِ، والاِشْتِراكُ خلافُ الأصل، ولو قدَّمَ
(5)
كَونُه مَجازًا في العقد؛ لكان اسْمًا عُرْفِيًّا، يَجِبُ صرْفُ اللَّفظ إليه عند الإطلاق.
ونَصر القاضي: أنَّه حقيقةٌ فيهما؛ لقَولِنا بتحريمِ مَوطوءَةِ الأب مِنْ غَيرِ
(1)
في (ق): أملحنا القرى.
(2)
قال في طلبة الطلبة ص 38: (الفرى: بفتح الفاء والراء والآخر مهموز مقصور، هو حمار الوحش، أي: جمعنا بين الحمار الوحشي وبين أنثاه، وسننظر إلى ما يحدث منهما، يُضرب مثلاً للأمر ينتظر وقوعه ولا يُدرى كيف يقع).
(3)
في (ظ): بينهما.
(4)
في (ق): لفظ.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 3، والشرح الكبير 20/ 7: قُدِّرَ.
تَزْويجٍ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 22]، وذلك لِوُرودهما في الكتاب والسُّنة.
والمعْقودُ عَلَيهِ: المنفعةُ؛ كالإجارة.
وهو مشروعٌ بالإجماع
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 3]، {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى} [النُّور: 32]، وقَولُه عليه السلام:«يا مَعْشَرَ الشَّباب، مَنْ اسْتَطاعَ مِنكم الباءَةَ فَلْيَتزوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ للبَصَر، وأَحْصَنُ للفَرْج، ومَنْ لم يَسْتَطِعْ؛ فعَلَيهِ بالصَّوم، فإنَّه له وِجاءٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(2)
، وغَيرُ ذلك من الأدلَّة.
(النِّكَاحُ سُنَّةٌ
(3)
، وهو مَنْ له شَهوةٌ ولا يَخافُ الزِّنى؛ لأِنَّ فِعْلَه راجحٌ على تَرْكه؛ لأِنَّه عليه السلام عَلَّقه بالاِسْتِطاعة، والواجِبُ لا يُعلَّقُ عَلَيها.
(وَالاِشْتِغَالُ بِهِ أَفْضَلُ مِنَ التَّخَلِّي لِنَوَافِلِ الْعِبَادَةِ)؛ كصَومٍ وصَلاةٍ ونحوِهما.
(إِلاَّ أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ)؛ أي: الزِّنى (بِتَرْكِهِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ)، في قَولِ عامَّة الفقهاء، ويُقدَّمُ على حجٍّ واجبٍ، نَصَّ عليه
(4)
.
قال ابنُ هُبَيرةَ: اتَّفَقُوا على أنَّ مَنْ تاقَتْ نَفْسُه إليه، وخاف العَنَتَ، فإنَّه يَتأكَّدُ في حقِّه، ويكونُ أفضلَ له من الحجِّ، والجِهاد، والصَّلاة، والصَّوم
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 63، الإجماع لابن المنذر ص 78.
(2)
أخرجه البخاري (5065)، ومسلم (1400).
(3)
كتب في هامش (ظ): (لمحتاجٍ إليه بأن يجد أُهبته، وهي مؤنته؛ لحديث: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء». متفق عليه، والباءة بالمد، وهي القدرة على المؤن، ويستحب أن ينوي بالنكاح: المقاصد الشرعية، وهو شرع من عهد آدم عليه السلام واستمرت مشروعيته، بل هو مستمر في الجنة، والمرأة في ذلك كالرجل، لكنها لم تحتج إلى أُهبة).
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 265.
المتطوَّعِ بها
(1)
، وزاد أحمدُ، فبَلَغَ به إلى الوجوب مع الشَّرطَينِ، وهما
(2)
: أنْ تَتُوقَ نَفْسُه، ويَخافَ العَنَتَ، روايةً واحدةً.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ)، اختاره أبو بَكْرٍ، وأبو حَفْصٍ؛ لِظاهِرِ النُّصوص، ومرادُهم: إذا كان ذا شَهوةٍ.
الثَّالثُ: مَنْ له شَهوةٌ، ولم تَتُقْ نَفْسُه إليه، فيُستَحَبُّ له التَّزويجُ
(3)
، وهو أفضلُ من نَوافِلِ الطَّاعات، قال أحمدُ: مَنْ دعاكَ إلى غَيرِ التَّزويج، فقد دَعاكَ إلى غَيرِ الإسْلامِ، ولَيست العُزْبَةُ مِنْ أمْرِ الإسلام في شَيءٍ
(4)
.
الرَّابِعُ: مَنْ لا شَهوةَ له، وهو مَنْ لم تَتُقْ نفسُه إليه، خِلْقَةً أوْ لِكِبَرٍ ونحوِه، فمُباحٌ له في الأَشْهَر؛ لأِنَّه لا يُحصِّلُ منه مَصلحةَ النِّكاح، ويُلْزِمُ نفسَه واجباتٍ وحُقوقًا لَعَلَّه يَعجِزُ عنها.
وعَنْهُ: يُستَحَبُّ، قال السَّامَرِّيُّ: اخْتارَها القاضِي؛ لدخوله في عمومِ الأخبار.
وقِيلَ: يُكرَهُ.
وحُكِيَ عنه: يَلزَمُ، وهو وَجْهٌ في «التَّرغيبِ» .
والمنْصوصُ: حتَّى لِفَقيرٍ
(5)
.
وجَزَمَ في «النَّظْم» : لا يَتزَوَّجُ فقيرٌ إلاَّ ضَرورةً، وكذا قيَّدها ابنُ رَزِينٍ
(1)
في (ق): بهما.
(2)
في (ق): وهو.
(3)
كتب في هامش (ظ): (وهل النكاح ملك أو إباحة؟ وجهان، وفائدة الخلاف: فيما لو حلف لا مِلْك له، وهو متزوج، هل يحنث أو لا؟ والمختار: لا حنث إذا لم يكن نية؛ لأنه لا يُفهم منه الزوجية).
(4)
ينظر: الورع ص 125، المغني 7/ 4.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 175.
بالمُوسِر، ونَقَلَ صالِحٌ: يَقتَرِضُ ويَتزَوَّج
(1)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فيه نِزاعٌ في مذْهَبِ أحمدَ وغَيرِه
(2)
.
وذَكَرَ أبو الفَتْحِ بن المَنِّيِّ: أنَّ النِّكاحَ فَرضُ كفايةٍ، فالاِشْتِغالُ به أَوْلَى؛ كالجهاد، وكان القِياسُ يَقتَضِي وُجوبَه على الأعيان، تَرَكْناهُ للحَرَجِ والمشقَّة، ومَنع أنَّه ليس بعبادةٍ؛ لأِنَّه يُتلَّقى من الشارِع، وإنَّما صحَّ من الكافِر؛ لِمَا فيه
(3)
من عمارة الدُّنيا؛ كعمارةِ المساجد.
وفي «الواضح» : إذا قُلْنا بِوجوبه؛ هل يَجِبُ الوَطْءُ؟ فيه وَجْهانِ، والأَشْهَرُ: لا يُكتَفَى بمرَّةٍ.
وفي «المُذهب» وغيره: بلى لرجلٍ وامرأةٍ، نَقَلَ ابنُ الحَكَم: المتَبَتِّلُ الذي لم يتزوَّجْ قطُّ
(4)
.
قال أبو الحُسَين: وفي الاِكْتِفاء بتَسَرٍّ وَجْهانِ، أصحُّهما: أنَّه يُجزِئُ عنه.
ولا يَلزَمُ نكاحُ أمةٍ، وقال القاضِي وجمعٌ: يُباحُ، والصَّبرُ عنه أَوْلَى.
وأوْجَبَه أبو يَعْلَى الصَّغيرُ، والمخالِفُ استحبَّه؛ فلهذا جوابُه عن الآية: ما لم يَقُلْ به صار كالمسكوت عنه.
فَرْعٌ: له النِّكاحُ بدار حَرْبٍ ضَرورةً، وبِدونِها وَجْهانِ، وكَرِهَه أحمدُ، وقال: لا يَتزوَّجُ ولا يَتَسرَّى، إلاَّ أنْ يَخافَ على نفسِه، وقال: لا يَطلُبُ الولدَ، ويَجِبُ عَزْلُه إن حَرُمَ نِكاحُه بلا ضرورةٍ، وإلاَّ اسْتُحِبَّ
(5)
، ذَكَرَه في «الفصول» .
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 265.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 175.
(3)
قوله: (لما فيه) هو في (ق): لأنه.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 176.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 253، الفروع 8/ 176.
(وَيُسْتَحَبُّ تَخَيُّرُ ذَاتِ الدِّينِ، الوَلُودِ، البِكْرِ، الحَسِيبَةِ، الْأَجْنَبِيَّةِ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «تُنكَحُ المرأةُ لأِرْبَعٍ: لمالِها، وجَمالِها، وحَسَبِها، ودِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّين، تَرِبَت يَداكَ» متَّفقٌ عليه
(1)
.
ودليلُ الأوْصاف: قَولُه عليه السلام: «تزوَّجُوا الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكم يومَ القيامة» رواه النَّسائيُّ
(2)
، وقَولُه عليه السلام: «عَلَيكُم بالْأَبْكار، فإنَّهنَّ أعْذَبُ أفْواهًا، أَفْتَحُ
(3)
أرْحامًا، وأرْضَى باليَسِيرِ» رواه أحمدُ
(4)
، وقَولُه عليه السلام:
(1)
أخرجه البخاري (5090)، ومسلم (1466).
(2)
أخرجه أبو داود (2050)، والنسائي في الكبرى (3227)، وابن حبان (4056)، والحاكم (2685)، من طرقٍ عن المستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن معاوية بن قُرّة، عن معقل بن يسار رضي الله عنه مرفوعًا. وإسناده صحيح كما قاله العراقي، وقد صحّحه الحاكم والذّهبي وابن حبان، وحسَّنه ابن الصلاح والألباني، وجزم بثبوته ابن كثير. وله شاهد: أخرجه أحمد (12613) من حديث أنس رضي الله عنه. حسّنه الهيثمي، وصححه ابن حجر، وفي سنده ضعف، وفي الباب أحاديث أخرى، وبمجموعها يكون الحديث صحيحًا. ينظر: تفسير ابن كثير 2/ 19، البدر المنير 7/ 495، مجمع الزوائد 4/ 258، فتح الباري 9/ 111، صحيح سنن أبي داود 6/ 291، الإرواء 6/ 195.
(3)
كذا في (ظ)، وفي (ق): أفيح، والمثبت موافقة لرواية عبد الرزاق (10341)، وسعيد بن منصور (513)، وروي بلفظ:«أنتق» . قال في النهاية 5/ 13: أي أكثر أولادًا.
(4)
عزاه المصنف لأحمد ولم نجده عنده، وقد أخرجه ابن ماجه (1861)، وابن أبي عاصم في الآحاد (1947)، والطبراني في المعجم الكبير (350)، وأبو نعيم في الطب النبوي (449)، من طريق محمد بن طلحة التيمي، حدّثني عبد الرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري، عن أبيه، عن جده. وهو حديث مضطرب، مداره على عبد الرحمن بن سالم، وهو مجهول لا يُعرف حاله. قاله ابن حجر، وأبوه مثله. ومحمَّد بن طلحة: يُكتب حديثُه، ولا يحتجُّ به، قاله أبو حاتم، وذكره ابن حبّان في الثقات، وقال:(ربّما أخطأ). والحديث ضعفه البخاريّ وأبو حاتم للاضطراب. وله شاهد نحوه أخرجه الطبراني في الكبير (10244)، عن ابن مسعود رضي الله عنه. وفيه أبو بلال الأشعري، مختلف فيه، وهو: يغرب ويتفرّد. ضعفه الدّارقطني، وقال:(لا يحتجّ به)، وليّنه الحاكم. وفي الباب عن جابر وابن عمر رضي الله عنهم، ولا تخلو من مقال، وبمجموعها حسَّنه الألباني، وضعفه البوصيري. ينظر: العلل المتناهية 2/ 127، مصباح الزجاجة 2/ 98، الإصابة 4/ 363، الصحيحة (623).
«تخيَّروا لِنُطَفِكم، فانْكِحُوا الْأَكْفاءَ» رواهُ ابنُ ماجَهْ
(1)
، ولأِنَّ وَلَدَ الحَسِيبة ربَّما أشْبَهَ أهْلَها
(2)
، ونَزَعَ إلَيهِم، ويُقالُ: إذا أَرَدتَ أنْ تَتزَوَّجَ امْرأةً فانْظُرْ إلى نَسَبِها؛ أيْ: حَسَبِها.
وأمَّا الأجنبيَّةُ؛ فَلْأَنَّ وَلَدَها أنْجَبُ، ولهذا يُقالُ: اغْتَرِبْ
(3)
؛ أي: انكِحُوا الغَرائِبَ، ولأِنَّه لا يُؤمَنُ العَداوةُ في النِّكاح، وإفْضاؤه إلى الطَّلاق، فيُؤَدِّي إلى قطيعة الرَّحِم المأمورِ بِصِلَتِها، ويُقالُ: الغَرائِبُ أنْجَبُ، وبَناتُ العمِّ أصْبَرُ.
ويَختارُ الجَميلةَ؛ لِلأثَر
(4)
، ولأِنَّه أسْكَنُ لنفْسِه، وذاتَ العَقْل،
(1)
أخرجه ابن ماجه (1968)، وابن عدي (2/ 467)، والدارقطني (3788)، والحاكم (2687)، والبيهقي في الكبرى (13758)، من طرق عن الحارث بن عمران الجعفري، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. والحارث الجعفري ضعيف، شدّد في أمره بعض الأئمة، قال أبو زرعة:(ضعيف الحديث، واهي الحديث)، وقال الدارقطني:(متروك)، والحديث ضعفه أبو حاتم وابن الجوزي وابن عبد الهادي، وعدّه ابن حبان وابن عديّ من مناكيره، وصححه الحاكم، وتعقبه الذهبي. قال أبو حاتم:(ليس له أصل، هذا حديث باطل)، وللحديث طرق أخرى كلّها واهية كما قاله الخطيب، وقال:(ورواه أبو المقدام عن هاشم بن عروة عن أبيه مرسلاً، وهو أشبه بالصواب)، وروي نحوه عن عمر رضي الله عنه: أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 115)، وفي سنده سليمان بن عطاء بن قيس القرشي، وهو واهٍ منكر الحديث، وفي حديثه مناكير. وبه قوَّى ابن حجر والألباني الحديثَ. ينظر: الجرح والتعديل 3/ 84، المجروحين 1/ 225، علل ابن أبي حاتم 3/ 720، تاريخ بغداد 1/ 280، تهذيب الكمال 12/ 43، تنقيح التحقيق 4/ 333، مصباح الزجاجة 2/ 115، الفتح 9/ 125، الصحيحة (1067).
(2)
في (ق): إليها.
(3)
في (ق): اغرب.
(4)
ورد في ذلك من أحاديث، منها: ما أخرجه أحمد (7421)، والنسائي (3231)، والحاكم (2683)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي النساء خير؟ قال: «الذي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر» ، الحديث وصححه الحاكم والعراقي وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير، الإرواء 6/ 196.
ويجْتَنِبُ
(1)
الحَمْقاءَ، وأنْ يكونَ لها لَحْمٌ وشَعَرٌ حَسَنٌ، وكان يُقالُ: النِّساءُ لُعَبٌ.
وقال ابنُ الجَوزيِّ: يَتخيَّرُ ما يَلِيقُ بمَقصده
(2)
، ولا يَحتاجُ أنْ يُذكَرَ له ما يَصلُحُ للمحبَّة، من بيتٍ معروفٍ بالدِّين والقَناعة.
وقال السَّامَرِّيُّ والمجْدُ: ولا يَزيدُ على واحِدةٍ، وقِيلَ عَكسُه، وهو ظاهِرُ نَصِّه، فإنَّه قال: يَقتَرِضُ ويَتَزوَّجُ، لَيتَ إذا تَزوَّجَ ثِنْتَينِ يُفلِتُ
(3)
.
مُهِمَّاتٌ:
أحْسَنُ ما تكونُ الزَّوجةُ: بنتُ أربعَ عَشْرَةَ سَنَةً إلى العِشْرينَ، ويَتِمُّ نُشُوُّها إلى الثَّلاثِينَ، ثُمَّ تَقِفُ إلى الأربعين.
وأحْسَنُها التركيات، وأصلحهنَّ الجَلَب التي
(4)
لم تَعرِفْ أحَدًا.
ولْيَعزِلْ
(5)
عن المملوكة إلى أنْ يَتَيَقَّنَ جَودةَ دِينِها، وقُوَّةَ مَيلِها إليه.
وإيَّاكَ والاِسْتِكْثارَ مِنْهُنَّ، فإنَّهنَّ يُشتِّتْنَ الشَّمْلَ
(6)
، ويُكثِرْنَ الهمَّ.
ومن التَّغْفيل أنْ يَتزوَّجَ الشَّيخُ صبِيَّةً.
وأصْلَحُ ما يَفعَلُه الرَّجلُ: أنْ يَمنَعَ المرأةَ من المخالَطةِ للنِّساء فإنَّهنَّ يُفسِدْنها عليه، ولا يَدخُلُ بَيتَه مُراهِقٌ، ولا يَأْذَنُ لها في الخُروج.
(وَيَجُوزُ) - وجَزَم جماعةٌ بالاِسْتِحْباب - (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِهَا) فقطْ، قدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، لأِنَّه مَجمَعُ المَحاسِن،
(1)
في (ظ): وتجتنب.
(2)
في (ق): بقصده.
(3)
في (ظ): يُثلِّث. والمثبت موافق لما في الفروع 8/ 180.
(4)
في (ظ): الذي.
(5)
في (ق): وليعرى.
(6)
في (ق): النمل.
ويُكرِّرُ النَّظَرَ إلَيها، ويَتأمَّلُ مَحاسِنَها مُطلَقًا إذا غَلَبَ على ظَنِّه إجابتُه، لا نَظَرَ تَلَذُّذٍ وشَهْوةٍ، ولا لِرِيبةٍ، ولا خِلافَ في إباحةِ النَّظَر إلى الوَجْه
(1)
؛ لأِنَّه لَيسَ بعَورةٍ.
(مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ بِهَا)؛ لمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا، قال:«لا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ مع ذِي مَحرَمٍ» مُتَّفَقٌ عليه، ولَفْظُه للبخاريِّ
(2)
، ولأِنَّه لا يُؤمَنُ مع الخلْوة مُواقَعةُ المحظور؛ لقَوله عليه السلام:«لَا يَخْلُوَنَّ رجلٌ بامرأةٍ إلاَّ كان الشَّيطانُ ثالِثَهما» رواه أحمدُ
(3)
.
(وَعَنْهُ: لَهُ النَّظَرُ إِلَى مَا يَظْهَرُ غَالِبًا؛ كَالرَّقَبَةِ، وَاليَدَيْنِ، وَالقَدَمَينِ)، قَدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ؛ لمَا رَوَى جابِرٌ، أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا خَطَبَ أحدُكم المرأةَ فإن اسْتَطاعَ أنْ يَنظُرَ إلى ما يَدعُوهُ إلى نِكاحِها فَلْيَفْعَلْ» رواه أحمدُ وأبو داودَ، من روايةِ ابنِ إسْحاقَ
(4)
.
(1)
ينظر: المغني 7/ 97.
(2)
أخرجه البخاري (5233)، ومسلم (1341).
(3)
أخرجه أحمد (114)، والترمذي (2165)، والنسائي في الكبرى (9181)، وابن حبان (7254)، والحاكم (387)، عن محمد بن سوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا. وسنده صحيح، وصححه ابن حبان والحاكم، ووافقه الذهبي والألباني، وقال الترمذي:(حسن صحيح غريب). وللحديث طرق أخرى، وأعلّ بالإرسال والاضطراب، ونفاهما ابن كثير. ينظر: علل ابن أبي حاتم 6/ 412، العلل للدارقطني 2/ 65، مسند الفاروق 2/ 452، الإرواء 6/ 215.
(4)
أخرجه أحمد (14586)، وأبو داود (2082)، والطحاوي (4280)، والحاكم (2696)، والبيهقي في الكبرى (13487)، عن محمد بن إسحاق، عن داود بن حصين، عن واقد بن عمرو بن معاذ، عن جابر رضي الله عنه. ووقع عند أبي داود وغيره:(واقد بن عبد الرحمن)، والصّواب:(واقد بن عمرو) كما قاله جماعة من الرواة عنه، وهو ثقة من رجال مسلم. وابن اسحاق صرّح بالتحديث عند أحمد. والحديث صححه الحاكم والذهبي، وحسنه ابن حجر والألباني، وضعفه ابن القطان وغيره بناء على أنّ ابن واقد، هو ابن عبد الرحمن، وهو ضعيف. وله شاهد أخرجه أحمد (23603) مرفوعًا عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه. وإسناده صحيح، كما قاله الألباني، وصححه ابن حبان. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 428، فتح الباري 9/ 181، الدراية 2/ 226، الإرواء 6/ 200، الصحيحة (97).
قال أحمدُ: لا بأْسَ أنْ يَنظُرَ إلى ما يدعوه إلى نكاحها مِنْ يَدٍ أوْ جِسْمٍ أوْ نحوِ ذلك
(1)
؛ لأِنَّه عليه السلام لمَّا أَذِنَ في النَّظَر إلَيها مِنْ غَيرِ عِلْمِها؛ عُلِمَ أنَّه أَذِنَ في النَّظر إلى ما يَظهَرُ غالِبًا؛ إذْ لا يُمكِنُ إفْرادُ الوَجْه بالنَّظر مع مُشارَكةِ غَيرِه له في الظُّهور.
وقِيلَ: ورأسٍ وساقٍ.
وعنه: وَكَفٍّ.
وقال أبو بكرٍ: لا بَأْسَ أنْ يَنظُرَ إلَيها عِنْدَ الخِطبة حاسِرةً.
(وَلَهُ النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ، وَإِلَى الرَّأْسِ، وَالسَّاقَيْنِ مِنَ الْأَمَةِ المُسْتَامَةِ)؛ لأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، ولأِنَّ رُؤيةَ ما ذُكِرَ يَحصُلُ المقصودُ به؛ لأِنَّها تُرادُ لِلاِسْتِمْتاع وغَيرِه من التِّجارة، وحُسْنُها يَزيدُ في ثَمَنِها.
وعَنْهُ: سِوَى عَورةِ الصَّلاة.
وقِيلَ: كمَخطوبَةٍ.
نَقَلَ حنبلٌ: لا بَأْسَ أنْ يَقلِبَها إذا أرادَ الشِّراء من فَوقِ الثَّوب؛ لأِنَّه لا حُرمةَ لها
(2)
، قال القاضي: أجاز تَقْلِيبَ الصَّدْر والظَّهر، بمَعْنَى: لمْسِه مِنْ فَوقِ الثِّياب.
وظاهِرُه: أنَّ الأمةَ إذا لم تَكُنْ مُسْتامَةً؛ أنَّه لا يَجوزُ النَّظَرُ إليها، وهو وَجْهٌ.
(وَ) له النَّظَرُ إلى ذلك (مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ)؛ أي: الصَّحيحُ إباحةُ النَّظر
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 78.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 182.
إلى ما يَظهَرُ غالِبًا منهنَّ؛ للحاجة، ولأِنَّ امرأةَ أبي حُذَيفةَ قالت:«إنَّ سالِمًا يَرانِي»
(1)
.
(وَعَنْهُ: لَا يَنْظُرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إِلاَّ إِلَى الوَجْهِ وَالكَفَّيْنِ)؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ في قَولِه تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زَينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النُّور: 31]: «يَعْنِي: وَجْهَها وكَفَّيها»
(2)
، مع الاِخْتِلاف في العَورة.
وذَواتُ المحارِمِ: مَنْ حَرُمَ نكاحُها على التَّأبيد؛ بِنَسَبٍ، أوْ رَضاعٍ، أوْ تحريمِ مُصاهَرَةٍ، فأمَّا أمُّ المزْنِيِّ
(3)
وابْنَتُها فلا يَحِلُّ له النَّظرُ
(4)
، وإنْ حَرُمَ نِكاحُهنَّ؛ كالمحرَّمة باللِّعان، وكذا بِنتُ الموْطُوءَة بشُبْهةٍ وأُمُّها، فإنَّها لَيستْ مِنْ ذَواتِ مَحارِمِه. فَرْعٌ: ظاهِرُ كَلامِهم: لا يَنْظُرُ عبدٌ مُشتَرَكٌ، ولا يَنْظُرُ الرَّجلُ مُشتَرَكةً؛ لعُمومِ النَّظَر، إلاَّ مِنْ عَبدِه وأَمَتِه، ونَصُّه: أنَّه يَحرُمُ نَظَرُ خَصِيٍّ ومَجْبوبٍ إلى أجْنَبيَّةٍ
(5)
.
(وَلِلْعَبْدِ النَّظَرُ إِلَيْهِمَا)؛ أيْ: إلى الوجْه والكَفَّينِ (مِنْ مَوْلَاتِهِ)؛ لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [النور: 31]
(6)
، ولمَا رَوَى أنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى فاطِمةَ بعَبْدٍ وَهَبَه لها، قال: وعلى فاطِمةَ ثَوبٌ، إذا قَنَّعتْ به رأْسَها لم يَبلُغْ
(1)
أخرجه مسلم (1453) من حديث عائشة رضي الله عنها بنحوه.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (17018)، والطبري في التفسير (17/ 258)، والبيهقي في الكبرى (3214)، من طرق عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجه ابن أبي شيبة (17003)، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإسنادهما صحيح، وصححه الألباني. ينظر: تمام المنة ص 160.
(3)
زاد في المغني 7/ 99، والشرح 20/ 38: المزني بها.
(4)
كذا في النسخ، وفي المغني 7/ 99، والشرح 20/ 38: النظر إليهنَّ.
(5)
ينظر: أحكام النساء ص 47، الفروع 8/ 182.
(6)
كذا في النسخ الخطية، الاستدلال بهذه الآية، والصواب كما في المغني 7/ 99، والشرح 20/ 39 الاستدلال بآية:{أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} .
رِجْلَيها، وإذا غَطَّتْ رجْلَيها لم يَبلُغْ رأْسَها، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّه لَيسَ عَلَيكِ بَأْسٌ، إنَّما هو أبوكِ وغُلامُكِ» رواه أبو داودَ
(1)
.
وكَرِهَ أحمدُ النَّظَرَ إلى شَعْرِها
(2)
، رواهُ أبو بَكْرٍ، عن جابِرٍ
(3)
، وأباحَهُ ابنُ عبَّاسٍ
(4)
، ورجَّحه في «المغْنِي» ، وجَعَلَه مِنْ ذَواتِ المحارِم.
وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ في
(5)
النَّظَرِ إلى الوَجْه والكَفَّينِ للحاجة، ولا يَخْلُو بها؛ لأِنَّه لَيسَ بمَحْرَمٍ لها على الأصحِّ.
(وَلِغَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ؛ كَالكَبِيرِ، وَالعِنِّينِ، وَنَحْوِهِمَا: النَّظَرُ إِلَى ذَلِكَ)؛ أيْ: إلى
(6)
الوَجْه والكَفَّينِ؛ لقوله تعالى: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ} [النُّور: 31]؛ أيْ: غَيرِ أُولِي الحاجة، وعن مُجاهِدٍ وقَتادةَ:(هو الذي لا أَرَبَ له في النِّساء)
(7)
،
(1)
أخرجه أبو داود (4106)، والبيهقي في الكبرى (13545)، والضياء في المختارة (1712)، عن أبي جميع سالم بن دينار، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه. وأبو جميع: قليل الحديث، وثقه ابن معين، وقال أحمد:(أرجو ألاَّ يكون به بأس)، وليّنه أبو زرعة. وقال الذهبي:(صدوق). ولكنّه لم يتفرّد به، بل تابعه عند ابن عدي (4/ 317) سلام بن أبي الصهباء. وسنده صالح في المتابعات. والحديث صححه ابن القطان وابن الملقن والألباني، وحسنه مقبل الوادعي. ينظر: الجرح والتعديل 4/ 180، الكاشف (1769)، البدر المنير 7/ 510، الإرواء 6/ 206، الجامع الصحيح 3/ 45.
(2)
ينظر: أحكام النساء ص 41.
(3)
لم نقف عليه عن جابر، ورويت كراهته عن ابن المسيب والحسن ومجاهد وعطاء وغيرهم، أخرجها ابن أبي شيبة (4/ 11)، والبيهقي في الكبرى (7/ 154).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (17270)، والطحاوي في معاني الآثار (7207)، عن ابن عباس قال:«لا بأس أن ينظر المملوك إلى شعر مولاته» ، وعلَّقه الخلال في أحكام النساء (ص 47)، وفيه شريك بن عبد الله النخعي وهو ضعيف، قال الأثرم لأحمد: أفليس هذا إسنادًا؟ قال: (ليس به بأس)، وسأله أبو طالب عن ذلك، فقال:(لم يرو هذا غير السدي)، كأنه يشير إلى عدم صحته. ذكرهما في أحكام النساء ص 47.
(5)
قوله: (في) سقط من (ق).
(6)
قوله: (إلى) سقط من (ق).
(7)
ينظر: تفسير الطبري 17/ 267.
وعن ابنِ عبَّاسٍ نحوُه
(1)
.
(وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ)؛ كالذي له أَرَبٌ.
(وَلِلشَّاهِدِ وَالمُبْتَاعِ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ المَشْهُودِ عَلَيْهَا)؛ لِتكونَ الشَّهادةُ على عَينِها، (وَمَنْ تُعَامِلُهُ)؛ لِيَعرِفَها بِعَينِها، فيَرجِعَ عَلَيهَا بالدَّرك، ونصُّه: وكَفَّيها، مع الحاجة، وفي «مختصر ابنِ رَزِينٍ»: يَنظُرانِ إلى
(2)
ما يَظهَرُ غالِبًا.
ونقل حربٌ وغيرُه: يَنْظُرُ البائعُ إلى وَجهها وكَفَّيها إنْ كانَتْ عجوزًا، وإنْ كانَتْ شابَّةً تُشتَهَى أَكرَهُ ذلك
(3)
.
(وَلِلطَّبِيبِ النَّظَرُ إِلَى مَا تَدْعُو الحَاجَةُ إِلَى نَظَرَهِ)، ولمْسُه، حتَّى داخِلَ الفَرْج؛ لأِنَّه عليه السلام لمَّا حَكَّمَ سَعْدًا في بَنِي قُرَيظةَ، فكان يَكشِفُ عن مُؤتزرهم
(4)
؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، وظاهِرُه: ولو كان ذِمِّيًّا.
(1)
أخرج ابن أبي شيبة (17190)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 333)، والطبري في التفسير (17/ 268)، عن أبي إسحاق، عمن حدثه عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية:«الذي لا تستحيي منه النساء» ، وفيه رجل مبهم. وأخرج الطبري في التفسير (17/ 267)، وابن أبي حاتم (14426)، والبيهقي في الكبرى (13547)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«هو الرجل يتبع القوم، وهو مغفل في عقله، لا يكترث للنساء، ولا يشتهيهن» ، وإسناد جيد.
وأخرج الخلال في أحكام النساء (73)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«هو المخنث الذي لا يقوم زبه» ، وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان، ضعيف، وأخرجه الطبري في التفسير (17/ 270)، وابن أبي حاتم في التفسير (14428)، عن عكرمة قوله، وفيه حفص بن عمر العدني، وهو ضعيف، وأخرجه أحمد كما في أحكام النساء (75)، من وجه آخر عن عكرمة قوله، وإسناده صحيح.
(2)
قوله: (إلى) سقط من (ق).
(3)
ينظر: أحكام النساء ص 31.
(4)
أخرجه أبو داود (4404)، والترمذي (1584)، وابن ماجه (2541)، وابن حبان (4780) عن عطية القرظي، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم، وقال (على شرط الصحيح)، قال ابن حجر:(وهو كما قال، إلا أنهما لم يخرجا لعطية، وما له إلا هذا الحديث الواحد)، وأصل القصة عند البخاري (4122)، ومسلم (1769) دون ذكر الكشف عن الأزر. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 107.
وفي «الفروع» : يَجوزُ أنْ يَسْتَطِبَّ ذِمَّيًّا إذا لم يَجِدْ غَيرَه، ولم يُجوِّزْه صاحِبُ «النَّظمِ» في وَجْهٍ.
وكَرِهَ أحمدُ أخْذَ دواءٍ مِنْ كافِرٍ لا يَعرِفُ مُفْرَداتِه
(1)
، قال القاضي: لأِنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَخلِطُوه سُمًّا أَوْ نَجسًا، وإنَّما يَرجِعُ إليه في دواءٍ مُباحٍ، وكَرِهَه في «الرِّعاية» ، وأنْ يَسْتَطِبَّه بلا ضرورةٍ.
خاتمةٌ: مَنْ يَلِي خِدمةَ مريضٍ ومريضةٍ في اسْتِنجاءٍ، ووُضوءٍ، وغيرِها؛ كطبيبٍ، نَصَّ عَلَيهِ
(2)
، وكذا حالِقٌ لِمَنْ لا يُحسِنُ حَلْقَ عانَتِه نَصًّا
(3)
.
(وَلِلصَّبِيِّ المُمَيِّزِ غَيْرِ ذِي الشَّهْوَةِ النَّظَرُ إِلَى مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ)؛ لأِنَّه لا شَهوةَ له، أشْبَهَ الطِّفلَ، ولأِنَّ المحرِّمَ للرُّؤية في حقِّ البالِغ كَونُه مَحَلًّا للشَّهوة، وهو معدومٌ هنا.
وقال في «الشَّرح» : الطِّفلُ غَيرُ المميِّز لا يَجِبُ الاِسْتِتارُ منه في شَيءٍ.
(فَإِنْ كَانَ ذَا شَهْوَةٍ؛ فَهُوَ كَذِي الْمَحْرَمِ) على المذْهَب؛ لأِنَّ الله تعالى فرَّق بَينَ البالِغ وغَيرِه بقوله: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النُّور: 59]، ولو لم يَكُنْ له النَّظَرُ؛ لمَا كان بَينَهما فَرْقٌ.
(وَعَنْهُ: كَالْأَجْنَبِيِّ)؛ لأِنَّه في مَعْنَى البالِغ في الشَّهوة.
ومِثلُه: بنتُ تِسْعٍ، وذَكَرَ أبو بَكْرٍ قَولَ أحمدَ روايةً عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إذا بَلَغَت الحَيْضَ؛ فلا تَكشِفُ إلاَّ وَجْهَها»
(4)
، ونَقَلَ جَعفَرٌ في الرَّجُلِ عِندَه
(1)
ينظر: الفروع 8/ 183.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 183.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 184.
(4)
أخرجه أبو داود (4104)، والبيهقي في الكبرى (3218)، من طريق خالد بن دريك، عن عائشة رضي الله عنها، أن أسماء بنت أبي بكر، دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق، فأعرض عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:«يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم تصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا» وأشار إلى وجهه وكفيه. وهو حديث معلول؛ لأنه من رواية سعيد بن بشير عن قتادة وهو ضعيف، خاصة في روايته عن قتادة؛ فإنها مناكير. قاله ابن نمير والساجي، ولأن ابن دريك لم يدرك عائشة، وبذا أعله أبو حاتم وأبو داود وغيرهما، وقد قواه الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 335، نصب الراية 1/ 299، التلخيص الحبير 3/ 107، تهذيب التهذيب 4/ 10، جلباب المرأة المسلمة ص 58.
الأرْمَلةُ واليتيمةُ: لا يَنظُرُ، وأنَّه لا بَأْسَ بِنَظَرِ الوَجْه بِلَا شَهْوةٍ
(1)
.
(وَلِلْمَرْأَةِ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ: النَّظَرُ إِلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ)، - ولو أمْرَدَ -، نَظَرُ غَيرِ العَورة؛ لأِنَّ النِّساءَ الكَوافِرَ كُنَّ يدخُلْنَ على نِساء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فلم يكُنَّ يَحتَجِبْنَ، ولا أُمِرْنَ بحجابٍ
(2)
؛ لأِنَّ الحَجْبَ بَينَ الرِّجال والنِّساء
(3)
لا يُوجَدُ بَينَ المسلِمة والذِّمِّيَّة، ولأِنَّ تخصيصَ العَورة بالنَّهيِ؛ دليلٌ على إباحة النَّظَر إلى غَيرِها.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْكَافِرَةَ مَعَ الْمُسْلِمَةِ كَالْأَجْنَبِيِّ)؛ لقوله تعالى: {أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النُّور: 31] يَنصرِفُ إلى المسْلِمات، فلو جاز للكافرة النَّظَرُ؛ لم يَبق للتَّخصيص فائدةٌ.
وعنه: مَنْعُها من مسلمةٍ مِمَّا لا يَظهَرُ غالِبًا، وعلى ذلك: تُقبِّلُها
(4)
لضرورةٍ.
(وَيُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ النَّظَرُ مِنَ الرَّجُلِ إِلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ)، نَصرَه في «الشَّرح»
(1)
ينظر: الفروع 8/ 184.
(2)
ورد في ذلك أحاديث، منها: ما أخرجه البخاري (1372)، ومسلم (586)، من حديث عائشة رضي الله عنها: أن يهودية دخلت عليها، فذكرت عذاب القبر. الحديث.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 105 والشرح الكبير 20/ 51 زيادة: لمعنًى.
(4)
في (ظ): يقبلها. والمراد: تكون لها قابلة، قال في المصباح 2/ 488:(قبلت القابلة الولد: تلقته عند خروجه).
وغيره؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ: «اعْتَدِّي في بيتِ أمِّ مَكْتومٍ
(1)
»
(2)
، ولحديثِ عائشةَ:«أنَّها كانت تَنظُرُ إلى الحبشة وهم يَلعَبُون بِحِرابِهم في المسجد، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَستُرُها بردائه» متَّفَقٌ عليهما
(3)
، ولأِنَّه لو مُنِعْنَ النَّظرَ؛ لَوَجَبَ على الرِّجال الحِجابُ؛ لِئلاَّ يَنظُرْنَ إليهم كما تُؤمَرُ
(4)
النِّساءُ به.
(وَعَنْهُ: لَا يُبَاحُ) لها النَّظَرُ إلاَّ إلى مِثْلِ ما يَنْظُرُ
(5)
إليه منها، قدَّمه السَّامَرِّيُّ وابنُ حمدانَ، واختاره أبو بكر؛ لحديثِ نَبْهانَ عن أمِّ سلمةَ مرفوعًا، قال:«أَفَعَمْيَاوانِ أنْتُما لا تُبصِرانِه!» رواه أبو داودَ والتِّرمِذِيُّ وصحَّحه
(6)
، لكِنْ قال أحمدُ: هو ضعيفٌ
(7)
، وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: نَبْهانُ مَجْهولٌ، وحديثُ فاطمةَ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه: ابن أم مكتوم، كما في المصادر الحديثية وكتب المذهب.
(2)
عزاه المصنف رحمه الله تعالى إلى الشّيخين، ولم يخرجه البخاريّ، بل أخرجه مسلم فقط (1480)، وذكرَه الحميديُّ، وعزاه لمسلم فقط، وقال ابن عبد الهادي:(انفرد بإخراجه مسلمٌ)، وقال صدر الدِّين المناوي:(ذكره الحميدي وعبد الحق وابن الأثير فيما انفرد به مسلم عن البخاريّ، فذِكْرُ الحافظ عبد الغني له في العُمدة يقتضي أنه مما اتفق عليه الشَّيخان، وقد ذكر المزيُّ في الأطراف أحاديثَ فاطمة بنت قيس، وعزا هذا لمسلمٍ خاصّةً، فالواقع في العُمدة وهَمٌ). ينظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي 4/ 280، تحفة الأشراف 12/ 463، تنقيح التحقيق 4/ 447، كشف المناهج 3/ 109.
(3)
أخرجه البخاريّ (988)، ومسلم (892).
(4)
في (ق): يؤمر.
(5)
في (ق): تنظر.
(6)
أخرجه أحمد (26537)، وأبو داود (4112)، والترمذي (2778)، والنسائي في الكبرى (9197)، وابن حبان (5575)، والحديث مداره على نبهان القرشيّ، ولم يروِ عنه إلاّ اثنان، ولم يوثّقه معتبر إلاّ ابن حبان، فهو مجهول. وقال ابن حجر:(مقبول)، فهو ليّن الحديث حيث لا متابع، وفي سنده اختلاف، وقد حسّنه الترمذي والنووي، وصحّحه ابن حبان وابن الملقن وقوّاه ابن حجر، وأعلّه النسائي والبيهقي، وضعفه أحمد وابن معين والألباني. ينظر: علل الدارقطني 15/ 232، السنن الكبرى 10/ 550، البدر المنير 7/ 512، فتح الباري 9/ 337، الإرواء 6/ 211.
(7)
ينظر: تاريخ بغداد 4/ 20.
أصحُّ
(1)
، والحُجَّةُ به لازِمةٌ، ولأِنَّ المعنى المحرِّمَ على الرِّجال: خَوفُ الفتنة، وهو في المرأة أبْلَغُ، فإنَّها أشدُّ شهوةً، وأقلُّ عَقْلاً.
وقِيلَ: تَنظُرُ
(2)
ما يَظهَرُ غالِبًا.
وقِيلَ: لا وَقْتَ مَهْنته أوْ غَفْلةٍ.
تنبيهٌ: نَقَلَ الأثْرَمُ: يَحرُمُ على أزواجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، ونقل في «الفنون» عن أبي بكرٍ أنَّه قال: لا تَختَلِفُ الرِّوايةُ أنَّه لا يجوز لهنَّ، وقال في الرِّوايتَينِ: يجوز لهنَّ روايةً واحدةً؛ لأِنَّهنَّ في حكم الأمَّهات في الحرمة والتَّحريم، فجاز مُفارَقَتُهنَّ بقيَّةَ النِّساء في هذا.
وقال بعض الفقهاء: فَرْضُ الحجاب مختصٌّ بهنَّ، فُرِضَ عليهنَّ بلا خلافٍ في الوجه والكَفَّينِ، لا يجوز كَشْفُها لشهادةٍ ولا غيرها، ولا يجوز إظهارُ شُخوصهنَّ ولو مُسْتَتِراتٍ إلاَّ لضرورةِ البَراز.
وجوَّز جماعةٌ - وذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين روايةً -: نَظَرَ رجلٍ من حرَّةٍ ما ليس بعورةٍ
(4)
، والمذهبُ: لا.
ويَجوزُ نَظَرُ غيرِ عورةِ صلاةٍ من أَمَةٍ، ومن لا تُشْتَهَى.
وفي تحريم تكرارِ نَظَرِ وَجْهٍ مُستحْسَنٍ وَجْهانِ.
(وَيَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى الغُلَامِ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ)؛ لأِنَّه ذَكَرٌ، أشْبَهَ الملتَحِيَ، وظاهِرُه: أنَّه يَحرُمُ لشهوةٍ، فإنْ خاف ثَوَرانَها فَوَجهانِ، وهما في كراهته إلى أمردَ، ذَكَرَه في «التَّرغيب» .
(وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ إِلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِشَهْوَةٍ)؛ لِمَا فِيهِ من الفتنة، ومَعْنى
(1)
ينظر: التمهيد 19/ 155.
(2)
في (ق): ينظر.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 185.
(4)
عبارة الفروع 8/ 186: (ما ليس بعورة في الصلاة).
الشَّهوة: أنْ يتلذَّذَ بالنَّظر إليه، ومَن استحلَّه كَفَرَ إجْماعًا، ونصُّه: وخَوفها، اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
.
وحرَّم ابنُ عَقِيلٍ - وهو ظاهر كلام غيره - النَّظَرَ مع شهوةِ تخنيثٍ وسِحاقٍ ودابَّةٍ يشتهيها
(2)
ولا يَعِفُّ عنها.
مسائل:
صَوتُ الأجنبيَّة لَيسَ عورةً على الأصحِّ، ويَحرُم التَّلذُّذُ بسماعه، ولو بقراءةٍ.
واللَّمْسُ؛ قِيلَ: كالنَّظر، وقِيلَ: أَوْلَى.
وإذا شُبِّهَ خُنْثَى بذَكَرٍ أو أنثى؛ فله حكمُه، وإلاَّ فهو مع رجلٍ كامرأةٍ، ومع امرأةٍ كرجلٍ.
وتَحرُمُ الخلوةُ لغَير مَحرَمٍ في الكلِّ مطلَقًا، ولو بحَيوانٍ يَشتَهِي المرأةَ، أو تَشتَهِيهِ كالقِرْد، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ وغيره.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الخَلوةُ بأمْردَ حَسَنٍ ومُضاجَعتُه؛ كامرأةٍ، ولو لمصلحةِ تأديبٍ
(3)
وتعليمٍ
(4)
.
(وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ النَّظَرُ إِلَى جَمِيعِ بَدَنِ الآخَرِ، وَلَمْسُهُ)، بلا كراهةٍ، حتَّى فَرجها؛ لحديثِ بَهْزِ بنِ حَكِيمٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال: قلتُ: يا رسولَ الله، عَوراتُنا ما نَأتِي منها وما نَذَرُ؟ قال:«احْفَظْ عَورتَك إلاَّ من زَوجتك أوْ ما ملكتْ يمينُك»
(5)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 186.
(2)
في (ق): يشتهي بها.
(3)
في (ق): تأدب.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 190، الاختيارات ص 291.
(5)
أخرجه أحمد (20034)، وأبو داود (4017)، والترمذي (2769)، والنسائي في الكبرى (8923)، وابن ماجه (1920)، والحاكم (7358). وعلقه البخاري قبل رقم (278) مجزومًا به، وهو حديث حسن؛ فإن بَهز بن حكيم، وأبوه - ابن معاوية بن حَيدة القُشَيرِي - صدوقان. وقد صححه الحاكم والذهبي، وحسّنه الترمذي والألباني. ينظر: الفتح 1/ 385، آداب الزفاف (ص 111)، الإرواء 6/ 212.
قال السَّامَرِّيُّ: حتَّى الفَرْج، إلاَّ في حال الطَّمْث، فإنَّه يُكرَهُ النَّظَرُ فيه.
واعتبر ابنُ عَقِيلٍ فيه الشَّهوةَ عادةً
(1)
.
سأل أبو يوسفَ أبا حَنيفةَ عن مسِّ الرَّجل فَرْجَ زَوجته، وعَكسِه، فقال: لا بَأْسَ، أرجو أنْ يَعظُمَ أجْرُهما
(2)
.
نقل الأثرم في الرَّجل يَضَعُ الصَّغيرة في حِجْره ويُقبِّلُها: إن لم يَجِدْ شَهوةً فلا بَأْس
(3)
.
(وَكَذَلِكَ السَّيِّدُ مَعَ أَمَتِهِ)؛ لأِنَّها في مَعْنَى الزَّوجة، فتَدخُلُ
(4)
في عموم الخبر.
وفيه نظرٌ، فإنَّه يَدخُل فيه: أَمتُه المزوَّجةُ والمجوسيَّةُ ونحوُهما.
وجَعَلَ بعضُهم: (سُرِّيَّتَه) بدل (أَمَتِه)
(5)
؛ لأِنَّه يُخرِجُها إذا لم تكن سُرِّيَّةً،
(1)
كذا في النسخ الخطية، وقوله:(واعتبر ابنُ عَقِيلٍ فيه الشَّهوةَ عادةً) مسألة أخرى، وكأن في الكلام سقطًا، وتقديمًا، تقديره: لا يحرم النظر إلى عورة الطفل والطفلة قبل السبع، ولا لمسها، واعتبر ابن عقيل فيه الشَّهوة عادة، نقل الأثرم
…
)، وهو نقل الأثرم المذكور بعد كلام أبي حنيفة، والله أعلم.
وعبارة الفروع 8/ 188: (ولأحد الزوجين نظر كل صاحبه ولمسه، كدون سبع، نص عليه، واعتبر ابن عقيل فيه الشهوة عادة، ونقل الأثرم في الرجل يضع الصغيرة في حجره ويقبلها: إن لم يجد شهوة فلا بأس). وينظر: الإنصاف 20/ 46.
(2)
ينظر: درر الحكام 1/ 313.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 188.
(4)
في (ق): فيدخل.
(5)
لعل هنا سقطًا يقتضيه السياق، وهو: (وفيه نظر؛ لأنه يخرجها
…
). ينظر: الممتع 3/ 541، الإنصاف 20/ 62
فإنَّ له النَّظرَ إليها ولَمْسَها.
وقال ابن المنجى: وجَعَلَ بعضُهم (أَمَتَه المباحةَ له)، وهو أجْوَدُها؛ لِسَلامته عمَّا ذُكِرَ.
فإنْ زوَّجها؛ نَظَرَ غَيرَ عَورةٍ، وفي «الترغيب»: كمَحرَمٍ، ونقل حنبلٌ: كأَمَةِ غيره
(1)
.
وفي «الترغيب» : يُكرَه نَظَرُ عَورته، وفي «المستوعب» وغيره: ويُستحَبُّ أنْ لا يَسْتَديمَه.
مسألةٌ: يَحرُمُ نَظَرُ الرَّجل إلى الأجنبيَّة من غَيرِ سببٍ.
وقال القاضي: له النَّظرُ إلى الوجه والكَفَّينِ فقط مع الكراهة، إذا أَمِنَ الفتنةَ، ونَظَرَ بغَيرِ شهوةٍ.
والأوَّلُ ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، ونَصرَه في «الشَّرح» .
قال ابن أبي موسى: لا حَرَجَ في النَّظر إلى وجه العجوز، والبَرْزةِ الهِمَّة
(2)
، وفي مَعْنَى ذلك: الشَّوهاء الَّتي لا تُشتَهَى، وهو معنى كلامِ ابنِ حمدانَ، وزاد: يُباحُ نَظَرُ ما لَيسَ بعورةٍ منها، ومضاجَعتُها، والسَّلامُ عَلَيها.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 189.
(2)
في الإرشاد ص 528: (العجوز البرزة) بدون الواو، وينظر: الإنصاف 20/ 54. والهمة: هي الكبيرة الفانية. ينظر: القاموس المحيط ص 1171.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَجُوزُ التَّصْرِيحُ) - وهو ما لا يَحتمِلُ إلاَّ النِّكاحَ - (بِخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ
(1)
بالإجْماع
(2)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} [البَقَرَة: 235]، ولأنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَحمِلَها الحِرْصُ على النِّكاح الإخبارَ بانْقضاء عِدَّتها قَبْلَ انقضائها.
والتَّعريضُ بخِلافِه.
(وَلَا) يَجوزُ (التَّعْرِيضُ بِخِطْبَةِ الرَّجْعِيَّةِ)؛ لأِنَّها في حُكمِ الزَّوجات.
(وَيَجُوزُ) التَّعريضُ (فِي عِدَّةِ الوَفَاةِ، وَالبَائِنِ بِطَلَاقِ ثَلَاثٍ)، أو فَسْخٍ؛ لتحريمها على زوجها، كالفسخ بالرَّضاع أو اللِّعان؛ للآية الكريمة، ولحديثِ فاطمةَ بنتِ قَيسٍ
(3)
.
فأمَّا البائنُ بغَيرِ الثَّلاث؛ كالمخْتَلعة، والبائنِ بفَسْخٍ لعيبٍ، أو إعْسارٍ، ونحوِه؛ فلِزَوجها التَّصريحُ بخِطبتها والتَّعريضُ؛ لأِنَّه مُباحٌ له نكاحُها في عِدَّتها.
(وَهَلْ يَجُوزُ فِي عِدَّةِ البَائِنِ بِغَيْرِ الثَّلَاثِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يجوز؛ لعموم الآية، وكالمطلَّقة ثلاثًا.
والثَّاني: لا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الزَّوج يَملِكُ أنْ يَستبيحَها؛ أشْبَهَت الرَّجْعيَّةَ.
وهي في الجواب كهو، فيما يَحِلُّ ويَحرُم.
(1)
كتب في هامش (ظ): (أي: بكسر الخاء، وهي التماس التزويج، وظاهره: ولو من شبهة، وليس لصاحب عدة الشبهة أن يخطب؛ لأنه لا يجوز العقد عليها قطعًا، سواء كانت العدة عن وفاة أو طلاق بائن أو رجعي، وسواء كانت العدة بالأقراء أو بالأشهر أو بالحمل).
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 69.
(3)
أخرجه مسلم (1480).
فإنْ صرَّح بالخِطبة، أو عرَّض في مَوضِعٍ يَحرُم، ثمَّ تزوَّجها بعد حلِّها؛ صحَّ النِّكاحُ في قَولِ الجمهور.
(وَالتَّعْرِيضُ نَحْوُ قَوْلِهِ: إِنِّي فِي مِثْلِكَ لَرَاغِبٌ، وَلَا تُفَوِّتِينِي بِنَفْسِكِ
(1)
؛ لحديثِ فاطمةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال لها لمَّا طلَّقها زَوجُها ثلاثًا: «فإذا حَلَلْتِ فآذِنِينِي» ، وفي لفظٍ:«لا تَسْبِقِينِي بنفسكِ»
(2)
.
(وَتُجِيبُهُ: مَا يُرْغَبُ عَنْكَ، وَإِنْ قُضِيَ شَيْءٌ كَانَ، وَنَحْوَهُ)؛ لأِنَّ ذلك كافٍ في الغَرَضِ، وشَبِيهٌ بالتَّعريض.
(وَلَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ
(3)
، الخِطبةُ بالكَسْر: خِطبةُ الرَّجل المرأةَ، وبِالضَّمِّ: حمدُ
(4)
الله تعالى، ولو ذِمِّيًّا في ذِمِّيَّةٍ
(5)
، (إِنْ أُجِيبَ) تصريحًا؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَخطُب أحدُكم على خِطبة أخيه» متفَّقٌ عليه
(6)
، ولأِنَّ فيه إيقاعَ العداوة بَينَ النَّاس.
وقال أبو حفصٍ العُكْبريُّ: هي مكروهٌ، كأنَّه ذهب إلى قولِ أحمدَ في رواية صالحٍ: أكرهه
(7)
.
وردَّ: بأنَّ ظاهر النَّهي التَّحريمُ، ولذلك حمله القاضي عليه؛ لتصريحه به
(1)
في (ق): نفسك.
(2)
أخرجه مسلم (1480).
(3)
كتب في هامش (ظ): (وإن زِدْنَ المخطوبات على العدد الجائز له، وترتب الإجابة، فالمختار الحرمة).
(4)
في (ق): هو.
(5)
لعل مراد المصنف: لا يحل خطبة الذمي على خطبة مسلم أو ذمي في نكاح ذمية، أما خطبة المسلم على خطبة الذمي فلا تحرم، ويأتي ذلك في كلام المصنف قريبًا.
(6)
أخرجه البخاري (5142)، ومسلم (1412)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه. وأخرجه أبو داود (2081) باللفظ الذي ذكره المصنِّف.
(7)
لم نجده في المطبوع من مسائل صالح. وينظر: شرح الزركشي 5/ 194.
في رواية ابن مَشِيشٍ
(1)
.
فإن ارتكب النَّهيَ؛ صحَّ العَقْدُ على الأصحِّ؛ كالخِطبة في العِدَّة.
وقِياسُ قولِ أبي بكرٍ: لا يصحُّ؛ كالبيع.
وردَّ: بأنَّ المحرم لم يقارن
(2)
العقد، فلم يؤثِّر في صحَّته.
وكذا الأشهر: لو أُجيب تعريضًا، إنْ علِمَ؛ لعموم النَّهي.
والثَّانية: يجوز؛ لحديث فاطمةَ، قال في «الشَّرح»: ولا حجَّةَ فيه.
(فَإِنْ رُدَّ؛ حَلَّ)؛ لِمَا رَوَتْ فاطمةُ بنتُ قَيسٍ: أنَّها أتت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذكرت له أنَّ معاويةَ وأبا جَهْمٍ خَطَبَاهَا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا معاويةُ فصُعْلوكٌ لا مالَ له، وأما أبو جَهْمٍ فلا يَضَعُ العصا عن
(3)
عاتقه، انكِحِي أسامةَ بنَ زَيدٍ» متَّفقٌ عليه
(4)
.
(فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْحَالَ
(5)
هل أُجِيبَ أمْ لا؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: لا يجوز؛ لعموم النَّهي.
والثَّاني: بَلَى، وهو ظاهر نقْلِ الميمونيِّ
(6)
، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الإجابة.
ومِثلُه: لو ترك الخِطبةَ، أو أَذِنَ له، أو سكت عنه.
وظاهره: أنَّه لو كان الأوَّلُ ذِمِّيًّا لم تَحرُم الخِطبةُ على خِطبَتِه، نَصَّ
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 194.
(2)
في (ظ): لم يفارق.
(3)
في (ق): على.
(4)
انفرد به مسلم، 7/ 409 حاشية (6).
كتب في هامش (ظ): (ومن استشير في خاطب أو مخطوبة، ولو نفسه، ذكر وجوبًا مساوئه، بفتح الميم، أي عيوبه، إن لم يندفع بدون ذلك، بصدق؛ ليحذر، بذلاً للنصح، وسميت عيوب الإنسان مساوئه؛ لأن ذكره يسوءه فهو بالهمز ويخفف بتركها، ومفرده سَوْءٌ على غير القياس، كما في حسن ومحاسن).
(5)
في (ق): بالحال.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 193.
عليه
(1)
، كما لا يَنصَحُه.
وقال ابن عبد البرِّ: هو حرامٌ أيضًا؛ لأِنَّه خرج مَخرَجَ الغالب.
ورُدَّ: بأنَّ لفظَ النَّهي خاصٌّ بالمسلمين، وإلحاقُ غَيره به إنَّما يصحُّ إذا كان مثلَه، وليس الذِّمِّيُّ كالمسلم، ولا حُرْمته كحُرْمته.
وظاهِرُ كلامهم يقتضي جوازَ خِطبة المرأة على خِطبة أختها، وصرَّح في «الاختيارات» بالمنع
(2)
، ولعلَّ العِلَّةَ تُساعِدُه.
(وَالتَّعْوِيلُ فِي الرَّدِّ وَالإِجَابَةِ عَلَيْهَا، إِنْ لَمْ تَكُنْ مُجْبَرَةً)؛ لأِنَّها أحقُّ بنفسها مِنْ وَلِيِّها، ولو أجاب الوليُّ ورغبت هي عن النِّكاح؛ كان الأمرُ أمْرَها.
(وَإِنْ كَانَتْ مُجْبَرَةً؛ فَعَلَى الوَلِيِّ)؛ لأِنَّه يَملِكُ تزويجَها بغَيرِ اخْتِيارِها، فكان العِبْرةُ به لا بِها.
وفي «المغني» : إذا كَرِهت المجبَرة المجابَ، واختارت غيرَه؛ سقط حكمُ إجابةِ وَلِيِّها؛ لأِنَّ اختيارَها مقدَّمٌ على اختياره.
وإنْ كَرِهَتْه
(3)
، ولم تَخْتَرْ سِواه؛ فيَنبَغِي أنْ تَسقُطَ الإجابةُ أيضًا.
قال ابن الجَوزِيِّ في قولِ عمرَ: «فلَقِيتُ عُثْمانَ، فعَرَضْتُ عليه حفصةَ»
(4)
: يَدلُّ على أنَّ السَّعيَ من الأب للأيِّم في التَّزويج، واختيارِ الأكْفَاء؛ غَيرُ مكروهٍ، بل هو مُستَحَبٌّ.
(وَيُسْتَحَبُّ عَقْدُ النِّكَاحِ مَسَاءَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ مَرفوعًا قال: «امْسُوا بالأمْلاك، فإنَّه أعْظَمُ للبركة» رواه أبو حفصٍ
(5)
، ولأِنَّه أقْربُ
(1)
ينظر: المغني 7/ 146.
(2)
ينظر: الاختيارات ص 293.
(3)
في (ظ): كرهت.
(4)
أخرجه البخاري (4005)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
لم نجده، قال الألباني في الإرواء 6/ 221:(لم أقف على إسناده).
إلى مقصوده، وأقلُّ لاِنتِظاره، وقد استحبَّه جماعةٌ من السَّلَف هذا اليوم؛ لأِنَّه شريفٌ ويومُ عِيدٍ، وفيه خُلِقَ آدمُ؛ لقوله عليه السلام:«خَيرُ يومٍ طَلَعَتْ فيه الشَّمسُ يَومُ الجمعة»
(1)
.
وفي «الغُنْية» : الخميسُ والجمعةُ، والمساءُ به أَوْلَى.
(وَأَنْ يَخْطُبَ قَبْلَ العَقْدِ بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ)، قال:«علَّمنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم التَّشهُّدَ في الحاجة، وهو: إنَّ الحمدَ لله، نَحمَدُه، ونَستَعِينُه، ونَسْتَهْدِيهِ، ونَعوذُ بالله من شُرورِ أنفسنا، وسيِّئاتِ أعمالنا، مَنْ يهد الله فلا مُضلَّ له، ومَنْ يُضْلِلْ فلا هاديَ له، وأشْهَدُ أن لاَّ إلهَ إلاَّ اللهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عبدُه ورسولُه، ويَقرأُ ثَلاثَ آيات: {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عِمرَان: 102]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ} [النِّسَاء: 1]، {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا} [الأحزَاب: 70] الآياتِ» رواه أحمد، وأبو داود، والتِّرمِذِيُّ وحسَّنه
(2)
.
وظاهِرُه: خُطبةٌ واحدةٌ، ولَيستْ واجبةً، خِلافًا لِداودَ، وإنْ
(3)
أُخِّرتْ عنه جاز، وأنَّه يُستَحَبُّ أنْ يُضيفَ إليها: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ
…
} الآية [النُّور: 32]، وقَبلَها: إنَّ الله أَمَرَ بالنِّكاح، ونهى عن السِّفاح، وكان أحمدُ إذا لم
(1)
أخرجه مسلم (854)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (4116)، والترمذي (1105)، والنسائي (3277)، وابن ماجه (1892)، وابن الجارود (679)، وأبو عوانة في مستخرجه (4143)، من طرق عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: علّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة، والتشهد في الحاجة. وذكر الحديث. وسنده حسن، وقد أخرجه أحمد (4115)، وأبو داود (2118)، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله نحوه، وفيه انقطاع. والحديث حسنه الترمذي، وصححه ابن الجارود والنووي وابن الملقن وابن حجر والألباني. وللشيخ الألباني رسالة في تخريج خطبة الحاجة هذا. ينظر: المجموع 16/ 204، البدر المنير 7/ 531، الفتح 9/ 202، خطبة الحاجة (ص 9).
(3)
في (ق): فإن.
يَسمَع الخُطبةَ، انصرَفَ
(1)
.
(وَأَنْ يُقَالَ لِلْمُتَزَوِّجِ: بَارَكَ اللهُ لَكُمَا، وَعَلَيْكُمَا، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ وَعَافِيَةٍ)؛ لمَا روى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى إنسانًا تزوَّج
(2)
قال: «بارَكَ اللهُ لكَ، وبارك عَلَيكَ، وجَمَعَ بَينَكما في خَير
(3)
» رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمِذِيُّ
(4)
.
(وَإِذَا زُفَّتْ إِلَيْهِ)؛ أيْ: أُهْدِيَتْ إليه (قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا)؛ أيْ: خَلَقْتَها (عَلَيْهِ)، وطَبَعْتَها
(5)
، (وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ)، رواهُ أبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابن ماجَهْ ولفظُه له، عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، ولَفْظُه قال:«إذا أَفادَ أحدُكم امْرأةً أوْ خادِمًا أوْ دابَّةً، فلْيأْخُذْ بناصِيَتِها، ولْيَقُلْ» إلى آخِره
(6)
.
(1)
ينظر: الإنصاف 20/ 84.
(2)
في (ق): يزوج.
(3)
أشار في (ظ) إلى نسخة: وعافية.
(4)
أخرجه أحمد (8956)، وأبو داود (2130)، والترمذي (1091)، والدارمي (2220)، والحاكم (2745)، عن عبد العزيز بن محمد - الدراوردي -، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وإسناده صحيح على شرط مسلم، وقد صححه الترمذي والحاكم والذهبي وابن الملقن وابن حجر والألباني وغيرهم. ينظر: البدر المنير 7/ 534، التلخيص الحبير 3/ 316، فتح الباري 9/ 222، صحيح سنن أبي داود 6/ 351.
(5)
قوله: (أي: خلقتها عليه وطبعتها) هو في (ق): أي: خلقتها وطبعتها عليه.
(6)
كتب في هامش (ظ): (يعني الخبر المتقدم: «اللهم إني أسألك خيرها وخير ما جبلتها عليه»، إلى آخره).
أخرجه أبو داود (2160)، والنسائي في الكبرى (10021)، وابن ماجه (2252)، والطبراني في الدعاء (1309)، والبيهقي في الكبرى (13838)، عن محمد بن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه رضي الله عنه. وسنده حسنٌ؛ للكلام المعروف في ابن عجلان وعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وصححه الحاكم والذهبي، وجوَّده العراقي، وحسّنه الألباني. ينظر: المغني عن حمل الأسفار 1/ 298، صحيح سنن أبي داود 6/ 373، آداب الزفاف (ص 93).
(بَابُ أَرْكَانِ النِّكَاحِ وَشُرُوطِه)
أرْكانُ الشَّيء: أجْزاءُ ماهِيَّته، فالماهِيَّة
(1)
لا تُوجَدُ بدُونِ جُزئِها، فكذا الشَّيءُ لا يَتِمُّ بدونِ رُكْنِه.
والشَّرْطُ: ما يَنتَفِي المشروطُ بانْتِفائِه، ولَيسَ جُزْءًا للماهِيَّة.
(فَأَرْكَانُهُ: الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ)؛ لأِنَّ ماهيَّةَ النِّكاح مُرَكَّبةٌ منهما، ومُتوَقِّفةٌ عليهما.
(وَلَا يَنْعَقِدُ الإِيجَابُ إِلاَّ: بِلَفْظِ النِّكَاحِ وَالتَّزْوِيجِ، بِالْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُهُمَا
(2)
، إجْماعًا
(3)
؛ لِوُرُودهما في نَصِّ القرآن في قوله تعالى: {زَوَّجْنَاكَهَا} [الأحزَاب: 37]، {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ} [النِّسَاء: 22].
ولا يَنعَقِدُ بغَيرهما؛ إذ العادِلُ عنهما مع معرفته لهما عادِلٌ عن اللَّفظ الَّذي وَرَدَ القرآن بهما مع القُدْرة.
فإنْ قُلْتَ: قد رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلاً امرأةً
(4)
فقال: «مَلَّكْتُك بما معك من القرآن» رواه البخاريُّ
(5)
.
قُلْتُ: وَرَدَ فيه: «زوَّجْتُكها»
(6)
، و «زوَّجْناكَها»
(7)
، و «أنْكَحْتُها»
(8)
من طُرقٍ
(1)
في (ق): والماهية.
(2)
قوله: (بالعربية لمن يحسنهما) سقط من (ق).
(3)
نقل في المغني 7/ 78 الإجماع على أن النكاح ينعقد بلفظ النكاح والتزويج، لا أنه لا ينعقد إلا بهما، فالخلاف فيه مشهور.
(4)
في (ق): وامرأة.
(5)
أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425) من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(6)
أخرجه البخاري (5029، 5132).
(7)
أخرجه البخاري (2310، 5135).
(8)
أخرجه البخاري (5149) بلفظ: «فقد أنكَحْتُكها بما معك من القرآن» .
صحيحةٍ، فإمَّا أنْ يكونَ قد جَمَعَ بَينَ الألفاظ، أوْ يُحمَلَ على أنَّ الرَّاوِيَ روى بالمعْنَى ظَنًّا منه أنَّهما بمَعْنًى واحِدٍ، أوْ يكون خاصًّا به، وعلى كلِّ تقديرٍ: لا يَبقَى حجَّةٌ.
وكذا يَنعَقِدُ بقوله لِأَمَتِه
(1)
: أعْتَقْتُها، وجَعلْتُ عِتْقَها صداقَها.
(أَوْ بِمَعْنَاهُمَا الْخَاصِّ بِكُلِّ لِسَانٍ لِمَنْ لَا يُحْسِنُهُمَا)؛ لأِنَّ ذلك في لُغَته نَظِيرُ
(2)
الإنكاح والتَّزويج في العربيَّة.
(فَإِنْ قَدَرَ عَلَى تَعَلُّمِهِمَا بِالعَرَبِيَّةِ
(3)
؛ لَمْ يَلْزَمْهُ) التَّعلُّمُ (فِي أَحَدِ الْوَجْهَينِ)، اختاره المؤلِّفُ، ونصره في «الشَّرح» ، وجزم به في «التَّبصرة» و «الوجيز» ؛ لأِنَّ النِّكاحَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فصحَّ بغَيرِ العربيَّة؛ كعاجِزٍ.
والثَّاني، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ: يَلزَمُه؛ كالتَّكبير.
(وَالْقَبُولُ) من الزَّوج أوْ وَكيلِه: (قَبِلْتُ هَذَا النِّكَاحَ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ كَرَضِيتُه (فِي حَقِّ مَنْ لَا يُحْسِنُ)، ولو هازِلاً وتَلْجِئَةً؛ كالإيجاب.
وقِيلَ: وبكِتابةٍ.
وذَكَرَ ابنُ عقيلٍ عن بعضهم: أنَّه خَرَّجَ صحَّتَه بكلِّ لفظٍ يَقتَضِي التَّمليكَ، وخرَّجه هو في «عمد الأدلَّة» من جَعْلِه عِتْقَ أَمَتِه مَهرَها.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَنعَقِدُ بما عدَّه النَّاسُ نِكاحًا، بأيِّ لغةٍ ولَفْظٍ وفِعْلٍ كان، وإنَّ مِثْلَه كلُّ عَقْدٍ، وإنَّ الشَّرطَ بَينَ النَّاس ما عَدُّوهُ شُروطًا، فالأسماءُ تُعرَفُ حدودُها تارةً بالشَّرع، وتارةً باللُّغة، وتارةً بالعُرْف، وكذلك العُقودُ
(4)
.
(1)
في (ق): لأمتها.
(2)
في (ق): نظر.
(3)
قوله: (بالعربية) سقط من (ق).
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 15، الاختيارات ص 293.
(فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِ: قَبِلْتُ)، أوْ تزوَّجتُ، (أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلِلْمُتَزَوِّجِ: أَقَبِلْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ صَحَّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، في المنصوص فيهما
(1)
، ونَصَره في «الشَّرح» وغيره.
أمَّا في الأُولى؛ فَلأِنَّه صريحٌ في الجواب، فصحَّ
(2)
النِّكاح؛ كالبيع.
وأمَّا في الثَّانية؛ فَلأِنَّ المعنى: نَعَمْ زوَّجتُ، نَعَمْ قَبِلْتُ هذا التَّزويجَ، بدليلِ قولِه تعالى:{فَهَلْ وَجَدْتُّمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعرَاف: 44]، كان إقْرارًا منهم بوِجْدانِ ما وعدهم ربُّهم حقًّا، وبدليلِ الإقْرارِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَصِحَّ)؛ لأِنَّ لَفْظَ: زوَّجتُ وقَبِلتُ هذا النِّكاحَ؛ رُكْنٌ في العقد، فلم يَصِحَّ بدونهما. واختاره ابنُ عَقِيلٍ في الثَّانية
(3)
.
فَرعٌ: يَنعَقِدُ نكاحُ أخْرَسَ بإشارةٍ مُفهِمةٍ، نَصَّ عليه
(4)
، أو كتابةٍ.
وذكر في «المحرَّر» : أنَّ في كتابة القادِر على النُّطق وَجْهَينِ؛ أَوْلَاهما: عَدَمُ الصِّحَّة، قاله في «الشَّرح» .
وإنْ أَوْجَبَ، ثُمَّ جُنَّ قَبْلَ القَبول؛ بَطَلَ؛ كمَوته، نَصَّ عليه
(5)
، وفي إغْمائه وَجْهانِ، وإنْ نامَ؛ لم يَبطُل الإيجابُ.
(وَإِنْ تَقَدَّمَ الْقَبُولُ الإِيجَابَ؛ لَمْ يَصِحَّ)، سواءٌ كان بلفظ الماضي: كتزوَّجتُ ابنتَك، فيقول: زوَّجْتُك، أو بلفظ الطَّلَبِ: زوِّجْنِي ابنتَك، فيقول زوَّجْتُكها؛ لأِنَّ القَبولَ إنَّما يكون للإيجاب، فإذا وُجِدَ قَبْلَه؛ لم يكن قَبولاً؛ لِعَدَمِ معناه، وكما لو تقدَّم بلفظ الاستفهام.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 202.
(2)
في (ق): يصح.
(3)
كتب في هامش (ظ): (وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بلفظ الهبة).
(4)
ينظر: مسائل عبد الله 2/ 413.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 203.
وفيه احْتِمالٌ؛ لأِنَّه وُجِدَ الإيجابُ والقَبولُ منه
(1)
، فصحَّ؛ كما لو تقدَّم الإيجابُ.
والفَرْقُ بَيْنَه وبَيْنَ البيع: أنَّه لا يُشْتَرَطُ فيه هذه الصِّيغةُ، وأنَّه لا يتعيَّن فيه هذا اللَّفظُ، بل يصحُّ بأيِّ لفظٍ أدَّى المعنى.
والفَرْق بَينَ الخُلْعِ والنِّكاح: أنَّ الخُلْعَ يَصِحُّ تعليقُه على شَرطٍ، بخلاف النِّكاح.
(وَإِنْ تَرَاخَى) القَبولُ (عَنْهُ)؛ أي: عن الإيجاب (صَحَّ مَا دَامَا فِي الْمَجْلِسِ، وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ)؛ لأِنَّ حكمَ المجلس حكمُ حالةِ العَقْد، بدليلِ صحَّة العَقْد فيما يُشتَرَطُ القَبْضُ فيه، وثُبوت الخيار في عُقودِ المعاوَضات، ولأِنَّه مع التَّشاغُلِ يُعَدُّ كالمعْرِضِ عن الإيجاب، فلم يَصِحَّ بَعدَه؛ كما لو ردَّه.
(وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَهُ)؛ أيْ: قَبْلَ القَبول؛ (بَطَلَ الْإِيجَابُ)؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ معناه، فإنَّ الإعراضَ قد وُجِد من جهته بالتَّفرُّق.
(وَعَنْهُ: لَا يَبْطُلُ)، نَقَلَها أبو طالِبٍ
(2)
، واختارها أبو بكرٍ، فعليها: لا بدَّ أنْ يَقبَلَ في المجلس.
وأصْلُ هذه الرِّواية: أنَّه قِيلَ للإمام أحمدَ: إنَّ رجلاً مَضَى إليه قَومٌ، فقالوا له: زوِّجْ فلانًا، قال
(3)
: زَوَّجْتُه على ألْفٍ، فرَجَعُوا إلى الزَّوج، فأخْبَرُوه، فقال: قد قَبِلتُ؛ يكون هذا نكاحًا ويَتوارَثانِ؟ قال: نعم.
قال القاضي: هو مَحْمولٌ على أنَّه وَكَّلَ مَنْ قَبِلَ العَقْدَ. وفِيهِ نَظَرٌ.
(1)
في (ق): فيه.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 114.
(3)
في (ق): فقال.
(فَصْلٌ)
(وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ):
(أَحَدُهَا: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ
(1)
؛ لأِنَّ كلَّ عاقِدٍ ومَعقُودٍ عليه يتعيَّن تعيِينُهما
(2)
؛ كالمشْتَرِي والمبِيع، ولأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ بدونِ التَّعيين؛ كالبيع.
تنبيهٌ: المعقودُ عليه المنفعةُ؛ كالإجارة، لا في حُكْم المعيَّن، وفيه قال أبو الوفاء: ما ذَكَرُوه أنَّ الأعْيانَ مملوكةٌ لِأَجْلِها يَحتَمِلُ المنْعَ؛ لأِنَّ الأعيانَ لله، وإنَّما يَملِكُ التَّصرُّفاتِ، ولو سُلِّم في الأطعمة والأشربة؛ فمِلْكُه إتْلافُها، ولا ضَمانَ، بخلاف ملْكِ النِّكاح.
(فَإِنْ قَالَ: زَوَّجْتُكَ ابْنَتِي، وَلَهُ بَنَاتٌ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ التَّعيينَ شرطٌ، ولم يُوجَدْ، (حَتَّى يُشِيرَ إِلَيْهَا، أَوْ يُسَمِّيَهَا، أَوْ يَصِفَهَا بِمَا تَتَمَيَّزُ بِهِ)؛ لِوجودِ التَّعيين.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِلاَّ ابْنَةٌ وَاحِدَةٌ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ عدمَ التَّعيين إنَّما حصل من التَّعدُّد، وهو معدومٌ هنا، وظاهِرُه: ولو سمَّاها بغَيرِ اسْمِها، وهو اخْتِيارُ القاضي، فلو قال: زوَّجتك فاطمةَ، وهو اسْمُها، ولم يَقُلْ مع ذلك: ابْنَتِي؛ لم يَصِحَّ، فإنْ قال: زوَّجْتُك فاطمةَ بنتَ فُلانٍ؛ احتاجَ أنْ يَرفَعَ نسبَها حتَّى يَبلُغَ ما تتميَّزُ به عن النِّساء.
فَرْعٌ: إذا كان له ابْنَتانِ؛ كُبرى اسمُها عائشةُ، وصُغْرى اسْمُها فاطمةُ، فقال: زوَّجتُك ابنتي عائشةَ، وقَبِلَ الزوجُ، وهما يَنوِيانِ الصُّغرى؛ لم يَصِحَّ،
(1)
كتب في هامش (ظ): (أي: يشترط في كل من الزوجين كونه واضحًا؛ ليخرج الخنثى المشكل، معينًا؛ ليخرج المجهول).
(2)
في (ظ): بتعيينهما.
نَصَّ عليه.
وقال القاضي: يصحُّ في التي نَوَيَاها، ولَيسَ بصحيحٍ.
وإنْ كان الوليُّ يريدُ الكبرى، والزَّوجُ يَقصِد الصُّغرى؛ لم يَصِحَّ، كما إذا خَطَبَ امرأةً وزُوِّج بغَيرها؛ لأِنَّ القَبولَ وُجِدَ في غَيرِ مَنْ وُجِدَ الإيجابُ فيه.
وقِيلَ: يَصِحُّ إذا لم يتقدَّمْ ذلك ما يَصرِفُ القَبولَ إلى الصُّغرى، من خِطبةٍ وغَيرِها.
ولو نَوَى الوليُّ الصُّغرى، والزَّوجُ الكبرى، أو نَوَى الوليُّ الكبرى، ولم يَدْرِ الزَّوجُ أيّتَهما هي؛ فعلى الأوَّل: يَصِحُّ التَّزويجُ؛ لِعَدَم النِّيَّة فيهما في التي تَناوَلَها لَفظُهما، وعلى الآخَرِ: يَصِحُّ في المعيَّنة فقط.
(وَلَوْ قَالَ: إِنْ وَضَعَتْ زَوْجَتِي ابْنَةً فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه تعليقٌ للنِّكاح على شرطٍ، وهو مجرَّدُ وَعْدٍ، كقوله: زوَّجْتُك حملَ هذه المرأةِ.
(فَصْلٌ)
(الثَّانِي: رِضَا الزَّوْجَيْنِ)، أوْ مَنْ يَقومُ مَقامَهما؛ لأِنَّ العَقْدَ لهما، فاعْتُبِر تراضيهما به؛ كالبيع، (فَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا، أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ الرِّضا شرطٌ ولم يُوجَدْ.
(إِلاَّ الْأَبَ، لَهُ تَزْوِيجُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ)؛ أيْ: للأب خاصَّةً تَزويجُ ابنِه الصَّغير العاقِلِ، أَذِنَ أو كَرِه، وِفاقًا
(1)
؛ لِمَا رَوَى الأثْرَمُ: «أنَّ ابنَ عمرَ زوَّج ابنَه وهو صغيرٌ، فاخْتَصَموا إلى زيدٍ، فأجازاه جميعًا»
(2)
، ولأِنَّه يَتصرَّفُ في ماله بغَيرِ تَولِيَةٍ، فكان له تزويجُه؛ كابنتِه الصَّغيرة.
وذَكَرَ القاضي: في إجباره مُراهِقًا نَظَرٌ.
ويتوجَّه: كأنثى أو عبدٍ مميِّزٍ.
وإنْ أقرَّ به؛ قُبِل، ذَكَرَه في «الإيضاح» .
(وَالْمَجَانِينِ)؛ لأِنَّه لا قَولَ لهم، فكان له وَلاءُ تزويجهم؛ كأولاده الصِّغار، وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ البالغ وغيرِه، وصرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لاِسْتِوائهما في المعْنَى الَّذي جاز التَّزويجُ من أجله.
وقال القاضي: لا يُزَوِّج بالِغًا إلا إذا ظهرت منه أَماراتُ الشَّهوة باتِّباع النِّساء؛ للمصلحة.
(1)
ينظر: المبسوط 4/ 212، المدونة 2/ 100، الأم 5/ 18، الشرح الكبير 20/ 113.
(2)
أخرجه سعيد بن منصور (925)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/ 355)، والبيهقي في الكبرى (14419)، عن سليمان بن يسار به في قصة، وإسناده صحيح. وأخرج نحوه مالك (2/ 527)، والشافعي في الأم (5/ 74)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/ 354)، والبيهقي في الكبرى (14418)، عن نافع، وذكر القصة. وإسناده صحيح.
وقِيلَ: بمَهْر المِثْل.
وظاهر المذهب: واحدةً، وفي أربعٍ وَجْهانِ.
وقال أبو بكرٍ: ليس له تزويجُه بحالٍ؛ لأِنَّه رجلٌ، فلا يَملِكُ إجْبارَه؛ كالعاقل.
والأوَّلُ أَوْلى؛ لأِنَّه إذا جاز تزويجُ الصَّغير مع عدم حاجته إليه؛ فالبالِغُ أَوْلى.
وظاهِرُه: أنَّه لا يجوز تزويجُ مَنْ يُخْنَقُ في الأحيان إلاَّ بإذْنِه.
فَرْعٌ: يُزوِّجُهما حاكِمٌ لحاجةٍ، وظاهِرُ «الإيضاح»: لا، وإلاَّ فوجْهانِ، وفي «الفصول» وغَيرِه: حاجة نكاحٍ فقطْ، وأطْلَقَ غَيرُه، وصرَّح به في «المغني» ، وهو أظْهَرُ.
(وَبَنَاتِهِ الْأَبْكَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ)؛ أيْ: له تزويجُ ابنتِه الصَّغيرةِ التي لم تَبلُغْ تِسْعَ سِنِينَ، بغَيرِ خِلافٍ، إذا زوَّجَها بكُفْءٍ، قاله ابنُ المنذر
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
…
(4)} الآيةَ [الطّلَاق: 4]، فدلَّ على أنَّها تُزوَّجُ ثُمَّ تُطلَّقُ، ولا إذْنَ لها فيُعتَبَر
(2)
، وعن عائشةَ قالت:«تزوَّجَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنةُ ستِّ سِنِينَ، وبَنَى بي وأنا ابنةُ تِسْعٍ» متَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
.
وكذا له تزويجُ ابنةِ تسعِ سِنينَ، نَصَّ عَلَيهِ
(4)
.
وعن عائشةَ قالت: «إذا بلغت الجاريةُ تسعَ سِنينَ فهي امرأةٌ» رواه أحمد
(5)
، ورواه القاضي عن ابنِ عمرَ مرفوعًا
(6)
.
(1)
ينظر: الإجماع ص 78.
(2)
في (ظ): فتعتبر.
(3)
أخرجه البخاري (5133)، ومسلم (1422).
(4)
ينظر: المغني 7/ 42.
(5)
تقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).
(6)
أخرجه ابن عساكر في التاريخ (37/ 174)، وابن عبد الهادي في التنقيح (2712)، وفيه عبد الملك بن مهران الرقاعي، صاحب مناكير، غلب على حديثه الوهم، لا يقيم شيئًا من الحديث. قاله العقيلي، وجهّله ابن عدي. قال ابن عبد الهادي:(يروي أحاديث منكرة، ولم يدركه محمد بن إسماعيل السّلمي، بل قد سقط بينهما شيء). ينظر: الضعفاء الكبير 3/ 34، الكامل في الضعفاء 6/ 532، الإرواء 1/ 199.
فإنْ كانت بالِغةً عاقِلةً؛ فله إجْبارُها في أظْهَرِ الرِّوايتَينِ؛ لحديث: «الثَّيِّبُ أحقُّ بنفسها مِنْ وَلِيِّها، والبِكْرُ يُزَوِّجُها أبوها» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
.
فإنْ أُجْبِرتْ؛ أُخِذَ بتَعيِينها كُفُؤًا، لا بتعيين
(2)
المجبِر في ظاهر المذهب.
وقد صرَّح
(3)
بعض العلماء أنَّه يُشترَط للإجبار شروطٌ: أن يُزوِّجَها من كُفْءٍ بمهر المثل، وألاَّ يكونَ الزوجُ معسِرًا، وأنْ لا يكونَ بَينَهما وبَينَ الأب عداوةٌ ظاهرةٌ، وأن يُزوِّجَها بنقدِ البلد.
والثَّانية: لا، اختاره أبو بكرٍ؛ لِمَا رَوَى أبو هريرة: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُستأْمَرَ، ولا تُنكَحُ البِكْرُ حتَّى تُستَأْذَنَ» ، فقالوا: يا رسول الله، كيف إذْنُها؟ قال:«أنْ تَسكُتَ» متَّفقٌ عليه
(4)
.
(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنِينَ إِلاَّ بِإَذْنِهَا)؛ لأنَّها بَلَغَتْ سنًّا يَصلُحُ
(5)
للبلوغ، أشْبَهت البالِغةَ، ولها بَعْدَ التِّسع إذْنٌ صحيحةٌ، نقله واختاره الأكثرُ
(6)
.
(1)
لم نجده بهذا اللفظ عند الدارقطني، وإنما أخرجه (3585) بلفظ:«يستأمرها» بدل: «يزوِّجها» ، وقال:(وأمَّا قول ابن عيينة، عن زياد بن سعد: «والبكر يستأمرها أبوها» فإنا لا نعلم أحدًا وافق ابن عيينة على هذا اللفظ، ولعلّه ذكره من حفظه فسبقَ لسانه). والحديث أخرجه مسلم (1421)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«الثيِّب أحقّ بنفسها من وليِّها، والبكر تُستأمر، وإذنها سكوتها» . ينظر: البدر المنير 7/ 750، التلخيص الحبير 3/ 330.
(2)
في (ق): لا يتعين.
(3)
في (ق) خرج.
(4)
أخرجه البخاري (5136)، ومسلم (1419).
(5)
في (ظ): تسعًا تصلح.
(6)
ينظر: مسائل صالح 2/ 148، مسائل عبد الله ص 321، مسائل ابن هانئ 1/ 159.
وعنه: لا إِذْنَ لها؛ كمالٍ.
ويَحتَمِلُ في ابن تسعٍ: يُزَوَّجُ بإذنه، قاله في «الانتصار» وإذْنُه نُطْقٌ، ولا يَكفِي صَمْتُه.
(وَهَلْ لَهُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
المذهَبُ كما ذكره ابنُ عَقيلٍ، واختاره ابنُ حامِدٍ وابنُ بطَّةَ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»: أنَّه لا يجوز؛ كالثَّيِّب
(1)
الكبيرة.
والثَّاني: الجوازُ، اختاره أبو بكرٍ، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ كولده الصَّغير.
وفي ثالثٍ: تُزَوَّج
(2)
ابنةُ تسعِ سنين بإذْنها.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا تُزوَّجُ الثَّيِّبُ
(3)
الكبيرةُ إلاَّ بإذْنِها في قَولِ العامَّة، إلاَّ الحسن، قال إسماعيل بن إسحاق: لا أعلم أحدًا قال بقوله، وهو قَولٌ شاذٌّ؛ لقوله عليه السلام:«الأَيِّمُ أحقُّ بنفسها من وَلِيِّها»
(4)
، ورَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا، قال:«لَيسَ للوليِّ مع الثَّيِّب أَمْرٌ» رواهما النَّسائيُّ
(5)
، ولأِنَّها عالمةٌ بالمقصود من النِّكاح، فلم يَجُزْ إجْبارُها عليه كالرَّجل.
(1)
في (ق): كالبنت.
(2)
في (ق): يزوج.
(3)
في (ق): لا يزوج البنت الكبيرة.
(4)
أخرجه مسلم (1421)، والنسائي (3260)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا.
(5)
أخرجه أحمد (3087)، وأبو داود (2100)، والنسائي (3263)، وابن حبان (4089)، والدارقطني (3578)، من طريق معمر، عن صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«ليس للوليّ مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، فصمتها إقرارها» . وصححه ابن حبان وابن الملقن والألباني، وحسّنه الترمذي. وذكر الدارقطني أن صالحًا لم يسمعه من نافع بن جبير، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال:(اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة عن صالح، سمعت النيسابوريّ يقول: الذي عندي أنّ معمرًا أخطأ فيه). ينظر: السنن الكبرى للنسائي 5/ 178، تنقيح التحقيق 4/ 313، البدر المنير 7/ 571، صحيح سنن أبي داود 6/ 332.
ويُستَحَبُّ أنْ يُرسَلَ إليها نسوةٌ ثِقاتٌ يَنظُرْنَ ما في نفسها، والأمُّ بذلك أَوْلَى.
(وَالسَّيِّدُ لَهُ تَزْوِيجُ إِمَائِهِ الْأَبْكَارِ، وَالثُّيَّبِ، وَعَبِيدِهِ الصِّغَارِ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ)، وفِيهِ مَسائِلُ
(1)
:
الأولى: أنَّ السَّيِّدَ له تزويجُ إمائه الأبكارِ بغَيرِ إذْنِهم، هذا المذهبُ المجزومُ به؛ لأِنَّ النِّكاحَ عَقْدٌ على منفعتها وهي مملوكةٌ، أشْبَهَت الإجارةَ.
ونَقَلَ أبو عبد الله النَّيسابُوريُّ، عن أحمدَ أنَّه سُئل: هل يُزوِّجُ الرَّجل جاريتَه من غلامه بغَيرِ مَهْرٍ؟ قال: لا يُعجِبُنِي إلاَّ بمَهْرٍ وشُهودٍ، قِيلَ: فإنْ أَبَتْ؟ قال: يُزوِّجُها السَّيِّدُ بإذْنِها
(2)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (وظاهِرُ هذا أنَّ السَّيِّدَ لا يُجبِرُ الأمةَ الكبيرةَ بِناءً على أنَّ مَنافِعَ البُضْع لَيسَتْ بمالٍ، بدليلِ
(3)
المعْسِرة لا تُلزَمُ بالتَّزوُّج، ولا تُضمَنُ باليد اتِّفاقًا، ومِلْكُ السَّيِّد لها كملْكِه لمنفعةِ بُضْعِ زَوجته)
(4)
.
وظاهِرُ الأوَّل يَشمَلُ: المدبَّرةَ، والمعلَّقَ عِتْقُها بصفةٍ، وأمَّ الولد؛ لِمُساواتِهِنَّ لِلأَمَةِ.
وفي ملْكِه إجْبارَ المكاتَبةِ وَجْهانِ، ولو كان بعضُها حُرًّا لم يَمْلِكْه
(5)
، ولا إنكاحها وحدَه، ويُعتَبَرُ إذْنُها وإذِنُ مالِكِ البقيَّة؛ كأمَةٍ لاِثنَينِ، ويَقولُ كلٌّ منهما: زوَّجْتُكها.
الثَّانية: وهي المذهَبُ المنصوصُ: أنَّ له إجبارَه
(6)
؛ قياسًا على
(1)
أخرجه أحمد (3087)، وأبو داود (2100)، والنسائي (3263)، وابن حبان (4089)، والدارقطني (3578)، من طريق معمر، عن صالح بن كيسان، عن نافع بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«ليس للوليّ مع الثيب أمر، واليتيمة تستأمر، فصمتها إقرارها» . وصححه ابن حبان وابن الملقن والألباني، وحسّنه الترمذي. وذكر الدارقطني أن صالحًا لم يسمعه من نافع بن جبير، وإنما سمعه من عبد الله بن الفضل عنه، قال:(اتفق على ذلك ابن إسحاق وسعيد بن سلمة عن صالح، سمعت النيسابوريّ يقول: الذي عندي أنّ معمرًا أخطأ فيه). ينظر: السنن الكبرى للنسائي 5/ 178، تنقيح التحقيق 4/ 313، البدر المنير 7/ 571، صحيح سنن أبي داود 6/ 332.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 102.
(3)
زيد في (ق): أن.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 102.
(5)
في (ظ): تملكه.
(6)
أي: إجبار عبده الصغير بغير إذنه.
الابن الصَّغير، بل أَوْلَى؛ لِثُبوتِ الملك له عليه.
(وَلَا يَمْلِكُ إِجْبَارَ عَبْدِهِ الْكَبِيرِ)؛ لأِنَّه خالِصُ حقِّه، فلم يَملِكْ إجْبارَه عليه؛ كالطَّلاق.
(وَيَحْتَمِلُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الصَّغِيرِ أَيْضًا)، هذا وَجْهٌ حكاه في «الانتصار» ؛ كالكبير، والمذهَبُ: إجبارُه؛ كالمجنون، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قَولُ أكثرِهم.
والمهرُ والنَّفقةُ على السَّيِّد مُطلَقًا، نَصَّ عليه
(2)
. وعنه: يتعلَّق بكَسْبِه.
(وَلَا يَجُوزُ لِسَائِرِ الْأَوْلِيَاءِ)؛ كالجَدِّ والأخ ونحوِهما، (تَزْوِيجُ كَبِيرَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِهَا)؛ لأِنَّ غَيرَ الأب لا يُساوِيهِ، وفي تزويج الأبِ الكبيرةَ البالِغةَ خِلافٌ، فَلَزِمَ أنَّه لا يجوز لغيره قَولاً واحِدًا.
وفيه وَجْهٌ: أنَّ الجَدَّ كالأب يُجبِرُ.
(إِلاَّ الْمَجْنُونَةَ) في اخْتِيار أبي الخَطَّاب والشَّيخَينِ، (لَهُمْ تَزْوِيجُهَا إِذَا ظَهَرَ مِنْهَا الْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ)؛ لحاجتها لدَفْعِ ضررِ الشَّهوة، وصِيانتِها عن الفُجور، مع ما فيه من تحصيلِ المهْرِ والنَّفقة وغَيرِ ذلك، وكحاكِمٍ في الأصحِّ.
وفي «المغني» : يَنبَغِي أنْ تُزوَّجَ إذا قال أهلُ الطِّبِّ: تَزولُ عِلَّتُها
(3)
بالتَّزويج كالشَّهوة؛ لأِنَّ ذلك من أعظم مصالحها.
وقِيلَ، وهو ظاهِرُ «الخِرَقِيِّ»: لَيسَ لهم ذلك؛ لأِنَّ هذه وِلايَةُ إجْبارٍ، فلا تَثبُتُ لغَيرِ الأب؛ كالعاقِلة.
ومَحَلُّ الخِلاف: إذا لم يكن مُوصًى له في النِّكاح، أمَّا مع وجوده؛ فحُكمُه كالأب.
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 104.
(2)
ينظر: المغني 7/ 57.
(3)
في (ق): يزول عنها.
(وَلَيْسَ لَهُمْ وِلَايَةُ تَزْوِيجِ صَغِيرَةٍ بِحَالٍ)، نَصَّ عليه في رواية الأثْرَم
(1)
؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ قُدامةَ بنَ مَظْعونٍ زوَّج ابنة أخيه من عبدِ الله بنِ عمرَ، فرُفِعَ ذلك للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال:«إنَّها يتيمةٌ، ولا تُنكَحُ إلاَّ بإِذْنِها»
(2)
، والصَّغيرةُ لا إذْنَ لها؛ كمالٍ.
(وَعَنْهُ: لَهُمْ ذَلِكَ)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 3]، دلَّت بمَفهومِها: أنَّ تزويجَها إذا أقْسَطُوا جائزٌ، وقد فسَّرتْه عائشةُ بذلك
(3)
، قال في «الفروع»:(كحاكِمٍ)، ولعلَّه: كالأب، بل في «المستوعب» و «الرِّعاية» ما يُخالِفُه.
وذَكَرَ في «المجرَّد» : للحاكِمِ تزويجُه؛ لأِنَّه يَلِي مالَه، والمرادُ: أنَّه يُزوِّجُها عِنْدَ عَدَمِهم، بدليلِ ما نَقَلَ ابنُ هانِئٍ: أنَّ الإمامَ أحمدَ سئِلَ عن صبيَّةٍ بنتِ ثمانِ سِنِينَ، مات أبوها، ويُريدُ العَصبةُ أنْ يزوِّجوها، قال: لا أرى أنْ تُستأْمَرَ، ولا يُزوِّجُها إلاَّ عمٌّ، أو ابنُ عمٍّ، أوْ عَصَبةٌ، فإنْ لم يكُنْ زوَّجها السُّلطانُ
(4)
، فعلى هذا: يُفِيدُ الحِلَّ وبقيَّةَ أحكامِ النِّكاح الصَّحيح من الإرث ونحوِه.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 229، مسائل عبد الله ص 324.
(2)
أخرجه أحمد (6136)، والدارقطني (3547)، والبيهقي في الكبرى (13656)، من طريق ابن إسحاق، حدثني عمر بن حسين بن عبد الله مولى آل حاطب، عن نافع، عن عبد الله بن عمر. وإسناده جيِّد، وابن إسحاق قد صرّح بالتّحديث كما قاله الألباني، وصححه. وأخرجه ابن ماجه (1878) مختصرًا، من طريق عبد الله بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وابن نافع ضعيف، ويشهد له ما تقدم. ينظر: مجمع الزوائد 4/ 280، الإرواء 6/ 233، الصحيحة 3/ 444.
(3)
أخرجه البخاري (4574)، ومسلم (3018)، عن عروة بن الزبير، أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} فقالت: «يا ابن أختي، هذه اليتيمة تكون في حجر وليها، تَشْرَكُه في ماله، ويعجبه مالها وجمالها، فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يُقْسِط في صداقها، فيعطيها مثل ما يعطيها غيره، فنُهُوا عن أن ينكحوهن إلا أن يُقْسِطوا لهن، ويبلغوا لهن أعلى سُنَّتِهنَّ في الصداق» .
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 199.
وفي «الفُصول» : لا.
ونَقَلَ أبو داودَ في يتيمةٍ زُوِّجَتْ قَبْلَ أنْ تُدرِكَ، فمات أحدُهما، هل يَتوارَثانِ؟ قال: فيه اختلافٌ، قال قَتادةُ: لا يَتوارَثانِ
(1)
.
