الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَابُ عِشْرَةِ النِّسَاءِ)
وهِيَ ما يكونُ بَينَه وبَينَ أهْلِه من الأُلْفَة والاِنضِمامِ.
(يَلْزَمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّوْجَيْنِ مُعَاشَرَةُ الْآخَرِ بِالْمَعْروفِ)، (والمرادُ هنا
(1)
: النَّصَفَةُ
(2)
، وحُسْنُ الصُّحْبة مع الأهْل.
(وَأَنْ لَا يَمْطُلَهُ)، هو بضمِّ الطَّاء، والمَطْلُ: الدَّفْعُ عن الحقِّ بوعدٍ
(3)
، (بِحَقِّهِ، وَلَا يُظْهِرَ الْكَرَاهَةَ لِبَذْلِهِ)؛ لقَوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 19]، {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 228]
(4)
، قال أبو زَيدٍ
(5)
: (تتقون
(6)
الله فيهنَّ، كما عَلَيهنَّ أنْ يتَّقِينَ اللهَ فيكُمْ)، وقال ابنُ الجَوْزيِّ وغَيرُه:(هو المعاشَرةُ الحَسَنةُ، والصُّحبةُ الجميلةُ)، قال ابنُ عبَّاسٍ: «إنِّي لَأُحِبُّ أنْ أتزَيَّنَ
(7)
للمرأة، كما أُحِبُّ أنْ تتزيَّنَ لي»
(8)
؛ لهذه الآيةِ.
فعلى هذا: يلزم
(9)
تحسينُ الخُلُقِ والرِّفقُ، واسْتَحبَّهما في «المغْنِي»
(1)
في (م): هذه.
(2)
قال في المصباح 2/ 608: (وأنصفت الرجل إنصافًا: عاملته بالعدل والقسط، والاسم: النَّصَفة، بفتحتين؛ لأنك أعطيته من الحق ما تستحقه لنفسك).
(3)
في (م): بوعده.
(4)
قوله: ({وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}) ليس في (م).
(5)
كذا في المغني 7/ 293، والشرح الكبير 21/ 377، وصوابه كما في شرح الزركشي 5/ 339: ابن زيد، وهو عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. ينظر: تفسير الطبري 4/ 119.
(6)
في (م) و (ق): يتقون.
(7)
في (ق): يتزين.
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (19263)، والطبري في التفسير (4/ 120)، وابن أبي حاتم في التفسير (2196)، والبيهقي في الكبرى (14728)، إسناده صحيح ورجاله ثقات.
(9)
في (م): يلزمه.
و «الشَّرح» ؛ كاحْتِمالِ أذاه؛ لقوله تعالى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النِّسَاء: 36]؛ قِيلَ: هو كل
(1)
واحِدٍ من الزَّوجَينِ، ولقوله تعالى:{فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النِّسَاء: 19]، قال ابن عبَّاسٍ:«ربَّما رُزِقَ منها وَلَدٌ فجَعَلَ الله فيه خَيرًا كثيرًا»
(2)
، وعن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اسْتَوصُوا بالنِّساء خَيرًا، فإنَّها خُلِقَتْ من ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شَيءٍ في الضِّلَع أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تقِيمُه كَسَرْتَه، وإنْ ترَكْتَه لم يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوصُوا
(3)
بالنساء
(4)
» مُتَّفَقٌ عليه، ولَفظُه لمسلِمٍ
(5)
، وعن أمِّ سَلَمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما امرأةٍ ماتت
(6)
وزَوجُها راضٍ عنها؛ دَخَلت الجَنَّةَ» رواه ابن ماجه، والتِّرمذي، وقال: حسَنٌ غَريبٌ
(7)
، فدلَّ أنَّ حقَّ الزَّوج عَلَيها آكَدُ مِنْ حقِّها عليه.
(وَإِذَا تَمَّ الْعَقْدُ وَجَبَ تَسْلِيمُ الْمَرْأَةِ)؛ لأِنَّ بالعقد يَستَحِقُّ الزَّوجُ تسليمَ المعوَّض، كما تَستَحِقُّ المرأةُ تسليمَ العِوَض، وكالإجارة، (فِي بَيْتِ الزَّوْجِ)؛ لأِنَّ الحقَّ له، فمَلَكَ تعيينَ مَوضِعِه، وله شُرُوطٌ:
(1)
قوله: (كل) سقط من (م).
(2)
أخرجه الطبري في التفسير (6/ 539)، وابن أبي حاتم في التفسير (5045)، عن محمد بن سعد العوفي، حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه عنه. وهذه سلسلة ضعيفة.
(3)
في (ظ): واستوصوا.
(4)
قوله: (خيرًا فإنها خلقت من ضلع) إلى هنا سقط من (م).
(5)
أخرجه البخاري (3331)، ومسلم (1468).
(6)
في (ظ) و (ق): باتت. والمثبت موافق لما في السنن.
(7)
أخرجه التِّرمذي (1161)، وابن ماجه (1854)، والطبراني (884)، والحاكم (7328)، من طريق مساور الحميري، عن أمّه، عن أمّ سلمة رضي الله عنها مرفوعًا. ومساور وأمه مجهولان، وقد تفرّد هو عنها كما قال الذهبي وابن حجر. والحديث صححه الحاكم والذهبي تارةً، وضعفه ابن الجوزي والذهبيّ تارةً، والألباني، وحَكَما عليه بالنكارة. وقال التِّرمذي:(حسن غريب). ينظر: العلل المتناهية 2/ 141، الميزان 4/ 95، 612، الضعيفة (1426).
(إِذَا طَلَبَهَا)؛ لأِنَّ الحقَّ له، فلا يَجِبُ بدونِ الطَّلَب.
(وَكَانَتْ حُرَّةً)؛ لأِنَّ الأَمَةَ لا يَجِبُ تسليمُها مُطلَقًا، بل لَيلاً؛ لأنَّ
(1)
النَّهارَ تكونُ في خِدْمةِ سيِّدِها.
(يُمْكِنُ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا)؛ لأِنَّ التَّسليمَ إنَّما وَجَبَ ضرورةَ اسْتِيفاء الاِسْتِمْتاع الواجِبِ، فإذا لم يُمكِن الاِسْتِمتاعُ بها لم يكُنْ واجِبًا.
وظاهِرُه: ولو كانت نِضْوةَ الخِلقة
(2)
وهو جسيمٌ، فإنَّه يَجِبُ تسليمُها؛ كما لو كانَتْ مريضةً مرضًا
(3)
مُزمِنًا.
ويُقبَلُ قَولُ امرأةٍ ثقةٍ في ضِيقِ فَرْجها، وعَبَالَةِ ذَكَرِه ونحوِه، وتَنظُرهما وَقْتَ اجْتِماعِهما؛ للحاجة، ولو أنْكَرَ أنَّ وَطْأَه يُؤذِيها؛ لزمها
(4)
البيِّنةُ.
ونَصَّ على أنَّها تكونُ بنتَ تِسْعٍ
(5)
، قال القاضي: ليس هذا عِنْدِي على سبيل التَّحديد، وإنَّما ذَكَرَه؛ لأِنَّه الغالِبُ.
ولا يَلزَمُ ابْتِداءُ تسليمِ مُحرِمةٍ، ومريضةٍ، وصغيرةٍ، وحائضٍ، ولو قال: لا أَطَأ، وفيه احْتِمالٌ.
(وَلَمْ تَشْتَرِطْ
(6)
دَارَهَا)، فإنْ شَرَطَتْه لَزِمَ الوَفاءُ به، ويَجِبُ عَلَيها تسليمُ نفسها في دارها.
(وَإِنْ سَأَلَتِ الْإِنْظَارَ؛ أُنْظِرَتْ مُدَّةً جَرَتِ الْعَادَةُ بِإِصْلَاحِ أَمْرِهَا فِيهَا)؛ لأِنَّ ذلك يسيرٌ، جَرَت العادةُ بمثله، يَدُلُّ عليه قَولُه صلى الله عليه وسلم: «لا تَطْرُقُوا النِّساءَ لَيْلاً،
(1)
قوله: (بل ليلاً لأنَّ) في (م): بدليل أنَّ.
(2)
في (م): الخلق.
(3)
قوله: (مرضًا) سقط من (م).
(4)
في (م): لزمه.
(5)
ينظر: مسائل صالح 2/ 147، مسائل عبد الله ص 324.
(6)
في (ظ) و (ق): ولم يشترط.
حتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ، وتَسْتَحِدَّ المُغِيبةُ»
(1)
، فمَنَعَ من الطُّروق، وأَمَرَ بإمْهالها لِتُصْلِحَ أمْرَها مع تقدم
(2)
صُحْبَتِها له، فهنا
(3)
أَوْلَى.
وقيَّده في «المغْنِي» ، و «الكافي» ، و «الشَّرح»: باليَومَينِ والثَّلاثة؛ لأِنَّ ما يحتاج
(4)
إليه يمكن
(5)
فِعْلُه في ذلك، لا لعمل
(6)
جهازها، وكذا لو سأل هو الإنظارَ.
وفي «الغُنْية» : إن اسْتَمْهَلَتْ هي أوْ أهْلُها؛ اسْتُحِبَّ له إجابَتُهم ما يُعلَمُ به التهيؤ
(7)
؛ من شِراءِ جِهازٍ، وتَزَيُّنٍ. ووليُّ مَنْ به صغرٌ
(8)
أوْ جُنونٌ مِثْلُه.
(وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً؛ لَمْ يَجِبْ تَسْلِيمُهَا إِلاَّ بِاللَّيْلِ) مع الإطلاق، نَصَّ عليه
(9)
؛ لأِنَّها مملوكة
(10)
عُقِدَ على إحْدَى منفعتها
(11)
، فلم يَجِبْ تسليمُها في غَيرِ
(1)
لم نقف عليه بهذا السِّياق المذكور، وقد أخرج البخاري (5246)، ومسلم (715) من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا:«إذا قدم أحدكم ليلاً، فلا يأتينّ أهلَه طروقًا، حتى تستحدّ المغيبة، وتمتشط الشعثة» . وأخرج الدارمي (458)، والطبراني في الكبير (11626)، من طريق زمعة، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«لا تطرقوا النساء ليلاً» . وزمعة اليماني منكر الحديث كثير الغلط، وابن وهْرام صدوق إلاّ أن زمعة روى عنه أحاديث مناكير. قاله أبو حاتم وغيره. ينظر: الجرح والتعديل 4/ 175، العلل الكبير للترمذي (ص 158، 389)، تهذيب الكمال 11/ 329.
(2)
في (م): فقد.
(3)
في (م): فيها.
(4)
في (م) و (ق): تحتاج.
(5)
في (م): ممكن.
(6)
في (م): لا يعمل.
(7)
في (م) و (ق): النهي.
(8)
في (م): سعة.
(9)
ينظر: الإنصاف 21/ 384.
(10)
في (م): مملوك.
(11)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 294: منفعتيها.
وقتها، كما لو آجرها
(1)
لخدمة النَّهار.
فلو شرطه
(2)
نهارًا، أوْ بذله
(3)
سيِّدٌ؛ وَجَبَ، حتَّى ولو شرط
(4)
كَونَها عندَ السَّيِّد.
فإنْ بَذَلَه، وقد شَرَطَه لنفسه؛ فَوَجْهانِ.
(وَلَهُ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا مَا لَمْ يَشْغَلْهَا
(5)
عَنِ الْفَرَائِضِ، مِنْ غَيْرِ إِضْرَارٍ بِهَا)؛ لقَوله تعالى:{وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 19]، ولقوله عليه السلام: «مَنْ باتَتْ مُهاجرةً
(6)
فراشَ زَوْجِها لَعَنَتْها الملائكةُ حتَّى تُصْبِحَ» مُتَّفَقٌ عليه من حديثِ أبي هُرَيرَةَ
(7)
، ولأِنَّ المقصودَ من النِّكاح الاِسْتِمْتاعُ، فإذا لم يَشغَلْها عن الفرائض، ولم يَضُرَّ بها؛ وَجَبَ عليها التَّمكينُ منه.
وظاهِرُه: له الاِسْتِمْتاعُ بها
(8)
في قُبُلٍ، ولو مِنْ جهةِ العَجُز، قال ابنُ الجَوزيِّ: كَرِهَ العُلَماءُ الوَطْءَ بَيْنَ الأَلْيَتَينِ؛ لأِنَّه يَدْعُو إلى الوطء في الدُّبر.
«ولو كانَتْ على تَنُّورٍ أوْ ظَهْرِ قَتَبٍ» رواه أحمدُ مرفوعًا
(9)
.
(1)
في (م): أجبرها.
(2)
في (م): شرط.
(3)
في (م): أبدله.
(4)
في (ظ) و (ق): شرطا.
(5)
في (م): ما لم يشتغلها.
(6)
في (م): هاجرة.
(7)
أخرجه البخاري (5194)، ومسلم (1436).
(8)
قوله: (بها) سقط من (م).
(9)
أخرجه أحمد (16288)، والطبراني في الكبير (8235)، بلفظ:«إذا أراد أحدكم من امرأته حاجة فليأتها ولو كانت على تنور» وفيه: محمد بن جابر اليمامي وهو سيئ الحفظ، وتابعه عبد الله بن بدر وهو ثقة كما أخرجه التِّرمذي (1160)، والنسائي في الكبرى (8922)، وابن حبان (4165)، من طريقه عن قيس بن طلق، عن أبيه طلق بن علي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته، وإن كانت على التنور» قال التِّرمذي: (حسن غريب)، وله طريق آخر بسند ضعيف عند الطيالسي (1193)، والطبراني في الكبير (8248)، وابن عدي في الكامل (2/ 13)، وله شواهد أخرى، وصححه ابن حبان والألباني. ينظر: الصحيحة (1202).
ولا تتطوَّعُ
(1)
بصلاةٍ وصَومٍ إلاَّ بإذنه، نقله حنبلٌ
(2)
، وأنَّها تُطِيعُه في كل
(3)
ما أمَرَها به من الطَّاعة.
(وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا)، حتى ولو
(4)
كان عبدًا؛ لأِنَّه «عليه السلام كان يُسافِرُ بنِسائه»
(5)
، ولأِنَّه تدعو الحاجةُ إلى الاِسْتِمْتاع وهو حقٌّ عليها، فكان له ذلك بلا إذْنٍ، بشَرْطِ أَمْنِ الطَّريق.
(إِلاَّ أَنْ تَشْتَرِطَ بَلَدَهَا)؛ لقَوله عليه السلام: «إنَّ أحقَّ الشُّروط أنْ يُوفَى به
(6)
ما اسْتَحْلَلْتُم به الفُروجَ»
(7)
، أوْ تكون
(8)
أَمَةً، قال في «الشَّرح»: إنْ أرادَ السَّيِّدُ السَّفَرَ بها؛ فقد توقَّفَ أحمدُ عن ذلك.
وفي ملْكِ السَّيِّد له بلا إذْنِ زَوْجٍ صحبه أم
(9)
لا؛ وَجْهانِ، ويَنبَنِي عليهما: لو بَوَّأَها مَسكَنًا لِيأْتِيَها الزَّوجُ فيه؛ هل يَلزَمُه؟ قاله في «التَّرغيب» .
فرعٌ: له السَّفرُ بعبده المزوَّج بدونِ إذْنِ زوجته، نَصَّ عليه
(10)
، واستِخْدامُه نهارًا.
(1)
في (ق): تطوع.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 387.
(3)
قوله: (كل) سقط من (م).
(4)
في (ظ) و (ق): لو.
(5)
أخرجه البخاري (2688)، من حديث عائشة رضي الله عنها، قالت:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها معه» .
(6)
قوله: (يوفى به) في (م): توفى.
(7)
أخرجه البخاري (2721)، ومسلم (1418) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(8)
في (ظ): يكون.
(9)
في (م): أو.
(10)
ينظر: المحرر 2/ 42.
وإنْ قُلْنا: النَّفقةُ والمهرُ في كَسْبِه؛ لم يَمْنَعْه منه.
مسألة: لو قال سيِّدٌ: بِعْتُكَها، قال: زوَّجْتَنِيها؛ وَجَبَ تسليمُها للزَّوج؛ لاِتِّفاقِهما على اسْتِحْقاقه لها، ويَلزَمُه الأقلُّ من ثَمَنِها أوْ مَهْرِها، ويَحلِفُ لثَمَنٍ زائدٍ، فإنْ نَكَلَ؛ لَزِمَه.
وعندَ القاضي: لا مهرَ ولا ثَمَنَ ولا يمينَ عندَه على البائع؛ لأِنَّه لا يراها في نكاحٍ.
وذَكَرَ الأَزَجِيُّ كذلك إلاَّ في اليمين، قال: وإنْ نَكَلَ أحدُهما عنها؛ قُضِيَ عليه، وثبت
(1)
ما يدَّعِيهِ الآخَرُ مِنْ بَيعٍ أوْ زَوجيَّةٍ، وإنْ أوْلَدَها فهو حُرٌّ، لا وَلاءَ عليه، ولا تُرَدُّ الأمةُ إليه؛ لاِعْتِرافِه بأنَّها أمُّ وَلَدٍ، ونَفَقَتُه على أبيه، ونَفَقتُها على الزَّوج.
وقال الأَزَجِيُّ: إنْ قُلْنا لا تحل
(2)
له؛ فهل هي على مالكها السَّابق، أم في كَسْبِها؟ فيه احْتِمالانِ.
(وَلَا يَجُوزُ وَطْؤُهَا فِي الْحَيْضِ) إجْماعًا
(3)
، وسَنَدُه الآيةُ.
(ولَا الدُّبُرِ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِمَا رَوَى أبو هريرةَ وابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَنْظُرُ الله إلى رجلٍ جامَعَ امرأته
(4)
في دُبُرِها» رواه ابن ماجَهْ
(5)
، وقَولِه تعالى:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البَقَرَة: 223]؛
(1)
في (م): ويثبت.
(2)
في (ظ): لا يحل.
(3)
ينظر: مراتب الإجماع ص 23، الإقناع في مسائل الإجماع 1/ 103.
(4)
في (ظ) و (ق): امرأة.
(5)
أخرجه أحمد (7684)، وأبو داود (2162)، والنسائي في الكبرى (8965)، وابن ماجه (1923)، من طرق عن سهيل بن أبي صالح، عن الحارث بن مخلَّد، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. ورجاله ثقات غير الحارث بن مُخَلَّد، وقد روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبّان في الثقات، والحديث ضعفه ابن القطان وغيره، وجوّده ابن عبد الهادي، وصحّحه البوصيري، وحسّنه الألباني وحديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه التِّرمذي (1165) وحسّنه، وصححه ابن راهويه وابن الجارود وابن حبان، وأُعلّ بالإرسال، وفي الباب شواهد أخرى لا تخلو من مقال عن جمع من الصحابة، قال الذهبيُّ:(قد تيقنّا بطرق لا محيد عنها نهيَ النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أدبار النِّساء، وجزَمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير). ينظر: بيان الوهم 4/ 455، تنقيح التحقيق 4/ 371، سير أعلام النبلاء 14/ 128، البدر المنير 7/ 650، مصباح الزجاجة 2/ 110، صحيح سنن أبي داود 6/ 375، آداب الزفاف (ص 105).
أيْ: كيفَ شئْتُم إلا في
(1)
الدُّبُرَ؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ قال: «كان اليهودُ يقولونَ إذا جامَعَ الرَّجُلُ امْرأتَه في فَرْجِها مِنْ ورائها جاءَ الولدُ أحْول، فأُنزلت
(2)
هذه الآية؛ أيْ: مِنْ بَينِ يَدَيْها ومِنْ خَلْفِها غَيرَ أنَّه لا يأتيها إلاَّ في المأْتَى»
(3)
.
فإنْ تَطاوَعا عليه؛ فُرِّقَ بَينَهما، ويُعزَّرُ عالِمٌ بتحريمه، بخِلافِ وَطْءِ الأجنبيَّة.
ولَيسَ لها استِدْخالُ ذَكَرِه وهو نائِمٌ بلا إذْنِه، بل القُبْلةُ واللَّمْسُ لشَهْوةٍ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» .
(وَلَا يَعْزِلُ)؛ أيْ: يَنْزِعُ قرب
(4)
الإنزال، فيُنزِلُ خارِجَ الفَرْج، (عَنِ الْحُرَّةِ إِلاَّ بِإذْنِهَا)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ
(5)
قال: «نهى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ يُعْزَلَ عن الحُرَّة إلاَّ بإذْنِها» رواه أحمدُ وابنُ ماجَهْ
(6)
، ولأِنَّه يَقطَعُ اللَّذَّةَ عن الموْطوءةِ، ولها حقٌّ
(1)
قوله: (في) سقط من (ق).
(2)
في (م): فأنزل الله.
(3)
أخرجه البخاري (4528)، ومسلم (1435)، وأخرجه بتمامه سعيد بن منصور في التفسير (366).
(4)
في (م): قبل.
(5)
كذا في النسخ الخطية، ولعله تبع ما في الممتع 3/ 721، والذي في المغني 7/ 298 والشرح الكبير 21/ 393 والمصادر الحديثية: عن عمر رضي الله عنه.
(6)
أخرجه أحمد (212)، وابن ماجه (1928)، والطبراني في الأوسط (3679)، والبيهقي في الكبرى (14324)، من طريق ابن لهيعة قال: حدثني جعفر بن ربيعة، عن الزهري، عن محرر بن أبي هريرة، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه به مرفوعًا، وهو ضعيف؛ لضعف ابن لهيعة، ولانقطاعه؛ فإنّ جعفر بن ربيعة لم يسمع من الزهريّ كما قاله أبو داود، وأقرّه المزي. وذكر الدارقطني:(أن ابن لهيعة وهم فيه، وأنّ الصّواب: أنه مرسل من حديث حمزة بن عبد الله بن عمر، عن أبيه)، ولهذا قال أبو زرعة:(هذا من تخاليط ابن لهيعة، وهو عندي خطأ)، والحديث ضعفه أحمد، وقال:(ما أَنْكرَه)، وضعفه البوصيري والألباني، وأخرجه البيهقي في الكبرى (14325)، عن ابن عباس موقوفًا، وسنده صحيح. ينظر: مسائل أبي داود (1869)، علل الدارقطني 2/ 93، علل ابن أبي حاتم 4/ 37، زاد المعاد 5/ 130، مصباح الزجاجة 2/ 112، التلخيص الحبير 3/ 382، الإرواء 7/ 70.
في الولد، وعَلَيها ضَرَرٌ، فلم يَجُزْ إلاَّ بإذْنِها، إلاَّ بدارِ حَرْبٍ، فيُسَنُّ عَزْلُه مُطلَقًا، ذَكَرَه في «الفصول» ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ.
(وَلَا عَنِ الْأَمَةِ) المعْقودِ عليها (إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا)؛ لأِنَّ الولدَ حقٌّ للسَّيِّد، فاشْتُرِطَ إذْنُه، وهذا إذا لم يَشْرِطْ حُرِّيَّتَه.
وقيل: وإذْنُها؛ لأِنَّها زوجةٌ تَملِكُ المطالَبةَ بالوَطْء في الفَيئةِ؛ والفَسْخِ عندَ تعذُّره بالعُنّة، وتَرْكِ العَزْلِ مِنْ تمامِه، فلم يَجُزْ إلاَّ بإذْنِها؛ كالحُرَّةِ.
وقِيلَ: يُباحُ العَزْلُ مُطلَقًا، رُوِيَ عن عليٍّ
(1)
، وسعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ
(2)
، وأبي أيُّوبَ
(3)
،
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (2/ 130)، عن المنهال بن عمرو: أن رجلاً سأل عليًّا رضي الله عنه عن امرأته وهي حائض، أيعزل عنها مخافة الولد؟ فرخص له في ذلك. مرسل، ورجاله ثقات.
(2)
أخرجه مالك (2/ 595)، والبيهقي في الكبرى (14317)، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، «عن سعد بن أبي وقاص؛ أنه كان يعزل» ، إسناده صحيح. وأخرجه سعيد بن منصور (2241)، وابن أبي شيبة (16599)، عن مصعب بن سعد:«أن سعدًا كان يعزل عن الأمة، إذا خشي أن تحمل» ، وإسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
(3)
في (ق): وأبي تراب.
أخرجه عبد الرزاق (12574)، عن خارجة بن زيد:«أن أبا أيوب كان يعزل» ، وإسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (12575)، وابن أبي شيبة (16587)، عن سعيد بن المسيب، قال:«كانت الأنصار لا يرون بأسًا بالعزل، وكان ممن يقول ذلك: زيد وأبو أيوب وأُبي» ، وإسناده صحيح.
وزيدِ بنِ ثابتٍ
(1)
، وجابِرٍ
(2)
، وابنِ عبَّاسٍ
(3)
؛ استِدْلالاً بمَفْهومِ حديثِ الحُرَّة، ولأِنَّ حقَّها في الوطْءِ دُونَ الإنْزالِ، بدليلِ أنَّه يُخرِجُ من الفَيئةِ والعُنَّة.
وقِيلَ: عَكْسُه.
وظاهِره: أنَّه يَجُوزُ من أمته
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأِنَّه لا حقَّ لها في الوَطْءِ، ولا في الولد
(6)
، فلم تملك
(7)
المطالَبةَ بالقَسْم والفَيئة، فلأن لا تملك
(8)
المنْعَ من العَزْل أَوْلَى.
وفي أمِّ الولدِ وجْهانِ.
(وَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الغُسْلِ مِنَ
(9)
الْحَيْضِ) والنِّفاس، مسلِمةً كانَتْ أوْ
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (16578)، عن أبي الزناد، عن خارجة بن زيد:«أن زيدًا كان يعزل عن جارية له» ، إسناده صحيح. وأخرجه مالك (2/ 595)، وعبد الرزاق (12555)، والبيهقي في الكبرى (14319)، من وجه آخر بإسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى.
(2)
أخرجه البخاري (5207)، ومسلم (1440)، عن جابر، قال:«كنا نعزل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم» ، وفي لفظ:«كنا نعزل والقرآن ينزل» .
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12556)، وسعيد بن منصور (2239)، والبيهقي في الكبرى (14322)، عن مجاهد، «عن ابن عباس رضي الله عنهما، كان يعزل عن أمة له» . وإسناده صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة (16581)، والطبراني في الكبير (12663)، والحاكم (3104)، عن زائدة بن عمير الطائي، عن ابن عباس في قوله:{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} ، قال:«من شاء أن يعزل فليعزل، ومن شاء أنْ لا يعزل فلا يعزل» ، وإسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
(4)
في (م): أمة.
(5)
ينظر: زاد المعاد 5/ 134.
(6)
في (ق): الوطء.
(7)
في (ظ): فلم يملك.
(8)
في (ظ): لا يملك.
(9)
قوله: (الغسل من) هو في (م): غسل.
ذمِّيَّةً، حرة كانت
(1)
أو أمةً؛ لأِنَّه يَمنَعُ الاِسْتِمْتاعَ الذي هو حقٌّ له، فمَلَكَ إجْبارَها على إزالة ما يَمنَعُ حقَّه.
فإن احْتاجَتْ إلى شِراءِ ماءٍ؛ فثمنه
(2)
عليه
(3)
في الأَشْهَرِ.
(وَالْجَنَابَةِ)؛ أيْ: له إجْبارُ المسلِمةِ عليه؛ لأِنَّه واجِبٌ عليها، وفي «الواضح»: ظاهِرُ المذهب: لَا، وفي «المحرَّر» روايَتانِ.
(وَالنَّجَاسَةِ)، فإنْ كانَتْ في فِيهَا؛ فله إجْبارُها على غَسْلِه؛ لِيتمكَّنَ من الاِستِمْتاع بِفِيها، وكذا لو تزوَّج مسلِمةً تعتقد
(4)
إباحةَ يسيرِ النَّبيذ.
(وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ)؛ كالسُّكْر؛ لأِنَّه واجِبٌ عَلَيها، لا ما دونَه
(5)
، نَصَّ عليه.
وتُمنَعُ
(6)
من دخولِ كنيسةٍ وبِيعةٍ، لا شَدِّ الزُّنَّار، ولا يَشتَرِيهِ لها، نَصَّ عليه
(7)
.
(وَأَخْذِ الشَّعْرِ الذِي تَعَافُهُ النَّفْسُ)؛ كشَعْرِ العانة إذا طالَ، روايةً واحدةً، ذكره
(8)
القاضي، وكذا الأَظْفارُ، فإنْ طالا
(9)
قليلاً بحَيثُ لا تَعافُه النَّفْسُ؛ فَوَجْهانِ.
وهل له مَنْعُها من أكْلِ ذِي رائحةٍ كريهةٍ؛ كبَصَلٍ وكُرَّاثٍ؟ فيه وَجْهانِ.
(1)
قوله: (كانت) سقط من (ظ).
(2)
في (م): قيمته.
(3)
في (ق): عليها.
(4)
في (م): مسلم يعتقد.
(5)
قوله: (ما دونه) في (ق): مأذونة.
(6)
في (ق): ويمنع.
(7)
ينظر: الشرح الكبير 21/ 398.
(8)
في (م): ذكر.
(9)
في (م): وإن طال.
(إِلاَّ الذِّمِّيَّةَ، فَلَهُ إِجْبَارُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنَ الْحَيْضِ) والنِّفاس على الأصحِّ؛ لأِنَّ إباحةَ الوطء تَقِفُ عليه.
والثَّانية: لا تُجْبر
(1)
على ذلك، فعلى ذلك: يَطَأُ بدونه.
(وَفِي سَائِرِ)؛ أيْ: باقِي (الأَشْيَاءِ رِوَايَتَانِ):
أصحُّهما: أنَّها تُجْبَرُ؛ لأِنَّ كمالَ الاِسْتِمْتاع يَقِفُ عليه؛ إذ النَّفْسُ تَعافُ وَطْءَ مَنْ عَلَيها غُسْلٌ، أوْ شَرِبَتْ مُسْكِرًا، أوْ لَهَا شِعْرةٌ
(2)
.
والثَّانية: لا تُجْبَرُ؛ لأِنَّ غَسْلَ الجنابة والنّجاسة واجْتِنابَ المحرَّمِ عِندَنا غَيرُ واجِبٍ عليها.
وإزالةُ الشَّعْر غَيرُ مشروعٍ عِندَنا، إلاَّ شعَرَ العانَة إذا خَرَجَ عن العادة، فله إجْبارُها عليه روايةً واحدةً، ذكره
(3)
في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
وفي التَّنظيف، والاِسْتِحْداد، وتقليمِ الأظْفار؛ وَجْهانِ، قال القاضي: له إجْبارُها على الاِسْتِحْداد إذا طال الشَّعْرُ.
(1)
في (م) و (ق): لا يجبر.
(2)
في (م): شعر.
(3)
في (م): وذكره.
(فَصْلٌ)
(وَلَهَا عَلَيْهِ أَنْ يَبِيتَ عِنْدَهَا لَيْلَةً مِنْ كُلِّ أَرْبَع لَيَالٍ
(1)
، إذا كانت حرَّةً، بطلبها
(2)
؛ لِمَا رَوَى كَعْبُ بن سَوْرٍ
(3)
: «أنَّه كان جالِسًا عندَ عمرَ بنِ الخَطَّاب، فجاءت امرأةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، ما رأيتُ رجلاً قطُّ أفْضَلَ من زَوْجِي، والله إنَّه لَيَبِيتُ لَيلَه قائِمًا، ويَظَلُّ نهارَه صائِمًا، فاسْتَغْفَرَ لها، وأثْنَى عليها، واسْتَحْيَت المرأةُ، وقامَتْ راجِعةً، فقال كعبٌ: يا أميرَ المؤمنين، هَلاَّ أعْدَيتَ المرأةَ على زَوجِها؟ فقال: وما ذَاكَ؟ فقال: إنَّها جاءَتْ تشكوهُ
(4)
، إذا كان هذا
(5)
حاله في العبادة، متى
(6)
يتفرَّغُ لها؟! فبَعَثَ عمرُ إلى زَوجِها، وقال لكعبٍ: اقْضِ بَينَهما؛ فإنَّكَ فَهِمْتَ مِنْ أمْرِها ما لم أفْهَمْه، قال: فإنِّي أرى كأنَّها امرأةٌ عليها ثلاثُ نِسوةٍ هي رابعتهنَّ، فأَقْضِي له بثلاثةِ أيَّامٍ ولياليهن
(7)
يتعبَّدُ فيهن، ولها يومٌ وليلةٌ، فقال عمرُ: والله ما رأيُك الأوَّلُ بأعجبَ إليَّ
(8)
من الآخِرِ، اذْهَبْ فأنت قاضٍ على البصرة»، وفي لفظٍ: قال عمر: «نِعْم
(9)
القاضي أنتَ» رواه سعيدٌ، ثنا خالِدُ بنُ عبد الله، عن حُصَينٍ،
(1)
قوله: (من كل أربع ليال) هو في (ظ) و (ق): من أربع.
(2)
في (م): يطلبها.
(3)
في (م): سوار.
(4)
في (ق): تشكره.
(5)
قوله: (هذا) سقط من (ظ).
(6)
في (م): فمتى.
(7)
في (م): بلياليهن.
(8)
قوله: (إلى) سقط من (م).
(9)
قوله: (نعم) سقط من (ظ).
عن عامِرٍ الشَّعْبِيِّ
(1)
، وهذه قضيَّةٌ اشْتَهَرَتْ ولم تُنكَرْ، فكانت كالإجماعِ، يؤيده
(2)
: قوله عليه السلام لعبد الله بنِ عَمْرِو بنِ العاصِ: «فإنَّ لِجَسَدِك عَلَيكَ حَقًّا، ولزَوجِك عَلَيكَ حَقًّا» متَّفقٌ عليه
(3)
، ولأِنَّه لو لم يَجِبْ لها حقٌّ؛ لملَكَ الزَّوجُ تخصيصَ إحدى زوجاته به؛ كالزِّيادة في النَّفقة على قَدْرِ الواجِبِ.
(وَإِنْ
(4)
كَانَتْ أَمَةً؛ فَمِنْ كُلِّ ثَمَانٍ)، اختاره المؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّها على النِّصف من الحُرَّة؛ لأِنَّ زيادتَها على ذلك تُخِلُّ
(5)
بالتَّنصيف، وزيادةُ الحرَّة على ليلةٍ من أربعٍ زيادةٌ على الواجب، فتعيَّن
(6)
ما ذَكَرْنا.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا) - منهم صاحب «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» -:(مِنْ كُلِّ سَبْعٍ)؛ لأِنَّ أكثرَ ما يُمْكِنُ أنْ يُجمَعَ معها ثلاثُ حرائرَ، لهنَّ ستٌّ، ولها السَّابعةُ.
قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : والأوَّلُ أَوْلَى؛ أي
(7)
: لها ليلةٌ من ثمانٍ؛ لتَكونَ على النِّصف من الحُرَّة، فإنَّ حقَّها من كلِّ ثمانٍ ليلتانِ، فلو كان للأمَة ليلةٌ مِنْ سَبْعٍ؛ لَزَادَ على النِّصف، ولم يكُنْ للحُرَّة لَيلتانِ ولها ليلةٌ، ولأِنَّه إذا
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12586)، وابن سعد في الطبقات (7/ 92)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (498)، ووكيع في أخبار القضاة (1/ 275)، عن الشعبي به. قال أبو زرعة:(الشعبي عن عمر مرسل). وأخرجه عبد الرزاق (12588)، عن قتادة بنحوه مرسلاً أيضًا. وأخرج ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 1319)، عن محمد بن سيرين نحوه مرسلاً. قال ابن عبد البر:(خبر عجيب مشهور)، وصححه الألباني في الإرواء 7/ 80 بمجموع طرقه.
(2)
في (م): ويؤيده.
(3)
أخرجه البخاري (1975)، ومسلم (1159) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
(4)
في (ق): فإن.
(5)
في (ق): على.
(6)
في (م): على.
(7)
قوله: (أي) سقط من (م).
كان تحتَه ثلاثُ حرائرَ وأَمَةٌ، ولم يُرِدْ أنْ يزيدَ لهنَّ على الواجب، فقسم
(1)
بَينَهنَّ سَبْعًا، فما يَصنَعُ في اللَّيلة الثَّامنةِ؟ إن
(2)
أَوْجَبْنا عليهِ مَبِيتَها عندَ الحُرَّة؛ فقد زاد على الواجب، وإنْ باتَها عندَ الأَمَة؛ جَعَلَها كالحُرَّة، ولا سبيلَ إليه.
وعلى ما اختاره: تكونُ هذه اللَّيلةُ الثَّامنةُ له، إنْ أحَبَّ انفرَدَ بها فيها
(3)
، وإنْ أحبَّ باتَ عندَ الأُولَى مستأنِفًا
(4)
للقسم.
(وَلَهُ الاِنْفِرَادُ بِنَفْسِهِ فِيمَا بَقِيَ)، فإن
(5)
كان تحتَه حُرَّةٌ وأمةٌ؛ قَسَمَ لهنَّ ثلاثَ ليالٍ من ثمانٍ، وله الاِنفرادُ في خمسٍ، وإنْ كان تحتَه حُرَّتانِ وأَمَةٌ؛ فلهنَّ خَمْسٌ وله ثلاثٌ، وإنْ كان تحتَه حُرَّتانِ وأَمَتانِ؛ فلهنَّ ستٌّ وله لَيلتانِ، وإنْ كانَتْ أَمَةً؛ فلها ليلةٌ وله سَبْعٌ، وعلى قَول الأصحاب: لها ليلةٌ وله سِتٌّ.
لكِنْ قال أحمدُ: ما أُحِبُّ أنْ يبيتَ وحدَه إلاَّ أنْ يَضْطَرَّ، وقالَهُ في سفره وحدَه، وعنه: لا يُعجِبُنِي
(6)
.
وعن أبي هريرة مرفوعًا: «أنَّه لَعَنَ راكِبَ الفَلاة وحدَه والبائتَ وحده
(7)
» رواه أحمدُ
(8)
، وفيه طيِّبُ بنُ محمَّدٍ، قِيلَ: لا يَكادُ يُعرَفُ، وله مَناكِيرُ،
(1)
في (ظ) و (ق): يقسم.
(2)
في (م): فإن.
(3)
قوله: (فيها) سقط من (م).
(4)
قوله: (مستأنفًا) في (ظ): ستًا بقاء. والمثبت موافق للمغني 7/ 304، والشرح 21/ 404.
(5)
في (م): وإن.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 388.
(7)
قوله: (والبائت وحده) سقط من (م).
(8)
أخرجه أحمد (7855)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (4400)، وفي سنده: الطيب بن محمد اليمامي: مجهول لا يعرف، وله ما يُنكر، كما قال أبو حاتم والذهبي، وقال العقيلي:(يخالف في حديثه)، وحديثه هذا ضعفه البخاري والهيثمي، وحكم عليه الألباني بالنكارة، وأخرجه أبو نعيم في الحلية (6/ 283)، وفي سنده أبو سعيد المسيب بن شَرِيك التَّميميُّ، وهو متروك. ينظر: الضعفاء الكبير 2/ 232، تاريخ الإسلام 4/ 974، لسان الميزان 4/ 361، الضعيفة (1114).
وذَكَرَه ابنُ حِبَّان في الثِّقات.
(وَ) يَجِبُ (عَلَيْهِ أَنْ يَطَأَ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ مَرَّةً إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ)، على المذهب؛ لأِنَّه لو لم يكُنْ واجِبًا؛ لم يَصِرْ باليمين على تَرْكِه واجبًا؛ كسائر ما لا يَجِبُ، ولأنَّ
(1)
النِّكاحَ شُرِعَ لمصلحةِ الزَّوجَينِ، ودفع
(2)
الضَّرَر عنهما، وهو مُفْضٍ إلى دَفْعِ ضَرَرِ الشَّهوة عن المرأة، كإفضائه إلى دفعه
(3)
عن الرَّجل، ويكون الوطءُ حقًّا لهما جميعًا، ولأِنَّه لو لم يكُنْ لها فيه حقٌّ؛ لَمَا وجَبَ اسْتِئْذانُها في العَزْل؛ كالأمَة.
وشَرْطُ المدَّة ثُلُث
(4)
سَنَةٍ؛ لأِنَّ اللهَ قدَّرَ في حقِّ المُولِي ذلك، فكذا في حقِّ غَيرِه، وألا يكونَ عُذْرٌ، فإن كان
(5)
لمرض ونحوِه؛ لم يَجِبْ عليه من أجْلِ عُذْرِه.
(وَإِنْ سَافَرَ عَنْهَا)؛ لعُذْرٍ وحاجةٍ؛ سَقَطَ حقُّها من القَسْم والوطء، وإنْ طال سَفَرُه، بدليلِ أنَّه لا يُفسَخُ نكاحُ المفقود
(6)
إذا تَرَكَ لاِمرأته نفقةً.
وإنْ لم يكُنْ عُذْرٌ مانِعٌ من الرجوع
(7)
؛ فإنَّ أحمدَ ذَهَبَ إلى توقيته بستة
(8)
أشْهُرٍ، ونبَّه عليه بقوله:(أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَطَلَبَتْ قُدُومَهُ؛ لَزِمهُ ذَلِكَ)؛ لِمَا رَوَى أبو حفصٍ بإسْناده عن زيدِ بنِ أسلمَ، قال: بَينَا عمرُ بن الخَطَّاب يَحرُس المدينةَ، فمرَّ بامرأةٍ في بَيتها وهي تقولُ:
(1)
في (م): لأن.
(2)
في (ظ): ورفع.
(3)
في (ظ) و (ق): رفعه.
(4)
في (م): ثلاث.
(5)
قوله: (كان) في (ظ): لم يكن.
(6)
في (م): المقصود.
(7)
قوله: (من الرجوع) سقط من (م).
(8)
في (م): توفيته ستة.
تطاوَلَ هذا اللَّيلُ واسْوَدَّ جانِبُه
…
وطالَ عليَّ أن لا خَليلَ أُلاعِبُهْ
فو اللهِ لَوْلَا خَشْيةُ الله والحَيَا
…
لحُرِّك من هذا السَّريرِ جَوانِبُهْ
فسأل عنها، فقِيلَ له: فُلانةُ زَوجُها غائبٌ عنها في سبيل الله، فأرْسَلَ إليها امرأةً تكونُ مَعَها، وبَعَثَ إلى زَوْجِها فأقْفَلَه.
ثُمَّ دَخَلَ على حفصةَ، فقال: يا بنيَّة، كم تصبِرُ المرأة عن زَوجِها؟ فقالت: سبحانَ الله، مِثْلُك يَسأَلُ مِثْلِي عن هذا
(1)
؟! فقال: لَوْلَا أنِّي أُريد النَّظَرَ للمسلمين ما
(2)
سألتُكِ، فقالت: خمسةَ أشْهُرٍ، ستَّةَ أشْهُرٍ، فوقَّت للنَّاس
(3)
في مَغازِيهم ستَّةَ أشْهُرٍ، يَسِيرُونَ شَهْرًا، ويُقِيمونَ أربعةَ أشْهُرٍ، ويَرجِعونَ في شَهْرٍ
(4)
.
وسئلَ أحمدُ: (كمْ للرَّجل أنْ يَغِيبَ عن أهله؟ قال: يُرْوَى ستَّةُ أشْهُرٍ، وقد يَغِيبُ أكثرَ من ذلك لأِمْرٍ لا بُدَّ له منه)
(5)
، ويَلحَقُ بذلك: الحجُّ، وطَلَبُ رزقٍ محتاجٍ إليه، نَصَّ عليه.
(إِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ)، يَعْنِي: إذا كان له عُذْرٌ؛ لا يَلزَمُه القُدومُ؛ لأِنَّ صاحِبَ
(1)
قوله: (عن هذا) سقط من (م).
(2)
في (ق): فما.
(3)
في (ق): للمسلمين.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (2463)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 759)، عن زيد بن أسلم به. وهذا مرسل. وأخرجه البيهقي في الكبرى (17850)، من طريق مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر به. وإسناده صحيح متصل، لكن أخرجه العسكري في الأوائل (ص 414)، من طريق مالك، عن عبد الله بن دينار، ولم يذكر ابن عمر. وأخرجه عبد الرزاق (12594)، والبلاذري في أنساب الأشراف (10/ 336)، وابن أبي الدنيا في النفقة على العيال (495)، وأخرجه ابن أبي الدنيا في الإشراف (256)، والمعافى بن زكريا في الجليس الصالح (ص 591)، والخرائطي في اعتلال القلوب (399)، من طرق أخرى لا تخلو من ضعف.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1525، المغني 11/ 198.
العُذْر يُعذَرُ مِنْ أجْلِ عُذْره.
(فَإِنْ أَبَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ، فَطَلَبَتْ
(1)
الفُرْقَةَ؛ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا)، ولو قَبْلَ الدُّخول، نَصَّ عليه؛ لأِنَّه في مَعْنَى مُولٍ، قال أحمدُ في رواية ابن منصورٍ في رجلٍ تزوَّج بامْرأةٍ، ولم يَدخُلْ بها؛ هل يُجبَرُ عليه؟ قال: أذْهَبُ إلى أربعةِ أشْهُرٍ إنْ دَخَلَ بها، وإلاَّ فرِّقَ بَينَهما
(2)
.
وعنه: لا يُفرَّقُ، وفي «المغني»: هو ظاهِرُ قَولِ أصْحابِنا، وقاله أكثرُ الفقهاء؛ لأِنَّه لو ضُرِبَتْ له المدَّةُ لذلك، وفُرِّقَ بَينَهما؛ لم يكُنْ لِلْإِيلَاءِ أَثَرٌ.
وقِيلَ: إنْ غابَ أكثرَ من ذلك لغَيرِ عذْرٍ؛ راسله الحاكمُ، فإنْ أبى أنْ يَقدَمَ؛ فَسَخَ نكاحَه، ولا يَجوزُ الفسخُ إلاَّ بحكمِ الحاكِمٍ؛ لأِنَّه مُختلَفٌ فيه.
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَطْءَ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَيَكُونُ هَذَا كُلُّهُ غَيْرَ وَاجِبٍ)؛ لأِنَّه حقٌّ له، فلم يَجِبْ عليه كسائرِ حقوقِه، والأَوْلَى خلافها
(3)
.
وفي «التَّرغيب» : ذَكَرَ القاضي، وابنُ عَقِيلٍ: أنَّه يَلزَمُ من البَيْتوتَةِ بما يَزولُ معه ضَرَرُ الوحشة، ويَحصُل معه الأُنْسُ المقصودُ بالزَّوجيَّة، فلا تَوقِيتَ، فيَجتهِد الحاكمُ.
وفي «المغْنِي» في امْرأةِ مَنْ عُلِمَ خَبَرُه؛ كأسيرٍ ومحبوسٍ: لها الفَسْخُ بتعذُّر النَّفقة من ماله إجْماعًا
(4)
، وإلاَّ فلا.
وإنْ تعذَّرَ الوطءُ لعَجْزٍ؛ كالنَّفقة وأَوْلى؛ للفسخ بتعذرٍ
(5)
في الإيلاء، وقاله أبو يَعْلَى الصَّغيرُ.
(1)
في (م): وطلبت.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1526.
(3)
في (م): خلافهما.
(4)
ينظر: المغني 8/ 130، وفي الفروع 8/ 390 بعد أن نقل كلام المغني:(قال شيخنا - أي: شيخ الإسلام_: لا إجماع).
(5)
في (ظ): يتعذر.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْجِمَاعِ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا
(1)
الشَّيْطَانَ، وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ} [البَقَرَة: 223]، قال عَطاءٌ:(هو التَّسميةُ عندَ الجِماع)
(3)
، ولِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنَّ أحدَكم إذا أتى أهلَه قال: باسم الله، اللَّهم جَنِّبْنا الشَّيطانَ، وجَنِّب الشَّيطانَ ما رَزَقْتَنا، فوُلِدَ بَينَهما وَلدٌ؛ لم يَضُرُّه الشَّيطانُ» متفق عليه
(4)
.
ويُستحَبُّ تغطيةُ رأسه عندَه، وعندَ تخلِّيهِ، ذَكَرَه جماعةٌ، وأنْ لا يَستقْبِلَ القِبْلةَ، وقِيلَ: يُكرَه اسْتِقْبالُها، قال في روايةِ عبدِ الله: إنَّ عَطاء كَرِهَ ذلك
(5)
.
(وَلَا يُكْثِرُ
(6)
الْكَلَامَ حَالَ الْوَطْءِ)؛ لِمَا رَوَى قبيصة
(7)
بن ذُؤَيْبٍ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُكثِروا الكلامَ عندَ مُجامَعة النِّساء؛ فإنَّه يكونُ منه الخَرَسُ والفَأْفَاء» رواهُ أبو حَفْصٍ
(8)
، وبأنَّه يُكرَه الكلامُ حالة
(9)
البَول، والجِماعُ في مَعْناهُ، بل أَوْلَى منه
(10)
.
(1)
في (م): جنبني.
(2)
في (م): رزقتني.
(3)
ينظر: تفسير الطبري 3/ 762.
(4)
أخرجه البخاري (141، 3271)، ومسلم (1434).
(5)
لم نجده في مسائل عبد الله. وينظر: زاد المسافر 3/ 234.
(6)
في (ق): ولا يكره.
(7)
في (م): قبيضة.
(8)
أخرجه ابن عساكر في تاريخه (17/ 74)، والسيوطي في اللآلئ المصنوعة (2/ 144)، من طريق زهير بن محمد، عن ابن شهاب، عن قبيصة بن ذؤيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وذكره. وزهير بن محمد الخراساني: مختلف فيه، وما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير كما هو الحال هنا، قال البخاريّ:(أنا أتقي هذا الشّيخ، كأنّ حديثه موضوع). والحديث ضعفه الذهبي والألباني، وقال: (منكر
…
ضعيف جدًّا). ينظر: علل التِّرمذي الكبير (713)، الضعفاء الصغير (127)، الضعيفة (197)، الإرواء 7/ 70.
(9)
في (م): حال.
(10)
في (م): معه.
(وَلَا يَنْزِعُ إِذَا فَرَغَ قَبْلَهَا حَتَّى تَفْرُغَ
(1)
؛ لِمَا رَوَى أنَسُ بنُ مالِكٍ مرفوعًا قال: «إذا جامَعَ الرَّجلُ أهْلَه فليَقْصدْها
(2)
، ثُمَّ إذا قضى حاجتَه؛ فلا يُعجِلْها حتَّى تقضي
(3)
حاجتَها» رواه أبو حفصٍ العُكْبَريُّ
(4)
، ولأِنَّ في ذلك ضررًا عليها، ومَنعًا لها من قَضاءِ شَهوتِها.
وكما يُكرَه متجرِّدَينِ، وفي «المستوعب»: لا سُترةَ بَينَهما.
فائدةٌ: يُستحَبُّ له أنْ يُلاعِبَ امرأتَه عندَ الجماع؛ لتَنهَضَ شهوتُها، فتنالَ من لذَّةِ الجماع مِثلَ ما نالَه، وأنْ تُناوِلَه خِرقةً بعدَ فراغه؛ ليتمسَّحَ بها، وهو مَرْوِيٌّ عن عائشةَ
(5)
.
(1)
في (م): تنزع.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المصادر الحديثية:«فليصدقها» ، قال المناوي في فيض القدير 1/ 325:(فليصدقها: بفتح المثناة، وسكون المهملة، وضم الدال، من الصدق في الود والنصح، أي: فليجامعها بشدة وقوة وحسن فعل جماع، ووداد، ونصح ندبًا).
(3)
في (م): تنقضي.
(4)
في (ق): الطبري.
والحديث أخرجه أبو يعلى في مسنده (4200)، من طريق ابن جريج، عمّن حدثه عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده ضعيف للإبهام الذي فيه، وله شاهد أخرجه ابن عدي (7/ 335)، من حديث قيس بن طلق، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا نحوه. وفيه عباد بن كثير الثقفي البصري، وهو متروك، والحديث ضعّفه ابن عدي وابن القطّان والذهبي. ينظر: التاريخ الكبير 6/ 43، تهذيب الكمال 14/ 146، ميزان الاعتدال 2/ 371، الفتح 9/ 170.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (1431)، وابن خزيمة (279)، والبيهقي في الكبرى (4135)، من طريق يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد قال: سألت عائشة عن الرجل يأتي أهله ثم يلبس الثوب فيعرق فيه نجسًا ذلك؟ فقالت: «قد كانت المرأة تعد خرقة أو خرقًا، فإذا كان ذلك مسح بها الرجل الأذى عنه، ولم ير أن ذلك ينجسه» ، وأخرجه ابن خزيمة (280)، والبيهقي في الكبرى (4134)، من طريق الأوزاعي، حدثني عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه القاسم بن محمد، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:«تتخذ المرأة الخرقة، فإذا فرغ زوجها ناولته فيمسح عنه الأذى، ومسحت عنها ثم صليا في ثوبيهما» ، وهو أثر صحيح.
(وَلَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ وَطْءِ نِسَائِهِ وَإِمَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ)؛ لأِنَّ «رسولَ الله صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في ليلةٍ بغسل
(1)
واحدٍ» رواه أحمدُ والنَّسائيُّ
(2)
، ولأِنَّ حدث
(3)
الجنابةِ لا يَمنَعُ الوطْءَ، بدليلِ إتْمامِ الجماع
(4)
.
(وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ عِنْدَ مُعَاوَدَةِ الْوَطْءِ)، نَصَّ عليه
(5)
؛ لِمَا رَوَى أبو سعيدٍ مرفوعًا قال: «إذا أتَى أحدُكم أهلَه، ثمَّ أراد أنْ يعودَ؛ فليتوضَّأْ» رواه مسلِمٌ، ورواه ابن خزيمة والحاكمُ وزادا
(6)
(7)
.
فإن اغْتَسَل بَينَ
(8)
الوطأين
(9)
فهو أفضلُ؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «هو أزكى، وأطْيَبُ، وأطْهَرُ» رواه أحمدُ وأبو داودَ من حديث أبي رافِعٍ
(10)
.
(1)
في (م): وبغسل.
(2)
أخرجه أحمد (12701)، والبخاري (284)، ومسلم (309)، والنسائي (263)، عن أنس رضي الله عنه.
(3)
في (م): حديث.
(4)
في (م): الجماعة.
(5)
ينظر: مسائل صالح 1/ 481، مسائل ابن منصور 2/ 351.
(6)
في (م) و (ق): وزاد.
(7)
أخرجه مسلم (308)، وابن خزيمة (219)، والحاكم (542)، من طرق عن عاصم الأحول، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(8)
في (ق): من.
(9)
في (م): الوطأتين.
(10)
أخرجه أحمد (23862)، وأبو داود (219)، والنسائي في الكبرى (8986)، وابن ماجه (590)، من طريق عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته سلمى، عن أبي رافع رضي الله عنه. وعبد الرحمن بن أبي رافع لم يرو عنه غير حماد بن سلمة، وقال ابن معين:(صالح)، وعمته سلمى روى عنها غير واحد، وقال ابن القطان:(لا تُعرف). والحديث أعلّه أبو داود وقال: (حديث أنس أصحُّ من هذا)، وضعفه ابن القطان وابن رجب، وحسنه الألباني. ينظر: بيان الوهم 4/ 126، فتح الباري لابن رجب 1/ 303، البدر المنير 2/ 572، صحيح أبي داود 1/ 397.
(وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَتَيْهِ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ)، صغيرًا كان المسكنُ أوْ كبيرًا؛ لأِنَّ اجتماعَهما يُثِيرُ العَداوةَ والغَيرةَ، ويَنشُرُ الخُصومةَ والمقاتلةَ، (إِلاَّ بِرِضَاهُمَا)؛ لأِنَّ الحقَّ لهما، فلهما المسامَحةُ بتركه؛ كبيتوتته
(1)
بَينَهما في لحافٍ واحِدٍ.
وجَوَّزَ في «المغْنِي» و «التَّرغيب» : جَعْلَ كلِّ واحدةٍ في بَيت مسكنِ مِثْلِها.
وفي «الرِّعاية» : وقِيلَ: يَحرُمُ مع اتِّحاد المرافِق.
وأمَّا جمعُ زَوجتِه وسُرِّيَّته فيه؛ فيُمنَعُ منه إلاَّ برِضَا الزَّوجة فَقَطْ؛ لثبوت حقِّها؛ كالاِجتماع، والسُّرِّيَّةُ لا حقَّ لها في الاِسْتِمْتاعِ. مسألةٌ: يَجوزُ نَومُ الرَّجل مع زَوجتِه بلا جماع
(2)
بحضرةِ مَحرَمِها؛ لفِعْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
.
(وَلَا يُجَامِعُ إِحْدَاهُمَا بِحَيْثُ تَرَاهُ الْأُخْرَى، أَوْ غَيْرُهَا)، غَيرُ طفل لا يَعقِلُ، أو
(4)
يَسمَعُ حِسَّهما، ولو رَضِيَتا
(5)
، وذَكَرَ المؤلِّفُ: أنَّ ذلك حرامٌ؛ لأِنَّ فيه دناءةً وسقوط مروءةٍ، وربَّما كان وسيلةً إلى وقوع الرَّائية
(6)
في الفاحشة؛ لأِنَّها قد تَثورُ شهوتها
(7)
بذلك، قال أحمدُ في الذي يُجامِعُ امرأتَه والأخْرَى تَسمَعُ، قال: كانوا يَكرَهونَ الوجس
(8)
، وهو الصَّوتُ الخَفِيُّ.
(1)
في (م) و (ق): كبيتوتة.
(2)
قوله: (بلا جماع) في (م): بالإجماع.
(3)
أخرج البخاري (4570)، ومسلم (763)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«أنه بات ليلة عند ميمونة أم المؤمنين، وهي خالته، قال: فاضطجعت في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهله في طولها» الحديث. ينظر: الفروع 8/ 393، التوضيح لابن الملقن 3/ 593.
(4)
في (م): أي.
(5)
في (ق): رضيا.
(6)
في (ق): الرائبة.
(7)
في (ق): شهوتهما.
(8)
في (م): الرجز.
(وَلَا يُحَدِّثُهَا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا)؛ لأنَّه
(1)
سببٌ لإثارةِ الغَيرة، وبُغْضِ إحداهما الأخرى، وحرَّمَه في «الغُنْية» والأدَمي، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ، وحرَّم في «أسباب الهداية» إفْشاءَ السِّرِّ، وقيَّدَه في «الرِّعاية»: بالمُضِرِّ
(2)
، ولأِحمدَ ومسلِمٍ من حديثِ أبي سعيدٍ: «إنَّ
(3)
مِنْ أشَرِّ النَّاس عندَ الله منزلةً يومَ القيامة؛ الرَّجلُ يُفْضِي إلى امرأته وتُفْضِي إليه، ثُمَّ يَنشُرُ أحدهما
(4)
سرَّ صاحبِه»
(5)
.
(وَلَهُ مَنْعُهَا مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ مَنْزِلِهِ) إلى ما لَها منه بُدٌّ، سَواءٌ أرادت زيارةَ والديها
(6)
، أوْ عيادتهما، أو حضورَ جنازةِ أحدِهما؛ لِمَا رَوَى أنَسٌ: أنَّ رجلاً مَنَعَ زوجتَه الخروجَ، فمَرِضَ أبوها، فاستأذنت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال لها:«اتَّقِي اللهَ ولا تُخالِفِي زَوجَكِ» فماتَ أبوها، فاستأذَنَتْ في حضورِ جنازته، فقال لها كالأوَّل، فأوْحَى الله تعالى إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«إنِّي قد غَفَرْتُ لها بطاعةِ زَوْجِها» رواه ابنُ بَطَّةَ
(7)
، ولأِنَّ حقَّ الزَّوج واجِبٌ، فلا يَجوزُ تركُه بما لَيسَ بواجِبٍ، فلو خَرَجَتْ بلا إذْنِه؛ حَرُمَ، ولا تَستَحِقُّ نفقةً.
ونَقَلَ أبو طالِبٍ: إذا قامَ بحوائجها وإلاَّ لا بُدَّ لها
(8)
، قال الشَّيخُ تقيُّ
(1)
في (م): لأنها.
(2)
في (ق): بالضر.
(3)
قوله: (إن) سقط من (م).
(4)
في (م): إحداهما.
(5)
أخرجه أحمد (11655)، ومسلم (1437).
(6)
في (ظ): والدتها.
(7)
أخرجه عبد بن حميد في المنتخب من مسنده (1369)، وفيه يوسف بن عطية الصّفار البصري، وهو متروك. وتابعه عصمة بن المتوكل، أخرجه الطبراني في الأوسط (7648). وعصمة قليل الضبط، يهم وهمًا. والحديث ضعفه الألباني. ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 340، تهذيب الكمال 32/ 445، ميزان الاعتدال 3/ 68، الإرواء 7/ 76.
(8)
ينظر: الفروع 8/ 398.
الدِّين
(1)
فِيمَنْ حَبَسَتْه بحقِّها: إنْ خافَ خروجَها بلا إذْنِه أسْكَنَها حَيثُ لا يُمكِنُها، فإنْ لم يكُنْ له مَنْ يَحفَظُها غَيرَ نفسِه
(2)
؛ حُبِسَت معه، فإنْ عَجَزَ عن حِفْظِها أوْ خِيفَ حدوثَ شرٍّ أُسْكِنَتْ في رباطٍ ونحوه، ومتَى كان خروجُها مَظِنَّةً للفاحشة صار حقًّا لله، يَجِبُ على وليِّ الأمر رعايتُه.
(فَإِنْ مَرِضَ بَعضُ مَحَارِمِهَا، أَوْ مَاتَ؛ اسْتُحِبَّ لَهُ
(3)
أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الخُرُوجِ إِلَيْهِ)؛ لِمَا في ذلك من صلة الرَّحم، وفي مَنْعِها قطيعةُ الرَّحِم، وحَمْلٌ لها على مخالَفَته.
وأوْجَبَه ابنُ عَقِيلٍ للعيادة.
وقِيلَ: أوْ نسيبٍ
(4)
.
وقِيلَ: لها زيارةُ أبَوَيها؛ ككلامهما.
ولا يملكُ
(5)
مَنعَهما من زيارتها في الأصحِّ.
ولا يَلزَمُها طاعةُ أبَوَيها في فراقٍ وزيارةٍ ونحوِه، بل طاعةُ زوجها أحقُّ.
فرعٌ: لَيسَ عليها طَحْنٌ وعَجْنٌ وخَبْزٌ، نَصَّ عليه
(6)
، خلافًا للجُوزَجانيِّ، وقاله أبو بكرِ بنُ أبي شَيبةَ؛ لأِنَّه «عليه السلام قَضَى على فاطمةَ ابنتِه بخدمة البيت، وعلى عليٍّ ما كان خارج البيت»
(7)
رواهُ الجوزَجانيُّ من طُرُقٍ
(8)
.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 398، الاختيارات ص 201.
(2)
في (ق): ثقة.
(3)
قوله: (له) سقط من (ظ) و (ق).
(4)
في (ق): نسيت.
(5)
في (م): ولا يمكن.
(6)
ينظر: الفروع 8/ 398.
(7)
قوله: (وعلى علي ما كان خارج البيت) سقط من (م).
(8)
أخرجه ابن أبي شيبة (29069)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 104)، من طريق عيسى بن يونس، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم، عن ضمرة بن حبيب مرسلاً. وأبو بكر بن أبي مريم الغساني ضعيف سُرق بيته فاختلط. وقد ضعفه جدًّا بعض الأئمة. فالحديث مرسل ضعيف.
وأجيب: بأنَّ المعقودَ عليه
(1)
من جِهَتِها الاِسْتِمتاعُ، فلا يَلزَمُها غَيرُه؛ كسقيِ دوابِّه.
وأوْجَبَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين المعروفَ مِثلها لمثله
(2)
.
وقال ابنُ حبيبٍ في «الواضحة»
(3)
: إنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ على فاطِمةَ بخِدمة البيت.
وقال أبو ثَورٍ: عليها أنْ تَخدُمه في كلِّ شَيءٍ.
(وَلَا تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ إِجَارَةَ نَفْسِهَا لِلرَّضَاعِ وَالْخِدْمَةِ بِغَيْرِ إِذْنٍ زَوْجِهَا)؛ لأِنَّه يَملِكُ الاِسْتِمتاعَ بها، وكَونُها تملِكُ ذلك يُؤدِّي إلى فَواتِ حقِّه، فلم تملكه كما لا تملِكُ
(4)
مَنْعَه من الوَطْءِ، فلو فعلته
(5)
بإذْنه جازَ.
فإنْ أَجَرَتْ نفسَها للرّضاع، ثُمَّ تزوَّجتْ؛ صحَّ العَقْدُ، ولم يمْلِك الزَّوجُ فَسْخَ الإجارة، ولا مَنْعَها من الرَّضاع حتَّى تَنقَضِيَ المدّةُ؛ لأِنَّ مَنافِعَها مُلِكَتْ بعَقْدٍ سابِقٍ على نكاحه، أشْبَهَ بَيعَ المستأْجَرة.
وقِيلَ: له الفَسْخُ إنْ جهله
(6)
.
وله الوطءُ، وقِيلَ: لا، إنْ ضرَّ بِلَبَنٍ.
(وَلَهُ أَنْ يَمْنعَهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا)؛ لأِنَّ إرْضاعَه لَيسَ بواجِبٍ عليها، وحقُّ الزَّوج واجِبٌ؛ لأِنَّ عَقْدَ النِّكاح يَقتَضِي ملْكَه للاسْتِمتاعِ في كلِّ زمانٍ سِوَى
(1)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(2)
ينظر: الفروع 8/ 398، الاختيارات ص 352.
(3)
هو: عبد الملك بن حبيب بن سليمان السلمي، عالم الأندلس، مالكي، من مصنفاته: تفسير موطأ مالك، مصابيح الهدى، وغيرها، مات سنة 238 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 12/ 102.
(4)
في (ظ): فلم يملكه كما لا يملك.
(5)
في (ظ): فعله.
(6)
زيد في (م): وفي خدمة.
أوقات الصَّلوات، والرّضاع يُفوِّته
(1)
عليه.
وظاهِرُه: سَواءٌ كان منه أوْ من غَيرِه، وهو أحدُ الوَجْهَينِ فيما إذا كان منه، وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي؛ لأِنَّه يُخِلُّ باسْتِمتاعه.
والثَّاني: لَيسَ له مَنْعُها منه، وصرَّح به المؤلِّفُ في النَّفقات؛ لقوله تعالى:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} [البَقَرَة: 233]، وهو خَبَرٌ بمَعْنَى الأمر، وهو عامٌّ في كلِّ والدةٍ، وحُكْمُ ولَدِ غيرها
(2)
كذلك.
(إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا، وَتَخْشَى
(3)
عَلَيْهِ)؛ بأنْ لا يُوجدَ مَنْ ترضعه
(4)
، أوْ لا يَقبَلُه مِنْ غَيرِها؛ لأِنَّها حالةُ ضرورةٍ، وحِفظٌ لنفس الولد، فقُدِّمَ على حقِّ الزَّوج؛ كتقديم المضْطَرِّ على المالِكِ حيثُ لم يكن
(5)
به مِثْلُ ضَرورته.
(1)
في (م): بفوته.
(2)
قوله: (ولد غيرها) في (م): غير ولدها.
(3)
في (م): ويخشى.
(4)
في (م) و (ق): يرضعه.
(5)
في (م): لم يمكن.
(فَصْلٌ فِي الْقَسْمِ)
القَسْمُ بفَتْح القاف: مصدرُ قَسَمْت الشَّيءَ، وأما بالكَسْر: فهو النصيب
(1)
.
(وَ) واجِبٌ (عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُسَاوِي بَيْنِ نِسَائِهِ فِي الْقَسْمِ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 19]، ولَيسَ مع المَيل مَعْروفٌ؛ لقوله تعالى: {فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ
…
} [النِّسَاء: 129]، وعن أبي هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كان له امرأتانِ، فمال إلى إحداهما؛ جاء يومَ القيامة وشِقُّه مائلٌ»
(3)
، وعن عائشةَ قالت: كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقسِمُ،
فيَعدِلُ، ويقول: «اللهم هذا قَسْمِي فِيمَا أمْلِكُ، فلا تَلُمْنِي فيما تملك
(4)
ولا أمْلِكُ»؛ يعني: القَلْبَ. رواهما الخمسةُ، ولفْظُهما لأِبي داودَ
(5)
.
(1)
قوله: (القسم بفتح القاف مصدر قسمت الشيء وأما بالكسر فهو النصيب) سقط من (م).
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 365، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 27.
(3)
رواه همام بن يحيى عن قتادة، واختلف عليه: فأخرجه أحمد (8568)، وأبو داود (2133)، والتِّرمذي (1141)، والنسائي (3942)، وابن ماجه (1969)، وابن حبان (4207)، والحاكم (2759)، من طرق عن همام، عن قتادة، عن النّضر بن أنس، عن بشير بن نهيك، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وخالفه ابن أبي عروبة وهشام الدستوائي، فروياه عن قتادة مقطوعًا، قال:«كان يقال: إذا كان عند الرجل امرأتان» . فذكر نحوه. والحديث صححه متّصلاً التِّرمذي وابن حبان والحاكم وابن الملقن وابن حجر والألباني، وأعلّه البخاريُّ وغيره. ينظر: العلل الكبير للترمذي (287)، البدر المنير 8/ 37، بلوغ المرام (1056)، التلخيص الحبير 3/ 408، الإرواء 7/ 80.
(4)
في (ظ) و (ق): لا أملك.
(5)
رواه أيوب عن أبي قلابة، واختلف عنه وصلاً وإرسالاً: فأخرجه أحمد (25111)، وأبو داود (2134)، والتِّرمذي (1140)، والنسائي (3943)، وابن ماجه (1971)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عبد الله بن يزيد، عن عائشة رضي الله عنه موصولاً. وخالفه حماد بن زيد - كما ذكره التِّرمذي -، وابن علية وعبد الوهاب الثقفي كما أخرجه الطبري (7/ 569)، فرووه عن أيوب، عن أبي قلابة مرسلاً، والحديث صححه موصولاً الحاكم والذهبي وابن الملقن. ورجح إرساله البخاري والتِّرمذي وأبو زرعة والدارقطني وابن عبد الهادي والألباني، قال أبو زرعة:(لا أعلم أحدًا تابع حماد بن سلمة على هذا)، أي: على وصله. ينظر: العلل للدارقطني 13/ 278، علل ابن أبي حاتم 4/ 89، العلل الكبير للترمذي (286)، نصب الراية 3/ 214، البدر المنير 7/ 481، الإرواء 7/ 81.
وخَرَجَ منه الطِّفلُ.
(وَعِمَادُ الْقَسْمِ اللَّيْلُ)؛ لقوله تعالى: {وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً} [الأنعَام: 96]، ولقوله تعالى:{وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ} [القَصَص: 73]؛ ولأنَّ
(1)
اللَّيلَ للسَّكَن والنَّهارَ للمَعاش.
(إِلاَّ لِمَنْ مَعِيشَتُهُ بِاللَّيْلِ؛ كَالْحَارِسِ)، فإنَّه يَقسِمُ بَينَ نسائه النَّهارَ، ويكونُ اللَّيلُ في حقِّه كالنَّهار في حقِّ غَيرِه؛ لأِنَّ النَّهارَ يَدخُلُ في القَسْم تَبَعًا؛ بدليلِ:«أنَّ سَودةَ وهَبَتْ يَومَها لعائشةَ» متَّفَقٌ عليه
(2)
.
فرعٌ: له أنْ يأتِيَهنُّ وأنْ يَدعوهنَّ إلى منزله، ويسقط
(3)
حقُّ مَمْتَنِعةٍ، وله دُعاءُ البَعْضِ، وقِيلَ: يَدعُو الكلَّ أوْ يأتِي الكلَّ، فعلى هذا: لَيست الممتَنِعةُ ناشِزةً، والحَبْسُ كغَيرِه، إلاَّ أنَّه إنْ دعاهُنَّ؛ لم يَلزَمْ، ما لم يكُنْ سكنَ مِثْلِهِنَّ.
(وَلَيْسَ لَهُ الْبَدَاءَةُ بِإِحْدَاهُنَّ، وَلَا السَّفَرُ بِهَا إِلاَّ بِقُرْعَةٍ)؛ لأِنَّ البَداءةَ بها تفضيلٌ لها، والتَّسويةُ واجبةٌ؛ ولأنهنَّ
(4)
مُتَساوِيَاتٌ في الحقِّ، ولا يُمكِنُ الجَمعُ بَينَهنَّ، فَوَجَبَ المصيرُ إلى القُرعة؛ لأِنَّه «عليه السلام كان إذا أراد سَفَرًا أقْرَعَ بَينَ نسائه، فمَنْ خَرَجَ سهمها
(5)
خَرَجَ بها مَعَهُ» متَّفقٌ عليه
(6)
.
(1)
في (ظ) و (ق): لأن.
(2)
أخرجه البخاري (5212)، ومسلم (1463)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
في (م): سقط.
(4)
في (ظ): لأنهن.
(5)
في (م): سهمًا.
(6)
أخرجه البخاري (2593)، ومسلم (2770)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
وظاهِرُه: لا يُشتَرَطُ كَونُه مباحًا، بل يُشتَرَطُ كونُه مُرخَّصًا
(1)
.
وقال أكثرُ العلماء: لا يَجوزُ إلاَّ برضاهنَّ أوْ قُرعةٍ.
(فَإِذَا بَاتَ عِنْدَهَا بِقُرْعَةٍ أَوْ غَيْرِهَا)؛ أتَمَّ
(2)
وقَضَى، واختار المؤلِّفُ: لا زَمَنَ سيره
(3)
؛ (لَزِمَهُ الْمَبِيتُ عِنْدَ الثَّانِيَةِ)؛ لِتَعيُّنِ حقِّها، فإن
(4)
كانتا اثنتَينِ؛ كفاهُ قرعةٌ واحدةٌ، ويَصيرُ في اللَّيلة الثَّانية إلى الثَّانية بغَيرِ قُرعةٍ؛ لأِنَّه حقُّها.
(وَلَيْسَ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الْوَطْءِ، بَلْ يُسْتَحَبُّ)، لا نعلم
(5)
خلافًا أنَّه لا تَجِبُ التَّسويةُ بَينَهنَّ في الجماع
(6)
؛ لأنَّ
(7)
طريقَه الشَّهوةُ والمَيلُ، فإنَّ
(8)
قلبَه قد يَمِيلُ إلى إحداهنَّ، قال تعالى:{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} [النِّسَاء: 129]، وكالتَّسوية بَينَ دوابِّه، وكالنَّفقة والكِسوةِ والسُّكْنَى إذا قام بالواجب عليه
(9)
، نَصًّا، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَقسِمُ في النَّفقة والكِسوة، ونَصُّه: لا بَأْسَ، وقال في الجماع: لا يَنبَغِي أنْ يَدَعَه عَمْدًا يُبقي لنفسه لتلك ليلة وليلة، وقال القاضي وغيره: أو ثلاثًا ثلاثًا.
(وَيَقْسِمُ لِزَوْجَتِهِ الْأَمَةِ لَيْلَةً، وَلِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ)؛ لقَولِ عليٍّ: «إذا تزوَّجَ الحُرَّةَ على الأمةِ؛ قَسَمَ للأَمَة ليلةً، وللحُرَّةِ ليلتَينِ» رواهُ الدَّارَقُطْنيُّ، واحتجَّ به أحمدُ
(10)
؛ لأِنَّ الحُرَّةَ حظُّها في الإيواء أكثرُ، ويُخالِفُ النَّفقةَ والكِسوةَ، فإنَّه
(1)
قوله: (وظاهره لا يشترط كونه مباحًا، بل يشترط كونه مرخصًا) سقط من (م).
(2)
في (ق): أثم.
(3)
في (م): يسير.
(4)
في (م): فإذا.
(5)
زيد في (م): فيه.
(6)
ينظر: المغني 7/ 308.
(7)
في (م): لأنه.
(8)
في (ظ): وإن.
(9)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(10)
ينظر: المغني 7/ 309.
والأثر: أخرجه عبد الرزاق (13090)، وسعيد بن منصور (725)، والدارقطني (3738)، وابن حزم (9/ 215)، وقال:(لا يصح؛ لأن ابن أبي ليلى سيئ الحفظ، والمنهال ضعيف)، وأجاب عنه ابن القيم في الهدي 5/ 137 بأنهما ثقتان. نعم المنهال وثقه ابن معين وغيره، وأقل أحواله أنه صدوق، وأما ابن أبي ليلى فحديثه ضعيف، لكن تابعه حجاج بن أرطاة - وهو ضعيف أيضًا -، أخرجه ابن أبي شيبة (16090)، والدارقطني (3737)، والبيهقي في الكبرى (14003)، فالأثر قوي بمجموع الطريقين، وقد احتج به أحمد في مسائل ابن منصور 4/ 1521.
مقدَّرٌ بالحاجة، وقَسْمُ الابتداء شُرع ليزول
(1)
الاحتشام من كلٍ منهما.
(وَإِنْ كَانَتْ كِتَابِيَّةً؛) يعني: أنَّ الحُرَّةَ الكتابيَّةَ كالحُرَّة المسْلِمة، وصرَّح به في «المغْني» و «الشَّرح» ، وحكاه ابنُ المنذر إجْماعًا
(2)
؛ لأِنَّ القَسْمَ من حقوقِ الزَّوجيَّة، فاسْتَوَيَا فيه كالنَّفقة، وتُفارِقُ الأَمَةَ؛ لأنَّه
(3)
لا يَتِمُّ تسليمُها، ولا يَحصُل لها الإيواءُ التَّامُّ، بخلاف الحُرَّة، والمعتَقُ بعضُها بالحساب.
فرعٌ: عَتَقَتْ أمةٌ
(4)
في نَوبَتِها، أو
(5)
نَوبةِ حرَّةٍ مسبوقةٍ؛ فلها
(6)
قَسْمُ حرة
(7)
، وفي نَوبةِ حرَّةٍ سابِقةٍ؛ قِيلَ: يُتِمُّ للحرة
(8)
على حُكْم الرِّقِّ، وقِيلَ: يَستوِيانِ بقَطْعٍ أو استدراكٍ.
وفي «المغْنِي» و «التَّرغيب» : وإنْ عَتَقَتْ بعدَ نَوبتِها اقْتَصرَتْ على يومها، زاد في «التَّرغيب»: بدأ بها أو بالحُرَّة. ويَطوفُ بمجنونٍ مأمونٍ وليُّه وُجوبًا، لا بطفلٍ، ويَحرُم تخصيصٌ
(1)
في (ق): لنزول.
(2)
ينظر: الإجماع ص 83.
(3)
في (م): أنه.
(4)
في (م): امرأة.
(5)
قوله: (أو) مكانه بياض في (م).
(6)
في (م): ولها.
(7)
زيد في (م): سابقة.
(8)
قوله: (للحرة) سقط من (م).
بإفاقته
(1)
، وإنْ أفاقَ في نوبةِ واحدةٍ؛ ففي قضاء يومِ جُنونه للأخرى وجْهانِ.
(وَيَقْسِمُ لِلْحَائِضِ، وَالنُّفَسَاءِ، وَالْمَرِيضَةِ، وَالْمَعِيبَةِ)، ورَتْقاءَ، ومُظاهَرٍ منها، وصغيرةٍ ممكِنٍ وَطؤُها؛ لأِنَّ القَصْدَ: السَّكَنُ، والإيواءُ، والأُنْسُ، وحاجَتُهنَّ داعيةٌ إلى ذلك.
فأمَّا المجنونةُ؛ فإنْ خِيفَ منها؛ فلا قَسْم لها، وإلاَّ فهي كالعاقلة، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
وظاهِرُه: أنَّ المريضَ، والمجبوب
(2)
، والعِنِّينَ، والخَصِيَّ يَقسِمُ؛ لأِنَّه للأُنْس، وذلك حاصِلٌ مِمَّنْ لا يَطَأُ، فإنْ
(3)
شقَّ ذلك عليه
(4)
؛ اسْتَأْذَنَهُنَّ في الكَون عندَ إحداهنَّ، فإنْ لم يَأْذَنَّ
(5)
له
(6)
؛ أقامَ عندَ إحداهنَّ بقرعة، أو
(7)
اعتزلهنَّ جميعًا.