ومِثْلُه: كلُّ نكاحٍ لُزومُه مَوقُوفٌ، ولَفْظُ القاضي: فَسْخُه مَوقُوفٌ، وكلُّ نِكاحٍ صحَّتُه مَوقوفةٌ على الإجازة، فالأحكام من الطَّلاق وغَيرِه مُنتَفِيةٌ فيه.
(وَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ)؛ لِتَستَدْرِكَ
(2)
ما فاتَها، وظاهِرُ كلامِ ابنِ الجَوزِيِّ في صغيرٍ مِثلُها، وقاسه المؤلِّفُ وجماعةٌ عَلَيها، فدلَّ على التَّسوية، ونقل صالحٌ في صغيرٍ زوَّجَه عمُّه، قال: إنْ رَضِيَ به في وقت من الأوقات جازَ، وإن لم يَرْضَ فَسَخ
(3)
.
(وَعَنْهُ: لَهُمْ تَزْوِيجُ ابْنَةِ تِسْعِ سِنَينَ بِإِذْنِهَا)، نَصَّ عَلَيه
(4)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقاله جَمْعٌ؛ لقوله عليه السلام:«تُستأمَرُ اليتيمةُ في نَفْسها، فإنْ سَكَتَتْ فهو إذْنُها، وإنْ أَبَتْ فلا جَوازَ عَلَيها» رواه الخمسةُ إلاَّ ابنَ ماجَهْ، من حديثِ أبي هُريرةَ
(5)
، وهذه الرِّوايةُ أقْوَى دليلاً؛ لأِنَّ في
(6)
القَولِ بها جمعًا بَينَ الآيةِ والأَخْبارِ، وقُيِّدَتْ بالتِّسع؛ لأِنَّها تَصِيرُ عارِفَةً بما يَضُرُّها ويَنفَعُها، فتَظْهَرُ
(7)
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 199.
(2)
في (ق): تستدرك.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 260.
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 147، مسائل عبد الله ص 321.
(5)
أخرجه أحمد (7527)، وأبو داود (2093)، والترمذي (1109)، والنسائي (3270)، وابن حبان (4079)، عن محمد بن عمرو، حدَّثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. حسنه الترمذي والوادعي، وصححه ابن حبان والحاكم، وقال الألباني:(إسناده حسن صحيح). ينظر: الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين 2/ 308، صحيح سنن أبي داود 6/ 328، الإرواء 6/ 232.
(6)
قوله (في) سقط من (ظ).
(7)
في (ق): فيظهر.
فائدةُ اسْتِئْذانِها، ولقول عائشةَ
(1)
.
فَعَلَى هذا: لا خِيارَ لها إذا بَلَغَتْ، جَزَمَ به في «المغْنِي» و «الرِّعاية» ، وذَكَرَه نَصًّا، وإنْ لم يَصِحَّ
(2)
إذْنُها فلها الخِيارُ.
(وَإِذْنُ الثَّيِّبِ: الْكَلَامُ)، بلا خِلافٍ
(3)
، (وَإِذْنُ الْبِكْرِ: الصُّمَاتُ)؛ للأخبار، وقد رَوَى أحمدُ، وابنُ ماجَهْ، عن عديٍّ الكِنْدِيِّ مرفوعًا، قال:«الثَّيِّبُ تُعرِبُ عن نفسها، والبِكْرُ رضاها صُماتُها»
(4)
، فإنْ ضَحِكَتْ أوْ بَكَتْ فكذلك
(5)
، ونُطْقُها
(6)
أبْلَغُ؛ لحديث أبي هُرَيرةَ، رواه أبو بَكْرٍ.
(وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الثُّيُوبَةِ بِوَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ
(7)
على الأصحِّ؛ لعُموم الخَبَرِ؛ لأِنَّ الحِكمةَ الَّتي اقْتَضَت التَّفْرِقةَ بَينَها وبَينَ البكر مُباضَعةُ الرِّجال ومُخالَطَتهم،
(1)
مراده كما في الممتع 3/ 556: قول عائشة رضي الله عنها: «إذا بَلغتِ الجاريةُ تسع سنين فهيَ امرأة» ، وتقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).
(2)
في (ظ): لم تصح.
(3)
ينظر: المغني 7/ 44.
(4)
أخرجه أحمد (17722)، وابن ماجه (1872)، والطحاوي في شرح المشكل (5743)، والطبراني في الكبير (264)، والبيهقي في الكبرى (13706)، من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين، عن عديِّ بن عدي الكندي، عن أبيه رضي الله عنه. وظاهر سنده الصحة، لكن فيه انقطاع، قال أبو حاتم:(روى عن أبيه مرسلاً، لم يسمع من أبيه، يدخل بينهما العرس بن عميرة)، وضعفه البوصيري والألباني. وفي الباب شواهد عدّة صحيحة يتقوّى بها. ينظر: الجرح والتعديل 7/ 3، المراسيل لابن أبي حاتم (557)، مصباح الزجاجة 2/ 101، الإرواء 6/ 234، الصحيحة (1459).
(5)
في (ق): وكذلك.
(6)
زيد في (ق): فهو.
(7)
كتب في هامش (ظ): (إشارة: كان ينبغي أن يقول: "بوطءٍ حلالٍ أو حرام أو شبهة"؛ لأنه لا يوصف بحلٍّ ولا حرمة على المختار، وسواء حصل من آدمي أو بهيمة، بتمكينها، أو غَشِيَها قرد ونحوه وهي نائمة مغلوب على عقلها، هذا قضية كلامهم؛ لأنها زالت بوطء، ولا فرق بين المكرهة والمطاوعة والمجنونة والعاقلة والنائمة؛ لأنها موطوءة في القُبُل).
وهذا مُوجودٌ في المُصابَةِ بالزِّنى، ولهذا قال المؤلِّف: لو أوْصَى لِثَيِّبٍ دَخَلَا.
(فَأَمَّا زَوَالُ الْبَكَارَةِ بِإِصْبَعٍ، أَوْ وَثْبَةٍ؛ فَلَا تُغَيِّرُ صِفَةَ الْإِذْنِ
(1)
؛ لِعَدَم المباضَعة والمخالَطة، وكما لو وُطِئَتْ في الدُّبُر.
وعَكْسُ هذا لو عادَتْ بَكارتُها بَوطْءٍ بَعْدَ زوالها؛ فهي في حُكْم الثَّيِّب، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب وِفاقًا؛ لوجود المباضَعة.
وعنه: زَوالُ عُذْرَتها مُطلَقًا، ولو بِوَطْءِ دُبُرٍ.
وظاهِرُ كَلامِه: يَشمَلُ الأبَ وغَيرَه، نَصَّ عليه في روايةِ الميمونِيِّ
(2)
.
وقال في «التَّعليق» : إنَّ مِنْ أصْلِنا: أنَّ إِذْنَ البِكْرِ في حقِّ غَيرِ الأب النُّطق.
والمذهَبُ الأوَّل.
ويُعتَبَرُ في الاِستِئْذانِ: تسميةُ الزَّوج على وَجْهٍ تَقَعُ
(3)
معرفتُها به، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
.
(1)
كتب في هامش (ظ): (والمخلوقة بلا بكارة كالبكر)، ولم يُشِر إلى موطنها في الكتاب.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 92.
(3)
في (ق): يقع.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 92.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: الْوَلِيُّ، فَلَا نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ)، هذا هو المذهبُ المعروفُ للأصحاب؛ لِمَا رَوَى أبو موسى الأشعريُّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا نِكاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ» رواهُ الخَمْسةُ
(1)
، وصحَّحه ابنُ المَدِينِيِّ، وهو لِنَفْيِ الحقيقة الشَّرعيَّة، بدليلِ ما رَوَى سُلَيمانُ بن موسى، عن الزُّهريِّ، عن عُروةَ، عن عائشةَ، قالت: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «أيُّما امْرأةٍ نَكَحَتْ نَفْسَها بغَيرِ إذْنِ وَلِيِّها؛ فنِكاحُها باطِلٌ باطِلٌ باطِلٌ، فإنْ دَخَلَ بها؛ فلها المهرُ بما اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجها، فإنِ اشْتَجَرُوا
(2)
؛ فالسُّلْطانُ وليُّ مَنْ لا وليَّ له» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ وصحَّحه
(3)
،
(1)
رواه أبو إسحاق السبيعي، واختلف عنه وصلاً وإرسالاً: فأخرجه - موصولاً - أحمد (19518)، وأبو داود (2085)، والترمذي (1101)، وابن ماجه (1881)، وابن حبان (4077)، والحاكم (2711)، من طرقٍ عن يونس وإسرائيل وأبي عوانة وغيرهم، عن أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه. وأخرجه عبد الرزاق (10475)، وابن أبي شيبة (36118)، والطحاوي (4260)، من طريق الثوري وأبي الأحوص وشعبة، ثلاثتهم عن السبيعي عن أبي بردة به مرسلاً. والحديث صححه موصولاً غير واحد من الأئمة؛ كيحيى القطان وابن المديني وابن معين وأحمد والبخاري والذهلي والترمذي وابن خزيمة والدارقطني والحاكم وابن القيم وغيرهم. ينظر: علل الدارقطني 7/ 207، العلل الكبير للترمذي (265)، البدر المنير 7/ 543، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 4/ 290، فتح الباري 11/ 87، الدراية 2/ 59، الإرواء 6/ 235.
تنبيه: الحديث عزاه المصنف إلى الخمسة، ولم يخرجه النسائي، وقد عزاه المزي في تحفة الأشراف (6/ 460) إلى الثّلاثة فقط.
(2)
في (ق): استجروا.
(3)
أخرجه أحمد (25326)، وأبو داود (2083)، والترمذي (1102)، وابن ماجه (1879)، وابن الجارود (700)، وابن حبان (4074)، والدارقطني (3520)، والحاكم (2706)، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها. حسنه الترمذي وابن حجر، وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن عبد البر وابن الملقن وابن عبد الهادي والألباني. قال ابن معين:(إنه أصحّ حديث في الباب). ينظر: تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/ 232، السنن الكبرى للبيهقي 7/ 172، الاستذكار 5/ 392، البدر المنير 7/ 553، تنقيح التحقيق 4/ 286، موافقة الخبر 2/ 205، الإرواء 6/ 243.
وادَّعَى القاضِي أنَّه إجْماعُ الصَّحابة
(1)
.
لا يُقالُ: يُمكِنُ حَمْلُ الأوَّل على نَفْيِ الكمال؛ لأِنَّ كلامَ الشَّارِع محمولٌ على الحقائق الشَّرعيَّة؛ أيْ: لا نِكاحَ شرعيٌّ، أوْ مَوجودٌ في الشَّرع إلاَّ بوليٍّ.
والثَّاني: يدلُّ على صحَّته بإذْنِ الوليِّ، وأنْتُم لا تَقولونَ به، مع أنَّ قَولَه تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} [البَقَرَة: 232] يدلُّ على صحَّةِ نكاحها لنفسها؛ لأِنَّه أضافه إليهنَّ، ولأِنَّه خالِصُ حقِّها، فصحَّ منه؛ كبَيعِ أَمَتِها.
قِيلَ: لا مَفهومَ له، كقوله تعالى: الآية {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ
…
} [النِّسَاء: 23]؛ لأِنَّ المخاطَبِينَ بالنَّهيِ عن العَضْلِ هم الأولياءُ، ونَهْيُهم عنه دليلٌ على اشتراطهم؛ إذ العَضْلُ لغةً: المنْعُ، وهو شامِلٌ للعَضْل الحِسِّيِّ والشَّرعيِّ؛
(1)
روي عن عمر رضي الله عنه: أخرجه مالك (2/ 525)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 235)، والدارقطني (3542)، والبيهقي في الكبرى (13640)، وصححه أحمد كما في مسائل حرب 3/ 1259.
وعن عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الأم (7/ 180)، والبيهقي في الكبرى (13641)، وصحح إسناده.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (10483)، وسعيد بن منصور (553)، وابن أبي شيبة (15923)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 235)، والبيهقي في الكبرى (13650)، وإسناده جيد.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10494)، والبيهقي في الكبرى (13651)، وإسناده صحيح.
وعن حفصة رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق (10495)، وإسناده صحيح.
وعن عائشة رضي الله عنها: أخرجه الشافعي في الأم (5/ 20)، وابن أبي شيبة (15959)، والبيهقي في الكبرى (13652).
لأِنَّه اسمُ جنسٍ مُضافٌ، ففي ذلك دليلٌ على أنَّ العَضْلَ منهم يصحُّ دُونَ الأجانب.
ثُمَّ إنَّ الآيةَ نَزَلَتْ في مَعقِلِ بنِ يَسارٍ حِينَ امْتَنَعَ من تزويجِ أُخْتِه، فدعاه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فزوَّجها
(1)
، ولو لم يَكُنْ لمعْقِلٍ وِلايةٌ وأنَّ الحكمَ مُتوَقِّفٌ عليه؛ لمَا عُوتِبَ عليه
(2)
، وأمَّا الإضافةُ إليهنَّ؛ فلأِنَّهنَّ مَحَلٌّ له.
(فَإِنْ زَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، أَوْ غَيْرَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لِعَدَمِ وجودِ شَرْطِه، ولأِنَّها غيرُ مأمونةٍ على البُضْعِ؛ لِنَقْصِ عَقْلِها، وسرعةِ انْحِدارها، فلم يَجُزْ تَفويضُه إليها؛ كالبذْر في المال.
(وَعَنْهُ: لَهَا تَزْوِيجُ أَمَتِهَا)؛ لأِنَّها
(3)
مالكتها، ووِلايَتُها
(4)
عليها لها، فكان لها تزويجُها؛ كالسَّيِّد، (وَمُعْتَقَتِهَا)؛ لأِنَّ الوِلايةَ كانت لها عليها، فَوَجَبَ استِصْحابُها، ولأِنَّ الولاءَ كالملك.
(فَيُخَرَّجُ مِنْهُ)؛ أيْ: من هذا القولِ: (صِحَّةُ تَزْوِيجِ نَفْسِهَا بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، وَتَزْوِيجِ غَيْرِهَا بِالوَكَالَةِ)؛ لأِنَّها إذا كانَتْ أهْلاً لمباشَرَةِ تزويجِ أَمَتِها ومُعتَقَتِها؛ فَلَأَنْ تكونَ أهْلاً لِمُباشَرَةِ تَزويجِ نَفْسها وغيرِها بالوكالة بطريق الأَوْلى، يَدُلُّ عليه:«أنَّ عائشةَ تولَّتْ نكاحَ بنتِ أخيها عبد الرَّحمن»
(5)
، ولأِنَّها شَخْصٌ يتصرَّف في ماله بنفسه
(6)
، فيتولَّى عَقْدَ النِّكاح لنفسه؛ كالغلام.
(1)
أخرجه البخاري (5331)، والقصّة أخرجها مفصّلة الطيالسي (972)، والترمذي (2981).
(2)
قوله: (عليه) سقط من (ظ)
(3)
في (ظ): لأنه.
(4)
في (ظ): وولايته.
(5)
أخرجه مالك (2/ 555)، وسعيد بن منصور (1662)، وابن أبي شيبة (15955)، والطحاوي في معاني الآثار (4255)، والبيهقي في الكبرى (13653)، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها. وصححه ابن حزم 9/ 28، وابن دقيق العيد كما في البدر المنير 7/ 561، وصحح إسناده الحافظ في الدراية 2/ 60.
(6)
في (ق): بإذنه.
وعنه: تُزوِّج نفسَها مطلَقًا، وخصَّه المؤلِّفُ بحالِ العُذْر؛ كما إذا عُدِمَ الوليُّ أو السُّلطانُ، واختُلِف في مَأْخَذِها، فابنُ عَقِيلٍ أخَذَها من قول الإمام أحمدَ في دِهْقانِ القرية: يزوِّج مَنْ لا وليَّ لها
(1)
، فهو بمنزلة حاكمها، وغلَّطه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
.
وأخَذَها ابن أبي موسى ممَّا أخذه المؤلِّفُ، واستدلَّ له بالآية، وبقوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا}
(3)
، فأباح فِعْلَها في نفسها من غير شرط الوليِّ، وبدليل خِطبته
(4)
عليه السلام أمَّ سَلَمةَ
(5)
، فإنَّ أهلَ التَّاريخ قالوا: إنَّه كان ابْنَ
(6)
ستِّ سِنينَ، ومِثْلُه لا تصحُّ وِلايتُه.
وقد سُئِل أحمدُ عن حديث «لا نِكاحَ إلاَّ بوليٍّ» : يَثبُتُ فيه شَيءٌ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؟ قال: (لا)
(7)
، ثمَّ هو محمولٌ على نَفْيِ الكمال، وسُلَيمانُ بن موسى ضعَّفه البخاريُّ، قال في رِوايةِ المرُّوذِيِّ: ما أراهُ صحيحًا؛ لأِنَّ عائشةَ فَعَلَتْ بخِلافه
(8)
، وقال ابنُ جُرَيجٍ: لَقِيتُ الزُّهْرِيَّ فسألْتُه عنه، فقال: لا أعْرِفُه، ويُقوِّيهِ أنَّ الزُّهْرِيَّ قال بخلاف ذلك، قاله أحمد
(9)
.
(وَالْأَوَّلُ المَذْهَبُ)؛ لِمَا ذَكرْنا، وصَونًا لها عن مباشَرةِ ما يُشعِرُ بوَقاحَتِها
(10)
، ورُعونَتها، ومَيلِها إلى الرِّجال، فَوَجَبَ أنْ لا تُباشِرَ النِّكاحَ؛
(1)
ينظر: المغني 7/ 18.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 11.
(3)
أي: قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} .
(4)
في (ق): خطبة.
(5)
سيأتي لفظه قريبًا في كلام المصنف.
(6)
في (ظ): كابن.
(7)
ينظر: مسائل حرب 3/ 1258.
(8)
سبق تخريجه قريبًا 7/ 439 حاشية (5).
(9)
ينظر: مسائل حرب 3/ 1258.
(10)
قوله: (بوقاحتها) هو في (ق): بوفاء حقها.
تحصيلاً لذلك.
والجوابُ عن الآية تقدَّم، وهو جَوابُ البائنة
(1)
في أنَّها لا تَحِلُّ للأوَّل إلاَّ بَعْدَ نكاحٍ، وتَزويجه
(2)
أمُّ سَلَمةَ كان من خصائصه، كما لا تُشترَطُ الشَّهادةُ في حقِّه.
وحديثُ أبي موسى الصَّحيحُ المشهورُ عن إمامنا تصحيحُه، والحملُ على نفيِ الكمال خلافُ الظَّاهر.
وحديثُ عائشةَ، من رواية
(3)
سليمان بن موسى، وهو ثقةٌ كبيرٌ، قال التِّرمِذِيُّ: لم يتكلَّمْ فيه أحدٌ من المتقدِّمينَ إلاَّ البخاريُّ؛ لأِحاديثَ انْفَرَدَ بها، ومِثْلُ هذا لا يُرَدُّ به الحديثُ.
وقد ذكر جماعةٌ في قوله عليه السلام: «أيُّما امْرأةٍ
…
» إلى آخره: لا يجوز حملُه على المصير إلى البُطلان؛ لأِنَّ المجازَ من القول لا يجوز تأكيدُه، ذكره ابنُ قُتَيبةَ وغيرُه.
فعلى هذا: إذا تزوَّجت بغير إذْنِ وليِّها؛ فكفُضُولِيٍّ، فإنْ أبى فَسَخَه حاكِمٌ، نَصَّ عليه
(4)
.
فرعٌ: إذا حَكَمَ بصحَّة هذا العقدِ حاكِمٌ، أو كان المتولِّي له حاكِمًا؛ لم يَجُزْ نقْضُه؛ كسائر الأنكِحة الفاسدةِ.
وقيل: يُنقَضُ هنا، واختاره الإصْطَخْرِيُّ.
فإنْ وَطِئَ فيه؛ فلا حدَّ عليه في ظاهر كلام أحمدَ؛ لأِنَّه وَطْءٌ مختلَفٌ في حِلِّه.
(1)
في (ق): الثانية.
(2)
في (ظ): وتزويجها.
(3)
في (ظ): فرواته.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 212.
وقال ابنُ حامِدٍ: يَجِبُ؛ لأِنَّه وَطْءٌ في نكاحٍ منصوصٍ على بُطْلانِه.
(وَأَحَقُّ النَّاسِ بِنِكَاحِ الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ: أَبُوهَا) على المذهب؛ لقوله تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى} [الأنبيَاء: 90]؛ لأنَّ الولدَ مَوهوبٌ لأِبيه، وقال إبراهيمُ عليه السلام:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} [إبراهيم: 39]، وقال عليه السلام:«أنت ومالُكَ لِأَبيكَ»
(1)
، وإثْباتُ وِلايَةِ الموهوب له على الهِبة أَوْلَى من العكس؛ لأِنَّ الأبَ أكْمَلُ نَظَرًا، وأشدُّ شَفَقةً، بخلاف الميراث، بدليلِ أنَّه يجوز أنْ يَشتَرِيَ لها من ماله، وله من مالها.
وقِيلَ: يُقدَّمُ الاِبنُ عليه؛ كالميراث، وأخَذَه في «الانتصار» من نَقْلِ حنبلٍ: العَصَبةُ مَنْ أحْرَزَ المالَ
(2)
.
(ثُمَّ أَبُوهُ، وَإِنْ عَلَا) على الأَشْهَر؛ لأِنَّ الجَدَّ له إيلادٌ وتعصيبٌ، أشْبَهَ الأبَ.
(ثُمَّ ابْنُهَا، ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ نَزَلَ)؛ لِمَا تقدَّمَ في الميراث، وللابن ولايةٌ، نَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(3)
؛ لحديثِ أمِّ سلمةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أرسل إليها، فقالت: لَيسَ أحدٌ مِنْ أوْلِيائِي شاهِدًا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَيسَ أحَدٌ من أوْلِيائِكِ شاهِدٌ ولا غائبٌ يَكرَهُ ذلك» رواه أحمدُ والنَّسائيُّ
(4)
، فدلَّ على أنَّ لها وليًّا
(1)
أخرجه أحمد (6678)، وابن ماجه (2292)، بسند حسن من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، وتقدم تخريجه 3/ 389 حاشية (4).
(2)
ينظر: الفروع 8/ 217.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1498، الروايتين والوجهين 2/ 91.
(4)
أخرجه أحمد (26529)، والنسائي (3254)، وابن الجارود (706)، والطحاوي في شرح المشكل (5751)، وابن حبان (2949)، والحاكم (6759)، من طرق - في حديث طويل فيه قصة - عن ثابت البناني، حدّثني ابن عمر بن أبي سلمة، عن أبيه، عن أم سلمة رضي الله عنها فذكره. في سنده ضعف؛ فإنّ ابن عمر بن أبي سلمة المخزومي: لا يُعرف، كما قاله ابن القطّان والذهبيّ. وصحّح سنده ابن حجر مع أنه قال عن ابن عمر بن أبي سلمة هذا: مقبول. والحديث صحّحه الحاكم، وضعّفه ابن القطّان والألباني، قال الذهبيّ:(ومدار الحديث على ثابت البناني، عن ابن عمر، وفيه مقال لجهالته). وأصلُ القصّة في صحيح مسلم (918)، بدون زيادة:«يا عمرُ، قمْ فزوِّج رسولَ الله، فزوّجَه» . ينظر: بيان الوهم 2/ 361، ميزان الاعتدال 4/ 494، نصب الراية 4/ 92، الإصابة 8/ 405، الإرواء 6/ 219.
شاهِدًا؛ أي: حاضِرًا، ويَحتَمِلُ أنَّها ظنَّتْ أنَّه ابنُها عمرُ، ولا ولايةَ له؛ لأِنَّ وُجودَه كالعدم؛ لصِغَرِه، فإنَّه عليه السلام تزوَّجَها سنةَ أرْبَعٍ، وقال ابنُ الأثير: كان عُمْرُ عُمَرَ حِينَ وَفاتِه عليه السلام تِسْعَ سِنِينَ، وإنَّه وُلِدَ سنة اثْنَينِ من الهجرة
(1)
، وعلى هذا: يكونُ عمرُه حِينَ التَّزويج: سنَتَينِ.
(ثُمَّ أَخُوهَا لِأَبَوَيْهَا)؛ كالميراث، (ثُمَّ لِأَبِيهَا)، في روايةٍ اختارها أبو بكرٍ، وصحَّحها في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ كالإرث، وعلى استِحْقاقه بالولاء، وأنَّه
(2)
يُقدَّم الأخ من الأَبَوَينِ على الأخ من الأب.
وإنْ كان النِّساء لا مَدخَلَ لهنَّ فيه.
(وَعَنْهُ: تَقْدِيمُ الاِبْنِ عَلَى الْجَدِّ)، اخْتارَه الشِّيرازيُّ، وابنُ أبي موسى، والسَّامَرِّيُّ، وغيرُهم كالميراث.
وعنه على هذه: يُقدَّم الأخ على الجَدِّ؛ لإدْلائه بالبُنُوَّة.
وعَنْهُ: سَواءٌ؛ لاِمتياز كلِّ واحدٍ منهما بمُرجِّحٍ.
(وَالتَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْجَدِّ وَالْأَخِ)؛ لاِسْتِوائهما في الميراث والتَّعصيب، (وَبَيْنَ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ
(3)
وَالْأَخِ مِنَ الْأَبِ)، نَصَّ عَلَيهِ في روايةِ صالِحٍ وحَرْبٍ وأبي الحارث
(4)
، وهو المذهَبُ عند الخِرَقيِّ، والقاضي ومُعظَمِ أصحابه؛ لأنَّهما اسْتَوَيا في الجهة الَّتي تُستَفادُ
(5)
منها الولايةُ، وهي العُصوبة الَّتي من
(1)
ينظر: جامع الأصول 12/ 611.
(2)
في (ق): فإنه.
(3)
في (ق): من الأبوين.
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 331، الروايتين والوجهين 2/ 91.
(5)
في (ق): يستفاد.
جهة الأب، فاسْتَوَيا في النِّكاح؛ كما لو كانا من أبٍ.
وقرابةُ الأمِّ لا مَدخَلَ لها في النِّكاح.
(ثُمَّ بَنُو الْإِخْوَةِ وَإِنْ سَفَلُوا)؛ كالميراث، وعلى الثَّانية: ابنُ الأخ من الأب مُساوٍ لاِبنِ الأخ من الأَبَوَينِ.
(ثُمَّ العَمُّ، ثُمَّ ابْنُهُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
فإنْ كانا أبناءَ عمٍّ، أحدهما أخٌ لأِمٍّ؛ فقال القاضي وطائفةٌ: هما على ما تقدَّم من الخلاف في ابنيْ عمٍّ أحدهما من الأبَوَينِ والآخَرُ من الأب.
وقال المؤلِّفُ: هما سواءٌ؛ لأِنَّهما اسْتَوَيا في التَّعصيب والإرث به، وجهةُ الأمِّ يُورَثُ بها مُنفَرِدةً، ولا تَرجيحَ بها.
(ثُمَّ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنَ الْعَصَبَاتِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمِيرَاثِ)؛ لأِنَّ الوِلايةَ مَبْناها على النَّظَر والشَّفقة، ومَظِنَّةُ ذلك القرابةُ، والأحقُّ بالميراث هو الأقربُ، فيكونُ أحقَّ بالولاية، قال ابنُ هُبَيرةَ: اتَّفَقوا على أنَّ الولايةَ في النِّكاح لا تَثْبُتُ إلاَّ لِمَنْ يَرِثُ بالتَّعصيب، وعلى هذا: لا يلي بنو أبٍ أعلى مع بني أبٍ أقربَ منه، وإنْ نَزَلَتْ درجتُهم، وأَوْلَى ولدِ كلِّ أبٍ أقربُهم إليه، لا نَعلَمُ فيه خلافًا
(1)
.
(ثُمَّ الْمَوْلَى الْمُنْعِمُ)؛ أي: المعتِقُ، (ثُمَّ عَصَبَاتُهُ مِنْ بَعْدِهِ، الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ)؛ لأِنَّهم عَصَباتٌ، يَرِثون ويَعقِلونَ، فكذلك يُزوِّجون، وقُدِّم هنا المناسِبونَ كالميراث، فيُقدَّم ابنُ
(2)
المعتِق على أبيه؛ لأِنَّه إنَّما قُدِّم هناك لزيادة شَفَقَته وكمالِ نَظَرِه، وهنا النَّظَرُ لأِقربِ العصبة.
وقيل: يقدَّم أبوها على ابنها؛ كالأصل.
(1)
ينظر: المغني 7/ 16.
(2)
في (ق): الابن.
(ثُمَّ السُّلْطَانُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، وهو الإمامُ أوْ نائبُه، قال أحمدُ:(والقاضي أحبُّ إليَّ من الأمير في هذا)
(1)
انتهى، وظاهِرُه: ولو من بُغاةٍ
(2)
إذا استَولَوا على بلدٍ.
فإنْ عُدِمَ وكَّلَتْ، قاله في «الفروع» ، وهو ظاهر كلامهم، أنَّه لا ولايةَ لغَيرِ مَنْ ذُكِرَ، فيَدخُلُ فيه مَنْ أسْلَمَتْ على يَدَيهِ، فإنَّه لا يلي نكاحَها على الأشْهَرِ.
وفيه روايةٌ: كالإرث.
ولا والي البلد، وعنه: عند عدمِ القاضي، وحملها القاضي على أنَّه أذِنَ له في التَّزويج.
وذكر الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الجوازَ مطلَقًا؛ للضَّرورة
(3)
.
تنبيهٌ: إذا لم يكن للمرأة وليٌّ؛ فظاهر كلامهم: أنَّه لا بُدَّ منه مطلَقًا، قال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ في رجلٍ وامرأةٍ في سَفَرٍ، ليس معها وليٌّ ولا شُهودٌ: لا يجوز أنْ يتزوَّج بها، وإنْ خافَ الزِّنى بها.
وعنه: يُزوِّجها عَدلٌ بإذْنها، قال ابن عقيل: أخَذَ قَومٌ من أصحابنا على أنَّ النِّكاحَ لا يَقِفُ على وليٍّ، ونصوص أحمدَ تَمنَعُه، وأخذه المؤلِّفُ من دِهْقانِ القرية.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
: تزويجُ الأيامى فرضُ كفايةٍ، فإنْ أباه حاكِمٌ إلاَّ بظُلمٍ؛ كطَلَبه جُعْلاً لا يستحقُّه، صار وجودُه كالعدم، فقيل: تُوكِّل مَنْ يُزوِّجُها، وقيل: لا تتزوَّج، والصَّحيحُ ما نقل عن أحمد: يزوِّجها ذو السُّلطان في ذلك المكان؛ كالعَضْلِ.
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 228.
(2)
في (ق): ولو في معناه.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 32.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 218، الاختيارات ص 296.
(فَأَمَّا الْأَمَةُ) - حتَّى الآبِقةُ -؛ (فَوَلِيُّهَا سَيِّدُهَا) إذا كان من أهل الولاية، بغَيرِ خلافٍ نعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّه عَقْدٌ على منافعها، فكان إليه؛ كإجارتها، ولو مكاتَبًا أو فاسقًا، فإنْ كان لها سيِّدانِ؛ لم يَجُزْ إلاَّ بإذْنِهما.
(فَإِنْ كَانَتْ لاِمْرَأَةٍ؛ فَوَلِيُّهَا وَلِيُّ سَيِّدَتِهَا)، هذا هو المختارُ من الرِّوايات، صحَّحه القاضي، وقَطَعَ به أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ الأصلَ أن
(2)
الولاية لها؛ لأِنَّها مالُها، وإنَّما امتَنَعَتْ في حقِّها لاِنتفاء عبارتها في النِّكاح، وحِينَئِذٍ تثبُتُ لأِوليائها، يؤيِّدُه: ما احتجَّ به أحمدُ من حديث أبي هُرَيرةَ، قال:«لا تُنكِحُ المرأةُ نَفْسَها، ولا تُنكِحُ مَنْ سواها» ، ورُوِيَ عنه مرفوعًا بمَعناهُ، رواه ابن ماجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وصحَّحه
(3)
، والنَّهْيُ دليلُ الفسادِ، وهو قَولُ جُمْهورِ الصَّحابة
(4)
.
(وَلَا يُزَوِّجُهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا)؛ أيْ: شَرْطُه إذْنُها لوليِّها؛ لأِنَّ الأمةَ لها، والتَّصرُّفُ في مال الرَّشيدة لا يكون إلاَّ بإذنها.
(1)
ينظر: المغني 7/ 13.
(2)
في (ظ): في.
(3)
رواه هشام بن حسّان، واختلف عليه رفعًا ووقفًا: فأخرجه ابن ماجه (1882)، والبزار (10058)، والدارقطني (3535)، والبيهقي في الكبرى (13632)، من طرق عن هشام، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وخالفهم جمع، فأخرجه عبد الرزاق (10494)، والشافعي في مسنده (1138)، عن ابن عيينة، وابن أبي شيبة (15960) عن أبي أسامة حماد بن أسامة، ثلاثتهم - عبد الرزاق وابن عيينة وأبو أسامة - عن هشام بن حسّان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله عنه موقوفًا. وسنده صحيح. والحديث أعلّه مرفوعًا الذهلي وابن الجوزي وابن الملقن مرةً، ورجّح وقفه البيهقي وابن عبد الهادي، وقال:(وهو أشبه)، وصحّح رفعه الإشبيلي وابن الملقن تارة والألباني، وقال:(صحيح دون الجملة الأخيرة)، والتي هي:«فإنّ الزّانية هي التي تزوِّج نفسها» . ينظر: العلل للدارقطني 10/ 21، الأحكام الوسطى 3/ 141، التحقيق 2/ 258، تنقيح التحقيق 4/ 296، البدر المنير 7/ 562، تحفة المنهاج 2/ 364، الإرواء 6/ 248.
(4)
تقدم تخريج بعضها 7/ 438 حاشية (1).
فإنْ كانت سيِّدتُها غَيرَ رشيدةٍ، أوْ لغُلامٍ، أو مجنونٍ؛ فوليُّها مَنْ يَلِي مالَه؛ لأِنَّه تصرُّفٌ في نَفْعِها؛ كإجارتها.
ويُعتبَرُ في إذْنها: النُّطقُ وإنْ كانَتْ بِكْرًا، قالَهُ المؤلِّفُ وغَيرُه؛ إذ الصُّماتُ إنَّما اكْتُفِيَ به في تزويجها نفسَها؛ لِحَيائها، وهي لا تَستحيي مِنْ تزويجِ أَمَتِها.
وعَنْهُ: أيُّ رجلٍ أَذِنَتْ له سيِّدتُها من غَيرِ أنْ تُباشِرَه هي؛ لأِنَّ سببَ الولاية الملْكُ، وإنَّما امْتَنعت المباشَرةُ لِنَقْصِ الأنوثة، فَمَلَكَت التَّوكيلَ؛ كالمريض والغائب.
وعنه: تَعقِدُه هي، فعِبارتُها على هذه مُعتَبَرةٌ؛ بأنَّ
(1)
التَّزْويجَ على الملك لا يَحتاجُ إلى أهليَّةِ الولاية، بدليل تزويجِ الفاسق مملوكتَه.
فرعٌ: عتيقتُها كأَمَتها إنْ طَلَبَتْ وأَذِنَتْ، وقُلْنا: تَلِي عليها في روايةٍ.
ولو عَضَلت المولاةُ؛ زوَّج وليُّها، ففي إذْنِ سلطانٍ
(2)
وَجْهانِ، ويُجبِرُها مَنْ يُجبِرُ الموْلاةَ.
(وَيُشْتَرَطُ فِي الْوَلِيِّ: الْحُرِّيَّةُ)، فلا وِلايةَ لعبدٍ، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّه لا وِلايةَ له على نفسه، فعلى غيره أَوْلى.
وفي «الانتصار» وجْهٌ: يَلِي
(4)
على ابنته، ثُمَّ جوَّزه بإذْنِ سيِّده.
وفي «الروضة» : هل للعبد ولايةٌ على الحرَّة؟ فيه روايتانِ.
(وَالذُّكُورِيَّةُ)، فلا ولايةَ لاِمرأةٍ؛ لِعَدَمِ تزويجها نفسَها، وقد سبق.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 42، الإنصافس 20/ 159: لأن.
(2)
في (ق): السلطان.
(3)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 204.
(4)
في (ق): بلى.
(وَاتِّفَاقُ الدِّينِ)، ومَعْناهُ: أنْ يكونَ مسلِمًا إنْ كانت الزَّوجةُ مسلِمةً، والعَكْسُ بالعكس؛ إذ الكافِرُ لا ولايةَ له على المسلم في قول عامَّة العلماء؛ لقوله تعالى:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [التّوبَة: 71]، وحكاه ابنُ المنذر إجماعَ مَنْ يحفَظ عن
(1)
، قال أحمدُ:(بَلَغَنا أنَّ عليًّا أجاز نكاحَ أخٍ، وردَّ نكاحَ أبٍ، وكان نصرانيًّا)
(2)
، والمسلِمُ لا ولايةَ له على كافرةٍ
(3)
؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفَال: 73].
(وَالْعَقْلُ)، بغَيرِ خلافٍ
(4)
؛ لأِنَّ الولايةَ ثبتت نظرًا للمُولَّى عليه عند عَجْزه عن النَّظَر لنفسه، ومَنْ لا عَقْلَ له لا
(5)
يمكِنُه النَّظَرُ، ولا يَلِي على نفسه، فغَيرُه بطريقِ الأَوْلَى، وسواءٌ فيه الصَّغيرُ، ومَنْ ذَهَبَ عَقْلُه بجُنونٍ، أوْ كِبَرٍ كالشَّيخ الهمِّ
(6)
.
(1)
ينظر: الإجماع ص 78.
(2)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 151.
لم نقف على كون عليٍّ رضي الله عنه أجاز نكاح الأخ، وقد أخرج الدارقطني (3883)، عن أبي إسحاق الشيباني، عن بحرية بنت هانئ الأعور أنه سمعها تقول: زوَّجها أبوها رجلاً وهو نصراني، وزوَّجت نفسها القعقاع بن شور، فجاء أبوها إلى عليٍّ رضي الله عنه، فأرسل إليها، فارتفعوا إلى عليٍّ رضي الله عنه، فقال:«دخلت بها؟» قال: نعم. فأجاز نكاحها نفسها. أخرجه ابن أبي شيبة (15948)، والدارقطني (3882)، عن أبي إسحاق الشيباني، عن أمه بحرية بنت هانئ بن قبيصة باختصار. قال الدارقطني والبيهقي:(بحرية مجهولة).
وأخرج الدارقطني (3885)، والبيهقي في الخلافيات (4015)، عن شعبة، عن أبي إسحاق الشيباني: كانت فينا امرأة يقال لها: بحرية، زوجتها أمها، وكان أبوها غائبًا، فلما قدم أبوها أنكر ذلك، فرُفع ذلك إلى عليٍّ، فأجاز ذلك. وأخرج القصة الخلال في أحكام أهل الملل (426)، عن جعفر بن أبي وحشية مرسلاً.
(3)
في (ق): كافر.
(4)
ينظر: المغني 7/ 21.
(5)
قوله: (لا) سقط من (ق).
(6)
الهم: الكبير الفاني. ينظر: القاموس المحيط ص 1171.
فأمَّا المُغْمَى عليه، ومَنْ يُجَنُّ في بعض الأوقات؛ فلا تزولُ ولايتُهما على الأشْهَر؛ لأِنَّ المغْمَى عليه مدَّتُه يسيرةٌ؛ كالنَّوم، ولذلك لا تَثبُتُ الولايةُ عليه، ويَجوزُ
(1)
على الأنبياء عليهم السلام.
وفي «الفروع» : إنْ جُنَّ أحيانًا، أو أُغْمِيَ عليه، أوْ نَقَصَ عقلُه بنحوِ مَرَضٍ، أو أَحْرَمَ؛ انتُظِرَ، نقله ابنُ الحَكَم في مَجْنونٍ
(2)
.
(وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ وَعَدَالَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
ظاهِرُ المذهب: يُشترَطُ البلوغُ؛ لأِنَّ الولايةَ يُعتبَرُ لها كمالُ الحال، ومَنْ لم يَبلُغْ قاصِرٌ؛ لثُبوتِ الوِلاية عليه.
والثَّانيةُ: لَيسَ بشرطٍ، فعلى هذا: يُزوِّجُ ابنُ عَشْرٍ؛ لأِنَّه تَصِحُّ
(3)
وصيَّتُه وطَلاقُه، فتثبتُ
(4)
له الولايةُ كالبالغ.
وعنه: اثْنَتَيْ عشرةَ سنةً.
وأمَّا العدالةُ؛ فليست بشرطٍ في روايةٍ
(5)
، وهي ظاهِرُ
(6)
«الخِرَقِيِّ» ، فعليها: يُزَوِّجُ فاسِقٌ؛ لأِنَّه يلي نكاحَ نفسه، فغيره أَوْلَى.
والثَّانيةُ، وهي أَنَصُّهما: تُشترَطُ
(7)
، واختارها ابنُ أبي موسى، وابنُ حامِدٍ، والقاضي وأصحابُه؛ لِمَا رَوَى الشَّالَنْجِيُّ بإسْنادِه عن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن ابن عبَّاسٍ، قال:«لا نِكاحَ إلاَّ بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، أوْ سُلْطانٍ»
(8)
، وعن جابِرٍ
(1)
في (ق): وتجوز.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 217.
(3)
في (ق): يصح.
(4)
في (ق): فثبتت.
(5)
قوله: (في رواية) في (ق): رواية واحدة.
(6)
زيد في (ق): نقل.
(7)
في (ق): يشترط.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (10483)، وسعيد بن منصور (553)، وابن أبي شيبة (15923)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 235)، والبيهقي في الكبرى (13650)، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن سعيد بن جبير به. وإسناده جيد، وروي مرفوعًا، قال البيهقي:(والمحفوظ الموقوف).
معناه مرفوعًا رواه البَرْقانِيُّ
(1)
، ولأِنَّها إحْدَى الوِلايتَينِ، فَنَافَاهَا الفِسْقُ؛ كولاية المال.
وعليها: يُكتَفَى بمستورِ الحال على ما جزم به الشَّيخانِ، ويُستَثْنَى منه: السُّلطانُ الرَّشيدُ.
وحَكَى ابنُ حَمْدانَ ثالثةً: أنَّ الفاسِقَ يَلِي نكاحَ عَتِيقتِه فَقَطْ، كما قَبْلَ العتق.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (إذا قُلْنا: الولايةُ الشَّرطيَّةُ تَبْقَى
(2)
مع الفسق؛ فالولاية الشَّرعيَّةُ أَوْلَى)
(3)
، قال الزَّركشِيُّ: وفيه نَظَرٌ؛ إذ الولايةُ الشَّرطيَّة يُلحَظُ فيها حظُّ الموصِي ونَظَرُه، بخلافه هنا.
أصلٌ: يُشترَطُ فيه الرُّشْدُ؛ بأنْ يَعرِفَ مصالِحَ النِّكاح، ومعرفةِ الكُفؤِ، فلا يَضَعُها عِنْدَ مَنْ لا يَحفَظُها ولا يُكافِئُها.
وقال القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، وغيرُهما: يُشترَطُ معرفتُه بالمصالح، وهو أظْهَرُ
(4)
.
وفي «شرح المحرَّر» : هو ضِدُّ السَّفيه.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5564)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«لا نكاح إلاّ بولي، وشاهدي عدل» ، وفيه قطن بن نسير، بصريٌّ يسرق الحديث ويوصله. والحديث أخرجه ابن عبد الهادي في التنقيح (4/ 300)، من طريق البرقاني، وفي إسناده إضافةً إلى قطنٍ؛ محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو متروك. ينظر: الكامل 7/ 180، التحقيق 2/ 260، تاريخ الإسلام 4/ 207.
(2)
في (ق): تنفي.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 38.
(4)
في (ق): الصواب.
ولا يُشتَرَطُ نُطقُه إذا فُهِمَتْ إشارتُه، والأصحُّ: ولا بَصَرُه؛ لأِنَّ شُعَيبًا زوَّجَ ابْنَتَه وهو أعمى، ولحصول المقصود بالبحث والسَّماع.
(وَإِذَا كَانَ الْأَقْرَبُ طِفْلاً، أَوْ كَافِرًا، أَوْ عَبْدًا؛ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ) مِنْ عَصَبتها؛ لأِنَّ وجودَهم كالعدم.
وقوله: «طفلاً» يَحتَمِلُ أنْ يُريدَ به غَيرَ المميِّزِ، وهو ظاهر العُرْفِ، فَعَلَيهِ تَصِحُّ ولايةُ المميِّز، وهو إحْدَى الرِّوايَتَينِ تقييدًا بابنْ عَشْرٍ، أشْبَهَ البالِغَ، ويَحتَمِلُ أَنْ يُريدَ به غَيرَ البالِغِ، وهو ظاهِرُ كلامه؛ لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا
…
(59)} الآية [النُّور: 59].
(وَإِنْ عَضَلَ الْأَقْرَبُ)، فلم يُزوِّجْها بكُفؤٍ رَضِيَتْه، ورَغِبَ كلٌّ منهما في صاحبه بما صحَّ مَهْرًا؛ (زَوَّجَ الْأَبْعَدُ)، نَصَّ عليه
(1)
، كما لو جُنَّ، وحديثُ مَعقِلِ بنِ يَسارٍ شاهِدٌ بذلك، وفيه نزل قولُه تعالى: الآيةَ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ
…
(232)} الآية [البَقَرَة: 232]، قال:«وكفَّرْتُ عن يميني، وأنْكَحْتُها إيَّاهُ»
(2)
.
لكِنْ لو رَضِيَتْ بغَيرِ كُفؤٍ؛ كان للوليِّ مَنْعُها منه، فلو اخْتَلَفا في تَعْيِينِ الكُفؤ قُدِّمَ
(3)
تَعْيِينُها عليه، حتَّى إنَّه يُعضَّلُ بالمنْع ويُفسَّقُ به إنْ تكرَّرَ منه، ولم يَذكُر المؤلِّفُ التَّكرُّرَ
(4)
.
(1)
ينظر: مسائل صالح 3/ 38، مسائل ابن هانئ 1/ 204، زاد المسافر 3/ 197.
(2)
حديث مَعقل بن يسار رضي الله عنه تقدّم تخريجه 7/ 439 حاشية (1).
(3)
في (ظ): عدم.
(4)
كتب في هامش (ظ): (أي: إذا عضل من يلي أمرها بقرابة أو إعتاق، واحدًا كان أو جماعة، مستويين، والعضل ليس من الكبائر، وإنما يفسق به إذا عضل مرات، أقلها ثلاث، وهل المراد بالثلاث هنا هو الأنكحة، أو بالنسبة إلى عرض الحاكم وإن كان في نكاح واحد؟ فيه نظر، والأصح الثاني؛ لأنه نقص يقدح في الشهادة، فيمنع الولاية كالرق، فيزوج الأبعد، غير الإمام الأعظم، فلا يمنع فسقه ولايته؛ بناء على الصحيح من ألا ينعزل بالفسق ببناته وبنات غيره بالولاية العامة؛ تفخيمًا لشأنه).
(وَعَنْهُ: يُزَوِّجُ الْحَاكِمُ)، اختاره أبو بَكْرٍ؛ لقوله:«فإنِ اشْتَجَرُوا؛ فالسُّلطانُ وليُّ مَنْ لا وليَّ له»
(1)
، والحاكِمُ نائبٌ عنه، وكما لو كان عَلَيهِ دَينٌ وامْتَنَعَ من قضائه.
والأوَّلُ أصحُّ، والحديثُ المذكورُ لا حُجَّةَ فيه، والفَرْقُ بَينَ الولاية والدَّين من أوْجُهٍ:
أحدُها: أنَّ الولايةَ حقٌّ للمولى، والدَّينَ حقٌّ عَلَيهِ.
وثانِيهَا
(2)
: أنَّ الولايةَ تَنتَقِلُ عنه بفِسْقٍ ونحوِه، بخِلافِ الدَّين.
وثالثُها: أنَّ الولايةَ يُعتبَرُ في بقائها العدالةُ، وقد زالتْ بالعَضْلِ، والدَّينَ لا يُعتبَرُ فيه ذلك، نَعَمْ إذا اشْتَجَروا جميعًا؛ زوَّجَ الحاكِمُ.
(وَإِنْ غَابَ غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً؛ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ)؛ لأِنَّه قد تعذَّرَ التَّزويجُ من الأقرب، فوجب أنْ يَنتَقِلَ
(3)
إلى مَنْ يَلِيهِ؛ كما لو جُنَّ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لَيسَ فيه سَلْبُ الأقرب من الولاية، لكِنْ مُشتَرَكٌ بَينَهما، بدليلِ ما لو زوَّج الأقربُ الغائبُ في مكانه، أو وكَّل فيه، فإنَّه يَصِحُّ، وكذا لو وكَّل ثُمَّ غاب، بخلافِ ما لو وَكَّلَ ثُمَّ جُنَّ.
وفي «التَّعليق» : إذا زوَّج أوْ وَكَّلَ في الغَيبة؛ فالولايةُ باقيةٌ؛ لاِنْتِفاء الضَّرَر، وإلاَّ سَقَطَتْ، وحَكَى قَولاً كالأوَّل.
وذَكَرَ في «الاِنتِصارِ» وجهًا: لا تَنتَقِلُ ولايةُ مالٍ إليه بالغَيبة.
ويُسْتَثْنَى منه: ما لم تكُنْ أَمَةً، فيُزوِّجُها الحاكِمُ.
(1)
تقدّم تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
(2)
في (ق): وثانيهما.
(3)
في (ق): تنتقل.
(وَهِيَ: مَا لَا تُقْطَعُ إِلاَّ بِكُلْفَةٍ وَمَشَقَّةٍ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
، واختاره أبو بَكْرٍ والشَّيخانِ؛ لأِنَّ أهلَ العرف
(3)
يَعُدُّونَ ذلك مُضرًّا، قال المؤلِّفُ: وهذا القَولُ أقْرَبُ إلى الصَّواب، فإنَّ التَّحديدَ بابُه التَّوقِيفُ، ولا تَوقِيفَ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: مَا لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْكِتَابُ)؛ كَمَنْ هو في أقْصَى بلادِ الهند، (أَوْ يَصِلُ فَلَا يُجِيبُ عَنْهُ)، قد أَوْمَأَ أحمدُ إلى هذا في روايةِ الأثْرَمِ، قال: المنقَطِعُ الَّذي لا تَصِلُ إليه الأخبارُ
(4)
؛ لأِنَّ مِثْلَ ذلك تتعذَّرُ مُراجَعَتُه، فيَلْحَقُ الضَّرَرُ بانْتِظارِه.
(وَقَالَ الْقَاضِي) في «تعليقه» ، وأبو الخَطَّاب في «خِلافِه الصَّغيرِ» ، وهو رِوايةٌ:(مَا لَا تَقْطَعُهُ الْقَافِلَةُ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً)؛ كسَفَرِ الحِجاز؛ لأِنَّ الكُفُؤَ ينتَظرُ سنةً، ولا ينتَظرُ أكثرَ منها، فيَلْحَقُ الضَّرَرُ بتَرْكِ تَزْويجِها.
(وَعَنْ أَحْمَدَ: إِذَا كَانَ الْأَبُ بَعِيدَ السَّفَرِ؛ زَوَّجَ الْأَبْعَدُ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ)؛ لأِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَه بَعِيدًا، وعلَّق عليه رُخَصَ السَّفر.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب والمجْدُ روايةً: أنَّ الحاكِمَ يُزوِّجُ؛ كما في العَضْلِ؛ إذِ الأبْعَدُ مَحجُوبٌ بالأقْرَبِ، والوِلايةُ باقِيَةٌ، فقامَ
(5)
الحاكِمُ مَقامَه
(6)
فيها.
وقِيلَ: ما تَستَضِرُّ به الزَّوجةُ.
وقيل: فَوتُ كُفُؤٍ راغِبٍ.
ويَلحَقُ بذلك: ما لو تعذَّرَتْ مُراجَعَتُه؛ كأسيرٍ، أوْ لم يُعلَمْ مَكانُه، (أوْ
(1)
قوله: (في ظاهر كلامه) سقط من (ق).
(2)
ينظر: مسائل صالح 2/ 333.
(3)
في (ظ): العراق.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 58.
(5)
في (ق): مقام.
(6)
في (ق): بمقامه.
كان مجهولاً لا يُعلَمُ أنَّه عَصَبَةٌ ثمَّ عُلِمَ)، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
، أوْ زُوِّجَتْ بنتُ مُلاعَنَةٍ، ثُمَّ اسْتَلْحَقَها أبٌ؛ فكبعيدٍ.
وإنْ زوَّجَ الأبعدُ بدونِ ذلك؛ فكفُضولِيٍّ، وإنْ تَزَوَّج لغَيرِه؛ فقيلَ: لا يَصِحُّ كذمَّته، وقِيلَ: كفُضولِيٍّ.
ومَن تزوَّج أَمَةَ غَيرِه، فمَلَكها مَنْ يَحرُم
(2)
عليه، فأجازه؛ فوَجْهانِ. (وَلَا يَلِي كَافِرٌ نِكَاحَ مُسْلِمَةٍ بِحَالٍ)، حكاهُ ابنُ المنذِر إجْماعًا
(3)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النِّسَاء: 141].
(إِلاَّ إِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِهِ فِي وَجْهٍ)، وكذا مُكاتَبَتُه أوْ مُدبَّرتُه؛ لأِنَّها ملْكُه، أشْبَهَ المسلِمَ، وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ وابنُ رَزِينٍ: وبِنتُه.
والثَّاني: لا يَلِيهِ، وهو أَوْلى؛ للإجماع.
وعلى الأوَّل: هل يُباشِرُ تَزويجَ المسلِمِ، أو يُباشِرُه بإذْنه مسلِمٌ أو الحاكِمُ؟ فيه أَوجُهٌ.
(وَلَا يَلِي مُسْلِمٌ نِكَاحَ كَافِرَةٍ)؛ للنَّصِّ، ولأِنَّه لا يَرِثُ أحدُهما الآخرَ، ولا يَعقِلُ عنه، فلم يَلِهِ؛ كما لو كان أحدُهما رقيقًا.
(إِلاَّ سَيِّدَ الْأَمَةِ)، فله تزويجُها؛ لأِنَّها لا تَحِلُّ للمسلمين، (أَوْ وَلِيَّ سَيِّدَتِهَا)؛ لأِنَّها وِلايةٌ بالملك، ولأِنَّها تحتاجُ إلى التَّزويج، ولا وليَّ لها غَيرُ سيِّدها، (أَوِ السُّلْطَانَ)؛ لأِنَّ له الوِلايةَ على مَنْ لا وليَّ لها، وَوِلايَتُه عامَّةٌ على أهلِ دار الإسلام، فالكافِرةُ مِنْ أهل الدَّار، فتَثْبُتُ الوِلايةُ عليها كالمسْلِمة.
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 58.
(2)
في (ق): تحرم.
(3)
ينظر: الإجماع ص 78.
(وَيَلِي الذِّمِّيُّ نِكَاحَ مَوْلِيَّتِهِ الذِّمِّيَّةِ مِنَ الذِّمِّيِّ)؛ لأِنَّه مُساوٍ لها، فَوَلِيُّهُ كالمسلِم، ويُشترَطُ فيه الشُّروطُ المعتَبَرةُ، وعبَّر في «المحرر» و «الفروع»: بالكافِرِ.
(وَهَلْ يَلِيهِ مِنْ مُسْلِمٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَلِيهِ؛ للآية، والمساواة.
والثَّاني: لا يُزوِّجُها إلاَّ الحاكِمُ، قاله القاضي؛ لأِنَّ فيه صَغارًا على المسلم، وعلى هذا: لا يَلِي مالَها، قاله القاضِي.
وفي تعليقِ ابنِ المَنِّيِّ في وِلايةِ الفاسق: لا يَلِيهِ كافِرٌ إلاَّ عَدْلٌ في دينه، ولو سلَّمْنا، فلِئَلاَّ يُؤدِّي إلى القَدْح في نَسَبِ نَبِيٍّ أوْ ولِيٍّ، ويَدُلُّ عليه وِلايةُ المال.
(وَإِذَا زَوَّجَ الْأَبْعَدُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِلْأَقْرَبِ، أَوْ أَجْنَبِيٍّ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ)، نَصَّ عليه في مَواضِعَ، وهو الأصحُّ؛ لقَوله عليه السلام:«أيُّما امرْأةٍ» الخبرَ
(1)
، ولأِنَّه نكاحٌ لم تَثبُتْ أحكامُه من الطَّلاق والخُلْع والتَّوارث، فلم يَنعَقِدْ؛ كنكاحِ المعْتَدَّة.
(وَعَنْهُ: يَصِحُّ وَيَقِفُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَلِيِّ)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ جارِيةً بِكْرًا أتَت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَتْ أنَّ أباها زَوَّجَها وهي كارِهةٌ، فخَيَّرَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم» رواهُ أحمدُ وأبو داودَ، قال: وهو حديثٌ مُرسَلٌ، رواهُ النَّاسُ عن عِكْرَمَةَ، عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لم يَذكُرُوا ابنَ عبَّاسٍ
(2)
.
(1)
هو كما في الشرح الكبير 20/ 199: «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها، فنكاحها باطل» ، وتقدم تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
(2)
رواه أيوب السّختياني عن عكرمة، واختلف عليه وصلاً وإرسالاً: فأخرجه أحمد (2469)، وأبو داود (2096)، والنسائي في الكبرى (5366)، وابن ماجه (1875)، والدارقطني (3566)، عن جرير بن حازم، وأخرجه النسائي في الكبرى (5368)، وابن ماجه (1875)، والدارقطني (3568)، عن زيد بن حبان، كلاهما عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما. وسنده صحيح. وأخرجه الدارقطني (3569)، من طريق الثوري، عن أيوب، عن عكرمة عن ابن عباس، وذكر الدارقطني أن الصّحيح عن الثوري الإرسال. وخالفهم حماد بن زيد، أخرجه أبو داود (2097)، من طريق حماد، عن أيوب، عن عكرمة، مرسلاً. واختلف الأئمة، فرجّح الإرسالَ: أبو داود وأبو حاتم وأبو زرعة والدارقطني وابن عبد البر والبيهقي والألباني. وصحّح الوصلَ: ابن القطّان وابن القيم وابن حجر. والحديث رُوي من حديث جابر وابن عمر رضي الله عنهم مثل ذلك، وليس محفوظًا كما قاله ابن عبد البرّ وغيره. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 60، بيان الوهم 2/ 250، الاستذكار 4/ 404، التمهيد 19/ 100، نصب الراية 3/ 190، حاشية تهذيب السنن 6/ 85، صحيح سنن أبي داود 6/ 330.
وحِينَئِذٍ؛ فالشَّهادةُ تُعتَبَرُ حالةَ العَقْدِ؛ لأِنَّها شَرْطٌ له، فتُعتَبَرُ معه؛ كالقَبول، ولو كان في الصَّداق نَماءُ
(1)
ملْكِ؛ من حِينِ العَقْد، ولا تَوارُثَ قَبْلَ الإجازة.
وقِيلَ: إنْ كان ما لو رُفِعَ إلى الحاكِمِ أجازه؛ وَرِثَه الآخَرُ؛ لأِنَّه عَقْدٌ تَلزَمُه الإجازةُ، فهو كالصَّحيح.
فَرْعٌ: إذا زُوِّجتْ مَنْ يعتبر
(2)
إذنُها بغَيرِ إذنها، وقُلْنا: يَقِفُ على إجازتها؛ فهي بالنُّطق أو ما يَدُلُّ على الرِّضا، بِكْرًا كانَتْ أوْ ثَيِّبًا.
وقال ابن أبي موسى: إذا زَوَّجَ أجنبيَّةً ليس من العَصبات؛ بَطَلَ النِّكاحُ مِنْ أصْلِه، قَولاً واحِدًا.
(وَوَكِيلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا)؛ لتَوكيله عليه السلام أبا رافِعٍ في تزويجِ مَيمونةَ، وعَمْرَو بنَ أُمَيَّةَ في تزويجِ أمِّ حَبِيبةَ
(3)
، ولأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فصحَّ التَّوكيلُ فيه؛ كالبيع.
وَعَلَى هَذا: فلا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ الموكِّلُ حاضِرًا أوْ غائبًا، مُجبِرًا أوْ غَيرَ
(1)
لعلها في (ق): فما.
(2)
في (ظ): تعتبر.
(3)
كلاهما مرسلان ضعيفان، وتقدّم تخريجهما 5/ 558.
مُجبِرٍ، ولا يُعتبَرُ إذْنُها في التَّوكيل، سَواءٌ كان الموكِّلُ أبًا أوْ غَيرَه، ذَكَرَه في «المغْنِي» وغَيره.
وقِيلَ: لا يُوكِّلُ غَيرُ مُجبِرٍ بلا إذْنٍ، إلاَّ حاكِمٌ، وقِيلَ: ولا مجيز
(1)
، وخرَّجه القاضي على الخلاف في تَوكيل الوكيل، ولا خلافَ أنَّ الحاكِمَ يَملِكُه مطلَقًا.
ويجوز في تزويجِ معيَّنٍ، أو مَنْ شاء، أو مَنْ يرضاه. وقيل: يُمنَعُ من التَّوكيل المطلَق. وقيل: يعتَبرُ التَّعْيينُ لغَيرِ مُجبِرٍ. وقِيلَ: وله، فلو مَنَعَت الوليَّ من التَّوكيل امتَنَعَ، قاله في «التَّرغيب» .
وعلى الأشْهَرِ: يَثبُتُ للوكيل ما هو ثابِتٌ للمُوكِّلِ؛ لأِنَّه قائمٌ مَقامَه، ومَنْ لم تَثبُتُ له الوِلايةُ؛ لا يَصِحُّ تَوكيلُه.
وقِيل: يصحُّ توكيلُ العبد ونحوه؛ لأِنَّهم من أهل القرابة، بدليل قَبولهم النِّكاح لأنفسهم.
فإنْ وكَّل الزَّوجُ في قَبول النِّكاح؛ صحَّ، وقِيلَ: لا؛ كالإيجاب.
وبالجملة: يتقيَّد وكيلٌ أوْ وليٌّ مطلَقٌ بالكُفُؤِ إن اشْترِطَ، ذَكره في «الترغيب» .
ولَيسَ لوكيلٍ أنْ يتزوَّجها لنفسه.
ويَصِحُّ توكيلُه مطلَقًا؛ ك «زَوِّجْ مَنْ شِئْتَ» ، ومقيَّدًا؛ ك «زَوِّجْ فُلانًا بعَينه» .
(وَوَصِيُّهُ فِي النِّكَاحِ بِمَنْزِلَتِهِ) على المذهب؛ لأِنَّها وِلايةٌ ثابِتةٌ، فجازت الوصيَّةُ بها؛ كولاية المال، ولأنَّ له أنْ يَستَنِيبَ في حياته، فكذا بعدَ مماته؛ كالمال، فعلى هذا: يُجبِر مَنْ يُجبِرُه مِنْ ذَكَرٍ أو أنثى.
(وَعَنْهُ: لَا تُسْتَفَادُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ بِالوَصِيَّةِ)، اختاره أبو بكرٍ وغَيرُه؛ لأِنَّها
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 223 والإنصاف 20/ 205: ولا مجبر.
وِلايةٌ تَنتَقِلُ إلى غيره شَرْعًا، فلم يَجُزْ أنْ يُوصِيَ بها؛ كالحضانة، يُحقِّقه: أنَّه لا ضَرَرَ على الوصيِّ في وَضْعِها عندَ غيرِ كُفْئِها، فهو كالأجنبيِّ، وكولاية الحاكم.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا يَصِحُّ، إِلاَّ أَنْ لا
(1)
يَكُونَ لَهَا عَصَبَةٌ)، هذا روايةٌ حكاها القاضي في «الجامع الكبير» والحُلْوانيُّ؛ لأِنَّه إنْ كان عصبةٌ؛ لم يَستقِرَّ
(2)
؛ حذارًا من إسقاط حقِّهم، وإلاَّ اسْتُفِيدَتْ؛ لعدَمِ ذلك.
والأوَّلُ هو المنصورُ عند جمهور الأصحاب، فعلى هذا: تجوزُ الوصيَّةُ بالنِّكاح من كلِّ ذي وِلايةٍ.
وهل للوصيِّ الوصيَّةُ بها، أو يُوكِّلُ؟ فيه رِوايتانِ، ظاهِرُ المذهب: جوازُه، ذَكَرَه في «النَّوادر» .
وظاهره: أنَّ له تزويجَ صغيرٍ بوصيَّةٍ؛ كصغيرةٍ، وفي «الخِرَقِيِّ»: أو وصيٌّ ناظِرٌ له في التَّزويج، وظاهر كلام القاضي و «المحرَّر»: الوصيُّ مطلَقًا، وجزم به الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
، وأنَّ وَصِيَّ المال يُزوِّج الصَّغيرَ؛ لأِنَّه يَلِي مالَه، أشْبَهَ الأبَ، وخُرِّج منه: أنَّ الجَدَّ يُزوِّجُ الصَّغيرَ إنْ قُلْنا: يَلِي مالَه، والأوَّلُ أظْهَرُ، كما لا يُزوِّجُ الصَّغيرةَ.
(وَإِذَا اسْتَوَى الْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّرَجَةِ)؛ كالإخْوة أوْ بَنِيهم؛ (صَحَّ التَّزْوِيجُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ)، إذا أَذِنَتْ لكلٍّ منهم؛ لأِنَّ سَبَبَ الوِلاية مَوجودة في كلِّ واحدٍ منهم.
(وَالْأَوْلَى: تَقْدِيمُ أَفْضَلِهِمْ)؛ لأِنَّه أكملُ من المفضول، (ثُمَّ أَسَنُّهُمْ)؛ لقَوله عليه السلام في حديثِ حُوَيِّصةَ ومُحَيِّصةَ، لَمَّا تكلَّم عبدُ الرَّحمن وكان أصغرَهم:
(1)
قوله: (لا) سقطت من (ظ).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 100: لم تستفد.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 226.
«كَبِّرْ كَبِّرْ» ؛ أيْ: يُقدَّمُ الأكبرُ، فتكلَّم حُوَيِّصةُ
(1)
، (وَإِنْ تَشَاحُّوا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ)؛ لأِنَّهم تَساوَوْا في الحقِّ، فلُجِئَ إلى القُرعة؛ كالمرأتَينِ في السَّفر.
وفي مختصَرِ ابنِ رَزِين: يُقدَّمُ أعْلَمُ، ثُمَّ أسنُّ، ثُمَّ أفضلُ، ثُمَّ يُقرَعُ.
(فَإِنْ سَبَقَ غَيْرُ مَنْ وَقَعَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ، فَزَوَّجَ، صَحَّ فِي أَقْوَى الْوَجْهَيْنِ)، صحَّحه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لأِنَّه تزويجٌ صَدَرَ من وليٍّ كامِلِ الوِلاية؛ كالمنفَرِد، وإنَّما القُرعةُ لإزالةِ المشاحَّة.
والثَّاني: لا يَصِحُّ
(2)
؛ لأِنَّه بالقُرعة صار أَوْلَى، فلم يَصِحَّ؛ كالأبْعَدِ مع الأقرب.
أمَّا إذا أذِنَتْ لواحِدٍ؛ فإنَّه يتعيَّنُ، ولا يُعدَلُ عنه.
(وَإِنْ زَوَّجَ اثْنَانِ) لاِثنَينِ بإذنها، وعُلِمَ السَّابِقُ؛ فالنِّكاحُ له في قَولِ أكثرِهم؛ لِمَا رَوَى الحَسَنُ عن سَمُرةَ مرفوعًا، قال:«أيُّما امْرأةٍ زوَّجَها وَلِيَّانِ؛ فهي للأوَّل منهما» رواه الخمسةُ، وحسَّنه التِّرمِذِيُّ
(3)
، ورُوِيَ عن عليٍّ أنَّه قال
(4)
.
(1)
أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669)، من حديث سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه.
(2)
في (ظ): لا تصح.
(3)
أخرجه أحمد (20085)، وأبو داود (2088)، والترمذي (1110)، والنسائي (4682)، وابن ماجه (2190)، وابن الجارود (622)، والحاكم (2254)، من طرق عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب رضي الله عنه. والحسن البصريّ مدلِّس، وقد عنعنَ، وفي سماعه من سمرة خلاف مشهور. والحديث حسّنه الترمذي، وصحّحه ابن الجارود والحاكم وأبو حاتم وأبو زرعة، وجوّده ابن الملقن، وضعفه الألباني، قال ابن حجر:(وصحته متوقِّفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة، فإنّ رجاله ثقات)، وتعقّبه الألباني فقال:(بل صحته متوقفة على تصريح الحسن بالتحديث؛ فإنه كان يدلِّس، كما ذكره الحافظ نفسه في ترجمته من "التقريب" فلا يكفي والحالة هذه ثبوت سماعه من سمرة في الجملة، بل لابدّ من ثبوت خصوص سماعه في هذا الحديث كما هو ظاهر). ينظر: العلل لابن أبي حاتم 4/ 9، البدر المنير 7/ 589، التلخيص الحبير 3/ 339، الإرواء 6/ 254، ضعيف أبي داود - الأم 2/ 206.
(4)
كذا في النسخ الخطية، ولعل فيه سقطًا، فإن الذي في الشرح الكبير 20/ 216 بعد حديث سمرة:(ورُوي نحو ذلك عن عليٍّ، وشُريح، ولأن الثاني تزوج امرأة في عصمة زوج، فكان باطلاً كما لو علم الحال .... فصل: فإن دخل بها الثاني وهو لا يَعلم أنها ذات زوج، فُرِّق بينهما، وكان لها عليه مهر مثلها).
وأثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (15995)، عن إبراهيم:«أن امرأةً زوَّجها وليٌّ لها بالكوفة عبيدَ الله، وزوَّجها بالشام رجلٌ آخر قبل عبيد الله، فقدم الرجل، فخاصم عبيد الله إلى عليٍّ؛ فقضى بها للأول بعدما وارث الآخر» ، مرسل جيد، إبراهيم لم يدرك عليًّا. وأخرجه البيهقي في الكبرى (13809)، عن قتادة، عن خلاس نحوه، وخلاس لم يسمع عليًّا.
وأخرجه محمد بن الحسن في الأصل (8/ 117)، عن الشعبي عن علي نحوه، وفيه ابن أبي ليلى. وأخرج نحوه عبد الرزاق (10626)، ومجموع الطرق تدل على ثبوت القصة.
إنْ دَخَلَ بها الثَّاني، وهو لا يَعلَمُ أنَّها ذاتُ زَوجٍ، فُرِّقَ بَينَهما بغَيرِ طلاقٍ
(1)
.
ولها عَلَيهِ مَهْرُ مِثْلِها، اختاره الخِرَقِيُّ، وهو الصَّحيحُ، وقال أبو بكرٍ: لها المسمَّى، قال القاضي: هو قِياسُ المذهب، ولم يُصِبْها زَوجُها حتَّى تعتدَّ من الثَّاني، وإنْ أتَتْ بوَلَدٍ منه لَحِقَ به.
(وَ) إِنْ
(2)
(لَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ)؛ أي: جُهِلَ السَّابِقُ منهما؛ (فُسِخَ النِّكَاحَانِ)؛ أيْ: فَسَخُهما حاكِمٌ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما يَحتَمِلُ أنْ يكونَ نكاحُه هو الصَّحيحَ، والجَمْعُ مُتعذِّرٌ، فلُجِئ
(3)
إلى الفسخ لإزالة الزوجيَّة.
وقال ابنُ عَقِيلٍ والسَّامَرِّيُّ: للزَّوجَينِ الفَسْخُ، ولعلَّه يُريدونَ بإذْنِه.
وقال أبو بكرٍ: يُطلِّقانِها.
ونصُّه: لها نِصفُ المهْر، يَقتَرِعانِ عليه في الأَشْهَرِ
(4)
.
(1)
في (ق): بغير خلاف.
(2)
في (ظ): فإن.
(3)
في (ظ): يلي.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 98، المغني 7/ 62.
وعنه: النِّكاحُ مَفْسوخٌ، ذَكَرَه في «النَّوادِر» ، وقدَّمه في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّه تعذَّرَ إمْضاؤهما.
وتتزوَّجُ مَنْ شاءَتْ منهما، أو مِنْ غَيرِهما.
(وَعَنْهُ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّها تُزيلُ الإبْهامَ، (فَمَنْ قَرَعَ؛ أُمِرَ الآْخَرُ بِالطَّلَاقِ
(1)
، ثُمَّ يُجَدِّدُ الْقَارِعُ نِكَاحَهُ) بإذْنِها؛ لأِنَّها إنْ كانَتْ زَوجَتَه؛ لم يَضرُّه ذلك، وإلاَّ قد صارتْ له بالتَّجديد.
وعنه: تكونُ
(2)
لِمَنْ تَخرُج له القُرعةُ، اختاره أبو بكرٍ والنَّجَّادُ، ونَقَلَه ابنُ منصورٍ
(3)
.
والأصحُّ: أنَّه يُعتبَرُ طلاقُ الآخَرِ لها، فإنْ أبى؛ طَلَّق الحاكِمُ عليه.
وقِيلَ: إنْ جُهِلَ وقوعُهما معًا؛ بطَلَا؛ كالعِلْم به، وإنْ عُلِمَ سَبْقُه ونُسِيَ؛ فقيل: كجَهْله، وقال أبو بكرٍ: يَقِفُ لِيُعلَمَ.
وإنْ أقَّرَتْ لِأَحدِهما بالسَّبق؛ لم يُقبَلْ على الأصحِّ، وإن
(4)
ادَّعَى عِلْمَها
(5)
بالسَّبق، فأنْكَرَتْ؛ لم تُستَحْلَفْ
(6)
.
أَصْلٌ: إذا ماتَتْ؛ فلأِحدِهما نصفُ مِيراثها بقُرعةٍ من غَيرِ يَمِينٍ، وإنْ ماتَ الزَّوجانِ؛ فإنْ كانَتْ أقرَّتْ بالسَّبق لأِحدِهما؛ فلا مِيراثَ لها من الآخَرِ، وهِيَ تَدَّعِي مِيراثَها مَمَّنْ أقرَّتْ له، فإنْ كان ادَّعَى ذلك أيضًا؛ دُفِعَ إليها، وإلاَّ فلا إنْ أنْكرَ الورثةُ، وإنْ لم تكُنْ أقرَّتْ بالسَّبق؛ فلَها مِيراثُ أحدِهما بقُرعةٍ.
(1)
في (ق): بالبطلان.
(2)
في (ق): يكون.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1488.
(4)
في (ق): فإن.
(5)
في (ق): علمهما.
(6)
في (ق): لم يستحلف.
مسألةٌ: يُقدَّمُ أصلحُ الخاطِبين مطلَقًا، نَقَلَه ابنُ هانِئٍ
(1)
، وفي «النَّوادر»: يَنبَغِي أنْ يَختارَ لمَوْلِيَّتِه شابًّا حَسَنَ الصُّورة.
(وَإِذَا زَوَّجَ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ مِنْ أَمَتِهِ)، أوْ بِبنتِه، أوْ زوَّج ابنَه بِبِنتِ أخيه، أوْ زوَّج وصِيٌّ في نكاحٍ صغيرًا بصغيرةٍ تحتَ حِجْره؛ (جَازَ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ) في قَولهم جميعًا؛ لأِنَّه مَلَكَه بحُكْم الملك أو الوِلاية.
(وَكَذَلِكَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ، مِثْلُ: ابْنِ الْعَمِّ، وَالْمَوْلَى، وَالْحَاكِمِ، إِذَا أَذِنَتْ لَهُ فِي نِكَاحِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيِ الْعَقْدِ)؛ لقَولِ عبدِ الرَّحمن بنِ عَوفٍ لِأُمِّ حَكيمٍ بنتِ قارِظٍ: «أتَجْعَلِينَ أمْرَكِ إليَّ؟ قالت: نَعَمْ، قال: قد تَزَوَّجْتُكِ» رواه البخاريُ تعليقًا
(2)
، ولأِنَّه عَقْدٌ وُجِدَ فيه الإيجابُ والقَبولُ، فصحَّ؛ كما لو كانا من رجلَينِ، وكما لو زوَّج عبدَه بأَمَتِه.
والأَشْهَرُ: أنَّه يَكفِي الإيجابُ، فيقولُ: زوَّجتُ فلانًا فلانةَ، أوْ تزوَّجْتُها إنْ كان هو الزَّوجَ؛ لِفِعْلِ عبدِ الرحمن. وقِيلَ: يُعتبَرُ معه القَبولُ. وقِيلَ: يوليه
(3)
طَرَفَيهِ تَختَصُّ بمجْبِرٍ.
(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُوَكِّلَ غَيْرَه فِي الطَّرَفِ الآْخَرِ)، نَقَلَها ابنُ منصورٍ
(4)
؛ لأِنَّ «المغِيرةَ بن شعبةَ خَطَبَ امرأةً هو أَوْلَى النَّاس بها، فأمر رجلاً فزوَّجه» رواه البخاري تعليقًا
(5)
، ولأِنَّه عَقْدٌ مَلَكَه بالإذن، فلم يَجُزْ أنْ يَتَوَلَّى طَرَفَيهِ؛
(1)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 179.
(2)
علقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 16)، ووصله ابن سعد في الطبقات (8/ 472)، قال الألباني في الإرواء 6/ 256:(إسناده صحيح).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 228: تولية.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1495.
(5)
علقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 16)، ووصله عبد الرزاق (10502)، والبيهقي في الخلافيات (4085)، عن عبد الملك بن عمير به. وأخرجه سعيد بن منصور (549)، عن الشعبي بنحوه. وصححه الألباني في الإرواء 6/ 256.
كالبيع، وبهذا فارَقَ ما إذا زوَّج أمَتَه بعبده الصَّغير.
وعلى هذه: إنْ وَكَّلَ مَنْ يَقبَلُ له النِّكاحَ، وتولَّى هو الإيجابَ؛ جاز، كالإمام الأعظم.
أو وكَّله الوليُّ في الإيجاب، والزَّوج في القَبول؛ فوجهان.
وعلى الأُولى: إلاَّ بنتَ عمِّه وعتيقتَهُ المجنونتَينِ، فيُشتَرَط وليٌّ غَيرُه أوْ حاكِمٌ.
مسألةٌ: إذا أذِنَتْ له في تزويجها، ولم تعيِّن الزَّوجَ؛ لم يَجُزْ أنْ يُزوِّجَها نفسَه؛ لأِنَّ إطلاقَ الإذْنِ يَقتَضِي تزويجَها غَيرَه؛ كولده مثلاً، فإنْ كان الاِبنُ كبيرًا قَبِلَ لنفسه، وإنْ كان صغيرًا؛ فالخِلافُ في تولِّي طَرَفَي العَقْدِ.
(وَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ لِأَمَتِهِ) بحضرةِ شاهِدَينِ، نَصَّ عليه
(1)
: (أَعْتَقْتُكِ، وَجَعَلْتُ عِتْقَكِ صَدَاقَكِ؛ صَحَّ) العتقُ والنِّكاحُ، نَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(2)
، وهو المذْهَبُ؛ لِمَا رَوَى أنسٌ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعْتَقَ صفيَّةَ وتزوَّجها» ، فقال له ثابِتٌ: ما أصْدَقَها؛ قال: «نفسَها، أعْتَقَها وتزوَّجها» متَّفَقٌ عليه، وفي لَفْظِ للبخاريِّ
(3)
(4)
، ولم يُنقَلْ أنَّه عليه السلام اسْتأْنَفَ عَقْدًا، ومتى ثبت العتقُ صداقًا ثبت النِّكاحُ، إذ الصَّداقُ لا يتقدَّم عليه، ورواه
(5)
الأثرم عن عليٍّ
(6)
،
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 227.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 228، مسائل ابن منصور 4/ 1936.
(3)
في (ق): البخاري.
(4)
أخرجه البخاري (4200)، ومسلم (1365)، من حديث أنس رضي الله عنه.
(5)
في (ق): وفي رواية.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (16149، 36175)، عن حاتم بن إسماعيل، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، قال: قال علي: «إن شاء أعتق الرجل أم ولده وجعل عتقها مهرها» ، وجعله مرة من فعل عليٍّ رضي الله عنه لا من قوله. وهو منقطع، وحاتم بن إسماعيل ثقة، إلا أن روايته عن جعفر تكلم فيها ابن المديني.
وأخرج عبد الرزاق (13114)، عن الحارث، عن علي في الرجل يُعتق جاريته، ثم يتزوجها، ويجعل عتقها صداقها، قال:«له أجران اثنان» ، والحارث الأعور ضعيف.
وفَعَلَه أنَسٌ
(1)
، ولأِنَّ منفعةَ البُضْع إحدى المنفعتَينِ، فجاز أنْ يكونَ العتقُ عِوَضًا عنه، دليلُه منفعةُ الخدمة، كقوله: أعتقتُكِ على خِدمةِ سنةٍ.
لا يُقال: هذا من خصائصه، إذْ مِنْ خصائصه النِّكاحُ بغَيرِ مَهْرٍ ولا شهودٍ؛ لأِنَّا نقول: الغَرَضُ
(2)
أنَّه عليه السلام عَقَدَ بمَهْرٍ
(3)
وإذْنٍ، فحُكْمُ أُمَّتِه حكمُه في صفيَّةَ
(4)
.
ومِثله: جعلتُ عِتْقَ أَمَتِي صداقَها، أو عكس، أو: على أنَّ عِتْقَها صداقُها، أو: على أنْ أتزوَّجك وعِتْقِي صداقُك.
وقال ابن حامِدٍ: يُشترَط مع قوله: وتزوَّجْتُها.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَط قَبولُ الأَمَة، نَصَّ عليه
(5)
، وأنْ يكونَ متَّصِلاً، وأنْ يَقصِدَ بالعتق جَعْلَه صداقًا.
تنبيهٌ: أُورِدَ على القاضي إذا قال: جَعَلْتُ عتقَ أَمَتِي صداقَ ابنَتِك؛ لا يَصِحُّ النِّكاحُ، فكذا في نفسه، فأجاب: لا يَصِحُّ؛ لتقدُّم القَبول على الإيجاب، فلو قال الأبُ ابتداءً: زوجتُك ابنتِي على عِتْقِ أمتِكَ، فقال: قَبِلْتُ؛ لم يَمتَنِعْ أنْ يَصِحَّ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إذا قال: زوَّجتُ أَمَتِي من فُلانٍ، وجَعلْتُ عتْقَها
(1)
لم نقف عليه مسندًا، وذكره ابن حزم في المحلى 9/ 107، وابن القيم في زاد المعاد 5/ 142.
(2)
في (ق): العرض.
(3)
في (ق): بمميز.
(4)
في (ق): صفته.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 126.
صداقَها، قياسُ المذهب: صحَّتُه؛ لأِنَّهم قالوا: الوقت الذي جَعَلَ العِتْقَ صداقًا كان يَملِكُ إجْبارَها في حقِّ الأجنبيِّ
(1)
.
(فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ قِيمَتِهَا)، نَصَّ عليه
(2)
؛ إذ التَّسميةُ صحيحةٌ، وذلك يُوجِبُ الرُّجوعَ في نصفها كغيرها، ولَمَّا لم يكُنْ سبيلٌ إلى الرُّجوع في الرِّقِّ بَعْدَ زواله؛ رَجَعَ في بَدَلِه، وهو القيمةُ، وهي معتبَرَةٌ يومَ عِتْقه.
فإنْ لم يَقدِرْ؛ فهل يَنتَظِرُ القُدْرةَ أوْ يُسْتَسْعَى؟ فيه رِوايتانِ مَنصوصَتانِ
(3)
، قال القاضي: أصْلُهما: المفلِسُ إذا كان له حِرفةٌ، هل يُجبَرُ على الاكتساب؟ على روايتَينِ.
(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ نِكَاحَهَا بِإِذْنِهَا)، نَقَلَ المرُّوذِيُّ: أنَّه يُوَكِّلُ رجلاً
(4)
، فأَخَذَ القاضِي وأتْباعُه من ذلك روايةً: أنَّ النِّكاحَ لا يَصِحُّ بهذا اللَّفظ، واخْتارَه القاضِي في «خلافه» ، وأبو الخَطَّاب، وابنُ عَقِيلٍ، وزَعَمَ أنَّه الأشْبَهُ بالمذهب؛ إذ بالعتق تَملِكُ نفْسَها، فيُعتَبَرُ رِضاها؛ كما لو فَصَل بَينَهما، ولأِنَّه لم يُوجَدْ إيجابٌ ولا قَبولٌ، وهما رُكْناهُ، ولا يَصِحُّ إلاَّ بهما، ولأِنَّ العِتْقَ لَيسَ بمالٍ ولا يَجُرَّه
(5)
، أشْبَهَ رَقبةَ الحُرِّ.
وتورَّع ابنُ أبي مُوسَى من حكايةِ روايةٍ بعدَمِ الصِّحَّة، وجَعَلَ الرِّوايةَ: أنَّه يُستَأْنَفُ العَقْدُ عليها بإذْنِه بِدونِ رضاها؛ إذ العتقُ وَقَعَ على هذا الشَّرط.
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 127.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 245.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 245.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 244.
(5)
في (ق): بحرة، والذي في شرح الزركشي 5/ 125: ولا يجبر به مال. وفي بعض نسخه الخطية: ولا يجب به.
وأُجِيبَ عن ملْكِها نَفْسَها: بأنَّ الكلامَ المتَّصِلَ لا يَثبُتُ له حكمُ الانفصال قَبْلَ تمامه، فلم يَستَقِرَّ ملْكُها على نفسها إلاَّ بَعْدَ النِّكاح، والسَّيِّد كان يَمْلِكُ إجبارَها على النِّكاح في حقِّ الأجنبيِّ، فكذا في حقِّ نَفْسِه.
وعن فقد الإيجاب والقَبول: بأنَّ العتقَ لَمَّا خَرَجَ مَخرَجَ الصَّداق؛ صار الإيجابُ كالمضمَر فيه، والقابِلُ
(1)
هو الموجِبُ، فلا يَحتاجُ إلى الجمع بَينَهما.
وعن العتق ليس بمالٍ: بأنَّه
(2)
يترتَّب عليه حصولُ مالٍ، وهو تمليكُ الرَّقيق مَنافِعَ نفسه، وهو المقصودُ.
(فَإِنْ أَبَتْ ذَلِكَ؛ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا)؛ لأِنَّه أزال ملكَه بعِوَضٍ لم يسلَّم له، فَرَجَعَ إلى القيمة؛ كالبيع الفاسِدِ.
فَرْعٌ: إذا ارْتَدَّتْ، أوْ فَعَلَتْ ما يُفسَخُ به نكاحُها قَبْلَ الدُّخول؛ رَجَعَ عَلَيها بجميعِ قيمتِها.
وعلى الثَّانية: يستأنِفُ
(3)
نكاحَها بإذْنِها.
وعلى قولِ ابنِ أبي موسى: لا يعتَبَرُ إذنُها، ومهرُها العتقُ.
فعلى مُختارِ القاضي: إن امْتَنَعَتْ؛ لَزِمَها قِيمةُ نفسِها.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه لا يَلزَمُها شَيءٌ إذا لم يَلزَمْ بالنِّكاح، ولم ترْضَ
(4)
بالشُّروط
(5)
؛ كما لو أعْتَقَها على ألْفٍ فلم تَقْبَلْ، بل أَوْلَى
(6)
.
(1)
في (ق): والقائل.
(2)
في (ق): فإنه.
(3)
في (ق): تستأنف.
(4)
في (ظ): يرضى.
(5)
في (ق): بالشهود. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي.
(6)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 127.
(فَصْلٌ)
(الرَّابِعُ: الشَّهَادَةُ)، وهي من الشُّروط لصحَّته، نَصَّ عليه
(1)
، واختاره الأصحابُ، وقاله عمرُ
(2)
، وعليٌّ
(3)
، وابنُ عبَّاسٍ
(4)
؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ مرفوعًا، قال:«لا نكاحَ إلاَّ بوليٍّ، وشاهِدَيْ عَدْلٍ» رواه ابنُ حِبَّانَ وصحَّحه، وفي بعض طُرقه: «أيُّما امرأةٍ نَكحَتْ نفْسَها بغَيرِ إذْنِ وليِّها وشاهدي عدل
(5)
؛ فنكاحُها باطِلٌ»، ذَكرَه الدَّارَقُطْنِيُّ عن يونسَ، عن ابن جُرَيجٍ، عن سليمانَ بنِ موسى، عن الزَّهريِّ، عن عُروةَ عنها مرفوعًا
(6)
، وعن ابن عبَّاسٍ قال:
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 360، مسائل أبي داود ص 228، مسائل ابن هانئ 1/ 195.
(2)
أخرجه النيسابوري في الزيادات (417)، والبيهقي في الكبرى (13727)، عن قتادة، عن الحسن وسعيد بن المسيب، أن عمر رضي الله عنه قال:«لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» ، قال البيهقي:(هذا إسناد صحيح، وابن المسيب كان يقال له راوية عمر)، وتعقبه ابن التركماني في الجوهر النقي 7/ 126 بما لم يُصِب فيه.
(3)
في (ق): علي وعمر.
وأثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في الكبرى (13645)، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه قال:«لا نكاح إلا بولي، ولا نكاح إلا بشهود» ، والحارث الأعور ضعيف.
(4)
أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 235)، والبيهقي في الكبرى (13650)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لا نكاح إلا بولي مرشد، وشاهدي عدل» ، وإسناده جيد.
(5)
قوله: (وشاهدي عدل) سقط من (ظ).
(6)
حديث عائشة رضي الله عنها تقدَّم تخريجه 7/ 437 حاشية (3)، وفي بعض طرقه ذكر الشاهدين، أخرجه كذلك ابن حبان (4075)، من طريق حفص بن غياث، والدارقطني (3533)، من طريق عيسى بن يونس، كلاهما عن ابن جريج به، وتابعهما غيرهما على ذكرها، وذكر بعض الأئمة أن هذه اللفظة تفرد بها بعض الرواة، وجميع أصحاب ابن جريج لم يذكروها، ووقع اختلاف على يونس في ذكرها، ذكره الدارقطني، وصحح الحديث ابن حبان، وجوّد إسناده العلائي، وحسنه الألباني. ينظر: علل الدارقطني 15/ 12، جامع التحصيل ص 92، الإرواء 6/ 259.
«البَغَايَا اللاَّئِي يُنكِحْنَ أنفُسَهُنَّ بغَيرِ بيِّنةٍ» رواه التِّرمذيُّ، وقال: لم يَرفَعْه عبدُ الأعلى ووثَّقه
(1)
، قال: والوقْفُ أصحُّ
(2)
، وعن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا بُدَّ في النِّكاح من أربعةٍ: الوليُّ، والزَّوجُ، والشَّاهِدانِ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
، والمعْنَى فيه: الاِحْتِياطُ للأبْضاع، وصيانةُ الأنْكِحة عن الجُحود.
(فَلَا يَنْعَقِدُ إِلاَّ بِشَاهِدَيْنِ)، دُونَ غَيرِه من العُقود؛ لِمَا فيه من تعلُّقِ حقِّ غَير المتعاقِدَينِ، وهو الولدُ؛ لئلاَّ يَجحَدَه أبوهُ، فيَضيعَ نَسَبُه.
(عَدْلَيْنِ)؛ للأخبار، والأشْهَرُ: أنَّه يَكْفِي مستورُ الحال، وإنْ لم نقبَلْه
(4)
(1)
في (ظ): وثقة. وعبارة الترمذي في الجامع 3/ 403: (هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدًا رفعه إلا ما روي عن عبد الأعلى، عن سعيد، عن قتادة، مرفوعًا، وروي عن عبد الأعلى، عن سعيد هذا الحديث موقوفًا).
(2)
رواه ابن أبي عروبة، واختلف عليه في رفعه ووقفه: فأخرجه الترمذي (1103) والطبراني في الكبير (12827)، والبيهقي في الكبرى (13723)، عن يوسف بن حماد البصري، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عبّاس رضي الله عنهما مرفوعًا. وأخرجه ابن أبي شيبة (15967)، والترمذي (1104)، عن يزيد بن هارون وغندر، عن ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما موقوفًا. وصحّح وقفه الترمذي والبيهقي وابن عبد الهادي والألباني، قال الترمذي:(هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدًا رفعه إلاّ ما رُوي عن عبد الأعلى .... ورُويَ عن عبد الأعلى، عن سعيد هذا الحديث موقوفًا). قال: (وهذا أصحُّ). ومال ابن الجوزي إلى تصحيح رفعه. ينظر: التحقيق 2/ 268، تنقيح التحقيق 4/ 326، الإرواء 6/ 261.
(3)
أخرجه الدارقطني (3529)، وفيه أبو الخصيب نافع بن ميسرة، مجهول كما قال الدارقطني. قال الذّهبي:(والخبر منكر جدًّا)، والأشبه أن يكون موضوعًا كما قاله الزيلعي، والحديث ضعفه ابن الجوزي وابن الملقن. وقد أخرج البيهقي في الخلافيات (4083، 4084)، وصحّحه، من طرق عن ابن عبّاس رضي الله عنهما أنه قال:«أدنى ما يكون في النكاح أربعة: الذي يزوج، والذي يتزوَّج، وشاهدان» . ينظر: التحقيق 2/ 257، تنقيح التحقيق للذهبي 2/ 169، نصب الراية 3/ 187، البدر المنير 7/ 580.
(4)
في (ظ): لم يقبله.
في الأموال؛ لتعذُّر البحث عن عدالةِ الشُّهود في الباطن غالِبًا؛ لوقوعِ النِّكاح في البَوادِي وبَينَ عوامِّ النَّاس.
والثَّاني: أنَّه لا بُدَّ من العدالة الباطِنة؛ كغيره، وهو احتمالٌ للقاضي في «التَّعليق» بعد أنْ أقرَّ أنَّه لا يَعرِفُ الرِّواية عن الأصحاب في ذلك.
(ذَكَرَيْن)؛ لقول الزُّهريِّ: (مَضَت السُّنَّةُ أنَّه لا تَجوزُ شهادةُ النِّساء في الحدود، ولا النِّكاح والطَّلاق) رواه أبو عُبَيدٍ في الأموال
(1)
، ولأِنَّه عَقْدٌ لَيسَ بمالٍ، ولا يُقصَدُ به، ويَطَّلِعُ عليه الرِّجالُ غالِبًا، فلم يَنعَقِدْ بهنَّ؛ كالحدود.
(بَالِغَيْنِ) على المذهب؛ لأِنَّ الصَّبِيَّ لا شَهادةَ له، (عَاقِلَيْنِ)؛ لأِنَّ المجنونَ والطِّفْلَ لَيسا من أهْلِ الشَّهادة.
(وَإِنْ كَانَا ضَرِيرَيْنِ)؛ لأِنَّها شهادةٌ على قَولٍ، فصحَّتْ من الأعمى؛ كشهادةِ الاِسْتِفاضة، ويُعتَبَرُ أنْ يَتيَقَّنَ الصَّوتَ على وجْهٍ لا يَشُكُّ فيه.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَطُ فيه الحُرِّيَّةُ، وهو كذلك.
والمُرادُ: حُضورُهما، سَواءٌ حَضَرَا قَصْدًا
(2)
أو اتِّفاقًا، فلو حَضَرَا وسَمِعَا الإجابةَ
(3)
والقَبولَ؛ صحَّ، وإنْ لم يَسمَعا الصَّداقَ.
(وَعَنْهُ: يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ فَاسِقَيْنِ)؛ لأِنَّه تَحمُّلٌ، فلم تُعتَبَرْ
(4)
فيه العدالةُ؛ كسائر التَّحمُّلات.
(1)
أخرجه أبو يوسف في الخراج (ص 179)، وابن أبي شيبة (28714)، عن الحجاج بن أرطاة، عن الزهري. قال الألباني في الإرواء 8/ 296:(مع إعضاله فيه الحجاج)، وضعفه ابن حزم 8/ 488. قال الحافظ في التلخيص 4/ 494:(روي عن مالك عن عقيل عن الزهري بهذا، وزاد: «ولا في النكاح، ولا في الطلاق»، ولا يصح عن مالك)، ولم نقف عليه في كتاب الأموال لأبي عبيد.
(2)
في (ق): نصًا.
(3)
في (ق): الإيجاب.
(4)
في (ق): فلم يعتبر.
والأوَّلُ أصحَّ؛ لأِنَّ مَنْ لا يَثبُتُ النِّكاحُ بقَوله؛ لا يَنعَقِدُ بشَهادته؛ كالصَّبيِّ، فلو بانا بَعْدَ العقد أنَّهما فاسِقانِ؛ فالعَقْدُ صحيحٌ، ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ لاِشْتِراط العدالة ظاهِرًا فقطْ، وقِيلَ: لا؛ لِعَدَمِ شَرْطِه.
(وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ)؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البَيعَ، (وَمُرَاهِقَيْنِ عَاقِلَيْنِ)؛ بِناءً على أنَّهما من أهل الشَّهادة، ولأِنَّه يَصحُّ تحمُّلُه، فصحَّتْ شهادتُه؛ كالبيع.
(وَلَا يَنْعَقِدُ نِكَاحُ مُسْلِمٍ بِشَهَادَةِ ذِمِّيَّيْنِ)؛ لقَولِه تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البَقَرَة: 282]، ولعُمومِ قَولِه عليه السلام:«وشاهَدِيْ عَدْلٍ»
(1)
، ولأِنَّه نِكاحُ مسلِمٍ، فلم يَنعَقِدْ بشهادةِ ذِمِّيَّينِ؛ كنِكاحِ المسلمين.
ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ الزَّوجانِ مُسْلِمَينِ، أو الزَّوجُ وحدَه، نَصَّ عليه
(2)
، وهو قَولُ الأكثر.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَنْعَقِدَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ ذِمِّيَّةً)؛ بِناءً على الرِّواية بقَبولِ شهادةِ بعضهم على بعضٍ.
(وَلَا يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ أَصَمَّيْنِ)؛ لأِنَّه لا يَسمَعُ العَقْدَ لِيَشهَدَ به، (وَلَا أَخْرَسَيْنِ)؛ لأِنَّ النُّطْقَ شَرْطٌ، وهو لا يَتمَكَّنُ من أداء الشَّهادة، فوُجودُه كعَدَمه.
(وَهَلْ يَنْعَقِدُ بِحُضُورِ عَدُوَّيْنِ
(3)
، أَوِ ابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ، أَوْ أَحَدِهِمَا)، أو الوليِّ، أو مُتَّهَمٍ لِرَحِمٍ من أحدهم؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَنعَقِدُ؛ لأِنَّه يَنعَقِدُ بهما نكاحُ غَيرِ هذا الزَّوجِ، فانْعَقَدَ بهما نِكاحُه؛ كسائر العُدول.
(1)
تقدّم تخريجه 7/ 467 حاشية (6).
(2)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 146.
(3)
في (ق): عبدين.
والثَّاني: لا؛ لأنَّ العدوَّ لا تُقبَلُ شَهادتُه على عَدوِّه، وكذا الاِبْنُ.
وكذا الخلافُ في أهل الصَّنائع الرَّذيلة؛ كالحجَّام ونحوِه.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ مِنْ شُرُوطِ النِّكَاحِ)، بل تُسَنُّ فيه؛ كعقدِ غَيرِه، فيَصِحُّ بدونِها، وهو قَولُ ابنِ عمرَ، وابنِ الزُّبَير، والحَسَنِ بنِ عليٍّ
(1)
؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام تزوَّج بغَيرِ مَهْرٍ ولا شُهودٍ»
(2)
، قال ابن المنذِر:(لا يَثبُتُ في الشَّاهِدَينِ في النِّكاح خَبَرٌ)
(3)
، وكذا قاله أحمدُ في روايةِ المرُّوذِيِّ، ولأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ كالبيع.
ويُجابُ عنه: بأنَّ ذلك من خصائصه، وقضيَّةُ الموْهوبة نفسها قضيَّةُ عَينٍ
(4)
، والأحاديثُ يَتَقَوَّى بعضُها ببعضٍ.
والجمهور قد أطْلَقُوا هذه الرِّوايةَ، وقيَّدَها المجْدُ وجماعةٌ: بما إذا لم
(1)
قال ابن المنذر في الإشراف 5/ 31: (زوَّج ابن عمر ولم يحضر النكاح شاهدين، وفعل ذلك الحسن بن علي، زوَّج ابن الزبير وما معهما أحد، ثم أعلنوه بعد)، ولم نقف على أثر الحسن وابن الزبير، وابن الزبير تزوج أم الحسن واسمها نفيسة بنت الحسن بن علي رضي الله عنهم. ينظر: طبقات ابن سعد - الطبقة الخامسة 2/ 31.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (10452)، عن نافع، عن حبيب مولى عروة بن الزبير قال: بعثني عروة إلى عبد الله بن عمر لأخطب له ابنة عبد الله، فقال عبد الله:«نعم، إن عروة لأهل أن يزوج» ، ثم قال:«ادعه» ، فدعوته، فلم يبرح حتى زوجه، فقال حبيب:«وما شهد ذلك غيري، وعروة، وعبد الله، ولكنهم أظهروه بعد ذلك وأعلموا به الناس» ، إسناده جيد، وحبيب قليل الحديث، وروى له مسلم في المتابعات، وروى عنه جماعة، وهو صاحب القصة.
(2)
والمراد كما في الشرح الكبير 20/ 245: ما أخرجه البخاري (4213)، ومسلم (1365)، من حديث أنس رضي الله عنه، في قصة نكاحه صلى الله عليه وسلم من صفية بنت حُيي رضي الله عنها، وفيه: وقال الناس: لا ندري أتزوجها، أم اتخذها أم ولد؟ قالوا: إن حجبها فهي امرأته، وإن لم يحجبها فهي أم ولد.
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 31.
(4)
في (ظ): في عين.
يَكتُموهُ، وإلاَّ لم يَصِحَّ، وذَكَرَه بعضُهم إجماعًا
(1)
.
وعلى الأوَّل: لا يُبطِلُه التَّواصِي بكِتْمانه. وعنه: بلى، اختاره أبو بكرٍ.
مسألةٌ
(2)
: قال ابنُ أبي موسى: لا يَختَلِفُ قَولُ أحمدَ: إنَّ المرأةَ إذا زوَّجَتْ نفسَها بغَيرِ شهودٍ؛ أنَّ النِّكاحَ باطِلٌ.
قال: واخْتَلَفَ قَولُه: هل لها أنْ تتزوَّجَ بغَيرِ هذا الزَّوج قَبْلَ أنْ يُطلِّقَها، أو يُفرِّقَ بَينَهما حاكِمٌ؟ فيه روايتان.
قال: ولم يَختلِفْ قَولُه: أنَّه إذا مات أحدُهما؛ لم يَرِثْه الآخَرُ.
قال: فإنْ زوَّجَتْ نفسَها بحضرةِ شهودٍ؛ فلا يَختلِفُ قَولُه: أنَّها لا تتزوَّج بغَيرِه إلاَّ أنْ يُطلِّقَها، أو يُفرِّقَ بَينَهما حاكِمٌ، مع قوله: إنَّ النِّكاحَ فاسِدٌ.
قال السَّامَرِّيُّ: كلُّ ذلك يتخرَّجُ على الاختلافٍ
(3)
في الشَّهادة؛ هل هي شرطٌ أمْ لَا؟
(1)
ينظر الفروع 8/ 232.
(2)
في (ق): تنبيه.
(3)
في (ظ): اختلاف.
(فَصْلٌ)
(الْخَامِسُ: كَوْنُ الرَّجُلِ كُفْئًا لَهَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، هي ظاهِرُ المذهب، والمشهورةُ عندَ عامَّة الأصحاب؛ لِمَا روى أبو هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا خَطَبَ المسلِم من تَرضَونَ
(1)
دينَه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلاَّ تَفْعَلوا؛ تكُنْ فتنةٌ في الأرض وفسادٌ كبيرٌ» رواه التِّرمذِيُّ، ورُوِيَ مُرسَلاً، قِيلَ: هو أصحُّ
(2)
، وقال عمر: «لأمنعنَّ فأُزوِّج
(3)
ذوات الأحساب إلاَّ من الأكْفاء» رواه الخَلاَّلُ والدَّارَقُطْنِيُّ
(4)
،
(1)
في (ظ): يرضون.
(2)
أخرجه الترمذي (1084)، وابن ماجه (1967)، والطبراني في الأوسط (446)، والحاكم (2695)، من طرق عن عبد الحميد بن سليمان، عن ابن عجلان، عن ابن وثيمة النصري، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وعبد الحميد بن سليمان الخزاعي: ضعيف، وقد خالفه من هو أجلّ منه، فقد أخرجه أبو داود في المراسيل (225) من طريق الليث، وسعيد بن منصور (590)، عن عبد العزيز بن محمد، كلاهما - الليث والدراوردي - عن ابن عجلان، عن ابن هرمز الصنعاني نحوه مرسلاً. ورجّح إرساله: أبو داود والبخاري والإشبيلي، وله شاهد من حديث أبي حاتم المزني: أخرجه الترمذي (1085)، والطبراني في الكبير (762). وفي سنده محمد وسعيد ابنا عبيد، وهما مجهولان لا يُعرفان. قاله ابن القطان. وأبو حاتم المزني مختلف في صحبته، ولا يُعرف له غير هذا الحديث. والحديث ضعفه ابن القطان، وصححه الحاكم، وحسَّن الترمذي حديث أبي حاتم المزني، وقال الألباني:(حسن لغيره). ينظر: علل الترمذي الكبير (264)، الجرح والتعديل 9/ 363، المراسيل (932)، بيان الوهم 5/ 202، تهذيب الكمال 33/ 214، ميزان الاعتدال 3/ 169، الإرواء 6/ 266، الصحيحة (1022).
(3)
كذا في النسخ الخطية. والذي في المصادر: تزويج.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10324)، وابن أبي شيبة (17702)، والدارقطني (3785)، والبيهقي في الكبرى (13762)، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عمر رضي الله عنه. قال المزي في التهذيب:(ولم يدركه)، وأعلَّه ابن كثير والألباني بالانقطاع، واعترض على ذلك مغلطاي وأبو زرعة العراقي، ودلَّلا على قولهما بما يحتمل سماعه منه، إلا أن الإمام أحمد في رواية مهنى نص على أنه مرسل، فإنه سئل: هذا مرسل عن عمر؟ قال: (نعم، ولكن إبراهيم بن محمد بن طلحة كبير)، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور (4/ 1486). ينظر: مسند الفاروق 2/ 116، شرح علل الترمذي 1/ 559، إكمال تهذيب الكمال 1/ 276، تحفة التحصيل ص 17، الإرواء 6/ 265.
ورواه
(1)
جابِرٌ مرفوعًا: «لا يَنْكِحُ النِّساءَ إلاَّ الأَكْفاءُ» ، ضعَّفه ابنُ عبد البَرِّ
(2)
، وقال سَلْمانُ لجَريرٍ: «إنَّكم مَعْشَرَ العرب لا نتقدَّم في صلاتكم، ولا نَنكِحُ نساءَكم؛ لأِنَّ
(3)
الله فضَّلَكم عَلَينا بمحمَّدٍ» رواه البَيهَقِيُّ بإسْنادٍ حَسَنٍ، واحْتَجَّ بهما أحمدُ في روايةِ أبي طالِبٍ
(4)
، ولأِنَّه تصرُّفٌ في حقِّ مَنْ يأتي من الأولياء، فلم يَصِحَّ؛ كما لو زوِّجت بغَيرِ إذْنِها.
فإنْ عُدِمَ حالَ العَقْد؛ فحُكمُه حكمُ العقود الفاسِدة.
(1)
زيد في (ق): عن.
(2)
أخرجه أبو يعلى (2094)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 235)، وابن عدي في الكامل (8/ 162)، والدارقطني (3601)، وفيه مُبشِّر بن عبيد الكوفي، قال الدارقطني:(متروك الحديث، أحاديثه لا يتابع عليها). ونقل العقيليُّ عن الإمام أحمد: (أحاديثه أحاديث موضوعة كذِب)، وقد ضعّفه جدًّا الهيثمي، وحكم عليه بالوضع الشوكاني والألباني. ينظر: التمهيد 19/ 165، السنن الصغير 3/ 74، الفوائد المجموعة (16)، الإرواء 6/ 264.
(3)
قوله: (لأن) في (ق): إلا أن.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (4283)، وسعيد بن منصور (593)، وابن أبي شيبة (8160)، والطحاوي في معاني الآثار (2420)، والطبراني في الكبير (6053)، والبيهقي في الكبرى (5439)، من طريق الثوري وغيره عن أبي إسحاق، عن أبي ليلى الكندي، عن سلمان رضي الله عنه. ورجاله ثقات، أبو ليلى هو سلمة بن معاوية وثَّقه ابن معين، إلا أن أبا إسحاق مدلس وقد عنعنه. وأخرجه ابن الجعد (442)، وسعيد بن منصور (594)، عن شعبة، عن أبي إسحاق، سمعت أوس بن ضمعج، قال سلمان. وإسناده صحيح، وصرَّح فيه أبو إسحاق بالسماع. وتابع شعبةَ غيرُه عند الطبراني في الكبير (6158)، والبيهقي في الكبرى (13766)، قال شيخ الإسلام في الاقتضاء 1/ 443:(إسناده جيد)، واحتج به الإمام أحمد، ورجَّح أبو حاتم وأبو زرعة طريق الثوري كما في العلل 2/ 180، وضعفه الألباني في الإرواء 6/ 278 بعنعنة أبي إسحاق وبالاختلاف عليه.
وإنْ وُجِدتْ حالَ العقد، ثُمَّ عُدِمَتْ بعدَه؛ لم يَبطُل النِّكاحُ، وللمرأة الفسخُ؛ كعتقها تحتَ عبدٍ.
وقِيلَ: لا؛ كوليِّها، وكطَولِ حُرَّةٍ مَنْ نَكَحَ أَمَةً.
وفي ثالثٍ: لهم الفَسْخُ؛ كما لو كانت معدومةً قَبْلَ العَقْد.
(فَلَوْ رَضِيَتِ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ بِغَيْرِهِ)؛ أيْ: بغَيرِ كُفُؤٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لفَوات الشَّرط، ولأِنَّها حقٌّ لله تعالى ولهم، واحتجَّ جماعةٌ بِبَيعِه مالَها بِدونِ ثَمَنِه، مع أنَّ المالَ أخفُّ من النِّكاح؛ لدُخولِ البَدَلِ فيه والإباحةِ والمحاباةِ، ويُحكَمُ بالنُّكول فيه، وبأنَّ مَنْعَها تزويجَ نفسها كَيْلا يَضَعَها في غَيرِ كُفُؤٍ، فبَطَلَ العَقْدُ؛ لِتَوَهُّمِ العار فيه، فهنا أَوْلَى، ولأِنَّ لله فيه
(1)
نَظَرًا، ولأِنَّ الوليَّ إذا زوَّجها بغَيرِ كُفُؤٍ يكون فاسِقًا.
(وَالثَّانِيَةُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ) للصِّحَّة، بل لِلُّزومِ، (وَهِيَ أَصَحُّ)، اختارها أبو الخَطَّاب في «خلافه»
(2)
، وقدَّمها في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، قال ابن حَمْدانَ: وهي أَوْلى؛ لقوله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجرَات: 13]، وزوَّج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ابْنَتَيهِ من عثمانَ وأبي العاص
(3)
، ولا شكَّ أنَّ نَسَبَه فَوقَ نسَبِهما، وفي «الصَّحيحَينِ»:«أنَّه صلى الله عليه وسلم أمَرَ فاطِمةَ بنتَ قَيسٍ أنْ تَنْكِحَ أسامةَ بنَ زَيدٍ مَولاهُ» ، وهي قُرَشِيَّةٌ
(4)
، وفي «البخاريِّ»: «أنَّ
(1)
قوله: (فيه) سقط من (ق).
(2)
قوله: (في خلافه) سقط من (ظ).
(3)
كما في البخاري (3130)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال: إنما تغيَّب عثمان عن بدر، فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث، وهي رقية بنت الرسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاءت تسميتها بسند صحيح عند أحمد (13398)، والحاكم (6851).
وزواج أبي العاص من زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم مشهور: ففي مسلم (543)، من حديث أبي قتادة رضي الله عنه، قال:«رأيت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يؤمّ النّاس وأمامة بنت أبي العاص، وهي ابنة زينب بنت النبيّ صلى الله عليه وسلم على عاتقه» .
(4)
تقدم أنَّ حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها لم يخرجه البخاري، بل انفرد به مسلم (1480).
أبا حُذَيفةَ تبنَّى سالِمًا، وأنْكَحَه ابنةَ أخِيهِ هندَ ابنةَ الوليد، وهو مَولًى لاِمرأةٍ من الأنصار»
(1)
، وتزوَّجَ زَيدُ بنُ حارثةَ زَينبَ بنتَ جَحْشٍ
(2)
، وفي «الدَّارَقُطْنِيِّ»:«أنَّ أخْتَ عبدِ الرَّحمن بنِ عَوفٍ كانت تَحتَ بِلالٍ»
(3)
، وما رُوِيَ فيها يَدُلُّ على اعتبارها في الجملة، ولا يَلزَمُ منه اشْتِراطُها.
(لَكِنْ إِنْ لَمْ تَرْضَ الْمَرْأَةُ وَالْأَوْلِيَاءُ جَمِيعُهُمْ؛ فَلِمَنْ لَمْ يَرْضَ الْفَسْخُ)، ويكونُ النِّكاحُ صحيحًا؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بنُ بُرَيدةَ، عن أبيه، قال:«جاءت فتاةٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: إنَّ أبي زوَّجَنِي من ابن أخيه؛ لِيَرفَعَ بي خَسيسَتَه، قال: فجعل الأمرَ إليها، فقالت: قد أَجَزْتُ ما صَنَعَ أبي، ولكن أردتُ أنْ أُعْلِمَ النِّساءَ أنْ لَيْسَ للآباء من الأمر شَيءٌ» رواه أحمدُ والنَّسائيُّ
(4)
.
ويكونُ الفَسْخُ فَورًا، وكذا وتراخِيًا، ذَكَرَه القاضي، وذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ
(1)
أخرجه البخاري (4000)، عن عائشة رضي الله عنها.
(2)
أخرجه البخاري (4792)، ومسلم (1428).
(3)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (9/ 22)، والدارقطني (3797)، والبيهقي في الكبرى (13786)، عن أبي الحسن، عن حنظلة بن أبي سفيان، عن أمه به. وأبو الحسن سكت عنه البخاري، وذكر الدُّوري الخبرَ في تاريخ ابن معين (3/ 123)، وأن يحيى بن معين أنكره، وقال:(هذا باطل، ما كانت أخت عبد الرحمن بن عوف قط تحت بلال).
(4)
أخرجه أحمد (25043)، والنسائي (3269)، والدارقطني (3555)، (3557)، والبيهقي في الكبرى (13676)، من طرق عن كهمس بن الحسن، عن عبد الله بن بريدة، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، وأخرجه ابن ماجه (1874)، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عن أبيه وأعله الدارقطني والبيهقي بالانقطاع، قال الدارقطني:(هذه كلها مراسيل، ابن بريدة لم يسمع من عائشة شيئًا)، وقواه ابن حجر فقال:(صحح له الترمذي حديثًا عن عائشة من القول ليلة القدر، من رواية: جعفر بن سليمان، بهذا الإسناد، ومقتضى ذلك أن يكون سمع منها، ولم أقف على قول أحد وصفه بالتدليس)، وأخرجه مرسلاً عبد الرزاق (10302)، وابن أبي شيبة (15981)، والرواية التي ذكرها المصنف من حديث بريدة هي عند ابن ماجه، ولم نقف عليها عند أحمد والنسائي، ينظر: علل الدارقطني 15/ 89، اتحاف المهرة 5/ 17، الصحيحة (3337).
الدِّين ظاهِرَ المذهب
(1)
؛ لأِنَّه لنقصٍ في المعقود عليه، فهي حقٌّ للأولياء والمرأةِ.
وللأبْعَد الفَسخُ مع رضا الأقرب؛ لِمَا يَلحَقُه من العار في الأَشْهَر، يُؤيِّدُه قَولُه:(فَلَوْ زَوَّجَ الْأَبُ بِغَيْرِ كُفُؤٍ بِرِضَاهَا؛ فَلِلْإِخْوَةِ الْفَسْخُ، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ الأخَ وليٌّ في حالٍ يَلحَقُه العارُ بفَقْد الكفاءة، فمَلَكَ الفَسْخَ؛ كالوليِّ المساوِي.
وقياسُ المذهب: أنَّ الفَسْخَ يَفتَقِرُ إلى حاكِمٍ.
فَرْعٌ: الكفاءةُ المعتبَرةُ في الرَّجل فقطْ؛ لأِنَّه عليه السلام لا مُكافِئَ له، وقد تزوَّج من أحياء العرب.
وفي «الانتصار» احتمالٌ: يخيَّرُ معتَقٌ تحتَ أمةٍ.
وفي «الواضح» احتمالٌ: يَبطُلُ؛ بناءً على الرِّواية إذا اسْتَغْنَى عن نكاح الأمة بحُرَّةٍ؛ بَطَلَ، قال الكسائيُّ: قَولُهم: (لا أصلَ)؛ أي: لا حَسَبَ ولا فَضلَ
(2)
؛ أيْ: لا مالَ، وهي حقٌّ لله تعالى.
وعلى الثَّانية: حقٌّ للأولياء والمرأةِ فقط.
(وَالْكَفَاءَةُ: الدِّينُ وَالْمَنْصِبُ)، هذا إحْدَى الرِّوايتَينِ، وإليها مَيلُ المؤلِّفِ، أمَّا الدِّينُ فلقوله تعالى: الآيةَ {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً
…
(18)} [السَّجدَة: 18]، ويَلزَمُ منه نفيُ الاِسْتِواء من كلِّ وجْهٍ، صرَّح به القاضي وغيرُه؛ لأِنَّ الفاسِقَ مردودُ الشَّهادةِ والرِّوايةِ، غَير مَأْمونٍ، مسلوب الولاية، ناقِصٌ عند الله وعند خَلْقه، قليلُ الحظِّ في الدُّنيا والآخرة.
وأمَّا المنْصِبُ فهو النَّسب؛ لحديث عمرَ: ما الأكْفاءُ؟ قال: «في الحَسَبِ»
(1)
ينظر: الاختيارات ص 302.
(2)
ينظر: مجمل اللغة 1/ 97.
رواه أبو بكرٍ
(1)
، ولأِنَّ العربَ يَعُدُّونَ الكفاءةَ في النَّسب، ويَأنَفونُ من نكاح الموالي، ويَرَونَ أنَّ ذلك نَقْصٌ وعارٌ.
(فَلَا تُزَوَّجُ عَفِيفَةٌ بِفَاجِرٍ، وَلَا عَرَبِيَّةٌ بِعَجَمِيٍّ)؛ لِفَقْدِ العِفَّة والمنصِب.
(وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ) على المذهب؛ لأِنَّه عليه السلام زوَّج ابنتَيهِ عُثمانَ وأبا العاص
(2)
، وزوَّج عليٌّ عمرَ ابنَتَه أمَّ كُلْثومٍ
(3)
، وتَزوَّج عبدُ الله بن عمرَ فاطمَةَ بنتَ الحُسَينِ بنِ عليٍّ
(4)
، وتزوَّج مُصعَبُ بنُ الزُّبَير أختْها سُكَينةَ
(5)
، وتزوَّج المقدادُ بن الأسود ضُباعةَ بنتَ الزُّبَير بنِ عبدِ المطَّلِب
(6)
، وهذا يَدُلُّ على أنَّ العربَ كلَّهم في مرتبةٍ واحدةٍ، وفي «مُسنَدِ البزَّار» عن خالد بن مَعْدانَ، عن معاذِ بن جَبَلٍ مرفوعًا، قال:«العَرَبُ بعضُهم لبعضٍ أكْفاءٌ، والموالي بعضُهم لبعْضٍ أكْفاءٌ» ، إلاَّ أنَّ خالدًا لم يَسمَعْ مِنْ مُعاذٍ
(7)
.
(1)
تقدم تخريج أثر عمر رضي الله عنه 7/ 473 حاشية (4)، وهذه الزيادة التي رواها أبو بكر عبد العزيز لم نقف عليها مسندة عند غيره.
(2)
تقدّم تخريجهما 7/ 475 حاشية (3).
(3)
أخرجه البخاري (2881).
(4)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 7/ 36:(وتزوج عبد الله بن عمرو بن عثمان فاطمة بنت الحسين بن علي).
أخرج ابن أبي خيثمة في تاريخه (2/ 915)، عن مصعب بن عبد الله قال: كانت فاطمة بنت الحسين عند الحسن بن الحسن فولدت له، ثم خلف عليها عبد الله بن عمرو بن عثمان فولدت له. وينظر: الطبقات الكبرى - متمم التابعين ص 260، تاريخ ابن عساكر 70/ 15، تاريخ الإسلام 3/ 295.
(5)
أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (160)، واللالكائي في كرامات الأولياء (93)، وذكره الزبير بن بكار في الأخبار الموفقيات ص 251، وابن عساكر في تاريخه 69/ 205.
(6)
أخرجه البخاري (5089)، ومسلم (1207)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
أخرجه البزار (2677)، وسنده منقطع؛ فإن خالد بن معدان الكلاعي لم يدرك معاذ بن جبل كما قاله الترمذي والبزار وغيرهما. وفي الباب أحاديث أخرى واهية. وقد ضعفه الإشبيلي وابن القطان وابن الملقن وابن حجر، وحكم عليه الألباني بالوضع. ينظر: سنن الترمذي 4/ 242، الأحكام الوسطى 3/ 126، بيان الوهم 3/ 62، جامع التحصيل ص 171، البدر المنير 7/ 586، فتح الباري 9/ 133، الإرواء 6/ 268.
(وَسَائِرُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ أَكْفَاءٌ)، وإنْ تفاضَلُوا في الشَّرف؛ كالعرب.
(وَعَنْهُ: لَا تُزَوَّجُ قُرَشِيَّةٌ لِغَيْرِ قُرَشِيٍّ، وَلَا هَاشِمِيَّةٌ لِغَيْرِ هَاشِمِيٍّ)، حكاها القاضي في «الجامع الكبير» ، وأبو الخَطَّاب، والشَّيخانِ؛ إذ العَرَبُ فَضَلَتِ النَّاسَ برسول الله صلى الله عليه وسلم، وقُرَيشٌ أخَصُّ به من سائر العرب، وبنو هاشِمٍ أخصُّ به من قُرَيشٍ، يَدُلُّ عليه قولُه عليه السلام:«إنَّ الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم»
(1)
. وردَّ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين هذه الرِّوايةَ، وقال: لَيسَ في كلامِ أحمدَ ما يدلُّ عليه، وإنَّما المنصوص عنه - كما ذكره ابن أبي موسى، والقاضي -: أنَّ قريشًا بعضُهم لبعضٍ أكْفاءٌ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ومَنْ قال: الهاشميَّةُ لا تُزوَّج
(2)
بغير هاشِمِيٍّ؛ بمعنى أنَّه لا يَجوزُ؛ مارِقٌ من دين الإسلام؛ إذْ قصَّةُ
(3)
تزويجِ الهاشِمِيَّات من بنات النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرِهنَّ بغَيرِ
(4)
الهاشِمِيِّينَ ثابِتٌ في السُّنَّة ثُبوتًا لا يَخفَى
(5)
.
(وَعَنْهُ: أنَّ الْحُرِّيَّةَ، وَالصِّنَاعَةَ، وَالْيَسَارَ؛ مِنْ شُرُوطِ الْكَفَاءَةِ)؛ أيْ: مع الدِّين والنَّسب، فتكونُ
(6)
خمسةً، قال ابن هُبَيرةَ: هذا هو المشهورُ عن أحمدَ، واختارها القاضي في «تعليقه» ، والشَّريفُ، وأبو الخَطَّاب، والمجْد، وصحَّحها المؤلِّفُ في الحرِّيَّة، والشِّيرازيُّ في اليَسار.
(1)
أخرجه مسلم (2276)، من حديث واثلة بن الأسقع رضي الله عنه. في (ق): لا تتزوج.
(2)
في (ق): لا تتزوج.
(3)
في (ق): نصُّه.
(4)
في (ق): يعني.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 74.
(6)
في (ظ): فيكون.
أمَّا الحرِّيَّة؛ فَلِأَنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خيَّر بَرِيرَةَ حينَ عَتَقَتْ تحتَ عبدٍ»
(1)
، وإذا ثبت الخيارُ في الاستدامة؛ ففي الابتداء أَوْلَى، ولأِنَّ الرِّقَّ نَقصُه كثيرٌ، وضَرَرُه بيِّنٌ، فإنَّه مشغولٌ عن امرأته بخدمةِ
(2)
سيِّده، ولا يُنْفِقُ نفقةَ الموسِرِينَ، ولا على ولده.
وأمَّا الصِّناعةُ؛ فلِأَنَّ ذلك نقصٌ في عُرْف النَّاس، أشْبَهَ نَقْصَ النَّسَب، وقد رُوِيَ:«العَربُ بعضُهم لبعضٍ أكْفاءٌ، قبيلةٌ لقبيلةٍ، وحيٌّ لحيٍّ، ورجلٌ لرجلٍ، إلا حائكٌ أوْ حجَّامٌ» ، ذَكَرَه ابنُ عبد البَرِّ في «التَّمهيد»
(3)
، وذكر أنَّه حديثٌ مُنكَرٌ
(4)
، وأنَّ أحمدَ قال: العملُ عليه، لَمَّا سأله مُهنَّى
(5)
.
وأمَّا اليَسارُ؛ فلِأَنَّ في عرف النَّاس التَّفاضُل في ذلك، ولقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمةَ بنتِ قَيسٍ حين أخبرته بخُطَّابها، فقال لها:«أمَّا مُعاوِيةُ فصُعْلوكٌ لا مالَ له»
(6)
، ولأِنَّ على الموسِرة ضَرَرًا في إعْسار زَوجها؛ لإخْلاله بنَفَقتها ونفقةِ ولدها.
(1)
أخرجه مسلم (1504)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2)
في (ق): بحقوق.
(3)
أخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 173)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1017)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا. وفيه عمران بن أبي الفضل: ضعيف الحديث، منكر الحديث جدًّا. وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1018، 1019)، من طريقين آخرين، وفي أحدهما: علي بن عروة القرشي، وهو متروك. وفي الآخر: محمد بن الفضل بن عطية، وهو متروك الحديث، كذاب. والحديث ضعفه ابن عدي، وابن حبان - وعدّوه من مناكير عمران بن أبي الفضل - وضعفه البيهقي وابن الجوزي وابن القطان والزيلعي، وحكم عليه ابن عبد البر والألباني بالوضع، وقال أبو حاتم:(هذا حديث منكر). وروي بسند آخر منقطعًا. ينظر: الضعفاء الكبير 3/ 303، الجرح والتعديل 6/ 303، العلل لابن أبي حاتم 4/ 41، 84، المجروحين لابن حبان 2/ 142، نصب الراية 3/ 197، البدر المنير 7/ 583، الإرواء 6/ 268.
(4)
ينظر: التمهيد 19/ 164.
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 185.
(6)
جزء من حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها، أخرجه مسلم (1483).
(فَلَا تُزَوَّجُ حُرَّةٌ بِعَبْدٍ)؛ لاِنْتِفاء الحرِّيَّة فيه، ولا بمَن
(1)
بعضُه رقيقٌ.
واخْتُلِف فِيمَن مسَّه أو مسَّ آباءه الرِّقُّ، هل يكون كفء الحرَّةِ الأصلِ؟ فيه رِوايَتانِ.
(وَلَا بِنْتُ بَزَّازٍ)؛ بَيَّاع البَزٍّ، (بِحَجَّامٍ)؛ لاِنتِفاء الاِستواءِ في الصَّنعة، (وَلَا بِنْتُ تَانِئٍ) بالهمز بغَيرِ خَلافٍ
(2)
، وهو صاحب العَقار والمال، (بِحَائِكٍ)؛ لاِنْتِفاء اليَسَار، وإن وُجِدَ فيه كثرةُ المال؛ فالعِبرةُ بالغالب.
(وَلَا مُوسِرَةٌ بِمُعْسِرٍ)، وظاهره: ولو كان متولِّيًا، وقاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(3)
، وعلى هذا بقيَّة الصَّنائع المزْرِيَة
(4)
؛ كالقيِّم والحَمَّامِيِّ؛ لأِنَّ ذلك نقصٌ
(5)
في عُرْف النَّاس.
وعنه: لا؛ لأنَّه لَيسَ بنقصٍ لازِمٍ كالمرض.
وقِيلَ: نَسَّاجٌ كحائِكٍ.
وولدُ الزِّنى؛ قيل: هو كُفُؤٌ لذات نَسَبٍ.
وعنه: لا؛ كعربيَّة، زاد الشَّافعيَّةُ على ذلك: أنَّ غَيرَ المنتَسِب إلى العلماء والصُّلحاء المشهورِينَ لَيس كفؤًا للمنتَسِب إليهما
(6)
.
تنبيهٌ: اختُلِف في الكَفاءة، هل هي شرطٌ للصِّحَّة أو لِلُّزوم؟ وأنَّها هل تُعتبَرُ في اثنَينِ أوْ جهةٍ؟ قد سبق، وقال القاضي، وأبو الخَطَّاب، والمؤلِّفُ، وجَمْعٌ: كما في الشُّروط الخَمْسة.
(1)
في (ق): ولا من.
(2)
ينظر: المطلع ص 391.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 233.
(4)
في (ق): الزرية.
(5)
قوله: (نقص) سقط من (ظ).
(6)
ينظر: الوسيط في المذهب 5/ 85، تحفة المحتاج 7/ 189.
وقال في «المجرد» : محلُّهما
(1)
في الدِّين والمنصب، وأمَّا الثَّلاثة الباقية فلا يَبطُل
(2)
روايةً واحدةً.
وجَمَعَ المجْدُ بَينَهما، فجعل فيها ثلاثَ رواياتٍ، يَختصُّ البُطْلانُ بالدِّين والمنصب.
وقال في «المجرد» : يختصُّ
(3)
البُطْلانُ بالنَّسب فقط.
وقال الشَّيخُ تقي الدين
(4)
: (لم أجِدْ عن أحمدَ نَصًّا ببطْلان النِّكاح لفقرٍ أو رِقٍّ، ولم أجِدْ عنه نَصًّا بإقرار النِّكاح مع عَدَمَ الدِّين والمنصب، ونصَّ على التَّفريق بالحِياكَة في روايةِ حنبلٍ).
فَرْعٌ: يجوز للعجميِّ أنْ يتزوَّجَ مَواليَ بني هاشِمٍ، نَصَّ عليه، وقال في قوله:«مَولَى القَوم من أنفُسهم»
(5)
: هو في الصَّدقة
(6)
، وفي روايةِ مهنَّى: المنعُ.
ومَن أسلم؛ كفءٌ لمن له أبوان في الإسلام، نَصَّ عليه
(7)
.
وأهل البدع، قال أحمد في الرَّجل يزوِّج الجَهْمِيَّ: يُفرَّق بَينَهما، وكذا الواقِفيُّ إذا كان يُخاصِمُ، وقال: لا يُزوِّج بنتَه من حَرُورِيٍّ، ولا رافِضِيٍّ، ولا قَدَريٍّ، فإنْ كان لا يدعو؛ فلا بأسَ
(8)
.
مسألةٌ: لا تُشترَط الشَّهادةُ بخُلوِّها عن الموانع الشَّرعيَّة، قال في
(1)
قوله: (محلهما) في (ق): محله بما.
(2)
في (ق): فلا تبطل.
(3)
في (ق): يمضي.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 72.
(5)
أخرجه البخاري (6761)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1930.
(7)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 75.
(8)
ينظر: المغني 7/ 39.
«التَّرغيب» وغيره: ولا الإشهاد على إذنها، وقيل: بلى.
ولا يزوِّجها العاقِدُ نائبُ الحاكم بطريق الولاية حتَّى يَعلَمَ إذنها.
وإن ادَّعى زوجٌ إذْنَها، وأنكرتْ؛ صُدِّقتْ قَبلَ الدُّخول لا بعدَه.
وفي «عيون المسائل» : تُصدَّقُ الثَّيِّبُ؛ لأِنَّها تزوَّج بإذنها ظاهرًا، بخلاف البِكْر، فإنَّه يزوِّجها أبوها بلا إذنها، وفي دعوى الوليِّ إذنَها كذلك، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: قَولُها
(1)
.
وإن ادَّعت الإذنَ فأنكر ورثته صُدِّقت
(2)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 235.
(2)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ الْمُحَرَّمَاتِ فِي النِّكَاحِ)
(وَهُنَّ
(1)
ضَرْبَانِ):
(مُحَرَّمَاتٌ عَلَى الْأَبَدِ)؛ أي: التَّأْبيد، (وَهُنَّ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ):
(أَحَدُهَا: الْمُحَرَّمَاتُ بِالنَّسَبِ)، ولا فَرْقَ بَينَ النَّسب الحاصِلِ بنكاحٍ، أوْ ملْكِ يمينٍ، أو وَطْءِ شُبْهةٍ، أوْ حَرامٍ، وَسَنَذْكُرُهُ، (وَهُنَّ سَبْعٌ)، يَجمَعُها قَولُه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَهَاتُكُمْ
…
(23)} [النِّسَاء: 23].
(الْأُمَّهَاتُ)، وهنَّ كلُّ مَنْ انْتَسَب إليها بولادةٍ، سواءٌ وقع عليها اسمُ الأمِّ حقيقةً وهي التي وَلَدَتْكَ، أوْ مجازًا وهي التي وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ وإنْ عَلَتْ، ثُمَّ بيَّن ذلك بقَولِه:(وَهُنَّ الْوَالِدَةُ، وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ، وَإِنْ عَلَوْنَ)، وهُنَّ جَدَّتاكَ؛ أمُّ أمِّكِ وأمُّ أبيك، وجَدَّتا أمِّك، وجدَّتا أبيك، وجَدَّتا جَدَّتَيك، وجَدَّتا أجْدادك، وارِثاتٍ كنَّ أمْ غَيرَ وارِثاتٍ، كلُّهنَّ محرَّماتٌ.
وفي «الصَّحيح» : «أنَّ أبا هُرَيرةَ ذَكَرَ هاجَرَ أمَّ إسماعيلَ، وقال: تلك أمُّكم يا بَنِي ماءِ السَّماء»
(2)
، وفي الدُّعاء المأثور:«اللَّهم صلِّ على أَبِينَا آدَمَ وأمِّنا حَوَّاءَ»
(3)
.
(1)
في (ق): وهي.
(2)
أخرجه البخاري (3358)، موقوفًا من قول أبي هريرة رضي الله عنه. وقد وهِم في كشاف القناع (5/ 69) فظنّه مرفوعًا حيث قال: ذكر أبو هريرة هاجر أمّ إسماعيل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تلك أمّكم يا بني ماء السّماء» . ينظر: التوضيح لابن الملقن 19/ 381، فتح الباري 6/ 394.
(3)
لم نجده مرفوعًا. وقد ذكره أبو يعلى في إبطال التأويلات (ص 80) في أخبار الشيخ أبي الحسن بن بشّار من رواية أَبِي حفص البرمكي، عن أبيه، قال: كنت أسمع الشّيخ إذا دعا يَقُول في دعائه: (اللهمّ صلِّ عَلَى أبينا آدم الذي خلقته بيدك، وأنحلته صورتك، وأسجدت له ملائكتك، وزوجته حوّاء أمتك).
(وَالْبَنَاتُ مِنْ حَلَالٍ)، وهنَّ
(1)
كلُّ أنثى انْتَسَبَتْ إليك
(2)
بولادتك؛ كابنةٍ، (أَوْ حَرَامٍ)، شَمِلَ: ابنتَه من الزِّنى؛ لقوله عليه السلام في امرأةِ هِلالِ بنِ أميَّةَ: «انظُروه، فإنْ جاءت به على كذا؛ فهو لشريكِ بنِ سَحْماءَ»
(3)
يعني: الزَّانيَ، واستدلَّ أحمدُ: بأمْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم سودةَ أنْ تَحتَجِبَ من ابنِ زَمْعةَ
(4)
؛ للشَّبَهِ الذي رأى بعتبةَ، ويَكفِي في التَّحريم: أنْ يَعلَم أنَّها بنتُه ظاهِرًا، وإنْ كان النَّسبُ لغيره، قاله في «التَّعليق» ، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّ الشَّبهَ كافٍ، ولأِنَّها مخلوقةٌ من مائه، فحَرُمَتْ؛ كتحريم الزَّانية على ولدها، وكالمنفيَّة باللِّعان.
لا يُقالُ: لا يَجرِي التَّوارُثُ بَينَهما، ولا تَعتِقُ عليه إذا مَلَكَها، ولا يَلزَمه؛ لأِنَّ تخلُّفَ بعضِ الأحكام لا يُوجِبُ
(5)
، كما لو كانت رقيقةً، أو مخالِفةً لدينه.
(وَبَنَاتُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلْنَ)، مِنْ مِلكٍ أو شُبهةٍ؛ لصحَّة تَناوُل الاسم للجميع.
(وَالْأَخَوَاتُ مِنَ الْجِهَاتِ الثَّلَاثِ)؛ أي: الأخواتُ من الأبَوَينِ، أو من
(6)
الأب ومن الأمِّ؛ لشُمولِ الآية لهنَّ.
(وَبَنَاتُ الْأَخِ، وَبَنَاتُ الْأُخْتِ)، مِنْ أيِّ جهةٍ كانوا، (وَأَوْلَادُهُمْ وَإِنْ سَفَلُوا)؛ للآية.
(وَالْعَمَّاتُ وَالْخَالَاتُ وَإِنْ عَلَوْنَ)، فيدخُل في العَمَّات كلُّ أختٍ لأِبٍ، وإنْ بعدَتْ من جهةِ أبيه ومن جهةِ أمِّه، وفي الخالات كلُّ أختٍ لأِمٍّ، وإنْ
(1)
في (ظ): وهي.
(2)
قوله: (إليك) سقطت من (ظ).
(3)
أخرجه البخاري (4747)، ومسلم (1496)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البخاري (2533).
(5)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الممتع 3/ 584: لا يوجب الحل.
(6)
قوله: (أو من) في (ق): ومن.
بعُدَتْ من جهةِ أبيه ومن جهة أمِّه، وإذا ثبت أنَّ كلَّ جَدٍّ أبٌ، وكلَّ جدَّةٍ أمٌّ، فكلُّ أختٍ لها عمَّةٌ وخالةٌ، ويُستَثْنىَ منه خالةُ العمَّة لأِبٍ، وعمَّةُ الخالة لأِمٍّ.
(وَلَا تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ)؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ
…
(50)} الآيةَ [الأحزَاب: 50]، والأصلُ المساواة، لا سِيَّما وقد دخلت
(1)
في عموم قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّسَاء: 24].
وضابِطُه: أنَّ كلَّ امرأةٍ حرُمَتْ؛ حَرُمَتِ ابْنَتُها، إلاَّ خَمْسًا: أمُّ الزَّوجة، والعَمَّة، والخالة، وحليلة الاِبْن، وحليلة الأب.
ومَنْ حَرُمَتْ؛ حَرُمَتْ أمُّها، إلاَّ خَمْسًا: البنتُ، والرَّبيبةُ، وبنتُ الأخ، وحليلةُ الابن، وحليلةُ الأب.
أصلٌ: تَحرُمُ
(2)
زَوجاتُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقطْ على غَيرِه ولو مَنْ
(3)
فارَقَها، وهنَّ زَوجاتُه
(4)
دُنْيَا وأُخْرَى.
(الْقِسْمُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ بِالرَّضَاعِ، وَيَحْرُمُ بِهِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَّسَبِ)؛ لقوله تعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النِّسَاء: 23]، والبقيَّةُ بالقياس، بغير خلافٍ، حكاه ابنُ حَزْمٍ والمؤلِّفُ
(5)
، ولقوله عليه السلام:«يَحرُمُ من الرَّضاع ما يَحرُمُ من النَّسَبِ» مُتَّفَقٌ عليه
(6)
.
نَقَلَ حنبلٌ: نكاح ابن الرَّجل مِنْ لَبَنِه؛ بمنزلة نكاح ابنِه
(7)
من صلبه
(8)
.
(1)
في (ق): دخلن.
(2)
في (ظ): يحرم.
(3)
قوله: (من) سقط من (ق).
(4)
في (ق): أزواجه.
(5)
ينظر: مراتب الإجماع ص 67، الإجماع لابن المنذر ص 82.
(6)
أخرجه البخاري (2645،)، ومسلم (1447) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(7)
قوله: (بمنزلة نكاح ابنه) في (ق): من نكاح أبيه.
(8)
ينظر: الفروع 8/ 236.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لم يَقُل الشَّارعُ ما يَحرُمُ بالمصاهَرَة، فأمُّ امْرأتِه برضاعٍ، وامرأةُ ابنه أو أبيه من الرَّضاعة التي لم تُرْضِعْه، وبنت امرأته بلَبَنِ غَيرِه؛ حَرُمْنَ بالمصاهَرة لا بالنَّسب، ولا نسبَ ولا مُصاهَرةَ بَينَه وبَينَهنُّ، فلا تحريمَ
(1)
.
وقد اسْتَثْنَى من كلامه بعضُ أصحابنا: إلاَّ أمَّ أخته وأخت ابنه، فإنَّهما لا يَحرُمان، والصَّواب عِنْدَ الأكثر: عَدَمُ استثنائهما؛ لأِنَّ أمَّ أخته إنَّما حَرُمَتْ في غير هذا الموضِعِ؛ لكَونِها زوجةَ أبيه، وهو تحريمٌ بالمصاهرة لا تحريمَ نَسَبٍ، وأخت ابنه؛ لأِنَّها ربيبتُه
(2)
.
فَرْعٌ: ظاهِرُ كلامِه: لا فَرْقَ بَينَ الرَّضاع
(3)
والمحظور، ذَكَرَه القاضي في «تعليقه» بأنَّه إجماعٌ.
(الْقِسْمُ الثَّالِثُ: الْمُحَرَّمَاتُ بِالْمُصَاهَرَةِ، وَهُنَّ أَرْبَعٌ: أُمَّهَاتُ نِسَائِهِ)؛ أيْ: إذا تزوَّج امرأةً حَرُمَ عليه كلُّ أُمٍّ لها من نَسبٍ أوْ رضاعٍ، قريبةً أوْ بعيدةً، بمجرَّد العَقْد، نَصَّ عليه
(4)
، وهو قَولُ عمرَ، وابنِ مسعودٍ
(5)
،
(1)
ينظر: الفروع 8/ 236، الاختيارات ص 308.
(2)
في (ق): ربيبة.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 156: الرضاع المباح.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1544.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10811)، وسعيد بن منصور (936)، وابن أبي شيبة (16270)، والطبراني في الكبير (8579)، والبيهقي في الكبرى (13903)، عن أبي عمرو الشيباني، عن ابن مسعود، أن رجلاً تزوَّج امرأة، ثم رأى أمَّها فأعجبته، فاستفتى ابن مسعود، فأمره أن يُفارقها، ثم يتزوج أمها، فتزوجها، ثم أتى ابن مسعود المدينة، فسأل عن ذلك، فأُخبر أنه لا تحلُّ له، فقال للرجل:«إنها عليك حرام، إنها لا تنبغي لك ففارِقْها» ، وإسناده صحيح. وأخرجه يعقوب في المعرفة (1/ 439)، والبيهقي في الكبرى (13906)، من طريق أخرى عن أبي عمرو: كان ابن مسعود يرخص في رجل تزوج امرأة، فماتت قبل أن يدخل بها أن يتزوج أمها، فأتى المدينة، فكأنه لقي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فرجع. وإسناده صحيح أيضًا.
وجابِرٍ
(1)
.
وعن عليٍّ: أنَّها لا تَحرُمُ إلا بالدُّخول بابنتها
(2)
.
ولنا
(3)
: قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النِّسَاء: 23]، وهو عامٌّ، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا قال:«مَنْ تزوَّج امرأةً، فطلَّقها قَبْلَ أنْ يَدخُلَ بها؛ لا بأس أنْ يتزوَّج ربيبتَه، ولا يَحِلُّ له أنْ يتزوَّج أمَّها» رواه ابنُ ماجَهْ وأبو حَفْصٍ
(4)
.
(وَحَلَائِلُ آبَائِهِ)؛ سُمَّيَت امرأةُ الرَّجل: حليلةً؛ لأِنَّها محلُّ إزار زَوجها، وهي مُحلَّلةٌ له؛ أي: فيَحرُم عليه امرأةُ أبيه، قريبًا كان أو بعيدًا، من نسبٍ أوْ رضاعٍ، وارثًا كان أوْ غَيرَ وارِثٍ، دخَلَ بها أوْ لَا؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 22]، وقال البَرَاءُ: لَقِيتُ خالي ومعه الرَّايةُ قال: «أرْسَلَني النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رجلٍ تزوَّج امرأةَ أبيه مِنْ بَعدِه؛ أنِ اضْرِبْ
(1)
ذكره ابن عبد البر في الاستذكار 5/ 458، فقال:(واختلف فيه على ابن عباس وجابر بن عبد الله الأنصاري)، ولم نقف عليه مسندًا.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (16267)، وأحمد في مسائل صالح (2/ 97)، والطبري في التفسير (6/ 556)، وابن حزم في المحلى (9/ 141)، وابن عبد البر في الاستذكار (5/ 458)، عن قتادة، عن خلاس، في الرجل يتزوج المرأة، ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، أيتزوج أمَّها؟ قال: قال علي: «هي بمنزلة الربيبة» ، رواية خلاس عن علي متكلم فيها، وبناء عليه؛ صحح ابن حزم الأثر وضعفه ابن عبد البر.
(3)
في (ق): وأما.
(4)
عزاه المصنف إلى ابن ماجه ولم نجده عنده، وقد أخرجه الترمذي (1117)، وابن عدي (5/ 248)، والبيهقي في الكبرى (13911) من طرق عن ابن لهيعة، وأخرجه البيهقي في الكبرى (13910)، من طريق المثنى بن الصباح، كلاهما عن عمرو بن شعيب به. والمثنّى وابن لهيعة يضعّفان في الحديث، وقد ضعفه الترمذيُّ وابن عديّ وعبد الحق الإشبيلي وابن الجوزي وابن عبد الهادي والزّيلعي والألباني. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 136، التحقيق 2/ 274، تنقيح التحقيق 4/ 345، تخريج الأحاديث للزيلعي 1/ 299، الضعيفة (6111)، الإرواء 13/ 253.
عُنُقَه» رواه أحمد، وأبو داود، وقال
(1)
: حسَنٌ غَرِيبٌ
(2)
.
وسواءٌ في هذا امرأةُ أبيه، وامرأةُ جَدِّه لأبيه، وجدِّه لأمِّه، قريبٍ أوْ بعيدٍ، ولا فَرْقَ
(3)
بَينَ مَنْ وَطِئَها
(4)
بملكٍ أوْ شُبْهةٍ.
(وَأَبْنَائِهِ)؛ أيْ: يَحرُم عليه أنْ يتزوَّجَ بامرأةِ ابنه، وابن بنته، من نَسَبٍ أوْ رضاعٍ، قريبًا كان أوْ بعيدًا؛ لقوله تعالى:{وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ} [النِّسَاء: 23]، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(5)
.
(فَيَحْرُمْنَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ)؛ لعُمومِ ما تقدَّم، ولو كان نكاحُ الأب الكافر فاسِدًا، ذَكَرَه الشَّيخ تقيُّ الدِّين إجْماعًا
(6)
.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ فيه بَينَ العَقْد الصَّحيح المفيدِ للحِلِّ، والفاسِدِ، على ظاهرِ كلامِ القاضي في «المجرد» ؛ لأِنَّ حُكمَه كالصَّحيح، إلاَّ الحِلَّ والإحْلالَ والإحْصانَ والإرْثَ وتَنَصُّفَ الصَّداق قَبْلَ المسيس، وظاهر كلامه في
(1)
أي: الترمذي كما في السنن (1362).
(2)
رواه عدي بن ثابت الكوفي، واختلف عنه: فأخرجه أحمد (18557)، والنسائي (3331)، والبزار (3795)، وابن حبان (4112)، والحاكم (2776)، من طرق عن الحسن بن صالح، عن السدِّي، عن عديّ بن ثابت، عن البراء رضي الله عنه. وسنده حسن، إسماعيل السدّي: صدوق حسن الحديث، ولم ينفرد الحسن بن صالح به، بل تابعه الثوري عن السدّي عند البزار. وأخرجه أبو داود (4457)، والدارمي (2285)، من طرق عن عبيد الله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عديِّ بن ثابت، عن يزيد بن البراء، عن أبيه به نحوه. وسنده صحيح. وله شاهدٌ بسند صحيح - كما قاله البوصيري - من حديث معاوية بن قرّة رضي الله عنه: أخرجه النّسائي في الكبرى (7186)، وابن ماجه (2608). وصحّحه ابن حبان والحاكم وابن حزم والألباني. ينظر: المحلّى 12/ 199، تنقيح التحقيق 4/ 529، مصباح الزجاجة 3/ 116، الإرواء 8/ 18.
(3)
زيد في (ق): فيه.
(4)
في (ق): يطأها.
(5)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 80، المغني 7/ 112.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 238.
«التعليق» خلافُه.
(دُونَ بَنَاتِهِنَّ)؛ أيْ: يَحِلُّ له نكاحُ ربيبةِ أبيه وابنِه؛ لقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ
…
} الآية [النِّسَاء: 24].
(وَالرَّبَائِبُ: وَهُنَّ بَنَاتُ نِسَائِهِ اللاَّتِي دَخَلَ بِهِنَّ)؛ لقَولِه تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ
…
} الآية [النِّسَاء: 23]، (دُونَ اللاَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهِنَّ)؛ لأِنَّ تقييدَه بالحِجْر خَرَجَ مَخرَجَ الغالِبِ، وما كان كذلك لا مَفْهومَ له، اتِّفاقًا
(1)
، ولا فَرْقَ فيها بَينَ أنْ تكونَ قريبةً أوْ بعيدةً، وارِثَةً أوْ غَيرَ وارِثَةٍ، مِنْ نَسَبٍ أوْ رِضاعٍ، فإذا دَخَلَ بالأمِّ؛ حَرُمَتْ عليه، سواءٌ كانَتْ في حِجْرِه أوْ لَا.
وحُكِيَ عن ابنِ عَقِيلٍ، وهو مَرْوِيٌّ عن عمرَ وعليٍّ
(2)
: أنَّه يُرخَّصُ فيها إذا لم تَكُنْ في حِجْرهِ.
(1)
ينظر: الاختيار لتعليل المختار 3/ 85، بداية المجتهد 3/ 57، البيان 9/ 242، الفروع 8/ 238.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10835)، وأحمد في مسائل صالح (2/ 92)، وأبو عبيد كما في المحلى (9/ 144)، عن إبراهيم بن ميسرة: أن رجلاً من سواءة يقال له عبيد الله بن معية، أخبره أن أباه أو جده كان نكح امرأة ذات ولد من غيره، ثم نكح امرأة شابة، فقال له أحد بَني الأولى: طلقها، قال: لا والله إلا أن تنكحني ابنتك. فطلَّقها وأنكحه ابنته، ولم تكن في حجره هي ولا أبوها، وذكر أنه استفتى عمر وعليًّا فقالا:«لا بأس بذلك» ، وصححه ابن القيم وابن حجر، وأشار أحمد إلى إعلاله فقال:(عبيد الله بن معية ليس بمشهور بالعلم، وإنما حكى أن أباه أو جده).
وأخرج عبد الرزاق (10834)، وأحمد في مسائل صالح (2/ 91)، وابن أبي حاتم في التفسير (5087)، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن علي رضي الله عنه في قصة. وصححه ابن القيم وابن حجر والألباني، قال ابن كثير: (إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب، على شرط مسلم، وهو قول غريب جدًّا
…
وحكى لي شيخنا الحافظ الذهبي أنه عَرَض هذا على الشيخ الإِمام تقي الدين بن تيمية فاستشكله وتوقف في ذلك)، وقد أشار أحمد إلى إعلاله فقال:(إبراهيم بن عبيد بن رفاعة ليس بمشهور). ينظر: زاد المعاد 5/ 500، تفسير ابن كثير 2/ 252، الإرواء 6/ 287.
(فَإِنْ مُتْنَ قَبْلَ الدُّخُولِ)، أوْ بانتْ؛ (فَهَلْ تَحْرُمُ بَنَاتُهُنَّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أظْهَرُهما: أنَّها لا تَحرُمُ، وهو قَولُ عامَّة العلماء؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النِّسَاء: 23]، وكالطَّلاق، والموت لا يَجرِي مَجْرَى الدُّخول في الإحْلال والإحْصان.
والثَّانيةُ: بلى، اخْتارَه أبو بكرٍ؛ قياسًا على تكميلِ الصَّداق.
(وَيَثْبُتُ تَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ
(1)
بِالْوَطْءِ الْحَلَالِ)، اتِّفاقًا
(2)
، (وَالْحَرَامِ)؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 22]، وفيها دَلالةٌ تَصرِفُه إلى الوطء دُونَ العقد؛ لقوله تعالى:{إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً} [النِّسَاء: 22]، وهذا التَّغليظُ إنَّما يكونُ في الوطْءِ، وعن ابن مسعودٍ قال:«لا يَنْظُرُ الله إلى رجلٍ نَظَرَ إلى فرجِ امرأةٍ وابْنَتِها» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ ضعيفٍ
(3)
، ولأِنَّ ما تعلَّق بالوطء المباحِ تعلَّق بالمحظور؛ كوطْءِ الحائِضِ، ولأِنَّ النِّكاحَ يُفسِدُه الوطءُ بالشُّبهة، فأفْسَدَه
(4)
الوطءُ الحرامُ كالإحرام.
وذَكَرَ في «المستوعب» و «المغْنِي» و «التَّرغيب» : ولو بوَطْءِ دُبرٍ، وقِيلَ: لَا.
(1)
كتب في هامش (ظ): (المصاهرة: مصدر صاهرهم: إذا تزوج إليهم، والصهر بمعنى: المصاهرة، والصهر: من كان من أقارب الزوج، أو الزوجة، يقال: صهره وأصهره، إذا لصقه بالشيء، ومن اشتقاق الصهر بالقرابة؛ لما روت بنت النعمان قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجد قباء، يأتي بالحَجَر وقد صهره إلى بطنه - لصقه - فيضعه، فيأتي الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع، حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره. انتهى).
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 2/ 260، بداية المجتهد 3/ 59، الوسيط 5/ 106، الشرح الكبير 20/ 286.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16234)، والدارقطني (3682)، والبيهقي في الخلافيات (4100)، عن ليث، عن حماد، عن إبراهيم، عن علقمة عنه. قال الدارقطني:(ليث وحماد ضعيفان)، وضعفه البيهقي في الكبرى 7/ 275.
(4)
في (ظ): وأفسده.
ونَقَلَ بشرُ بن موسى
(1)
: لا يُعجِبُنِي.
ونَقَلَ الميمونيُّ: إنَّما حرَّم الله الحَلالَ على ظاهِرِ الآية، والحَرامُ مُبايِنٌ للحَلال
(2)
.
(فَإِنْ كَانَتِ الْمَوْطُوءَةُ مَيْتَةً، أَوْ صَغِيرَةً) لا يُوطَأُ مِثلُها؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَنشُرُ الحُرمةَ؛ كالرَّضاع.
والثَّاني، وهو ظاهِرُ «الوجيز» وغَيره: أنَّه لا يَنشُرُها؛ لأِنَّ التَّحريمَ يتعلَّق باسْتِيفاءِ منفعةِ الوطءِ، وذلك يُبطِلُها.
وفي «المُذهب» : هو كنِكاحٍ، وفيه: بشبهة وجهان.
(وَإِنْ بَاشَرَ امْرَأَةً، أَوْ نَظَرَ إِلَى فَرْجِهَا)، أوْ قبَّلها، (أَوْ خَلَا بِهَا لِشَهْوَةٍ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وفيه مَسائِلُ:
الأولى: إذا باشَرَها دُونَ الفرج لشهوةٍ؛ فالأشْهَرُ: أنَّه لا يَنشُرُها، كما لو لم يكن لشهوةٍ، والثَّانية: بلى، وهو قَولُ ابنِ عمرَ، وابنِ عَمْرٍو
(3)
؛ كالوطء، والفَرْقُ بَينَ الوطء وغيرِه ظاهِرٌ.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا باشَرَها دُونَ الفرج لغَيرِ شهوةٍ؛ أنَّه لا يَنشُرُ الحُرْمةَ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(4)
.
الثَّانية: إذا نَظَرَ إلى فَرجِها لشهوةٍ؛ ظاهِرُ المذهب: أنَّه لا يَنشُرُها
(5)
؛ كالنَّظَر إلى الوجه، والثَّانيةُ: يَنشُرُها في كلِّ مَوضِعٍ يَنشُرُها اللَّمْس، رُوِيَ عن
(1)
هو: بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة، أبو علي الأسدي البغدادي، كان آباؤه من أهل البيوتات والفضل، كان ثقة أمينًا عاقلاً ذكيًّا، عنده عن الإمام أحمد مسائل صالحة، وكان الإمام أحمد يكرمه. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 121.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 238.
(3)
لم نقف عليهما، وسيأتي عنهما قريبًا فيما يتعلق بالنظر لشهوة.
(4)
ينظر: المغني 7/ 120.
(5)
في (ق): لا ينشر.
جماعةٍ من الصَّحابة
(1)
.
وعنه: لا فَرْقَ بَينَ النَّظَر إلى الفَرْج وإلى بقيَّةِ البَدَن، ذَكَرَها أبو الحُسَين، ونَقَلَه الميمونيُّ وابنُ هانِئٍ
(2)
، منها أو منه إذا كان لشهوةٍ، والأصحُّ خِلافُه؛ فإنَّ غَيرَ الفرج لا يُقاسُ عليه.
وإنْ وَقَعَ ذلك من غَيرِ شهوةٍ؛ لم يَنشُرْها بغَيرِ خلافٍ فيه
(3)
، وهذا فِيمَنْ بَلَغَتْ تِسْعَ سنينَ فما زاد، وعنه: وسبعٌ، إذا أصابَها حَرُمَتْ عليه أمُّها.
الثَّالثة: إذا خَلَا بها لشهوةٍ قَبْلَ الوَطْء؛ فرِوايَتانِ؛ إحداهما: وهي اخْتِيارُ القاضي وابنِ عَقِيلٍ، والمؤلِّفِ: لا يَنشُرُ
(4)
؛ بِناءً على أنَّ النَّظَرَ كِنايَةٌ عن الدُّخول.
والثَّانية: بلى؛ لأِنَّه تعالى أطْلَقَ الدُّخولَ، وهو شامِلٌ للخلوة، والعُرْفُ على ذلك، يُقالُ: دَخَلَ بزوجته، إذا كان بَنَى بها وإنْ لم يَطَأْ، وأمَّا إذا فَعَلَتْ
(1)
روي عن عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10840)، وابن أبي شيبة (16217)، وابن حزم في المحلى (9/ 138)، عن مكحول:«أن عمر جرَّد جارية فنظر إليها، ثم نهى بعض ولده أن يقربها» ، قال ابن حزم:(منقطع).
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (16226)، عن ابن عمر، قال:«أيما رجل جرد جاريته فنظر منها إلى ذلك الأمر، فإنها لا تحل لابنه» ، وفيه المثنى بن الصباح وهو ضعيف.
وروي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (16219)، أنه جرَّد جارية له، ثم سأله إياها بعض ولده، فقال:«إنها لا تحل لك» ، في إسناده حجاج بن أرطاة وهو ضعيف.
وروي عن عامر بن ربيعة رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10841)، وسعيد بن منصور (2188)، وابن أبي شيبة (16220)، عن عبد الله وعبد الرحمن ابني عامر بن ربيعة، أن عامر بن ربيعة نهاهما عن جارية له أن يقرباها، وقالا:«ما علمناه كان منه إليها إلا أن يكون اطلع منها مطلعة كره أن نطلعه» ، وإسناده صحيح.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 204، الفروع 8/ 2389.
(3)
ينظر: المغني 7/ 121.
(4)
في (ق): لا تنشر.
هي ذلك؛ فالحُكْمُ كما ذَكَرَه.
(وَإِنْ تَلَوَّطَ بِغُلَامٍ؛ حَرُمَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُمُّ الآْخَرِ، وَابْنَتُهُ)؛ أيْ: يَحرُمُ بِوَطْءِ الغلام ما يَحرُم بِوَطْء المرأةِ، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّه وَطْءٌ في فَرْجٍ، فنَشَرَ الحُرْمةَ إلى مَنْ ذُكِرَ؛ كوطْء المرأة.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ كَالْوَطْءِ دُونَ الْفَرْجِ)، فيَكونُ في تحريم المصاهَرة؛ حكمَ المباشَرَة فِيمَا دُونَ الفَرْج لشهوةٍ؛ لكَونِه وطئًا في غير محلِّه، (وَهُوَ الصَّحِيحُ) عندَ المؤلِّف؛ لأِنَّه لَيسَ بمنصوصٍ على تحريمه، ولا يَصِحُّ قِياسُه على النِّساء؛ لأِنَّ وَطْأَها سببٌ للبعضة
(2)
، ويُوجِبُ المهْرَ، ويُلحَقُ به النَّسبُ، وتصير المرأةُ به فِراشًا، قال ابن البَنَّاء وابنُ عَقِيلٍ: وكذا دَواعِيهِ.
والأوَّلُ هو المذهبُ.
(الْقِسْمُ الرَّابِعُ: الْمُلَاعَنَةُ تَحْرُمُ عَلَى الْمُلَاعِنِ) إذا لم يُكذِّبْ نفسَه، في قَولِ الجماهير؛ لقَول سهلِ بنِ سعدٍ:«مَضَت السُّنَّةُ في المتَلاعِنَينِ: أنْ يُفرَّق بَينَهما، لا يَجتَمِعانِ أبَدًا» رواه الجُوزَجانِيُّ
(3)
،
(1)
كتب في هامش (ظ): (أو بالغ).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 20/ 298 والممتع 3/ 590: للبضعية.
(3)
أخرجه أبو داود (2250)، وأبو عوانة (4676)، والطبراني في الكبير (5684)، والدارقطني (3704)، وصححه أبو عوانة والألباني وقال:(إسناده على شرط مسلم)، لكن وقع خلاف في نسبة هذا القول هل هو للزهري أم لسهل بن سعد رضي الله عنه، والذي عند البخاري (5259)، ومسلم (1492)، قال ابن شهاب:«فكانت سنة المتلاعنين» ، ومال الشافعي إلى صحة نسبته لكليهما، وأخرجه الدارقطني (3708) موقوفًا على علي رضي الله عنه، وفي سنده عبد الرحمن بن هانئ النخعي، قال أحمد عنه:(ليس بشيء)، ورماه ابن معين بالكذب، وأخرجه الدارقطني من وجه آخر (3707)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15358)، وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 595، الفتح 9/ 452، الإرواء 7/ 188.
ونحوُه عن عمرَ بنِ الخَطَّاب
(1)
.
(إِلاَّ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ، فَهَلْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
ظاهر المذهب: أنَّها تحرُم؛ لظاهر الخبر، ولأِنَّه تحريمٌ لا يَرتَفِعُ قَبْلَ الجَلْد والتَّكذيبِ، فلم يَرتَفِعْ بالتَّكذيب؛ كالرَّضاع.
والثَّانية: تَحِلُّ، نَقَلَها حنبلٌ
(2)
، وذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ: أنَّها الأظْهَرُ؛ لأِنَّه لَمَّا أكْذَبَ نفْسَه صارت شبهته بحالها قَبل الملاعَنة، وهي حِينَئِذٍ حلالٌ.
وعنه: بنكاحٍ جديدٍ، أو ملك يمينٍ.
وينبغي أنْ يُحمَلَ على ما إذا لم يُفرِّق الحاكمُ بَينَهما، أمَّا إذا فرَّق بينهما؛ فلا وَجْه لبقاء النِّكاح، وفيه نظرٌ؛ لأِنَّ الفُرْقةَ حَصَلَتْ باللِّعان، وإنْ قِيلَ: لا تَحصُلُ إلاَّ بفُرقةِ الحاكِم؛ فلا تَحرُم حتَّى يقولَ: حلَّت له.
وظاهِرُه: أنه
(3)
إذا كان اللِّعانُ بَعْدَ البينونة، أو في نكاحٍ فاسِدٍ؛ أنَّها لا تَحِلُّ على الأشْهَر، ولا حدَّ قَولاً واحِدًا.
مسألةٌ: إذا وَطِئَ أمَّ امرأته، أو ابنتَها؛ انْفَسَخَ النِّكاحُ؛ لأِنَّه طَرَأَ عليها ما يُحرِّمها، أشْبَهَ الرَّضاعَ.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12433)، وسعيد بن منصور (1561)، وابن أبي شيبة (17369)، والبيهقي في الكبرى (15359)، عن إبراهيم، قال عمر رضي الله عنه:«المتلاعنان يُفرَّق بينهما ولا يجتمعان أبدًا» ، مرسل جيد.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 198.
(3)
قوله: (أنه) سقط من (ظ).
(فَصْلٌ)
(الضَّرْبُ الثَّانِي: الْمُحَرَّمَاتُ إِلَى أَمَدٍ)؛ أيْ: غايةٍ، (وَهُنَّ نَوْعَانِ):
(أَحَدُهُمَا: الْمُحَرَّمَاتُ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، فَيَحْرُمُ
(1)
الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ)، من نَسبٍ أو رضاعٍ، حُرَّتَينِ أو أَمَتَينِ، أوْ حرَّةً وأمةً، من أَبَوَينِ أوْ من أبٍ أو أمٍّ، قَبْلَ الدُّخول أو بَعْدَه؛ لقوله تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النِّسَاء: 23].
(وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا)، إجْماعًا
(2)
، وسَنَدُه: ما رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا، قال:«لا يُجمَعُ بَينَ المرأةِ وعمَّتها، ولا بَينَ المرأة وخالتِها» متَّفقٌ عليه
(3)
، وللبخاريِّ عن جابِرٍ مِثْلُه
(4)
، وفي «التَّمهيد» عن ابنِ عبَّاسٍ نحوُه
(5)
، ولِمَا فيه من إِيقاعِ العداوة بَينَ الأقارب، وإفْضائِه إلى قطيعة الرَّحِم، وبه حصل تخصيص قوله تعالى:{وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} [النِّسَاء: 24]، ولا فَرْقَ فيه بَينَ القريبة والبعيدة، من نَسَبٍ أوْ رضاعٍ
(6)
.
(1)
كتب في هامش (ظ): (ابتداءً ودوامًا).
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 81.
(3)
أخرجه البخاري (5109)، ومسلم (1408).
(4)
أخرجه البخاري (5108).
(5)
أخرجه أحمد (3530)، والترمذي (1125)، والطبراني في الكبير (11930)، من طرق عن سعيد - ابن أبي عروبة -، وأخرجه ابن عبد البر في التمهيد (18/ 277)، من طريق فضيل بن ميسرة، كلاهما عن أبي حريز، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«أنّ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح المرأة على عمتها، أو على خالتها» . وأبو حريز الأزدي، قاضي سجستان: متكلّم مختلف فيه، واستشهد به البخاري في الصحيح، وروى له أصحاب السنن، والأظهر: أنه كما قال الحافظ: صدوق يخطئ. والحديث صححه الترمذي، ويتقوّى بما تقدم من حديث أبي هريرة وجابر رضي الله عنهما.
(6)
كتب في هامش (ظ): (وخرج ب "النسب والرضاع" الجمع بين المرأة وأمتها، وبين المرأة وأم زوجها، أو زوجة ولدها، فيجوز وإن حرم تناكحهما لو فُرضت إحداهما ذكرًا).
وضابطُه: كلُّ امْرأتَينِ لو كانت إحداهما ذَكَرًا والأخرى أنثى؛ حَرُم نكاحُه، ولهذا حرُم الجمعُ بَينَ المرأة وبنت أخيها؛ لأِنَّ الأخَ لا يُباحُ له بنت أخيه، وابنُ
(1)
الأخت لا تُباحُ له خالتُه.
وأُبِيحَ الجمْعُ بَينَ بِنتَيْ عَمَّينِ، وبِنتَيْ
(2)
خالَينِ، وبِنتَيْ عمَّتَينِ، وبِنتَيْ خالَتَينِ؛ لأِنَّ ابنَ العمِّ يجوز أنْ يتزوَّج ببنتِ عمِّه
(3)
، وابنَ الخال له أنْ يتزوَّج بنت خالته.
وهل يُكرَهُ لأجلِ قطيعةِ الرَّحِم وإنْ كانت بعيدةً، أو لا يُكرَهُ؟ فيه رِوايَتانِ.
لكن لا يَجوزُ أنْ يَجمَعَ بَينَ عمَّةٍ وخالةٍ، بأنْ يَنْكِحَ امرأةً وابنُه أمَّها، فيُولَدُ لكلٍّ منهما بنتٌ، وبَينَ عمَّتَينِ بأنْ يَنْكِحَ أمَّ رجلٍ والآخَرُ أمَّه، فيُولَدُ لكلٍّ منهما بنتٌ، وبَينَ خالَتَينِ بأنْ
(4)
يَنْكِحَ كلٌّ منهما ابنةَ الآخَرِ.
لا بَينَ أختِ رجلٍ من أبيه وبَينَ أختِه
(5)
مِنْ أمِّه، ولو في عقد واحدٍ، قاله ابن حمدانَ وغيرُه، ولا بَينَ مَنْ كانت زوجةَ رجلٍ، وبنتِه من غَيرِها.
(فَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ)، أوْ عَقْدَينِ معًا؛ (لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ تصحيحُهما، ولا مزيَّةَ لأِحدهما على الآخَر.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهُمَا فِي عَقْدَيْنِ، أَوْ تَزَوَّجَ إِحْدَاهُمَا فِي عِدَّةِ الْأُخْرَى، سَوَاءٌ كَانَتْ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيَّةً؛ فَنِكَاحُ الثَّانِيَةِ بَاطِلٌ)؛ لأِنَّ به يَحصُلُ الجَمْعُ، فاخْتَصَّ البُطْلانُ به.
(1)
في (ق): وبنت.
(2)
في (ق): وبين.
(3)
في (ق): عمته.
(4)
في (ق): أن.
(5)
قوله: (وبين أخته) هو في (ق): وأخته.
لكِنْ إن جُهِلَ السَّابقُ؛ فُسِخَ النِّكاحانِ، وعَنْهُ: يُقرَعُ بَينَهما.
وعلى الأوَّل: يَلزَمُه نصفُ المهر، يَقتَرِعانِ عَلَيه، وذكَرَ ابنُ عَقِيلٍ روايةً: لا؛ لأِنَّه مُكرَهٌ، اختاره أبو بكرٍ.
فرعٌ: إذا تزوَّج أمًّا وبِنتًا في عقدٍ؛ صحَّ في حقِّ البنت فقطْ، وقيل: يَفسُدُ في حقِّهما؛ كالأختَينِ.
وَجْهُ الأوَّل: أنَّ الأمَّ تَحرُم بمجرَّد العقد، فكانت أَوْلى بالبطلان، فاختصَّت به.
ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: إذا تزوَّجَ أُختَينِ في عَقْدٍ، يَختارُ إحْداهما
(1)
، قال القاضي: هو محمولٌ على أنَّه يَختارُ إحداهما بعَقْدٍ مستأنَفٍ.
(وَإِنِ اشْتَرَى أُخْتَ امْرَأَتِهِ، أَوْ عَمَّتَهَا، أَوْ خَالَتَهَا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ الشِّراءَ يُرادُ للاسْتِمْتاع ولغيرِه، ولذلك صحَّ شِراءُ المجوسيَّة وأختِه من الرّضاع، وكذا لو مَلَكَها بغير الشِّراء، (وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُطَلِّقَ امْرَأَتَهُ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)؛ لِئَلاَّ يكونَ جامِعًا بينهما في الفراش وجامِعًا ماءَه في رَحِمِ مَنْ يَحرُم الجَمعُ بَينَهما.
(وَإِنِ اشْتَرَاهُنَّ)، أوْ مَلَكهنُّ، (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ) لا نَعلَمُ فيه خلافًا
(2)
؛ لأِنَّ الشِّراءَ يُرادُ لغير الوطء
(3)
، بخلاف العقد، وإذا
(4)
جاز شراءُ واحدةٍ على الأخرى؛ فمعًا أَوْلَى.
(فَإِنْ وَطِئَ إِحْدَاهُمَا)؛ جاز؛ لأِنَّ الأخرى لم تَصِرْ فراشًا في قَولِ أكثرِ العلماء، وذكر جماعةٌ: لا يَقرَب واحدةً منهما، وذَكَرَه أبو الخَطَّاب مذهبًا
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1522.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 20/ 311
(3)
قوله: (وإن اشتراهن أو ملكهن
…
) إلى هنا سقط من (ق).
(4)
في (ظ): إذا.
لأِحمدَ، و (لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ الْأُولَى بِإِخْرَاجٍ عَنْ مِلْكِهِ)، ولو ببيعٍ للحاجة، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
وابنُ رجبٍ، وهو الأظْهَرُ
(2)
، (أَوْ تَزْوِيجٍ) بَعْدَ اسْتِبْراءٍ، (وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ)، وهو قَولُ عليٍّ
(3)
وابنِ عمرَ
(4)
؛ لأِنَّ كلَّ مَنْ حرُم وَطؤُها؛ تَحِلُّ له إذا أخرجها عن ملكه ببيعٍ أوْ تزويجٍ؛ لأِنَّ الجَمعَ قد زال.
وظاهِرُه: ولو كانت الأولى صغيرةً، ويُشكِلُ عليه: أنَّه لا يجوز أنْ يفرِّق في البيع بَينَ ذي رحِمٍ مَحْرَمٍ إلاَّ بَعْدَ البُلوغ على روايةٍ.
وشَرَطَ المؤلِّفُ وغَيرُه: (وَيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ)؛ لأِنَّه إذا كانت حامِلاً لم تَحِلَّ له أختُها حتَّى تَضَعَ حَمْلَها؛ لِئَلاَّ يكون جامعًا ماءَه في رَحِم أختَينِ، فهو كنكاحِ الأخت في عدَّة أختِها.
لا يُقالُ: هذا الشَّرطُ لا يُحتاجُ إليه؛ إذْ شَرْطُ الإباحة أحدُ الأمْرَينِ
(5)
،
(1)
ينظر: الاختيارات ص 307.
(2)
في (ق): أظهر.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1737)، وابن أبي شيبة (16252)، والبيهقي في الكبرى (13938)، عن موسى بن أيوب، عن عمه، عن علي، قال: سألته عن رجل له أمتان أختان، وطئ إحداهما، ثم أراد أن يطأ الأخرى، قال:«لا، حتى يُخرجها من مِلكه» ، ولا بأس بإسناده، عم موسى وهو إياس بن عامر متكلم فيه، وقال الحافظ في التقريب:(صدوق). وأخرجه ابن أبي شيبة (16253)، ومسدد وأبو يعلى الموصلي كما في المطالب العالية (1733)، والبيهقي في الكبرى (13935)، عن أبي صالح الحنفي، أن ابن الكواء سأل عليًّا عن الجمع بين الأختين فقال:«حرمتهما آية، وأحلتهما أخرى، ولست أفعل أنا ولا أهلي» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12746)، عن ميمون بن مهران، أن ابن عمر سئل عن الأمة يطؤها سيدها، ثم يريد أن يطأ ابنتها؟ قال:«لا، حتى يخرجها من ملكه» ، إسناده صحيح. وأخرجه سعيد بن منصور (1727)، وحرب الكرماني في مسائله (1/ 233)، وابن أبي شيبة (16258)، وفيه حجاج بن أرطاة ضعيف الحديث.
(5)
إما إخراج عن ملكه، وإما تزويج.
وكلاهما لا يصحُّ إلاَّ بعدَ العلم أنَّ الموطوءةَ غَيرُ حامِلٍ؛ لأِنَّ في البيع يَجوزُ على روايةٍ، وعلى المنْعِ يُمْكِنُ أنْ يتصوَّر
(1)
بالعتق، ولكن مِنْ صُوَرِ الإخراجِ: البَيعُ والهبة.
وفي الاكتفاء بتحريمها بكتابةٍ، ورهنٍ، وبيعٍ بشرطِ خِيارٍ؛ وَجْهانِ.
ولا يَكفِي مُجرَّدُ تحريمها، نَصَّ عليه
(2)
.
وقال ابنُ عبَّاسٍ وحُكِيَ عن عليٍّ: «أحَلَّتْهما آيةٌ، وحرَّمَتْهما أخرى»
(3)
، يريدُ قولَه تعالى:{وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النِّسَاء: 23]، {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3].
(فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ؛ لَمْ يُصِبْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى)، في ظاهر نصوصه؛ لأِنَّ الثَّانيةَ صارت فِراشًا، وقد رَجَعَت إليه الَّتي كانت فراشًا، فحرُمت كلُّ واحدةٍ منهما بكون الأخرى فراشًا؛ كما لو انفردت.
واختار في «المغني» : إنْ عادَتْ قَبْلَ وطء أختها؛ فهي المباحةُ، واختار في «المحرر»: بل أيَّتُهما شاءَ، وأنَّها إنْ عادت بعد وطء أختها؛ فأختها المباحة.
وقال ابن نصر الله: هذا إذا
(4)
لم يَجِب اسْتَبْراءٌ، فإنْ وَجَبَ؛ لم يَلزَمْه تَرْكُ أختِها، وهو حَسَنٌ، فلو خالَفَ وفَعَلَ؛ لزِمَه أنْ يُمسِكَ عنهما حتَّى يُحرِّم إحداهما.
(1)
في (ظ): يتضرر.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 244.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16245)، والدارقطني (3728)، عن قيس بن أبي حازم، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وإسناده حسن. وأخرجه سعيد بن منصور (1738)، عن الشعبي عنه بإسناد صحيح. وأثر عليٍّ رضي الله عنهما تقدم 7/ 499 حاشية (3).
(4)
في (ق): إن.
وأباح القاضي وطءَ الأولى بعد اسْتِبْراء الثَّانية.
(وَعَنْهُ: لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ)، حكاها القاضي والشَّيخانِ معتَمِدَينِ في ذلك على روايةِ ابنِ منصورٍ، وسَأَلَه عن الجَمْع بَينَ الأختَينِ المملوكتَينِ تقول: إنَّه حرامٌ؟ قال: لا، ولكن يُنهَى عنه
(1)
، وامْتَنَعَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين من إثْبات ذلك روايةً
(2)
، وهذا أَدَبٌ في الفتوى، كثيرًا ما يَستعْمِلُه السَّلفُ، لا يُطلِقون لفظَ التَّحريم، بل يَقولُون
(3)
: يُنهَى عنه.
فرعٌ: لو مَلَكَ أختَينِ مسلمةً ومجوسيَّةً؛ فله وَطْءُ المسلمة، ذَكَرَه في «التَّبصرة» .
(وَإِنْ وَطِئَ أَمَتَهُ)، أوْ أعْتَقَ سُرِّيَّتَه، (ثُمَّ تَزَوَّجَ أُخْتَهَا؛ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، قاله القاضي؛ لأِنَّ النِّكاحَ تصير المرأةُ به فراشًا، فلم يَجُزْ أنْ يَرِدَ
(4)
على فِراش الأخت؛ كالوطء.
(وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَصِحُّ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه سببٌ يُستَباحُ به الوطءُ، فجاز أنْ يَرِدَ على وَطْءِ الأخت، ولا يُبِيحُ كالشِّراء.
(وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْمَوْطُوءَةَ)؛ لِئَلاَّ يكونَ جامِعًا ماءَه في رَحِم أختَينِ، ولا شكَّ أنَّ ملْكَ اليمين أقْوَى من النِّكاح، بدليلِ أنَّه لو اشْتَرَى
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1550.
(2)
قال شيخ الإسلام: (من قال عن أحمد رحمه الله تعالى، إنه قال: لا يحرم بل يكره؛ فقد غلط عليه، ومأخذه الغفلة عن دلالات الألفاظ ومراتب الكلام، وأحمد رحمه الله تعالى إنما قال: لا أقول إنه حرام، ولكن ينهى عنه، وكان يهاب قول الحرام إلا فيما فيه نص). ينظر: الإنصاف 20/ 313.
(3)
في (ظ): يقول.
(4)
في (ق): ترد.
زوجتَه؛ انفسخ النِّكاحُ، ولو سُلِّم تساويهما، فسَبْقُ ملْكِ اليمين يعارِضُه
(1)
.
وعنه: تحريمُهما حتَّى يُحرِّمَ إحداهما.
وكذا لو تزوَّجها بَعْدَ تحريمِ سُرِّيَّتِه، ثُمَّ رجعت السُّرِّيَّةُ إليه، لكِنَّ النِّكاحَ بحاله.
وإنْ أعْتَقَ سُرِّيَّتَه، ثُمَّ تزوَّج أختها في مدَّةِ اسْتِبرائها؛ ففي صحَّة العقد روايتانِ، وله نكاحُ أربعٍ سواها في الأصحِّ.
(فَإِنْ عَادَتْ إِلَى مِلْكِهِ؛ لَمْ يَطَأْ وَاحِدَةً مِنْهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى)؛ لأِنَّ الأولى عادت إلى الفِراش، فاجْتَمَعا فيه؛ فلم تُبَحْ واحدةٌ منهما قَبْلَ إخراجِ الأخرى عن الفراش.
تنبيهٌ: إذا وَطِئَ بشبهةٍ أوْ زِنًى؛ لم يَجُزْ في العدَّة أنْ يَنْكِحَ أختَها، ولو كانت زوجته، نَصَّ عليه
(2)
، وفيه احتمالٌ.
وفي وَطْءِ أربعٍ غيرِها، أو العقد عليهنَّ؛ وجْهانِ.
ومَن وُطِئَتْ بشبهةٍ؛ حَرُمَ نِكاحُها في العِدَّة، وإنْ كان الواطِئُ في قياس المذهب.
وعنه: إنْ لَزِمَتْها
(3)
عدَّةٌ من غَيرِه حرُمَ، وإلاَّ فلا، وهي أشْهَرُ.
وعنه: إنْ نَكَحَ مُعتَدَّةً من زَوجٍ بنكاحٍ فاسِدٍ أو وَطئ
(4)
؛ حرُمتْ عليه أبدًا.
(وَلَا يَحِلُّ
(5)
لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ)، أجمعَ أهلُ العلم على
(1)
في (ظ): معارضه.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1735.
(3)
في (ظ): لزمتهما.
(4)
قوله: (أو وطئ) كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 251، والإنصاف 20/ 343: ووطئ.
(5)
في (ظ): ولا يجوز.
هذا، إلاَّ ما رُوِيَ عن القاسم بن إبراهيمَ أنَّه أباح تسعًا
(1)
؛ لقوله تعالى: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النِّسَاء: 3]، والواو للجمع، ولأِنَّه عليه السلام مات عن تسعٍ، وهذا القَولُ خَرْقٌ للإجماع، وتَرْكٌ للسُّنَّة، فإنَّه عليه السلام قال لِغَيلانَ بنِ سَلَمةَ:«أمْسِكْ أربعًا وفارِقْ سائرهنَّ»
(2)
، و «أَمَرَ نَوفَلَ بنَ مُعاوِيةَ حِينَ أسْلَمَ على خمسٍ أنْ يُفارِقَ واحدةً منهنَّ» ، رواهما الشَّافِعيُّ
(3)
، فإذا مُنِعَ من الاِسْتِدامة زيادةً على أربعٍ؛ فالاِبْتِداءُ أَوْلَى، والواوُ أريدَ بها التَّمييزُ بَينَ
(4)
الأشياء، كقوله تعالى: {أُولِي أَجْنِحَةٍ
…
} الآية [فَاطِر: 1]، لَيسَ لكلِّ مَلَكٍ منهم تسعةُ أجنحةٍ، والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم كان له أنْ يتزوَّجَ بأيِّ عددٍ شاء.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 62، المغني 7/ 85.
والقاسم: هو ابن إبراهيم بن إسماعيل الحسني العلوي الرسي، أبو محمد، فقيه شاعر، من أئمة الزيدية، له رسائل في الإمامة والعدل والتوحيد وغير ذلك، توفي سنة 246 هـ. ينظر: الأعلام للزركلي 5/ 171.
(2)
رواه الزهري واختلف عليه وصلاً وإرسالاً: فأخرجه الشافعي في مسنده (1191)، وأحمد (4609)، والترمذي (1128)، وابن ماجه (1953)، والدارقطني (3685)، والحاكم (2779)، من طرق عن معمر، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله، عن ابن عمر رضي الله عنهما. وظاهر سنده الصِّحة. وخالفه مالك (2/ 586)، وعنه الشافعي (1192)، فرواه عن ابن شهاب مرسلاً. ورجّح ابن معين والبخاري ومسلم والرازيان والترمذي والدارقطني: الإرسال، وصحّح الوصل: الحاكم وابن القطان والبيهقي وابن حزم والألباني. قال الدارقطني: (ورواه يونس، عن الزهري: أنه بلغه عن عثمان بن محمد بن أبي سويد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسل، وقول يونس أشبهها بالصّواب)، ونحوه قاله الترمذي. ينظر: العلل الكبير (283)، علل ابن أبي حاتم 3/ 706، العلل للدارقطني 13/ 123، الخلافيات 6/ 97، السنن الكبرى 7/ 294، بيان الوهم 3/ 495، البدر المنير 7/ 602، التلخيص الحبير 3/ 346، الإرواء 6/ 291.
(3)
أخرجه الشافعي في الأمّ (5/ 175)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (14057)، وسنده ضعيف؛ شيخ الشافعي فيه مبهم، وعوف بن الحارث مقبول، ولا متابع له هنا. والحديث ضعفه الألباني. ينظر: الإرواء 6/ 295.
(4)
في (ق): من.
ذَكَرَ الشَّيخُ عزُّ الدِّين بن عبد السَّلام: أنَّه كان في شريعةِ موسى جَوازُ التَّزويج من غَيرِ حَصْرٍ، وفي شريعة عيسى لا يَجوزُ أكثرُ من واحدةٍ؛ لمصلحةِ النِّساء، فَرَاعَت شريعتُنا مصلحةَ النَّوعَينِ
(1)
.
(وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِأَكْثَرَ مِنِ اثْنَتَيْنِ)، إجماعًا
(2)
، وسَنَدُه: أنَّ الحكمَ بنَ عُيَيْنةَ
(3)
قال: «أجمعَ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على أنَّ العبدَ لا يَنْكِحُ إلاَّ اثنتَينِ، ولا يَجوزُ أكثرُ من ذلك» رواه الشَّافِعِيُّ
(4)
، وهو قَولُ عمرَ
(5)
، وعليٍّ
(6)
، وعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ
(7)
، وبه يتخصَّصُ عمومُ الآية، أو يُقالُ: الآيةُ إنَّما تَناوَلَت الحرَّ؛ لأِنَّ فيها {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، والعبدُ لا يَملِكُ، ولو مَلَكَ فنَفْسُ ملكِه لا يبِيحُ التَّسَرِّيَ.
(1)
ينظر: قواعد الأحكام 1/ 44.
(2)
ينظر: المحلى 9/ 11، الاستذكار 5/ 512، والذي في المغني 7/ 85:(أجمع أهل العلم على أن للعبد أن ينكح اثنتين، واختلفوا في إباحة الأربع).
(3)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المصادر: ابن عتيبة.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (16044)، والبيهقي في الكبرى (13898)، وابن حزم (9/ 11)، عن ليث بن أبي سليم، عن الحكم. وجعله في المحلى: عن «عطاء» مكان «الحكم» .
(5)
أخرجه عبد الرزاق (12872)، وسعيد بن منصور (1277)، والشافعي في الأم (5/ 44)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 462)، والدارقطني (3830)، والبيهقي في الكبرى (13895)، عن عبد الله بن عتبة، عن عمر قال:«ينكح العبد ثنتين، ويطلق تطليقتين، وتعتد الأمة حيضتين» ، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 150.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (13133)، وابن أبي شيبة (16035)، والبيهقي في الكبرى (13897)، من طريق محمد بن علي بن الحسين، عن عليٍّ قال:«لا ينكح العبد فوق اثنتين» ، وإسناده منقطع.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (13135)، عن ابن سيرين، أن عمر بن الخطاب، سأل الناس:«كم يحل للعبد أن ينكح؟» ، فقال عبد الرحمن بن عوف:«اثنتين» . وأخرجه سعيد بن منصور (786)، وابن أبي شيبة (16042)، والبيهقي في الكبرى (13896)، عن محمد بن سيرين بالقصة، بدون ذكر عبد الرحمن بن عوف، وفيه: فقام إليه رجل. وابن سيرين لم يدرك عمر رضي الله عنه.
فرعٌ: مَنْ عَتَقَ نصفُه أو أكثرُ؛ جَمَعَ ثلاثًا، نَصَّ عليه
(1)
؛ كالحدِّ.
وقِيلَ: لا يَملِكُ سوى اثنتَينِ؛ لأِنَّهما قد ثَبَتَا له وهو عبدٌ، فلا يَنتَقِلُ عنه إلاَّ بدليلٍ من نصٍّ أو إجماعٍ، ولم يُوجَدْ.
(وَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ)؛ أي: نهايةَ عدده؛ (لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْرَى حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)، أمَّا إذا كان الطَّلاقُ رجعيًّا؛ فلا خِلافَ فيه
(2)
، وكذا إنْ كان بائنًا أوْ فَسْخًا، رُوِيَ عن عليٍّ
(3)
وابنِ عبَّاسٍ
(4)
؛ لأِنَّ بعضَ الأحكام باقيةٌ فيمتنعا منه كالرَّجْعِيِّ، بخلافِ موتِها، نَصَّ عليه
(5)
.
فإنْ قال: أخْبَرَتْنِي بانْقِضاءِ عدَّتها، فكذَّبَتْه؛ فله نكاحُ أختها وبَدَلِها
(6)
في الأصحِّ، ولا تَسقُطُ السُّكنى والنفقةُ ونَسَبُ الولد، بل الرَّجعةُ.
فَرْعٌ: يجوزُ نكاحُ أَمَةٍ في عِدَّةِ حُرَّةٍ، إذا كان الطَّلاقُ بائِنًا، وكان خائِفًا للعَنَت، نَصَّ عليه في روايةِ مُهَنَّى؛ لِوجودِ الشَّرْطَينِ.
(1)
ينظر: المحرر 2/ 21.
(2)
ينظر: المغني 7/ 88.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16745)، عن الشعبي، عن علي، قال:«لا يتزوج خامسة حتى تنقضي عدة التي طلق» ، وفيه حجاج بن أرطاة وهو ضعيف. وأخرج محمد بن الحسن في الحجة (3/ 414)، عن يحيى بن أبي كثير، قال: قضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه نحوه. وفيه سعيد بن يوسف الرحبي وهو ضعيف.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10568)، وابن أبي شيبة (16740)، عن عمرو بن شعيب قال: أُتي مروان - وهو أمير - في رجل كان عنده أربع نسوة، فطلق واحدة فبتَّها، ثم نكح الخامسة في عدتها، فناداه ابن عباس:«ألَا فرِّق بينهما» ، مرسل جيد، وصحح إسناده ابن التركماني في الجوهر النقي 7/ 151، وفي القصة اختلاف يسير. وأخرجه عبد الرزاق (10567)، عن أبي قلابة مرسلاً. وأخرجه ابن أبي شيبة (16750)، عن محمد بن إبراهيم التيمي بنحوها، وفيه ضعف. وأخرجه محمد بن الحسن في الحجة (3/ 414)، عن قتادة مرسلاً بنحوه. فالأثر صحيح بمجموع هذه المراسيل.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 52.
(6)
أي: نكاح الزائدة على نهاية العدد كما في المحرر 2/ 21.
تذنيبٌ: في «الفُنون» : قال فقيهٌ: شهوةُ المرأة فَوْقَ شهوةِ الرَّجل تسعةَ أجْزاءٍ، فقال حنبليٌّ
(1)
: لو كان هذا؛ ما كان له أن يتزوَّجَ بأربعٍ، ويَنكِحَ ما شاء من الإماء، ولا تزيدُ المرأةُ على رجلٍ، ولها من القَسْم الرُّبع، وحاشا حكمته أنْ يُضَيَّقَ على الأحْوج.
وذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ عن أبي هُرَيرةَ، وبعضُهم يَرفَعُه: «فضِّلت المرأةُ على الرَّجل بتسعةٍ وتسعين جزءًا من اللَّذَّة - أو قال: من
(2)
الشَّهوة -، ولكنَّ الله تعالى ألْقَى عليهنَّ الحياءَ»
(3)
.
وقَوَّى في «إعْلام الموقِّعينَ» أنَّ الرَّجلَ أشدُّ شهوةً من المرأة، وأنَّ حرارتَه أقْوَى من حرارة المرأة، والشَّهوةُ تَتْبَعُها الحرارةُ، بدليلِ أنَّ الرَّجلَ إذا جامَعَ امرأةً أمْكَنَه جماعُ غَيرِها في الحال
(4)
.
(1)
في (ق): حنبل.
(2)
قوله: (من) سقط من (ق).
(3)
لم نجده عند ابن عبد البر، وأخرجه الخرائطي في اعتلال القلوب (152)، والبيهقي في الشعب (7342)، من طريق مولى ابن مُكْمِل، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وأبو داود مولى أبي مُكمِل قال عنه البخاري:(منكر الحديث)، وله شاهد: أخرجه الطبراني في الأوسط (567)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعًا. وفيه المغيرة بن قيس البصري: منكر الحديث، قاله أبو حاتم. والحديث ضعفه الألباني. ينظر: الجرح والتعديل 8/ 227، التَّكميل في الجرح والتَّعديل 3/ 175، لسان الميزان 9/ 64، الصحيحة (4004).
(4)
ينظر: إعلام الموقعين 2/ 66.
(فَصْلٌ)
(النَّوْعُ الثَّانِي: مُحَرَّمَاتٌ لِعَارِضٍ يَزُولُ)؛ لأِنَّ زَوجةَ غَيرِه إنَّما حُرِّمتْ لأِجْلِ ذلك الغَيرِ.
(فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُ زَوْجَةِ غَيْرِهِ)، بغَيرِ خِلافٍ
(1)
.
(وَالْمُعْتَدَّةِ مِنْهُ)؛ أيْ: مِنْ غَيرِه؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ
…
} [البَقَرَة: 235].
(وَالْمُسْتَبْرَأَةِ مِنْهُ)؛ لأِنَّها في مَعْنَى المعتدَّة مِنْ غَيرِه، ولأِنَّ إباحةَ نكاحها يُفْضِي إلى اختلاطِ المياه واشْتِباه الأنساب، وهو محذورٌ مطلوبُ العَدَم.
(وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ، وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)، نَصَّ عليهما
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} [النُّور: 3]، ولأِنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَلحَقَ به ولدٌ من غَيرِه، فحَرُمَتْ كالمعتدَّة.
ويُشْترَط انقضاءُ العدَّة، أمَّا على الزَّاني؛ فَلأِنَّ ولدَها لا يَلحَق به، فيُفْضِي نكاحُه بها إلى اشْتِباهِ مَنْ لا يَلحَقُ نسبُه بأحدٍ ممَّن يَلحَقُ نسبُه به، وأمَّا على غيره؛ فلأنَّها معتدَّةٌ من غيره.
وبالجُملة: إذا حَمَلَتْ من الزِّنى؛ فلا يَحِلُّ نكاحُها قَبْلَ الوَضْع؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِر فلا يَسْقِي ماءَه ولَدَ غَيرِه» رواه أحمدُ وأبو داودَ والتِّرمِذِيُّ وحسنَّه
(3)
، ولأِنَّها حامِلٌ من غيره، أشْبَهَ سائر الحوامِلِ.
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 63، الشرح الكبير 20/ 344.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 203، مسائل ابن منصور 4/ 1538.
(3)
أخرجه أحمد (16990)، وأبو داود (2158)، من حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه. وسنده حسن، فيه محمد بن إسحاق، وقد صرح بالتحديث. وأخرجه الترمذي (1131)، وابن حبان (4850)، من طريق أخرى عن رويفع. وللحديث طرق أخرى، وقد حسّنه الترمذي والبزار والألباني، وصححه ابن حبان وابن الملقن. ينظر: البدر المنير 8/ 214، بلوغ المرام (1116)، صحيح سنن أبي داود 6/ 372، الإرواء 7/ 213.
وقيل: لا يَحرُمُ نكاحُها؛ كما لو لم تَحمِلْ.
فعلى الأوَّل: يَلزَمُها العدَّةُ، ويَحرُمُ النِّكاحُ فيها؛ لاِشْتِباه الأنساب.