(فَإِنْ دَخَلَ فِي لَيْلَتِهَا إِلَى غَيْرِهَا؛ لَمْ يَجُزْ)؛ لأِنَّه تَرَكَ الواجِبَ عليه، (إِلاَّ لِحَاجَةٍ دَاعِيَةٍ)؛ ككَونِ ضَرَّتِها مَنزولاً بها فيُريدُ أنْ يَحضُرَها، أوْ تُوصِي إليه ممَّا
(8)
لا بُدَّ منه عُرْفًا؛ لأِنَّ ذلك حالةُ ضرورةٍ وحاجةٍ، فأُبِيحَ به تَرْكُ الواجب إلى قضائه في وَقْتٍ آخَرَ.
وظاهِرُه: أنَّه يَدخُل إليها نهارًا وإنْ لم تكن
(9)
حاجةٌ داعيةٌ، وفي «المغْنِي»
(1)
في (ق): بإفاقة.
(2)
في (م): والمجنون.
(3)
في (ق): وإن.
(4)
قوله: (ذلك عليه) في (م): عليه شيء من ذلك.
(5)
في (ق): لم تأذن.
(6)
قوله: (له) سقط من (م).
(7)
في (م): إذا.
(8)
في (م): ما. والذي في المغني 7/ 302 والممتع 3/ 732: أو مما.
(9)
في (ظ): لم يكن.
و «الشَّرح» : أنَّه يَجوزُ لحاجةٍ؛ كدَفْعِ نفقةٍ وعِيادةٍ.
وفي «الترغيب» : فيهما لحاجةٍ ماسَّةٍ، أوْ لمرَضٍ فيُداويها.
وفي قُبْلةٍ ونحوِها نهارًا
(1)
وَجْهانِ.
(فَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ عِنْدَهَا؛ لَمْ يَقْضِ)؛ لأِنَّه لا فائدةَ فيه؛ لقِلَّته، (وَإِنْ لَبِثَ أَوْ جَامَعَ؛ لَزِمَهُ أَنْ يَقْضِيَ لَهَا
(2)
مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ
(3)
حَقِّ الْأُخْرَى)؛ لأِنَّ التَّسويةَ واجبةٌ، ولا تحصل
(4)
إلاَّ بذلك.
وظاهِرُه: أنَّه يَلزَمُه القَضاءُ ولو جامَعَها في الزَّمَن اليسير، وهو الأصحُّ، فيَدخُلُ على المظلومةِ في ليلةِ المُجامَعة، فيُجامِعُها؛ لِيَعدِلَ بَينَهما.
والثَّاني: لا يَلزَمُه القَضاءُ؛ لأِنَّ الوطءَ لا يُستَحَقُّ في القَسْم.
ولا يَقضِي ليلةَ صيفٍ عن ليلة
(5)
شِتاءٍ.
وله قضاءُ أوَّلِ الليَّل عن آخره، وعَكْسُه، وقِيلَ: يتعيَّنُ زمَنُه، وهو ظاهِرُ كلامِه.
فرعٌ: إذا خَرجَ في ليلةِ إحداهنَّ أوَّلَ اللَّيلِ أو آخِرَه الذي جَرَت العادةُ بالانتشار فيه والخروجِ إلى الصَّلاة؛ جاز.
وإنْ خَرَجَ لغير ذلك، ولم يَلبَثْ؛ لم يَقْضِ، وإنْ لَبِثَ؛ قَضَى مُطلَقًا.
ويُستَحَبُّ أن
(6)
يَقْضِيَ لها في مثل ذلك الوقت، فإنْ قضاه في غيره من اللَّيل؛ جاز في الأصحِّ؛ لأِنَّه قد قَضَى بقدْرِ ما فاته
(7)
من اللَّيل.
(1)
قوله: (نهارًا) سقط من (م).
(2)
قوله: (لها) سقط من (ظ) و (ق).
(3)
في (ق): في.
(4)
في (ظ): ولا يحصل.
(5)
قوله: (ليلة) سقط من (ظ) و (ق).
(6)
زيد في (م): لا. والمثبت موافق للمغني 7/ 307.
(7)
قوله: (ما فاته) سقط من (م).
والثَّاني: لا؛ لِعَدمِ المماثَلة.
(وَإِنْ أَرَادَ النُّقْلَةَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ، وَأَخَذَ إِحْدَاهُنَّ مَعَهُ، وَالْأُخْرَى مَعَ غَيرِهِ؛ لَمْ يَجُزْ إِلاَّ بِقُرْعَةٍ)، وجملتُه: أنَّ الزَّوجَ إذا أراد النُّقلةَ بنسائه إلى بلدٍ آخَرَ، وأمْكَنَه استِصْحابُ الكلِّ في سَفَرِه؛ فعل ذلك، ولَيسَ له إفرادُ إحداهنَّ به؛ لأِنَّ هذا السَّفَرَ لا يَختَصُّ بواحدةٍ، فإنْ خَصَّ بعضهنَّ؛ قَضَى للباقيات؛ كالحاضِرِ.
وإنْ شقَّ عليه صحبةُ الجميعِ، وبَعَثَ بهنَّ جميعًا مع غَيرِه مِمَّنْ هو مَحرَمٌ لهنَّ؛ جاز بغَيرِ قُرعةٍ.
فإنْ أفْرَدَ بعضهن
(1)
بالسَّفر معه
(2)
؛ لم يَجُزْ إلاَّ بقرعةٍ، وهي مسألة المتن
(3)
.
ومتَى سافَرَ بأكثرَ من واحدةٍ؛ سوَّى بَينَهنَّ كالحضر.
فإذا وَصَل البلدَ الذي انتقل إليه، فأقامَتْ معه فيه
(4)
؛ قضى للباقيات مدَّةَ كونِها معه في البلد خاصَّةً؛ لأِنَّه صار مُقِيمًا.
(وَمَتَى سَافَرَ بِهَا بِقُرْعَةٍ؛ لَمْ يَقْضِ)؛ أي: للحاضِرات بعدَ قُدومه في قول أكثرهم؛ لحديث عائشةَ
(5)
، ولم تذكر
(6)
قضاءً، ولأِنَّ
(7)
المسافِرةَ اختصَّت بمشقَّة السَّفر، فاختصَّت بالقَسْم.
(وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ؛ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ لِلْأُخْرَى)؛ لأِنَّه خَصَّ بعضهنَّ بمدَّةٍ
(1)
في (م): ببعضهن في.
(2)
في (م): منه.
(3)
قوله: (المتن) سقط من (م).
(4)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(5)
تقدم تخريجه 8/ 32 حاشية (6).
(6)
في (ظ) و (ق): ولم يذكر.
(7)
في (ق): لأن.
على وجهٍ
(1)
تلحقه
(2)
التُّهمةُ فيه، فلَزِمَه القضاءُ؛ كما لو كان حاضِرًا، وعلى هذا: يَقضِي مدَّةَ غيبته، ما لم تكن
(3)
الضَّرَّةُ رَضِيَتْ بسفرها.
ويَنبَغِي أنْ يقضيَ منها ما أقام منها لمبيتٍ
(4)
ونحوِه.
ويقضي مع قُرعةٍ ما تعقبه
(5)
السَّفرُ أوْ تخلَّله من إقامةٍ.
تنبيهٌ: إذا خَرجت القرعة
(6)
لإحداهنَّ؛ لم يَجِبْ عليه السَّفرُ بها، وله تَرْكُها والسَّفرُ وحدَه؛ لأِنَّ القرعةَ إنَّما تُعيِّنُ من يَستحِقُّ التَّقديمَ، ولهذا يُمنَعُ
(7)
من السَّفر بغَيرِها.
وإنْ أبَت السَّفرَ معه؛ سَقَطَ حقُّها إذا رَضِيَ الزَّوجُ، وإنْ أبى؛ فله إكْراهُها على السَّفر معه.
فإنْ رضيَ الزَّوجاتُ بسفرِ واحدةٍ من غَيرِ قرعةٍ؛ جاز.
ولا فَرْقَ بَينَ السَّفر الطَّويل والقصيرِ؛ لعُموم الخبر والمعْنَى، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره.
وذَكَر القاضي احْتِمالاً: أنَّه يَقضِي للبواقي في السَّفر القصير.
وجَوابُه: بأنَّه سافر
(8)
بها بقرعةٍ، فلم يَقْضِ؛ كالطَّويل.
(وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنَ السَّفَرِ مَعَهُ، أَوْ مِنَ الْمَبِيتِ عِنْدَهُ، أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛
(1)
قوله: (على وجه) سقط من (م).
(2)
في (ظ) و (ق): يلحقه.
(3)
في (ظ): لم يكن.
(4)
في (ق): كمبيت.
(5)
في (م): يعقبه.
(6)
في (م): بالقرعة.
(7)
في (ق): منع.
(8)
في (م): مسافر.
سَقَطَ حَقُّهَا مِنَ الْقَسْمِ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّها عاصيةٌ بمنع
(2)
نفسها منه، فسَقَطَ حقُّها؛ كالنَّاشِزة.
وكذا لا نفقةَ لها، قاله في «الرِّعاية» و «الفروع» .
وقِيلَ: تَجِبُ لها النَّفقةُ بالوطْءِ.
(وَإِنْ أَشْخَصَهَا هُوَ)، بأنْ بَعَثَها في حاجةٍ، أو أَمَرَها بالنُّقلة مِنْ بلدها، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح»؛ (فَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنْ ذَلِكَ)؛ أي: من
(3)
القَسم والنَّفقة؛ لأِنَّه ما فات بسببٍ من جِهَتها، وإنَّما فات بتفويته، فلم يَسقُط حقُّها، كما لو أتْلَفَ المشتري المبيعَ؛ لم يَسقُطْ حقُّ البائع من تسليمِ ثمنِه إليه، فعلى هذا: يَقْضِي لها بحَسَبِ ما أقام عندَ ضَرَّتها، وإنْ سافَرَتْ معه؛ فهي على حقِّها منهما جميعًا.
(وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا)؛ كسَفَرِها لزيارةٍ أوْ حجِّ تَطوُّعٍ أوْ عُمْرةٍ (بِإِذْنِهِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَسقُطانِ، ذَكرَه الخِرَقيُّ والقاضي؛ لأِنَّ القَسْم للأُنْس، والنَّفقةَ للتمكين
(4)
، وقد تعذَّر ذلك بسببٍ مِنْ جِهَتِها.
والثَّاني: لا يَسقُطانِ، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّها سافَرَتْ بإذْنِه، أشْبَهَ ما لو سافَرَتْ معه.
وقِيلَ: يَسقُطُ القَسْمُ وجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه لو سافَرَ عنها؛ لسَقَط قَسْمُها، والتَّعذُّرُ من جهته، فإذا تعذَّرَ من جهتها كان أَوْلَى.
(وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَهَبَ حَقَّهَا مِنَ الْقَسْمِ) - بلا مالٍ - (لِبَعْضِ ضَرَائِرِهَا)؛
(1)
ينظر: الشرح الكبير 21/ 453.
(2)
في (م): تمنع.
(3)
قوله: (من) سقط من (م).
(4)
في (م): للتمكن.
«لفِعْلِ سَودةَ، فإنَّها
(1)
وهَبَتْ لعائشةَ يومَها، فكانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَقسِمُ لعائشةَ يومها
(2)
ويومَ سَودةَ» متَّفَقٌ عليه
(3)
، (بِإِذْنِهِ)؛ لأِنَّ حقَّه
(4)
على الواهِبة ثابِتٌ، فلا يَنتَقِلُ إلى غَيرِها إلاَّ برضاه
(5)
.
وظاهِرُه: ولو أَبَت الموْهوبُ لها؛ أي: لا يُشْتَرَطُ رضاها، ولَيسَ لنا هِبَةٌ يَقبَلُ فيها غَيرُ الموْهوبِ له مع تأهُّله للقَبولِ إلاَّ هذه
(6)
.
ثُمَّ إنْ كانَتْ ليلةُ الواهِبة لا تَلِي ليلةَ الموهوبةِ؛ لم تَجُز الموالاةُ بَينَهما؛ لأِنَّ الموهوبةَ قائمةٌ مَقامَ الواهبةِ، فلم يَجُزْ تغييرها
(7)
عن مَوْضِعها.
وذَكَرَ جماعةٌ: وإذْنِ سيِّدِ أَمَةٍ؛ لأِنَّ وَلَدَها له.
(وَلَهُ)؛ أي: للزوج؛ لأِنَّ الحقَّ لها، فَلِمَنْ نقلته
(8)
إليه انْتَقَلَ، (فَيَجْعَلُهُ
(9)
لِمَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ)؛ لأِنَّه قائمٌ مقامَ الواهبة، فالخِيَرةُ له كهِيَ.
وفي «التَّرغيب» : لو قالَتْ: خُصَّ بها مَنْ شِئْتَ؛ الأشْبَهُ أنَّه لا يَملِكُه؛ لأِنَّه يُورِثُ الغَيظَ، بخِلاف تخصيصها واحدةً.
(فَمَتَى رَجَعَتْ فِي الْهِبَةِ؛ عَادَ حَقُّهَا)؛ لأِنَّها هبةٌ لم تُقبَضْ، والمرادُ به: العَودُ في المستقبَلِ، لا فيما مَضَى؛ لأِنَّه قد اتَّصل به القَبضُ، فعلى هذا: إذا رجعتْ في أثناء ليلتها؛ لَزِمَ الزَّوجَ الاِنتقالُ إليها، وإنْ لم يَعلَمْ حتَّى أتمَّ
(1)
في (ظ): بأنها.
(2)
قوله: (لعائشة يومها) في (م): يومًا.
(3)
تقدم تخريجه 8/ 32 حاشية (2).
(4)
قوله: (لأن حقه) في (م): لأنه.
(5)
في (م): برضاها.
(6)
قوله: (أي: لا يشترط رضاها
…
) إلى هنا سقط من (م).
(7)
في (م): بغيرها، وفي (ق): تفسيرها.
(8)
في (م): نقله.
(9)
في (ق): فتجعله.
اللَّيلةَ؛ لم يَقْضِ لها شَيئًا؛ لأِنَّ التَّفريطَ منها.
فرعٌ: إذا بَذَلَتْ ليلتَها بمالٍ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّها لَيستْ مالاً
(1)
، ولا منفعةً يُستحق
(2)
بها المالُ، فإنْ كانَ العِوضُ غَيرَ المال؛ كإرضاءِ زَوجِها عنها أوْ غَيرِه؛ جاز.
ولها بَذْلُ قَسْمٍ ونفقةٍ وغَيرِهما ليمسكها
(3)
، والرُّجوع لتجدد
(4)
الحق، وفي «الهَدْيِ»
(5)
: يَلزَمُ ولا مطالَبةَ؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ، كما صالح عليه من الحقوق.
(وَلَا قَسْمَ عَلَيْهِ فِي مِلْكِ يَمِينِهِ)، بل يَطَأُ مَنْ شاء منهنَّ متى شاء؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّسَاء: 3]، وقد كان للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ماريةُ ورَيحانةُ، فلم يكُنْ يَقسِمُ لهما
(6)
، ولأِنَّ الأَمَةَ لا حقَّ لها في الاِسْتِمتاعِ، ولذلك لا يَثبُتُ لها الخِيارُ بكَونِ السَّيِّد مَجبوبًا أوْ عنِّينًا، ولا تُضرَبُ لها مُدَّةُ الإيلاءِ.
وظاهِرُه: وإنْ أخذَ من زَمَنِ زوجاته.
وفي «المحرَّر» : لكن يُسوِّي
(7)
في حِرْمانهنَّ.
(وَتُسْتَحَبُّ
(8)
التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ)؛ لأِنَّه أطْيَبُ لقلوبهنَّ، وأبْعَدُ من النُّفْرة والبغضة
(9)
.
(1)
في (م): بمال.
(2)
في (م): تستحق.
(3)
في (م): لتمسكها.
(4)
في (ظ): ليجدد.
(5)
ينظر: زاد المعاد 5/ 139.
(6)
في (م): بينهما.
(7)
قوله: (لكن يسوي) سقط من (م)، وفي (ق): لكن يسري.
(8)
في (م): ويستحب.
(9)
في (م): والبغض.
(وَ) عليه (أَنْ لَا يَعْضُلَهُنَّ إِنْ لَمْ يُرِدِ الاِسْتِمْتَاعَ بِهِنَّ)؛ أي
(1)
: إذا احتاجت الأمةُ إلى النِّكاح؛ وَجَبَ عليه إعْفافُها
(2)
، إمَّا بِوَطْئها، أوْ تَزويجِها، أوْ بَيعِها؛ لأِنَّ إعْفافَهُنَّ وصَونَهنَّ عن احْتِمال الوقوع في المحظور واجِبٌ.
(1)
قوله: (أي) سقط من (م).
(2)
في (ظ): إعتاقها.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا تَزَوَّجَ بِكْرًا أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ دَارَ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا)؛ لِمَا روى أبو
(1)
قِلابةَ عن أنَسٍ قال: «من السُّنَّة إذا تزوَّج الرَّجلُ البِكرَ على الثَّيِّب أقامَ عندَها سَبْعًا، وقَسَمَ، وإذا تزوَّجَ الثَّيِّبُ أقام عندَها ثلاثًا ثمَّ قَسَمَ» ، قال أبو قِلابةَ: لو شِئْتُ لَقُلْتُ: إنَّ أنسًا رَفَعَه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم. متَّفَقٌ عليه
(2)
، ولَفظُه للبخاري
(3)
، وخُصَّت البِكرُ بزيادةٍ؛ لأِنَّ حَياءَها أكثرُ، والثَّلاثُ مُدَّةٌ مُغْتفَرةٌ في الشَّرع
(4)
، والسَّبعُ؛ لأِنَّها أيامُ الدُّنيا، وما زاد عليها يتكرر
(5)
، وحِينَئِذٍ يقطع الدور
(6)
.
(فَإِنْ أَحَبَّتْ)، وقِيلَ: أوْ هُوَ، (أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا سَبْعًا؛ فَعَلَ وَقَضَاهُنَّ لِلْبَوَاقِي)؛ لِمَا رَوَتْ أمُّ سَلَمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تزوَّجها أقام عندَها ثلاثًا، وقال: «إنَّه لَيسَ بِكِ هَوانٌ على أهْلِك، وإِنْ شئْتِ سَبَّعت
(7)
لك، وإنْ سَبَّعت
(8)
لك سَبَّعت
(9)
لنِسائِي» رواه مسلِمٌ
(10)
، قال
(11)
ابنُ عبد البَرِّ:
(1)
في (م): ابن.
(2)
أخرجه البخاري (5214)، ومسلم (1461).
(3)
قوله: (ولفظه للبخاري) في (م): وللبخاري.
(4)
في (ق): الشرح.
(5)
قوله: (وخصت البكر بزيادة لأن حياءها أكثر
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
في (م): للدور.
(7)
في (م): سبقت.
(8)
في (م): سبقت.
(9)
في (م): سبقت.
(10)
أخرجه مسلم (1460).
(11)
في (م): ورواه.
والأحاديثُ المرفوعةُ على ذلك، ولَيسَ مع مَنْ خالَفَ حديثٌ مرفوعٌ، والحُجَّةُ مع مَنْ أدلى
(1)
بالسُّنَّة
(2)
.
وفي «الرَّوضة» : الفاضِلُ للبقيَّة.
والمذْهَبُ: أنَّه يَقضِي السَّبعَ؛ لأِنَّها اختارتْها، فسَقَطَ حقُّها.
وظاهِرُه: أنَّ الأَمَةَ كالحُرَّة، ونَصَرَه في «الشَّرح» وغيره؛ لعموم الأحاديث، ولأِنَّها تُرادُ للأُنْس وإزالةِ الاِحْتِشام، فاسْتَويَا فيه كالنَّفقة.
وقِيلَ: هي على نصف الحُرَّة كسائر القَسْمِ.
(وَإِنْ زُفَّتْ إِلَيْهِ امْرَأَتَانِ) في ليلةٍ واحدةٍ، أوْ في حقِّ عَقْدِ واحدةٍ؛ كُرِهَ ذلك؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ الجمعُ بَينَهما في إيفاء حقهما
(3)
، وتستضر
(4)
التي يؤخر
(5)
حقُّها وتستوحش، (قَدَّمَ السَّابِقَةَ مِنْهُمَا) دخولاً؛ لأِنَّ حقَّها سابِقٌ، (ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى)؛ لأِنَّ حقَّها واجِبٌ عليه، تُرِكَ العَمَلُ به في مدَّةِ الأُولَى؛ لأِنَّه عارَضَه، ورُجِّحَ عليه، فإذا زال العارِضُ؛ وَجَبَ العملُ بالمقتَضِي، (ثُمَّ دَارَ)؛ ليأتيَ بالواجب عليه من حقِّ الدَّور.
(فَإِنْ
(6)
زُفَّتَا مَعًا؛ قَدَّمَ إِحْدَاهُمَا بِالْقُرْعَةِ)؛ لأِنَّهما اسْتوَيَا في سببِ الاِستِحقاقِ، والقُرعةُ مُرجِّحةٌ عندَ التَّساوي، وفي «التَّبصرة»: يَبدَأُ بالسَّابِقة بالعقد، وإلاَّ أَقْرَعَ، (ثُمَّ أَقَامَ عِنْدَ الْأُخْرَى)؛ لِمَا ذَكَرْناهُ.
(وَإِنْ أَرَادَ السَّفَرَ، فَخَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لِإِحْدَاهُمَا؛ سَافَرَ بِهَا، وَدَخَلَ حَقُّ الْعَقْدِ فِي قَسْمِ السَّفَرِ)؛ لأِنَّه نَوعُ قَسْمٍ يَختَصُّ بها، (فَإِذَا قَدِمَ؛ بَدَأَ بِالْأُخْرَى
(1)
في (م): أولى.
(2)
ينظر: التمهيد 17/ 247.
(3)
في (م): إبقاء حقيهما.
(4)
في (م): ويسامر.
(5)
في (م) و (ق): تؤخر.
(6)
في (م): فإذا.
فَوَفَّاهَا حَقَّ الْعَقْدِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه حقٌّ وجب
(1)
لها قبلَ سَفَرِه لم يُؤدِّه، فَلَزِمَه قضاؤه، كما لو لم يُسافِرْ بالأخرى معه.
والثَّاني: لا يَقْضِيهِ؛ لِئَلاَّ يكونَ تفضيلاً لها
(2)
على الذي سافَرَ بها، ولأِنَّ الإيواءَ في الحضر أكثر
(3)
، فيتعذَّرُ قضاؤه.
وقِيلَ: يَستأنِفُ قضاءَ العقد
(4)
لكلٍّ منهما، ولا يَحتَسِبُ على المسافِرةِ بمدَّةِ سفَرِها، كما لا يَحْتَسِبُ به عليها فيما عدا حقَّ العَقْد، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وهذا أقربُ إلى الصَّواب مِنْ إسقاطِ حقِّ العَقْد الواجب بالشَّرع بغَيرِ مُسقِطٍ.
فإنْ قَدِمَ من
(5)
سَفَرِه قبلَ مدَّةٍ يَنقَضِي فيها حقُّ عَقْدِ الأولى؛ أتمَّه في الحضر، وقَضَى للحاضرة
(6)
مثلَه وجهًا واحدًا.
(وَإِذَا طَلَّقَ إِحْدَى
(7)
نِسَائِهِ فِي لَيْلَتِهَا؛ أَثِمَ
(8)
؛ لأِنَّه فوَّتَ حقَّها الواجِبَ لها، (فَإِنْ تَزَوَّجَهَا بَعْدُ
(9)
؛ أيْ: عادَتْ إليه برَجْعةٍ أوْ نكاحٍ؛ (قَضَى لَهَا لَيْلَتَهَا
(10)
؛ لأِنَّه قَدَرَ على إيفاء
(11)
حقِّها؛ فلَزِمَه؛ كالمعسِر إذا أيْسَرَ بالدَّين.
(1)
في (م): واجب.
(2)
قوله: (تفضيلاً لها) في (م): تفضيلها.
(3)
في (ح): كثير.
(4)
في (م): قضاؤه والعقد.
(5)
في (ق): في.
(6)
في (م): للحاضر.
(7)
في (م): أحد.
(8)
في (ظ): أتمَّ.
(9)
زيد في (م): ذلك.
(10)
قوله: (لأنه فوت حقها الواجب
…
) إلى هنا سقط من (ق).
(11)
في (م): أبقاء.
فائدةٌ: يَجوزُ بناءُ الرَّجل بامرأته في السَّفر، ورُكوبُها معه على دابَّةٍ بين
(1)
الجيش؛ لفِعْلِه صلى الله عليه وسلم بصفِيَّةَ بنتِ حُييٍّ
(2)
، قاله
(3)
بعضُ أصحابِنا.
(وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ فِي نَهَارِ لَيْلِ
(4)
القَسْمِ لِمَعَاشِهِ، وَقَضَاءِ حُقُوقِ النَّاسِ)؛ لقوله تعالى:{وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11)} [النّبَأ: 10 - 11]، وحكم
(5)
الثَّلاثة والسَّبعة التي يُقيمُها عندَ المزفوفة
(6)
؛ حكمُ سائر القَسْم.
فإنْ تعذَّرَ عليه المقامُ عندَها لَيلاً لشُغلٍ أوْ حَبْسٍ، أوْ تَرَكَ ذلك لغير عذرٍ؛ قضاه لها.
وله الخُروجُ إلى صلاة الجماعة، وإلى ما لا بدَّ لها منه، فإن أطال
(7)
قضاه، ولا يقضي اليسير.
فرعٌ: قسم لثنتين
(8)
من ثلاثٍ، ثمَّ تجدَّد
(9)
حقُّ رابعةٍ، فإنْ رجعَتْ في هبةٍ، أو عن نشوزٍ، أو بنكاحٍ؛ وفَّاها حقَّ عَقْده، ثمَّ رَبَّع الزَّمَن
(10)
المستقبَل للرَّابعة، وبقيَّته للثَّالثة، فإذا كمل الحقُّ استأنَفَ التَّسويةَ.
(1)
قوله: (بين) سقط من (م)، وفي (ق): من.
(2)
أخرجه البخاري (4211)، ومسلم (1365)، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبيّ صلى الله عليه وسلم:«أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر ثلاثة أيام، حتى أعرس بها، وكانت فيمن ضُرب عليها الحجاب» .
(3)
في (م): قال.
(4)
في (م): ليلة.
(5)
في (م): وحكمة.
(6)
في (ظ) و (ق): الموقوفة.
(7)
قوله: (أو حبس أو ترك ذلك لغير عذر
…
) إلى هنا سقط من (م).
(8)
في (م): اثنتين.
(9)
في (ظ): يجدد.
(10)
قوله: (الزمن) هي في (ق): أكثر من.
ولو بات ليلةً عندَ إحدى امرأتَيهِ، ثمَّ نَكَحَ؛ وفَّاها حقَّ عقده
(1)
، ثمَّ ليلةً للمظلومة، ثمَّ نصف
(2)
ليلةٍ للثَّالثة، ثُمَّ يَبْتِدِئُ.
واختار المؤلف: لا يَبِيتُ نصفَها بل ليلةً؛ لأِنَّه حرج
(3)
.
وفي «التَّرغيب» : لو أبان المظلومةَ، ثمَّ نَكَحَها وقد نكح جديداتٍ؛ تعذَّر القَضاءُ.
(1)
في (م): عقدها.
(2)
زيد في (م): ثم.
(3)
في (م) و (ق): خرج. والمثبت موافق للفروع 8/ 409.
(فَصْلٌ فِي النُّشُوزِ)
وهو
(1)
: كراهةُ كلِّ واحِدٍ من الزَّوجَينِ صاحبَه، وسوءُ عِشْرتِه، يقال
(2)
: نَشَزَت المرأةُ على زوجها، فهي ناشِزةٌ، وناشِزٌ، ونَشَزَ عليها زَوجُها: إذا جَفاها وأَضرَّ بها.
(وَهُوَ
(3)
مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ فِيمَا
(4)
يَجِبُ عَلَيْهَا) مِنْ طاعتِه، مأخوذٌ من النَّشْز، وهو الاِرْتِفاع، فكأنَّها ارْتَفَعَتْ وتعلَّت عمَّا
(5)
يَجِبُ عَليها مِنْ طاعته.
(وَإِذَا ظَهَرَ مِنْهَا أَمَارَاتُ النُّشُوزِ، بِأَلاَّ تُجِيبَهُ إِلَى الاِسْتِمْتَاعِ، أَوْ تُجِيبَهُ مُتَبَرِّمَةً مُتَكَرِّهَةً؛ وَعَظَهَا)؛ بأنْ يَذكُرَ لها ما أوْجَبَ الله تعالى عليها من الحقِّ، وما يَلحَقُها من الإثْمِ بالمخالَفةِ، وما يَسقُطُ بذلك من النَّفقة والكِسوة، وما يُباحُ له
(6)
من هَجْرِها وضَرْبِها؛ لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34].
(فَإِنْ
(7)
أَصَرَّتْ) ناشِزَةً؛ بأنْ تَعصيَه وتَمتَنِعَ من فِراشه، أوْ تَخرُجَ بغَيرِ إذْنه؛ (هَجَرَهَا فِي الْمَضْجَعِ)، بفتح الجيم، والمرادُ: أنْ يَهجُرَ فراشَها فلا يُضاجعَها فيه
(8)
، (مَا شَاءَ)؛ لقوله تعالى:{وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النِّسَاء: 34]، وقال
(1)
في (م): وهي.
(2)
في (م): فيقال.
(3)
في (م): وهي.
(4)
في (ظ): مما.
(5)
في (م): وتعلقت فيما.
(6)
في (ظ): لهم.
(7)
في (م): وإن.
(8)
قوله: (بفتح الجيم
…
) إلى هنا سقط من (م).
ابنُ عبّاسٍ: «لا تُضاجِعْها في فِراشك»
(1)
؛ لأِنَّ القرآنَ مُطلَقٌ، فلا يقيد
(2)
بغير دليلٍ.
وفي «التَّبصرة» و «الغُنْية» و «المحرَّر» : ثلاثةَ أيَّامٍ؛ لأِنَّ الهِجْرانَ
(3)
فَوقَ ذلك حرامٌ.
(وَفِي الْكَلَامِ فِيمَا
(4)
دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلُّ لمسلِمٍ أنْ يَهجُرَ أخاهُ فَوقَ ثلاثةِ أيَّامٍ»
(5)
، وقد «هَجَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم نساءَه فلم يَدخُلْ عليهنَّ شهرًا» مُتَّفَقٌ عليه
(6)
.
وفي «الواضح» : يَهجُرُها في الفراش، فإنْ أضافَ إليه الهَجْرَ في الكلام، ودخولِه وخُروجِه عليها؛ جاز مع الكراهة.
(فَإِنْ أَصَرَّتْ؛ فَلَهُ أَنْ يَضْرِبَهَا ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ)؛ أيْ: غير
(7)
شديدٍ؛ لقوله تعالى: {وَاضْرِبُوهُنَّ} [النِّسَاء: 34]، ولا يُبرِّحُ بالضَّرب؛ للخبر الصَّحيح
(8)
، قال الخَلاَّلُ: سألتُ أحمدَ بنَ يحيى ثَعْلَبًا عن قَولِه: «ضَرْبًا غيرَ مبرِّحٍ» ؛ أي:
(1)
أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (5271)، وفي إسناده شريك النخعي، وهو ضعيف.
(2)
في (م): فلا يتقيد.
(3)
في (ق): الهجر.
(4)
في (ظ): ما.
(5)
أخرجه أبو داود (4914)، والنسائي في الكبرى (9116)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. وسنده صحيح على شرط الشيخين كما قاله الألباني في الإرواء 7/ 92. وأخرجه البخاري (6077)، ومسلم (25)، من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه.
(6)
أخرجه البخاري (5202)، ومسلم (1085)، من حديث أمّ سلمة رضي الله عنها. وأخرجه البخاري (5289)، من حديث أنس رضي الله عنها، وأخرجه مسلم (1475)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(7)
قوله: (غير) سقط من (م).
(8)
يريد ما أخرجه مسلم (1218)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في حديث صفة الحج، وفيه:«فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدًا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربًا غير مبرّح» .
(غيرَ شديدٍ)
(1)
، وهو عَشَرةُ أسْواطٍ فأقَلُّ، قالَه الأصحاب.
وهو حِسْبةٌ
(2)
، ذَكَرَه في «الاِنتصار» ، لكِنْ يُمنَعُ منها من عُلِمَ بمَنْعِه حقَّها حتَّى يُؤدِّيَه.
وعليه اجْتِنابُ المواضِع المَخُوفةِ والمسْتَحْسَنة؛ لأِنَّ المقصودَ التَّأديبُ.
وعنه: له ضَرْبُها بأوَّلِ النشوز
(3)
؛ للآية والخبرِ، وظاهِرُ المذهَب: لا؛ لأِنَّ المقصودَ بهذه العُقوباتِ زَجْرُها عن المعصية في المستقبَل، فيَبدَأُ بالأسْهَلِ فالأسهل
(4)
، كإخراج مَنْ هَجَمَ بمنزله.
وظاهِرُه: أنْ لَيسَ لنا مَوضِعٌ يَضرِبُ المستَحِقُّ مَنْ مَنَعَه حقَّه غَيرَ هذا، والعبدِ يَمتنِع من حقِّ سيده
(5)
.
ولا يَملِكُ تعزيرَها في حقِّ الله، نَقَلَ مُهَنَّى: هل يَضرِبُها على تَرْكِ زكاةٍ؟ قال: (لا أدْرِي)
(6)
، وفيه ضعفٌ؛ لأِنَّه نُقِلَ عنه: (يضربها
(7)
على فرائض الله تعالى)
(8)
، قاله في «الانتصار» ، وذَكَرَ غَيرُه: يَملِكُه.
ولا يَنبغِي سؤالُه لِمَ ضَرَبَها، قاله أحمدُ
(9)
؛ «لنَهيِه عليه السلام عن ذلك» رواه أبو داودَ
(10)
.
(1)
ينظر: الكافي 3/ 92.
(2)
في (م): حسنة. وقد ضُبطت في (ظ) بكسر الحاء.
(3)
في (ظ) و (ق): العشرين. والمثبت موافق للفروع 8/ 410 والإنصاف 21/ 471.
(4)
قوله: (فالأسهل) سقط من (م).
(5)
قوله: (وظاهره: أن ليس لنا موضع
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
ينظر: الفروع 8/ 410.
(7)
في (م): بضربها.
(8)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 103، الفروع 8/ 410.
(9)
نظر: المغني 7/ 319.
(10)
أخرجه أحمد (122)، وأبو داود (2147)، والنسائي في الكبرى (9123)، وابن ماجه (1986)، والحاكم (7342)، من طريق عبد الرحمن المسلي، عن الأشعث بن قيس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يُسأل الرجل فيما ضرب امرأته» ، وعبد الرحمن المُسْلِيُّ الكوفي: مجهول، لا يعرف إلاّ في حديثه عن الأشعث عن عمر. كما أفاده ابن القطان والذهبي، والحديث صححه الحاكم، وحسنه الضياء المقدسي، وضعفه ابن المديني والإشبيلي والألباني، قال ابن المديني:(إسناده مجهول). ينظر: العلل لابن المديني (ص 93)، الأحكام الوسطى 3/ 171، بيان الوهم 5/ 525، الأحاديث المختارة 1/ 188، الإرواء 7/ 98.
وفي «الترغيب» وغيره: والأولى
(1)
تَرْكُه إبْقاءً للمودَّة، والأَوْلَى أنْ لا يَترُكَه عن الصَّبيِّ لإصْلاحه.
(فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ ظُلْمَ صَاحِبِهِ لَهُ؛ أَسْكَنَهُمَا الْحَاكِمُ إِلَى جَانِبِ ثِقَةٍ، يُشْرِفُ عَلَيْهِمَا، وَيُلْزِمُهُمَا الإِنْصَافَ)؛ لأِنَّ ذلك طريقٌ إلى الإنصاف، فتعيَّنَ فِعْلُه؛ كالحكم بالحقِّ.
ويَلزَمُه أنْ يَكشِفَ عنه كما يَكشِفُ عن عدالةٍ وإفْلاسٍ مِنْ خبرةٍ باطِنةٍ، قاله في «التَّرغيب» .
(فَإِنْ خَرَجَا إِلَى الشِّقَاقِ وَالْعَدَاوَةِ؛ بَعَثَ الْحَاكِمُ حَكَمَيْنِ، حُرَّيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، عَدْلَيْنِ)، مكلَّفَينِ؛ لأِنَّ هذه شروطُ العدالة، سَواءٌ قُلْنا هما حَكَمانِ أوْ وَكِيلانِ؛ لأِنَّ الوكيلَ إذا كان مُتعلِّقًا بنَظَرِ الحاكم؛ لم يَجُزْ إلا أنْ يكونَ عَدْلاً، كما لو نَصَبَ وكيلاً لصبيٍّ أو مُفْلِسٍ.
ويُشتَرَطُ ذُكوريَّتُهما، ذَكَرَه في «المغْنِي» وغيره؛ لأِنَّه يَفتَقِرُ إلى الرأي والنَّظَر.
وصريحُه يقتَضِي اشْتِراطَ الحُرِّيَّة، وهو الأصحُّ؛ لأِنَّ العبوديةَ نَقْصٌ، وفي «المغْنِي»: الأَوْلَى إن كانا
(2)
وكيلَينِ لم يُعتَبَرْ؛ لأِنَّ تَوكيلَ العبدِ جائزٌ، بخلاف الحَكَم.
(1)
في (م): الأولى.
(2)
في (م): كلفا.
وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَطُ فيه الفقهُ، وهو وَجْهٌ.
وفي «الكافي» : متى كانا حَكَمَينِ؛ اشْتُرِطَ كَونُهما فَقِيهَينِ، وإنْ كانا وكيلَينِ جاز أنْ يكونا عامَّينِ.
وفي «الترغيب» : لا يُعتَبَر اجْتِهادٌ، وهو ظاهِرٌ، وأن مثله ما يُفوِّضُه الحاكِمُ من مُعيَّنٍ جُزْئيٍّ
(1)
كقسمةٍ.
(وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَا
(2)
مِنْ أَهْلِهِمَا بِرِضَاهُمَا وَتَوْكِيلِهِمَا)؛ لقوله تعالى: الآيةَ {وَإِنْ خِفْتُمْ
…
(35)} [النِّسَاء: 35]؛ ولأِنَّهما أشْفَقُ وأعْلَمُ بالحال، ويَجوزُ أنْ يكونا مِنْ غَيرِ أهْلِهما؛ لأِنَّ القرابةَ لَيستْ شَرْطًا في الحُكم ولا الوكالة.
وظاهِرُه: بأنَّ الحاكِمَ لَيسَ له أنْ يَبعثَهُما بغَيرِ رضاهما على المذهب؛ لأِنَّه حقٌّ لهما، فلم يَجُزْ لغيرهما
(3)
التَّصرُّفُ إلاَّ بالوكالة.
(فَيَكْشِفَانِ
(4)
عَنْ حَالِهِمَا، وَيَفْعَلَانِ مَا يَرَيَانِهِ مِنْ جَمْعٍ وَتَفْرِيقٍ بَيْنَهُمَا
(5)
بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ)، فما فَعَلَا من ذلك لزمهما
(6)
، والأصلُ فيه الآيةُ الكريمةُ، لكِنْ لا يَصِحُّ منهما إبْراءٌ؛ لأِنَّهما وكيلانِ فيما يتعلَّق بالإصلاح، لا
(7)
في إسْقاطِ الحُقوق.
وإنْ أبْرَأَه وكيلُها؛ بَرِئَ في الخُلْع فقطْ، وإنْ شرطا
(8)
ما لا يُنافِي نكاحًا لَزِمَ، وإلاَّ فلا، كتَرْكِ قَسْمٍ، أوْ نفقةٍ، ولِمَن رَضِيَ العَودُ.
(1)
في (م): جزء. والمثبت موافق لنسخة خطية للفروع بخط المرداوي.
(2)
في (م): يكون.
(3)
في (م): لغير.
(4)
في (م): وتوكيلهما يكشفان.
(5)
قوله: (وتفريق بينهما) في (م): بينهما أو يفرق، وفي (ق): بينهما أو تفريق.
(6)
في (م): لزمها.
(7)
في (م): إلا.
(8)
في (م): شرط.
(فَإِنِ امْتَنَعَا مِنَ التَّوْكِيلِ؛ لَمْ يُجْبَرَا) على المشهور، حتَّى إنَّ القاضِيَ في «الجامع الصَّغير» والشَّريفَ وغيرَهما لم يَذكُروا خلافًا؛ لأِنَّهما رشِيدانِ، والبُضْعُ حقُّ الزَّوج، والمالُ حقُّ الزوجة
(1)
، فلم يُجبَرَا على التَّوكيل منهما؛ كغَيرهما من الحقوق.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الزَّوْجَ إِنْ وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ بِعِوَضٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَوَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي بَذْلِ الْعِوَضِ بِرِضَاهُمَا، وَإِلاَّ) إنْ أَبَيَا ذلك؛ (جَعَلَ الْحَاكِمُ إِلَيْهِمَا ذَلِكَ)، اخْتارَهُ ابنُ هُبَيرةَ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ.
وحِينَئِذ: لهما فِعْلُ ما رَأَياهُ بغَيرِ رِضَا الزَّوجَينِ، رُوِيَ عن عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ
(3)
؛ لأِنَّ اللهَ تعالى سمَّاهما حَكَمَينِ، وعن عَبِيدةَ السَّلْمانيِّ: «أنَّ رجلاً وامرأتَه أَتَيَا عَلِيًّا، مع كلٍّ
(4)
منهما فئام
(5)
من النَّاس، فقال عليٌّ: ابْعَثُوا حَكَمًا من أهله وحَكَمًا من أهلها، فبَعَثُوا حَكَمَينِ، ثُمَّ قال للحكمين: هل
(1)
في (ظ) و (ق): الزوجية.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 415.
(3)
أثر علي رضي الله عنه سيأتي قريبًا في كلام المصنف، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (11885)، والطبري في التفسير (6/ 725)، عن عكرمة بن خالد، عن ابن عباس قال: بُعثت أنا ومعاوية حكمين، فقيل لنا:«إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما» ، قال الإمام أحمد عن عكرمة بن خالد كما في العلل 1/ 403:(لم يسمع من ابن عباس شيئًا)، وأخرجه عبد الرزاق (11887)، والشافعي في الأم (5/ 125)، والطبري في التفسير (6/ 725)، والبيهقي في الكبرى (14786)، عن ابن أبي مليكة، وذكر القصة بطولها. وعبد الله بن أبي مليكة عن عثمان مرسل كما قال أبو زرعة، ولذا قال ابن حزم في المحلى 9/ 247:(لا يصح، لأنه لم يأت إلا منقطعًا)، وأخرج الطبري في التفسير (6/ 722)، وابن أبي حاتم في التفسير (5283)، والبيهقي في الكبرى (14787)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس نحوه، ولا بأس بإسناده، فالأثر قوي بمجموع الطرق.
(4)
زيد في (ق): واحد.
(5)
في (م): قيام.
تَدْرِيانِ ما عَلَيكُما من الحقِّ؟ إنْ رأَيْتُما أنْ تَجمَعَا جَمَعْتُما، وإنْ رأيتما
(1)
أنْ تُفرِّقا فرَّقْتُما، فقالت المرأةُ: رضِيتُ بكتاب الله لي وعليَّ، وقال الرَّجلُ: أمَّا الفُرقةُ فلا، فقال عليٌّ: كَذَبْتَ حتَّى تَرْضَى بما رَضِيَتْ به» رواه أبو بكرٍ
(2)
، وهذا يَدُلُّ على أنَّه أَجْبَرَه على ذلك، ولا يَمتَنِعُ أن تَثْبُتَ الوِلايَةُ على الرَّشيد عندَ امْتِناعه من أداء الحقِّ؛ كالمَدينِ الممتَنِعِ، وطلاقِ الحاكم على المُولِي.
(فَإِنْ غَابَ الزَّوْجَانِ، أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَنْقَطِعْ نَظَرُ الْحَكَمَيْنِ عَلَى الرِّوَايَةِ
(3)
الأُولَى)؛ لأِنَّ الوكالةَ لا تَبطُل بالغَيبة، (وَتَنْقَطِعُ عَلَى الثَّانِيَةِ)؛ لأِنَّه لا يَجوزُ الحُكْمُ للغائب، وكلٌّ منهما محكومٌ عليه.
وقِيلَ: لا ينقطع عليها
(4)
، حكاه في «المستوعب» و «المحرَّر» .
(وَإِنْ
(5)
جُنَّا)، أو أحدُهما؛ (انْقَطَعَ نَظَرُهُمَا عَلَى الْأُولَى)؛ لأِنَّ الوكالةَ تَبطُلُ بالجُنون، (وَلَمْ يَنْقَطِعْ
(6)
عَلَى الثَّانِيَةِ)؛ لأِنَّ الحاكِمَ يَحكُمُ على المجنون.
وقِيلَ: ينقطع
(7)
عليها أيْضًا، حكاهُ في «المغْنِي» و «المحرَّر» ؛ لأِنَّه لا يُتحقَّقُ معه بقاءُ الشِّقاق وحُضورِ المتداعِيَيْنِ، وهو شَرْطٌ
(8)
. والله تعالى أعلم.
(1)
في (م): رأيتموا.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11883)، والشافعي في الأم (5/ 124)، وسعيد بن منصور في التفسير (628)، والطبري في التفسير (6/ 717)، والدارقطني (3778)، والبيهقي في الكبرى (14782)، وإسناده صحيح كما في التلخيص 3/ 431، وقال الشافعي في الأم 5/ 209:(حديث علي ثابت عندنا).
(3)
قوله: (الرواية) سقط من (ظ) و (ق).
(4)
في (م): عليهما.
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (م): ولم تنقطع.
(7)
في (م): تنقطع.
(8)
قوله: (والله تعالى أعلم) سقط من (ظ) و (م).
(كِتَابُ الْخُلْعِ)
يُقالُ: خَلَع امرأتَه خلعًا، وخالَعَها مخالَعَةً، واخْتَلَعَتْ هي منه، فهي خالِعٌ، وأصْلُه من خَلْعِ الثَّوب؛ لأِنَّ المرأةَ تَنخَلِعُ مِنْ لِباسِ
(1)
زَوجِها، قال الله تعالى:{هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البَقَرَة: 187].
وهو: عِبارةٌ عن
(2)
فِراقِ امرأته بعِوَضٍ، بألْفاظٍ مَخصوصةٍ.
وفائِدَتُه: تَخْلِيصُها من الزَّوج على وَجْهٍ لا رَجْعةَ له عليها إلاَّ بِرضاها.
(وَإِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ)؛ لخَلْقِه
(3)
، أوْ خُلُقِه، أوْ دِينه، أوْ كِبَره، أوْ ضعْفه، أوْ نحوِ ذلك، (وَتَخْشَى أَلاَّ تُقِيمَ
(4)
حُدُودَ الله فِي حَقِّهِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ)؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البَقَرَة: 229]، ولقَولِ ابنِ عبَّاسٍ: جاءت امرأةُ ثابِتِ ابنِ قَيسٍ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالَتْ: يا رسولَ الله ثابِتُ بنُ قَيسٍ ما أَعِيبُ عليه في دِينٍ ولا خُلُقٍ، ولكِنِّي أكْرَهُ الكُفْرَ في الإسلام، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أتَرُدِّينَ عليه حَدِيقتَه؟» قالتْ: نَعمْ، فأمَرَها بِرَدِّها، وأمره
(5)
فَفَارَقَها، رواهُ البخاريُّ
(6)
.
وبه قال جميعُ الفُقهاء في الأمصار، إلاَّ بَكْرُ بنُ عبدِ الله المُزَنِيَّ، فإنَّه لم يُجِزْه، وزَعَمَ أنَّ آيةَ الخُلْع مَنسوخةٌ بقوله تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ
…
(20)} الآيةَ [النِّسَاء: 20].
(1)
في (ق): كتاب.
(2)
في (م): من.
(3)
في (م): لخلقته.
(4)
في (م): يقيم.
(5)
في (م): فأمره.
(6)
أخرجه البخاري (5273).
وقال ابنُ سِيرِينَ وأبو قِلابةَ: لا يَحِلُّ الخُلْعُ حتَّى يَجِدَ على بَطْنِها رجلاً؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النِّسَاء: 19].
والجوابُ عن ذلك: بأنَّه قَولُ عمرَ
(1)
وعليٍّ
(2)
، ولم يُعرفْ لهما في الصَّحابة مُخالِفٌ، فكان كالإجماع، ودَعْوَى النَّسخ لا تُسمَعُ
(3)
حتَّى يثبت
(4)
تَعذُّر الجَمْع، وأنَّ الآية
(5)
النَّاسخةَ متأخِّرةٌ، ولم يَثبُتْ ذلك.
وظاهِرُه: أنَّه
(6)
يُباحَ لها أنْ تَفتَدِيَ نَفْسَها منه، وصرَّح به في «الوجيز» و «الفروع» ، والمذْهَبُ: أنَّه يُسَنُّ إجابتُها إليه؛ لأِنَّ حاجتَها داعيةٌ إلى فُرْقَتِه، إلاَّ أنْ يكونَ له إليها
(7)
مَيلٌ ومَحبَّةٌ، فيُسنُّ صَبْرُها وعَدَمُ افْتِدائها، نَصَّ
(1)
في (ق): ابن عمر.
أخرجه عبد الرزاق (11810)، وسعيد بن منصور (1423)، وأبو عبيد في الناسخ والمنسوخ (226)، وابن أبي شيبة (18468)، والبيهقي في الكبرى (14853)، عن عبد الله بن شهاب الخولاني:«أن عمر بن الخطاب رُفعت إليه امرأة اختلعت من زوجها بألف درهم فأجاز ذلك» ، إسناده جيد، وعلقه البخاري بصيغة الجزم 7/ 46.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11860)، وابن أبي شيبة (18457)، عن محمد بن الحنفية، عن علي بن أبي طالب قال:«عدة المختلعة مثل عدة المطلقة» ، منقطع، وفيه عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ضعفه أحمد وغيره. وأخرج ابن أبي شيبة (18096)، عن مجاهد، قال علي:«إذا خلع الرجل أمر امرأته من عنقه؛ فهي واحدة، وإن اختارته» ، قال أبو زرعة:(مجاهد عن علي رضي الله عنه مرسل). وأخرجه عبد الرزاق (11755)، وسعيد بن منصور (1450)، عن الشعبي، أن عليًّا قال:«إذا أخذ للطلاق ثمنًا فهي واحدة» ، فيه حجاج بن أرطاة وهو ضعيف، وقد اضطرب فيه.
(3)
في (ق): لا يسمع.
(4)
في (م): تثبت.
(5)
قوله: (الآية) سقط من (م).
(6)
في (ق): أن.
(7)
قوله: (له إليها) في (م): لها.
عليه
(1)
، واخْتَلَف كلامُ الشَّيخ تقيِّ الدِّين في وجوبه
(2)
، وألْزَمَ بعض حُكَّام المقادِسَةِ الفُضَلاءَ به، نقل
(3)
أبو طالِبٍ: إذا كَرِهَتْهُ حَلَّ
(4)
أنْ يأخُذَ منها ما أعطاها
(5)
.
(وَإِنْ خَالَعَتْهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ)؛ أيْ: لغَيرِ سببٍ مع اسْتِقامة الحال؛ (كُرِهَ، وَوَقَعَ الْخُلْعُ) عندَ أصحابنا والأكثرِ؛ لقَوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النِّسَاء: 4].
(وَعَنْهُ: لَا يَجُوزُ)، ولا يَصِحُّ، وقاله ابنُ عبَّاسٍ
(6)
وخَلْقٌ؛ لقوله تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا
…
} الآيةَ [البَقَرَة: 229]، وقَولِه عليه السلام: «أيُّما امرأةٍ سألَتْ زَوجَها الطَّلاقَ من
(7)
غَيرِ ما بَأْسٍ؛ فحرامٌ عليها رائحةُ الجَنَّة» رواه أبو داود من حديثِ ثَوبانَ
(8)
، وقَولِه عليه السلام: «المخْتَلِعاتُ هنَّ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 359.
(2)
في (م): جوابه. ينظر: الفروع 8/ 417، الاختيارات ص 359.
(3)
في (م): فقال.
(4)
في (ق): على.
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 346، الفروع 8/ 417.
(6)
نقل في الشرح الكبير 22/ 9 عن ابن المنذر؛ أن هذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما، وهو يشير إلى ما أخرجه الطبري في التفسير (4/ 147)، وابن أبي حاتم في التفسير (2217)، عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ، قال:«هو تركها إقامة حدود الله، واستخفافها بحق زوجها، وسوء خلقها، فتقول له: والله لا أبر لك قسمًا، ولا أطأ لك مضجعًا، ولا أطيع لك أمرًا؛ فإن فعلت ذلك فقد حل له منها الفدية» ، ولا بأس بإسناده.
(7)
في (م): في.
(8)
أخرجه أحمد (22440)، وأبو داود (2226)، وابن ماجه (2055)، وابن حبان (4184)، والحاكم (2809)، وسنده صحيح على شرط مسلم، والحديث حسنه التِّرمذي، وصححه ابن حبّان والحاكم والذهبي والألباني، وقد رويَ مرسلاً. وله شاهد: أخرجه ابن ماجه (2054)، من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما، وسنده ضعيف. ينظر: سنن التِّرمذي 2/ 484، الإرواء 7/ 100.
المنافِقاتُ» رواه أحمدُ، واحتجَّ به
(1)
من حديثِ أبي هُرَيرةَ
(2)
.
قال المؤلِّفُ: والحُجَّةُ مع مَنْ حرَّمَه، وخُصوصُ الآيةِ في التَّحريم يَجِبُ تقديمُها على عُمومِ آيةِ الجَواز، مع ما عَضَدَها من الأخبار.
فرعٌ: لا يَفتَقِرُ الخُلْعُ إلى حاكِمٍ، نَصَّ عليه
(3)
، ورواه
(4)
البخاريُّ عن عمرَ وعُثْمانَ
(5)
؛ لأِنَّه مُعاوَضةٌ، فلم يَفتَقِرْ إلى سُلْطانٍ؛ كالبيع والنِّكاح.
وقال الحسنُ وابنُ سِيرينَ: لا يَجوزُ إلاَّ عِنْدَ السُّلطان.
(1)
قوله: (به) سقط من (ظ) و (ق).
(2)
أخرجه أحمد (9358)، والنسائي (3461)، والبزار (9561)، من طرق عن وهيب بن خالد، عن أيوب السَّختياني، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا. زاد النسائي:(قال الحسن: لم أسمعه من غير أبي هريرة). وظاهر سنده الصحة، لكن في سماع الحسن من أبي هريرة خلاف؛ فقد صرّح كثير من الحفاظ: كابن المديني وأبي حاتم وأبي زرعة وغيرهم: بأنّه لم يسمع منه، بل قال كثير منهم: بأنّه لم يره، لكن قول الحسن عند النسائي يدل على أنّ الحسن قد سمع هذا الحديث خاصة من أبي هريرة، والإسناد إلى الحسن صحيح، قال ابن حجر:(وهذا إسناد لا مطعن من أحد في رواته، وهو يؤيد أنّ الحسن البصري سمع من أبي هريرة في الجملة، وقصته في هذا شبيهة بقصته في سمرة سواء)، والحديث رواه قتادة وحميد ويونس، عن الحسن مرسلاً كما ذكره الدارقطني، وفي الباب شواهد عن عقبة بن عامر، وثوبان، وابن مسعود رضي الله عنهم، وفي أسانيدها مقال، وبها يكون الحديث صحيحًا في أقلّ أحواله. ينظر: سنن التِّرمذي 2/ 483، علل الدارقطني 10/ 266، العلل الكبير للترمذي (304)، الصحيحة (532)، فتح الباري 9/ 403، التابعون الثقات 1/ 363.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1972.
(4)
في (م): رواه.
(5)
ذكره البخاري عنهما تعليقًا بصيغة الجزم 7/ 46، وتقدم قريبًا ذكر أثر عمر رضي الله عنه 8/ 56 حاشية (1).
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (11811)، والطبري في التفسير (4/ 159)، والبيهقي في الكبرى (14856)، وابن حجر في التغليق (4/ 461)، عن الربيع بنت معوذ قالت:«اختلعت من زوجي، ثم ندمت فرفع ذلك إلى عثمان فأجازه» ، إسناده حسن كما قال في التغليق.
وجَوابُه: ما سَبَقَ، مع أنَّه قَطْعُ عَقْدٍ بالتَّراضِي، أشْبَهَ الإقالةَ.
(فَأَمَّا إِنْ
(1)
عَضَلَهَا)؛ بأنْ ضارَّها بالضَّرْب والتَّضييق عليها ظُلْمًا، أوْ مَنَعَها حقَّها من النَّفقة والقَسْمِ ونحوِه، (لِتَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَفَعَلَتْ؛ فَالْخُلْعُ بَاطِلٌ، وَالْعِوَضُ مَرْدُودٌ) في قَولِ الجُمْهور؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النِّسَاء: 19]، ولأِنَّه عِوَضٌ أُكْرِهَتْ على بَذْلِه بغَيرِ حقٍّ، فكان باطلاً؛ كالثَّمَن في البَيعِ، (وَالزَّوْجِيَّةُ بِحَالِهَا)؛ لأِنَّ المقْتَضِيَ للفُرقة الخُلْعُ الصَّحيحُ، ولم يُوجَدْ.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، فَيَقَعُ رَجْعِيًّا)؛ أيْ: إذا لم يَملِك العِوَضَ، وقُلْنا: الخُلْعُ طلاقٌ؛ وَقَعَ الطَّلاقُ بغَيرِ عِوَضٍ، فإنْ كان أقلَّ مِنْ ثلاثٍ؛ فله رَجْعَتُها؛ لأِنَّ الرجعة
(2)
إنَّما سَقَطَتْ بالعِوَضِ، فإذا سَقَطَ العِوَضُ؛ ثَبَتَت الرَّجْعةُ إنْ كان
(3)
بلفظِ طلاقٍ أوْ نِيَّتِه، وإلاَّ فهو لَغْوٌ، وقِيلَ: يَقَعُ بائِنًا إنْ صحَّ بلا عِوَضٍ.
وإنْ قُلْنا: هو فَسْخٌ، ولم يَنْوِ به الطَّلاقَ؛ لم يَقَعْ شَيءٌ؛ لأِنَّ الخُلْعَ بغَيرِ عِوَضٍ لا يَقَعُ على الأَشْهَر.
ويَتخرَّجُ: أنَّه إنْ أخذ مِنها شَيئًا على الوجه المذكورِ؛ ردَّه، وَوَقَعَ الخُلْعُ عليه إذا قُلْنا: يَقَعُ بغَيرِ عِوَضٍ.
وعلى كلامه يُسْتَثْنَى صُوَرٌ:
مِنْها: إذا ضَرَبَها لتَرْكِها فَرْضًا، أوْ على نُشوزها، أوْ مَنعها حقَّها من أجْلِه؛ لم يَحرُم خُلْعُها.
(1)
قوله: (فأما إن) هو في (ظ) و (ق) فإن.
(2)
في (ظ) و (ق): الرخصة. والمثبت موافق للمغني 7/ 327.
(3)
في (م): كانت.
ومِنْها: إذا ضَرَبَها لِسوءِ
(1)
خُلُقه، لا يُريدُ بذلك الفِداءَ؛ لم يَحرُمْ خُلْعُها؛ لأنَّه لم يَعضُلْها؛ ليَذهَبَ ببعضِ ما آتاها، وهو آثِمٌ بالظُّلم.
ومنها: إذا زَنَتْ، فَعَضَلَها لِتَفْتَدِيَ نفسَها منه؛ جاز، وصحَّ الخُلْعُ، نَصَّ عليه
(2)
؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [الطّلَاق: 1]، والاِستِثْناءُ من النَّهيِ إباحةٌ.
فرعٌ: إذا قالت: بِعْنِي عبدَك هذا وطلِّقْنِي بألفٍ، فَفَعَلَ؛ صحَّ، وقُسِّط
(3)
الألفُ على الصداق
(4)
المسمَّى وقيمةِ العبد على الأَشْهَرِ.
(وَيَجُوزُ الْخُلْعُ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا)؛ لأِنَّه إذا مَلَكَ الطَّلاقَ بغَيرِ عِوَضٍ، فبالعِوَضِ أَوْلَى.
وفي المميِّز وجْهٌ، وجَزَمَ ابنُ المنَجَّى: أنَّه يَصِحُّ منه، ومن السَّفيه والعَبْد؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهم زَوْجٌ يَصِحُّ طلاقُه، فصحَّ خُلْعُه قياسًا.
ويَصِحُّ مِنْ أبِ صبيٍّ ومجنونٍ إنْ صحَّ طَلاقُه عَلَيهِما.
(فَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ؛ دُفِعَ
(5)
الْمَالُ إِلَى وَلِيِّهِ)؛ كسائر حقوقِه، (وَإِنْ كَانَ عَبْدًا؛ دُفِعَ إِلَى سَيِّدِهِ)؛ لأِنَّه للسَّيِّد؛ لكَونِه مِنْ أكساب
(6)
عبدِه، وإنْ كان مُكاتَبًا؛ دُفعَ العِوَضُ إلَيهِ؛ لأِنَّه يَملِكُ أكسابه
(7)
، وهو الذي يَتَصرَّفُ لنفسه. (وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِحُّ الْقَبْضُ مِنْ كُلِّ مَنْ يَصِحُّ خُلْعُهُ)؛ لأِنَّه يَصِحُّ
(8)
منه
(9)
(1)
رسمت في (ق): لسر.
(2)
ينظر: الفروع 8/ 417.
(3)
في (ظ) و (ق): وبسطت.
(4)
زيد في (م): على.
(5)
قوله: (عليه دفع) في (م): ودفع.
(6)
في (م): اكتساب.
(7)
في (م): اكتسابه.
(8)
في (ق): فصح.
(9)
في (م): من.
أحدُ رُكْنَي المعاوَضةِ، وهو العَقْدُ، فيَصِحُّ منه قَبْضُ العِوَضِ الذي هو الرُّكنُ الآخَرُ؛ قياسًا عليه.
فعلى هذا: يَصِحُّ قَبْضُ العبدِ والمحجورِ عَلَيهِ؛ لأِنَّ مَنْ صحَّ خُلْعُه صحَّ قَبْضُه العِوَضَ، كالمحْجور عليه لِفَلَسٍ، ونَصَّ عليه أحمدُ في العبد
(1)
، قال في «الشَّرح»: والأَوْلَى أنَّه لا يَجوزُ.
فإنْ سَلَّمَتِ العِوَضَ إلى المحجور عليه؛ لم يَبرَأْ
(2)
، فإنْ أخَذَه الوليُّ منه؛ بَرِئَتْ، وإنْ سَلَّمَت العبدَ؛ برئتْ مُطلَقًا.
قال صاحِبُ «النِّهاية» فيها: والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ النَّظَرَ له في صحَّة العَقْد دُونَ قَبْضِه.
(وَهَلْ لِلْأَبِ خُلْعُ زَوْجَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، أَوْ طَلَاقُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: له ذلك، نَصَرَه القاضي وأصحابُه؛ لأِنَّه يَصِحُّ أنْ يُزوِّجَه بعِوَضٍ، فلأن يَصِحَّ أنْ يُطلِّقَ عليه بعِوَضٍ بطريق
(3)
الأَوْلَى.
لا يُقالُ: التَّزويجُ إدْخالُ ملْكٍ والخُلْعُ عَكْسُه؛ لأِنَّ الأبَ كامِلُ الشَّفَقة، فلا يَفعَلُه إلاَّ لمصلحةِ ولده
(4)
، وكالحاكِم يملِكُ الطَّلاق على الصَّغير والمجنون بالإعْسارِ.
والثَّانية، وهي الأَشْهَرُ: لا يَملِكُه وِفاقًا للأكْثَرِ؛ لقَوله عليه السلام: «الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بالسَّاق» رواه ابنُ ماجَهْ والدَّارقُطْنِيُّ بإسْنادٍ فيه ضعف
(5)
،
(1)
ينظر: المغني 7/ 355.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 7/ 355، والشرح 22/ 17: تبرأ.
(3)
في (م): من طريق.
(4)
قوله: (ولده) في (ظ) و (ق): فيه لذة فيه. والمثبت موافق للممتع 3/ 749.
(5)
قوله: (فيه ضعف) في (م): ضعيف.
والحديث أخرجه ابن ماجه (2081)، من طريق ابن لهيعة، وأخرجه الدارقطني (3991)، والبيهقي في الكبرى (15116)، من طريق أبي الحجاج المهري، كلاهما عن موسى بن أيوب الغافقي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا. وابن لهيعة وأبو الحجاج رشدين بن سعد، كلاهما ضعيف، وأخرج الدارقطني (3993) له شاهدًا من حديث عصمة بن مالك رضي الله عنه. وفيه الفضل بن المختار البصري، وأحاديثه منكرة، عامّتها مما لا يتابع عليه، يحدّث بالأباطيل. قاله أبو حاتم وابن عدي. والحديث ضعفه ابن عدي والإشبيلي وابن الجوزي وابن الملقن والبوصيري وابن حجر، وحسّنه بهذه الطرق الألباني. ينظر: الجرح والتعديل 7/ 69، الأحكام الوسطى 3/ 309، العلل المتناهية 2/ 158، البدر المنير 8/ 138، مصباح الزجاجة 2/ 131، الدراية 2/ 198، الإرواء 7/ 108.
ولأِنَّه إسقاطٌ
(1)
لحقِّه، فلم يَمْلِكْهُ؛ كالإبراء وإسقاط
(2)
القِصاص، ولأِنَّ طريقه
(3)
الشَّهوة، ولا
(4)
مَدخَلَ لها في الولاية.
وحكمُ المجنون كذلك، وكذا سيِّدُ صغيرٍ ومجنونٍ، والأَظْهَرُ: جَوازُه إنْ رآه مصلحةً.
(وَلَيْسَ لَهُ خُلْعُ ابْنَتِهِ الصَّغِيرَةِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا) على المذهب؛ لأِنَّ فيه إسقاطَ نفقتها وكِسْوتها، وبَذْلَ مالِها، ولا حظَّ لها في ذلك.
وقِيلَ: له ذلك، إذا رأى الحَظَّ فيه؛ كتخليصها مِمَّنْ يُتْلِفُ مالَها، ويخاف
(5)
منه على نفسها وعَقْلِها.
والأبُ وغَيرُه في ذلك سَواءٌ إذا خالعوا
(6)
في حقِّ المجنونة، والمحجور عليه لِسَفَهٍ أوْ صِغَرٍ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا
(7)
خالَعَ بشَيءٍ من ماله؛ أنَّه يَجوزُ، صرَّحَ به في «الشَّرح»
(1)
في (م): إسناد.
(2)
في (م): أو إسقاط.
(3)
في (ظ): طريق.
(4)
في (ظ): لا.
(5)
في (م): وتخاف.
(6)
في (م): خالعوها.
(7)
قوله: (إذا) مكانه بياض في (م).
وغيره؛ لأِنه يجوز
(1)
مع الأجنبيِّ، فمِنَ الوليِّ أَوْلَى.
(وَيَصِحُّ الْخُلْعُ مَعَ الزَّوْجَةِ) إذا كانَتْ رشيدةً، (وَمَعَ الْأَجْنَبِيِّ) بغَيرِ رِضَا المرأةِ في قَولِ أكثرِهم.
وقال أبو ثَورٍ: لا يَصِحُّ، فإنَّه يَبذُلُ عِوَضًا في مُقابَلةِ ما لا مَنفَعَةَ له
(2)
فيه.
وجَوابُه: بأنَّه بَذْلُ مالٍ في إسْقاطِ حقٍّ عن غَيرِه، فصحَّ، كما لو قال: أعْتِقْ عبدَك وعليَّ ثمنُه؛ ولأِنَّه لو قال: ألْقِ متاعَك في البَحْر وعليَّ ثمنُه؛ صحَّ، ولَزِمَه ثمنُه، مع أنَّه لا يُسقِطُ حقًّا عن أحد
(3)
، فهنا أَوْلى، ولأِنَّه حقٌّ على المرأة يَجوزُ أنْ يُسقَطَ عنها بعِوَضٍ، فجاز لغَيرِها كالدَّين.
وقِيلَ: إنْ قُلْنا هو فَسْخٌ فلا.
فرعٌ: إذا قالت امرأتُه: طلِّقْنِي وضَرَّتي بألْفٍ، فطلَّقهما
(4)
؛ وَقَعَ بهما بائنًا، واسْتَحَقَّ الألْفَ على ما ذَكَرَتْه.
وإنْ طلَّق إحداهما، فقال القاضي: تَطلُقُ بائنًا، ويَلزَمُ الباذِلةَ بحصَّتها من الأَلْف.
وقِياسُ قَولِ أصحابنا فيما إذا قالتْ: طلِّقْنِي ثلاثًا بألْفٍ، فطلقها
(5)
واحدةً؛ أنْ لا يَلزَمَ الباذِلةَ هنا شَيءٌ؛ لأِنَّه لم يُجِبْها إلى ما سألَتْ.
وإنْ قالَتْ: طلِّقْنِي بألْفٍ على أنْ تُطلِّقَ ضَرَّتِي، أوْ على أنْ لا تُطلِّقَ ضرتي
(6)
؛ فالخُلْعُ صحيحٌ، والشَّرْطُ والبَذْلُ لازِمٌ.
مسألةٌ: يجوز في الحيض وطُهْرٍ أصابها فيه؛ لأِنَّ تحريمَ الطَّلاق فيه
(1)
قوله: (صرح به في «الشرح» وغيره؛ لأنه يجوز) سقط من (م).
(2)
قوله: (ما لا منفعة له) في (م): ما لا يمنعه.
(3)
في (ظ): واحد.
(4)
في (م): وطلقهما.
(5)
في (م): وطلقها.
(6)
قوله: (أو على أن لا تطلق ضرتي) سقط من (م).
ثبت
(1)
دَفْعًا لضَرَرِ تطويلِ العِدَّة، والخُلْعُ يَندَفِعُ به ضررُ سوءِ العِشرةِ، وهو أعْظَمُ وأدْوَمُ، فكان دفعه
(2)
أَوْلَى.
وقِيلَ: لا يَجوزُ.
وفي «الواضح» فيه رِوايَتانِ.
(وَيَصِحُّ بَذْلُ الْعِوَضِ فِيهِ مِنْ كُلِّ جَائِزِ التَّصَرُّفِ)؛ لأِنَّه بَذْلُ عِوَضٍ في عَقْدِ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البَيعَ.
فرعٌ: إذا قال: طلِّقْ بِنْتِي وأنت بَريءٌ مِنْ صَداقها، فطلَّقَ؛ بانَتْ، ولم يَبرَأْ، ويَرجِعُ على الأب، نَصَّ عليهما
(3)
؛ لأِنَّه غَرَّه، وحَمَلَه القاضِي: على أنَّ الزَّوجَ كان جاهِلاً بأنَّ إبراءَ الأبِ صحيحٌ
(4)
، فإنْ عَلِمَ أنَّ إبْراءَ الأبِ غَيرُ صحيحٍ؛ لم يَرجِعْ، وطَلاقُه رَجْعِيٌّ، وقالَهُ في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
وإنْ قال: إن
(5)
أبْرأْتَنِي أنْتَ منه فهي طالِقٌ، فقال: قد أبْرأْتُكَ منه؛ طَلَقَتْ، نَصَّ عليه، وحمله
(6)
القاضِي: على أنَّه اعْتَقَدَ أنَّ إبْراءَ الأبِ صحيحٌ، فأمَّا إنْ عَلِمَ أنَّه لا يَصِحُّ؛ فقَولانِ.
فلو
(7)
قال: طلِّقْها بألْفٍ مِنْ مالها وعليَّ دَرَكُه، فطلَّقَها؛ بانَتْ، وغَرِمَه الأبُ، ولم يَرجِعْ به عليها.
(فَإِنْ خَالَعَتِ الْأَمَةُ بِغَيْرِ إِذْنِ سَيِّدِهَا)؛ فالخُلْعُ صحيحٌ، قَطَعَ به المؤلِّفُ في كُتُبه، وهو قَولُ الخِرَقيِّ، والقاضي وعامَّةِ أصحابه؛ لأِنَّه يَصِحُّ مع الأجنبيِّ،
(1)
في (م): يثبت.
(2)
في (ظ) و (ق): رفعه.
(3)
ينظر: الفروع 8/ 418.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه:(غير صحيح). ينظر: المغني 7/ 352.
(5)
قوله: (إن) سقط من (م).
(6)
في (م): وحمل.
(7)
في (م): فإن.
فمع الزَّوجة أَوْلَى.
والثَّاني: لا يَصِحُّ، وقاله
(1)
القاضِي في «المجرد»
(2)
والمجْدُ؛ لأِنَّ الخُلْعَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ، فلم يَصِحَّ منها؛ كالبَيعِ.
والأوَّلُ أَوْلَى، والخُلْعُ يُفارِقُ البَيعَ بدليلِ صحَّتِه على المجهول، وعلى غَيرِ عِوَضٍ على قَولٍ.
وقِيلَ: يَصِحُّ إنْ خالَعَتْه على شَيءٍ في ذمَّتها، لا على عَينٍ في يدها؛ كالبيع.
(عَلَى شَيْءٍ مَعْلُومٍ كَانَ فِي ذِمَّتِهَا)؛ لأِنَّه رضِيَ بذلك، (يَتْبَعُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ)، وهو اخْتِيارُ الخِرَقيِّ، جَزَمَ به في «الهداية» ؛ لأِنَّه الوقتُ الذي يَمْلِكُ فيه، ويَرجِعُ بقيمته أوْ مِثْلِه إنْ كان مِثْلِيًّا.
فإنْ كان على عَينٍ في يدها فكذلك.
وقياس
(3)
المذْهَبِ - كما قالَهُ المؤلِّف -: أنَّه
(4)
لا شَيءَ له؛ لأِنَّه يَعلَمُ أنَّها أَمَةٌ، فقد عَلِمَ أنَّها لا تَملِكُ العَينَ، كما لو قال: خالَعْتُكِ على هذا الحُرِّ، فيكونُ راضِيًا بغَيرِ عِوَضٍ، ومُقتَضاه بُطْلانُ الخُلْع على المشهور.
فأمَّا إنْ كان بإذْنِ السَّيِّد؛ فهو صحيحٌ، كاسْتِدانَتِها
(5)
، فإنْ أَذِنَ لها في قَدْرٍ من المال، فخالَعَتْ بأكثرَ منه؛ فالزِّيادةُ في ذمَّتِها، وإنْ أطْلَقَ الإذن
(6)
؛ اقْتَضَى الخُلْعَ بالمسمَّى.
(1)
في (م) و (ق): قاله.
(2)
في (م): «المحرر» .
(3)
في (م): قياس.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (ق): كاستدامتها.
(6)
قوله: (أطلق الإذن) في (م): اقتضى الخلع لإذن.
فرعٌ: المكاتَبةُ كالأَمَةِ القِنِّ سَواءً فِيمَا ذكرنا
(1)
.
(وَإِنْ خَالَعَتْهُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهَا) لِسَفَهٍ، أوْ صِغَرٍ، أوْ جُنونٍ؛ (لَمْ يَصِحَّ الْخُلْعُ)؛ لأِنَّه تصرُّفٌ في المال، ولَيسَتْ مِنْ أهْلِه، فلم
(2)
يَصِحَّ، كالهِبةِ ونحوِها.
وظاهِرُه: ولو أَذِنَ فيه الوليُّ؛ لأِنَّه لا إذْنَ له في التَّبرُّعاتِ.
والأَظْهَرُ: الصِّحَّةُ مع الإذْنِ لمصلحةٍ.
(وَ) على ما ذَكَرَه: (وَقَعَ طَلَاقُهُ رَجْعِيًّا)؛ لأِنَّه طلاقٌ لا عِوَضَ له، فَوَجَبَ وقوعه
(3)
رَجَعِيًّا؛ لسَلامَتِه عمَّا يُنافِيهِ، وهذا إذا وَقَعَ الخُلْعُ بلَفْظِ الطَّلاق أوْ نَواهُ به.
فأمَّا إن
(4)
وَقَعَ بلَفْظِ الفَسْخ أو المفاداة، ولم يَنْوِ به طلاقًا
(5)
؛ فهو كالخُلْع بغَيرِ عِوَضٍ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : يَحتَمِلُ أنْ لا يَقَعَ الخُلْعُ هنا؛ لأِنَّه إنَّما رَضِيَ به بعِوَضٍ، ولم يَحصُلْ له، ولا أمْكَنَ الرُّجوع بِبَدَلِه.
وهذا إذا كان الطلاق
(6)
بغَيرِ الثَّلاث، فإنْ كان بها؛ لم يَقَعْ رَجْعِيًّا؛ لأِنَّ الثَّلاثَ لا رَجْعَةَ معها.
فأمَّا المحْجورُ عَلَيها لِفَلَسٍ؛ فلا يَصِحُّ بغَيرِ إذْنِ غُرَمائها؛ لأِنَّها ممنوعةٌ من التَّبرُّع، ويَصِحُّ بإذْنِهم؛ لأِنَّها من أهل التَّصرُّف، ولهذا يَصِحُّ تصرُّفُها في ذمَّتِها، بخِلافِ المحجور عليها لِحَظِّ نَفْسِها.
(1)
في (م): ذكرناه.
(2)
في (م): فلا.
(3)
في (م): طلاقه.
(4)
في (م): إذا.
(5)
في (م): طلاقها.
(6)
في (م): الخلاف.
(وَالْخُلْعُ) له صريحٌ: وهو لَفْظُ الخُلْع والمفاداة، وكذا الفَسْخُ في الأشْهَر، وكنايةٌ: وهو
(1)
الإبانَةُ والتَّبْرِئَةُ، وفي «الرَّوضة»: صريحُه: الخُلْعُ، أو الفَسْخ، أو الفِداءُ، أوْ بارأتُكِ.
(طَلَاقٌ) أيْ: إذا وَقَعَ بغَيرِ الألفاظ المذكورةِ، بغَيرِ خِلافٍ
(2)
؛ لوجودِ صريحِه أو كِنايةٍ مُقتَرِنَةٍ بالنِّيَّة، (بَائِنٌ)؛ لقَولِه تعالى:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البَقَرَة: 229]، وإنَّما يكونُ فِداءً إذا خَرَجَتْ من قَبْضَته وسُلْطانه، ولو لم تكن
(3)
بائنًا لَكانَتْ له الرَّجعةُ، وكانَتْ تحتَ حُكْمه وقَبْضته؛ لأِنَّ القَصْدَ إزالةُ الضَّرَر عنها، فلو جازت الرَّجعةُ؛ لَعَادَ الضَّرَرُ.
(إِلاَّ أَنْ يَقَعَ بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوِ الْفَسْخِ أَوِ الْمُفَادَاةِ، وَلَا
(4)
يَنْوِيَ بِهِ الطَّلَاقَ، فَيَكُونُ فَسْخًا لَا يَنْقُصُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ فِي إِحْدَى
(5)
الرِّوَايَتَيْنِ)، اختارها أبو بكرٍ، وقال ابنُ هُبَيرةَ: وهي أظهرهما
(6)
، وصحَّحَها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها
(7)
في «الوجيز» ، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ، وطاوُس، وعِكْرِمةَ، وإسْحاقَ، واحتجَّ ابنُ عبَّاسٍ بقَوله تعالى:{اَلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البَقَرَة: 229] ثُمَّ قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البَقَرَة: 229]، ثُمَّ قال:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ} [البَقَرَة: 230]، فذَكَرَ طَلْقَتَينِ والخُلْعَ وتطليقةً
(8)
بعدَهما، فلَوْ كان الخُلْعُ طَلاقًا لَكانَ أرْبَعًا
(9)
، ولأِنَّها فُرقةٌ خَلَتْ عن صريحِ الطَّلاق ونيَّتِه، فكانَتْ فَسْخًا
(1)
في (م): وهي.
(2)
ينظر: المغني 7/ 329.
(3)
في (م) و (ق): لم يكن.
(4)
في (م): أو لا.
(5)
في (م): أحد.
(6)
في (م): أظهرها.
(7)
في (م): به.
(8)
في (م): وتطلقها.
(9)
أخرجه عبد الرزاق (11771)، وسعيد بن منصور (1455)، والشافعي في الأم (5/ 122)، وابن أبي شيبة (18451)، والبيهقي في الكبرى (14863)، عن طاوس عنه. وإسناده صحيح.