وتُشترَط التَّوبةُ منه؛ لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 3]، وهي قبلَ التَّوبة في حُكْمِ الزِّنى، فإذا تابَتْ
(1)
زال ذلك.
وتَوبتُها كغيرها، صحَّحه المؤلف، وقدَّمه في «الفروع» ، ونصُّه: الاِمْتِناعُ من الزِّنى بعدَ الدِّعاية إليه
(2)
، رُوِيَ عن عمرَ وابنِ عبَّاسٍ
(3)
.
وظاهِرُه: لا تُشترَط التَّوبة من الزَّاني.
وعنه: بلى إنْ نَكَحَها، ذَكَرَه ابنُ الجَوزيُّ عن الأصحاب.
وعُلِمَ منه: أنَّها
(4)
إذا تابَتْ
(5)
وانْقَضَتْ عِدَّتُها؛ حلَّتْ للزَّاني وغَيرِه، في قَولِ أكثرِهم.
فائدةٌ: إذا زَنَت امرأةُ رجلٍ، أوْ زَنَى زَوجُها قبلَ الدُّخول أو بعدَه؛ لم يَنفَسِخ النِّكاحُ في قَولِ عامَّتهم
(6)
.
(1)
في (ق): بانت.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 203.
(3)
لم نقف عليهما، قال شيخ الإسلام:(وهو مروي عن عمر وابنه وابن عباس رضي الله عنهم، وقال ابن قدامة: (روي عن ابن عمر، أنه قيل له: كيف تعرف توبتها؟ قال: يريدها على ذلك، فإن طاوعته فلم تتب، وإن أبت فقد تابت). ينظر: المغني 7/ 142، الفتاوى الكبرى 5/ 459.
(4)
في (ظ): أنه.
(5)
في (ق): بانت.
(6)
كتب في هامش (ظ): (قال الشيخ في «الكافي»: فإن وطئت امرأة الرجل بشبهة أو زنًى؛ لم ينفسخ نكاحه؛ لأن النكاح سابق فكان أولى، ولا يحل له وطؤها حتى تنقضي عدتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره» يعني: إتيان الحَبالى؛ ولأنها ربما يأتي بولد من الزنى فيُنسب إليه).
وعن جابِرٍ: «يُفرَّقُ بَينَهما، ولَيسَ لها شَيءٌ»
(1)
، وعن الحسن مثلُه.
ولنا: أنَّ دعواه الزِّنى عليها لا يُبِينُها، ولو كان النِّكاحُ يَنفَسِخُ به؛ لَانْفَسَخَ بمجرَّد دعواه؛ كالرّضاع، ولأِنَّه معصيةٌ أشْبَهت السَّرقةَ، ولكِن اسْتَحَبَّ أحمدُ مُفارَقَتَها إذا زَنَتَ، وقال: لا أَرَى أنْ يُمسِكَ مِثْلَ هذه
(2)
.
ولا يَطأُها حتَّى يَستبْرِئَها بثلاثِ حِيَضٍ، والأَوْلَى بحَيضةٍ.
(وُمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البَقَرَة: 230]، والمرادُ به هنا: الوَطْءُ، فدلَّ أنَّها إذا نَكَحَتْ غَيرَه حلَّت؛ لأِنَّه جَعَلَ ذلك غايةً لتحريمها، وحِلُّها مَوقُوفٌ على طلاق الثَّاني وانقضاء عِدَّته.
(وَالْمُحْرِمَةُ حَتَّى تَحِلَّ)؛ لقوله عليه السلام: «لا يَنْكِحُ المحرِمُ، ولا يُنكَحُ، ولا يَخطُبُ» رواه مسلمٌ
(3)
، ولأِنَّه عارِضٌ مَنَعَ الطِّيبَ، فمَنَعَ النِّكاحَ؛ كالمعتدَّة.
(وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ كَافِرٍ بِحَالٍ)، لا نَعلَمُ فيه خلافًا
(4)
، وظاهِرُه: ولو كان وكيلاً.
(وَلَا لِمُسْلِمٍ نِكَاحُ كَافِرَةٍ)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البَقَرَة: 221]، وظاهِرُه: ولو كان عبدًا، صرَّح به في «الفروع» ، ولا نكاح مرتدَّةٍ وإنْ تَدَيَّنَتْ بدِينِ أهلِ الكتاب؛ لأِنَّها لا تُقَرُّ على دينها، ولا مَجوسيَّةٍ؛ لأِنَّه لم يَثبُتْ لها كتابٌ.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (16881)، عن جابر:«البكر إذا زنت جُلدت، وفُرِّق بينها وبين زوجها، وليس لها شيء» ، إسناده ضعيف، فيه أشعث بن سوَّار الكندي.
(2)
ينظر: المغني 7/ 143.
(3)
أخرجه مسلم (1409) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(4)
ينظر: الأم للشافعي 5/ 7، المغني 7/ 155.
(إِلاَّ حَرَائِرَ أَهْلِ الْكِتَابِ)، فإنَّها تَحِلُّ بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [المَائدة: 5]، ولِإجْماعِ الصَّحابة عليه
(2)
.
لا يُقالُ: ما تقدَّم يَدُلُّ على عدم إباحتهنَّ؛ لِشركهِنَّ، وقَولِ ابنِ عبَّاسٍ:«آيةُ المائدة متأخِّرةٌ عنهما»
(3)
؛ لأِنَّ لفظَ المشركين لا يَتناوَلُ أهلَ الكتاب؛ لقوله تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ} [البَيّنَة: 1].
ونَصَّ على الحرائر؛ لأِنَّ الإماءَ يأتي حكمهنَّ.
والأَوْلى تَرْكُه، وكرهه القاضي والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
، كقول أكثرهم؛ كذبائحهم بلا حاجةٍ.
وشَمِلَ الحَرْبِيَّات من أهل الكتاب، وهو أحدُ الأقوال، اختاره القاضي، وهو ظاهر «الوجيز» و «الفروع» ؛ لدُخولهنَّ في الآية الكريمة.
وقيل: لا يجوز؛ حَمْلاً لآيةِ المنْعِ على ذلك، وآيةِ الجواز على غَيرِ الحربيَّات.
(1)
ينظر: الإشراف 5/ 93، الاستذكار 5/ 496.
(2)
روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم، قال ابن المنذر في الإشراف 5/ 93:(لا يصح عن أحد من الأوائل أنه حرم ذلك)، ومن ذلك: ما أخرجه صالح في مسائله (2/ 320)، والخلال في أحكام أهل الملل (460)، عن قتادة: أن حذيفة بن اليمان وطلحة بن عبيد اللَّه والجارود بن المعلى وأذينة العبدي، تزوج كل واحد منهم امرأة من أهل الكتاب. وروي ذلك عن عمر وعثمان وجابر وغيرهم. ينظر: مصنف عبد الرزاق 7/ 176، مصنف ابن أبي شيبة 3/ 475، السنن الكبرى للبيهقي 7/ 276.
(3)
أخرجه أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (141)، والطبري في التفسير (3/ 711)، وابن أبي حاتم في التفسير (2095)، والنحاس في الناسخ والمنسوخ (ص 194)، والبيهقي في الكبرى (13976)، من طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة عنه. وإسناده جيد. أخرجه محمد بن نصر في السنة (328)، والطبراني في الكبير (12607)، عن أبي مالك الغفاري عنه. قال في مجمع الزوائد 4/ 274:(رجاله ثقات).
(4)
ينظر: الفروع 8/ 252.
ونَصَّ أحمدُ أنَّه يجوز في دار الإسلام فقط وإن اضْطُرَّ، اختاره ابنُ عَقِيلٍ.
وقِيلَ: يَجوزُ في دار الحرب مع الضَّرورة، نَصَّ عليه
(1)
.
وعلَّل الإمامُ المنْعَ في دار الحرب: من أجل الولد؛ لِئَلاَّ يُستعبَدَ
(2)
ويَصيرَ على دينهم، ومُقتَضاهُ: لا يَتزوَّجُ
(3)
.
ونَقَلَ الأثْرمُ
(4)
: لا يَطأُ زوجتَه إنْ كانت معينة
(5)
، فدلَّ على أنَّه يتزوَّج
(6)
آيِسةً وصغيرةً.
تنبيهٌ: أهلُ الكتاب هم اليهود، والنَّصارى، ومَن وافَقَهم في أصل دِينهم؛ كالسَّامِرة، والفِرنْج، والأَرْمَن، وأمَّا الصَّابئةُ؛ فقال أحمدُ: هم من جِنْسِ النَّصارى، وقال في مَوضِعٍ آخَرَ: بَلَغَنِي أنَّهم يُسْبِتونَ، فألْحَقَهم باليهود
(7)
.
وفي «المغْنِي» : الصَّحيحُ أنَّ مَنْ وافَقَ اليهودَ والنَّصارى في أصل دينهم، وخالَفَهم في فروعه؛ فهو منهم، ومَنْ خالَفَهم في أصل دِينهم؛ فلا، ومَنْ سِواهم من الكفَّار؛ كالمتمسِّك بصحفِ إبراهيمَ، وشِيثَ، وزَبورِ داودَ، فَلَيسوا بأهل كتابٍ على الصَّحيح، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، فلا تَحِلُّ نساؤهم ولا ذبائحهم؛ لقوله تعالى: {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ
…
(156)} الآية [الأنعَام: 156].
وقِيلَ: هم أهلُ كتابٍ، فتَنْعَكِسُ الأحكامُ.
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 176.
(2)
في (ظ): يستعيد.
(3)
في (ق): لا تتزوج.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 176.
(5)
كذا في (ظ)، وفي (ق): مغيبة. والذي في شرح الزركشي 5/ 177 والإنصاف 20/ 23: إن كانت معه.
(6)
في (ظ): لا يتزوج.
(7)
ينظر: الفروع 10/ 391.
(فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرَ كِتَابِيٍّ، أَوْ كَانَتْ مِنْ نِسَاءِ بَنِي تَغْلِبَ؛ فَهَلْ تَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وفيه مسألتان:
الأُولى: قَطَعَ الخِرَقيُّ، وأبو بكرٍ، وابن أبي موسى، والقاضي، وجمهور أصحابه، والمؤلِّف في «الكافي»: أنَّه
(1)
لا يَحِلُّ لمسلمٍ نكاحُها؛ لأِنَّها مُتولِّدةٌ بَينَ مَنْ يَحِلُّ
(2)
ومَنْ لا يَحِلُّ
(3)
؛ كالمتولِّد بَينَ مأكولٍ وغيرِه.
والثَّانية: بلى؛ لأِنَّها كتابيَّةٌ، فتَدخُل في العموم.
وحَكَى ابنُ رَزِينٍ ثالثةً: أنَّها تَحِلُّ إذا كان أبوها كتابيًّا؛ لأِنَّ الوَلَدَ يُنسَبُ إليه.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هذا خطأٌ، وكلامُ أحمدَ يدلُّ على أنَّ العِبرةَ بالدِّين، وأنَّه لم يُعلِّقِ الحُكمَ بالنَّسب البتَّةَ
(4)
.
وكذا ذَكَرَه القاضي في «تعليقه» ردًّا على الشَّافعيَّة أنَّ تحريمَ النِّكاح والذَّبيحة يتعلَّقُ بالدِّين دُونَ النَّسَب، والدِّين المُحرِّم مَوجودٌ، فكان الاعتبارُ به دُونَ النَّسب.
وظاهِرُه أنَّه إذا كان أبواه غَيرَ كتابِيَّينِ فالتَّحريمُ، وهو المذْهَبُ، وقِيلَ عنه: لا، وجَزَمَ به في «المغني» ، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين اعتبارًا بنفسه.
وأما الثانية: فالصَّحيحُ أنَّها تَحِلُّ، رُوِيَ عن عمرَ
(5)
(1)
في (ق): أنها.
(2)
في (ق): تحل.
(3)
في (ق): تحل.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 176.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (8576)، والبيهقي في الكبرى (13989)، عن غضيف بن الحارث قال: كتب عامل إلى عمر: أن قِبَلَنا ناسًا يُدعون السامِرَة يقرؤون التوراة، ويسبتون السبت، لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم، فكتب إليه عمر:«إنهم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب» ، إسناده صحيح، واحتج به أحمد كما في أحكام أهل الملل ص 363.
وابنِ عبَّاسٍ
(1)
، قال الأثْرَمُ
(2)
: ما عَلِمْتُ أحدًا من الصَّحابة كَرِهَهُ إلاَّ عليًّا
(3)
، ولأِنَّها كتابيَّةٌ فتَشمَلُها الآيةُ، ولأِنَّ بَنِي تَغْلِبَ يُقَرُّونَ على دينهم بِبَذْلِ المال، فتَحِلُّ نساؤهم كأهل الكتاب.
والثَّانيةُ: لا، رُوِيَ عن عليٍّ، ولأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّهنَّ دَخَلْنَ في دِينِ الكفر بَعْدَ التَّبديل.
وقِيلَ: هما في بقيَّة اليهود والنَّصارى من العرب.
فإنْ شَكَّ فيه؛ فالأَشْهَرُ: أنَّهما يَحرُمانِ.
فرعٌ: لا يَنْكِحُ مجوسيٌّ كتابيَّةً، وقِيلَ: ولا كتابيٌّ مَجوسيَّةً.
(وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ - وَإِنْ كَانَ عَبْدًا - نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ)، رواهُ عن أحمدَ نحوُ عِشْرينَ نفسًا
(4)
، قال أبو الخَطَّاب: هو قَولُ عامَّةِ أصحابنا؛ لقوله تعالى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} [النِّسَاء: 25]، ولأِنَّه اجْتَمَع فيها نقصُ الرِّقِّ والكفرِ، أشْبَهَت المجوسيَّة، فإنَّه اجْتَمَع فيها الكفرُ وعدمُ الكتاب، وحِذارًا من اسْتِرْقاق الولد.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (16197)، والطبري في التفسير (8/ 132)، والطحاوي في مشكل الآثار (15/ 401)، عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن عكرمة عن ابن عباس، قال:«كلوا ذبائح بني تغلب، وتزوجوا نساءهم؛ فإن الله تعالى يقول: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم» ، إسناده صحيح، حماد ممن سمع من عطاء قبل اختلاطه. ينظر: الكواكب النيرات ص 325.
(2)
أسنده الأثرم من قول الحسن. ينظر: أحكام أهل الملل ص 366
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16193)، والخلال في أحكام أهل الملل (1025)، عن إبراهيم، عن علي، أنه كان يكره ذبائح نصارى بني تغلب ونساءهم، ويقول:«هم من العرب» ، مرسل ورجاله ثقات. وأخرجه عبد الرزاق (10033)، عن عبد الكريم قال: يقولون عن علي: «لا تنكح نساء نصارى العرب، ولا تؤكل ذبائحهم» ، منقطع.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 104.
(وَعَنْهُ: يَجُوزُ)؛ لأِنَّها تَحِلّ بملْكِ اليمين، فتَحِلُّ بالنِّكاح كالمسلمة، فَعَلَى هذا: تَحِلُّ للعبد مطلَقًا، وللحرِّ بشَرْطِه.
وعلى الأوَّل: لا فَرْقَ فيها بَينَ أنْ تَلِدَ أوْ لا، ولا بَينَ أنْ تكون لِمُسْلِمٍ أوْ كافِرٍ، صرَّح به القاضي في «تعليقه» .
(وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ، إِلاَّ أَنْ يَخَافَ الْعَنَتَ، وَلَا يَجِدَ طَوْلاً لِنِكَاحِ حُرَّةٍ)؛ أيْ: لَيس للحرِّ المسلِمِ أنْ يتزوَّجَ أمَةً مسلمةً إلاَّ بوجود شَرطَينِ: عَدَمِ الطَّول، وخَوفِ العَنَتِ؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً
…
(25)} الآية [النِّسَاء: 25]، فشَرَطَهما تعالى لنكاحِ الأَمَة، والمعلَّقُ على شرطٍ عَدَمُ عندَ عَدَمِه، وكما إذا كان تحتَه
(1)
حرَّةٌ.
والقَيدُ
(2)
الأوَّلُ يُحتَرَزُ به من العبد، فإنَّ له نكاحَها من غَيرِ شرطٍ؛ لِتَساوِيهما.
والثَّاني يُحترَزُ به عن الكافر.
وقَيْدُ الأمةِ بكونها
(3)
مسلمةً؛ احْتِرازٌ من الكافرة، فإنَّه لا يَجوزُ نكاحُها ولا مع الشَّرْطَينِ.
والعَنَت فسَّره القاضِيانِ أبو يَعْلَى وأبو الحُسَينِ، والشِّيرازيُّ، والمؤلِّفُ بالزِّنى، وفسَّره المجْدُ: لحاجةِ المتعة أو الخِدْمة؛ لِكَبَرٍ أوْ سَقَمٍ، نَصَّ عليه
(4)
، وجَعَلَه ابنُ حمدانَ قَولاً.
والطَّولُ: قال أحمدُ تَبَعًا لاِبنِ عبَّاسٍ: السَّعةُ
(5)
.
(1)
في (ق): فيه.
(2)
في (ق): والفقد.
(3)
في (ق): بأنها.
(4)
ينظر: المحرر 2/ 22.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 189.
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه الطبري في التفسير (6/ 592)، وابن المنذر في التفسير (1600)، وابن أبي حاتم في التفسير (5139)، والبيهقي في الكبرى (13991)، ولا بأس بإسناده.
وعن ابن عبَّاسٍ: لَا يَجِدُ صداقَ حرَّةٍ
(1)
، وقاله القاضي في «المجرَّد» ، وزاد عليه ابنُ عَقِيلٍ: ولا نَفَقَتَها.
وزاد المؤلِّفُ تَبعًا لغَيرِه: (وَلَا ثَمَنَ أَمَةٍ)؛ لأِنَّ القادِرَ على ذلك غَيرُ خائفٍ العَنَتَ، ولأِنَّه قَدَرَ على صيانة وَلَدِه من الرِّقِّ، فهو كالقادِر على نكاحِ مُؤمِنةٍ، وإنْ
(2)
شَرَطَ حُرِّيَّة الولد؛ صار حُرًّا، ذَكَرَه في «الرَّوضة» ، وفي «إعْلامِ الموقِّعِينَ»
(3)
.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يَجِدْ طَولاً لحرَّةٍ مسلِمةٍ، وَوَجَدَ طَولاً لحُرَّةٍ كتابيَّةٍ؛ أنَّ له نكاحَ الأَمَة، قاله في «الاِنتِصار» ؛ لظاهِرِ الآية.
وصرَّح الأكثرُ: بِعَدَمِ اشْتِراط الإسلام، فَمَنْ وَجَدَ طَولاً لحرَّةٍ مطلَقًا؛ لا يجوز له نكاحُ الأَمَة؛ لأِنَّه إِذنْ يأمَنُ
(4)
العَنَت، فيَفوتُ الشَّرطُ، وتوقَّف أحمدُ في روايةِ حَرْبٍ
(5)
.
وقد دخل في كلامه: المجْبوبُ ونَحوُه؛ له نكاحُ الأمة بشَرْطه، وأنَّ له
(1)
ذكره المصنف عن ابن عباس، والمشهور أنه عن جابر رضي الله عنهم، وهو كذلك في شرح الزركشي 5/ 189.
وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (13082)، والشافعي في الأم (5/ 10)، وابن المنذر في التفسير (1605)، والبيهقي في الكبرى (13994)، عن أبي الزبير، أنه سمع جابرًا يقول:«من وجد صداق حرة؛ فلا ينكح أمة» ، وصححه إسناده الحافظ في التلخيص 3/ 374.
(2)
في (ق): فإن.
(3)
ينظر: أعلام الموقعين 4/ 8.
(4)
في (ظ): بأمن.
(5)
ينظر: مسائل حرب- تحقيق فايز حابس 1/ 273، الإنصاف 20/ 362.
نكاحَ الأَمَة الوَلودِ وإنْ وَجَدَ آيِسةً، صرَّح به القاضي وأبو الخَطَّاب في «خِلافَيهِما» ، وعدم جوازِ نكاحها مع فَقْدِ شَرْطه وإنْ كانَتْ لا تَلِدُ لِصِغَرٍ أوْ رَتَقٍ ونحوهما.
واقْتَضَى كلامُه: أنَّه إذا لم يَجِدْ ما يتزوَّج به حرَّةً؛ لم يَلزَمْه الاِقتِراضُ مع القدرة عليه، ولا التَّزوُّجُ بصداقٍ في الذِّمَّة وإنْ كان مُؤجَّلاً؛ دَفْعًا للضَّرَر عنه.
ولو وُهِبَ له الصَّداقُ؛ لم يَلزَمْه قَبولُه، نَعَمْ، لو رَضِيَتْ بِدُونِ مَهرِ مِثْلِها، وهو قادِرٌ على ذلك؛ فاحْتِمالانِ للقاضي في «تعليقه» .
فلو وَجَدَ حُرَّةً بزيادةٍ على مَهْرِ مِثْلِها، لا تُجْحِفُ بماله؛ لَزِمَه للاِسْتِطاعةِ
(1)
، قاله المؤلِّفُ.
ولا يَرِد التيمم على وجْهٍ؛ لأِنَّه رخصةٌ عامَّة، ونكاحُ الأَمَة للضَّرورة، وفي «الترغيب»: ما لم يُعَدَّ سَرَفًا.
وحرةٌ لا تُوطَأُ لصِغَرٍ أوْ غَيبةٍ كعدمٍ في المنصوص
(2)
، وكذا مريضةٌ.
وفي «التَّرغيب» وجهانِ، وفيه: مَنْ نصفُها حرٌّ أَوْلَى مِنْ أَمَةٍ؛ لأِنَّ إرْقاقَ بعضِ الولد أَوْلَى من جميعه.
فرعٌ: يُقبَلُ قَولُه في خشية العنت وعدمِ الطَّول، حتَّى لو كان بيده مال
(3)
، فادَّعى أنَّه وديعةٌ أوْ مُضارَبةٌ قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّه حُكْمٌ فيما بَيْنَه وبَينَ الله تعالى.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا وَفِيهِ الشَّرْطَانِ، ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً؛ فَهَلْ يَبْطُلُ نِكَاحُ الْأَمَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ).
إذا أيْسَرَ بَعْدَ نِكاحها؛ لم يَبطُلْ نكاحُ الأمة على المذهب المجزومِ به عندَ
(1)
في (ظ): الاستطاعة.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 255.
(3)
في (ظ): قال.
الأصحاب؛ لأِنَّ عَدَمَ اسْتِطاعة
(1)
الطَّول شَرطُ نكاحِ الأَمَة، فلم تُعتبَر اسْتِدامَتُه؛ كخَوفِ العَنَتِ.
والثَّانيةُ: بلى؛ لأِنَّه إنَّما أُبِيحَ للحاجة، فإذا زالت؛ لم يَجُزْ له اسْتِدامتُه؛ كأكْلِ الميتة.
وفرَّق بَينَهما في «المغْنِي» : من حَيثُ إنَّ أكْلَ الميتة بَعْدَ القدرة ابتداءٌ للأكل، بخلاف عادِمِ الطَّول فإنَّه غَيرُ مُبْتَدئ، وإنَّما هو مُستَدِيمٌ.
وفي تزوُّج الحرَّة؛ يَنبَنِي على انفساخه
(2)
باليسار وعدمه. وجَعَلَهما في «التَّرغيب» في زوالِ خَوفِ العنت. وفي «المنتخب» : يكون طلاقًا لا فسخًا، ونقله ابنُ منصورٍ إذا تزوَّج حرَّةً على أَمَةٍ: يكون طلاقًا للأَمَة؛ لقَول ابن عبَّاسٍ
(3)
، قال أبو بكرٍ: مسألةُ إسْحاقَ مُفرَدةٌ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً، فَلَمْ تُعِفَّهُ، وَلَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ أُخْرَى؛ فَهَلْ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ أُخْرَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لَيسَ له ذلك، قال أحمدُ
(4)
: يَذهَبُ إلى حديث ابن عبَّاسٍ: «لا يَتزوَّجُ
(5)
من الإماء إلاَّ واحدةً»
(6)
ولأِنَّ تحتَه زَوجةً.
(1)
في (ق): استطاعته.
(2)
في (ق): إبعاضه.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1519. والأثر أخرجه عبد الرزاق (13102)، وسعيد بن منصور (742)، وابن ابي شيبة (16083)، ومسدد كما في إتحاف الخيرة (3235)، والبيهقي في الكبرى (14007)، عن عمرو بن دينار قال: قال ابن عباس: «نكاح الحرة على الأمة طلاق الأمة». قال البوصيري: (إسنادٌ رجاله ثقات).
(4)
ينظر: المغني 7/ 139.
(5)
في (ق): لا تتزوج.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (16067)، وأحمد في مسائل حرب (1/ 354)، والبيهقي في الكبرى (14000)، وهو من طريق عطاء بن السائب وخُصيف بن عبد الرحمن، عطاء اختلط، وخُصيف ضعيف، ولذا ضعف إسناده ابن التركماني في الجوهر النقي 7/ 175، واحتج به أحمد في رواية.
والثَّانية: بلى، وهي المذهَبُ؛ لأِنَّه خائِفٌ العَنَتَ، عادِمٌ لِطَولِ حُرَّةٍ، أشْبَهَ مَنْ لا زوجةَ تحتَه.
ثُمَّ أكَّده بقوله: (قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مِنَ الْإِمَاءِ أَرْبَعًا إِذَا كَانَ الشَّرْطَانِ قَائِمَيْنِ فِيهِ)؛ لأِنَّ المعنى الَّذي أُبِيحَ مِنْ أجْلِه نكاحُ الأَمَة الشَّرْطانِ، فإذا وُجِدا؛ وَجَبَ العَمَلُ بهما.
وقد يُقالُ: له نِكاحُ الأربعِ دَفْعةً واحدةً إذا عَلِمَ أنَّها لا تُعِفُّه، صرَّح به القاضي في «المجرَّد» ، وحَكَى الأوَّلَ عن أبي بكرٍ، وحَمَلَه في «الجامع الكبير» على ما إذا خَشِيَ العَنَتَ، وفسَّره هنا بما إذا كان تحتَه أمةٌ غائبةٌ أوْ مريضةٌ أوْ نَحوُهما.
(وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ الْأَمَةِ)، وإنْ فَقَدَ الشَّرطَينِ؛ لأِنَّه مساوٍ لها، فلم يُعتبَرْ؛ كالحرِّ مع الحرَّة، ومُدبَّرٌ كذلك، وكذا مُكاتَبٌ، ومُعتَقٌ بعضُه، مع أنَّ العلة تَقتَضِي
(1)
المنْعَ فيهما أو في المعتَق بعضُه.
(وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا عَلَى حُرَّةٍ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
المذهَبُ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: له ذلك؛ للمساواة، وكالحرِّ مع الحرَّة.
والثَّانيةُ: لا؛ لأِنَّه مالِكٌ لِبُضْعِ حرَّةٍ، فلم يَجُزْ كالحرِّ.
(وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا)؛ أيْ: بَينَ الحرَّة والأَمَة (فِي الْعَقْدِ؛ جَازَ)؛ لأِنَّ كلَّ واحدةٍ منهما يجوز إفرادُها بالعقد؛ فجاز الجَمْعُ بَينَهما؛ كالأَمَتَينِ.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ لَا يَجُوزَ)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّه جَمْعٌ، أشْبَهَ ما لو تزوَّج الأمةَ على الحرَّة.
ونَقَلَ ابنُ منصور: يصحُّ في الحرَّة فقط
(2)
، وقدَّمه في «المحرَّر» .
(1)
في (ظ): يقتضي.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1523.
وفي «الموجز» : في عبدٍ روايةٌ عَكْسها، وكذا في «التبصرة» ؛ لفَقْدِ الكفاءة، وأنَّه لو لم يُعتبَرْ؛ صحَّ فيهما، وهو روايةٌ في «المُذهب» .
فَرعٌ: وكتابيٌّ، وفي «الوسيلة»: ومجوسيٌّ، وفي «المجموع»: وكلُّ كافِرٍ؛ كمسلِمٍ في نكاح أمةٍ، قال في «الترغيب» وغَيره: فإن اعتُبِر فيه الإسلامُ؛ اعتُبر في الكتابيِّ كونُها كتابيَّةً.
(وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ)، بالإجماع
(1)
؛ لأِنَّ أحكامَ الملك والنِّكاح مُتَناقِضانِ.
(وَلَا لِلْحُرِّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ)؛ لأِنَّ ملْكَ الرَّقبة تُفيدُ
(2)
إباحةَ البُضْع، فلا يَجتَمِعُ مع عَقْدٍ أضْعَفَ منه.
(وَلَا أَمَةَ ابْنِهِ)، دُونَ أَمَةِ والده في الأصحِّ فيهما؛ لأِنَّ له فيه شبهةَ ملْكٍ؛ لقوله عليه السلام:«أنتَ ومالُكَ لأِبِيكَ»
(3)
، وفيه وَجْهٌ.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا يَجوزُ أنْ يتزوَّجَ أمةً له فيها ملْكٌ، ولا مُكاتَبَتَه.
(وَيَجُوزُ لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ ابْنِهِ)؛ لأِنَّ الرِّقِّ قَطَعَ وِلايَتَه عن ابنه وماله، فهو أجنبيٌّ منه.
ويَصِحُّ نكاحُ أمَةٍ من بيت المال، مع أنَّ فيه شبهةً تُسقِط
(4)
الحدَّ، لكِنْ لا يَجعَلُ الأمَةَ أمَّ ولدٍ، ذَكَرَه في «الفنون» .
فرعٌ: لا يَجوزُ للعبد نكاحُ أمِّ سيِّده أوْ سيِّدتِه، خِلافًا لأهل العراق.
(وَإِنِ اشْتَرَى
(5)
، وعبَّر في «الفروع» بِ:(مَلَكَ)، وهو أَوْلى، (زَوْجَتَهُ؛
(1)
ينظر: الإجماع ص 82، المحلى 9/ 160.
(2)
في (ق): يفقد.
(3)
تقدم تخريجه 3/ 389 حاشية (4).
(4)
في (ق): فسقط.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المقنع ص 310: وإن اشترى الحرُّ.
انْفَسَخَ نِكَاحُهَا)، لا نَعلَمُ فيه خلافًا
(1)
؛ لِمُنافاة الحُكْمَينِ، ولأِنَّ النِّكاحَ يُوجِبُ للمرأة حقوقًا تَمنَعها من القَسم، فانفسخ بالملك؛ لأِنَّه اجتمع معه ما لا يُوافِقُه.
وكذا إنْ مَلَكَ جزءًا منها، أو مَلَكَتْه هي؛ أو جزءًا منه، وفي الأصحِّ: أو مكاتَبِه.
وفي «الشَّرح» : إذا مَلَكَتْ بعضَ زوجها، وانْفَسَخَ النِّكاحُ؛ فلَيسَ ذلك طلاقًا، وقال جماعةٌ: هي تطليقةٌ، ولا يَصِحُّ.
(وَإِنِ اشْتَرَاهَا ابْنُهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: يَنفَسِخُ النِّكاحُ؛ لأِنَّ ملْكَ الاِبن كملْكه في إسْقاطِ الحدِّ وحرمةِ الاِسْتِيلاد، فكذا هذا.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّه لا يَمْلِكُها بملْك
(2)
الابن، فلم يَنفَسِخْ نكاحُها، كما لو مَلَكَها أجنبيٌّ.
فلو بَعثَتْ إليه زوجتُه: حَرُمْتُ عليك ونكحتُ غيرَك، وعليك نَفَقَتِي ونفقةُ زوجي؛ فقد مَلَكَتْ زَوجَها، وتزوَّجت ابنَ عمِّها.
فلو قِيلَ: مَلَكَتْ زَوْجَها، وتزوَّجتْ مُعتَقَها، فإذا لم يكن لها مالٌ، وكان للعبد كَسْبٌ؛ أنْفَقَ عليهما منه؛ لأِنَّ المرأةَ إذا كان لها مُعتَقٌ ولَيسَ له نفقةٌ، فنفقتُه على مُعتِقَتِه؛ لأِنَّها عصبتُه.
فرعٌ: إذا اشْتَبَهت أختُه بتسع نسوةٍ فأقلَّ؛ حَرُمْنَ عليه قَبْلَ البيان. وكذا إنْ كان بعشرةٍ، وقيل: يتحرَّى.
فإنْ كانت بنساءِ قبيلةٍ؛ فله نكاح إحداهنَّ، وفي وجوبِ التَّحرِّي وجهانِ.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 20/ 377.
(2)
في (ق): ملك.
وفي «الشَّرح» : أنَّ حنبلاً نَقَلَ عنه في رجلٍ له ثلاثُ بناتٍ، زوَّج إحداهنَّ برجلٍ، ثُمَّ مات الأبُ، ولم يُعلَمْ أيَّتهنَّ زَوَّجَها؛ أُقرِع بَينهنَّ، فمَن أصابتها القرعةُ فهي زوجتُه، وإنْ مات الزَّوجُ فهي الَّتي تَرِثُه. انتهى.
وإن اشتبهتْ مطلَّقتُه دُونَ الثَّلاث بزوجته، أو أمته بمعتقته
(1)
؛ تحرَّى في الأصحِّ.
(وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَرَّمَةٍ وَمُحَلَّلَةٍ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ؛ فَهَلْ يَصِحُّ فِيمَنْ تَحِلُّ لَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الفروع»:
إحداهما: يَفسُدُ فيهما، اختاره أبو بكرٍ؛ كما لو جَمَعَ بَينَ أختَينِ.
والثَّانية: يصحُّ
(2)
فيمَنْ تَحِلُّ له، ونَصَّ عليه فيمَن تزوَّج حرَّةً وأَمَةً
(3)
، وهي ظاهِرُ المذهب؛ لأِنَّها محلٌّ قابِلٌ للنِّكاح، أضيف إليها عَقْدٌ صادِرٌ من أهله، لم يَجتمِع معها فيه مثلُها، فصحَّ؛ كما لو انفردت
(4)
به.
فعلى هذا: يكون لها من المسمَّى بقِسْطِ مهرِ مثلِها، وقيل: لها نصفُ المسمَّى.
(وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحُهَا؛ حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ) في قَولِ أكثرهم؛ لأِنَّ النِّكاحَ إذا حرُم؛ لكونه طريقًا إلى الوطء؛ فَلَأنْ يَحرُمَ الوطْءُ بنفسه بطريق الأَوْلى.
وجوَّزه الشَّيخُ تقيُّ الدِين؛ كأمةٍ كتابيَّةٍ
(5)
.
(إِلاَّ إِمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ)، في قَولِ عامَّتهم؛ لقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ
(1)
في (ق): بمعتقة.
(2)
في (ظ): تصح.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1523، الروايتين والوجهين 2/ 102.
(4)
في (ظ): أفردت.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 257.
أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، وإنَّما حَرُم نكاحُها؛ لِمَا فيه من إرْقاقِ الولد وإبْقائِه مع كافرةٍ، وهو معدومٌ في التَّسرِّي، وكَرِهَه الحَسَنُ.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَحِلُّ)؛ أيْ: لا يَصِحُّ (نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ)، نَقَلَه الميمونيُّ
(1)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّه لم يتحقَّق جهة ما يُبيحُ له النِّكاح، فلم يُبَحْ
(2)
له؛ كما لو اشْتَبَهت أختُه بأجنبيَّةٍ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَنَا رَجُلٌ؛ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ)، اختاره القاضي في الرِّوايتَينِ؛ لأِنَّ الله تعالى أجرى العادةَ في الحيوانات بمَيلِ الذَّكر إلى الأنثى، وبالعكس، وهذا المَيلُ في النَّفْس لا يَطَّلِعُ عليه غَيرُه، فرُجِعَ فيه إلَيهِ؛ لتعذُّر معرفته من غَيرِه، كما رُجِع إلى المرأة في حَيضها وعِدَّتها، وهذا في الأمور الباطنة فيما يَختَصُّ بحُكمه، (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ بِغَيْرِ ذَلِكَ بَعْدُ)؛ لأِنَّه أقرَّ بتحريمه، ولأِنَّه إذا ادَّعى غَيرَ الأوَّل؛ يكون مُكذِّبًا لنفسه، مُدَّعيًا دَعوى تُناقِضُ قَولَه الأوَّل، فلم يُلتَفَتْ إليه؛ كالإنكار بعدَ الإقرار.
(وَإِنْ قَالَ: أَنا امْرَأَةٌ؛ لَمْ يَنْكِحْ إِلاَّ رَجُلاً)؛ لِمَا ذَكَرْنا، (فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ: أَنَا امْرَأَةٌ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ)؛ لِإقْراره ببُطْلانه، ولَزِمَه نصفُ المهر قَبْلَ الدُّخول، وإلاَّ جميعُه، ولا يَحِلُّ له أنْ يَنْكِحَ بعد ذلك؛ لأِنَّه أقرَّ بقوله: أنا رجلٌ بتحريمِ الرِّجال، وأنا امرأةٌ بتحريم النِّساء.
(وَلَوْ تَزَوَّجَ بِرَجُلٍ، ثُمَّ قَالَ: أَنَا رَجُلٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ)؛ لأِنَّ النِّكاحَ حقٌّ عليه، فلا يُقبَلُ قَولُه في إسْقاطِ حقِّ الغَير، فإذا زال النِّكاحُ؛ فلا مَهْرَ؛ لأِنَّه يُقِرُّ أنَّه لا يَستَحِقُّه، سَواءٌ دخَلَ بها أوْ لا.
وفي «المحرَّر» : إنْ عاد عن قَوله الأوَّلِ، ولَيسَ بمتزوِّجٍ؛ مُنِعَ نكاحَ
(1)
ينظر: الفروع 8/ 257.
(2)
في (ق): فلم تبح.
الصِّنفَينِ بالكُلِّيَّة عندي، وظاهِرُ قَولِ أصحابنا: لا يُمنَعُ من الصِّنف الأوَّل إنْ عاد إليه، وإنْ عاد أوَّلاً وقد نَكَحَ؛ انْفَسَخَ نكاحُه من المرأة دُونَ الرَّجل، وفي نكاحه لِمَا يَستقْبِلُ الوجْهانِ.
فائدةٌ: لا يَحرُم في الجنَّة زيادةٌ على العدد، والجَمْعُ بَينَ المحارِم وغيرُه، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 258، الاختيارات ص 314.
(بَابُ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ)
(وَهِيَ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ)، وفاسِدٌ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فانْقَسَمَ إلى ذلك؛ كالبيع.
والأوَّل نَوعانِ:
أحدهما: شَرْطُ ما يَقتَضِيهِ العقدُ؛ كتسليم المرأة، وتمكينه من الاِسْتِمْتاع بها، فهذا لا أثَرَ له، وجودُه كالعدم.
والثَّاني: شَرْطُ ما تَنتَفِعُ به المرأةُ، وهو المعبَّرُ عنه بقوله: (مِثْلُ اشْتِرَاطِ زِيَادَةٍ فِي الْمَهْرِ، أَوْ نَقْدٍ
(1)
مُعَيَّنٍ)، فهذا صحيحٌ يَجِبُ الوَفاءُ؛ كالثَّمَن في البيع.
(أَوْ) شَرْطِ (أَنْ لَا يُخْرِجَهَا مِنْ دَارِهَا، أَوْ بَلَدِهَا)، هذا المذهبُ، وعليه الأصحابُ؛ لِمَا رَوَى عُقْبةُ بنُ عامِرٍ مرفوعًا قال:«إنَّ أحقَّ الشُّروط أنْ تُوفُوا به؛ ما اسْتَحْلَلْتُم به الفُروجَ» رواهُ الشَّيخانِ
(2)
، ولِعُموماتِ الأمْرِ بالوَفاء بالعُقود والعُهود، ولأِنَّ الشَّارِعَ حرَّم مالَ الغَير إلاَّ عن تَراضٍ منه، ولا شكَّ أنَّ المرأةَ إذا لم تَرْضَ ببذلِ فرْجها إلاَّ بهذا الشَّرطِ، وشأن الفرْجِ أعظمُ من المال، فإذا حرُمَ المالُ إلاَّ بالتَّراضِي، فالفَرْجُ أَوْلَى، مع أنَّ الأثرمَ رَوَى: أنَّ رجلاً تزوَّج امرأةً، وشَرَطَ لها دارَها، ثُمَّ أراد نَقْلَها، فخاصَموهُ إلى عمرَ، فقال:«لها شَرْطُها»
(3)
.
(1)
في (ظ): بقدر.
(2)
أخرجه البخاري (2721)، ومسلم (1418)، من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(3)
علقه البخاري بصيغة الجزم (190)، ووصله عبد الرزاق (10608)، وسعيد بن منصور (662)، وابن أبي شيبة (16449)، والبيهقي في الكبرى (14438)، عن عبد الرحمن بن غنم قال: شهدت عمر بن الخطاب رضي الله عنه أُتي في امرأة جعل لها زوجها دارها، فقال عمر:«لها شرطها» ، فقال رجل: إذًا يطلقننا، فقال عمر:«إنما مقاطع الحقوق عند الشروط» ، واحتج به إسحاق في مسائل ابن منصور 4/ 1528، قال الألباني في الإرواء 6/ 304:(صحيح على شرط الشيخين).
وعنه: لا يَلزَمُ، وحكاها أبو الحُسَين عن شَيخه؛ لقوله عليه السلام:«كلُّ شَرْطٍ لَيس في كتاب الله؛ فهو باطِلٌ»
(1)
، وعن عَمرِو بنَ عوفٍ:«المسلِمونَ عندَ شُروطهم، إلاَّ شَرطًا حرَّم حلالاً، أوْ أحلَّ حرامًا» رواه التِّرمِذِيُّ، وقال: حَسَنٌ صحيحٌ
(2)
.
وجوابُه: بأنَّ معناه: «ليس في كتاب الله» ؛ أيْ: في حُكْمه وشَرْعه، وهذه مشروعةٌ، ومَنْ نَفاهُ فعليه الدَّليلُ، وعن الثَّاني: بأنَّها لا تُحرِّم الحلالَ، وإنَّما يَثبُت للمرأة خيارُ الفسخ.
وقال القاضي في «الجامع» : يَثبُتُ لها الفسخُ بالعزم على الإخراج.
وما ذَكَرَه المؤلِّفُ هو قَولُ عمرَ
(3)
، وسعدِ بنِ أبي وَقَّاصٍ
(4)
، ومُعاوِيةَ، وعمرِو بنِ العاصِ
(5)
، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ في عصرهم، فكان كالإجماع.
(أَوْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَسَرَّى؛ فَهَذَا صَحِيحٌ)؛ لقَولِ عمرَ: «مَقاطِعُ
(1)
أخرجه البخاري (2155)، ومسلم (1504)، وأخرجه ابن ماجه (2521) باللفظ الذي ذكره المؤلف.
(2)
تقدّم تخريجه 4/ 489 حاشية (8).
(3)
تقدم تخريجه قريبًا.
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في المحتضرين (26)، ومن طريقه ابن عبد البر في التمهيد (18/ 168)، وابن عساكر في تاريخه (20/ 350)، عن مولاة نافع بن عتبة بن أبي وقاص قالت: رأيت سعدًا زوج ابنته رجلاً من أهل الشام، وشرط له أنْ لا يخرجها، وذكرت القصة. رجاله ثقات إلا مولاة نافع بن عتبة، فلم نقف لها على ترجمة.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10612)، وسعيد بن منصور (664)، وابن أبي شيبة (16452)، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود قال: أُتي معاوية في امرأة شرط لها زوجها أنَّ لها دارها، فسأل عمرو بن العاص، فقال:«أرى أن يفي لها بشرطها» ، رجاله ثقات، ولا ندري إن كان أبا عبيدة سمع من معاوية أو عمرو رضي الله عنهما.
الحقوق عندَ الشُّروط»
(1)
، ولأِنَّه شَرْطٌ لها
(2)
فيه منفعةٌ؛ كاشْتِراط نَقْدٍ مُعيَّنٍ؛ (لَازِمٌ إِنْ وَفَّى بِهِ، وَإِلاَّ فَلَهَا الْفَسْخُ)؛ كاشْتِراطِ صفةٍ في المبيع؛ ككونه كاتِبًا أوْ صانِعًا.
ومُقتَضَى كلامِ أصحابنا: أنَّ الزَّوجَ لا يجبَرُ على الوفاء بالشَّرط، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ خِلافُه.
تنبيهٌ: ظاهِرُ إطْلاقِ المؤلِّفِ، وذَكَره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين ظاهرَ
(3)
المذهب، ومَنصوصَ الإمام: أنَّه كالشَّرْط فيه
(4)
؛ لأِنَّ الأمْرَ بالوفاء بالشُّروط والعُقود يَتناوَلُ ذلك.
والثَّاني: لا يُؤثِّرُ إلاَّ إذا اشْتُرِطَتْ في العَقْد، وهو مُقتَضَى كلامِ القاضي في مَواضِعَ، واختاره في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ كالشُّروط.
والثَّالثُ: يُفرَّقُ بَينَ شَرْطٍ يَجعَلُ العَقْدَ غَيرَ مَقصودٍ، كالتَّواطُؤِ على أنَّ البَيعَ تَلْجِئةٌ لا حقيقةَ له، فيُؤثِّرُ، وبَينَ شَرْطٍ لا يُخرِجُه عن أنْ يكونَ مقصودًا؛ كاشْتِراطِ الخيارِ، فهذا لا يُؤثِّرُ، قاله القاضي في «تعليقه» .
(وَإِنْ شَرَطَ لَهَا طَلَاقَ ضَرَّتِهَا؛ فَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: هُوَ صَحِيحٌ)، وهو روايةٌ، ذَكَرَه جماعةٌ، وجَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأِنَّ لها فيه نَفْعًا وفائدةً، أشْبَهَ ما لو شَرَطَتْ أنْ لا يَتزَوَّجَ عَلَيها.
لكِنْ قال المؤلِّفُ: (وَيَحْتَمِلُ: أَنَّهُ بَاطِلٌ)، هذا قَولٌ في المذهَب؛ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لَا تَسْأَلِ الْمَرْأَةُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَكْتَفِئَ مَا فِي صَحْفَتِهَا،
(1)
تقدم تخريجه 7/ 525 حاشية (3).
(2)
في (ظ): له.
(3)
قوله: (ظاهر) سقط من (ظ).
(4)
أي: يصح اشتراط هذه الشروط قبل العقد؛ كما يصح اشتراطها في العقد. ينظر: الفروع 8/ 259، شرح الزركشي 5/ 142.
وَلْتَنْكِحْ، فَإِنَّ لَهَا مَا قُدِّرَ لَها») رواه البخاريُّ من حديثِ أبي هُرَيرةَ
(1)
، والأشَهَرُ: مِثلُه بَيعُ أَمَتِه.
قال في «عيون المسائل» وغيرها: إذا شَرَطَتْ أنْ
(2)
يُسافِرَ بها إذا أرادت انْتِقالاً؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه اشْتِراطُ تصرُّفٍ في الزَّوج بحُكْمِ عقدِ النِّكاح، وذلك لا يَجوزُ، كما لو شَرَطَتْ أنْ تَستَدْعِيَه إلى النِّكاح وَقْتَ حاجَتِها وإرادتها، وهنا شَرَطَتِ التَّسليمَ على نفسها في مكانٍ مخصوص، فاقْتَصرتْ بالشَّرط في تصرُّفه فيها على بعضِ ما تَستَحِقُّه من التَّصرُّف بإطلاق العقد، وذلك غَيرُ ممتَنِعٍ، كما بيَّنَّا أنَّ الشَّرعَ قَصَرَ تصرُّفَه على مكانٍ وعددٍ، فلا يَخُصُّ الشَّرعُ الزَّوجةَ بالتَّصرُّف في الزَّوج.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه: لا تَبعُد صحَّتُه، وأنَّه يُخرَّج من شَرطِها طَلاقَ ضرَّتها.
أصلٌ: ذَكَرَ الشَّيخُ شمسُ الدِّين بنُ القَيِّمِ
(3)
في «الهَدْيِ» في قصَّة هاشِمِ
(4)
ابنِ المغيرةِ لَمَّا استأْذَنوا أنْ يُزوِّجُوا عليَّ بنَ أبي طالِبٍ ابنةَ أبي جَهْلٍ، قال فيه: إنَّه تَضمَّنَ هذا مسألةَ الشَّرْطِ؛ لأِنَّه عليه السلام أخبر أنَّه يُؤذِي فاطمةَ، ويُريبُها، ويُؤذِيهِ ويُريبهُ
(5)
، وأنَّه معلومٌ إنَّما زوَّجه على عَدَمِ ذلك، وأنَّه إنَّما دخل عليه وإن لم يشترط في العقد.
وفي ذِكْرِه عليه السلام صِهْرَه الآخَرَ بأنَّه حدَّثه فصَدَقَه، ووعَدَه فَوفَّى له؛ تعريضٌ لعليٍّ، وأنَّه قد جرى منه وعدٌ له بذلك، فحثَّه عليه.
(1)
أخرجه البخاري (5152)، ومسلم (1408).
(2)
في (ظ): أن لا.
(3)
قوله: (ابن القيم) سقط من (ق).
(4)
صوابها: هشام.
(5)
أخرجه البخاري (3729)، ومسلم (2449)، من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنهما.
قال: فيؤخَذُ من هذا: أنَّ المشروطَ عُرْفًا كالمشروط لَفْظًا، وأنَّ عدَمه يُملَكُ به الفَسْخٌ، فقَومٌ لا يُخرِجون نساءَهم من ديارهم، أو المرأةُ من بيتٍ لا يتزوَّجُ الرَّجلُ على نسائهم ضَرَّةً، ويَمنَعون الأزواجَ منه، أو يُعلَمُ
(1)
عادةً أنَّ المرأةَ لا تمكِّنُ من إدخال الضَّرَّة عليها؛ كان ذلك كالمشروط لَفْظًا، وهذا مُطَّرِدٌ على قواعد أهل المدينة، وأحمد: أنَّ الشَّرطَ العُرْفِيَّ كاللَّفظيِّ، وبهذا أَوْجَبوا الأجرةَ على مَنْ دَفَعَ ثَوبَه إلى قصَّارٍ، المسألةُ المشهورةُ.
فرعٌ: متى بانَتْ من زَوجها؛ فلا حقَّ لها في الشَّرط، نقل أبو الحارث: وإنْ أعْطَتْه مالاً، واشْتَرَطَتْ عليه أنْ لا يتزوَّجَ عليها: يَرُدُّ عليها المالَ إذا تزوَّج، وأنَّه لو دَفَعَ إليها مالاً على أنْ لا تَتَزوَّجَ بعدَ مَوتِه، فتزوَّجَتْ: ترُدُّ المالَ إلى ورثته
(2)
.
(1)
في (ظ): أو تعلم.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 182، الفروع 8/ 263.
(فَصْلٌ)
(الْقِسْمُ الثَّانِي: فَاسِدٌ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ):
(أَحَدُهَا: مَا يُبْطِلُ النِّكَاحَ، وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ؛ نِكَاحُ الشِّغَارِ)، قِيلَ: سُمِّيَ به؛ لِقُبْحِه، تشبيهًا بِرَفْع الكلب رِجْلَه لِيَبولَ، يُقالُ: شَغَرَ الكلبُ، إذا فَعَلَ ذلك، وقِيلَ: هو الرَّفْعُ، كأنَّ كلَّ واحِدٍ رَفَعَ رِجْلَه للآخَر عمَّا يُريدُ، وقِيلَ: هو البُعْدُ، كأنَّه بَعُدَ عن طريق الحقِّ.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: الأظْهَرُ أنَّه من الخُلُوِّ، يُقالُ: شَغَرَ المكانُ إذا خلا، ومكانٌ شاغِرٌ؛ أيْ: خالٍ، وشَغَرَ الكلبُ: إذا رَفَعَ رجله؛ لأنَّه أخْلى ذلك المكانَ من رِجْلِه
(1)
.
وقد فسَّره الإمامُ أحمدُ: بأنَّه فَرْجٌ بفَرْجٍ
(2)
، فالفُروجُ كما لا تُوهَبُ ولا تُورَثُ
(3)
، فَلَأَنْ لا يُعارَضَ
(4)
بُضْعٌ بِبُضْعٍ أَوْلَى، ولأِنَّه جَعَلَ كلَّ واحِدٍ من العَقْدَينِ سَلَفًا في الآخَر، فلم يَصِحَّ، كبِعْتُك ثَوبِي بمائةٍ على أنْ تَبِيعَنِي ثَوبَكَ بمائةٍ.
(وَهُوَ: أَنْ يُزَوِّجَهُ وَلِيَّتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ الآْخَرُ وَلِيَّتَهُ، وَلَا مَهْرَ بَيْنَهُمَا)، فهذا باطِلٌ؛ لِمَا رَوَى نافِعٌ، عن ابن عمرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الشِّغار، والشِّغارُ: أنْ يُزوِّجَ الرَّجلُ ابنتَه على أنْ يُزوِّجَه ابنته
(5)
ولَيسَ بَينَهما صداقٌ»
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 222.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 223.
(3)
في (ظ): لا يُوهَبُ ولا يورَثُ.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 223: يعاوض.
(5)
في (ظ): ابنه.
متَّفقٌ عليه
(1)
، وأبو داودَ جَعَلَ تفسيرَه من كلامِ نافعٍ
(2)
، وعن ابن عمرَ مرفوعًا، قال:«لا شِغارَ في الإسلام» رواه مسلمٌ
(3)
، ورُوِيَ نحوُه من حديث عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ
(4)
، وأنَسٍ
(5)
، وجابِرٍ
(6)
، والنَّهيُ يَدُلُّ على الفساد، والنَّفيُ لنفيِ الحقيقة الشَّرعيَّة، ويُؤيِّده فِعْلُ الصَّحابة، قال أحمدُ: رُوِيَ عن عمرَ وزَيدٍ: «أنَّهما فرَّقا فيه»
(7)
.
وخرَّج أبو الخَطَّاب وجمعٌ روايةً: بِبطلانِ الشَّرط، وصحَّةِ العقد، من نصِّه في روايةِ الأثرمِ: إذا تزوَّجَها بشَرطِ الخِيار، أوْ إنْ جاءَها بالمهر في وَقْتِ كذا، وإلاَّ فلا نكاحَ: أنَّ النِّكاحَ جائزٌ، والشَّرطَ باطلٌ
(8)
؛ إذْ فَسادُ التَّسمية لا يُوجب فسادَ العقد، كما لو تزوَّجها على خمرٍ ونحوِه، فعلى هذا: يَجِبُ مَهْرُ المثل.
(فَإِنْ سَمَّوْا مَهْرًا) مستَقِلًّا غَيرَ قليلٍ حيلةً؛ (صَحَّ، نَصَّ عَلَيْهِ
(9)
، وعليه أكثرُ الأصحاب؛ لحديثِ ابنِ عمرَ؛ إذ التَّفسيرُ إنْ كان من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم؛ فظاهِرٌ،
(1)
أخرجه البخاري (5112)، ومسلم (1415).
(2)
أخرجه أبو داود (2074).
(3)
أخرجه مسلم (1415).
(4)
أخرجه النسائي في المجتبى (3335)، وفي الكبرى (5471)، عن الحسن، عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«ولا شغار في الإسلام» . وسنده قويّ. وأخرجه البزّار في مسنده (3534)، من طريق أخرى عن الحسن.
(5)
أخرجه أحمد (13032)، وابن ماجه (1885)، وأبو عوانة (4054)، وابن حبان (4154)، والبيهقي في الخلافيات (4162)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، مرفوعًا بلفظ:«لا شغار في الإسلام» . وسنده صحيح، وصححه ابن حبان، وقال البيهقي:(إسناد متّصلٌ ورواته ثقات، وهو غريب بهذا الإسناد).
(6)
أخرجه مسلم (1417) عن جابر رضي الله عنه، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشِّغار» .
(7)
أورده ابن قدامة في المغني 7/ 176، ولم نقف عليه مسندًا.
(8)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 393.
(9)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 106.
وإنْ كان من نافِعٍ؛ فهو راوي الحديث، وقد فسَّره بما لا يُخالِفُ ظاهِرَه، فيُتْبَعُ.
وقِيلَ: يَصِحُّ بمَهْر المثل.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ) وأبو بكرٍ في «الخلاف» ، وحكاه في «الجامع» روايةً: أنَّه (لَا يَصِحُّ)؛ لِمَا رَوَى عبدُ الرحمن بنُ هُرْمُزَ الأعرجُ: أنَّ العبَّاسَ بنَ عبدِ الله بنِ عبَّاسٍ أَنْكَحَ عبدَ الرَّحمنِ بنَ الحَكَم ابنتَه، وأنْكَحَه عبدُ الرَّحمن ابنتَه، وقد كانا جَعَلَا صَداقًا، فكتَبَ مُعاوِيةُ إلى مَرْوانَ بنِ الحَكَمِ يأمُرُه بالتَّفريق بَينَهما، وقال:«هذا الشِّغارُ الذي نهى عنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم» رواه أحمدُ وأبو داودَ
(1)
.
وجوابُه: بأنَّ أحمدَ ضعَّفه من قِبَلِ ابنِ إسحاقَ، وبأنَّه يُحمَلُ على أنَّهما كانا جَعَلَا صداقًا قليلاً حيلةً.
وحَكَى المجْدُ قَولاً، وصحَّحه: أنَّه لا يَصِحُّ مع قوله: وبُضْعُ
(2)
كلِّ واحِدةٍ مَهرُ الأخرى فقط؛ للتَّصريح بالتَّشريك المقتَضِي للبطلان، وقد صرَّح القاضي، وابن عَقِيلٍ، والمؤلِّفُ أنَّه متى صرَّح بالتَّشريك لا يَصِحُّ قَولاً واحدًا، فهذه الصُّورة عندهم مُخْرَجةٌ من محلِّ الخلاف.
وظاهِرُ كلامِ ابنِ الجَوزيِّ: يَصِحُّ معه بتسميةٍ
(3)
.
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وجْهًا اختاره: أنَّ بطلانَه لاِشْتِراطِ عَدَمِ المهر
(4)
.
ومتى قلنا بصحَّة العقد إذا سمَّيَا صداقًا؛ فقيل: تَفسُدُ التَّسميةُ، ويَجِبُ
(1)
أخرجه أحمد (16856)، وأبو داود (2075)، وأبو يعلى (7370)، وابن حبان (4153)، من طريق ابن إسحاق، حدثني عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، فذكره. وسنده حسن، وصرّح محمد بن إسحاق بالتّحديث فانتفى بذلك تدليسه، وقد صحّحه ابن حبان، وحسّنه الألباني. ينظر: الإرواء 6/ 307.
(2)
في (ظ): وتضع.
(3)
في (ق): بتسميته.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 264.
مَهْرُ المثل، وقِيلَ: يَجِبُ المسمَّى، وهو المذهَبُ.
فإنْ
(1)
سمَّى لأحدهما صداقًا دُونَ الأخرى؛ فَسَدَ نكاحُهما عند أبي بكرٍ، والأَولَى: أنَّه يَفسدُ في التي لم يُسَمَّ لها صداقًا، وفي الأخرى روايتان.
مسألةٌ: إذا قال: زوَّجتُكَ جاريَتِي هذه على أنْ تُزوِّجَني ابنتَك، وتكون
(2)
رقبتُها صداقًا لاِبنَتِك؛ لم يصحَّ تزويجُ الجارية.
وإذا زوَّج ابنتَه على أنْ يَجعَلَ رقبةَ الجاريةِ صداقًا لها؛ صحَّ.
وإنْ زوَّج عبدَه امرأةً، وجَعَلَ رقبتَه صداقًا لها؛ صحَّ النِّكاح، وَوَجَبَ مَهْرُ المثل.
(وَالثَّانِي: نِكَاحُ الْمُحَلِّلِ)، وهو حرامٌ باطِلٌ في قَولِ عامَّة العلماء، (وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَحَلَّهَا) للأوَّل (طَلَّقَهَا)، أوْ فلا نكاحَ بَينَهما، أو زوَّجْتُكها إلى أنْ تَطَأَها؛ لِمَا رَوَى ابنُ مَسعودٍ قال:«لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المحلِّلَ والمحلَّلَ له» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ، والتِّرمِذِيُّ وصحَّحه
(3)
، وعن عليٍّ مِثلُه، رواه الخمسةُ إلاَّ النَّسائيَّ
(4)
، وعن أبي هريرةَ كذلكَ، رواه
(1)
في (ق): وإن.
(2)
في (ظ): ويكون.
(3)
أخرجه أحمد (4403)، والترمذي (1120)، والنسائي (3416)، والدارمي (2304)، وسنده حسن أو صحيح، فيه أبو قيس عبد الرحمن بن ثروان الأودي، وثقه غير واحد من الأئمّة، وهو صدوق ربما خالف، وتكلّموا في بعض حديثه، والحديث صحّحه ابن القطّان وابن دقيق العيد وابن الملقِّن والألباني. وقال الترمذي:(حسن صحيح). ينظر: نصب الراية 3/ 238، البدر المنير 7/ 612، التلخيص الحبير 3/ 350، الإرواء 6/ 307.
(4)
أخرجه أحمد (844)، وأبو داود (2076)، والترمذي (1119)، وابن ماجه (1935)، ومداره على الحارث الأعور، وهو ضعيف، قال الترمذيّ: (حديث معلول
…
ليس إسناده بالقائم)، وضعّفه ابن الملقِّن وابن حجر والألباني، وصحّحه ابن السّكن. ينظر: البدر المنير 7/ 613، التلخيص الحبير 3/ 350، الإرواء 6/ 309.
أحمدُ
(1)
، وعن عقبةَ بنِ عامِرٍ قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم
(2)
: «ألَا أخْبِركم بالتَّيس المسْتَعار؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال:«هو المحلِّلُ» ، لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المحلِّلَ والمحلَّلَ له. رواه ابن ماجَهْ
(3)
، وهو عليه السلام لا يَلعَنُ على فِعْلٍ جائِزٍ، فدلَّ ذلك على تحريمه وفسادِه، وتسميته محلِّلاً؛ لقَصْده الحِلَّ في مَوضِعٍ لا يَحصُل فيه
(4)
الحِلُّ، كقوله عليه السلام:«ما آمَنَ بالقرآن من اسْتَحَلَّ مَحارِمَه»
(5)
،
(1)
أخرجه أحمد (8287)، وابن الجارود (684)، والبيهقي في الكبرى (14186)، حسّنه البخاري وابن القيم وأقرّه الألباني، وقال شيخ الإسلام:(إسناده جيد). ينظر: العلل الكبير للترمذي (273)، زاد المعاد 5/ 100، إعلام الموقعين 4/ 416، البدر المنير 7/ 613، الإرواء 6/ 308.
(2)
زيد في (ظ): قال.
(3)
أخرجه ابن ماجه (1936)، والروياني (226)، والطبراني في الكبير (825)، والدارقطني (3618)، والحاكم (2804) عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه. وسنده حسن على أقل أحواله، وعند الروياني تصريح مشرح بالسّماع، وقد حسّنه الإشبيلي والألباني، وصححه الحاكم وابن عبد الهادي. وأعلّه أبو زرعة الرازي وغيره بعدّة علل، وأجاب عنها شيخ الإسلام وابن القيم وابن كثير، قال شيخ الإسلام:(فثبت أنَّ هذا الحديث جيد، وإسناده حسن). ينظر: العلل الكبير للترمذي (274)، العلل لابن أبي حاتم 4/ 35، الأحكام الوسطى 3/ 156، العلل المتناهية 2/ 158، بيان الوهم 3/ 504، الفتاوى الكبرى 6/ 194، إعلام الموقعين 4/ 416، تفسير ابن كثير 1/ 627، الإرواء 6/ 309.
(4)
في (ق): منه.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (30200)، وعبد بن حميد في المنتخب (1003)، والترمذي (2918)، من طرق عن أبي فروة يزيد بن سنان، عن أبي المبارك، عن صهيب رضي الله عنه مرفوعًا. وأخرجه البزّار (2084)، والطبراني (4366) من طريق محمّد بن يزيد بن سنان الرّهاوي، سمعت أبي، عن عطاء بن أبي رباح، عن مجاهد، عن ابن المسيب، يقول: سمعت صهيبًا فذكره. ومحمّد بن يزيد الرّهاوي، روَى عن أبيه مناكير، وهو وأبوه ضعيفان. والحديث ضعفه الترمذي وأبو زرعة، وعدّه ابن عدي من المناكير، وقال أبو حاتم:(هذه كلُّها منكرة، ليست فيها حديث يمكن أن يقال: إنه صحيح، وكأنّه شبه الموضوع، وحديث أبيه أنكرها، ومحلّ يزيد محلُّ الصِّدق، والغالبُ عليه الغفلة، فيحتمل أن يكون سمع من أبي المبارك هذا، وهو شبه مجهول). وأبو المبارك: رجل مجهول. قاله الترمذي. ينظر: العلل لابن أبي حاتم 4/ 570، الكامل 9/ 154، مجمع الزوائد للهيثمي 1/ 177.
وعن جابِرٍ
(1)
قال: سمعتُ عمرَ يَخطُبُ وهو يقول: «والله إنِّي لا أُوتَى بمُحلِّلٍ ولا محلَّلٍ له إلا رَجَمْتُهما» رواه الأثْرَمُ
(2)
، وهو قَولُ الفقهاء من التَّابِعينَ، ولأِنَّه نكاحٌ إلى مدَّةٍ، وفيه شَرْطٌ يَمنَع بقاءَه، أشْبَهَ نكاحَ المتعة.
وخرَّج القاضي وأبو الخَطَّاب روايةً: ببطلان الشَّرط وصحَّة العقد، من مسألة اشْتِراط الخِيارِ، وكذلك ابنُ عَقِيلٍ، لكنَّه خرَّجها من الشُّروط الفاسدة.
(فَإِنْ نَوَى ذَلِكَ بِغَيْرِ
(3)
شَرْطٍ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وعليه الأصحابُ؛ لعموم ما تقدَّم، يؤيِّده ما رَوَى ابنُ شاهِينَ في «غرائب السُّنَن»: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئل عن نكاح المحلِّل، فقال:«لا نكاحَ إلاَّ نكاحُ رَغْبةٍ، لا نكاحُ دُلْسةٍ»
(4)
، وظاهِرُه شامِلٌ إذا اشترطا التَّحليلَ حالَ العَقْد أوْ قَبْلَه، ولم
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المغني 7/ 181 وشرح الزركشي 5/ 232: قبيصة بن جابر، وسيأتي تخريجه.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10777)، وسعيد بن منصور (1992)، وابن أبي شيبة (17080)، والبيهقي في الكبرى (14191)، عن المسيب بن رافع، عن قبيصة بن جابر الأسدي به. قال شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى 6/ 242:(مشهور محفوظ عن عمر)، وقال ابن القيم في إغاثة اللهفان 1/ 271:(وهو صحيحٌ عن عمر).
(3)
في (ق): من غير.
(4)
لم نقف على كتاب «غرائب السنن» ، والحديث أخرجه الطبراني في الكبير (11567)، من طريق إسحاق بن محمد الفروي، ثنا إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عبَّاس رضي الله عنهما مرفوعًا. واسحاق الفروي وشيخه إبراهيم ضعيفان، وداود بن الحصين، وإنْ كان ثقةً إلاّ أنّ أحاديثه عن عكرمة مناكير. كما قاله ابن المديني وأبو داود وغيرهما. وضعفه ابن القيم. وأخرج الحاكم (2806)، والبيهقي في الكبرى (14189)، بسند صحيح عن نافع، أنه قال: جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثًا، فتزوّجها أخ له، من غير مؤامرة منه، ليُحلَّها لأخيه، هل تحلّ للأوّل؟ قال:«لا، إلاّ نكاح رغبة، كنا نعدُّ هذا سِفاحًا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم» . ينظر: تهذيب الكمال 8/ 380، تاريخ الإسلام 3/ 630، إغاثة اللهفان 1/ 270، الإرواء 6/ 316.
يَرجِعْ عنه؛ لأِنَّ الشَّرطَ السَّابِقَ كالمقارِن، إلاَّ أنَّ هنا النِّيَّةَ كافيةٌ
(1)
في المنْع، فغايَتُه: أنَّها أُكِّدَتْ بالشَّرط السَّابق.
نَعَمْ، لَو شرط في العقد، ثمَّ نوى فيه نكاحًا
(2)
، فالمؤلِّف يصحِّحه، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين يقول: إنَّ الشَّرْطَ السَّابِقَ كالمقارِن، فالشَّرطُ لا يَلزَمُ معه العَقْدُ
(3)
.
(وَقِيلَ: يُكرَهُ وَيَصِحُّ)، قَطَعَ به ابنُ البَنَّاء، وحكاه عن أحمدَ، أمَّا الكراهةُ؛ فَلأِنَّه مُختَلَفٌ في صحَّته، وأمَّا صحَّتُه؛ فَلأِنَّه عقدٌ خَلَا عن شرطٍ يُفسِدُه، أشْبَهَ ما لو طلَّقها بغير الإحْلال.
ونقل حربٌ عن أحمدَ: إذا تزوَّج امرأةً وفي نفسه طلاقُها؛ فكَرِهَه
(4)
، فأخَذَ من ذلك الشَّريفُ وأبو الخَطَّاب روايةً بالصِّحَّة مع الكراهة، وهو مقتضَى كلامِ شيخهما.
ومَنَعَ من ذلك الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(5)
؛ إذْ روايةُ حَرْبٍ فِيمَنْ نَوَى الطَّلاقَ، وذلك إنَّما يكون فيمَنْ له رغبةٌ في النِّكاح، والمحلِّلُ لا رَغبةَ له
(6)
أصْلاً، ومن هنا قال القاضي وأصحابه: إذا نَوَى التَّطليقَ في وَقْتٍ بعَينه؛ فهو كنيَّةِ التَّحليلِ، ونَصُّ أحمدَ يَشهَدُ لهم.
أصلٌ: لو زوَّج عبدَه بمطلَّقته ثلاثًا، ثُمَّ وهبها العبدَ أو بعضَه ليَفسخَ
(1)
في (ق): كما فيه.
(2)
في (ق): نكاح رغبة.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 234.
(4)
في (ق): يكرهه. ينظر: مسائل حرب - النكاح 1/ 359.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 234.
(6)
زيد في (ق): فيه.
نكاحَها؛ لم يَصِحَّ النِّكاحُ، نَصَّ عليه
(1)
، وهو كمحلِّلٍ.
ولو دَفَعَتْ مالاً هبةً لِمَنْ تَثِقُ به ليَشتَرِيَ مملوكًا، فاشْتَراه وزوَّجه بها، ثُمَّ وَهَبَه لها؛ انفسخ النِّكاحُ، ولم يكن هناك تحليلٌ مشروطٌ ولا مَنْوِيٌّ ممَّن
(2)
تُؤثِّرُ نيَّتُه وشَرْطُه، وهو الزَّوجُ، ولا أثَرَ لنيَّة الزَّوجة والوليِّ، قاله في «إعْلامِ الموقِّعينَ» ، وقال: صرَّح أصحابُنا أنَّ
(3)
ذلك يُحِلُّها
(4)
.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : ومَنْ لا فُرْقَةَ بيده؛ لا أَثَرَ لنِيَّتِه.
(الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمُتْعَةِ)، نَقَلَ عنه ابْناهُ وحنبلٌ: أنَّ نكاحَ المتعة حرامٌ
(5)
؛ لِمَا رَوَى عليٌّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن نكاح المتعةِ، وعن لُحومِ الحُمُر الأهليَّة» متَّفَقٌ عليه
(6)
، وعن سلمةَ بنِ الأكْوَعِ قال:«رخَّص لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مُتْعةِ النِّساء عامَ أَوْطَاسٍ ثلاثةَ أيَّامٍ، ثُمَّ نَهَى عنها»
(7)
، وعن سَبْرةَ الجُهَنيِّ: أنَّه غزا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَتْحَ مكَّةَ، قال: «فأقَمْنا
(8)
بها خمسةَ عَشَرَ، فأذِنَ لنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مُتْعةِ النِّساء، ثُمَّ إنَّه حرَّمها»، ولأِحمدَ وأبي داودَ، عن سَبْرةَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوداع نَهَى عن نكاح المتعة»
(9)
، وهو يَدلُّ على
(1)
ينظر: الشرح الكبير 20/ 412.
(2)
في (ق): فيمن.
(3)
في (ظ): بأن.
(4)
ينظر: إعلام الموقعين 4/ 36.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 107.
(6)
أخرجه البخاري (4216)، ومسلم (1407).
(7)
أخرجه مسلم (1405).
(8)
في (ق): قاتلنا.
(9)
حديث سَبْرةَ الجهني رضي الله عنه: أخرجه مسلم (1406)، وفيه أن النهي كان عام الفتح إلى مكة، وأخرجه أحمد (15338)، وأبو داود (2072)، عن إسماعيل بن أمية، عن الزهري، عن ربيع بن سبرة، سمعت أبي، يقول:«سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ينهى عن نكاح المتعة» ، وسنده صحيح، قال الحافظ:(وأمّا حجة الوداع، فهو اختلاف على الربيع بن سبرة، والرواية عنه أنّها في الفتح أصحّ وأشهر)، وحكم الألباني بشذوذ ذكر تحريم نكاح المتعة في حجة الوداع. ينظر: الفتح 9/ 170، التلخيص الحبير 3/ 322، زاد المعاد 5/ 102، الإرواء 6/ 312.
فساد المنهيِّ عنه، لا سيَّما وقد عَضَدَه أمْرُه صلى الله عليه وسلم بالتَّخليةِ، والاِسْتِدامةُ أسْهَلُ من الاِبتداء، والأحكامُ المتعلِّقةُ بالنِّكاح من الطَّلاقِ والظِّهارِ والتَّوارُثِ لا تَجرِي
(1)
فيه، فدلَّ على أنَّه لَيسَ بنكاحٍ؛ إذْ هِيَ لازِمةٌ للنِّكاح الصَّحيحِ، وانْتِفاء اللاَّزِمِ يدلُّ على انتفاء الملزوم.
وسأله ابنُ منصورٍ عن المتعة، فقال:(اجْتَنِبْها أحبُّ إليَّ)
(2)
، فأثْبَتَ ذلك أبو بكرٍ في «الخلاف» روايةً، وأبى ذلك القاضي في «خلافه» .
وقال ابن عَقِيلٍ: إنَّ أحمد رجع عنها، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين يقولُ: توقَّفَ عن لفظ الحرام، ولم يَنفِهِ
(3)
.
وعن ابن عبَّاسٍ: أنَّه أجازه
(4)
، وإليه ذَهَبَ أكثرُ أصحابه، قال ابنُ جُرَيجٍ: وحُكِيَ ذلك عن أبي سعيدٍ
(5)
وجابِرٍ
(6)
، وعليه قراءةُ ابنِ مسعودٍ: «فما استمتعتم به
(7)
منهنَّ إلى أجلٍ مُسَمًّى»
(8)
، وعن ابن مسعودٍ قال: «كنَّا نَغْزو
(1)
في (ظ): يجري.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1548.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 226.
(4)
أخرجه البخاري (6961)، ومسلم (1407)، أن عليًّا رضي الله عنه قيل له: إن ابن عباس لا يرى بمتعة النساء بأسًا، فقال:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها يوم خيبر» .
(5)
أخرجه عبد الرزاق (14022)، قال عطاء: أخبرني من شئت عن أبي سعيد الخدري قال: «لقد كان أحدنا يستمتع بملء القدح سويقًا» ، منقطع.
(6)
أخرجه مسلم (1405)، قال:«كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث» .
(7)
قوله: (به) سقط من (ق).
(8)
عدها من قراءة ابن مسعود رضي الله عنه: الزركشي في شرحه 5/ 226، وقبل ذلك المازري في المعلم 2/ 131، والنووي في شرحه على مسلم 9/ 179، وهي مشهورة من قراءة ابن عباس وأُبي بن كعب رضي الله عنهم: أخرج ذلك الطبري في تفسيره 6/ 587، والحاكم (3192)، عن أبي نضرة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأخرجها عبد الرزاق (14022)، وابن المنذر في التفسير (1589)، عن عطاء، عن ابن عباس، بإسناد صحيح، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما من وجوه أخرى.
وأخرجها ابن أبي داود في المصاحف (ص 164)، عن سعيد بن جبير، من قراءة أُبي بن كعب. وأخرجها الطبري في تفسيره 6/ 587، عن قتادة في قراءة أبي بن كعب.
مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَيسَ معنا نِساءٌ، فقلنا: ألَا نَخْتَصِي، فنهانا النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم
(1)
عن ذلك، ثُمَّ رخَّص لنا بعدُ أنْ نَنكِحَ المرأةَ بالثَّوب إلى أجلٍ، ثُمَّ قرأ عبد الله: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ
…
(87)}» الآية [المَائدة: 87] متَّفَقٌ عليه
(2)
.
وأُجِيبَ: بمَنْع ثبوتِ قراءةِ ابنِ مسعودٍ، ثُمَّ نسخ الجميع بما تقدَّم.
والحاصِلُ: أنَّها كانت مباحةً، ثُمَّ نُسِختْ يومَ خَيبَرَ، ثُمَّ أبِيحتْ، ثُمَّ حُرِّمت عامَ الفتح، قال الشَّافعيُّ:(لا أعْلَمُ شَيئًا أحلَّه اللهُ، ثُمَّ حرَّمَه، ثُمَّ أحلَّه ثُمَّ حرَّمه، إلاَّ المتعةَ)
(3)
، وقد رَوَى التِّرمِذِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه رَجَع عن قوله
(4)
.
(وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِلَى مُدَّةٍ)، سَواءٌ كانَتْ مَعلومةً؛ كإلى شهرٍ، أو مجهولةٍ؛ كنزولِ المطر، وسَواءٌ وَقَعَ بشَرْطه أوْ لَا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا تزوَّجها بغير شرطٍ، وفي نيَّته طلاقُها؛ فالنِّكاحُ صحيحٌ
(1)
قوله: (النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (ق).
(2)
أخرجه البخاري (4615)، ومسلم (1404).
(3)
ينظر: إعانة الطالبين 4/ 164.
(4)
أخرجه الترمذي (1122)، والبيهقي في الكبرى (14168)، قال الحافظ في الدراية 2/ 58:(ولا يصح هذا عن ابن عباس؛ فإنه من رواية موسى بن عبيدة وهو ضعيف جدًّا). وأخرج البخاري (5116)، عن أبي جمرة، قال: سمعت ابن عباس: سئل عن متعة النساء، فرخص، فقال له مولًى له: إنما ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة؟ أو نحوه، فقال ابن عباس:«نعم» .
في قَولِ عامَّتهم، خلافًا للأَوْزاعِيِّ، فإنَّه قال: نكاحُ متعةٍ، والصَّحيحُ: لا بَأْسَ به.
ولَيسَ على الرَّجل حَبْسُ امرأتِه؛ وحَبْسُه: إنْ وافَقَتْه وإلاَّ طَلَّقَها، وقال الشَّريفُ: وحُكِيَ عن أحمدَ: أنَّه إنْ عَقَدَ بقَلْبه تحليلَها للأوَّل، أو الطَّلاق في وَقْتٍ بعَينه؛ لم يَصِحَّ النِّكاحُ.
(وَنِكَاحٌ شَرَطَ فِيهِ طَلَاقَهَا) في وقتٍ معلومٍ أو مجهولٍ، فهو شَرْطٌ مانِعٌ من بقاء النِّكاح.
وعنه: يَصِحُّ العَقْدُ دُونَ الشَّرط؛ لأِنَّ النِّكاحَ وَقَعَ مطلَقًا، وشَرَطَ على نفسه شَرْطًا لا يُؤثِّرُ فيه، أشْبَهَ ما لو شَرَطَ أنْ لا يَطَأَها، وكما لو نَوَى إنْ وافَقَتْه وإلاَّ طلَّقَها.
(أَوْ عَلَّقَ ابْتِدَاءَهُ)؛ أي: النِّكاح (عَلَى شَرْطٍ؛ كَقَوْلِهِ: زَوَّجْتُكَ إِذَا جَاءَ رَأْسُ الشَّهْرِ، أَوْ إِنْ رَضِيَتْ أُمُّهَا؛ فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ مِنْ أَصْلِهِ)؛ لأِنَّ النِّكاحَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فَبَطَلَ تعليقُه على شَرْطٍ كالبيع.
ويستَثْنَى من ذلك: إلاَّ: زَوَّجْتُ، أوْ قَبِلْتُ إنْ شاء الله، وفي «المحرَّر» وغيره: مستقبل، فيصِحُّ على ماضٍ وحاضِرٍ؛ كزوَّجتك هذه إنْ كانَتْ بنتي، أو كنتُ وليَّها، أو انقضت عدَّتُها، وهما يَعلَمان ذلك، أو شئتَ، فقال: شئتُ، وقَبِلْتُ ونحوه، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
.
وعنه: يَصِحُّ دُونَ شرطه.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ذَكَرَ القاضي وغيرُه في «تعليقه» بشرطٍ، والأنَصُّ من كلامه: جوازُه كالطَّلاق، قال: والفَرْقُ بأنَّ هذا مُعاوضةٌ أو إيجابٌ، وذاك
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الإنصاف 20/ 97 والإقناع 3/ 168: زين الدين بن رجب، ولم نقف عليه في كتب شيخ الإسلام.
إسقاطٌ غيرُ مؤثِّرٍ، وبأنَّه يَنتَقِضُ بنذر التَّبرُّر وبالجِعالة
(1)
.
مَسائلُ:
إذا قال لِأَمَته: إنْ تزوَّجتُكِ نكاحًا صحيحًا فأنتِ حرَّةٌ قبلَه؛ فلا عِتْقَ ولا نكاحَ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» في الصَّداق، ويُكرَه تقليدُ مُفْتٍ بها، وذَكَر القاضي وجمعٌ أنَّها كغيرها من مسائل الخلاف، ولا تثبتُ
(2)
أحكامُ الزَّوجيَّة، ولم أجِدْ فيه خِلافًا، بل وطء شبهةٍ، وذَكر أبو إسحاقَ وابن بطَّةَ أنَّه كزِنًى.
ويصحُّ النِّكاحُ إلى الممات.
وإذا عَزَمَ على تزويجه بالمطلَّقة ثلاثًا، ووَعَدَها سِرًّا
(3)
؛ كان أشدَّ تحريمًا من التَّصريح بخِطبةِ المعتدَّة إجماعًا، لا سيَّما ويُنفِقُ عليها ويعطيها ما تحلِّل به
(4)
، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(5)
.
(النَّوْعُ الثَّانِي: أَنْ يَشْتَرِطَ
(6)
أَنَّهُ
(7)
لَا مَهْرَ لَهَا وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ يَقْسِمُ لَهَا أَكْثَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْأُخْرَى، أَوْ أَقَلَّ)، أوْ شَرَطَ أحدُهما عَدَمَ وَطْءٍ ونحوِه؛ (فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ)؛ لأِنَّه يُنافِي مُقتَضَى العَقْد، ولأِنَّه يَتضمَّنُ إسْقاطَ حقوقٍ تَجِبُ بالعقد قبلَ انعقاده، فبَطَلَ؛ كإسقاط الشُّفعة قَبْلَ البيع، (وَيَصِحُّ النِّكَاحُ)، نَصَّ عَلَيهما
(8)
، كما لو شَرَط فيه صداقًا مُحرَّمًا، ولأِنَّ النِّكاحَ يَصِحُّ مع الجهل بالعِوَض، فجاز أنْ يَصِحَّ مع الشَّرط الفاسِد كالعتق.
(1)
في (ظ): بالجعالة. ينظر: الفروع 8/ 266.
(2)
في (ظ): ولا يثبت.
(3)
في (ق): سواء.
(4)
قوله: (به).
(5)
ينظر: الفروع 8/ 266.
(6)
في (ق): يشرط.
(7)
قوله: (أنه) سقط من (ق).
(8)
ينظر: الفروع 8/ 267.
وقِيلَ: يَفسُد، نَقَلَ المرُّوذِيُّ: إذا تزوَّج النَّهارِيَّاتِ أو اللَّيلِيَّاتِ؛ لَيسَ من نكاح الإسلام
(1)
.
ونَقَلَ عبدُ الله: إذا تزوَّج على شرطٍ ثُمَّ بدا له أنْ يُقيمَ؛ جدَّد النِّكاحَ
(2)
.
وذَكَرَ أبو بكرٍ فيما إذا شَرَطَ أنْ لا يَطَأَ أوْ لا يُنفِقَ، أوْ إن فارَقَ رَجَعَ بما أنْفَقَ؛ روايتَينِ في صحَّة العقد.
وقِيلَ: يَبطُلُ بشَرْطِ تَرْكِ الوطء فقط.
ونَقَلَ الأثْرَمُ تَوقُّفَه في الشَّرط، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فيُخرَّج على وَجْهَينِ، واختار صحَّتَه؛ كشَرْطِه تَرْكَ ما يَستَحِقُّه
(3)
.
وفرَّق القاضي: بأنَّ له مَخلَصًا؛ كملْكه
(4)
طَلاقَها.
وأجابَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بأنَّ عليه المهرَ، وابنُ عَقِيلٍ سوَّى بَينَهما، فإنْ صحَّ وطَلَبَتْه؛ فارَقَها وأخذَ المهْرَ، وهو في معنى الخُلْعِ
(5)
.
(الثَّالِثُ: أَنْ يَشْتَرِطَ
(6)
الْخِيَارَ، أَوْ إِنْ جَاءَهَا بِالْمَهْرِ فِي وَقْتٍ، وَإِلاَّ فَلَا نِكَاحَ بَيْنَهُمَا، فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ)؛ لِمُنافاته مُقتَضَى العَقْدِ، (وَفِي صِحَّةِ النِّكَاحِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «الفروع»:
إحداهما: يَصِحُّ العَقْدُ، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه يَصِحُّ مع الجَهْل، أشْبَهَ العِتْقَ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 182.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 183.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 267.
(4)
في (ق): لملكه.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 267.
(6)
في (ق): يشرط.
والثَّانية: لا؛ لأِنَّ عَقْدَ النِّكاح يَجِبُ أنْ يكونَ ثابِتًا لازِمًا، فَنَافاهُ الشَّرْطُ وأبْطَلَه.
ونَقَلَ عنه ابنُ منصورٍ: صحَّتَهما
(1)
، وبَعَّدَها القاضِي.
واخْتارَ الصِّحَّةَ فيهما الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في شَرْط الخِيارِ
(2)
، قال: وإنْ بَطَلَ؛ لم يَلزَم العقدُ بدونه، وشَرْطُ الخِيارِ في المهر كذلك.
وقِيلَ: يَصِحُّ ويَثبُتُ الخِيارُ، وإنْ طلَّقَ بشَرْطِ خِيارٍ وَقَعَ.
(1)
ينظر مسائل ابن منصور 4/ 1888.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 268.
(فَصْلٌ)
(فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا مُسْلِمَةٌ، فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً؛ فَلَهُ الْخِيَارُ)؛ أيْ: خِيارُ الفَسْخ؛ لأِنَّه نَقْصٌ، وضَرَرُه يتعدَّى إلى الولد.
(وَإِنْ شَرَطَهَا كِتَابِيَّةً)، أوْ ظنَّها مُسلِمةً، ولم تُعرَفْ بتقدُّمِ كُفْرٍ، (فَبَانَتْ مُسْلِمَةً
(1)
؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ)؛ لأِنَّه زاده خَيرًا.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهُ الْخِيَارُ)؛ لأِنَّه قد يكونُ له غَرَضٌ في عَدَمِ وُجوبِ العبادات عَلَيها.
وفي «الشَّرح» : إذا تزوَّج امرأةً يَظُنُّها مُسلِمةً، فبانَتْ كافِرةً؛ فله الخيارُ، كما إذا شَرَطَ ذلك.
(وَإِنْ شَرَطَهَا أَمَةً)، وكان له نكاحُ الإماء، (فَبَانَتْ حُرَّةً؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ)؛ لأِنَّ وَلَدَه يَسلَمُ من الرِّقِّ، ويَتمَكَّنُ من الاِسْتِمْتاع بها لَيلاً ونهارًا.
وكذا إذا شَرَطَها ذاتَ نسبٍ، فبانَتْ أشْرَفَ منه، أو على صفةٍ دنيئةٍ، فبانَتْ خَيرًا مِنْ شَرْطه.
(1)
أي: فبانت مسلمة فيما إذا اشترطها كتابية، وأما في مسألة: لو ظنها مسلمة، ولم تعرف بتقدم كفر؛ فمراده - والله أعلم -:(فبانت كافرة)، لا (فبانت مسلمة)، كما توهمه عبارته.
وعلى هذا فالمصنف ذكر هنا مسألتين:
الأولى: لو شرطها كتابية فبانت مسلمة؛ فلا خيار له، وصححه الموفق والشارح، وقال أبو بكر: له الخيار.
الثانية: لو ظنها مسلمة، ولم تعرف بتقدم كفر، فبانت كافرة، فجعل المصنف الحكم فيها كالحكم في المسألة الأولى: أنه لا خيار له، وتبع في ذلك: المحرر، والرعايتين، والحاوي، والفروع، وغيرهم.
والذي في الكافي، والمغني، والشرح: أن له الخيار في المسألة الثانية، وسيذكر المصنف كلام الشارح قريبًا، فتكون هذه المسألة ليست كالأولى. ينظر: الكافي 3/ 49، المغني 7/ 73، الشرح الكبير 20/ 430، الفروع وتصحيح الفروع 8/ 269.
(وَإِنْ شَرَطَهَا بِكْرًا، أَوْ جَمِيلَةً، أَوْ نَسِيبَةً، أَوْ شَرَطَ نَفْيَ العُيُوبِ التِي لَا يُفْسَخُ بِهَا النِّكَاحُ)؛ كالعَمَى والشَّلَل، (فَبَانَتْ بِخِلَافِهِ؛ فَهَلْ لَهُ الخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما رِوايَتانِ عن أحمدَ، أطْلَقَهما في «الفروع»:
إحْداهما: لا خِيارَ له، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ النِّكاحَ لا يُرَدُّ بعَيبٍ سِوى العُيوب السَّبعة، فلا يُرَدُّ بمُخالَفَة الشَّرط، كما لو شَرَطَت ذلك في الرَّجل.
والثَّانية: له الفَسْخُ، اختارها في «التَّرغيب» ، و «الرِّعاية» ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
؛ لأِنَّها صفاتٌ مقصودةٌ، فصحَّ شَرْطُها؛ كالحرِّيَّة.
وقِيلَ: له الفَسْخُ في شَرْطِ النَّسب خاصَّةً.
وفي «الإيضاح» ، واختاره في «الفصول» في شَرْطِ بكرٍ: إنْ لم يَملِكه؛ رجع بما بَينَ المهرَينِ، ويتوَجَّه مثلُه في بقيَّة الشُّروط.
وفي «الفنون» في شَرطِ بِكْرٍ: يَحتَمِلُ فسادُ العقد؛ لأِنَّ لنا قَولاً إذا تزوَّجها على صفة فبانت بخلافه؛ بطَلَ العقد.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويَرجِعُ على الغارِّ، وإنْ غرَّته وقَبَضَتْه، وإلاَّ سَقَطَ في ظاهر المذهب
(2)
.
تذنيبٌ: إذا ظنَّها بِكْرًا فلم تكُنْ؛ فلا فَسْخَ له في الأصحِّ.
وإنْ شَرَطَتْه حُرًّا، أو ظنَّتْه، فبان عبدًا؛ بطَلَ، وعنه: يَصِحُّ، ولها الفسخُ، فإن فَسَخَتْ قبلَ الدُّخول والخلْوة؛ فلا مَهْرَ، وبعدَ أحدِهما؛ يجبُ المسمَّى والعدَّة
(3)
.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 29/ 175.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 271.
(3)
قوله: (والعدة) سقط من (ق).
وإنْ شَرَطَتْه
(1)
بصفةٍ غيرِ الحرِّيَّة، فَبَانَ أقلَّ؛ لم تُخيَّرْ
(2)
، وفي النَّسب إن لم يُخِلَّ بالكفاءة وجْهانِ، وإنْ خَرَجَ مُماثِلاً له؛ فوجْهانِ.
وذَكَرَ القاضي في «الجامع الكبير» : أنَّ شَرْطَها فيه أبلغُ من شَرْطِه فيها؛ لأِنَّه يَملِكُ طلاقها ولا تملِكُ طلاقَه.
وفي «الكافي» : إنْ غُرَّتِ الأمةُ بعبدٍ فتزوَّجَتْه على أنه حرٌّ؛ فلها الخِيارُ، وفيه احْتِمالٌ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةً يَظُنُّهَا حُرَّةً)، أوْ شَرَطَها حرَّةً، واعتَبَرَ في «المستوعب» مقارَنَتَه؛ لم يَبطُل العقدُ بالغُرور.
لا يُقالُ: يَنبَغِي أنْ يَفسُدَ، كما لو قال: بِعتُك هذا الفرسَ، فإذا هو حمارٌ؛ لأِنَّ المعقود عليه في النِّكاح الشَّخصُ دُونَ الصِّفات، فلا يُؤثِّرُ عَدَمُه في صحَّته، كما لو قال: زوَّجْتُك هذه الحسناءَ، فإذا هي شَوهاءُ، وذاتُهما مختلِفةٌ، والبَيعُ يُؤثِّرُ فيه فَواتُ الصِّفات، بخِلاف النِّكاح.
(فَأَصَابَهَا وَوَلَدَتْ مِنْهُ؛ فَالْوَلَدُ حُرٌّ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لاِعْتِقادِه حرِّيَّتَه، كما إذا اشْتَرَى أمةً، فبانَتْ مَغصوبةً بعدَ أنْ أَوْلَدها، قال ابنُ عَقِيلٍ: كما يَنعَقِدُ ولدُ القُرَشيِّ قُرَشِيًّا باعتقاده، (وَيَفْدِيهِمْ) على المذهب المنصوص عليه في روايةِ الجماعة
(4)
؛ لِقَضاءِ الصَّحابة: عمرَ وعليٍّ وابنِ عبَّاسٍ
(5)
؛ ولأِنَّه نَماءُ مَمْلوكةٍ، فسبيلُه أنْ يكونَ ملْكًا لمالكها، وقد فوَّته الزَّوج باعتقاده الحرِّيَّةَ، فَوَجَبَ عليه الضَّمانُ؛ كما لو فوَّته بفِعْله.
(1)
في (ظ): شرطه.
(2)
في (ظ): يخير.
(3)
ينظر: المغني 7/ 66.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1733، مسائل صالح 2/ 117، مسائل عبد الله ص 337.
(5)
تقدم تخريج أثر عمر وعلي رضي الله عنهما 5/ 21 حاشية (5)، وأما أثر ابن عباس رضي الله عنهما فلم نقف عليه مسندًا.
ونَقَلَ عنه ابنُ منصورٍ: لا فِداءَ عليه؛ لاِنْعِقادِ الولد حرًّا
(1)
، والحُرُّ لا يُملَكُ، ووهَّى الخلالُ
(2)
هذه، وقال: أحْسَبُه قَولاً رُوِيَ لأِبي عبد الله؛ لأِنَّهم اتَّفَقُوا على الفِداء.
ونَقَلَ حنبلٌ: يُخيَّر بَينَ الفِداء، فيكون الولدُ حرًّا، وبَينَ التَّرك فيكون رقيقًا
(3)
، وهو ظاهِرُ ما نُقِلَ عن عليٍّ.
وشُرِطَ
(4)
: أنْ تَضَعَه حيًّا لوقْتٍ يَعِيشُ لمثله، وصفةُ الفِداء ووَقْتُه تقدَّما في الغَصْب.
(بِمِثْلِهِمْ يَوْمَ وِلَادَتِهِمْ)؛ لقَولِ عمرَ: «مكانُ كلِّ غلامٍ بغلامٍ، وكلِّ جاريةٍ بجاريةٍ»
(5)
.
وعنه: يَفديهم بقيمتهم، وصحَّحه في «المغْنِي» ؛ لأِنَّ الحَيَوانَ لَيسَ بمِثْليٍّ، فيُضمن
(6)
بالقيمة كسائر المتقوِّمات.
وعنه: مُخَيَّرٌ فيهما، رُوِيَ عن عمرَ
(7)
.
فإنْ كان ممَّن يجوز له نكاحُ الإماء، وقد نَكَحَها نكاحًا صحيحًا؛ فلها المسمَّى، وإنْ كان لم يَدخُلْ بها واختار الفَسْخَ؛ فلا مَهْرَ؛ لأِنَّ الفسخَ لعذْرٍ مِنْ جِهَتِها.
(1)
لم نقف على نص الرواية في مسائل ابن منصور، وينظر: شرح الزركشي 5/ 116.
(2)
قوله: (ووهَّى الخلال) هي في (ظ): وهي في الخلاف.
(3)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 116.
(4)
في شرح الزركشي 5/ 117: وشرطُ الضمان.
(5)
تقدم تخريجه 5/ 21 حاشية (5).
(6)
في (ظ): يتضمن.
(7)
أي: أنه روي عن عمر الوجهين، قال في المغني 7/ 76، الشرح الكبير 20/ 437:(هو مخير بين فدائهم بمثلهم أو قيمتهم، قال أحمد في رواية الميموني: إما القيمة أو رأس برأس؛ لأنهما جميعًا يُرْوَيان عن عمر، ولكن لا أدري أي الإسنادين أقوى).
وإن لم تُبَحْ له؛ فباطلٌ؛ كعِلْمِه.
وعند أبي بكرٍ: يَصِحُّ، وله الخيارُ، وبَناهُ في «الواضح» على الكفاءة.
وحِينَئِذٍ: لا مهرَ قَبلَ الدُّخول، وبعدَه؛ هل يجبُ المسمَّى أو مهرُ المِثْل؟ فيه رِوايَتانِ.
وإنْ كان ممَّن يجوز له نكاحُ الإماء؛ فلا مَهْرَ قبلَ الخلوة؛ لفَسادِ العقد، وكذا بعدها على رأيِ المؤلِّفِ، وقِياسُ المذهب: يَجِبُ.
(وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى مَنْ غَرَّهُ)؛ أيْ: من المهر وقيمةِ الأولاد في ظاهر المذهب؛ لقضاء جماعةٍ من الصَّحابة
(1)
، وكأمْرِه بإتْلافِ مالٍ غَرَّه بأنَّه له فلم يكُنْ، ذَكَرَه في «الواضح» .
وعنه: لا يَرجِعُ بالمهر، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه دخل على ذلك، سيَّما وقد استوفَى المنفعةَ المقابِلةَ له، رُوِيَ عن عليٍّ
(2)
.
وقال القاضي: الأظهرُ أنَّه يَرجِعُ به؛ لأِنَّ أحمدَ قال: (كنتُ أذْهَبُ إلى حديث عليٍّ، ثمَّ إني هِبْتُه، وكأنِّي أَمِيلُ إلى حديثِ عمرَ)
(3)
، وعلى هذا: يَرجِعُ بأُجْرة الخدمة إذا غَرمَها.
وظاهِرُه: الرُّجوعُ مع الظَّنِّ، وهو ظاهر كلامِ أحمدَ؛ إذ الصَّحابة الذين قَضَوْا بالرُّجوع؛ لم يَستَفْصِلُوا، وظاهِرُ الخِرَقِيِّ خلافُه، وصرَّح به المجْدُ وابنُ حَمْدانَ.
وعن القاضي: لا يَرجِعُ إلاَّ مع شَرْطٍ مُقارِنٍ، لا مع تَقدُّمه؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ حيث اعتَمَد على ظنه.
(1)
تقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (2).
(2)
تقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (3).
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 413، الشرح الكبير 20/ 439.
تنبيهٌ: الغارُّ: مَنْ عَلِمَ أنَّها أَمَةٌ ولم يُبَيِّنْ، نَصَّ عليه
(1)
، ثمَّ لا يَخْلُو: إمَّا
(2)
أنْ يكونَ السَّيِّدُ، أو المرأةُ، أوْ وَكِيلُها، أوْ أجنبيٌّ.
فإنْ كان السَّيِّدُ، وقال: هي حُرَّةٌ؛ عَتَقَتْ، وبغَيرِها لا تَثبُتُ الحرِّيَّةُ، ولا يَجِبُ له شَيءٌ.
نَعَمْ، إنْ قُلْنا: إنَّ الزَّوجَ لا يَرجِعُ بالمهر؛ وَجَبَ للسَّيِّد؛ لاِنتِفاءِ المحذور، ولا يُتصَوَّرُ منه على قَولِ القاضي؛ لأِنَّ شَرْطَه المقارَنةُ.
وإنْ كان وكيلَها؛ رَجَعَ عليه في الحال.
وكذا إنْ كان أجنبيًّا في ظاهرِ كلامِ أحمدَ، بل صريحِه في روايةِ ابنَيهِ
(3)
، وظاهِرُ كلامِ القاضي: لا رجوعَ عليه.
وإنْ كانت المرأة؛ ففي الرُّجوع عليها وجْهانِ:
أحدهما، وهو ظاهِرُ كلامِ الخِرَقيِّ والمؤلِّف: له الرُّجوعُ عليها؛ لمكان الغُرور، وهل يتعلَّق
(4)
برَقَبتها أوْ ذمَّتها؟ على وجْهَيِ اسْتِدانَةِ العبد بدونِ إذْنِ سيِّده.
والثَّاني، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ: لا رُجوعَ؛ إذ الولدُ ملْكُ السَّيِّد، وهِيَ لا تَملِكُ بَذْلَ ذلك، أشْبَهَ ما لو أَذِنَتْ في قَطْعِ طَرَفِها.
ولمستحقِّ الفِداء مطالبةُ الغارِّ أوَّلاً، نَصَّ عليه
(5)
.
(وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ)؛ لأِنَّا قد تبيَّنَّا فسادَ العقد من أصلِه، أشْبَهَ المنكوحةَ في العدَّة أو بلا رضًا، وكذا إنْ تزوَّجها بلا
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 119.
(2)
في (ق): إلا.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 117، مسائل عبد الله ص 337.
(4)
في: (ق): تتعلق.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 273.
رِضَا سيِّدها أو اختلَّ شرطٌ من شُروطِ النِّكاح.
وفي «الواضح» : أنَّ المغرورَ الحُرَّ لا يَبطُلُ نكاحُه في وَجْهٍ، بل له الخِيارُ، واختاره أبو بكرٍ.
(وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ) بالشَّرطَينِ السَّابِقَينِ في الحُرِّ، وفي العبد: أنْ لا يكونَ تحتَه حرَّةٌ؛ (فَلَهُ الْخِيَارُ)؛ لأِنَّه غُرَّ بحرِّيَّتها، فثَبَتَ له الخِيارُ؛ كما لو غُرَّتْ بحرِّيَّته، ولِمَا فيه من ضَرَرِه بالولد، وهو مَنفِيٌّ
(1)
شرْعًا.
(فَإِنْ رَضِيَ بِالْمُقَامِ مَعَهَا، فَمَا وَلَدَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ رَقِيقٌ)؛ لاِنتِفاءِ الغرور إِذنْ.
وعُلِمَ منه: أنَّ الولدَ يَتبَعُ أمَّه في الحرِّيَّة والرِّقِّ، نَصَّ عليه
(2)
، مُحتَجًّا بقول عمرَ
(3)
، وظاهِرُه: وإنْ كانَتْ قد عَلِقَتْ به قَبلَ الرِّضا، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وعلَّله المؤلِّفُ: بأنَّ أكثرَ الأحكام إنَّما تتعلَّق بالوَضْع، أمَّا هنا فقد جعل الحكمَ مَنوطًا بالعُلُوق، وصرَّح به المجْدُ.
وإن اختار فَسْخَ النِّكاح؛ انْفَسَخَ.
وعمومُ كلامه يَقتَضِي ثُبوتَ الخيار للعبد؛ كالحرِّ، وهو الصَّحيحُ.
وقِيلَ: لا اخْتِيارَ للعبد لتَساوِيهما.
تنبيهٌ: مَنْ غُرَّ بحرِّيَّةِ مُكاتَبةٍ أوْ مَنْ بعضُها حرٌّ؛ فكالأَمَة، ولا مَهْرَ في
(1)
زيد في (ق): ينفى.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 121.
(3)
مراده كما في شرح الزركشي 5/ 121: ما أخرجه عبد الرزاق (13103)، وسعيد بن منصور (739)، وابن أبي شيبة (16065)، والدارمي (3177)، عن ابن المسيب عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«إذا نكح العبد الحرة، فقد أعتق نصفه. وإذا نكح الحر الأمة، فقد أرق نصفه» . وإسناده صحيح.
الأصحِّ لمكاتَبةٍ غارَّةٍ؛ لعَدَمِ الفائدة، وَوَلدُها مُكاتَبٌ، فيَغرمُ أبوه قِيمتَه لها على الأصحِّ.
والمعتَقُ بعضُها يَجِبُ لها البعضُ، فيَسقُطُ، وَوَلَدُها يَغرم أبوه قَدْرَ رِقِّه.
ولو أوْهَمَتْه أنَّها زوجتُه، أو سُرِّيَّتُه بظَنِّه
(1)
؛ فموطوءةٌ بشبهةٍ
(2)
، أو أوْهَمَه
(3)
سيِّدُها به فلا مهرَ، وإنْ جَهِلت تحريمَه، وتُعزَّرُ عالمةٌ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، قال: وإنْ جَهِل فسادَ نكاحٍ لتغرير
(4)
غارٍّ؛ كأخته من رضاعٍ؛ فالمهر على الغارِّ
(5)
.
(وَإِنْ كَانَ الْمَغْرُورُ عَبْدًا؛ فَوَلَدُهُ أَحْرَارٌ)؛ لأِنَّه ساوَى الحرَّ في اعْتِقادِ حرِّيَّته، (وَيَفْدِيهِمْ إِذَا عَتَقَ)؛ كالحرِّ؛ لفوات الرِّقِّ المستَحَقِّ، لكنَّ الحرَّ يجب عليه الفداءُ في الحال؛ كبقيَّة الحقوق اللاَّزمة له، أمَّا العبدُ فلا مالَ له في الحال، فيتأخَّر الفِداءُ إلى وقتِ ملْكِه ويَسارِه، وهو العِتْقُ.
وبَناهُ القاضي في «الجامع» على الخلاف في اسْتِدانته بغَيرِ إذْنِ سيِّده، وبَناهُ المؤلِّفُ على خُلْعِ الأَمَة بغَيرِ إذْنِ سيِّدها.
وقيل: يتعلَّق برَقَبَته، وهو روايةٌ في «التَّرغيب» ؛ كجنايته، والفَرْقُ: أنَّ الجنايةَ مِنْ فِعْلِه، بخِلافِ الفداء، فإنَّه لم يَجْنِ في عِتْقهم، وإنَّما عَتَقُوا من طريق الحُكم.
(وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ)؛ كالحرِّ، لكنْ يَرجِعُ به في الحال، وأمَّا العبدُ فلا يَرجِعُ إلا حِين الغرْم؛ حِذارًا مِنْ أنْ يَجِبَ له ما يَفُتْ عليه
(6)
، نعم،
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 276: فظنَّه.
(2)
في (ق): شبهة.
(3)
في (ق): أوهم.
(4)
في (ظ): كتغرير.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 276.
(6)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 123:(ما لم يثبت عليه).
يتعلَّق
(1)
الفِداءُ برَقَبته؛ يَرجِع به السَّيِّدُ في الحال.
(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ رَجُلاً عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ، أَوْ تَظُنُّهُ حُرًّا، فَبَانَ عَبْدًا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأِنَّه لمَّا ثبت للعبد إذا غُرَّ بأَمَةٍ؛ ثبت لها إذا غُرَّتْ بعبدٍ، ومُقتَضاه صحَّةُ العقد؛ لأِنَّ اخْتِلافَ الصِّفة لا تَمنَعُ صحَّة العقد، وكما لو تزوَّج أمةً على أنَّها حرَّةٌ، ولأِنَّها إذا كانت حرَّةً وكانت حُرِّيَّةُ الزَّوج شَرْطًا لصحَّة النِّكاح؛ لم يكن لها الخِيارُ؛ لأِنَّه باطِلٌ من أصله، والخيارُ يَعتَمِدُ الصِّحَّةَ، وحِينَئِذٍ: فإن اختارت الإمضاءَ؛ فلأوليائها الاِعتِراضُ؛ لعدم الكفاءة.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 123: إن قيل يتعلق.
(2)
ينظر: الإنصاف 20/ 450.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ عَتَقَتِ الْأَمَةُ وَزَوْجُهَا حُرٌّ)، أو بعضُه؛ (فَلَا خِيَارَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، هذا قولُ ابن عمرَ
(1)
وابنِ عبَّاسٍ
(2)
والأكثرِ.
وعن أحمدَ: لها الخِيار؛ لِمَا رَوَى أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمِذيُّ، وغيرُهم، عن الأسود، عن عائشةَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم خيَّر بَرِيرةَ، وكان زَوجُها حُرًّا»
(3)
.
وجوابُه: أنَّها كافَأَتْ زَوجَها في الكمال، فلم يَثبُتْ لها خيارٌ؛ كما لو أسلمت الكتابيَّةُ تحتَ مسلِمٍ.
وعن الخَبَرِ: بأنَّ ابنَ عبَّاسٍ قال: «كان زَوجُ بَرَيرةَ عَبْدًا» رواه البخاريُّ
(4)
، ورَوَى مسلِمٌ من حديثِ القاسم وعُرْوةَ عن عائشةَ:«أنَّ بَرِيرةَ كان زَوجُها عبدًا، وقالت: لو كان حُرًّا لم يُخيِّرْها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم»
(5)
، قال
(1)
أخرجه عبد الرزاق (13013)، وسعيد بن منصور (1255)، والبيهقي في الكبرى (14271)، عن نافع، عن ابن عمر قال:«إذا أعتقت عند حر، فلا خيار لها» ، إسناده صحيح.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (16524)، والبيهقي في الخلافيات (4188)، عن ابن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وعكرمة، عن ابن عباس، قال:«لا خيار لها على الحر» ، إسناده صحيح.
(3)
أخرجه أحمد (25366)، وأبو داود (2233)، والترمذي (1155)، وابن حبان (4271)، من طرق عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة رضي الله عنها. وسنده صحيح، لكن قوله:«وكان زوجها حرًّا» مدرجة منقطعة من كلام الأسود، وهو الذي رجّحه البخاري ونقاد الأئمة، وقوّاه ابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 367، البدر المنير 7/ 642، فتح الباري 9/ 411، الإرواء 6/ 276.
(4)
أخرجه البخاري (5282).
(5)
أخرجه مسلم (1504).
البخاريُّ: (قَولُ الأسود مُنقَطِعٌ)
(1)
، ثُمَّ عائشةُ عمَّةُ القاسِمِ وخالةُ عُروةَ، فرِوايَتُهما عنها أَوْلَى من رواية أجنبيٍّ يَسمَعُ مِنْ وراءِ حِجابٍ.
(وَإِنْ كَانَ عَبْدًا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ فِي
(2)
فَسْخِ النِّكَاحِ
(3)
، بالإجماع، حكاه ابن المنذر وابن عبد البَرِّ
(4)
؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم خيَّر بَرِيرةَ، فاختارتْ نَفْسَها، فإن اختارت الفَسْخَ؛ فلها فِراقُه، وإنْ رَضِيَتْ بالمقام فلا؛ لأِنَّها أسْقَطَتْ حقَّها.
فإنْ عَتَقَ بعضُها؛ فلا خيارَ لها على المذهب.
وعَنْهُ: بلى. وعَنْهُ: أو معتَقٌ بعضُه. وعنه: لَيسَ فيه بقَدْرِ حُرِّيَّتها.
وفي «التَّرغيب» : إذا عَتَقَتْ تحتَ معتَقٍ بعضُه؛ فلها الفَسْخُ.
(وَلَهَا الْفَسْخُ) على التَّراخي
(5)
ما لم تَرضَ به، (بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ)؛ لأِنَّه فَسْخٌ مُجمَعٌ عليه غَيرُ مُجتهَدٍ فيه؛ كالرَّدِّ بالعَيب، بخلافِ خيارِ العيب في النَّكاح، فإنَّه مُجتهَدٌ فيه؛ كالفَسْخ للإعْسار.
فإن اختارت الفِراقَ؛ كان فَسْخًا، ولَيس بطلاقٍ في قول الجمهور، قال أحمدُ: الطَّلاقُ ما تُكُلِّمَ به
(6)
؛ ولأِنَّها فُرقةٌ من قِبَلِ الزَّوجة، فكانت فَسْخًا،
(1)
ينظر: صحيح البخاري بعد حديث (6754).
(2)
في (ظ): من.
(3)
كتب في هامش (ظ): (ولو قال: مَنْ عَتَقَت تحت رقيق ولو بقول الزوج؛ لكان أحسن؛ ليشمل مسألة حسنة، وهي ما لو زوج أمةً بعبد، فادعى على سيدها أنه أعتقها؛ فصدقها الزوج، وأنكره السيد؛ فالقول قوله مع يمينه؛ فإن حلف بقيت على رقها، فلها فسخ النكاح؛ لأنها حرة في زعمهما، والحق لا يعدوهما، وإنما ردَّ قولها في حق السيد لا في حق الزوج؛ فعلى هذا: لو فسخت قبل الدخول لم يسقط صداقها، ولو أنها فسخت النكاح ثم عَتَقَ العبد وأيسر وأقرَّ؛ فهل له نكاحها؟ محتمل وجهين، والأصح: لا؛ لأنها رقيقة في الظاهر، وأولاده أرقاء، ولو مات انقطع خيارها).
(4)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 79، التمهيد 3/ 50.
(5)
في (ظ): التراضي.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1669، المغني 7/ 193.
كما لو اختلف دِينُهما، أو أرضعتْ مَنْ يَنفَسِخُ نكاحُه برضاعها.
فَعَلَى هذا: لو قالت: اخْتَرْتُ نَفْسي، أوْ فَسَخْتُ هذا
(1)
النِّكاحَ؛ انْفَسَخَ، ولو قالت: طلَّقْتُ نَفْسي، ونَوَت المفارَقةَ؛ كان كِنايةً في الفَسْخ.
(فَإِنْ أُعْتِقَ قَبْلَ فَسْخِهَا)؛ بَطَلَ خِيارُها؛ لأِنَّه إنَّما كان لدَفْع الضَّرَر بالرِّقِّ، وقد زال بعِتْقِه، فَسَقَطَ؛ كالمبِيع إذا زال عَيبُه.
(أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا؛ بَطَلَ خِيَارُهَا)، نَصَّ عليه
(2)
، رُوِيَ عن ابنِ عمرَ وحفصةَ، رواهُ مالِكٌ
(3)
، ولقوله عليه السلام لِبَريرةَ:«فإنْ قَرِبَكِ؛ فَلَا خِيارَ لكِ» رواهُ أبو داودَ والدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ حَسَنٍ
(4)
.
وظاهِرُه: سواءٌ عَلِمَتْ بالخيار أو لا، وهو المذهَبُ.
وذَكَرَ القاضي: أنَّ لها الخِيارَ إذا لم تَعلَمْ، فإنْ أصابها بَعْدَ عِلْمِها؛ فلا خِيارَ لها.
(1)
قوله: (هذا) سقط من (ق).
(2)
ينظر: المغني 7/ 193.
(3)
أثر حفصة يأتي قريبًا في كلام المصنف، وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك (2/ 562)، وعبد الرزاق (13016)، والشافعي في الأم (5/ 131)، وابن أبي شيبة (16539)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 204)، والبيهقي في الكبرى (14285)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر، أنه كان يقول في الأمة تكون تحت العبد فتعتق:«إن الأمة لها الخيار ما لم يمسها» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود (2236)، والطحاوي في شرح المعاني (4386)، والدارقطني (3775)، من طريق محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر وعن أبان بن صالح، عن مجاهد، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها به. وابن إسحاق مدلّس وقد عنعن، وتابعه محمد بن إبراهيم الشامي، فرواه عن شعيب بن إسحاق، عن هشام بن عروة به. أخرجه الدارقطني (3775)، ومحمد بن إبراهيم منكر الحديث، والحديث ضعفه البيهقي وابن القطان والمنذري وابن الملقن والألباني، وحسّن رواية أبي داود ابنُ كثير. ينظر: بيان الوهم 4/ 463، مختصر سنن أبي داود 2/ 61، إرشاد الفقيه 2/ 166، البدر المنير 7/ 646، الإرواء 6/ 273.
فَعَلَيهِ: إذا وَطِئَها، (وَادَّعَتِ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ، وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ جَهْلُهُ)، مِثلَ أنْ يُعتِقَها سيِّدُها في بلدٍ آخَرَ، (أَوِ الْجَهْلَ بِمِلْكِ الفَسْخِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ ذلك، وفي الثَّانية: لا يَعلَمُه إلاَّ خَواصُّ النَّاس، فالظَّاهِرُ صِدْقُها، فلو كانا في بَلَدٍ واحِدٍ واشْتَهَرَ؛ لم يُقبَلْ قَولُها؛ لأِنَّه خِلافُ الظَّاهِرُ.
وفي «الفروع» : قِيلَ: يَجُوزُ جَهْلُه، وقِيلَ: لا يُخالِفُها ظاهِرٌ؛ فلا فَسْخَ، نَقَلَه الجماعةُ
(1)
.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: يَبْطُلُ خِيَارُهَا، عَلِمَتْ
(2)
أَوْ لَمْ تَعْلَمْ)؛ لقَولِ حفصةَ لاِمرأةٍ عَتَقَتْ تحتَ عبدٍ: «أمرُكِ بيَدِكِ ما لم يَمسَّكِ، فإنْ مسَّكِ؛ فلَيسَ لكِ من الأمر شَيءٌ» رواهُ مالِكٌ
(3)
، ولأِنَّه خِيارُ عَيبٍ، فيَسقُط بالتَّصرُّف فيه مع الجهالة؛ كخيار الرَّدِّ بالعَيب.
وفي «الوجيز» : فإن ادَّعَتْ جَهْلاً بعِتْقِه؛ فلها الفَسْخُ، وعَكْسُه الجَهْلُ بملْكِ الفَسْخِ.
(وَخِيَارُ الْمُعْتَقَةِ عَلَى التَّرَاخِي)، في قَولِ ابنِ عمرَ، وحفصةَ
(4)
، والأوْزاعيِّ، والزُّهْريِّ، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعْلَمُ لهما في الصَّحابة مُخالِفًا
(5)
؛ ولأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، فثَبَتَ؛ كخِيارِ القصاص.
(مَا لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا مَا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا)؛ لِمَا رَوَى الحَسَنُ بنُ عمرَ بنِ أُمَيَّةَ
(1)
ينظر: الفروع 8/ 278.
(2)
كتب في هامش (ظ): (أن لها الفسخ).
(3)
أخرجه مالك (2/ 563)، وعبد الرزاق (13017)، والشافعي في الأم (5/ 131)، والطحاوي في مشكل الآثار (11/ 203)، والبيهقي في الكبرى (14286)، عن عروة أن مولاةً يقال لها: زبراء، أخبرته، وذكره. وإسناده صحيح، واحتج به أحمد في مسائل ابن منصور 4/ 1605.
(4)
تقدم تخريجهما قريبًا.
(5)
ينظر: التمهيد 3/ 52.
قال: سمعتُ رجالاً يَتحدَّثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «إذا أُعْتِقَت المرأةُ فهي بالخِيار ما لم يَطأْها، فإنْ وَطِئَها فلا خِيارَ لها» رواه أحمدُ
(1)
، ولا يُمنَعُ الزَّوجُ من وَطْئِها.
فرعٌ: أذِنَ له سيِّدُه في التَّزويج بأَمَةٍ
(2)
فتزوَّجها، ثُمَّ أُعتِق العبدُ؛ فهما على نكاحهما في المشهور.
ويَحتَمِلُ: أنْ يُفسَخَ نكاحُهما
(3)
؛ بِناءً على الرِّواية: إذا استَغْنَى عن نكاحِ أَمَةٍ بحرَّةٍ.
(فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ مَجْنُونَةً؛ فَلَهَا الْخِيَارُ إِذَا بَلَغَتْ) سِنًّا يُعتبَرُ قَولُها فيه، (وَعَقَلَتْ)، ولا خِيارَ لهما في الحال؛ لأِنَّه لا عَقْلَ لهما، ولا قَولَ معتبَرٌ.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ: إذا بَلَغَتْ سَبْعَ سِنِينَ.
(وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِمَا الاِخْتِيَارُ عَنْهَا
(4)
؛ لأِنَّ هذا طريقُه الشَّهوةُ، فلم يَملِكْهُ الوليُّ؛ كالقصاص.
(فَإِنْ طُلِّقَتْ) بائنًا (قَبْلَ اخْتِيَارِهَا؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ)، وبَطَلَ خيارُها على
(1)
رواه ابن لهيعة واضطرب فيه، وذكره بألفاظ متعددة كما قاله الطحاوي: فأخرجه أحمد (16619)، من طريق ابن لهيعة، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن الفضل بن عمرو بن أمية، عن أبيه قال: سمعت رجالاً، فذكره. ورواه مرةً أخرى كما عند أحمد (23209)، والنسائي في الكبرى (4916)، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري، ولم يذكر أباه. ورواه مرة أخرى كما عند الطحاوي في شرح المشكل (4384)، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن محمد، أن عائشة. والظاهر أنه اضطرب فيه، فإنه ضعيف من قبل حفظه. ولهذا قال النسائي - كما ذكره المزي -:(هذا عندي حديث منكر)، وضعفه ابن عبد الهادي. ينظر: تحفة الأشراف 11/ 193، تنقيح التحقيق 4/ 370.
(2)
في (ق): بأمته.
(3)
في (ق): نكاحها.
(4)
في (ق): عنهما.
المذهب؛ لأِنَّه طلاقٌ مِنْ زوجٍ في نكاحٍ صحيحٍ، فيُعتَدُّ به؛ كما لو لم تَعتِقْ
(1)
.
وقال القاضي: طلاقُه موقوفٌ، فإن اختارت الفَسْخَ؛ لم يَقَعْ، وإنْ لم تَخْتَرْ؛ وَقَعَ.
وفي «التَّرغيب» : في وقوعه وجْهانِ.
وإنْ كانَ الطَّلاقُ رجْعِيًّا؛ لم يَسقُطْ خِيارُها؛ لأِنَّها زوجةٌ.
فعلى قول القاضي: إذا طُلِّقت قبلَ الدُّخول، ثُمَّ اختارت الفَسْخَ؛ سَقَطَ مَهرُها؛ لأِنَّها بانَتْ بالفَسخ، وإنْ لم تفسخْ
(2)
؛ فلها نصفُ الصَّداق؛ لأِنَّها بانَت بالطَّلاق.
(وَإِنْ عَتَقَتِ الْمُعْتَدَّةُ الرَّجْعِيَّةُ)، أوْ عَتَقَتْ ثُمَّ طلَّقها رَجْعِيًّا؛ (فَلَهَا الْخِيَارُ)؛ لأِنَّ نكاحَها باقٍ، ولها في الفسخ فائدةٌ، فإنَّها لا تأمَنُ رَجْعَتَه إذا لم تفْسَخْ
(3)
.
فإنْ قِيلَ: يَنفَسِخُ حِينَئِذٍ؛ فيَحتاجُ إلى عدَّةٍ أخرى، وإذا فَسَخَتْ في العِدَّة بَنَتْ على عِدَّةِ حرَّةٍ.
(فَإِنْ رَضِيَتْ بِالْمُقَامِ؛ فَهَلْ يَبْطُلُ خِيَارُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»: أنَّه يَسقُطُ خِيارُها؛ لأِنَّها رَضِيَتْ بالمقام مع جَرَيانها إلى البَيْنونَةِ
(4)
، وذلك يُنافِي الاِخْتِيارَ.
والثَّاني: لا يَسقُطُ؛ لأِنَّها حالةٌ يَصِحُّ فيها اخْتِيارُ المقام؛ فصحَّ اختيارُ الفَسْخ؛ كصُلْب النِّكاح، فإنْ لم تَختَرْ شَيئًا؛ لم يَسقُطْ؛ لأِنَّه على التَّراخِي،
(1)
في (ظ): يعتق.
(2)
في (ظ): لم يفسخ.
(3)
في (ظ): لم يفسخ.
(4)
في (ق): المبتوتة.
وسُكوتُها لا يَدُلُّ على رضاها.
(وَمَتَى اخْتَارَتِ الْمُعْتَقَةُ الفُرْقَةَ بَعْدَ الدُّخُولِ
(1)
؛ فَالْمَهْرُ لِلسَّيِّدِ
(2)
، وكذا إن اخْتارَت الفَسْخَ قبلَ الدُّخول
(3)
؛ لأِنَّه وَجَبَ بالعَقْد، فإذا اخْتارَت المقامَ؛ لم يُوجَدْ له مُسقِطٌ، والواجِبُ المسمَّى مطلَقًا.
(وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ؛ فَلَا مَهْرَ) لها، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّ الفُرقةَ جاءت مِنْ قِبَلِها، فهو كما لو أسْلَمَتْ أو ارتدَّتْ أوْ أرْضَعَتْ مَنْ يُفسَخُ نِكاحُها.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لِسَيِّدِهَا نِصْفُ الْمَهْرِ)، ونَقَلَه مُهنَّى عن الإمام أحمدَ
(5)
؛ لأِنَّه وَجَبَ للسَّيِّد، فلا يَسقُطُ بفِعْلِ غَيرِه.
وأُجِيبَ: بأنَّه وإنْ وَجَبَ للسَّيِّد؛ لكِنْ بِواسِطَتِها، وفيه شَيءٌ.
فلو كانَتْ مُفوِّضةً، فَفَرَضَ لها مَهْرَ المِثْل؛ فهو للسَّيِّد؛ لأِنَّه وَجَبَ للسَّيِّد في ملْكِه لا بالفَرْضِ، وكذا لو مات أحدُهما وَجَبَ.
وإنْ كان الفَسْخُ قَبْلَ الدُّخول والفَرْضِ؛ فلا شيء
(6)
إلاَّ على القَول بوجوب المتعة، حَيثُ تَجِبُ لِوُجُوبه، فلا يَسقُطُ بفِعْل غَيرِه.
(وَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَهُوَ مُعْسِرٌ؛ فَلَا خِيَارَ لَهَا)، اخْتارَه الخِرَقِيُّ
(1)
كتب في هامش (ظ): (وهو كناية عن الجماع).
(2)
كتب في هامش (ظ): (وإن فسخت بعد الدخول والخلوة؛ فالمهر كله للسيد؛ لأنه حق وجب له على الزوج بالعقد، واستقر بالخلوة والدخول؛ فلم يسقط بشيء، وإن كان الفسخ قبله - أي قبل الدخول أو الخلوة - فلا مهر على الزوج يجب لها، ولا للسيد؛ لأنه فسخ جاء من قبلها؛ قبل استقرار المهر، فيسقط؛ وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا يجتمع عليه فراقها وذهاب ماله». رواه البيهقي).
(3)
كتب في هامش (ظ): (قوله: "وكذا إن اختارت الفسخ قبل الدخول"؛ فلا يجيء على المذهب ولا على رواية، فليتأمل ذلك وليحرر).
(4)
ينظر: المغني 7/ 196.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 279.
(6)
في (ظ): فلا يبنى.
والأكثرُ؛ لأِنَّه لا نَصَّ فيها، ولا يَصِحُّ قِياسُها على المنصوص، وعلَّله أحمدُ
(1)
: بأنَّ النِّكاحَ صحيحٌ، فلا يُفسَخُ بالمختلَفِ فيه، وهذه مختَلَفٌ فيها.
فلو زوَّج مُدبَّرةً له لا يَملِكُ غَيرَها، وقِيمتُها مائةً، بعبدٍ على مائتَينِ مَهْرًا، ثُمَّ مات السَّيِّدُ؛ عَتَقَتْ، ولا فَسْخَ قَبلَ الدُّخول؛ لِئَلاَّ يَسقُطَ المهرُ أوْ يَتنَصَّفُ، فلا يَخرُج من الثّلث، فيُرَقُّ بعضُها، فيَمتَنِعُ الفَسْخُ.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَهَا الْخِيَارُ)، هذا روايةٌ، وقدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّها قد صارت أكملَ منه، فثَبت لها الخيارُ، كما لو عَتَقَ جميعُها.
أمَّا لو كان مُوسِرًا؛ فإنَّ العِتْقَ يَسْرِي، ويَثبُتُ لها الخيارُ بلا نِزاعٍ، وكذا إذا قُلْنا بوجوبِ الاِسْتِسْعاء.
فرعٌ: إذا عَتَقَ زوجُ الأَمَة؛ لم يَثبُتْ لها خيارٌ؛ لأِنَّ الكَفاءةَ تُعتبَرُ
(2)
في الرَّجُل فقطْ، فلو تزوَّج امرأةً مطلَقًا، فبانَتْ أَمَةً؛ فلا خِيارَ له، ولو نَكَحَتْ رجُلاً مطلَقًا، فبانَ عبدًا؛ فلها الخِيارُ، وكذا في الاِسْتِدامة، لكِنْ إنْ عَتَقَ وَوَجَدَ الطَّولَ لِحُرَّةٍ، فهل يَبطُل نكاحُه؟ على وَجْهَيْنِ.
(وَإِنْ عَتَقَ الزَّوْجَانِ مَعًا؛ فَلَا خِيَارَ لَهَا) في المشهور عنه، والنِّكاحُ باقٍ، سَواءٌ أعْتَقَهُما واحدٌ أو اثْنانِ، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّ حرِّيَّةَ العَبدِ لو طَرَأَتْ بعدَ عِتْقِها؛ لَمَنَعَت الفَسْخَ، فإذا قارَنَتْ كان أَوْلَى أنْ تمنَعَ
(4)
كالإسلام.
وعنه: لها الخيارُ؛ كما لو عَتَقَتْ قَبلَه.
(وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُمَا)، نَقَلَه الجماعةُ
(5)
؛ لأِنَّ العِتْقَ معنًى يُزيلُ الملْكَ
(1)
ينظر: المغني 7/ 192.
(2)
في (ظ): يعتبر.
(3)
ينظر: المغني 7/ 194.
(4)
في (ظ): يمنع.
(5)
ينظر: المغني 7/ 194.
عنهما لا إلى مالِكٍ، فجاز أنْ تَقَعَ فيه الفُرقةُ؛ كالموت.
وفي «المغْنِي» : مَعْناهُ - والله أعْلَمُ - أنَّه إذا وَهَبَ عَبدَه سُرِّيَّةً، وأَذِنَ له في التَّسَرِّي بها، ثُمَّ أعْتَقَهما جميعًا؛ لم يُصِبْها إلاَّ بنِكاحٍ جديدٍ، واحتجَّ أحمدُ بما رَوَى نافِعٌ، عن ابن عمرَ
(1)
.
أمَّا إذا كانَت امرأتَه فَعَتَقَا؛ لم يَنفَسِخْ؛ لأِنَّه إذا لم يَنفَسِخْ بإعْتاقِها وحدَها؛ فَلَأَنْ لا يَنفَسِخَ بإعْتاقِهما معًا أَوْلَى.
وهذه التي ذَكَرَها المؤلِّف هي كاحْتِمالٍ في «الواضح» في عِتْقِه وحدَه؛ بِناءً على غِناهُ عن أَمَةٍ بِحُرَّةٍ، وذَكَرَ غَيرُه: إنْ وَجَدَ طَولاً، فَلَوْ أعْتَقَ نصفَهما؛ فهو كما لو عتقا.
مسألةٌ: يُستَحَبُّ لِمَنْ له عبدٌ وأَمَةٌ مُتزَوِّجانِ
(2)
البَداءَةُ بعِتْقِ الرَّجلِ؛ لِئَلاَّ يَثْبُتَ للمرأة الخِيارُ عليه، فيُفْسَخَ نكاحُه، واللهُ أعْلَمُ بالصَّواب
(3)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12845)، وحرب الكرماني في مسائله (2/ 778)، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أعتق غلامًا له سريتان أعتقهما جميعًا، وقال:«لا تقربهما إلا بنكاح» ، وإسناده صحيح.
(2)
في (ق): يتزوجان.
(3)
قوله: (بالصواب) سقط من (ق).
بَابُ حُكْمِ الْعُيُوبِ فِي النِّكَاحِ
خِيارُ الفَسْخ يَثْبُت لكلِّ واحدٍ من الزَّوجَينِ؛ للعَيب يَجِدُه في الآخَر، رُوِي عن عمرَ وابْنِه
(1)
وابْنِ عبَّاسٍ
(2)
، وبه قال أكثرُهم.
وعن عليٍّ
(3)
وابْنِ مَسعودٍ
(4)
: أنَّ الحُرَّةَ لا تُرَدُّ بعَيبٍ، إلاَّ أنْ يكونَ الرَّجلُ
(1)
أثر عمر رضي الله عنه: تقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (2). وأثر ابن عمر رضي الله عنهما أورده الموفق في المغني 7/ 184، ولم نقف عليه.
(2)
أخرجه الدارقطني (3674)، والبيهقي في الكبرى (14228)، وفي الخلافيات (4164)، عن عبد الوهاب بن عطاء، أخبرنا روح بن القاسم وشعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال:«أربع لا يجزن في بيع ولا نكاح: المجنونة، والمجذومة، والبرصاء، والعفلاء» ، قال البيهقي:(رواته ثقات، والشافعي: إنما ذكره من قول أبي الشعثاء جابر بن زيد، وهو صحيح عن ابن عباس). وأخرجه عبد الرزاق (10674، 10675)، وسعيد بن منصور (825، 828)، والشافعي في الأم (5/ 91)، وابن أبي شيبة (16297)، والبيهقي في الكبرى (14225)، من طريق ابن عيينة وحماد بن زيد وابن جريج وأيوب، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء جابر بن زيد قوله. فخالفهم عبد الوهاب ورفعه إلى ابن عباس، وهو صدوق ربما أخطأ كما في التقريب، فلعل هذا من أخطائه، وقد رواه يزيد بن زريع عن روح عند البيهقي في الكبرى (14227)، بما يوافق رواية الجماعة.
(3)
لم نقف على أثر لعلي رضي الله عنه بهذا اللفظ، وقد أخرج مسدد كما في المطالب العالية (1571)، عن الحسن، عن عليٍّ في رجل تزوج امرأة وبها جنون أو جذام أو برص، قال:«هي امرأته، إن شاء طلق وإن شاء أمسك» ، وهو منقطع، وروى الشعبي عنه بلفظ آخر:«أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن، فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك، وإن شاء طلق، وإن مسَّها فلها المهر بما استحل من فرجها» ، وتقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (3).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (16305)، عن عبد الله، قال:«لا ترد الحرة من عيب» ، وفيه مغيرة بن مقسم الضبي وهو ضعيف، وقد اضطرب فيه، مرة جعله من قول ابن مسعود رضي الله عنه، ومرة من قول النخعي كما عند سعيد بن منصور (830)، وقد أخرجه عبد الرزاق (10687)، عن حماد بن أبي سليمان، عن النخعي قوله.
مَجْبوبًا
(1)
أوْ عِنِّينًا، فإنَّ لها الخيارَ، فإن اخْتارَت الفِراقَ؛ فرَّقَ الحاكِمُ بَينَهما بطَلْقةٍ، ولا يكونُ فَسْخًا؛ لأِنَّ وُجودَ العَيب لا يَقتَضِي فَسْخَ النِّكاح؛ كالعَمَى ونحوِه.
وأُجِيبَ عنه: بأنَّ المختَلَفَ فيه يَمنَعُ الوَطْءَ، فأثْبَتَ الخِيارَ كالْجَبِّ، والرَّجلُ أحدُ الزَّوجَينِ، فثَبتَ له الخيارُ كالمرأة، وتزوَّج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأةً فأبْصَرَ بكَشْحِها بَياضًا فقال:«خُذِي عَلَيكِ ثِيابَكِ» رواه أحمدُ وسعيدٌ
(2)
.
(الْعُيُوبُ الْمُثْبِتَةُ لِلْفَسْخِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ)؛ لأِنَّ مِنْها ما يَختَصُّ الرِّجالَ، ومِنْها ما يَختَصُّ النِّساءَ، ومِنْها ما هو مُشتَرَكٌ بَينَهما.
(أَحَدُهَا: مَا يَخْتَصُّ الرِّجَالَ، وَهُوَ شَيْئَانِ):
(أَحَدُهُمَا
(3)
: أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ مَجْبُوبًا
(4)
قَدْ قُطِعَ ذَكَرُهُ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إِلاَّ مَا لَا يُمْكِنُ الْجِمَاعُ بِهِ)؛ لأِنَّ ذلك يَمنَعُ المقصودَ من النِّكاح، أشْبَهَ العُنَّةَ، بل أَوْلَى؛ لأِنَّه لا يُرْجَى زَوالُه، بخِلافِ العُنَّة، وحِينَئِذٍ العُيوبُ المثْبِتَةُ للفَسْخِ
(1)
في (ق): مجنونًا.
(2)
رواه جميل بن زيد الطائي، واختلف عليه اختلافًا كثيرًا: فأخرجه أحمد (16032)، وسعيد بن منصور (829)، والطحاوي في شرح المشكل (647)، والحاكم (6808)، من طرق عن جميل بن زيد الطائي، عن زيد بن كعب بن عجرة. واضطرب كثيرًا في اسم شيخه. ورواه جمع عن جميل بن زيد، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّج امرأة من غفار. فذكره. أخرجه الطحاوي في شرح المشكل (644)، وابن عدي (2/ 428)، والبيهقي في الكبرى (14490)، والاضطراب من جميل الطائي، ومدار الحديث عليه، وهو متروك ليس بثقة. والحديث مشهور بحديث الغفارية، ضعفه البخاري والدارقطني وابن عبد البر وابن عبد الهادي وابن حجر والألباني. ينظر: الكامل لابن عدي 2/ 427، العلل للدارقطني 13/ 151، الاستيعاب 3/ 1317، تنقيح التحقيق 4/ 364، بلوغ المرام (1012)، تعجيل المنفعة 1/ 395، الإرواء 6/ 326.
(3)
في (ق): أحدها.
(4)
قوله: (مجبوبًا) سقط من (ق).
ثَمانِيَةٌ: الجَبُّ، والعُنَّةُ، والفَتَقُ، والقَرَنُ، والعَفَلُ، والجُنونُ، والجُذَامُ، والبَرَصُ.
وقال القاضِي: هي سبعةٌ، فالقَرَنُ والعَفَلُ واحِدٌ، وهو الرَّتَقُ أيضًا؛ لأِنَّه لَحْمٌ يَنبُتُ في الفَرْج، وحكاهُ عن أهل الأدب.
فبعضُها يتعذَّر الوَطْءُ معه، وبعضُها يَمنَعُ الاِسْتِمْتاعَ المقصودَ بالنِّكاح، وبعضُها يُخشَى تَعَدِّيهِ إلى النَّفس والنَّسل.
(فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي إِمْكَانِ الْجِمَاعِ بِالْبَاقِي؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) على المذهب؛ لأِنَّها تدَّعِي شيئًا يَعضُدُه الحالُ؛ ولأِنَّه بالقَطْع يَضعُفُ، والأصلُ عَدَمُه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُهُ)؛ كما لو ادَّعى الوَطْءَ في العُنَّة، وكما لو كان ذَكَرُه قصيرًا، ما لم تَكُنْ بِكْرًا، قاله في «المحرَّر» .
(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِنِّينًا لَا يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ)، العِنِّينُ: هو العاجِزُ عن الوطء، وربَّما اشْتَهاهُ ولا يُمكِنُه، مُشتَقٌّ من عنَّ الشَّيءُ؛ إذا عَرَضَ، وقِيلَ: الذي له ذَكَرٌ ولا يَنتَشِرُ.
فإن اخْتلَفَا في وُجودِ العُنَّة، فإنْ كان للمدَّعِي بيِّنةٌ من أهل الخِبرة والثِّقة؛ عُمِلَ بها، وإلاَّ حَلَفَ المنكِرُ، وقُبِلَ قولُه.
فإنْ كان مريضًا يُغْمَى عليه ثُمَّ يَزولُ؛ فذلك مَرَضٌ
(1)
لا يَثبُتُ به خيارٌ، وإنْ زال المرضُ، ودام به الإغْماءُ؛ فهو الجُنونُ.
فإذا ثَبَتَ أنَّه عُنَّةٌ؛ فهو عَيبٌ تَستحِقُّ المرأةُ به الفسخَ بَعْدَ أنْ تُضرَبَ
(2)
له مُدَّةٌ يُختَبَرُ بها، ويُعلَمَ حالُه بها في قَولِ الجَماهِيرِ.
(فَإِنِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ)، أو أُقِيمَتْ به بيِّنةٌ عادِلةٌ؛ (أُجِّلَ سَنَةً مُنْذُ تَرَافُعِهِ)؛
(1)
في (ق): رضى.
(2)
في (ق): يضرب.
لقَولِ عمرَ
(1)
وابنِ مَسْعودٍ
(2)
والمغيرةِ بنِ شُعْبةَ، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(3)
، ولا مُخالِفَ لهم، ورواه أبو حَفْصٍ عن عليٍّ
(4)
، وكالْجَبِّ.
وخَبَرُ امرأةِ رِفاعةَ: «إنَّما معه مِثْلُ هُدْبَةِ هذا الثَّوبِ»
(5)
؛ لا حُجَّةَ فيه، فإنَّ المُدَّة إنَّما تُضرَبُ مع
(6)
اعترافه وطَلَبِ المرأةِ ذلك، مع أنَّ الرَّجلَ أنْكَرَ ذلك، وقال:«إنِّي لَأعْرُكُها عَرْكَ الأَدِيمِ»
(7)
.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10720)، وابن أبي شيبة (16502)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 345)، والدارقطني (3811)، والبيهقي في الكبرى (14289)، من طرق عن سعيد بن المسيب:«أن عمر بن الخطاب أجَّل الذي لا يستطيع أن يأتي امرأته سنة، وجعل لها الصداق كاملاً، وعليها العدة كاملة» ، وإسناده صحيح، وروي من طرق أخرى مرسلة عن عمر رضي الله عنه، وأعله ابن حزم والألباني بالانقطاع. ينظر: المحلى 9/ 203، الإرواء 6/ 323.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (10723)، وابن أبي شيبة (16490)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 344)، والطبراني في الكبير (9705)، والدارقطني (3814)، والبيهقي في الكبرى (14290)، عن ابن مسعود قال:«يؤجل العنين سنة، فإن دخل بها وإلا فرق بينهما» ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 301:(رجاله رجال الصحيح خلا حصين بن قبيصة، وهو ثقة).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (10724)، وابن أبي شيبة (16491)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 344)، والدارقطني (3815)، والبيهقي في الكبرى (14291)، عن أبي النعمان:«عن المغيرة بن شعبة أنه رُفع إليه عنين؛ فأجَّله سنة» ، فيه ضعف، أبو النعمان هو حنظلة بن نعيم، سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ووثقه ابن حبان والعجلي.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (10725)، عن علي قال:«يؤجل العنين سنة، فإن أصابها، وإلا فهي أحق بنفسها» ، وفيه الحسن بن عمارة وهو متروك. وأخرجه ابن أبي شيبة (16489)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 344)، والبيهقي في الكبرى (14300)، عن الضحاك، عن علي نحوه. وهو منقطع، وضعف إسناده الحافظ في الدراية 2/ 77.
(5)
أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
في (ق): في.
(7)
لم نجده بهذا اللفظ، وأخرجه البخاري (5825)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه:«إني لأنفضُها نفض الأديم» . قال ابن حجر في الفتح 1/ 197: (أي: أجهدها وأعركها كما يُعرك الأديم).
قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وقد صحَّ أنَّ ذلك كان بَعْدَ طَلاقِه، فلا مَعْنَى لضَرْبِ المدَّة
(1)
، وحِينَئِذٍ لا يُحتَسَبُ عَلَيهِ منها ما اعْتَزَلَتْهُ فَقَطْ، قاله في «التَّرغِيبِ» ؛ ولأِنَّ العَجْزَ عنه يَحتَمِلُ أنْ يَكونَ مَرَضًا، فتُضرَبُ له سَنَةٌ؛ لِتَمُرَّ به الفُصولُ الأربعةُ، وقِيلَ: شَمْسِيَّةٌ، فإنْ كان مِنْ يُبْسٍ زال في الرُّطوبة، وإنْ كانَ من رُطوبةٍ زالَ في فَصْلِ اليُبْسِ، وإنْ كان مِنْ بُرودةٍ زالَ في الحرارة، وإنْ كان من انْحِرافِ مِزاجٍ زالَ في فَصْلِ الاِعْتِدال، فإذا مَضَتِ الفُصولُ الأربعةُ، واختَلَفَتْ عليه الأهْوِيَةُ، ولم يَزُلْ؛ عُلِمَ أنَّه خِلقَةٌ، قال أحمدُ: أهلُ الطّبِّ قالوا: الدَّاءُ لا يُسجَنُ في البدن أكثرَ مِنْ سَنَةٍ، ثُمَّ يَظْهَرُ
(2)
.
وابْتِداءُ السَّنةِ مُنْذُ تَرافُعِه، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: على هذا جماعةُ القائِلِينَ بتأْجِيلِه، بخِلافِ مُدَّة الإيلاءِ
(3)
.
(فَإِنْ وَطِئَ فِيهَا، وَإِلاَّ فَلَهَا الْفَسْخُ) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّه تَثْبُتُ
(4)
عُنَّتُه فيَثْبُتُ لها الفَسْخُ.
واخْتارَ أبو بكرٍ، وصحَّحه المجْدُ: أنَّه لا يُؤجَّلُ، وتَفْسَخُ
(5)
في الحال كالجَبِّ؛ ولأِنَّ المقْتَضِيَ للفَسْخ قد وُجِدَ، وزَوالُه لا يَحتَمِلُ الأَجَلَ، والظَّاهِرُ عَدَمُه.
والحاصِلُ: أنَّها إذا ادَّعَتْ عَدَمَ وَطْئِها لِعُنَّته؛ سُئِلَ عن ذلك، فإنْ أنْكَرَ وهِيَ عَذْراءُ؛ فالقَولُ قَولُها، وإلاَّ فالقَولُ قَولُه مع يمينه في ظاهِرِ المذهب؛
(1)
ينظر: الاستذكار 5/ 446.
(2)
لم نقف عليه من كلام أحمد، وذكره ابن المنذر عن أبي عبيد. ينظر: النجم الوهاج 7/ 244.
(3)
ينظر: التمهيد 13/ 226.
(4)
في (ظ): لا تثبت.
(5)
في (ظ): ويفسخ.
لأِنَّ الأَصْلَ السَّلامةُ، والأصحُّ: أنَّه يُحلَّفُ، فإنْ نَكَلَ عنها ثَبَتَ عَجْزُه، وأُجِّلَ سَنَةً في قَولِ عامَّتهم.
(فَإِنِ اعْتَرَفَتْ
(1)
أَنَّهُ وَطِئَهَا مَرَّةً؛ بَطَلَ كَوْنُهُ عِنِّينًا)، في قَولِ أكثرِ العُلَماء؛ لأِنَّه قد تجدَّدَتْ قُدرتُه على الوطء، فبَطَلَ كَونُه عِنِّينًا؛ لأِنَّ حُقوقَ الزَّوجِيَّةِ مِنْ اسْتِقْرار المهْرِ والعِدَّةِ تَثبُتُ
(2)
بوطْءٍ واحِدٍ، فكذا هذا، وأمَّا الجَبُّ فقد تحقَّقَ به العَجْزُ، فافْتَرَقا.
تنبيهٌ: إذا أَوْلَجَ الحَشَفَةَ في الفَرْجِ؛ زالَتْ عُنَّتُه، فإنْ كان مَقْطوعَها؛ كَفَاهُ تَغْيِيبُ قَدْرِها من الباقي في الأصحِّ.
وظاهِرُه: ولو في حَيضٍ أوْ إحْرامٍ، نَصَرَه في «الشَّرح» .
وذَكَرَ القاضي: أنَّ قِياسَ المذهب: أنَّه لا يَخرُج منها؛ لأِنَّه لا يَحصُلُ به الإحْصانُ والإباحةُ للزَّوج الأوَّلِ.
وأُجِيبَ: بِأنَّه وَطْءٌ في محلِّه، فخَرَجَ منها كالمريضة.
والآخر: لا يَخرجُ من العُنَّة إلاَّ بتَغْيِيبِ جميعِ الباقِي.
(فَإِنْ
(3)
وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ وَطِئَ غَيْرَهَا؛ لَمْ تَزُلِ الْعُنَّةُ)، جَزَمَ به في «الوجيز» وغَيره؛ لأِنَّ الدُّبُرَ لَيسَ مَحَلًّا للوطء، أشْبَهَ ما لو وَطِئَ دُونَ الفَرْج؛ ولأِنَّ كلَّ امرأةٍ تُعتَبَرُ في نَفْسِها؛ لأِنَّ الفَسْخَ لدَفْعِ الضَّرَر الحاصِلِ بالعجز عن وَطْئِها، وهو مَوْجودٌ هنا وإنْ وَطِئَ غَيرَها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَزُولَ)، هذا وَجْهٌ حكاه في «المحرَّر» و «الفروع» ، رُوِيَ عن سَمُرةَ
(4)
، وعمرَ بنِ عبد العزيز، ولأِنَّ العُنَّةَ جِبِلَّةٌ،
(1)
في (ق): اعترف.
(2)
في (ق): يثبت.
(3)
في (ق): وإن.
(4)
أخرجه أبو عبيد في الغريب (4/ 327)، والبيهقي في الكبرى (14302)، عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن سمرة، وسيأتي لفظ القصة من كلام المصنف قريبًا. وإسنادها صحيح، وحسن الألباني إسناد البيهقي في جلباب المرأة المسلمة ص 103.
فلا تَختلِفُ
(1)
باخْتِلاف المحلِّ
(2)
والنِّساء؛ ولأِنَّ الوطءَ في الدُّبُرِ أصْعَبُ، فَمَنْ قَدَرَ عليه كان على غيره أقْدَرَ، وهذا مختارُ ابنِ عَقِيلٍ، ومُقتَضَى قَولِ أبي بكرٍ.
فعلى الأوَّلِ: لو تزوَّجَ امرأةً فأصابها، ثُمَّ أبانَها، ثُمَّ تزوَّجها فعُنَّ عنها؛ فلها المطالَبةُ؛ لأِنَّه إذا جاز عَنِ امْرأةٍ دُونَ أخرى؛ ففي نكاحٍ دُونَ آخَرَ أَوْلَى؛ لأِنها قد تَطْرَأُ.
وعلى الثَّاني: لا يَصِحُّ، بل مَتَى وَطِئَ امْرأةً زالَتْ عُنَّتُه أبدًا.
(وَإِنِ ادَّعَى أَنَّه وَطِئَهَا، وَقَالَتْ: إِنَّهَا عَذْرَاءُ، فَشَهِدَتِ امْرَأَةٌ ثِقَةٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّ بَكارتَها أكْذَبَتِ الزَّوجَ؛ إذ الوطءُ مع بقاء البَكارة متعذِّرٌ.
ويُقبَلُ في بَقاءِ عُذْرَتِها امرأةٌ ثِقةٌ؛ كالرَّضاع. وعَنْه: ثِنتان، ويُؤجَّلُ.
فإن ادَّعَى أنَّ عُذْرَتَها عادَتْ بَعْدَ الوطء؛ قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّ هذا بعيدٌ جِدًّا وإنْ كان مُتَصَوَّرًا، والأصحُّ: أنَّها تُستَحْلَفُ.
(وَإِلاَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أيْ: إذا لم يَشهَدْ لها أَحَدٌ؛ لأِنَّ الأصلَ السَّلامةُ وعَدَمُ العَيب، وكذا إذا ادَّعَتْ أنَّ عُذْرَتَها زالَتْ بسببٍ آخَرَ؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه.
(وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا؛ فَالقَوْلُ قَوْلُهُ) مع يَمِينِه إنِ ادَّعاهُ ابْتِداءً، وإنِ ادَّعاهُ بَعْدَ ثُبوت عُنَّتِه وتأجيلِه؛ قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّ هذا يتعذَّر إقامةُ البيِّنة عليه؛ ولأِنَّه يَدَّعِي سلامةَ العَقْد وسَلامةَ نفسِه من العيوب، والأصلُ السَّلامةُ، فإنْ نَكَلَ؛ قُضِيَ عليه بالنُّكول، قال القاضي: ويتخرَّجُ أنْ لا يُستَحْلَفَ.
(1)
في (ظ): يختلف.
(2)
في (ق): المحيل.
(وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُهَا)، نَقَلَها ابنُ منصورٍ
(1)
، وحكاه القاضي في «المجرد» ؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُ الإصابة، فكان القَولُ قَولَها مع يَمِينها.
(وَقَال الْخِرَقِيُّ: يُخَلَّى مَعَهَا فِي بَيْتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: أَخْرِجْ مَاءَكَ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنِ ادَّعَتْ أَنَّه لَيْسَ بِمَنِيٍّ؛ جُعِلَ عَلَى النَّارِ، فَإِنْ ذَابَ فَهُوَ مَنِيٌّ، وَبَطَلَ قَوْلُهَا)، نَقَلَه عن أحمدَ مُهَنَّى وأبو داودَ وأبو الحارث
(2)
، واختاره القاضِي وأصحابُه؛ إذْ بذلك يَظهَرُ صِدْقُه أوْ صِدْقُها؛ إذِ الغالِبُ أنَّ العِنِّينَ لا يُنزِلُ، فمَعَ الإنزال يَغلِبُ على الظَّنِّ كَذِبُها، فيكونُ القَولُ قَولَه مع يمينه، ومع عَدَمِ الإنزالِ؛ يَظهَرُ صِدْقُها، فيكونُ القَولُ قَولَها، ومع الإنزال إذا أنْكَرَتْ أنَّه يُختبَرُ، فيُجعَلُ على النَّار، فإنْ ذاب فهو مَنِيٌّ؛ لأِنَّ ذلك مِنْ عَلامَاتِه، وإنْ يَبِسَ وتجمَّعَ فهو بَياضُ بَيضٍ، فإنْ ضَعُفَ عن إخْراجِه قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ معها.
وذَكَرَ أبو بكرٍ: أنَّه يُزوَّج امرأةً لها دينٌ وحظٌّ من جَمالٍ، فإنْ ذَكَرَتْ أنَّه قَرِبَها؛ كُذِّبَت الأولى، وخُيِّرت الثَّانيةُ بَينَ المقام معه أوْ فِراقِه، ويكون صداقُها في بَيتِ المال، وإن ذَكَرَتْ أنَّه لا يَقرَبُها؛ فُرِّقَ بَينَه وبَينَ الزَّوجَتَينِ، ومَهراهُما في ماله، واعْتَمَد على ما رُوِيَ: «أنَّ امرأةً جاءت إلى سَمُرةَ، فَشَكَتْ إليه أنَّه لا يَصِلُ إلَيها زَوجُها
(3)
، أنَّه كَتَبَ إلى مُعاوِيةَ فأَمَرَه بمِثْلِ ذلك»
(4)
.
فرعٌ: إذا ادَّعَتْ زوجةُ مَجنونٍ عُنَّتَه؛ ضُرِبَتْ له مُدَّةٌ عندَ ابنِ عَقِيلٍ، وهل يَبطُلُ بحُدوثه فلا يَفسَخُ الوليُّ؟ فيه خِلافٌ.
(1)
لم نقف عليها في مسائل ابن منصور، وينظر: الروايتين والوجهين 2/ 111.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 111، المحرر 2/ 25.
(3)
قوله: (فشكت إليه أنه لا يصل إليها زوجها) سقط من (ق).
(4)
تقدم تخريجه 7/ 567 حاشية (4).
(فَصْلٌ)
(الْقِسْمُ الثَّانِي: يَخْتَصُّ النِّسَاءَ)، وهو ظاهِرٌ، (وَهُوَ شَيْئَانِ):
(الرَّتَقُ)، بفَتْحِ الرَّاء والتَّاء؛ يَعْنِي: مُلْتَصِقًا لا يَدخُلُ الذَّكَرُ فيه، قاله أبو الخَطَّاب، وقال الجَوهَريُّ: هو مَصدَرُ امرأةٍ رَتْقاءَ؛ أيْ: بيِّنةِ الرَّتَقِ لا يُستَطاعُ جِماعُها؛ لاِرْتِتاقِ
(1)
ذلك الموضِع مِنْها
(2)
، (وَهُوَ كَوْنُ الْفَرْجِ مَسْدُودًا لَا مَسْلَكَ لِلذَّكَرِ فِيهِ)، قاله في «الفروع» وغيره؛ لأِنَّه يَمنَعُ من اسْتِيفاءِ مَقْصودِ النِّكاح، أشْبَهَ الجَبَّ والعُنَّةَ؛ ولأِنَّ المرأةَ أحدُ العِوَضَينِ في النِّكاح، فجاز ردُّها بعَيبٍ؛ كالصَّداق.
(وَكَذَلِكَ الْقَرَنُ، وَالْعَفَلُ، وَهُوَ لَحْمٌ يَحْدُثُ فِيهِ يَسُدُّهُ)، كذا قِيلَ.
أمَّا القَرَن؛ بفَتْح القاف والرَّاء، قَرِنَت المرأةُ بكَسْرِ الرَّاء، تَقرَن قَرَنًا
(3)
بفَتْحِها فيهما؛ إذا كانَ في فَرْجِها قَرْنٌ وهو العَظْمُ، أوْ غُدَّةٌ مانِعةٌ من سُلُوك الذَّكَر.
وأمَّا العَفَل بِوَزْنِ فَرَسٍ: شَيءٌ يَخرُجُ من
(4)
فَرْجِ المرأةِ وحَياءِ النَّاقة، شَبِيهٌ بما يكونُ في خُصْيَةِ الرَّجُل.
(وَقِيلَ: الْقَرَنُ عَظْمٌ، وَالْعَفَلُ: رَغْوَةٌ)، بتَثْليثِ الرَّاء، ورغْوَةُ اللَّبَن مَعروفةٌ، وزَبَدُ كلِّ شَيءٍ: رغْوَتُه، (تَمْنَعُ
(5)
لَذَّةَ الْوَطْءِ)، قاله أبو حفصٍ.
وقال القاضي: هما والرَّتَق: لَحْمٌ يَنبُتُ في الفَرْجِ.
(1)
في (ق): لارتياق.
(2)
ينظر: الصحاح 4/ 1480.
(3)
قوله: (قَرَنًا) سقط من (ظ).
(4)
في (ق): في.
(5)
في (ق): يمنع.
(الثَّانِي: الْفَتَقُ)، قال الجَوهَريُّ: الفَتَق بالتَّحْريك، مَصدَرُ قَولِك: امْرأةٌ فَتْقَاء، وهي الْمُنْفَتِقَة
(1)
الفَرْج، خِلافُ الرَّتْقاءِ
(2)
، (وَهُوَ انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ)، وهو المذهَبُ، واعْتَمَد عليه في «الفروع» .
(وَقِيلَ: انْخِرَاقُ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ)، قدَّمه في «الكافي» ؛ لأِنَّ فيه تَنْفيرًا، أشْبَهَ انْخِراقَ ما بَينَ السَّبِيلَينِ، وفي «المحرَّر»: إذا انْخَرَقَ مَخرَجَا البَولِ والْمَنِيِّ في الفَرْج، فهل يَثبُتُ الخِيارُ؟ على وجْهَينِ.
(الثَّالِثُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الْجُذَامُ وَالْبَرَصُ)؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تزوَّج امرأةً من بَنِي غِفارٍ، فرأى بكَشْحِها بَيَاضًا، فقال:«الْحَقِي بأَهْلِكِ»
(3)
، فثَبَتَ الخِيارُ بالبَرَص، وباقي العيوب بالقياس عليه؛ ولأِنَّهما يُثِيرانِ نُفْرةً في النَّفس تَمنَعُ
(4)
قُرْبانَ أحدهما الآخَرَ، ويُخشَى تعدِّيه إلى النَّفس والنَّسْل.
(وَالْجُنُونُ)؛ لأِنَّه يُثِيرُ النُّفرةَ المذكورةَ، ويُخافُ ضرَرُه، (سَوَاءٌ كَانَ مُطْبِقًا)؛ أيْ: دائمًا، (أَوْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ)؛ أيْ: يَعتَرِيهِ وقْتًا دُونَ آخَرَ؛ لأِنَّ النَّفسَ لا تَسكُنُ إلى مَنْ هذه حالُه، وفي «الواضح»: جنونٌ غالِبٌ، وفي «المغْنِي»: أوْ إغْماءٌ، لا إغْماء مريضٍ لم يَدُمْ.
(فَهَذِهِ الْأَقْسَامُ يَثْبُتُ بِهَا خِيَارُ الْفَسْخِ رِوَايَةً وَاحِدَةً)، وهذا تصريحٌ من المؤلِّف أنَّه
(5)
لا خلافَ عنه في ذلك.
(1)
في (ق): المنفقة.
(2)
ينظر: الصحاح 4/ 1539.
(3)
تقدم تخريجه 7/ 563 حاشية (2).
(4)
في (ق): فمنع.
(5)
في (ق): لأنه.
فَصْلٌ
(وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْبَخَرِ وَهُوَ نَتْنُ الْفَمِ)، على المذهب
(1)
؛ لأنه يُثير نُفرةً
(2)
كالبرص.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: نَتْنٌ فِي الْفَرْجِ يَثُورُ عِنْدَ الْوَطْءِ)؛ لأِن النُّفرةَ حاصِلةٌ به، قال في «المغْنِي»: إنْ أراد به أنَّه يُسمَّى: بَخَرًا، ويَثبُتُ الخِيارَ، وإلاَّ فلا مَعْنَى له.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ في بَخَرٍ
(3)
رِوايتَينِ.
فائدةٌ: يُستعمَلُ له السِّواكُ، ويَأخُذُ كلَّ يَومٍ وَرَقَ آسٍ مع زَبِيبٍ مَنزُوعِ العجم قَدْر جَوزةٍ، واسْتِعمالُ الكُرْفس ومَضْغُ النَّعناع جيِّدٌ فيه.
(وَاسْتِطْلَاقِ الْبَوْلِ)؛ أيْ: لا يَزالُ يَنقُضُ، (وَالنَّجْوِ)، وهو الغائط، (وَالْقُرُوحِ السَّيَّالَةِ فِي الْفَرْجِ)، واحدُها قَرْحٌ؛ بفَتح القاف وضمِّها، كالضَّعف، والضُّعف.
(وَالْبَاسُورِ)، وهو علَّةٌ تَخرُج في المِقْعَدَة، (وَالنَّاسُورِ)، بالنُّون: العِرْق الذي لا يَزالُ ينقض
(4)
.
(وَالْخِصَاءِ)، بالمدِّ، خَصَيت الفَحلَ خَصْيًا؛ إذا سَلَلْتَ أُنثَيَيهِ أوْ قَطَعْتهما، أوْ قَطَعْتَ ذكرَه، (وَهُوَ قَطْعُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَالسَّلِّ: وَهُوَ سَلُّ البَيْضَتَيْنِ، وَالْوِجَاءِ)، بكَسْرِ الواو ممدودًا، (وَهُوَ رَضُّهُمَا)، وفي «المطلع»: وهو رضُّ عُروقِ البَيضَتَينِ حتَّى تَنفَضِخَ، فيَكونُ شَبِيهًا بالخِصاء.
(1)
قوله: (على المذهب) سقط من (ق).
(2)
في (ظ): نقرة.
(3)
في (ق): نجو.
(4)
الذي في المطلع ص 394: ينتقض.
(وَفِي كَوْنِهِ خُنْثَى)، سَواءٌ كان مُشْكِلاً أوْ لا، قاله جماعةٌ، وخَصَّه في «المغْنِي» بالمشْكِلِ، وفي «الرِّعاية» عَكْسُه، وفي ثبوت الخيار بذلك وجْهانِ:
أحدُهما: لا يَثبُتُ؛ لأِنَّ ذلك لا يَمنَعُ الاِسْتِمتاعَ، ولا يُخشَى تعدِّيه، أشْبَهَ العَمَى، بل يُقال: إنَّ الخَصِيَّ أقدرُ على الجماع، والخُنثى فيه خِلْقةٌ زائدةٌ؛ كاليد الزَّائدة.
والثَّاني: بلى؛ لأِنَّ فيه نقصًا وعارًا، ويُثِيرُ نفرةً.
وألْحَقَ بذلك في «الموجز» : بَولُ كبيرةٍ في الفراش، والقَرَعُ في الرَّأس، وله رائحةٌ مُنكَرةٌ: وجهانِ.
(وَفِيمَا إِذَا وَجَدَ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ عَيْبًا بِهِ مِثْلُهُ
(1)
؛ لا خيارَ؛ لأِنَّه لا مَزِيَّةَ لأِحدِهما على صاحبه.
والثَّاني، وهو الأصح: ثُبوتُه؛ لوجود سببه، أشْبَهَ العبدَ المغرورَ بأَمَةٍ؛ لأِنَّ الإنسانَ قد يَأْنَفُ من عَيبِ غَيرِه، ولا يَأنَفُ من عَيبِ نفسه
(2)
.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا اختلف العيبُ فيهما؛ أنَّه يَثْبُتُ الخيارُ، إلاَّ أنْ يَجِدَ المجبوبُ المرأةَ رَتْقاءَ، فلا يَنبَغِي أنْ يَثبُتَ لهما الخيارُ؛ لاِمْتِناع الاِسْتِمْتاع بعَيبِ نفسِه.
واختار في «الفصول» : إنْ لم يَطَأْ لنَضْوتها؛ فكرتقاء.
(أَوْ حَدَثَ بِهِ الْعَيْبُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ هَلْ
(3)
يَثْبُتُ الْخِيَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما، واختاره القاضي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في
(1)
كتب في هامش (ظ): (قوله: "مثل عيبه" يُفهم منه أنه لو كان عيب أحدهما أفحش أو أكثر؛ ثبت الخيار مطلقًا).
(2)
كتب في هامش (ظ): (أما إذا كانا مجنونين، أي: مطبقين، فلا يمكن الخيار لواحد منهما).
(3)
في (ق): فهل.
«الشَّرح» : يَثبت الخيارُ؛ لأِنَّه عَيبٌ أثبت الخِيارَ مُقارِنًا، فأثبته طارِئًا؛ كالإعسارِ والرِّقِّ.
والثَّاني: لا، وهو قَولُ أبي بكرٍ وابن حامدٍ؛ لأِنَّه عَيبٌ حَدَثَ بالمعقود عليه بعد لُزوم العقد، أشْبَهَ الحادِثَ بالمبيع.
والأوَّل أشْبَهُ؛ لأِنَّه يَنتقِضُ بالعيب الحادث في الإجارة.
تنبيهٌ: عُلِمَ مِمَّا سبق: أنَّه لا فَسْخَ بغَيرِ ذلك؛ كعَوَرٍ، وعَمًى، وقَطْعِ يدٍ، بخلاف البيع.
وفي «الرَّوضة» : هل يُحَطُّ من مهر المثل بقَدْرِ النَّقص
(1)
؟ فيه نظرٌ.
وقِيلَ لشَيخنا
(2)
: لِمَ فُرِّقَ بَينَ هذه العيوبِ وغيرِها؟
قِيلَ: قد عُلِم أنَّ عيوبَ الفَرْج المانِعةِ من الوطء لا يُرضَى بها في العادة، فإنَّ المقصودَ من النِّكاح الوطء، بخلافِ اللَّون والطُّول والقِصَر، وأنَّ
(3)
الحُرَّةَ لا تُقلَّبُ كما تُقلَّب الأَمَةُ، والزَّوجُ قد رَضِيَ رضًا مُطلَقًا، وهو لم يَشتَرِطْ صفةً، فبانَتْ بِدُونها، والصَّوابُ: أنَّ له الفسخَ.
وذَكَر صاحبُ «الهَدْي» في قطعِ يدٍ أوْ رِجلٍ، أوْ خَرَسٍ، أوْ طَرَشٍ، وكذا كلُّ عَيبٍ لا يَحصُلُ به مقصودُ النِّكاح، فَوَجَبَ
(4)
الخِيارُ، وأنَّه أَوْلَى من البيع
(5)
.
واخْتارَ بعضُ الشَّافعيَّة: ردَّ المرأةِ بما تُرَدُّ به الأَمَةُ في البيع، حكاه أبو عاصمٍ العَبَادانيُّ
(6)
.
(1)
في (ظ): البعض.
(2)
أي: شيخ الإسلام ابن تيمية، والكلام لصاحب الفروع 8/ 287.
(3)
في (ق): فإن.
(4)
في (ق): يوجب.
(5)
ينظر: زاد المعاد 5/ 165.
(6)
صوابه العبادي. ينظر: زاد المعاد 5/ 256.
وهو: محمد بن أحمد بن محمد الهروي، الإمام الجليل القاضي، أبو عاصم العبادي، صاحب الزيادات، والمبسوط، والهادي وأدب القضاء، مات سنة 458 هـ. ينظر: طبقات الشافعية 4/ 104، طبقات الشافعيين ص 433.
وقال أبو البقاء: الشَّيخُوخَة في أحدِهما عَيبٌ، ولو بان عَقِيمًا فلا خِيارَ، نَصَّ عليه، ونقل ابنُ منصورٍ: أعْجَبُ إليَّ أنْ يُبيِّنَ لها
(1)
.
(فَإِنْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقْتَ الْعَقَدِ، أَوْ قَالَ: قَدْ رَضِيتُ بِهِ مَعِيبًا)، فلا خيارَ له بغير خلافٍ نَعلَمُه
(2)
؛ لأِنَّه قد رَضِيَ به، أشْبَهَ مُشْتَرِيَ المبيع
(3)
، وإنْ ظنَّه يسيرًا فبان كثيرًا؛ فلا خيارَ له، بخلاف ما إذا رَضِيَ بعيبٍ فبان غيرُه؛ لأِنَّه وَجَدَ به عَيبًا لم يَرْضَ به ولا يَحبسُه، وإنْ رَضِيَ بعَيبٍ فزاد بَعْدَ العَقْد؛ فلا خِيارَ له؛ لأِنَّ رضاهُ به رضًا بما يَحدُثُ منه.
(أَوْ وُجِدَ مِنْهُ دِلَالَةٌ عَلَى الرِّضَا مِنْ وَطْءٍ، أَوْ تَمْكِينٍ مَعَ العِلْمِ بِالعَيْبِ؛ فَلَا خِيَارَ لَهُ)؛ لأِنَّه عَيبٌ يُثبِت الخيارَ، فبَطَلَ بما ذُكِرَ كالعَيب في المبِيع.
وعُلِمَ منه: أنَّ خيارَ العيب والشَّرْط على التَّراخي، لا يَسقُط إلاَّ بما يدُلُّ على الرِّضا من قَولٍ أوْ فِعْلٍ، إلاَّ في العُنَّة، فإنَّه لا يَسقُط بغَيرِ القَول، وصرَّح به الأصحابُ.
(وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ)؛ لأِنَّه مُجتهَدٌ فيه؛ كالفسخ بالإعسار والعُنَّة، بخلاف خيار المعتَقة تحتَ عبدٍ، فإنه مُتَّفَقٌ
(4)
عليه، فَعليْهِ: يَفسَخه هو، أو يَرُدُّه إلى من له الخيارُ.
وفي «الموجز» : يتولاَّهُ هو.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1887، الفروع 8/ 290.
(2)
ينظر: المغني 7/ 187.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 187 والشرح الكبير 20/ 512: المعيب.
(4)
في (ق): ينفق.
وإنْ فُسِخ مع غَيبته
(1)
، أوْ فُرِّق بَينَ مُتلاعِنَينِ بعدَ غيبتهما
(2)
؛ ففيه خلافٌ في «الانتصار» .
وفي «الترغيب» : لا يُطلَّق على عِنِّين كمولٍ في أصحِّ الرِّوايتَينِ، ولا تَحرُم أبدًا.
وعنه: بلى؛ كلِعانٍ.
وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: لَيس هو
(3)
الفاسِخَ، وإنَّما يأذَنُ ويَحكُم به، فمتى أَذِن أو حَكَمَ لأِحدٍ باسْتِحقاقِ عَقْدٍ أوْ فَسْخٍ؛ فهو فِعْلُه
(4)
.
فرعٌ: إذا زال العَيبُ؛ فلا فَسْخَ، وكذا إنْ عُلِم حالةَ العقد، ومَنَعَه في «المغْنِي» في عِنِّينٍ ذَكَرَه في المصرَّاة، قال في «الفروع»: ويتوجَّه في غَيرِهِ مِثلُه.
(فَإِنْ فُسِخَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَا مَهْرَ)، سَواءٌ كان الفاسِخُ الزَّوجَ أو الزَّوجةَ؛ لأِنَّ الفَسْخَ إنْ كان منها؛ فالفُرْقةُ مِنْ جِهَتِها؛ فسقَطَ
(5)
مَهرُها؛ كرضاعِ زوجةٍ له أخرى، وإنْ كان منه، فإنَّما
(6)
فَسَخَ لعيبٍ بها دلَّسته
(7)
بالإخفاء، فصار الفسخُ كأنَّه منها.
لا يُقالُ: هلاَّ جُعِلَ فَسْخُها لعَيبه كأنَّه منه؛ لحصوله بتدليسه؛ لأِنَّ العِوَضَ من الزَّوج في مقابَلةِ منافِعها، فإذا اختارت الفسخَ مع سلامة ما عُقِدَ عليه؛
(1)
في (ظ): عُنَّته.
(2)
في (ظ): عُنَّتِهما.
(3)
أي: الحاكم. ينظر الفروع 8/ 292.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 292.
(5)
في (ظ): يسقط.
(6)
في (ظ): وإنما.
(7)
في (ق): دلسه.
رجع العِوَضُ إلى العاقد منها
(1)
، وليس من جِهَتِها عِوَضٌ في مقابَلةِ منافِعِ الزَّوج، وإنَّما ثَبَتَ لها الخيارُ لأجلِ ضَرَرٍ يَلحَقُها، لا لأجلِ تعذُّرِ ما اسْتحقَّتْ عليه في مقابَلته عِوَضًا، فافْتَرَقا.
(وَإِنْ فُسِخَ بَعْدَهُ؛ فَلَهَا الْمُهْرُ الْمُسَمَّى) على المذهب؛ لأِنَّه نكاحٌ صحيحٌ وُجِدَ بأركانِه وشروطه، فترتَّب عليه أحكامُ الصِّحَّة؛ ولأِنَّ المهرَ يَجِبُ بالعقد، ويَستَقِرُّ بالخلوة، فلا يَسقُط بحادِثٍ بعدَه، بدليلِ: أنَّه لا يَسقُط برِدَّتها؛ وفيه مُسمًّى صحيحٌ، فَوَجَبَ؛ كغير المَعِيبة والمعتَقة تحتَ عبدٍ، وكما لو طَرَأَ العَيبُ.
(وَقِيلَ عَنْهُ: مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ الفَسْخَ اسْتَنَدَ إلى
(2)
العقد، فصار كالعقد الفاسد.
وقِيلَ عنه: مهرُ المثل في فسخ الزَّوج لشرطٍ أوْ عَيبٍ قديمٍ.
وقِيلَ فيه: يُنسَبُ قدرُ نَقْصِ مهر المثل لأجل ذلك إلى مهر المثل كامِلاً، فيَسقُط من المسمَّى بنِسبته، فَسَخ أو أمضى.
وقاسه في الخلاف على المبيع المعِيب، وفي «مختصر ابن رَزِينٍ»: مسمًّى بلاحِقٍ، ومثل بسابقٍ.
فرعٌ: الخلوةُ هنا: كالوطء في تقريرِ المهرِ ونحوِه.
(وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ؛ مِنَ الْمَرْأَةِ، وَالْوَلِيِّ)، أو الوكيل، رواه مالِكٌ عن عمرَ
(3)
، وكما لو غرَّ بحرِّيَّةِ أَمَةٍ، قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ: أنَّ المذهب روايةً واحدة: أنَّه يَرجِع، قال أحمدُ: كنتُ أذْهَبُ إلى قَولِ عليٍّ فهِبْتُه، فمِلْتُ
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 188 والشرح الكبير 20/ 515: معها.
(2)
قوله: (استند إلى) في (ق): استبدال.
(3)
تقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (2).
إلى قَولِ عمرَ
(1)
.
(وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ)، وهي قولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّه ضَمِنَ ما اسْتَوْفَى بَدَلَه، وهو الوطء، فلا يَرجِعُ به على غيره؛ كما لو كان المبِيعُ مَعِيبًا فأكَلَه.
فعلى الأوَّل: إنْ كان الوليُّ عَلِمَ؛ غَرِمَ، وإنْ لم يَعلَمْ؛ رَجَع عليها بالصَّداق.
ويُقبَل قَولُ الوليِّ مع يمينه في عَدَم عِلْمِه بالعيب، إلاَّ أنْ تَقُومَ عليه بيِّنةٌ بإقراره.
وقال القاضي: إنْ كان أبًا، أوْ جَدًّا، أوْ ممَّن يجوز أنْ يراها؛ فالتَّقريرُ
(2)
في جِهَته، عَلِمَ أوْ لا.
ومِثْلُه الرُّجوعُ على الغارِّ: لو زُوِّج امْرأةً، فأدْخَلُوا عليه غَيرَها، ويَلحَقُه الولدُ، وتُجهَّز زوجتُه بالمهر الأوَّل، نَصَّ عليه
(3)
.
فرعٌ: إذا طلَّقها قبلَ الدُّخول، ثُمَّ عَلِمَ أنَّه كان بها عَيبٌ؛ فعليه نصفُ الصَّداق، وإنْ مات أو ماتَتْ قَبلَ العلم بالعيب؛ فلها الصَّداقُ، ولا يَرجِعُ فيهما.
وإذا بانَتْ بالفَسْخ؛ فلا سُكْنَى لها ولا نفقةَ إنْ كانَتْ حائلاً؛ كالبائن بالثَّلاث.
وإنْ كانَتْ حامِلاً؛ فلها النَّفقةُ للحمل، والحَمْلُ لاحِقٌ به.
وقيل: لا؛ لأِنَّها بائنٌ، وفي السُّكْنَى رِوايَتانِ.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 1/ 413، الشرح الكبير 20/ 439. وأثر علي رضي الله عنه تقدم تخريجه 6/ 206 حاشية (3).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 190 والشرح الكبير 7/ 583: فالتغرير.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 293.
(فَصْلٌ)
(وَلَيْسَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ) حرَّةٍ، (أَوْ مَجْنُونَةٍ، وَلَا سَيِّدِ أَمَةٍ؛ تَزْوِيجُهَا مَعِيبًا)؛ لأِنَّه ناظِرٌ لهم بما فيه الحَظُّ، ولا حظَّ لهنَّ في هذا العقدِ.
فإنْ زوَّجَهنَّ مع العلم بالعيب؛ لم يَصِحَّ، وإنْ لم يَعلَمْ به؛ صحَّ، كما لو اشْتَرَى مَعِيبًا لا يَعلَمُ عَيبَه، وقيل: مطلَقًا، وعَكْسُه.
وهل له الفَسْخُ إذَنْ، أوْ يَنتَظِرها؟ فيه وَجْهانِ.
وفي «الرِّعاية» : الخلافُ إنْ أجْبَرَها بغَيرِ كُفُؤٍ، وصحَّحه في «الإيضاح» مع جَهْلِه وتُخيَّر.
ومِثْلُه: تزويجُ صغيرٍ ومَجْنونٍ بمَعِيبةٍ.
(وَلَا لِوَلِيِّ كَبِيرَةٍ تَزْوِيجُهَا بِهِ بِغَيْرِ رِضَاهَا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّها تَملِكُ الفَسْخَ إذا عَلِمَتْ به بعدَ العقد، فالاِمْتِناعُ أَوْلَى.
فإنْ خالَفَ وفَعَلَ؛ صحَّ مع جَهْلِه به، والأصحُّ: له الفَسْخُ إذا عَلِمَ.
(فَإِنِ اخْتَارَتِ الْكَبِيرَةُ نِكَاحَ مَجْبُوبٍ أَوْ عِنِّينٍ؛ لَمْ يَمْلِكْ مَنْعَهَا) في الأصحِّ؛ لأِنَّ الحقَّ لها، والضَّرَرَ مُختَصٌّ
(2)
بها.
والثَّاني: له مَنْعُها؛ لأِنَّه ضَرَرٌ دائمٌ، ربَّما أفْضَى إلى الشِّقاق، فيتضرَّر وليُّها وأهلُها، فمَلَكَ
(3)
الوليُّ مَنْعَها، كما لو أرادتْ نكاحَ غيرِ كُفُؤ، قال أحمدُ: ما يُعجِبُني أنْ يُزَوِّجَها بعِنِّينٍ، وإنْ رَضِيَتِ السَّاعةَ تَكرَهُ إذا دَخَلَتْ عليه؛ لأِنَّ من شأنِهِنَّ النِّكاحَ، ويُعجِبُهنَّ مِنْ ذلك ما يُعجِبُنا
(4)
.
(1)
ينظر: المغني 7/ 191.
(2)
في (ق): يختص.
(3)
قوله: (وأهلها فملك) هو في (ق): ولعلها يملك.
(4)
ينظر: المغني 7/ 191.
(وَإِنِ اخْتَارَتْ نِكَاحَ مَجْنُونٍ، أَوْ مَجْذُومٍ، أَوْ أَبْرَصَ؛ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ فيه ضررًا دائمًا، وعارًا عليها وعلى أهلها، أشْبَهَ تزويجَها بغَيرِ كُفُؤ؛ ولأِنَّه يُخشَى تعدِّيه إلى الولد.
والثَّاني: لا يَملِكُ مَنْعَها؛ لأِنَّ الحقَّ لها، أشْبَهَ المجبوبَ.
وعلى الأوَّل: فلو اتَّفقا على ذلك ورَضِيَا به؛ صحَّ النِّكاحُ، ويُكرَه لهما ذلك؛ لأِنَّها وإنْ رَضِيَتِ الآنَ؛ تَكرَهُ فيما بعدُ.
وقِيلَ: ولبقيَّة الأولياء المنْعُ؛ لأِنَّ العارَ يَلحَقُهم، أشْبَهَ ما لو زوَّجها بغَيرِ كُفُؤ.
(وَإِنْ عَلِمَتِ الْعَيْبَ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ حَدَثَ بِهِ؛ لَمْ يَمْلِكْ إِجْبَارَهَا عَلَى الْفَسْخِ)، ذَكَرَه الأصحابُ؛ لأِنَّ حقَّ الوليِّ في ابْتِداء العَقْد، لا في دَوامِه؛ لأِنَّها لو دَعَتْ وليَّها أنْ يُزوِّجَها بعبدٍ؛ لم يَلزَمْه إجابتُها، ولو عَتَقَتْ تحتَ عبدٍ؛ لم يَملِكْ إجبارها على الفَسْخِ.
(بَابُ نِكَاحِ الْكُفَّارِ)
(وَحُكْمُهُ حُكْمُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَجِبُ بِهِ، وَتَحْرِيمِ الْمُحَرَّمَاتِ).
أنْكِحةُ الكُفَّارِ يتعلَّقُ بها أحْكامُ النِّكاح الصَّحيحِ؛ مِنْ وُقوعِ الظِّهار، والإِيلاء، ووُجوبِ المهْرِ، والقَسْمِ، والإباحةِ للزَّوج الأوَّلِ، والإحْصانِ، وكذا وُقوعُ الطَّلاق في قَولِ الجمهور؛ لأِنَّه طَلاقٌ مِنْ بالِغٍ عاقِلٍ في نكاحٍ صحيحٍ، فَوَقعَ؛ كطلاقِ المسلِمِ.
ودليلُ صحَّته: قَولُه تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4)} [المَسَد: 4]، و {امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ} [التّحْريم: 11]، وحقيقةُ الإضافةِ تَقتَضِي زَوجيَّةً صحيحةً؛ ولهذا قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«وُلِدتُ مِنْ نكاحٍ، لا مِنْ سِفاحٍ»
(1)
، وإذا ثَبَتَ صحَّتُها ثَبَتَ أحكامُها؛ كأنْكِحة المسلمين.
فَعَلَى هذا: لو طلَّق الكافِرُ ثلاثًا، ثُمَّ تزوَّجها قَبْلَ زَوْجٍ وإصابةٍ، ثُمَّ أسْلَما؛ لم يُقَرَّا عليه، ولو طلَّقها أقلَّ مِنْ ثلاثٍ، ثُمَّ أسْلَما؛ فهي عندَه على ما بَقِيَ مِنْ طَلاقِها، ويَحرُمُ عليهم ما يَحرُم على المسلمين، كما ذُكِرَ في بابه.
(وَيُقَرُّونَ عَلَى الْأَنْكِحَةِ الْمُحَرَّمَةِ مَا اعْتَقَدُوا حِلَّهَا) في شَرْعِهم، (وَلَمْ يَرْتَفِعُوا إِلَيْنَا)، هذا هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه أسْلَمَ الخَلْقُ الكثيرُ في زَمَنِه عليه السلام، فأقرَّهم على أنْكِحَتِهم، ولم يَكشِفْ عن كَيفِيَّتها خصوصًا أهلَ هَجَرٍ؛ لِعِلْمِه
(1)
أخرجه عبد الرزاق (13273)، وابن أبي شيبة (31641)، وعمر بن شبة (2/ 638)، من طرق عن جعفر بن محمد، عن أبيه - الباقر -. وهو مرسلٌ صحيح الإسناد كما قال الألباني. وله شاهد أخرجه الطبراني الكبير (10812)، والبيهقي في الكبرى (14076)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا بنحوه. وفيه محمّد بن أبي نُعَيم الواسطيّ، وهو متكلّم فيه، وعامَّة ما يرويه لا يتابعه عليه الثِّقات. وفُليح بن سليمان، وهو صدوق كثير الخطأ. والحديث حسنه الألباني بمجموع هذين الطريقين، وفي الباب أحاديث أخرى واهية. ينظر: الكامل 7/ 507، تاريخ الإسلام 5/ 692، الإرواء 6/ 329.
بأنَّهم يَستَبِيحونَ نكاحَ مَحارِمِهِم، ولأِنَّ ما لا يَعتَقِدونَ حِلَّه لَيسَ مِنْ
(1)
دِينهم، فلا يُقَرُّون عليه كالزِّنى، قال أحمدُ فِيمَنْ عَقَدَ على ذاتِ مَحْرَمٍ: أنَّه يُقَرُّ ما لم يَرتَفِعُوا إلَينا
(2)
.
(وَعَنْهُ فِي مَجُوسِيٍّ تَزَوَّجَ كِتَابِيَّةً، أَوِ اشْتَرَى نَصْرَانِيَّةً: يَحُولُ بَيْنَهُمَا الْإِمَامُ
(3)
؛ لأِنَّه لا مَساغَ له عِندَنا؛ ولأِنَّ عَلَينا ضَرَرًا في ذلك بتحريمِ أوْلادِ النَّصرانيَّة عَلَينا، ولأِنَّه نكاحٌ فاسِدٌ، أشْبَهَ نكاحَ المسلِمِ الفاسِدِ، (فَيُخَرَّجُ مِنْ هَذَا: أَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحِ مَحْرَمٍ)، وأنْ يُحالَ بَينَهم وبَينَ نكاحِ محارِمِهم؛ لقَولِ عمرَ:«فَرِّقوا بَينَ كلِّ رَحِمٍ من المجوس»
(4)
، وقال أحمدُ
(5)
في مجوسيٍّ مَلَكَ أَمَةً نَصْرانيَّةً: يُحالُ بَينَه وبَينَها، ويَجِبُ عليه بَيعُها؛ لأِنَّ النَّصارَى لهم دِينٌ، فلو مَلَكَ نصرانيٌّ مَجوسيَّةً؛ فلا بَأْسَ أنْ يَطَأَها.
وقال أبو بكرٍ: لا يُباحُ؛ لِمَا فيه من الضَّرر.
(فَإِنْ أَسْلَمُوا) وأتَوْنا، (أَوْ تَرَافَعُوا إِلَيْنَا) قَبْلَ إسْلامِهم، (فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ) لِنَعقِدَه لهم؛ (لَمْ نُمْضِهِ إِلاَّ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ)؛ كأنْكِحةِ المسلمين، من الإيجاب والقَبول والوليِّ والشُّهود؛ لأِنَّه لا حاجةَ إلى عَقْدٍ يُخالِفُ ذلك، قال الله تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ} [المَائدة: 42]؛ أيْ: بالعَدْل.
(وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهِ)، حتَّى ولو أسْلَمَ الزَّوجانِ، فإنْ كانت المرأةُ تُباحُ إِذنْ؛ كعَقْده في عِدَّةٍ فَرَغَتْ أوْ بلا شُهودٍ، نَصَّ عليهما
(6)
، أوْ بِلا وليٍّ
(1)
في (ق): في.
(2)
ينظر: الهداية ص 398.
(3)
ينظر: الهداية ص 398.
(4)
أخرجه البخاري (3156).
(5)
ينظر: المغني 7/ 173.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 295.
وصيغةٍ، أوْ على أُخْتٍ ماتَتْ؛ (لَمْ نَتَعَرَّضْ لِكَيْفِيَّةِ عَقْدِهِمْ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: أجْمَعَ العُلماءُ على أنَّ الزَّوجَينِ إذا أسْلَما معًا في حالةٍ واحدةٍ أنَّ لهما المقامَ على نكاحهما، ما لم يكُنْ بَينَهما نَسبٌ أوْ رضاعٌ
(1)
.
(بَلْ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ ابْتِدَاءُ نِكَاحِهَا؛ كَذَاتِ مَحْرَمِهِ، وَمَنْ هِيَ فِي عِدَّتِهَا، أَوْ شُرِطَ الْخِيَارُ فِي نِكَاحِهَا مَتَى شَاءَ، أَوْ مُدَّةً هُمَا فِيهَا، أَوْ مُطَلَّقَتِهِ ثَلَاثًا؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ الاِسْتِدامةَ أضْعَفُ من الاِبْتِداء، فإذا لم يَجُز الاِبْتِداءُ - وهو أقْوَى -؛ فَلَأَنْ لا تجوزَ الاِسْتِدامةُ - وهي أضْعَفُ - بطريقِ الأَوْلَى، وكذا إنْ كان بَينَهما نكاحُ مُتْعةٍ.
فإنِ اعْتَقَدَا فسادَ الشَّرط وَحدَه؛ أُقِرَّا.
(وَإِلاَّ أُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ)؛ لعدَمِ وجودِ ما يُبطِلُه.
وعنه: يُعتَبَرُ في المفْسِد: مُؤبَّدًا أوْ مُجمَعًا عليه.
فإذا أسْلَما، والمرأةُ بنتُه مِنْ رضاعٍ أوْ زِنًى، أوْ هِيَ في عِدَّةِ مُسلِمٍ مُتقَدِّمةٍ
(2)
على العَقْد؛ فُرِّقَ بَينَهما، وإنْ كانَتْ مِنْ كافِرٍ؛ فرِوايَتانِ مَنصوصَتانِ، وفي حُبْلَى
(3)
مِنْ زِنًى، وشرطِ الخِيار فيه مُطلَقًا أو إلى مُدَّةٍ؛ هما فيها، وَجْهانِ.
(وَإِنْ قَهَرَ الْحَرْبِيُّ حَرْبِيَّةً فَوَطِئَهَا، أَوْ طَاوَعَتْهُ، وَاعْتَقَدَاهُ نِكَاحًا)، ثُمَّ أسْلَما؛ (أُقِرَّا)؛ لأِنَّ المصحِّحَ له اعْتِقادُه الحِلَّ، وهو مَوجُودٌ هنا؛ كالنِّكاح بلا وليٍّ، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا لم يَعتَقِداهُ لم يُقَرَّا عَلَيهِ؛ لأِنَّه لَيسَ مِنْ أنكِحتِهِم.
(1)
ينظر: التمهيد 12/ 23.
(2)
في (ق): يتقدمه.
(3)
في (ق): حبل.
وحُكمُ أهلِ الذِّمَّة كذلك، جَزَمَ به في «المغْنِي» ، وفي «التَّرغيب»: لا يُقَرُّونَ.
(وَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ الْمُسَمَّى صَحِيحًا)، قُبِضَ أوْ لمْ يُقبَضْ، (أَوْ فَاسِدًا قَبَضَتْهُ؛ اسْتَقَرَّ)؛ لأِنَّه لا يُتعرَّضُ إلى ما فَعَلوهُ، يُؤكِّدُه قَولُه تعالى:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} [البَقَرَة: 275]، ولأِنَّ التَّعرُّضَ للمَقْبوض بإبْطالِه يشقُّ؛ لتَطاوُلِ الزَّمان، وكثرةِ تصرُّفاتهم في الحرام، ولأِنَّ في التَّعرُّض إليهم تنفيرًا لهم عن الإسلام، فعُفِيَ عنه كما عُفِيَ عمَّا تَرَكوه من الفرائض، ولأِنَّهم تَقابَضُوا بحُكمِ الشِّرْك، فبَرِئَتْ ذمَّةُ مَنْ هو عليه منه، كما لو تَبايَعوا بَيعًا فاسِدًا وتَقابَضُوا.
(وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا)؛ كالخمر (لَمْ تَقْبِضْهُ
(1)
، أوْ لم يُسَمَّ لها شَيءٌ؛ (فُرِضَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّه يَجِب في التَّسمية الفاسدة إذا كانت الزَّوجةُ مسلمةً، فكذا الكافِرةُ، ولأِنَّ الخمرَ لا قِيمةَ له في الإسلام، فوجب مهرُ المثل.
وعنه: لا شَيءَ لها في خمرٍ وخِنزيرٍ مُعيَّنٍ، ولها في غَيرِ مُعَيَّنٍ قِيمتُه، ذَكَرَها القاضي.
فلو أسْلَما فانقلبت خَلًّا وطلَّق؛ ففي رجوعه بنصفه وجْهانِ.
ولو تَلِفَ الخَلُّ ثُمَّ طلَّق؛ ففي رجوعه بنصف مِثْلِه احْتِمالانِ.
فرعٌ: إذا قَبَضتْ بعضَ المسمَّى الفاسِدِ؛ وَجَبَ قِسْطُ ما بَقِيَ من مَهْرِ المثل، وتُعتبَرُ الحِصَّةُ فِيما يَدخُلُه الكَيلُ أو الوزنُ به، وفي معدودٍ؛ قِيلَ: بِعَدِّه، وقِيلَ: بقيمته عندهم.
ولا يَرجِعُ بما أنفقه من خمرٍ ونحوِه؛ كما لو كان مهرًا قَبَضتْه، ذَكَرَه في «الرَّوضة» .
(1)
في (ظ): يقبضه.
مسألةٌ: قال أحمدُ في المجوسيَّة تكونُ تحتَ أخيها أو أبيها، فيُطلِّقُها أوْ يموتُ عنها، فتُرفَعُ إلى المسلمين: لا مهرَ لها؛ لأِنَّه باطِلٌ من أصله، لا يُقَرُّ عليه في الإسلام
(1)
.
فإنْ دَخَلَ بها؛ فهل يَجِبُ مَهْرُ المثل؟ يُخرَّجُ على الخِلاف في المسلم إذا وَطِئَ امرأةً من مَحارِمِه بشُبهةٍ، انتهى.
فلَوْ تزوَّجَ ذمِّيٌّ ذمِّيَّةً على أنْ لا صَداقَ لها، أوْ سَكَتَ عن ذِكْره؛ فلها المطالَبةُ بفَرْضِه قَبْلَ الدُّخول، وبَعدَه يَجْبُ مَهْرُ المِثْلِ.
(1)
ينظر: مسائل حرب- النكاح ص 392، المغني 7/ 171.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا أَسْلَمَ الزَّوْجَانِ مَعًا)؛ بأنْ تلفَّظا بالإسلام دفعةً واحدةً؛ فهما على نكاحهما إجْماعًا
(1)
؛ لأِنَّ اخْتِلافَ الدِّين مُفسِدٌ للنِّكاح بمُجرَّد سَبْقِ أحدِهما.
وقِيلَ: يَقِفُ على المجلس بدليل القَبْض؛ لأِنَّ اتِّفاقَهما على النُّطق بكلمةِ الإسلام مَعًا مُتعذِّرٌ، فلو اعتُبِرَ ذلك لَوَقَعَت الفُرْقَةُ بَينَ كلِّ مُسلِمَينِ إلاَّ في الشَّاذِّ النَّادِرِ
(2)
.
(أَوْ أَسْلَمَ زَوْجُ الْكِتَابِيَّةِ)، سَواءٌ كان كتابيًّا أوْ غَيرَ كِتابِيٍّ، قَبْلَ الدُّخول أوْ بعدَه؛ (فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا)؛ لأِنَّ نكاحَ الكتابيَّة يَجوزُ ابْتداؤه، فالاِسْتِمرارُ أَوْلَى.