كسائر الفُسوخ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين:(وعَلَيهِ دلَّ كلامُ أحمدَ وقُدَماءِ أصحابه)
(1)
، ومُرادُه ما قال عبدُ الله: (رأيتُ أبِي
(2)
يَذْهَبُ إلى قَولِ ابنِ عباس
(3)
، وابنُ عبَّاسٍ صحَّ عنه:«ما أجازَه المالُ فلَيسَ بطَلاقٍ»
(4)
، وصحَّ عنه:«أنَّ الخُلْعَ تَفْريقٌ ولَيسَ بطَلاقٍ»
(5)
.
(وَالْأُخْرَى: هُوَ طَلَاقٌ بَائِنٌ بِكُلِّ حَالٍ)، رواه الشَّافِعِيُّ عن
(6)
عُثمانَ
(7)
، ورُوِيَ عن عليٍّ
(8)
، وابنِ مسعودٍ
(9)
، وقالَهُ سعيدُ بنُ المسيِّب، وعَطاءٌ، والأكثرُ، لكِنْ ضعَّف أحمدُ الحديثَ عنهم
(10)
، وقال: (لَيسَ في الباب أصحُّ
(1)
ينظر: الاختيارات ص 361.
(2)
زاد في (ظ): كان.
(3)
في (م): وعباس. وينظر مسائل عبد الله ص 338.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (11768)، من طريق عكرمة عنه. وإسناده صحيح.
(5)
هو ما تقدم تخريجه في احتجاجه بالآية.
(6)
في (م): بأن.
(7)
أخرجه مالك برواية أبي مصعب الزبيري (1613)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 123)، والبيهقي في الكبرى (14864)، وأخرجه عبد الرزاق (11760)، وسعيد بن منصور (1446)، وابن أبي شيبة (18429)، والدارقطني (3872)، عن جهمان مولى الأسلميين عن أم بكرة الأسلمية؛ أنها اختلعت من زوجها عبد الله بن أسيد ثم أتيا عثمان بن عفان رضي الله عنه في ذلك فقال:«هي تطليقة إلا أن تكون سمت شيئًا فهو ما سمت» ، زاد في بعضها: فراجعها، وفي لفظ:«الخلع تطليقة بائنة» . ضعفه الشافعي وأحمد بجهالة جهمان. ينظر: مسائل عبد الله بن أحمد ص 339.
(8)
تقدم تخريجه 8/ 56 حاشية (2).
(9)
أخرجه عبد الرزاق (11753)، وسعيد بن منصور (1451)، وابن أبي شيبة (18435)، عن إبراهيم قال:«كان ابن مسعود لا يرى طلاقًا بائنًا إلا في خلع أو إيلاء» ، وفيه ابن أبي ليلى وهو ضعيف، قال ابن المنذر كما في السنن الكبرى 7/ 518:(في إسناده مقال)، وقال ابن خزيمة كما في التلخيص الحبير 3/ 433:(لا يثبت عن أحد أنه طلاق).
(10)
ينظر: مسائل عبد الله ص 338، المغني 7/ 328.
من حديثِ ابنِ عبَّاسٍ أنَّه فَسْخٌ)، ولأِنَّها بَذَلَت العِوَضَ للفرقة، والفُرقةُ التي يَمْلِكُ الزَّوجُ إيقاعَها هي الطَّلاق دُونَ الفَسْخ، ولأِنَّه أتَى بكناية الطَّلاق قاصدًا فِراقَها، فكان طلاقًا كغَير الخُلْعِ.
وفائدةُ الخلاف: أنَّه إذا قُلْنا بأنَّه طلاقٌ؛ حُسِبَ ونقص
(1)
به عدد طَلاقه، وإنْ قِيلَ: هو فَسْخٌ؛ لم تحرم
(2)
عليه وإنْ خالَعَها مائة
(3)
مرَّة.
وتُعتَبَر الصِّيغةُ منهما، فيقولُ: خَلَعْتُكِ على كذا، وتقولُ هي
(4)
: قَبِلْتُ أوْ رَضِيتُ.
وتصح
(5)
ترجمةُ خلعٍ بكلِّ لفظٍ
(6)
من أهلها.
فرعٌ: لا يحصُل الخُلْعُ بمجرَّد بذلِ المالِ وقَبولِه مِنْ غَيرِ لفظِ الزَّوج، قال القاضِي: ذَهَبَ إليه شُيوخُنا البَغْدادِيُّونَ، وأَوْمَأَ إلَيهِ أحمدُ
(7)
.
وذَهَبَ أبو حَفْصٍ العُكْبَريُّ، وابن شِهابٍ: إلى وُقوع الفُرقة بقَبول الزَّوج العِوَضَ، وأفْتَى به ابنُ شِهابٍ بعُكْبرا.
واعْتَرَض عليه أبو الحُسَين بن هُرْمُز
(8)
، نقل إسحاقُ بنُ منصورٍ قال: قلتُ لأِحمدَ: كيف الخُلْع؟ قال: (إذا أخذ المالَ فهي فُرقةٌ)
(9)
.
(1)
في (م): وينقص.
(2)
في (ظ): لم يحرم.
(3)
في (ظ): بمائة.
(4)
قوله: (هي) سقط من (م).
(5)
في (م) و (ق): ويصح.
(6)
زاد في (ظ): طلاق.
(7)
ينظر: المغني 7/ 329.
(8)
هو: محمد بن هرمز العكبري، أبو الحسين القاضي، كانت له رئاسة وجلالة، مات سنة 424 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 181، المقصد الأرشد 2/ 533.
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1979.
وعن عليٍّ: مَنْ قَبِلَ مالاً على فراقٍ، فهي تطليقةٌ بائنةٌ
(1)
.
وجَوابُه: بأنَّه تصرُّفٌ في البُضْع بعِوَضٍ، فلم يَصِحَّ بدُونِ اللَّفظ، كالنِّكاح والطَّلاق، ولأِنَّ أخْذَ المال قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فلم يقم
(2)
بمجرَّده مَقامَ الإيجاب
(3)
، كقَبْضِ أحدِ العِوَضَينِ في البيع، ولعلَّ أحمدَ وغَيرَه استَغْنَى عن ذِكْر اللَّفظ؛ لأِنَّه معلومٌ.
(وَلَا يَقَعُ بِالْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْخُلْعِ طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ)؛ بأنْ يقولَ: أنْتِ طالِقٌ، قال الشَّافِعِيُّ: أنا
(4)
مسلِمٌ، عن ابنِ جُرَيجٍ، عن عَطاءٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ وابنِ الزُّبَير أنَّهما قالا:«لا يَلحَقُ المخْتَلِعةَ الطَّلاقُ في العِدَّة»
(5)
، ولم يُعرَفْ لهما مُخالِفٌ في الصَّحابة، فكان كالإجماع، ولأنَّها
(6)
لا تَحِلُّ له إلاَّ بنكاحٍ جديدٍ، فلم يَلحَقْها طَلاقُه، كالمطلَّقة قبلَ الدُّخول.
وفي «التَّرغيب» : إلاَّ إنْ قُلْنا: هو طَلْقةٌ، ويكونُ بلا عِوَضٍ، وهو ظاهِرٌ.
(وَإِنْ شَرَطَ الرَّجْعَةَ فِي الْخُلْعِ؛ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ كشَرْطِ الخِيار، ولأنَّ
(7)
الخُلْعَ لا
(1)
في (ق): فهو تطليقة ثانية.
لم نقف عليه مسندًا عن علي رضي الله عنه، وذكره معلقًا في المغني (7/ 330)، وأخرج ابن أبي شيبة (18435) وعنه ابن حزم في المحلى (9/ 515)، من طريق إبراهيم، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال:«لا تكون تطليقة بائنة إلا في فدية، أو إيلاء» ، وقال ابن حزم:(ورويناه من طريق لا تصح عن علي بن أبي طالب).
(2)
في (م): قبض العوض قام.
(3)
في (ق): إلا بحساب.
(4)
في (م): ثنانا.
(5)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 124)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (4306)، وأخرجه عبد الرزاق (11772)، وسعيد بن منصور (1476)، وابن أبي شيبة (18488)، عن عطاء به. وصححه البيهقي.
(6)
في (م): لأنها.
(7)
في (م): لأن.
يفسد
(1)
بالعِوَضِ الفاسدِ، فلا يفسد
(2)
بالشَّرط الفاسِد؛ كالنِّكاح.
(وَفِي الآْخَرِ: يَصِحُّ الشَّرْطُ
(3)
، وَيَبْطُلُ الْعِوَضُ)؛ أيْ: فيقع
(4)
رَجْعِيًّا بلا عِوَضٍ؛ لأِنَّ شَرْطَ العِوَضِ والرَّجعةِ يَتَنافَيَانِ، فيسقطان
(5)
، ويَبقَى مُجرَّدُ الطَّلاق، فتثبت
(6)
الرَّجعةُ بالأصل لا بالشَّرط.
وعلى الأوَّل؛ قال القاضي: يَسقُط المسمَّى في العِوَضِ؛ لأِنَّه لم يَرْضَ به عِوَضًا حتَّى ضَمَّ إليه الشَّرْطَ، فإذا سَقَطَ الشَّرطُ؛ فيصيرُ مَجْهولاً، فيَسقُطُ، ويَجِبُ المسمَّى في العَقْد.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَجِبَ المسمَّى في الخُلْع؛ لأِنَّهما تَراضَيَا به عِوَضًا، فلم يَجِبْ غَيرُه؛ كما لو خَلَا عن شَرْطِ الرَّجْعة.
فرعٌ: إذا شَرَطَ الخِيارَ في الخُلْع؛ بَطَلَ الشَّرْطُ، وصحَّ الخُلْع؛ لأِنَّ الخِيارَ في البيع لا يَمنَعُ نَقْلَ الملْكِ، ففي الخُلْع لا يَمنَعُ وُقوعَه، ومتى وَقَعَ؛ فلا سبيلَ إلى رَفْعه.
(1)
قوله: (لا يفسد) سقط من (م).
(2)
قوله: (فلا يفسد) سقط من (م).
(3)
قوله: (الشرط) سقط من (م).
(4)
في (م): يقع.
(5)
في (م): فيسقط.
(6)
في (م): فثبتا.
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَصِحُّ الْخُلْعُ إِلاَّ بِعِوَضٍ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، جَزَمَ به أكثر
(1)
الأصحاب، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ العِوَضَ رُكْنٌ فيه، فلم يَصِحَّ تَرْكُه؛ كالثَّمَن في البيع
(2)
.
(فَإِنْ خَالَعَهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ لَمْ يَقَعْ)؛ لأِنَّ الشَّيءَ إذا لم يكُنْ صحيحًا؛ لم يترتَّبْ عليه شَيءٌ، دليلُه البَيعُ، (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا) دُونَ الثَّلاث، (فَيَقَعُ
(3)
رَجْعِيًّا)؛ لأنَّه
(4)
طَلاقٌ لا عِوَضَ فيه، فكان رَجْعيًّا كغَيرِه؛ ولأِنَّه يصلح
(5)
كنايةً عن الطَّلاق.
وإن
(6)
لم يَنْوِ به طَلاقًا؛ لم يكُنْ شَيْئًا؛ لأِنَّ الخُلْعَ إنْ كان فَسْخًا؛ فلا يَملِكُ الزَّوجُ فَسْخَ النِّكاح إلاَّ لِعَيبِها، ولذلك لو قال: فَسَخْتُ النِّكاحَ، ولم يَنْوِ به
(7)
الطَّلاقَ؛ لم يَقَعْ شَيءٌ، بخلاف ما إذا دَخَلَه العِوَضُ، فإنَّه مُعاوَضةٌ، ولا يَجتمِعُ العِوَضُ والمعوَّضُ.
(وَالْأُخْرَى: يَصِحُّ بِغَيْرِ عِوَضٍ، اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ)، وابنُ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» ؛ لأِنَّه قَطْعٌ للنِّكاح، فصحَّ مِنْ غَيرِ عِوَضٍ كالطَّلاق، ولأِنَّ الأصلَ في مشروعيَّة الخُلْع أنْ يوجَدَ من المرأة رغبةٌ عن زوجها، فإذا سألَتْه الفِراقَ،
(1)
قوله: (أكثر) سقط من (ظ).
(2)
في (ظ) و (ق): المبيع.
(3)
في (م): فيكون.
(4)
في (م): ولأنه.
(5)
في (م): يصح.
(6)
في (م) و (ق): فإن.
(7)
قوله: (طلاقًا لم يكن شيئًا
…
) إلى هنا سقط من (م).
فأجابَها إليه؛ حَصَلَ المقْصودُ من الخُلْع، أشْبَهَ ما لو كان بعِوَضٍ.
قال أبو بكرٍ: لا خِلافَ عن أبي عبد الله أنَّ الخُلْعَ ما كان مِنْ قِبَلِ النِّساء، فإذا كان مِنْ قِبَلِ الرِّجال؛ فلا نِزاعَ في أنَّه طَلاقٌ، يَملِكُ به الرَّجْعةَ، ولا يكونُ فَسْخًا.
وظاهِرُه: أنَّه لا بُدَّ فيه من سؤال المرأة، أوْ مَنْ يَقومُ مَقامَها، وصرَّح به في «الكافي» ، والأصفهاني
(1)
في «شَرْح الخِرَقِيِّ» ؛ لأِنَّ خالَعَ مِنْ بابِ المُفاعَلَة، وهي للمشارَكة.
وفي «التَّرغيب» : أنَّها تَبِين منه
(2)
بقوله: فَسَخْتُ، أوْ خَلَعْتُ إذا قُلْنا: هو فَسْخٌ بمجرَّده
(3)
، فظاهِرُه: أنَّه لا يُحتاجُ فيه إلى سؤالٍ، لكنَّه مُخالِفٌ لِمَا ذَكَرَه الجماعةُ.
فرعٌ: تَبِينُ بالخُلْع على كلتا الرِّوايَتَينِ، فلا يَمْلِكُ رَجْعَتَها إلاَّ بشَرْطِه؛ كالبيع.
(وَلَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهَا أَكْثَرَ
(4)
مِمَّا أَعْطَاهَا)؛ لأِنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ ثابِتَ بنَ قَيسٍ أنْ يأخُذَ مِنْ زَوجَتِه حديقتَه، ولا يَزْدادَ
(5)
» رواهُ ابنُ ماجِهْ
(6)
،
(1)
زيد في (م): أن.
والأصبهاني لم نقف له على ترجمة، وقد نقل عنه المرداوي في الإنصاف في مواطن، منها 1/ 21.
(2)
قوله: (منه) سقط من (ظ) و (ق).
(3)
في (ق): مجرد.
(4)
في (م): بأكثر.
(5)
في (ق): ولا تزداد.
(6)
أخرجه ابن ماجه (2056)، والبيهقي في الكبرى (14842)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وفيه: فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أتردين عليه حديقته؟» قالت: نعم، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذ منها حديقته، ولا يزداد. وأعلَّ البيهقي وغيره بأن الزيادة مرسلة، وأن عبد الأعلى تفرد بوصلها، وأخرجه البيهقي في الكبرى (14843)، من مرسل عكرمة:«خذ ما أعطيتها ولا تزدد» ، وأخرج البيهقي في الكبرى (14847) عن عطاء، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى» ، وعند الدارقطني (3630):«لا تأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها» وأخرجه أيضًا البيهقي (14849)، من مرسل أبي الزبير وفيه: سمعه أبو الزبير من غير واحد. قال ابن حجر: (ورجال إسناده ثقات وقد وقع في بعض طرقه سمعه أبو الزبير من غير واحد، فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح، وإلا فيعتضد بما سبق). ينظر: الفتح 9/ 402، الإرواء 7/ 101.
ولأِنَّه بَذْلٌ
(1)
فِي مقابلة
(2)
فَسْخٍ، فلم يُزَدْ على قَدْره في ابتداء العقد؛ كالإقالَةِ.
(فَإِنْ فَعَلَ؛ كُرِهَ وَصَحَّ)، في قَولِ أكثرِ العلماء، ورُوِيَ عن
(3)
ابن عبَّاسٍ وابنِ عمرَ أنَّهما قالا: «لو اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوجها بمِيراثها وعِقاصِ رأسها كان جائزًا»
(4)
، ودليلُ الكراهة: قَولُه عليه السلام في حديثٍ رواهُ أبو حَفْصٍ بإسْنادِه: «أنَّه كَرِهَ أنْ يأخُذَ مِنْ المخْتَلِعة أكثرَ مِمَّا أعْطاها»
(5)
.
(1)
في (ق): بدل.
(2)
زيد في (م): على.
(3)
قوله: (عن) سقط من (م).
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (18528)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«تختلع حتى بعقاصها» ، وفيه حجاج بن أرطاة وهو ضعيف. وأخرج عبد الرزاق (11854)، ومن طريقه الطبري في التفسير (4/ 160)، عن عمرو بن دينار، أنه سمع عكرمة يقول نحوه. كذا في المصنف، من قول عكرمة. وجعله الطبري: عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي التمهيد لابن عبد البر (23/ 371) ما يوافق كونه من قول عكرمة. وأخرج الطبري في التفسير (4/ 160)، عن الحسن بن يحيى، عن الضحاك، عن ابن عباس نحوه. والحسن مجهول، والضحاك لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما.
وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه مالك (2/ 565)، وعنه الشافعي في الأم (3/ 222)، والطبري في التفسير (4/ 160)، والبيهقي في الكبرى (14855)، عن نافع، عن مولاةٍ لصفية بنت أبي عبيد:«أنها اختلعت من زوجها بكل شيء لها، فلم ينكر ذلك عبد الله بن عمر» . وأخرجه عبد الرزاق (11853)، وابن أبي شيبة (18527)، والطبري في التفسير (4/ 158)، من طرق أخرى عن نافع. وإسناده صحيح.
(5)
سبق تخريجه 8/ 73 حاشية (6).
وفي قَولِ المؤلِّف نَظَرٌ؛ لأِنَّه لا يَلزَمُ مِنْ الكراهة عدمُ الاِسْتِحْباب، وفيه شَيءٌ.
وأمَّا الصِّحَّةُ؛ فلِقَولِه تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البَقَرَة: 229]، ولأِنَّه قَولُ جماعةٍ من الصَّحابة ومَنْ بَعدَهم، قالت الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعوَّذ
(1)
: «اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي بما دُونَ عِقاصِ رأْسِي، فأجاز ذلك عَلَيَّ»
(2)
، واشْتَهَرَ، ولم
(3)
يُنكَرْ، فكان كالإجماع.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجُوزُ)، هو روايةٌ عن أحمدَ، رُوِيَ عن عليٍّ بإسْنادٍ مُنقَطِعٍ
(4)
، «ولأِمْرِه عليه السلام ثابِتًا أنْ لا يَزْدادَ» ، وأَمْرُه للوُجوب، (وَتُرَدُّ الزِّيَادَةُ)؛ لعَدَمِ جَوازِها.
(وَإِنْ خَالَعَهَا بِمُحَرَّمٍ) يَعْلَمانِه؛ (كَالْخَمْرِ وَالْحُرِّ؛ فَهُوَ كَالْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ الخُلْعَ على ذلك مع العلم بتحريمه يَدُلُّ على رِضَا فاعِلِه بغَيرِ شَيءٍ.
لا يُقالُ: هَلاَّ يَصِحُّ الخُلْعُ ويَجِبُ مَهْرُ المِثْل؛ كتَزَوُّجِها
(5)
عَلَيه؟ لأِنَّ خُروجَ البُضْع من ملْكِ الزَّوج غَيرُ مُتقَوِّمٍ، فإذا رَضِيَ بغَيرِ عِوَضٍ؛ لم يكُنْ له شَيءٌ، كما لو طلَّقَها، أوْ علَّقَه على فِعْلٍ ففَعَلَتْه
(6)
، وفارق
(7)
النِّكاحَ، فإنَّ
(1)
في (م): مسعود.
(2)
أي عثمان رضي الله عنه، وتقدم تخريجه 8/ 58 حاشية (5).
(3)
في (م): فلم.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (11844)، وابن أبي شيبة (18513)، والطبري في التفسير (4/ 155)، عن ليث، عن الحكم بن عتيبة، أن علي بن أبي طالب قال:«لا يأخذ منها فوق ما أعطاها» ، قال ابن حزم:(منقطع، وفيه ليث)، وبنحوه قال ابن عبد البر. ينظر: التمهيد 23/ 371، المحلى 9/ 519.
(5)
في (ق): لزوجها. وعبارة الممتع 3/ 756: (كما لو تزوجها على ذلك).
(6)
في (م): فعلته.
(7)
في (م): ففارق.
دخولَ
(1)
البُضْع في ملْك الزَّوج مُتقوِّمٌ.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه إذا خالَعَها بمحرَّمٍ يَعْلَمانِه؛ فإنَّه يَصِحُّ مَجَّانًا.
واقْتَضَى أنَّهما إذا لم يَعلَما المحرَّمَ؛ أنَّ له قِيمتَه
(2)
، كما ذَكَره في «الرَّوضة» وغيرها.
فرعٌ: إذا تَخالَعَ كافِرانِ بمحرَّمٍ يَعْلَمانِه، ثُمَّ أسْلَما أوْ أحدُهما قَبْلَ قَبْضه؛ لَغَا. وقِيلَ: له قيمتُه. وقِيلَ: مَهْرُ مِثْلِها.
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ، فَبَانَ حُرًّا أَوْ مُسْتَحَقًّا
(3)
؛ فَلَهُ قِيمَتُهُ عَلَيْهَا)؛ لأِنَّ ذلك عَينٌ يَجِبُ تسليمُها مع سَلامَتِها، فَوَجَبَ بَدَلُها مع تعذُّرها؛ كالمغصوب، وهذا بخلاف
(4)
ما سَبَقَ؛ لأِنَّه هنا لم يَرْضَ بغَيرِ عِوَضٍ مُتقَوِّمٍ، فيَرجِعُ بحُكْم الغرور
(5)
.
ويَجِبُ مِثْلُه إنْ كان مِثْلِيًّا، فلو
(6)
خالَعَها على دَنِّ خَلٍّ، فَبانَ خَمْرًا؛ رَجَعَ عَلَيها بمِثْلِه خَلًّا؛ لأِنَّ الخَلَّ مِنْ ذَوَات الأَمْثال.
وقِيلَ: يرجع
(7)
بقيمةِ مِثْلِه خَلًّا؛ لأِنَّ الخمرَ لَيسَ من ذوات الأمْثال.
والأوَّلُ أصحُّ.
وقِيلَ: يَجِبُ مَهْرُ المِثْل؛ لأِنَّه عَقْدٌ على البُضْع بعِوَضٍ فاسِدٍ، أشْبَهَ النِّكاحَ بخمرٍ.
وجَوابُه: بأنَّها عَينٌ يَجِبُ تسليمُها مع سلامتها وبقاءِ سببِ الاِسْتِحْقاقِ،
(1)
في (ق): وصول.
(2)
في (ق): قيمة.
(3)
قوله: (أو مستحقًا) سقط من (م).
(4)
في (م): يخالف.
(5)
في (م): المغرور.
(6)
في (م): ولو.
(7)
في (ظ): ترجع.
فَوَجَبَ بدلها
(1)
مقدَّرًا بقيمتها أوْ مِثْلِها؛ كالمغصوب.
(وَإِنْ بَانَ مَعِيبًا؛ فَلَهُ أَرْشُهُ أَوْ قِيمَتُهُ، وَيَرُدُّهُ)؛ لأِنَّه عِوَضٌ في مُعاوَضةٍ، فكان له ذلك، كالبيع والصَّداق.
فإنْ كان على معيَّنٍ؛ كقولها: اخْلَعْنِي على هذا العبدِ، فيقولُ: خَلَعْتُكِ، ثُمَّ يجد
(2)
به عَيبًا لم يكُنْ علِمَ به، فهذا يُخيَّر
(3)
فيه بَينَ أخْذِ أرْشِه، أوْ ردِّه وأخْذِ قِيمتِه.
وإن
(4)
قال: إنْ أعْطَيتِنِي هذا الثَّوبَ فأنْتِ طالِقٌ، فأعْطَتْه إيَّاهُ؛ طَلَقَتْ ومَلَكَه، قال أصْحابُنا: والحُكْمُ فيه كما لو خالَعَها عليه.
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى رَضَاعِ وَلَدِهِ
(5)
عَامَيْنِ)، أوْ مُدَّةٍ معلومةٍ؛ صح
(6)
، قلَّ أوْ كَثُرَ؛ لأِنَّ هذا مِمَّا تَصِحُّ المُعاوَضةُ عليه في غَيرِ الخُلْع، فَفِيهِ أَوْلَى، فلو خالَعَها على رضاعِ ولده
(7)
مُطلَقًا؛ صحَّ، وانصرَفَ إلى ما بَقِيَ من الحَولَينِ أوْ هُمَا، نَصَّ عليه
(8)
.
(أَوْ سُكْنَى دَارٍ) معيَّنةٍ، ويُشتَرَطُ تعيينُ المدَّة كالإجارة؛ (صَحَّ).
وكذا إذا خالَعَها على نفقةِ الطِّفل، أوْ كَفالَته.
(فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ، أَوْ خَرِبَتِ الدَّارُ؛ رَجَعَ بِأُجْرَةِ بَاقِي
(9)
الْمُدَّةِ)؛ لأِنَّه تعذَّر
(1)
في (م): ببذلها.
(2)
في (ظ) و (ق): تجد.
(3)
في (ظ): تخير. وفي (م): مخير.
(4)
في (م): ولو.
(5)
في (م): ولدها.
(6)
قوله: (صح) سقط من (م).
(7)
في (م): ولدها.
(8)
ينظر: المغني 7/ 335.
(9)
في (م): ما بقي.
اسْتِيفاءُ المعْقودِ عليه، فَوَجَبَ الرُّجوعُ بباقي أُجْرةِ المدَّةِ، كما لو أَجَرَه دابة
(1)
شَهْرًا بِعَشَرةٍ، ثُمَّ ماتَ في نِصفِه، وفي الكفالة بقيمةِ مِثْلِها لِمِثْلِه. وهل يَستَحِقُّه دفْعةً، أوْ يومًا بيومٍ؟ فيه وجْهانِ:
أحدُهما: يَستَحِقُّه دَفْعةً واحدةً، ذَكَرَه القاضي في «الجامع» ، واحْتَجَّ بقول
(2)
أحمدَ: يَرجِعُ عليها ببقيَّة ذلك
(3)
.
والثَّاني: يستحقه
(4)
يومًا بعدَ يَومٍ، وهو الأصحُّ؛ لأِنَّه ثَبَتَ منجَّمًا
(5)
، فلا يَستَحِقُّه مُعجَّلاً، كما لو أَسْلَمَ إليه
(6)
في خُبزٍ يأخُذُ منه كلَّ يَومٍ أرْطالاً معلومةً، فمات.
وقِيلَ: يَرجِع بأجرةِ المِثْل لباقِي المدَّة في الكلِّ.
فإنْ أراد أنْ يُقِيمَ بَدَلَه مَنْ تُرضِعُه أوْ تكفله
(7)
، فأَبَتْ، أوْ أرادته
(8)
هي فأبَى؛ لم يُلزَما، وكذا نفقتُه مُدَّةً مُعيَّنةً إذا مات.
والأَشْهَرُ: أنَّه لا يُعتَبَرُ قدرُ نَفَقتِها وصِفَتِها، بل يُرْجَعُ إلى العُرف والعادةِ.
وكذا مَوتُ مُرضِعةٍ أوْ جفافُ
(9)
لبنها في أثنائها.
(وَإِنْ خَالَعَ الْحَامِلَ عَلَى نَفَقَةِ عِدَّتِهَا؛ صَحَّ وَسَقَطَتْ)، نَصَّ عليه
(10)
؛ لأِنَّ
(1)
في (م): دابته.
(2)
قوله: (بقول) سقط من (م).
(3)
ينظر: المغني 7/ 335.
(4)
في (ظ): تستحقه.
(5)
في (م): مؤجلاً.
(6)
قوله: (إليه) سقط من (م).
(7)
في (ظ): يرضعه أو يكفله، وقوله:(من ترضعه أو تكفله) هو في (ق): في موضعه أو يكفله.
(8)
في (م): أدَّته.
(9)
في (م): وجفاف.
(10)
ينظر: مسائل صالح 1/ 344، المحرر 2/ 46.
نفقةَ الحامِلِ مُقدَّرةٌ واجِبةٌ بالشَّرع، فهو كالخُلْع على الرَّضاع، ولأِنَّها تَسقُطُ؛ لأِنَّها صارتْ مُستَحَقَّةً له، فإنْ لم تكُنْ حامِلاً؛ فلا نَفَقَةَ لها عليه.
وقِيلَ، وش
(1)
: لها مَهْرُ المثل؛ لأِنَّ النَّفقةَ لم تَجِبْ، فلم يَصِحَّ الخلع
(2)
.
وجَوابُه: بأنَّها إحدى
(3)
النَّفَقَتَينِ، فصحَّت المخالَعةُ كنَفقة الصَّبِيِّ.
وقِيلَ: إنْ وَجَبَت النَّفقةُ بالعَقْد، وإلاَّ فهو خُلْعٌ بمَعْدومٍ.
فرعٌ: إذا خالَعَ حامِلاً منه، فأَبْرَأَتْه مِنْ نفقةِ حَمْلِها؛ فلا نفقةَ لها، ولا للولد حتَّى تَفطِمَه، نَقَلَ المرُّوذِيُّ
(4)
: إذا أَبْرَأَتْه مِنْ مَهْرها ونَفَقَتِها، ولها ولدٌ؛ فلها النَّفقةُ عليه إذا فَطَمَتْه؛ لأِنَّها قد أَبْرَأَتْه مِمَّا يَجِبُ لها من النَّفقة، فإذا فَطَمَتْه فلها طَلَبُه بنَفَقَتِه، وكذا السُّكْنَى.
مسألةٌ: العِوَضُ في الخُلْع كالعِوَض في الصَّداق والبيع، فإنْ كان مَكِيلاً أوْ مَوزونًا؛ لم يَدخُلْ في ضَمانِ الزَّوج، ولم يملِك التَّصرُّفَ فيه إلاَّ بقَبضِه، وإنْ كان غَيرَهما؛ دَخَلَ في ضَمانه بمجرَّد الخُلْع، وصَحَّ تصرُّفُه فيه.
(1)
في (ظ): لها وش. وينظر: روضة الطالبين 7/ 436، أسنى المطالب 3/ 263.
(2)
قوله: (الخلع) سقط من (م).
(3)
في (م): أحد.
(4)
ينظر: الفروع 8/ 429.
(فَصْلٌ)
(وَيَصِحُّ الْخُلْعُ بِالْمَجْهُولِ) في ظاهِر المذْهَبِ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ معنًى يَجوزُ تعليقُه بالشَّرط، فجاز أنْ يُستَحَقَّ به العِوَضُ المجهولُ كالوصيَّة؛ ولأِنَّ الخُلْعَ إسْقاطٌ لِحَقِّه مِنْ البُضْع، ولَيسَ فيه تمليك
(1)
شَيءٍ، والإسْقاطُ تدخله
(2)
المسامَحةُ، ولذلك جاز بغَيرِ عِوَضٍ على روايةٍ.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَصِحُّ)، وإنَّه قِياسُ قَولِ أحمدَ، وجَزَمَ به أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأِنَّه مُعاوَضةٌ، فلم يَصِحَّ بالمجهول؛ كالبيع.
(وَالتَّفْرِيعُ عَلَى الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّه المذْهَبُ، والفَرْقُ بَينَه وبَينَ البيع: أنَّ البَيعَ لا يَصِحُّ إلا
(3)
بثَمَنٍ قَولاً واحدًا، بخِلافِ الخُلْع على قَولٍ، وحِينَئِذٍ يَجِبُ في ظاهِرِ نصِّه المسمَّى.
(فَإِذَا
(4)
خَالَعَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهَا مِنَ الدَّرَاهِمِ، أَوْ مَا فِي بَيْتِهَا مِنَ الْمَتَاعِ؛ فَلَهُ مَا فِيهِمَا) إذا كان فيهما شَيءٌ؛ لأِنَّ ذلك هو المخالَعُ عليه، وجَهالَتُه لا تَضُرُّ؛ لأِنَّ التَّفريعَ على صحَّة الخُلْع بالمجْهولِ.
وظاهِرُه: أنَّه يَستَحِقُّ ما في يَدِها وإنْ كان أقلَّ مِنْ ثلاثةِ دراهِمَ، وهو احْتِمالٌ حكاه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه الذي في اليَدِ.
والثَّانِي: له ثلاثةُ دراهِمَ؛ لأِنَّ لَفْظَه يَقتَضِيهَا.
(فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا
(5)
شَيْءٌ؛ فَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، وَأَقَلُّ مَا يُسَمَّى مَتَاعًا)؛
(1)
زيد في (م): في.
(2)
في (م): ولا إسقاط يدخله.
(3)
قوله: (إلا) سقط من (م).
(4)
في (م): وإذا.
(5)
في (م): منهما.
لأِنَّ ذلك أقلُّ ما يَقَعُ عليه اسمُ الدَّراهِم والمتاعِ حقيقةً.
(وَقَالَ الْقَاضِي) وأصْحابُه: (يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِصَدَاقِهَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَتَاعِ)؛ لأِنَّها فَوَّتَتْ عليه البُضْعَ، ولم يَحصُلْ له العِوَضُ لِجَهالَتِه، فَوَجَبَ عَلَيها قِيمةُ ما فَوَّتَتْ عليه، وهو الصَّداقُ.
وأما
(1)
على الرِّواية الأُولى؛ ففيه خمسةُ أوْجُهٍ:
أحدها، وهو ظاهِرُ كلامِه: صحَّةُ الخُلْع بالمسمَّى، لكِنْ يَجِبُ أدْنَى ما يتناوله
(2)
الاِسْمُ لمَا تَبيَّنَ عَدَمُه وإنْ لم تكُنْ
(3)
غَرَّته
(4)
؛ كحَمْلِ الأَمَة.
الثَّاني: صحَّتُه بمَهْرِها فيما يُجهَلُ حالاً ومآلاً، فإنْ تبيَّنَ عَدَمُه رَجَعَ إلى مَهْرِها، وقِيلَ: إذا لم تَغُرُّه
(5)
فلا شَيءَ عليها.
الثَّالِثُ: فسادُ المسمَّى، وصِحَّةُ الخُلْع بمَهْرِها.
الرَّابِعُ: بُطْلانُ الخُلْع، قاله أبو بكرٍ.
الخامِسُ: بُطْلانُه بالمعْدومِ وَقْتَ العَقْد كما تَحْمِلُ شَجرَتُه، وصحَّتُه مع الموجود يقينًا أوْ ظَنًّا.
ثُمَّ هَلْ يَجِبُ المسمَّى، أوْ مَهْرٌ، أو الفَرْقُ؟ قالَهُ في «المحرَّر» .
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى حَمْلِ أَمَتِهَا، أَوْ عَلَى
(6)
مَا تَحْمِلُ شَجَرَتُهَا؛ فَلَهُ ذَلِكَ)؛ أيْ: ما تحملان
(7)
؛ لأِنَّه المخالَعُ عليه ولو كان مَعدومًا؛ إذْ لا أَثَرَ له،
(1)
في (م): أما.
(2)
في (م): تناوله.
(3)
في (ظ): لم يكن.
(4)
في (م): غربه.
(5)
في (م): لم تغيره.
(6)
قوله: (على) سقط من (ظ) و (ق).
(7)
في (م): تحمل.
والمرادُ بحَمْلِ الأَمَةِ: ما تَحمِلُه، بدليلِ قَولِه بَعْدُ: (فإنْ لم تحملا
(1)
، وهكذا ذَكَرَه في «المغْنِي» ، ولا فَرْقَ بَينَ مسألةِ حَمْلِ الأَمَةِ وحَمْلِ الشَّجرةِ.
(فَإِنْ لَمْ تَحْمِلَا
(2)
؛ فَقَالَ أَحْمَدُ: تُرْضِيهِ بِشَيْءٍ
(3)
؛ لِئَلاَّ يَخْلُوَ الخُلْعُ عن عِوَضٍ.
وفي «المغْنِي» : قَولُ أحمدَ: ترضيه
(4)
بشَيءٍ؛ أنَّ
(5)
له أقلَّ ما يَقَعُ عليه اسمُ الحَمْل والثَّمرة، فهو كمسألةِ المتاع؛ لأِنَّه بمَعْناهُ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأِنَّه رَضِيَ بالحَمْل، ولا حَمْلَ، وتأوَّلَ قول
(6)
أحمدَ على الاِسْتِحْباب؛ لأِنَّه لو كان واجِبًا؛ لقَدَّرهُ بتقديرٍ يُرْجَعُ إليه.
وعليه: الفَرْقُ بَينَهما وبَينَ مسألةِ الدَّراهِمِ والمتاع: أنَّ المرأةَ في مسألةِ الدَّراهِمِ والمتاعِ أوهمته
(7)
أنَّ معها دراهِمَ، وفي بَيتها متاعٌ؛ لأِنَّها خاطَبَتْه بلفظٍ يَقتَضِي الوُجودَ مع إمْكانِ عِلْمِها به، فكان له ما دلَّ عليه لَفْظُها، كما لو خالَعَتْه على عبدٍ فَوُجِدَ حُرًّا.
وفي هاتَينِ المسألَتَينِ دَخَلَ معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال، ورضاهما بما فيه من الاِحْتِمال، فلم يكُنْ لها شَيءٌ غَيرُه، كما لو قال: خالَعْتُكِ على هذا الحُرِّ.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: له
(8)
مَهْرُ المِثْل، وقال أبو الخَطَّاب: له المسمَّى.
(1)
في (م): لم يحملا.
(2)
في (ق) و (م): لم يحملا.
(3)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 425.
(4)
في (م): يرضيه.
(5)
في (م): أنه.
(6)
قوله: (وتأول قول) في (م): وقول.
(7)
في (م): أو قيمته.
(8)
في (م): لها.
(وَإِنْ خَالَعَهَا عَلَى عَبْدٍ؛ فَلَهُ أَقَلُّ مَا يُسَمَّى عَبْدًا)، أيْ: يَصِحُّ تمليكُه، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّه خالَعَها على مسمًّى مجهولٍ، فكان له أقلُّ ما يَقَعُ عليه الاِسْمُ، كما لو خالَعَها على ما في يَدِها من الدَّراهِم.
فإن
(2)
خالَعَتْه على عَبِيدٍ؛ فله ثلاثةٌ في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ
(3)
والخِرَقيِّ؛ كمسألةِ الدَّراهِمِ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ بِأَيِّ عَبْدٍ أَعْطَتْهُ طَلَاقًا بَائِنًا، وَمَلَكَ الْعَبْدَ، نَصَّ عَلَيْهِ
(4)
؛ لأِنَّ الشَّرْطَ عطية
(5)
عبدٍ، وقد وُجِدَ، ويَقَعُ الطَّلاقُ بائِنًا؛ لأِنَّه على عِوَضٍ، ويَملِكُ العبدَ؛ لأِنَّه عِوَضُ خروجِ البُضْعِ مِنْ ملْكِه.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَلْزَمُهَا عَبْدٌ وَسَطٌ فِيهِمَا)؛ كالصَّداق، وتأوَّلَ كلامَ أحمدَ على أنَّها تُعْطيهِ عبدًا وَسَطًا، وعلى قَولِه: إنْ أعْطَتْه مَعِيبًا أوْ دُونَ الوَسَطِ؛ فله ردُّه وأخْذُ بَدَلِه.
تَتِمَّةٌ: لو أعْطَتْه مُدبَّرًا، أوْ مُعتَقًا بعضُه؛ وَقَعَ الطَّلاقُ؛ لأِنَّهما كالقِنِّ في التَّمليك، وإنْ أعْطَته حُرًّا، أوْ مَغْصوبًا، أوْ مَرهونًا؛ لم تَطْلُقْ؛ لأِنَّ العطيَّةَ إنَّما تَتَناوَلُ ما يَصِحُّ تمليكُه.
وفي «الرِّعاية» : لو بان حُرًّا، أوْ مَغْصوبًا، أوْ مُكاتَبًا؛ بانت
(6)
، وله القِيمةُ، وقِيلَ: لا تَطْلُقُ.
(1)
ينظر: الفروع 8/ 425.
(2)
في (م): وإن.
(3)
ينظر: المغني 7/ 333.
(4)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 417.
(5)
في (م): عطيته.
(6)
قوله: (بانت) سقط من (م).
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي
(1)
هَذَا الْعَبْدَ)، أو الثَّوب الهروي
(2)
(فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ إِيَّاهُ؛ طَلَقَتْ)؛ لتحقُّقِ وُجودِ الشَّرط، ويَقَعُ بائِنًا، (وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا)، أو مَرْويًّا
(3)
؛ (فَلَا شَيْءَ لَهُ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه شَرْطٌ لِوُقوعِ الطَّلاق، أشْبَهَ ما لو قال: إنْ مَلَكْتُه فأنتِ طالِقٌ، ثُمَّ مَلَكَه.
وقال القاضِي: له ردُّه وأخْذُ قِيمتِه بالصِّفة سَلِيمًا، أوْ أخْذُ أرْشِه، كما لو قالَت: اخْلَعْنِي على هذا العبدِ، فَخَلَعَها.
وفي «التَّرغيب» : في رُجوعه بأرْشِه وَجْهانِ، وأنَّه
(4)
لو بان مباحَ الدَّم بقِصاصٍ أوْ غَيرِه فَقُتِلَ، فذَكَرَ القاضي، وهو المذْهَبُ: أنَّه يَرجِعُ بأرْشِ عَيبِه، وذَكَرَ ابنُ البناء: أنه
(5)
يَرجِعُ بقِيمَتِه.
(وَإِنْ خَرَجَ مَغْصُوبًا) أوْ حُرًّا؛ (لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا
(6)
على المذْهَبِ؛ لأِنَّ العَطِيَّةَ إنَّما تتناول
(7)
ما يَصِحُّ تمليكُه، وما لا يَصِحُّ تمليكُه لا يكونُ عطيَّةً له، فإِذًا لم يُوجَدْ شَرْطُ الطَّلاق.
(وَعَنْهُ: يَقَعُ، وَلَهُ قِيمَتُهُ)، جَزَمَ به في «الرَّوضة» وغيرها؛ لأِنَّه مُعاوَضةٌ بالبضع
(8)
، فلا يَفسُدُ بفَسادِ العِوَضِ؛ كالنِّكاح، فعلى هذا: يَرجِعُ عليها بقيمته؛ لأِنَّه لم يَرْضَ بغيرِ عِوَضٍ.
(1)
في (م): أعطيتيني.
(2)
في (م): المهروي. قال في المطلع ص 403: (الهروي: منسوب إلى هراة: كورة من كور العجم تكلمت بها العرب).
(3)
في (م): رديئًا. قال في المطلع ص 403: (مَرْوِيٌّ - بسكون الراء -: منسوب إلى مَرْو، وهو بلد، والنسبة إليه مروزي على غير قياس، وثوب مروي على القياس).
(4)
في (م): ولأنه.
(5)
قوله: (أنه) سقط من (ظ) و (ق).
(6)
قوله: (عليها) سقط من (م). وهي غير موجودة في نسخ المقنع الخطية.
(7)
في (ق): يتناول. وفي (م): تناول.
(8)
في (م): البضع.
والصَّحيحُ: أنَّها لا تَطْلُقُ، ولا يَستَحِقُّ
(1)
القيمةَ؛ لأِنَّها لا تَطْلُقُ بعطيَّةِ المغصوب والحرِّ
(2)
؛ لأِنَّ العَطيةَ هنا التَّمْليكُ، بدليلِ حصوله فيما إذا كان العبدُ مملوكًا لها.
(وَكَذَلِكَ فِي التِي قَبْلَهَا)؛ لأِنَّهما سَواءٌ مَعْنًى، فكذا يَجِبُ أنْ يكونَ حُكْمًا.
فرعٌ: إذا خالَعَها على عبدٍ مَوصوفٍ في الذمة، فأعْطَتْهُ إيَّاهُ مَعِيبًا؛ بانَتْ، وله طَلَبُ عبدٍ سليمٍ بتلك الصِّفةِ، وإنْ أعْطَتْهُ قيمتَه؛ لَزِمَه قَبولُها، وقال ابنُ حمدانَ: له مَهْرُ المِثْل.
فإنْ خالَعَها على عبدٍ بعَينِه، ثُمَّ أعْتَقَتْه؛ لم يَصِحَّ.
وقِيلَ: بلى، وعليها قيمتُه.
فإنْ باعَتْه ولم يعلَمْ، فعليها قيمتُه، وقِيلَ: يَبطُلُ البَيعُ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي ثَوْبًا هَرَوِيًّا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَعْطَتْهُ
(3)
مَرْوِيًّا؛ لَمْ تَطْلُقْ)؛ لأِنَّ الصِّفَةَ التي عُلِّق عَلَيها الطَّلاق لم تُوجَدْ
(4)
.
وإنْ خالَعَتْهُ على مَرْوِيٍّ في الذِّمَّة، فأتته
(5)
بِهَرَوِيٍّ؛ صحَّ وخُيِّرَ.
وإنْ خالَعَها على ثَوبٍ على أنَّه قُطْنٌ؛ فبان كَتَّانًا؛ ردَّه، ولم يكُنْ له إمساكُه
(6)
؛ لأِنَّه جِنْسٌ آخَرُ.
وكلُّ مَوضِعٍ عُلِّق طلاقُها على عَطِيَّتها إيَّاه؛ فمتى أعْطَتْهُ على صفةٍ يُمكِنُه القَبْضُ؛ وَقَعَ الطَّلاقُ، سَواءٌ قَبَضَه منها أوْ لا.
(1)
في (ق): تُستحَق.
(2)
قوله: (بعطية المغصوب والحر) سقط من (م).
(3)
زيد في (م): ثوبًا.
(4)
في (ق): لم يوجد.
(5)
في (م): فأتت.
(6)
في (ظ): امتثاله.
فإنْ هَرَبَ الزَّوجُ، أوْ غاب قَبْلَ عَطِيَّتِها، أوْ قالت: يَضمَنُه لك زَيدٌ، أوْ أجْعَلُه قِصاصًا بما لي عليك، أوْ أحالَتْه به؛ لم يَقَع الطَّلاقُ.
وكذلك كلُّ مَوضِعٍ تعذر
(1)
العطيَّةُ فيه، سَواءٌ كان التَّعذُّرُ مِنْ جِهَتِها، أوْ جِهَتِه، أوْ جِهةِ غَيرِهما؛ لاِنْتِفاءِ الشّرط.
ولو قالَتْ: طَلِّقْنِي بألْفٍ، فطلَّقَها؛ اسْتَحَقَّ الألْفَ، وبانَتْ، وإنْ لم يقبض
(2)
، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّ هذا لَيسَ تعليقًا على شَرْطٍ، بخِلافِ الأوَّل.
فرعٌ: إذا تخالَعا على حُكْمِ أحدهما أوْ غَيرِهما، أوْ بمِثْلِ ما خالَعَ به زَيدٌ زَوجَتَه؛ صحَّ بالمسمَّى. وقِيلَ: بل بمَهرِها. وقِيلَ: بَلْ بمَهْرِ مِثْلِها.
(وَإِنْ خَالَعَتْهُ عَلَى هَرَوِيٍّ، فَبَانَ مَرْوِيًّا؛ فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ رَدِّهِ)؛ لأِنَّه غَيرُ المعْقود عليه، (وَإِمْسَاكِهِ)؛ لأِنَّه مِنْ الجنس، ولأنَّ
(4)
مُخالَفة الصِّفةِ بمنزلة العَيب في جَوازِ الرَّدِّ.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: لَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ إِنْ وَقَعَ الْخُلْعُ عَلَى عَيْنِهِ)؛ لأِنَّ الخُلْعَ واقِعٌ على عَينِه، وقوله
(5)
الأوَّلُ مُشْعِرٌ بأنَّ الخُلْعَ واقِعٌ على غَيرِ العَينِ، وفي اشْتِراط وُقوعِ الخُلْعِ على عينه
(6)
عندَ أبي الخَطَّاب يَنفِيهِ، ويُؤذِنُ بأنَّ الكلامَ الأوَّلَ عامٌّ؛ إذْ لو كان خاصًّا بالخُلْعِ على عَينِ الثَّوب؛ لم يكُنْ في اشْتِراطِ وُقوعِ الخُلْعِ على العَينِ عندَ أبي الخَطَّاب فائدةٌ.
(1)
في (م): بقدر.
(2)
في (ظ): لم تقبض.
(3)
ينظر: المغني 7/ 341.
(4)
في (م): ولا.
(5)
في (م): وقول.
(6)
في (م): العين.
(فَصْلٌ)
(إِذَا قَالَ: إِنْ أعْطَيْتِنِي
(1)
، أَوْ: إِذَا أعْطَيْتِنِي
(2)
، أَوْ: مَتَى أعْطَيْتِنِي
(3)
أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي، أَيَّ وَقْتٍ أَعْطَتْهُ أَلْفًا؛ طَلَقَتْ) بائنًا، ومَلَكَه وإنْ لم يَقبِضْه؛ لأِنَّه علَّق الطَّلاق بشَرْطٍ، فكان على التَّراخِي؛ كسائر التَّعاليق، فلو نَوَيَا صِنْفًا منها؛ حُمِلَ العَقْدُ عَلَيها، وإنْ أطْلَقا؛ حُمِلَ على نَقْد البلد؛ كالبيع، فإنْ لم يكُنْ؛ فعلى
(4)
ما يَقَعُ عليه.
ولا يَقَعُ بدَفْعها عددًا ناقِصةَ الوزْن؛ كدَفْع نُقْرَةٍ زِنَتُها ألْفٌ؛ لأِنَّ الدَّراهِمَ في عُرْفِ الشَّرع المضروبةُ الوازِنَةُ.
وقِيلَ: يَكْفِي عددٌ مُتَّفَقٌ عليه بلا وَزْنٍ؛ لحُصولِ المقصود، وتَطْلُقُ إذا أعْطَتْه وازِنةً بإحْضارِه ولو كانَتْ ناقِصةً في العَدَد وإذْنِها في قَبْضِه.
وإنْ دَفَعَتْ إليه مَغْشوشَةً تَبلُغُ فِضَّتُها ألْفًا؛ طَلَقَتْ، وإلاَّ فلا.
وتقدَّم أنَّه يُمْكِنُه قَبْضُه، كما في «المنتخَب» و «المغْنِي» وغَيرهما.
وفي «التَّرغيب» : وَجْهانِ في: إنْ أقبضتِني
(5)
فأحْضَرَتْه ولم يقبضه
(6)
، فلو قَبَضَه؛ فهل يَملِكُه فيَقَعُ بائنًا، أوْ لا فيَقَعُ رَجْعِيًّا؟ فيه احْتِمالانِ.
ظاهِرُه: أنَّها إذا وَضَعَتْه بَينَ يَدَيهِ أنَّها تطلُق وإنْ لم يأخُذْه إذا كان مُتمَكِّنًا من أخْذِه؛ لأِنَّه إعطاءٌ عُرْفًا، بدليلِ: أَعْطَتْه فلم يأخُذْ، واسْتَشْكَلَه بعضُ
(1)
في (م): أعطيتيني.
(2)
في (م): أعطيتيني.
(3)
في (م): أعطيتيني.
(4)
في (ظ): فعل.
(5)
في (م): أقبضتيني.
(6)
في (ظ): ولم تُقبِضه.
المحقِّقين؛ لأِنَّه إنْ حُمِلَ الإعْطاءُ على الإقْباض مِنْ غَيرِ تمْلِيكٍ؛ فيَنبَغِي أنْ تَطْلُقَ، ولا يَستَحِقَّ شَيئًا، وإنْ حُمِلَ عليه مع التَّمْليك؛ فلا يَصِحُّ التَّمليكُ بمجرَّد فعلها
(1)
.
والتَّعليقُ لازِمٌ من جِهَةِ الزَّوج لُزُومًا لا سبيلَ إلى رَفْعِه، خِلافًا للشَّيخ تقيِّ الدِّين
(2)
، كالكتابة
(3)
عندَه، ووافَقَ على شَرْطٍ مَحْضٍ؛ كإنْ قَدِمَ زَيدٌ.
(وَإِنْ قَالَتْ لَهُ: اخْلَعْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ، أَوْ طَلِّقْنِي بِأَلْفٍ، أَوْ عَلَى أَلْفٍ)، أو طلِّقْنِي ولك ألْفٌ، (فَفَعَلَ) على الفَور، وقيل
(4)
: أوْ التَّراخِي، جَزَمَ به في «المنتخَب» ، وفي «المحرَّر» وغَيرِه في المجْلِس؛ (بَانَتْ)؛ لأِنَّ الباءَ للمُقابَلةِ، و «على» في مَعْناها، ويَكْفِي قَولُه: خَلَعْتُكِ، أوْ طلَّقْتُكِ، وإنْ لم يَذكُر الألْفَ في الأصحِّ، (وَاسْتَحَقَّ) المجيبُ (الْأَلْفَ)؛ لأِنَّه فَعَلَ ما جَعَلَ الألْفَ في مُقابَلَتِه، وكذا قَولُها: إنْ طلَّقْتَني فلك عليَّ ألْفٌ، ولها أنْ تَرجِعَ قَبْلَ أنْ يُجِيبَها.
فرعٌ: إذا قالت: اخْلَعْني بألْفٍ، فقال: أنتِ طالِقٌ، فإنْ قُلْنا: الخُلْعُ طَلْقةٌ بائنةٌ؛ وَقَعَ، واسْتَحَقَّ الألْفَ، وإنْ قُلْنا: هو فَسْخٌ؛ فهل يَستَحِقُّ العِوَضَ؟ فيه وَجْهانِ، وإن
(5)
لم يَستَحِقَّ؛ ففي وقوعه رَجْعِيًّا احْتِمالانِ.
وإنْ قالَتْ: طلِّقني
(6)
بها، فقال: خَلَعْتُكِ؛ فإنْ كان طلاقًا استحقه
(7)
،
(1)
قوله: (ظاهره: أنها إذا وضعته بين يديه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
ينظر: الفروع 8/ 439.
(3)
في (م): كالكناية.
(4)
قوله: (وقيل) سقط من (م).
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (م): طلقتني.
(7)
في (م): استحق.
وإلاَّ لم يَصِحَّ.
وقِيلَ: خُلْعٌ بلا عِوَضٍ.
وفي «الرَّوضة» : يَصِحُّ، وله العِوَضُ؛ لأِنَّ القَصْدَ أنْ تملِكَ نَفْسَها بالطَّلْقة، وقد حصل
(1)
بالخُلْع.
(وَإِنْ قَالَتْ لَهُ
(2)
: طَلِّقْنِي وَاحِدَةً بِأَلْفٍ)، أوْ على ألْفٍ، أوْ وَلَكَ ألْفٌ؛ (فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا)، وفي «الرَّوضة»: أو اثنتَينِ؛ (اسْتَحَقَّهَا)؛ لأِنَّه حَصَلَ لها ما طَلَبَتْه وزيادةٌ.
(وَإِنْ
(3)
قَالَتْ لَهُ
(4)
: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ، فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً)؛ وَقَعَت الواحدةُ بغَيرِ خلافٍ
(5)
؛ لأِنَّه أتى بلفظه
(6)
الصَّريح، و (لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا) على المنصوص
(7)
والمجزوم به عند
(8)
أصحابنا؛ لأِنَّها إنَّما بَذَلَتْها في مُقابَلةِ الثَّلاث، ولم تَحصُلْ، وصار كما لو قال: بِعْنِي عَبدَيكَ بألْفٍ، فقال: بِعتُك أحدَهما بِنِصْفها.
وفارَقَ ما إذا قال: مَنْ ردَّ عبيدي
(9)
فله كذا، فردَّ بعضَهم، فإنَّه يَستَحِقُّ بالقِسْط؛ لأِنَّ غَرَضَه يتعلَّق بكلِّ واحِدٍ من العبيد، وهنا غَرَضُها يتعلَّق ببينونة
(10)
كُبْرى، ولم تَحصُلْ.
(1)
قوله: (وقد حصل) في (ظ) و (ق): وحصل.
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
في (م): فإن.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
ينظر: المغني 7/ 344.
(6)
في (ق): بلفظ.
(7)
ينظر: المحرر 2/ 47.
(8)
في (م): وعند.
(9)
في (م) و (ق): عبدي.
(10)
في (م): بينونته.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَسْتَحِقَّ ثُلُثَ الْأَلْفِ)، وهو لأِبِي الخَطَّاب في «الهداية» ، كما لو قال: مَنْ ردَّ عَبِيدِي الثَّلاثةَ فله ألْفٌ، فعلى هذا: يَقَعَ الطَّلاقُ بائنًا.
وعلى الأوَّل: يكون رَجْعِيًّا إذا كان في يَدِه الثَّلاث؛ لأِنَّها اسْتَدْعَتْ فُرْقةً تَحرُم بها قَبْلَ زوجٍ آخَرَ، فلم يُجِبْها إليه.
فرعٌ: لو وَصَفَ طلْقةً ببينونة
(1)
، وقُلْنا به لِعَدَم التَّحريم التَّامِّ، فإنْ لم يصفها
(2)
؛ فواحدةٌ رجعيَّةٌ، وقِيلَ: بائنٌ بثلاثةٍ، وهو روايةٌ في «التَّبصرة» .
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ طَلَاقِهَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ، فَفَعَلَ، بَانَتْ وَاسْتَحَقَّ الْأَلْفَ)؛ لأِنَّ الواحدةَ التي فَعَلَها كَمَّلَت الثَّلاثَ، وحصَّلَتْ ما يَحصُلُ من الثَّلاث من البَيْنونَة وتحريمِ العَقْد، فَوَجَبَ العِوَضُ، كما لو طلَّقها ثلاثًا.
(عَلِمَتْ أَوْ لَمْ تَعْلَمْ)؛ لأِنَّ القَصْدَ تحريمُها قَبْلَ زَوجٍ آخَرَ، وقد حصل ذلك.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَسْتَحِقَّ
(3)
إِلاَّ ثُلُثَهُ إِذَا لَمْ تَعْلَمْ
(4)
، وهو قَولُ ابنِ سريج
(5)
؛ لأِنَّها بَذَلَت العِوَضَ في مُقابَلة الثَّلاث، ولم يُوجَدْ
(6)
، بخِلافِ ما إذا كانَتْ عالِمَةً، فإنَّ مَعْنَى كلامِها: كَمِّلْ لي
(7)
الثَّلاثَ، وقد فَعَلَ.
مسائلُ:
إذا قال: أنْتِ طالِقٌ وطالِقٌ وطالِقٌ بألْفٍ
(8)
، بانَتْ بالأولَّة، ولم يَقَعْ ما
(1)
في (م): بينونة.
(2)
في (ظ): لم يضفها.
(3)
في (ظ): لا تستحق.
(4)
في (م) و (ق): لم يعلم.
(5)
في (م): شريح.
(6)
في (ق): ولم توجد.
(7)
في (ق): ولم توجد.
(8)
كذا في النسخ: (أنت طالق وطالق وطالق بألف)، وسيأتي حكم هذه العبارة قريبًا في كلام المؤلف، ولعل صواب العبارة هنا:(أنتِ طالقٌ بألفٍ، وطالقٌ، وطالقٌ)، كما في المغني 7/ 346 والشرح الكبير 22/ 84.
بَعدَها في الأصحِّ، وهذه المسألةُ في
(1)
جواب قولِها: طلِّقْني واحدةً بألْفٍ، ويَدُلُّ عليه كلامُ بعضِهم.
ولو قال: أنْتِ طالِقٌ وطالِقٌ بأَلْفٍ وطالِق؛ بانَتْ بالثَّانية، ولَغَتِ الثَّالثةُ.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ وطالِقٌ وطالق
(2)
بألْفٍ، بانَتْ بالثَّالثة، وما قَبْلَها رَجْعِيٌّ، وقال ابنُ حَمْدانَ: تَطلُقُ ثلاثًا.
ولو قالتْ: طلقني
(3)
عَشْرًا بألْفٍ، فطلَّقَها ثلاثًا اسْتَحقَّها؛ لأِنَّه حَصَلَ المقْصودُ، وإنْ طلَّقَها أقلَّ مِنْ ذلك لم يَستَحِقَّ شَيئًا.
وإنْ قالَتْ: طلِّقْنِي بألْفٍ إلى شَهْرٍ، فطلَّقَها قبلَه؛ طَلَقَتْ، ولا شَيءَ له، نَصَّ عليه
(4)
.
وإن
(5)
قالت: مِنْ الآنَ إلى شَهْرٍ، فطلَّقَها قبلَه؛ اسْتَحقَّها؛ لأِنَّه أجابها إلى ما سَأَلَتْ.
وقال القاضي: تَبطُلُ التَّسميةُ، وله صَداقُها؛ لأِنَّ زَمَنَ الطَّلاق مَجْهولٌ.
(وَإِنْ كَانَ لَهُ امْرَأَتَانِ؛ مُكَلَّفَةٌ)؛ أيْ: رشيدةٌ، (وَغَيْرُ مُكَلَّفَةٍ)؛ أيْ: مميزة
(6)
، (فَقَالَ: أَنْتُمَا طَالِقَتَانِ بِأَلْفٍ إِنْ شِئْتُمَا، فَقَالَتَا: قَدْ شِئْنَا؛ لَزِمَ الْمُكَلَّفَةَ نِصْفُ
(7)
الْأَلْفِ، وَطَلَقَتْ بَائِنًا، وَوَقَعَ الطَّلَاقُ بِالْأُخْرَى رَجْعِيًّا، وَلَا شَيْءَ
(1)
قوله: (في) سقط من (م).
(2)
قوله: (وطالق بألف، وطالق بانت بالثانية
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
قوله: (طلقني) سقط من (م).
(4)
ينظر: الفروع 8/ 439.
(5)
في (م): ولو.
(6)
في (م): مجبرة.
(7)
في (م): تضف.
عَلَيْهَا)، كذا ذَكَرَهُ في «الوجيز» وغيره.
وحاصِلُه: أنَّ المكلَّفةَ إذا كانَتْ رشيدةً، فمَشيئتُها صحيحةٌ، وتصرُّفُها في مالها صحيحٌ، فيَقَعُ عليهما
(1)
الطَّلاقُ، فتَبِينُ المكلَّفةُ بنصفِ الأَلْفِ عندَ أبي بكرٍ، ورجَّحه في «المغْنِي» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وعندَ ابنِ حامِدٍ: يُقسَّطُ بقَدْرِ مَهرَيْهِما، وذكره
(2)
في «المغْنِي» و «الشَّرح» ظاهر المذهب، وتَطلُقُ الأخرى رَجْعِيًّا مجَّانًا، فإنَّ بَذْلَها للعوض
(3)
غيرُ صحيحٍ، وكذا المحْجورُ عليها لِسَفَهٍ؛ لأِنَّ لها مشيئةً، وتصرُّفُها في المال غَيرُ صحيحٍ، بدليلِ أنَّه يَرجِعُ إلى مشيئة المحْجورِ عليه في النِّكاح.
فإنْ كانَتْ مجنونةً أوْ صغيرةً؛ لم تَصِحَّ المشيئةُ منهما، ولم يَقَعِ الطَّلاقُ.
وعنه: لا مشيئةَ لمميزة
(4)
؛ كدُونِها
(5)
، فلا طَلاقَ.
فإن كانتا
(6)
رشيدتَينِ؛ وَقَعَ بهما الطَّلاقُ بائنًا، فإنْ قَبِلَتْه إحداهما؛ لم تَطلُقْ واحدةٌ منهما، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه جَعَلَ مشيئتهما
(7)
شَرْطًا في طلاقِ كلِّ واحدةٍ منهما.
والأصحُّ: أنَّها تَطلُقُ وحدَها بقِسْطِها.
فلو قال الزَّوجُ: ما شِئْتُما، وإنَّما قُلْتُما ذلك بألْسِنَتِكما، أو قالتا: ما شِئْنا بقلوبِنا؛ لم يُقبَلْ.
(1)
في (م): عليها.
(2)
في (م): ذكره.
(3)
في (م): العوض.
(4)
في (م): لمميز.
(5)
في (ق): لدونها.
(6)
في (م): كان.
(7)
في (م): مشيئتها.
(وَإِنْ
(1)
قَالَ: لاِمْرَأَتِهِ
(2)
ابتداءً: (أَنْتِ طَالِقٌ وَعَلَيْكِ أَلْفٌ؛ طَلَقَتْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا)؛ لأِنه لم يَجعَلِ الألْفَ عِوَضًا للطَّلْقة، ولا شرْطًا فيها، وإنَّما عَطَفَه على الطَّلاق الذي أوْقَعَه، فوقع
(3)
ما يَملِكُه دُونَ ما لا يَملِكُه؛ كقوله: أنتِ طالِقٌ وعليكِ الحجُّ، فإنْ أعْطَتْه المرأةُ عِوَضًا عن ذلك؛ كان هِبَةً مُبتَدَأةً، تعتبر
(4)
فيها شُروطُ الهِبَة.
(وَإِنْ قَالَ: عَلَى أَلْفٍ أَوْ بِأَلْفٍ؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: تَطلُقُ بغَيرِ شَيءٍ على المذهب؛ لأِنَّه أوْقَعَ الطَّلاقَ غَيرَ مُعلَّقٍ بشَرْطٍ، وجَعَلَ عليه عِوَضًا لم
(5)
يَبذُلْه، فَوَقَعَ رَجْعِيًّا؛ لأِنَّ «على» لَيستْ للشَّرْطِ، ولا للمعاوَضة، بدليلِ: أنَّه لا يَصِحُّ: بِعْتُكَ ثَوبِي على دِينارٍ.
وقيل: لا تَطلُق كنظيرتهنَّ في العتق.
وقِيلَ: تَطلُقُ إلاَّ في: وعَلَيكِ.
والمخْتارُ: أنَّها إذا قَبِلَتْه في المجلِس؛ بانَتْ واسْتَحَقَّه، وإلاَّ وَقَعَ رجْعِيًّا، وله الرُّجوعُ قبلَ قَبولها، ولا ينقلب
(6)
بائنًا ببذْلها العِوَضَ في المجلس بعدَ عَدَم قبولها
(7)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ تَطْلُقَ حَتَّى تَخْتَارَ، فَيَلْزَمُهَا الْأَلْفُ)، هذا قَولُ القاضي في «المجرَّد»؛ لأِنَّ تقديرَه: إنْ ضَمِنْتِ لي ألْفًا فأنتِ طالِقٌ، ولأِنَّ «على» تُستَعْمَلُ للشَّرط، بدليل قوله تعالى:{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ} الآيةَ [القَصَص: 27].
(1)
في (م): ولو.
(2)
في (ق): لامرأتيه.
(3)
في (م): موقع.
(4)
في (م): مبتدأ يعتبر، وفي (ق): يعتبر.
(5)
في (م): له.
(6)
في (م): ولا تنقلب.
(7)
قوله: (بعد عدم قبولها) سقط من (م).
وقِيلَ: تَطلُقُ بألْفٍ فقطْ.
والأَوْلَى: أنَّها لا تَطلُقُ بألف
(1)
حتَّى تختارَ، فيَلزَمُها الألْفُ؛ لأِنَّها إنْ لم تكن حرفَ شرْطٍ فهي للمُعاوَضة في: بِعْتُكَ بكذا، وزَوَّجْتُكَ بكذا.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا بألْفٍ، أوْ على ألْفٍ، فقالَتْ: قَبِلْتُ واحدةً بثُلُثِ
(2)
الأَلْفِ؛ لم يَقَعْ، وإنْ قالَتْ: قَبِلْتُ واحِدةً بألْفٍ؛ وَقَعَ الثَّلاثُ، واسْتَحَقَّ الأَلْفَ، وإنْ قالَتْ: قَبِلْتُ بألْفَينِ؛ وَقَعَ، ولَزِمَها الألف
(3)
فقطْ.
وإنْ قالَ: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، واحدةٌ منها بأَلْفٍ؛ طَلَقَت اثنتَينِ، وَوُقِفَت
(4)
الثَّالثةُ على قَبولها.
ولو لم يبقَ مِنْ طلاقها إلاَّ واحدةٌ، فقال: أنتِ طالِقٌ اثنتَينِ، الأُولَى بغَيرِ شَيءٍ، والثَّانيةُ بأَلْفٍ؛ بانَت بالثَّلاث، ولم يَستَحِقَّ شَيئًا.
(1)
في (ظ) و (ق): في بألف.
(2)
قوله: (واحدة بثلث) هو في (ق): فثلث واحدة بثلث.
(3)
في (م): ولزم بالألف.
(4)
في (ق): ووقعت.
(فَصْلٌ)
(إِذَا خَالَعَتْهُ فِي مَرَضِ مَوْتِهَا)، المخالَعةُ في المرض صحيحةٌ، سواءٌ كانا مريضَينِ أوْ أحدُهما، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ كالبيع، ثُمَّ إذا خالَعَتْه في مرضِ مَوتها بمِيراثِه منها
(2)
فما دونُ؛ صحَّ ولا رُجوعَ، وإنْ خالَعَتْه بزيادةٍ؛ بَطَلَت الزِّيادةُ.
(وَلَهُ الْأَقَلُّ مِنَ الْمُسَمَّى أَوْ مِيرَاثِهِ مِنْهَا)؛ لأِنَّ ذلك لا تُهمةَ فيه، بخِلافِ الأكثرِ منها، فإنَّ الخُلْعَ إنْ وَقَعَ بأكثرَ من الميراث؛ تطرَّقَتْ إليه التُّهمةُ مِنْ قَصْدِ إيصالها إليه شيئًا من مالِها بغَيرِ عِوَضٍ على وَجْهٍ لم تكُنْ قادِرةً عليه، أشْبَهَ ما لو أَوْصَتْ أوْ أقرَّت له، وإنْ وَقَعَ بأقلَّ مِنْ الميراث؛ فالباقي هو أسْقَطَ حقَّه منه، فلم يَستَحِقَّه، فتعيَّنَ اسْتِحْقاقُ الأقلِّ منهما.
وقِيلَ: إنْ كان ميراثُه منها بقَدْر ما ساق إليها من الصَّداق، أو أقلَّ؛ صحَّ، وإنْ كان ما خالَعَتْه أكثرَ؛ بَطَلَت الزِّيادةُ.
(وَإِنْ خَالَعَهَا
(3)
فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَأَوْصَى لَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا؛ لَمْ تَسْتَحِقَّ أَكْثَرَ مِنْ مِيرَاثِهَا)؛ أيْ: للوَرَثة مَنْعُها مِنْ ذلك؛ لأِنَّه اتُّهِم في أنَّه قَصَدَ إيصال
(4)
ذلك إليها؛ كالوصيَّة لِوارِثٍ.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا أَوْصَى لها بمهرِ مِثْلِها أوْ أقلَّ أنَّه يَصِحُّ؛ لأِنَّه لا تُهمةَ في ذلك.
(1)
ينظر: المغني 7/ 356.
(2)
في (م): بميراثها منه.
(3)
في (م): فإن طلقها.
(4)
في (م): اتصال.
(وَإِنْ
(1)
خَالَعَهَا فِي مَرَضِهِ وَحَابَاهَا؛ فَهُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ)، مِثْلَ أنْ يُخالِعَها بأقلَّ من مَهْرِ مِثْلِها، مِثْلَ أنْ يكونَ قادِرًا على خُلْعِها بشَيءٍ، فيُخالِعَها بدُونِه؛ لم يحتسب
(2)
ما حاباها من الثُّلث في مرض مَوته؛ لأِنَّه لَوْ طلَّق بغَيرِ عِوَضٍ؛ لصحَّ، فلأن يَصِحَّ بعِوَضٍ أَوْلَى.
فلو خالَعَها في مرضها
(3)
بأكثرَ مِنْ مَهْرِها؛ فلِلْوَرثةِ أنْ لا يُعْطُوهُ أكثرَ من مِيراثه منها؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ.
(وَإِذَا وَكَّلَ الزَّوْجُ فِي خُلْعِ امْرَأَتِهِ مُطْلَقًا، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا زَادَ؛ صَحَّ)، ولَزِمَ المسمَّى؛ لأِنَّه زاده
(4)
خَيرًا، وعُلِم منه: صحَّةُ التَّوكيل في الخُلْع لكلِّ مَنْ يَصِحُّ تصرُّفُه في الخُلْع لنَفْسه؛ كالعبد، والأنثى، والكافِرِ، والمحْجورِ عليه، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(5)
.
ويَجوزُ التَّوكيلُ من غَيرِ تقديرِ عِوَضٍ؛ كالبَيع والنِّكاح، والمستَحَبُّ التَّقديرُ؛ لأِنَّه أسْلَمُ من الغرر
(6)
، وأسْهَلُ على الوكيل.
(وَإِنْ
(7)
نَقَصَ مِنَ الْمَهْرِ؛ رَجَعَ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ الخُلْعَ عَقْدُ مُعاوَضةٍ، أشْبَهَ البَيعَ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَتَخَيَّرَ
(8)
بَيْنَ قَبُولِهِ نَاقِصًا)؛ لأِنَّ الحقَّ له، فإذا رَضِيَ بدونه؛ وَجَبَ أنْ يَصِحَّ، (وَبَيْنَ رَدِّهِ وَلَهُ الرَّجْعَةُ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ قد وَقَعَ،
(1)
في (م): فإن.
(2)
في (ظ) و (ق): لم يحسب.
(3)
قوله: (في مرضها) سقط من (م).
(4)
في (م): زاد.
(5)
ينظر: المغني 7/ 358.
(6)
في (م): الغرور.
(7)
في (م): فإن.
(8)
في (م): يخير.
والعِوَضُ مردودٌ.
(وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْعِوَضَ، فَنَقَصَ مِنْهُ؛ لَمْ يَصِحَّ الخُلْعُ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ)، وهو أَوْلَى وأصَحُّ؛ لأِنَّه خالَفَ مُوَكِّلَه، أشْبَهَ ما لو وكَّله في خُلْعِ امرأةٍ فخالَعَ
(1)
غَيرَها.
(وَصَحَّ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)؛ لأِنَّ المخالفة
(2)
في قَدْر العِوَضِ، وهو لا يُبطِلُه؛ كحالة الإطلاق، (وَيَرْجِعُ عَلَى الْوَكِيلِ بِالنَّقْصِ)؛ لأِنَّه أمْكَنَ الجَمْعُ بَينَ تصحيح التَّصرُّف ودَفْعِ الضَّرَر، فَوَجَبَ؛ كما لو لم يُخالِفْ.
وصحَّحَ ابنُ المنَجَّى هذا القَولَ؛ لأِنَّ الفَرْقَ ثابِتٌ بَينَ المخالَفة في نفس
(3)
المعْقودِ عليه، وبَينَ المخالَفةِ في تعيينِ العِوَض؛ لأِنَّه لو وكَّلَه في بيع
(4)
عَبْدِه مِنْ زَيْدٍ، فباعَه مِنْ غَيرِه؛ لم يَصِحَّ، ولو وكَّلَه في بَيعه بعَشرةٍ، فباعه بأقلَّ منها؛ أنَّه يَصِحُّ، ويَضمَنُ الوكيلُ النَّقصَ.
فرعٌ: إذا خالَفَ في الجنس، أوْ أَمَرَه بالخُلْع حالًّا، فخالَعَ عن
(5)
عِوَضٍ نَسيئةً؛ فالقِياسُ أنَّه لا يَصِحُّ.
وقال القاضي: القِياسُ أنَّه يَلزَمُ الوكيلَ القدر
(6)
الَّذي أَذِنَ فيه، ويكون له ما
(7)
خالَعَ به؛ كالمخالَفة في القَدْر.
وهذا يَبطُل بالوكيل
(8)
في البيع، وفارَقَ المخالَفةَ في القَدْر؛ لأِنَّه أمْكَنَ
(1)
في (ق): فخلع.
(2)
في (م): المخالعة.
(3)
قوله: (في نفس) هو في (ظ): وبين، وفي (ق): ونفس.
(4)
قوله: (بيع) سقط من (ظ) و (ق).
(5)
في (م): على.
(6)
زيد في (م): في لقدر.
(7)
قوله: (ما) مكانه بياض في (م).
(8)
قوله: (ما) مكانه بياض في (م).
جبره
(1)
بالرُّجوع بالنَّقْص على الوكيل.
وكذا الحُكمُ لو خالَعَ بغَيرِ نَقْدِ البلد.
وإنْ خالَعَ بما ليس بمالٍ؛ فلَغْوٌ. وقِيلَ: يَصِحُّ إنْ صحَّ بلا عِوَضٍ، وإلاَّ رجعِيًّا.
(وَإِنْ وَكَّلَتِ الْمَرْأَةُ فِي ذَلِكَ، فَخَالَعَ بِمَهْرِهَا فَمَا
(2)
دُونُ، أَوْ بِمَا عَيَّنَتْهُ فَمَا دُونُ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه امْتَثَلَ وزاد خَيرًا، (وَإِنْ زَادَ؛ لَمْ يَصِحَّ) على المذهب؛ لأِنَّه خالَفَها في تَعْيِينِها، أوْ فِيما اقْتَضاه الإطْلاقُ، فلم يَصِحَّ؛ كما لو وكَّلَتْه في الخُلْع بدَراهِمَ، فخالَعَ بعُروضٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)؛ لأِنَّ المخالَفةَ في القَدْر لا توجب
(3)
الضَّمانَ، (وَتَبْطُلُ الزِّيَادَةُ)؛ لأِنَّ الموكِّلةَ ما الْتَزَمَتْها، ولا أَذِنَتْ فيها، وقاله في «الشَّرح» ، ولَزِمَ الوكيلَ؛ لأِنَّه التزم
(4)
للزَّوج، فلَزِمَه الضَّمان؛ كالمضارِب إذا اشْتَرَى مَنْ يَعتِقُ على
(5)
ربِّ المالِ.
وقال القاضِي في «المجرد» : عليها مَهْرُ مِثْلِها، ولا شَيءَ على وكيلها؛ لأِنَّه لا يَقبَلُ العَقْدَ لنفسه، وإنَّما يقبله
(6)
لغَيرِه، بخِلافِ الشِّراء.
(وَإِذَا
(7)
تَخَالَعَا) بغَيرِ لفظِ الطَّلاق؛ (تَرَاجَعَا بِمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْحُقُوقِ)؛ أيْ: حقوقِ النِّكاح؛ لأِنَّه أحدُ نَوْعَي الخُلْع، فلم يَسقُطْ به شَيءٌ؛ كالطَّلاق.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَسْقُطُ) بالسُّكوت عنها، إلاَّ نفقةَ عدَّةِ الحامِلِ وما خُولِعَ
(1)
في (م): خبره.
(2)
في (م): بما.
(3)
في (ظ) و (ق): لا يوجب.
(4)
في (ظ) و (ق): ألزمه.
(5)
في (ظ): وعلى.
(6)
في (م): يقبل.
(7)
في (م): وإن.
ببعضه؛ لأِنَّ الخُلْعَ يَقْتَضِي انْخِلاعَ كلِّ واحِدٍ من صاحبه، ولو بقيت
(1)
الحقوقُ كما
(2)
كانت لَبَقِيَ
(3)
بَينَهما عُلْقةٌ، وذلك يُنافِي الاِنْخِلاعَ، فعَلَيهِ: إنْ كان خَلَعَها قبلَ الدُّخول، ولم تكُنْ قَبَضَتْ منه شيئًا؛ لم ترجع
(4)
عليه، وإنْ كانَتْ قَبَضَتْه؛ لم يرجع
(5)
.
وعلى الأوَّل: يَرجِعُ كلُّ واحد
(6)
بما يَستحِقُّه، وهو الأصحُّ.
وهذا الخِلافُ في حقوق النِّكاح، وأمَّا الدُّيونُ؛ فلا تعلُّق للخُلْع بها.
(1)
في (م): بقية، وفي (ق): ثبتت.
(2)
زيد في (م): لو.
(3)
زاد في (ظ): كما.
(4)
في (ظ): لم يرجع.
(5)
في (ظ) و (ق): لم ترجع.
(6)
قوله: (واحد) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا قَالَ: خَالَعْتُكِ بِأَلْفٍ، فَأَنْكَرَتْهُ، أَوْ قَالَتْ: إِنَّمَا خَالَعْتَ غَيْرِي؛ بَانَتْ) بإقْراره، (وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا فِي الْعِوَضِ)؛ لأِنَّها مُنكِرةٌ لِبَذْلهِ.