(وَإِنْ أَسْلَمَتِ الْكِتَابِيَّةُ، أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ غَيْرِ الكِتَابِيَّيْنِ)؛ كالوَثَنِيَّينِ والمجُوسِيَّينِ، (قَبْلَ الدُّخُولِ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ)؛ لقوله تعالى:{لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [المُمتَحنَة: 10]، {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [المُمتَحنَة: 10]؛ إذْ لا يُجوزُ لكافِرٍ نكاحُ مُسلِمةٍ، قال ابنُ المنذِرِ: أجْمَعَ على هذا كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه من أهل العلم
(3)
؛ ولأِنَّ دِينَهما اخْتَلَف، فلم يَجُزِ اسْتِمْرارُه كابْتِدائه، وتعجَّلت الفُرْقةُ، وكان ذلك فَسْخًا لا طَلاقًا؛ كالرِّدَّة.
(فَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُسْلِمَةَ؛ فَلَا مَهْرَ)، رجَّحه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الفُرقةَ مِنْ جِهَتِها، أشْبَهَ ما لو ارْتدَّتْ.
(1)
ينظر: التمهيد 12/ 23، الإشراف 5/ 250.
(2)
كتب في هامش (ظ): (وإن أسلم معه قبل دخول أو بعده في العدة أربعٌ فقط، ولم يكن تحته كتابية؛ تعيَّنَّ - بتشديد النون - الكل، واندفع نكاح من زاد؛ لتأخر إسلامهن عن إسلامه).
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 253.
وعنه: لها نصفُه، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّ الفُرْقةَ حَصَلَتْ منه بامْتِناعه من الإسلام، وهي فَعَلَت الواجِبَ عليها؛ كما لو علَّق طلاقَها على الصَّلاة فَصَلَّتْ.
وفرَّق المؤلِّفُ بَينَهما؛ مِنْ حَيثُ إنَّ التَّعليقَ مِنْ جِهَة الزَّوج، بخلاف الإسلام، فإنَّه لا أَثَرَ له فيه البتَّة.
وعَنْهُ: إنْ سَبَقَها، اخْتارَه الأكثرُ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَهَا؛ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ الفُرْقةَ حَصَلَتْ من جِهَته، أشْبَهَ ما لَوْ طلَّقها.
(وَعَنْهُ: لَا مَهْرَ لَهَا)؛ لأِنَّ الفُرْقةَ حَصَلَتْ بتأخُّرها عن الإسلام، فكان مِنْ جِهَتِها، ولأِنَّ في إيجاب المهْرِ عليه تنفيرًا له عن الإسلام؛ لأِنَّه يَجتَمِعُ عليه فَسْخُ النِّكاح مع وُجوبِ المهْرِ.
(وَإِنْ قَالَتْ: أَسْلَمْتَ قَبْلِي، وَأَنْكَرَهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّها تدَّعِي اسْتِحْقاقَ شَيءٍ أَوْجَبَه العَقْدُ، وهو يَدَّعِي سُقوطَه، فلم يُقبَلْ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه، وهذا تفريعٌ على أنَّها تَستَحِقُّ نِصْفَ المهْرِ إذا سَبَقَها بالإسلام، وأمَّا على الأخرى فَلَا.
(وَإِنْ قَالَ: أَسْلَمْنَا مَعًا فَنَحْنُ عَلَى النِّكَاحِ، فَأَنْكَرَتْهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» و «الفُروع»:
أحدهما، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّه يُقبَلُ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ بَقاءُ النِّكاح.
والثَّانِي: يُقبَلُ قَولُها؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ معها؛ إذْ يَبعُدُ اتِّفاقُ الإسلام منهما دَفْعةً واحِدةً.
وإنْ قِيلَ: العِبْرةُ بالمجلس؛ فيَنبَغِي أنْ يُقبَلَ قَولُه؛ لأِنَّ العَمَلَ بالظَّاهِر مُتَعَيِّنٌ.
فرعٌ: إذا قالا: سَبَقَ أحدُنا ولا نَعلَمُ عَينَه؛ فلها نصفُ المهر، قاله أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الفروع» .
وقال القاضي: إنْ لم تكُنْ قَبَضَتْ فلا شَيءَ لها؛ لأِنَّها تَشُكُّ في اسْتِحْقاقِه، وإنْ كان بَعْدَ القَبْض لم يَرجِعْ عَلَيها؛ لأِنَّه يَشُكُّ في اسْتحْقاق الرُّجوع.
(وَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الدُّخُولِ؛ وَقَفَ الْأَمْرُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ أَسْلَمَ الثَّانِي قَبْلَ انْقِضَائِهَا؛ فَهُمَا عَلَى نِكَاحِهِمَا)، هذا هو المشهورُ، قال أبو بكرٍ: رواهُ عنه نحو خَمْسينَ رَجُلاً، واخْتارَه عامَّةُ الأَصْحاب؛ لِمَا رَوَى ابنُ شُبْرُمَةَ قال:«كان النَّاسُ على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُسْلِمُ الرَّجُلُ قَبْلَ المرأةِ والمرأةُ قبلَه، فأيُّهما أسْلَمَ قَبْلَ انْقِضاء العِدَّة فهي امرأتُه، وإنْ أسْلَمَ بَعْدَ العِدَّة فلا نِكاحَ بَينَهما»
(1)
، ورُوِيَ:«أنَّ بنتَ الوليدِ بنِ المغيرةِ كانَتْ تحتَ صَفْوانَ ابنَ أُمَيَّةَ، فأسْلَمَتْ، ثُمَّ أسْلَمَ صَفْوانُ، فلم يُفرِّق النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَينَهما» ، قال ابنُ شِهابٍ: وكان بَينَهما نَحْوٌ مِنْ شَهْرٍ، رواهُ مالِكٌ
(2)
، قال ابنُ عبد البَرِّ:(وشُهْرةُ هذا الحديثِ أقْوَى مِنْ إسْنادِه)
(3)
(4)
، قال الزُّهْريُّ: (ولم يَبلُغْنا أنَّ امرأةً هاجَرَتْ وزَوجُها مُقِيمٌ بدار الكفر إلاَّ فَرَّقَتْ هِجْرتُها بَينَها وبَينَ
(1)
لم نقف عليه مسندًا، وقال الألباني في الإرواء 6/ 338:(معضل منكر)، وقد أخرج عبد الرزاق (12651) عن الحسن وعمر بن عبد العزيز قال:«إذا أسلم وهي في العدة فهو أحق بها» . قال الثوري: وقاله ابن شبرمة أيضًا.
(2)
أخرجه مالك (2/ 543)، وعبد الرزاق (12646)، عن ابن شهاب الزهري بلاغًا.
(3)
ينظر: التمهيد 12/ 19.
(4)
أخرجه مالك (2/ 545) عن ابن شهاب مرسلاً.
زَوجِها، إلاَّ أنْ يَقدَمَ زَوجُها مُهاجِرًا قَبْلَ أنْ تَنقَضِيَ عِدَّتُها)، رَوَى ذلك مالِكٌ
(1)
.
(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يُسلِم الثَّانِي قَبْلَ انْقِضائها؛ (تَبَيَّنَّا أَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ حِينَ أَسْلَمَ الْأَوَّلُ)؛ لأِنَّ سببَ الفُرْقة اخْتِلافُ الدِّين، فَوَجَبَ أنْ تُحتَسَبَ
(2)
الفُرْقةُ منه؛ كالطَّلاق.
(فَعَلَى هَذَا: لَوْ وَطِئَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَلَمْ يُسْلِمِ الثَّانِي؛ فَعَلَيْهِ الْمَهْرُ)؛ لأِنَّه تبيَّنَّا أنَّه وَطِئَ في غَيرِ ملْكٍ، ويُؤدَّبُ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ؛ فَلَا شَيْءَ لَهَا)؛ لأِنَّه وَطِئَها في نكاحه.
(وَإِذَا أَسْلَمَتْ قَبْلَهُ؛ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ)؛ لأِنَّها مَحبوسةٌ بسبِبه، فكان لها النَّفقةُ؛ لكَونه يتمكَّن من اسْتِمْتاعها كالرَّجْعِيَّة، وسَواءٌ أسْلَمَ في عِدَّتها أوْ لَا.
(وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْلِمَ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا)؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى تلافِي نكاحِها، أشْبَهَت البائنَ.
(فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي السَّابِقِ مِنْهُمَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ الأصلَ وجوبُ النَّفقة، وهو يدَّعي سقوطَها.
والثَّاني: يُقبَلُ قَولُه؛ لأِنَّ النَّفقةَ إنَّما تَجِبُ بالتَّمكين من الاِسْتِمْتاع، والأصلُ عدمُه.
فإنْ قال: أسْلَمْتِ بعدَ شَهرَينِ من إسْلامِي؛ فلا نفقةَ لكِ فيهما، وقالتْ: بعدَ شهرٍ؛ فالقَولُ قَولُه.
فأمَّا إنِ ادَّعى هو ما يَفسَخُ النِّكاحَ وأنْكَرَتْه؛ انْفَسَخَ.
(1)
أخرجه مالك (2/ 544).
(2)
في (ظ): يحتسب
فرعٌ: لو لَاعَنَ، ثمَّ أسْلَم؛ صحَّ لِعانُه، وإلاَّ فَسَدَ، ففي الحدِّ إذنْ وجْهانِ، وفي «التَّرغيب»: كهما فِيمَنْ ظنَّ صحَّة نكاحٍ فَلَاعَنَ، ثُمَّ بانَ فسادُه.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الْفُرْقَةَ تَتَعَجَّلُ بِإِسْلَامِ أَحَدِهِمَا؛ كَمَا قَبْلَ الدُّخُولِ)، اخْتارَها الخَلاَّلُ وصاحبُه، وقدَّمها السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ، ونَصَرَها ابنُ المنذِر؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ
…
} الآيةَ [المُمتَحنَة: 10]، وهي تدُلُّ من أوْجُهٍ: عمومُ: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [المُمتَحنَة: 10] فأَمَرَ برَدِّ المهْر، ولو لم تَقَع الفُرقةُ باخْتِلاف الدِّين؛ لَمَا أَمَرَ بردِّ المهر، وقَولُه تعالى:{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمء أَنْ تَنِكحُوهُنَّ} ، فأباح
(1)
نكاحَهنَّ على الإطلاق، وقَولُه {وَلَا تُمْسكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} ، يكون منسوخًا بهذه الآيةِ.
والجوابُ: بأنَّ المرادَ في حال كفرهم؛ بدليل قوله: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [المُمتَحنَة: 10]، وبأنَّه يَجِبُ دَفْعُ المهر إلى الزَّوج إذا جاء وإنْ كان قَبْلَ انقضاء عدَّتها، ثُمَّ نُسِخَ وجوبُ دَفْعِ المهر إليه، وبأنَّه محمولٌ على ما بعدَ العدَّة.
والثَّالثةُ: الوَقْفُ بإسلام الكتابيَّة، والاِنفِساخُ بغيرها.
والرَّابعة: الوقْفُ مطلَقًا.
وظاهِرُه: أنَّ الفُرقةَ حَيثُ تَقَعُ؛ تَقَعُ في الحال، ولا يُحتاجُ إلى حاكِمٍ، ولا إلى عَرْض الزَّوج على الإسلام.
ولا فَرْقَ بَينَ دار الإسلام، وغيرِها، نَصَّ عليه
(2)
(3)
،
(1)
في (ظ): وأباح.
(2)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 208.
(3)
إسلام أبي سفيان رضي الله عنه بمرّ الظهران: أخرجه البخاري (4280)، في حديث طويل. وإسلام زوجته: هند بنت عُتبة يومَ الفتح؛ ذكره ابن سعد وابن عبد البر والذهبي وابن حجر. ينظر: الطبقات الكبرى 8/ 188، الاستيعاب 4/ 1923، تاريخ الإسلام 2/ 166، الإصابة 8/ 346.
ولأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم يَنفَسِخْ باخْتِلاف الدَّار؛ كالبيع.
تنبيهٌ: إذا أسْلَمَ أحدُهما، وتخلَّف الآخَرُ حتَّى انْقَضَت العِدَّةُ؛ انْفَسَخَ النِّكاحُ في قولِ عامَّتهم.
وعن أحمد: تُردُّ إلى زوجها وإنْ طالَت المدَّةُ، وهو قَولُ النَّخَعِيِّ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ زينبَ على زوجها أبي العاص بن الرَّبيع بعْدَ ستِّ سِنينَ بالنِّكاح الأوَّل، ولم يُحدِثْ نكاحًا» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمِذيُّ، ولفظُه له، وقال: لَيسَ بإسناده بأسٌ، وصحَّحه أحمدُ
(1)
.
وجوابُه: بأنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ قَبْلَ نزولِ تحريمِ المسلِماتِ على الكفَّار، أوْ تكونَ حامِلاً استمرَّ حَمْلُها، أو مريضةً لم تَحِضْ ثلاثَ حِيَضٍ حتَّى أسْلَمَ زوجُها، أو تكونَ رُدَّتْ إليه بنكاحٍ جديدٍ، رواه أحمدُ والتِّرمِذيُّ عن الحجَّاج، عن عَمْرِو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم ردَّ ابنتَه على أبي العاص بنكاحٍ جديدٍ، ومهرٍ جديدٍ» ، قال أحمدُ: هذا ضعيفٌ، وقال
(1)
أخرجه أحمد (1876)، وأبو داود (2240)، والترمذي (1143)، والدارقطني (3626)، والحاكم (2811)، من طرق عن محمد بن إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعند أحمد والترمذي:«بعد ست سنين» ، وفي روايةٍ عند أحمد (3290)، والحاكم (6846):«بعد سنتين» . وسنده حسن، وابن اسحاق صرّح فيه بالحديث كما عند أحمد والترمذي، لكن مداره على داود بن الحصين، وهو وإن كان ثقة إلاّ أنّ أحاديثه عن عكرمة خاصة متكلّم فيها. والحديث صححه أحمد والحاكم وابن كثير والألباني. وذهب البخاري والدارقطني وغيرهما إلى أنّ:(أصحّ ما في الباب حديثُ ابن عباس). وادّعى ابن عبد البر: أنَّه منسوخ، وردّه ابن حجر. ينظر: العلل الكبير للترمذي (289)، معرفة السنن 10/ 143، التمهيد 12/ 23، تهذيب السنن 6/ 233، نصب الراية 3/ 209، تاريخ الإسلام 3/ 630، تفسير ابن كثير 8/ 93، فتح الباري 9/ 423، الإرواء 6/ 339.
الدَّارَقُطْنيُّ: لا يَثبُت، وقال يزيدُ بنُ هارونَ: حديثُ ابنِ عبَّاسٍ أجودُ إسْنادًا، والعملُ على حديثِ عَمْرِو بن شُعَيبٍ
(1)
.
واختار الشَّيخ تقيُّ الدِّين أنَّها إذا أسْلَمَتْ قبلَه: بقاءَ نكاحه قَبلَ الدُّخول وبعدَه ما لم تَنكِحْ غيرَه، والأمرُ إليها، ولا حُكمَ له عليها، ولا حقَّ عليه؛ لأِنَّ الشَّارِعَ لم يَستفْصِلْ، وهو مصلحةٌ مَحْضَةٌ، وكذا عنده إنْ أسْلَم قبلَها، وليس له حَبْسُها، وأنَّها متى أسْلَمَتْ ولو قبل الدُّخول وبعدَ العِدَّة؛ فهي امرأتُه إن اختار
(2)
.
(وَأَمَّا الصَّدَاقُ فَوَاجِبٌ) بعدَ الدُّخول (بِكُلِّ حَالٍ)؛ يعني: إذا وقعت الفُرقةُ بإسلام أحدهما بعدَ الدُّخول؛ يَجِبُ لها المهرُ؛ لأِنَّه استقرَّ بالدُّخول، فإنْ كان صحيحًا، أوْ فاسدًا قبضتْه؛ استقرَّ، وإن كان فاسدًا لم تَقبِضْه، أو
(3)
لم يُسَمَّ لها شَيءٌ؛ فلها مهرُ المثل.
(1)
أخرجه أحمد (6938)، والترمذي (1142)، وابن ماجه (2010)، والدارقطني (3625)، من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه رضي الله عنه. وهو ضعيف؛ مداره على الحجاج، وهو ضعيف. وقد ضعّفه أحمد والترمذي والدّارقطني والبيهقي والألباني، وقال:(منكر)، وصححه ابن التركماني. ينظر: العلل الكبير للترمذي (289)، معرفة السنن والآثار 10/ 142، الخلافيات للبيهقي 6/ 113، الإرواء 6/ 339.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 301، الاختيارات ص 325.
(3)
في (ق): لو.
(فَصْلٌ)
(وَإِنِ ارْتَدَّ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ)، أوْ هما معًا، (قَبْلَ الدُّخُولِ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ) في قَولِ عامَّتهم؛ لقوله تعالى:{وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} [الممُتَحنَة: 10]، ولأِنَّه اخْتِلافُ دِينٍ يَمنَعُ الإصابةَ، فأوْجَبَ فَسْخَ النِّكاح، كما لو أسْلَمَتْ تحتَ كافِرٍ.
(وَلَا مَهْرَ لَهَا إِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ)؛ لأِنَّ الفَسْخَ من قِبَلِها، (وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ؛ فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لأِنَّ الفَسْخَ مِنْ جِهَته، أشْبَهَ طلاقَها قبلَ الدُّخول، وإنْ كانت التَّسميةُ فاسدةً؛ فلها نصفُ مهر المثل.
(وَإِنْ كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ فَهَلْ تَتَعَجَّلُ الْفُرْقَةُ، أَوْ تَقِفُ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الكافي» و «المحرَّر» و «الفُروع»:
إحداهما: تتعجَّلُ الفُرقةُ، رُوِي عن الحسَن، وعمرَ بنِ عبدِ العزيز، والثَّورِيِّ؛ لأِنَّ ما أَوْجَبَ فَسْخَ النِّكاح اسْتَوَى فيه ما قَبْلَ الدُّخول وبعدَه؛ كالرّضاع.
والثَّانيةُ، وهي أشْهَرُ: تَقِفُ على انْقِضاء العِدَّة؛ كإسْلامِ الحَرْبِيَّة تحتَ الحَرْبِيِّ، والرّضاعُ؛ تحريمُ المرأة على التَّأْبيد، فلا فائدةَ في تأخير الفسخ إلى ما بعدَ انْقِضاء العِدَّة.
(فَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرْتَدَّ؛ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ)؛ لأِنَّه يُمكِنُه تلافِي نكاحِها بإسْلامِه، فهو
(1)
كزوجِ الرَّجْعِيَّة.
(وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْمُرْتَدَّةَ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا)؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى تلافِي نكاحها، فلم يكُنْ لها نفقةٌ؛ كما بعدَ العِدَّة.
(1)
في (ظ): فهي.
تَتِمَّةٌ: إذا وَطِئَها أوْ طلَّق، ولم تتعَجَّل الفُرقةُ؛ ففي المهر ووقوع الطَّلاق خلافٌ في «الانتصار» .
(وَإِنِ انْتَقَلَ أَحَدُ الْكِتَابِيَّيْنِ إِلَى دِينٍ لَا يُقَرُّ عَلَيْهِ)، أوْ تمجَّسَ كتابيٌّ تحتَه كتابيَّةٌ؛ (فَهُوَ كَرِدَّتِهِ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّه انتَقَلَ إلى دِينٍ لا يُقَرُّ عليه أهلُه
(2)
بالجِزْية، أشْبَهَ عبادةَ الأوثان.
وإنْ تمجَّستْ دُونَه؛ فَوَجْهانِ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا انتقل إلى دِينٍ يُقَرُّ عليه؛ كاليهوديِّ يَتنصَّرُ؛ فنَصَّ أحمدُ: أنَّه يُقَرُّ
(3)
، وهو ظاهِرُ الخِرَقيِّ، واختاره الخَلاَّلُ وصاحبُه؛ لأِنَّه لم يَخرُجْ عن دِينِ أهلِ الكتابِ، أشْبَهَ غيرَ المنتقِلِ.
والثَّانيةُ: لا يُقَرُّ؛ لأِنَّه انتقلَ إلى دِينٍ قد أقَرَّ ببطْلانه، فهو كالمرتَدِّ.
فرعٌ: مَنْ هاجَرَ إلَينا بذِمَّةٍ مُؤبَّدةٍ، أوْ مسلِمًا، أوْ مُسلِمةً، والآخَرُ بدار الحرب؛ لم يَنفَسِخ النِّكاحُ.
(1)
ينظر: المغني 7/ 132.
(2)
قوله: (أهله) سقط من (ظ).
(3)
ينظر: المغني 7/ 132.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ)، أوْ كنَّ كتابيَّاتٍ؛ (اخْتَارَ مِنْهُنَّ
(1)
، ولو كان مُحرِمًا بحجٍّ أوْ عُمْرةٍ، خِلافًا للقاضي، (أَرْبَعًا)، ولو من ميتاتٍ، إنْ كان مُكلَّفًا، وإلاَّ وُقِفَ الأمرُ حتَّى يُكلَّفَ، (وَفَارَقَ سَائِرَهُنَّ)؛ «لقوله عليه السلام لِغَيلانَ بنِ سَلَمَةَ، وقد أسْلَمَ على عَشْرِ نِسوةٍ، فأسْلَمْنَ معه، فأمَرَه أنْ يَختارَ منهنَّ أرْبعًا» رواهُ التِّرمِذيُّ وابن ماجَهْ، وفي لفظ:«اخْتَرْ مِنهُنَّ أرْبعًا، وفارِقْ سائِرَهنَّ»
(2)
، ورَوَى أبو داودَ وابنُ ماجَهْ عن قَيْسِ بن الحارث معناه، وهو من رواية محمَّد بن أبي لَيلَى، عن حُمَيضَةَ بن الشَّمَرْدَل، وقد ضُعِّفا
(3)
.
وسواءٌ تزوجهنَّ في عقدٍ واحدٍ أوْ عقودٍ، اختار الأوائلَ أو الأواخِرَ.
ولفظُ الاختيار نحو: اخْتَرْتُ هؤلاء، أوْ أمْسكتُهنَّ، أو اخْترْتُ حَبْسَهنَّ أوْ نكاحَهنُّ، أوْ أمسكْتُ هؤلاء، أوْ تركتُ هؤلاء، فإنْ أسْقَط «اخترت» ؛ فظاهر
(1)
كتب في هامش (ظ): (لو أسلم معه ثمان نسوة، فاختار منهن أربعًا؛ بطل نكاح البواقي، فإن قال: رجعت عما اخترت؛ لم يقبل رجوعه، ولو قال لواحدة: لست أختارك، ثم قال من بعد: أريد أن أختارك؛ فهل له ذلك؟ وجهان).
(2)
تقدم تخريجه 7/ 503 حاشية (2).
(3)
أخرجه أبو داود (2241)، وابن ماجه (1952)، وأبو يعلى (6872)، والدارقطني (3690)، من طرق عن ابن أبي ليلى، عن حُمَيضة بن الشَّمَرْدل، عن الحارث بن قيس رضي الله عنه قال: أسلمتُ وعندي ثمان نسوة، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم:«اختر منهن أربعًا» ، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى صدوق سيئ الحفظ، ومدار الحديث عليه، وقد تابعه عن حميضة: محمد بن السائب الكلبي، وهو متّهم. والحديث ضعفه ابن كثير، وابن عبد البر وقال:(الحارث بن قيس اختلفوا فيه، ليس له إلاّ حديث واحد، ولم يأت من وجه صحيح)، وحسّنه الألباني بشواهده - كحديث غيلان -. ينظر: الاستيعاب 1/ 299، تحفة الطالب (ص 296)، الإرواء 6/ 295.
كلام بعضهم: يَلزَمُه فراقُ بقيَّتِهنَّ، والمهرُ لِمَنْ انفسخَ نكاحُها بالاختيار.
ولا مَدخَلَ للقُرعة هنا؛ لأِنَّها قد تَقَعُ على مَنْ يُحبُّها
(1)
، فيُفضِي إلى تنفيره.
ولا يصحُّ تعليقُها بشرطٍ.
وعدَّة المتروكات؛ منذ اختار؛ لأِنَّ البَينونةَ حصلَت به.
وقيل: منذ أسْلَمَ؛ لأِنَّ البَينونةَ الحقيقيَّة حَصَلَت بالإسلام، وإنِّما الاِخْتِيارُ بَيَّنَ مَحَلَّها.
فإنْ أسْلَم البعضُ، وليس الباقي كتابياتٍ؛ مَلَكَ إمْساكًا وفَسخًا في مسلمةٍ فقط، وله تعجيلُ إمساكٍ مُطلَقًا، وتأخيرُه حتَّى تَنقِضيَ عدَّة البقيَّة أوْ يُسلِمْنَ.
(فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ
(2)
؛ أُجْبِرَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه حقٌّ عليه، يُمكِنُه فِعْلُه وهو مُمْتَنعٌ
(3)
منه، فأُجبِرَ عليه؛ كإيفاءِ الدَّين، وظاهِرُه: أنَّه يُجبَرُ عليه بحَبْسٍ، ثُمَّ تعزيرٍ، ولَيسَ للحاكم أنْ يَختارَ عنه كما يُطلِّقُ على المُولِي؛ لأِنَّ الحقَّ هنا لغيرِ مُعيَّنٍ.
(وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُنَّ إِلَى أَنْ يَخْتَارَ)؛ لأِنَّهنَّ مَحبوساتٍ عليه، وهنَّ في حُكم الزَّوجات.
(فَإِنْ طَلَّقَ إِحْدَاهُنَّ)؛ فقد اختارها في الأصحِّ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ لا يكون إلاَّ في زوجةٍ.
(1)
في (ظ): لا يحبها.
(2)
كتب في هامش (ظ): (أي: فإن ترك الاختيار بلا عذر؛ حبس حتى يختار، فإن أصر عُزِّر بضرب أو غيره مما يراه الإمام، ويمهل ثلاثًا؛ لأنها مدة التروي شرعًا، وإنما اختار القضاة الحبس؛ لأنها عقوبة ناجزة يمكن إدامتها، فإن جعلنا العلة في الوجوب حق الغير، فالسكوت مع الكف عن الكل لا محظور فيه، إلا إذا طلبنا إزالة الحد، فيجب كسائر الديون).
(3)
في (ق): يمتنع.
فإنْ قال: فارَقْتُ، أو اخْترْتُ هؤلاء؛ فإنْ لم يَنوِ به الطَّلاقَ؛ كان اخْتِيارًا لغَيرهنَّ؛ للخبر؛ لأِنَّه يدلُّ على أنَّ لفظَ الفراق صريحٌ فيه.
وقِيلَ: اخْتيارٌ للمُفارَقات عندَ الإطْلاق.
والأوَّلُ أَوْلَى.
واختارَ في «التَّرغيب» : أنَّ لفظَ الفراق هنا ليس طَلاقًا ولا اختيارًا؛ للخبر، فإنْ نَوَى به طلاقًا كان طلاقًا واخْتِيارًا.
(أَوْ وَطِئَهَا؛ كَانَ اخْتِيارًا لَهَا) في قياس المذهب؛ لأِنَّه لا يجوز إلاَّ في ملكٍ؛ كوطء الجارية المبِيعة بشَرْط الخيار.
وفي «الواضح» وجهٌ: كرَجْعةٍ؛ بِناءً على أنَّ الوطء في حقِّ المطلَّقة الرَّجعيَّة لا يُوجِبُ الرَّجعةَ.
(وَإِنْ طَلَّقَ الْجَمِيعَ ثَلَاثًا؛ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ، فَأُخْرِجَ بِالْقُرْعَةِ أَرْبَعٌ مِنْهُنَّ)؛ لأِنَّ ذلك فائدةُ الإقْراعِ، (وَلَه نِكَاحُ الْبَوَاقِي)؛ لأِنَّهنَّ لم يُطلَّقْنَ منه، وشَرْطُه: أنْ تنقضي عدَّة المطلَّقات، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» ؛ لئلاَّ يكون جامعًا بَينَ أكثرَ مِنْ أربعٍ.
وقِيلَ: لا قُرعةَ، ويَحْرُمْنَ إلاَّ بعدَ زَوجٍ.
وإنْ وَطِئَ الكلَّ تعيَّن الأَوَّلُ.
فرعٌ: أسْلَمَ، ثُمَّ طلَّق الجميعَ، ثُمَّ أسْلَمْنَ في العدَّة؛ اختار منهنَّ أربعًا، فإذا اختار تبيَّنَّا أنَّ طلاقَه وَقَعَ بهنَّ؛ لأِنَّهنَّ زوجاتٌ، ويَعتَدِدْنَ من حين طلاقه، وبانَ البَواقِي باختياره لغيرهنَّ، ولا يَقَعُ بهنَّ طلاقُه، وله نكاحُ أربعٍ مِنهُنَّ إذا انْقَضَتْ عدَّةُ المطلَّقات، والفَرْقُ بَينَها وبَينَ التي قَبْلَها: أنَّ طلاقهنَّ قَبْلَ إسْلامِهنَّ في زمنٍ ليس له الاخْتِيارُ فيه، فإذا أسْلَمْنَ تجدَّد له الاِخْتِيارُ حِينَئِذٍ.
(وَإِنْ ظَاهَرَ، أَوْ آلَى مِنْ إِحْدَاهُنَّ؛ فَهَلْ يَكُونُ اخْتِيَارًا لَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدُهما: لا يكون اختيارًا، جزم به في «الكافي» و «الوجيز» ؛ لأِنَّه يصحُّ في غير زوجةٍ.
والثَّاني: بلى؛ لأِنَّ حكمَه لا يَثبُت في غير زوجة.
فإنْ قَذَفَها لم يكُن اختيارًا.
(وَإِنْ مَاتَ) ولم يَختَرْ؛ (فَعَلَى الْجَمِيعِ عِدَّةُ الْوَفَاةِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الزَّوجاتِ لم يتعيَّن منهنَّ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَهُنَّ أَطْوَلُ الْأَمْرَينِ مِنْ ذَلِكَ أَوْ ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ)، وقالَه القاضي في «المجرَّد» .
وإنْ كانَتْ حامِلاً؛ فعدَّتُها بوضْعِه؛ لأِنَّ ذلك تَنقَضِي به العدَّةُ بكلِّ حالٍ.
وإنْ كانَتْ آيِسةً أوْ صغيرةً؛ فعدَّتُها عِدَّةُ الوفاة؛ لأِنَّها أطْولُ العِدَّتَينِ في حقِّها.
وإنْ كانَتْ من ذَواتِ الأقْراء؛ اعتدَّت أطولَ الأَجَلَينِ من ثلاثةِ أقْراءٍ
(1)
، أو أربعةِ أشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ لأِنَّ كلَّ واحدةٍ مِنهُنَّ يَحتَمِلَ أنْ تكونَ مُختارةً، وعدَّتُها عِدَّةُ الوفاة، أوْ مفارَقةً وعِدَّتُها ثلاثةُ قُروءٍ، فأَوْجَبْنا أطْولَهما؛ لِتُقْضَى به العِدَّةُ بيقينٍ، كما لو نسيَ صلاةً من خَمْسٍ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الكافي» .
وقال في «الشَّرح» عن القول الأول
(2)
: لا يَصِحُّ، وحكاهما في «الفروع» قَولَينِ مِنْ غيرِ ترجيحٍ.
(وَالْمِيرَاثُ لِأَرْبَعٍ مِنْهُنَّ بِالْقُرْعَةِ) في قِياس المذْهَبِ؛ لأِنَّ المِيراثَ بالزَّوجيَّة، ولا زوجيَّة
(3)
فيما زاد على الأربع، فإن اخترنَ الصُّلح؛ جاز كيفما اصطلحن.
(1)
في (ق): قروء.
(2)
قوله: (الأول) سقط من (ظ).
(3)
قوله: (ولا زوجية) سقط من (ظ).
فرعٌ: إذا أسْلَمْنَ معه، ثُمَّ مِتْنَ قَبلَ اختيارِه؛ فله أنْ يَختارَ مِنهُنَّ، ويكونُ له مِيراثُهنَّ، ولا يَرِثُ الباقياتِ، وإنْ ماتَ بعضُهنَّ؛ فله الاِختيارُ من الأحياء والأموات.
ولو أسْلَمَ بعضُهنَّ فمِتْنَ، ثُمَّ أسْلَم البَواقِي؛ فله الاختيارُ من الجميع، وإنْ لم يُسلِمِ البواقِي؛ لَزِمَ النِّكاحُ في الميِّتات.
وإنْ وَطِئَ الجميعَ قَبْلَ إسْلامِهنَّ، ثُمَّ أسْلَمْنَ، فاختار أربعًا؛ فَلَيسَ لهنَّ إلاَّ المسمَّى، ولسائرهنَّ المسمَّى بالعقد الأوَّل، ومهرُ المثل للوطء الثَّاني.
وإنْ وَطِئهنَّ بعدَ إسْلامِهنَّ؛ فالموطوءاتُ أوَّلاً المُخْتاراتُ، والباقِي أجْنَبِيَّاتٌ، والحُكمُ في المهر على ما تقدَّمَ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُخْتَانِ؛ اخْتَارَ مِنْهُمَا وَاحِدَةً)؛ لِمَا رَوَى الضَّحَّاكُ بنُ فَيروزٍ، عن أبيهِ قال: أسْلَمْتُ وعندي امرأتانِ أُخْتانِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اخْتَرْ أيَّتَهُما شِئْتَ» رواه التِّرمِذِيُّ، وفي روايةِ أحمدَ
(1)
وأبي داودَ قال: «فأمَرَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ أُطلِّقَ إحداهما»
(2)
، ولأِنَّ أنكِحةَ الكفَّار صحيحةٌ، وإنَّما حُرِّم الجمعُ في الإسلام، ما
(3)
لو طلَّق إحداهما قَبْلَ إسلامه، ثُمَّ أسْلَم والأخرى
(1)
في (ق): لأحمد.
(2)
أخرجه أبو داود (2243)، والترمذي (1130)، وابن حبان (4155)، والدارقطني (3695)، من طريق يحيى بن أيوب، يحدِّث عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي وهْب الجيشاني، عن الضّحاك بن فيروز الدّيلمي، عن أبيه رضي الله عنه. وأخرجه أحمد (18040)، وابن ماجه (1951)، من طرق عن ابن لهيعة، عن أبي وهب الجيشاني به نحوه. وأبو وهْب الجيشاني والضحاك مجهولان كما قاله ابن القطان، والحديث حسّنه الترمذي وابن حجر والألباني، وصححه البيهقي، وضعفه البخاري والعقيلي وابن القطان والذهبي. وقال البخاري:(وفي إسناده نَظر، ولا يُعرف سماع بعضهم من بعض). ينظر: التاريخ الكبير 1/ 230، 4/ 333، الضعفاء الكبير 2/ 44، معرفة السنن 10/ 138، بيان الوهم 3/ 494، ميزان الاعتدال 2/ 29، الرد على ابن القطان (37)، موافقة الخبر 2/ 201 الإرواء 6/ 334.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 162، والشرح الكبير 21/ 62: كما.
في حِبالِه.
وكذا الحكمُ في المرأة وعمَّتها أوْ خالَتِها؛ لأِنَّ المعْنَى في الجميع واحِدٌ.
وإنْ أسْلَمَتْ إحداهما معه قَبْلَ المَسيس؛ تعيَّنت، وقيل: إنْ لم تكُن الأخرى كتابيَّةً.
(وَإِنْ كَانَتَا أُمًّا وَبِنْتًا؛ فَسَدَ نِكَاحُ الْأُمِّ)، وحَرُمتْ على الأبد؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما رجلٍ نَكَحَ امرأةً، دَخَلَ بها أو لم يَدخُل؛ فلا تَحِلُّ له أُمُّها» رواه ابنُ ماجَهْ
(1)
، ولأِنَّها من أمَّهات نسائه، فيَدخُل في عُمومِ قوله تعالى:{وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النِّسَاء: 23]؛ ولأِنَّها أمُّ زَوجته، فتَحرُم عليه كما لو طلَّق ابنتَها في حال شِرْكِه.
(وَإِنْ كَانَ
(2)
دَخَلَ بِالْأُمِّ؛ فَسَدَ نِكَاحُهُمَا)، وحَرُمَتَا على الأبد، حكاهُ ابنُ المنذر إجْماعًا
(3)
، والمهرُ للأمِّ، قاله في «التَّرغيب» وغَيره.
(1)
تقدّم تخريجه 7/ 488 حاشية (4).
(2)
قوله: (كان) سقط من (ظ).
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 256.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ، وَكَانَ فِي حَالِ اجْتِمَاعِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْإِمَاءِ)؛ أيْ: يكونُ عادِمًا للطَّول خائفًا العَنَتَ؛ (فَلَهُ الاِخْتِيَارُ مِنْهُنَّ)؛ لأِنَّ شُروطَ النِّكاح تُعتبَرُ في وقت الاِختيار؛ أيْ: فيَختارُ واحدةً، وإنْ كانَتْ لا تُعِفُّه؛ فله أنْ يَختارَ مِنهُنَّ مَنْ تعفُّه في إحْدَى الرِّوايتَينِ، والأخرى: لا يَختارُ إلاَّ واحِدةً.
(وَإِلاَّ فَسَدَ نِكَاحُهُنَّ)؛ أيْ: إذا لم يُوجَدِ الشَّرْطانِ، فإنَّه يَفسُدُ نكاحُ الكلِّ، ولم يكُنْ له أنْ يَختارَ؛ لأِنَّه لا يَجوزُ ابْتداءُ العقد عليها حالَ الإسلام، فلم يَملِك اختيارَها كالمعتدَّة.
وإنْ كانَ دَخَلَ بهنَّ، ثُمَّ أسْلَمَ، ثُمَّ أسْلَمْنَ في عدَّتهنَّ؛ فالحُكمُ كذلك.
وقال أبو بكرٍ: لا يَجوزُ هنا أنْ يَختارَ، بل تَبِين بمجرَّد إسلامه.
وإنْ لم يُسلِمْنَ إلاَّ بعدَ العِدَّة؛ انْفَسَخَ نكاحُهنَّ وإنْ كنَّ كتابيَّاتٍ.
(وَإِنْ
(1)
أَسْلَمَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَلَمْ يُسْلِمْنَ حَتَّى أَعْسَرَ؛ فَلَهُ الاِخْتِيَارُ مِنْهُنَّ)؛ لأِنَّ شرائطَ النِّكاح تُعتبَرُ في وَقْت الاِختيار، بخلافِ ما لو أسْلَمَتْ إحداهُنَّ وهو مُوسِرٌ، ثُمَّ أسْلَمَ البَواقِي بعدَ إعساره؛ لم يكُنْ له الاِختِيارُ مِنهُنَّ؛ لأِنَّ وَقْتَ الاِختيار دَخَلَ بإسلامِ الأولى.
فلو أسْلَمَت الأُولى وهو مُعسِرٌ، فلم يُسلِم البواقي حتَّى أيْسَرَ؛ لم يكُنْ له أنْ يَختارَ من البَواقِي؛ لأِنَّ الأُولى اجْتَمَعَتْ معه في حالٍ يَجوزُ ابْتِداءً نكاحُها.
ولو أسْلَمَ وأسْلَمْنَ معه وهو مُعسِرٌ؛ فلم يَختَرْ حتَّى أيْسَرَ؛ كان له أنْ
(1)
في (ق): فإن.
يَختارَ؛ لأِنَّ تَغيُّرَ حالِه لا يُسقِطُ ما ثَبَتَ.
(وَإِنْ أَسْلَمَتْ إِحْدَاهُنَّ بَعْدَهُ، ثُمَّ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي؛ فَلَهُ الاِخْتِيَارُ مِنْهُنَّ)؛ لأِنَّ العِبرةَ بحالة الاختيار، وهي حالةُ اجْتِماعهم على الإسلام، وحالُ اجْتِماعهما على الإسلام كانتْ أَمَةً.
(وَإِنْ عَتَقَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَتْ، ثُمَّ أَسْلَمَ الْبَوَاقِي؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ الاِخْتِيَارُ مِنَ الْبَوَاقِي)؛ لأِنَّه مالِكٌ لعِصمةِ حرَّةٍ حِينَ اجْتِماعِهما على الإسلام.
(وَإِنْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ، فَأَسْلَمَتِ الْحُرَّةُ فِي عِدَّتِهَا قَبْلَهُنَّ أَوْ بَعْدَهُنَّ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُنَّ)؛ لأِنَّه قادِرٌ على حُرَّةٍ، فلا يَختارُ أَمَةً.
وإنْ لم يُسلِم الإماءُ حتَّى انْقَضَتْ عدَّتُهنَّ؛ بِنَّ باخْتِلافِ الدِّين، وإنْ أسْلَمْنَ في عِدَّتهنَّ؛ بِنَّ مِنْ حين إسلام الحرَّة.
وابْتِداءُ العقد
(1)
من حين البَينونة.
فإنْ ماتَت الحُرَّةُ بعدَ إسْلامِها؛ لم يَتغيَّر الحُكْمُ بموتها.
وإن انْقَضتْ عدَّةُ الحُرَّة قَبْلَ إسلامها؛ بانَتْ باخْتِلاف الدِّين، وله أنْ يَختارَ من الإماء؛ لأِنَّه لم يَقدِرْ على الحُرَّة، ولَيسَ له أنْ يَختارَ من الإماء قَبْلَ إسلامها وقضاءِ عِدَّتها.
وإنْ طلَّق الحُرَّةَ ثلاثًا قَبْلَ إسلامها، ثُمَّ
(2)
لم يُسلِمْ
(3)
؛ لم يَقَع الطَّلاقُ؛ لأِنَّ النِّكاحَ انْفَسَخَ باختلاف الدِّين، وله الاِختِيارُ من الإماء.
وإنْ
(4)
أسْلَمَتْ في عِدَّتها؛ فالنِّكاحُ ثابِتٌ، وَوَقَعَ فيه الطَّلاقُ، وبِنَّ الإماءُ بثُبوتِ نكاحها قَبْلَ الطَّلاق.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابها: العدة. ينظر: الشرح الكبير 21/ 74.
(2)
في (ق): لم يسلم.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 168، والشرح الكبير 21/ 75: تُسلِم.
(4)
في (ق): فإن.
(وَإِنْ أَسْلَمَ عَبْدٌ وَتَحْتَهُ إِمَاءٌ، فَأَسْلَمْنَ مَعَهُ)، أوْ في العِدَّة، (ثُمَّ عَتَقَ؛ فَلَهُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ) اثنَتَينِ؛ لأِنَّه حالَ
(1)
اجتماعهم على الإسلام كان عبدًا يَجوزُ له الاِخْتِيارُ من الإماء.
(وَإِنْ
(2)
أَسْلَمَ وَأُعْتِقَ، ثُمَّ أَسْلَمْنَ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحُرِّ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ مِنْهُنَّ إِلاَّ بِوُجُودِ الشَّرْطَيْنِ فِيهِ)؛ لأِنَّه في حال اجتماعهم في الإسلام كان حُرًّا، فيُشتَرَط في حقِّه ما يُشتَرَطُ في حقِّ الحرِّ، وحِينَئِذٍ
(3)
يَلزَمُه نكاحُ أربعٍ؛ لثُبوتِ خيارِه حرًّا.
ولو أسْلَمَ على أربعٍ، فأسْلَمَتْ ثِنتانِ، ثُمَّ عَتَقَ، فأسْلَمَتا، فهل تتعيَّنُ الأُولَتانِ؟ فيه وجْهانِ.
ولا مَهْرَ بالفَسْخ قَبْلَ الدخول
(4)
.
(1)
في (ق): حالة.
(2)
في (ظ): فإن.
(3)
قوله: (الحر وحينئذ) في (ق): الخروج.
(4)
كتب في آخر (ظ): (تم الجزء الثاني من كتاب المبدع، يتلوه كتاب الصداق إن شاء الله تعالى، وكان الفراغ من تعليقه في العشرين من شهر صفر الخير من شهور سنة ثمان وثمانين وثمانمائة أحسن الله تعالى تقضيها، وذلك على يد العبد الفقير الحقير، المعترف بالخطأ والتقصير، والراجي عفو ربه القدير، موسى بن أحمد بن موسى الكناني الحنبلي، غفر الله له ولوالديه ولمن دعا له ولهم بالمغفرة والرضوان ولجميع المسلمين وحسبنا الله ونعم الوكيل)، وكتب في الهامش:(بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله ورضي عنه).
(كِتَابُ الصَّدَاقِ)
(1)
وهو العِوَضُ المسَمَّى في النِّكاح، وفيه لُغاتٌ؛ صداقٌ؛ بفَتْحِ الصَّاد وكَسْرِها، وصَدُقة؛ بفَتْحِ الصَّاد وضَمِّ الدَّال، وصدْقة؛ بسكونِ الدَّال فيهما مع ضَمِّ الصَّاد وفَتْحِها.
وله أسْماءٌ: الصَّداق، والصَّدقةُ، والمهْرُ، والنِّحْلة، والفَرِيضة، والأَجْر، والعَلائق، والعَقْر، والحِباءُ
(2)
، وقد نُظِمَتْ في بَيتٍ وهو قَولُه
(3)
:
صَداقٌ ومَهرٌ نِحلةٌ وفَرِيضةٌ
(4)
حِباءٌ وأجرٌ
(5)
ثمَّ عَقرٌ علائقُ
يُقالُ: أصْدَقْتُ المرأةَ ومَهَرْتُها، ولا يُقالُ: أمْهَرْتُها، قاله في «المغْنِي» وفي «النِّهاية» .
(وَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي النِّكَاحِ)؛ لقَولِه تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النِّسَاء: 4]، وقِيلَ: النِّحْلةُ: الهِبَةُ، والصَّداق في مَعْناها، وقِيلَ: نِحلةً مِنْ الله تعالى للنِّساء، وقَولِه تعالى:{فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} [النِّسَاء: 24]، وقولِه عليه السلام:«فإنْ دَخَل بها؛ فلها المهْرُ بما اسْتَحَلَّ من فَرْجِها»
(6)
، وعن أنَسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رأى على عبد الرَّحمن بنِ عَوفٍ أثَرَ صُفْرةٍ، فقال:«مَهْيَمْ؟» فقال: يا رسول الله، تزوَّجْتُ امرأةً، قال:«ما أصْدَقْتَها؟» ، قال:
(1)
كتب في بداية (ظ): بسم الله الرحمن الرحيم رب يسر. وكتب في هامشها: (فأصله من الصدق؛ لإشعاره بصدق رغبة الزوج بالزوجة، وهي فيه).
(2)
في (ق): والحياء.
(3)
هو لأبي الفتح البعلي. ينظر: المطلع ص 396.
(4)
في (ق): فريضة.
(5)
في (ق): حياء أو أجر.
(6)
تقدم تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
وَزْنَ نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ، رواه الجماعةُ
(1)
.
قَولُه: «وَزْنَ نَواةٍ» ، هو اسْمٌ لِمَا زِنَتُه خمسةُ دَراهِمَ، ذَهَبًا كان أوْ فِضَّةً، وقِيلَ: كانَتْ قَدْرَ نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ قيمتُها خمسةُ دراهمَ ونصفٌ، وقِيلَ: كانَتْ رُبُعَ دِينارٍ.
(وَيُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهُ)؛ لقَولِه عليه السلام: «أعْظَمُ النِّكاح بَرَكةً أيْسَرُه مُؤْنَةً» رواه أحمد، وفيه ضعفٌ
(2)
وقال عمرُ: «لا تُغالُوا
(3)
في صَداق النِّساء، فإنَّها لو كانَتْ مَكرُمةً في الدُّنيا أوْ تَقْوَى في الآخرة؛ كان أوْلاكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، والتِّرمِذيُّ وصحَّحه
(4)
.
(1)
أخرجه أحمد (12976) والبخاري (3780، 3781)، ومسلم (1427)، وأبو داود (2109)، والترمذي (1933)، والنسائي (3351)، وابن ماجه (1907).
(2)
أخرجه أحمد (24529)، والنسائي في الكبرى (9229)، والحاكم (2732)، والبيهقي في الكبرى (14356)، من طريق حماد بن سلمة، عن ابن سَخْبرة، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. وابن سَخْبرة: اختلف في اسمه، وجزم ابن معين وابن أبي حاتم والمزي أنه: عيسى بن ميمون الواسطي، فإن كان فهو متروك، وإلاّ فمجهول، قال الذهبي:(ابن سخبرة عن القاسم، وعنه حماد بن سلمة؛ لا يعرف)، والحديث صححه الحاكم والذهبي على شرط مسلم، والعراقي، قال الألباني:(كذا قالا، وابن سخبرة ليس من رجال مسلم ولا أحد من أصحاب الستة غير النسائي)، وقال:(قول الحافظ العراقي: "وإسناده جيد"، غير جيد). ينظر: المغني عن حمل الأسفار ص 478، مجمع الزوائد 4/ 255، الضعيفة (1117)، الإرواء 6/ 348.
(3)
في (ق): لا تغلوا.
(4)
أخرجه أحمد (340) وأبو داود (2106)، والترمذي (1114)، والنسائي (3349)، وابن حبان (4620)، من طريق أبي العجفاء السلمي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وللأثر طريق أخرى أخرجها الحاكم (2728)، وأبو العجفاء - واسمه هرم بن نُسيب - مختلف فيه، وثَّقه ابن معين والدارقطني، وروى عنه جمع من الثقات، وقال البخاري:(في حديثه نظر)، والحديث ضعفه البخاري، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والألباني. ينظر: التاريخ الأوسط 1/ 234، علل الدارقطني 2/ 233، تهذيب الكمال 34/ 78، الإرواء 6/ 347.
(وَأَلاَّ يَعْرَى النِّكَاحُ عَنْ تَسْمِيَتِهِ)، بل تُستَحَبُّ تسميتُه في العَقْد؛ لأِنَّه عليه السلام كان يُزوِّجُ ويَتزَوَّجُ، ولم يكُنْ يُخْلِي ذلك من صَداقٍ، مع أنَّه كان عليه السلام له أنْ يتزوَّجَ بلا مَهْرٍ
(1)
، وقال للذي زوَّجه الموْهوبةَ:«هل مِنْ شَيءٍ تُصدِقُها؟» قال: لا، قال:«الْتَمِسْ ولَوْ خاتمًا مِنْ حَديدٍ»
(2)
، ولأِنَّه أقْطَعُ للنِّزاع.
ولَيسَ ذِكْرُه شَرْطًا وِفاقًا
(3)
؛ لقوله تعالى: {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البَقَرَة: 236]، ولأِنَّ القَصْدَ بالنِّكاح الوُصْلةُ والاِسْتِمْتاعُ، وبَالَغَ في «التَّبصرة» فكَرِهَ تَرْكَه، وذَكَرَ الطَّحاويُّ أنَّ كثيرًا من أهل المدينة يُبْطِلونَ هذا النِّكاحَ إذا خُوصِمُوا
(4)
فيه قَبْلَ الدُّخول.
(وَألاَّ يَزِيدَ عَلَى صَدَاقِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَنَاتِهِ، وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وقاله في «المستوعب»؛ لِمَا رَوَى مُسلِمٌ من حديثِ عائشةَ:«أنَّ صَداقَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم على أزواجه خمسُمِائَةِ دِرهَمٍ»
(5)
. وفي «الرِّعاية» ، و «الوجيز» ، و «الفروع»: ألاَّ يَزِيدَ على مُهورِ أزواجِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وبناتِه؛ من أرْبَعِمائةٍ إلى خَمْسِمائةٍ.
وقدَّم في «التَّرغيب» : لا يُزادُ على مَهْرِ بناته أربعمائةِ درهمٍ؛ لِمَا رَوَى أبو العَجْفاء قال: سمعتُ عمرَ يقولُ: «ما أصْدَقَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم امرأةً من نِسائه، ولا أُصْدِقَت امرأةٌ من بناته أكثرَ من ثِنْتَيْ عَشرةَ أُوقِيَّةً» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمِذِيُّ وصحَّحه، لكِنْ أبو العَجْفاء فيه ضعفٌ
(6)
.
(1)
تقدم في أول النكاح ذكر بعض أدلة إباحة التزوج بدون مهر للنبي صلى الله عليه وسلم.
(2)
أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(3)
ينظر: المبسوط 5/ 62، المقدمات والمهمات 1/ 468، نهاية المطلب 13/ 6، المغني 7/ 210.
(4)
في (ق): حوصم.
(5)
أخرجه مسلم (1426).
(6)
تقدم تخريجه 7/ 606 حاشية (4)، قال الترمذي:(الأوقية عند أهل العلم: أربعون درهمًا وثنتا عشرة أوقية أربع مائة وثمانون درهمًا).
(وَلَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ)، وقالَهُ الأَوْزاعِيُّ واللَّيثُ؛ لقوله عليه السلام:«الْتَمِسْ ولو خاتمًا مِنْ حَديدٍ» ، وعن عامِرِ بنِ ربيعةَ: أنَّ امرأةً مِنْ بَنِي فَزارةَ تزوَّجَتْ على نَعْلَينِ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أَرَضِيتِ مِنْ نفسِك ومالِك بنَعْلَينِ؟» قالت: نَعَمْ، فأجازَه، رواهُ التِّرمذيُّ وقال:(حسنٌ صحيحٌ)
(1)
، وزوَّجَ سعيدُ بنُ المسيَّب ابنتَه بدِرهَمَينِ، ولأِنَّه بَدَلُ مَنفعتِها، فجاز ما تَراضَيَا عليه من المال؛ كالبيع.
(وَلَا أَكْثَرُهُ) بالإجماع، قاله ابن عبد البَرِّ
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} [النِّسَاء: 20]، يُؤيِّدُه ما رَوَى أبو حَفْصٍ بإسْنادِه:«أنَّ عمرَ أصدقَ أمَّ كلثومٍ بنتَ عليٍّ أرْبَعِينَ ألْفًا»
(3)
، وقال
(4)
عمرُ: «خرجتُ وأنا أُريد أنْ أنْهَى عن كَثْرة
(1)
أخرجه الترمذي (1113)، وأبو يعلى (7194)، والبيهقي في الكبرى (14374)، وسنده ضعيف؛ فيه: عاصم بن عبيد الله بن عاصم العدوي: ضعيف، والحديث ضعفه أبو حاتم والبيهقي وابن عبد الهادي والألباني، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عاصم بن عبيد الله، فقال:(منكر الحديث، يقال: إنه ليس له حديث يعتمد عليه، قلت: ما أنكروا عليه؟ قال: روى عن عبد الله بن عامر بن ربيعة، عن أبيه: أن رجلاً تزوج امرأة على نعلين، فأجازه النبي. وهو منكر). وصحح الترمذي الحديث فقال: (حسن صحيح). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 85، تنقيح التحقيق 4/ 373، الإرواء 6/ 346.
(2)
ينظر: الاستذكار 5/ 413.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (16387)، وابن سعد في الطبقات (8/ 463)، وابن عساكر في تاريخه (19/ 486)، عن عطاء الخراساني به. وهذا منقطع كما قال ابن كثير. وأخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال (431)، وابن عدي في الكامل (5/ 307)، والطحاوي في مشكل الآثار (13/ 58)، والبيهقي في الكبرى (14341)، وفيه عبد الله بن زيد بن أسلم، وحديثه يقبل في المتابعات. وأخرجه أبو بكر الشافعي في الغيلانيات (123)، عن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه نحوه. وهو منقطع، قال ابن كثير:(فهذا يقوي الذي قبله). ينظر: مسند الفاروق 2/ 127.
(4)
في (ق): قال.
الصَّداق، فذَكَرْتُ هذه:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا} » [النِّسَاء: 20]
(1)
، قال
(2)
أبو صالِحٍ: «القِنْطارُ: مائَةُ رَطْلٍ» ، وقال أبو سعيدٍ: «بل مِلْءُ مَسْكِ
(3)
ثَورٍ ذَهَبًا»
(4)
، وقال مُجاهِدٌ:«سُبعون ألْفَ مِثْقالٍ»
(5)
.
(بَلْ كُلُّ مَا جَازَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنًا)، أو أجرةً؛ (جَازَ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا، مِنْ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ)؛ لأِنَّه أحدُ العِوَضَينِ، أشْبَهَ عِوَضَ البَيعِ، لكِنْ قال جماعةٌ: ولنِصْفِه قِيمةٌ، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: يُشْتَرَطُ
(6)
أنْ يكونَ له نصفٌ يُتموَّلُ عادةً، بحَيثُ إذا طلَّقها قَبْلَ الدُّخول؛ بَقِيَ لها من النِّصف مالٌ حَلالٌ، وفي «الرَّوضة»: له أَوْسَطُ النُّقود ثُمَّ أدْناها.
(وَعَيْنٍ وَدَيْنٍ، وَمُعَجَّلٍ وَمُؤَجَّلٍ، وَمَنْفَعَةٍ مَعْلُومَةٍ؛ كَرِعَايَةِ غَنَمِهَا مُدَّةً مَعْلُومَةً)؛ لقوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِي حِجَجٍ} [القَصَص: 27]، ولأِنَّها منفعةٌ معلومةٌ يَجوزُ العِوَضُ عنها في الإجارة، فجازَتْ صَداقًا؛ كمنفعةِ العبد.
وظاهِرُه: أنَّ منفعةَ الحُرِّ كالمملوك؛ لقوله عليه السلام: «أنْكِحُوا الأَيَامَى، وأدُّوا العَلائقَ» ، قِيلَ: وما العَلائقُ يا رسول الله؟ قال: «ما تَراضَى
(7)
به الأهْلُونَ ولو قَضِيبًا من أَرَاكٍ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(8)
.
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (599)، والبيهقي في الكبرى (14335)، عن بكر بن عبد الله، عن عمر رضي الله عنه. قال البيهقي:(مرسل جيد).
(2)
في (ق): وقال.
(3)
في (ق): سك.
(4)
أخرجه الدارمي (3501)، وابن أبي حاتم في التفسير (5057)، والبيهقي في الكبرى (14339)، وإسناده صحيح.
(5)
تنظر هذه الآثار: في تفسير ابن أبي حاتم 3/ 907.
(6)
في (ق): بشرط.
(7)
في (ق): يراضى.
(8)
رواه عبد الرحمن بن البيلماني، واختلف عنه في وصله وإرساله: فأخرجه الطبري في التفسير (5/ 26)، وابن عدي (7/ 388)، والدارقطني (3600)، من طريق محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما موصولاً، ومحمد البيلماني: ضعيف منكر الحديث، وفي سنده أيضًا: محمد بن الحارث وابن عبد الجبار راوياه عن ابن البيلماني وهما ضعيفان، وخالفهما عبد الملك بن مغيرة الطائفي، فرواه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً، أخرجه ابن أبي شيبة (16361)، وأبو داود في المراسيل (215). قال الدارقطني:(وهو المحفوظ)، والأصح كما قاله الإشبيلي وغيره. والحديث ضعفه ابن عدي والبيهقي والذهبي والألباني وغيرهم. ينظر: علل الدارقطني 13/ 232، السنن الكبرى 7/ 390، بيان الوهم 2/ 149، البدر المنير 7/ 676.
وعنه: لا يَجوزُ أنْ تكونَ
(1)
مَنافِعُ الحُرِّ صَداقًا؛ لأِنَّها لَيسَتْ بمالٍ.
(وَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ، وَرَدِّ عَبْدِهَا مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ)؛ لأِنَّها منفعةٌ معلومةٌ.
وعُلِمَ منه: أنَّ كلَّ ما لا يجوز أنْ يكونَ ثمنًا في المبِيع؛ كالمحرَّم، والمعدوم، والمجهول، وما لا منفعةَ فيه، ما
(2)
لم يَتِمَّ ملْكُه عليه؛ كالمبِيع من المكيل والموْزون قَبْلَ قَبْضه، وما لا يُقدَرُ على تسليمه؛ كالطَّير في الهواء، وما لا يُتموَّلُ عادةً؛ كقِشْرِ جَوزةٍ وحَبَّةِ حِنطةٍ؛ لا يَجوزُ أنْ يكونَ صَداقًا؛ لأِنَّه نقلٌ للملْكِ فيه بعِوَضٍ، فلم يَجُزْ فيه ذلك؛ كالبيع.
(وَإِنْ
(3)
كَانَتْ مَجْهُولَةً؛ كَرَدِّ عَبْدِهَا أَيْنَ كَانَ، وَخِدْمَتِهَا فِيمَا شَاءَتْ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّه عِوَضٌ في عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ مَجْهولاً؛ كالثَّمَن في البيع، والأُجْرة في الإجارة.
فلو تزوَّجها على أنْ يَحُجَّ بها؛ لم تصحَّ التَّسميةُ؛ لأِنَّ الحُمْلانَ مجهولٌ، لا يُوقَفُ له على حدٍّ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَنَافِعِهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(1)
في (ظ): يكون.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 3/ 58: وما.
(3)
في (ق): فإن.
إحداهما: لا يَصِحُّ؛ لأِنَّها لَيسَتْ مالاً، فلا يَصِحُّ أنْ يكونَ
(1)
مَهْرًا؛ كرَقَبَته ومنفعةِ البُضْع.
والثَّانية، وهي الأَصَحُّ: أنَّه يَصِحُّ؛ بدليلِ قصَّةِ موسى، وقِياسًا على منفعةِ العبدِ.
وقال أبو بكرٍ: إنْ كانَتْ خِدْمةً معلومةً؛ كبِناءِ حائطٍ؛ صحَّ، وإنْ كانَتْ مَجْهولةً، مِثْلَ أنْ يأتيَها بعبدِها الآبِقِ أيْنَ كان، ويَخدُمَها في أيِّ شيءٍ أرادَتْ؛ فلا يَصِحُّ.
ولا يَضُرُّ جَهْلٌ يسيرٌ، وغَرَرٌ يُرجَى زَوالُه في الأصحِّ، فلو تزوَّجها على شِرائه لها عبدَ زَيدٍ؛ صحَّ في المنصوص
(2)
، فإنْ تعذَّر شِراؤه بقيمته؛ فلها قيمتُه، وكذا على دَينِ سَلَمٍ، وآبِقٍ، ومغصوبٍ يُحصِّلُه، ومَبِيعٍ اشْتَراه ولم يَقبِضْه، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ)؛ كالخمر، والمعدوم، والآبِق، والمجهول؛ (وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ فسادَ العِوَض يَقتَضِي ردَّ المعوَّض، وقد تعذَّرَ ردُّهُ لصحَّة النِّكاح، فَوَجَبَ قِيمتُه وهو مهرُ المِثْلِ، كمَن اشْتَرَى شَيئًا بثَمَنٍ فاسِدٍ، فَقَبَضَ المبِيعَ، وتَلِفَ في يَدِه؛ فإنَّه يَجِبُ عليه ردُّ
(4)
قيمته.
وعنه: يَفسُدُ، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البَيعَ
(5)
.
وجوابُه: بأنَّ فسادَ المسمَّى ليس بأكثرَ من عدَمِه، وعَدَمُه لا يفسِدُ العَقْدَ،
(1)
في (ق): أن تكون.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 313.
(3)
ينظر: المحرر 2/ 31.
(4)
في (ظ): برد.
(5)
في (ق): المبيع.
كذا هذا، ويَجِبُ مهرُ المثل؛ لأِنَّها لم تَرْضَ إلاَّ ببدلٍ، ولم يُسلَّم
(1)
البدَلُ، وتعذَّر ردُّ العِوض، فوجب ردُّ بَدَلِه، كما لو باعه سلعةً بخمرٍ، فتَلِفَتْ عندَ المشْتَرِي.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ أَبْوَابٍ مِنَ الْفِقْهِ، أَوِ الْحَدِيثِ، أَوْ قَصِيدَةٍ مِنَ الشِّعْرِ الْمُبَاحِ)، أوْ أَدَبٍ، أَوْ صَنْعةٍ، أوْ كِتابةٍ، وهو مُعَيَّنٌ؛ (صَحَّ)؛ لأِنَّه يَصِحُّ أخْذُ الأُجرة على تعليمه، فجاز أنْ يكونَ صَداقًا؛ كمَنافِعِ الدّار، حتَّى ولو كان لا يَحفَظُها، نَصَّ عليه، ويَتعلَّمُها ثُمَّ يُعلِّمُها.
(فَإِنْ كَانَ لَا يَحْفَظُهَا؛ لَمْ يَصِحَّ) على المذهب، كذا قِيلَ، واخْتارَهُ في «الوجيز» ؛ لأِنَّه أصْدَقَها شَيئًا لا يَقدِرُ عليه، كما لو اسْتَأْجَرَ على الخِياطة مَنْ لا يُحْسِنُها، وكذا لو قال: على أنْ أُعَلِّمَكِ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)، ذَكَرَه في «المجرَّد» ؛ لأِنَّ هذا يكونُ في ذمَّته، أشْبَهَ ما لو أصْدَقَها مالاً في ذمَّتِه لا يَقدِرُ عليه في الحالِ، (وَ) على هذا:(يَتَعَلَّمُهَا ثُمَّ يُعَلِّمُهَا)، أوْ يُقيمُ لها مَنْ يُعلِّمُها، لأِنَّه بذلك يَخرُجُ عن عُهدةِ ما وَجَبَ عليه.
فإنْ جاءَتْ بغَيرِها فقالت: علِّمه القصيدةَ التي تُريدُ تُعلِّمني إيَّاها، أوْ أتاها بغَيرِه يُعلِّمُها؛ لم يَلزَمْ ذلك في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّ المسْتَحَقَّ عليه العملُ في عَينٍ لم يَلزَمْه إيقاعُه في غَيرها، ولأِنَّ المعلِّمينَ يَختَلِفون في التَّعليم.
(فَإِنْ تَعَلَّمَتْهَا مِنْ غَيْرِهِ؛ لَزِمَهُ أُجْرَةُ تَعْلِيمِهَا)؛ لأِنَّه لَمَّا تعذَّر الوفاءُ بالواجب؛ وَجَبَ الرُّجوعُ إلى بَدَلِه، وكذا إنْ تعذَّر عليه تعليمُها، كما لو أصْدَقَها خِياطَةَ ثَوبٍ، فتعذَّرَ.
فإن ادَّعى أنَّه علَّمَها وأنْكَرَتْه؛ قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه، وفيه وَجْهٌ؛
(1)
في (ق): ولم نسلم.
لأِنَّ الظَّاهِرَ معه.
وإنْ علَّمَها، ثُمَّ أُنْسِيَتْها؛ فلا شَيءَ عليه.
وإنْ لَقَّنها الجميعَ، وكلَّما لَقَّنَها شَيئًا أُنسِيَتْه؛ لم يُعتَدَّ بذلك في الأَشْهَر.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ وَقَبْلَ تَعْلِيمِهَا؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأُجْرَةِ)؛ لأِنَّها صارتْ أجنبيَّةً، فلا يُؤمَنُ في تعليمها من الفتنة، وبعدَ الدُّخول؛ كلُّها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُعَلِّمَهَا نِصْفَهَا)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، أشْبَهَ سماعَ كلامِها في المعامَلاتِ، وعلى هذا يُعلِّمُها مِنْ وَراءِ حِجابٍ من غَيرِ خَلْوةٍ بها؛ لأِنَّ ذلك حرامٌ.
وإنْ كان الطَّلاقُ بعدَ الدُّخول؛ ففي تَعْلِيمِها الكلَّ الوَجْهانِ.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَ تَعْلِيمِهَا؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِ الْأُجْرَةِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ قَبْلَ الدُّخول يُوجِبُ نصفَ الصَّداق، والرُّجوعُ بنصف التَّعليم مُتعذِّرٌ، فَوَجَبَ الرُّجوعُ إلى بَدَلِه، وهو نصفٌ، وإنْ سَقَطَ مَهرُها؛ رَجَعَ بالكُلِّ.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا تَعْلِيمَ شَيْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ مُعَيَّنٍ؛ لَمْ يَصِحَّ) على المذهب، واختاره أبو بكرٍ وغيره؛ لأِنَّ الفُروجَ لا تُسْتَباحُ إلاَّ بالمال؛ لقوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النِّسَاء: 24]، {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً} [النِّسَاء: 25]، والطَّولُ: المالُ، ولأِنَّ تعليمَ القرآن قُربةٌ، ولا يَصِحُّ أنْ يكونَ صَداقًا كالصَّوم.
(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)، ذَكَرَ ابنُ رَزِينٍ: أنَّها الأَظْهَرُ، وجَزَمَ بها في «عيون المسائل» ؛ لحديثِ الموْهُوبَة
(1)
، ولأِنَّ تعليمَ القرآن مَنفعةٌ مُباحةٌ، فجازَ جَعْلُ ذلك صَداقًا؛ كتعليمِ قصيدةٍ من الشِّعر المباحِ.
وقِيلَ: إنْ جازَ أخْذُ الأُجْرةِ عَلَيهِ.
(1)
أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
والأوَّلُ أَوْلَى، وحديثُ الموْهُوبةِ؛ قِيلَ: مَعْناهُ: زوَّجْتُكها لأِنَّك من أهل القرآن، كما زَوَّجَ طلحةَ
(1)
على إسْلامِه
(2)
.
ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ خاصًّا به، يُؤيِّدُه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم زوَّج غُلامًا على سُورةٍ مِنْ القرآن، ثُمَّ قال:«لا يَكونُ بَعْدَكَ مَهْرًا» رواه سعيدٌ والنَّجَّادُ
(3)
.
فعلى هذا؛ تُعَيَّنُ
(4)
السُّورةُ أو الآيةُ؛ لأِنَّه إذا لم تُعَيَّنْ
(5)
يصيرُ مجهولاً مُفْضِيًا إلى المنازَعة.
(وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ قِرَاءَةِ مَنْ) مِنْ القُرَّاء السَّبعة؛ لأِنَّ الاِخْتِلافَ في ذلك يَسيرٌ.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ)؛ لأِنَّ الأَغْراضَ تَختَلِفُ، والقراءاتِ تَختَلِفُ، فمِنْها ما هو صَعْبٌ؛ كقِراءةِ حَمزةَ وهِشامٍ، ووقوفِهما على المدِّ، أشْبَهَ تَعيِينَ الآيات، فإنْ أُطْلِقَ؛ فعُرْفُ البلد.
فإنْ تَعلَّمَتْه من غَيرِه؛ لَزِمَه الأُجْرةُ، وإنْ علَّمَها ثُمَّ سَقَطَ؛ رَجَع بالأجرة، ومع تنصُّفه بنصفها.
وإنْ طلَّقَها ولم يُعلِّمْها؛ لَزِمَه أُجرةُ ما يَلزَمُه لخوفِ الفتنة، جَزَمَ به في
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المغني 7/ 214، والشرح الكبير 21/ 101، والمصادر الحديثية: أبا طلحة.
(2)
قصة زواج أبي طلحة رضي الله عنه: أخرجها النسائي (3341)، بسند صحيح كما قاله ابن حجر في الفتح (9/ 115) عن أنس بن مالك رضي الله عنه. وفيه قالت أم سُليم:«فإن تُسلم فذاك مَهري، وما أسألُك غيرَه، فأسلم فكان ذلك مهرها» .
(3)
لم نقف على رواية النجاد، وقد أخرجه سعيد بن منصور (642)، عن أبي معاوية، حدثنا أبو عرفجة الفايشي، عن أبي النعمان الأزدي مرسلاً. قال ابن حجر:(وهذا مع إرساله فيه من لا يعرف)، وقد ضعفه الإشبيلي وابن عبد الهادي والألباني، وقال:(منكر). ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 380، الفتح 9/ 122، الإرواء 6/ 350، الضعيفة (982).
(4)
في (ق): يعين.
(5)
في (ق): يعين.
«الفصول» ، وأنَّه يُكرَهُ سماعُه بلا حاجةٍ. وعنه: يُعلِّمُها مع أَمْنِ الفتنة.
مُلْحَقٌ: بقيَّةُ القُرَب كصومٍ وصلاةٍ تُخرَّجُ
(1)
على الرِّوايتَينِ، ذَكَرَه في «الواضح» .
تنبيهٌ: إذا أصْدَقَ الكتابيَّةَ تعليمَ شَيءٍ من القرآن؛ لم يَصِحَّ، نَصَّ عليه
(2)
، ولها مَهْرُ المِثْلِ.
وفي «المُذْهَبِ» : يَصِحُّ بقَصدِها الاِهْتِداءَ به، ولقوله تعالى:{فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التّوبَة: 6].
وجَوابُه: أنَّ الجُنُبَ يُمنَعُ مِنْ قِراءةِ القرآن مع إيمانه واعْتِقادِه، فالكافِرُ أَوْلَى، والسَّماعُ غَيرُ الحِفْظ.
وكذا إذا أصْدَقَها تعليمَ شَيءٍ من التَّوراة أو الإنجيل، ولَزِمَ مَهْرُ المِثْلِ؛ لأِنَّه مَنْسوخٌ ومُبَدَّلٌ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ نِسَاءً بِمَهْرٍ وَاحِدٍ، أَوْ خَالَعَهُنَّ بِعِوَضٍ وَاحِدٍ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ العِوَضَ في الجملة معلومٌ، فلم يُؤثِّرْ جَهالةُ ما لكلِّ واحدةٍ، كما لو اشْتَرَى أربعةَ أعْبُدٍ من رجلٍ بثمَنٍ واحدٍ.
واختارَ ابنُ حَمْدانَ، وهو احْتِمالٌ في «التَّرغيب»: يجبُ مَهْرُ المِثْل؛ لأِنَّ ما يَجِبُ لكلِّ واحدةٍ غَيرُ معلومٍ.
(وَيُقْسَمُ الْعِوَضُ بَيْنَهُنَّ عَلَى قَدْرِ مُهُورِهِنَّ)؛ أيْ: مُهورِ مِثْلِهنَّ، (فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، اختاره القاضي وابنُ حامِدٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الصَّفقةَ إذا وَقَعَتْ على شَيئَينِ مُختَلِفَي القِيمةِ؛ وَجَبَ تَقْسيطُ العِوَض بَينَهما بالقيمة، كما لو باع شِقْصًا وَسَيفًا.
(1)
في (ظ): يخرج.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 318.
(وَفِي الآْخَرِ: يُقْسَمُ بَيْنَهُنَّ بِالسَّوِيَّةِ)، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه أضافه إليهنَّ إضافةً واحدةً، فكان بَينَهنَّ بالسَّوِيَّة، كما لو وَهَبَه لهنَّ أو أقرَّ لهنَّ، وفي «الرِّعاية»: وكما لو قال: بَينَهنَّ.
وقِيلَ في الخُلْع: يُقسَمُ على قَدْرِ مُهورهنَّ المسمَّاة.
فرعٌ: تزوَّج امرأتَينِ؛ إحداهما لا يَصِحُّ العَقْدُ عليها، بصداقٍ واحدٍ، وقُلْنا: يَصِحُّ في الأخرى؛ فلها حصَّتُها من المسمَّى، وقِيلَ: مَهْرُ المثل.
فإنْ جَمَعَ بَينَ نكاحٍ وبَيعٍ؛ صحَّ في الأَشْهَرِ، فعلى هذا يُقسَّطُ العِوَضُ على قَدْرِ صداقها وقيمة المبِيعِ.
(فَصْلٌ)
(وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا كَالثَّمَنِ)؛ لأِنَّ الصَّداقَ عِوَضٌ في عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فاشْتُرِطَ كَونُه مَعْلُومًا؛ كالعِوَضِ في البَيعِ؛ ولأِنَّ غَيرَ المعلومِ مجهولٌ، لا يَصلُحُ عِوَضًا في البَيعِ، فلَمْ تَصِحَّ تسميتُه كالمُحرَّم، لكِنْ لا يَضُرُّ جَهْلٌ يسيرٌ، وغَرَرٌ يُرجَى زَوالُه في الأصحِّ.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا دَارًا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، أَوْ دَابَّةً؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ الصَّداقَ يُشترَطُ فيه أنْ يكونَ معلومًا، وهو معدومٌ هنا.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مُطْلَقًا؛ لَمْ يَصِحَّ)؛ للجَهالة.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ)؛ لقَولِه عليه السلام: «العَلائِقُ ما تَرَاضَى عَلَيهِ الأهْلُونَ»
(1)
، ولأِنَّه مَوضِعٌ ثَبَتَ فيه العِوَضُ في الذِّمَّة بَدَلاً عمَّا لَيسَ المقْصودُ منه
(2)
المالَ، فثَبَتَ مطلَقًا كالدِّية، ولأِنَّ جَهالةَ التَّسمية هنا أقلُّ من جهالةِ مَهْرِ المِثْلِ.
وحَكَى في «المغْنِي» و «الشَّرح» عن القاضي: يَصِحُّ مَجْهولاً ما لم تَزِدْ جَهالتُه على جهالةِ مهرِ المثلِ، كعبدٍ وفَرَسٍ مِنْ جنسٍ معلومٍ، فإنْ كان دابَّةً أوْ حَيَوانًا؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى معرفة الوَسَط.
(وَلَهَا الْوَسَطُ، وَهُوَ السِّنْدِيُّ) بالعراق؛ لأِنَّ الأعلى التُّركيُّ، والأسفلَ الزِّنجِيُّ، والوَسَطَ السِّنديُّ والمنصوريُّ.
والأوَّلُ أصحُّ، والخَبَرُ المرادُ به: ما تَراضَى عليه الأهْلُونَ ممَّا يَصلُحُ
(3)
عِوَضًا، بدليلِ سائِرِ ما لا يَصلُحُ، والدِّيةُ ثَبَتَتْ بالشَّرع لا بالعقل، وهي
(1)
تقدم تخريجه 7/ 610 حاشية (1).
(2)
في (ق): فيه.
(3)
في (ق): يصح.
خارِجةٌ عن القياس في تقديرها ومَن وَجَبَتْ عليه، فلا يَنبَغِي أنْ تُجعَلَ أصْلاً، ثُمَّ الحَيَوانُ الثَّابِتُ فيها موصوفٌ مُقدَّرٌ بقيمته، فكَيفَ يُقاسُ عليه العبدُ المطلَقُ، وأمَّا كَونُ جهالة المطلَق أقلَّ مِنْ جهالةِ قَدْرِ مهرِ المِثْل؛ فممنوعٌ؛ لأِنَّ العادةَ في القبائل يكونُ لِنِسائهم مَهْرٌ، لا يَكادُ يَختَلِفُ إلاَّ بالثُّيُوبة والبَكارَة، فيكونُ إذًا معلومًا.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مِنْ عَبِيدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ)؛ لأِنَّه مجهولٌ، كما لو باع عبدًا مِنْ عبِيدِه، أوْ دابَّةً، أوْ ثَوبًا.
(وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يَصِحُّ)، اختاره أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كموصوفٍ، وكما لو عيَّنَ ثمَّ نسيَ، وهذا ممَّا لا نظيرَ له يُقاس عليه.
وتأوَّلَ أبو بكرٍ نَصَّ أحمدَ على أنَّه تزوَّجها على عبدٍ مُعيَّنٍ، ثُمَّ أشْكَلَ عليه، وفيه نَظَرٌ، فعلى هذا يُعْطِي من عبيده وَسَطَهم، وهو روايةٌ.
والأَشْهَرُ: (أَنَّ لَهَا أَحَدَهُمْ بِالْقُرْعَةِ)، نَقَلَه مُهَنَّى
(1)
؛ لأِنَّه إذا صحَّ أنْ يكونَ صَداقًا اسْتَحقَّتْ واحِدًا غَيرَ مُعيَّنٍ، فشُرِعَت
(2)
القُرعةُ مُمَيِّزةً، كما لو أَعْتَقَ أحدَ عَبدَيهِ.
وقِيلَ: يُعطِيها ما اختاره
(3)
، وقِيلَ: ما اخْتارَتْ، ذكرَهُما ابنُ عَقِيلٍ.
(وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ: إِذَا أَصْدَقَهَا دَابَّةً مِنْ دَوَابِّهِ، أَوْ قَمِيصًا مِنْ قُمْصَانِهِ، وَنَحْوَهُ)؛ لأِنَّه في مَعْنَى ما سَبَقَ.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا مَوْصُوفًا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه يَجوزُ أنْ يكونَ عِوَضًا في البَيعِ،
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 128.
(2)
في (ق): فرعت.
(3)
في (ق): اختار.
والصِّفةُ تُنزِّله مَنزِلةَ
(1)
المعيَّن، فجاز أنْ يكونَ صَداقًا.
(وَإِنْ جَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا وَسَطًا، وَجَاءَهَا بِقِيمَتِهِ، أَوْ خَالَعَتْهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَتْهُ بِقِيمَتِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُما
(2)
قَبُولُهُ)، في الأَشْهَر، اختاره أبو الخَطَّاب.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهُما
(3)
ذَلِكَ)؛ قِياسًا على الإبل في الدِّية.
وجَوابُه: بأنَّها اسْتَحقَّتْ عليه عبدًا
(4)
بعَقْدِ مُعاوَضةٍ، فلم يَلزَمْها أخْذُ قِيمَتِه كالمُسلَم فيه، وكما لو كان معيَّنًا، والأَثْمانُ أصلٌ في الدِّية كالإبل، فيَلزَمُ الوليَّ القَبولُ، لا على طريقِ القيمة؛ ولأِنَّ الدِّيةَ خارِجةٌ عن القياس، ثُمَّ قِياسُ العِوَض على سائر الأَعْواض أَوْلَى من قياسه على غير عُقودِ المعاوَضة، ثُمَّ يَنتَقِضُ بالعبد المعَيَّن.
فرعٌ: إذا تزوَّجها على أنْ يُعتِقَ أباها؛ صحَّ، نَصَّ عليه
(5)
، فإنْ طَلَبَتْ به أكثرَ من قيمته، أوْ تعذَّر عليه؛ فلها قيمتُه.
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا طَلَاقَ امْرَأَةٍ لَهُ أُخْرَى؛ لَمْ يَصِحَّ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وهو ظاهِرُ المذهب، وقَولُ أكثرِ الفقهاء؛ لقوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} [النِّسَاء: 24]، وقَولِه عليه السلام:«لا تَسْأَلِ المرأةُ طَلاقَ أُخْتِها»
(6)
، ولأِنَّ هذا لا يَصِحُّ ثَمَنًا في بَيعٍ، ولا أَجْرًا في إجارةٍ، فلم يَصِحَّ صَداقًا؛ كالمنافِعِ المحرَّمة، فَعَلَى هذا: لها مَهْرُ المِثْل، أوْ نِصفُه قَبْلَ الدُّخول، أو المتعةُ عندَ مَنْ يُوجِبُها في التَّسمية الفاسِدةِ.
(1)
في (ق): ننزله بمنزلة.
(2)
في (ظ): لم يلزمها.
(3)
في (ظ): يلزمها.
(4)
في (ق): عقدًا.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 354.
(6)
أخرجه البخاري (2140)، ومسلم (1408) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(وَعَنْهُ: يَصِحُّ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ لها فائدةً ونَفْعًا؛ لِمَا يَحصُلُ لها من الرَّاحة بطَلاقها مِنْ مُقاسَمَتِها، والغَيرَة منها، فصحَّ جَعْلُه صَداقًا؛ كخِياطَةِ ثَوبِها وعِتْقِ أَمَتِها.
(فَإِنْ فَاتَ طَلَاقُهَا بِمَوْتِهَا؛ فَلَهَا مَهْرُهَا)؛ أيْ: مَهرُ الضَّرَّة، (فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ)؛ لأِنَّه سَمَّى لها صَداقًا لم يَصِلْ إلَيها، فكان لها قيمتُه، كما لو أصدَقها عبدًا فخَرَجَ حُرًّا.
وقِيلَ: تَستَحِقُّ مَهْرَ مِثْلِها؛ لأِنَّ الطَّلاقَ لا قِيمةَ له ولا مِثْلَ له.
وكذا جَعْلُه إليها إلى سنةٍ.
وهل يَسقُطُ حقُّها من المهر؟ فيه وَجْهانِ، فإنْ قُلْنا: لا يَسقُطُ؛ فهل تَرجِعُ
(1)
إلى مَهْرِ مِثْلِها، أوْ إلى مَهْرِ الأخرى؟ فيه وَجْهانِ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ كَانَ أَبُوهَا حَيًّا، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لَمْ تَصِحَّ) التَّسميةُ، (نَصَّ عَلَيْهِ) في روايةِ مُهَنَّى
(2)
؛ لأِنَّ حالَ الأب غَيرُ معلومةٍ، فيكونُ مَجْهولاً، ولأِنَّه في مَعْنَى بَيعتَينِ في بَيعةٍ، وحِينَئِذٍ: لها صَداقُ نِسائها.
وعنه: يَصِحُّ؛ لأِنَّ الأَلْفَ معلومةً، وإنَّما جُهِلَ الثَّاني، وهو معلَّقٌ على شَرْطٍ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ زَوْجَةٌ، وَأَلْفَيْنِ إِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ؛ لَمْ يَصِحَّ فِي قِيَاسِ التِي قَبْلَهَا)؛ لأِنَّها في مَعْناها.
وكذا إنْ تزوَّجها على ألْفٍ إنْ لم يُخرِجْها من دارِها، وعلى ألْفَينِ إنْ أخْرَجَها.
(وَالْمَنْصُوصُ: أَنَّهُ يَصِحُّ) هذه التَّسمية هنا
(3)
، وذَكَرَ القاضي: فيهما رِوايَتانِ:
(1)
في (ق): يرجع.
(2)
ينظر: زاد المسافر 3/ 205، المغني 7/ 264.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1715.
إحداهما: لا يَصِحُّ
(1)
، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّ سبيلَه سبيلُ الشَّرْطَينِ، فلم يَصِحَّ
(2)
كالبَيع.
والثَّانيةُ: يَصِحُّ
(3)
؛ لأِنَّ أَلْفًا معلومةٌ، وإنَّما جُهِلَت الثَّانيةُ، وهي مُعلَّقةٌ على شَرْطٍ، فإنْ وُجِدَ الشَّرْطُ؛ كان زيادةً في الصَّداق، والزِّيادةُ فيه صحيحةُ.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ يَعْنِي: القَولَ بالفَساد فيهما، ويُجابُ عنه: بأنَّه تعليقٌ على شَرْطٍ
(4)
؛ لا يَصِحُّ لِوَجْهَينِ:
أحدهما: أنَّ الزِّيادةَ لا يَصِحُّ تعليقُها على شَرْطٍ، فلو قال: إنْ ماتَ أبوكِ فقد زِدتُك في صَداقكِ ألْفًا؛ لم يَصِحَّ، ولم تَلزَم الزِّيادةُ عندَ مَوت الأب.
والثَّاني: أنَّ الشَّرْطَ لم
(5)
يَتَجدَّد في قوله: إنْ كان لي زوجةٌ، أوْ إنْ كان أبوكِ حيًّا، ولا الذي جَعَلَ الألْفَ فيه معلومُ الوُجود؛ لِتكونَ الألْفُ الثَّانيةُ زيادةً عليه.
ويُمْكِنُ الفَرْقُ بَينَ نَصِّ أحمدَ على بُطْلانِ التَّسمية ونَصِّه على صحَّتها: بأنَّ المرأةَ لَيسَ لها غَرَضٌ يَصِحُّ بَذْلُ العِوَضِ فيه، وهو كَونُ أبيها ميِّتًا، وخُلُوُّها عن ضَرَّةٍ من أكبرِ أغْراضِها، وكذلك قَرارُها في دارها بَينَ أهلها، وفي وطنِها، فَعَلَى هذا يَمتَنِعُ قياسُ إحْدَى الصُّورَتَينِ على الأخرى، وما وَرَدَ من المسائل أُلْحِقَ بما يُشبِهُها، ولا يكونُ في كلِّ مسألةٍ إلاَّ روايةٌ واحدةٌ.
(وَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدَتِهِ: أَعْتِقِينِي عَلَى أَنْ أَتَزَوَّجَكِ، فَأَعْتَقَتْهُ عَلَى ذَلِكَ؛ عَتَقَ)؛ لأِنَّ سيِّدتَه أعْتَقَتْه، (وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ)؛ لأِنَّ النِّكاحَ يَحصُلُ به الملْكُ
(1)
في (ظ): لا تصح.
(2)
في (ظ): تصح.
(3)
في (ظ): تصح.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 7/ 264، والشرح الكبير 21/ 124: (والقول بأن هذا تعليق على شرط؛ لا يصح لوجهين
…
).
(5)
قوله: (لم) سقط من (ظ).
للزَّوج، فلم يَلزَمْه ذلك، كما لو اشترطت عليه أنْ تُملِّكَه دارًا.
وكذا إنْ قالَتْ لعَبْدها: أعْتَقْتُكَ على أنْ تتزوَّجَ بي؛ لم يَلزَمْه ذلك، ويَعتِقُ، ولا يَلزَمُه قِيمةُ نَفْسِه؛ لأِنَّها اشترطت عليه شَرْطًا هو حقٌّ له، فلم يَلزَمْه، كما لو شَرَطَتْ أنْ لا تهبه دنانير
(1)
لِيَقْبَلَها
(2)
، ولأِنَّ النِّكاحَ من الرَّجُل لا عِوَضَ
(3)
له، بخلاف نكاحِ المرأة.
(وَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ مُؤَجَّلاً، وَلَمْ يَذْكُرْ مَحَلَّ الْأَجَلِ؛ صَحَّ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)؛ لأِنَّ لذلك عُرْفًا، فَوَجَبَ أنْ يَصِحَّ، ويُحمَلَ عليه.
وعُلِمَ منه: أنَّه يَجوزُ أنْ يكونَ مؤجَّلاً وحالًّا، وبعضُه كذلك؛ لأِنَّه عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فجاز فيه ذلك كالثَّمن، ومتى أُطْلِق؛ اقْتَضَى الحُلولَ، كما لو أُطْلِق ذِكْرُ الثَّمَن، وإنْ شَرَطَه مُؤجَّلاً إلى وَقْتٍ؛ فهو إلى أجَلِه.
(وَمَحِلُّهُ الْفُرْقَةُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا)؛ لأِنَّ المطلَقَ يُحمَلُ على العُرْف، والعُرْفُ تَرْكُ المطالَبة بالصَّداق إلى حِينِ الفُرقة بمَوتٍ أوْ طَلاقٍ، فحُمِلَ عليه، فيَصِيرُ حِينَئِذٍ معلومًا.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَا تَصِحُّ) التَّسميةُ، وهو روايةٌ، وحِينَئِذٍ لها مَهْرُ المِثْلِ؛ كثَمَنِ المبِيعِ.
وعلى الأوَّل: لو جُعِلَ الأَجَلُ مُدَّةً مَجْهولةً؛ كقُدومِ زَيدٍ ونحوِه؛ لم يَصِحَّ.
وقال ابنُ أبي موسى: يَحتَمِلُ إذا كان الأجلُ مجهولاً أنْ يكونَ حالًّا.
فإنْ طلَّقها قَبْلَ الدُّخول كان لها نصفُه في روايةٍ، وفي أُخْرى: مَنْعُه، كما لو تزوَّجَها على مُحرَّمٍ كخَمْرٍ.
(1)
في (ظ): دينار.
(2)
كذا في النسخ الخطية: (أنْ لا تهبه دنانير ليقبلها)، وفي الشرح الكبير 21/ 126: أن تهبه دنانير فيقبلها.
(3)
في (ق): غرض.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَصْدَقَهَا خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ مَالاً مَغْصُوبًا؛ صَحَّ النِّكَاحُ)، نَصَّ عليه
(1)
، وقاله عامَّةُ الفُقَهاء؛ لأِنَّه عَقْدٌ لا يَبطُلُ بجَهالةِ العِوَض، فلا يَفسُدُ بتحريمه، كالخُلْع، ولأِنَّ فَسادَ العِوَضِ لا يَزيدُ على عَدَمِه، (وَوَجَبَ
(2)
مَهْرُ الْمِثْلِ) في قَولِهم؛ لأِنَّ فَسادَ العِوَض يَقتَضِي ردَّ المعوَّض
(3)
، فَوَجَبَ ردُّ قيمتِه، وهو مَهْرُ المثل، كمَن اشْتَرى ثَوبًا بثَمَنٍ فاسِدٍ، فتَلِفَ المبِيعُ في يده بالِغًا ما بلغ؛ لأِنَّ ما تضمَّنه بالعقدِ الفاسدِ؛ اعتُبِرت قيمتُه بالِغًا ما بَلَغَ؛ كالمبيع
(4)
.
لا يُقالُ: إنَّما وَجَبَ لِحَقِّ الله؛ لأِنَّه لو كان كذلك لَوَجَبَ أقلُّ المهر.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُعْجِبُهُ اسْتِقْبَالُ النِّكَاحِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ)، وشَيخُه الخَلاَّلُ؛ لأِنَّه جَعَلَ عِوَضَه مُحرَّمًا، أشْبَهَ نكاحَ الشِّغار.
وخرَّجَ عليها في «الواضح» : فسادَه بتفويضٍ؛ كبيعٍ، وهو روايةٌ في «الإيضاح». وعندَ ابن أبي موسى: مِثْل مغصوبٍ أوْ قيمتِه.
وفي «الواضح» : إنْ باعَه ربُّه بثَمَنِ مثلٍ لَزِمَه
(5)
.
وعنه: مِثْلُ خَمْرٍ خلًّا.
(وَالْمَذْهَبُ: صِحَّتُهُ)، وكلامُ أحمدَ محمولٌ على الاِسْتِحباب.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 115.
(2)
في (ظ): ووجوب.
(3)
في (ق): العوض.
(4)
قوله: (كالمبيع) سقط من (ق).
(5)
في (ظ): إن باعه ربه قبله بثمن لزمه.
فأمَّا إذا فَسَدَ الصَّداقُ؛ لجهالته، أوْ عَدَمه، أو العجزِ عن تسليمه؛ فالنِّكاحُ ثابِتٌ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
، فإنْ طلَّقها قبلَ الدُّخول؛ فلها نصفُ مهرِ المِثْل.
وذَكَرَ القاضي في «الجامع» : أنَّه لا فَرْقَ بَينَ مَنْ لم يُسَمِّ لها صَداقًا، وبَينَ مَنْ سَمَّى لها محرَّمًا كالخمر، أوْ مجهولاً كالثَّوب، وفيه رِوايَتانِ:
إحداهما: لها المتْعةُ؛ لأِنَّه يَرتَفِعُ مَهْرُ المِثْل بها.
والثَّانيةُ
(2)
: يَجِبُ لها نِصْفُ مَهْرِ المِثْلِ؛ لأِنَّه قد وَجَبَ، فيَتَنصَّفُ به؛ كالمسمَّى.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَخَرَجَ حُرًّا أَوْ مَغْصُوبًا، أَوْ عَصِيرٍ؛ فَبَانَ خَمْرًا؛ فَلَهَا قِيمَتُهُ؛ لأِنَّها رَضِيَتْ بما سَمَّى لها، وتسليمُه مُمْتَنِعٌ؛ لكَونه غَيرَ قابِلٍ لجَعْله صَداقًا، فوَجَبَ الاِنتِقالُ إلى قيمته يومَ العَقْد؛ لأِنَّها بَدَلٌ، ولا يُستحَقُّ مهر المثل؛ لعدم رضاها به.
ولا بُدَّ أنْ يُلحَظَ: أنَّ المغْصوبَ لو كان مِثْلِيًّا؛ لكان لها مِثْلُه، لا قيمتُه، كما لو اسْتُحِقَّ عليه مِثْليٌّ بغَيرِ الصَّداق، والعَصيرُ محمولٌ على عصيرٍ عُدِمَ مِثْلُه، إذ المذْهَبُ: أنَّه يَلزَمُه عَصيرٌ مِثْلُه، قدَّمَه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقَدَّم في «الإيضاح»: مَهْرَ مِثْلِها.
(وَإِنْ وَجَدَتْ بِهِ عَيْبًا؛ فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ أَخْذِ أَرْشِهِ، أَوْ رَدِّهِ وَأَخْذِ قِيمَتِهِ)؛ لأِنَّه عِوَضٌ في عَقْدِ مُعاوَضةٍ، فثَبَتَت الخِيَرةُ فيه بَينَ أخْذِ الأرْش، أو البَدَل وأخْذِ القيمة؛ كالمبِيع المعِيب، وكذا عِوَضُ الخُلْع المنَجَّز.
وعنه: إنْ أمْسَكَه فلا أَرْش، وما عُقِدَ عليه في الذِّمَّة؛ وَجَبَ بَدَلُه فَقَطْ.
فرعٌ: إذا تزوَّجها على عَبدَينِ، فخرَجَ أحدُهما حرًّا أوْ مَغْصوبًا؛ صحَّ
(1)
ينظر: المغني 7/ 223.
(2)
في (ق): والثاني.
الصَّداقُ في ملْكِه، ولها قيمةُ الآخَرِ، نَصَّ عليه
(1)
، وعنه: قِيمتُهما.
وإنْ بَانَ نصفُه مُستَحَقًّا، أو أصْدَقَها ألْفَ ذراعٍ فبانَتْ تِسْعَمائةٍ؛ خُيِّرتْ بَينَ أخْذِه وقيمةِ الفائتِ، وبَينَ قِيمةِ الكلِّ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 203، الروايتين والوجهين 2/ 120.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه لو شَرَطَ الكلَّ لنفسه لَصَحَّ، فكذا إذا شَرَطَ البَعْضَ، بل هو مِنْ بابِ أَوْلى، يُؤيِّدُه: أنَّ شُعَيبًا زوَّجَ موسى ابنتَه على رِعايَةِ غَنَمِه، وذلك اشْتِراطٌ لنفسه؛ لأِنَّ للوالد الأَخْذَ مِنْ مالِ وَلَدِه؛ لِقَولِه عليه السلام:«أنْتَ ومالُكَ لأِبيكَ»
(1)
، ولقولِه عليه السلام:«إنَّ أطْيَبَ ما أكَلْتُم مِنْ كَسْبِكم، وإنَّ أوْلادَكم مِنْ كَسْبِكم» رواهُ أبو داودَ، والتِّرمِذِيُّ وحسَّنه
(2)
.
فإذا شَرَطَ شَيئًا لنفسه من مَهْرِ ابنتِه؛ كان ذلك أخْذًا من مالها، (وَكَانَا جَمِيعًا مَهْرَهَا)، وهذا في أبٍ يَصِحُّ تملُّكُه أوْ شَرْطُه له.
وحَكَى أبو عبد الله بن تَيميَّةَ
(3)
روايةً: يَبطُلُ الشَّرْطُ وتَصِحُّ التَّسميةُ.
وقِيلَ: يَبطُلانِ، ويَجِبُ مَهْرُ المِثْل.
وعلى الأوَّل: شَرْطُه ما لم يُجْحِفْ بابْنَتِه، فإنْ أَجْحَفَ بها لم يَصِحَّ الشَّرطُ، وكان الجميعُ لها، ذَكَرَه القاضي وابنُ عَقِيلٍ والمؤلِّفُ، وضعَّفه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
؛ لأِنَّه لا يُتصوَّرُ الإجْحافُ؛ لعَدَمِ ملْكها له، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ
(5)
، والقاضي في «تعليقه» ، وأبي الخَطَّاب: أنَّه لا يُشتَرَطُ.
(1)
تقدم تخريجه 3/ 389 حاشية (4).