(وَإِنْ قَالَتْ: نَعَمْ، لَكِنْ ضَمِنَهُ غَيْرِي؛ لَزِمَهَا الْأَلْفُ)؛ لأِنَّها أقرَّت بها، ولا يَلزَمُ الغَيرَ شَيءٌ إلاَّ أنْ يُقِرَّ به
(1)
.
فإنِ ادَّعَتْه المرأةُ، وأنْكَرَه الزَّوجُ؛ قُبِلَ قَولُه، ولا شَيءَ عَلَيها؛ لأِنَّها لا تَدَّعيهِ.
وإنْ قالَتْ: سألتك
(2)
طلاقًا ثلاثًا بألْفٍ فأجَبْتَ، فقال: بل
(3)
طلقةً فأجَبْتُ؛ قُبِلَ قولُه، وبانَتْ بألفٍ.
وقِيلَ: يَتحالَفانِ، وله
(4)
المهرُ المسمَّى.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْعِوَضِ، أَوْ عَيْنِهِ، أَوْ تَأْجِيلِهِ)، أوْ صِفَتِه؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا)، نَصَّ عليه
(5)
؛ لأِنَّه يُقبَلُ قَولُها في أصله
(6)
، فكذا في قَدْره وصِفَتِه، ولا تُنكرُ
(7)
الزَّائد والحُلول، والقَولُ قَولُ المنكِرِ مع يَمِينِه.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الزَّوْجِ)، هذا روايةٌ حكاها القاضي؛ لأِنَّ البُضْعَ يَخرُجُ عن ملْكه، فقُبِلَ قَولُه في عِوَضِه؛ كالسَّيِّد مع مُكاتَبِه.
(1)
قوله: (أن يقر به) في (م): بقرينة.
(2)
في (م): سألت.
(3)
في (م): فقالت.
(4)
في (ظ): ولها.
(5)
ينظر: المغني 7/ 358.
(6)
في (ظ): أجله.
(7)
كذا في (ظ) و (ق). وفي (م): ولا ينكر. والذي في الممتع 3/ 771: ولأنها تنكر.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَتَحَالَفَا) إن لم يكُنْ بلَفظِ طَلاقٍ؛ لأِنَّه اخْتِلافٌ في عِوَض العَقْد، فيتحالَفانِ فيه كالمتبايِعَينِ، (وَيَرْجِعَا إِلَى الْمُسَمَّى، أَوْ مَهْرِ الْمِثْلِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُسَمًّى
(1)
؛ لأِنَّ البُضْعَ تَلِفَ بالخُلْع، فَوَجَبَ الرُّجوعُ إلى البَدَل؛ كما لو تَلِفَ المبِيعُ وَوَقَعَ التَّحالُفُ، فإنَّه يَجِبُ بَدَلُه، وهو المِثْلُ أو القيمةُ.
وجَوابُه: بأنَّ التَّحالُفَ في البَيع مُحتاجٌ إليه في فَسْخ العَقْد، والخُلْع في نَفْسه فسخٌ
(2)
، فلا يُفْسَخُ.
وقِيلَ: إن اخْتَلَفا في قَدْر العِوَض فلا يَمِينَ، وأيُّهما يُصَدَّقُ؟ فيه وجْهانِ.
(وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَةٍ
(3)
، ثُمَّ خَالَعَهَا، فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ، ثُمَّ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا، فَوُجِدَتِ الصِّفَةُ؛ طَلَقَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ
(4)
؛ لأِنَّ عَقْدَ الصِّفةِ وَوُقوعَها وُجِدَا في النِّكاح، فَوَقَعَ الطَّلاقُ؛ كما لو لم يتخلَّلْه بَينُونَةٌ
(5)
.
لا يُقالُ: الصِّفةُ انْحَلَّتْ بفِعْلِها حالَ البَينونَةِ ضَرورةَ أنَّ (إنْ) لا تقتضي
(6)
التَّكْرارَ؛ لأِنَّها إنَّما تَنحَلُّ على وَجْهٍ يَحنَثُ به؛ لأِنَّ اليمينَ حَلٌّ وعقدٌ
(7)
، والعَقْدُ يَفتَقِرُ إلى الملك، فكذا الحَلُّ، والحِنْثُ لا يَحصُلُ بفِعْل الصِّفة حالَ البَينونة، ولا تَنحَلُّ اليَمِينُ به.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَلاَّ تَطْلُقَ، بِنَاءً عَلَى الرِّوَايَةِ فِي الْعِتْقِ)، وهو أنَّ الصِّفةَ لا تَنحَلُّ؛ لأِنَّ الملكَ الثَّانيَ لا يَنبَنِي على الأوَّل في شَيءٍ من أحكامه، (وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ)، وأكثرُ العلماء؛ لأِنَّ العِتْقَ يَتَشَوَّفَ الشَّارِعُ إليه، بخِلافِ الطَّلاق.
(1)
قوله: (لأنه اختلاف في عوض العقد
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
قوله: (فسخ) سقط من (م).
(3)
في (م): بصفة.
(4)
في (م): عليها.
(5)
في (ق): ببينونة.
(6)
في (م): يقتضي.
(7)
في (م): عقد.
قال صاحِبُ «النِّهاية» وغَيرُه: والأوَّلُ أصحُّ، والفَرْقُ بَينَ الطَّلاق والعِتاق من حَيثُ إنَّ الأَصْلَ في الأَبْضاع الحُرْمةُ، وفي الأمْوالِ العِصْمةُ، فإذا تَعارَضَ دليلا
(1)
الطَّلاق؛ وَجَبَ وُقوعُه؛ لأِنَّ الأصلَ حرمةُ الوطْءِ، وإذا تَعارَضَ دليلا
(2)
العِتْق؛ وَجَبَ عَدَمُ وُقوعِه؛ لأِنَّ الأصلَ عِصْمةُ الملك.
فإنْ قِيلَ: لو طُلِّقَتْ بذلك لَوَقَعَ الطَّلاقُ بشَرطٍ سابِقٍ على النِّكاح، ولا خِلافَ أنَّه لو قال لأِجْنَبِيَّةٍ: إن
(3)
دَخَلْت الدَّارَ فأنْتِ طالِقٌ، فتزوَّجها، ثُمَّ دخلت الدار
(4)
؛ لم تَطلُقْ، والفَرْق: أنَّ النِّكاحَ الثَّانيَ مَبْنِيٌّ على الأوَّل في عَدَدِ الطَّلقات، وسقوطِ اعْتِبار العدد، وبهذا فرَّق صاحِبُ «المغْنِي» فيه بَينَ الطَّلاق والملْكِ.
(وَإِنْ لَمْ تُوجَدِ الصِّفَةُ حَالَ الْبَيْنُونَةِ؛ عَادَتْ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ اليَمينَ لم تَنحَلَّ؛ لكَونِ الصِّفة في حالِ البَيْنونَة لم تُوجَدْ، فإذا وُجِدت الصِّفةُ بعدَ التَّزويج؛ وَجَبَ أنْ تعمل
(5)
عَمَلَها، كما لو لم تكن
(6)
بَينُونةً.
فإنْ كانَت الصِّفةُ لا تُوجدُ بعدَ النِّكاح الثَّاني؛ كقوله: إنْ أكَلْتِ هذا الرَّغيفَ فأنْتِ طالِقٌ ثلاثًا، ثُمَّ أبانَها فأكَلَتْه، ثُمَّ نَكَحَها؛ لم يَحنَثْ.
أصلٌ: يَحرُمُ الخُلْعُ حيلةً لِإسْقاطِ يمينِ الطَّلاق، ولا يَقَعُ في اخْتِيارِ الأكثرِ، واحْتَجَّ القاضِي بما رُوِيَ عن عمرَ أنَّه قال:«الحَلِفُ حِنْثٌ أوْ نَدَمٌ» رواه ابنُ بَطَّةَ
(7)
.
(1)
في (ظ) و (ق): دليل. والمثبت موافق لما في الممتع 3/ 773.
(2)
في (ظ) و (ق): دليل.
(3)
في (م): إذا.
(4)
قوله: (الدار) سقط من (ظ) و (ق).
(5)
في (م): يعمل.
(6)
في (م) و (ق): لم يكن.
(7)
أخرجه ابن بطة في إبطال الحيل (ص 67)، وأخرجه ابن أبي شيبة (12616)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 129)، والبيهقي في الكبرى (19840)، عن محمد بن زيد، عن عمر رضي الله عنه، بلفظ:«إن اليمين مأثمة أو مندمة» . قال البخاري: (وحديث عمر أولى بإرساله)، قال الألباني في الضعيفة 14/ 821:(يعني: انقطاعه بين محمد بن زيد وجده الأعلى عمر بن الخطاب).
وفي «المغْنِي» : (هذا يُفعَلُ حيلةً على إبطال الطَّلاق المعلَّق، والحِيَلُ خِداعٌ لا تُحِلُّ ما حرَّم اللهُ).
فلو اعْتَقَدَ البَينونَةَ، فَفَعَلَ
(1)
ما حَلَفَ؛ فكمُطلِّقٍ مُعتَقِدٍ أجنبيَّةً فتَبَيَّنَ امرأتُه، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
.
وقِيلَ: يَقَعُ، وصحَّحه ابنُ حَمْدانَ وصاحِبُ «الحاوي» ، وعَمَلُ غالِبِ النَّاس عليه.
وفي «واضِحِ ابنِ عَقِيلٍ» : يُسْتَحَبُّ إعْلامُ المسْتَفْتِي بمذهَبِ غَيرِه إنْ كان أهْلاً للرُّخْصة؛ كطالِبِ التَّخَلُّص من الرِّبا، فيَدُلُّه على مَنْ يَرَى التَّحَيُّلَ للخَلاص منه، والخُلْع بعَدَمِ وُقوعِ الطَّلاق. واللهُ أعْلَمُ
(3)
.
(1)
في (ق): بفعل.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 242، الفروع 8/ 447.
(3)
زيد في (ق): آخر الجزء الثاني من المبدع شرح المقنع ويتلوه في الذي يليه إن شاء الله تعالى كتاب الطلاق والإجماع على جوازه، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، ووافق الفراغ من نسخه نهار الخميس المبارك ثاني عشر ذي قعدة الحرام من شهور سنة سبع وتسعمائة أحسن الله تعالى عاقبتها بمحمد وآله، إنه على ما يشاء قدير والحمد لله رب العالمين.
(كِتَابُ الطَّلَاقِ)
والإجْماعُ على جَوازه
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{اَلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البَقَرَة: 229]، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلَاق: 1]، وقَولُه عليه السلام لعمرَ لَمَّا سَأَلَه عن تَطْليقِ ابْنِه امرأتَه وهي حائضٌ:«مُرْهُ فلْيُراجِعْها، ثُمَّ لِيَتْرُكْها حتَّى تَطهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تَطهُرَ، ثمَّ إنْ شاء أمْسَكَ بعدُ، وإنْ شاء طلَّقَ قَبلَ أنْ يَمَسَّ، فتلك العِدَّةُ التي أَمَر الله أنْ يُطلَّق لها النِّساءُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(2)
.
والمعْنَى يَدُلُّ عليه؛ لأِنَّ الحالَ ربَّما فَسَدَ بَينَ الزَّوجَينِ، فيُؤدِّي إلى ضَرَرٍ عظيمٍ، فبَقاؤه إذًا مَفْسَدةٌ مَحْضَةٌ بلُزومِ الزَّوجِ النَّفَقةَ والسُّكْنَى، وحَبسِ المرأة مع سوءِ العِشْرة، والخُصومةِ الدَّائمةِ مِنْ غَيرِ فائدةٍ، فشُرِعَ ما يُزيلُ النِّكاحَ لِتزولَ المفْسَدةُ الحاصِلَةُ منه.
(وَهُوَ حَلُّ قَيْدِ النِّكَاحِ) أوْ بعضِه، وهو راجِعٌ إلى مَعْناهُ لُغَةً؛ لأِنَّ مَنْ حُلَّ قَيْدُ نكاحِها فقد خُلِّيَتْ؛ إذ أصلُ الطَّلاقِ التَّخْلِيَةُ، يُقالُ: طَلقَت النَّاقةُ: إذا سُرِّحَتْ حيثُ شاءتْ، وحُبِسَ فُلانٌ في السِّجن طَلْقًا بغَيرِ قَيْدٍ، وهو مَصدَرُ طَلقَت المرأةُ؛ أي: بانَتْ من زَوجها؛ بفَتْحِ اللاَّم وضَمِّها، تطلق بضمِّ
(3)
اللاَّم فيهما، طلاقًا وطلقة، وجَمْعُها طَلَقات
(4)
، بفَتْح اللاَّم، فهي طالِقٌ، وطلَّقَها زَوجُها فهي مُطَلَّقةٌ.
(وَيُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ)؛ لِضَرَرِه بالمقام على النِّكاح، فيُباحُ له دَفْعُ
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 71، الإجماع لابن المنذر ص 84.
(2)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3)
في (ظ): فضم.
(4)
في (م): طلقًا.
الضَّرر عن نفسه.
(وَيُكْرَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ)، وقالَهُ الأكثرُ؛ لِمَا رَوَى مُحارِبُ بنُ دِثارٍ، عن ابن عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أبْغَضُ الحَلال إلى الله الطَّلاقُ» رواه أبو داودَ، وابنُ ماجَهْ، ورجالُه ثِقاتٌ، ورُوِيَ مُرْسَلاً
(1)
.
وعَنْهُ: لا يُكرَهُ، صحَّحه الحُلْوانيُّ؛ لِمَا سَبَقَ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَحْرُمُ)؛ لقَوله عليه السلام: «لا ضَرَرَ ولا إضرار»
(2)
، ولأِنَّه يَضُرُّ بنَفْسه وزَوْجته.
(وَيُسْتَحَبُّ إِذَا كان
(3)
بَقَاءُ النِّكَاحِ ضَرَرًا)؛ أيْ: يُندَبُ عندَ تضرُّرِ المرأة بالنِّكاح، إمَّا لِبُغْضِه أوْ لغَيرِه، فيُستَحَبُّ إزالةُ الضَّرَر عنها، ولتركها
(4)
صلاةً وعفة
(5)
ونحوَهما.
(1)
أخرجه أبو داود (2178)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (13813)، من طريق محمد بن خالد الوهبي، عن معرف بن واصل، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنهما. واختُلِف على معرف بن واصل في وصل الحديث وإرساله، والوهبي صدوق لكن خالفه جماعة رووه عن معرف مرسلاً، ومنهم: وكيع عند ابن أبي شيبة (19194)، وأحمد بن يونس عند أبي داود (2177)، ويحيى بن بكير عند البيهقي في الكبرى (14896).
وأخرجه الحاكم (2794)، من طريق محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن أحمد بن يونس به، بلفظ:«ما أحل الله شيئًا أبغض إليه من الطلاق» ، صححه الحاكم، لكن قال البيهقي:(ولا أراه حفظه).
وأخرجه ابن ماجه (2018)، والطبراني في الكبير (13813)، من طريق عبيد الله بن الوليد الوصافي، عن محارب بن دثار، عن ابن عمر رضي الله عنه به، والوصافي ضعيف، وقال ابن عدي:(لا يتابع عليه)، ورجح إرساله أبو حاتم والدارقطني وابن عبد الهادي، وصحح وصله الحاكم وابن التركماني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 117، علل الدارقطني 13/ 225، المحرر (1053)، الجوهر النقي 7/ 322.
(2)
سبق تخريجه 5/ 393 حاشية (3).
(3)
زيد في (م): في.
(4)
في (م): ولتكررها.
(5)
في (م): وعنه.
وعنه: يَجِبُ لعِفَّةٍ.
وعنه: وغيرِها.
فإنْ تَرَكَ حقًّا لله؛ فهِيَ كَهُوَ، فتَخْتَلِع، والزِّنى لا يَفْسَخُ نكاحًا
(1)
، نَصَّ عليهما
(2)
، ونقل المرُّوذِيُّ: فِيمَنْ يَسكَرُ زَوْجُ أخْتِه: يحولها
(3)
إليه، وعنه أيضًا: أيُفرِّقُ بَينَهما؟ قال: اللهُ المستعانُ
(4)
.
وبَقي هنا قِسْمانِ آخَرانِ:
واجِبٌ: وهو طلاقُ المُولِي بعدَ التَّربُّص، وطَلاقُ الحَكَمَينِ في الشِّقاق إذا رأياهُ.
وعنه: ولأِمْرِ أبيهِ، وعنه: العدل، وقاله أبو بكرٍ؛ اتِّباعًا لِسُنَّةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
فإنْ أمَرَتْه أمُّه؛ فنَصُّه: لا يُعجِبُنِي طلاقُه
(6)
، ومَنَعَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين منه، ونَصَّ في بَيعِ السُّرِّيَّة: إنْ خِفْتَ على نفسكَ فليس لها ذلك
(7)
.
ومحظورٌ: وهو طلاقُ مَنْ دَخل بها في حَيضها، أو في
(8)
طُهْر أصابَها
(1)
في (م): نكاحها.
(2)
في (م): عليه. وينظر: الفروع 9/ 7.
(3)
في (م): تحولها.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 7.
(5)
مراده ما أخرجه أحمد (4711)، وأبو داود (5138)، والتِّرمذي (1189)، والنسائي في الكبرى (5631)، وابن ماجه (2088)، وابن حبان (426)، والحاكم (2798)، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت تحتي امرأة وكنت أحبها، وكان عمر يكرهها، فقال لي: طلقها فأبيت فأتى عمر النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:«طلقها» ، وعند النسائي وابن حبان:«أطع أباك» ، وصححه التِّرمذي وابن حبان والحاكم، وقال الألباني:(ورجاله رجال الشيخين غير الحارث بن عبد الرحمن القرشي وهو صدوق). ينظر: الإرواء 7/ 137.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1729، الفروع 9/ 7.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 7.
(8)
في (م): وفي.
فيه، ويُسمَّى طلاقَ بِدْعةٍ؛ لمخالفته
(1)
الشَّرع؛ لأِنَّ طلاقَ الحائض يَضُرُّ بها؛ لتطويل عِدَّتها، والمصابَةُ ترتابُ، فلا تَدْرِي أذاتُ حملٍ هي، فتعتدُّ بوَضْعه، أمْ حائلٌ فتعتدَّ بالقروء
(2)
، وحيثُ كانَتْ حامِلاً فيندم
(3)
على فِراقِها مع ولدها.
أما غَيرُ المدخول بها؛ فلا يحرم
(4)
؛ لِعَدَمِ العِدَّة، وكذا الصَّغيرةُ، والآيِسةُ، والحامِلُ التي اسْتَبانَ حَمْلُها
(5)
.
(وَيَصِحُّ مِنَ الزَّوْجِ الْبَالِغِ، العَاقِلِ
(6)
، المُخْتَارِ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(7)
؛ لأِنَّ المصحِّحَ لوقوع الطَّلاق مَوجودٌ، وهو التَّكليفُ، وظاهِرُه: يَقَعُ مِنْ كتابيٍّ وسفيهٍ، نَصَّ عليهما
(8)
.
(وَمِنَ الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ)؛ أيْ: إذا عَقَلَ الطَّلاقَ في اختيار الأكْثَرِ، وذَكَرَه ابنُ هُبَيرةَ ظاهِرَ المذْهَبِ؛ لقَوله عليه السلام:«الطَّلاقُ لِمَنْ أَخَذَ بالسَّاق»
(9)
، وقال عليٌّ:«كلُّ الطَّلاق جائزٌ، إلاَّ طلاقَ المعْتوه» ، ذكره
(10)
البخاريُّ
(11)
، ورواه
(1)
في (م): لمخالفة.
(2)
في (م): بالقرء.
(3)
في (م): فتندم.
(4)
في (م): فلا تحرم.
(5)
زاد في (ظ): فلا.
(6)
في (م): العاقل البالغ.
(7)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 134.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 8.
(9)
تقدم تخريجه 8/ 61 حاشية (5).
(10)
في (م): ذكر.
(11)
علقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 45)، ووصله عبد الرزاق (11415)، وسعيد بن منصور (1113)، وابن أبي شيبة (17912)، والبيهقي في الكبرى (15110)، والحافظ في التغليق (4/ 458)، وإسناده صحيح كما قال الحافظ والألباني: ينظر: الإرواء 7/ 111.
التِّرمذي والدَّارَقُطْنِيُّ مرفوعًا بإسْنادٍ فيه ضعفٌ
(1)
.
(وَعِنْهُ: لَا يَصِحُّ حَتَّى يَبْلُغَ)، نَقَلَها أبو طالِبٍ، وقدَّمها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها الأدَمِيُّ، وابنُ أبي موسى، وهو قَولُ أكثرِ العلماء؛ لقوله عليه السلام:«رُفِعَ القَلَمُ عن الصَّبيِّ حتَّى يَحتَلِمَ»
(2)
، ولأِنَّه غَيرُ مكلف
(3)
، فلا يَقَعُ طلاقُه؛ كالمجنون.
وعنه: لَا يَقَعُ لِدُونِ عَشْرٍ، اختاره أبو بكرٍ.
وعنه: اثْنَتَيْ عَشَرَةَ سنةً، وقاله إسحاقُ.
وعنه: لأِبِ صغيرٍ ومجنونٍ فقط الطَّلاقُ، نصَرَه القاضي وأصحابُه.
ومن أجاز طلاقَه؛ اقْتَضَى مذهبُه أنْ يجوزَ توكيله فيه، وتوكُّله لغيره، أَوْمَأَ إليه ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ كالبالغ.
وقال أبو بكرٍ، وحكاه عن أحمدَ: لا يَصِحُّ أنْ يوكّل
(4)
حتَّى يبلغَ
(5)
.
وجوابُه: بأنَّه على الرِّواية التي لا تجيز
(6)
طلاقَه.
فرعٌ: تُعتَبَرُ إرادةُ لفظ الطَّلاق لمعناه، فلا طلاقَ لفقيهٍ يكرِّره، وحاكٍ عن نفسه، حكاهُ ابنُ عَقِيلٍ؛ كغَيره.
(وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ يُعْذَرُ فِيهِ؛ كَالْمَجْنُونِ، وَالنَّائِمِ، وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ،
(1)
أخرجه التِّرمذي (1191)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وفي سنده: عطاء بن عجلان، قال التِّرمذي:(لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن عجلان، وعطاء بن عجلان ضعيف ذاهب الحديث)، قال ابن حجر:(وهو من رواية عطاء بن عجلان وهو ضعيف جدًّا). ولم نقف عليه عند الدارقطني. ينظر: الفتح 9/ 393.
(2)
سبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).
(3)
في (م): متكلف.
(4)
في (م): يوكله.
(5)
ينظر: المغني 7/ 381.
(6)
في (م): لا تخير.
وَالْمُبَرْسَمِ؛ لَمْ يَقَعُ طَلَاقُهُ)، إجماعًا
(1)
؛ لقوله عليه السلام: «رُفِعَ القلم
(2)
عن المجنون حتَّى يُفِيقَ»
(3)
، وعن أبي هريرة مرفوعًا أنَّه قال:«كلُّ الطَّلاق جائزٌ، إلاَّ طلاقَ المعْتوهِ المغْلوبِ على عَقْلِه» رواه النَّجَّادُ، قال التِّرمذي: لا نَعرِفُه إلا
(4)
من حديثِ عَطاءِ بن
(5)
عَجْلانَ، وهو ذاهِبُ الحديث
(6)
، ولأِنَّه قَولٌ يُزِيلُ الملْكَ، فاعْتُبِرَ له العَقْلُ كالبيع.
وسواءٌ زال بجُنونٍ، أوْ إغْماءٍ، أو شرْبِ دواءٍ، أوْ أكره
(7)
على شرْبِ الخمر، أوْ شرْبِ ما يُزيلُ عَقْلَه، أو لم يَعلَمْ أنَّه مُزِيلُ العقل، لكِنْ لو ذَكَرَ المغْمَى عليه أو المجنون لَمَّا أفاق أنَّه طلَّق، وَقَعَ، نَصَّ عليه
(8)
.
قال المؤلِّفُ: هذا فِيمَنْ جُنونُه بذَهابِ معرفته بالكلِّيَّة، فأمَّا المبرسَمُ، ومَن به نشاف
(9)
؛ فلا يَقَعُ.
وفي «الرَّوضة» : أنَّ المبرسَمَ والموسوِس إنْ عَقَلَ الطَّلاقَ؛ لَزِمَه.
ويَدخُلُ في كلامهم: مَنْ غَضِبَ حتَّى أُغْمِيَ أوْ غُشِيَ عليه، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بلا رَيب
(10)
، ويَقَعُ مِنْ غَيرِه في ظاهر كلامهم؛ لأِنَّ «أبا موسى أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَستَحْمِلُه، فوَجَدَه غَضبانَ، وحَلَفَ لا يَحمِلُهم وكفَّر»
(1)
قوله: (إجماعًا) سقط من (م). وينظر: المغني 7/ 378.
(2)
في (م): الظلم.
(3)
سبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).
(4)
قوله: (مرفوعًا أنه قال: كل الطلاق
…
) إلى هنا سقط من (م).
(5)
في (م): وابن.
(6)
سبق تخر يجه 8/ 109 حاشية (1).
(7)
في (م): إكراه.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 9.
(9)
في (م): تشاق.
(10)
ينظر: الفروع 9/ 9.
الحديثَ
(1)
، ولأنَّه
(2)
قَولُ ابنِ عبَّاسٍ
(3)
، ولأِنَّه من باطِنٍ؛ كالمحبَّة الحامِلَة على الزِّنى.
وقال الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(4)
: إن غيَّره
(5)
ولم يَزُلْ عَقْلُه؛ لم يَقَعْ؛ لأنَّه
(6)
ألْجأَه وحمله
(7)
عليه، فأوْقَعَه وهو يكرهه ليستريحَ منه، فلم يَبقَ له قصدٌ صحيحٌ، فهو كالمكرَه، ولهذا لا يُجابُ دعاؤه على نفسه وماله، ولا يَلزَمُه نذر
(8)
الطَّاعة فيه
(9)
، وفي صحَّة حكمه
(10)
الخِلافُ، وإنَّما انْعَقَدتْ يمينُه؛ لأِنَّ ضَرَرَها يَزُولُ بالكفَّارة، وهذا إتْلافٌ.
فرعٌ: لو ادَّعى أنَّه طلَّق إذًا وهو زائِلُ العَقْلِ؛ يَنبَنِي على ما أقرَّ وهو مجنونٌ، هل يُقبَلُ؟ وفيه ثلاثةُ أقْوالٍ، ثالثُها: يُقبَلُ إنْ كان ممَّن غَلَبَ وجودُه منه.
(1)
أخرجه البخاري (3133)، ومسلم (1649)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
في (م): ولأن.
(3)
أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم (7/ 45)، قال ابن عباس رضي الله عنهما:«طلاق السكران والمستكره ليس بجائز» ، ووصله سعيد بن منصور (1143)، وابن أبي شيبة (18027)، والبيهقي في الكبرى (15104)، بلفظ:«ليس لمكره ولا لمضطهد طلاق» ، وفيه عبد الله بن طلحة الخزاعي ترجم له البخاري وابن أبي حاتم ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وصححه ابن القيم، وأخرج عبد الرزاق (11408)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن عكرمة، عن ابن عباس:«لم ير طلاق الكره شيئًا» ، وسقط من إسناده عند عبدالرزاق ذكر عكرمة وهو عند ابن حجر من طريقه في التغليق، قال ابن حجر:(سنده صحيح). ينظر: التاريخ الكبير 5/ 124، الجرح والتعديل 5/ 88، إعلام الموقعين 3/ 37، الفتح 12/ 314، تغليق التعليق 5/ 261.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 109، الفروع 9/ 10.
(5)
في (م): غير.
(6)
في (م): لأن.
(7)
في (م): حمله.
(8)
في (م): بذل.
(9)
في (م): لله.
(10)
قوله: (صحة حكمه) في (م): كله.
(وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ؛ فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ
(1)
:
إحداهما: يَقَعُ، قال ابنُ هُبَيرةَ: هي أظْهَرُهما، اختارها الخَلاَّلُ والقاضي والأكثرُ؛ لِمَا تقدَّمَ من قَولِه:«كلُّ الطَّلاق جائزٌ إلاَّ طلاقَ المعْتُوهِ»
(2)
، وقال مُعاوِيَةُ:«كلُّ أحَدٍ طلَّق امرأتَه جائِزٌ، إلاَّ طلاقَ المجنون» رواه البَيهَقِيُّ بإسْنادٍ حَسَنٍ
(3)
، ولأِنَّ الصَّحابة جَعَلُوه كالصّاحِي في الحدِّ بالقَذْفِ، وقال
(4)
عليٌّ بمَحْضَرٍ من عمرَ وغيرِه: «تَراهُ إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا هَذَى افْتَرَى، وعلى المفْتَرِي ثمانونَ» رواه مالِكٌ بإسْنادٍ جيِّدٍ
(5)
، ولأِنَّه مُكلَّفٌ، فَوَقَعَ طلاقُه
(1)
في (م): وجهان.
(2)
تقدم تخريجه 8/ 109 حاشية (1).
(3)
أخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (12/ 243)، والبيهقي في الكبرى (15113)، عن رجاء بن حيوة في قصة. وإسناده صحيح كما قال الألباني في الإرواء 7/ 112، وأخرج أبو زرعة الدمشقي في تاريخه (ص 508)، القصة دون ذكر كتاب معاوية، وقال:(هذه مشاهدة وسماع صحيح).
(4)
في (م): قال.
(5)
أخرجه مالك (2/ 842)، وعنه الشافعي في الأم (6/ 195)، وابن شبة في تاريخ المدينة (2/ 732)، والبيهقي في الخلافيات (4443)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 422)، عن ثور بن زيد الديلي به. وهو منقطع كما قال ابن عبد البر، بل قال ابن حجر:(معضل).
وأخرجه النسائي في الكبرى (5269)، والطحاوي في مشكل الآثار (4441)، والدارقطني (3344)، والحاكم (8132)، والبيهقي في الكبرى (17543)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 422)، من طريق يحيى بن فليح المدني، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس بنحوه. هذا متصل، لكن يحيى مجهول. وأخرجه عبد الرزاق (13542)، عن عكرمة مرسلاً. وأخرج الطحاوي في معاني الآثار (4897)، والدارقطني (3321)، والحاكم (8131)، والبيهقي في الكبرى (17539)، وابن حجر في موافقة الخبر (2/ 425)، عن وبرة الكلبي نحوه في قصة. ووبرة مجهول. وأعله ابن حجر بما ثبت عن علي رضي الله عنه في مسلم (1707)، أنه جلد أربعين، ثم قال الحافظ:(فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر، ولم يعمل بها، لكن يمكن أن يقال: إنه قال لعمر باجتهاد، ثم تغير اجتهاده)، وقال ابن القيم:(وهذه مراسيل ومُسندات من وجوه متعددة يقوي بعضها بعضًا، وشهرتها تغني عن إسنادها). ينظر: الاستذكار 8/ 7، إعلام الموقعين 2/ 375، التلخيص الحبير 4/ 208، الفتح 12/ 69، الإرواء 7/ 111.
كالصَّاحي، بدليلِ القَتْل والقَطْع في السَّرقة.
والثَّانيةُ: لا يَقَعُ، اختارها أبو بكرٍ والمؤلِّفُ، ورجَّحه في «الشَّرح» ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال: كمُكْرَهٍ، لم يَأْثَمْ في الأصحِّ
(1)
، ونَقَلَ الميْمُونيُّ: كنتُ أقولُ: يَقَعُ حتَّى تَبَيَّنْتُه، فقلتُ على أنَّه لا يَقَعُ
(2)
.
ونَقَلَ أبو طالِبٍ: الذي لا يأمر بالطَّلاق أتى خصلة واحدة
(3)
، والَّذي يأمر به أتى خصلتَينِ، حرَّمها عليه
(4)
، وأحلَّها لغيره
(5)
، وذكر البخاري
(6)
: عن عثمانَ وابنِ عبَّاسٍ
(7)
، وهو قَولُ جَمْعٍ، قال ابن المنذر:(لا نَعلَمُ أحَدًا من الصَّحابة خالَفَ عُثْمانَ)
(8)
، وقال أحمدُ:(حديثُ عثمانَ أرْفَعُ شَيءٍ فيه)
(9)
، ولأِنَّ العَقْلَ شَرْطٌ للتَّكليف، وكالمجنون
(10)
.
وعنه: أنَّه توقف
(11)
في الجواب، ويُقال: اختلَف الصَّحابةُ فيه.
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 14/ 115، الفروع 9/ 13.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 13.
(3)
قوله: (واحدة) سقط من (ظ).
(4)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 291، الفروع 9/ 13.
(6)
زاد في (م): روي.
(7)
أثر عثمان رضي الله عنه: علقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 45)، ووصله سعيد بن منصور (1112)، وابن أبي شيبة (17908)، والبيهقي في المعرفة (14819)، عن أبان بن عثمان، عن عثمان قال:«ليس لمجنون ولا لسكران طلاق» ، وإسناده صحيح. وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: سبق قريبًا.
(8)
ينظر: الإشراف 5/ 226.
(9)
ينظر: زاد المسافر 3/ 291، المغني 7/ 379.
(10)
في (م): كالمجنون.
(11)
في (ظ): التوقف.
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(1)
: أنَّ الخِلافَ فِيمَنْ يَفهَمُ، وإلاَّ لم يَقَع، قال: وزعم طائفةٌ من العلماء أنَّ الخِلافَ إنَّما هو في النَّشْوان الذي يَفهَم ويَغلَط، فأمَّا الذي تمَّ سُكْرُه بحيث لا يَفهَمُ ما يقولُ فلا يَقَعُ منه قَولاً واحدًا، والأئمَّةُ الكِبارُ جَعَلُوا النِّزاعَ في الكلِّ، وهو مَنْ يُخلِّطُ في كلامه، أو لم يَعْرِفْ ثَوبَه، أوْ هَذَى، ولا يُعتَبَرُ أنْ لا يَعرِفَ السَّماءَ من الأرض؛ لأِنَّ ذلك
(2)
لا يخفَى إلاَّ على المجنون.
(وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِي قَتْلِهِ، وَقَذْفِهِ، وَسَرِقَتِهِ، وَزِنَاهُ، وَظِهَارِهِ، وَإِيلَائِهِ)، وإقْراره، وإسْلامه، وكلِّ قَولٍ أوْ فِعْلٍ يعتبَرُ له العَقْلُ؛ لأِنَّ المعْنَى في الجميع واحدٌ.
وعنه: كالمجنون في أقواله، وكالصَّاحي في أفعاله.
وعنه: في الحدِّ كالصَّاحي، وفي غيره كالمجنون.
وعنه: أنَّه فيما يَستَقِلُّ به؛ كبيعه
(3)
وقتله؛ كالصاحي، وفيما لا يستقل به
(4)
؛ كبيعه ونكاحه كالمجنون.
قال جماعةٌ: ولا تَصِحُّ عبادتُه، وقال أحمدُ: ولا تُقبَلُ صلاتُه أربعين يومًا حتَّى يتوبَ
(5)
؛ للخبر
(6)
.
(1)
زاد في (ظ): (أن طائفة زعموا)، والمثبت موافق لما في الفروع. ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 103، الفروع 9/ 13.
(2)
زاد في (ظ): كان.
(3)
في (م): كغيبة. والذي في الفروع 9/ 14: كعتقه.
(4)
قوله: (وقتله؛ كالصاحي، وفيما لا يستقل به) سقط من (ظ).
(5)
ينظر: الفروع 9/ 14.
(6)
أخرجه أحمد (4917)، والتِّرمذي (1862)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحًا» ، وحسنه التِّرمذي، وأخرجه أحمد (6644)، والنسائي (5664)، وابن خزيمة (939)، والحاكم (945)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، وصححه ابن خزيمة والحاكم والألباني. ينظر: الصحيحة (709).
فرعٌ: البَنْجُ ونحوُه كجنونٍ؛ لأِنَّه لا لذَّةَ به، نَصَّ عليه
(1)
، وذَكَرَ جماعةٌ: يَقَعُ لتحريمه، ولهذا يُعزَّرُ.
قَصْدُ
(2)
إزالةِ العَقْل بلا سببٍ شرعيٍّ محرَّمٌ
(3)
.
وفي «الواضح» : إنْ تَدَاوَى بِبَنْجٍ فسَكِرَ؛ لم يَقَعْ، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ.
(وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى الطَّلَاقِ بِغَيْرِ حَقٍّ؛ لَمْ يَقَعْ طَلَاقُهُ)، رواه سعيدٌ وأبو عُبَيدٍ عن عمرَ
(4)
، وهو قَولُ جماعةٍ من الصَّحابة
(5)
،
(1)
ينظر: الفروع 9/ 14.
(2)
في (م): وحد.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 9/ 14: قال شيخنا: قصد إزالة العقل بلا سبب شرعي محرَّم.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1128)، والبيهقي في الكبرى (15099)، عن قدامة بن إبراهيم الجمحي، عن عمر وسيأتي لفظه قريبًا. وأخرجه أبو عبيد في الغريب (4/ 220)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15100)، لكن قال في آخره:«فرفع إلى عمر رضي الله عنه، فأبانها منه» ، قال البيهقي:(الرواية الأولى أشبه)، قال ابن عبد الهادي: (منقطعٌ، فإنَّ قدامة بن إبراهيم الجُمَحِيَّ لم يدرك عمرَ رضي الله عنه، وكذا قال الذهبي وابن حجر والألباني. ينظر: تنقيح ابن عبد الهادي 4/ 410، تنقيح الذهبي 2/ 207، التلخيص الحبير 3/ 468، الإرواء 7/ 115.
(5)
روي عن علي رضي الله عنه: أخرجه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 183)، وعبد الرزاق (11414)، وابن أبي شيبة (18028)، والبيهقي في الكبرى (15101)، عن الحسن عن علي:«أنه كان لا يرى طلاق المكره شيئًا» . منقطع.
وروي عن ابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم: أخرجه مالك (2/ 587)، وعبد الرزاق (11410)، وابن أبي شيبة - طبعة عوامة - (18333)، والبيهقي في الكبرى (15105)، عن ثابت بن الأحنف، عن عبد الله بن عمر وابن الزبير:«كانا لا يريان طلاق المكره شيئًا» ، وهذا لفظ ابن أبي شيبة، وخرَّجه غيره مطولاً. وإسناده صحيح.
قال ابنُ عبَّاسٍ فِيمَنْ يُكرِهُه
(1)
اللُّصوصُ فيُطلِّقُ: «ليس
(2)
بشيءٍ»، ذَكَرَه البخاريُّ
(3)
، ولقوله عليه السلام:«إنَّ اللهَ وَضَعَ عن أُمَّتي الخَطَأَ، والنِّسْيانَ، وما استُكرِهوا عليه» رواه ابن ماجَه والدَّارقُطْنِيُّ، قال عبدُ الحقِّ: (إسناد
(4)
متَّصِلٌ صحيحٌ)
(5)
، وعن عائشةَ قالت: سمعتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: «لا طَلاقَ ولا عِتاقَ في غِلَاق» رواه أبو داودَ، وهذا لَفْظُه، وأحمد
(6)
وابنُ ماجَهْ ولَفْظُهما: «في إغْلاقٍ»
(7)
، قال المنذِريُّ:(هو المحفوظُ)
(8)
، قال أبو عُبيدٍ والقتيبي
(9)
مَعْناهُ: في إكْراهٍ
(10)
، لكِنْ فسَّره في روايةِ حنبلٍ: بالغَضَب
(11)
، ذَكَرَه أبو بكرٍ
(1)
في (م): فيما تكره.
(2)
في (ظ): فليس.
(3)
علقه البخاري بصيغة الجزم (9/ 19)، ووصله البيهقي في الخلافيات (4430)، بإسناد صحيح، ووصله ابن أبي شيبة كما في الفتح (12/ 314)، من طريق عكرمة مثله، ولم نقف عليه في المطبوع منه.
(4)
في (م): إسناده.
(5)
سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(6)
في (م): لفظ رواه أحمد.
(7)
أخرجه أحمد (26360)، وأبو داود (2193)، وابن ماجه (2046)، والدارقطني (3988)، والحاكم (2802)، ولفظهم جميعًا عدا أبي داود:«إغلاق» ، وفي سنده: محمد بن عبيد بن أبي صالح ضعفه أبو حاتم، وذكره ابن حبان في الثقات، وعند ابن ماجه: عبيد بن أبي صالح، قال المزي:(وهو وهم)، وأخرجه الدارقطني (3989)، والبيهقي في الكبرى (15098)، من وجه آخر، وفيه: قزعة بن سويد الباهلي وهو ضعيف، وصحح الحديث الحاكم وحسنه الألباني بطرقه. ينظر: تهذيب الكمال 26/ 62، الإرواء 7/ 114.
(8)
ينظر: مختصر سنن أبي داود 2/ 49.
(9)
في (م): (العتبي). والقتيبي: هو ابن قتيبة الدينوري وتقدمت ترجمته.
(10)
ينظر: الغريبين في القرآن والحديث 4/ 1383، مشارق الأنوار 2/ 134.
(11)
ينظر: الفروع 9/ 11.
في «الشَّافي» ، ولأِنَّه قَولٌ حُمِلَ عليه بغيرِ حقٍّ، أشْبَهَ الإكراهَ على كلمة الكُفْر.
وعنه: لا يكون إلاَّ مِنْ سُلْطانٍ، ذَكَرَها ابنُ هُبَيرةَ والحُلْوانيُّ.
وظاهِرُه: أنَّه لا يَلزَمُه شيء
(1)
ولو نَوَى به الطَّلاقَ في أحدِ القَولَينِ؛ نَظَرًا إلى أنَّ اللَّفْظَ مرفوعٌ عنه بالإكراه، فتبقى نيته
(2)
مجرَّدةً.
والثَّاني: أنَّه بمنزلة الكِنايَة، إنْ نَوَى به الطَّلاقَ وَقَعَ، وإلاَّ فلا، حكاهما أبو الخَطَّاب في «الانتصار» .
وحَكَى شَيخُه عن أحمدَ روايتَينِ، وجَعَلَ الأشْبَهَ الوُقوعَ، وهو الذي أوْرَدَه المؤلِّفُ مذهَبًا.
ولا خِلافَ في
(3)
أنَّه إذا لم يَنْوِ به طَلاقًا، ولم
(4)
يتأوَّل بلا عُذْرٍ؛ أنَّه لا يَقَعُ
(5)
، وفيه احِتْمالٌ.
قَولُه: «بغَير حقٍّ» يَحترِزُ بذلك عن الإكراه بحقٍّ؛ كإكراه الحاكم المُولِيَ على الطَّلاق بعد
(6)
التَّربُّص إذا لم يفِ، وإكراهِ مَنْ زوَّجها ولِيَّانِ ولم يُعلَم السَّابِقُ منهما؛ لأِنَّه قَولٌ حُمِل عليه بحقٍّ، فصحَّ؛ كإسلامِ المرتَدِّ.
(وَإِنْ هَدَّدَهُ بِالْقَتْلِ أَوْ نَحْوِهِ
(7)
أَوْ أَخْذِ
(8)
الْمَالِ قَادِرٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُ مَا هَدَّدَهُ بِهِ؛ فَهُوَ إِكْرَاهٌ)، اخْتارَه ابن عَقِيلٍ، وجَزَمَ به المؤلِّفُ، وفي «الوجيز» ؛ لقَولِ عمرَ في
(9)
الذي قالت: «طلِّقْني ثلاثًا وإلاَّ قَطَعْتُه، فطلَّقها
(1)
قوله: (لا يلزمه شيء) في (م): لا يلزم.
(2)
في (ظ): فيبقى بنية.
(3)
قوله: (في) سقط من (م).
(4)
في (م): لم.
(5)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 392.
(6)
في (ظ): بغير.
(7)
قوله: (أو نحوه) سقط من (م).
(8)
في (م): وأخذ.
(9)
في (م): من.
ثلاثًا، فردَّه إليها» رواه سعيدٌ
(1)
، وهذا كان وعيدًا، ولأِنَّ الإكْراه إنَّما يتحقَّقُ بالوعيد، فإنَّ الماضِيَ من العقوبة
(2)
لا يَندَفِعُ بفِعْل ما أُكْرِهَ، وإنَّما يُباحُ الفعل
(3)
المكره؛ دَفْعًا لِمَا يُتوعَّدُ به من العقوبة فيما بعد
(4)
.
فعلى هذا يُشتَرَطُ له أمورٌ:
أحدُها: أنْ يكونَ ما هدَّده فيه ضرر
(5)
كثيرٌ؛ كالقَتْل والضَّرْب الشَّديدِ، فأمَّا
(6)
السَّبُّ والشَّتْمُ فلَيسَ بإكْراهٍ روايةً واحدةً، وكذا أخْذُ المال اليسيرِ، والضَّرْبُ في حقِّ مَنْ لا يُبالِي به.
الثَّاني: أنْ يكونَ التهديد
(7)
مِنْ قادِرٍ؛ لأِنَّ غَيرَه لم يخف
(8)
وقوع المحذور به؛ لأِنَّه يُمْكِنُ دَفْعُه.
الثَّالثُ: أنْ يَغلِبَ على الظَّنِّ وُقوعُ ما هدَّده به.
فرعٌ: ضَرْبُ وَلَدِه وحَبْسُه ونحوُهما؛ إكْراهٌ لوالده
(9)
.
وإكْراهٌ على عِتْقٍ ويمينٍ ونحوِهما؛ كطَلاقٍ.
(وَعَنْهُ: لَا يَكُونَ مُكْرَهًا حَتَّى يَنَالَهُ شَيْءٌ مِنَ الْعَذَابِ؛ كَالضَّرْبِ، وَالْخَنْقِ، وَعَصْرِ السَّاقِ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ) والقاضِي، والشريف
(10)
، وأبو الخَطَّاب،
(1)
تقدم تخريجه 8/ 115 حاشية (4).
(2)
قوله: (من العقوبة) سقط من (م).
(3)
في (م): لفعل.
(4)
في (م): يعد.
(5)
في (م): ضرب.
(6)
في (م): وأما.
(7)
في (م): للتهديد.
(8)
في (م): لم يحق.
(9)
في (م): كوالده.
(10)
قوله: (والشريف) سقط من (م).
والشِّيرازيُّ، ونَصَّ عليه أحمدُ في روايةِ الجماعة، وقال: (كما فُعل بأصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(1)
، وكأنَّه يُشِيرُ إلى قِصَّةِ عَمَّارٍ حِينَ أخَذَه المشركون، وأرادوه على الشِّرك، فلَقِيَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وهو يَبْكِي، فَجَعَلَ يَمْسحُ الدُّموع عن عَينَيْه ويقول: «أخذك
(2)
المشرِكون، فغَطُّوكَ في الماء، وأمَروكَ أنْ تُشْرِك بالله تعالى، فَفَعَلْتَ، فإنْ أَمَروكَ مرَّةً أخرى فافْعَلْ ذلك بهم» رواه أبو حَفْصٍ
(3)
.
فعلى هذا: يُشترَطُ في الضَّرْب أنْ يكونَ شديدًا، أوْ يسيرًا في حقِّ ذي
(4)
مُروءةٍ.
ومِمَّا يُشْبِهُ الضَّرْبَ وعَصْرَ السَّاق: القَيْدُ والحَبْسُ الطَّويلانِ، وأخْذُ المال الكثيرِ، زاد في «الكافي»: والإخْراجُ من الدِّيار، لا السبُّ
(5)
ونحوُه روايةً واحدةً، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
وعنه: إن هُدِّد
(6)
بقَتْلٍ، وعنه: أوْ قَطْعِ طَرَفٍ، وقِيلَ: أو إحراقِ مَنْ يُؤلِمُه؛ فإكْراهٌ، قال القاضي: الإكْراهُ يَختلِفُ، قال ابنُ عَقِيلٍ: وهو قَولٌ حَسَنٌ.
وإنْ سَحَرَه لِيُطلِّقَ؛ فإكْراهٌ، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(7)
.
تنبيه: إذا أُكْرِهَ على طلاقِ امرأةٍ فطلَّقَ غَيرَها، أو على طلقةٍ فطلَّقَ ثلاثًا،
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 365، مسائل ابن منصور 4/ 1587.
(2)
في (ظ): أخذوك.
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات ط. العلمية (3/ 188)، عن ابن سيرين مرسلاً. قال ابن حجر:(رجاله ثقات مع إرساله)، وأخرجه بمعناه الطبري في التفسير (14/ 374)، من مرسل قتادة، والبيهقي في المعرفة (16651)، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه، وقال ابن حجر في الفتح 12/ 312:(هذه المراسيل تقوي بعضها ببعض).
(4)
في (م): ذوي.
(5)
في (م): لا السبب.
(6)
في (م): هده.
(7)
ينظر: الاختيارات ص 366.
أوْ على لَفْظٍ صريحٍ فأتى بكنايةٍ، أو على تعليقه فنَجَّزَه؛ وَقَعَ.
وإنْ تَرَكَ التَّأْويلَ بلا عُذْرٍ، أو أُكْرِهَ على مُبْهَمةٍ، فطلَّق مُعيَّنةً؛ فوَجْهانِ.
لا يقال: لو
(1)
كان الوعيدُ إكْراهًا لَكُنَّا مُكرَهِينَ على العبادات، فلا ثَوابَ، مع أنَّه يجوزُ أنْ يُقالَ: إنَّنا مُكرَهونَ عليها، والثَّوابُ بفِضْله لا مُستَحَقًّا عليه عِندَنا، ثُمَّ العبادات
(2)
تُفْعَلُ للرَّغبة، ذَكَرَه في «الانتصار» .
(وَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ؛ كَالنِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا)؛ لأِنَّه عَقْدٌ يُسقِطُ الحَدَّ، ويُثبِتُ النَّسَبَ والعِدَّةَ والمهرَ، أشْبَهَ الصَّحيحَ، أوْ لأِنَّه إزالةُ ملكٍ فكان كالعتق، يَنفُذُ في الكتابة الفاسدة بالأداء كالصَّحيحة.
ويَقَعُ بائنًا، نَصَّ عليه
(3)
؛ كحُكْمٍ بصحَّةِ العَقْد، وهو إنَّما يَكشِفُ خافِيًا، أوْ يُنْفِذُ واقِعًا.
ويَجوزُ في حَيضٍ، ولا يكونُ بِدْعةً.
(وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أَنَّهُ لَا يَقَعُ حَتَّى يَعْتَقِدَ صِحَّتَهُ)، هذا روايةٌ، واختارها أيضًا في «المُذهب» و «التَّلخيص» ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ يُفيدُ تحريمَ الحِلِّ، أوْ حَلَّ العَقْدِ، ولم يُوجَدْ في الفاسد واحدٌ منهما، ولأِنَّه نكاحٌ فاسدٌ، فلم يَقَعْ فيه؛ كالمجمَعِ عليه.
وفي «المستوعب» : مَنْ طلَّق في نكاحٍ مُتَّفَقٍ على بُطْلانِه؛ كمَنْ نَكَحَها وهي في عدَّةِ غَيرِه، أوْ نَكَحَها وأختَها؛ لم يَصِحَّ طَلاقُه.
وعنه: أنَّه قال: أحْتاطُ، وأُجِيزُ طلاقَه
(4)
، اختاره
(5)
أبو بكرٍ.
والأوَّلُ عنه أظْهَرُ.
(1)
في (م): لا.
(2)
قوله: (فلا ثواب مع أنه يجوز أن يقال
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
ينظر: الفروع 9/ 16.
(4)
ينظر: الإرشاد ص 272.
(5)
في (م): واختاره.
ولا يَقَعُ في نكاحِ فُضوليٍّ قبلَ إجازته في الأصحِّ، ونَقَلَ حنبلٌ: إنْ تزوَّجَ عبدٌ بلا إذْنٍ، فطلَّقَ سيِّدٌ؛ جاز طلاقُه، وفُرِّق بَينَهما
(1)
.
(وَإِذَا وَكَّلَ فِي الطَّلَاقِ مَنْ يَصِحُّ تَوْكِيلُهُ؛ صَحَّ طَلَاقُهُ)؛ لأِنَّه إزالةُ ملْكٍ، فَصَحَّ التَّوكيلُ فيه كالعِتْق.
وقَولُه: (مَنْ يَصِحُّ تَوكيلُه) يَحتَرِزُ به عن
(2)
الطِّفل والمجْنون، فلو وكَّل عبدًا أو كافرًا
(3)
؛ صحَّ.
وإنِ جَعَلَ أمْرَ الصَّغيرة أو المجنونة في يَدِها؛ لم تملِكْه، نَصَّ عليه
(4)
، وظاهِرُ كلامِ أحمدَ أنَّها إذا عَقَلَت الطَّلاقَ؛ وَقَعَ، وإنْ لم تبلغ
(5)
؛ كالصَّبِيِّ.
(وَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَ مَتَى شَاءَ)؛ لأِنَّ لَفْظَ التَّوكيل يَقتَضِي ذلك؛ لكَونه تَوكيلاً مُطلَقًا، أشْبَهَ التَّوكيلَ في البيع، إلاَّ وَقْتَ بِدعةٍ، ولا يَملِكُ بالإطلاق تعليقًا، (إِلاَّ أَنْ يَحُدَّ لَهُ حَدًّا)؛ لأِنَّ الأمْرَ على ما أُذِنَ له؛ لأِنَّ الأمْرَ إلى الموكِّل في ذلك.
(وَلَا يُطَلِّقُ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ)؛ لأِنَّ الأمْرَ المطلَقَ يَتَناوَلُ أقلَّ ما يَقَعُ عليه الاِسْمُ، (إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهِ) أكثرَ من واحدةٍ، بلَفْظِه أوْ نيَّته، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأِنَّه نَوَى بكلامه ما يَحتَمِلُه، ويُقبَلُ قَولُه في نيَّته؛ لأِنَّه أعْلَمُ بها، زاد في «الرِّعاية»: أوْ يَفْسَخَ أَوْ يَطَأَ.
وقِيلَ: لا يَملِكُ فَوقَ طلقةٍ بلا إذْنٍ، ولا يَنعزِلُ بالوطء.
فرعٌ: إذا أوْقَعَه الوكيلُ، ثُمَّ ادَّعى الزَّوجُ أنَّه رَجَعَ قبلَ إيقاع الوكيل؛ قُبِلَ
(1)
ينظر: الفروع 9/ 17.
(2)
في (م): من.
(3)
في (ظ): وكافرًا.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 160.
(5)
في (ظ): لم يبلغ.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 162.
قَولُه، ذَكَرَه أصحابُنا.
(وَإِنْ وَكَّلَ اثْنَيْنِ فِيهِ؛ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا الاِنْفِرَادُ بِهِ)؛ لأِنَّه إنَّما رَضِيَ بتصرُّفهما جميعًا، (إِلاَّ بِإذْنٍ)؛ لأِنَّه راضٍ بتصرُّف كلِّ واحِدٍ منهما، فَمَلَكَ الاِنفرادَ؛ كما لو وكَّله وحدَه.
(وَإِنْ
(1)
وَكَّلَهُمَا فِي ثَلَاثٍ، فَطَلَّقَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الآْخَرِ؛ وَقَعَ مَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه مأذونٌ لهما في ذلك، فلو طلَّق أحدُهما واحدةً والآخَرُ ثلاثًا؛ وَقَعَ واحدةً، كما لو طلَّق ثنتَينِ، والآخَرُ ثلاثًا؛ فيَقَعُ ثِنتانِ.
(وَلَوْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَكِ؛ فَلَهَا ذَلِكَ)؛ لأِنَّه يَصِحُّ تَوكيلُها في طلاقِ غَيرِها، فكذا في طَلاقِ نفسها؛ (كَالْوَكِيلِ)؛ لأِنَّها مُتصرِّفةٌ بالإذن، فتَمْلِكُ ما مَلَكَه الوكيلُ.
فعَلَيهِ: لها أنْ تُطلِّقَ متى شاءَتْ، إلاَّ أنْ يَحُدَّ لها حَدًّا، ولا تَملِكُ أكثرَ من واحدةٍ إلاَّ أنْ يأذن
(2)
، قال أحمدُ: إذا نَوَى ثلاثًا، فطلَّقتْ نَفْسَها ثلاثًا فهي ثلاث، وإنْ واحدةً فواحدةٌ
(3)
؛ لأِنَّ الطَّلاقَ يكونُ ثلاثًا وواحدةً، فأيَّهما نَواهُ؛ صحَّ.
ولو وكَّل معها غيرَها؛ لم يكُنْ لها الاِنْفِرادُ، إلاَّ أنْ يَجعَلَ ذلك إليها، ولو اخْتَلَفا في
(4)
العدد؛ وَقَعَ ما اتَّفَقا عليه.
فإنْ طلَّقتْ نفسَها، أوْ طلَّقَها الوكيلُ في المجلس أوْ بعدَه؛ وَقَعَ؛ لأِنَّه تَوكيلٌ.
(1)
في (م): فإن.
(2)
قوله: (أن يأذن) في (م): بإذن.
(3)
ينظر: المغني 7/ 412.
(4)
في (م): ولو اختلف.
وقال القاضي، وقدَّمه في «الرِّعاية»: يتقيَّدُ بالمجْلِس؛ كاختاري
(1)
.
وجَوابُه: بأنَّه تَوكيلٌ، فكان على التَّراخِي؛ كالأجنبيِّ.
ولو قال لها: طلِّقِي ثلاثًا، فطلَّقَتْ واحدةً؛ وَقَعَ، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأِنَّها تَملِكُ إيقاعَ ثلاثٍ، فتَمْلِكُ إيقاعَ واحدةٍ؛ كالوكيل.
ولا تملك
(3)
تعليقًا، فلو قال: طلِّقِي نفسَكِ، فقالَتْ: أنا طالِقٌ إنْ قَدِمَ زَيدٌ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ إذْنَه انْصَرَفَ إلى المُنَجَّز، فلم يتناول
(4)
المعلَّقَ على شرط
(5)
.
ولو قال: طلِّقِي نفسَك طلاقَ السُّنَّة، فطلَّقَت نفسَها ثلاثًا؛ فهي واحدةٌ، وهو أحقُّ بِرَجْعَتِها.
(وَإِنْ قَالَ: اخْتَارِي مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْتِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنِ اثْنَتيْنِ
(6)
؛ لأِنَّ «مِنْ» للتَّبعيض، فلم يكُنْ لها أنْ تختارَ الثَّلاثَ؛ لأِنَّها كلُّ الطَّلاق.
فرعٌ: يَحرُمُ تطليقُ وكيلٍ مُطْلَقٍ وَقْتَ بِدعةٍ، وفي وُقوعِه وَجْهانِ.
وفي «المغْنِي» : الزَّوجُ يَملِكُه بملْكِ محلِّه
(7)
، ولم يُعلِّل الأَزَجِيُّ عَدَمَ الوُقوع إلاَّ بمُخالَفةِ أمْرِ الشَّارِع، فإنْ أوْقَعَه ثلاثًا؛ فوَجْهانِ.
ولو قال: أمْرُكِ بيَدِكِ، أوْ طلاقُكِ بيَدِكِ، أو وكَّلْتُكِ في الطَّلاق؛ فهل
(1)
في (م): كاختياري.
(2)
ينظر: المغني 7/ 412.
(3)
في (م): ولا يملك.
(4)
في (م): فلم تتناول.
(5)
في (م): الشرط.
(6)
في (م): ثنتين.
(7)
قوله: (يملكه بملك محله) في (م): يملك محمله.
تملك
(1)
به الثَّلاث؟ على روايتَينِ.
وفي «الرِّعاية» : لو قال طلِّقِي نفسَك بألْفٍ، فقالَتْ في الحال: طلَّقْتُك؛ وَقَعَ بائِنًا بالأَلْفِ، وله الرُّجوعُ قبلَ أنْ تُطلِّقَه، وهو بعيدٌ
(2)
.
(1)
في (ظ): يملك.
(2)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابُ سُنَّةِ الطَّلَاقِ وَبِدْعَتِهِ)
طَلاقُ السُّنَّة: ما أَذِنَ الشَّارعُ فيه، والبِدْعةُ: ما نَهَى عنه، ولا خِلافَ أنَّ المطلِّقَ على الصِّفةِ الأولى مطلِّقٌ للسُّنَّة، قالَهُ ابنُ المنذِرِ وابنُ عبدِ البَرِّ
(1)
.
والأصلُ فيه قَولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلَاق: 1]، قال ابنُ مسعودٍ وابنُ عبَّاسٍ:«طاهِرًا مِنْ غَيرِ جماعٍ»
(2)
، وحديثُ ابنِ عمرَ لَمَّا طَلَّقَ امرأتَه وهي حائِضٌ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لعمرَ: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها، ثُمَّ لِيُمْسِكْها حتَّى تَطهُرَ، ثُمَّ تَحِيضَ، ثُمَّ تطهر
(3)
، ثُمَّ إنْ شاءَ طلَّقَها طاهِرًا قبلَ أنْ يَمَسَّ»، وهو في «الصَّحيحَينِ»
(4)
.
(السُّنَّةُ فِي الطَّلَاقِ: أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً)؛ لقَولِ عليٍّ، رواه النجاد
(5)
، (فِي
(1)
ينظر: الإجماع ص 84، التمهيد 15/ 58.
(2)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10927)، وسعيد بن منصور (1057)، وابن أبي شيبة (17725)، والبيهقي في الكبرى (14915)، عن عبد الرحمن بن يزيد، عن ابن مسعود رضي الله عنه به. وإسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (10929)، وسعيد بن منصور (1056)، وابن أبي شيبة (17766)، والنسائي في الكبرى (5558)، وابن ماجه (2020)، عن أبي الأحوص عنه. قال ابن حزم:(في غاية الصحة عن ابن مسعود)، وصحح إسناده ابن حجر والألباني. ينظر: المحلى 9/ 400، فتح الباري 9/ 346، الإرواء 7/ 118.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (10930)، والدارقطني (3890)، والبيهقي في الكبرى (14916)، عن وهب بن نافع، وأخرجه الطبري في التفسير (23/ 23)، من طريق داود بن حصين، كلاهما عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهب بن نافع سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم ولم يروِ عنه سوى عبد الرزاق، وداود بن حصين ثقة إلا في عكرمة، وصحح إسناده الألباني في الإرواء 7/ 118.
(3)
في (م): فتطهر.
(4)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
في (م): البخاري.
والأثر كما في الشرح الكبير 22/ 171: ما أخرجه ابن أبي شيبة (17742)، من طريق يحيى بن عتيق، عن ابن سيرين، قال: قال علي رضي الله عنه: «لو أن الناس أصابوا حدَّ الطلاق، ما ندم رجل على امرأة يطلقها واحدة، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض» ، رجاله ثقات، لكنه منقطع، وسيأتي قريبًا مختصرًا.
طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ)؛ لِمَا تقدَّمَ مِنْ قَولِ ابنِ مسعودٍ وغَيرِه، إلاَّ في طُهْرٍ مُتَعَقِّبٍ لرَجْعةٍ من طلاقٍ في حَيضٍ، فبِدعةٌ في ظاهِرِ المذهب، اختاره الأكثرُ.
(ثُمَّ يَدَعَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا)؛ أي: لا يُتبِعَها طَلاقًا آخَرَ قبلَ انْقِضاء العِدَّة؛ لقَولِ عليٍّ: «لا يُطلِّقُ أحد
(1)
للسُّنَّة فيَندَمَ» رواهُ الأثْرَمُ
(2)
.
(وَإِنْ طَلَّقَ الْمَدْخُولَ بِهَا فِي حَيْضِهَا، أَوْ طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ؛ فَهُوَ طَلَاقُ بِدْعَةٍ مُحَرَّمٍ، وَيَقَعُ) في قَولِ عامَّتِهم؛ لأِنَّه عليه السلام أمَرَ ابنَ عمرَ بالمراجَعة، وهي لا تكونُ إلاَّ بعدَ وُقوع الطَّلاق، وفي لفظٍ للدَّارقُطْنِيِّ قال: قلت: يا رسول الله، أرأيتَ لو أنَّي طلَّقْتُها ثلاثًا؛ قال: «كانَتْ تبين
(3)
منكَ، وتكون
(4)
معصيةً»
(5)
، وذَكَرَ في «الشَّرح» هذا الحديثَ مع غَيرِه، وقال: كلُّها أحاديثُ صِحاحٌ، ولأِنَّه طلاقٌ مِنْ مُكلَّفٍ في مَحَلِّه، فَوَقَعَ كطَلاقِ الحامِلِ، ولأِنَّه لَيسَ بقُربةٍ، فيُعتبَرَ
(1)
قوله: (أحد) سقط من (م).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (17737)، وأحمد بن منيع كما في المطالب العالية (1695)، والبيهقي في الكبرى (14917)، والضياء في المختارة (625)، عن عبيدة السلماني عن علي رضي الله عنه. وإسناده صحيح كما قال الضياء والحافظ، واحتج به أحمد في مسائل صالح 2/ 84.
(3)
في (م): بائن.
(4)
في (م): ويكون.
(5)
أخرجه الدارقطني (3974)، والبيهقي في الكبرى (14939)، من رواية عطاء الخراساني، عن الحسن قال: حدثنا ابن عمر رضي الله عنهما. وعطاء الخراساني صدوق، يهم كثيرًا ويرسل ويدلس، وأعل البيهقي هذا الحديث بتفرده بهذه الألفاظ، وخالف بقية الحفاظ في الذين رووا الحديث، وتُكلم في الحديث من جهة إسناده أيضًا فقال ابن حبان:(لم يشافه الحسن ابن عمر)، وقوَّى إسناد الحديث الذهبي، وقال ابن عبد الهادي:(وفي هذا نظر، بل الحديث فيه نكارة، وبعض رواته متكلم فيه). ينظر: تنقيح التحقيق للذهبي 2/ 205، تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي 4/ 403، نيل الأوطار 6/ 270.
لوقوعه موافقة
(1)
السُّنَّة، بل هو إزالةُ عِصْمةٍ وقَطْعُ مِلْكٍ، فإيقاعُه في زَمَنِ البِدعة أَوْلَى؛ تغليظًا عليه وعُقوبةً له.
وفي «المحرر»
(2)
: وكذا أنتِ طالِقٌ في آخِرِ طُهرِكِ، ولم يَطَأْ فيه، وكلامُ الأكثرِ: أنَّه مُباحٌ، إلاَّ على روايةِ: القُروء الأطهار
(3)
، وفي «التَّرغيب»: في تحمُّلها ماءَه في مَعْنَى وَطْءٍ.
واختار الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه لا يَقَعُ
(4)
، وهو قَولُ ابنِ عُلَيَّةَ، وهشامِ بن الحكم
(5)
، والسَّبعة؛ لأِنَّ الله تعالى أمَرَ به قبلَ العِدَّة، فإذا طلَّقَ في غيره؛ لم يَقَعْ، كالوكيل إذا أوْقَعَه في زَمَنٍ أمَرَه مُوَكِّلُه بإيقاعه في غَيرِه.
(وَتُسْتَحَبُّ رَجْعَتُهَا) في ظاهِرِ المذْهَبِ، وهو قَولُ الأكْثَرِ؛ لأِنَّه عليه السلام أمَرَ به ابنَ عمرَ
(6)
، وأدْنَى أحوالِه الاِسْتِحْبابُ، ولأِنَّه طلاقٌ لا يَرتَفِعُ بالرَّجْعة، فلم تَجِبِ الرَّجْعةُ فيه؛ كالطَّلاق في طُهْرٍ أصابها فيه، فإنَّهم أجْمَعوا على أنَّ الرَّجْعةَ لا تَجِبُ فيه، حكاه ابنُ عبدِ البَرِّ عن الجميع
(7)
.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا وَاجِبَةٌ)، ذَكَرَها في «الموجز» و «التَّبصرة» و «التَّرغيب» ، واختارها ابنُ أبي موسى؛ لظاهِرِ أمْرِه عليه السلام بها، ولأِنَّ الرَّجْعةَ تَجْرِي مَجْرَى اسْتِبْقاءِ النِّكاح، وهو واجِبٌ، بدليلِ تحريمِ الطَّلاق.
وعَنْهُ: تجب
(8)
في حَيضٍ، اختاره في «الإرشاد» و «المبهج» .
(1)
في (م): مرافقة.
(2)
في (م): في المحرم.
(3)
في (م): القرء للظهار.
(4)
أي: طلاق الحائض، أو في طهر وطئ فيه. ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 66.
(5)
في (م): الحاكم.
(6)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
(7)
ينظر: التمهيد 15/ 59.
(8)
في (م): يجب.
وظاهِرُ كلامه: أنَّ الخِلافَ راجِعٌ إلى الصورتين
(1)
، ولَيسَ كذلك، فإنَّ الطَّاهِرَ
(2)
المصابةَ فيه لا تَجِبُ رَجْعَتُها روايةً واحدةً، وتقدَّم حكايةُ الإجماع قبلَه، ولكِنْ يُستَحَبُّ؛ لأِنَّه طلاقُ بِدعةٍ، فاسْتُحِبَّ قَطْعُه بها؛ كطَلاقِ الحائض.
فرعٌ: إذا علَّقه بقيامٍ، فقامَتْ حائضًا، ففي «الانتصار»: مُباحٌ، وفي «التَّرغيب»: بدعي
(3)
، وفي «الرِّعايةِ»: يَحتَمِلُ وَجْهَينِ، وذَكَرَ المؤلِّفُ: إنْ علَّقَه بقُدومه، فقدم
(4)
في حَيضها؛ فبِدعةٌ، ولا إثْمَ.
وكذا طلاقُها في الطُّهر المتعَقِّبِ للرَّجْعة بدعي
(5)
في ظاهِرِ المذهب، وعنه: يجوزُ، واختار في «الترغيب»: ويَلزَمُه وَطْؤُها.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا)، وقِيلَ: أو اثنتين بكلمةٍ أوْ كلماتٍ، (فِي طُهْرٍ)، لم يُقيِّدْه في «الفروع»:(لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛ كُرِهَ)؛ للاختلاف في تحريمه، (وَفِي تَحْرِيمِهِ رِوَايَتَانِ):
إحداهما: لا يَحرُمُ، ويكون تارِكًا للاختيار، واختارَه الخِرَقِيُّ، وهو قَولُ عبدِ الرَّحمن بنِ عَوفٍ، والحَسَنِ بنِ عليٍّ
(6)
؛ لأِنَّ المُلاعِنَ طلَّق امرأتَه
(1)
في (م): الضرتين.
(2)
في (م): الظاهر.
(3)
في (م): بدعة.
(4)
في (م): تقدم.
(5)
في (م): يدعى.
(6)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 148)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (14640)، عن ابن سيرين، أن امرأة عبد الرحمن نشدته الطلاق، فقال:«إذا حضت ثم طهرت فآذنيني» ؛ فطهرت وهو مريض، فآذنته، فطلقها ثلاثًا. وهذا مرسل. وأخرج ابن أبي شيبة (17795)، ومن طريقه البيهقي في المعرفة (14642)، عن هشام، قال: سئل محمد عن الرجل يطلق امرأته ثلاثًا في مقعد واحد، قال:«لا أعلم بذلك بأسًا، قد طلق عبد الرحمن بن عوف امرأته ثلاثًا، فلم يُعب عليه ذلك» ، وهو الذي قبله.
وأثر الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الكبير (2757)، والدارقطني (3972)، والبيهقي في الكبرى (14492)، عن سويد بن غفلة، في قصة تطليق الحسن رضي الله عنه عائشة الخثعمية، وفيه أنه قال لها:«انطلقي فأنت طالق ثلاثًا» ، إسناده ضعيف، فيه محمد بن حُميد الرازي، وهو حافظ ضعيف، وسلمة بن الفضل الأبرش ضعيف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 339:(وفي رجاله ضعفٌ، وقد وُثِّقوا).
ثلاثًا
(1)
قبلَ أنْ يأمُرَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وفي روايةٍ لأِبي داودَ:«فطلَّقَها ثلاثَ تَطْليقاتٍ عندَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فأنْفَذَهُ»
(2)
، ولم ينقل
(3)
أنَّه عليه السلام أنْكَرَه، ولو لم يكُنْ للسُّنَّة لَأنْكَرَه، فعليها: يُكرَهُ، ذَكَرَه جماعةٌ، ونَقَلَ أبو طالِبٍ: هو طَلاقُ السَّنَّة
(4)
.
والثَّانيةُ: يَحرُمُ، وهو بدعةٌ ويَقَعُ، اختاره الأكثرُ؛ لقَولِه تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ
…
(1)} الآيةَ [الطّلَاق: 1]، ثُمَّ قال:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا} [الطّلَاق: 2]، ومَنْ طلَّقَ ثلاثًا لم يَبْقَ له أمْرٌ يَحدُثُ، ولم يَجعَلْ له مَخرَجًا، وقد روى النَّسائِيُّ عن محمودِ بنِ لَبِيدٍ، قال: أُخْبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجلٍ طلَّق امرأتَه ثلاثَ تَطْليقاتٍ جميعًا، ثمَّ قال:«أيُلْعَبُ بكتاب الله تعالى وأنا بَينَ أظْهُرِكم»
(5)
،
(1)
في (م): ثانيًا.
(2)
أخرجه البخاري (5259)، ومسلم (1492)، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه في قصة المتلاعنين وفيه: فطلقها ثلاثًا، قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخرجه أبو داود (2250)، باللفظ الذي أشار إليه المصنف.
(3)
زيد في (م): عنه.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 145.
(5)
أخرجه النسائي (3401)، وفي الكبرى (5564)، من حديث مخرمة، عن أبيه، سمعت محمود بن لبيد قال: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل، فذكره، قال النسائي في الكبرى:(لا أعلم أحدًا روى هذا الحديث غير مخرمة)، وأُعل بالانقطاع بين محمود بن لبيد وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، قال ابن حجر:(ورجاله ثقات لكن محمود بن لبيد وُلد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يثبت له منه سماع، وإن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرؤية)، ومخرمة هو ابن بكير، وروايته عن أبيه فيها كلام لأهل العلم، قيل: إنه لم يسمع من أبيه، وإنما روايته عنه من كتاب، وصحح الحديث ابن القيم وابن التركماني، بل قال ابن القيم:(وإسناده على شرط مسلم). ينظر: زاد المعاد 5/ 220، الجوهر النقي 7/ 333، الفتح 9/ 362.
ولأِنَّه عليه السلام طلَّق
(1)
امرأتَه البَتَّةَ فغضب، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
، ولأِنَّه تحريمٌ للبُضع
(3)
من غير حاجةٍ، فحرم
(4)
كالظِّهار، بل هذا أَوْلَى؛ لأِنَّ الظِّهارَ يَرتَفِعُ تحريمُه بالتَّكفير.
والثالثة
(5)
: يَحرُم في الطُّهْر لا الأطهار
(6)
.
وظاهِرُه: أنَّه إذا طلَّق اثْنَتَينِ فهو للسنة
(7)
، وإنْ كان الجَمْعُ بِدعةً، وقال المجْدُ: هو كما لو جَمَعَ بَينَ الثَّلاثِ.
مسألةٌ: إذا أوْقَعَ ثلاثًا في كَلِمةٍ واحِدةٍ؛ وَقَعَ الثَّلاثُ، رُوِيَ عن جماعةٍ من الصَّحابة
(8)
، وهو قَولُ أكثرِ العلماء.
وقال جماعةٌ: مَنْ طلَّق البِكْرَ ثلاثًا فهو واحِدةٌ.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المغني 7/ 369 والشرح الكبير 22/ 182: سمع رجلاً طلق.
(2)
أخرجه الدارقطني (3945)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه. وإسناده ضعيف جدًّا، فيه: عبد الغفور بن عبد العزيز أبو الصباح الواسطي، قال ابن معين:(ليس حديثه بشيء)، قال البخاري:(منكر الحديث)، وفيه ضعفاء آخرون، وضعفه الإشبيلي وابن حجر، قال الألباني:(موضوع). ينظر: الكامل لابن عدي 7/ 21، الأحكام الوسطى 3/ 196، الدراية 2/ 102، الضعيفة (2894).
(3)
في (م): البضع.
(4)
في (م): محرم.
(5)
في (م): والثانية.
(6)
في (م): لا الظهار. والمعنى: الجمع في الطهر بدعة، والتفريق في الأطهار من غير مراجعة سنة. ينظر: الإنصاف 22/ 181.
(7)
في (م): السنة.
(8)
روي عن جماعة من الصحابة منهم: عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم رضي الله عنهم.
أما أثرُ عمر رضي الله عنه: فأخرجه ابن أبي شيبة (17801)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستذكار (6/ 7)، وابن حزم في المحلى (9/ 399)، عن زيد بن وهب، أن رجلاً بطَّالاً كان بالمدينة، طلق امرأته ألفًا، فرجع إلى عمر فقال: إنما كنت ألعب، «فعلا عمر رأسَه بالدرة وفرَّق بينهما» ، وإسناده صحيح.
وأما عثمان رضي الله عنه: فأخرجه ابن أبي شيبة (17805)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستذكار (6/ 7)، وابن حزم في المحلى (9/ 399)، من طريق جعفر بن برقان، عن معاوية بن أبي يحيى قال: جاء رجل إلى عثمان فقال: إني طلقت امرأتي مائة قال: «ثلاث تحرمها عليك، وسبعة وتسعون عدوان» . ومعاوية بن أبي يحيى ترجم له البخاري في التاريخ (7/ 332)، وقال:(روى عنه جعفر بن برقان)، وجعفر بن برقان لا بأس بحديثه في غير الزهري.
وأما أثر عليٍّ رضي الله عنه: فأخرجه ابن أبي شيبة (17802)، والبيهقي في الكبرى (14961)، عن حبيب قال: جاء رجل إلى علي فقال: إني طلقت امرأتي ألفًا قال: «بانت منك بثلاث، واقسم سائرها بين نسائك» ، وحبيب عن علي منقطع، وعند البيهقي: عن حبيب بن أبي ثابت، عن بعض أصحابه قال: جاء رجل. وذكره. وأخرجه البيهقي في الكبرى (14959، 14960)، من طريقين بإسنادين لا بأس بهما عن علي رضي الله عنه فيمن طلق امرأته ثلاثًا قبل أن يدخل بها قال:«لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره» .
وأما أثر ابن مسعود رضي الله عنه: فأخرجه ابن أبي شيبة (17798)، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه قال: أتاه رجل فقال: إني طلقت امرأتي تسعة وتسعين مرة، قال:«فما قالوا لك؟» قال: قالوا: قد حرمت عليك، قال: فقال عبد الله: «لقد أرادوا أن يبقوا عليك، بانت منك بثلاث، وسائرهن عدوان» ، وإسناده صحيح.
وأما ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه عبد الرزاق (11353)، وابن أبي شيبة (17804)، عن سعيد بن جبير قال: جاء ابن عباس رضي الله عنهما رجل فقال: طلقت امرأتي ألفًا، فقال ابن عباس:«ثلاث تحرمها عليك، وبقيتها عليك وزرًا، اتخذت آيات الله هزوًا» ، وإسناده صحيح. وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
وحَكَى المحب
(1)
الطَّبَريُّ عن الحَجَّاج بنِ أرْطاةَ وابنِ مُقاتِلٍ: أنَّ طلاق
(2)
الثَّلاث واحدةٌ، وأنْكَرَ النَّوَوِيُّ حِكايَتَه عن الحَجَّاج، وأنَّ
(3)
المشهورَ
(1)
في (م): لمحب.
(2)
في (م): الطلاق.
(3)
في (م): أن.
عنه: أنَّه لا يَقَعُ شَيءٌ
(1)
.
وأوْقَعَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين مِنْ ثَلاثٍ مجموعة أو مفرَّقة
(2)
قبلَ رَجْعةٍ واحدةً، وقال: إنَّه لا يَعلَمُ أحدًا فرَّق بَينَ الصُّورَتَينِ، ولم يُوقِعْه على حائضٍ
(3)
، وِفاقًا لاِبْنِ عَقِيلٍ في «الواضح» ؛ لأِنَّ النَّهْيَ للفَساد، ولا في طُهْرٍ وَطِئَ فيه.
وقال عن قَولِ عمرَ في إيقاع الثَّلاث
(4)
: إنَّما جَعَلَه لإكِثارِهم منه، فعاقَبَهم على الإكْثارِ منه لَمَّا عَصَوْا بجَمْعِ الثَّلاثِ، فيكونُ عقوبةَ مَنْ لم يَتَّقِ الله من التَّعزير الذي يَرجِعُ إلى اجْتِهادِ الأئمَّة، كالزِّيادة على الأربعينَ في حدِّ الخَمْر لمَّا أكْثَرَ النَّاسُ منه وأظْهَرُوهُ، ساغت
(5)
الزِّيادةُ عُقوبةً، ثمَّ هذه
(6)
العقوبة إن
(7)
كانَتْ لازِمَةً مُؤبَّدةً؛ كانَتْ حدًّا
(8)
، وإنْ كان المرْجِعُ إلى اجْتِهادِ الإمام؛ كان تعزيرًا.
(وَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ صَغِيرَةً، أَوْ آيِسَةً، أَوْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، أَوْ حَامِلاً قَدِ اسْتَبَانَ حَمْلُهَا؛ فَلَا سُنَّةَ لِطَلَاقِهَا، وَلَا بِدْعَةَ)، هذا هو المذهب، وقاله في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»؛ أيْ: مِنْ حيثُ الوقت.
وقَولُه: (إِلاَّ فِي الْعَدَدِ)؛ أيْ: يَثْبُتانِ مِنْ جِهَة العدد، هذا روايةٌ عن أحمدَ.
وحاصِلُه: أنَّ طلاقَ السُّنَّة إنَّما هو للمَدْخولِ بها؛ لأِنَّ غَيرَ المدخول بها
(1)
ينظر: شرح مسلم للنووي 10/ 70.
(2)
في (م): متفرقة.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 23/ 311 - 33/ 130، الفروع 9/ 19.
(4)
تقدم تخريجه 8/ 130 حاشية (8).
(5)
في (م): شرعت.
(6)
في (م): أخذت.
(7)
في (م): إذ.
(8)
قوله: (حدًا) سقط من (م).
لا عدَّةَ عليها، وكذا الصغيرةُ
(1)
والآيِسةُ، عِدَّتها
(2)
بالأَشْهُر، فلا تَحصُلُ الرِّيبةُ، والحامِلُ التي اسْتَبانَ حَمْلُها عِدَّتُها بِوَضْع الحَمْلِ، ولا رِيبةَ؛ لأِنَّ حَمْلَها قد اسْتَبانَ، وإنَّما شَرَطَه؛ لأنَّها
(3)
لو كانَتْ حامِلاً ولم يَسْتَبِنْ حَمْلُها، فطلقها
(4)
ظنًّا أنَّها حائلٌ، ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلُها؛ ربَّما نَدِمَ على ذلك.
وحَكَى في «المغْنِي» : أنَّ ابنَ عبدِ البَرِّ قال: لا خِلافَ بَينَ أهلِ العلم أنَّ الحامِلَ طلاقُها للسُّنَّة
(5)
.
قال ابنُ المنجَّى: وفِيما قالَه المؤلِّفُ نَظَرٌ، مِنْ حيث
(6)
إنَّ السَّنَّةَ ما وافَقَ أمْرَ الله ورسولِه، ومَن طلَّقَ أحدَ هؤلاء، فقد وافَقَ طلاقُه ذلك؛ لأِنَّ في حديثِ ابنِ عمرَ:«ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا طاهِرًا أَوْ حامِلاً» رواهُ مسلِمٌ
(7)
، والطَّلاق في الطُّهر سُنَّةٌ، فكذا في الحَمْل، لكِنَّ الحامِلَ التي اسْتَبانَ حَمْلُها قد دَخَلَ على بصيرةٍ، فلا يَخافُ ظُهورَ أمْرٍ يتجدَّدُ به النَّدَمُ، ولَيسَتْ بِمُرْتابةٍ لِعَدَمِ اشتباه
(8)
الأمر.
ونَقَلَ ابنُ مَنصورٍ: لا يُعجِبُنِي أنْ يُطلِّقَ حائضًا لم يَدخُلْ بها
(9)
.
وعنه: سُنَّةُ الوقت تثبت
(10)
لحاملٍ، اخْتارَه الخِرَقِيُّ، فلو قال لها: أنْتِ
(1)
قوله: (وكذا الصغيرة) في (م): وكالصغيرة.
(2)
في (م): وعدتها.
(3)
قوله: (لأنها) سقط من (م).
(4)
في (م): وطلقها.
(5)
ينظر: التمهيد 15/ 80.
(6)
في (م): حديث.
(7)
أخرجه مسلم (1471).
(8)
في (م): استثناءه.
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1753.
(10)
في (م): ثبت.
طالِقٌ للبِدعةِ، طَلَقَتْ بالوَضْع.
وعلى الأُولَى: لَوْ قالَ لإحداهن
(1)
: أنتِ طالِقٌ للسُّنَّة طَلْقةً، وللبِدعة طَلْقةً؛ وَقَعَتا، ويُدَيَّنُ في غَيرِ آيسة
(2)
إذا صارِتْ من أهلِ ذلك، وفي الحُكم وجْهانِ.
تنبيهٌ: إذا قال لِصغيرةٍ أوْ غَيرِ مَدْخولٍ بها: أنتِ طالِقٌ للبدعة، ثُمَّ قال: أردتُ إذا حاضَت الصَّغيرة، أوْ أصيبت
(3)
غيرُ المدخول بها؛ دُيِّنَ، والأشْبَهُ بالمذهب: أنَّه يُقبَلُ في الحُكم.
فإنْ قال في طُهْرٍ جامَع فيه: أنتِ طالِقٌ للسُّنَّة، فيَئِستْ من المحيض
(4)
؛ لم تَطلُق، وكذا إن اسْتَبانَ حَمْلُها، إلاَّ على قَولِ مَنْ جَعَلَ طلاقَ الحائض طلاقَ سنَّةٍ، فيَقَعُ.
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، أَوْ قَالَ: لِلْبِدْعَةِ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه وَصَفَها بما لا تتَّصِفُ به، فَلَغَت الصِّفةُ، وبَقِيَ قَوله: أنتِ طالِقٌ، وذلك يُوجِبُ وُقوعَ الطَّلاق في الحال، وأنْ تكون
(5)
واحدةً؛ لأِنَّ ما زاد عليها غَيرُ مَلْفوظٍ به ولا مَنْوِيٍّ.
وكذا قَولُه: أنتِ طالِقٌ للسُّنَّة والبِدعة، أوْ: أنتِ
(6)
طالِقٌ لا للسُّنَّة ولا للبِدعة.
(وَإِنْ قَالَ لِمَنْ لَهَا سُنَّةٌ وَبِدْعَةٌ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ، فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛
(1)
في (م): لأحدهن.
(2)
في (م): البتة.
(3)
في (م): أصبت.
(4)
في (م): الحيض.
(5)
في (ظ): يكون.
(6)
في (م): وأنت.
طَلَقَتْ فِي الْحَالِ وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ مَعْنَى السُّنَّة: في وَقْت السُّنَّة، وذلك وَقْتُها، (وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا؛ طَلَقَتْ إِذَا طَهَرَتْ)؛ لأِنَّ الصِّفةَ قد وُجِدتْ.
(وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ؛ طَلَقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّ ذلك هو وَقْتُ السُّنَّة في حقِّها، لا سُنَّةَ لها
(2)
قَبْلَها.
فرعٌ: إذا قال لها: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، نصفُها للسُّنَّة، ونِصفُها للبدعة؛ طَلَقَت في الحال طَلْقَتَينِ، والثَّالثةَ في ضدِّ حالها الرَّاهنة، قاله
(3)
القاضي.
وإنْ نَوَى تأخير
(4)
اثنتَينِ؛ ففي الحُكم
(5)
وجْهانِ.
وقال ابنُ أبي موسى: تَطلُقُ ثلاثًا في الحال؛ لتَبْعيضِ كلِّ طَلْقةٍ.
فإنْ قال لطاهِرٍ: أنتِ طالِقٌ للبدعة؛ فقيلَ: تَلْغُو الصِّفةُ ويَقَعُ الطَّلاق
(6)
.
فإنْ قال لحائضٍ: أنتِ طالِقٌ للسُّنَّة في الحال؛ لَغَت الصِّفَة، وَوَقَعَ الطَّلاقُ.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا للسُّنَّة وثلاثًا للبدعة؛ طَلَقَتْ ثلاثًا في الحال.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ، وَهِيَ حَائِضٌ، أَوْ فِي
(7)
طُهْرٍ أَصَابَهَا فِيهِ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ ذلك هو وَقْتُ البدعة، ويَنزِع في الحال إنْ كان ثلاثًا، فإنْ بَقِيَ؛ حُدَّ عالِمٌ، وعُزِّر جاهِلٌ.
(وَإِنْ كَانَتْ فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ؛ طَلَقَتْ إِذَا أَصَابَهَا، أَوْ حَاضَتْ)؛ لأِنَّ
(1)
ينظر: المغني 7/ 371.
(2)
قوله: (لها) سقط من (م).
(3)
في (م): قال.
(4)
في (م): وإن نوى بأخر تبين.
(5)
في (م): الحكمة.
(6)
وتكملة الكلام في المغني 7/ 372: (ويحتمل: أن تطلق في الحال ثلاثًا).
(7)
قوله: (في) سقط من (م).
كلَّ واحِدٍ منهما وقتٌ للبدعة، فأيُّهما سَبَقَ؛ وَقَعَ الطَّلاقُ فيه؛ عَمَلاً بقوله: للبدعة.
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا فِي) أوَّلِ (طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ فِي إِحْدَى
(1)
الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو المنصوصُ
(2)
؛ لأِنَّ جَمْعَ الثَّلاثِ سُنَّةٌ على روايةٍ، ويَقَعُ فِيمَا ذَكَرْنا؛ لأِنَّ ذلك حِينَئِذٍ سُنَّةٌ، وإنْ كانَتْ حائضًا؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا إذا طَهُرَتْ.
(وَفِي الْأُخْرَى: تَطْلُقُ فِيهِ)؛ أيْ: في طُهْرٍ لم يُصِبْها فيه (وَاحِدَةٌ، وَتَطْلُقُ
(3)
الثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ فِي طُهْرَيْنِ فِي نِكَاحَيْنِ)، أوْ بعدَ رَجْعتَينِ إنْ عادَتْ إليه، (إِنْ أَمْكَنَ)؛ لأِنَّها لو بانَتْ منه ولم تَعُدْ إليه؛ لم يُمكِنْ إيقاعُ الطَّلاق في النِّكاح؛ لِعَدَمِه.
وعَنْهُ: تَطلُقُ ثلاثًا في ثلاثةِ أطْهارٍ لم يُصِبْ فيها.
فإنْ قال: أردتُ بقَولي للسُّنَّة؛ إيقاعَ واحدةٍ في الحال
(4)
، واثنتَينِ في نِكاحَينِ آخَرَينِ؛ قُبِلَ منه.
وإنْ قال: أردتُ أنْ يَقَعَ في كلِّ قُرءٍ
(5)
طَلْقةٌ؛ دُيِّنَ، وفي الحُكم وَجْهانِ.
فرعٌ: مَنْ نكاحُها فاسِدٌ؛ جاز طلاقُها في الحيض.
وإنْ قال: إنْ دخلتِ الدَّار فأنتِ طالِقٌ، فدخَلَتْ وهي حائضٌ؛ فهل هو للسُّنَّة، أو للبدعة
(6)
؟ قال ابنُ حمدانَ: يَحتَمِلُ وجهين
(7)
.
(1)
في (م): أحد.
(2)
ينظر: مسائل صالح 3/ 252، مسائل ابن منصور 4/ 1572.
(3)
زاد (ظ): في.
(4)
في (م): الحالين.
(5)
في (ظ): قروء.
(6)
في (ظ): البدعة.
(7)
قوله: (وجهين) سقط من (م).
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ قُرْءٍ
(1)
طَلْقَةً، وَهِيَ مِنَ اللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ، فَتَطْلُقُ فِي كُلِّ حَيْضَةٍ طَلْقَةً)، الأشَهَرُ عندَنا: أنَّ القُروءَ الحِيَض
(2)
، فإنْ كانَتْ مِنْ ذَوات القروء
(3)
؛ وقعَ بها واحدةٌ في الحال، ويَقَعُ بها طَلْقتانِ في قُرْأيْنِ آخَرَينِ في أوَّلهما، سُواءٌ قُلْنا: القروء
(4)
الحَيضُ أو الأطهار
(5)
، وسواءٌ كانت مَدخولاً بها أوْ لا، إلاَّ أنَّ غَيرَ المدخول بها تَبِينُ بالأُولى، فإنْ تزوَّج بها
(6)
؛ وَقَعَ في القُرْء الثَّاني طلقةٌ أخرى، وكذا الحكم في الثَّالثة.
(وَإِنْ قُلْنَا: القُرُوءُ
(7)
الْأَطْهَارُ؛ فَهَلْ تَطْلُقُ طَلْقَةً فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):
أشْهَرُهما: تَطلُقُ طلقةً في الحال؛ لأِنَّ الطُّهرَ قبلَ الحَيض كله قرءٌ
(8)
واحد، فعلى هذا: لا فَرْقَ بَينَ كَونها من اللاَّئِي لم يَحِضْنَ أوْ لا.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّ القُرْءَ هو الطُّهرُ بَينَ الحَيضَتَينِ، ولذلك لم يَحنَثْ
(9)
بالطُّهر قبلَ الحيض من
(10)
عدَّة الصَّغيرة في وَجْهٍ، وإنْ لم يكُنْ قُرْءًا؛ لم تَطلُقْ فيه، فعلى هذا: يَحصُلُ الفَرْقُ بَينَ مَنْ حاضَتْ ومن
(11)
لم تَحِضْ.
(1)
في (ظ): قروء.
(2)
في (م): أن القرء الأطهار.
(3)
في (م): القرء.
(4)
في (م): القرء.
(5)
في (م): والأطهار.
(6)
قوله: (بها) سقط من (م).
(7)
في (م): القرء.
(8)
في (ظ): قروء.
(9)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 7/ 376، والشرح الكبير 22/ 205: تحتسب.
(10)
في (م): في.
(11)
في (م): وبين من.
(وَيَقَعُ بِهَا
(1)
الْبَاقِي فِي
(2)
الْأَطْهَارِ الْبَاقِيَةِ)؛ لأِنَّ الطُّهرَ قبلَ الحيض كلُّه قُرْءٌ واحدٌ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ، وَأَجْمَلَهُ؛ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ السُّنِّيَّ أحسنُ الطَّلاق وأجْمَلُه، كقَوله: أعْدَلَه، وأكْمَلَه، وأفْضَلَه.
(وَإِنْ قَالَ: أَقْبَحَ الطَّلَاقِ وَأَسْمَجَهُ؛ فَهُوَ كَقَوْلِهِ: لِلْبِدْعَةِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ البِدْعيَّ أقبحُ الطَّلاق وأسْمَجُه؛ أيْ: تَطلُقُ في المَوضِع الذي تَطلُق فيه إذا قال: أنتِ طالِقٌ للبدعة.
وظاهِرُه: أنَّها تَطلُقُ في الحيض، أو في طُهْرٍ أصابها فيه
(3)
؛ لأِنَّ ذلك زمن
(4)
البدعة، وفيه شيءٌ؛ لأِنَّها لا تَطلُقُ إلاَّ في الحيض فقط، وصرَّح به في «الخلاصة»؛ كقوله: أفْحَشَ الطَّلاق، أو أرْدَأَه، أوْ أَنْتَنَه
(5)
، فإنْ كان في وقت بدعةٍ، وإلاَّ وُقِفَ إلى زمانها.
وفي «المحرَّر» : فهو ثلاثٌ إنْ قُلْنا: جمعُه بدعةٌ، وحكاه في «الشَّرح» عن أبي بكرٍ، ثمَّ قال: وينبغي أنْ يقع
(6)
الثَّلاث في وقت البدعة؛ ليكون جامِعًا لبدعيِّ الطَّلاق.
وفي «الفصول» : وعِنْدِي يَجِبُ أنْ تقع
(7)
الثَّلاث في الحيض
(8)
أو الطُّهر
(1)
قوله: (بها) سقط من (م).
(2)
في (ظ): من.
(3)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(4)
في (م): من.
(5)
في (م): ونتنه.
(6)
قوله: (أن يقع) سقط من (م).
(7)
في (م): أن يقع.
(8)
قوله: (في الحيض) في (م): والحيض.
المجامَعِ فيه؛ لأِنَّه أفْحَش؛ لِمَا فيه من اجتماعِ الضِّيق على النَّفس، وقطعِ الرَّجعة والعَود بنكاحٍ جديدٍ، وفيه تطويلُ العدَّة، فمتى أوْقَعْنا ثلاثًا في طُهْرٍ؛ كان فاحشًا، لكِنْ هناك ما هو أفْحَشُ، فما أعْطَينا اللَّفظةَ حقَّها، ألَا تَرَى أنَّه لو قال: عندي أجْوَدُ نقدٍ
(1)
، ثُمَّ فسَّره بشيءٍ فَوقَه أجودُ منه؛ لم يُقبَلْ.
فإنْ قال: أردتُ طلاقَ السُّنَّة؛ ليتأخَّرَ الطَّلاقُ عن نفسه إلى زمن السُّنَّة؛ لم يُقبَلْ في الأشْهَر؛ لأِنَّ لفظَه لا يَحتَمِلُه.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ: أَحْسَنَ أَحْوَالِكِ
(2)
أَوْ أَقْبَحَهَا أَنْ
(3)
تَكُونَ
(4)
مُطَلَّقَةً؛ فَيَقَعُ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ أنتِ طالِقٌ يقتَضِي وقوعَه في الحال، وإنَّما تأخَّر إلى زمن السُّنَّة؛ كعكسه، فيَجِب أنْ يَقَعَ في الحال؛ عملاً بالمقتَضي السَّالم عن المعارِض.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً قَبَيحَةً
(5)
؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه وَصَفَها بصفتَينِ مُتضادَّتَينِ، فَلَغَتَا، وبَقِيَ مُجرَّد الطَّلاق، فوقع.
فإنْ قال: إنَّها حسنةٌ لكَونِها في زمان السُّنَّة، وقُبْحها
(6)
لإضْرارها بكِ، أوْ قال: إنَّها حسنةٌ؛ ليتخلَّص من شَرِّكٍ، وقُبْحُه لكونها في زمان البدعة، كان
(7)
ذلك يُؤخِّر
(8)
وقوع الطَّلاق عنه؛ دُيِّن، وفي الحُكْم وَجْهانِ.
مسألةٌ: يُباحُ الخُلع والطلاق
(9)
بسؤالها في زَمَنِ البدعة. وقيل: هو بدعةٌ.
(1)
قوله: (أجود نقد) في (م): تقديم.
(2)
في (م): أحواله.
(3)
في (م): أو.
(4)
في (ظ): يكون.
(5)
في (م): فتجيبه.
(6)
في (م): وقبيحها.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 377، والشرح الكبير 22/ 209: وكان.
(8)
في (ظ): يرجى.
(9)
في (م): الطلاق والخلع.
وتَنقَضِي بِدْعَتُها بانْقِطاعِ الدَّمِ. وقِيلَ: بالغُسْل، لأِثَرٍ رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ
(1)
.
والنِّفاسُ كالحيض.
(1)
أخرجه النسائي (3396)، والدارقطني (3903)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«مُر عبد الله فليراجعها، فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض، فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها، فإن شاء أن يمسكها فليمسكها، فإنها العدة التي أمر الله عز وجل أن تطلق لها النساء» ، وإسناده صحيح، وأصله في البخاري (5251)، ومسلم (1471)، بنحوه.
(بَابُ صَرِيحِ الطَّلَاقِ وَكِنَايَتِهِ)
إنَّما انْقَسَمَ إلَيهِما؛ لأنَّه
(1)
لإزالة ملْكِ النِّكاح، فكان له صريحٌ وكِنايةٌ؛ كالعتق، والجامِعُ بَينَهما الإزالةُ.
فالصَّريحُ: هو الذي يُفِيدُ حُكمَه من غير انضمام شيءٍ إليه، وعكسه: الكنايةُ، ويَدُلُّ على معنى الصَّريح.
وعُلِمَ منه: أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ بغير لفظٍ، فلو نواه بقلبه من غير لفظٍ؛ لم يَقَعْ، خلافًا لاِبنِ سِيرِينَ والزُّهريِّ، ورُدَّ: بقَوله عليه السلام: «إنَّ الله تَجاوَزَ لأِمَّتِي عمَّا
(2)
حَدَّثت به أنفسَها، ما لم تَعْمَلْ أوْ تكلَّمْ به» متَّفقٌ عليه
(3)
، ولأِنَّه إزالةُ ملكٍ، فلم يحصل
(4)
بمجرَّد النِّيَّة؛ كالعتق.
وكذا إنْ نَواهُ بقلبه، وأشار بأصبعه لم يَقَعْ، نَصَّ عليه؛ لأِنَّه ليس بصريحٍ ولا كنايةٍ.
(وَصَرِيحُهُ: لَفْظُ الطَّلَاقِ وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُ)، بغَيرِ أمْرٍ ومضارعٍ، (فِي الصَّحِيحِ
(5)
عَنْهُ)؛ لأِنَّه مَوضوعٌ له على الخصوص، ثَبَتَ له عُرْفُ الشَّارع والاستعمال
(6)
، فلو قال: أنتِ طالِقٌ، أو الطلاق
(7)
، أو طلَّقْتُك، أو مطلَّقةً؛ فهو صريحٌ.
(1)
قوله: (لأنه) سقط من (م).
(2)
في (م): ما.
(3)
أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في (ظ): فلم تحصل.
(5)
في (م): الصريح.
(6)
في (م): عرف الشرع والاستمتاع.
(7)
في (م): الطلق.
وعنه في «أنتِ مطلَّقةٌ» : لَيسَ بصريحٍ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يريدَ طلاقًا ماضيًا. وقيل: وطلَّقتكِ كنايةٌ.
قال في «الفروع» : (فيتوجَّه: أنَّه
(1)
يَحتَمِلُ الإنشاءَ والخَبَرَ.
وعلى الأوَّل: هو إنشاءٌ، وذكر القاضي في مسألة الأمر: أنَّ العُقودَ الشَّرعيَّةَ بلفظِ الماضي إخبار، وقال شَيخُنا: هذه الصِّيَغُ إنْشاءٌ من حَيثُ إنَّها أثبتت
(2)
الحكمَ وبها
(3)
تمَّ، وهي إخبارٌ لدلالتها على المعنى الَّذي في النَّفس)
(4)
.
وهذا
(5)
الَّذي ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ اختاره ابنُ حامِدٍ، وقدَّمه ابنُ حمدانَ والجَدُّ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وجزم به المتأخِّرونَ؛ لأِنَّ الفِراقَ والسَّراحَ يُسْتَعْمَلانِ في غير الطَّلاق كثيرًا، فلم يكونا صريحَينِ فيه؛ كسائر كناياته؛ لقوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا
…
(103)} الآية [آل عِمرَان: 103]، {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
…
(4)} الآية [البَيّنَة: 4].
وأمَّا قوله: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229]، فليس المرادُ به الطَّلاق؛ إذ الآيةُ في الرَّجعيَّة، وهي إذا قاربت
(6)
انقضاء عدَّتها، فإمَّا أنْ يُمْسِكَها برجعةٍ، وإمَّا أنْ تُتْرَك حتَّى تَنقضِيَ عدتها فتُسرَّح، فالمراد بالتَّسريح في الآية قريبٌ من معناها اللُّغويِّ، وهو الإرسالُ.
تنبيهٌ: إذا كان اسمُها طالِقًا، فقال: يا طالِقُ، ولم يُرِدْ طَلاقَها، أو أراد
(1)
في (م): أن.
(2)
في (م): أثبت.
(3)
في (م): بها.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 28.
(5)
في (م): وهو.
(6)
في (ظ): قارنت. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 5/ 397.
طلاقَها ثلاثًا، فماتَتْ بعدَ قوله:«أنت» ؛ لم يَقَعْ، وإنْ ماتت بعد «طالق» وقَبْل
(1)
قولِه: ثلاثًا؛ وقع الثلاث، وقيل: بل طلقةٌ، ذَكَرَه ابنُ حَمْدانَ.
فرعٌ: إذا فتح
(2)
تاء (أنت)؛ طلقتْ، خلافًا لأبي بكرٍ وأبي الوفاء، ويتوجَّه على الخلاف: لو قال
(3)
لِمَنْ قال لها: كلَّما قلتِ لي قَولاً ولم أقل لكِ مثلَه فأنتِ طالِقٌ، فقال لها مثلَه؛ طَلَقَتْ، ولو علَّقه، ولو كسر التَّاء؛ تَخَلَّص وبقي معلَّقًا، ذكره ابن عقيلٍ، قال: وله جوابٌ آخَرُ يقوله
(4)
بفتح التَّاء، فلا يجب، قال ابن الجَوزيِّ: وله التَّمادِي إلى قبيل الموت، وقِيلَ: لا يَقَعُ شَيءٌ؛ لأِنَّ استثناء
(5)
ذلك معلومٌ، فزوجتَك
(6)
بفتحٍ ونحوه يتوجَّه مثلُه، وصحَّحه المؤلِّفُ، وقيل: مِنْ عامِّيٍّ، وفي «الرعاية»: يصحُّ جهلاً أوْ عجزًا، وإلاَّ احتمل
(7)
وجهَينِ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ)، وأبو بكرٍ، ونَصَرَه القاضي وغيرُه، وفي «الواضح»: اختاره الأكثرُ: (صَرِيحُهُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ: الطَّلَاقُ) إجماعًا
(8)
، (وَالْفِرَاقُ، وَالسَّرَاحُ)؛ كالطَّلاق؛ لورودهما في الكتاب العزيز؛ لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229]، ولقوله
(9)
تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاق: 2]، {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا
…
(130)} الآية [النِّسَاء: 130]
(10)
؛
(1)
في (م): وقيل.
(2)
في (م): فتحت.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 28: قالته.
(4)
في (م): بقوله.
(5)
في (م): الاستثناء.
(6)
في (م): وزوجتك.
(7)
قوله: (وإلا احتمل) في (م): والاحتمال.
(8)
ينظر: مراتب الإجماع ص 73، الكافي لابن عبد البر 2/ 572.
(9)
في (م): وقوله.
(10)
قوله: ({وَإِنْ يَتَفَرَّقَا}) ليس في (م).
ولقوله تعالى: {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً} [الأحزَاب: 28]، ولأِنَّهما فُرقةٌ بَينَ الزَّوجَينِ، فكانا صريحَينِ فيه؛ كلفظ الطَّلاق، (وَمَا تَصَرَّفَ مِنْهُنَّ)؛ كالمتصرِّف من الطَّلاق.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّه لا يصحُّ القياسُ على لفظ الطَّلاق، فإنَّه مختصٌّ بذلك سابق إلى الأفهام من غير قرينةٍ ولا دلالةٍ.
(فَمَتَى أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ؛ وَقَعَ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ)، بغَيرِ خلافٍ
(1)
، ذَكَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ سائرَ الصَّرائح لا تَفتَقِرُ إلى نيَّةٍ، فكذا صريحُ الطَّلاق، سواءٌ كان ذلك جِدًّا أوْ هازِلاً، حكاه ابن المنذر إجماعَ مَنْ يَحفَظ عنه
(2)
، وسَنَدُه ما روى أبو هريرة مرفوعًا:«ثَلاثٌ جِدُّهنَّ جِدٌّ وهَزْلُهنَّ جِدٌّ: النِّكاحُ، والطَّلاقُ، والرَّجْعةُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمذي، وقال: حسنٌ غريبٌ
(3)
.
وعنه: أنَّ الصريح يفتقر إلى نية أو دلالة حال، من غضب
(4)
، أو محاورة في كلام
(5)
.
(1)
ينظر: معالم السنن 3/ 243، المغني 7/ 397.
(2)
ينظر: الإجماع ص 85.
(3)
أخرجه أبو داود (2194)، والتِّرمذي (1184)، وابن ماجه (2039)، وابن الجارود (712)، والحاكم (2800)، وفي سنده: عبد الرحمن بن حبيب بن أَدْرك، وهو مختلف فيه، قال النسائي:(منكر الحديث)، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الحاكم:(من ثقات المدنيين)، وقال الذهبي:(صدوق، وله ما ينكر)، وقال ابن حجر:(لين الحديث)، قال التِّرمذي:(حسن غريب)، وصححه الحاكم وابن الجارود وابن الملقن، وحسنه ابن حجر والألباني، وللحديث شواهد لا تخلو من مقال، ولم نقف عليه عند أحمد في مسنده المطبوع. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 555، تهذيب التهذيب 6/ 159، البدر المنير 8/ 83، التلخيص الحبير 3/ 448، الإرواء 6/ 224.
(4)
في (م): غضبه.
(5)
في (م): الكلام. وفي (ظ): محاوزة في كلام.
(وَإِنْ نَوَى
(1)
بِقَلْبِهِ
(2)
: أَنْتِ
(3)
طَالِقٌ مِنْ وثَاقٍ)، هو بكسر الواو وفَتْحِها: ما يُوثَقُ به الشَّيءُ مِنْ حَبْلٍ ونحوِه، (أَوْ أَرَادَ أَنْ يَقَولَ
(4)
: طَاهِرٌ، فَسَبَقَ لِسَانُهُ) فقال: طالِقٌ؛ لأِنَّ ذلك جارٍ مَجْرَى لفظِ الحاكِي، (أَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: مُطَلَّقَةٌ
(5)
مِنْ زَوْجٍ كَانَ قَبْلَهُ؛ لَمْ تَطْلُقْ)؛ لأِنَّه قَصَدَ عدمَ إيقاعِ طلاقِها، فَوَجَبَ ألاَّ يَقَعَ، كما لو اتَّصل بكلامه: أنتِ طالِقٌ من وثاقٍ.
(وَإِذَا ادَّعَى ذَلِكَ؛ دُيِّنَ) باطِنًا؛ لأِنَّه أعلمُ بما أراد، ولا يُمكِنُ الاِطِّلاعُ على ذلك إلاَّ من جهته.
وعنه: لا؛ كهازِلٍ على الأصحِّ.
(وَهَلْ تُقْبَلُ
(6)
دَعْوَاهُ
(7)
فِي الْحُكْمِ) ولا قرينةَ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أحدهما: تقبل
(8)
، وهو ظاهِرُ كلامه؛ لأِنَّه فسَّر كلامَه بما يَحتَمِلُه احْتِمالاً غيرَ بعيدٍ، فقُبِلَ، كما لو كرَّر لفظَ الطَّلاقِ، وأراد بالثَّانية التَّأكيدَ.
والثَّانية، وهي الأشْهَرُ، وقدَّمها في «الرعاية»: أنَّه لا يُقبَلُ؛ لأنَّه
(9)
خلافُ ما
(10)
يقتضيه الظَّاهر في العُرْف، فلم يُقبَلْ في الحكم، كما لو أقرَّ بعَشَرةٍ، ثُمَّ قال: زُيوفًا، أوْ إلى شهرٍ.
(1)
في (م): فإن نواه.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي نسخ المقنع الخطية: بقوله.
(3)
في (م): أن.
(4)
قوله: (أن يقول) في (م): بقوله.
(5)
قوله: (مطلقة) سقط من (م).
(6)
في (م): يقبل.
(7)
قوله: (دعواه) غير موجودة في نسخ المقنع الخطية.
(8)
في (ظ): يقبل.
(9)
زيد في (م): لا.
(10)
قوله: (ما) سقط من (م).
(إِلاَّ) على الأولى
(1)
: (أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْغَضَبِ، أَوْ بَعْدَ سُؤَالِهَا الطَّلَاقَ؛ فَلَا يُقْبَلُ)؛ لأِنَّه خالف
(2)
الظَّاهِرَ من جهتَينِ: مُقتَضَى اللَّفظ، ودلالة الحال.
(وَفِيمَا إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّها مُطَلَّقَةٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلِي؛ وَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُقْبَلُ إِنْ كَانَ وُجِدَ)؛ لأِنَّ كلامَه يَحتَمِلُ الصِّدْقَ، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: لا يُقبَلُ إنْ لم يكُنْ وُجِدَ؛ لأِنَّه لا يَحتَمِلُه، وكذا قيل
(3)
: لو قال: طلقتها
(4)
، ثُمَّ قال: في نكاحٍ آخَرَ، وقِيلَ: إنْ لم يُرفع
(5)
إلى حاكم.
فلو ادَّعى أنَّه كان هازِلاً؛ فالأظْهَرُ: أنَّه لا يُدَيَّنُ هو، ولا سكران، كما لا يُقبَلُ منهما في الحكم.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ، ثُمَّ قال: أردتُ إنْ قمتِ؛ قُبِلَ، وقِيلَ: لا، ويتوجَّه
(6)
مثلُه: إنْ علَّقه بشرطٍ شَهِدَتْ به بيِّنةٌ، وادَّعى
(7)
أنَّ معه شرطًا آخَرَ، وأوْقَعَه في «الفنون» وغيره؛ لأِنَّه لا يُقبَلُ قَولُ الإنسان في ردِّ شاهدَينِ، كما لو أقرَّ أنَّه وكيلُ فلانٍ ببيعٍ، ثُمَّ ادَّعى عَزْلاً أوْ خِيارًا.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ: طَلَّقْتَ امْرَأَتَكَ، قَالَ: نَعَمْ، وَأَرَادَ الْكَذِبَ؛ طَلَقَتْ) وإنْ لم ينوِ؛ لأِنَّ «نعم» صريحٌ في الجواب، والجوابُ الصَّريحُ للَّفْظ الصريحِ صريحٌ، ولأِنَّه لو قال: عليكَ ألْفٌ، قال: نعم؛ وجبتْ.
فلو قيل له: طَلَّقْتَ امرأتَك؛ فقال: قد كان بعضُ ذلك، وقال: أردتُ
(1)
في (م): الأول.
(2)
في (م): خلاف.
(3)
في (ظ): قبل.
(4)
قوله: (لو قال: طلقتها) في (م): لو طلقها.
(5)
في (م): لم يرتفع.
(6)
في (م): يتوجه.
(7)
في (م): أو ادعى. والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 30.
الإيقاعَ؛ وقَعَ، وإنْ قال: أردتُ أنَّي عَلَّقْتُ طلاقَها بشرطٍ؛ قُبِلَ.
ولو قِيلَ له: أخْلَيْتَها؟ قال: نَعَمْ؛ فكنايةٌ.
(وَلَوْ قِيلَ لَهُ: أَلَكَ امْرَأَةٌ، قَالَ: لَا، وَأَرَادَ الْكَذِبَ؛ لَمْ تَطْلُقْ
(1)
؛ لأِنَّ قَولَه: ما لِي امرأةٌ؛ كنايةٌ تفتقر
(2)
إلى نيَّة الطَّلاق، فإذا نوى الكذب
(3)
فما نَوَى الطَّلاقَ، فلم يَقَعْ.
وقِيلَ: تَطلُقُ في الحكم؛ كقوله: كنتُ طلَّقْتُها.
وهكذا إذا نَوَى أنَّه لَيسَ لي امْرأةٌ تَخدُمُنِي أو تُرْضِينِي، أوْ لا
(4)
امْرأةَ لي، أو لم
(5)
يَنْوِ شيئًا لم تَطلُق؛ لعدم النِّيَّة المشترَطة في الكِناية.
فرعٌ: مَنْ شُهِد عليه بطلاقِ ثلاثٍ، ثُمَّ أُفتي بأنَّه لا شيءَ عليه؛ لم يؤاخَذْ بإقراره؛ لمعرفة مستَنَده، ويُقبَل بيمينه أنَّ مستَندَه في إقراره ذلك ممَّن
(6)
يَجهَله مثله، ذكره الشَّيخ تقيُّ الدِّين
(7)
، واقْتَصَر عليه في «الفروع» .
(وَإِنْ لَطَمَ
(8)
امْرَأَتَهُ)، أوْ أخْرَجَها من دارها، أو ألْبَسَها ثَوبًا، أوْ قَبَّلها، وقال: هذا طلاقُك؛ طَلَقَتْ إنْ نَواهُ؛ لأِنَّه كنايةٌ، والمنصوصُ: أنَّه صريحٌ
(9)
، فيَقَعُ مطلَقًا.
قال أصحابُنا: وعلى قياسه: (أَوْ
(10)
أَطْعَمَهَا أَوْ سَقَاهَا، وَقَالَ: هَذَا
(1)
قوله: (وإن لم ينو؛ لأن نعم
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ظ): يفتقر.
(3)
في (م): لكذب.
(4)
في (م): ولا.
(5)
في (م): ولم.
(6)
قوله: (ممن) سقط من (م).
(7)
ينظر: الفروع 9/ 47، الاختيارات ص 369.
(8)
في (م): أطعم.
(9)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1739.
(10)
في (ظ): إذا.
طَلَاقُكِ؛ طَلَقَتْ)، اختاره ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّ تقديرَه: أوْقَعْتُ عليكِ طلاقًا، هذا الفعل من أجله، فعلى هذا: يكون صريحًا.
وقال أكثرُ الفقهاء: لا يَقَعَ به وإنْ نَوَى.
والأَشْهَرُ: أنَّه كنايةٌ؛ لأِنَّه يَحتمِلُ التَّفسيرَ المذكورَ، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ سببًا للطَّلاق؛ لكون الطَّلاق معلَّقًا عليه، فصحَّ أنَّ يُعبَّرَ به عنه؛ لأِنَّ الكنايةَ ما احْتَمَلَ الطَّلاقَ، وهذا محتمَلٌ، ويَحتَمِلُ أنَّه كنايةٌ؛ لأِنَّه يحتاج إلى تقديرٍ، والصَّريحُ لا يحتاجه.
فإنْ كان ذلك جوابًا عن
(1)
سؤالها الطَّلاقَ، أوْ في حالِ الغَضَب؛ وَقَعَ.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ أَنَّ هَذَا سَبَبُ طَلَاقِكِ، أَوْ نَحْوَ
(2)
ذَلِكَ)؛ فيُدَيَّنُ؛ لأِنَّه إذا نَوَى بالصَّريح عدم وقوع الطَّلاق؛ لم يَقَعْ؛ فلأن
(3)
لا يقع هذا بطريقِ الأَوْلَى.
والأصحُّ: أنَّه يُقبَلُ في الحكم؛ لأِنَّه يجوز أنْ يكونَ سببًا له في
(4)
زمانٍ بعدَ هذا الزَّمان.
وفي «التَّرغيب» : لو أطْعَمَها أوْ سَقَاها؛ ففي كَونه كالضَّرب وجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَا شَيْءَ، أَوْ لَيْسَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَا يَلْزَمُكِ)، أوْ لا يَقَعُ عليك، أو طالِقٌ لا، أوْ طالِقٌ طلقةً لا يَنقُصُ بها عددُ الطَّلاق، (طَلَقَتْ)، بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(5)
؛ لأِنَّ ذلك رَفْعٌ لجميع ما تَناوَلَه اللَّفظُ، فلم يَصِحَّ؛ كاستِثْناء الجميع.
(1)
في (م): من.
(2)
في (م): ونحو.
(3)
في (م): الآن.
(4)
في (م): من.
(5)
ينظر: المغني 7/ 512.
وفي «الرِّعاية» : في «أنتِ طالِقٌ لا شَيءَ» وجْهٌ أنَّه لا يَقَعُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أوْ لَا، أَوْ طَالِقٌ وَاحِدَةً أوْ لَا؛ لَمْ يَقَعْ) على الأَشهَر؛ لأِنَّ هذا استِفْهامٌ، فإذا اتَّصل به خرج عن أن يكون
(1)
لفظًا للإيقاع، وبهذا فارق الأُولى؛ لأِنَّه إيقاعُ لم يُعارِضْه استفهامٌ.
وظاهِرُه: أنَّهما سواء
(2)
، وهو وجهٌ؛ لاِسْتِوائهما في الاستفهام.
وفي آخَرَ: تَطلُق في
(3)
الثَّانية واحدةً دُونَ الأُولَى؛ لأِنَّ قَولَه: «أوْ لا» يَرجِع إلى ما يليه من لفظِ «واحدةً» دُونَ لفظ الإيقاع، فيصيرُ كأنَّه قال: أنتِ طالِقٌ.
وفرَّق في «المغني» و «الشَّرح» بَينَهما؛ لأِنَّ الواحدةَ صفةٌ للطَّلقة الواقِعة، فما اتَّصل بهما يرجع إليهما، فصارت كالأول
(4)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَقَعَ)؛ لأِنَّ الاستفهام يكونُ بالهمزة ونحوِها، فيَقَعُ ما أوْقَعَه، ولا يَرتَفِعُ بما ذُكِرَ بعدَه
(5)
.
(وَإِنْ
(6)
كَتَبَ طَلَاقَ امْرَأَتِهِ) بشَيءٍ يَبِينُ، (وَنَوَى الْإِيقَاعَ؛ وَقَعَ) روايةً واحدةً؛ لأِنَّ الكتابة حروفٌ يُفهَمُ منها الطَّلاقُ، أشْبَهَت النُّطقَ، ولأِنَّ الكتابة تقومُ مَقامَ الكاتِب، بدليلِ أنَّه عليه السلام كان مأمورًا بتبليغ الرِّسالة، فبَلَّغَ بالقول مرَّةً، وبالكتابة أخرى، ولأِنَّ كتابَ القاضي يقوم مقام نطقه
(7)
في إثبات الدُّيون.
(1)
قوله: (أن يكون) في (م): أيكون.
(2)
قوله: (سواء) سقط من (م).
(3)
في (م): وفي.
(4)
في (م): كالأولى.
(5)
في (م): بعد.
(6)
في (م): وإذا.
(7)
في (م): لفظه.
وعنه: أنَّه صريحٌ، نصره
(1)
القاضي وأصحابُه، وذَكَرَه الحُلْوانيُّ عن أصحابنا.
ويتخرَّج: أنَّه لَغْوٌ، واختاره ابنُ حَمْدانَ؛ بناءً على إقراره بخطِّه، وفيه وجْهانِ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه عليهما صحَّةُ الولاية بالخَطِّ، وصحَّةُ الحُكْم به.
(وَإِنْ نَوَى تَجْوِيدَ خَطِّهِ، أَوْ غَمَّ أَهْلِهِ؛ لَمْ يَقَعْ)؛ لأِنَّه نوى باللَّفظ غيرَ الإيقاع، فالكتابةُ أَوْلى.
وعنه: بلى؛ لأِنَّ تجويدَ الخطِّ وغمَّ أهله
(2)
لا يُنافِي الإيقاع.
وجوابُه: بأنَّ نيَّةَ ذلك تدلُّ
(3)
على أنَّه لم يُوجَدْ منه الطَّلاقُ؛ فلم يَقَعْ لِفَواتِ شَرْطه.
(وَهَلْ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أصحُّهما: أنَّه يُقبَلُ؛ لأِنَّ ذلك يُقبَلُ في اللَّفظ الصَّريح على قولٍ، فهُنَا أَوْلَى، ولأِنَّه إذا أراد غَمَّ أهلِه بتوهُّمِ
(4)
الطَّلاق دون
(5)
حقيقته، فلا يكون ناويًا للطَّلاق.
والثَّانيةُ: لا يُقبَلُ؛ لقوله عليه السلام: «إنَّ الله تَجاوَزَ لِأُمَّتِي» الخبرَ
(6)
، ولأِنَّ غمَّ أهلِه يَحصُل بالطَّلاق، فيجتمع
(7)
غمُّ أهلِه ووقوع طلاقه.
(1)
في (م): ونصره.
(2)
في (م): الأهل.
(3)
في (ظ): يدل.
(4)
في (م): يتوهم.
(5)
قوله: (دون) سقط من (م).
(6)
أخرجه البخاري (5269)، ومسلم (127)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(7)
في (م): فيجمع.
والجوابُ: أنَّ الخبرَ يدلُّ على مؤاخذته بما نواه عندَ العمل
(1)
به أو الكلام.
فإنْ قَرَأَ ما
(2)
كتبه؛ ففي قبوله حكمًا الخلاف، قاله في «التَّرغيب» .
(فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ فَهَلْ يَقَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، وذَكَرَ أبو الخَطَّاب أنَّ الشَّريفَ خرَّجَها في «الإرشاد» على روايتَينِ:
إحداهما: يَقَعُ، قاله الشَّعْبيُّ والنَّخَعيُّ والحَكَمُ؛ لأِنَّ الكتابةَ تقومُ مَقامَ اللَّفظ.
والثَّانيةُ: لا يَقَعُ إلا
(3)
بنيَّةٍ؛ لأِنَّ الكتابةَ مُحتَمِلةٌ، فإنَّه قد يُقصَدُ بها تجربةُ القلم وتجويدُ الخَطِّ، فلم يَقَعْ من غيرِ نيَّةٍ؛ كالكنايات في الطَّلاق.
(وَإِنْ
(4)
كَتَبَهُ بِشَيْءٍ لَا يَبِينُ)؛ كالكتابة على الهواء أو في ماءٍ؛ (لَمْ يَقَعْ) في ظاهر كلامه؛ لأنَّ الكتابةَ بما لا تثبت
(5)
؛ كالهَمس بلسانه بما لا يُسمَع.
(وَقَالَ
(6)
أَبُو حَفْصٍ: يَقَعُ)، ورواه
(7)
الأثرمُ عن الشَّعبيِّ، أشْبَهَ ما لو كتبه بشيءٍ يَبِينُ، والفَرْقُ واضحٌ.
وعُلِمَ منه: أنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ بغير لفظٍ إلاَّ في مَوضِعَينِ:
أحدهما
(8)
: الكتابةُ بشرطه
(9)
.
(1)
في (م): العلم.
(2)
في (م): بأن قراءة.
(3)
قوله: (إلا) سقط من (م).
(4)
في (م): فإن.
(5)
في (م): لا يثبت.
(6)
في (م): قال.
(7)
في (م): رواه.
(8)
في (م): إحداهما.
(9)
في (م): وبشرط.
والثَّاني: الأخْرَسُ، فإنَّه إذا طلَّق بالإشارة؛ فإنَّه يَقَعُ بغير خلافٍ عَلِمْناهُ
(1)
، فلو فَهِمها البعضُ؛ فكناية
(2)
، وتأويله مع صريحٍ؛ كالنطق
(3)
، وكنايته
(4)
طلاقٌ.
ويَقَعُ من العدد ما أشار إليه.
وفي «الشَّرح» : إذا أشار بأصابعه الثَّلاث؛ لم يَقَعْ إلاَّ واحدةً؛ لأِنَّ إشارتَه لا تَكْفِي.
(وَصَرِيحُ
(5)
الطَّلَاقِ فِي لِسَانِ الْعَجَمِ: بِهِشْتَمْ) بكَسْرِ الباء والهاء
(6)
وسُكونِ الشِّين المعجَمة وفتحِ التَّاء، ومعناه: خلَّيتُكِ، وهي واحدةٌ إنْ لم يَنْوِ أكثرَ، ولو لم تكن
(7)
صريحةً؛ لم يكن
(8)
في العجميَّة صريحٌ للطلاق
(9)
، ولا يَضُرُّ كَونُها بمعنى
(10)
خلَّيتُكِ؛ لأِنَّ مَعْنَى طلَّقْتُك: خَلَّيتُك، فإنْ زاد:(بسيار)؛ فثلاثٌ، وفي «المُذهب»: ما نواه، ونقله ابنُ منصورٍ
(11)
، وأنَّ كلَّ شَيءٍ بالفارسيَّة على ما نَواهُ؛ لأِنَّه لَيسَ له حدُّ مثلَ كلامُ عربيٍّ.
(1)
ينظر: المغني 7/ 485.
(2)
في (م): قلنا به.
(3)
في (م): النطق.
(4)
في (م): وكتابته.
(5)
زيد في (م): لفظ.
(6)
قوله: (والهاء) سقط من (م).
(7)
في (ظ): لم يكن.
(8)
في (م): لم تكن.
(9)
في (م): الطلاق.
(10)
في (م): بمعبر.
(11)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1577، الفروع 9/ 37.
(فَإِنْ
(1)
قَالَهُ الْعَرَبِيُّ وَلَا يَفْهَمُهُ، أَوْ نَطَقَ الْعَجَمِيُّ بِلَفْظِ الطَّلَاق وَلَا يَفْهَمُهُ
(2)
؛ لَمْ يَقَعْ)؛ لأِنَّه لم يَختَر الطَّلاقَ؛ لعدم عِلْمِه بمعناه.
(وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ
(3)
؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا يَقَعُ، جزَمَ به في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ «الفروع» ؛ لأِنَّه لم يُتحقَّقْ منه اختيارٌ لِمَا لا يعلَمه، أشبهَ ما لو نطق بكلمة الكفر مَنْ لا يَعرِفُ معناها
(4)
.
والثَّاني: يَقَعُ بنيَّةٍ مُوجبةٍ عندَ أهله؛ لأِنَّه أتى بالطَّلاق ناويًا مُقتَضاهُ، فَوَقَع كما لو عَلِمَه.
فرعٌ: مَنْ لم تَبلُغْه الدعوة فهو غيرُ مكلَّفٍ، ويَقَعُ طلاقُه، ذَكَرَه في «الانتصار» ، و «عيون المسائل» ، و «المفردات» .
(1)
في (م): وإن.
(2)
قوله: (أو نطق العجمي بلفظ الطلاق ولا يفهمه) سقط من (ظ).
(3)
في (م): يوجبه.
(4)
في (م): معناه.
(فَصْلٌ)
(وَالْكِنَايّةَ)، قال الجَوهريُّ: (هي
(1)
أنْ يتكلَّم بشيءٍ ويريدَ غَيرَه، وقد كَنَّيْت بكذا عن كذا)
(2)
، وقال ابن القَطَّاع: (كنَّيت عن
(3)
الشَّيء: سَتَرْته)
(4)
، والمرادُ بها: أنَّها تُشبِهُ الصَّريح، وتدلُّ
(5)
على معناه، فإنْ لم يكن كذلك؛ فليس بصريحٍ ولا كنايةٍ، نحو: قُومِي، واقْعُدِي.
(نَوْعَانِ: ظَاهِرَةٌ)؛ لأِنَّ مَعْنَى الطَّلاق فيها أظْهَرُ من الثَّاني (وَهِيَ سَبْعَةُ) ألفاظٍ:
(أَنْتِ خَلِيَّةٌ)، هي في الأصل: النَّاقةُ تُطلَقُ مِنْ عِقالها ويُخَلَّى عنها، ويقال للمرأة: خليَّة، كنايةً عن الطَّلاق، قاله الجَوهَريُّ
(6)
، وجَعَلَ أبو جعفرٍ
(7)
: مُخلاَّةً كخليَّةٍ، ويُفرَّقُ بَينَهما.
(وَبَرِيَّةٌ)، بالهمز وتَرْكه، (وَبَائِنٌ)؛ أيْ: منفصلة
(8)
، (وَبَتَّةٌ) بمعنى: مقطوعةٍ، (وَبَتْلَةٌ) بمعنى: منقطعة
(9)
، وسُمِّيَتْ مريمُ البَتولَ؛ لاِنقِطاعها عن
(10)
(1)
قوله: (هي) سقط من (م).
(2)
ينظر: الصحاح 6/ 2477.
(3)
قوله: (عن) سقط من (م).
(4)
ينظر: كتاب الأفعال 3/ 108.
(5)
في (م): ويدل.
(6)
ينظر: الصحاح 6/ 2330.
(7)
هو: الشريف أبو جعفر عبد الخالق بن عيسى بن أحمد الهاشمي، برع في المذهب ودرس وأفتى في حياة، من مصنفاته: رؤوس المسائل، وشرح من المذهب، مات سنة 470 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 237، ذيل الطبقات 1/ 29.
(8)
في (م): منفصل.
(9)
في (م): منقعة.
(10)
في (م): من.
النِّكاح بالكلِّيَّة.
(وَأَنْتِ حُرَّةٌ)، كذا ذكرها
(1)
الأكثرون أنَّها من الكنايات الظَّاهرة؛ لأنَّ
(2)
الحرَّة هي التي لا رِقَّ عليها، ولا شكَّ أنَّ النِّكاحَ رِقٌّ، وفي الخبر:«فاتقوا اللهَ في النِّساء، فإنَّهنَّ عَوانٍ عِندَكم»
(3)
؛ أيْ: أسْرَى، والزَّوجُ لَيسَ له على الزَّوجة إلاَّ رِقُّ الزَّوجيَّة، فإذا أخبر بزوال الرِّقِّ؛ فهو الرِّقُّ المعْهودُ، وهو رقُّ الزَّوجيَّة.
(وَأَنْتِ الْحَرَجُ)، بفتح الحاء والرَّاء؛ يعني: الحرامَ والإثم.
زاد في «المغْنِي» : أمْرُك بيدك، وأسقط
(4)
: أنتِ الحرجُ.
وزاد أبو الخَطَّاب: أنت طالِقٌ لا رجعةَ لي
(5)
عليك، وفيه نظرٌ؛ لأِنَّه مِنْ حَيثُ الطَّلاق صريحٌ، ومِنْ حَيثُ البَينونة؛ هل هو صريحٌ أوْ كنايةٌ؟ فيه احْتِمالانِ.
(وَخَفِيَّةٌ)، هي النَّوعُ الثَّاني، وهي أخْفَى من الدَّلالة عن الأولى، (نَحْوُ: اخْرُجِي)، ودَعِينِي وودِّعيني
(6)
، قاله في «الرعاية»
(7)
، (وَاذْهَبِي، وَذُوقِي، وَتَجَرَّعِي، وَخَلَّيْتُكِ، وَأَنْتِ مُخَلاَّةٌ)؛ أيْ: فأنتِ مطلَّقةٌ، من قولهم: خلِّي سبيلِي، فهو مخلًّى، (وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ) أيْ: مُنفرِدةٌ، (وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ،
(1)
في (م): ذكره.
(2)
في (م): والظاهر.
(3)
أخرجه التِّرمذي (1163)، والنسائي في الكبرى (9124)، من حديث عمرو بن الأحوص رضي الله عنه. وفي سنده: سليمان بن عمرو، ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن القطان:(مجهول الحال)، وقال ابن حجر:(مقبول)، قال التِّرمذي:(حديث حسن صحيح)، وحسنه الألباني بشواهده. ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 212، الإرواء 7/ 96.
(4)
في (م): أو سقط.
(5)
في (م): لا راجعة.
(6)
في (ظ): اردعيني.
(7)
في (م): «الترغيب» .
وَاعْتَدِّي، وَاسْتَبْرِئِي)، اسْتَبْرأَ أصلُه الهمزُ؛ لأِنَّه مِنْ قولهم: اسْتَبْرأتُ الجاريةَ، إذا تَرَكْتَها حتَّى تبرأ
(1)
رحِمُها، وتَبِينَ حالُها، هل هي حامل
(2)
أم لا، (وَاعْتَزِلِي)، اعتزال
(3)
الشَّيءِ: إذا كان بعزلٍ
(4)
منه، فمَعْنَى اعْتَزِلي؛ أيْ: كوني وحدَك في جانبٍ، (وَمَا أَشْبَهَهُ
(5)
؛ كقوله: اختاري نفسَك، ووهبتُكِ لأهلك، ولا حاجةَ لي، واللهُ قد أراحكِ منِّي، وما بَقِيَ شيءٌ، وجَرَى القلمُ بما فيه، وأغْناكِ الله، فهذا يَقَعُ ما
(6)
نواه؛ لأِنَّه مُحتَمِلٌ له، وإن لم
(7)
يَنْوِ شيئًا؛ وقعتْ واحدةٌ؛ لأِنَّه اليقينُ.
وفي «المغْنِي» و «الشرح»
(8)
في «أنتِ واحدةٌ» : يَقَعُ واحدة
(9)
وإنْ نَوَى ثلاثًا؛ لأِنَّه لا يَحتَمِلُ أكثرَ منها.
قال ابنُ عَقِيلٍ: وإنَّ اللهَ قد طلَّقَكِ.
ونقَلَ أبو داودَ قال: فرَّق اللهُ بَينِي وبَينَك في الدُّنيا والآخرة، قال: (إنْ كان يريدُ أيَّ
(10)
دعاء يدعو به، فأرجو أنَّه ليس بشيءٍ)
(11)
، فلم يجعله شيئًا مع نيَّة الدُّعاء، فظاهِرُه: أنَّه شَيءٌ مع نيَّة الطَّلاق؛ بِناءً على أنَّ الفِراقَ صريحٌ،
(1)
في (م): يبرأ.
(2)
في (م): حائل.
(3)
في (ظ): اعتزل. والمثبت موافق لما في المطلع ص 409.
(4)
في (ظ): يعزل. والذي في المطلع: بمعزل.
(5)
في (م): وما أشبه.
(6)
في (ظ): بما.
(7)
قوله: (لم) سقط من (م).
(8)
قوله: (والشرح) سقط من (م).
(9)
في (م): واحد.
(10)
في (م): إلى.
(11)
ينظر: مسائل أبي داود ص 239.
أوْ للقرينة، يؤيِّده
(1)
ما قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في: إنْ أبْرأْتِني فأنتِ طالِقٌ، فقالت: أبرأكَ الله ممَّا تدَّعي
(2)
النِّساءُ على الرِّجال، فَظَنَّ أنَّه يَبرَأُ، فطلَّق قال: يَبرَأُ
(3)
.
وظَهَرَ أنَّ في كلِّ مسألةٍ قَولَينِ؛ هل يُعمَلُ بالإطلاق للقرينة، وهي تدلُّ على النيَّة، أم تُعتبَرُ النِّيَّةُ؟ قال في «الفروع»: ونظيرُ ذلك: إنَّ الله قد باعَكِ، أو قد أقالَكِ، ونحو ذلك.
(وَاخْتُلِفَ
(4)
فِي قَوْلِهِ: الْحَقِي بِأَهْلِكِ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ)، الغارِبُ: مُقدَّم السَّنام؛ أي: أنتِ مُرسَلةٌ مُطلَقةٌ غيرُ مَشْدودةٍ، ولا مُمْسَكَةٍ بعَقْدِ النِّكاح، (وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ، وَحَلَلْتِ لِلْأَزْوَاجِ، وَلَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكِ)، السَّبيلُ: الطَّريقُ، يُذكَّرُ ويُؤنَّثُ؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً} [الأعرَاف: 146]، وقولِه تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي} [يُوسُف: 108]، (وَلَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْكِ)؛ أيْ: لا وِلايةَ لي عليك، والسُّلطانُ: الوالي، من السَّلاطة، وهو القَهْرُ، وكذا: غطِّ شَعْرَكِ، وتَقَنَّعِي، (هَلْ هِيَ ظَاهِرَةٌ أَوْ خَفِيَّةٌ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشْهَرُهما: أنَّها كنايةٌ ظاهِرةٌ، جزم
(5)
بها في «الوجيز» ؛ كأنتِ حرة
(6)
، أو أعتقتك، على الأصحِّ فيهما
(7)
؛ لأِنَّ النِّكاحَ رِقٌّ.
والثَّانيةُ: خفيَّةٌ؛ لأِنَّه عليه السلام قال لاِبْنَةِ الجون: «الْحَقِي بأهْلِكِ» متَّفَقٌ
(1)
في (م): يؤيد.
(2)
في (ظ): يدعي.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 352.
(4)
في (م): واختلفوا.
(5)
في (م): وجزم.
(6)
قوله: (كأنت حرة) سقط من (م).
(7)
في (م): منهما.
عليه
(1)
، ولم يكُنْ لِيُطلِّقَ ثلاثًا؛ لنَهْيِه عنه، وكاعْتَدِّي، واستبرئي
(2)
، والحَقِي بأهلِكِ، على الأصحِّ فيهنَّ.
وجَعَلَ أبو بكرٍ: لا حاجة لي فيكِ، وبابُ الدَّار لكِ مفتوحٌ؛ كأنتِ بائنٌ.
وفي الفِراق والسَّراح وجْهانِ.
(وَمِنْ شَرْطِ وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ)، ولو ظاهرةً، وفيها روايةٌ، اختارها أبو بكرٍ: (أَنْ يَنْوِيَ بِهَا
(3)
الطَّلَاقَ)؛ لأِنَّها كنايةٌ، فلا يَقَعُ بها طلاقٌ إلاَّ بِنِيَّةٍ؛ كالخفيَّة.
ويُشتَرَط فيها: أنْ تكونَ مُقارِنةً للَّفظ، وقِيلَ: أوَّله، وقدَّمه في «المحرر» ، وفي «الرِّعاية»: أو قبلَه، قال
(4)
في «الشَّرح» : فإنْ وُجِدَتْ في أوَّله، وعَرِيَتْ عنه في سائره؛ وَقَعَ، خلافًا لبعض الشَّافعيَّة
(5)
.
(إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي حَالِ الْخُصُومَةِ وَالْغَضَبِ؛ فَعَلَى الرِّوَايَتَيْنِ):
أشْهَرُهُما، وهو مختارُ كثيرٍ من الأصحاب: أنَّها تَطلُقُ، قال في رواية
(6)
الميمونيِّ: (إذا قال لزوجته: أنتِ حرَّةٌ لوجه الله، في الغَضَب، أخْشَى أنْ يكونَ طلاقًا)
(7)
؛ إذْ دَلالةُ الحال كالنية
(8)
، بدليلِ أنَّها تُغيِّرُ حكمَ الأقوال والأفعال، فإنَّ مَنْ قال: يا عفيفُ ابنَ العفيف حال تعظيمه؛ كان مَدْحًا، ولو
(1)
أخرجه البخاري (5254)، من حديث عائشة رضي الله عنها، وهو من أفراده، ولم يخرجه مسلم. ينظر: الجمع بين الصحيحين للحميدي 4/ 192، تحفة الأشراف 12/ 54.
(2)
في (ظ): واشتدي. والمثبت موافق للفروع.
(3)
في (م): به.
(4)
قوله: (قبله قال) في (م): قيل قاله.
(5)
ينظر: المهذب 3/ 11، نهاية المطلب 14/ 67.
(6)
في (م): الرواية.
(7)
ينظر: المغني 7/ 389.
(8)
في (ظ): كالبتة.
قاله حال
(1)
الشَّتْم؛ كان ذَمًّا وقَذْفًا.
والثَّانيةُ: لا يَقَعُ؛ لأِنَّه لَيسَ بصريحٍ في الطَّلاق، ولم يَنوِهِ، فلم يَقَعْ؛ كحالة الرِّضا.
وعلى المذهب: لو لم يُرِدْه، أو أراد غيرَه؛ لم يُقبَلْ حُكمًا
(2)
في الأشْهَر.
(وَإِنْ جَاءَتْ جَوَابًا لِسُؤَالِهَا الطَّلَاقَ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَقَعُ بِهَا الطَّلَاقُ)؛ لأِنَّ في ذكر الكناية عُقَيبَ سؤالها دلالةٌ ظاهرةٌ على إرادته، فوجَبَ الحكمُ بوقوعه؛ عَمَلاً بالدلالة
(3)
الظَّاهرة.
(وَالْأَوْلَى فِي الْأَلْفَاظِ الذي
(4)
يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهَا لغَيْرِ
(5)
الطَّلَاقِ نَحْوُ: اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَرُوحِي؛ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ حَتَّى يَنْوِيَهُ)؛ لأِنَّ ما كثُرَ استِعْمالُه إذا وُجِدَ عُقَيبَ خصومةٍ، أوْ غَضَبٍ، أوْ سؤالِ طلاقٍ؛ لا يُغْنِي عن النِّيَّة؛ لأِنَّ الكثرةَ تَصْرِفُه عن إرادة الطَّلاق، بخلافِ ما قلَّ.
فلو ادَّعى أنَّه لم يَنْوِ؛ فالمنصوصُ: أنَّه لا يُصدَّقُ
(6)
في عَدَمِها
(7)
؛ لأِنَّ الجوابَ يَنصرِفُ إلى السُّؤال.
وقِيلَ: يُقبَلُ في الحكم؛ لأِثَرٍ رواه سعيدٌ عن عثمانَ
(8)
، ولأِنَّ قَولَه
(1)
في (م): حالة.
(2)
في (م): حكاه.
(3)
في (ظ): بالولاية.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي نسخ المقنع الخطية: التي.
(5)
في (م): بغير.
(6)
في (ظ): تصدق.
(7)
ينظر: زاد المسافر 3/ 266.
(8)
أخرجه سعيد بن منصور (1017)، ومسدد كما في إتحاف الخيرة (1696)، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخه (23/ 146)، عن السميط السدوسي قال: خطبت امرأة، فقالوا لي: لا نزوجك حتى تطلق امرأتك ثلاثًا. فقلت: إني قد طلقت ثلاثًا، فزوجوني، ثم نظروا فإذا امرأتي عندي، فقالوا: أليس قد طلقت ثلاثًا؟ فقلت: بلى، كانت عندي فلانة بنت فلان فطلقتها، وفلانة بنت فلان فطلقتها، وأما هذه فلم أطلقها. فأتيت شقيق بن مجزأة بن ثور وهو يريد أن يخرج إلى عثمان بن عفان وافدًا، فقلت له: سل أمير المؤمنين عن هذه. فخرج إليه فسأله، فقال عثمان:«نيته» ، إسناده جيد، قال البوصيري:(إسناد رجاله ثقات)، وسميط السدوسي يروي عن الصحابة، وهو صدوق كما في التقريب، وجاء تسميته عند مسدد: شمير.
مُحتَمِلٌ، فقبل
(1)
، كما لو كرَّر لَفْظًا، وقال: أردتُ التَّأكيدَ.
(وَمَتَى نَوَى بِالْكِنَايَةِ الطَّلَاقَ)؛ وَقَعَ بها رَجْعِيٌّ، ما لم يَقَعْ به الثَّلاثُ في ظاهر المذهب، ويشترط فيها
(2)
: أنَّ تكونَ مقارِنةً للَّفظ، وقِيلَ: أوَّله، وفي «الرِّعاية»: أوْ قبلَه، وعنه: مع خصومةٍ وغَضَبٍ، قَطَعَ به أبو الفَرَج وغيره.
(وَقَعَ بِالظَّاهِرَةِ
(3)
ثَلَاثٌ، وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً)، هذا ظاهِرُ المذهب، رُوِيَ ذلك عن عليٍّ
(4)
،
(1)
في (م): فقيل.
(2)
قوله: (فيها) سقط من (م).
(3)
في (م): بالظاهر.
(4)
أخرجه مالك (2/ 522)، أنه بلغه أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يقول في الرجل يقول لامرأته: أنت عليَّ حرام: «إنها ثلاث تطليقات» ، وهو منقطع. وأخرجه عبد الرزاق (11176)، والشافعي في الأم (7/ 181)، وسعيد بن منصور (1678)، من طريق إبراهيم النخعي، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول في الحرام، والبتة، والخلية، والبرية:«ثلاث، ثلاث» . وأخرجه عبد الرزاق (11186)، عن معمر، عن قتادة: أن عليًّا رضي الله عنه قال في البتة، والبرية، والبائنة:«هي ثلاث تطليقات» . وأخرجه أحمد في العلل (3/ 378)، من طريق عطاء بن السائب، عن أبي البختري وميسرة والحسن، عن علي أنه قال في الحرام والبتة والبائنة والخلية والبرية:«ثلاثًا ثلاثًا» ، وعطاء بن السائب صدوق اختلط، وروى عنه شعبة في بعض الأوجه، لكنه إذا جمع الشيوخ ففيها ضعف أشد، قال شعبة:(إذا حدث عن رجل واحد فهو ثقة، وإذا جمع بين اثنين فاتقه)، وأخرجه ابن أبي شيبة (18152)، والدارقطني (3976)، من طريق عطاء بن السائب، عن الحسن، عن علي رضي الله عنه قال:«الخلية، والبرية، والبتة، والبائن، والحرام ثلاث، لا تحل حتى تنكح زوجًا» ، وفي هذه الطرق انقطاع، فإبراهيم وقتادة والحسن لم يسمعوا من علي، لكنها تتقوى ولذا قال ابن حجر في الفتح (9/ 370):(جاء عن علي بأسانيد يعضد بعضها بعضًا).
وابنِ عمرَ
(1)
، وزيدِ بنِ ثابِتٍ
(2)
، وابنِ عبَّاسٍ، وأبي هريرةَ
(3)
، في وقائعَ مختلِفَةٍ، ولا
(4)
يُعرَفُ لهم مخالِفٌ في الصَّحابة، ولأِنَّه لفظٌ يَقتَضِي البَينونَةَ بالطَّلاق، فَوَقَعَ ثلاثًا؛ كما لو طلَّق ثلاثًا، وإفْضاؤه إلى البَينونَة ظاهِرٌ.
وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ المدخول بها وغيرِها؛ لأِنَّ الصَّحابةَ لم يُفرِّقوا، ولأِنَّ كلَّ لفظةٍ أوْجَبَت الثَّلاثَ في حقِّ المدخول بها؛ أوْجَبتْها في غيرِها؛ كأنتِ طالِقٌ ثلاثًا، وحديثُ رُكانةَ ضعَّفَه أحمدُ وغَيرُه.
(وَعَنْهُ: يَقَعُ مَا نَوَاهُ)، اختاره أبو الخَطَّاب؛ لِمَا رَوَى رُكانةَ: أنَّه طلَّق امرأتَه البتَّةَ، فأخبرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: «والله
(5)
ما أردتَ إلاَّ واحدةً؟» فقال رُكانةُ: واللهِ ما أردتُّ إلاَّ واحدةً،
(1)
أخرجه مالك (2/ 552)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 271)، وعبد الرزاق (11184)، وسعيد بن منصور (1679)، وابن أبي شيبة (18134)، والبيهقي في الكبرى (15019)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الخلية والبرية والبتة:«ثلاثًا، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15018)، عن سعد بن هشام، أن زيد بن ثابت، قال في البرية والحرام والبتة:«ثلاثًا ثلاثًا» ، إسناده جيد، فيه عمر بن عامر البصري متكلَّم فيه، وثقه أحمد وأبو زرعة وقال في التقريب:(صدوق له أوهام). وأخرج ابن أبي شيبة (18173)، عن قتادة، عن زيد بن ثابت نحوه، وهو منقطع.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (18141)، عن نافع؛ أن رجلاً جاء بظئر له إلى عاصم بن عمر وابن الزبير، فقال: إن ظئري هذا طلق امرأته البتة، قبل أن يدخل بها، فهل عندكما بذلك علم؟ أو هل تجدان له رخصة؟ فقالا:«لا، ولكنا تركنا ابن عباس وأبا هريرة عند عائشة فائتهم فسلهم، ثم ارجع إلينا فأخبرنا» ، فأتاهم فسألهم، فقال له أبو هريرة:«لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره» ، وقال ابن عباس:«بتت» ، وذكر مِنْ عائشة متابعة لهما. وإسناده صحيح.
(4)
في (م): ولم.
(5)
في (م): الله.
فردَّها إليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فطلَّقها الثَّانيةَ في زَمَنِ عمرَ، والثَّالثة في زمَنِ عُثْمانَ، وفي لفظٍ قال:«هو ما أردتَ» رواه أبو داودَ وصحَّحه، ابنُ ماجَهْ
(1)
والتِّرمذي، وقال: سألتُ محمَّدًا؛ يعني: البخاريَّ عن هذا الحديثِ، فقال:(فيه اضْطِرابٌ)
(2)
، ولأِنَّه عليه السلام قال لاِبْنةِ الجَون:«الْحَقِي بأهْلِكِ»
(3)
، وهو لا يُطلِّقُ ثلاثًا.
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلى أَنَّهُ يَقَعُ وَاحِدَةٌ ثَانِيةٌ
(4)
، نَقَلَها حنبلٌ
(5)
؛ لأِنَّ لَفْظَه اقْتَضَى البَينونةَ دُونَ العدد، فَوَقَعَتْ واحدةً بائنةٌ
(6)
؛ كالخُلع.
واعْلَمْ أنَّ كلامَ أكثرِ الأصحاب كالمؤلِّف، وخالَفَهم المجدُ يَجعَلُ الخِلافَ في قَبولِ قَولِه في دَعْوَى عدمِ النِّيَّة، فإنَّه قال: ولا يَقَعَ بكِنايةٍ إلاَّ بِنِيَّة.
فإن كانا في حالِ خصومةٍ، أوْ غَضبٍ، أوْ ذِكْرِ الطَّلاق، وقال: لم
(7)
أُرِدْ بها الطَّلاقَ؛ قُبِلَ منه.
وعنه: لا يُقبَلُ في الحكم خاصَّةً.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 403: وابن ماجه.
(2)
أخرجه أحمد (24009/ 91)، وأبو داود (2208)، والتِّرمذي (1177)، وابن ماجه (2051)، وابن حبان (4274)، وفي سنده: الزبير بن سعيد والجمهور على تضعيفه، وقال العجلي:(روى حديثًا منكرًا في الطلاق)، وشيخه: عبد الله بن علي بن يزيد، لين الحديث، وقال العقيلي:(لا يتابع على حديثه)، وأغلب الأئمة على نكارة هذا الحديث وتضعيفه، منهم: أحمد والبخاري والعقيلي، وقال ابن عبد البر:(ضعفوه)، وصححه ابن حبان والحاكم، وما نقل من تصحيح أبي داود له فهو تصحيح مُقيَّد وليس تصحيحًا مطلقًا، قاله ابن القيم. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 406، تهذيب السنن ط. المعرفة 3/ 134، تهذيب التهذيب 3/ 315، 5/ 325، التلخيص الحبير 3/ 458، الإرواء 7/ 139.
(3)
أخرجه البخاري (5254).
(4)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المقنع: بائنة. ويدل عليه ما بعده.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 259.
(6)
في (ظ): ثانية.
(7)
قوله: (لم) سقط من (م).
وقِيلَ: يُقبَلُ منه في الألفاظ الَّتي يَكثُرُ اسْتِعمالُها في غير الطَّلاق.
فإذا نَوَى بالكناية الظَّاهرة الطَّلاقَ؛ لَزِمَه الثَّلاثُ، إلاَّ أنْ يَنْوِيَ دونَها؛ فيُدَيَّنُ فيه، ويكون رَجْعيًّا.
وفي قَبوله في الحكم رِوايَتانِ.
وعنه: يَقَعُ طلقةً بائنةً.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ بائن
(1)
، أو البَتَّةَ، أوْ بلا رَجْعةٍ؛ فالخِلافُ السَّابِقُ، ذَكَرَه مُعظَمُ الأصحاب، زاد في «الشَّرح»: أنَّه لا يَحتاجُ إلى نيَّةٍ؛ لأِنَّه وَصَفَ بها الطَّلاقَ الصَّريحَ. فإنْ قال: أنتِ واحدةٌ بائنةٌ أوْ بَتَّةٌ؛ فرَجْعِيَّةٌ، وعنه: بائنةٌ، وعنه: ثلاثٌ؛ كأنتِ طالِقٌ واحدةٌ ثلاثًا.
وفي «الفصول» عن أبي بكرٍ في «أنتِ طالِقٌ ثلاثًا واحدةً» : تقع
(2)
واحدة
(3)
؛ لأِنَّه وَصَفَ الواحدةَ بالثَّلاث، ولَيسَ كذلك؛ لأنَّه
(4)
إنَّما وَصَفَ الثَّلاثَ بالواحدة، فَوَقَعَتِ الثَّلاثُ، ولَغَا الوَصْفُ.
(وَيَقَعُ بِالخَفِيَّةِ
(5)
مَا نَوَاهُ)؛ لأِنَّ اللَّفظَ لا دَلالةَ له على العدد، والخفية
(6)
لَيستْ في معنى الظاهرة
(7)
، فوجب اعتبار النِّيَّة، ويَكونُ الواقِعُ رجْعِيًّا فِيما إذا
(1)
في (م): بائنة.
(2)
قوله: (أنت واحدة بائنة أو بتة) إلى هنا هي في (م): (أنت طالق واحدة بائن يقع واحدة، وفي «الفصول»: عن أبي بكر في أنت طالق ثلاثًا واحدة أو بتة فرجعية، وعنه: بتة، وعنه: ثلاثًا كأنت طالق). والمثبت موافق للفروع 9/ 42.
(3)
زيد في (م): ثلاثًا.
(4)
قوله: (لأنه) سقط من (م).
(5)
في (م): بالحقيقة.
(6)
في (م): والحقيقة.
(7)
في (م): الظاهر.
نواها، وإنْ نَوَى أكثرَ - في غَيرِ أنتِ واحدةٌ، قاله القاضي والمؤلِّف -؛ وَقَعَ.
(فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا؛ وَقَعَ وَاحِدَةٌ)؛ لأِنَّها اليقينُ.
(وَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ، نَحْوُ: كُلِي، وَاشْرَبِي، وَاقْعُدِي، وَاقْرُبِي
(1)
، وَبَارَكَ اللهُ فِيكِ، وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ، أَوْ قَبِيحَةٌ؛ فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ)؛ لأِنَّه لَيسَ بكنايةٍ، (وَإِنْ نَوَى)؛ لأِنَّ اللَّفْظَ لا يَحتَمِلُ الطَّلاقَ فيه، فلو وَقَعَ به الطَّلاقُ؛ وَقَعَ بمُجرَّد النِّيَّةِ.
وقِيلَ: كُلِي واشْرَبِي كِنايةٌ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ: كُلِي أَلَم
(2)
الطَّلاق، واشْرَبِي كأسَ الفِراق، فَوَقَعَ؛ كتَجَرَّعِي.
وجوابُه: أنَّ اللَّفظَ لا يستعمل
(3)
إلاَّ فيما لا ضَرَرَ فيه، نحو قوله تعالى:{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} [الطُّور: 19]، {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النِّسَاء: 4] فلم تكن
(4)
كنايةً، وفارَقَ: تجرَّعِي وذُوقِي، فإنَّه يُستَعْمَلُ في المكان
(5)
؛ لقوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)} [الدّخان: 49].
(وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ)؛ لأِنَّ الزَّوجَ لَيسَ مَحَلًّا للطَّلاق.
(فَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: لا تَطلُقُ زَوجتهُ، نَصَّ عليه في رواية الأثْرَم
(6)
، وقاله ابنُ عبَّاسٍ، رواه
(7)
أبو عُبَيدٍ والأثْرَمُ
(8)
، ولأِنَّ الرَّجلَ
(1)
في (م): وامري.
(2)
في (م): أتم.
(3)
قوله: (لا يستعمل) في (م): المستعمل.
(4)
في (م): فلم يكن.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 395، والشرح الكبير 22/ 261: في المكاره.
(6)
ينظر: المغني 7/ 396.
(7)
في (م): رواية.
(8)
أخرجه أبو عبيد في الغريب (865)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15050)، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سئل عن رجل جعل أمر امرأته بيدها، فقالت: أنت طالق ثلاثًا، فقال ابن عباس:«خطأ الله نوءها، ألا طلقت نفسها ثلاثًا» . وأخرجه عبد الرزاق (11918)، ومن طريقه ابن حزم (9/ 296)، عن مجاهد. وأخرجه عبد الرزاق (11919)، وسعيد بن منصور (1642)، وابن أبي شيبة (18090)، عن عطاء. وأخرجه ابن أبي شيبة (18091)، والبيهقي في الكبرى (15051)، عن سعيد بن جبير. وهي أسانيد صحاح، قال ابن حزم:(وهذا في غاية الصحة عن ابن عباس)، واحتج به أحمد كما في المغني 7/ 396.
مالِكٌ في النِّكاح، والمرأةَ مملوكةٌ، فلم يَقَعْ بإضافة الإزالة إلى المالك؛ كالعتق.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّهُ كِنَايَةٌ)، تَطلُقُ به بالنِّيَّة، رُوِيَ عن عمرَ وابنِ مسعودٍ
(1)
؛ لأِنَّ الطَّلاقَ إزالةُ النِّكاح، وهو مُشتَرَكٌ بَينَهما، فإذا صحَّ في أحدهما صحَّ في الآخَر.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه لا خِلافَ أنَّ الطَّلاقَ المذكورَ لا يقع من
(2)
غيرِ نيَّةٍ، ولو سَاوَى الرَّجلُ المرأةَ لَوَقَعَ بغَيرِ نيَّةٍ، كما لو قال لها: أنتِ طالِقٌ، ولأن
(3)
وقوعَه هنا
(4)
يَستَلْزِمُ وقوعَه في: أنا طالِقٌ؛ إذْ لا فَرْقَ بَينَهُما.
(وَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ، أَوْ حَرَامٌ)، أوْ بَرِيءٌ؛ (فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ أَوْ لَا
(5)
؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «الفروع» ، وهذه المسألةُ تَوقَّفَ عنها أحمد
(6)
:
(1)
أخرجه عبد الرزاق (11914)، وسعيد بن منصور (1640)، وابن أبي شيبة (18086)، والطبراني في الكبير (9650)، والبيهقي في الكبرى (15038)، عن إبراهيم، عن علقمة والأسود، أن رجلاً جعل أمر امرأته بيدها، فطلقت نفسها ثلاثًا - وفي لفظ: قالت: فأنتَ طالق ثلاثًا -، قال عبد الله رضي الله عنه:«هي واحدة» ، ثم لقي عمر رضي الله عنه فقال:«نعم ما رأيت» ، وإسناده صحيح.
(2)
في (م): عن.
(3)
في (م): ولأنه.
(4)
قوله: (هنا) سقط من (م).
(5)
قوله: (أو لا) سقط من (م).
(6)
في (م): أحمد عنها. وينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 423.
أشْهَرُهُما: أنَّه لَغْوٌ؛ لأِنَّ الرَّجلَ محلٌّ
(1)
لا يَقَعُ الطَّلاقُ بإضافةِ صريحه إليه، فلم يَقَعْ بإضافة كنايته إليه؛ كالأجنبيِّ. والثَّاني: كنايةٌ؛ لأِنَّ هذا اللفظَ يُوصَفُ به كلٌّ من الزَّوجَينِ، يُقالُ: بان منها، وبانَتْ منه، وحَرُمَ عليها، وحَرُمَتْ عليه، وبَرِئَ منها، وبَرِئَتْ منه.
وكذا لفظُ الفُرقة.
فإنْ قال: أنا بائنٌ، بحذف
(2)
(منكِ)، فذكر القاضي إذا قال
(3)
: أمْرُكِ بيدك، فقالت: أنتَ بائنٌ، ولم تَقُلْ: منِّي؛ أنَّه لا يَقَعُ، وجْهًا واحدًا، وإنْ قالت
(4)
: أنتَ منِّي بائِنٌ؛ فعلى وجهَينِ، فيُخرَّجُ هنا مِثْلُه.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ؛ لَمْ يَقَعْ، وَكَانَ ظِهَارًا)؛ لأِنَّه صريحٌ في الظِّهار، فلم يكُنْ كنايةً في الطَّلاق، كما لا يكون الطَّلاقُ صريحًا في الظِّهار، ولأِنَّ الظهار تشبيهٌ بمَنْ تحرم
(5)
عليه على التَّأبيد، والطَّلاقُ يُفِيدُ تحريمًا غيرَ مُؤبَّدٍ، ولو صرَّح به فقال: أعْنِي به الطَّلاقَ؛ لم يَصِرْ طَلَاقًا؛ لأِنَّه لا تَصلُح الكنايةُ به عنه.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، أَوْ مَا أَحَلَّ اللهُ عَلَيَّ حَرَامٌ)، أو الحِلُّ عليَّ حرامٌ، زاد في «الرِّعاية»: أو حرَّمْتُكِ؛ (فَفِيهِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) عن الإمام أحمدَ رضي الله عنه:
(إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ ظِهَارٌ وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ، اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ)، وهو المنصوصُ في روايةِ جماعةٍ
(6)
، وقاله
(7)
عثمانُ
(1)
قوله: (محل) مكانه بياض في (م).
(2)
قوله: (بحذف) مكانه بياض في (م).
(3)
قوله: (قال) سقط من (م).
(4)
في (م): قال.
(5)
في (م): يحرم.
(6)
ينظر: مسائل صالح 1/ 206، مسائل عبد الله ص 343، مسائل ابن منصور 4/ 1901.
(7)
في (م): وقال.
وابنُ عبَّاسٍ
(1)
، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع»؛ لقولِ ابنِ عبَّاسٍ: «في الحرام تحريرُ رقبةٍ، فإنْ لم يَجِدْ فصيام
(2)
شهرَينِ مُتَتابِعَينِ، فإن لم يستطع
(3)
فإطعامُ ستِّينَ مسكينًا» رواه الأثْرَمُ
(4)
، ولأِنَّه صريحٌ في تحريم الزَّوجة، فكان ظِهارًا، وإنْ نَوَى غَيرَه.
(وَالثَّانِيَةُ: كِنَايَةٌ ظَاهِرَةٌ)، نَقَلَ الأثْرَمُ وحنبلٌ:(الحرامُ ثلاثٌ، حتَّى لو وَجَدْتُ رجلاً حرَّم امرأتَه عليه، وهو يَرَى أنَّها واحدةٌ؛ فرَّقت بَينَهما)
(5)
، مع أنَّ أكثرَ الرِّواياتِ عنه كراهةُ الفُتْيا في الكناية الظَّاهرة، قال في «المستوعب»: لاِخْتِلافِ الصَّحابة، ولأِنَّه لو قال: أنا منكِ حرامٌ؛ كان كنايةً في وَجْهٍ، فتجب
(6)
إذا قال: أنتِ حرامٌ كذلك.
وعنه: كنايةٌ خَفِيَّةٌ.
(وَالثَّالِثَةُ): هو (يَمِينٌ)، وقالَه أبو بكرٍ، وعمرُ، وابنُ عبَّاسٍ، وعائشةُ
(7)
،
(1)
أخرجه حرب الكرماني في مسائله (2/ 532)، عن محمد بن فضاء، عن أبيه، عن جده، أن عثمان بن عفان قال في الرجل يقول لامرأته: أنتِ عليَّ حرام. فقال عثمان: «عليه ما على المظاهر» ، محمد بن فضاء بن خالد الأزدي، أبو بحر البصري، ضعيف، وأبوه وجده مجهولان.
(2)
قوله: (فصيام) سقط من (م).
(3)
في (ظ): لم يجد.
(4)
أخرجه أبو عوانة (4552)، والنسائي (3420)، والطبراني في الكبير (12246)، والدارقطني (4016)، والحاكم (3825)، والبيهقي في الكبرى (15057)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أتاه رجل فقال: إني جعلت امرأتي عليَّ حرامًا، قال:«كذبت، ليست عليك بحرام» ، ثم تلا هذه الآية:{يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ، «عليك أغلظ الكفارة: عتق رقبة»، إسناده صحيح، وصححه ابن القيم في إعلام الموقعين 4/ 458.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 44.
(6)
في (م): فيجب.
(7)
أثر أبي بكر وعمر رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور (1695)، وابن أبي شيبة (18200)، عن جويبر، عن الضحاك: أن أبا بكر وعمر وابن مسعود، قالوا في الحرام:«يمين» ، وأخرجه الطبراني في الكبير (9634)، ولم يذكر فيه أبا بكر. قال الهيثمي في مجمع الزوائد 4/ 337:(فيه جويبر، وهو متروك، والضحاك لم يدرك ابن مسعود)، وفي التلخيص 3/ 466:(ضعيف ومنقطع أيضًا). وأخرج عبد الرزاق (11360)، وسعيد بن منصور (1701)، وابن أبي شيبة (18189)، وأحمد (1976)، والدارقطني (4007)، والبيهقي في الكبرى (15056)، عن عكرمة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في الحرام:«يمين يكفرها» ، عكرمة لم يدرك عمر.
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (18191)، والدارقطني (4057)، والبيهقي في الكبرى (15060)، عن مطر الوراق، عن عطاء، عن عائشة قالت في الحرام:«يمين تكفر» ، مطر الوراق ضعيف خاصة في عطاء.
روى
(1)
سعيد بن جبير: أنَّه سَمِعَ ابنَ عبَّاسٍ يقول: «إذا حرَّم الرَّجلُ عليه امرأتَه؛ فهو
(2)
يمينٌ يكفِّرُها»
(3)
، ولقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ
…
(1)} الآية [التّحْريم: 1]، فجَعَلَ الحرامَ يمينًا.
قال في روايةِ مُهَنَّى
(4)
: إذا قال: أنتِ عليَّ حرامٌ، ونَوَى يمينًا، ثُمَّ تَرَكَهَا أربعةَ أشْهُرٍ؛ لا يكونُ إيلاءً، إنَّما الإيلاءُ أنْ يَحلِفَ بالله أن
(5)
لا يَقرَبَ امرأتَه، فظاهِرُه: أنَّه إذا نَوَى اليَمينَ كان يمينًا.
فإنْ نَوَى شيئًا؛ فعنه: نيَّتُه، والأَشْهَرُ: أنَّه ظِهارٌ.
فإنْ نَوَى ظهارًا أوْ طلاقًا؛ فظِهارٌ.
وإنْ قالَه لمحرَّمةٍ بحَيضٍ ونحوِه، ونوى
(6)
أنَّها مُحرَّمةٌ به؛ فلَغْوٌ.
وكذا إنْ أطلق
(7)
؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ الخَبَرَ،
(1)
زيد في (م): عن.
(2)
في (م): امرأة فهي.
(3)
أخرجه البخاري (5266)، ومسلم (1473)، واللفظ له.
(4)
ينظر: المغني 7/ 414.
(5)
قوله: (أن) سقط من (م).
(6)
في (م): فنوى.
(7)
في (م): طلق.
ويَحتَمِلُ إنشاءَ التَّحريم، ذكره
(1)
المؤلِّفُ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه: كإطلاقه لأِجْنَبِيَّةٍ.
فرعٌ: مَنْ حَلَفَ بالطَّلاق أنَّه لا حقَّ عليه لزَيدٍ، فقامت عليه بيِّنةٌ شرعيَّةُ؛ حَنِثَ حُكْمًا، ذَكَرَه السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ.
(فَإِنْ
(2)
قَالَ: مَا أَحَلَّ اللهُ عَلَيَّ حَرَامٌ؛ أَعْنِي: بِهِ الطَّلَاقَ، فَقَالَ أَحْمَدُ: تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه صريحٌ بلفظِ الطَّلاق، وَوَقَعَ ثلاثًا؛ لأِنَّ الطَّلاقَ مُعرَّفٌ بالألف واللام
(3)
، وهو يَقتَضِي الاِسْتِغْراقَ.
وعَنْهُ: يَقَعُ ما نَواهُ؛ لأِنَّهما يرادان
(4)
لغير الاِسْتِغْراق، لا سيَّما في أسماء الأجناس
(5)
.
ونَقَلَ أبو داودَ فِيمَن قال لرجلٍ: ما أحلَّ الله عليه حرامٌ؛ يعني: به الطَّلاقَ، إنْ دَخَلْتُ لك في خَيرٍ أوْ شرٍّ، والرَّجلُ مريضٌ يَعودُه؟ قال: لا، ولا يُشَيِّعُ جنازتَه، أخاف أنَّه ثلاثٌ، ولا أُفْتِي به
(6)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَعْنِي بِهِ طَلَاقًا؛ طَلَقَتْ وَاحِدَةً)، رواه عنه جماعةٌ
(7)
، وهي المشهورةُ؛ لأِنَّه صريحٌ في الطَّلاق، وليس هذا صريحًا في الظِّهار، إنَّما هو صريحٌ في
(8)
التَّحريم، وهو يَنقَسِمُ إلى قِسْمَينِ، فإذا بَيَّنَ بلَفْظِه إرادةَ تحريمِ الطَّلاق؛ صُرِفَ إليه.
(1)
في (م): وذكره.
(2)
في (ظ): وإن.
(3)
في (م): معروف بألف ولام.
(4)
في (م): يردان.
(5)
في (م): الأخبار.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 237.
(7)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 180.
(8)
قوله: (في) سقط من (م).
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ ظِهَارٌ فِيهِمَا)، أيْ: في المسألتَينِ؛ لأِنَّه صريحٌ فيه، فلم يَصِرْ طَلَاقًا بقوله
(1)
: أعْنِي به الطَّلاقَ، أو طَلاقًا.
فرعٌ: لو نَوَى في: حرَّمْتُكِ على غَيرِي؛ فكطلاق، ذَكَرَه في «التَّرغيب» وغيره.
ولو قال: فِراشِي عليَّ حرامٌ، فإنْ نَوَى امرأتَه؛ فظِهارٌ، وإنْ نَوَى فراشَه؛ فهو يمينٌ، نقله ابنُ هانِئٍ
(2)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ، وَالدَّمِ)، والخمر؛ (وَقَعَ مَا نَوَاهُ) على المذهب، (مِنَ الطَّلَاقِ)؛ لأِنَّه إذا نَواهُ فهو طلاقٌ؛ لأِنَّه يَصلُحُ أنْ يكونَ كنايةً فيه، ويَقَعُ ما نَواهُ من العدد، (وَالظِّهَارِ) إذا نَواهُ، وهو أن
(3)
يَقصِدَ تحريمَها عليه مع بقاء نكاحها؛ لأِنَّه يُشبِهه
(4)
، ويَحتَمِلُ أنْ لا يكونَ ظِهارًا، وجَزَمَ به في «عيون المسائل»؛ كما لو قال: أنتِ عليَّ كظَهْر البهيمة، (وَالْيَمِينِ)، وهو يُريدُ بذلك تَرْكَ وَطْئِها، لا تحريمَها، ولا طلاقَها، فهو يمينٌ، ولأِنَّ فائدةَ كَونِه يمينًا تَرتُّبُ الحِنْث والبرِّ
(5)
، ثُمَّ ترتُّبُ الكَفَّارة وعدمها، وفي ذلك نظرٌ مِنْ حَيثُ إنَّ قوله: كالمَيْتَة؛ ليس بصريحٍ في اليمين؛ لأِنَّه لو كان صريحًا لما
(6)
انصرَفَ إلى غيرها بالنِّيَّة، وإذا
(7)
لم يكُنْ صريحًا لم تَلزَمْهُ الكَفَّارةُ؛ لأِنَّ اليمينَ بالكناية لا تنعقِدُ؛ لأِنَّ الكَفَّارةَ إنَّما تَجِبُ لِهَتْك القَسَمِ.
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا؛ فَهَلْ يَكُونُ ظِهَارًا، أَوْ يَمِينًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، هما رِوايَتانِ:
(1)
في (م): يقوله.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 334.
(3)
قوله: (أن) سقط من (ظ).
(4)
في (م): بشبهة.
(5)
قوله: (والبر) سقط من (م).
(6)
قوله: (لما) سقط من (م).
(7)
في (م): وإن.
أصحُّهما: أنَّه ظِهارٌ؛ لأِنَّ معناه: أنتِ حرامٌ عليَّ كالميتة والدَّم، فإنَّ تشبيهَها بهما يَقتَضِي التَّشْبيهَ بهما في الأمر الَّذي اشتهرَا بِهِ، وهو
(1)
التَّحريم؛ لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المَائدة: 3].
والثَّاني: أنَّه يمينٌ؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ الذِّمَّة، فإذا أتى بلفظٍ مُحتَمِلٍ؛ ثَبَتَ فيه أقلُّ الحُكْمَينِ؛ لأِنَّه اليقينُ، وما زاد مشكوكٌ فيه.
(وَإِنْ قَالَ: حَلَفْتُ بِالطَّلَاقِ)، أو قال: عليَّ يمينٌ بالطَّلاق، (وَكَذَبَ؛ لَزِمَهُ إِقْرَارُهُ فِي الْحُكْمِ) على الأصحِّ؛ لأِنَّه خلافُ ما أقرَّ به؛ ولأنَّه إذا أقرَّ، ثُمَّ قال: كَذَبْتُ؛ كان جحودًا بعدَ الإقرار، فلا يُقبَلُ؛ كما لو أقرَّ بدَينٍ ثُمَّ أنْكَرَ.
والثَّانيةُ: لا يَلزَمُه شَيءٌ؛ لأِنَّه لم يَحلِفْ، واليمينُ إنَّما تكون بالحَلِف.
(وَلَا يَلْزَمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى) على الأصحِّ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ ما قاله؛ لأِنَّ الذي قَصَدَ الكَذِبَ لا نيَّةَ له في الطَّلاق، فلا يَقَعُ به شَيءٌ؛ لأِنَّه لَيسَ بصريحٍ في الطَّلاق، فلم يَقَعْ به؛ كسائر الكنايات.
وحَكَى في «زاد المسافر» عن الميمونيِّ أنَّ أحمدَ قال: إذا حَلَفت بالطَّلاق، ولم يكُنْ حَلف؛ يَلزَمُه الطَّلاقُ، ويُرجَع إلى نيَّته في الثَّلاث والواحدة.
وقال القاضي: مقْتَضَى قولِ أحمدَ: (يَلزَمُه الطَّلاقُ)؛ أي: في الحكم، ويجعل
(2)
أنَّه طلاق إذا نواه.
فرعٌ: يُقبَلُ قَولُه في قَدْرِ ما حَلَفَ به، وفي الشَّرط الذي علَّق اليمينَ به؛ لأِنَّه أعْلَمُ بحاله، ويُمكِنُ حملُ كلامِ أحمدَ على هذا، فيَلزَمُه في ظاهر الحكم، لا فِيمَا بَينَه وبَينَ الله تعالى.
(1)
في (ظ): هو.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 401، والشرح الكبير 22/ 277: ويحتمل.
(فَصْلٌ)
(إِذَا قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: أَمْرُكِ بِيَدِكِ)؛ فهِيَ كِنايةٌ ظاهِرةٌ، (فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً) في ظاهر المذهب، وأفْتَى به أحمدُ مِرارًا
(1)
، ورواه البخاريُّ في «تاريخه» عن عثمانَ
(2)
، وقاله عليٌّ
(3)
، وابنُ عمرَ
(4)
، وابنُ عبَّاسٍ
(5)
، وفَضَالةُ
(6)
، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِمَا رَوَى أبو داودَ
(1)
ينظر: مسائل أبي داود ص 237، مسائل صالح 2/ 256، مسائل ابن منصور 4/ 1757.
(2)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 285)، عن زرارة بن ربيعة، عن أبيه، عن عثمان رضي الله عنه، في أمرك بيدك:«القضاء ما قضت» . وزرارة بن ربيعة بن أبي الحلال، ذكره ابن خلفون في الثقات، ونَقَل عن البزار أنه قال:(مشهور، حدث عنه شعبة وغيره)، وأبو الحلال وثقه ابن معين وابن سعد وغيرهما. وأخرجه عبد الرزاق (11902)، وسعيد بن منصور (1615)، وابن أبي شيبة (18077)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (2/ 118)، وغيرهم من طريق غيلان بن جرير، عن أبي الحلال به. وحسن إسناده يعقوب بن سفيان والألباني. ينظر: تعجيل المنفعة 1/ 545، الإرواء 7/ 116.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11910)، وسعيد بن منصور (1656)، وابن أبي شيبة (18120)، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه قال:«إذا جعل أمرها بيدها، فالقضاء ما قضت، هي وغيرها سواء» ، وفي لفظ:«هو بيدها حتى تتكلم» ، الحكم بن عتبة لم يلق عليًّا. ينظر: جامع التحصيل ص 106.
(4)
أخرجه مالك (2/ 553)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 270)، وعبد الرزاق (11906)، وسعيد بن منصور (1619)، وابن أبي شيبة (18083)، والبيهقي في الكبرى (20728)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:«إذا ملَّك الرجل امرأته أمرها، فالقضاء ما قضت به، إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة، فيحلف على ذلك، ويكون أملك بها ما كانت في عدتها» ، إسناده صحيح.
(5)
تقدم تخريجه 8/ 164 حاشية (8).
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (18080)، عن قتادة، عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال:«القضاء ما قضت» ، قتادة لم يسمع من فضالة، وأخرجه حرب في مسائله (2/ 552)، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن فضالة، وإسناده صحيح.
والتِّرمذي بإسْنادٍ رجالُه ثِقاتٌ، عن أبي هريرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «هو ثلاثٌ» ، قال البخاريُّ:(هو مَوقُوفٌ على أبي هريرةَ)
(1)
، ولأِنَّه يَقتَضِي العمومَ في جميع أمرها؛ لأِنَّه اسمُ جنسٍ مضافٌ، فيَتَناوَلُ الطَّلَقاتِ الثَّلاثَ، كما لو قال: طلِّقِي نفسَكِ ما شِئْتِ، فلو قال: أردتُ واحدةً؛ لم يُقبَلْ؛ لأِنَّه خلافُ مُقتَضَى اللَّفظ، ولا يُدَيَّنُ.
وعنه: واحدةٌ ما لم يَنْوِ أكثرَ، قَطَعَ به أبو الفرَج، وصاحبُ «التَّبصرة» ، كاخْتاري.
وعنه: فيه
(2)
غيرُ مكرَّرٍ ثلاثًا.
وعنه: ثلاثٌ بنيَّتِهما لها، كقوله في الأصحِّ: طلِّقِي نفسَكِ ثلاثًا، فتطلقُ بنيَّتِها
(3)
.
(وَهُوَ فِي يَدِهَا)؛ أيْ: هو على التَّراخي، نَصَّ عليه
(4)
؛ لقول عليٍّ
(5)
، ولم يُعرَفْ له مُخالِفٌ في الصَّحابة، فكان كالإجماع، ولأنَّه
(6)
نوعُ تمليكٍ في الطَّلاق، فمَلَكَه المفوَّض
(7)
إليه في المجلس وبعدَه؛ كما لو جعله لأِجْنَبِيٍّ، (مَا لَمْ يَفْسَخْ)، فإنْ فَسَخَها؛ بَطَلَت الوكالةُ؛ كسائر الوكالات، (أَوْ يَطَأْ)؛
(1)
أخرجه أبو داود (2204)، والتِّرمذي (1178)، والنسائي (3410)، والحاكم (2824)، وإسناده منكر، فيه: كثير بن أبي كثير البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة، وهو ليس بالمشهور، تفرد برفعه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وأعله مرفوعًا البخاري، وقال:(حديث منكر)، وقال الحاكم (حديث غريب صحيح). ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 171، السنن الكبرى للبيهقي 7/ 571، ضعيف سنن أبي داود 2/ 234.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(3)
في (م): بينتهما.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 238، مسائل صالح 1/ 343، مسائل ابن منصور 4/ 1606.
(5)
تقدم تخريجه قريبًا 8/ 172 حاشية (3).
(6)
في (م): لأنه.
(7)
في (ظ): المقبوض.
لأِنَّه يَدُلُّ على الفسخ، أشبه ما لو فسخ بالقول.
وقِيلَ: يتقيَّد بالمجلس؛ كالخيار.
وجوابُه: بأنَّه تَوكيلٌ مُطلَقٌ، أشْبَهَ التَّوكيلَ في البيع.
ويُعتبَرُ أهليَّتُها، فلا يصحُّ
(1)
من صغيرةٍ ولا مجنونةٍ.
فرعٌ: يجوزُ أنْ يَجعَلَ أمْرَ امرأتِه بعِوَضٍ، قال أحمدُ: إذا قالت: اجْعَلْ أمْرِي بيدي وأُعْطِيكَ عَبْدِي؛ فلها أنْ تختارَ، ما لم يَطَأْ
(2)
؛ لأِنَّ التَّوكيلَ لا يَبطُلُ بدخول العِوَض فيه.
(وَإِنْ قَالَ: اخْتَارِي نَفْسَكِ؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ) رَجْعيَّةٍ، حكاه أحمدُ
(3)
عن ابن عمرَ
(4)
، وابن مسعودٍ
(5)
، وزيدِ بنِ ثابِتٍ
(6)
،
(1)
في (م): فلا تصح.
(2)
ينظر: المغني 7/ 332.
(3)
ينظر: زاد المعاد 5/ 269.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (11912)، عن معمر، عن قتادة، أن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«من ملك امرأته، طلقت، وعصى ربه» ، وهو منقطع، وأخرجه أيضًا (11911)، عن معمر، عن خلاد بن عبد الرحمن قال: أخبرني من سأل ابن عمر عن رجل ملك امرأته أمرها، فطلقت نفسها ثلاثًا، فقال:«طلقت، ورغم أنفه» ، وفي سنده راو مبهم.
وأخرج مالك (2/ 553)، وعبد الرزاق (11905)، ومن طريق مالكٍ الشافعي كما في المسند (ص 229)، والبيهقي في الكبرى (15042)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر كان يقول:«إذا ملَّك الرجل امرأته أمرها، فالقضاء ما قضت به، إلا أن ينكر عليها، ويقول: لم أرد إلا واحدة، فيحلف على ذلك، ويكون أملك بها ما كانت في عدتها» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (11977) وسعيد بن منصور (1648)، وابن أبي شيبة (18093)، عن الشعبي، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «إذا خير الرجل امرأته فاختارت نفسها فواحدة بائنة، وإن اختارت زوجها فلا شيء» ، والشعبي لم يسمع من ابن مسعود، وأخرجه عبد الرزاق (11973)، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن مسعود قال:«إن اختارت زوجها فليس بشيء، وإن اختارت نفسها فهي واحدة وهو أحق بها» ، وهو منقطع أيضًا بين مجاهد وابن مسعود، لكن يتقوى بما قبله.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (11976)، وابن أبي شيبة (18100)، عن خارجة بن زيد وأبان بن عثمان، عن زيد بن ثابت قال:«إذا ملَّك الرجل امرأته أمرها، فاختارت نفسها؛ فهي واحدة وهو أحق بها» ، وعند ابن أبي شيبة:«إن اختارت نفسها فواحدة، وهو أملك بها، وإن اختارت زوجها فلا شيء» ، وإسناد صحيح.
وروي عن زيد خلافه: أخرج سعيد بن منصور (1648)، والبيهقي في الكبرى (15029)، عن الشعبي عنه أنه قال:«إن اختارت نفسها فثلاث» ، وأخرج عبد الرزاق (11975)، عن إبراهيم عن زيد مثله، وكلاهما منقطع بين الشعبي وإبراهيم وبين زيد بن ثابت.
وأخرج ابن أبي شيبة (18097)، والطحاوي في شرح المعاني (5440)، والبيهقي في الكبرى (15027)، من طريق عيسى بن عاصم عن زاذان، وذكر قصة، وفيه أن عليًّا رضي الله عنه أرسل له زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:«إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة» ، وإسناده رجالهم ثقات، ولم نقف لعيسى بن عاصم رواية عن زاذان.
وأخرجه ابن أبي شيبة (18099)، من طريق أشعث، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن زيد بن ثابت قال:«إن اختارت نفسها فثلاث، وإن اختارت زوجها فواحدة» ، وأشعث بن سوار ضعيف.
وعائشةَ
(1)
، وغيرِهم، ولأِنَّ اخْتارِي تَفْويضٌ مُعيَّنٌ، فيَتناوَلُ ما يَقَعُ عليه الاسمُ، وهو طلقةٌ رجعية
(2)
؛ لأِنَّها بغَيرِ عِوَضٍ، بخلاف ما سَبَقَ، فإنَّه أمرٌ مُضافٌ إليها، فيتناول
(3)
جميعَ أمْرِها.
(إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ)؛ كاخْتارِي ما شئتِ، أوْ ثِنتَينِ، أوْ ثلاثًا، أوْ نيته
(4)
، وهو أنْ يَنْوِيَ بقوله:«اختاري» عددًا؛ فإنَّه يُرجَعُ إلى ما نواه؛ لأِنَّها كنايةٌ خفيَّةٌ.
(وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ إِلاَّ مَا دَامَتْ فِي الْمَجْلِسِ)، وظاهِرُه: ولو طالَ، (وَلَمْ يَتَشَاغَلَا بِمَا يَقْطَعُهُ)، ذَهَبَ أكثرُ العلماء أنَّ التَّخييرَ على الفور، رواه النجاد
(5)
عن عمرَ
(1)
لم نقف عليه.
(2)
زيد في (م): لأنها رجعية.
(3)
في (م): فيتناوله. وسقط منها قوله: (إليها).
(4)
في (م): نية.
(5)
في (م): البخاري.
وعثمانَ
(1)
، ورُوِيَ عن ابنِ مسعودٍ
(2)
وجابِرٍ
(3)
، ونَصَّ عليه أحمدُ
(4)
. وقِيلَ: مُتَراخٍ؛ كالأمر، وقالَهُ ابنُ المنذر
(5)
، واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم لعائشة: «إنَّي ذاكِرٌ لكِ أمْرًا، فلا
(6)
عليكِ ألاَّ تَعْجَلِي حتَّى تَستَأْمِرِي أبويكِ
(7)
»
(8)
، وكان واجِبًا عليه.
وجوابُه: أنَّه قَولُ مَنْ سَمَّيْنا، ولأِنَّه خِيارُ تمليكٍ، فكان على الفور؛ كخيار القَبول، وأمَّا الخَبرُ؛ فإنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لها الخِيارَ على التَّراخِي، وخِلافُنا في المطْلَقِ، وأمْرُكِ بيَدكِ؛ تَوكيلٌ، والتَّوكيلُ يَعُمُّ الزَّمان، ما لم يقيده
(9)
بقَيدِ، بخَلافِ مسألتنا.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (11938)، وابن أبي شيبة (18111)، والبيهقي في المعرفة (14761)، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، كانا يقولان:«أيما رجل ملك امرأته أمرها وخيَّرها، فافترقا من ذلك المجلس، فلم تحدث فيه شيئًا؛ فأمرها إلى زوجها» ، فيه المثنى بن الصباح، وبه ضعفه البيهقي، قال الحافظ في الدراية 2/ 71:(وفي إسناده ضعف).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11929)، وسعيد بن منصور (1636)، وابن أبي شيبة (18112)، والطبراني في الكبير (9652)، والبيهقي في المعرفة (14762)، عن مجاهد قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا جعل الرجل أمر امرأته بيد رجل، فقام قبل أن تقضي في ذلك شيئًا؛ فلا أمر لها» ، قال البيهقي:(منقطع بينه وبين مجاهد).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11935)، وابن أبي شيبة (18113)، والبيهقي في المعرفة (14763)، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه قال:«إن خيَّر رجلٌ امرأته فلم تقل شيئًا حتى تقوم؛ فليس بشيء» ، صحح إسناده في الدراية 2/ 71.
(4)
ينظر: مسائل صالح 1/ 406.
(5)
ينظر: الإشراف 5/ 208.
(6)
في (م): ولا.
(7)
في (م): أبوك.
(8)
أخرجه البخاري (2468)، ومسلم (1475).
(9)
في (م): لم يتقيده.
وعنه: إنْ لم يَتَّصِل الجوابُ؛ لم يَقَعْ.
وشَرْطُه: ما لم يشتغلا
(1)
بقاطِعٍ؛ لأِنَّه بالتَّشاغُل يكونُ إعْراضًا عن قوله
(2)
: اخْتارِي، ومن المقول لها إعراضًا عن القَبول، أشْبَهَ ما لو افْتَرَقا.
(فَإِنْ جَعَلَ لَهَا الْخِيَارَ الْيَوْمَ كُلَّهُ)؛ جاز، (أَوْ جَعَلَ
(3)
أَمْرَهَا فِي يَدِهَا، فَرَدَّتْهُ)؛ بَطَلَ كالوكيل، (أَوْ رَجَعَ فِيهِ أَوْ وَطِئَهَا؛ بَطَلَ خِيَارُهَا، هَذَا
(4)
الْمَذْهَبُ) المنصوصُ عليه
(5)
، أنَّ (أمرَكِ بيَدِكِ) على التَّراخي، و (اخْتارِي) على الفَورِ.
ويَحتَمِلُ: ألاَّ تَنفَسِخَ الوكالة بالوطءِ
(6)
؛ كما لو وكَّلَه في بَيعِ دارٍ وسَكَنها.
(وَخَرَّجَ أَبُو الْخَطَّابِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ وَجْهًا مِثْلَ حُكْمِ الْأُخْرَى)؛ أيْ: يقاس
(7)
كلٌّ من المسألتَينِ على الأخرى، وقد ذَكَرَ المؤلِّفُ في كلِّ مسألةٍ حُكْمَينِ، الأولى على التَّراخي، وأنَّ لها
(8)
أنْ تُطلِّقَ ثلاثًا، وفي الثَّانية الفور
(9)
، وأنْ لَيسَ لها أنْ تُطلِّقَ أكثرَ من واحدةٍ إلاَّ بشَرْطِه.
قلتُ: كلامُ أبي الخَطَّاب في كتابِهِ
(10)
من حيثُ اللَّفظ؛ لا يَقتَضِي تخريجَ
(1)
في (م): لم يشتغل.
(2)
في (م): بقوله.
(3)
في (م): وجعل.
(4)
في (م): على.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 238، مسائل صالح 1/ 343، مسائل ابن منصور 4/ 1606.
(6)
قوله: (بالوطء) سقط من (ظ).
(7)
قوله: (وأن لها) في (م): ولها.
(8)
قوله: (وأن لها) في (م): ولها.
(9)
في (م): بالفور.
(10)
في (م): كناية.
العدد
(1)
من إحدى
(2)
المسألتَينِ على الأخرى، ومِن حَيثُ إنَّه نفى الفرق بينَهما؛ يقتضي ذلك، إلاَّ أنَّه يمكن حمله
(3)
على نفيِ الفَرْق مِنْ حَيثُ التَّراخي والفَور، لا مِنْ حَيثُ العدد.
تنبيهٌ: إذا قال: اخْتارِي اليومَ وغَدًا وبعدَ غدٍ؛ فلها ذلك، فإنْ ردَّته
(4)
في الأول؛ بَطَلَ
(5)
كلُّه؛ لأِنَّه خِيارٌ واحدٌ، بخِلافِ ما لو قال: اخْتارِي اليومَ وبعد
(6)
غدٍ
(7)
، فإنَّها إذا ردَّتْه في الأوَّل؛ لم يَبطُلْ بعدَ غدٍ؛ لأِنَّهما خِيارانِ يَنفَصِلُ أحدهما
(8)
عن صاحبه.
فإنْ نَوَى بقوله: اخْتارِي نفسكِ
(9)
؛ إيقاعَ الثَّلاث؛ وَقَعَ.
وإنْ كرَّر اخْتارِي ثلاثًا؛ فإنْ أراد إفْهامَها، ولَيسَ له نيَّةٌ؛ فواحدةٌ، وإلاَّ فثلاثٌ، نَصَّ عليه
(10)
، وإنْ أطْلَقَ فرِوايَتانِ، قاله
(11)
في «المغْنِي» .
فلو خيَّرها شهرًا، فاختارت نفسَها، ثُمَّ تزوَّجَها؛ لم يكن لها
(12)
عليه خيارٌ؛ لأِنَّ الخِيارَ المشروطَ في عَقْدٍ لا يَثبُتُ في عَقْدٍ سِواهُ؛ كالبيع.
فرعٌ: إذا قال: اخْتارِي نفسَكِ يومًا، فابتداؤه
(13)
مِنْ حِينَ نَطَقَ إلى مثله
(1)
في (م): العدة.
(2)
في (م): أحد.
(3)
في (م): حكمه.
(4)
في (م): درته.
(5)
في (م): لم يبطل. والمثبت موافق للمغني والشرح.
(6)
في (ظ): بعد.
(7)
عبارة الشرح الكبير 22/ 288: وإن قال: اختاري نفسك اليوم، واختاري نفسك غدًا.
(8)
في (م): منفصل إحداهما.
(9)
في (م): لنفسك.
(10)
ينظر: المغني 7/ 411.
(11)
زيد في (م): القاضي.
(12)
قوله: (لها) سقط من (م).
(13)
في (م): فابتداؤه يومًا سقط من (م).
من الغد، وإنْ قال: شهرًا؛ فمِنْ ساعة نَطَقَ إلى
(1)
اسْتِكْمالِ ثلاثِينَ يومًا إلى مثل تلك السَّاعة.
(وَلَفْظَةُ الْأَمْرِ وَالْخِيَارِ؛ كِنَايَةٌ) ظاهرةٌ وخفيَّةٌ (فِي حَقِّ الزَّوْجِ، يَفْتَقِرُ) وقوع الطَّلاق (إِلَى نِيَّتِهِ
(2)
؛ لأِنَّ كلاهما
(3)
يَفتَقِرُ إلى النِّيَّة على ما مضى، وكذا
(4)
كَذِبُه بعدَ سؤالها الطَّلاقَ.
(فَإِنْ قَبِلَتْهُ بِلَفْظِ الْكِنَايَةِ؛ نَحْوُ: اخْتَرْتُ نَفْسِي؛ افْتَقَرَ إِلَى نِيَّتِهَا أَيْضًا)؛ لأِنَّها مُوقِعةٌ للطلاق
(5)
بلفظ الكناية، فافْتَقَرَ إلى نيَّتها؛ كالزَّوج.
فلو قالت: اخْتَرْتُ نفسي، وأنكر وجودَه؛ قُبِل
(6)
قَولُه؛ لأِنَّه مُنكِرٌ، أشْبَهَ ما لو علَّق طلاقَها على دخول
(7)
الدَّار، فادَّعَتْه وأنْكَرَ.
(وَإِنْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي؛ وَقَعَ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ
(8)
؛ لأِنَّه صريحٌ؛ كأنتِ طالِقٌ، ويَقَعُ من العدد ما نَوَياهُ، دُونَ ما نَواهُ أحدهما
(9)
، وإنْ نَوَى أحدُهما دُونَ الآخَرِ؛ لم يَقَعْ؛ لِفَقْدِ النِّيَّة.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نِيَّتِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّها أعلمُ بنِيَّتها، ولا يُعلَمُ ذلك إلاَّ من جِهَتِها.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي رُجُوعِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّهما اخْتَلَفَا فِيما يَختَصُّ به،
(1)
في (م): أي.
(2)
في (م): نية.
(3)
في (م): كلامها.
(4)
في (م): على ما رضي وإن.
(5)
في (م): الطلاق.
(6)
في (م): قيل.
(7)
في (م): دخوله.
(8)
في (م): نيته.
(9)
قوله: (وإن قالت: طلقت نفسي وقع
…
) إلى هنا ذكر في (م) بعد قوله: (لم يقع لفقد النية).
كما لو اخْتَلَفا في نيَّته.
مسائلُ:
الأجنبيُّ في ذلك كالمرأة، والمذْهَبُ: إلاَّ أنَّه مُتراخٍ.
ويَقَعُ بإيقاع الوكيل بصريحٍ، أو كنايةٍ بنِيَّةٍ، وفي وقوعه بكنايةٍ بنِيَّةٍ ممَّن وكلِّ فيه بصريحٍ؛ وجْهانِ، وكذا
(1)
عَكْسُه في
(2)
«التَّرغيب» .
ولا يَقَعُ بقَولها: «اخْتَرْتُ» بنِيَّةٍ، حتَّى تقولَ: نفسي أو أبَوَيَّ، أو الأزواج، ونقل ابنُ منصورٍ
(3)
: إن
(4)
اختارت زَوجَها فواحدةٌ، ونَفْسَها ثلاثٌ.
وعنه: إنْ خيَّرها، فقالت: طَلَّقْتُ نَفْسِي ثلاثًا؛ وَقَعَتْ، وإنْ أنْكَرَ قَولَها؛ قُبِلَ قَولُه.
وتقبل
(5)
دَعْوَى الزَّوج: أنَّه رَجَعَ قبل إيقاع وكيله
(6)
عند أصحابنا. والمنصوصُ: أنَّه لا يُقبَلُ إلاَّ بِبَيِّنةٍ، قال الشَّيخ تقيُّ الدِّين: وكذا دعوى عِتْقِه ورَهْنِه ونحوه
(7)
.
ومن وُكِّل في ثلاثٍ، فأَوْقَعَ واحدةً، أو عكسه
(8)
؛ فواحدةٌ، نَصَّ عليهما
(9)
، ولا يَمْلِكُ بالإطلاق
(10)
تعليقًا.
(1)
في (م): فكذا.
(2)
في (ظ): وفي. والمثبت موافق للفروع وتصحيحه 9/ 49.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1609.
(4)
في (م): وإن.
(5)
في (م): ويقبل.
(6)
في (م): وكيل.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 50.
(8)
في (م): وعكسه.
(9)
ينظر: الفروع 9/ 50.
(10)
قوله: (يبطل) سقط من (م).
في (م): الطلاق.
(وَإِنْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَكِ)؛ فهل يَختَصُّ بالمجلس؟ فيه وجْهانِ، أصْلُهما: هل تلحق
(1)
بالأُولى أو الثَّانية؛ وذلك تَوكيلٌ يبطل
(2)
برجوعه.
وكذا لو
(3)
وكَّلها بعِوَضٍ
(4)
، نَصَّ عليه
(5)
، ويردُّ الوكيلُ.
(فَقَالَتِ: اخْتَرْتُ نَفْسِي، وَنَوَتِ الطَّلَاقَ؛ وَقَعَ)، نصره
(6)
في «الشَّرح» وغَيره؛ لأِنَّه فَوَّض إليها الطَّلاقَ، وقد أوْقَعَتْهُ، أشْبَهَ ما لو أوْقَعَتْهُ بلفظه
(7)
الصَّريح.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ لَا يَقَعَ)؛ لأِنَّه فوَّضَه إليها بلفظه
(8)
الصَّريح، فلا يَصِحُّ أنْ يُوقَعَ غيرُ ما فوَّضه إليها.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ التَّوكيلَ في شَيءٍ لا يَقتَضِي إيقاعَه بلفظه، كما لو وكَّله في البَيع، فباعه بلفظِ التَّمليك، وكما لو قال: اخْتارِي نفسَكِ، فقالت: طلَّقْتُ نَفْسِي، فإنَّه يَقَعُ مع اخْتِلاف اللَّفْظِ.
(وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ)؛ لأِنَّه أقلُّ ما يَقَعُ عليه الاسم، (إِلاَّ أَنْ يَجْعَلَ إِلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْهَا)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ يكونُ واحدةً وثلاثًا، فأيَّهما نواه؛ فقد نَوَى بلفظه ما احْتَمَله.
ومميِّزٌ ومميِّزةٌ في ذلك كلِّه كبالغين
(9)
، نَصَّ عليه.
(1)
في (م): يلحق.
(2)
قوله: (يبطل) سقط من (م).
(3)
قوله: (وكذا لو) في (م): ولو.
(4)
في (ظ): بعرض. والمثبت موافق للفروع 9/ 49.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 49.
(6)
زيد في (م): الشيخ.
(7)
في (م): بلفظ.
(8)
في (م): بلفظ.
(9)
في (م): كالبالغين.
(وَإِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِأَهْلِكِ
(1)
؛ فهو كنايةٌ، إنْ نَوَى به الإيقاعَ وَقَعَ، وإنْ لم يَنْوِ به الإيقاعَ فهو كنايةٌ في حقِّها، فيَفتَقِرُ إلى قبولهم
(2)
، والنِّيَّةُ من الزَّوج؛ لأنَّه
(3)
لَيسَ بصريحٍ، (فَإِنْ قَبِلُوهَا؛ فَوَاحِدَةٌ) رجعيَّةٌ، (وَإِنْ رَدُّوهَا؛ فَلَا شَيْءَ)، هذا هو المشهورُ، وهو قولُ ابنِ مسعودٍ
(4)
، وعَطاءٍ، ومَسْروقٍ؛ لأِنَّه تمليكٌ للبُضْع، فافْتَقَرَ إلى القَبول؛ كاخْتارِي، وكالنِّكاح، وعلى أنَّه لا يكونُ ثلاثًا؛ لأِنَّه محتَمِلٌ، فلا يُحمَلُ عليها عِنْدَ الإطلاق؛ كاخْتارِي؛ ولأِنَّها طلقةٌ لِمَنْ عليها عدَّةٌ بغَيرِ عِوَضٍ قبلَ اسْتِيفاء، فكانت رجعيَّةً؛ كأنتِ طالِقٌ.
وقَولُه: (واحدةٌ) محمولٌ على ما إذا أطْلَقَ النِّيَّةَ، أوْ نَواها، فإنْ نَوَى ثِنْتَينِ أوْ ثلاثًا؛ فهو على ما نوى؛ كسائر الكنايات.
(وَعَنْهُ: إِنْ قَبِلُوهَا فَثَلَاثٌ، وَإِنْ رَدُّوهَا فَوَاحِدَةٌ) رجعيَّةٌ، وقاله زَيدُ بنُ ثابِتٍ
(5)
، والحسن.
(1)
في (ظ): أهلك.
(2)
في (م): قولهم.
(3)
قوله: (لأنه) سقط من (م).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (11241)، وسعيد بن منصور (1598)، وابن أبي شيبة (18210)، والطبراني في الكبير (9625)، والبيهقي في الكبرى (15044)، عن الشعبي، عن مسروق، عن عبد الله رضي الله عنه قال:«إن قبلوها فواحدة وهو أحق بها، وإن لم يقبلوها فليس بشيء» ، في الرجل يهب امرأته لأهلها. وإسناد صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (11242)، والطبراني في الكبير (9626)، والبيهقي في الكبرى (15033)، من طرق عن يحيى بن وثاب، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه نحوه. وإسناده صحيح. وأخرجه البيهقي في الكبرى (15034)، من طريق أخرى عن يحيى بن وثاب، عن مسروق من قوله. ورجحها البيهقي، وتعقبه التركماني في الجوهر النقي 7/ 346، فقال:(الصحيح أنه من قول عبد الله؛ لأن شعبة أجل من إسرائيل بلا شك، وقد زاد في السند عبد الله، فيحمل على أن مسروقًا رواه عن عبد الله مرة، وأنه مرة أخرى أفتى بذلك).
(5)
أخرجه عبد الرزاق (11243)، وابن أبي شيبة (18214)، عن الحسن، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:«إن قبلوها فثلاث، لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، وإن ردُّوها فهي واحدة، وهو أحق بها» ، الحسن مدلس، ولا تُعرف له رواية عن زيد.
وعن أحمدَ: إنْ قَبِلوها فواحدةٌ بائنةٌ، وإنْ ردُّوها فواحدةٌ رجعيَّةٌ، وقاله
(1)
عليُّ بنُ أبي طالِبٍ
(2)
.
وصِيغَةُ القَبول أنْ يَقولَ أهلُها: قَبِلْناها، نَصَّ عليه
(3)
.
(وَكَذَلِكَ إِنْ قَالَ: وَهَبْتُكِ لِنَفْسِكِ)؛ أيْ: فيها من الخلاف ما سَبَقَ، فإنْ ردَّت ذلك، فلَغْوٌ.
وعنه: رجعيَّةٌ.
وإذا
(4)
نَوَى بالهبة
(5)
والأمرِ والخيارِ الطَّلاقَ في الحال؛ وقع.
تنبيهٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لمسألة البيع، وحُكْمُها: أنَّه إذا باعها
(6)
لغيره فلَغْوٌ وإنْ نَوَى الطَّلاقَ، نَصَّ عليه
(7)
؛ لأِنَّه لا يتضمَّنُ معنى الطَّلاق؛ لكَونه مُعاوَضةً، والطَّلاقُ مُجرَّدُ إسْقاطٍ.
وفي «التَّرغيب» : في كَونه كنايةً كهبةٍ وجْهانِ.
(1)
في (م): وقال.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11235)، وسعيد بن منصور (1597)، وابن أبي شيبة (18217)، والبيهقي في الكبرى (15046)، عن يحيى بن الجزار، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول:«إن قبلوها فهي واحدة بائنة، وإن ردوها فهي واحدة، وهو أحق بها» ، قال أحمد عن يحيى الجزار:(لم يسمع من عليٍّ).
وأخرجه عبد الرزاق (11237)، عن قتادة، عن عليٍّ مرسلاً. وأخرجه ابن حزم (9/ 307)، من طريق حماد بن سلمة، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي. ورواية خلاس عن علي من كتاب ولم يسمع منه.
(3)
ينظر: مسائل حرب، تحقيق فايز حابس 2/ 563.
(4)
في (ظ): إذا.
(5)
في (م): بالنية.
(6)
في (م): باع.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 51.
وذَكَرَ ابنُ حَمْدانَ: إنْ ذَكَرَ عِوَضًا معلومًا؛ طَلَقَتْ مع النِّيَّة والقَبولِ، نَقَلَ حنبلٌ: وبائعٌ ومُشْتَرٍ كخائنٍ يُؤدَّبان
(1)
، ولا قَطْعَ، ويُحبَسانِ حتَّى يُظهِرَا تَوبةً
(2)
.
(1)
في (م): يؤديان.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 51.
(بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ)
(يَمْلِكُ الْحُرُّ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ أَمَةٌ، وَالْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ)، وهذا مختارٌ لعامَّة الأصحاب، وهو قَولُ عثمانَ، وزَيدٍ
(1)
، وابنِ عبَّاسٍ
(2)
؛ لِمَا رَوَى أبو رَزِينٍ قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: قَوله تعالى: {اَلطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البَقَرَة: 229] فأينَ الثَّالثةُ؟ قال: {تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229] رواهُ أبو داودَ، وصحَّحه ابن القَطَّان
(3)
، وقال
(4)
عمرُ: «يُطلِّقُ العبدُ تَطليقتَينِ» رواه الشَّافعيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ، وعن عائشةَ مرفوعًا، قال:«طلاقُ العبد اثْنَتانِ» رواه الدَّارَقُطْنيُّ بإسنادٍ ضعيفٍ
(5)
، ولأِنَّ الطَّلاقَ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12946)، وابن أبي شيبة (18252)، والبيهقي (15162)، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن نفيع مكاتب أم سلمة، أنه كان مملوكًا وتحته حرة، فطلقها تطليقتين، فسأل عثمان وزيدًا رضي الله عنهم فقالا:«طلاقها طلاق عبد، وعدتها عدة حرة» ، وفي لفظ:«الطلاق للرجال، والعدة للنساء» . وأخرجه مالك (2/ 574)، والشافعي في الأم (5/ 274)، وعبد الرزاق (12947)، وسعيد بن منصور (1328)، وابن أبي شيبة (18248)، والبيهقي في الكبرى (15158)، عن سليمان بن يسار به نحوه. وإسنادهما صحيح، ورويت القصة من طرق متعددة.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (18251)، والبيهقي (15178)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:«الطلاق بالرجال والعدة بالنساء» ، وصحح إسناده في الدراية 2/ 70.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1456)، وأبو داود في المراسيل (220)، من طريق إسماعيل بن سميع، سمعت أبا رزين الأسدي، يقول: وذكره. وهو حديث مرسل، وروي موصولاً من حديث أنس رضي الله عنه، وصححه ابن القطان، وضعفه البيهقي، ورجح إرساله الدارقطني وابن الملقن وابن حجر وغيرهم، قال ابن حجر:(وسنده حسن، لكنه مرسل؛ لأن أبا رزين لا صحبة له، وقد وصله الدارقطني من وجه آخر عن إسماعيل فقال: عن أنس، لكنه شاذ، والأول هو المحفوظ). ينظر: علل الدارقطني 7/ 35، البدر المنير 8/ 74، الفتح 9/ 366.
(4)
في (م): قال.
(5)
أخرجه الدارقطني (4002)، والبيهقي في الكبرى (15169)، وإسناده ضعيف، في سنده: صغدي بن سنان: ضعفه أبو حاتم والنسائي والدارقطني وغيرهم. وأخرجه أبو داود (2189)، والتِّرمذي (1182)، وابن ماجه (2080)، والبيهقي في المعرفة (14883)، بلفظ:«طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان» ، وفي سنده: مظاهر بن أسلم وهو ضعيف. وأخرجه ابن ماجه (2079)، والدارقطني (3994)، وفي سنده: عمر بن شبيب وعطية العوفي، وهما ضعيفان، وصحح الدارقطني والبيهقي الموقوف. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 427، البدر المنير 8/ 98، التلخيص الحبير 3/ 457.
خالِصُ حقِّ الزَّوج، وهو ممَّا
(1)
يَختَلِفُ بالحُرِّيَّة والرِّقِّ، فكان اختلافُه كعدد المنكوحات.
وظاهره: ولو طَرَأَ رِقُّه؛ كلُحوقِ ذِمِّيٍّ بدار حربٍ فاستُرِقَّ، وقد كان طلَّق ثنتَينِ، وقُلْنا: يَنْكِحُ عبدٌ حرَّةً؛ نَكَحَ هنا، وله طلقةٌ، ذَكَرَه المؤلِّفُ، وفي «الترغيب» وجْهانِ.
(وَعَنْهُ: أَنَّ الطَّلَاقَ بِالنِّسَاءِ؛ فَيَمْلِكُ زَوْجُ الْحُرَّةِ ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَ عَبْدًا، وَزَوْجُ الْأَمَةِ اثْنَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا)، هذا قَولُ ابنِ مسعودٍ
(2)
، ورُوِيَ عن عليٍّ
(3)
؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «طَلاقُ الأَمةَ طَلْقَتانِ» رواه أبو داودَ، والتِّرمذي، والبَيهَقِيُّ
(4)
، ولأِنَّ المرأةَ مَحَلُّ الطَّلاق، فيُعتبَرُ بها؛ كالعِدَّة.
(1)
في (م): ما.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12953)، وسعيد بن منصور (1332)، وابن أبي شيبة (18242)، عن أشعث بن سوَّار، عن الشعبي، عن ابن مسعود رضي الله عنه:«السنة بالنساء في الطلاق والعدة» . وأخرجه سعيد بن منصور (1339)، وأحمد في العلل (1869)، والبيهقي في الكبرى (15174)، من طرق أخرى عن أشعث بن سوار، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه مثله. مداره على أشعث، قال البيهقي:(أشعث بن سوار غير قوي)، وبين الدارقطني في العلل 5/ 195 وجوه الاختلاف فيه وقال:(يشبه أن يكون هذا من أشعث)، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه من وجوه أخرى ضعيفة.
(3)
أخرجه أحمد في العلل (2411)، والعقيلي في الضعفاء (4/ 368)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 464)، عن سعيد بن المسيب، عن عليٍّ رضي الله عنه قال:«السنة بالنساء في الطلاق والعدة» ، إسناده صحيح. وروي عنه من وجوه أخرى لا تخلو من ضعف.
(4)
سبق قريبًا.
والأوَّلُ أصحُّ، والجوابُ عن حديثِ عائشة
(1)
: بأنَّ روايه طاهِر
(2)
بن أسْلَمَ، وهو مُنكَرُ الحديث، قالَه أبو داودَ، مع أنَّ الدَّارَقُطْنِيَّ أخْرَجَه في «سننه» عن عائشةَ مرفوعًا، قال:«طلاقُ العبد اثْنَتانِ، فلا تَحِلُّ له حتَّى تَنْكِحَ زَوجًا غَيرَه»
(3)
، ولأِنَّ الحرَّ يَملِكُ أنْ يتزوَّجَ أربعًا، فمَلَكَ ثلاثَ طَلَقاتٍ؛ كما لو كان تحتَه حرَّةٌ.
ولا خلاِفَ في أنَّ الحرَّ الذي زَوْجَتُه حُرَّةٌ طلاقُه ثلاثٌ، والعبدَ الذي تحتَه أَمَةٌ طلاقُه اثْنَتانِ، وإنَّما الخِلافُ فيما
(4)
إذا كان أحدُهما حرًّا والآخَرُ رقيقًا
(5)
.
فرعٌ: المعتَقُ بعضُه كحُرٍّ، وفي «الكافي»: كقِنٍّ. والمكاتَب، والمدبَّر، والمعلَّق عِتْقُه بصفةٍ؛ كالقِنِّ.
(وَإِذَا
(6)
قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ)، أو الطَّلاقُ يَلزَمُنِي، أو عليَّ الطَّلاقُ، أوْ أنتِ طالِقٌ الطَّلاقَ، (وَنَوَى الثَّلَاثَ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّ ذلك صريحٌ في المنصوص؛ لأِنَّه لَفَظَ بالطَّلاق، وهو مُستَعْمَلٌ في عرفهم، قال الشَّاعرُ
(7)
:
أنَوَّهتِ
(8)
باسْمِيَ في العالَمِينَ
…
وأفْنَيْتِ عُمْرِيَ عامًا فَعامَا
فأنتِ الطَّلاقُ، وأنتِ الطَّلاقُ
…
وأنتِ
(9)
الطَّلاقُ ثلاثًا تماما
(1)
قوله: (عائشة) سقط من (م).
(2)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه (راويه مظاهر) كما في المصادر الحديثية.
(3)
سبق تخريجه 8/ 185 حاشية (5).
(4)
قوله: (فيما) سقط من (م).
(5)
ينظر: المغني 7/ 506.
(6)
في (ظ): فإذا.
(7)
نسبه في عيون الأخبار 4/ 124 إلى أعرابي قاله لامرأته.
(8)
في (م): أبوبت.
(9)
في (م): فأنت طالق والطلاق أنت.
وقِيلَ: ليس بصريحٍ؛ لأِنَّه وَصَفَها في قوله: (أنتِ الطَّلاقُ) بالمصدر، وأخْبَرَ به عنها، وهو تجوُّزٌ، والثاني
(1)
كذلك؛ لأِنَّ مَنْ كثر
(2)
منه شيءٌ يَضرُّه فهو عليه كالدَّين.
قُلْتُ: وقد اشتهر
(3)
استعمالُه في الإيقاع، فكان صريحًا، وسواءٌ كان مُنجَّزًا أوْ معلَّقًا بشَرْطٍ أوْ محلوفًا
(4)
به.
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا)؛ فعنه
(5)
: يَقَعُ ثلاثٌ، اختاره أبو بكرٍ، وفي «الروضة»: هو قَولُ جمهور الأصحاب؛ لأِنَّ الألِفَ واللام للاستغراق، فيَقتَضِي استِغْراقَ الكلِّ، وهو الثَّلاثُ.
والثَّانيةُ: واحدةٌ، قال في «المغني»: وهي الأشْبَهُ؛ لأِنَّه اليقينُ، والأَلِفُ واللاَّمُ تُستَعْمَلُ لغَيرِ الاستغراق كثيرًا، ولأِنَّ أهلَ العُرْف لا يَعتَقِدونَه ثلاثًا، ولا يَفهَمُونَ أنَّهما للاستغراق.
فرعٌ: إذا كان له أكثرُ من امرأةٍ، وثَمَّ نيَّةٌ أوْ سببٌ
(6)
يَقتَضِي تعميمًا أوْ تخصيصًا؛ عُمِلَ به، وإلاَّ وَقَعَ بالكلِّ، وقِيلَ: بواحدةٍ بقُرْعةٍ.
(أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ):
(إِحْدَاهُمَا
(7)
: تَطْلُقُ ثَلَاثًا)، اختارها جمعٌ؛ لأِنَّه نَوَى بلفظه ما يحتمله
(8)
فوقَعَ، كقوله: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، ولأِنَّ (طالِقٌ) اسمُ فاعِلٍ، وهو يَقتَضِي
(1)
في (م): يجوز والباقي.
(2)
في (م): لزمه.
(3)
في (م): وهذا أشهر.
(4)
في (م): ومحلوفًا.
(5)
في (م): ففيه.
(6)
في (م): شيئًا.
(7)
في (م): أحدهما.
(8)
في (م): ما يحتمل.
المصدرَ كما يَقتَضيهِ الفِعْلُ، والمصدرُ يَقَعُ على القليل والكثير
(1)
.
(وَالْأُخْرَى: وَاحِدَةٌ)، وهي
(2)
قَولُ الحَسَنِ، والثَّوريِّ، والأوزاعيِّ، واختارها أكثرُ المتقدِّمِينَ؛ لأِنَّ هذا اللَّفظَ لا يَتضمَّنُ عددًا ولا بَينونَةً، فلم يَقَعْ به الثَّلاثُ، ولأِنَّ أنتِ طالِقٌ إخبارٌ عن صفةٍ هي عليها، فلم يتضمَّن العدد
(3)
، كقوله
(4)
: حائضٌ وطاهرٌ.
والأُولى أصحُّ، والفَرْقُ ظاهِرٌ؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ تعدُّدهما في حقِّها في آنٍ واحدٍ، بخلاف الطَّلاق.
ولو قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا، ونَوَى واحدةً، فهِي ثلاثٌ، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(5)
؛ لأِنَّ اللَّفظَ صريحٌ في الثَّلاث، والنِّيَّةُ لا تُعارِضُ الصَّريحَ؛ لأِنَّها أضْعَفُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَنَوَى ثَلَاثًا؛ لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ وَاحِدَةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو الأصحُّ؛ لأِنَّه نَوَى ما لا يَحتمِلُه لَفْظُه، فلو وَقَعَ أكثرُ منها؛ وقع بمجرَّد النِّيَّة.
والثَّاني: يَقَعُ ثلاثًا؛ لأِنَّه نواها؛ ولأِنَّه يَحتَمِلُ أنتِ طالِقٌ واحدةً معها اثْنَتانِ.
قال
(6)
في «المغني» و «الشَّرح» : (وهذا فاسِدٌ؛ لأِنَّ قَولَه: معها اثْنَتانِ لا يُؤدِّيه معنى الواحدة، ولا يَحتَمِلُه، فنِيَّتُه فيه نيَّةٌ مجرَّدةٌ، فلا تَعْمَلُ، كما لو
(1)
في (م): الكثير والقليل.
(2)
في (م): وهو.
(3)
في (م): العدة.
(4)
قوله: (كقوله) سقط من (م).
(5)
ينظر: المغني 7/ 483.
(6)
في (م): قاله.
نوى الطَّلاقَ من غَيرِ لفظٍ).
وفيه نَظَرٌ، فإنَّ الواحدةَ إذا لم تَحتَمِلْ ذلك؛ فأنتِ
(1)
طالق يَحتَمِلُه، قاله ابنُ المنَجَّى.
فعلى الثَّاني: لو قال: أنتِ طالِقٌ، وصادَفَ قَولُه:(ثلاثًا) مَوتَها، أوْ قارَنَه؛ فواحدةٌ، وعلى الأوَّل: يَقَعُ ثلاثًا؛ لوجود المفسِّر في الحياة، قاله في «التَّرغيب» .
ولعلَّ فائدةَ الخِلاف تَظهَرُ في المدخول بها، هل يَرِثُها أمْ لا؟
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ هَكَذَا، وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)، قال ابن حَمْدانَ: مع النِّيَّة؛ لأِنَّ التَّفسير يَحصُلُ بالإشارة، وذلك يَصلُحُ للبيان؛ لقوله عليه السلام: «الشَّهْرُ هكذا، وهكذا، وهكذا
(2)
»
(3)
.
فإنْ لم يَقُلْ: هكذا؛ فواحدةٌ، ذَكَرَه في «الشَّرح» و «الفروع»
(4)
؛ لأِنَّ إشارتَه لا تَكْفِي، وتوقَّف أحمدُ
(5)
، واقْتَصَرَ عليه في «الترغيب» .
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِعَدَدِ
(6)
الْمَقْبُوضَتَيْنِ؛ قُبِلَ مِنْهُ)؛ أيْ: يَقَعُ ثِنْتانِ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ ما يدَّعِيهِ، كما لو فسَّر المُجْمَلَ بما يَحتَمِلُه.
وفي «الرِّعاية» : إنْ أشار بالكلِّ فواحدةٌ.
(وَإِنْ قَالَ) لِإحْدَى امْرأتَيهِ: (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، بَلْ هَذِهِ)؛ أي: الأخرى (ثَلَاثًا؛ طَلَقَتِ الْأُولَى وَاحِدَةً)؛ لأِنَّه طلَّقها واحدةً، والإضرابُ بَعْدَ ذلك لا
(1)
في (ظ): وأنت.
(2)
قوله: (وهكذا) سقط من (م).
(3)
أخرجه البخاري (5302)، ومسلم (1080)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
قوله: (و «الفروع») سقط من (م).
(5)
ينظر: المغني 9/ 53.
(6)
في (م): بعدد.
يَصِحُّ؛ لأِنَّه رفعٌ
(1)
للطَّلاق بَعْدَ إيقاعه، (وَالثَّانِيَةُ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه أوْقَعَه بها
(2)
، أشْبَهَ ما لو قال: له عليَّ هذا الدِّرهم، بل هذا، ولأِنَّ الإضْرابَ إثْباتُ الثاني
(3)
ونفيُ الأوَّل.
وإنْ قال: هذه طالق
(4)
، بَلْ هذه؛ طَلَقَتَا، نَصَّ عليه
(5)
.
وإنْ قال: هذه أو هذه
(6)
وهذه طالِقٌ؛ وَقَعَ بالثَّالثة وإحدى
(7)
الأُولَيَيْنِ، ك: هذه أوْ هذه بل هذه.
وقِيلَ: يُقرِعُ بَينَ الأولى والآخِرتَينِ.
وإنْ قال: هذه وهذه أو هذه؛ وقَعَ بالأولى، وإحدى
(8)
الآخِرَتَينِ؛ ك: هذه بل هذه أوْ هذه.
وقيل: بل
(9)
يُقرِعُ بَينَ الأُولَيَينِ والثَّالثة.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ
(10)
كُلَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَكْثَرَهُ، أَوْ جَمِيعَهُ، أَوْ مُنْتَهَاهُ)، أوْ غايَتَه، (أَوْ طَالِقٌ كَأَلْفٍ، أَوْ بِعَدَدِ الْحَصَى، أَوِ الْقَطْرِ، أَوِ الرِّيحِ، أَوِ الرَّمْلِ، أَوِ التُّرَابِ)، وما أشْبَهَ ذلك مِمَّا يَتعدَّدُ؛ (طَلَقَتْ ثَلَاثًا وَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً)، نَصَّ عليه في كألْفٍ
(11)
؛ لأِنَّ هذا يَقتَضِي عددًا،
(1)
في (م): وقع.
(2)
في (ظ): بهما.
(3)
في (م): للثاني.
(4)
قوله: (طالق) في (ظ): لا.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 56.
(6)
قوله: (أو هذه) سقط من (م).
(7)
في (م): وأحد.
(8)
في (م): وأحد.
(9)
قوله: (بل) سقط من (ظ).
(10)
قوله: (طالق) سقط من (ظ).
(11)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1737.
ولأِنَّ للطلاق
(1)
أقلَّ وأكثرَ، فأقلُّه واحدةٌ، وأكثرُهُ ثَلاثٌ.
وكذا
(2)
إنْ قال: أنتِ طالِقٌ كمائةٍ أوْ ألْفٍ؛ لأِنَّ قولَه: كألْفٍ؛ تشبيهُ العدد خاصَّةً؛ لأِنَّه لم يَذكُرْ إلاَّ ذلك، كقوله: أنتِ طالِقٌ كعَدَدِ ألف
(3)
، وفي «الانتصار» و «المستوعب»: ويَأثَمُ بالزِّيادة.
وإنْ نَوَى: كألْفٍ في صُعوبتها؛ ففي الحكم الخِلافُ، والأشْهَرُ: أنَّه يُقبَلُ
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَشَدَّ الطَّلَاقِ، أَوْ أَغْلَظَهُ، أَوْ أَعْرَضَهُ، أَوْ مِلْءَ الدُّنْيَا)، أوْ مِثْلَ الجبل، أو عِظَمه
(5)
؛ (طَلَقَتْ وَاحِدَةً) رجعيَّةً؛ لأِنَّ هذا الوصفَ لا يَقتَضِي عددًا، والطَّلقةُ الواحدةُ تُوصَفُ بأنَّها يَملأُ الدُّنيا ذِكْرُها، وأنَّها أشدُّ الطَّلاق وأعرضه
(6)
.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ ثَلَاثًا)؛ فيَقَعُ؛ لأِنَّ اللَّفظَ صالِحٌ لأِنْ يُرادَ به ذلك، فإذا نواه وَجَبَ إيقاعُه؛ لتَرجُّحه بالنِّيَّة، ونَقَلَه ابنُ منصورٍ في مِلْءِ البيت
(7)
.
وفي أقصاه
(8)
أو أكثرِه أوْجُهٌ، ثالِثُها: أكثرُه ثلاثٌ.
وفي «الفنون» : أنَّ بعضَ أصحابنا قال في
(9)
أشدِّ الطَّلاق؛ كأقْبَحِ
(1)
في (م): الطلاق.
(2)
في (ظ): أو كذا.
(3)
في (م): الألف.
(4)
في (م): يغلب.
(5)
في (م): أو غلظه.
(6)
في (م): أو أعرضه.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1779.
(8)
في (م): أقصى.
(9)
قوله: (في) سقط من (م).
الطَّلاق: يَقَعُ طلقة
(1)
في الحيض، أو ثلاثٌ، على احْتِمالِ وجهَينِ، وأنَّه كَيفَ يُسوَّى بَينَ أشدِّ الطَّلاق وأهْوَنِه.
فرعٌ: إذا أوْقَعَ طلقةً، ثُمَّ قال: جَعَلْتُها ثلاثًا، ولم يُرِد استِئْنافَ طلاقٍ بعدَها؛ فواحدةٌ، قاله في «الموجز» و «التَّبصرة» .
(فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مِنْ وَاحِدَةٍ إِلَى ثَلَاثٍ؛ وَقَعَ طَلْقَتَانِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأنَّ
(2)
ما بعدَ الغاية لا يَدخُلُ فيها بمُقْتَضَى اللُّغة، وإنِ احْتَمَل بوصوله لم يُوقِعْه بالشَّكِّ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا)، هذا روايةٌ، كما لو قال: بِعْتُكَ هذا الثَّوبَ مِنْ أوَّلِه إلى آخِرِه، قال القاضي: وأصْلُ الرِّوايتَينِ: إذا حَلَفَ لا يَفعَلُ شيئًا إلى يَومِ الفِطْر، هل يَدخُلُ يَومَ الفطر فيه؟ فيه
(3)
رِوايَتانِ.
مسألةٌ: إذا طَلَّقَ زَيدٌ امرأتَه، فقال عَمْرٌو لزوجته: وأنتِ مِثْلُها، أوْ كهِيَ، ونوى الطَّلاقَ؛ طَلَقَتْ واحدةً، وإلاَّ فلا.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً فِي اثْنَتَيْنِ، وَنَوَى طَلْقَةً مَعَ طَلْقَتَيْنِ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه يُعبَّرُ ب «في» عن «مع» ؛ كقوله تعالى: {فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29)} [الفَجر: 29]، فإذا نَوَى ذلك بلَفْظِه؛ قُبِلَ منه، وَوَقَعَ ما نَواهُ.
فإنْ قال: أردتُ واحدةً؛ قُبِلَ منه وإنْ كان حاسِبًا.
وقال القاضِي: تقع
(4)
طَلْقَتانِ إذا كان حاسِبًا؛ لأِنَّه خلافُ ما اقْتَضاهُ اللَّفْظُ.
وجَوابُه: أنَّه فسَّرَ كلامَه بما يَحتَمِلُه، فإنَّه لا يَبعُدُ أنْ يُريدَ بكلامه ما يُريدُه العامِّيُّ.
(1)
في (م): طلقة يقع.
(2)
في (م): لأنما.
(3)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(4)
في (م): يقع.
(وَإِنْ نَوَى مُوجَبَهُ عِنْدَ الْحِسَابِ، وَهُوَ يَعْرِفُهُ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّ ذلك مدلولُ اللَّفظ عندَهم، وقد نَواهُ وعَرَفَه، فيَجِبُ وُقوعُه، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ ثنتَينِ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ)، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وهو أشْهَرُ؛ قياسًا على الحاسِب؛ لاِشْتِراكِهِما في النِّيَّة.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ وَاحِدَةً)؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ منه قَصْدُ ما لا يَعرِفُه، فهو كالأعجميِّ يَنْطِقُ بالطَّلاق بالعربيِّ ولا يَفهَمُه.
وقِيلَ: ثلاثًا؛ بِناءً على أنَّ «في» معناها
(1)
: «مع» ، فالتَّقديرُ: أنتِ طالِقٌ مع طلقتَينِ.
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ وَقَعَ بِامْرَأَةِ
(2)
الْحَاسِبِ طَلْقَتَانِ)؛ لأِنَّه لَفْظٌ مَوضُوعٌ في اصْطِلاحهم لاِثنَينِ، فَوَجَبَ العَمَلُ به، (وَبِغَيْرِهَا طَلْقَةٌ)؛ لأِنَّ اللَّفْظَ إنَّما صار
(3)
مصروفًا إلى اثنتَينِ بِوضْعِ أهلِ الحساب، فإذا لم يَعرِفْه؛ لم يَلزَمْه مُقتَضاهُ، كالعربيِّ يَنْطِقُ بالطَّلاق بالعجميَّة وهو لا يَعْرِفُ معناها.
وقِيلَ: ثِنْتانِ، ووجهه
(4)
ما سَبَقَ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَطْلُقَ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه إذا لم يكُنْ له نيَّةٌ؛ وَجَبَ حَمْلُ «في» على معنى «مع» .
وقِيلَ: بعامِّيٍّ.
قال المؤلِّفُ: لم يُفرِّقْ أصحابُنا بَينَ أنْ يكونَ المتكلِّمُ بذلك مِمَّنْ له عُرْفٌ في هذا اللَّفظ أوْ لَا.
(1)
في (م): معنى.
(2)
في (م): ما يراه.
(3)
في (ظ): جاز.
(4)
في (م): ووجه.
والظَّاهِرُ: أنَّه إنْ كان المتكلِّمُ بذلك ممَّن
(1)
عُرْفُهم أنَّ «في» بمعنى «مع» ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ إرادةُ ما تَعارَفُوهُ.
وقال أبو الخَطَّاب: ويَحتَمِلُ أنَّه لا يَقَعُ طلاقُه.
كلُّ هذا: إذا
(2)
أطْلَقَ
(3)
ولم يَعرِف الحِسابَ.
مسألةٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ بعدَدِ ما طلَّق فُلانٌ زَوْجتَه، وجُهِلَ عَدَدُه؛ فطلقةٌ، وقِيلَ: بعَدَدِه.
(1)
زيد في (م): له.
(2)
في (م): إذ.
(3)
في (م): طلق.
(فَصْلٌ)
بَابُ مَا يَخْتَلِفُ بِهِ عَدَدُ الطَّلَاقِ - فَصْلٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ
جُزْءُ طَلْقةٍ؛ كَهِيَ.
(إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ)؛ فيَقَعُ واحدةٌ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ لا يَتَبعَّضُ في قَولِ عامَّتهم، وحكاه ابنُ المنذر إجماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه
(1)
.
(أَوْ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ؛ طَلَقَتْ طَلْقَةً)؛ لأِنَّ نصفَ الطَّلْقَتَينِ طَلْقةٌ.
وذَكَرَ بعضُ العلماء: أنَّها تَطلُقُ طَلْقتَينِ؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَقتَضِي النِّصفَ من
(2)
كلِّ واحدةٍ منهما، ثُمَّ تُكمَّلُ.
وما ذَكَرْناهُ أَوْلَى؛ لأِنَّ التَّنصيفَ يَتَحَقَّقُ به، وفيه عَمَلٌ باليقين وإلْغاءُ الشَّكِّ، وإيقاعُ ما أَوْقَعَه مِنْ غَيرِ زيادةٍ.
(وَإِنْ قَالَ: نِصْفَيْ
(3)
طَلْقَتَيْنِ)؛ وَقَعَ طَلْقَتانِ؛ لأِنَّ نِصْفَي الشَّيء جميعُه، أشْبَهَ ما لو قال: أنتِ طالِقٌ طَلْقتَينِ.
(أَوْ ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّ ثلاثةَ الأنصاف؛ طلقةٌ ونصفٌ، فيُكمَّلُ النِّصفُ، فصار ذلك طلقتَينِ.
وقِيلَ: واحدةٌ؛ لأِنَّ الأجزاء من طَلْقةٍ، فالزَّائدُ عَلَيها يكونُ لَغْوًا؛ لأِنَّه لَيسَ منها
(4)
.
وكذا الخِلافُ في خمسةِ أرْباعِ طَلْقةٍ، أوْ أربعةِ أثْلاثٍ.
(وَإِنْ قَالَ: ثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَتَيْنِ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)، نَصَّ عليه في روايةِ
(1)
ينظر: الإشراف 5/ 233.
(2)
في (م): في.
(3)
قوله: (نصفي) سقط من (م).
(4)
في (م): فيها.
مُهَنَّى
(1)
، ونَصَرَه جمعٌ؛ لأِنَّ نصفَ الطَّلقتَينِ طَلْقةٌ، وقد كرِّر
(2)
ثلاثًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَطْلُقَ طَلْقَتَيْنِ)، هذا قَولُ ابنِ حامِدٍ؛ لأِنَّ معناه: ثلاثةُ أنْصافٍ من طلقتَينِ، وذلك طلقةٌ ونصفٌ، ثُمَّ تُكمَّلُ فتَصِيرُ طلقتَينِ.
وجَوابُه: بأنَّه تأويلٌ يُخالِفُ ظاهِرَ اللَّفْظ.
قال في «الفروع» : ويَتوَجَّهُ مِثْلُها ثلاثةَ أرْباعِ ثِنتَينِ، وفي «الرَّوضة»: يَقَعُ ثِنْتانِ.
(وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، ثُلُثَ طَلْقَةٍ، سُدُسَ طَلْقَةٍ)؛ أيْ: يَقَعُ واحدةٌ؛ لأِنَّ ذلك أجزاء
(3)
طلقةٍ واحدةٍ، ولَيسَ في اللَّفْظ ما يَقتَضِي التَّغايُر؛ لأِنَّه غير مَعْطوفٍ.
(أَوْ نِصْفَ، وَثُلُثَ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ؛ طَلَقَتْ طَلْقَةً)؛ لأِنَّ الإضافةَ إلى الطَّلْقة، فيَجِبُ أنْ تَطلُقَ واحدةً.
(وَإِنْ قَالَ: نِصْفَ طَلْقَةٍ، وَثُلُثَ طَلْقَةٍ، وَسُدُسَ طَلْقَةٍ؛ طَلَقَتْ)، سَوَاءٌ كانت
(4)
مدخولاً بها أوْ لَا، (ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه علَّق أجزاءَ
(5)
الطَّلْقة على جُزْءٍ آخَرَ، وهو يَدُلُّ على المغايَرة، فيَقَعُ جُزْءٌ، ثُمَّ يُكمَّلُ بالسِّراية
(6)
؛ لأِنَّه لو كانت الثَّانيةُ هي الأولى؛ لجاءَ بها بلامِ التَّعريف، فقال: ثُلث الطَّلقة، سُدُس الطلقة؛ لأِنَّ أهلَ العربيَّة قالوا: إذا ذُكِرَ لَفْظٌ، ثُمَّ أُعِيدَ مُنَكَّرًا؛ فالثَّاني غيرُ الأوَّل، وإنْ أُعِيدَ مُعرَّفًا بها؛ فالثَّاني هو الأوَّلُ؛ لقوله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
(1)
ينظر: المغني 7/ 508.
(2)
في (م): ذكر.
(3)
في (م): جزء.
(4)
في (م): كان.
(5)
في (م): جزء.
(6)
في (ظ): تكمل السراية.
يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6)} [الشَّرح: 5 - 6]، فالعُسْرُ الثَّاني هو الأول
(1)
، بخِلافِ اليُسْر؛ ولهذا قِيلَ: لَنْ يَغلِبَ عُسْرٌ يُسْرَينِ، وقِيلَ: لو أراد بالثَّانية الأُولى لَذَكَرَها بالضَّمير؛ لأِنَّه هو الأولى
(2)
.
(وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ)، أوْ عَلَيكُنَّ، نَصَّ عليه
(3)
، (طَلْقَةً أَوِ اِثْنَتَيْنِ
(4)
، أَوْ ثَلَاثًا، أَوْ أَرْبَعًا؛ وَقَعَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةٌ)؛ لأِنَّ اللَّفْظَ اقْتَضَى قَسْمَ الطَّلْقة بينهنَّ
(5)
أوْ عَلَيهنَّ؛ لكلِّ واحدةٍ رُبُعُها، ثُمَّ تكمَّلُ.
وكذا إنْ قال: أوْقَعْتُ بَينَكنَّ طَلْقتَينِ، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب؛ لأنَّه
(6)
إذا قَسَمَ؛ لم يَزِدْ واحِدةً على طَلقَةٍ.
وعَنْهُ: يَقَعُ بكلِّ واحدة
(7)
طَلْقَتانِ، وقاله
(8)
أبو بكرٍ والقاضِي؛ لأِنَّه إذا قُسِمَت اثنتان
(9)
بَينَهنَّ؛ كان لكلِّ واحدةٍ جُزآنِ من طَلْقَتَينِ، ثُمَّ يُكمَّلُ كلُّ جُزْءٍ.
قال في «المغْنِي» : والأول
(10)
أَوْلَى؛ لأِنَّه إنَّما يقسمُ بالأَجزاء مع الاِخْتِلاف؛ كالدُّور
(11)
ونحوها من المختَلِفات، فأمَّا الجُمَل المتساوية من
(1)
قوله: (لقوله تعالى: {فإن مع العسر يسرا} إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): أولى.
(3)
ينظر: المغني 7/ 490.
(4)
في (م): ثنتين.
(5)
في (م): ثنتين.
(6)
في (م): بأنه.
(7)
قوله: (على طلقة، وعنه: يقع بكل واحدة) سقط من (م).
(8)
في (م): فقال.
(9)
في (م): ثنتان.
(10)
في (م): والأولى.
(11)
في (م): كما يدوم.