(2)
تقدم تخريجه 6/ 524 حاشية (7).
(3)
هو: محمد بن الخضر بن محمد بن الخضر بن علي ابن تيمية، الحراني، فخر الدين، ولد سنة 542 هـ، بحرَّان، كان مفسرًا، وخطيبًا، وواعظًا، وكان شيخ حران وخطيبها، توفي سنة 622 هـ، من مصنفاته: التفسير الكبير، تخليص المطلب في تلخيص المذهب، ترغيب القاصد. ينظر: سير أعلام النبلاء 22/ 288، المقصد الأرشد 2/ 406.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 196.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1526.
(فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بَعْدَ قَبْضِهِمَا؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِأَلْفٍ)؛ لأِنَّه نصفُ الصَّداق، (وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْأَبِ شَيْءٌ مِمَّا أَخَذَ)؛ لأِنَّه أَخَذَ من مالِ ابنتِه ألْفًا، فلا يَجوزُ الرُّجوعُ عليه بشَيءٍ.
وقِيلَ: إلاَّ في شَرْطِ جميعِه له.
وهذا ظاهِرٌ فيما إذا قَبَضت الأَلْفَينِ، فإنْ طلَّقها قبلَ قَبْضِهما؛ سَقَطَ عن الزَّوج أَلْفٌ، وبَقِيَ عليه أَلْفٌ للزَّوجة، يأخُذ الأبُ منها ما شاء.
وقال القاضي: تكونُ بَينَهما نصفَينِ، ونَقَلَه مُهَنَّى عن أحمدَ
(1)
؛ لأِنَّه شَرَطَ لنفسه النِّصفَ، ولم يَحصُلْ من الصَّداق إلاَّ النِّصف.
قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : هذا على سبيل الاِسْتِحْباب.
فلو شَرَط لنفْسِه الجميعَ، ثُمَّ طلَّق قبلَ الدُّخول بعدَ تسليمِ الصَّداق؛ رَجَعَ في نصفِ ما أعطى الأبَ؛ لأِنَّه الذي فَرَضَه لها، فيَرجِعُ في نصفه.
وقيل: يَرجِعُ عليها بنصْفِه، ولا شَيءَ على الأب فيما أَخَذَ؛ لأِنَّا قدَّرنا أنَّ الجميعَ صار لها.
ولو ارتدَّتْ قبلَ الدُّخول؛ فهل تَرجِعُ في الأَلْفِ الذي قَبَضَها الأبُ له
(2)
، أوْ عليها؟ فيه وجْهانِ.
(وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ غَيْرُ الْأَبِ)؛ كالجَدِّ والأخ؛ (فَالْكُلُّ لَهَا دُونَهُ)، وكان الشَّرْطُ باطِلاً، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّ جميعَ ما اشْتَرَطَه عِوَضٌ في تزويجها، فيكون صداقًا لها، كما لو جَعَلَه لها، ولَيس للغيرِ أنْ يأخُذَ شَيئًا بغَيرِ إِذْنٍ، فيَقَعُ الاِشْتِراطُ لَغْوًا.
وفي «التَّرغيب» : في الأبِ روايةٌ كذلك.
(1)
ينظر: المغني 7/ 225.
(2)
هكذا في النسخ الخطية، والذي في الشرح الكبير 21/ 142: فهل يرجع في الألف الذي قبضه الأب عليه.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1527.
(وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ)، صغيرةً كانَتْ أوْ كبيرةً، (بِدُونِ صَدَاقِ مِثْلِهَا، وَإِنْ كَرِهَتْ)؛ لأِنَّ عمرَ خَطَبَ النَّاسَ فقال: «لا تُغالُوا في صَداقِ النِّساء، فما أَصْدَقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أحدًا من نسائه ولا بَناتِه أكثرَ من اثنتَيْ عَشْرةَ أوقِيَّةً»
(1)
، وكان ذلك بمَحضَرٍ من الصَّحابة، ولم يُنكَرْ، فكان اتِّفاقًا منهم على أنَّ له أنْ يُزَوِّجَ بذلك، وإنْ كانَ دُونَ صَداقِ مِثْلِها، ولأِنَّه لَيسَ المقْصودُ من النِّكاح العِوَضَ، وإنَّما المقصودُ السَّكَنُ والاِزْدِواجُ، وَوَضْعُ المرأةِ في مَنصِبٍ عندَ مَنْ يَكفُلُها ويَصونُها، والظَّاهِرُ من الأب مع تمامِ شَفَقَتِه وحُسْنِ نَظَرِه أنَّه لا يَنقُصُها من الصَّداق إلاَّ لتحصيلِ المعانِي المقصودةِ، فلا يُمنَعُ منه، وعُقودُ المُعاوَضاتِ المقْصودُ منها العِوَضُ.
لا يُقالُ: كَيفَ يَملِكُ الأبُ تزويجَ الثيب
(2)
الكبيرةِ بِدُونِ صَداقِ مِثْلِها؛ لأِنَّ الأَشْهَرَ: أنَّه يُتصوَّرُ بأنْ تَأذَنَ
(3)
في أصْلِ النِّكاح دُونَ قَدْرِ المهرِ.
وقِيلَ: عليه تَتْميمُه؛ كبَيعه بعضَ مالها بِدُونِ ثَمَنِه لسُلْطانٍ يَظُنُّ به حِفْظَ الباقي، ذَكَرَه في «الاِنتصار» .
وقِيلَ: لثيبٍ
(4)
كبيرةٍ؛ لِصحَّة تصرُّفها، وفي «الرَّوضة»: إلاَّ أنْ تَرْضَى بِمَا وَقَعَ عليه العَقْدُ قَبلَ لُزومِه.
(وَإِنْ فَعَلَ غَيْرُهُ بِإِذْنِهَا)، وكانَتْ رَشيدةً؛ (صَحَّ)؛ لأِنَّ الحقَّ لها، فإذا رَضِيَتْ بإسْقاطِه سَقَطَ؛ كبَيعِ سِلْعَتِها، (وَلَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الاِعْتِرَاضُ)؛ لأِنَّ الحقَّ في ذلك تمحَّضَ لها دُونَ غَيرِها، بخِلافِ تزويجها بغَيرِ كُفُؤ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ بِغَيْرِ إِذْنِهَا؛ وَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّه قيمةُ بُضْعِها، ولَيسَ للوليِّ
(1)
تقدم تخريجه 7/ 606 حاشية (4).
(2)
في (ق): البنت.
(3)
في (ق): يأذن.
(4)
في (ق): لبنت.
نَقْصُها منه، والنِّكاحُ صحيحٌ، لا يُؤثِّرُ فيه فسادُ التَّسمية وعدمها.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَلْزَمَ الزَّوْجَ إِلاَّ الْمُسَمَّى)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّه ما الْتَزَم غَيرَه، وكمَنْ زوَّجَ بِدونِ ما عَيَّنَتْه له، (وَالْبَاقِي عَلَى الْوَلِيِّ)؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ؛ (كَالْوَكِيلِ فِي الْبَيْعِ).
وفي «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفروعِ»: تمامُ المَهْر على الزَّوج؛ لأِنَّ التَّسميةَ فاسِدةٌ، وَيَضْمَنُه الوليُّ؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ، كما لو باع مالَها بدونِ ثَمَنِ مِثْلِه.
ويَحتَمِلُ في تزويجِ الأبِ الثَّيِّبَ
(1)
الكبيرةَ: وُجوبُ التَّمام.
(وَإِنْ زَوَّجَ ابْنَهُ الصَّغِيرَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْر الْمِثْلِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ تصرُّف الأبِ مَلْحوظٌ فيه المصلحةُ، فكما يَصِحُّ أنْ يُزوِّجَ ابنتَه بِدُونِ مَهْرِ المثل للمصلحة؛ فكذا يَصِحُّ هنا؛ تحصيلاً لها، (وَلَزِمَ ذِمَّةَ الاِبْنِ)؛ لأِنَّ العَقْدَ له، فكان بَدَلُه عليه؛ كثَمَن المبِيع، ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: مع رضاهُ
(2)
.
(فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا؛ فَهَلْ يَضْمَنُهُ الْأَبُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)، وحَكاهُما في «المغْنِي» روايتَينِ:
أشْهَرُهما: لا يَضمَنُه؛ كثَمَنِ مَبِيعه، وقدَّمه في «الفروع» ، قالَ القاضي: وهذا أصحُّ.
والثَّانيةُ: يَضمَنُه الأبُ، نَصَّ عليه
(3)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كما لو نَطَقَ بالضَّمان، وللعُرْف.
وقِيلَ: يَضمَنُ الزِّيادةَ.
وفي «النَّوادر» : نَقَلَ صالِحٌ: كالنَّفقة؛ فلا شَيءَ على ابنٍ، كذا قال.
ونَقَلَ المرُّوذِيُّ: النَّفقةُ على الصَّغير من ماله، قُلْتُ: فإنْ كانَتْ صغيرةً لا
(1)
في (ق): البنت.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 214.
(3)
ينظر: مسائل صالح 3/ 128.
تُوطَأُ؟ قال: إنْ كان لها مالٌ؛ أنْفَقَ عليها منه، والنَّفقةُ تَجِب مع المنْع مِنْ قِبَلِه، لا مِنْ قِبَلِهم
(1)
.
فرعٌ: إذا طلَّق قبلَ الدُّخول؛ سَقَط نصفُ الصَّداق، فإنْ كان بعدَ دفع الأب الصَّداق؛ رجع نصفُه إلى الابن، ولَيس للأب الرُّجوعُ فيه في الأَشْهَر.
وكذا الحكم فيما لو قَضَى الصَّداقَ عن ابنه الكبيرِ، ثُمَّ طلَّق قبلَ الدُّخول، فإن ارتدَّتْ قبلَ الدُّخول؛ فالرُّجوعُ في جميعه؛ كالرُّجوع في نصفه بالطَّلاق.
(وَلِلْأَبِ قَبْضُ صَدَاقِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ)؛ أي: المحْجورِ عليها، (بِغَيْرِ إِذْنِهَا)؛ لأِنَّه يلي مالَها، فكان له قَبْضُه؛ كثَمَنِ مَبِيعِها، والسَّفيهةُ والمجنونةُ كذلك.
(وَلَا يَقْبِضُ صَدَاقَ الثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا)، إذا كانَتْ رشيدةً؛ لأِنَّها المتصرِّفةُ في مالِها، فاعتُبِر إذْنُها في قَبضِه؛ كثَمَن مَبِيعِها.
(وَفِي الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ) العاقِلةِ (رِوَايَتَانِ):
الأصحُّ: أنَّه لا يَقبِضُه إلاَّ بإذْنِها إذا كانَتْ رشيدةً؛ كالثَّيِّب.
والثَّانيةُ: بلى؛ لأِنَّه العادةُ، بدليلِ أنَّه يَملِكُ إجْبارَها على النِّكاح، أشْبَهت الصَّغيرَ، زاد في «المحرَّر»: ما لم تَمنَعْه، فعليها: يَبرَأُ الزَّوجُ بِقَبْضِه، ويَرجِعُ على أبيها بما بَقِيَ، لا بما أنْفَقَ.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 455.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ عَلَى صَدَاقٍ مُسَمًّى؛ صَحَّ)؛ لأِنَّ الحَجْرَ عليه لحقِّ سيِّده، فإذا أَسْقطَ حقَّه سَقَطَ بغَيرِ خِلافٍ
(1)
، وله نكاحُ أَمَةٍ
(2)
ولو أمْكَنَه حرَّةٌ، ويَملِكُ نكاحَ واحدةٍ إذا أطْلَقَ، نَصَّ عليه
(3)
، وفي تَناوُلِ النِّكاحِ الفاسِدِ احْتِمالانِ. (وَهَلْ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ، أَوْ ذِمَّةِ سَيِّدِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
الأصحُّ: أنَّه يتعلَّق بذمَّةِ سيِّده، نَقَلَه الجماعةُ
(4)
؛ لأِنَّه حقٌّ تعلَّقَ بالعبد برضَا السَّيِّد، فتعلَّق بذمَّته كالدَّين
(5)
، وكذا النَّفقةُ والكِسوةُ والمسكَنُ، نَصَّ عليه
(6)
.
والثَّانيةُ: يتعلَّق برَقَبته؛ لأِنَّه وَجَبَ بفِعْله، أشْبَهَ جنايتَه.
وعنه: يتعلَّق بهما.
وعنه: بذمَّتَيهما؛ بذمَّة العبد أصالةً، وذمَّة سيِّده ضَمانًا.
وعنه: بكَسْبه.
وفائدةُ الخِلاف: أنَّ مَنْ ألْزَمَ السَّيِّدَ المهرَ والنَّفقةَ أوْجَبَهُما عليه وإنْ لم يكن للعبد كسبٌ، ولَيسَ للمرأة الفَسْخُ؛ لعدم كَسْبِ العبد، وللسَّيِّد اسْتِخْدامُه ومَنْعُه من الاكتساب، ومَنْ علَّقه بكسبه؛ فللمرأة الفَسْخُ إن لم يكُنْ له كَسْبٌ،
(1)
ينظر: الشرح الكبير 21/ 151.
(2)
في (ظ): أمته.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 325.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 87.
(5)
في (ظ): كالابن.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 325.
ولَيسَ لسيِّده مَنْعه من التَّكسُّب.
وعلى الأوَّل: إنْ باعَه سيِّدُه أوْ أعْتَقَه؛ لم يَسقُطِ المهرُ عن السَّيِّد، نَصَّ عليه
(1)
، فأمَّا النَّفقةُ فإنَّها تتجدَّد، فتكونُ
(2)
في الزَّمن المستقبل على المشْتَرِي، وعلى العبد إذا أُعْتِقَ.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ)، نَقَلَه الجماعةُ
(3)
، وهو قَولُ عُثمانَ وابنِ عمرَ
(4)
؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما عبدٍ تزوَّجَ بغَيرِ إِذْنِ سيِّده فهو عاهِرٌ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمِذِيُّ وحسَّنه، وإسْنادُه جيِّدٌ، لكِنْ فيه عبدُ الله بنُ محمَّد بن عَقِيل، وفيه كلامٌ
(5)
، ورواهُ الخَلاَّلُ من حديثِ ابنِ عمرَ مرفوعًا، وأنْكَرَه أحمدُ، وروى أبو داودَ وابن ماجه عن ابن عمرَ مَوقُوفًا
(6)
، ولأِنَّه نكاحٌ فَقَدَ شَرْطَه؛ فكان باطلاً، كما لو تزوَّجَ بغَيرِ شُهودٍ.
(1)
ينظر: المغني 7/ 57.
(2)
في (ظ): فيكون.
(3)
ينظر: مسائل أبي داود ص 230، مسائل عبد الله ص 330، مسائل ابن منصور 4/ 1530.
(4)
أثر عثمان يأتي في كلام المصنف 7/ 633 حاشية (4)، وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (12981)، وسعيد بن منصور (789)، وابن أبي شيبة (16865)، وأحمد في مسائل حرب (1/ 282)، والبيهقي في الكبرى (13732)، عن نافع، عن ابن عمر؛ «أنه كان يرى نكاح العبد بغير إذن سيده زنى، وكان يعاقب الذين زوجوه» ، وفي لفظ:«أن ابن عمر وجد عبدًا له نكح بغير إذنه، ففرق بينهما، وأبطل صداقه، وضربه حدًّا» ، وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (18296)، بلفظ:«إذا تزوج العبد بغير إذن سيده فالطلاق بيد السيد، وإذا نكح بإذن سيده فالطلاق بيد العبد» ، وفيه العمري وهو ضعيف.
(5)
تقدّم تخريجه 7/ 342 حاشية (2).
(6)
أخرجه أبو داود (2079)، وابن ماجه (1959)، والدارمي (2280)، مرفوعًا بأسانيد واهية، قال أبو داود:(هذا الحديث ضعيف، وهو موقوف، وهو قولُ ابن عمر)، وقال الترمذيّ:(وروَى بعضهم هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يصحّ، والصّحيح عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر)، ولم نقف على رواية الخلال. ينظر: الإرواء 6/ 352.
ونَقَلَ حنبلٌ: هو كفضوليٍّ
(1)
، وقاله الأصحابُ؛ لأِنَّه
(2)
عَقْدٌ يَقِفُ على الفسخ، فَوَقَفَ على الإجازة؛ كالوصيَّة.
(فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) وَوَطِئَها؛ (وَجَبَ فِي رَقَبَتِهِ مَهْرُ الْمِثْلِ) في قَولِ أكثرِهم؛ كسائر الأنكحة الفاسدةِ، فعلى هذا: يُباعُ فيه، إلاَّ أنْ يَفْدِيَه السَّيِّدُ.
وقِيلَ: يتعلَّقُ بذِمَّةِ العبدِ.
والأوَّل أَظْهَرُ؛ لأِنَّ الوَطْءَ أُجْرِيَ مُجْرَى الجنايةِ المُوجِبةِ للضَّمان بغَيرِ إذْنِ الوليِّ.
(وَعَنْهُ: يَجِبُ خُمُسَا الْمُسَمَّى)، نَقَلَه الجماعةُ
(3)
، (اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ)، والقاضي وأصحابُه؛ لِمَا رَوَى خِلاس بن عمرو:«أنَّ غُلامًا لأِبي موسى تزوَّج بغيرِ إذْنه، فكَتَبَ في ذلك إلى عثمانَ، فكتب إليه: أنْ فرِّقْ بَينَهما، وخُذْ لها الخُمُسَينِ من صَداقها، وكان صداقُها خمسةَ أبْعِرةٍ» رواه أحمدُ
(4)
، ولأِنَّ المهرَ أحدُ مُوجِبَيِ الوطء، فجاز أنْ يُنقَصَ فيه العبدُ عن الحرِّ؛ كالحَدِّ.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: المهرُ يَجِبُ في نكاح العبد بخمسةِ أشْياءَ: عَقْدِ النِّكاح، وعَقْدِ الصَّداق، وإذْنِ السَّيِّد في النِّكاح، وإذْنِه في الصَّداق، والدُّخول،
(1)
ينظر: الفروع 8/ 326.
(2)
في (ظ): ولأنه.
(3)
ينظر: مسائل عبد الله ص 330، الروايتين والوجهين 2/ 88.
(4)
أخرجه أحمد في مسائل صالح (1/ 476)، وفي مسائل حرب (1/ 283)، عن قتادة، عن خلاس، وخِلاس بن عمرو لم يسمع من عثمان. وأخرجه عبد الرزاق (12984)، عن قتادة مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (13074)، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي أو عبد الله بن قيس. وأخرجه ابن أبي شيبة (16854)، عن داود، عن عبد الله بن قيس، بدون شك. وعبد الله بن قيس النخعي مجهول، لم يرو عنه غير داود. واحتج الإمام أحمد به وقال:(وأنا أذهب إليه).
فبطل ثلاثةٌ من قِبَلِ السَّيِّد، فبَقِيَ مِنْ قِبَلِه اثْنانِ، وهو: التَّسميةُ والدُّخول
(1)
.
وعنه: إن علِمَتْ أنَّه عبدٌ فلها خُمُسا المهر، وإلاَّ فلها المهرُ في رقبة العبد.
وقِيلَ: يجبُ خُمسا مهرِ المثل.
وعنه: المسمَّى، قدَّمه في «الرِّعاية» ، ونَقَلَ المرُّوذيُّ: تُعْطى
(2)
شيئًا، قلتُ: يذهَبُ إلى حديثِ عثمانَ؟ قال: أذهب أنْ تُعطى
(3)
شَيئًا
(4)
، قال أبو بكرٍ: هو القياسُ.
تنبيهٌ: السَّيِّدُ مُخيَّرٌ بَينَ أنْ يَفدِيَه بأقلِّ الأَمْرَينِ من قيمته أوْ مَهْرٍ واجِبٍ، كأرْشِ جنايته
(5)
، ونقل حنبلٌ: لا مَهْرَ
(6)
؛ لأِنَّه بمنزلة العاهِرِ، يُروَى عن ابن عمرَ
(7)
، وهو روايةٌ في «المحرَّر»: إنْ عَلِمَا التَّحريمَ، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: أوْ عَلِمَتْه هي.
(وَإِنْ زَوَّجَ السَّيِّدُ عَبْدَهُ أَمَتَهُ؛ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ) والقاضي؛ لأِنَّه لا يَجِبُ للسَّيِّد على عبْدِه مالٌ.
(وَقِيلَ: يَجِبُ وَيَسْقُطُ)، قدَّمه في «الكافي» ، و «المستوعب» ، و «الرِّعاية» ، وهو روايةٌ في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّ النِّكاحَ لا يَخلُو من مَهْرٍ، ثُمَّ يَسقُط لتعذُّر إثباته
(8)
.
(1)
ينظر: الإنصاف 21/ 161.
(2)
في (ظ): يعطي.
(3)
في (ظ): يعطي.
(4)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 114.
(5)
في (ق): جناية.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 326.
(7)
تقدم تخريجه قريبًا.
(8)
في (ظ): إتيانه.
وقال أبو الخَطَّاب: يَجِبُ المسمَّى، أوْ مَهْرُ المِثْل إنْ لم يكُنْ مسمًّى.
والمذْهَبُ: أنَّه يَجِبُ مهرُ المثل، ويُتْبَعُ به بعدَ عِتْقه، نَصَّ عليه في روايةِ سِنْدِيٍّ
(1)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
(وَإِنْ زَوَّجَ عَبْدَهُ حُرَّةً، ثُمَّ بَاعَهَا الْعَبْدَ بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ، تَحَوَّلَ صَدَاقُهَا أَوْ نِصْفُهُ - إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ - إِلَى ثَمَنِهِ)؛ لأِنَّ ذلك متعلِّقٌ
(2)
برقبة العبد، فَوجَبَ أنْ ينتقِل إلى بَدَلِه وهو الثَّمن.
وحاصِلُه: أنَّه إذا باعه لها بثَمَنٍ في ذمَّتها فعلى حكمِ مُقاصَصَة الدَّيْنَينِ، وإنْ تعلَّق برقبته تَحوَّلَ مهرُها إلى ثمنه، كشراء غريمٍ عبدًا مَدينًا، وإنْ تعلَّق بذمَّتَيهما؛ سقط المهر؛ لملكهما
(3)
العبدَ، والسَّيِّد تَبَعٌ له؛ لأِنَّه ضامِنُه، ويَبقَى الثَّمَنُ للسَّيِّد عليها.
وقِيلَ: لا يَسقُط؛ بناءً على مَنْ ثَبَتَ له دَينٌ على عبدٍ ثُمَّ مَلَكَه؛ ففي سقوطه وجْهانِ.
والنِّصفُ قبلَ الدُّخول كالجميع إنْ لم يَسقُط في روايةٍ، قال في «الشَّرح»: المذْهَبُ أنَّه لا يَسقُطُ بعدَ الدُّخول بحالٍ.
(وَإِنْ بَاعَهَا إِيَّاهُ بِالصَّدَاقِ؛ صَحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّ الصَّداقَ يَصلُحُ أنْ يكونَ ثمنًا لغير العبد، فكذا له.
وفي رجوعه قبلَ الدُّخول بنصفه أو جميعه؛ الرِّوايَتانِ، وبَطَل النِّكاحُ إِذنْ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلَا يَصِحَّ قَبْلَ الدُّخُولِ)، هذا روايةٌ؛ لأِنَّه يَلزَمُ مِنْ صحَّته فَسْخُ النِّكاح، ومن سقوط المهر بُطلانُ البيع؛ لأِنَّه عِوَضُه، ولا يَصِحُّ بغَيرِ عِوَضٍ.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 133.
(2)
في (ق): يتعلق.
(3)
في (ق): لملكها.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 328.
واخْتارَ وَلَدُ صاحِبِ «التَّرغيب»
(1)
: إنْ تعلَّق برَقَبَته أو ذمَّته، وسَقَطَ ما في الذِّمَّة بملكٍ طارِئٍ؛ بَرِئَتْ ذمَّةُ السَّيِّد، فيَلزَم الدَّورُ، فيكون في الصِّحَّة بعدَ الدُّخول الرِّوايَتانِ قبلَه، وإن جعله مهرَها بَطَلَ العَقْدُ، كمَنْ زوَّج ابنَه على رقبةِ مَنْ يَعتِقُ على الابن لو مَلَكَه؛ إذ نقدِّره له قبلها، بخلاف إصْداقِ الخَمْر؛ لأِنَّه لو ثبت لم يَنفَسِخْ، ذَكَرَه جماعةٌ.
(1)
هو: عبد الغني بن محمد بن الخضر ابن تيمية الحراني، خطيب حران، وابن خطيبها، قام مقام والده بعد وفاته، من مصنفاته: الزوائد على تفسير الوالد، إعداد القرب إلى ساكني القرب، توفي سنة: 639 هـ. ينظر: ذيل الطبقات 3/ 480.
(فَصْلٌ)
(وَتَمْلِكُ الْمَرْأَةُ الصَّدَاقَ الْمُسَمَّى بِالْعَقْدِ)، في قَولِ عامَّتهم
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «إنْ أعْطَيْتَها إزارَك؛ جَلَسْتَ ولا إزارَ لَكَ»
(2)
، فيَدُل على أنَّ الصَّداقَ كلَّه للمرأة، ولا يَبقَى للرَّجل فيه
(3)
شَيءٌ، ولأِنَّه عَقْدٌ يُملَكُ به العِوَضُ، فمُلِكَ به المُعوَّضُ
(4)
كامِلاً؛ كالبيع.
وعنه: تَملِكُ
(5)
نِصفَه، قال ابنُ عبدِ البَرِّ
(6)
: هذا مَوضِعٌ اخْتَلَف فيه السَّلفُ، وسقوط نصفه بالطَّلاق؛ لا يَمنَعُ وجوبَ جميعِه بالعقد، ألَا تَرَى أنَّها لو ارتدَّتْ سَقَطَ جميعُه وإنْ كانَتْ مَلَكَتْ نصفَه.
(فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا؛ كَالْعَبْدِ وَالدَّارِ، فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهِ)؛ لأِنَّه ملْكُها، فكان لها ذلك كسائرِ أمْلاكِها.
(وَنَمَاؤُهُ لَهَا، وَزَكَاتُهُ
(7)
، وَنَقْصُهُ، وَضَمَانُهُ عَلَيْهَا)، سَواءٌ قَبَضَتْه أوْ لم تَقْبِضْه، مُتَّصِلاً كان النَّماءُ أوْ مُنفَصِلاً، وعليها زَكاتُه إذا تَمَّ عليه الحَولُ، نَصَّ عليه
(8)
لأِنَّ ذلك كلَّه من توابِع
(9)
الملك، وإنْ تَلِفَ فهو من ضَمانها، ولو
(1)
كتب في هامش (ظ): (أي: تملك المرأة لجميع الصداق بنفس العقد، نص عليه في رجل تزوج امرأة على أمة، ثم أعتق الأمة؛ أن عتقه باطل؛ لأنها ملكتها بالعقد).
(2)
أخرجه البخاري (5030)، ومسلم (1425)، من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه.
(3)
في (ق): منه.
(4)
قوله: (فمُلِكَ به المُعوَّضُ) سقط من (ق).
(5)
في (ق): يملك.
(6)
ينظر: التمهيد 21/ 117.
(7)
قوله: (وزكاته) سقط من (ظ).
(8)
ينظر: مسائل عبد الله ص 156، مسائل ابن منصور 3/ 1153.
(9)
في (ق): موانع.
زكَّتْ ثُمَّ طُلِّقتْ قَبْلَ الدُّخول؛ كان ضَمانُ الزَّكاة عليها؛ لأِنَّها قد مَلَكَتْه، أشْبَهَ ما لو مَلَكَتْه بالبيع.
(إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَهَا قَبْضَهُ، فَيَكُونُ ضَمَانُهُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه غاصِبٌ أوْ بمنزلته، وإنْ زاد فالزِّيادةُ لها، وإنْ نَقَصَ فالنَّقصُ عليه، وهو بالخيار بَينَ أخْذِ نصفِه ناقِصًا وبَينَ أخْذِ نصفِ قيمته أكثرَ ما كانَتْ من يومِ العقد إلى يوم القَبْض؛ لأِنَّه إذا زاد بعدَ العقد فالزِّيادةُ لها، وإنْ نَقَصَ فالنَّقصُ عليه، إلاَّ أنْ تكونَ الزِّيادة لتغيُّر الأسعار.
(وَعَنْهُ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ: إِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَتْهُ فَهُوَ لَهَا، وَإِلاَّ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ)، هذه الرِّوايةُ نَقَلَها مُهَنَّى
(1)
، فعلى هذا:(لَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِهَا إِلاَّ بِقَبْضِهِ)؛ لأِنَّه غَيرُ مَقْبوضٍ، فلم يَضْمَنْه؛ قِياسًا على البَيع في روايةٍ.
وظاهِرُ هذا: أنَّه جَعَلَه قبلَ قبضه مِنْ ضَمانِ الزَّوج بكلِّ حالٍ، سَواءٌ كان مُعَيَّنًا أو لم يكُنْ.
وإنْ تَلِفَ قبلَ قَبْضه؛ ضَمِنَه الزَّوجُ بمِثْلِه إنْ كانَ له مِثْلٌ، وإلاَّ قِيمتَه يومَ العَقْد، ذَكَرَه القاضي، وقال أبو الخَطَّاب: يَضمَنُه بقيمته يوم التَّلَف.
(وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُعَيَّنٍ؛ كَقَفِيزٍ مِنْ صُبْرَةٍ، لَمْ يَدْخُلْ فِي ضَمَانِهَا، وَلَمْ يَمْلِكِ
(2)
التَّصَرُّفَ فِيهِ إِلاَّ بِقَبْضِهِ كَالْمَبِيعِ)، نقولُ: حُكمُ الصَّداق حُكمُ المبِيع في أنَّ ما كان مَكِيلاً أوْ مَوزُونًا لا يَجوزُ لها التَّصرُّفُ فيه إلاَّ بقَبْضِه، وما عَداهُ لا يَحتاجُ إلى قَبْضٍ.
وقال القاضي وأصحابُه: ما كان مُتعَيِّنًا فلها
(3)
التَّصرُّفُ فيه، وما لم يكن
(1)
ينظر: الهداية ص 409.
(2)
هكذا في النسخ الخطية، وصوابه:(تملك) كما في نسخ المقنع الخطية.
(3)
في (ق): فله.
مُتعَيِّنًا؛ كقَفيزٍ مِنْ صُبْرةٍ، ورَطْلِ زَيتٍ من دَنٍّ؛ لا يملكُ التَّصرُّفَ فيه حتَّى يَقبِضَه؛ كالمبيع.
وعنه: لا يَملِكُ
(1)
التَّصرُّفَ في شَيءٍ منه قبلَ قَبْضِه.
وقِيلَ: ما لا يَنقُص العَقْدُ بهلاكه؛ كالمهر، وعِوَضِ الخُلْع؛ يَجوزُ التَّصرُّفُ فيه قبلَ قَبْضِه؛ لأِنَّه بَدَلٌ لا يَنفَسِخُ للسَّبب الذي مُلِكَ فيه
(2)
بهلاكه كالوصيَّة، وقد نَصَّ أحمدُ على هِبَة المرأةِ زَوجَها صَداقَها قبلَ قَبْضها
(3)
، وهو نَوعُ تصرُّفٍ.
وقياسُ المذهب: أنَّ كلَّ ما جازَ التَّصرُّفُ فيه فهو مِنْ ضَمانها، وما لا يُتصرَّف فيه فهو من ضَمان الزَّوج، إلاَّ أنْ يَمنَعَها قبضَه، فيكون ضَمانُه عليه؛ كما نَصَّ على العبد إذا فُقِئتْ عَينُه، وحَيثُ قيل بِضَمانِه
(4)
عليه قبلَ القَبْض؛ إذا تَلِفَ؛ لم يَبطُل الصَّداقُ بتَلَفِه، ويَضمَنُه بمِثلِه أوْ قيمتِه.
(وَإِنْ قَبَضَتْ صَدَاقَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ بِنِصْفِهِ إِنْ كَانَ بَاقِيًا) بحالِه لم يتغيَّرْ، ولم يتعلَّق به حقُّ غَيرِه، بغَيرِ خِلافٍ
(5)
؛ لقوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ
…
(237)} الآيةَ [البَقَرَة: 237].
(وَيَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ حُكْمًا كَالْمِيرَاثِ)، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأِنَّ قَولَه تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البَقَرَة: 237] يَدُلُّ عليه؛ لأِنَّ التَّقْديرَ: فنصفُ ما فَرَضْتُم لكم أوْ لَهُنَّ، وذلك يَقتَضِي كَينُونةَ النِّصف له أوْ لها بمجرَّد الطَّلاق، ولأِنَّ
(1)
هكذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 231 والشرح (21/ 17): لا تملك التصرف فيه حتى تقبضه كالمبيع، وعنه: لا تملك.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (ظ).
(3)
ينظر: المغني 7/ 231.
(4)
في (ظ): فضمانه.
(5)
ينظر: المغني 7/ 227.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 337.
الطَّلاقَ سببٌ يُملَكُ
(1)
به بغَيرِ عِوضٍ، فلم يَفتَقِرْ إلى اختياره كالإرث.
فعلى هذا: ما يَحدُثُ من النَّماء يكون بَينَهما.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَدْخُلَ) في ملْكِه (حَتَّى يُطَالِبَ بِهِ وَيَخْتَارَ)؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يَملِكُ شَيئًا بغَير اختياره إلاَّ بالميراث، وكالشَّفيع، (فَمَا يَنْمِي قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ لَهَا)؛ لَأنَّه نَماءُ ملْكِها؛ لأِنَّ التَّقْديرَ: أنَّه لا يَملِكُ إلاَّ باخْتِياره، فهو قبلَ الاِخْتِيار على ملْكِ الزَّوجة.
وفي «التَّرغيب» : أصلهما اخْتِلافُ الرِّواية فِيمَنْ بيده عُقْدةُ النِّكاح.
وعلى المنصوص: لو طلَّقَها على أنَّ المهرَ كله لها؛ لم يَصِحَّ الشَّرْطُ
(2)
، وعلى الثَّاني؛ وَجْهانِ.
(فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ زَائِدًا
(3)
زِيَادَةً مُنْفَصِلَةً)؛ كالوَلَد والثَّمرة؛ (رَجَعَ فِي نِصْفِ الْأَصْلِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ قَبلَ الدُّخول يَقتَضِي الرُّجوعَ في نصفِ الصَّداق، وقد أمْكَنَ الرُّجوعُ فيه من غَيرِ ضَرَرٍ على أحَدٍ، فَوَجَبَ أنْ يَثبُتَ حُكمُه، (وَالزِّيَادَةُ لَهَا)؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِها.
وعنه: يَرجِعُ بنِصْفِهما.
(وَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً)؛ كالسِّمَن، وتَعلُّمِ صناعةٍ، وبهيمةٍ حَمَلَتْ؛ (فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ بَيْنَ دَفْعِ نِصْفِهِ زَائِدًا)، ويَلزَمه القَبولُ، (وَبَيْنَ دَفْعِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ)؛ لأِنَّها إن اخْتارَتْ دَفْعَ نصفِ الأصل زائدًا؛ كان لها ذلك؛ إسْقاطًا لِحقِّها من الزِّيادة، وإن اخْتَارتْ دَفْعَ نصفِ قِيمتِه؛ كان لها ذلك؛ لأِنَّه لا يَلزَمُها دَفْعُ نصفِ الأصل زائدًا؛ لاِشْتِماله على الزِّيادة التي لا يُمكِنُ فَصْلُها عنه، وحِينَئِذٍ تعيَّنَت القيمةُ كالإتْلاف.
(1)
في (ظ): تملك.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 338.
(3)
في (ظ): زاد.
ويتخرَّجُ: أنْ يَجِبَ دَفْعُه بزيادته؛ كالمنفصِلةِ وأَوْلَى.
وفي «التَّبصرة» : لها نَماؤه بتَعْيِينه.
وعنه: بقَبْضه
(1)
.
فعلى المذهب: له قِيمةُ نصفِه يَومَ الفُرقة على أدْنَى صفةٍ من وَقْت العقد إلى وَقْتِ قَبْضِه، وفي «الكافي»: أو التَّمْكينِ منه.
فإنْ قُلْنا: يَضمَنُ المتميِّزَ
(2)
بالعقد، اعْتُبِرتْ صفته
(3)
وَقْتَه.
وفي «التَّرغيب» : المهرُ المعيَّنُ قبلَ قَبْضِه؛ هل هو بيده أمانةٌ، أوْ مضمونٌ، فمُؤْنةُ دفْن العبدِ عليه؟ فيه رِوايَتانِ.
فرعٌ: إذا كانَتْ محجورًا عليها؛ لم يكُنْ له الرُّجوعُ إلاَّ في نصف القيمة.
(وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا) بغَيرِ جنايةٍ عليه
(4)
؛ (خُيِّرَ الزَّوْجُ بَيْنَ أَخْذِهِ)؛ أيْ: أخْذِ نصفِه، (نَاقِصًا)؛ لأِنَّه إذا اخْتارَ ذلك فقد رَضِيَ بإسْقاطِ حقِّه، (وَبَيْنَ نِصْفِ الْقِيمَةِ)؛ لأِنَّ قَبولَه ناقِصًا ضَرَرٌ عليه، وهو مَنفِيٌّ شَرْعًا.
فعلى الأوَّل: هل له أرْشُ النَّقْص كما هو مختار القاضي في «تعليقه» ؛ كالمبِيع المعِيبِ، أوْ لا أرْشَ كواجِدِ متاعِه عندَ المفْلِس، وهو اخْتِيارُ الأكْثَرينَ؟ فيه قَولانِ.
وتُعتَبَرُ القِيمةُ (وَقْتَ الْعَقْدِ)، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ والمؤلِّفُ وابنُ حَمْدانَ، وحرَّر المجْدُ ذلك فَجَعَلَه في المتميِّز إذا قلنا: على المذهب يَضمَنُه بالعقد، وعلى هذا يُحمَلُ قَولُهم؛ إذ الزِّيادةُ في غَيرِ المتميِّز صُورةٌ نادِرةٌ.
وفي «الشَّرح» : إذا كان ناقِصًا نَقْصًا مُتَمَيِّزًا كعَبدَينِ تَلِفَ أحدُهما؛ رَجَعَ بنصفِ الباقي ونصفِ قيمةِ التَّالِف، وإنْ لم يكُنْ متميِّزًا؛ كشابٍّ صار شَيخًا؛
(1)
في (ظ): يقبضه.
(2)
في (ظ): المهر.
(3)
في (ظ): صفة.
(4)
قوله: (بغير جناية عليه) سقط من (ق).
فنِصفُ
(1)
قيمته، أوْ نَسِيَ صِناعةً؛ فإنْ شاء رَجَع بنصف قيمته وقْتَ ما أصْدَقَها؛ لأِنَّ ضَمانَ النَّقص عليها، فلا يَلزَمُه أخْذُ نصفِه؛ لأِنَّه دُونَ حقِّه، وإنْ شاء رَجَعَ بنصفه ناقِصًا، فتُجْبَرُ المرأةُ على ذلك.
فرعٌ: إذا زاد مِنْ وَجْهٍ ونَقَصَ مِنْ وَجْهٍ؛ كعبدٍ صغيرٍ كَبِرَ، ومَصُوغٍ كَسَرَتْه وأعادَتْه صِناعةً
(2)
أخرى؛ فلِكلٍّ منهما الخِيارُ. وكذا حَمْلُ أَمَةٍ، وفي البهيمة زيادةٌ ما لم يَفْسُد اللَّحمُ، وزَرْعٌ وغَرْسٌ؛ نقصٌ للأرض.
(وَإِنْ كَانَ تَالِفًا، أَوْ مُسْتَحَقًّا بِدَيْنٍ أَوْ شُفْعَةٍ؛ فَلَهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ) إذا لم يكُنْ مِثْلِيًّا؛ لأِنَّه تعذَّر الرُّجوعُ في عَينِه، فَوَجَبَ الرُّجوعُ في نصفِ القِيمة كالإتْلاف، (وَقْتَ الْعَقْدِ)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ بعدَ ذلك تكون ملْكًا للزَّوجة؛ لكَونِها نَماءَ ملْكِها، فلا يَجوزُ تقويمُها بعدَ العَقْد؛ لكَونِه تقويمًا لملك الغَيرِ.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِثْلِيًّا؛ فَيَرْجِعُ بِنِصْفِ مِثْلِهِ)؛ لأِنَّ المِثْلِيَّ يُضمَنُ في الإتلاف بالمِثْل؛ لأِنَّه أقْرَبُ مُشابَهةً ومُماثَلةً لِحَقِّه.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مَا كَانَتْ مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ إِلَى يَوْمِ الْقَبْضِ)؛ لأِنَّه لو نَقَصَ في يده كان ضَمانُه عليه.
قال المؤلف
(3)
: هذا مَبنِيٌّ على أنَّ الصَّداقَ لا يَدخُلُ في ضَمانِ المرأة إلاَّ بقَبضِه وإنْ كان مُعَيَّنًا في رواية
(4)
، فعلى هذا: إنْ كانت القيمةُ وَقْتَ العقد أقلَّ؛ لم يَلزَمْها إلاَّ نصفُها؛ لأِنَّ الزِّيادةَ بعدَ العقد لها؛ لأِنَّه نَماءُ ملْكِها، أشْبَهت الزِّيادةَ بعدَ القبض، وإنْ كانت القيمةُ وقْتَ القبض أقلَّ؛ لم يَلزَمْها أكثرُ مِنْ نِصْفِها؛ لأِنَّ ما نَقَصَ من القيمة من ضَمانه لم يَلزَمْه غرامته
(5)
لها،
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 228، والشرح الكبير 21/ 178: فنقصت.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 341، والإنصاف 21/ 198: صياغة.
(3)
من هنا بدأت المقابلة على النسخة (م).
(4)
قوله: (في رواية) سقط من (م).
(5)
في (م): غين.
فكيف يجب
(1)
له عليها؟
قال صاحِبُ «النِّهاية» فيها: والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ المعيَّن
(2)
لا يَفتَقِرُ الملكُ فيه إلى قَبْضٍ ولا
(3)
يُضمَنُ باليد.
مَسائِلُ:
الأُولى: إذا خَرَجَ عن ملْكِها، ثُمَّ عاد إليها، ثُمَّ طلَّقها وهو في يدها، كان له الرجوع
(4)
في نصفه؛ لعدم المانِع منه، ولا يَلزَمُ إذ لو وَهَبَ لولده شَيئًا، فخَرَجَ عن ملْكه، ثُمَّ عاد حَيثُ لا يَملِكُ
(5)
الرُّجوعَ، وإنْ سلّم؛ فلأنَّ حقَّ الوَلَد سَقَطَ بخروجه عن ملْكه، بدليلِ أنَّه لا يطالِبُه ببدله بخِلافِ الزَّوج.
الثَّانيةُ: إذا تصرَّف تصرُّفًا لا يَنقُلُ الملْكَ؛ كوصيَّةٍ؛ لم يَمنَع الرُّجوع؛ كعاريةٍ، وكذا إذا دبَّرَتْه في ظاهر المذهب، ولا يُجبَرُ على الرُّجوع في نصفِه.
وإنْ قُلْنا: لا يُباعُ؛ لم يَجُزِ الرُّجوعُ.
فإنْ كان التَّصرُّفُ لازِمًا لا يَنقُلُ الملْكَ؛ كنكاحٍ وإِجارةٍ؛ خُيِّرَ بَينَ الرُّجوع في نصفه ناقِصًا وبَينَ نصفِ قيمتِه، فإنْ رَجَعَ في نصفِ المسْتَأْجَر؛ صَبَرَ حتَّى تَنفَسِخَ الإجارةُ.
الثَّالِثَةُ: إذا أصْدَقَها نخلاً فأطلعت
(6)
، أُبِّرَ أوْ لم تُؤَبَّرْ، ثُمَّ طلَّقَ قبلَ الدُّخول؛ فزيادةٌ مُتَّصِلةٌ، وفي «التَّرغيب» وَجْهانِ فيما أُبِّرَ.
الرَّابِعةُ: إذا
(7)
أصْدَقَها أرْضًا فزَرَعَتْها؛ فحُكمُها حُكمُ الشَّجر إذا أثْمَرَ
(1)
في (ظ): تجب.
(2)
في (م): المعتق.
(3)
في (م): فلا.
(4)
زيد في (م): في أصله.
(5)
في (ق): لا ملك.
(6)
في (م): وأطلعت.
(7)
في (م): إذ.
سَواءً، قاله القاضي.
وقال غيره
(1)
: يُفارِقُ الزَّرعُ الثمرة
(2)
في أنَّها إذا بَذَلَتْ نصفَ الأرض مع نصفِ الزَّرع؛ لم يَلزَمْه قَبولُه، فلو أصْدَقَها ثَوبًا فَصَبَغَتْه
(3)
، أوْ أرْضًا فبَنَتْها، فبَذَلَ قيمةَ زيادته ليملكه
(4)
؛ فله ذلك خِلافًا للقاضي.
الخامِسةُ: أصْدَقَها صَيدًا، ثُمَّ طلَّق وهو مُحرِمٌ، فإنْ لم يملكه
(5)
بإرْثٍ؛ فنصفُ قيمتِه، وإلاَّ فهل يُقدَّمُ حقُّ الله فيُرسِلَه، ويَغرمَ لها قيمةَ النِّصف؟ أمْ حقُّ الآدَمِيِّ فيُمْسِكَه
(6)
، ويبقى مِلك
(7)
المُحْرِمِ ضرورةً؟ أمْ هما سَواءٌ، فيُخيَّرانِ؟ فإنْ أرْسَلَه برضاها
(8)
؛ غَرِمَ لها، وإلاَّ بَقِيَ مُشتَرِكانِ
(9)
.
قال في «التَّرغيب» : مبنيٌّ
(10)
على حكمِ الصَّيد المملوكِ بَينَ مُحِلٍّ ومُحرِمٍ، وفيه أوْجُهٌ.
(وَإِنْ نَقَصَ الصَّدَاقُ فِي يَدِهَا بَعْدَ الطَّلَاقِ؛ فَهَلْ تَضْمَنُ نَقْصَهُ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)، أمَّا إذا مَنَعَتْه منه بعدَ طَلَبِه، وتَلِفَ؛ فعليها الضَّمانُ؛ لأِنَّها غاصِبٌ.
وإنْ تَلِفَ قبل
(11)
مطالبته فوجْهانِ، أصْلُهما: الزَّوجُ إذا تَلِفَ الصَّداقُ المعَيَّنُ في يده قبلَ مُطالَبَتِها به، وقياسُ المذهب: أنَّه لا ضَمانَ عليها؛ لأِنَّه
(1)
في (م): قال وغيره.
(2)
في (م): والثمرة.
(3)
في (ظ): فصبغه.
(4)
في (ظ): لتملكه.
(5)
في (م): لم يملكها.
(6)
قوله: (فيمسكه) سقط من (م).
(7)
في (م): ملكه.
(8)
في (ق): برضاهما.
(9)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 8/ 343: بقي مشتركًا.
(10)
في (م): مبني.
(11)
في (ظ): بعد.
دَخَلَ في يدها بغَيرِ فِعْلِها، ولا عُدوانَ من جِهَتِها، فلم تَضمَنْه؛ كالوديعة.
وإن اخْتَلَفا في المطالَبة؛ قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّها مُنكِرَةٌ.
والثَّاني: عَلَيها الضَّمانُ، أشْبَهَ المبيعَ إذا ارْتَفَعَ العَقْدُ بالفسخ.
وقيل: لا يُضمَنُ المتميِّزُ؛ كما لو تَلِفَ بآفةٍ سَماوِيَّةٍ.
(وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ: نَقَصَ قَبْلَ الطَّلَاقِ، وَقَالَتْ: بَعْدَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّه يَدَّعِي عليها ما يُوجِبُ الضَّمانَ، والقَولُ قَولُ المنكِرِ مع يَمِينها؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ ذمَّتها.
وفُهِمَ منه: أنَّ النَّقْصَ في الصَّداق في يد الزوجة
(1)
بعدَ الطَّلاق أنَّها لا تَضمَنُه؛ لأِنَّه إذا كان مضمونًا بعدَه كما يُضمَنُ قبلَه؛ فلا فائدةَ في الاختلاف.
تنبيهٌ: إذا فات النِّصفُ مُشاعًا؛ فله النِّصفُ الباقي
(2)
، وكذا مُعَيَّنًا من المنتصف، وفي «المغْنِي»: له نصفُ البقيَّة ونصفُ قيمةِ التَّالِف أوْ مِثلُه، وإنْ قَبَضَت المسمَّى في الذِّمَّة فكالمعين
(3)
، إلاَّ أنَّه لا يَرجِعُ بنمائه
(4)
مُطلَقًا، ويُعتَبَرُ في تقويمه صِفَتُه يَومَ قَبْضِه، وفي وُجوبِ ردِّه بعينه
(5)
وَجْهانِ.
(وَالزَّوْجُ: هُوَ الذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) في ظاهر المذهب؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو ابنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وَلِيُّ العُقْدة الزَّوْجُ» رواه الدَّارقُطْنِيُّ
(6)
،
(1)
في (م): الزوج.
(2)
في (م): الثاني.
(3)
في (م): فكالمعتق.
(4)
في (م): يتمامه.
(5)
في (م): بعيبه.
(6)
أخرجه الطبري في التفسير (4/ 331)، والطبراني في الأوسط (6359)، والدارقطني (3718)، والبيهقي في الكبرى (14454)، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف، قال البيهقي:(وهذا غير محفوظ، وابن لهيعة غير محتج به)، وضعفه ابن كثير وابن الملقن والألباني. ينظر: تفسير ابن كثير 1/ 643، البدر المنير 7/ 691، الإرواء 6/ 354.
عن ابنِ لهيعة
(1)
، ورواه أيضًا بإسنادٍ جيِّد عن عليٍّ
(2)
، ورواه
(3)
بإسنادٍ حَسَنٍ عن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، عن
(4)
ابنِ عبَّاسٍ
(5)
، ولأِنَّ الذي بيده عُقْدةُ النِّكاح بعدَ العَقْد هو الزَّوج؛ لقوله تعالى:{إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البَقَرَة: 237]، والعَفْوُ الذي هو أقْرَبَ للتَّقْوَى هو عَفْوُ الزَّوج عن حقِّه، أمَّا عَفْوُ الوليِّ عن مال المرأة؛ فلَيسَ هو أقْرَبَ للتَّقْوَى، ولأِنَّ المهرَ للزَّوجة، فلا يَملِكُ الوليُّ إسْقاطَه؛ كسائر الأوْلِياءِ، ولا يَمتَنِعُ العُدولُ عن خِطَاب الحاضِرِ إلى الغائب؛ لقوله تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ
(1)
في (م): أبي الهيعة.
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (4/ 324)، وابن أبي حاتم في التفسير (2360)، وحرب الكرماني في مسائله (2/ 608)، والدارقطني (3713)، والبيهقي في الكبرى (14445)، عن شريح: قال لي علي بن أبي طالب: «الذي بيده عقدة النكاح؟» قلت: ولي المرأة. قال: «لا بل هو الزوج» ، وإسناده صحيح.
(3)
قوله: (بإسناد جيد عن علي، ورواه) سقط من (ظ).
(4)
كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابه: وعن.
(5)
أثر جبير رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (3714)، والبيهقي في الكبرى (14448)، أن جبير بن مطعم تزوج امرأة، فطلقها قبل أن يدخل بها، فأرسل إليها بالصداق كاملاً، وقال:«أنا أحق بالعفو منها» ، وإسناده حسن. وأخرجه الشافعي في الأم (5/ 80)، والطبري في التفسير (4/ 325)، والدارقطني (3722)، عنه من وجه آخر، وفيه راو مجهول.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (16987)، والطبري في التفسير (4/ 324)، والبيهقي في الكبرى (14446)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن عمار بن أبي عمار عن ابن عباس قال:«الذي بيده عقدة النكاح: الزوج» ، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف، وقد أخرجه الطبري في التفسير (4/ 324)، والدارقطني (3720)، من طريق أخرى عن حماد، بدون ذكر علي بن زيد. وأكثر الرواة عن حماد على ذكر ابن جدعان. وأخرجه الطبري في التفسير (4/ 325)، والدارقطني (3721)، والبيهقي في الكبرى (14447)، من طريق أخرى، وفيها أبو هاشم الرفاعي وخُصيف، وهما ضعيفان.
فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ} [يُونس: 22].
وعَفْوُه: أنْ يَسوقَ إليها المهرَ كامِلاً؛ ولأِنَّ الصَّغيرَ لو رَجَعَ إليه صَداقُ زَوجَتِه أو نصفُه لاِنْفِساخِ النِّكاح برضاعٍ أوْ نحوِه؛ لم يكُنْ لوليِّه العَفْوُ عنه روايةً واحدةً، فكذا وليُّ الصَّغيرة.
(فَإِذَا طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ)؛ فإنَّه يَتنَصَّفُ المهرُ بَينَهُما، (فَأَيُّهُمَا عَفَا لِصَاحِبِهِ عَمَّا وَجَبَ لَهُ مِنَ الْمَهْرِ، وَهُوَ جَائِزُ الأمْرِ فِي مَالِهِ؛ بَرِئَ مِنْهُ صَاحِبُهُ)، أي
(1)
: سَواءٌ كان العافِي الزَّوجَ أو الزَّوجةَ إذا كان جائزَ التَّصرُّف في ماله.
فإنْ كان صغيرًا أوْ سفيهًا؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لَيسَ من أهل التَّصرُّف في ماله، ولا يَصِحُّ عَفْوُ الوليِّ عن الصَّداق، أبًا كان أوْ غَيرَه، صغيرةً كانَتْ أوْ كبيرةً، نَصَّ عليه
(2)
.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ الْأَبُ)، نَقَلَه ابنُ منصورٍ
(3)
، وقدَّمه ابنُ رَزِينٍ، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
، قال
(5)
: ومِثْلُه سيِّدُ الأَمَة، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ حَسَنٍ عن ابنِ عبَّاسٍ
(6)
، ولأِنَّ عُقْدةَ النِّكاح بعدَ الطَّلاق إلى الوليِّ؛ لأِنَّ الله تعالى خاطَبَ الأزواجَ بخِطابِ المواجهة
(7)
، ثُمَّ خاطَبَ الأوْلِياءَ فقال: {أَوْ يَعْفُوَ
(1)
قوله: (أي) سقط من (م).
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 124.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1680.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 26، الاختيارات ص 342.
(5)
في الفروع 8/ 345، والإنصاف 21/ 202:(قيل)، ولم نجده من قول شيخ الإسلام.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (10852)، وابن أبي شيبة (17002)، والدارقطني (3719)، والبيهقي في الكبرى (14456)، عن عكرمة مولى ابن عباس: كان ابن عباس يقول: «إن الله رضي بالعفو وأمر به، فإن عفت فذلك، وإن عفا وليها الذي بيده عقدة النكاح ورضيت جاز وإن أبت» ، وإسناده صحيح.
(7)
في (ق): المراجمة.
الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البَقَرَة: 237]، وهو خطابُ غَيبةٍ، ومَعْناهُ: أنَّه
(1)
يَعفُو للمطلَّقات عن أزواجهنِّ، فلا يُطالِبْنَهم بنصف المهر، وشَرْطُه أنْ يكونَ أبًا؛ لأِنَّه هو الذي يلي مالَها.
لكن قال أبو حفص: ما أرى ما نَقَلَه ابنُ منصورٍ إلاَّ قَولاً قديمًا، فظاهِرُه: أنَّ المسألةَ روايةٌ واحدةٌ، وأنَّ أبا عبد الله رَجَعَ عن قَوله بجواز عَفْوِ الأبَ، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّ مَذْهبَه أنَّه لا يجوزُ للأب إسْقاطُ ديون ولدِه الصَّغيرِ، ولا إعتاقِ عَبِيده، ولا تصرُّفه إلاَّ بما فيه مصلحتهم.
(فَلَهُ)؛ أيْ: للأب (أَنْ يَعْفُوَ عَنْ نِصْفِ مَهْرِ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ) والمجنونة؛ لأِنَّه يكون ولِيًّا على مالها، فإنَّ الكبيرةَ العاقِلةَ تلي مالَ نفسها.
وفي «المغني» و «الكافي» : بشَرْطِ البَكارة.
واختار
(2)
جَمْعٌ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الموجز»: وبِكْرٍ بالِغةٍ.
وفي «الترغيب» : أصْلُه هل يَنفَكُّ الحَجْرُ بالبلوغ؟
(إِذَا طُلِّقَتْ)؛ لأِنَّه قَبلَ الطَّلاق مُعرَّضة
(3)
لإتْلافِ البُضْع، (قَبْلَ الدُّخُولِ)؛ لأِنَّ ما بعدَه قد أتْلفَ البُضْعَ، فلا يَعْفُو عن بَدَلِ مُتْلَف، وسَواءٌ فيه عَفْوُه أوْ عَفْوُها.
ولم يُقيِّدْ في «عيون المسائل» بصِغَرٍ وكِبَر
(4)
وبَكارةٍ وثُيوبةٍ.
وذكر ابنُ عَقِيلٍ روايةً: الولي في حقِّ الصَّغيرة.
(1)
في (م): أن.
(2)
في (ظ): واختاره.
(3)
في (م): معترض. وفي (ظ): معترضة.
(4)
في (م) و (ق): بصغير وكبير.
وذَكَرَ ابنُ حَمْدانَ قَولاً: للأب العَفْوُ بعد
(1)
الدُّخول ما لم تَلِدْ أو تبقى
(2)
في بَيتِها
(3)
سنَةً؛ بِناءً على بقاء
(4)
الحَجْر عليها.
وقدَّم اعتبارَ كونه
(5)
دَينًا، فلا يَعفُو عن عَين، فيصِحُّ بلفظ الهبة.
(1)
في (م): قبل.
(2)
في (م) و (ق): يبقى.
(3)
في (ق): بيتهما.
(4)
في (م): إبقاء.
(5)
في (م): كونها.
(فَصْلٌ)
(إِذَا أَبْرَأَتِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ؛ رَجَعَ عَلَيْهَا بِنِصْفِهِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ قَبْلَ الدُّخول يَقَتَضِي الرُّجوعَ في نصف الصَّداق، وقد
(1)
وُجِد، ولا أثَرَ لكَونها أبْرَأَتْه أو وَهَبَتْه له؛ لأِنَّ ذلك حَصَلَ مُسْتأْنَفًا، فلم يَمنَع اسْتِحْقاقَ النِّصف، كما لو وَهَبَتْه لأِجنبِيٍّ، فَوَهَبَه الأجنبي
(2)
للزَّوج.
(وَعَنْهُ: لَا يَرْجِعُ
(3)
بِشَيْءٍ)؛ لأِنَّ نصفَ الصَّداق تَعجَّلَ
(4)
له بالهبة، ولأِنَّ عَقْدَ الهِبَة لا يَقتَضِي ضَمانًا.
وعَنْهُ: يَرجِعُ
(5)
مع الهبة دُونَ الإبراء، صحَّحه في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ الإبراءَ إسْقاطٌ لا تمليكٌ.
وفي «التَّرغيب» : أصْلُ الخلاف في الإبْراء: أيُّهما يَلزَمُه زكاتُه إذا مَضَى أحْوالٌ، وهو دَينٌ؟ فيه
(6)
روايتان.
وفي «المغْنِي» : هل هو إسْقاطٌ أوْ تمليكٌ؟
وإنْ وهبته
(7)
بعضَه، ثُمَّ تَنصَّفَ؛ رجع بنصفِ غيرِ الموْهوبِ، ونصفُ الموهوب اسْتَقَرَّ ملْكُها له، فلا ترجع
(8)
به،
(1)
في (م): وهو قد.
(2)
في (م): أجنبي.
(3)
في (ق): لا ترجع.
(4)
في (ظ): يعجل.
(5)
في (ق): ترجع.
(6)
في (م): منه.
(7)
قوله: (وإن وهبته) في (م): أو وهبه.
(8)
في (م): فلا يرجع.
ونصفه الذي لم يَستَقِرَّ ترجع
(1)
به على الأولى لا الثَّانية.
فرعٌ: إذا خالَعَتْه بنصفِ صداقها قبلَ الدُّخول؛ صحَّ، وكان الصَّداقُ كلُّه له، ويَحتَمِلُ: أنْ يصيرَ له ثلاثةَ أرباعه
(2)
.
فإنْ خالَعتْه بمثل جميعِ الصَّداق في ذمَّتها؛ صحَّ، ورَجَع عليها بنصفه.
فإنْ خالعَتْه بصداقها كلِّه، فكذا في وجْهٍ، وفي الآخَر: لا يَرجِعُ عليها بشَيءٍ.
مسألةٌ: باع عبدًا، ثمَّ أبْرأَه البائعُ من الثَّمن، أوْ قَبَضَه منه ثمَّ وهبه
(3)
إيَّاه، ثمَّ وَجَد المشْتَرِي بالعبد عَيبًا؛ فهل له ردُّ المبيع والمطالَبةُ بالثَّمَن، أو أخْذُ أرْشِ العَيب مع إمْساكِه؟ على رِوايَتَينِ بِناءً على الخلاف في الصَّداق.
وإنْ كانَتْ بحالها، فوَهَبَ المشْتَرِي العبدَ البائعَ، ثُمَّ أفْلَسَ المشْتَرِي وهو في ذمَّته؛ فللبائع أنْ يَضرِبَ بالثَّمَن مع الغُرَماء وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ الثَّمَنَ ما عاد إلى
(4)
البائع منه شَيءٌ.
فرعٌ: تبرَّع أجنبيٌّ بأداء المهر، ثُمَّ سَقَط أوْ تنصَّفَ؛ فالرَّاجع للزوج
(5)
، وقِيلَ: للأجنبيِّ.
ومِثلُه أداء ثَمَن، ثُمَّ يُفسَخُ بعَيبٍ، ورُجوعِ مُكاتَبٍ أُبْرِئَ من كتابته بالإيتاء
(6)
، واختار المؤلِّفُ فيه: لا رجوعَ.
(وَإِنِ ارْتَدَّتْ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِجَمِيعِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)،
(1)
في (م): يرجع.
(2)
قوله: (ثلاثة أرباعه) في (ق): ثلثه إن باعه.
(3)
في (م): أقبضه.
(4)
قوله: (وهو في ذمته
…
) إلى هنا في (م): العبد.
(5)
في (م): الزوج.
(6)
قوله: (بالإيتاء) سقط من (م).
مَأخَذُهما ما
(1)
سبق، والمذْهَبُ: أنَّه يَرجِعُ بجميعه.
(وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنَ الزَّوْجِ؛ كَطَلَاقِهِ وَخُلْعِهِ)، سَواءٌ سَأَلَتْه أوْ سَأَله أجنبيٌّ، (وَإِسْلَامِهِ، وَرِدَّتِهِ، أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ؛ كَالرَّضَاعِ وَنَحْوِهِ، قَبْلَ الدُّخُولِ؛ يَتَنَصَّفُ بِهَا الْمَهْرُ بَيْنَهُمَا)؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
…
(237)} الآية [البَقَرَة: 237]، ثبت في الطَّلاق، والباقي قَياسًا عليه؛ لأِنَّه في مَعْناهُ.
وعنه: إذا أسْلَم فلا مَهْرَ عليه.
والأوَّلُ المذْهَبُ، وإنَّما تنصف
(2)
المهرُ بالخُلْع؛ لأِنَّ المغلَّبَ فيه جانب
(3)
الزَّوج، بدليلِ أنَّه يَصِحُّ منها ومِن غَيرها، وهو خُلْعُه مع الأجنبيِّ، فصار كالمنفَرِد به.
وذكر ابنُ أبي موسى: أنَّ المخْتَلِعة لا مُتْعةَ
(4)
لها، وأنَّ المخالَعةَ في المرض لا تَرِثُ، وعلَّل: بأنَّ الفُرْقةَ حَصَلَتْ مِنْ جِهَتِها.
وفي «الرِّعاية» : وإنْ تَخالَعا، وقُلْنا: هو
(5)
فسخٌ، وقِيلَ: أوْ طلاقٌ؛ وجْهانِ.
وإن جَعَلَ لها الخِيارَ، فاخْتارَتْ نَفْسَها، أو وكَّلَها في الطَّلاق، فطلَّقَتْ نفسَها؛ فهو كطَلاقه؛ لأِنَّها نائبةٌ عنه.
وفي
(6)
روايةٍ: وإنْ علَّقه على فِعْلٍ منها؛ لم يَسقُط مَهرُها؛ لأِنَّ السَّببَ وُجِدَ منه.
(1)
قوله: (ما) سقط من (م).
(2)
في (م): ينصف.
(3)
في (م): حال.
(4)
في (ق): لا منعة.
(5)
قوله: (هو) سقط من (م).
(6)
في (ق): وفيه.
وإن طلَّق الحاكِمُ على الزَّوج في الإيلاء؛ فهو كطلاقه.
وأمَّا فُرْقةُ الأجنبيِّ؛ كالرّضاع ونحوِه، فإنَّه يَجِبُ نصفُ المهر؛ لأِنَّه لا جِنايةَ منها تُسقِطُ
(1)
مَهرَها، ويَرجِعُ الزَّوجُ بما لَزِمَه على الفاعل؛ لأِنَّه قرَّره عليه.
(وَكُلُّ فُرْقَةٍ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِهَا؛ كَإِسْلَامِهَا، وَرِدَّتِهَا، وَرَضَاعِهَا مَنْ يَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا، وَفَسْخِهَا لِعَيْبِهِ
(2)
، أَوْ إِعْسَارِهِ
(3)
، وَفَسْخِهِ لِعَيْبِهَا؛ يَسْقُطُ بِهِ مَهْرُهَا وَمُتْعَتُهَا)؛ لأِنَّها أتْلَفَت المعوَّض قَبْلَ تسليمه، فسقط
(4)
البَدَلُ كلُّه؛ كالبائع يُتلِفُ المبيعَ قَبْلَ تسليمه.
وكذا إنْ فَسَخَتْ لعِتْقِها تحتَ عبدٍ، أوْ لِفَواتِ شَرْطٍ.
وعنه: يَتنصَّفُ بفَسْخِها لشرطٍ، فيتوجَّه في فَسْخِها لعَيبه
(5)
الخِلافُ.
وفي «الرِّعاية» : إنْ فَسَخَتْ قبلَ الدُّخول؛ فرِوايَتانِ.
وإنْ كان لها مهرٌ مسمًّى؛ فهل يَتَنصَّفُ أوْ يَسقُطُ؟ على رِوايَتَينِ.
وذَكَرَ أبو بكرٍ: أنَّه إذا تزوَّجها بشرطِ أنْ لا يَتزوَّجَ عليها، أوْ لا يَتسرَّى، أوْ لا يُخرِجَها من دارها، فلم يَفِ لها، ففسخت
(6)
، ولم يكُنْ سمَّى لها مهرًا؛ فلها المتعةُ.
(وَفُرْقَةُ اللِّعَانِ تُخَرَّجُ
(7)
عَلَى رِوَايَتَيْنِ)؛ لأِنَّ النَّظرَ إلى كَونِ الفسخ عُقَيبَ
(1)
في (ق): ويسقط.
(2)
في (م): لغيبته.
(3)
في (م): إعسار.
(4)
في (ظ): يسقط.
(5)
في (ق): لغيبه.
(6)
في (م): فسخت.
(7)
في (م): يخرج.
لِعانِها، فهو كفَسْخها لعَيبه، أوْ إلى أنَّ
(1)
سبب اللِّعان القَذْفُ من الزَّوج؛ فهو كفَسْخِه كطلاقه
(2)
.
وقال القاضي: يُخرَّج على روايَتَينِ أصْلُهما: إذا لَاعَنَهَا في مرضِ مَوته هل تَرِثُه؟ على رِوايَتَينِ:
إحداهما: هو كطلاقه؛ لأِنَّ سببَ اللِّعان قَذْفُه الصَّادرُ منه، أشْبَهَ الخُلْعَ.
والثَّانيةُ: يسقط
(3)
به مَهْرُهَا؛ لأِنَّ الفَسْخَ عُقَيبَ لِعانِها هو كفَسْخها لعَيبه.
(وَفِي فُرْقَةِ بَيْعِ الزَّوْجَةِ مِنَ الزَّوْجِ، وَشِرَائِهَا له؛ وَجْهَانِ):
أحدُهما: يَتنصَّفُ المهرُ بشرائها زَوجَها؛ لَأنَّ البَيعَ الموجِبَ للفسخ تمَّ بالسَّيِّد وبالمرأة، أشْبَهَ الخُلْعَ.
والثَّاني: يَسقُطُ به
(4)
المهرُ؛ لأِنَّ الفَسْخَ وُجِدَ عُقَيبَ قَبولها، أشْبَهَ فَسْخَها لعَيبه.
وكذا إذا اشْتَرَى الزَّوجُ امْرأتَه.
وفي «المغني» : في شِرائها له روايتانِ، وفي شِرائه لها وَجْهانِ مُخرَّجانِ على الرِّوايَتَينِ، وقِيل: هما إنِ اشتراها من
(5)
مستحق مهرها، وإن اشترته؛ فروايتان.
(وَفُرْقَةُ الْمَوْتِ يَسْتَقِرُّ بِهَا
(6)
الْمَهْرُ كاملاً
(7)
كَالدُّخُولِ)، حرَّةً كانت أوْ
(1)
قوله: (أن) سقط من (م).
(2)
في (ق): بطلاقه. وفي (ظ): لطلاقه. والعبارة مأخوذة من الممتع 3/ 685، وليس فيها:(لطلاقه).
(3)
في (م): تسقط.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
قوله: (من) سقط من (ظ) و (م).
(6)
في (م): به.
(7)
في (م): كله.
أَمَةً؛ «لقضاء
(1)
النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنتِ وَاشِقٍ» رواهُ مَعْقِلُ بنُ سِنانٍ
(2)
؛ ولأِنَّه عَقْدٌ ينتهي
(3)
بمَوتِ أحدهما، فاستقرَّ به العِوَضُ؛ كانتهاء الإجارة.
(وَلَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا)، أوْ قَتَلَها غَيرُها؛ (لَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا كَامِلاً)؛ كالموت حَتْفَ أنْفِها؛ لأنها
(4)
فُرقَةٌ حصلتْ بانْقِضاء الأجل وانْتِهاء النِّكاح، فهو كموتها حَتْفَ أنْفِها، وفيه روايةٌ.
وفي «الوجيز» : يتقرَّر إنْ قَتَلَ نفْسَه أوْ قَتَلَه غَيرُهما، فظاهِرُه: لا يتقرَّرُ إنْ قَتَلَ أحدُهما الآخَرَ، قال في «الفروع»: وهو متجه
(5)
إنْ قتلته
(6)
.
(1)
في (م): لقاء.
(2)
حديث صحيح سيأتي تخريجه 7/ 663 حاشية (11).
(3)
في (ق): بينهن.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (م): يتجه.
(6)
في (م): قتله.
(فَصْلٌ)
(وَإذَا
(1)
اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ)، أَوْ وَرَثَتُهما، (فِي قَدْرِ الصَّدَاقِ)، ولا بيِّنةَ على
(2)
مَبلَغِه؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّه مُنكِرٌ للزِّيادة، (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه مدَّعًى عليه، فيَدخُلُ في قَوله عليه السلام:«ولكنَّ اليمينَ على المدَّعَى عليه»
(3)
.
(وَعَنْهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي مَهْرَ الْمِثْلِ مِنْهُمَا)، نَصَرَه القاضي وأصحابُه، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُ مَنْ يدَّعيهِ، فيُقدَّم قَولُه، أشْبَهَ المنكِرَ في سائر الدَّعاوَى.
فلو ادَّعت المرأةُ مهرَ المِثْل، أو أقلَّ منه؛ قُبِل قَولُها، وإن ادَّعَى الزَّوجُ مهرَ المثل أو أكثرَ منه؛ قُبِل قَولُه؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ صِدْقُ المدَّعِي.
ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ هذا الاختلافُ قَبْلَ الدُّخول أوْ بعدَه، قَبْلَ الطَّلاق أوْ بعدَه.
وعنه ثالثةٌ: يَتَحالَفانِ، ذكرها
(4)
في «المبهج»
(5)
، فإنْ حَلَفَ أحدُهما ونَكَلَ الآخَرُ؛ ثَبَتَ ما قاله الآخَرُ، وإنْ حلفا
(6)
؛ وَجَبَ مهرُ المِثْل.
والأصحُّ: لا تَحالُفَ؛ لأِنَّه عَقْدٌ لا يَنفَسِخُ بالتَّحالُف، فَلَمْ يُشرَع
(7)
فيه؛ كالعَفْوِ عن دمِ العَمْد.
(1)
في (م): إذا.
(2)
في (م): في.
(3)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).
(4)
في (م): ذكرهما.
(5)
في (م): «المنهج» .
(6)
في (م): اختلفا.
(7)
في (م): فلم يشر.
(فَإِنِ ادَّعَى أَقَلَّ مِنْهُ، وَادَّعَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ؛ رُدَّ إِلَيْهِ)؛ أيْ: إلى مهرِ المِثْل؛ لأِنَّ ذلك فائدةُ قَبولِ قَولِ مَنْ يَدَّعِيهِ، (بِلَا
(1)
يَمِينٍ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لأِنَّها دَعْوَى في نكاحٍ، أشبهت
(2)
الدَّعْوى في أصل النِّكاح، (فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا)، سَواءٌ وافَقَ قَولَ الزَّوج أوْ قَولَها.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تَجِبُ الْيَمِينُ)؛ لأِنَّه اخْتِلافٌ فيما يَجوزُ بَدَلُه
(3)
، فوجب أنْ تجب
(4)
فيه اليمينُ؛ كسائر الدَّعاوى في الأموال.
وفي «المغْنِي» : إذا ادَّعَى أقلَّ من مهر المثل، وادَّعَتْ أكثرَ منه؛ رُدَّ إلى مَهْرِ المثل، ولم يَذكُرْ أصحابُنا يمينًا، والأَوْلَى: أن
(5)
يتحالَفا، فإنَّ ما يَقولُه كلُّ واحِدٍ منهما مَحتَمِلٌ للصِّحَّة، فلا يُعدَلُ عنه إلاَّ بيمينٍ؛ كالمنكِرِ في سائر الدعاوى
(6)
؛ ولأِنَّهما مُتَساوِيانِ في عَدَمِ الظُّهور، فشُرِعَ التَّحالُفُ كاخْتِلاف المتبايِعَينِ.
وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه نفى أنْ يكونَ الأصحابُ ذَكَرُوا يمينًا، والحالُ أنَّه ذَكَرَه عن القاضِي نفيًا، وعن أبي الخَطَّاب إثْباتًا.
وقَولُه: (فشُرِع التحالف
(7)
يَقتَضِي أنَّه ليس بواجبٍ، وليس كذلك.
فيقول
(8)
هو: ما أصدقْتُها
(9)
كذا،
(1)
في (م): فلا.
(2)
في (م): أشبهته.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وهي موافقة لما في الممتع 3/ 688، والذي في المغني 7/ 234 والشرح الكبير 21/ 234: بذله.
(4)
في (م): يجب.
(5)
قوله: (أن) سقط من (م).
(6)
في (م): الدعوى.
(7)
قوله: (التحالف) سقط من (م).
(8)
في (م): فنقول.
(9)
في (م): ما أصدقها.
وإنَّما أصدقتُها
(1)
كذا، وتقول هي
(2)
: ما أصدقني كذا، وإنَّما أصدقني كذا، كاخْتِلافِ المتبايِعَينِ.
(فَإِنْ
(3)
قَالَ: تَزَوَّجْتُكِ عَلَى هَذَا الْعَبْدِ، قَالَتْ: بَلْ عَلَى هَذِهِ الْأَمَةِ؛ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ أيْ: إذا اخْتَلَفا في عَينه أوْ صِفَته، فإنْ كان
(4)
قيمةُ العبد مهرَ المِثْل أوْ أكثرَ منه، وقيمةُ الأَمَة دُونَ ذلك؛ حَلَفَ الزَّوجُ، ولها قيمةُ العبد، وإنْ كان قيمةُ الأَمَة مهرَ المثل أوْ أقلَّ، وقيمةُ العبد دُونَ ذلك؛ فالقَولُ قَولُها مع يمينها.
وهل تَجِبُ الأَمَة أوْ قيمتُها؟ فيه وجْهانِ:
أحدهما
(5)
: تَجِبُ
(6)
عَينُ الأَمَة؛ لأِنَّه يُقبَلُ قَولُها في القَدْر، فكذا في العَينِ.
والثَّاني: تجب
(7)
لها قيمتُها؛ لأِنَّ قَولَها إنَّما وافَقَ الظَّاهِرَ في القَدْر لا في العَينِ.
وفي «فتاوى المؤلِّف» : إنْ عيَّنَتْ أمَّها وعَيَّنَ أباها؛ فينبغي أن
(8)
يَعتِقَ أبوها؛ لأِنَّه مُقِرٌّ بملكها له، وإعتاقِه عليها، ثُمَّ يَتحالَفانِ، ولها الأقلُّ من قيمة أمِّها أو مهرِ مِثْلِها. وفي «الواضح»: يتحالفان
(9)
كبيعٍ، ولها الأقلُّ ممَّا ادَّعَتْه أوْ مهرِ مِثْلِها.
(1)
في (م): أصدقها.
(2)
في (م): هو.
(3)
في (م): وإن.
(4)
قوله: (كان) سقط من (م).
(5)
قوله: (أحدهما) سقط من (م).
(6)
في (ق): يجب.
(7)
في (ق) و (م): يجب.
(8)
قوله: (أن) سقط من (م).
(9)
قوله: (ولها الأقل من قيمة أمها أو مهر مثلها، وفي «الواضح»: يتحالفان) سقط من (م).
وفي «التَّرغيب» : يُقبَلُ قَولُ مُدَّعٍ جنسَ مهرِ المثل في أشْهَرِ الرِّوايتَينِ، والثَّانيةُ: قيمة
(1)
ما يَدَّعيهِ هو.
فرعٌ: اخْتَلَفَ الزَّوجُ وأبو الصَّغيرة أو المجنونة؛ قام الأبُ مَقامَها في اليمين؛ لأِنَّه يَحلِفُ على فِعْلِ نفسه كالوكيل، ذَكَرَه في
(2)
«الكافي» و «الشَّرح» .
وفي «الواضح» : تُوقَفُ اليمينُ إلى حينِ بلوغها، ويَجِبُ على الزَّوج دَفْعُ ما أقرَّ به.
وعلى الأوَّل: إنْ لم يَحلِفْ حتَّى بلغت الصَّغيرةُ وعَقَلَت المجنونةُ؛ فاليمينُ عليهما
(3)
؛ لأِنَّه إنَّما حَلَفَ لتعذُّرِ اليمينِ منهما، فإذا أمْكَنَ لزمهما
(4)
؛ كالوصيِّ إذا بَلَغَ الطِّفلُ.
فأمَّا أبو البِكْر البالِغةِ العاقلة
(5)
فلا تُسمَعُ مخالفة
(6)
الأب؛ لأِنَّ قَولَها مقبولٌ، والحقُّ لها، وأمَّا سائرُ الأولياء فلَيسَ لهم أنْ يُزَوِّجوا بدونِ مهرِ المثل، فإنْ فَعَلُوا؛ ثبت لها مهرُ المثل بغيرِ يمينٍ، فإن ادَّعَى أنَّه زوَّجها بأكثرَ من مهرِ مِثْلِها؛ فاليمينُ على الزَّوج؛ لأِنَّ قَولَه مقبولٌ في قَدْرِ مهر
(7)
المثل.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الْمَهْرِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا) مع يمينها؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُه.
(1)
في (م): وفي الثانية: فقيمة.
(2)
قوله: (في) سقط من (م).
(3)
في (م): عليها.
(4)
في (م): لزمها.
(5)
قوله: (العاقلة) سقطت من (م).
(6)
في (ظ) و (م): المهر.
(7)
في (م): وعلى نية.
وذَكَرَ ابنُ الزَّاغُونيِّ روايةً: أنَّه يُقبَلُ قَولُ الزَّوج مع يمينه بِناءً على: كان له عليَّ وقَضَيتُه.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمَهْرُ)؛ من المسيس والخلوة؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، والأصلُ عَدَمُه.
(وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى صَدَاقَيْنِ؛ سِرًّا وَعَلَانِيَةً
(1)
؛ أُخِذَ بِالْعَلَانِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَدِ [(2490)] انْعَقَدَ بِالسِّرِّ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، ونَصَّ عليه أحمدُ
(2)
؛ لأِنَّ الزَّوجَ وُجِدَ منه بَذْلُ الزَّائد على مهر السِّرِّ، فلَزِمَه؛ كما لو زادها في صَداقها، ومقتضى
(3)
ذلك: أنَّه يُؤاخَذُ بأزيدهما
(4)
، وقدَّمه في «الفروع» .
(وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ تَصَادَقَا عَلَى السِّرِّ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ)؛ أي: الواجْبُ المهرُ الذي انعقَدَ به النِّكاحُ، سِرًّا كان أوْ عَلانيةً؛ لأِنَّه هو الَّذي ثَبَتَ به النكاح
(5)
، والعلانيةُ لَيسَ بعقدٍ حقيقةً، إنَّما هو
(6)
عَقْدٌ صورةً، والزِّيادةُ فيه غَيرُ مقصودةٍ، وحَمَلَ كلامَ أحمدَ والخِرَقيِّ: على أنَّ المرأةَ لم
(7)
تُقِرَّ بنكاحِ السِّرِّ، وإذًا
(8)
القَولُ قَولُها؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُ نكاح السِّرِّ.
فلو اتَّفَقا على أنَّ المهرَ ألْفٌ، وأنَّهما عَقَدَا بألْفَينِ تَجَمُّلاً؛ فالمهرُ ألفان
(9)
؛
(1)
قوله: (قد) سقط من (ظ) و (ق).
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1717.
(3)
في (م): ويقتضي.
(4)
في (م): مؤاخذ بأزيديهما. وفي (ق): يؤاخذ بما زيد بهما.
(5)
قوله: (به النكاح) سقط من (م).
(6)
قوله: (هو) سقط من (م).
(7)
في (ح): لا.
(8)
في (م): وإن.
(9)
في (م): ألفًا.
أي: ما
(1)
عُقِدَ به في الأصحِّ، كعَقْده هَزْلاً وتلجئةً
(2)
، نَصَّ عليه
(3)
.
ولا فَرْقَ فيما ذَكَرْنا بَينَ أنْ يكونَ السِّرُّ مِنْ جنسِ العَلانيةِ أو يكونا مِنْ جنسَينِ، وذَكَرَ الحُلْوانيُّ في بَيعٍ مِثْلَه.
(وَإِنْ قَالُ: هُوَ عَقْدٌ وَاحِدٌ، أَسْرَرْتُهُ ثُمَّ أَظْهَرْتُهُ، وَقَالَتْ: بَلْ هُوَ عَقْدَانِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا)؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّ الثَّانيَ عقدٌ صَحِيحٌ يُفِيدُ حُكْمًا كالأوَّل، ولها المهْرانِ.
وإنْ أصرَّ على الإنكار؛ سُئِلَت المرأةُ، فإن ادَّعَتْ أنَّه دَخَلَ بها، ثُمَّ طلَّقها، ثُمَّ نَكَحَها؛ حَلَفَتْ، واسْتَحَقَّت، وإنْ أقَرَّتْ بما يُسقِطُ جميعَه أوْ نصفَه؛ لزِمها ما أقرَّت به.
فرعٌ: تُلحَقُ الزِّيادةُ بَعْدَ العقد بالمهر على الأصحِّ فيما يُقرِّره ويُنصِّفُه، وتُملَكُ الزِّيادةُ مِنْ حِينِها، نقله مُهَنَّى في أَمَةٍ عَتَقَتْ فزِيدَ مَهرُها
(4)
، وجَعَلَها القاضي لِمَنْ الأصلُ له.
فأمَّا هديَّتُه؛ فلَيست من المهر، نَصَّ عليه
(5)
.
فإنْ كانَتْ قَبْلَ العقد، وقد وُعِد به، فزوَّجوا غَيرَه؛ رَجَعَ، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال: ما قُبِضَ بسببِ نكاحٍ؛ فكَمَهْرٍ، وقال فِيما كُتِبَ فيه المهرُ: لا يَخرُج منها بطلاقها إذا كان منه
(6)
.
(1)
في (ح): بما.
(2)
في (م): وتلحقه.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 324.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 325.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4758.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 325.
(فَصْلٌ فِي المُفَوّضَةِ)
يَجوزُ فيه فَتْحُ الواو وكَسْرُها.
(وَالتَّفْوِيضُ) مَعْناهُ: الإهْمالُ، كأنَّها أهْمَلَت المهرَ حَيثُ لم تُسَمِّه
(1)
، قال الشَّاعرُ
(2)
:
لا يَصْلُحُ النَّاسُ فَوضَى لا سَراةَ لَهُمْ
…
ولا سَراةَ إذا جُهَّالهم سَادُوا
(3)
(عَلَى
(4)
ضَرْبَيْنِ):
(تَفْوِيضُ الْبُضْعِ)، وهو الذي يَنصرِفُ إطْلاقُ التَّفويض إليه، (وَهُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ ابْنَتَهُ الْبِكْرَ، أَوْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ لِوَلِيِّهَا فِي تَزْوِيجِهَا بِلَا
(5)
مَهْرٍ)، أو مطلَقًا، قاله في «الرِّعاية» ، فَعُلِم منه: أنَّ النِّكاحَ صحيحٌ من غَيرِ تَسْميةِ صداقٍ في قَولِ عامَّتهم؛ لقوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} [البَقَرَة: 236]، ولقَولِ ابنِ مسعودٍ وسيأتِي، ولأِنَّ القَصْدَ من النِّكاح الوُصْلةُ والاِسْتِمْتاع، دُونَ الصَّداقِ، فصحَّ مِنْ غير
(6)
ذِكْرِه كالنَّفقة، وسَواءٌ شَرَطَا نَفْيَ المهر أو
(7)
تَرَكَا ذِكْرَه، فلو قال: زوَّجْتُك بغَيرِ مهرٍ في الحال، ولا في الثَّاني؛ صحَّ.
(1)
في (ظ) و (م): لم يسمه.
(2)
هو الأفوه الأودي. ينظر: العقد الفريد 1/ 11.
(3)
قوله: (ولا سراة إذا جهالهم سادوا) ذكر في (م) بعد قوله: (إطلاق التفويض).
(4)
في (م): والتفويض على.
(5)
في (م): بغير.
(6)
في (م): غيره.
(7)
في (ح): أم.
(وَتَفْوِيضُ الْمَهْرِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
(1)
عَلَى مَا شَاءَتْ
(2)
، أَوْ شَاءَ أَجْنَبِيٌّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ
(3)
؛ لأِنَّها لم تُزوِّجْ نفسَها إلاَّ بصداقٍ، وهو مجهولٌ، فَسَقَطَ لِجَهَالَتِه، (وَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَيَجِبُ
(4)
مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ)؛ لقَولِ ابنِ مسعودٍ، وقد سئل
(5)
عن امرأةٍ تزوَّجتْ برجلٍ لم يَفرِضْ لها صَداقًا، ولم يَدخُلْ بها حتَّى ماتَ، فقال ابنُ مَسْعودٍ:«لها صَداقُ نِسائها، لا وَكْسَ ولا شَطَطَ، وعَلَيها العِدَّةُ، ولها المِيراثُ» ، فقام
(6)
مَعْقِلُ بنُ سِنانٍ فقال
(7)
: «قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ امرأةٍ مِنَّا
(8)
بمِثْلَ ما قَضَيتَ بِهِ
(9)
»، فَفَرِحَ بها ابنُ مسعودٍ، رواه الخمسةُ، وصححه
(10)
التِّرمِذِيُّ ولفظُه له
(11)
، ولأِنَّها تَملِك المطالَبةَ به، فكان واجبًا كالمسمَّى؛ ولأِنَّه لو لم يَجِبْ بالعَقد لَمَا اسْتَقَرَّ
(1)
في (م): يزوجها.
(2)
في (م): شاء.
(3)
في (م): ونحوه.
(4)
في (ظ): يجب.
(5)
في (م): سئلت.
(6)
في (م): فقال.
(7)
قوله: (فقال) سقط من (م).
(8)
في (م): وهنا.
(9)
قوله: (به) سقط من (م).
(10)
في (م): صححه.
(11)
أخرجه أحمد (4276)، وأبو داود (2116)، والترمذي (1145)، والنسائي (3354)، وابن ماجه (1891)، وابن حبان (4100)، والحاكم (2737)، من طرق عن علقمة وغيره عن ابن مسعود رضي الله عنه، وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم والبيهقي وابن عبد البر والذهبي والألباني. قال ابن حجر:(صححه ابن مهدي والترمذي، وقال ابن حزم: لا مغمز فيه؛ لصحة إسناده). ينظر: السنن الكبرى 7/ 399، نصب الراية 3/ 201، الإرواء 6/ 358.
بالموت، كالعقدِ الفاسِدِ، وإنَّما لم
(1)
يَتَنَصَّفْ؛ لأِنَّ الله تعالى نقل
(2)
غيرَ المسمَّى لها بالطَّلاق إلى المتعة.
فعلى هذا: لو فوَّض
(3)
الرَّجلُ مَهْرَ أَمَتِه، ثُمَّ أعْتَقَها أو
(4)
باعها، ثُمَّ فُرِضَ لها؛ كان لِمعتِقها أوْ بائعها، وإن طُلِّقت
(5)
عندَ المشترِي فالمتعةُ لها.
(وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِفَرْضِهِ) قَبْلَ الدُّخول، فإن امْتَنَعَ أجْبِر عليه؛ لأِنَّ النِّكاحَ لا يَخْلُو من المهر، فَوَجَبَ لها المطالَبةُ ببيانِ قدره، لا نعلم
(6)
فيه خِلافًا
(7)
؛ إذ القَولُ بعدَمِ وجوبِه بالعقد يُفْضِي إلى خُلُوِّه منه، مع أنَّه يَقَعُ صحيحًا.
قال جماعةٌ: ولها المطالَبةُ بمهر المثل، وقِيلَ: لا؛ لأِنَّه لم يَستقِرَّ.
ويَصِحُّ إبراؤها منه قبلَ فَرْضِه، وعَنه: لا؛ لجهالته.
وإنْ وُقِفَ وُجوبُه على الدُّخول؛ فكالعفو عمَّا انْعَقدَ سببُ وجوبِه.
(فَإِنِ) امتَنَع مِنْ بيانِ قَدْره؛ (فَرَضَهُ
(8)
الْحَاكِمُ)؛ لأِنَّه مُعَدٌّ لذلك، فدلَّ على أنَّه لو فرَضَه أجنبيٌّ لها؛ لم يَصِحَّ وإنْ رَضِيَتْه، وفيه وجهٌ بالصِّحَّة.
فإنْ سَلَّم إلَيها ما فرض
(9)
لها فَرَضِيَتْهُ
(10)
؛ فهل يَصِحُّ؟ فيه احْتِمالان، فإنْ قُلْنا يَصِحُّ فطُلِّقتْ قبلَ الدُّخول؛ رَجَعَ نصفُه إلى الزَّوج.
(1)
قوله: (لم) سقط من (م).
(2)
في (م): يقدر.
(3)
في (ظ) و (م): فرض.
(4)
في (م): ثم.
(5)
في (م): طلبت.
(6)
قوله: (لا نعلم) في (م): العلم.
(7)
ينظر: المغني 7/ 243.
(8)
في (م): قدر وفرضه.
(9)
في (م): قرض.
(10)
في (م): فرضه.
و (لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِمِقْدَارِهِ)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ مَيلٌ
(1)
عليه، والنَّقصان مَيلٌ
(2)
عليها، والعَدْلُ المِثْلُ
(3)
؛ ولأِنَّه إنَّما يُفرَضُ بَدَلُ البُضْع، فَوَجَبَ أنْ يَتقدَّرَ به؛ كالسِّلعة إذا تَلِفَتْ، وحِينَئِذٍ: يَلزَمُها فَرْضُه؛ كحكمه
(4)
، فدلَّ على
(5)
أنَّ ثبوتَ سبب المطالَبة كتقديره أجرة
(6)
المثل والنَّفقة ونحوه حُكْمٌ، فلا يُغَيِّرُه حاكِمٌ آخَرُ ما لم يتغيَّر السَّبب، كيُسْرِه في النَّفقة أو عُسْره.
(وَإِنْ تَرَاضَيَا عَلَى فَرْضِهِ؛ جَازَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ قَلِيلٍ
(7)
وَكَثِيرٍ)، سواء
(8)
كانا عالِمَينِ بمَهْرِ المِثْلِ أوْ لا؛ لأِنَّ الحقَّ لهما لا يَعدُوهُما؛ لأِنَّه إذا فَرَضَ لها
(9)
كثَيرًا؛ فقد بَذَلَ لها من ماله فَوقَ ما يَلزَمُه، وإن
(10)
رَضِيَتْ باليسير؛ فقد رَضِيَتْ بدونِ ما يَجِبُ لها، ويصير ما فرضاه
(11)
كالمسمَّى في العَقْدِ في أنَّه يَتَنصَّفُ بالطَّلاق، ولا تجب
(12)
لها المتعةُ.
تنبيهٌ: يَجوزُ الدُّخول بالمرأة قبلَ إعْطائها شَيئًا؛ للخبر
(13)
.
(1)
في (ق): تميل.
(2)
في (ق): يميل.
(3)
في (ق): الميل.
(4)
في (ظ): بحكمه.
(5)
قوله: (على) سقط من (ظ) و (ق).
(6)
في (م): وأجرة.
(7)
قوله: (من قليل) سقط من (م).
(8)
في (م): وسواء.
(9)
في (ق): لهما.
(10)
في (م): فإن.
(11)
في (م): فرضنا.
(12)
في (م): ولا يجب.
(13)
أخرجه أبو داود (2117)، وابن حبان (4072)، والحاكم (2742)، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل:«أترضى أن أزوجك فلانة؟» قال: نعم، وقال للمرأة:«أترضين أن أزوجك فلانًا؟» قالت: نعم، فزوج أحدهما صاحبه، فدخل بها الرجل ولم يفرض لها صداقًا، ولم يعطها شيئًا. الحديث، صححه ابن حبان والحاكم وابن التركماني والألباني. ينظر: الجوهر النقي 7/ 143، الإرواء 6/ 344.
وعن ابن عبَّاسٍ وابن عمرَ: «لا يَدخُلُ بها حتَّى يُعطِيَها شَيئًا»
(1)
؛ للخبر
(2)
.
وجوابُه: بأنَّه محمولٌ على الاِسْتِحباب.
ويَجِبُ المسمَّى بوطْءٍ أو خَلوةِ مَنْ يَطَأُ مِثْلُه بمن
(3)
يُوطَأُ مِثْلُها بدون مانِعٍ عُرْفًا، وفي المانِع حِسًّا أوْ شَرْعًا رِوايَتانِ.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْإِصَابَةِ)، وقَبْلَ الفَرْض؛ (وَرِثَهُ صَاحِبُهُ)، بغَيرِ
(1)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (10431)، والبيهقي في الكبرى (14463)، عن عكرمة قال: قال ابن عباس: «إذا نكح الرجل المرأة، وسمى لها صداقًا، فأراد أن يدخل عليها؛ فليلق إليها رداء أو خاتمًا إن كان معه» ، وإسناده صحيح.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (16447)، والبيهقي في الكبرى (14464)، عن ابن عمر، قال:«لا يحل لمسلم أن يدخل على امرأة، حتى يقدم عليها بأقل أو أكثر» ، وإسناده صحيح.
(2)
مراده كما في الشرح الكبير 22/ 264: ما أخرجه أبو داود (2126)، والبيهقي في الكبرى (14462)، عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أن عليًّا لما تزوج فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأراد أن يدخل بها، فمنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعطيها شيئًا، فقال: يا رسول الله ليس لي شيء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:«أعطها درعك» ، فأعطاها درعه، ثم دخل بها. وفي سنده: غيلان بن أنس وهو مقبول، وضعف الحديث الألباني، وله شاهد قوي أخرجه أبو داود (2125)، والنسائي (3375)، وابن حبان (6945)، والطبراني في الكبير (12000)، وغيرهم من طريق عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطها شيئًا» ، قال: ما عندي شيء، قال:«أين درعك الحُطَمية؟» صححه ابن حبان، وعند الطبراني بلفظ:«يا علي، لا تدخل على أهلك حتى تقدم لهم شيئًا» ، قال الهيثمي عن إسناد الطبراني:(وفيه سعيد بن زنبور، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله ثقات)، وابن زنبور وثقه ابن معين وأثنى عليه أحمد. ينظر: مجمع الزوائد 4/ 283، الثقات لابن قطلوبغا 4/ 477، ضعيف سنن أبي داود 2/ 216.
(3)
قوله: (يطأ مثله بمن) سقط من (م).
خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّ عَقْدَ الزَّوجيَّة صحيح
(2)
ثابِتٌ، فيورث
(3)
به؛ لدخوله في عُمومِ النَّصِّ.
(وَلَهَا مَهْرُ نِسَائِهَا) في ظاهر المذْهَب؛ لحديثِ ابنِ مسعودٍ، ولأِنَّ الموتَ يُكَمَّلُ به المسمَّى، فُكُمِّلَ به مَهْرُ المِثْل؛ كالدُّخول.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَتَنَصَّفُ بِالْمَوْتِ)؛ لأِنَّ المفروضَ لها يُخالِفُ التي لم يُفرَضْ لها في الطَّلاق، فجاز أنْ يُخالِفَها بعدَ الموت؛ ولأِنَّها فُرقةٌ وَرَدَتْ على تفويضٍ صحيحٍ قبلَ فَرْضٍ ومَسِيسٍ، فلم يَجِبْ لها مهرُ المثل؛ كفُرقةِ الطَّلاق، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ فَرَضَهُ لَهَا) الحاكِمُ، فإنَّه لا يَتنَصَّفُ؛ لأِنَّ الفَرْضَ يَجعَلُه كالمسمَّى، ولو سَمَّى ثُمَّ ماتَ؛ لَوَجَبَ كلُّه، فكذا إذا فَرَضَه.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا
(4)
؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَلَيْهِ إِلاَّ الْمُتْعَةُ)، هذا المذهَبُ، ونَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(5)
، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(6)
وابن عمرَ
(7)
؛ لقوله تعالى: {إذَا نَكَحْتُمُ المُؤمنَاتِ} إلى قوله: {فَمَتِّعُوهُنَّ} ، ولقوله تعالى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ} [البَقَرَة: 241]، والأمرُ يَقتَضِي
(1)
ينظر: المغني 7/ 246.
(2)
في (م): يصح.
(3)
في (م): فورث.
(4)
قوله: (بها) سقط من (ظ) و (ق).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1775، الروايتين والوجهين 2/ 131.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور (1782)، وابن أبي شيبة (18697)، والطبري في التفسير (4/ 305)، عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما:«إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، وقبل أن يفرض لها، فليس لها إلا المتاع» ، وإسناده صحيح.
(7)
أخرجه مالك (2/ 573)، وعبد الرزاق (12224)، وسعيد بن منصور (1773)، وابن أبي شيبة (18704)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 270)، والبيهقي في الكبرى (14491)، عن نافع، عن ابن عمر أنه كان يقول:«لكل مطلقة متعة إلا التي تطلق وقد فرض لها صداق، ولم تمس، فحسبها نصف ما فرض لها» ، وإسناده صحيح.
الوُجوبَ، ولأِنَّه طَلاقٌ في نِكَاحٍ يَقتَضِي عِوَضًا، فلم يَعْرُ عن
(1)
ذِكْرِ العوض
(2)
؛ كما لو سمَّى مَهْرًا.
(عَلَى المُوسِعِ قَدَرُهُ، وَعَلَى المُقْتِرِ قَدَرُهُ)؛ أي: المتعةُ معتبرة
(3)
بحالِ الزَّوج؛ لقوله تعالى: {وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 236]، وقِيلَ: بحالها، وقِيلَ: بحالهما
(4)
.
وعلى الأوَّل: (فَأَعْلَاهَا خَادِمٌ، وَأَدْنَاهَا كِسْوَةٌ تُجْزِئُهَا فِي صَلَاتِهَا)؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ: «أعْلَى المتعةِ خادِمٌ، ثُمَّ دُونَ ذلك النَّفقةُ، ثُمَّ دُونَ ذلك الكِسوةُ»
(5)
، وقُيِّدتْ بما يُجزِئُها
(6)
في صَلاتها؛ لأِنَّ ذلك أقلُّ الكِسوة.
(وَعَنْهُ: يُرْجَعُ فِي تَقْدِيرِهَا إِلَى الْحَاكِمِ)؛ لأِنَّه أَمْرٌ لم يَرِدِ الشَّرْعُ بتَقْديره.
(وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّها بَدَلٌ عنه، فيَجبُ أنْ يَتقدَّرَ به.
وعنه: يَجِبُ للمطلَّقة قبلَ الدُّخول نصفُ مهرِ مِثْلِها
(7)
؛ لأِنَّه نكاحٌ صحيحٌ، يُوجِبُ مَهْرَ المثلِ بَعْدَ الدُّخول، فوجب
(8)
نصفُه بالطَّلاق؛ كالتي سمَّى لها، وكما لو
(9)
سمَّى لها مُحرَّمًا.
(1)
في (م): فلم يعوض.
(2)
في (م): المعوض.
(3)
في (م): تعتبر.
(4)
قوله: (وقيل: بحالهما) سقط من (م).
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (18715)، والطبري في التفسير (4/ 289)، وابن أبي حاتم (2350)، عن عكرمة عنه. قال الألباني في الإرواء 6/ 361:(إسناده صحيح على شرط البخاري).
(6)
في (ق): تجزئها.
(7)
هذه الرواية في أصل المسألة: وهي المفوضة إذا طلقت قبل الدخول: هل لها المتعة، أو لها مهر المثل.
وأما الرواية التي قبلها وهي قوله: (وَعَنْهُ: يَجِبُ لَهَا نِصْفُ مَهْرِ الْمِثْلِ) فهي في تحديد مقدار المتعة إن قلنا لها المتعة فقط. ينظر: المغني 7/ 224، الإنصاف 21/ 474.
(8)
في (م): فيوجب.
(9)
في (م): لا.
(فَإِنْ
(1)
دَخَلَ بِهَا؛ اسْتَقَرَّ مَهْرُ الْمِثْلِ)؛ لأِنَّ الدُّخولَ يُوجِبُ اسْتِقْرارَ المسمَّى، فكذا مهر المثل؛ لاِشْتِراكهما
(2)
في المعْنَى الموجِبِ لِلَاسْتَقْرار.
(فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ فَهْلَ تَجِبُ الْمُتْعَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ
(3)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ كلَّ مَنْ وَجَبَ لها نِصْفُ المهر؛ لم يَجِبْ لها متعةٌ، سَواءٌ كانَتْ ممَّنْ سَمَّى لها صداقًا أوْ لَا، ولأنَّه
(4)
وَجَبَ لها مهرُ المثل، فلم تجب
(5)
لها المتعةُ؛ لأِنَّها كالبَدَل مع مهر المِثْل.
والثَّانيةُ: لكلِّ مُطلَّقةٍ مَتاعٌ، رُوِيَ عن عليٍّ
(6)
، والحَسَن، وسعيدِ بنِ جُبَيرٍ وغيرِهم؛ للآية.
والمذْهَبُ: أنَّ المتعةَ لا تَجِبُ إلاَّ لحُرَّةٍ، أَوْ سَيِّدِ أَمَةٍ، على زَوجٍ بطَلاقٍ قبلَ الدُّخول، كمَنْ
(7)
لا مَهْرَ لها؛ لأِنَّه تعالى قَسَمَ المطلَّقات قِسْمَينِ، وأوْجَبَ المتعةَ لغَيرِ المفروض لهنَّ، ونصفَ المسمَّى للمفروض لهنَّ، وذلك يَدُلُّ على اخْتِصاصِ كلِّ قِسْمٍ بحُكْمِه.
مع أنَّ أبا بكرٍ قال: العَمَلُ عندي على الثَّانية؛ لو تواتر
(8)
الرِّوايات عنه
(1)
في (م): وإن.
(2)
زاد في (ظ): في المهر.
(3)
في (م): لا يجب.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (م) و (ق): فلم يجب.
(6)
أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 103، 7/ 57)، وابن حزم (10/ 8)، عن إياس بن عامر، عن علي قال:«لكل مطلقة متعة» ، إسناده حسن، إياس صدوق كما في التقريب، وقال الحاكم:(مستقيم الأمر)، وذكره يعقوب بن سفيان في ثقات التابعين من أهل مصر. ينظر: المعرفة والتاريخ 2/ 502، المستدرك 1/ 347.
(7)
في (ق): لمن.
(8)
كذا في (ق). وفي (ظ): لتواتر. وفي (م): أمر. والذي في المغني 7/ 240 والشرح الكبير 21/ 279: لولا تواتر.
بخِلافِها، فإنَّه لم يَرْوِ عنه هذا إلاَّ حنبلٌ
(1)
.
وعَنْهُ: تجب
(2)
المتعةُ إلاَّ لِمَنْ دَخَلَ بها وسمَّى لها.
فرعٌ: لا مُتْعةَ للمُتَوَفَّى عنها بغَيرِ خِلافٍ
(3)
؛ لأِنَّ النَّصَّ لم
(4)
يَتَناوَلْها، وإنَّما تَناوَلَ
(5)
المطلَّقات، ولأِنَّها أَخَذَت العِوَضَ المسمَّى لها في عَقْدِ المعاوَضةِ، فلم يَجِبْ لها به سِواهُ، كما في سائر
(6)
العُقود.
(1)
أي: أن حنبلاً روى عن الإمام أحمد: أن لكل مطلقة متاعًا. ينظر: زاد المسافر 3/ 300، المغني 7/ 240.
(2)
في (م): يجب.
(3)
ينظر: المغني 7/ 241.
(4)
في (م): لا.
(5)
في (ظ): يتناول.
(6)
قوله: (كما في سائر) في (م): كسائر.
(فَصْلٌ)
(وَمَهْرُ الْمِثْلِ مُعْتَبَرٌ بِمَنْ يُسَاوِيهَا مِنْ نِسَاءِ عَصَبَاتِهَا)، مِنْ جِهة أبيها وجَدِّها؛ (كَأُخْتِهَا، وَعَمَّتِهَا، وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَعَمِّهَا)، قال في «الشَّرح»: هو الأَوْلَى؛ لِقَضاء النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في بَرْوَعَ بنتِ واشِقٍ بمِثْلِ مهر نساء
(1)
قَومِها
(2)
، ولأِنَّ شَرَفَ المرأة مُعتَبَرٌ في مَهْرِها، وشَرَفُها بعَصباتها؛ لأِنَّهم نُسباؤها، وأُمُّها وخالَتُها لا يُساوِيانها
(3)
في شَرَفِها، وقد تكون
(4)
أمُّها مَولاةً وهي شريفةٌ، وبالعكس.
وينبغي
(5)
أنْ يُعتبَرَ الأقْربُ فالأَقْربُ من نِساءِ عَصَباتها؛ كأُخْتِها لأِبِيها، ثُمَّ عَمَّاتِها.
(وَعَنْهُ: يُعْتَبَرُ جَمِيعُ أَقَارِبِهَا؛ كَأُمِّهَا وَخَالَتِهَا)، جَزَمَ بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الفروع» ؛ لأِنَّ مُطلَقَ القَرابة له أثَرٌ
(6)
في الجملة، وأمُّها وخالَتُها يشملهما
(7)
حديثُ ابنِ مسعودٍ: «لها مَهْرُ نِسائِها» ، وحِينَئِذٍ: يُعتَبَرُ بِمَنْ يُساوِيها في
(8)
الصفات
(9)
الحَسَنة، والمالِ، والبلدِ،
(1)
قوله: (نساء) سقط من (ظ).
(2)
تقدم تخريجه قريبًا.
(3)
في (م): لا مساويًا لها.
(4)
في (م): يكون.
(5)
في (م): وسبى.
(6)
قوله: (له أثر) هو في (ظ): لا أثر له. والمثبت موافق للممتع لابن المنجى 3/ 696، والكشاف 11/ 510.
(7)
في (م): يشملهم.
(8)
في (م): من.
(9)
في (م): الصفة.
بالأقْرَب فالأَقْرَبِ منهنَّ.
(وَتُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَالِ، وَالْجَمَالِ، وَالْعَقْلِ، وَالْأَدَبِ، وَالسِّنِّ، وَالْبَكَارَةِ، وَالثُّيُوبَةِ، وَالْبَلَدِ)؛ لأِنَّ مَهْرَ المِثْل بَدَلُ مُتْلَفٍ، فاعْتُبِرت الصِّفاتُ المقْصودةُ، فإنْ لم يكُنْ في نسائها مَنْ هو مثلُ حالها؛ فَمِنْ
(1)
نساء أرحامها.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي نِسَائِهَا إِلاَّ دُونَهَا؛ زِيدَتْ بِقَدْرِ فَضِيلَتِهَا)؛ لأِنَّ زيادةَ فضيلتها يَقتَضِي زيادةَ المهرِ.
(وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلاَّ فَوْقَهَا؛ نُقِصَتْ بِقَدْرِ نَقْصِهَا)؛ كأرْش العَيب بقدر نَقْص المبِيع، ولأِنَّ له أثَرًا في تَنْقيص المهر، فَوَجَبَ أنْ يَترتَّبَ بحَسَبه.
(وَإِنْ كَانَ
(2)
عَادَتُهُمُ التَّخْفِيفَ عَلَى عَشِيرَتِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمُ؛ اعْتُبِرَ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ العادةَ لها أثَرٌ في المقدار، فكذا في التَّخفيف.
لا يُقالُ: مهرُ المِثْل بَدَلُ مُتْلَفٍ، فوَجَبَ أنْ لا يختلف
(3)
كسائر المتلَفات؛ لأِنَّ النِّكاحَ يُخالِفُ سائرَ المتْلَفات، باعْتِبار أنَّ المقصودَ منه أعْيانُ الزَّوجَينِ، بخِلافِ بقيَّة المتْلَفات، فإنَّ المقصودَ منه الماليَّةُ خاصَّةً، فلذلك لم يَختَلِفْ باخْتِلاف العوائد، والمهرُ يَختَلِفُ باخْتِلاف العوائد.
(وَإِنْ كَانَ
(4)
عَادَتُهُمُ التَّأْجِيلَ؛ فُرِضَ مُؤَجَّلاً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّه مهرُ نسائها.
والثَّاني: يفرض
(5)
حالًّا؛ لأِنَّه بَدَلُ مُتْلَفٍ، فَوَجَبَ الحُلولُ؛ كقِيَمِ المتْلَفات، وكما لو لم يكُنْ لهم عادةٌ بالتأجيل
(6)
.
(1)
في (ظ): من.
(2)
في (م): كانت.
(3)
في (م): أن لا يحلف.
(4)
في (م): كانت.
(5)
زيد في (م): لا.
(6)
في (م): بالتعجيل.
فلو اختلفت
(1)
مُهورُهنَّ؛ أُخِذَ بالوَسَط الحالِّ.
(فَإِنْ
(2)
لَمْ يَكُنْ لَهَا أَقَارِبُ؛ اعْتُبِرَ بِنِسَاءِ بَلَدِهَا)؛ لأِنَّ ذلك له أَثَرٌ
(3)
في الجملة، (ثُمَّ بِأَقْرَبِ النِّسَاءِ شَبَهًا بِهَا)؛ لأِنَّه لَمَّا تعذر
(4)
الأقارِبُ؛ اعتُبرَ أقْرَبُ النِّساء شَبَهًا بها من غَيرهنَّ، كما اعتُبِر قرابتُها البعيدُ إذا لم يُوجَد القَريبُ.
(1)
في (ق): ولو اختلف. وفي (م): فلو أتلف.
(2)
في (م): وإن.
(3)
قوله: (له أثر) هو في (ظ): لا أثر له. والمثبت موافق للممتع لابن المنجى 3/ 698، والكشاف 11/ 511.
(4)
في (م): لأنه لم يعد.
(فَصْلٌ)
(وَأَمَّا النِّكَاحُ الْفَاسِدُ؛ فَإِذَا افْتَرَقَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِطَلَاقٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ فَلَا مَهْرَ فِيهِ)؛ لأِنَّ المهرَ يَجِبُ بالعَقْد، والعَقْدُ فاسِدٌ، فوُجودُه كعَدَمِه؛ كالبيعِ الفاسِدِ.
وظاهِرُه: ولو بمَوتٍ
(1)
، قال في «الفروع»: ويتوجَّه: أنَّه على الخلاف في وجوب
(2)
العِدَّة به، وتقرُّرِه بالخَلْوة.
وفي «مختصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يَستَقِرُّ به.
وفي «الرِّعاية» : إذا طلَّقَ قبلَ الدُّخول؛ فلا يَقَعُ، ففي سُقوطِ المهر وإيجابِه احْتِمالانِ.
(فَإِنْ دَخَلَ بِهَا) وَوَطِئَها؛ (اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الْمُسَمَّى
(3)
في المنصوص
(4)
، وقدَّمه في «الفروع»؛ لأِنَّ في بعضِ ألفاظِ حديثِ عائشةَ:«ولها الذي أعْطاها بما أصابَ منها» رواه أبو بكرٍ البرقاني
(5)
، وأبو محمَّدٍ الخَلاَّلُ بإسْنادِهما
(6)
.
(وَعَنْهُ: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَهِيَ أَصَحُّ)، جَزَم بها في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لقَوله عليه السلام:«فإنْ أصابَها فلها المهرُ بما اسْتَحَلَّ من فَرْجِها»
(7)
، فجَعَلَ لها المهرَ بالإصابة، والإصابةُ إنَّما تُوجِبُ مَهْرَ المِثْل؛ لأِنَّ
(1)
في (ق): لموت.
(2)
في (م): وجود.
(3)
في (م): المهر.
(4)
ينظر: مسائل عبد الله ص 324.
(5)
في (م): البرحاني.
(6)
تقدم تخريج حديث عائشة رضي الله عنها (7/ 437)، وهذا اللفظ أخرجه ابن حبان (4074)، وصححه الألباني في الإرواء (9143).
(7)
تقدم تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
العَقْدَ لَيسَ بمُوجِبٍ، بدليلِ الخَبَر، وأنَّه
(1)
لو طلَّقَها قبلَ مَسِيسها لم يكُنْ لها عليه شَيءٌ، وإذا لم يكُنْ مُوجِبًا؛ كان وُجودُه كعَدَمه، وكوطْءِ الشُّبهة، ولأِنَّ التَّسميةَ لو فَسَدتْ؛ لوَجَبَ مهرُ المثل، فكذا إذا فَسَدَ العقدُ.
(وَلَا يَسْتَقِرُّ بِالْخَلْوَةِ)، وهو روايةٌ، وقاله
(2)
أكثرُ العلماء؛ كَمَنْ منعته
(3)
الوطْءَ، أو افترقا
(4)
بلا وَطْءٍ ولا خَلْوةٍ.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَسْتَقِرُّ)
(5)
، نَصَّ عليه
(6)
؛ قِياسًا على العَقْد الصَّحيح.
وفي «المغْنِي» : الأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ الصَّداقَ إنَّما أوْجَبَه الوَطْءُ، ولذلك لا يَتنصَّفُ بالطَّلاق قبلَ الدُّخول، أشْبَهَ الخَلوةَ بالأجنبيَّة؛ ولأِنَّه عليه السلام جَعَلَ المهرَ بما اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِها، ولم يُوجَدْ.
وقِيلَ: لا يُكَمَّلُ بها
(7)
.
فرعٌ: لا يَصِحُّ تزويجُ مَنْ نِكاحُها فاسِدٌ قبلَ طلاق
(8)
أوْ فَسْخٍ، فإنْ أبى
(9)
الزَّوجُ؛ فَسَخه الحاكِمُ، نَصَّ عليه
(10)
، وظاهِرُه: لو
(11)
زوَّجها قبلَ فَسْخِه؛ لم يَصِحَّ مُطلَقًا.
فإنْ زَوَّجَتْ نَفْسَها بلا شهودٍ؛ ففي تزويجها قبلَ فُرقةٍ رِوايَتانِ في
(1)
في (م): ولأنه.
(2)
في (م): قاله.
(3)
في (م): متعته.
(4)
في (م): وافترقا.
(5)
زيد في (م): المهر.
(6)
ينظر: المغني 7/ 12.
(7)
أي: يجِبُ لها شيء، ولا يُكَمَّلُ المهر. ينظر: الإنصاف 21/ 290.
(8)
في (م): الطلاق.
(9)
في (م): أباها.
(10)
ينظر: الشرح الكبير 21/ 290.
(11)
في (ظ): ولو.
«الإرشاد» ، وهما في «الرِّعاية»: بلا وليٍّ أوْ بِدونِهما.
(وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ)، بغَيرِ خِلافٍ علمناه
(1)
، كبَدَلِ مُتْلَفٍ، (وَالْمُكْرَهَةِ عَلَى الزِّنَى)؛ أيْ: يَجِبُ لها مهرُ المثل بوطءٍ في
(2)
قُبُل، ولو من مجنونٍ في ظاهر المذهب، ولا يَلحَقُه نَسَبُه.
وعنه
(3)
: المهرُ للبِكْرِ، اختاره أبو بكرٍ.
وعنه: لا يَجِبُ لمكرَهةٍ، اختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(4)
؛ لأِنَّه خبيثٌ.
وظاهره
(5)
: لا يَجِبُ لِمُطاوِعةٍ، وصرَّح به في «الكافي» ؛ لأِنَّها باذِلةٌ، فلم يَجِبْ لها شَيءٌ؛ كما لو أَذِنَتْ في قَطْعِ طَرَفِها.
ويُسْتَثْنَى منه: الأمةُ.
وفي وَطْءِ دُبُرٍ وأَمَةٍ أَذِنَتْ وَجْهانِ.
وفي «الانتصار» : لِمُطاوِعةٍ، ويسقط
(6)
.
وعَنْهُ: لا مَهْرَ لذاتِ رَحِمٍ.
وعنه: تحرم
(7)
بِنتُها كلِواطٍ، قال بعضهم: بخِلافِ مُصاهَرةٍ؛ لأِنَّه طارِئٌ، قال المؤلِّفُ: ورضاعٍ.
(وَلَا يَجِبُ مَعَهُ أَرْشُ الْبَكَارَةُ)؛ كالوطْءِ في نكاحٍ صحيحٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَجِبَ لِلْمُكْرَهَةِ
(8)
، وهو روايةٌ؛ لأِنَّه إتْلافُ جزءٍ، فَوَجَبَ
(1)
ينظر: المغني 7/ 271.
(2)
في (م): كمن.
(3)
في (م): وعليه.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 344.
(5)
في (م): فظاهره.
(6)
في (م): وسقط.
(7)
في (م): محرم.
(8)
في (م): للمكره.
عِوَضُه؛ كما لو جَرَحَها ثُمَّ وَطِئَها.
والأوَّل أَوْلَى؛ لأِنَّ المهرَ بَدَلُ المنفعة المسْتَوفاة بالوَطْء، ولأِنَّ الأَرْشَ يَدخُل في المهْرِ لكون
(1)
الواجِبِ لها مهرَ المِثْل، ومهر
(2)
البكر يزيد
(3)
على مهر الثَّيِّب ببكارتها، وكانت الزِّيادةُ في المهر مُقابِلةً لِمَا أتْلَفَ من البَكارة، فلا
(4)
يَجِبُ عِوَضُها مرَّةً ثانيةً.
تنبيهٌ: يَتعدَّدُ
(5)
المهرُ بتعدُّدِ
(6)
الشبهة
(7)
والزِّنى، لا بتكرُّرِ الوَطْءِ في الشُّبهة، قالَهُ في «التَّرغيب» وغيره.
وذَكَرَ أبو يعلى الصَّغيرُ: يتعدَّدُ بتعدُّدِ الوَطْءِ في الشُّبهة، لا في نكاحٍ فاسِدٍ.
وفي «المغْنِي» و «النِّهاية» : يَتعدَّدُ في نكاحٍ فاسِدٍ، وَوَطْئِه مكاتَبَتَه إن استَوفَتْ مهرًا عن الوطء الأوَّل، وإلاَّ فَلَا.
ومَنْ نكاحُها باطِلٌ بالإجماع؛ كالمزوَّجة والمعتدَّة؛ فهي كالمكرَهة، جزم به الجماعةُ.
وعنه: يَلْزَمُ المسمَّى.
وعنه: لا مَهْرَ لمحرَّمة بنَسَبٍ، ذَكَرَها ابنُ عَقِيلٍ.
(وَإِذَا دَفَعَ أَجْنَبِيَّةً فَأَذْهَبَ عُذْرَتَهَا)، أوْ أزالها بإصبعٍ أوْ غَيرِها؛ (فَعَلَيْهِ أَرْشُ بَكَارَتِهَا)، هذا هو المذهَبُ؛ لأِنَّه إتْلافُ جزءٍ لم يَرِد الشَّرعُ بتقدير دِيَته،
(1)
في (م): ككون.
(2)
في (م): ومهور.
(3)
قوله: (يزيد) سقط من (ظ) و (ق).
(4)
في (ظ) و (ق): ولا.
(5)
في (ق): يتعذر.
(6)
في (ق): بتعذر.
(7)
في (م): الشبه.
فرُجِعَ فيها إلى الحُكومة؛ كسائر ما لم
(1)
يُقدَّر؛ ولأِنَّه إذا لم يُكَمَّلُ الصَّداقُ به في حقِّ الزَّوج؛ ففي حقِّ الأجنبيِّ أَوْلَى.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ)، هذا روايةٌ عن أحمدَ؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا هُشَيمٌ، ثنا
(2)
مغيرةُ، عن إبراهيمَ: أنَّ رجلاً كانَتْ عندَه يتيمةٌ، فخافَت امْرأتُه أنْ يتزوَّجَها، فاسْتَعانَتْ
(3)
بنِسوةٍ، فأذْهَبْنَ عُذْرتَها، وقالت
(4)
لزَوجِها: فَجَرَتْ، فأُخبِر عليٌّ بذلك، فأرسل إلى امرأته والنِّسوة، فلما أتَينَ، لم يَلْبَثْنَ أن اعْتَرَفْنَ بما صَنَعْنَ، فقال للحسن بنِ عليٍّ: «اقْضِ فيها
(5)
»، فقال:«الحَدُّ على مَنْ قَذَفَها، والعَقْرُ عليها وعلى الممْسِكات»
(6)
، ولأِنَّه إتْلافٌ يُستَحَقُّ به مهرُ المِثْل في العَقْد، فإذا أتْلَفَه أجنبيٌّ؛ وَجَبَ مهرُ المثل؛ كمنفعة البُضْع.
ونَقَلَ مهنَّى فِيمَنْ تزوَّج بِكرًا، فَدَفَعَها هو وأخوه، فأذْهَبَا عُذْرَتَها، ثُمَّ طلَّقها
(7)
قبلَ الدُّخول: (أنَّ على
(8)
الزَّوج نصفَ الصَّداق، وعلى الأخ نصفَ العَقْرِ)
(9)
، رُوِيَ عن
(10)
عليٍّ، والحَسَن، وعبدِ الله بنِ مَعْقِلٍ
(11)
، وعبدِ
(1)
قوله: (لم) سقط من (م).
(2)
قوله: (ثنا هشيم ثنا) في (م): حدثنا القاسم حدثنا.
(3)
في (ق): فاستغاثت.
(4)
في (م): فقالت.
(5)
في (م): فيهما.
(6)
أخرجه سعيد بن منصور (2149)، وابن أبي شيبة (17469)، وهو مرسل، ورجاله ثقات.
(7)
في (م): طلق.
(8)
في (م): على أن.
(9)
ينظر: المغني 7/ 252.
(10)
قوله: (عن) سقط من (م).
(11)
أثر عليٍّ والحسن رضي الله عنهما تقدم في القصة، وأثر عبد الله بن معقل رحمه الله تعالى: أخرجه سعيد بن منصور (2150)، عن الشعبي، عنه. وإسناده صحيح. وعبد الله بن معقل من ثقات التابعين.
الملك بنِ مروانَ، وهذه قِصَصٌ مُشْتَهِرَةٌ ولم تُنكَرْ، فكانت
(1)
كالإجماع.
والأوَّلُ هو القِياسُ، لَوْلَا ما
(2)
رُوِيَ عن الصَّحابة، وأرْشُ البَكارة: ما بَينَ مَهْر البِكْر والثَّيِّب.
(وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ الزَّوْجُ، ثُمَّ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إِلاَّ نِصْفُ الْمُسَمَّى) في ظاهِرِ المذْهَب؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ
…
(237)} الآية [البَقَرَة: 237]، ولأِنَّه أتْلَفَ ما يَستَحِقُّ إتْلافَه بالعَقْد، فلَمْ يَضمَنْه كغَيرِه؛ كما لو أتْلَفَ عُذْرةَ أمَتِه.
ويتخرَّجُ: أنْ يَجِبَ لها الصَّداقُ كامِلاً، فإنَّ أحمدَ قال:(إذا فَعَلَ ذلك أجنبيٌّ؛ عليه الصَّداق)
(3)
، ففيما إذا فَعَلَه الزَّوجُ أَوْلَى.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ أرْشُ البَكارةِ، وقِيلَ: بلى إنْ قيلَ: يَجِبُ على الأجنبيِّ أرْشُها، فيُعْطَى حكمَه من حيث الإتْلافُ، ويَمْتازُ عليه بنصف المسمَّى؛ لكَونِه قبلَ الدُّخول.
فرعٌ: لو وَطِئَ ميتةً؛ لَزِمَه المهرُ في ظاهر كلامهم، قال في «الفروع»: وهو مُتَّجِهٌ، وفي كلامِ القاضي ما يَدُلُّ على خلافه.
وإنْ مات أوْ طلَّق مَنْ دخل بها، فَوَضَعَتْ في يومها، ثُمَّ تزوَّجتْ فيه، وطلَّق قبلَ دخوله بها
(4)
، ثُمَّ تزوَّجَتْ في يَومها مَنْ دَخَلَ بها، فقد استحقَّت في يومٍ واحِدٍ بالنِّكاح مَهْرَينِ ونصفًا، ذَكَرَه المؤلِّفُ في «فتاويه» .
(وَلِلْمَرْأَةِ) - سُمِّي
(5)
لها أوْ مفوّضة - (مَنْعُ نَفْسِهَا حَتَّى تَقْبِضَ
(1)
في (م): وكانت.
(2)
قوله: (لولا ما) في (م): لما. والمثبت موافق للشرح الكبير 21/ 301.
(3)
ينظر: المغني 7/ 252.
(4)
قوله: (بها) سقط من (م) و (ق).
(5)
في (م): مسمًّى.
صَدَاقَهَا
(1)
الْحَالَّ)، حكاهُ ابنُ المنذر إجْماعًا
(2)
؛ لأِنَّ في إجبارها أوَّلاً على تسليم نفسها خَطَرًا بإتْلافِ البُضْع، ولا يُمكِنُ الرُّجوعُ فيه، بخلاف المبيعِ
(3)
.
وقيل: أوْ حلَّ قبلَ التَّسليم.
وتُسافِرُ بلا إذْنه في أصحِّ الرِّوايتَينِ، ولها النَّفقةُ إذا امْتَنعتْ ولو كان مُعْسِرًا، والسَّفرُ بغَيرِ إذْنِه؛ لأِنَّه امْتِناعٌ بحقٍّ، أشْبَهَ ما لو امتنعتْ للإحرام بحجَّةِ الإسلام.
وعلَّل أحمدُ وُجوبَ النَّفقة: بأنَّ الحَبْسَ مِنْ
(4)
قِبله
(5)
.
وظاهر كلامِ جماعةٍ: لا نَفَقةَ، قال في «الفروع»: وهو مُتَّجِهٌ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كان مُؤجَّلاً؛ فليس لها مَنْعُ نَفْسِها قبلَ قَبْضِه؛ لأِنَّ رِضاها بتأجيله رضًا منها بتَسليمِ نفسها قبلَ قَبْضه؛ كتأجيل الثَّمن.
فأمَّا إذا كان بعضُه حالًّا وبعضُه مؤجَّلاً؛ فلها مَنْعُ نفسها قبلَ قَبْض العاجل.
ولا فَرْقَ بَينَ حُلوله بعدَ تأجيله وعدَمِه، صرَّح به في «المغْنِي» ؛ لأِنَّ التَّسليمَ قد وجب عليها، فاستقرَّ قبلَ قبضه، فلم يكن لها أن تمتَنِع منه.
فرعٌ: إذا كانَتْ محبوسةً، أوْ لها عُذْرٌ يَمنَعُ التَّسليمَ؛ وَجَبَ تسليمُ الصَّداق؛ كمهرِ الصَّغيرة في الأصحِّ.
(فَإِنْ تَبَرَّعَتْ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا، ثُمَّ أَرَادَتِ الْمَنْعَ؛ فَهَلَ لَهَا ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، إذا سلَّمت نفسَها تبرُّعًا، فدَخَلَ أوْ خَلا، ثُمَّ أرادت المنعَ؛ فقد
(1)
في (م): حتى يقبض مهرها.
(2)
ينظر: الإجماع ص 78.
(3)
في (ق): البيع.
(4)
في (م): في.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 325.
توقَّفَ أحمدُ في الجواب عنها
(1)
، وفيه وَجْهانِ:
أحدُهما: لا تملكه، واختاره الأكثرُ، منهم صاحبُ «الوجيز» ؛ لأِنَّ التَّسليمَ استقرَّ به العِوَضُ برضا المسلِّم، فلم يكُنْ لها أنْ تمتَنِعَ منه؛ كتسليم البائع
(2)
المبيع، وفيه تنبيهٌ على الفَرْق بَينَ المتبرِّع بالتَّسليم وعَدَمِه، وهو قادِحٌ في صحَّة القياس.
والثَّاني، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ: على أنَّ لها المنْعَ؛ لأِنَّه تسليمٌ يُوجِبُه
(3)
العَقْدُ، فكان لها أنْ تمتَنِعَ منه قبلَ صداقها، كما لو لم تتبرع
(4)
بتسليم نفسِها.
فأمَّا إنْ وَطِئَها مُكرَهةً؛ لم يَسقُطْ حقُّها من الامتناع، صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، كالبائع
(5)
المكرَه على التَّسليم.
والأصحُّ: أنَّه إذا ظَهَرَ مَعِيبًا بعدَ قَبْضِه وتسليمِ نفسها؛ أنَّ لها المنْعَ.
فرعٌ: إذا أبَى كلٌّ من الزَّوجَينِ التَّسليمَ الواجِبَ؛ أُجْبِرَ زَوجٌ ثُمَّ زَوجةٌ، وإنْ بادر
(6)
به أحدُهما؛ أُجْبِرَ الآخَرُ عليه، فلو أَبَت التَّسليمَ بلا عُذْرٍ؛ فله اسْتِرْجاعُ الصَّداق.
(وَإِنْ أَعْسَرَ بِالْمَهْرِ) الحالِّ (قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ)، اخْتارَه أبو بكرٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، كما لو أعْسَر المشْتَرِي بالثَّمَن قبلَ تسليمِ المبيع.
وقِيلَ: لا تفسخ
(7)
، اخْتارهُ ابنُ حامِدٍ، وصحَّحه في «المغْنِي» ؛ لأِنَّه دَينٌ،
(1)
ينظر: الشرح الكبير 21/ 304.
(2)
قوله: (البائع) سقط من (م).
(3)
في (ق): موجبه.
(4)
في (م): كما لو تبرعت.
(5)
في (م): كالبالغ.
(6)
في (م): أبى.
(7)
في (ق): لا يفسخ. وفي (م): لا ينفسخ.
فلم يُفسخ
(1)
بالإعسار؛ كالنَّفقة الماضيةِ، والثَّمَنُ كلُّ مَقْصودِ البائع، والعادةُ تعجيلُه، والصَّداقُ فَضْلةٌ، والعادةُ تأخيرُه
(2)
.
(وَإِنْ أَعْسَرَ بَعْدَهُ)؛ أيْ: بعدَ الدُّخول؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، هما مَبْنيَّانِ على مَنْعِ نفسها؛ إنْ قُلْنا: لها منعُ نفسها بعدَ الدُّخول؛ فلها الفَسْخُ كما قَبلَ الدُّخول، وإنْ قُلْنا لَيسَ لها مَنْعُ نفسها؛ فلَيسَ لها الفَسْخُ، كما لو أفْلَسَ بدَينٍ آخَرَ، والأَشْهَرُ: أنَّ لِحرُّةٍ مُكلَّفةٍ الفَسْخَ بَعدَه، ما لم تكن عالِمةً بعُسْرَته.
ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: إنْ تزوَّجَ مُفْلِسًا ولم تَعلَم المرأةُ: (لا يُفرَّقُ بَينَهما إلاَّ أنْ يكونَ قال: عندي عرض
(3)
، ومالٌ، وغيره
(4)
، فإنْ رَضِيتِ بالمقام؛ فلا فَسْخَ في الأصحِّ، لكِنْ لها مَنْعُ نفسها.
فرعٌ: المنْعُ والفَسْخُ لسيِّدِ الأَمَةِ، وقِيلَ: لا، وهو أَوْلَى؛ كوليِّ الصَّغيرةِ والمجنونةِ.
(وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه فَسْخٌ مُختَلَفٌ فيه؛ كالفسخ للعُنَّة، والإعسارِ بالنَّفقة؛ ولأِنَّه يُفْضِي أنْ يكونَ للمرأة زَوجانِ، كلُّ واحِدٍ يعتقد
(5)
حِلَّها له
(6)
وتحريمَها على الآخَرِ.
والثَّاني: يَجوزُ بغَيرِ حكمٍ؛ كخِيارِ المعتَقَةِ تحتَ عبدٍ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ إذ القِياسُ على المعتَقة غَيرُ صحيحٍ؛ لأِنَّه متَّفَقٌ عليه، وهذا مُختلَفٌ فيه. واللهُ أعْلَمُ.
(1)
في (م): فلم ينفسخ.
(2)
أي: لا يصح قياسه على الثمن في المبيع.
(3)
في (م): عوض.
(4)
في (م): غيره. والذي في مسائل ابن منصور 6/ 2814: (عندي من الأموال والعروض وغرها من نفسها)
(5)
في (م): معتقد.
(6)
قوله: (له) سقط من (م).
(بَابُ الْوَلِيمَةِ)
قال في «المستوعب» : وليمةُ الشَّيء: كمالُه وجَمْعُه، وسُمِّيَتْ دعوةُ العُرْس وَلِيمةً؛ لاِجْتِماع الزَّوجَينِ، يُقالَ: أَوْلَمَ، إذا صَنَعَ ولِيمةً.
(وَهِيَ اسْمٌ لِدَعْوَةِ الْعُرْسِ خَاصَّةً)، لا تَقَعُ على غَيرِه، حَكاهُ ابنُ عبدِ البَرِّ عن ثَعْلَبٍ وغَيرِه من أئمَّة اللُّغة
(1)
، وقال بعضُ أصحابنا: تَقَعُ على
(2)
كلِّ طعامٍ لسُرورٍ حادِثٍ، إلاَّ أنَّ اسْتِعْمالَها في طعامِ العُرْس أكثرُ، وقَولُ أهلِ اللُّغة أقْوَى؛ لأِنَّهم أهلُ الشأن
(3)
، وهم أعْرَفُ بموضوعات
(4)
اللُّغة، وأعْلَم بِلسانِ العَرَب.
والأطْعِمةُ التي يُدعى
(5)
إليها النَّاسُ عَشَرَة:
(1)
وَلِيمةُ العُرْس. (2) عذرة وإعْذارٌ: للخِتانِ. (3) خُرْسة
(6)
وخُرْسٌ: للولادة. (4) وَكِيرةٌ: لدَعْوة البِناءِ. (5) نَقيعةٌ
(7)
: لقُدومِ الغائب. (6) عَقِيقةٌ: الذَّبح لأِجْلِ الولد
(8)
. (7) حِذاقٌ: لأِجْلِ حِذاقِ الصَّبيِّ
(9)
. (8) مَأْدُبةٌ: وهي كلُّ دَعوةٍ بسببٍ كانَتْ أوْ غَيرِه، ذَكَرَ ذلك في «المغْنِي» وغَيره. (9) وَضيمةٌ: وهي طعامُ المأْتَمِ، نقله الجَوهَريُّ عن الفَرَّاء
(10)
. (10) تُحفَةٌ: لقُدوم
(1)
ينظر: التمهيد 10/ 182.
(2)
في (م): يقع في.
(3)
في (م) و (ق): اللسان.
(4)
في (ظ): بمصوغات.
(5)
في (م): تدعى.
(6)
في (م): وخرسة.
(7)
في (م): فقيعة.
(8)
في (ق): المولود.
(9)
الحِذاق: يوم ختم الصبي للقرآن. ينظر: الصحاح 4/ 1456.
(10)
ينظر: الصحاح 5/ 2053.
الغائب، ذَكَره أبو بكرٍ بن العربيِّ في «شَرْحِ التِّرمِذِيِّ»
(1)
.
وشُنْدَخية
(2)
: لطعامِ إملاك
(3)
على زوجةٍ، ومشداخ: لمأكولٍ في خَتْمةِ القارِئ
(4)
.
(وَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ) بالعَقْد، قالَهُ ابنُ الجَوْزِيِّ، ولا خِلافَ بَينَ أهلِ العِلْم في أنَّ وليمةَ العُرْس سُنَّةٌ مشروعةٌ
(5)
؛ لأِنَّه عليه السلام أَمَرَ بها وفَعَلَها، قال لعبد الرَّحمن ابنِ عْوْفٍ:«تزوجت؟» قال: نَعمْ، قال:«أوْلِمْ ولو بِشاةٍ» متَّفَقٌ عليه
(6)
، فعلى هذا: يُستَحَبُّ
(7)
بشاةٍ فأقلَّ.
وعنه: أنَّها واجِبةٌ، ذَكَرَها ابنُ عَقِيلٍ، ولو بها
(8)
؛ للأمر، وقال: السُّنَّةُ أنْ يكثر
(9)
للبِكْر.
وجوابه: بأنَّه طعامٌ لسرور
(10)
حادِثٍ، أشْبَهَ سائرَ الأطعمة، والخبرُ محمولٌ على الاِسْتِحْباب.
وقوله: «ولو بشاةٍ» للتَّقليل؛ أي: ولو بشَيءٍ قليلٍ كشاةٍ، فيُستَفادُ منه: أنَّ الوليمةَ جائزةٌ
(11)
بِدونِها؛ لِمَا رَوَى البخاريُّ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْلَمَ على صَفِيَّةَ
(1)
ينظر: شرح الترمذي 5/ 5.
(2)
في (ق): ومشدخية.
(3)
في (م): الإملاك.
(4)
كتب في هامش (ظ): (وزيِد: العتيرة: تذبح أول اليوم في رجب، والجَفَلَى: وهي الدعوة العامة، والنَّقَرَى: الدعوة الخاصة، والإخاء والتسري، ذكرهما بعض الشافعية).
(5)
ينظر: المغني 7/ 275.
(6)
أخرجه البخاري (3937)، ومسلم (1427)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(7)
في (ق): تستحب.
(8)
في (ظ) و (ق): وكونها. والمثبت موافق لما في الفروع 8/ 360.
(9)
في (م): تكثر.
(10)
في (م): أن طعام السرور.
(11)
في (م): جائز.
بمُدَّينِ مِنْ شَعِيرٍ»
(1)
.
(وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا وَاجِبَةٌ) في الأَشْهَر عنه، قاله في «الإفصاح»
(2)
، وذَكَرَ ابنُ عبدِ البَرِّ أنَّه لا خِلافَ فيها إذا لم يكُنْ فيها لَهْوٌ
(3)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دُعِيَ أحدُكم إلى الوليمة فلْيَأْتِها» متَّفَقٌ عليه
(4)
، وقال عليه السلام: «شَرُّ الطَّعامِ طَعامُ الوليمة، يُدْعَى لها
(5)
الأغْنِياءُ، ويُترَكُ لها الفقراءُ، ومَنْ لم يُجِبْ فقد عَصَى اللهَ ورسولَه» رواه البخاريُّ من حديث أبي هُرَيرةَ
(6)
، ولَيسَ المرادُ به كلَّ طعامِ الوَلائِمِ، فإنَّه لو أراد ذلك؛ لَمَا أمَرَ بها، ولا نَدَب إليها.
واسْتَحَبَّ في «الغُنْية» إجابةَ وليمةِ عُرْسٍ، وكَرِهَ حُضورَ غَيرِها على الوجه الذي وَصَفَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم.
وقِيلَ: فَرْضُ كِفايَةٍ؛ لأِنَّها إكرام
(7)
ومُوالاةٌ، أشْبَهَ ردَّ السَّلام.
وقِيلَ: مُستحَبَّةٌ؛ كفعْلِها
(8)
.
وعنه: إنْ دعاهُ مَنْ يَثِقُ به؛ فإجابتُه أفْضَلُ.
(إِذَا عَيَّنَهُ الدَّاعِي الْمُسْلِمُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ)، فيُشتَرَطُ لوجوب الإجابة إليها شُروطٌ:
(1)
أخرجه البخاري (5172)، عن منصور بن صفية، عن أمه صفية بنت شيبة قالت:«أولم النبي صلى الله عليه وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير» ، قال ابن حجر في الفتح 9/ 239:(لم أقف على تعيين اسمها صريحًا، وأقرب ما يفسر به أم سلمة).
(2)
في (م): «الإيضاح» .
(3)
ينظر: التمهيد 10/ 179.
(4)
أخرجه البخاري (5173)، ومسلم (1429).
(5)
في (م): إليها.
(6)
أخرجه البخاري (5177)، ومسلم (1432).
(7)
في (ظ) و (ق): التزام. والمثبت موافق للمغني 7/ 276.
(8)
في (ظ) و (م): لفعلها. والمثبت موافق لشرح الزركشي 5/ 329.
مِنْها: أنْ يُعيِّنَ الدَّاعِي المدعُوَّ بالدَّعْوَى، فلو لم يُعيِّنْه؛ كقَولِه: يا أيُّها النَّاسُ أجِيبُوا إلى الوليمة؛ لم تجب
(1)
؛ لِعَدَم كَسْرِ القلب.
ومنها: أنْ يكونَ الدَّاعِي مُسلِمًا، فلا تجب
(2)
بدَعْوَى الذِّمِّيِّ؛ لأِنَّها تُرادُ للإكرام والموالاةِ، وذلك مُنْتَفٍ في حقِّه.
وعَنْهُ: في جَوازِ تَهنِئَتِهم، وتَعْزِيَتِهم، وعِيادَتِهم رِوايَتانِ، وكذا يُخرَّجُ في إجابتهم.
ويُشتَرَطُ فيه: ألاَّ يَجوزَ هَجْرُه، فإنْ جاز؛ كمُبْتَدِعٍ ونحوِه؛ لم تَجِبْ
(3)
.
ومَنَعَ في «المنهاج» مِنْ فاسِقٍ ومُبتَدِعٍ ومُفاخِرٍ بها، أوْ فيها مُبتَدِعٌ يتكلَّمُ ببِدْعَتِه، إلاَّ لِرَادٍّ عَلَيهِ، وكذا مُضحِكٌ بفُحش
(4)
أوْ كَذِبٍ، وإلاَّ أبِيحَ القليلُ.
وفي «التَّرغيب» : إنْ عَلِمَ حضورَ الأراذِلِ
(5)
، ومَنْ مُجالَسَتُهم تُزْرِي بمثله
(6)
؛ لم تَجِبْ
(7)
.
ومِنْها: أنْ تكونَ
(8)
في اليوم الأوَّلِ، فإنْ كان في الثَّاني؛ لم تَجِبْ
(9)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ مسعودٍ مرفوعًا
(10)
، قال:«طَعامُ أوَّلِ يَومٍ حَقٌّ، والثَّاني سُنَّةٌ، والثَّالثِ سُمْعةٌ، ومَن سَمَّع سمَّعَ اللهُ به» ، رواهُ التِّرمِذِيُّ
(11)
، وقال: (لا نَعرِفُه
(1)
في (ظ): لم يجب.
(2)
في (ظ): فلا يجيب.
(3)
في (ظ): لم يجب.
(4)
في (م): يفحش.
(5)
في (ق): الأرذال.
(6)
قوله: (ومن مجالستهم تزري بمثله) في (م): ومجالستهم يزري لمثله.
(7)
في (ظ): لم يجب.
(8)
في (ظ): يكون.
(9)
في (ظ): لم يجب.
(10)
قوله: (مرفوعًا) سقط من (م).
(11)
أخرجه الترمذي (1097)، وابن عدي (4/ 138)، والبيهقي في الكبرى (14512)، من طريق زياد بن عبد الله، حدثنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن، عن ابن مسعود مرفوعًا. وسنده ضعيف؛ فإنّ زياد بن عبد الله البكّائي ضعيف من قبل حفظه مختلف فيه، وقد سمع من عطاء بعد الاختلاط، والحديث ضعّفه الترمذي وابن القطّان وابن الملقن والألباني، وفي الباب عن أبي هريرة وأنس وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم، قال ابن حجر:(وهذه الأحاديث وإن كان كلٌّ منها لا يخلو عن مقال؛ فمجموعها يدلّ على أن للحديث أصلاً)، وحسّنه ابن كثير. ينظر: تهذيب الكمال 9/ 487، بيان الوهم 3/ 121، إرشاد الفقيه 2/ 181، البدر المنير 8/ 13، الفتح 9/ 243، الإرواء 7/ 8.
مرفوعًا إلاَّ من حديثِ زيادِ بنِ عبدِ الله، وهو كثيرُ الغَرائِبِ)، ورَوَى له مُسلِمٌ، وكذا البخاريُّ مَقْرونًا بغَيرِه.
ويُشتَرَطُ أنْ يكونَ مَكْسَبُه طَيِّبًا في المنصوص
(1)
.
ومِنْها: أنْ لا يكونَ فيها مُنْكَرٌ، وسَيَأْتِي.
(فَإِنْ دَعَا الجَفَلَى؛ كَقَوْلِهِ: أَيُّهَا
(2)
النَّاسُ تَعَالَوْا إِلَى الطَّعَامِ)، أوْ يقولَ الرَّسولُ: أُمِرْتُ أنْ أدْعُوَ مَنْ لَقِيتُ أوْ شِئْتُ، فهذه دَعْوةٌ عامَّةٌ لا يَخصُّ
(3)
فيها أحدًا.
(أَوْ دَعَاهُ فِيمَا بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ)؛ أيْ: إذا تكرَّرَ فِعْلُ الوليمة أكثرَ مِنْ يَومٍ جازَ؛ لِمَا رَوَى الخَلاَّلُ بإسْنادِه، عن أُبَيٍّ: «أنَّه عَرَّسَ الأنصار
(4)
ثمانيةَ أيَّامٍ»
(5)
، لكِنْ إنْ كان في الثَّاني فيُستحَبُّ، قالَهُ أحمدُ
(6)
، ويُكرَهُ في الثَّالِث؛
(1)
ينظر: المغني 7/ 285.
(2)
في (ظ): يا أيها.
(3)
في (م): لا يختص.
(4)
في (م): للأنصار.
(5)
لم نقف عليه بهذا اللفظ، وقد أخرجه عبد الرزاق في جامع معمر (19665)، والبيهقي في الكبرى (14516)، عن أيوب، عن ابن سيرين، قال:«تزوج أبي فدعا الناس ثمانية أيام، فدعا أُبي بن كعب فيمن دعا، فجاء يومئذ، وهو صائم فصلى - يقول: دعا بالبركة -، ثم خرج» ، إسناده صحيح.
(6)
ينظر: المغني 7/ 285.
لأِنَّه قَصَدَ
(1)
الرِّياءَ والسُّمْعةَ، وقد رُوِيَ عن سعيدِ بنِ المسيَّبِ: أنَّه دُعِيَ إلى وليمةٍ مَرَّتَينِ فأجاب، فلما دُعِيَ الثَّالثةَ؛ حَصَبَ الرَّسولَ، رواه الخَلاَّلُ
(2)
.
(أَوْ دَعَاهُ ذِمِّيٌّ؛ لَمْ تَجِبِ الْإِجَابَةُ)؛ لأِنَّه لا يَأْمَنُ اخْتِلاطَ طعامِهم بالحرام والنَّجاسة.
ودعوة
(3)
الجَفَلَى وإجابة
(4)
الذِّمِّيِّ؛ قِيلَ: بجَوازهما، وقِيلَ: يُكرَهُ، وقيل
(5)
له في روايةِ أبي داودَ: يجيب
(6)
دَعْوةَ الذِّمِّيِّ؟ قال: نَعَمْ، قيل
(7)
: يأكُلُ
(8)
عندَ المجوسِيِّ؟ قال: لا بأْسَ، ما لم يأكل
(9)
مِنْ قُدورِهِم
(10)
.
(وَسَائِرُ الدَّعَوَاتِ وَالْإِجَابَةُ إِلَيْهَا مُسْتَحَبَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ)، قَطَعَ به المؤلِّفُ في كُتُبِه، واخْتارَه أبو حَفْصٍ العُكْبريُّ؛ لِمَا فيه من إطعامِ الطَّعام، وجَبْرِ القلوب، ولأِنَّ في فِعْلِها شُكْرًا لنعمة الله تعالى، وإظْهارًا لإحْسانِه.
وظاهِرُ روايةِ ابنْ منصورٍ، ومُثَنَّى: تَجِبُ
(11)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ مرفوعًا قال: «إذا دعا أحدُكم أخاهُ؛ فلْيُجِبْ، عُرْسًا كان أو غير
(12)
عرس» رواه
(1)
في (ق): يعد، وهي غير منقوطة.
(2)
أخرجه أبو داود (3745)، والدارمي (2109)، والبيهقي في الكبرى (14509)، عن قتادة، حدثني رجل: وذكره. رجاله ثقات، وراوي القصة مجهول.
(3)
في (ظ): دعواه. وفي الفروع 8/ 361: إجابة الذمي ومن دعا الجفلى.
(4)
زيد في (م): رسول.
(5)
قوله: (وقيل) سقط من (م).
(6)
في (م): يجب، وفي (ق): تجيب.
(7)
في (م): قال.
(8)
في (ق): تأكل.
(9)
في (م): لم تأكل.
(10)
ينظر: مسائل أبي داود ص 344.
(11)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4718.
(12)
في (م): وغيره.
مسلم وأبو داود
(1)
.
وجَوابُه: بحَمْلِه على الاِسْتِحْباب، مع أنَّ أحمدَ نَصَّ على إباحةِ بقيَّةِ الدَّعَوات
(2)
، اخْتارَه الأكثرُ، ويُسْتَثْنَى منه: العقيقةُ، فإنَّها تُسَنُّ.
وعنه: تُكرَهُ دَعوةُ الخِتانِ؛ لقَولِ عُثْمانَ بنِ أبي العاصِ: «كُنَّا لا نَأْتِي الخِتانَ على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ولا نُدْعَى إليه» رواه أحمدُ
(3)
، وفيه ضعفٌ، وكالمأتم.
وظاهر كلام
(4)
الخِرَقِيِّ: أنَّ الإجابةَ إلى دَعْوةِ الخِتان مُباحةٌ، ونَصَّ عليه أحمدُ
(5)
، وقاله القاضي وعامَّةُ أصحابه؛ كعَمَلِها.
وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ على استحباب
(6)
الإجابة مطلَقًا، نَصَّ عليه
(7)
.
وفي «الغُنْية» : يُكرَهُ لأِهْلِ الفَضْل والعِلْم المسارَعةُ إلى إجابةِ الطَّعام والتَّسامُح؛ لأِنَّ فيه دَناءةً وشَرَهًا، لا سِيَّما الحاكِمُ.
(1)
قوله: (رواه مسلم وأبو داود) سقط من (ظ)، وفي (ق): رواه أبو داود.
(2)
والحديث: أخرجه مسلم (1429)، وأبو داود (3738).
(3)
ينظر: الفروع 8/ 362.
(4)
أخرجه أحمد (17908)، والطّحاوي في شرح المشكل (3033)، والطبراني في المعجم الكبير (8381)، من طريق محمد بن إسحاق، عن طلحة بن عبيد الله بن كريز، عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه به، وسنده ضعيف؛ فإنّ ابن كريز مقبول، ومحمد بن إسحاق مدلِّس وقد عنعن، وفي سماع الحسن البصري من عثمان اختلاف، والأظهر أنه سمع منه، وقد أخرج ابن عدي (3/ 128)، عن محمّد بن إسحاق، عن الحسن بن دينار، عن الحسن البصري به. وقال:(وهذا مشهور عن الحسن البصري عن عثمان، والأصل في هذا الحديث رواية ابن إسحاق عن الحسن بن دينار عن الحسن). ينظر: تهذيب الكمال 6/ 98، التابعون الثقات 1/ 279.
(5)
قوله: (كلام) سقط من (ظ) و (ق).
(6)
في (م): الاستحباب.
(7)
ينظر: الفروع 8/ 362.
(وَإِذَا حَضَرَ وَهُوَ صَائِمٌ صَوْمًا وَاجِبًا؛ لَمْ يُفْطِرْ)، يَعْنِي: أنَّ الصَّائمَ إذا دُعِيَ لم تَسقُط الإجابةُ، فإذا حَضَرَ وكان الصَّومُ واجِبًا؛ لم يُفطِرْ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دُعِي أحدُكم فلْيُجِبْ، فإنْ كانَ صائمًا فلْيَدْعُ، وإنْ كان مُفْطِرًا فلْيَطْعَمْ» رواهُ أبو داودَ، ورواهُ مُسلِمٌ أيضًا، ولفظُه: «فإن
(1)
كان صائِمًا فلْيُصَلِّ»
(2)
، ولأِنَّ الصَّومَ واجِبٌ عليه، فلم يَجُزْ تَرْكُه؛ ولأِنَّ صاحِبَ الطَّعام يَعذرُه، فلا يُؤَدِّي إلى كَسْرِ قَلْبِه.
(وَإِنْ كَانَ نَفْلاً) أفْطَرَ؛ لأِنَّ فيه إدخالَ السُّرور على قَلْبِ أخيه المسلِمِ.
وقِيلَ: إنْ جَبَرَ قَلْبَ داعِيهِ.
وقِيلَ
(3)
: يَدْعُو أوْ يَنصرِفُ، نَصَّ عليه
(4)
، ويُستَحَبُّ له إعْلامُهم بصَومه، وهو قَولُ عثمانَ
(5)
وابنِ عمرَ
(6)
؛ لأِنَّ التُّهمةَ تَزُولُ ويَتَمَهَّدُ عُذْرُه.
(أَوْ
(7)
كَانَ مُفْطِرًا؛ اسْتُحِبَّ لَهُ الْأَكْلُ) إنْ شاءَ، قاله أحمدُ
(8)
، وفي
(9)
(1)
في (ظ): إن.
(2)
أخرجه مسلم (1431)، وأبو داود (2460).
(3)
في (ظ): وقيل نصُّه.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 363.
(5)
علقه البخاري بصيغة الجزم (9/ 70)، ووصله أحمد في الزهد (689)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 1019)، عن أبي عثمان أن غلام المغيرة بن شعبة تزوج، فأرسل إلى عثمان وهو أمير المؤمنين، فلما جاء قال:«أما إني صائم، غير أني أحببت أن أجيب الدعوة، وأدعو بالبركة» ، وصحح إسناده الحافظ في الفتح 13/ 164.
(6)
أخرجه الشافعي في الأم (6/ 196)، والبيهقي في الكبرى (14535)، عن عبيد الله بن أبي يزيد: دعا أبي عبدَ الله بن عمر، فأتاه فجلس، ووضع الطعام، فمد عبد الله بن عمر يده وقال:«خذوا باسم الله» ، وقبض عبد الله يده وقال:«إني صائم» ، وإسناده صحيح.
(7)
في (ظ) و (م): وإن.
(8)
ينظر: المغني 7/ 278.
(9)
في (م): في.
«الواضح» : ظاهِرُ الحديث وُجوبُه، وفي مُناظَراتِ ابنِ عَقِيلٍ: لو غَمَسَ إصبعَه في ماءٍ ومَصَّها؛ حَصَلَ به إرْضاءُ الشَّرع، وإزالة المأْثَمِ بإجْماعِنا، ومِثْلُه لا يُعَدُّ إجابةً عُرْفًا، بل استِخْفافًا بالدَّاعِي.
(وَإِنْ
(1)
أَحَبَّ؛ دَعَا وَانْصَرَفَ)؛ لدُخوله في قَوله عليه السلام: «وإنْ كان صائمًا فلْيَدْعُ» ، ولأِنَّ الأكلَ غَيرُ واجِبٍ نَصًّا؛ لقَوله عليه السلام:«إذا دُعِيَ أحدُكم فلْيُجِبْ، فإنْ شاءَ أَكَلَ، وإنْ شاءَ تَرَكَ» رواهُ مُسلِمٌ مِنْ حديثِ جابِرٍ
(2)
.
وقَولُه: «فلْيَطْعَمْ» محمولٌ على الاِسْتِحْباب، ولأِنَّه لو وَجَبَ الأكلُ؛ لَوَجَبَ على المتطوِّعِ بالصَّوم، بل المقصودُ الإجابةُ.
(وَإِنْ
(3)
دَعَاهُ اِثْنَانِ
(4)
؛ أَجَابَ أَوَّلَهُمَا)؛ لقَوله عليه السلام: «فإنْ سَبَقَ أحدُهما فأَجِب الذي سَبَقَ» رواه أبو داود
(5)
، ولأِنَّ إجابَتَه وجَبَتْ بدَعْوته، فلم تَزُلْ بدَعْوة الثَّاني، والسَّبْقُ بالقَول، وقِيلَ: بالباب.
(1)
في (ظ): فإن.
(2)
أخرجه مسلم (1430).
(3)
في (م): فإن.
(4)
في (م): إنسان.
(5)
أخرجه أحمد (23466)، وأبو داود (3756)، وابن أبي شيبة (998)، من حديث رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:«إذا اجتمع الدّاعيان فأجب أقربهما بابًا، فإن أقربهما بابًا أقربهما جوارًا، وإن سبق أحدهما فأجبِ الذي سبق» ، وفي سنده: أبو خالد الدالاني - يزيد بن عبد الرحمن الأسدي -، مختلف فيه، وهو صدوق يخطئ كثيرًا، وكان يدلس، والحديث ضعفه ابن الملقن وابن حجر والألباني.
وأخرج البخاري (2259)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يا رسول الله، إنّ لي جارين، فإلى أيِّهما أُهدي؟ قال:«إلى أقربهما منك بابًا» ، وهذا الحديث في الإهداء، والحديث السابق في الإِجابة، وقد جعل ابن حجر حديث عائشة هذا شاهدًا للحديث. ينظر: تهذيب الكمال 33/ 274، البدر المنير 8/ 16، التلخيص الحبير 3/ 397، بلوغ المرام (1047)، الإرواء 7/ 11.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِب الثَّاني، وهو صحيحٌ، لكِنْ بشَرْطِ أنْ لا يَتَّسِعَ الوقْتُ لِإجابَتِهما؛ لأِنَّه لو وَجَبَ عليه إجابةُ الثَّانِي مع عَدَمِ اتِّساع الوَقْتِ؛ لَأوْجَبْنا عليه ما لا
(1)
يُمْكِنُه فِعْلُه إلاَّ بتَرْكِ واجِبٍ مِثْلِه، بل أرجح
(2)
، فإن
(3)
اتَّسَعَ الوَقْتُ لهما؛ وجبا
(4)
؛ للأخبار.
(فَإِنِ اسْتَوَيَا؛ أَجَابَ أَدْيَنَهُمَا)؛ لأِنَّ كَثْرةَ الدِّين لها أثَرٌ في التَّقديم، بدليلِ الإمامة
(5)
.
(ثُمَّ أَقْرَبَهُمَا جِوَارًا)، وكذا في «المستوعب»؛ لقَوله عليه السلام:«إذا اجْتَمَعَ داعِيانِ؛ فأجِبْ أقْرَبَهُما بابًا، فإنَّ أقْرَبَهما بابًا أقْرَبُهما جِوارًا» رواه أبو داودَ
(6)
.
وفي «الفروع» : يُقدِّمُ أسْبَقَهما ثُمَّ أقْرَبَهما.
وفي «المغني» و «الكافي» : يُقدِّمُ أقْرَبَهم جِوارًا ثُّم رَحِمًا.
وفي «المحرَّر» و «الرِّعاية» و «الوجيز» عَكْسُه.
ثُمَّ القُرْعةُ بعدَ الكلِّ.
(وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِي الدَّعْوَةِ مُنْكَرًا؛ كَالزَّمْرِ وَالْخَمْرِ، وَأَمْكَنَهُ الْإِنْكَارُ؛ حَضَرَ وَأَنْكَرَ)؛ لأِنَّه يؤدِّي
(7)
فَرضَينِ؛ إجابةَ الدَّعوةِ وإزالةَ المنكَرِ، (وَإِلاَّ) إذا لم يُمكِنْه الإنكارُ؛ (لَمْ يَحْضُرْ)؛ لأنَّ
(8)
عليه ضَرَرًا في الحُضور،
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
زيد في (م): منه.
(3)
في (ق): وإن.
(4)
في (م): وجب.
(5)
في (ظ) و (ق): الأمانة.
(6)
جزء من الحديث السابق.
(7)
في (م): مؤدي.
(8)
في (م): لأنه.
ولأِنَّه يحرم
(1)
عليه مُشاهَدةُ ذلك؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ فلا يَقعُدْ على مائدةٍ
(2)
يُدارُ عَلَيها الخمرُ» رواهُ التِّرمِذِيُّ، وقال:(حَسَنٌ غَرِيبٌ)
(3)
، ولأِنَّه يُشاهِدُ المنكَرَ مِنْ غَيرِ حاجةٍ إليه، فمُنِعَ منه؛ كما لو شاهَدَه مع القدرة على إزالته.
(وَإِنْ حَضَرَ فَشَاهَدَ
(4)
المنكَرَ؛ أَزَالَهُ وَجَلَسَ)؛ لأِنَّ في ذلك جَمْعًا بَينَ مصلحتي
(5)
الإنكار ومقصودِ الإجابة الشَّرعيَّةِ، (فَإِنْ لَمْ يَقْدِرِ؛ انْصَرَفَ)؛ لأِنَّ الجلوسَ مع مُشاهَدَة المحرَّم
(6)
حرامٌ، وقد خرَجَ أحمدُ مِنْ وليمةٍ فيها آنيةُ فضَّةٍ، فقال الدَّاعِي: نُحوِّلُها؛ فلم يَرجِعْ، نَقَلَه حنبلٌ
(7)
.
(وَإِنْ عَلِمَ بِهِ، وَلَمْ يَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ؛ فَلَهُ الْجُلُوسُ)؛ لأِنَّ المحرَّمَ رؤيةُ المنكَر وسَماعُه، ولم يُوجَدْ واحِدٌ منهما، وله الأكلُ، نَصَّ عليه، وله الاِمْتِناعُ
(1)
في (م): محرم.
(2)
في (ق): بمائدة.
(3)
أخرجه أحمد (14651)، والترمذي (2801)، وفي سند أحمد: ابن لهيعة، وفي سند الترمذي: ليث بن أبي سليم، وهما ضعيفان، وقال الترمذي:(حسن غريب)، وروي من وجه آخر قوي: أخرجه النسائي في الكبرى (6708)، والحاكم (7779)، من حديث جابر رضي الله عنه، وقال ابن حجر في الفتح:(إسناده جيد).
وأخرجه أحمد (125)، والبيهقي في الكبرى (14549)، من حديث عمر رضي الله عنه، وفي سنده راوٍ مجهول، وأخرجه أبو داود (3774)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مطعمين: عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر» ، وقال أبو داود:(منكر)، وأعله غيره كذلك. ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 715، الفتح 9/ 250، التلخيص الحبير 3/ 415، الإرواء 7/ 6.
(4)
في (م): وشاهد.
(5)
في (م): مصلحتين.
(6)
في (ظ): التحريم.
(7)
ينظر: الفروع 8/ 370.
من الحضور في ظاهر كلامِه؛ لإسقاط
(1)
الدَّاعِي حُرْمَةَ نفسِه باتخاذ
(2)
المنكَرِ، قال أحمدُ: لا بأسَ، وفي «المُذهب»
(3)
و «المستوعب» : لا يَنصَرِفُ، وقاله أحمدُ
(4)
، وإنْ وَجَبَ الإنكارُ على روايةٍ أوْ قَولٍ.
(وَإِنْ شَاهَدَ سُتُورًا مُعَلَّقَةً فِيهَا صُوَرُ الْحَيَوَانِ؛ لَمْ يَجْلِسْ، إِلاَّ أَنْ تُزَالَ
(5)
؛ أي: إذا كانَتْ صورة
(6)
الحَيَوان على السُّتور والحيطان وما لا يُوطَأُ، وأمْكَنَه حَطُّها أوْ قَطْعُ رأسها؛ فَعَلَ ذلك وجَلَسَ، وإنْ لم يُمْكِنْه ذلك انْصَرَفَ، وعليه أكثرُ العلماء، قال ابنُ عبدِ البَرِّ:(وهذا أعْدَلُ المذاهب)
(7)
؛ لأِنَّ عائشةَ نَصَبَتْ سِتْرًا فيه
(8)
تصاويرُ، فَدَخَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فنَزَعَه، قالت
(9)
: «فقَطَّعْتُه وِسادتَينِ، فكانَ يرتفق
(10)
عليهما» متَّفَقٌ عليه
(11)
.
وأمَّا دخول منزلٍ فيه تصاويرُ؛ فلَيسَ بمحرَّمٍ، وإنَّما أُبِيحَ تَرْكُ الدَّعوة من أجله؛ عقوبةً للدَّاعي بإسقاط حُرمته؛ لاِتِّخاذه المنكَرَ في داره، فلا يَجِبُ على مَنْ رآه في منزل الدَّاعي الخُروجُ في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ
(12)
، ذَكَرَه في «المغْنِي» . وفيه وَجْهٌ.
(1)
في (ظ): لإسقاط. قوله: (كلامه كإسقاطه) في (م): كلام الإسقاط.
(2)
في (م): بإيجاد.
(3)
في (م): «المهذب» .
(4)
في (م): قاله أحمد. يُنظر جميع ما سبق: الفروع 8/ 370.
(5)
في (م): يزال.
(6)
في (م): صور.
(7)
ينظر: التمهيد 21/ 199.
(8)
في (م) و (ق): وفيه.
(9)
في (م): فقالت.
(10)
قوله: (يرتفق) مكانه بياض في (م).
(11)
أخرجه البخاري (5954)، ومسلم (2107) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(12)
ينظر: المغني 7/ 283.
فائدةٌ: إذا قَطَعَ رأسَ الصُّورة، أوْ ما لا تَبْقَى الحياةُ بعدَ ذهابه، أوْ جُعِلَ له رأسٌ مُنفَصِلٌ عن البدن؛ لم يَدخُلْ تحتَ النَّهي، وإنْ كان الذَّاهِبُ تَبْقَى الحياة بعدَه؛ كاليد والعَينِ، فهو صورةٌ، وصنعة
(1)
التَّصاوير مُحرَّمةٌ على فاعِلِها؛ للأخبار
(2)
، والأمر
(3)
بعَمَلِها مُحرَّمٌ؛ كَعَمَلِها.
(فَإِنْ
(4)
كَانَتْ مَبْسُوطَةً، أَوْ عَلَى وِسَادَةٍ؛ فَلَا بَأْسَ بِهَا)؛ لأن
(5)
فيه إهانة لها، ولأِنَّ تحريمَ تعليقها إنَّما كان لِمَا فيه من التَّعظيم والإعزاز والتشبه
(6)
بالأصنام التي تُعْبَدُ، وذلك مفقودٌ في البُسُط، ولقَولِ عائشةَ:«رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا على نمْرُقةٍ فيها تَصاوِيرُ» رواهُ ابنُ عبدِ البَرِّ
(7)
؛ ولأِنَّ فيه إهانةً؛ كالبُسُطِ.
(وَإِنْ سُتِرَتِ الْحِيطَانُ بِسُتُورٍ) غيرِ حريرٍ (لَا صُوَرَ فِيهَا، أَوْ فِيهَا صُوَرُ غَيْرِ الْحَيَوَانِ؛ فَهَلْ يُبَاحُ
(8)
؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما
(9)
: يُكْرَه، وهو عُذْرٌ في تَرْكِ الإجابة إلى الدَّعوة، قال أحمدُ:
(1)
في (م): وصفة.
(2)
من ذلك ما أخرجه البخاري (2105)، ومسلم (2107)، من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«إن أصحابَ هذه الصور يومَ القيامة يُعذَّبون، فيقال لهم: أَحْيُوا ما خلقتم» .
(3)
في (م): وللأمر.
(4)
في (م): وإن.
(5)
في (ظ): لما.
(6)
في (م): والتشبيه.
(7)
ينظر: التمهيد (16/ 50)، والاستذكار (8/ 485)، والمصنف رحمه الله تعالى يشير إلى ما أخرجه مسلم (2107)، من حديث عائشة، قالت:«دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليّ وقد سترتُ نمطًا فيه تصاوير، فنحّاه» ، فاتخذتُ منه وسادتين. وفي رواية: قالت: «فأخذته فجعلتُه مرفقتين، فكان يرتَفِق بهما في البيت» .
(8)
في (ق): تباح.
(9)
في (ظ): أحدهما.
(قد خَرَجَ أبو أيُّوبَ حَينَ دَعاهُ ابنُ عمرَ فرأى البيتَ قد سُتِرَ)
(1)
رواه الأثرم، وابن عمرَ أقرَّ
(2)
على ذلك
(3)
.
وقال أحمدُ: (دُعِيَ حذيفةُ
(4)
، فخَرَجَ، وإنَّما رأى شَيئًا من زِيِّ الأعاجِمِ)
(5)
، وكَراهَتُه لِمَا فيه من السَّرَف، وذلك لا يَبلُغُ به التَّحريمَ. والأخرى: يَحرُمُ؛ لِمَا رَوَى الخَلاَّلُ عن عليِّ بنِ الحُسَينِ، قال:«نهى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ تُسْتَرَ الجُدُرُ»
(6)
، وكما لو كانت السُّتُرُ حريرًا.
واختار في «المغْنِي» الأوَّلَ؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ في تحريمه
(7)
حديثٍ، ولو ثَبَتَ
(1)
ينظر: الورع ص 149.
(2)
في (م): أقوى.
(3)
علقه البخاري (7/ 25)، ووصله ابن أبي شيبة (25252)، وأحمد في الورع كما في التغليق (4/ 424)، والطبراني في الكبير (3853)، وإسناده جيد كما قال الألباني في آداب الزفاف ص 201.
(4)
في (م): حديثه.
(5)
ينظر: الورع ص 149.
والأثر: أخرجه أحمد في الورع (ص 189)، عن أبي عبيدة قال: دُعي حذيفة إلى شيء، وذكر القصة. إسناده جيد، وأبو عبيدة بن حذيفة بن اليمان روى عنه جماعة، واحتج أحمد بالأثر في مواطن من كتاب الورع. وأخرجه الخلال كما في الاقتضاء (1/ 361)، بإسناده عن محمد بن سيرين، عن حذيفة بنحوه. وروي مختصرًا مرفوعًا: أخرجه البزار (2966)، والطبراني في الأوسط (8327).
(6)
أخرجه البيهقي في الكبرى (14589)، من طريق حكيم بن جبير، عن علي بن حسين مرسلاً. وحكيم بن جبير الأسدي ضعيف متكلّم فيه، وعلي بن الحسين زين العابدين من الطبقة الوسطى من التابعين، والحديث ضعفه البيهقي والألباني. وله شاهد أخرجه العقيلي (1/ 169)، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وفيه تمام بن بزيع، متروك ليس بشيء، قال العقيلي:(لم يحدِّث بهذا الحديث عن محمد بن كعب ثقةٌ، رواه هشام بن زياد أبو المقدام وعيسى بن ميمون ومصارف بن زياد القرشي، وكلُّ هؤلاء متروك). ينظر: الكامل 2/ 279، تاريخ الإسلام 3/ 398، 4/ 590، الصحيحة (2384).
(7)
في (ظ): تحريمه في.
حُمِلَ
(1)
على الكراهة.
فإنْ كان ضرورةٌ مِنْ حَرٍّ أوْ بَرْدٍ؛ فلا بَأْسَ؛ لأِنَّه يَستَعمِلُه
(2)
لحاجةٍ، أشْبَهَ السِّتْرَ على الباب، وفي جَوازِ خروجِه لأِجْلِه وَجْهانِ.
فلو كان فيها آنية ذَهَبٍ
(3)
أوْ فِضَّةٍ؛ فهو منكَرٌ يَخرُجُ من أجْلِه، وكذا ما كان من
(4)
الفضَّة مُستعْمَلاً؛ كالمُكْحلة.
(وَلَا يُبَاحُ الْأَكْلُ بِغَيْرِ إِذْنٍ) صريحٍ أوْ قرينةٍ؛ كدُعائه إليه، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأِنَّ أكْلَ مالِ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه مُحرَّمٌ؛ كلُبْس ثَوبِه ورُكوبِ دابَّتِه.
(وَالدُّعَاءُ إِلَى الْوَلِيمَةِ إِذْنٌ فِيهِ)، جَزَمَ به في «المغْنِي» وغَيره؛ لقَولِه عليه السلام:«رسولُ الرَّجُل إلى الرَّجل إذْنُه» رواهُ أبو داودَ بإسْنادٍ جيِّدٍ
(6)
، وعن ابنِ مسعودٍ:«إذا دُعِيتَ فقد أُذِنَ لك» رواه أحمدُ
(7)
.
وظاهِرُه: ولو من بَيتِ قريبه وصَديقِه، ولم يُحرزه
(8)
عنه، نَقَلَه ابنُ القاسِمِ
(9)
.
(1)
في (م): ولو ثبتت لحمل.
(2)
في (ظ): لم يستعمله.
(3)
في (م): من ذهب.
(4)
في (ظ): في.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 368.
(6)
أخرجه أحمد (10894)، وأبو داود (5189)، والبزار (9867)، وابن حبان (5811)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده صحيح، وقد صححه ابن حبان والألباني. ينظر الإرواء 7/ 16.
(7)
لم نقف عليه في كتب الإمام أحمد، وأخرجه ابن أبي شيبة (25828)، والبخاري في الأدب المفرد (1074)، والطبراني في الكبير (8559)، عن أبي الأحوص عنه. قال الألباني في الإرواء 7/ 17:(إسناده صحيح على شرط مسلم).
(8)
في (م): ولم يجزه.
(9)
ينظر: الفروع 8/ 368.
وجَزَمَ
(1)
جماعةٌ: أنَّه يَجوزُ، واخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، وهو أظْهَرُ.
وفي «الفروع» : لَيسَ الدُّعاءُ إِذْنًا للدُّخول في ظاهر كلامهم.
وجَزَمَ القاضي في «المجرد»
(3)
وابنُ عَقِيلٍ، فِيمَنْ كَتَبَ مِنْ مِحْبَرةِ غَيرِه: يَجوزُ في حقِّ مَنْ ينبسط
(4)
إلَيهِ، ويَأْذَنُ له عُرْفًا.
(وَالنِّثَارُ وَالْتِقَاطُهُ مَكْرُوهٌ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّه «عليه الصلاة والسلام نهى عن النُّهْبى
(5)
والمُثْلة» رواه أحمدُ والبخاريُّ من حديث عبدِ الله بن يزيد
(6)
الأنصاريِّ
(7)
، ولأِنَّ فيه تَزاحُمًا وقِتالاً، وقد يأخُذُه مَنْ غَيرُه أحبُّ إلى صاحبه، وربَّما دلَّ على دَناءَةِ نَفْسِ المنْتَهِب.
لا يُقالُ: ظاهِرُه التَّحريمُ؛ لأِنَّه مردودٌ بالإجماع أنَّه للإباحة، ذَكَرَه في «المغْنِي»
(8)
، ولأِنَّه نَوعُ إباحةٍ لمال
(9)
، فلم يكُنْ مُحرَّمًا كسائر الإباحات.
(وَعَنْهُ: لَا يُكْرَهُ)، اختارها أبو بكرٍ، وقاله الحَسَنُ وقَتادةُ؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بن قُرْطٍ قال: قُرِّبَ للنبي
(10)
صلى الله عليه وسلم خَمْسُ بَدَناتٍ أوْ سِتٌّ، فقال:«مَنْ شاء اقْتَطَعَ» رواه أبو داود
(11)
،
(1)
زاد في: (ظ): به. وعبارة الفروع 8/ 368: (وجزم به في الجامع، وظاهر كلام ابن الجوزي وغيره: يجوز، واختاره شيخنا، وهو أظهر).
(2)
ينظر: الفروع 8/ 368.
(3)
في (م): «المحرر» .
(4)
في (ظ): تبسط.
(5)
في (م): النهب.
(6)
في (م): زيد.
(7)
أخرجه أحمد (18740)، والبخاري (2474).
(8)
ينظر: المغني 7/ 288.
(9)
في (م): المال.
(10)
في (م): النبي.
(11)
أخرجه أحمد (19075)، وأبو داود (1765)، وابن خزيمة (2917)، والحاكم (7522)، وصححه ابن خزيمة والحاكم والذهبي والألباني، وحسنه البيهقي. ينظر: السنن الكبرى 7/ 470، صحيح سنن أبي داود 6/ 14.
وهذا
(1)
جارٍ مجرى النِّثار، وقد رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دُعِيَ إلى وليمةِ رجلٍ من الأنصار، وجَعَلَ يُزاحِمُ النَّاس على النُّهْبة، قالوا: يا رسول الله! أَوَمَا نَهَيْتَنا عن النُّهبة؟! قال: «إنَّما نَهَيتُكُم عن نُهْبة العساكِر، ولم أنْهَكُم عن نُهْبة الولائم» رواه العُقَيليُّ
(2)
، ولأِنَّه نَوعُ إباحةٍ، أشْبَهَ إباحةَ الطَّعام للضِّيفان
(3)
.
وعنه: لا يُعجِبُنِي، هذه نُهْبةٌ لا تُؤكَلُ، وفرَّقَ ابنُ شِهابٍ وغَيرُه: بأنَّه بذَبْحه زال ملْكُه، والمساكينُ عندَه سَواءٌ، والنَّثْر
(4)
لا يُزيلُ الملْكَ.
(وَمَنْ حَصَلَ فِي حِجْرِهِ شَيْءٌ؛ فَهُوَ لَهُ)؛ لأِنَّه مُباحٌ حَصَلَ في حِجْره فَمَلَكَه؛ كما لو وَثَبَتْ إليه سمكةٌ، ولَيسَ لأِحَدٍ أخْذُه.
وفي «المحرَّر» : يَملِكُه مع القَصْد، وبِدُونِ القَصْدِ وَجْهانِ.
فرعٌ: إذا قَسَّم على الحاضرين؛ فلا بأْسَ؛ لقَولِ أبي هُرَيرةَ: «قسَّمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بَينَ أصحابه تَمْرًا»
(5)
،
(1)
قوله: (وهذا) في (ظ): وقال هذا.
(2)
أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير (1/ 142)، والطبراني في الأوسط (118)، وابن الجوزي في الموضوعات (2/ 265)، من طريق بشر بن إبراهيم الأنصاري، عن الأوزاعي، عن مكحول، عن عروة، عن عائشة، قالت: حدّثني معاذ بن جبل رضي الله عنهم، فذكر نحوه. وبشر بن إبراهيم: منكر الحديث عن الثقات والأئمة، ممن يضع الحديث على الأوزاعي وغيره. وأخرجه الطبراني في الكبير (191)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 215)، والبيهقي في الكبرى (14684)، من طريق أخرى عن معاذ رضي الله عنه، وفي إسناده مجاهيل وانقطاع، ولا يثبت في هذا الباب شيء كما قاله البيهقي وغيره. والحديث ضعفه جدًّا العقيلي وابن عدي وابن الجوزي وغيرهم. ينظر: الكامل 2/ 167، لسان الميزان 5/ 437، اللآلئ المصنوعة 2/ 140، تنزيه الشريعة 2/ 208.
(3)
في (ق): للصبيان.
(4)
في (ق): والشيء.
(5)
أخرجه البخاري (5411)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وقد رُوِيَ عن
(1)
أحمدَ: أنَّه حَذقَ بَعْضَ وَلَدِه، فقَسَّم على الصِّبْيان الجَوْزَ، لكلِّ واحدٍ خمسة
(2)
، ولأِنَّ بذلك تَنْتَفِي المفْسَدةُ، مع أنَّ فيه إطعامَ الطَّعام، وجَبْرَ القلوب وانبساطَها، وهو مصلحة
(3)
مَحْضَةٌ.
(وَيُسْتَحَبُّ إِعْلَانُ النِّكَاحِ، وَالضَّرْبُ عَلَيْهِ بِالدُّفِّ)؛ لِمَا رَوَى محمَّدُ بنُ حاطِبٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «فَصْلُ
(4)
ما بَينَ الحَلال والحَرام: الصَّوتُ والدُّفُّ في النِّكاح» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ، والتِّرمِذِيُّ وحسَّنه
(5)
، قال أحمدُ: يُستَحَبُّ أنْ يُظْهَرَ النِّكاحُ، ويُضرَبَ عليه بالدُّفِّ، حتَّى يَشْتَهِرَ ويُعرَفَ
(6)
، قِيلَ: ما
(7)
الدُّفُّ؟ قال: هذا الدف
(8)
، قِيلَ له في روايةَ جَعْفَرٍ: يكونُ فيه جَرَسٌ؟ قال: لا
(9)
، قال أحمدُ
(10)
: يُستَحَبُّ ضَرْبُ الدُّفِّ، والصَّوتُ في الإمْلاك، فقِيلَ له: ما الصَّوتُ؟ قال: يَتكلَّمُ، ويَتحدَّث، ويَظهَرُ، ولا بأْسَ بالغَزَل فيه؛
(1)
قوله: (عن) سقط من (م).
(2)
ينظر: المغني 7/ 288.
(3)
في (م): حكم.
(4)
في (م): فضل.
(5)
أخرجه أحمد (15451)، والترمذي (1088)، والنسائي (3369)، وابن ماجه (1896)، والحاكم (2750)، من طرق عن أبي بلج - يحيى بن سليم الواسطي -، عن محمد بن حاطب الجمحي رضي الله عنه. وسنده حسن؛ فإنّ أبا بلج الفزاري، وثقه الأكثرون، وهو صدوق ربّما أخطأ، والحديث حسّنه الترمذي وابن الملقن والألباني، وصححه الحاكم والذهبي، وألزم الدارقطني مسلمًا إخراجه، قال:(وهو صحيح)، وفي الباب أحاديث أخرى. ينظر: البدر المنير 9/ 644، الإرواء 7/ 50.
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 320.
(7)
في (م): وما.
(8)
قوله: (هذا الدف) في (م): الدق. والمثبت موافق لما في المغني: 7/ 83.
(9)
ينظر: الفروع 8/ 377.
(10)
ينظر: المغني: 7/ 83.
كقوله عليه السلام للأنصار: «أتَيْناكُم أتَيناكُم فحَيُّونا نُحيِّيكم
…
» الأبياتَ
(1)
.
وإنَّما يُستَحَبُّ الضَّرْبُ به للنِّساء، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وظاهر نصوصِه، وكلام الأصحاب يَدُلُّ على التَّسوية، قِيلَ له في روايةِ المرُّوذِيِّ: ما ترى
(2)
للنَّاس اليومَ، تُحرِّكُ الدُّفَّ في إملاكٍ أوْ بِناءٍ بلا غِناءٍ؛ فلم يَكرَهْ ذلك
(3)
.
وخِتانٌ وقُدومُ غائبٍ مِثْلُه، نَصَّ عليه
(4)
.
وعُلِم منه: تحريمُ كلِّ مَلْهاةٍ سِواهُ؛ كمِزْمارٍ
(5)
، وطُنبورٍ، ورَبابٍ، وجنك
(6)
، سَواءٌ اسْتُعْمِل لحُزْنٍ أوْ سُرورٍ.
وسأله
(7)
ابنُ الحَكَمِ عن النَّفْخ في القَصَبة كالمزمار
(8)
، قال: أكْرَهُه،
(1)
أخرجه أحمد (15209)، والنسائي في الكبرى (5540)، وابن عدي (2/ 139)، من طرق عن الأجلح، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه به. وأخرجه ابن ماجه (1900)، من هذا الطريق عن ابن عباس رضي الله عنه. ومداره على الأجلح، وهو صدوق فيه لين، مختلف فيه، وأبو الزبير مدلس وقد عنعن، ولعلّ الاختلاف فيه من الأجلح نفسه، فإن فيه ضعفًا، والحديث ضعفه ابن عدي والألباني، وفي الباب أحاديث لا تخلو من مقال. وأصل الحديث أخرجه البخاري (5162)، من حديث عائشة رضي الله عنها، أنها زفّت امرأةً إلى رجل من الأنصار، فقال نبيّ الله صلى الله عليه وسلم:«يا عائشة، ما كان معكم لهو؟ فإنّ الأنصار يعجبهم اللّهو» . ينظر: علل الدارقطني/ 158، السنن الكبرى 7/ 71، الصحيحة (2981)، الإرواء 7/ 5152.
(2)
في (م): ما يرى.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين: 3/ 141.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 377.
(5)
في (ق): كزمار.
(6)
جنك: جيمه وكافه عجميتان، ويطلق على الدف الذي يضرب به، ويقال للذي يضربه: جنكي. ينظر: تاج العروس 27/ 100.
(7)
في (م): سأله.
(8)
قوله: (القصبة كالمزمار) في (م): القصب.
وفي القضيب
(1)
وَجْهانِ.
وفي «المغني» : لا يُكرَه إلاَّ مع تصفيقٍ أوْ غِناءٍ أوْ رَقْصٍ ونحوِه.
وكَرِهَ أحمدُ الطَّبْلَ لغَيرِ حَرْبٍ
(2)
، واسْتَحَبَّه ابنُ عَقِيلٍ؛ لِتَنْهيضِ طِباعِ الأوْلِياء، وكَشْفِ صُدور الأعْداء، ولَيسَ عَبَثًا.
(1)
في (م): القصب. والمراد: الضرب بالقضيب. ينظر: الفروع 8/ 376.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 377.
فَصْلٌ يَتعلَّقُ بآداب الأَكْل وغَيرِه
الأوَّل: يُستحَبُّ غَسْلُ يَدَيه قبلَ الطَّعام وبعدَه، نَصَّ عليه
(1)
.
وإنْ كانَ على وُضوءٍ.
وعنه: يُكرَهُ قبلَه، اختاره القاضي.
واستحبَّه في «المُذهب» بعد ما له غمرٌ.
ويُكرَه بطعامٍ، ولا بأْسِ بنُخالةٍ، وغَسْلُه في الإناء الذي أَكَلَ فيه، نَصَّ عليهما
(2)
.
قال بعضُهم: ويُكرَهُ بدقيقِ حِمَّصٍ، وعَدَسٍ، وباقِلَاء، ونحوِه.
الثَّاني: أنَّه
(3)
إذا قُدِّمَ إليه الطَّعام فإنَّه يَحرُمُ أخْذُه، فإنْ عَلِمَ بقرينةٍ رِضَا مالِكِه؛ ففي «التَّرغيب»: يُكرَه، وقِيلَ: يُباحُ، وأنَّه يُكرَهُ مع ظنِّه رِضاهُ، ولا يَملِكُه بتقديمه
(4)
إليه، بل يَهلِكُ على ملْكِ صاحبِه.
الثَّالثُ: يَلْعَقُ أصابِعَه قَبْلَ غَسْلها، أوْ يُلعِقُها، ويَعرِضُ الماءَ لغَسْلهما، ويقدمه
(5)
بقُرب الطَّعام، ولا يَعرِضُه، ذَكَرَه في «التَّبصرة» .
الرَّابِعُ: يُستحَبُّ له التَّسميةُ في ابتدائه، ويأكُلُ بيمينه، ويَحمَدُ إذا فَرَغَ، وقِيلَ: يَجِبُ ذلك.
قال الأصحابُ: يَقولُ باسم الله، وفي الخَبَرِ المشهورِ:«يَقولُ: باسم الله أوَّلَه وآخِرَه»
(6)
، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (لو زاد «الرَّحمن الرَّحيم»
(1)
ينظر: المغني 7/ 289.
(2)
ينظر: المغني 7/ 292، الفروع 8/ 362.
(3)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(4)
في (م): ولا يملك بتقدمه.
(5)
في (م): ويقدم.
(6)
أخرجه أحمد (26089)، وأبو داود (3767)، والترمذي (1858)، وابن ماجه (3264)، والحاكم (7087)، عن أمِّ كلثوم، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا. وفي سنده ضعف؛ لجهالة أم كلثوم - سواء أكانت اللّيثية أو التيميّة - فقد تفرَّد عنها عبد الله بن عبيد بن عمير. والحديث صححه الحاكم والذهبي وابن القيم، وحسّنه الترمذي، وقال:(حسن صحيح). وله شواهد عن ابن مسعود وغيره بها يصير الحديث صحيحًا لغيره كما قاله الألباني. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 613، زاد المعاد 2/ 362، أحاديث معلّة ظاهرها الصحة (489)، الإرواء 7/ 24.
كان حسنًا بخِلافِ الذَّبح)
(1)
.
ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: أنَّه جَعَلَ عندَ كلِّ لُقْمةٍ يُسَمِّي ويَحمَدُ، قال أحمدُ: يأكُلُ بالسُّرور مع الإخوان، وبالإيثار مع الفقراء، وبالمروءةِ معَ أبْناء الدُّنيا، وأَكْلٌ وحمدٌ
(2)
خَيرٌ مِنْ أكْلٍ وصَمْتٍ
(3)
.
الخامِسُ: يُستحَبُّ الأكلُ بثلاثِ أصابِعَ مِمَّا يَلِيهِ، قال جماعةٌ: والطَّعامُ نوعٌ واحِدٌ، قال الآمِدِيُّ: لا بأْسَ وهو وَحْدَه، وقال ابنُ حامِدٍ: ويَخلَعُ نَعْلَيهِ.
السَّادِسُ: يُكرَه عَيبُ الطَّعام، وحرَّمه في «الغُنْية» ، ونَفْخُه فيه، وقال الآمِدِيُّ: لا يُكرَهُ وهو حارٌّ، وأكْلُه حارًّا، وفِعْلُ ما يَستَقْذِره مِنْ غَيره، ورفعُ يده
(4)
قَبْلَهم بلا قرينةٍ، ومَدْحُ طعامِه وتقويمُه، وحرَّمهما في «الغُنْية» ، وتَنَفُّسُه في إنائه، وأكْلُه مِنْ وَسَطِه وأعْلاهُ، قال أحمدُ: ومُتَّكِئًا
(5)
، وعلى الطَّريق، قاله في «الغُنْية» .
السَّابِعُ: يُكرَه قِرانُه في التَّمر، وقِيلَ: مع شَريكٍ لم يأْذَنْ، قال بعضُهم: وكذا قران ما العادةُ جاريةٌ بتَناوُله مُفْرَدًا، ونَقَلَ مُهَنَّى: أكْرَهُ أنْ يُستَعْمَلُ الخُبْزُ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 351.
(2)
في (م): وحمد وأكل.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 364.
(4)
قوله: (يده) سقط من (ظ) و (ق).
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4713.
على المائدة، ولا بأْسَ بتكْسِيره، قال أحمدُ: لئلاَّ يَعرفَ ما يأكُلونَ
(1)
.
الثَّامِنُ: له قَطْعُ لَحْمٍ بسِكِّينٍ، والنَّهيُ عنه لا يَصِحُّ
(2)
، قاله
(3)
أحمدُ
(4)
، واحتجُّوا بنهيٍ ضعيفٍ على الكراهة، ولو على قول
(5)
، قال في «الفُروع»: فيتوجه
(6)
هنا مِثْلُه بلا حاجةٍ.
التَّاسِعُ: يجوز أكله
(7)
كثيرًا حَيثُ لا يُؤذِيهِ، وفي «الغُنية»: يُكرَهُ مع خَوفِ تُخَمَةٍ، وحرَّمه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(8)
، وكذا الإسْرافُ فيه إلى مُجاوَزَةِ الحَدِّ، ولا بأْسَ بإطْعامِ ما جَرَتْ به العادةُ؛ كسائِلٍ، وسِنَّوْرٍ، وتَلْقِيمٍ، وفي تقديم: الأظْهَر جَوازُه.
العاشِرُ: لا يُكرَهُ شُرْبُه قائِمًا، نَقَلَه الجماعةُ
(9)
، وعنه: بلى، وسأَلَه صالِحٌ عن شُرْبِه قائمًا في نَفَسٍ، قال: أرجو
(10)
،
(1)
ينظر: الفروع 8/ 365.
(2)
يشير المصنف رحمه الله تعالى: إلى ما أخرجه أبو داود (3778)، والنسائي (2243)، والبيهقي في الكبرى (14626)، من طرق عن أبي معشر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا:«لا تُقطِّعوا اللّحمَ بالسّكين فإنه من صنيع الأعاجم، وانهسوه؛ فإنّه أهنأ وأمرأ» ، وأبو معشر: نجيح بن عبد الرحمن المدنيّ، وهو ضعيف، ومع ضعفه كان قد اختلط، وعنده أحاديث مناكير، كما قاله النّسائي، والحديث ضعفه أحمد وأبو داود والنسائي وابن القطان والبيهقي. ينظر: المغني 9/ 433، بيان الوهم 4/ 512، زاد المعاد 4/ 279، 341، المنار المنيف ص 129.
(3)
في (م): قال.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 366.
(5)
في (م): قوله.
(6)
في (م): ويتوجه.
(7)
في (م): أكل.
(8)
ينظر: الفروع 8/ 366، الاختيارات ص 351.
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 348، مسائل ابن منصور 9/ 4714.
(10)
لم نجده في المطبوع من مسائل صالح، وينظر: الفروع 8/ 368.
وفي «الفروع» : ويتوجَّهُ كأكل
(1)
، وظاهِرُ كلامهم: لا يُكرَهُ أكلُه قائمًا، ويتوجَّه كشرْبٍ، قاله شَيخُنا
(2)
.
وكَرِهَ أحمدُ الشرْبَ مِنْ فِيْ
(3)
السِّقاء
(4)
، والجُلوسَ بَينَ ظِلٍّ وشَمْسٍ، والنَّومَ بعدَ العصر، وعلى سَطْحٍ غَيرِ محجرٍ، واسْتَحَبَّ القائلةَ نصفَ النَّهار والنَّومَ إذنْ
(5)
.
الحادي عَشَرَ: لا بأْسَ بالتَّخليل، قال
(6)
في روايةِ عبدِ الله: عنِ ابنِ عمرَ: «تَرْكُ الخِلالِ يُوهِنُ الأَسْنانَ»
(7)
، قال الأطِبَّاءُ: هو نافِعٌ لِلِّثَةِ وتَغَيُّرِ
(8)
النَّكْهة.
الثَّاني عَشَرَ: لا بأْسَ أنْ يَخلِطَ المسافِرونَ أزْوادَهم ويأكُلوا جميعًا؛ لأِنَّه فِعْلُ السَّلَف، نَقَلَ أبو داودَ: لا بأْسَ أنْ يَتناهَدَ في الطَّعام ويَتصدَّقَ منه، لم يَزَل النَّاسُ يَفْعَلونَه
(9)
، ويتوجَّه روايةٌ: لا يَتصدَّقُ منه إلاَّ بإذْنٍ.
مسألةٌ: له دُخولُ بِيَعةٍ وكَنِيسةٍ والصَّلاةُ فيهما، وعنه: يُكرَهُ، وعَنْهُ: مَعَ صُورةٍ، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: تحريم
(10)
دخوله معها.
(1)
في (م): كأكله.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 368.
(3)
قوله: (في) سقط من (م).
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4715.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 367.
(6)
في (م): قاله.
(7)
ينظر: الفروع 8/ 366.
والأثر: أخرجه ابن أبي شيبة (24601)، والطبراني في الكبير (13065)، عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحوه. وإسناده صحيح كما قال الألباني في الإرواء 7/ 33، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 5/ 30:(رجاله رجال الصحيح).
(8)
في (ق): ويغير.
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 188.
(10)
قوله: (تحريم) سقط من (م).
ويَحرُمُ شُهودُ عِيدٍ ليهودٍ أوْ نصارَى، نَقَلَه مُهَنَّى
(1)
، وكَرِهَه الخَلاَّلُ، وفيه تنبيهٌ على المنع أنْ يَفعَلَ كفِعْلِهم، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، لا البيع
(2)
لهم فيها، نَقَلَه مُهَنَّى
(3)
، وحرَّمه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وخرَّجَه على الرِّوايتَينِ في حَمْلِ التِّجارة إلى دار الحرب، وأنَّ مِثْلَه: مُهاداتُهم لِعِيدِهم، واللهُ أعْلَمُ.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 373.
(2)
في (م): بيع.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 373.