جنسٍ كالنُّقود؛ فإنَّما يُقسم
(1)
برؤوسها، ويكمَّلُ نصيبُ كلِّ واحدٍ من واحدٍ؛ كأربعةٍ لهم دِرْهَمانِ صحيحانِ، فإنَّه يُجعَلُ لكلِّ واحِدٍ نصفُ درهمٍ من درهمٍ واحِدٍ، والطَّلَقات لا اخْتِلافَ فيها، ولأِنَّ فيما ذَكَرْنا أخْذًا باليقين، فكان أوْلَى من إيقاعِ طلقةٍ زائدةٍ بالشَّكِّ.
وكذا إذا قال لهنَّ: أوْقَعْتُ بَينَكُنَّ ثلاثًا؛ فإنَّه يُصيبُ كلَّ واحدةٍ ثلاثةُ أرْباعِ طلقةٍ، ثُمَّ تكمَّلُ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهُ
(2)
إِذَا قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ ثَلَاثًا، مَا أُرَى
(3)
إِلاَّ قَدْ بِنَّ مِنْهُ)، نَقَلَها الكَوْسَجُ
(4)
، (وَاخْتَارَهُ
(5)
الْقَاضِي)؛ لأِنَّ الثَّلاثَ إذا قُسِمَتْ بَينَهنَّ؛ كان لكلِّ واحدة
(6)
جُزْءٌ مِنْ ثلاثِ طَلَقاتٍ، ثُمَّ تكمَّلُ.
وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّهنَّ يَطلُقْنَ ثلاثًا ثلاثًا
(7)
على قَولِ أبي بكرٍ والقاضي.
(وَإِنْ قَالَ: أَوْقَعْتُ بَيْنَكُنَّ خَمْسًا؛ فَعَلَى الأُولَى
(8)
: يَقَعُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَانِ)؛ لأِنَّ لكلِّ واحِدةٍ طلقةً ورُبُعًا، ثُمَّ تكمَّلُ، وعلى الثَّانية: يَقَعُ بكلِّ واحدةٍ ثلاثٌ؛ لأِنَّه إذا طَلَقَتْ ثلاثًا فِيما إذا أوْقَعَ ثلاثًا
(9)
؛ فَلَأنْ تطلق
(10)
(1)
في (م): تنقسم.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(3)
في (م): ما أدري.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1742.
(5)
في (م): واختار.
(6)
في (م): واحد.
(7)
قوله: (ثلاثًا) سقط من (م).
(8)
في (م): الأول.
(9)
قوله: (فيما إذا أوقع ثلاثًا) سقط من (م).
(10)
في (ظ): يطلق.
ثلاثًا إذا أوقع
(1)
خمسًا بطَريقِ الأَوْلَى.
فإنْ قال: أوْقَعْتُ سِتًّا، أوْ سَبْعًا، أوْ ثَمانيًا؛ فكذلك.
فإنْ قال: أوْقَعْتُ بَينَكُنَ تِسْعًا؛ وَقَعَ بكلِّ واحدةٍ ثلاثٌ عليهما
(2)
.
وإنْ قال: أوْقَعْتُ بَينَكنَّ طَلْقةً وطَلْقةً وطَلْقةً؛ فثَلاثٌ في قياس المذهب؛ لأِنَّ الواو لا
(3)
يَقتَضِي ترتيبًا. وقِيلَ: واحدةٌ على الأولى
(4)
.
فإنْ قال: أوْقَعْتُ بَينَكنَّ نصف
(5)
طَلْقةٍ، وثُلُثَ طَلْقةٍ وَسُدُسَ طَلْقةٍ؛ وَقَعَ ثلاثٌ، كما لو عَطَفَه بالفاء أوْ ثُمَّ، إلاَّ التي لم يَدخُلْ بها، فإنَّها تَبِينُ بالأُولَى.
(1)
في (م): وقع.
(2)
أي: على القولين جميعًا. ينظر: الشرح الكبير 22/ 341.
(3)
قوله: (لا) سقط من (م).
(4)
في (م): الأول.
(5)
في (ظ): ثلث. والمثبت موافق للشرح الكبير.
(فَصْلٌ)
(إِذَا قَالَ: نِصْفُكِ، أَوْ جُزْءٌ مِنْكِ)، سواءٌ كان مُعيَّنًا، أوْ مُشاعًا، أوْ مُبْهَمًا، (أَوْ إِصْبَعُكِ، أَوْ دَمُكِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لِصحَّته في البعض، بخلافِ: زوَّجْتُكَ بعضَ وليَّتِي.
وذَكَرَ ابنُ البَنَّاء: لا تَطلُقُ بدَمِها؛ كلَبَنها.
وإنْ أضافَه إلى سوادها، أو بياضها؛ لم يَقَعْ؛ لأِنَّه عَرَضٌ
(2)
، وقِيلَ: بلى.
فإنْ قال: يَدُكِ طالِقٌ، ولا يَدَ لها، أوْ إنْ قُمْتِ فهي طالِقٌ، فقامَتْ وقد قُطِعتْ؛ فوجْهانِ، بِناءً على أنَّه هل هو بطريقِ السِّراية، أوْ بطريقِ التَّعبير بالبعض عن الكلِّ؟
(وَإِنْ قَالَ: شَعْرُكِ، أَوْ ظُفُرُكِ، أَوْ سِنُّكِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ) نَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّها
(4)
تَزُولُ ويَخرُجُ عِوَضُها في الشَّعْر؛ ولأِنَّه لا رُوحَ فيه، ولا يَنتقِضُ الوُضوءُ بِمَسِّه، أشْبَهَ العَرَقَ.
وقِيلَ: تَطلُقُ، وهو قَولُ الحَسن وغَيرِه؛ لأِنَّه جُزْءٌ يستباح
(5)
بنكاحها، فتَطلُقُ به؛ كالإصبع
(6)
.
وجَوابُه: بأنَّه جزءٌ يَنفَصِلُ عنها في حال السَّلامة، بخلاف الإصبع.
(1)
ينظر: مسائل حرب 2/ 539، الفروع 9/ 60.
(2)
في (م): غرض.
(3)
ينظر: مسائل حرب 2/ 539.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (م): مستباح.
(6)
زاد في (م): (الزائدة). والمثبت موافق للمغني والشرح.
(وَإِنْ أَضَافَهُ إِلَى الرِّيقِ، وَالدَّمْعِ، وَالْعَرَقِ، وَالْحَمْلِ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، بغَيرِ خلافٍ نعلَمه
(1)
؛ لأِنَّه ليس من ذاتها، وإنَّما هو مجاور لها، والحَملُ وإنْ كان مُتَّصِلاً بها؛ فمآلُه إلى الانفصال، وهو مُودَعٌ فيها؛ لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ} [الأنعَام: 98]، قِيلَ: هو مُستَودَعٌ في بطنِ الأمِّ.
وفي «الانتصار» : هل يَقَع، ويَسقُط القَولُ بإضافته إلى صفةٍ؛ كسمعٍ وبصرٍ؟ إنْ قلنا: تسميةُ الجزء عبارة عن الجميع - وهو ظاهر كلامه -؛ صحَّ، وإنْ قُلْنا بالسراية
(2)
؛ فلا.
(وَإِنْ قَالَ: رُوحُكِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ)، جزم به جَمْعٌ من أصحابنا؛ لأِنَّ الجملةَ لا تبقى بعدم مُزايِلِها
(3)
، أشبه الحياة والدَّم.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَطْلُقُ)، نَصَّ عليه
(4)
، وهو ظاهر ما في «الفروع» ، قال أبو بكرٍ: لا يَختلِفُ قَولُ أحمد أنَّه لا يَقَعُ طلاقٌ، وعتقٌ، وظِهارٌ، وحرامٌ، بذكْر الشَّعر، والظُّفر، والسِّنِّ، والرُّوح، فبِذلك أقول
(5)
، ولأنَّها لَيستْ عُضْوًا ولا شيئًا يُستَمْتَعُ به.
وحَكَى في «المستوعب» عن أحمدَ: التَّوقُّفَ عنها.
مسألةٌ: العِتقُ في ذلك كطلاقٍ.
(1)
ينظر: المغني 7/ 492.
(2)
في (م): بالسرية.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 22/ 347: لأن الحياة لا تبقى بدون روحها.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 61.
(5)
في (م): قول.
(فَصْلٌ: فِيمَا تُخَالِفُ بِهِ الْمَدْخُولُ بِهَا غَيْرَهَا)
(إِذَا قَالَ لِمَدْخُولٍ
(1)
بِهَا: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)، بغيرِ خلافٍ
(2)
؛ لأنَّ
(3)
كلَّ واحدٍ يَقتَضِي وقوعًا
(4)
إذًا، وكذا
(5)
إذا اجتمع مع غيره، وإنْ قاله ثلاثًا؛ طَلقت ثلاثًا، أشبه ما لو قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ بِالثَّانِيَةِ التَّأْكِيدَ، أَوْ إِفْهَامَهَا)؛ لأِنَّه قَصَدَ بالثَّاني عين
(6)
الأوَّل، فلم يَقَعْ به شَيءٌ، وشَرطُه الاِتِّصالُ، فلو قال: أنتِ طالقٌ، ثمَّ مَضَى زمنٌ طويلٌ، ثمَّ أعاد ذلك لها؛ طَلقتْ ثانيةً، ولم يُقبَلْ منه التَّأكيدُ؛ لأِنَّه تابِعٌ للكلام، فقُبِلَ مُتَّصِلاً؛ كسائر التَّوابِع من العطف والصِّفة والبَدَل.
فلو نوى بالثالثة
(7)
تأكيدَ الأولة؛ لم يُقبَلْ، وَوَقَع الثَّلاثُ.
وإنْ وكَّد الثَّانية بالثَّالثة؛ ففي قَبوله في الحُكم رِوايَتانِ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه مع الإطلاق وجهٌ كإقرارٍ، وقد نَقَلَ أبو داود في قوله: اعْتَدِّي اعْتَدِّي، فأراد الطَّلاقَ، هي تطليقةٌ
(8)
.
تنبيهٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ طالِقٌ؛ فهي
(9)
واحدةٌ؛ لأِنَّ اللَّفظَ الثَّانيَ لا يصلح للاستئناف، فيُصرَفُ إلى التَّأكيد؛ كقوله
(10)
عليه السلام: «فنكاحُها باطِلٌ
(1)
في (م): للمدخول.
(2)
ينظر: المغني 7/ 477.
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (م): وقوعه.
(5)
في (م): فكذا.
(6)
في (ظ): غير.
(7)
في (م): بالثانية.
(8)
ينظر: مسائل أبي داود ص 239.
(9)
في (م): فهو.
(10)
في (م): بقوله.
باطِلٌ»
(1)
، وإنْ قَصَدَ بالثَّانية الإيقاعَ؛ طلقتْ طلقتَينِ، ويُقدَّر له ما يَتِمُّ الكلام به.
فلو قال: أنتِ طالِقٌ وطالقٌ وطالِقٌ؛ فثلاثٌ، نصَّ عليه
(2)
، وعنه: تَبِينُ قبلَ الدُّخولِ بالأُولى؛ بناءً على أنَّ الواوَ للترتيب
(3)
.
ولو قال: طالِقٌ، وكرَّره؛ وَقَعْنَ، ولو قصد التأكيد
(4)
وكان قبل الأخيرة (أنت)
(5)
.
فرعٌ: إذا أتى بشرطٍ، أو استثناءٍ، أو صفةٍ، عقب جملةٍ؛ اختصَّ بها، بخلاف المعطوف والمعطوف عليه.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، أَوْ بَلْ طَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ
(6)
طَلْقَةً، بَلْ طَلْقَتَيْنِ، أَوْ بَلْ طَلْقَةً، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً بَعْدَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ قَبْلَ طَلْقَةٍ
(7)
؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)، وفيه مسائلُ:
الأولى: إذا قال: أنتِ طالِقٌ فطالِقٌ؛ يَقَعُ طَلْقتانِ؛ لأِنَّ الثَّانيةَ صادَفَتْ محلَّ النِّكاح، فيَقَعُ، ولأِنَّ الفاءَ تقتَضِي الجَمْعَ مع التَّعقيب، و (ثمَّ) تقتضيهِ مع التَّراخِي.
الثَّانيةُ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ، بل طالِقٌ؛ تَطلُق طلقتَينِ؛ لأِنَّ الأوَّلَ اقتضى
(1)
سبق تخريجه 7/ 437 حاشية (3).
(2)
ينظر: مسائل صالح 3/ 220.
(3)
في (م): للترغيب.
(4)
زيد في (م): قبل منه؛ لأنَّ الكلام يكرر التأكيد.
(5)
قال في الفروع 9/ 64: (وإذا قال لمدخول بها: أنت طالق، وكرره؛ لزمه العدد، إلا أن ينوي تأكيدًا متصلاً أو إفهامًا).
(6)
قوله: (أو طالق) سقط من (م).
(7)
قوله: (طلقة) سقط من (م).
إيقاعَ طلقةٍ، والطَّلاقُ لا يَرتفِعُ بعدَ وقوعه، والثاني
(1)
يقتضي إيقاع
(2)
طلقةٍ؛ لأِنَّ (بل) لإثبات الثَّاني، والإضراب عن الأوَّل، فإذا لم يصِحَّ إضرابُه؛ وَجَبَ وقوعُهما جميعًا.
وعنه: في: أنتِ طالقٌ طلقةً بل طلقةً، أو طالِقٌ بل طالق
(3)
؛ واحدةٌ، كما لو قال: له
(4)
عليَّ درهمٌ بل درهمٌ.
الثَّالثةُ: إذا قال: أنتِ طالقٌ طلقةً بل طلقتَينِ، أو بل طلقةٌ؛ يَقَعُ ثِنتانِ؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وأوْقَعَ أبو بكرٍ، وابن الزَّاغوني في طلقةٍ بل طلقتَينِ: ثلاثًا؛ لأِنَّ الأوَّل إيقاعُ واحدةٍ، والثَّانيَ يقتضي إيقاعَ طلقتَينِ.
والمنصوص: أنَّه يقع ثِنتانِ
(5)
؛ لأِنَّ الأولى يصحُّ دخولُها في الثِّنتَينِ، فلا يكونُ الإضرابُ عنها مستدركًا؛ لأِنَّ فيه زيادةَ فائدةٍ، وهو الوقوع، والثَّانية ظاهرةٌ.
الرَّابعة: إذا قال: أنتِ طالِقٌ طلقةً بعدَها طلقةٌ، أوْ قبلَ طلقةٍ؛ فإنَّها تطلق اثنتين؛ لأنَّ ذلك صريحٌ في الجمع
(6)
، والمحل
(7)
يحتمِلُه.
فإنْ أراد في (بعدَها طلقة) سأوقعها؛ ففي الحكم رِوايَتانِ.
وفي «الرَّوضة» : لا يُقبَلُ حكمًا، وفي باطِنٍ رِوايَتانِ.
وقِيلَ: تَطلُقُ واحدةً، قَطَعَ به في (قَبْلَ طلقةٍ) في «المذهب» ،
(1)
في (م): الثاني.
(2)
قوله: (إيقاع) سقط من (م).
(3)
قوله: (بل طالق) سقط من (م).
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
ينظر: الفروع 9/ 64.
(6)
في كشاف القناع 12/ 261: الجميع.
(7)
في (م): والحمل.
و «المستوعب» ، وزاد: بعد طلقةٍ.
(وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا؛ بَانَتْ بِالْأُولَى)؛ لأِنَّها صادَفَتْ مَحَلًّا، (وَلَمْ يَلْزَمْهَا مَا بَعْدَهَا)؛ لأِنَّها بائنٌ، فلم يَلحَقْها طلاقٌ؛ كالأجنبيَّة. (وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهَا
(1)
طَلْقَةً؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي)؛ أيْ: تَطلُقُ واحدةً إذا كانَتْ غَيرَ مدخولٍ بها؛ لأِنَّه طلاقٌ بعضُه قبلَ بعضٍ، فلم يَقَعْ بغَيرِ المدخول بها جميعه، كما لو قال: طلقةً بعدَ طلقةٍ.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: تَطْلُقُ اثْنَتَيْنِ)، وقاله أبو بكرٍ، (وَيَقَعَانِ مَعًا)؛ لأِنَّه اسْتَحالَ وقوعُ الطَّلْقة الأخرى قبلَ الطَّلقة المُوقَعَةِ، فَوَقَعَتْ معها؛ لأِنَّها لما
(2)
تأخَّرتْ عن الزَّمن الَّذي قَصَدَ إيقاعَها فيه لكَونِه زمنًا ماضِيًا؛ وَجَبَ إيقاعُها في أقْرَبِ الأزمنةِ إليه، وهو مَعَها، ولا يَلزَمُ تأخيرُها إلى ما بعدَها؛ لأِنَّ قبلَه زمَنًا يُمْكِنُ الوقوع
(3)
فيه، وهو زَمَنٌ قريبٌ، فلا يُؤخَّرُ إلى البعيد.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ؛ طَلَقَتِ اثْنَتَيْنِ)؛ لأِنَّ لفظَه يَقتَضِي وقوعَهما معًا، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ اثنتَينِ، فلو قال: معها اثْنَتانِ؛ وَقَعَ ثلاثٌ في قياس المذهب.
وكذا إنْ قال: أنتِ طالِقٌ طلقةً تحتَ طلقةٍ، أوْ تحتها
(4)
، أو فَوقَ طلقةٍ، أوْ فَوقَها.
(أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّ الواوَ تَقتَضِي الجمعَ، ولا ترتيبَ فيها، ولأِنَّ الكلامَ إنَّما يَتِمُّ بآخِرِه في الشَّرط والصِّفة والاِستِثْناء، فكذا في
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي نسخ المقنع الخطية: طالق طلقة قبلها.
(2)
قوله: (لما) سقط من (م).
(3)
قوله: (الوقوع) سقط من (م).
(4)
زيد في (م): أو فوقها.
العطف، ويُفرَّقُ بينها
(1)
، فإنَّ الثلاثة
(2)
مُغَيِّرةٌ له، بخِلافِ العَطْفِ، فإنَّه لا يُغيِّرُ.
وجوابُه: أنَّ العطف هنا تبيين
(3)
عدد الواقع؛ فهو كالصِّفة.
تنبيهٌ: إذا غايَرَ بَينَ الحروف، ونَوَى التَّأكيدَ؛ لم يُقبَلْ منه؛ لأِنَّه إنَّما يكون بتكرير الأوَّل بصُورَتِه.
وإنْ قال: أنتِ مطلَّقةٌ، أنتِ مُسرَّحةٌ، أنتِ مُفارَقةٌ، ونَوَى التَّأكيدَ بالثَّانية والثَّالثة؛ قُبِلَ؛ لأِنَّه لم يُغايِرْ بينها
(4)
بالحروف الموضوعةِ للمُغايَرَة بَينَ الألفاظ، بل أعاد
(5)
اللَّفظَ بمَعْناهُ، ومِثلُ
(6)
هذا يُعادُ توكيدًا
(7)
.
فلو عَطَفَ فقال: مُطلَّقةٌ، ومُسرَّحةٌ، ومُفارَقةٌ، وقال: أردتُّ التَّأكيدَ؛ فاحْتِمالانِ.
(وَالْمُعَلَّقُ كَالْمُنَجَّزِ فِي هَذَا)؛ لأِنَّ المعلَّقَ على الشَّرْط بحيث
(8)
تحقُّقه عندَ وُجودِ الشَّرط، فيَجِبُ أنْ يَقَعَ على الصِّفة الَّتي كان يَقَعُ عليها لو كان مُنَجَّزًا، تقدَّم الشَّرْطُ أوْ تأخَّرَ.
(فَلَوْ قَالَ لَهَا: إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ، أَوْ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَهَا طَلْقَةٌ، أَوْ مَعَ طَلْقَةٍ، فَدَخَلَتْ
(9)
؛ طَلَقَتْ طَلَقَتَيْنِ)؛ لأِنَّه وُجِدَ شَرْطُ وقوعهما
(1)
في (م): بينهما.
(2)
في (م): الثلاث.
(3)
في (ظ): تبين.
(4)
في (م): بينهما.
(5)
في (م): إعادة.
(6)
في (م): ومثله.
(7)
في (م): يعد تأكيدًا. والمثبت موافق للمغني والشرح.
(8)
في (ظ): تحت. ولعل صوابه: يجب.
(9)
زيد في (م): الدار.
معًا، أشْبَهَ ما لو قال: أنتِ طالِقٌ اثنتَينِ، فلو كرَّره
(1)
ثلاثًا بالجزاء، أوْ مع طلقتَينِ؛ طَلقتْ ثلاثًا.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَطَالِقٌ، أَوْ ثُمَّ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ؛ طَلَقَتْ طَلْقَةً وَاحِدَةً إِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا)؛ لأِنَّها تَبِينُ بالأُولَى، فيَجِبُ أنْ لا
(2)
يَلحَقَها ما بعدَها، (وَاثْنَتَيْنِ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولاً بِهَا)؛ لأِنَّها لا تَبِينُ بالأُولى، فيتعيَّنُ إيقاعُ الثَّانية أيضًا.
وفي «المغْنِي» عن القاضي: تطلُق مَنْ لم يَدخُلْ بها طلقةً مُنَجَّزًا، كذا قال، والذي اختاره القاضي وجماعةٌ: أنَّ (ثمَّ) كسكتةٍ؛ لتَراخِيها، فيتعلَّقُ بالشَّرط معها طلقةٌ، فيَقَعُ بالمدخول بها ثِنْتانِ: واحدةٌ إذَنْ، وطلقةٌ بالشَّرط، وبغيرها إنْ قدم الشَّرط؛ الثَّانية، والأولى معلَّقةٌ، وإنْ أخَّره؛ فطلقةٌ منجَّزةٌ والباقي
(3)
لغْوٌ.
وفي «المذهب» فيما إذا قدَّم الشَّرطَ: أنَّ القاضِيَ أوْقَعَ واحدةً فقط في الحال.
وذكر أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: أنَّ المعلَّق كالمنجَّز؛ لأِنَّ اللُّغةَ لم تُفرِّقْ، وأنَّه إنْ أخَّر الشَّرطَ فطلقةٌ مُنجَزةٌ، وإنْ قدَّمه؛ لم يَقَعْ إلاَّ طلقةٌ بالشَّرط.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَدَخَلَتْ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ بِكُلِّ حَالٍ)؛ لأِنَّ التَّعليقَ يَقتَضِي إيقاعَ الطَّلاق بشَرطِ الدُّخول، وقد كرَّر التَّعليقَ، فيَتكرَّر الوُقوعُ، كما لو قال: إنْ دخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ طلقتَينِ.
وإنْ كرَّر الشَّرطَ ثلاثًا؛ طلقتْ ثلاثًا في قَولِ الجميع؛ لأِنَّ الصِّفةَ وُجِدتْ، فاقْتَضَى وقوعَ الثَّلاث دَفْعةً واحدةً، واللهُ أعْلَمُ.
(1)
قوله: (فلو كرره) في (م): فكرره.
(2)
قوله: (لا) سقط من (م).
(3)
في (ظ): والثاني.
(بَابُ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الطَّلَاقِ)
الاِسْتِثناءُ: إخْراجُ بعض الجملةِ
(1)
ب (إلاَّ) أو أحدِ أخواتها، قِيلَ: مِنْ متكلم
(2)
واحدٍ؛ لوقوعه في القرآن والسُّنَّة ولسانِ العرب.
(حُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الاِسْتِثْنَاءُ فِي الطَّلَاقِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ لا يُمكِنُ رَفْعُه بعدَ إيقاعه، ولو صحَّ لَرَفَعَه.
(وَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ مَا دُونَ النِّصْفِ)، في الطَّلاق والإقرار؛ لأِنَّه اسْتِثْناءٌ فيه، فجاز كما في عدد المطلقات، وليس الاستثناءُ رافِعًا لواقع، وإنَّما هو مانِعٌ لدخولِ المستثنَى في المستثنَى منه.
(وَلَا يَصِحُّ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على النِّصف؛ أيْ: لا يَصِحُّ اسْتِثْناءُ الكلِّ، ولا الأكثرِ، نَصَّ عليه
(3)
، ونصره في «الشَّرح» ، وقوَّاه ابنُ حَمْدانَ.
وقِيلَ: يَصِحُّ فيه
(4)
، وهو قَولُ الأكثرِ.
(وَفِي النِّصْفِ وَجْهَانِ)، وذَكَرَ أبو الفَرَج وصاحِبُ «الرَّوضة» روايتَينِ:
ظاهِرُ المذهب: صحَّته، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
وجاز الأكثرُ إنْ سُلِّم في قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الحِجر: 42]؛ لأِنَّه لم يُصرِّحْ بالعدد، وذكر أبو يعلى الصغيرُ أنَّه استثناءٌ بالصِّفة، وهو في الحقيقة تخصيصٌ، وأنَّه يجوز فيه الكلُّ، نحو: اقتُلْ مَنْ في الدَّار إلاَّ بني تميمٍ، وهم بنو تميمٍ، فيحرُمْ قَتْلُهم، وسيأتي في الإقرار.
(1)
قوله: (بعض الجملةِ) سقط من (ظ).
(2)
قوله: (من متكلم) في (م): أن من يتكلم.
(3)
ينظر: المغني 7/ 419.
(4)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(فَإِذَا
(1)
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ وَاحِدَةً؛ طَلَقَتِ اثْنَتَيْنِ)؛ لأِنَّ الواحدةَ دونَ النِّصف.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ ثَلَاثًا)؛ طَلقَتْ ثلاثًا بغَيرِ خلافٍ
(2)
، (أَوْ ثَلَاثًا إِلاَّ اِثْنَتَيْنِ)؛ وَقَعَ ثلاثٌ، بناءً على أنَّه لا يَصِحُّ اسْتِثْناءُ الأكثرِ.
(أَوْ خَمْسًا إِلاَّ ثَلَاثًا)؛ وَقَعَتِ الثَّلاثُ؛ لأِنَّ الاستثناءَ إنْ عادَ إلى الخمس؛ فقد استَثْنَى الأكثرَ، وإنْ عاد إلى الثَّلاث التي يَملِكُها؛ فقد رَفَعَ جميعَها، وكِلاهُما غيرُ صحيحٍ، وإنْ صحَّ الأكثرُ؛ فثِنْتانِ.
وإن قال: خمسًا إلاَّ طلقةً؛ فقيلَ: يَقَعُ اثنتانِ، وقِيلَ: ثلاثٌ.
(أَوْ ثَلَاثًا إِلاَّ رُبُعَ طَلْقَةٍ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّ الطَّلْقةَ الناقصة
(3)
تُكمَّل، فيصير
(4)
ثلاثًا ضرورة أنَّ الطَّلاقَ لا يتبعَّضُ.
وفي «الرِّعاية» وجْهٌ: أَّنَّها تطلُق اثنتَينِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَينِ إِلاَّ وَاحِدَةً؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)؛ بناءً على صحة
(5)
استثناء النِّصف.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ أربعًا إلاَّ اثنتين
(6)
؛ فقيل: يَقَعُ طَلْقتانِ، وقِيلَ: ثلاثٌ.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ اثنتَينِ واثنتَينِ إلاَّ اثنتين
(7)
؛ لم يَصِحَّ، وفيه احتِمالٌ، وإن استثَنى واحدةً، ففي صحَّتِه احتِمالانِ.
(1)
في (م): وإذا.
(2)
ينظر: المغني 7/ 420.
(3)
في (م): الثانية.
(4)
في (م): فتصير.
(5)
قوله: (صحة) سقط من (ظ).
(6)
في (م): ثنتين.
(7)
في (م): ثنتين.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ اِثْنَتَيْنِ إِلاَّ وَاحِدَةً؛ فَهَلْ تَطْلُقُ ثَلَاثًا أَوِ اثْنَتَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
لا يَصِحُّ الاِستِثناءُ من الاستثناء في الطَّلاق، خلافًا ل «الرِّعاية» ، إلاَّ في مسألةٍ واحدةٍ، وهي: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إلاَّ اثنتين إلاَّ واحدةً، في أحدِ الوَجْهَينِ، ذكره في «الكافي» و «الشَّرح» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه استِثْناءُ الواحدة ممَّا
(1)
قبلها، فتبقى
(2)
واحدةٌ، وهي مُسْتَثْناةٌ من ثلاثةٍ، فتصير
(3)
كقوله: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إلاَّ واحدةً، ويمكِنُ أنْ يُقالَ: إنَّ الواحدةَ مُخرَجةٌ من الثَّلاث؛ لإبطال استثناء الثِّنتَينِ.
والثَّاني: تَطلُقُ ثلاثًا؛ لأِنَّ استثناءَ الثِّنْتَينِ لا يَصِحُّ؛ لكونهما
(4)
أكثرَ من النِّصف، ولا يصحُّ استثناءُ الواحدة؛ لأنَّه استثناءٌ من استثناءٍ باطلٍ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إِلاَّ ثَلَاثًا إِلاَّ وَاحِدَةً)؛ لم يصحَّ ويَقَعُ الثَّلاثُ؛ لأِنَّ الاستثناء
(5)
الأوَّل باطلٌ، ولا يصحُّ الاستثناءُ منه.
وقيل: يعود استثناءُ الواحدة إلى أوَّل الكلام، فيَقَعُ طَلْقتانِ.
(أَوْ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إلاَّ وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَوَاحِدَةً
(6)
إِلاَّ وَاحِدَةً، أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَنِصْفًا إِلاَّ طَلْقَةً؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا
(7)
على المذهب؛ لأِنَّ تصحيحَ
(1)
في (م): فما.
(2)
في (م): فيبقى.
(3)
في (م): فيصير.
(4)
في (م): لكونها.
(5)
في (ظ): استثناء.
(6)
في (م): واحدة.
(7)
كتب في هامش (ظ): (أو قال: ثلاثًا إلا نصف طلقة؛ فثلاث على الصحيح؛ لأنه إذًا استثناء بعض طلقة، بقي بعضها، ومتى بقي كملت؛ لأن التكميل إنما يكون في طريق الإيقاع، تغليبًا للتحريم).
الاستثناء يجعل المستثنى والمستثنى
(1)
منه لَغْوًا، فبَطَلَ كاستثناء الجمع.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَقَعَ طَلْقَتَانِ)، ذَكَرَ في «الواضح» أنَّه أشْبَهُ؛ لأِنَّ العَطْفَ بالواو يجعل الجملتَينِ كالجملة الواحدة، فتصير
(2)
الواحدةُ مُسْتَثناةٌ من الثَّلاث، فلو كان العطف بالفاء أو (ثُمَّ)؛ لم يصحَّ الاِسْتِثْناءُ.
تنبيهٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إلاَّ طلقةً وطلقةً؛ فقيل: تقع
(3)
الثَّلاثُ، وقِيلَ: يصحُّ
(4)
الاستثناءُ في طلقةٍ.
وكذا الخلاف في: أنتِ طالِقٌ طالِقٌ إلاَّ طلقةً وطلقةً، وفي أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إلاَّ طلقةً ونصفًا.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا إلاَّ واحدةً وإلاَّ واحدةً؛ طلقت اثنتَينِ، وقِيلَ: واحدةً.
وإنْ أسْقَطَ الواوَ؛ فقيل: يَقَعُ ثلاثٌ، وقيل: ثنتان.
فلو قال: أنت طالِقٌ طلقتَينِ ونصفًا إلاَّ نصفَ طلقةٍ؛ فهل تطلُق ثلاثًا أو اثنتَينِ؟ على وجهين.
وفي «المستوعب» : أنَّها تطلُقُ ثلاثًا وجهًا واحدًا.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَاسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ إِلاَّ وَاحِدَةً؛ وَقَعَتِ الثَّلَاثُ)؛ لأِنَّ العدد نَصٌ فيما يَتَناوَله، فلا يرتفع بالنِّيَّة؛ لأِنَّ اللَّفْظَ أقْوَى، ولو ارتفع بالنِّيَّة؛ لرجح المرجوحُ
(5)
على الرَّاجح.
(1)
قوله: (والمستثنى) سقط من (ظ). والمثبت موافق للكافي.
(2)
في (ظ): فيصير.
(3)
في (م): يقع.
(4)
زيد في (م): في.
(5)
في (ظ): الموجود.
وقال أبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية»: يَلزَمُه الثَّلاثُ حكمًا، ويُدَيَّنُ فيما بَينَه وبَينَ الله تعالى.
وكذا الخلافُ لو قال: نِسائِي الأربعُ طوالقُ، واستثنَى واحدةً بقلبه.
وإن لم يَقُلِ: الأَربَعُ؛ ففي الحُكم روايتان.
(وَإِنْ قَالَ: نِسَائِي طَوَالِقُ، وَاسْتَثْنَى وَاحِدَةً بِقَلْبِهِ؛ لَمْ تَطْلُقْ)؛ لأِنَّه لا يَسقطُ اللَّفْظُ، وإنَّما اسْتَعمل العمومَ في الخصوص، وذلك شائعٌ، بخلاف ما قبلها، وهل يُقبَلُ في الحكم؟ على روايتَينِ.
وفي «الترغيب» : إذا قال: أربعتكنَّ طوالِقُ إلاَّ فلانةَ؛ لم يصحَّ
(1)
على الأَشْبَه؛ لأِنَّه صرَّح وأوْقَعَ، ويَصِحُّ أربعتكنَّ إلاَّ فلانةَ طوالقُ.
وإن استَثْنَى مَنْ سألتْه طلاقها؛ دُيِّن، ويتوجَّه: أنَّه كنِسائِي الأَرْبَع، ولم يُقبَلْ في الحكم؛ لأِنَّ السَّببَ لا يجوز إخراجُه.
وقِيلَ: يُقبَلُ؛ لجواز تخصيص العامِّ.
وإنْ قالَتْ: طلِّق نساءَك، فقال: نسائِي طوالِقُ؛ طَلَقَتْ؛ لأِنَّ اللَّفْظَ لا يُقصَرُ على سببه، وإنِ استثناها قُبِلَ في الحكم؛ لأِنَّ السَّببَ يَدُلُّ على نيَّته.
فرعٌ: يُعتبَرُ للاستثناء ونحوِه اتِّصالٌ معتادٌ، قطع
(2)
به الجماعةُ.
ونيَّتُه قبل تكميل ما ألحقه به، حكاه الفارسي
(3)
إجماعًا
(4)
.
(1)
في (ظ): لم تصح.
(2)
في (م): وقطع.
(3)
في (م): القاري.
(4)
ينظر: البحر المحيط 3/ 293، المهمات في شرح الروضة 7/ 344.
والفارسي: هو أبو بكر أحمد بن الحسين بن سهل الفارسي، من أصحاب الوجوه، تفقه على أبي العباس بن سريج، وله اختيارات غريبة، من مصنفاته: عيون المسائل، وله كتاب في الإجماع، مات سنة 350 هـ تقريبًا. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 2/ 184، طبقات الشافعيين ص 243.
وقِيلَ: وبعدَه، وفي «التَّرغيب»: هو ظاهر قول أصحابنا، واختاره
(1)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(2)
، وقال: دلَّ عليه كلامُ أحمدَ ومتقدِّمِي أصحابه، وأنَّه
(3)
لا يَضُرُّ فصلٌ يسيرٌ بالنِّيَّة وبالاستثناء، قال: وفي القرآن
(4)
جُمَلٌ قد
(5)
فُصِلَ بَينَ أبعاضها بكلام
(6)
آخَرَ؛ لقوله تعالى: {وَقَاَلت طَّآئِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ آمنوا
…
(72)} إلى قوله: {هُدَى اللَّهِ} [آل عِمرَان: 72_73]، فَصَلَ بَينَ أبْعاضِ الكلام المحكيِّ عن أهل الكتاب.
وسأله أبو داود عمَّن تزوَّج امرأةً، فقيل: ألك
(7)
امرأةٌ سواها؟ فقال: كلُّ امرأةٍ لي طالِقٌ، فسكت، فقيل: إلاَّ فلانةَ، قال: إلاَّ فلانةَ، فإنِّي لم أعْنِها، فأبى أنْ يُفْتِيَ فيه
(8)
.
مسألةٌ: إذا قال: أنتِ طالق
(9)
، ثمَّ وَصَلَه بشرطٍ أوْ صِفةٍ؛ فإنْ كان نُطقًا؛ صحَّ بغيرِ خلافٍ
(10)
، وإنْ نَواهُ ولم يَلْفِظْ به؛ دُيِّنَ، وفي الحُكْم رِوايَتانِ.
(1)
في (م): واختار.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 80، الاختيارات ص 383.
(3)
في (م): لأنه.
(4)
في (م): القرائن.
(5)
في (م): على.
(6)
في (م): لكلام.
(7)
في (ظ): لك.
(8)
في (م): به. ينظر: مسائل أبي داود ص 240.
(9)
زيد في (م): أنت طالق.
(10)
ينظر: المغني 7/ 418.
(بَابُ الطَّلَاقِ فِي الْمَاضِي وَالْمُسْتَقْبَلِ)
(إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، أَوْ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ، يَنْوِي الْإِيقَاعَ؛ وَقَعَ)؛ لأِنَّه اعْتَرَفَ على نفسه بما هو أغْلَظُ، (فَإِنْ
(1)
لَمْ يَنْوِ؛ لَمْ يَقَعْ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، وجزم به في «الوجيز» وغيره؛ لأِنَّه أضافه إلى زمنٍ يَستحِيلُ وقوعُه فيه، وهو الزَّمنُ الماضي وقَبْلَ نكاحه، فلم يَقَعْ، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ قبلَ قدومِ زيدٍ بيومَينِ، فقدم اليَوْمَ، فإنَّه
(2)
لا خلاف فيه
(3)
عندَ أصحابنا أنَّه لا يَقَعُ.
(وَقَالَ القَاضِي: يَقَعُ
(4)
، ولو لم يَنوِهِ، وهو روايةٌ؛ لأِنَّه وصف الطَّلقةَ بما لا تتصف
(5)
به، فلَغَت الصِّفةُ، ووقَعَ الطَّلاقُ، كما لو قال لآِيِسةٍ: أنتِ طالِقٌ للبدعة.
(وَحُكِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ: لَا يَقَعُ إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ)؛ لعَدَمِ إمْكانِ وقوع الطَّلاق فيه، (وَيَقَعُ إِذَا قَالَ: قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ
(6)
؛ لأِنَّه يُمكِنُ أنْ يتزوَّجها ثانيًا، وهذا الوقتُ قبلَه، فيَقَعُ فيه، بخلاف الأُولى، قاله القاضي.
وعنه: في الأُولى إنْ كانت زوجته أمس.
فإنْ قال: أردت أنَّي طلَّقْتها أمس
(7)
؛ طَلقتْ بإقراره، ولزِمَتْها العِدَّة في
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
قوله: (فيه) سقط من (ظ).
(4)
في (م): لا يقع.
(5)
في (ظ): يتصف.
(6)
في (م): نكحك.
(7)
أي: وكذَّبته. ينظر: المغني 7/ 429، الشرح 22/ 393.
يومها؛ لاعترافها
(1)
أنَّ أمس لم يكن في عدَّتها.
(فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّ زَوْجًا قَبْلِي طَلَّقَهَا، أَوْ طَلَّقْتُهَا
(2)
فِي نِكَاحٍ قَبْلَ هَذَا؛ قُبِلَ مِنْهُ، إِذَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ)؛ لأِنَّه فَسَّرَ كلامَه بما يحتمِلُه.
وقَولُه: (إذا احْتَمَلَ الصِّدقَ) مُشْعِرٌ بأنَّه يُشتَرَطُ أنْ يكونَ قد وُجِدَ؛ لأِنَّه إذا لم يُوجَدْ؛ لم يكن كلامُه محتَمِلاً للصِّدق.
وفي «المغني» : إنْ لم يكُنْ وُجِدَ؛ وَقَعَ طلاقُه، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب. وقال القاضي: يُقبَل على ظاهر كلامه، ولم يَشتَرط الوجود، فإذَنْ فيه وجهان.
وعلى الأوَّل: ما لم تكذِّبْه قرينةٌ من غضبٍ، أوْ سؤالها الطَّلاقَ، ونحوه.
(فَإِنْ مَاتَ) القائلُ، (أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْعِلْمِ بِمُرَادِهِ؛ فَهَلْ تَطْلُقُ) المقولُ لها؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، بناءً على الخلاف في اشتراط النِّيَّة في وقوع الطَّلاق المتقدِّم ذِكْرُه، فإنْ قِيلَ: باشتراطه؛ لم تطلُقْ؛ لأِنَّ شرْطَ الطَّلاق النِّيَّةُ، ولم يُتحقَّقْ وجودُها، وإنْ قِيلَ بعدم اشتراطها؛ طَلقَتْ؛ لأِنَّ المقتَضِيَ للوقوع قد وُجِدَ، فَوَجَبَ العَمَلُ به.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ قُدُومِ زَيْدٍ بِشَهْرٍ)؛ فلها النَّفقةُ، (فَقَدِمَ قَبْلَ مُضِيِّ شَهْرٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، بغَير خلافٍ بَينَ أصحابنا؛ لأِنَّه تعليقٌ للطَّلاق على صفةٍ مُمْكِنةِ الوجود، فوجب اعتبارُها، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغيره.
وفيه وجهٌ: تطلُقُ، بِناءً على قوله: أنتِ طالِقٌ أمْس، وجزم به الحُلْوانيُّ.
فلو قدِمَ مع مضيِّ الشَّهر؛ لم تطلُقْ؛ لأِنَّه لا بدَّ من جزءٍ يَقَعُ الطَّلاقُ فيه.
(وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَجُزْءٍ يَقَعُ الطَّلَاقُ فِيهِ؛ تَبَيَّنَّا وُقُوعَهُ فِيهِ)؛ لأِنَّه أوْقَعَ
(1)
في (م): لاعترافه.
(2)
في (م): طلقها.
الطَّلاقَ في زمنٍ على صفةٍ، فإذا حصلت وقع، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ قبل شَهرِ رمضانَ بشهرٍ، أو قبل موتك بشهرٍ، فلو وَطِئَها كان مُحرَّمًا، ولها المهرُ.
(فَإِنْ خَالَعَهَا بَعْدَ
(1)
الْيَمِينِ بِيَوْمٍ) فأكثرَ، (وَكَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا، ثُمَّ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ الشَّهْرِ
(2)
بِيَوْمَينِ؛ صَحَّ الْخُلْعُ)؛ لأِنَّه وقَعَ مع زوجة، (وَبَطَلَ الطَّلَاقُ)؛ لأِنَّه صادَفَهَا بائنًا، ولا إرْثَ لها؛ لعدم التُّهمة.
(وَإِنْ قَدِمَ بَعْدَ شَهْرٍ وَسَاعَةٍ) فأقلَّ؛ (وَقَعَ الطَّلَاقُ)؛ لأِنَّها طلقت في السَّاعة وهي زوجةٌ، (دُونَ الْخُلْعِ)؛ لأِنَّه صادَفَها بائنًا، وخُلْعُ البائن غيرُ صحيحٍ، وحِينَئِذٍ: لها الرُّجوعُ بالعِوَضِ، إلاَّ أنْ يكونَ الطَّلاقُ رجعيًّا؛ لأِنَّ الرَّجعيَّةَ يصحُّ خُلْعُها.
فرعٌ: إذا قال لعبده: أنتَ حرٌّ قبلَ قدوم زَيدٍ بشهرٍ، ثُمَّ باعه بعدَ عقد الصِّفة، فأعْتَقَه المشْتَرِي، ثُمَّ قَدِمَ زَيدٌ بعد عَقْدِها بشَهْرٍ ويَومٍ، فإنَّا نَحْكُمُ بوقوع عتق البائع، وبُطْلانِ البَيعِ وما ترتَّب عليه.
ونقل مُهَنَّى عنه إذا قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا قبلَ مَوتِي بشهرٍ: أنَّها تطلُقُ في الحال
(3)
، وهذه تعطي أنَّه علَّقه بشرطٍ بأن لا محالة أنَّه يقع في الحال، والأوَّل أصحُّ
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه قبلَ مَوتِه، وكذا إنْ قالَ: قَبْلَ موتِك، أوْ مَوتِ زَيدٍ، فإنْ قاله بالتَّصغير؛ لم يَقَعْ إلاَّ في الجزء الذي يَلِيهِ الموتُ؛ لأِنَّ ذلك تصغير يقتضي الجزء اليسيرَ.
(1)
في (م): بعدم.
(2)
في (م): شهر.
(3)
في (م): الحلل. ينظر: إغاثة اللهفان لابن القيم 1/ 173.
(4)
قوله: (وهذه تعطي أنه علقه) إلى هنا مذكور في النسخ الخطية، ولم نقف على العبارة في كتب الأصحاب.
(فَإِنْ قَالَ: بَعْدَ مَوْتِي، أَوْ مَعَ مَوْتِي؛ لَمْ تَطْلُقْ
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
، وكذا إنْ قال: بعدَ موتِك، أوْ مع موتك، بغير خلافٍ علِمْناهُ
(3)
؛ لأِنَّها تبين بموت أحدهما، فلم يُصادِف الطَّلاقُ نكاحًا يُزيلُه.
فإنْ قال: مع
(4)
مَوتِي؛ فوجهانِ.
فرعٌ: إذا قال: إنْ مِتُّ فأنتِ طالِقٌ قبلَه بشهرٍ، ونحو ذلك؛ لم يصحَّ، ذكره في «الانتصار» ؛ لأِنَّه أوْقَعَه بعدَه، فلا يَقَعُ قبلَه لمضيِّه.
وإنْ لم يَقُلْ بشهرٍ؛ وَقَعَ إذَنْ، وفي «التبصرة»: في جزءٍ يليهِ موتُه
(5)
؛ كقُبيل
(6)
موتي.
وإنْ قالَ: أطْوَلُكما حياةً طالِقٌ، فبِمَوت إحداهما؛ يَقَعُ بالأخرى إذَنْ. وقِيلَ: وَقْتَ يمينه.
فإنْ قال: أنتِ طالِقٌ قبلَ موتِ زيدٍ وعمرٍو بشهرٍ؛ تعلَّقت الصفةُ
(7)
بأوَّلهما مَوتًا.
(وَإِنْ تَزَوَّجَ أَمَةَ أَبِيهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا مَاتَ أَبِي أَوِ اشْتَرَيْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَاتَ أَبُوهُ أَوِ اشْتَرَاهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ)، اختاره القاضي، وقدَّمه في «الكافي» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه بالموت والشِّراء يَملِكُها، فيَنفَسِخُ نكاحُها بالملك وهو زمنُ الطَّلاق، فلم يَقَعْ؛ كما لو قال: أنتِ طالِقٌ مع مَوتِي، وكقَولِه: إذا مَلكتُكِ فأنتِ طالِقٌ في الأصحِّ.
(1)
زيد في (م): لأنه قبل.
(2)
ينظر: المغني 7/ 512.
(3)
ينظر: المغني 7/ 512.
(4)
في (م): بعد.
(5)
في (م): بموته.
(6)
في (ظ): كقبل. والمثبت موافق للفروع 9/ 84.
(7)
في (ظ): بالصفة.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَطْلُقَ)، وهو المذهب
(1)
، اختاره في «الجامع» ، والشَّريف، وأبو الخَطَّاب، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وهو روايةٌ في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّ الموتَ سببُ ملْكها وطلاقها، وفَسْخُ النِّكاح يترتَّب على الملك، فيُوجَدُ الطَّلاقُ في زمن الملك السَّابق على الفسخ، فيثبت
(2)
حكمُه.
وفي «المستوعب» : إذا علَّق طلاقَها على الشِّراء؛ لم تطلُق حتَّى يتفرَّقا في أظْهَرِ الوَجْهَينِ، وفي الآخَر: تطلُق، وهو احْتِمالٌ في «عيون المسائل» ؛ بناءً على انتقال الملك زمن الخِيار.
(وَإِنْ كَانَتْ مُدَبَّرَةً)؛ أيْ: دبَّرها أبوه، (فَمَاتَ أَبُوهُ؛ وَقَعَ الطَّلَاقُ)؛ لأِنَّ الحرِّيَّةَ تمنَعُ ثبوتَ الملك له، فلا يَنفَسِخُ نكاحُه، فيَقَعُ طلاقُه، (وَالعِتْقُ)؛ لأنَّه معلَّق بالموت وقد وجد
(3)
معًا؛ لأنَّ كلَّ واحد منهما معلَّق بالموت، وهذا إذا كانت تخرُج من الثُّلث.
فإنْ أجاز الابنُ، وقُلْنا: إجازتُه عطيَّةٌ مُبتدَأةٌ؛ فهل يَقَعُ الطَّلاقُ؟ على وَجْهَينِ، وإنْ قُلْنا: تنفيذٌ؛ وقعا معًا
(4)
.
فإنْ كان على الأب دَينٌ يَستغرِقُ تَرِكَتَه؛ لم يَعتِق
(5)
.
والأصحُّ: أنَّ ذلك لا يَمنَعُ نقلَ التَّرِكةَ إلى الورثة، فهو كما لو لم يكن عليه دَينٌ في فَسْخِ النِّكاحِ.
وإنْ كانَتْ تَخرُجُ من الثُّلث بعدَ أداء الدَّين؛ وَقَعَا، وإلاَّ حكمها
(6)
في
(1)
قوله: (وهو المذهب) سقط من (ظ).
(2)
في (م): فثبت.
(3)
قوله: (وقد وجد) في (م): ولم يوجد.
(4)
قوله: (معًا) سقط من (م).
(5)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في الشرح الكبير 22/ 401: لم تعتق.
(6)
في (م): حكمهما.
فسخ النِّكاح ومنع
(1)
الطَّلاق؛ كما لو كان مُستغرِقًا لها، فإنْ أسْقَطَ الغريمُ الدَّينَ بعدَ الموت؛ لم يَقَع الطَّلاقُ؛ لأِنَّ النِّكاحَ انفَسَخَ قبلَ إسْقاطِه.
(1)
في (م): ويقع.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لَأَشْرَبَنَّ الْمَاءَ الذِي فِي الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ لَأَقْتُلَنَّ فُلَانًا الْمَيِّتَ، أَوْ لَأَصْعَدَنَّ السَّمَاءَ، أَوْ لَأَطِيرَنَّ، أَوْ إِنْ لَمْ أَصْعَدِ السَّمَاءَ وَنَحْوُهُ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)، هذا المذهَبُ، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ إنْ لم أبِعْ عَبْدِي، فماتَ العبدُ، ولأِنَّه علَّق الطَّلاق على نفيِ فعلِ المستحيل، وعدمُه معلومٌ في الحال وفي الثَّاني، فوقع
(1)
الطَّلاق.
(وَقَالَ أَبُو الخَطَّابِ
(2)
فِي مَوْضِعٍ: لَا تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ)، وحكاهُ عن القاضي
(3)
؛ لأِنَّ اليمينَ المنعَقِدةَ هي الَّتي يمكن
(4)
فيها البِرُّ والحِنْثُ، وهو مُنْتَفٍ هنا.
قال في «الشَّرح» : والصَّحيحُ أنَّه يَحنَثُ، فإنَّ الحالِفَ على فِعْلِ الممتَنِع كاذِبٌ حانِثٌ، قال الله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ
…
(109)} الآيةَ [الأنعَام: 109]، ولأِنَّه لو حَلَفَ على فِعْلِ مُتَصوَّرٍ فصار ممتنِعًا حَنِثَ، فهذا أَوْلَى.
وقِيلَ: لا تطلُق في المُحالِ لذاته، وأنَّ المُحالَ عادةً كالمُمْكِن في تأخير الحِنْث إلى آخِرِ حياته.
وقِيلَ: إنْ وقَّته
(5)
؛ كقوله: لَأَطيرنَّ اليومَ؛ لم تطلُقْ إلاَّ في آخِرِ الوقت، وإنْ أطلَق؛ طلقَتْ في الحالِ، وذَكَرَه أبو الخَطَّاب اتِّفاقًا.
(1)
قوله: (فوقع) في (ظ): فإنَّه يوقع. والمثبت موافق للشرح الكبير.
(2)
قوله: (أبو الخطاب) سقط من (م).
(3)
قوله: (عن القاضي) سقط من (م).
(4)
قوله: (يمكن) سقط من (م).
(5)
في (م): وقفه.
فرعٌ: إذا حلَف لَيَقتلنَّ فلانًا، وهو ميِّتٌ، فقيل: يَحنَثُ، وهو الأشْهَرُ، وقِيلَ: لا، وقيلَ: إنْ كانَتْ يمينُه بطلاقٍ أو عتاق
(1)
حَنِثَ، وإنْ كان بغَيرهِما فلا، وفرَّقَ القاضي في «الجامع» ، فقال: إنْ لم يعلَمْ بموته لم يَحنَثْ، وإلاَّ حَنِث.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَرِبْتِ مَاءَ الْكُوزِ، وَلَا مَاءَ فِيهِ، أَوْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ شَاءَ الْمَيِّتُ، أَوِ الْبَهِيمَةُ)، أوْ إنْ قَلَبْتِ الحَجَرَ ذَهَبًا، أوْ إنْ جَمَعْتِ بَينَ الضِّدَّينِ، أوْ إنْ رددتِ أمْسِ؛ (لَمْ تَطْلُقْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، صحَّحه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ، و «الفروع» ؛ لأِنَّه علَّق الطَّلاقَ بصفةٍ لم تُوجَدْ، ولأِنَّ ما
(2)
يُقصَدُ تبعيده
(3)
يُعلَّقُ على المحال، كقوله تعالى:{وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعرَاف: 40]، ولِقَولِ الشَّاعر
(4)
:
إذا شابَ الغُرابُ أتَيْتُ أهْلِي وعادَ القارُ كاللَّبَن الحليبِ
وكحَلِفِه بالله عليه.
(وَتَطْلُقُ فِي الآْخَرِ)، ويُلْغَى الشَّرْطُ؛ لأِنَّه أرْدَفَ الطَّلاقَ بما يَرفَعُ جملتَه، ويَمنَعُ وُقوعَه في الحال وفي الثَّاني، فلم يَصِحَّ؛ كاستثناء الكلِّ، وكما لو قال: أنتِ طالقٌ طلقةً لا تقع
(5)
عليك.
وقِيلَ: إنْ علَّقَه على مستحيلٍ عقلاً؛ وَقَعَ في الحال؛ لأِنَّه لا وجودَ له، وإنْ علَّقه على مستحيلٍ عادةً؛ كالطَّيَران وصُعودِ السَّماء؛ لم يَقَعْ؛ لأنَّ
(6)
له
(1)
في (م): وعتاق.
(2)
قوله: (ما) سقط من (م).
(3)
في (م): بتقيده.
(4)
هو تميم الداري رضي الله عنه. ينظر: الدر الفريد 2/ 452.
(5)
في (ظ): لا يقع.
(6)
في (م): لأنه.
وُجودًا، وقد وُجِدَ في معجزات الأنبياء وكرامات الأولياء.
تذنيبٌ: العِتْقُ، والظِّهارُ، والحرامُ، والنَّذر؛ كالطَّلاق، واليمين بالله تعالى قيل: كذلك، وقِيلَ: لا كفَّارةَ فيها؛ كالغَموس.
وفي «المستوعب» : تعليقه كقوله: لأفْعَلنَّ، أو: لا فَعَلْتُ، نحو: لَأقومَنَّ، أوْ: لا قمُتُ؛ يصحُّ بنيَّةِ جاهِلٍ بالعربيَّة، وإنْ نواه عالِمٌ فروايتا أنتِ طالِقٌ، ثُمَّ يريدُ: إنْ قمتِ، وإلاَّ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لم يأتِ بحرفِ الشَّرط، وتَبِعَه في «الترغيب» .
وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه خِلافُ الإجماع القديم
(1)
، وجَزَمَ به في «المغْنِي» وغيره.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِذَا جَاءَ غَدٌ؛ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ إذا علِّق على شرطٍ مستحيلٍ فهل يَقعُ؟ فيه وَجْهانِ؛ لأِنَّه جَعَلَ وُقوعَ الطَّلاق مظروفًا لليوم ومشروطًا
(2)
بمجيءٍ الغد، والجَمْعُ بَينَهما مُحالٌ، والمذْهَبُ: عَدَمُ الوقوع.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَطْلُقُ)؛ لأِنَّ شرطَ الطَّلاق لم يتحقَّقْ؛ لأِنَّ مُقتَضاهُ وقوعُ الطَّلاق إذا جاء غدٌ في اليوم، ولا يَجيءُ غَدٌ إلاَّ بعدَ فَواتِ اليوم وذهابِ محلِّ الطَّلاق.
وفي «المغْنِي» : أنَّ اختيارَ القاضي: أنَّها تَطلُق في الحال؛ لأِنَّه علَّقه بشرطٍ محالٍ، فَلَغَا الشَّرْطُ، وَوَقَعَ
(3)
الطَّلاقُ؛ كما لو قال لآِيِسةٍ: أنتِ طالِقٌ للبدعة، وقال في «المجرَّد»: إنَّها تَطلُقُ في غدٍ.
تنبيهٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ لَأَقُومَنَّ، وقام؛ لم تَطلُق، وإنْ لم يَقُمْ في
(1)
ينظر: الفروع 9/ 84.
(2)
في (م): مشروطًا.
(3)
في (م): وقع.
الوقت الَّذي عينه؛ حَنِثَ في قَولِ أكثرِهم.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ إنَّ أخاكِ لعاقلٌ
(1)
، وكان كذلك؛ لم يَحنَثْ، وإلاَّ حَنِثَ، كقوله: واللهِ إنَّ أخاكِ لَعاقِلٌ، وإنْ شُكَّ في عَقْله؛ لم يَقَعْ
(2)
.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ لا أكلتُ هذا الرَّغيفَ، فأكَلَه؛ حَنِثَ. وإنْ قال: ما أكلتُه؛ لم يَحنثْ إنْ كان صادِقًا، وحَنِثَ إنْ كان كاذِبًا؛ كقوله: واللهِ ما أكلته
(3)
.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ لا دخلتُ الدَّار، ولا ضَربْتُك، ونَوَى به التَّعليقَ؛ صحَّ إنْ كان جاهِلاً، وإلاَّ فروايتان
(4)
.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ ثلاثًا على مذهب السُّنَّة والشِّيعة واليهود والنَّصارَى؛ طلقَتْ ثلاثًا؛ لاِسْتِحالة الصِّفة؛ لأِنَّه لا مذهبَ لهم، وكقصده التَّأكيدَ.
(1)
في (م): العاقل.
(2)
في (م): لم يتم.
(3)
في (ظ): ما آكله. والمثبت موافق للمغني والكشاف.
(4)
قوله: (وإن قال: أنت طالق لا دخلت
…
) إلى هنا سقط من (م).
(فَصْلٌ فِي الطَّلَاقِ فِي زَمَنٍ مُسْتَقْبَلٍ)
(إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا، أَوْ يَوْمَ
(1)
السَّبْتِ، أَوْ فِي رَجَبٍ؛ طَلَقَتْ بِأَوَّلِ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه جَعَلَ ذلك ظَرْفًا للطَّلاق، فإذا وُجِدَ ما يكون ظرفًا طَلقَتْ، كما لو قال: إذا دخلتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ، فإذا دَخَلَ أوَّلُ جزءٍ منها؛ طَلقَتْ.
وحاصِلُه: أنَّه إذا علَّق الطَّلاقَ بشهرٍ، أوْ وقتٍ عيَّنه؛ وقع في أوَّله، بخلاف ما لو قال: إنْ لم أقْضِك حقَّك شهرَ رمضانَ فامرأتُه طالِقٌ؛ لم تَطلُقْ حتَّى يخرُج الشَّهرُ قبلَ قضائه؛ لأِنَّه إذا قضاهُ في آخره لم تُوجد الصِّفةُ، وله الوطءُ قبل الحِنْث.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ، أَوْ فِي هَذَا الشَّهْرِ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ اليومَ والشَّهرَ ظرفٌ لإيقاع الطَّلاق، فَوَجَبَ أنْ يَقَعَ إذَنْ.
وكذا إنْ قال في الحَول.
وعنه: أنَّه في رأسه، اختاره ابن أبي موسى، قال في «الفروع»: وهي أظهرُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ
(2)
فِي آخِرِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ؛ دُيِّنَ) في الأصحِّ؛ لأِنَّه يجوزُ أنْ يريدَ ذلك، فلا يَلزَمُه الطَّلاقُ في غَيرِه، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أظْهَرُهما: القَبولُ؛ لأِنَّ آخِرَ الشَّهر منه، فإرادتُه لا تُخالِفُ ظاهِرَه، وكذا وسطه، إذ ليس أوَّلُه أوْلَى في ذلك مِنْ وَسَطِه
(3)
.
(1)
في (م): ويوم.
(2)
في (م): أرث.
(3)
قوله: (إذ ليس أوله أولى في ذلك من وسطه) سقط من (ظ).
والثَّانيةُ: لا يُقبَلُ؛ لأِنَّه لو أطلق
(1)
؛ تَناوَلَ أوَّلَه.
وكلامُه شامِلٌ للصُّورتَينِ، وهو قَولٌ، والمنصوصُ: أنَّه لا يُدَيَّنُ ولا يُقبَلُ حكمًا.
فلو قال: أنتِ طالِقٌ في أوَّلِ رمَضانَ، أوْ مجيئه، أوْ غرَّته؛ طَلقَتْ بأوَّلِ جزءٍ منه، ولا يُقبَلُ قَولُه: نَوَيتُ آخِرَه، أوْ وَسَطَه؛ لأِنَّه لا يَحتَمِلُه، فلو قال: أردتُ بالغُرَّة اليوم الثَّاني؛ قُبِلَ منه؛ لأنَّ
(2)
الثُّلثَ الأوَّل من الشَّهر يُسمَّى غَرَرًا.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ إذا كان رمضانُ، أو إلى رمضانَ، أو إلى هلال رمضانَ، أو في هلالِ رمضان
(3)
؛ طَلقتْ ساعةَ يستهِلُّ، إلاَّ أنْ يقولَ: مِنْ السَّاعة إلى الهلال، فتَطلُقُ في الحال.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ في مجيء ثلاثةِ أيَّامٍ؛ طَلقتْ في أوَّل اليوم الثَّالث.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَغَدًا وَبَعْدَ غَدٍ، أَوْ فِي الْيَوْمِ وَفِي غَدٍ وَفِي بَعْدِهِ؛ فَهَلْ تَطْلُقُ وَاحِدَةً أَوْ ثَلَاثًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: تَطلُق واحدةً، إلاَّ أنْ يَنوِيَ أكثرَ، جزم به بعضُ أصحابنا؛ لأِنَّها إذا طَلقت اليومَ؛ فهي طالِقٌ في غَدٍ وفي بعده، وكقوله: كل يومٍ، ذكرَه في «الانتصار» .
والثَّاني: ثلاثًا؛ لأِنَّ ذِكْرَه لأِوقاتِ الطَّلاق يَدُلُّ على تَعْداده.
(وَقِيلَ: تَطْلُقُ فِي الأُولَى
(4)
وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ مَنْ طَلقتْ في اليوم الأوَّل يَصِحُّ أنْ يُقالَ: هي طالِقٌ في الثَّاني والثَّالث، (وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثًا)، وهذا القَولُ قدَّمه
(1)
في (م): طلق.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
قوله: (أو في هلال رمضان) سقط من (م).
(4)
قوله: (في الأولى) سقط من (م).
في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ إعادة
(1)
«في» تقتَضِي فِعْلاً، فكأنَّه قال: أنتِ طالِقٌ في اليوم، وأنت طالِقٌ في غَدٍ، وأنتِ طالِقٌ في بعدِ غدٍ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه أنْ تُخرَّج
(2)
: أنتِ طالق
(3)
كلَّ يومٍ، أو في كلِّ يومٍ؛ على هذا الخلاف.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ الْيَوْمَ؛ طَلَقَتْ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْهُ)، نَصَّ عليه
(4)
، واختاره أبو الخَطَّاب، ونصره في «الشَّرح» ، قال ابنُ حمدانَ: وهو أظْهَرُ؛ لأِنَّ خروجَ اليوم يَفُوتُ به طلاقُها، فوجب وقوعُه قبلَه في آخِرِ وقت
(5)
الإمكان؛ كما لو مات أحدُهما في اليوم.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَطْلُقُ)، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ شَرْطَ طلاقها خروج اليوم، وبخروجه يفوت محلُّ طلاقها.
قال في «المغني» : ويبطل
(6)
هذا بما إذا مات أحدُهما في اليوم، فإنَّ محلَّ الطَّلاق يفوت بموته، ومع ذلك فإنَّها تطلُقُ قبلَ موته، فكذا هنا.
وكذا إنْ أَسْقَطَ اليومَ الأخيرَ، وإنْ أَسْقَطَ الأوَّلَ؛ وقَعَ قبلَ آخره.
وقِيلَ: بعدَ خروجه، ويأتي إنْ أسقَطَهما، واحتجَّ بها المؤلِّفُ على ضعف قَولِ أبي بكرٍ، فدلَّ
(7)
أنَّها مثلها، وأنَّه لا يَقَعُ فيها على قَولِ أبي بكرٍ.
(1)
في (م): العادة.
(2)
في (م): أنه يخرج.
(3)
زيد في (م): في.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 90.
(5)
في (م): أوقات.
(6)
في (م): يبطل.
(7)
في (م): نقل.
مسائلُ:
إذا قال: أنتِ طالِقٌ إنْ لم أتزوَّجْ عليكِ اليومَ، أو إن لم أشْتَرِ لك ثوبًا اليومَ؛ فالخلافُ؛ كقوله لعبده: إنْ لم أبعكَ اليوم فامرأتُه طالِقٌ، ولم يَبِعْه حتَّى خرج اليوم.
وإنْ مات العبدُ أوْ عَتَقَ، أو مات الحالِفُ أو المرأة في اليوم؛ طَلقتْ؛ لأِنَّه قد فات بَيعُه.
وإنْ دبَّره أوْ كاتَبَه فلا، ومَنْ مَنَعَ بَيعَهما قال: تطلُق.
وإنْ وَهَبَ العبدَ؛ لم تطلُق؛ لأِنَّه يُمكِنُ عَودُه إليه ببيعه
(1)
.
وإنْ قال: إنْ لم أبِعْ عبدي فامرأته طالِقٌ، فكاتَبَ العبدَ؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّه يمكن عَجزُه، فلم يُعلَمْ فَواتُ البَيع.
وإذا
(2)
قال: إذا مضى يومٌ فأنتِ طالِقٌ، فإنْ كان نهارًا؛ وَقَعَ إذا عاد النَّهار إلى مثل وقته، وإنْ كان لَيلاً؛ فبغروب شمس الغَد.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ غُدْوَةً، وَقَدِمَ بَعْدَ مَوْتِهَا؛ فَهَلْ وَقَعَ بِهَا الطَّلَاقُ
(3)
؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: تَطلُقُ مِنْ أوَّله، قال في «الشَّرح»: وهو أَوْلَى، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ يومَ الجمعة، وقِيلَ: بعدَ قُدومه، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه جَعَل قُدومه شَرْطًا، فلا تَطلُقُ قبلَه.
والثَّاني: لا تَطلُقُ؛ لأِنَّ شَرْطَه قدومُ زَيدٍ، ولم يُوجَدْ إلاَّ بعدَ مَوتِ المرأة، فلم يَقَعْ، بخلاف يوم الجمعة.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 445، والشرح الكبير 22/ 417: فيبيعه.
(2)
في (م): فإن.
(3)
قوله: (الطلاق) سقط من (م).
ويَنْبَنِي عليهما: الإرثُ، فلو مات الرَّجلُ غُدْوةً، ثمَّ قَدِمَ زيد
(1)
، أوْ ماتَ الزَّوجانِ قبلَ قُدومِ زَيدٍ؛ كان الحكمُ كما لو ماتت المرأةُ.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ في
(2)
شهر رمضانَ إنْ قَدِمَ زيدٌ، فقَدِمَ زَيدٌ فيه؛ فوجهان
(3)
:
أحدُهما: لا تَطلُقُ حتَّى يَقدم زيدٌ؛ لأِنَّ قدومَه شرطٌ فيه.
والثَّاني: أنَّه
(4)
إنْ قَدِمَ زَيدٌ تبيَّنَّا وقوعَ الطَّلاق من أوَّل الشَّهر، وهو أصحُّ، قالَهُ في «الشَّرح» .
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ غدًا أمْسِ، أوْ عَكَسَ؛ طَلقَتْ طلقةً غدًا، قال ابن حمدانَ: ويَحتَمِلُ عَدَمُها.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي غَدٍ إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ، فَمَاتَتْ
(5)
قَبْلَ قُدُومِهِ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، صحَّحه السَّامَرِّيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الوقتَ الذي أوقع
(6)
طلاقَها فيه لم يأتِ وهي محلٌّ للطَّلاق، فلم تَطلُقْ؛ كما لو ماتت
(7)
قبلَ دخول ذلك اليوم.
وقِيلَ: إنْ قَدِمَ فيه طَلقتْ بعدَ قدومه، وقِيلَ: مِنْ أوَّله.
وظاهِرُه: أنَّه إذا قدِمَ بعدَ الغد؛ أنَّها لا تَطلُقُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ الْيَوْمَ غَدًا؛ طَلَقَتِ الْيَوْمَ وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ مَنْ طَلَقَتْ اليومَ فهي طالِقٌ غدًا، (إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ طَالِقٌ الْيَوْمَ وَطَالِقٌ غَدًا)؛ فتطلُق اثنتَينِ في اليَومَينِ.
(1)
قوله: (إلا بعد الموت المرأة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): من.
(3)
في (م): وجهان.
(4)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(5)
في (ظ): فمات.
(6)
في (م): وقع.
(7)
في (م): كانت.
فإنْ قال: أردتَ أنَّها تطلق
(1)
في أحد اليَومَينِ؛ طَلَقَت اليوم، ولم تطلُقْ غدًا؛ لأِنَّه جَعَلَ الزَّمانَ كلَّه ظرفًا للطَّلاق، فَوَقَعَ في أوَّله.
(أَوْ نِصْفَ
(2)
طَلْقَةٍ الْيَوْمَ وَنِصْفَهَا غَدًا؛ فَتَطْلُقُ
(3)
اثْنَتَيْنِ)؛ لأِنَّ كلَّ نصفٍ يكمَّلُ ضرورةَ عدمِ تبعيض الطَّلاق.
(وَإِنْ نَوَى نِصْفَ طَلْقَةٍ الْيَوْمَ، وَبَاقِيَهَا غَدًا؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: أنَّها تَطلُقُ واحدةً؛ لأِنَّه إذا قال: نصفُها اليومَ؛ كمُلَتْ، فلم يَبْقَ لها بقيَّةٌ تَقَعُ غدًا، ولم يَقَعْ شيءٌ غَيرُها؛ لأِنَّه ما أوْقَعَه.
والثَّاني: يَقَعُ اثْنَتانِ في اليَومَينِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَى شَهْرٍ)، أوْ حَولٍ؛ (طَلَقَتْ عِنْدَ انْقِضَائِهِ)؛ رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ
(4)
وأبي ذَرٍّ
(5)
؛ لأِنَّه جَعَلَ ذلك غايةً للطَّلاق، ولا غايةَ لآِخِره، فوجب أنْ يُجعَلَ غايةً لأِوَّله
(6)
، ولأِنَّ هذا يَحتَمِلُ أنْ يكونَ مؤقَّتًا لإيقاعه، فلم يقع
(7)
الطَّلاقُ بالشَّكِّ.
وعنه: تَطلُقُ إذَنْ؛ كنِيَّته.
وذكَرَ ابنُ عَقِيلٍ الخلافَ مع النِّيَّة، وكقَولِه: أنتِ طالِقٌ إلى مكَّةَ، ولم يَنْوِ
(1)
قوله: (تطلق) سقط من (م).
(2)
في (م): نصفه.
(3)
في (ظ): تطلق.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (17894)، عن عبد الله بن بشر، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«إلى الأجل» ، وهو منقطع.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (17896)، وابن الأعرابي في معجمه (108)، وابن عساكر في تاريخه (66/ 208)، عن سلمة بن نباتة الحارثي، عن أبي ذر رضي الله عنه، أنه قال لغلام له:«هو عتيق إلى الحول» . ولا بأس بإسناده، سلمة سكت عنه البخاري وابن أبي حاتم، ويقويه احتجاج أحمد بالأثر في رواية أبي طالب كما في أحكام أهل الملل ص 353.
(6)
في (م): أوله.
(7)
في (م): فلم يقطع.
بلوغَها مكَّةَ، وإنْ قال: بعدَ مكَّةَ؛ وَقَعَ إذَنْ.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقَهَا فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه يُقِرُّ على نفسه بما هو أغلظ
(1)
، ولفظُه يَحتَمِلُه.
فرعٌ: إذا قالَ: أنتِ طالِقٌ من اليوم إلى سَنَةٍ؛ طَلَقَتْ في الحال؛ لأِنَّ «مِنْ» لابتداء الغاية، فيَقتَضِي أنَّ طلاقَها في اليوم، فإنْ أراد وقوعَه بعدَ سنةٍ؛ لم يَقَعْ إلاَّ بعدَها، وإنْ قال: أردتُ
(2)
تكريرَ طلاقها مِنْ حين
(3)
لَفَظْتُ به إلى سنةٍ؛ طلقَتْ من ساعتها ثلاثًا إذا كانَتْ مدخولاً بها.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي
(4)
آخِرِ الشَّهْرِ، أَوْ أَوَّلِ آخِرِهِ؛ طَلَقَتْ بِطُلُوعِ فَجْرِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ)، اختاره الأكثرُ؛ لأِنَّ آخِرَ الشَّهر آخِرُ يومٍ منه، ولأِنَّه إذا علَّق الطَّلاقَ على وَقْتٍ؛ تَعلَّقَ بأوَّله.
وقِيلَ: تَطلُقُ في الأولى بآخِرِ جزءٍ منه، فيَحرُم وطْؤُه في تاسِعِ عِشْرينَ، ذَكَرَه في «المُذهب» ، قال
(5)
في «الفروع» : ويَتوجَّه تخريجٌ.
(وَإِنْ قَالَ: فِي آخِرِ أَوَّلِهِ؛ طَلَقَتْ فِي آخِرِ
(6)
يَوْمٍ مِنْ أَوَّلِه) على المذهب؛ لأِنَّ ذلك آخِرُ يومٍ مِنْ أوَّله.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَطْلُقُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِغُرُوبِ شَمْسِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْهُ)؛ لأِنَّ نصفَ الشَّهر فما دُونُ يسمَّى أوَّله، فإذا شرع في النِّصف الثاني
(7)
صَدَقَ
(1)
في (م): غلط.
(2)
زيد في (م): إلا.
(3)
قوله: (من حين) سقط من (م).
(4)
في (ظ): من.
(5)
في (م): قاله.
(6)
زاد في (ظ): أول.
(7)
قوله: (الثاني) سقط من (م).
أنَّه آخِرُه، فيَجِبُ أنْ يتحقَّقَ الحِنْثُ؛ لأِنَّه أوَّلُ آخِرِه وآخِرُ
(1)
أوَّلِه.
والأوَّلُ أصحُّ، وهو قَولُ أكثر العلماء؛ لأنَّ ما عدا اليوم الأوَّل لا يُسمَّى أوَّلَ الشَّهر، ويَصِحُّ نفيه
(2)
عنه، فإنْ قال: في أوَّل الشَّهر أوْ فيه؛ فبدخوله.
(فَإِنْ
(3)
قَالَ: إِذَا مَضَتْ سَنَةٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ إِذَا مَضَى اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا بِالْأَهِلَّةِ)؛ أيْ: إذا كان حَلِفُه في أوَّل الشَّهر؛ لأِنَّ السَّنَةَ كلَّها معتبَرةٌ بالأهِلَّة؛ لأِنَّها السَّنَةُ التي جعلها الله تعالى مواقيتَ للنَّاس بالنَّصِّ. (وَيُكَمَّلُ الشَّهْرُ الَّذِي حَلَفَ
(4)
فِي أَثْنَائِهِ بِالْعَدَدِ)؛ أيْ: إذا كان الحَلِفُ في أثناء الشَّهْر؛ وَجَبَ تكميلُ الشَّهر بالعدد ثلاثينَ يومًا، وصِفَتُه: إذا كان قد مَضَى منه عشرةُ أيَّام ناقِصًا، بَقِيَ تسعةَ عَشَرَ يَومًا، فإذا فَرَغَ من الأحدَ عَشَرَ بالأهِلَّة أضاف إلى التِّسعةَ عَشَرَ أحدَ عَشَرَ يومًا.
وعنه: أنَّه يُعتبَرُ العددُ في الشُّهور كلِّها، وهو ظاهِرُ كلامه في الصَّوم
(5)
؛ لأِنَّه لَمَّا صامَ نصفَ الشَّهر؛ وَجَبَ تكميله من الذي يَلِيهِ، فكان ابتداءُ الثَّاني من نصفه، فيُكمَّلُ من الَّذي يليه، وهَلُمَّ جَرًّا.
فرعٌ: إذا قال: أردتُ سنةً شمسيَّةً، أوْ عدديَّةً؛ قُبِلَ منه؛ لأِنَّها سنةٌ حقيقةً، كما يُقبَلُ إذا قال: أردتُ سنةً إذا انسلخ ذو الحِجَّة.
(1)
في (م): وآخره.
(2)
في (ظ): بنية.
(3)
في (م): وإن.
(4)
قوله: (الذي حلف) سقط من (م).
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 73.
(وَإِنْ
(1)
قَالَ: إِذَا مَضَتِ السَّنَةُ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ بِانْسِلَاخِ ذِي الْحِجَّةِ)؛ لأِنَّه لَمَّا ذَكَرَها بلام التَّعريف انصرف إلى السَّنة المعروفة، وهي الَّتي آخِرُها ذو الحِجَّة.
وَوَقَع في «مختَصِر ابنِ رَزِينٍ» : أنَّ إشارتَه إليها كتعريفها
(2)
.
فإنْ قال: أردتُ سنَةً كامِلةً؛ دُيِّنَ، وهل يُقبَلُ في الحُكْم؟ على روايتَينِ، ذَكَرَه في «الكافي» وغَيره.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ طَلْقَةً؛ طَلَقَتِ الْأُولَى فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه جَعَلَ السَّنةَ ظَرْفًا للطَّلاق، فيَقَعُ إذَنْ، (وَالثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ)؛ لأِنَّ السَّنةَ الثَّانيةَ ظرفٌ للطَّلقة، فتَطلُقُ في أوَّلها، (وَكَذَا الثَّالِثَةُ
(3)
، ومحلُّه: إذا دخلتْ
(4)
عليها وهي في نكاحه، أو ارْتَجَعَها في عِدَّة الطَّلاق، أوْ جدَّد نكاحَها بعدَ أنْ بانَتْ، فإن انقضتْ عدَّتُها
(5)
بانت منه، فإذا دخلتِ الثَّانيةُ؛ لم تَطلُقْ، فإنْ تزوَّجها في أثنائها؛ وَقَعَت الطَّلقةُ عَقِبَ العقد في ظاهر قَولِ أكثرِ أصحابنا، وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ صحَّ تعليقُ الطَّلاق بالنِّكاح.
وقال القاضي: تَطلُقُ بدخولِ السَّنة الثَّانية.
وعلى قَولِ التَّميميِّ ومَنْ وافَقَه: تَنحَلُّ الصِّفةُ بوجودها حالَ البَيْنونة، فلا تعودُ بحالٍ.
وكذا إنْ لم يتزوَّجْها حتَّى دَخلتِ الثَّالثةُ، ثُمَّ نَكَحَها؛ فإنَّها تَطلُقُ عَقِبَ تزويجها.
ولو دامت بائنًا حتَّى مضى العامُ الثَّالثُ؛ لم
(6)
تَطلُقْ بعدَه.
واختلف في مبدأ السَّنة الثَّانية؛ فقدَّم في «الكافي» : أنَّ أوَّلها بعدَ انْقِضاء اثنيْ عشَرَ شَهْرًا من حين يمينه، وقال أبو الخَطَّاب: أوَّلُها المحرَّم؛ لأِنَّها
(1)
في (ظ): فإن.
(2)
في (م): كتعريفه.
(3)
في (م): الثانية.
(4)
في (ظ): أدخلنا.
(5)
قوله: (عدتها) سقط من (م).
(6)
في (م): ثم.
السَّنةُ المعروفةُ.
(فَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّ ذلك سَنَةٌ حقيقةً، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أصحُّهما: القَبولُ؛ لأِنَّها سَنَةٌ حقيقة.
والثَّانيةُ: لا؛ لمخالفته
(1)
الظَّاهِرَ.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ السِّنِينَ الْمُحَرَّمَ؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ، (وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ)، ذَكَرَه القاضي؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهِر، قال المؤلِّفُ: والأَوْلَى أنْ يُخرَّجَ على روايتَينِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ زَيْدٌ، فَقَدِمَ لَيْلاً؛ لَمْ تَطْلُقْ)، نَصَّ عليه؛ لأِنَّه لم يُوجَد الشَّرْطُ؛ إذ اليومُ اسمٌ لبياضِ النَّهار، ولم يُوجَدْ.
وفي
(2)
«الواضح» : يَحتَمِلُ وجهَينِ.
فلو
(3)
قَدِمَ نهارًا؛ طَلقَتْ، قبلَ عَقِبِه
(4)
، وقِيلَ: مِنْ أوَّله، وعليهما
(5)
يَنبَنْي الإرْثُ.
(إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ بِالْيَوْمِ الْوَقْتَ، فَتَطْلُقُ) وَقْتَ قُدومه؛ لأِنَّ الوقتَ يسمَّى يومًا؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يُوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفَال: 16].
وقِيلَ: إذا
(6)
لم يَنْوِ شيئًا؛ فهو كمَنْ نَوَى الوقتَ.
(وَإِنْ قُدِمَ بِهِ مَيِّتًا، أَوْ مُكْرَهًا)، محمولاً أوْ ماشِيًا؛ (لَمْ تَطْلُقْ)، وهو
(1)
في (م): لمخالفة.
(2)
في (م): في.
(3)
في (م): فلم.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي تصحيح الفروع 9/ 93: قيل: عقبه.
(5)
في (م) وعليها.
(6)
في (م): إن.
المذهَبُ؛ لأِنَّه لم يَقدَمْ، وإنَّما قُدِمَ به؛ إذ الفِعْلُ يُنسَبُ إلى فاعله، يُقالُ: دَخَلَ الطَّعامُ البلدَ، وهو لا يَدخُلُ بنفسه، ولا يُنسَبُ إلى غَيرِه إلاَّ مجازًا.
وعنه: يَحنثُ، نَقَلَها محمَّدُ بنُ الحَكَم، واخْتارَها أبو بكرٍ في «التَّنبيه» ، فإنْ مات
(1)
في غَيبته؛ فذَكَرَ أبو بكرٍ أنَّها تَطلُقُ، والمذْهَبُ خِلافُه، واقْتَضَى ذلك أنَّه إذا قَدِمَ مختارًا فإنَّه يَحنثُ الحالِفُ قَولاً واحدًا.
وقال ابنُ حامِدٍ: إنْ كان يَمتَنِعُ باليمين من القدوم، فجَهِلَ اليمينَ أو نَسِيَها؛ فرِوايَتانِ.
ويَنبغِي أنْ تُعتبر
(2)
على هذا: نيَّةُ الحالف، وقرائنُ أحواله الدَّالَّةُ على قَصْدِه، ومتى أشْكَلَ الحالُ؛ وَقَعَ.
(1)
في (م): ماتت.
(2)
في (م): يعتبر.
(بَابُ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالشُّرُوطِ)
وهو ترتيبُ
(1)
شيءٍ غيرِ حاصِلٍ على شَيءٍ حاصِلٍ أوْ غَيرِ حاصِلٍ ب «إنْ» أو إحدى أخواتها.
(يَصِحُّ ذَلِكَ مِنَ الزَّوْجِ، وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْأَجْنَبِيِّ)؛ أيْ: مَنْ صَحَّ منه الطَّلاقُ بطريقِ الاِستِقْلال؛ صحَّ منه أنْ يُعلِّقَ الطَّلاقَ على شرطٍ؛ إذ التَّعليقُ مع وجود الصِّفة تطليق
(2)
، فإذا علَّق الطَّلاقَ على شرطٍ؛ وَقَعَ عندَ وجوده؛ أي: إذا استمرَّت الزَّوجيةُ، ولا يَقَعُ قَبْلَه، وإنْ كان الشَّرطُ متحقِّقَ الوجود على المذهب، وحكاهُ ابنُ المنذر وابنُ عبد البَرِّ إجْماعًا
(3)
.
ويَصِحُّ مع تقدُّم الشَّرط وتأخُّره. وعنه: يتنجَّزُ به، ونقله ابنُ هانِئٍ في العتق
(4)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وتأخُّر القَسَم؛ كأنتِ طالِقٌ لَأفْعلنَّ؛ كالشَّرط، وأَوْلى بألاَّ يَلحَقَ، وذكرَ ابنُ عَقِيلٍ في أنتِ طالِقٌ، وكرَّره أربعًا، ثُمَّ قال عَقِبَ الرَّابعة: إنْ قُمْتِ؛ طَلقتْ ثلاثًا؛ لأِنَّه لا يجوز تعليقُ ما لم يَمْلِكْ بشرطٍ.
ويصحُّ بصريحه
(5)
، وكنايَته مع قَصْده.
(فَلَوْ قَالَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ، أَوْ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً؛ فَهِيَ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ إِذَا تَزَوَّجَهَا) على المشهور؛ لقوله عليه السلام: «لا طَلاقَ ولا عِتاقَ لاِبن آدَمَ فيما لا يَملِكُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ
(6)
، والتِّرمذي بإسنادٍ جيِّدٍ، من حديثِ عمرِو
(1)
في (م): ترتب.
(2)
في (م): يطلق.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 85، التمهيد 20/ 90.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 61.
(5)
في (م): تصريحه.
(6)
قوله: (أحمد وأبو داود) في (م): أبو داود.
ابنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قال التِّرمذي:(هو حديثٌ حسنٌ، وهو أحْسَنُ شيءٍ في الباب)
(1)
، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ وغيرُه من حديثِ عائشةَ وزاد:«وإنْ عيَّنَها»
(2)
، وعن المِسوَر
(3)
مرفوعًا، قال:«لا طلاقَ قبلَ نكاحٍ ولا عِتْقَ قبلَ مِلْكٍ» رواهُ ابنُ ماجَهْ بإسنادٍ حَسَنٍ
(4)
، قال أحمدُ
(5)
: هذا عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وعِدَّةِ من الصَّحابة
(6)
.
(1)
تقدم تخريجه 7/ 293 حاشية (1).
(2)
أخرجه الدارقطني من طريقين (3935، 3936)، نحو ذلك، الطريق الأولى: في إسناده الوليد بن سلمة، متهم بالكذب والوضع، والثانية: في إسناده معمر بن بكار، قال العقيلي:(في حديثه وهم، ولا يتابع على أكثره)، وقال ابن حجر:(ليس الحافظ)، وأما اللفظ الذي ذكره المصنف؛ فهو من حديث معاذ رضي الله عنه عند الدارقطني (3939)، ولفظه:«لا طلاق إلا بعد نكاح، وإن سميت المرأة بعينها» ، وفي سنده: يزيد بن عياض وهو ضعيف.
(3)
في (م): المشهور.
(4)
أخرجه ابن ماجه (2048)، والطبراني في الأوسط (7028)، وحسن إسناده ابن حجر والبوصيري، وصححه الألباني. ينظر: الفتح 9/ 383، التلخيص الحبير 3/ 450، الإرواء 7/ 152.
(5)
ينظر: المغني 9/ 526.
(6)
روي ذلك عن علي رضي الله عنه: أخرج عبد الرزاق (11454)، وسعيد بن منصور (1025)، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن قال: سأل رجل عليًا رضي الله عنه قال: قلت: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فقال علي:«ليس بشيء» ، قال ابن حجر في الفتح (9/ 382):(ورجاله ثقات إلا أن الحسن لم يسمع من علي). وأخرج ابن أبي شيبة (17816)، من وجه آخر عن النزال، عن علي رضي الله عنه أنه قال:«لا طلاق إلا بعد النكاح» ، وفيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف. وأخرجه سعيد بن منصور (1030)، والبيهقي في الكبرى (14884)، من وجه آخر عن النزال عن علي، وفيه جويبر متروك.
وروي عن جابر رضي الله عنه أيضًا: أخرج ابن أبي شيبة (17820)، والبيهقي في الكبرى (14876)، من طريق ابن أبي ذئب، عن عطاء وعن محمد بن المنكدر، عن جابر رضي الله عنه قال:«لا طلاق قبل نكاح» ، ورجاله ثقات لكن قال أبو زرعة وقد سئل عن حديث جابر:«لا طلاق قبل نكاح» : (لم يسمع ابن أبي ذئب من عطاء إنما رواه عمن سمع عطاء)، وينظر: جامع التحصيل (ص 266)، الفتح 9/ 385.
وروي عن عائشة رضي الله عنها: أخرجه ابن أبي شيبة (17818)، والبيهقي في الكبرى (14888)، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«لا طلاق إلا بعد نكاح» ، ولا بأس بإسناده.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (17817)، والبيهقي في الكبرى (14885)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«لا طلاق إلا بعد النكاح، ولا عتق إلا بعد الملك» ، وإسناده صحيح.
(وَعَنْهُ: تَطْلُقُ)؛ لأِنَّه يَصِحُّ تعليقُه على الإحضار
(1)
، فصحَّ على حدوث الملك؛ كالوصيَّة.
وعنه: يَصِحُّ في العتق فقط؛ لتشوُّفِ
(2)
الشَّارع إليه.
(وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَهَا، ثُمَّ قَامَتْ؛ لَمْ تَطْلُقْ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّه لم يُضِفْه
(3)
إلى زمنٍ يَقَعُ فيه الطَّلاق، أشبه ما لو قال لأجنبيَّةٍ: أنتِ طالِقٌ ثُمَّ تزوَّجها.
وعنه: صحَّةُ قَولِه لزوجته: إنْ تزوَّجْتُ عليكِ فهي طالِقٌ، أوْ لعتِيقَتِه: إنْ تزوَّجتُكِ فأنتِ طالِقٌ، أو لرجعيَّتِه
(4)
: إنْ راجَعْتُكِ فأنتِ طالِقٌ ثلاثًا، وأراد التَّغليظَ عليها، وجَزَمَ به في «الرِّعاية» في الأُولَيَينِ، قال أحمدُ في العَتيقةِ: قد وَطِئَها، والمطلِّق قبلَ الملك لم يَطَأْ
(5)
، وظاهِرُ أكثرِ كلامه وكلامِ الأصحاب
(6)
التَّسويةُ.
(وَإِنْ عَلَّقَ الزَّوْجُ الطَّلَاقَ بِشَرْطٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ قَبْلَ وُجُودِهِ)؛ لأِنَّه زوالٌ بُنِيَ
(1)
في (م): الاختصار. والذي في المغني 9/ 526 والشرح الكبير 22/ 440: الأخطار. قال أبو الخطاب في الهداية ص 367: ويصح تعليق العتق على الصفات والأخطار؛ كمجيء الأمطار وهبوب الرياح ونحو ذلك من الصفات.
(2)
في (م): لتشرف.
(3)
في (م): لم يضف.
(4)
في (م): لرجعية.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 99.
(6)
في (م): أصحابه.
على التغليبِ
(1)
والسِّراية، أشْبَهَ العتقَ، وذَهَبَ أحمدُ
(2)
إلى قَولِ أبي ذرٍّ: «أنتَ حُرٌّ إلى الحَول»
(3)
.
وعنه: يَقَعُ في الحال مع تَيقُّن
(4)
وجوده، وخَصَّها الشَّيخُ تقيُّ الدِّين بالثَّلاث؛ لأِنَّه الذي يُصيِّرُه كمُتعةٍ
(5)
.
ونَقَلَ مُهَنَّى في
(6)
هذه الصُّورة: تَطلُقُ إذَنْ، قِيلَ له: فتتزوَّجُ في: قبل
(7)
مَوتِي بشهرٍ؟ قال: لا، ولكِنْ يُمْسِكُ عن الوطء حتَّى يموت
(8)
، وذَكَرَ في «الرِّعاية» تحريمَه وجهًا.
(فَإِنْ قَالَ: عَجَّلْتُ مَا عَلَّقْتُهُ؛ لَمْ يَتَعَجَّلْ)؛ لأِنَّه حكمٌ شرعيٌّ، فلم يَملِكْ تغييرَه.
وقِيلَ: بل يتعجَّلُ، وهل تَطلُقُ أخرى عندَ الشَّرط؟ قال ابنُ حَمْدانَ: يَحتَمِلُ وجهَينِ، قال في «الفروع»: ويَتوجَّهُ مثلُه دَيْنٌ.
(وَإِنْ قَالَ: سَبَقَ لِسَانِي بِالشَّرْطِ وَلَمْ أُرِدْهُ، وَقَعَ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه أقرَّ على نفسه بما
(9)
يُوجِبُ الطَّلاقَ، فَلَزِمَه، كما لو قال: طلَّقْتُها.
فلو فصل بَينَ الشَّرْط وحُكْمِه بكلامٍ مُنتَظِمٍ، نحو: أنتِ طالِقٌ يا زانيةُ إنْ قُمْتِ؛ لم يَقْطَعْه.
(1)
في (م): التعليق.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 237.
(3)
تقدم تخريجه 8/ 230 حاشية (5).
(4)
في (م): تبيين.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 101.
(6)
في (م): من.
(7)
في (م): قيل.
(8)
في (م): تموت. ينظر: الفروع 9/ 101.
(9)
في (ظ): ما.
وقال القاضي: يَحتَمِلُ أنْ يَقطَعَه؛ كسكتةٍ
(1)
وتسبيحةٍ.
وإنْ قال: أنتِ طالِقٌ مريضةً، رَفْعًا ونَصْبًا؛ وَقَعَ بمَرَضِها.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَرَدْتُ إِنْ قُمْتِ؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه أعْلَمُ بنيَّتِه
(2)
، وما ادَّعاه
(3)
مُحتَمِلٌ، (وَلَمْ يُقْبَلْ فِي الْحُكْمِ، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهِر، وإرادةُ التَّعليق من التَّنجيز بعيدة
(4)
جدًّا، وفيه فتحُ بابٍ عظيمِ الخَطَرِ، لكِنْ ذَكَرَ في «الكافي» و «المستوعب»: فيه روايتانِ، كقوله: أنتِ طالِقٌ، ثُمَّ قال: أرَدْتُ من وثاقٍ.
تنبيهٌ: إذا قال: إنْ تَركْتِ هذا الصَّبيَّ يَخرُجُ فأنتِ طالِقٌ، فخَرَجَ بغَيرِ اخْتِيارها، فإنْ كان نَوَى لا يخرج
(5)
؛ حَنِثَ، وإنْ نَوَى لا تَدَعْهُ يَخرُجُ؛ لم يَحنَثْ، نَصَّ عليه
(6)
، فإنْ لم تُعلَمْ نيته
(7)
؛ لم يَحنثْ إلاَّ أنْ يَخرُج باختيارها
(8)
.
وإنْ حَلَفَ: لا تأخُذْ حقَّك منِّي؛ فأُكْرِه على الدَّفْع؛ حَنِثَ، وإنْ أُكْرِه صاحبُ الحقِّ على أخْذه؛ فوجْهانِ، وإنْ وضعه الحالف في حِجْرِه أوْ بَينَ يَدَيهِ، فلم يأخُذْه؛ لم يَحنَثْ.
وإنْ أخَذَه الحاكمُ من الغريم فدفَعَه إلى المستحِقِّ، فأخَذَه؛ حَنِثَ؛ كما لو قال: لا تأخُذْ حقَّكَ عليَّ.
وقال القاضي: لا، كما لو قال: لا أُعْطيكَ حقَّكَ.
(1)
في (م): بسكتة.
(2)
في (م): بنية.
(3)
في (م): وما أعاده.
(4)
في (م): لعبده.
(5)
في (م): لا تخرج.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 57.
(7)
في (م): نية.
(8)
في (ظ): باختياره.
(فَصْلٌ)
(وَأَدَوَاتُ الشَّرْطِ
(1)
سِتَّةٌ)، كذا وقع بخطِّ المؤلِّف، والوجهُ: ستٌّ، ويُمكِنُ تخريجُه على الحمل على المعنى، على تأويل الأدوات بالألفاظ، أو هو جمعُ لفظٍ وهو مذكَّرٌ، نظيرُه قَولُ الشَّاعر
(2)
:
ثَلاثةُ أنْفُسٍ وثلاثُ ذود لقد جار الزَّمانُ على عِيالي
والنَّفسُ مُؤَنَّثةٌ، لكنْ أُريدَ بها
(3)
الإنسانُ.
ولَيسَ المرادُ حصرَ
(4)
أدواتِ الشَّرط فيها؛ فإنَّ غَيرَها أداةٌ له ك «ما» ، وإنَّما خصَّ
(5)
السِّتَّةَ بالذِّكر؛ لأِنَّها غالِبُ ما تُستعمل
(6)
له.
(إِنْ، وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَنْ، وَأَيٌّ، وَكُلَّمَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، إِلاَّ كُلَّمَا)، بغير خلافٍ نَعلَمُه
(7)
؛ لقوله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ} [المَائدة: 64]، و:{كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعرَاف: 38].
(وَفِي «مَتَى» وَجْهَانِ):
أحدُهما: تستعمل
(8)
للتَّكرار، قال الشَّاعر
(9)
:
(1)
في (ظ): الشروط.
(2)
هو الحطيئة. ينظر: ديوانه ص 165.
(3)
في (م): به.
(4)
قوله: (حصر) سقط من (ظ).
(5)
في (م): وإن اختص.
(6)
في (م): لأنها أغلب ما يستعمل.
(7)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 446.
(8)
في (ظ): يستعمل.
(9)
هو الحطيئة. ينظر: ديوانه ص 70.
متى تأتِه تعشو
(1)
إلى ضوء ناره
…
تَجِدْ خَيرَ نارٍ عندَها خَيرُ مُوقِدِ
ولأِنَّها تُستَعمَلُ للشَّرط والجزاء، ومتى وُجِدَ الشَّرطُ؛ ترتَّبَ عليه جزاؤه.
والثَّاني: لا يَقتَضِيهِ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّها اسمُ زمنٍ بمَعْنَى أيّ وقتٍ، وبمَعْنَى «إذا» ، وكَونُها تُستعمَلُ للتَّكرار لا يَمنَعُ استعمالَها في غيره؛ ك «إذا» ، و «أيّ وقتٍ» ، فإنَّهما يُستعمَلانِ في الأمْرَينِ؛ كقوله تعالى:{وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا} [الأنعَام: 68]، {وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ} [الأعرَاف: 203]، وكذلك «أيُّ وقتٍ» ، و «أيُّ زمانٍ» ، فإنَّهما يستعملان
(2)
للتَّكرار، وسائرُ الحروف يُجازَى بها، إلاَّ أنَّها لَمَّا كانَتْ تُستعْمَلُ للتَّكرار وغَيرِه، فلا تحمل
(3)
على التَّكرار إلاَّ بدليلٍ.
فرعٌ: «مَنْ» ، و «أيٌّ» المضافةُ إلى الشخص يقتضيان عموم ضميرهما
(4)
، فاعلاً كان أو مفعولاً.
(وَكُلُّهَا عَلَى التَّرَاخِي إِذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ «لَمْ»)، أوْ نيةِ
(5)
الفَور، أو قرينتِه
(6)
؛ لأِنَّها مُستعمَلةٌ فيه؛ لكَونِ أنَّها لا تَقتَضِي وقتًا، إلاَّ ضرورةَ أنَّ الفِعْلَ لا يَقَعُ إلاَّ في وقتٍ، فهي مُطلَقة في
(7)
الزَّمان كلِّه.
(فَإِنِ اتَّصَلَ بِهَا؛ صَارَتْ عَلَى الْفَوْرِ)؛ لأِنَّ «متى» و «أيًّا» معناهما
(8)
: أي زمانٍ، وذلك شائعٌ في الزَّمان كلِّه، فأيُّ زمنٍ وُجِدت الصِّفةُ فيه؛ وَجَبَ
(1)
في (م): تعشق.
(2)
زيد في (م): في الأمرين.
(3)
في (ظ): فلا يحمل.
(4)
في (م): مضمرها.
(5)
في (م): نيته.
(6)
في (م): وقرينته.
(7)
قوله: (في) سقط من (م).
(8)
في (م): معناها.
الحكمُ بوقوع الطَّلاق.
ولا بُدَّ أنْ يُلحَظَ في «أي» كَونُها مضافةً إلى زمنٍ، فإنْ أضيفتْ إلى شخصٍ؛ كان حكمُها حكمَ «مَنْ» .
وظاهِرُه: أنَّ «مَنْ» للفور، وصرَّح به في «المغْنِي» ، وفيه نظرٌ؛ لأِنَّ «مَنْ» لا دلالةَ لها على الزَّمان إلاَّ ضرورة أنَّ الفعل لا يَقَعُ إلاَّ في زمانٍ، فهي بمنزلة «أيٍّ» ، فتَجِبُ أنْ
(1)
تكون
(2)
على التَّراخي، مع أنَّ صاحبَ «المحرَّر» حكى في «مَنْ»
(3)
و «أيٍّ» المضافة إلى الشَّخص وجهَينِ، ويتوجَّهانِ في «مهما» ، فإن اقتضتْ فورًا
(4)
؛ فهي في التَّكرار ك «متى» .
وأمَّا «كلَّما» فدَلالتُها على الزَّمن أقْوَى من دلالةِ «أيٍّ» و «متى» ، فإذا صارتا للفور عندَ اتِّصالهما ب «لم» ؛ فلَأن
(5)
تصيرَ «كلما» كذلك بطريق الأَوْلَى.
(إِلاَّ «إِنْ»)؛ أيْ: مع عدم نية
(6)
أو قرينةٍ، فإذا قال: إنْ لم تَدخُلي الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ؛ لم يَقَعْ إلاَّ عندَ تعذُّر إيقاعه بمَوتٍ أوْ ما يَقومُ مقامَه.
(وَفِي «إِذَا» وَجْهَانِ):
أحدهما: أنَّها على التَّراخي، نَصَرَه القاضي؛ لأِنَّها تُستعْمَلُ شرطًا بمَعْنَى «إنْ» ؛ لقَولِ الشَّاعر
(7)
:
(1)
زاد في (ظ): (لا)، وضرب عليها.
(2)
في (م): فيجب أن يكون.
(3)
في (م): بين.
(4)
في (م): قدرًا.
(5)
في (م): فالآن.
(6)
في (م): نيته.
(7)
هو عبد قيس بن خُفَاف، وصدره:(واسْتَغْنِ ما أَغْناكَ رَبُّكَ بالغِنَى). ينظر: المفضليات ص 385.
................
…
وإذَا
(1)
تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فتَجَمَّلِ
فَجَزَمَ بها ك «إنْ» ، ولأنَّها
(2)
تُستعْمَلُ بمَعْنَى «متى» و «إنْ» ، فلا يقع
(3)
بالشَّك.
والثَّاني: على الفور، وهو أشهرُ؛ لأِنَّها اسمٌ لزمنٍ مستقبَلٍ، فيكون ك «متى» ، وأمَّا
(4)
المجازاة بها فلا تخرجها
(5)
عن موضوعها.
مسألةٌ: قد عُلِمَ حكمُ المعلَّق بالشَّرط، وأنَّها لا تَطلُقُ قبلَ وجوده.
وعنه
(6)
: يَحنَثْ بعَزْمه على التَّرْك، جزم
(7)
به في «الرَّوضة» ؛ لأِنَّه أمرٌ مَوقُوفٌ على القَصْدِ، والقَصْدُ هو النِّيَّةُ، ولهذا لو فَعَلَه ناسيًا أوْ مُكرَهًا؛ لم يَحنَثْ؛ لعَدَمِ القصد، فأثَّر فيه تعيينُ النِّيَّة؛ كالعبادات من الصَّلاة والصِّيام إذا نَوَى قَطْعَها، ذَكَرَه في «الواضح» .
تذنيبٌ: قَولُهم: الأَدَواتُ الأربعُ في النَّفي على الفَور؛ صحيحٌ في «كلما» و «أي» و «متى» ، فإنَّها تعمُّ الزَّمانَ، بخلاف «مَنْ» ؛ لأِنَّها لَيستْ من أسماء الزَّمان، وإنَّما تَعُمُّ الأشخاصَ، فلا يَظهَرُ أنَّها تَقتَضِي الفَورَ.
فعلى هذا: إذا قال: مَنْ لم أطلِّقْها منكنَّ فهي طالِقٌ؛ لم تَطلُقْ واحدةٌ منهنَّ، إلاَّ أنْ يتعذَّرَ طلاقُها، أوْ يَنوِيَ وقتًا، أوْ تقومَ قرينةٌ بفَورٍ، فيتعلَّق به.
(فَإِذَا قَالَ: إِنْ قُمْتِ، أَوْ إِذَا قُمْتِ، أَوْ مَنْ قَامَتْ مِنْكُنَّ، أَوْ أَيُّ وَقْتٍ قُمْتِ، أَوْ مَتَى قُمْتِ، أَوْ كُلَّمَا قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَمَتَى قَامَتْ طَلَقَتْ)؛ لأِنَّ
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (م): وأخواتها.
(3)
زيد في (م): إلا.
(4)
في (ظ): فأما.
(5)
في (م): لها فلا يخرجها.
(6)
هذه الرواية راجعة إلى ما ذكر من الأدوات أنه على التراخي. ينظر: الفروع 9/ 102.
(7)
في (ظ): وجزم.
وجودَ الشَّرط يَستَلْزِمُ وجودَ الجزاء، وعدمَه عدمَه، إلاَّ أنْ يُعارِضَ مُعارِضٌ.
(وَإِنْ تَكَرَّرَ الْقِيَامُ؛ لَمْ يَتَكَرَّرِ الطَّلَاقُ)؛ لأِنَّها لَيست للتَّكرار، (إِلاَّ فِي «كُلَّمَا»)، فإنَّها تقتضي التَّكرارَ، (وَ «مَتَى» فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ بِناءً على مُقتَضاها التَّكرارَ وعدَمَه.
ولو قُمْن الأربعُ في: من
(1)
قامَتْ، وأيَّتكنَّ قامَتْ، أوْ مَنْ أقَمْتُها، أو أيَّتكنَّ أقَمْتُها؛ طَلَقْنَ.
(وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا أَكَلْتِ رُمَّانَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكُلَّمَا أَكَلْتِ نِصْفَ رُمَّانَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لوجود صفة
(2)
النِّصف مرَّتَينِ، والجميع مرَّةً؛ لأِنَّ «كلَّما» تقتضي التَّكرارَ.
(وَلَوْ جَعَلَ مَكَانَ «كُلَّمَا»: إِنْ أَكَلْتِ؛ لَمْ تَطْلُقْ إِلاَّ اثْنَتَيْنِ)، بصفة النِّصف مرَّةً، وبالكمال مرَّةً، ولا تَطلُقُ بالنِّصف الآخَرِ؛ لأِنَّها لا تقتضي التَّكرارَ.
واختار
(3)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: تَطلُقُ واحدةً
(4)
.
(وَإِنْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى صِفَاتٍ ثَلَاثٍ، فَاجْتَمَعْنَ فِي عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إِنْ رَأَيْتِ رَجُلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ فَقِيهًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَإِنْ رَأَيْتِ أَسْوَدَ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَرَأَتْ رَجُلاً أَسْوَدَ فَقِيهًا؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لوجود الصِّفات الثَّلاثِ فيه، أشْبَهَ ما لو رَأَتْ ثلاثةً فيهم الثَّلاثُ صِفاتٍ.
أصلٌ: أدوات الشَّرط إذا تقدَّم جزاؤها
(5)
عليها؛ لم يَحتَجْ إلى الفاء في الجزاء
(6)
؛ كقوله: أنتِ طالِقٌ إنْ دخلْتِ الدَّارَ، وإنْ تأخَّرَ؛ احْتاجَتْ إلى
(1)
في (م): فمن.
(2)
في (ظ): وصفه.
(3)
في (م): واختارها.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 166.
(5)
في (م): جزؤها.
(6)
في (م): الجزء.
حرفٍ، واختصَّتْ الفاءُ؛ لأِنَّها للتعقيب
(1)
.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا؛ لَمْ تَطْلُقْ)؛ لأِنَّ «إنْ لَمْ» لا تَقتَضِي الفَورَ، (إِلاَّ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ حَيَاةِ أَحَدِهِمَا)؛ أيْ: أحدِ الزَّوجَينِ؛ لأِنَّه لا يمكن
(2)
إيقاعُ الطَّلاق بها بعدَ مَوتِ أحدِهما، فتبيَّنَ أنَّه يَقَعُ؛ لجوازِ أنْ يُطلِّقَها قبلَ مَوته أوْ مَوتها.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ
(3)
لَهُ نِيَّةٌ)؛ فيُعمَلُ بها؛ لأِنَّه نَوَى الطَّلاقَ بقولٍ صالِحٍ، فوجب أنْ يَقَعَ؛ عَمَلاً بالمقتضي السالم
(4)
عن المعارِض، وكذا إذا دلَّتْ قرينةٌ على الفور.
وفي «الإرشاد» روايةٌ: يَقَعُ بعدَ موته.
وأيُّهما مات قبلَ إيقاعه؛ وقع الحِنْث بموته، وَوَرِثَه صاحبُه إذا
(5)
كان أقلَّ من ثلاثٍ، وإنْ كان ثلاثًا؛ وَرِثَتْه ولم يَرِثْها هو، لأنَّه لا يَرِثُ بائنًا
(6)
وتَرِثُه، ويتخرَّج: لا تَرِثه مِنْ تعليقه في صحَّته على فِعْلها، فيُوجَدُ في مرضه، والفَرْقُ ظاهِرٌ.
وفي «الرَّوضة» : في إرثهما رِوايَتانِ؛ لأِنَّ الصِّفةَ في الصِّحَّة، والطَّلاقَ في المرض، وفيه رِوايَتانِ.
فرعٌ: لا يُمنَعُ من وطء زوجته قبلَ فِعْلِ ما حَلَفَ عليه. وعنه: بلى، جَزَمَ به جماعةٌ، والأوَّل أصحُّ؛ لأِنَّه نكاحٌ صحيحٌ لم يَقَعْ فيه طلاقٌ، فحلَّ له الوطءُ.
(1)
زيد في (م): الدار.
(2)
في (م): لا يملك.
(3)
في (م): يكون.
(4)
في (م): السلام.
(5)
في (م): وإذا.
(6)
قوله: (لأنه لا يرث بائنًا) في (ظ): ولا يرث ثانيًا.
(وَإِنْ قَالَ: مَنْ لَمْ أُطَلِّقْهَا، أَوْ أَيَّ وَقْتٍ لَمْ أُطَلِّقْكِ)، أَوْ متى لم أُطَلِّقْك (فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ؛ طَلَقَتْ) في الحال؛ لوجود الصِّفة، فإنَّها اسْمٌ لوقت الفِعْل، فيُقَدَّرُ بهذا، ولهذا يَصِحُّ به السُّؤالُ، فيُقالُ: متى
(1)
دَخَلَتْ، أوْ أيَّ وَقْتٍ دَخَلَتْ، وأمَّا «مَنْ» فتقتضي
(2)
الفَورَ، وحِينَئِذٍ يتحقَّق الطلاقُ بمُضِيِّ زمنٍ عُقَيبَ اليمين إذا لم يطلق
(3)
؛ لأِنَّ شرطَه يتحقَّق حينئِذٍ، فيَلزَمُ منه الطَّلاق؛ ضرورةَ أنَّ
(4)
وجودَ الشَّرط يَستَلْزِمُ وجودَ المشروط.
وفي وَجْهٍ: أنَّ حكمَ: مَنْ لم أُطلِّقْها. أوْ: إذا لم أطلِّقْكِ. أو: أيَّتكنَّ لم أطَلِّقْها؛ كحكمِ
(5)
: إنْ لم أُطلِّقْك.
(وَإِنْ قَالَ: إِذَا لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَهَلْ تَطْلُقُ فِي الْحَالِ)، أوْ في آخِرِ جزءٍ من حياةِ أحدِهما؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، بِناءً على أنَّها للفور أوْ على التَّراخي.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّما لَمْ أُطَلِّقْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَمَضَى زَمَنٌ يُمْكِنُ طَلَاقُهَا فِيهِ ثَلَاثًا، وَلَمْ يُطَلِّقْهَا؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّ «كلَّما» تقتضي
(6)
التَّكرارَ، فتَقْتَضي
(7)
تكرارَ الطَّلاق بتكرار الصِّفة، والصِّفةُ عدم طلاقه لها، فإذا مَضَى زَمَنٌ يُمكِنُ فيه أنْ يُطلِّقَها ولم يَفعَلْ؛ فقد وُجِدت الصِّفةُ، فيَقَعُ واحدةً، وثانيةً، وثالثةً، إذا كانَتْ مدخولاً بها.
(إِلاَّ التِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَإِنَّهَا تَبِينُ بِالْأُولَى)، ولم يَقَعْ شَيءٌ بعدَها؛ لأِنَّ
(1)
في (م): من.
(2)
في (م): تقتضي.
(3)
في (م): لم تطلق.
(4)
في (م): لأن.
(5)
في (م): حكم.
(6)
في (ظ): يقتضي.
(7)
في (ظ): فيقتضي.
البائنَ لا يَقَعُ عليها طَلاقٌ.
(وَإِنْ قَالَ الْعَامِّيُّ: أَنْ دَخَلْتِ الدَّارِ فَأَنْتِ طَالِقٌ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ -؛ فَهُوَ شَرْطٌ)؛ لأِنَّ العامِّيَّ لا يُريدُ به إلاَّ الشَّرْطَ، ولا يَعرِفُ أنَّ مُقتَضاها التَّعليلُ، فلا يريده
(1)
، فلا يَثبُتُ له حكمُ ما لا
(2)
يعرفه، وكنيَّتِه.
(وَإِنْ قَالَهُ عَارِفٌ بِمُقْتَضَاهُ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ «أنْ» للتعليل
(3)
لا للشَّرط؛ لقوله تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا} [الحُجرَات: 17]، {وَتَخِرُّ
(4)
الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا (91)} [مَريَم: 90 - 91]، قال القاضي: وهذا التفصيل
(5)
قياسُ المذهب.
(وَحُكِيَ عَنِ الْخَلاّلِ: أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَنْوِ مُقْتَضَاهُ؛ فَهُوَ شَرْطٌ أَيْضًا)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ يُحمَلُ على العُرْفِ، فإذا لم يَنْوِ مُقتَضاهُ؛ اسْتَوَى العارِفُ وغَيرُه.
وفيه - في «التَّرغيب» - وَجْهٌ: يَقَعُ إذَنْ، ولو لم يُوجَدْ
(6)
؛ كتطليقها لِرِضَا أبيها؛ يَقَعُ، كان فيه رضاه أوْ سخطه.
وأطْلَقَ جماعةٌ عن أبي بكرٍ فيهما: يَقَعُ إذَنْ، ولو بَدَّلَ «أن» كهي
(7)
.
وفي «الكافي» : يَقَعُ إذَنْ؛ ك «إذ»
(8)
، ذَكَرَهُ في «الكافي» و «الشَّرح» ، وفيها
(9)
احْتِمالٌ: كأمْسِ.
(1)
قوله: (فلا يريده) سقط من (م).
(2)
في (م): لم.
(3)
في (م): للتعليق.
(4)
في (ظ): ونحو.
(5)
زيد في (م): في.
(6)
أي: يقع في الحال ولو لم يوجد الشرط. ينظر: الإنصاف 22/ 461.
(7)
رسمت في (م): كنا.
(8)
في (م): كإذا. والمثبت موافق للفروع 9/ 106.
(9)
في (م): وفيهما.
فرعٌ: إذا قال: إنْ دخلتِ الدَّارَ أنتِ طالِقٌ؛ فهو شَرْطٌ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ إنْ دخلتِ الدَّارَ، وإنَّما حُذِفَت الفاءُ لحذْفِ المبتدأ أو الخبر
(1)
؛ لدَلالة باقي الكلام عليه.
وفي «الكافي» احْتِمالٌ: يَقَعُ في الحال؛ لأِنَّ جوابَ الشَّرطِ إذا تأخَّرَ عنه؛ لم يكُنْ إلاَّ بالفاء أو إذا
(2)
.
وقِيلَ: إنْ نَوَى الشَّرْطَ وإلاَّ طَلقَتْ في الحال.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ الواوَ لَيستْ جوابًا للشَّرط؛ لأِنَّ معناه: أنتِ طالِقٌ في كلِّ حالٍ؛ كقوله عليه السلام: «مَنْ قالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ، وإنْ زنى وإن
(3)
سَرَقَ»
(4)
.
وفي «الفروع» : كالفاء.
(فَإِنْ
(5)
قَالَ: أَرَدْتُ الْجَزَاءَ، أَوْ أَرَدْتُ
(6)
أَنْ أَجْعَلَ قِيَامَهَا وَطلَاقَهَا شَرْطَيْنِ لِشَيْءٍ، ثُمَّ أَمْسَكْتُ
(7)
؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه مُحتمَلٌ، وهو أعلمُ بمُراده مِنْ غَيره، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «الفروع» وغيره:
أشْهَرُهما: القَبولُ فيه؛ لِمَا ذَكَرْنا.
والثَّانيةُ: لا؛ لأنَّه
(8)
خلافُ الظَّاهِر.
(1)
في (م): والخبر.
(2)
في (م): وإذا.
(3)
في (ظ): أو.
(4)
أخرجه البخاري (1237)، ومسلم (94)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(5)
في (م): وإن.
(6)
في (م): وأردت.
(7)
في (م): أمسكته.
(8)
زيد في (م): لا.
فلو جَعَل له جزاءً بأنْ قال: إنْ قمتِ وأنتِ طالِقٌ فعَبْدِي حُرٌّ؛ صحَّ، ولم يَعتِق العبدُ حتَّى تقوم
(1)
وهي طالِقٌ؛ لأِنَّ الواوَ هنا للحال.
فلو قال: إنْ قمتِ طالِقًا، فقامَتْ وهي طالِقٌ؛ طَلقَتْ أخرى، وإنْ قامَتْ وهي غَيرُ طالِقٍ؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّ هذا حالٌ، فجَرَى مَجْرَى قولِه: إنْ قُمْتِ ساكتةً.
فرعٌ: إذا قال: إنْ دخَلْتِ الدَّارَ فأنْتِ طالِقٌ، وإنْ دَخَلَت الأخرى؛ رجع إلى ما أراد، فإنْ عدمت؛ فمتى دَخَلَتِ الأولى طَلَقَتْ، سَواءٌ دَخَلَت الأخرى أو لا، ولا تَطلُقُ الأُخرى
(2)
.
فلو قال: إنْ دخلتِ الدَّار وإنْ دَخَلَتْ هذه الأخرى فأنتِ طالِقٌ، فقِيلَ: لا تَطلُقُ إلاَّ بدخولهما
(3)
.
ويَحتَمِلُ: أنْ تَطلُقَ بأحدهما أيُّهما كان؛ لأِنَّه ذَكَر شرطَينِ بحرفَينِ، فيَقتَضِي كلُّ واحدٍ منهما جزاء
(4)
، فتُرِك جزاء
(5)
الأوَّل، والجزاء للأخير
(6)
دالٌّ عليه؛ كقوله تعالى: {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق: 17].
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِذَا قُمْتِ، أَوْ إِنْ قَعَدْتِ إِنْ قُمْتِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُومَ ثُمَّ تَقْعُدَ)؛ لأِنَّ القُعودَ شَرطٌ يتقدَّمُ مشروطَه.
وكذا إنْ قال: إنْ قُمْتِ ثُمَّ قَعَدتِ؛ لأِنَّ الفاءَ و «ثُمَّ» للتَّرتيب، وذَكَرَ القاضي في «إنْ» كالواو؛ بِناءً على أنَّ فيه عُرْفًا، وذَكَرَ جماعةٌ في الفاء و «ثُمَّ»
(1)
في (ظ): يقوم.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وهو كذلك في الشرح الكبير 22/ 465، والإنصاف 22/ 464، وفي المغني: بدخول الأخرى 7/ 448.
(3)
في (م): بدخولها.
(4)
في (م): جزء.
(5)
قوله: (فترك جزاء) سقط من (م).
(6)
في (م): والجزء الأخير.
روايةً كالواو.
تَتِمَّةٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ إنْ أكَلْتِ «إذا»
(1)
، أوْ «إنْ» ، أوْ «مَتَى» لَبِسْتِ؛ لم تَطلُقْ حتَّى تَلبَسَ ثُمَّ تأكُلَ، وتُسَمِّيهِ النُّحاةُ: اعْتِراضَ الشَّرط على الشَّرط، فيَقتَضِي تقديمَ المتأخِّر، وتأخيرَ المتقدِّم؛ لأِنَّه جَعَلَ الثَّانيَ في
(2)
اللَّفظ شَرْطًا للذي قبلَه، والشَّرط يتقدَّم المشروطَ؛ كقوله تعالى: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي
…
(34)} [هُود: 34].
وقال القاضي إذا كان الشَّرطُ ب «إذا» ؛ كقولنا، وفِيمَا إذا قال: إنْ شربتِ إنْ أكلْتِ؛ أنَّها تَطلُقُ بوجودهما كَيْفَما وُجِدَا؛ لا أنَّ
(3)
أهلَ العُرف لا تعرف
(4)
ما يقوله أهلُ العربيَّة في هذا، قال المؤلِّفُ: والأوَّلُ أصحُّ، وليس
(5)
لأهل العُرْف في هذا عُرْفٌ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ وَقَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ بِوُجُودِهِمَا كَيْفَمَا كَانَا)، ولا تَطلُقُ بوجود أحدهما؛ لأِنَّها للجمع لا للتَّرتيب.
(وَعَنْهُ: تَطْلُقُ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا)؛ لأِنَّ الحالِفَ على فِعْلِ شَيءٍ يَحنَثُ بفِعْلِ بعضِه على روايةٍ، وك: إن
(6)
قمتِ وإنْ قعدتِ، (إِلاّ أَنْ يَنْوِيَ) فِعْلَ الأمْرَينِ؛ لأِنَّه حِينَئِذٍ لا يَحنثُ بفِعْلِ أحدِهما؛ لأِنَّ الخِلافَ في بعضِ المحْلوفِ إنَّما هو عند الإطلاق، أمَّا إذا نَوَى الكلَّ؛ فلا يَحنثُ بفِعْلِ البعض، روايةً واحدةً.
(وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)؛ لأِنَّ هذه الرِّوايةَ تُخالِفُ الأصولَ والقَواعِدَ، فإنَّه لا
(1)
في (م): إذن.
(2)
في (م): من.
(3)
قوله: (أن) سقط من (م). والذي في المغني 7/ 450، والشرح الكبير 22/ 469: لأن.
(4)
في (م): لا يعرف.
(5)
في (م): أن ليس.
(6)
في (ظ): وإن.
خلافَ أنَّ الحُكْمَ المعلَّقَ بشَرْطَينِ لا يَثبُتُ إلاَّ بهما.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ أَوْ قَعَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ بِوُجُودِ أَحَدِهِمَا)؛ لأِنَّ «أو» تَقتَضِي تعليقَ الجزاء
(1)
على واحِدٍ؛ كقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البَقَرَة: 184].
(1)
في (م): الجزء.
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَيْضِ)
(إِذَا قَالَ: إِذَا حِضْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ بِأَوَّلِ الْحَيْضِ)؛ لأِنَّ الصِّفةَ وُجِدتْ، بدليل مَنْعِها من الصَّلاة والصِّيام، نَقَلَ مُهَنَّى
(1)
: تَطلُقُ برُؤية الدَّمِ؛ لتحريمِ مُباشَرتها ظاهِرًا فيه، وفي قَبْلَ مَوتي بشهرٍ، وكلِّ زمنٍ يَحتَمِلُ أنْ يتبيَّنَ أنَّه زمنُ الطَّلاق في الأصحِّ، ولِمَنْعِ المعتادة
(2)
من العبادة إجماعًا، وفي «الانتصار» و «الفنون» وغيرِهما: بتبيُّنِه
(3)
بمُضِيِّ أقلِّه.
(وَإِنْ بَانَ أَنَّ الدَّمَ لَيْسَ بِحَيْضٍ؛ لَمْ تَطْلُقْ بِهِ)؛ لأِنَّه تبيَّنَ أنَّ الصِّفةَ لم تُوجَدْ، وذلك بأنْ تكونَ بنتٌ دُونَ تسعِ سِنِينَ، أوْ يَنَقَطِع لأقلَّ من أقلِّ الحيض، ويتَّصِل الاِنقطاعُ إلى أكثرِ الحيض.
ولم يشترط
(4)
في «المغْنِي» الاِتِّصالَ، واشْتَرَطَه أبو الخَطَّاب وغَيرُه، ولا بدَّ منه؛ لأِنَّه إذا انْقَطَعَ لِمَا ذُكِرَ، ثُمَّ جاء قبلَ الأكثر؛ كان حَيضًا؛ لكون
(5)
مَنْ رأتْهُ مُلفِّقةً، ومعنى: لم تطلق؛ أي: لم يَقَعْ.
(وَإِنْ قَالَ: إِذَا حِضْتِ حَيْضَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ)، نَصَّ عليه
(6)
؛ لأِنَّها لا تَحِيضُ حيضةً إلاَّ بذلك.
وقِيلَ: لا تَطلُقُ حتَّى تَغتَسِلَ منها، وذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ روايةً مِنْ أوَّلِ حَيضةٍ مُستَقْبَلةٍ.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 110.
(2)
في (م): المعتاد.
(3)
في (م): تعينه.
(4)
في (ظ): ولم يشرط.
(5)
في (م): يكون.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 142.
والأوَّلُ أصحُّ، والظَّاهِرُ: أنَّه يَقَعُ سُنِّيًّا.
(وَلَا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ التِي هِيَ فِيهَا)؛ لأِنَّها لَيستْ حَيضةً كامِلةً.
فرعٌ: إذا قال: إذا حِضْتِ حَيضةً فأنتِ طالِقٌ، وإذا حِضْتِ حَيْضَتَينِ فأنتِ طالِقٌ، فحاضَتْ حَيضةً؛ طَلقَتْ واحِدةً، فإذا حاضَت الثَّانيةَ؛ طَلقَت الثَّانيةَ عندَ طهرها
(1)
.
فلو قال: ثُمَّ إذا حِضْتِ حَيضتَينِ فأنتِ طالِقٌ؛ لم تَطلُق الثَّانيةَ حتَّى تَطهُرَ من الحَيضة الثَّالثة؛ لأِنَّ «ثُمَّ» للتَّرتيب تَقتَضِي حيضتين
(2)
بعدَ الطَّلقة الأُولى.
(وَإِنْ قَالَ: إِذَا حِضْتِ نِصْفَ حَيْضَةٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ احْتَمَلَ أَنْ يُعْتَبَرَ نِصْفُ عَادَتِهَا)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الأحكامَ تعلَّقَتْ بالعادة، فيتعلَّقُ بها وقوعُ الطَّلاق.
(وَاحْتَمَلَ: أَنَّهَا مَتَى طَهُرَتْ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ فِي نِصْفِهَا
(3)
، وهو أشْهَرُ؛ لأِنَّها إذا طَهُرتْ في ستة
(4)
مَثَلاً تحقَّقَ أنَّ نصفَ حيضها
(5)
ثلاثةٌ، فيَجِبُ أنْ يُحكَمَ بوقوع الطَّلاق فيها؛ لوجود شَرْطِه.
وفيه إشعارٌ أنَّها لا تَطلُقُ حتَّى تَطهُرَ، وهو صحيحٌ؛ لأِنَّ شَرْطَ الطَّلاق مُضِيُّ نصفِ الحيضة، ولا يتحقَّقُ نصفُها إلاَّ بكمالها.
(وَاحْتَمَلَ: أَنْ يَلْغُوَ قَوْلُهُ: نِصْفَ حَيْضَةٍ)، وهو قَولُ القاضي؛ لأِنَّ الحيضةَ لا تَتَنَصَّفُ؛ لأِنَّها عبارةٌ عن جَرَيانِ الدَّمِ، فعلى هذا: يتعلَّق طَلاقُها بأوَّل الدَّم؛ كقوله: إذا حِضْتِ.
(1)
في (م): ظهورها.
(2)
زيد في (م): (فأنت طالق لم تطلق الثانية حتى). والمثبت موافق للمغني والشرح.
(3)
كتب في هامش (ظ): (الاحتمال الثاني هو المذهب).
(4)
في (م): سنة.
(5)
في (م): حيضتها.
(وَقِيلَ: إِذَا حَاضَتْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَنِصْفًا؛ طَلَقَتْ)؛ لأِنَّه لا يُتيَقَّنُ مُضِيُّ الحيضة إلاَّ بذلك، ولأِنَّه نصفُ أكثرِ الحَيض.
قال في «الكافي» : بمَعْنَى - واللهُ أعلمُ - أنَّه ما دام حَيْضُها باقِيًا لا يُحكَمُ بوقوع طلاقها حتَّى يَمْضِيَ نصفُ أكثرِ الحيض
(1)
؛ لأِنَّ ما قَبْلَ ذلك
(2)
لا يُتيَقَّنُ به مُضِيُّ نصفِ الحيضة، فلا يَقَعُ الطَّلاقُ بالشَّكِّ.
(وَإِنْ قَالَ: إِذَا طَهُرْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلقَتْ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّه بانقطاعه ثبت
(4)
لها أحكامُ الطَّاهِرات في وجوب الصَّلاة وصحَّةِ الصيام
(5)
، فيَجِبُ أنْ يتعلَّق به وجوبُ الطَّلاق، وفي عبارته تَسامُحٌ، ولو قال: بأوَّلِ طُهْرٍ مُستَقْبَلٍ لكان أَوْلَى.
وظاهِرُه: أنَّها تَطلُق وإنْ لم تَغتَسِلْ؛ لأِنَّه ثبت لها أحكامُ الطُّهْر؛ لأِنَّها لَيستْ حائضًا، فلَزِمَ أنْ تكونَ طاهِرًا؛ لأِنَّهما ضِدَّانِ.
وفي «التَّنبيه» قَولٌ: حتَّى تَغتَسِلَ؛ لأِنَّ بعضَ أحكام
(6)
الحَيض باقيةٌ، وبَناهُ في «الشَّرح» على العدَّة.
(وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا؛ طَلَقَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ
(7)
حَيْضَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ)؛ لأِنَّ قَولَه لها: «إذا طَهُرتْ» يَقتَضِي تجدُّدَ الطَّهارة، فإذا كانت طاهِرًا؛ لم تُوجَد الطَّهارةُ المتجدِّدةُ إلاَّ إذا طَهُرتْ مِنْ حَيضةٍ مُستقبَلةٍ، ضَرورةَ كَونها طَهارةً متجدِّدةً.
(1)
قوله: (قال في «الكافي»
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ظ): الحيض. والمثبت موافق لما في الكافي.
(3)
ينظر: الكافي 3/ 129.
(4)
في (م): تثبت.
(5)
في (م): الصوم.
(6)
في (م): أحكام بعض.
(7)
في (م): في.
(وَإِذَا قَالَتْ: حِضْتُ، وَكَذَّبَهَا؛ قُبِلَ قَوْلُهَا فِي نَفْسِهَا)، بغَيرِ يمينٍ في ظاهر المذهب؛ لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البَقَرَة: 228]، قِيلَ: هو الحيضُ، فلولا أنَّ قَولَها مقبولٌ فيه؛ ما حرُمَ عليها كِتْمانُه، ولأِنَّه لا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَتِها، وكقَوله: إن
(1)
أضمرتِ بُغْضِي، فادَّعَتْه، بخلافِ دخولِ الدار
(2)
.
وعنه: تَطلُقُ بِنِيَّته، فيختَبرْنَها
(3)
النِّساءُ بإدخال قطنةٍ في الفرج زمنَ دَعْواها الحَيضَ، فإنْ ظَهَرَ دمٌ فهي حائضٌ، واختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّ الحيضَ يُمكِنُ معرفتُه من غَيرِها؛ كدخول الدَّار.
وعلى الأوَّل: هل يُعتبَرُ يمينُها؟ فيه وجْهانِ مَبْنِيَّانِ على ما إذا ادَّعت أنَّ زوجَها طلَّقَها، وأنكرها
(4)
.
وقوله: (قُبِلَ قَولُها في نفسها)؛ أيْ: دُونَ غَيرِها من طلاقِ أخرى، أوْ عتقِ عبدٍ، نَصَّ عليه في الطَّلاق
(5)
؛ لأِنَّها مُؤتَمَنةٌ في حقِّ نفسها دُونَ غَيرِها.
(وَإِنْ قَالَ: قَدْ حِضْتِ، فَأَنْكَرَتْهُ؛ طَلَقَتْ بِإِقْرَارِهِ)؛ لأِنَّه أقرَّ بما يُوجِبُ طلاقَها، أشبه ما لو قال: طلَّقتُها
(6)
.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ حِضْتِ فَأَنْتِ
(7)
وَضَرَّتُكِ طَالِقَتَانِ، فَقَالَتْ: قَدْ حِضْتُ،
(1)
في (م): إذا.
(2)
في (م): النار.
(3)
في (م): فيختبر بها.
(4)
زيد في (ظ): وفاقًا لأبي حنيفة. والمثبت موافق للشرح الكبير 22/ 478، والفروع 9/ 112.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 248.
(6)
قوله: (وإن قال: قد حضت فأنكرته طلقت بإقراره) إلى هنا سقط من (م). والمثبت موجود في متن المقنع.
(7)
قوله: (إن حضت فأنت) في (م): حضت.
وَكَذَّبَهَا؛ طَلَقَتْ)؛ لأِنَّ قولها
(1)
مَقبولٌ في حقِّ نفسها، (دُونَ ضَرَّتِهَا)؛ أيْ: أنَّ الضَّرَّةَ لا تَطلُقُ إلاَّ أنْ تُقيمَ
(2)
بيِّنةً على حَيضها، فإنِ ادَّعت الضَّرَّة أنَّها حاضَتْ؛ لم يُقبل
(3)
؛ لأِنَّ مَعرفتَها بحَيضِ غَيرِها كمعرفة الزَّوج به.
وعنه: تُختبَرُ.
وعنه: إنْ أخرجتْ على خِرْقةٍ دَمًا؛ طَلقَت الضَّرَّةُ، اخْتارَه في «التَّبصرة» ، وحكاه عن القاضي.
فإذا قال: حِضْتِ، وأنكرتْ
(4)
؛ طَلقَتْ بإقِراره.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ
(5)
حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، فَقَالَتَا: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُمَا؛ طَلَقَتَا)؛ لأِنَّهما أقرَّتا وصدَّقَهما، فوُجِدت الصِّفةُ في حقِّهما.
(وَإِنْ كَذَّبَهُمَا؛ لَمْ تَطْلُقَا)، ولا واحدةٌ منهما؛ لأِنَّ طلاقَ كلِّ واحدةٍ منهما مُعلَّقٌ على شَرطَينِ: حَيضِها، وحَيضِ ضَرَّتها، ولا يُقبَلُ قَولُ واحدةٍ منهما في حقِّ ضرَّتها
(6)
، فلم يوجد
(7)
الشَّرطانِ.
(وَإِنْ كَذَّبَ إِحْدَاهُمَا طَلَقَتْ
(8)
وَحْدَهَا)؛ لأِنَّ قَولَها مقبولٌ في حقِّها، وقد صدَّق الزَّوجُ ضرَّتَها، فوُجِدَ الشَّرطانِ في حقِّها، ولم تَطلُق المصدَّقةُ؛ لأِنَّ قولَ المكذَّبة غَيرُ مَقبولٍ في حقِّها
(9)
، ولم يُصدِّقْها الزَّوجُ، فلم يُوجد شَرطُ طلاقها.
(1)
في (م): قوله.
(2)
في (م): يقيم.
(3)
في (ظ): لم تقبل.
(4)
في (م): وأنكر.
(5)
قوله: (إن) سقط من (م).
(6)
قوله: (ولا يقبل قول واحدة منهما في حق ضرتها) سقط من (م).
(7)
في (ظ): فلم توجد.
(8)
زيد في (م): الأخرى.
(9)
قوله: (وقد صدق الزوج ضرتها
…
) إلى هنا سقط من (م).
فرعٌ: إذا قال لزوجتيه
(1)
: إنْ حِضْتُما حَيضةً فأنْتُما طالِقتانِ؛ طَلقَتَا بحَيضتَينِ منهما؛ عَمَلاً باليقين.
وفي «الكافي» و «المستوعب» : يُلغَى قَولُه: حيضة، ويَصيرُ كقوله: إنْ حِضْتُما، قاله القاضي، وقدَّمه في «الرِّعاية» .
زاد في «الكافي» : فإنْ قال: أردتُ إذا حاضتْ كلُّ واحدةٍ منهما حيضةً؛ قُبِلَ؛ لأِنَّه مُحتَمِلٌ لذلك.
والأشْهَرُ: يَطلُقانِ بالشُّروع فيهما. وقِيلَ: بحَيضةٍ من واحدةٍ. وقِيلَ: لا يَطلُقانِ بحالٍ؛ كمستحيلٍ.
(وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لِأَرْبَعٍ)، فقد عَلَّقَ طلاقَ كلِّ واحدةٍ منهنَّ على حَيضِ الأربعِ، (فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُنَّ؛ طَلَقْنَ)؛ لأِنَّه قد وُجِدَ حَيضهنَّ بتصديقه.
(وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً، أَوِ اثْنَتَيْنِ؛ لَمْ يَطْلُقْ مِنْهُنَّ شَيْءٌ)؛ لأِنَّ شَرْطَ طلاقهنَّ حيضُ الأربعِ، ولم يُوجَدْ، وكذا إنْ كذَّب الكلَّ.
(وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا؛ طَلَقَتْ الْمُكَذَّبَةُ وَحْدَهَا)؛ لأِنَّ قَولَها مَقبولٌ في حَيضها، وقد صدَّق الزَّوجُ صواحِبَها، فوُجِدَ حَيضُ الأرْبَع في حقِّها؛ فطَلقَتْ، ولا تَطلُقُ المصدَّقاتُ؛ لأِنَّ قَولَ المكذَّبة غَيرُ مَقبولٍ في حقِّهن.
فائدةٌ: الأفْصَحُ في (صاحبةٍ) أنْ تجمَعَ على صواحِب؛ كضَوارِب، وَوَقَعَ لبعضهم: صواحباتها، وهي لغةٌ قليلةٌ.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا)، أَوْ أيَّتُكنَّ (حَاضَتْ إِحْدَاكُنَّ، فَضَرَائِرُهَا طَوَالِقُ، فَقُلْنَ: قَدْ حِضْنَا، فَصَدَّقَهُنَّ؛ طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)؛ لأِنَّ حَيضَ كلِّ واحدةٍ مِنهنَّ صفةٌ لِطَلاقِ البَواقِي، ولكلِّ واحدةٍ ثلاثُ ضرائرَ وقد حِضْنَ، فتَطلُقُ ثلاثُ
(1)
في (ظ): لزوجته.
تطليقاتٍ، فإنْ كذَّبَهنَّ؛ لم يَطلُقْ مِنهنَّ شَيءٌ؛ لأِنَّ قَولَهنَّ غَيرُ مَقبولٍ في طلاقِ غَيرِهِنَّ.
(وَإِنْ صَدَّقَ وَاحِدَةً؛ لَمْ تَطْلُقْ)؛ لأِنَّه لَيسَ لها صاحبةٌ ثَبَتَ حَيضُها، (وَطَلَقَ ضَرَّاتُهَا طَلْقَةً طَلْقَةً)؛ لأِنَّ لكلٍّ
(1)
مِنهنَّ صاحبةً ثَبَتَ حَيضُها.
(وَإِنْ صَدَّقَ اثْنَتَيْنِ؛ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا
(2)
طَلْقَةً)؛ لأِنَّ لكلِّ
(3)
واحدةٍ منهما ضَرَّةً مُصدَّقةً، (وَطَلَقَتِ الْمُكَذَّبَتَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّ لكلِّ
(4)
واحدةٍ منهما ضَرَّتَينِ مُصدَّقتَينِ.
(وَإِنْ صَدَّقَ ثَلَاثًا؛ طَلَقَتِ الْمُكَذَّبَةُ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّ لها ثلاثَ ضرائرَ ثَبَتَ حَيضُهنَّ، وطَلقَتْ كلُّ واحدةٍ من المصدَّقات طَلْقَتَينِ؛ لأِنَّ لكلِّ واحدةٍ ضَرَّتَينِ مُصدَّقتَينِ.
فرعٌ: العِتْقُ المعلَّقُ بالحَيض كذلك.
تذنيبٌ: إذا قال لأِربعٍ: أيَّتكنَّ لم أَطَأْها فضَرائرُها طوالِقٌ، فإنْ قَيَّدَه بِوَقْتٍ مُعَيَّنٍ، فمَضَى، ولم يَطَأْ؛ طَلقْنَ ثلاثًا ثلاثًا؛ لأِنَّ لكلِّ واحدةٍ ثلاثَ ضرائرَ غيرَ مَوطُوءاتٍ.
فإنْ وَطِئَ واحدةً؛ فثلاثٌ بِعدَمِ وطْءِ ضَرَّاتها، وهنَّ؛ ثِنتَينِ ثِنتَينِ.
وإِنْ وَطِئَ ثِنتَينِ؛ فثِنْتانِ ثنتان
(5)
، وهما واحدة واحدة
(6)
.
وإنْ وَطِئَ ثلاثًا؛ وَقَعَ بمَنْ وَطِئَ فقط واحدةٌ.
(1)
في (م): كل.
(2)
قوله: (منهما) سقط من (م).
(3)
في (م): كل.
(4)
في (م): كل.
(5)
قوله: (ثنتان) سقط من (م).
(6)
قوله: (واحدة) سقط من (ظ). والمثبت موافق للفروع 9/ 104.
وإنْ أطْلَقَ؛ تقيَّد بالعمر، فإذا مات هو؛ طَلَقْنَ كلُّهنَّ في آخِرِ جزءٍ من حياته.
وعنه فِيمَنْ قال لعبيده: أيُّكم أتاني بخَبَرِ كذا فهو حُرٌّ، فجاء به جماعةٌ؛ عَتَقُوا، ونَقَلَ حنبلٌ: أحدُهم بقُرعةٍ
(1)
، فيَتَوَجَّه مِثلُه في نظائرها، ذَكَرَهما في «الإرشاد» .
(1)
ينظر: الفروع 9/ 105.
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَمْلِ)
(إِذَا قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ حَامِلاً؛ تَبَيَّنَّا وُقُوعَ الطَّلَاقِ حِينَ الْيَمِينِ)، بأنْ تَلِدَ لأِقلَّ من ستَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِين اليمين، فيَقَعُ الطَّلاق لوجود
(1)
شَرْطِه مُنذُ حَلَفَ، وكذا بَينَهما ولم يَطَأْ.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ بأنْ تَلِدَ لأِكثرَ من أربعِ سِنِينَ، فإنَّها لا تَطلُقُ.
فإنْ وَلَدَتْ بَينَ المدَّتَينِ، وكان الزَّوجُ يَطَؤُها، فولدتْ لِدون نصف سنةٍ منذ وَطِئَ؛ وَقَع؛ لعِلْمنا أنَّه لَيس من الوطء.
وإنْ ولدتْه لأِكثرَ منها فوجْهانِ:
أصحُّهما: لا تَطلُقُ؛ لأِنَّ النِّكاحَ باقٍ بيقينٍ، والظَّاهِرُ حدوثُ الولد من الوطء؛ لأِنَّ الأصلَ عدَمُه قبلَه.
ونصُّه: يَقَعُ إنْ ظَهَرَ للنِّساء أوْ خَفِيَ، فولدتْه لتسعةِ أشْهُرٍ فأقلَّ
(2)
.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ تَكُونِي حَامِلاً فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ فَهِيَ بِالْعَكْسِ)، فِيما إذا كان الشَّرطُ عَدَمِيًّا، فتَطلُقُ في كلِّ مَوضِعٍ لا تَطلُقُ في المسألة السَّابقة، وعَكْسُه بعكسه.
وفي «الكافي»
(3)
: كلُّ مَوضِعٍ لا يَقَعُ ثَمَّةَ يَقَعُ هنا، وفيه وجهان:
أحدُهما: تَطلُقُ؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الحَمْل.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ النِّكاح.
(وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا) في المسألتَينِ، (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، إِنْ
(1)
في (ظ): بوجود.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 114.
(3)
زيد في (م): في.
كَانَ الطَّلَاقُ بَائِنًا) نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ شرطُ
(2)
الطَّلاق حاصلاً، فيكونُ واطِئًا ثانيًا
(3)
.
وشَرَطَ البَينونَةَ؛ لأِنَّه إذا كان رجعيًّا، وقُدِّرَ حُصولُ الشَّرط؛ يكون واطئًا رجعيَّةً، وهو حلال
(4)
على المذهب.
وقال القاضي: ولو
(5)
رجعيَّةً مُباحةً منذ حَلَفَ.
وعنه: بظهورِ حمْلٍ.
ويَكْفِي الاِستبراءُ بحَيضةٍ ماضيةٍ أوْ موجودةٍ، نَصَّ عليه
(6)
.
وقِيلَ: لا، وذَكَرَه في «التَّرغيب» عن أصحابنا.
وعنه: تُعتَبَرُ ثلاثةُ أقْراءٍ؛ لأِنَّها حرَّةٌ أشْبهت العِدَّةَ.
والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ المقصودَ معرفةُ براءة رَحِمِها، وذلك حاصلٌ بحَيضةٍ؛ ولأِنَّ ما يُعلم
(7)
به البراءةُ في حقِّ الأَمَة يُعلَمُ به في حقِّ الحرَّة؛ لأِنَّه أمرٌ حقيقيٌّ، لا يَختَلِفُ بالحرِّيَّة والرِّقِّ، وأمَّا العِدَّةُ؛ ففيها نَوعُ تعبُّدٍ.
وهل يُعتَدُّ بالاستبراء قبلَ عقد اليمين، أو بالحَيضة التي حَلَفَ فيها؟ على وجهَينِ: أصحُّهما: الاِعْتِدادُ به، قاله في «الشَّرح». والثَّانيةُ: لا يَحرُمُ وطؤُها؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ النِّكاح.
فرعٌ: إذا قال: إذا حملت
(8)
؛ لم يَقَعْ إلاَّ بحملٍ متجدِّدٍ، ولا يَطَأُ حتَّى تحيضَ، ثُمَّ يَطَأُ كلَّ طهرٍ مرَّةً.
(1)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 488.
(2)
في (م): شرطه.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي نسخة الممتع الخطية:(بائنًا).
(4)
في (م): خلاف.
(5)
في (م): وكذا.
(6)
ينظر: الفروع 9/ 114.
(7)
في (م): تعلم.
(8)
في (م): حبلت.
وعنه: يجوز أكثرُ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِذَكَرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، وَإِنْ كُنْتِ حَامِلاً بِأُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لوجود الصِّفة، واستَحَقَّا مِنْ وصيةٍ
(1)
.
وإنْ وَلَدَتْ ذَكَرًا؛ فطلقةٌ.
وإنْ كانا ذَكَرَينِ؛ فطلقةٌ، وقِيلَ: اثنَتانِ.
وإنْ وَلَدَتْ أنثى، أو اثنتين
(2)
؛ فطلقتَينِ، وقال ابنُ حَمْدانَ: تَطلُقُ بالاثنتين ثلاثًا.
(وَلَوْ كَانَ مَكَانَ قَوْلِهِ: «إِنْ كُنْتِ حَامِلاً»: إِنْ كَانَ حَمْلُكِ)، أوْ ما في بطنك؛ (لَمْ تَطْلُقْ إِذَا
(3)
كَانَتْ حَامِلاً بِهِمَا)، وهو قَولُ أبي ثَورٍ؛ لأِنَّ حَمْلَها كلَّه لَيسَ بغُلامٍ ولا جاريةٍ.
وقال القاضي: في وقوع الطَّلاق وجْهانِ؛ بِناءً على الرِّوايتَينِ فِيمَنْ حَلَفَ: لا لَبِسْتُ ثَوبًا مِنْ غَزْلها، فلَبِسَ ثَوبًا فيه منه
(4)
.
(1)
في (م): وصيته.
(2)
في (م): أنثيين.
(3)
في (م): إن.
(4)
قوله: (منه) سقط من (ظ).
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْوِلَادَةِ)
إذا علَّقه بها، فألْقَتْ ما تَصِيرُ به الأَمةُ أمَّ ولدٍ؛ وَقَع.
ويُقبَلُ قَولُه في عدم الوِلادة، قال القاضِي وأصحابُه: إنْ لم يُقِرَّ بالحَمل.
وإنْ شَهِد بها النساء
(1)
؛ وقَعَ في ظاهِرِ كلامه. وقِيلَ: لا؛ كَمَنْ حَلَف بطلاقٍ ما غَصَبَ، أوْ لا غَصَبَ، فثَبَتَ بيِّنة مال
(2)
؛ لم تَطلُقْ في الأصحِّ.
(إِذَا
(3)
قَالَ: إِنْ وَلَدْتِ ذَكَرًا فَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً
(4)
، وَإِنْ وَلَدْتِ أُنْثَى فَأَنْتِ طَالِقٌ اثْنَتَيْنِ، فَوَلَدَتْ ذَكَرًا ثُمَّ أُنْثَى)، أوْ خُنْثَى، قالَهُ في «الكافي» ؛ (طَلَقَتْ بِالْأَوَّلِ)؛ لأِنَّ شَرْطَهُ وِلادةُ ذَكَرٍ وأنْثَى، وقد وُجِدَ، (وَبَانَتْ بِالثَّانِي، وَلَمْ تَطْلُقْ بِهِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ)، وصحَّحه في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ العِدَّةَ انْقَضَتْ بِوَضْعِه، فَصادَفَها الطَّلاقُ بائنًا؛ كقَولِه: إذا مِتُّ فأنتِ طالِقٌ.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: تَطْلُقُ بِهِ)، وأَوْمَأَ إليه، قاله في «المنتَخَب» ؛ لأِنَّ زَمَنَ البَينونَة زَمَنُ الوقوع، فلا تَنافِي بَينَهما.
وفي «نكت المحرَّر» : ويُعايَا بها على أصْلِنا: إنَّ الطَّلاقَ بعدَ الدُّخول ولا مَانِعَ، والزَّوجان
(5)
مُكلَّفانِ؛ لا عِدَّةَ فيه، ويُقالُ: طلاقٌ بلا عِوَضٍ دُونَ الثَّلاث بعدَ الدُّخول في نكاحٍ صحيحٍ لا رَجْعةَ فيه.
فإنْ وَلَدَتْهما معًا طَلَقَتْ ثلاثًا؛ لوجود الشَّرْطَينِ.
وإنْ سَبَقَ أحدُهما بدونِ ستَّة أشْهُرٍ؛ وَقَعَ ما علَّق به، وانْقَضَت العِدَّةُ بالثَّاني.
(1)
في (م): بالنساء.
(2)
في (م): فَثَبَّتتْه بَينةٌ ما. وفي الفروع 9/ 115: ببينة مالٍ.
(3)
في (م): وإذا.
(4)
قوله: (واحدة) سقط من (م).
(5)
في (م): والزوجات.
وإنْ كان بستة
(1)
أشهرٍ؛ فالثَّاني مِنْ حملٍ مستأنَفٍ
(2)
بلا خلافٍ
(3)
، فلا يُمكِنُ ادَّعاء أنْ تَحبَلَ بولدٍ بعدَ ولدٍ، وفي الطَّلاق به الوجهان
(4)
، إلاَّ أنْ يقولَ: لا تَنقَضِي به عدةٌ، فيَقَعُ الثَّلاثُ.
وكذا - في الأصحِّ -: إنْ ألْحَقْنا
(5)
به؛ لثُبوتِ وَطْئِه به، فتثبت
(6)
الرَّجعةُ على الأصحِّ فيها.
واختار في «التَّرغيب» : أنَّ الحَمْلَ لا يَدُلُّ على الوطء المحصِّل للرَّجعة.
(وَإِنْ أَشْكَلَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمَا؛ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ بِيَقِينٍ
(7)
، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، و «الفروع» ؛ لأِنَّ مَنْ وَقَعَ بها طَلْقَتانِ؛ فيَقَعُ بها واحدةٌ، (وَلَغَا مَا زَادَ) على المذهب؛ لأِنَّه مشكوكٌ فيه، والأصلُ بقاءُ النِّكاح، ولا يَزُولُ عنه بالشَّكِّ، لكنَّ الورعَ: أنْ يلتزمهما
(8)
، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(وَقَالَ الْقَاضِي: قِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يُقْرِعَ بَيْنَهُمَا)، وأوْمَأَ إليه، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ كلُّ واحِدٍ منهما احْتِمالاً مُساوِيًا للآخَرِ، فيُقرَعُ بَينَهُما، كما لو أعْتَقَ أحدَ عَبدَيهِ مُعيَّنًا ثُمَّ أُنسيه
(9)
.
(وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَلِدَهُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا)؛ لأِنَّ الشَّرطَ ولادةُ ذَكَرٍ وأُنْثى، وقد
(1)
في (م): ستة.
(2)
في (م): جملة مستأنفة.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 116.
(4)
في (م): وجهان.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 116: ألحقناه.
(6)
قوله: (به فتثبت) في (م): ثبت.
(7)
في (م): بتعيين.
(8)
في (م): يلزمهما.
(9)
في (م): أشيبته.
وُجِدَ؛ ولأنَّ
(1)
العدَّةَ تَنقَضِي به وتصير الجاريةُ أمَّ وَلَدٍ، فكذا هُنا.
فلو قال: كلَّما وَلَدْتِ وَلَدًا فأنتِ طالِقٌ، فَوَلَدَتْ ثلاثةً معًا؛ فثلاثٌ، وكذا إنْ لم يَقُلْ: ولدًا
(2)
، واختار المجدُ: واحدةٌ.
فإنْ قال: أوَّلَ ولَدٍ تَلِدِينَه ذَكَرًا فأنتِ طالِقٌ واحدةً، وإنْ كانت
(3)
أنثى فاثنتَينِ، فَوَلَدَتْهما معًا؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّه لا أوَّل
(4)
فيهما.
فإنْ ولَدَتْهما دفعتَينِ؛ طَلَقَتْ بالأوَّل، وبانت بالثَّاني، ولم تَطلُقْ إلاَّ على قَولِ ابنِ حامِدٍ.
تنبيهٌ: إذا قال لأِربعِ نِسوةٍ: كلَّما وَلَدَتْ إحداكنَّ فضرائرُها طوالِقُ، فَوَلَدْنَ دفعةً واحدةً؛ طَلَقْنَ ثلاثًا ثلاثًا، وإنْ ولدْنَ
(5)
مُتعاقِباتٍ؛ طَلقَت الأولى والرَّابعة ثلاثًا ثلاثًا، والثَّانيةُ طلقةً، والثَّالثةُ طلقتَينِ.
فلو قال: إنْ ولَدْتِ وَلَدًا فأنتِ طالِقٌ، فولدتْ وَلَدَينِ على التَّعاقُب؛ طَلقَتْ بالأوَّل
(6)
، وفَرَغَتْ عِدَّتُها مِنْ الثَّاني، ولم تَطلُقْ به في الأصحِّ.
فإنْ كان بَينَهما نصفُ سنةٍ فأكثرُ، ودُونَ أكثرِ مدَّة الحمل؛ فهل يَلحَقُه الثَّاني وتنقضي به العِدَّةُ؟ فيه وجْهانِ.
(1)
في (ظ): لأن.
(2)
في (م): وكذا.
(3)
في (م): كان.
(4)
قوله: (لا أول) في (م): لأول.
(5)
في (م): ولدت.
(6)
في (م): بالأولى.
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالطَّلَاقِ)
(إِذَا قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ
(1)
قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّها تَطلُقُ واحدةً بقِيامِها، وأخرى بالصِّفة؛ لأِنَّ الصِّفةَ تطليقةٌ لها، وتعليقُه لطلاقها بقيامها إذا
(2)
اتَّصل به القيام تطليق لها.
فلو قال: إذا طلَّقتُكِ فأنتِ طالِقٌ، ثُمَّ قال: أنتِ طالِقٌ؛ وَقَعَتْ واحدةٌ بالمباشَرَة، وأخْرَى بالصِّفة إنْ كانت
(3)
مدخولاً بها؛ لأِنَّه جَعَلَ تطليقَها شَرْطًا لوقوع طلاقها.
وإنْ كانَتْ غَيرَ مَدخولٍ بها؛ بانَتْ بالأولى، ولم تَقَع الثَّانيةُ؛ لأِنَّه لا عِدَّةَ عليها.
فإن قال: عَنَيتُ بأنَّه يَقَعُ عليكِ ما باشَرتكِ به؛ دُيِّنَ، وفي الحُكم رِوايَتانِ.
فرعٌ: إذا وكَّل مَنْ طلَّقَها؛ فهو كمُباشَرَتِه؛ لأِنَّ فِعْلَ الوكيل كموكِّلِه.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ؛ طَلَقَتْ وَاحِدَةً بِقِيَامِهَا)، ولم تَطلُقْ بتعليقِ الطَّلاق؛ لأِنَّه لم يُطلِّقْها بعدَ ذلك؛ لأِنَّ هذا يَقتَضِي ابتداءَ إيقاعٍ، ووقوعُ
(4)
الطَّلاق هنا بالقيام، إنَّما هو وقوعٌ بصفةٍ سابِقةٍ لعَقْدِ الطَّلاق شَرْطًا.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَامَتْ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)، واحدةٌ بالقيام، والثَّانيةُ بوقوع الطَّلاق عليها
(1)
في (ظ): إذا.
(2)
في (م): إذ.
(3)
في (م): كان.
(4)
في (م): وقوع.
إنْ كانَتْ مَدخولاً بها؛ لأِنَّ الطَّلاقَ الواقِعَ بها طلاقُه، فقد وُجِدَت الصِّفةُ.
وإنْ كانَتْ غَيرَ مدخولٍ بها؛ فواحدةٌ.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)، إحداهما بالمباشَرة، والأخرى بالصِّفة، ولا تَقَعُ ثالِثةٌ؛ لأِنَّ قولَه:«كلَّما طلقتُكِ» يقتضي
(1)
: كلَّما أوْقَعْتُ عليكِ الطَّلاقَ، وهذا يقتضي
(2)
تجديدَ إيقاع طلاقٍ بعدَ هذا القول.
فلو قال لها بعدَ عقد الصِّفة: إنْ خرجتِ فأنتِ طالِقٌ، فخرجَتْ؛ طَلقَتْ بالخروج طلقةً، وبالصِّفة أُخْرى؛ لأِنَّه قد طلَّقها.
فلو قال: كلَّما أوْقَعْتُ عليكِ طلاقِي فأنتِ طالِقٌ، فهو كقوله: كلَّما طلَّقْتُكِ فأنتِ طالِقٌ.
وذَكَرَ القاضي في هذا: أنَّه إذا أَوْقَع عليها طلاقَه بصفةٍ عَقَدَها؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّ ذلك ليس بإيقاعٍ منه.
وفيه نَظَرٌ؛ فإنَّه قد
(3)
أوْقَعَ عليها الطَّلاقَ بشرْطٍ، فإذا وُجِدَ الشَّرطُ فهو المُوقِعُ للطلاق
(4)
عليها.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقُهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ؛ طَلَقَتْ ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه إذا طلَّقَها بِمُباشَرةٍ أوْ سببٍ؛ طَلقَتْ واحدةً، فيصدُقُ
(5)
أنَّه وَقَعَ عليها طلاقُه، فتَطلُق أخرى بالصِّفة، وتَقَعُ الثالثة
(6)
؛ لأِنَّ «كلَّما» للتَّكرار.
(1)
في (ظ): تقتضي.
(2)
زيد في (م): إيقاع.
(3)
في (م): إذا.
(4)
في (م): والطلاق.
(5)
في (ظ): فتصدق.
(6)
في (م): الثانية.
وفي «الكافي» و «الشَّرح» : لأِنَّ الثَّانيةَ طلقةٌ واقِعةٌ عليها، فتقع
(1)
بها الثَّالثةُ.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي، أَوْ إِنْ وَقَعَ عَلَيْكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ؛ فَلَا نَصَّ فِيهَا)؛ أيْ: لم يُنقَلْ عن الإمام أحمدَ فيها شيءٌ، والصَّوابُ: وقوعُ الطَّلاق؛ لِعُمومات النُّصوص
(2)
، ولأِنَّ اللهَ تعالى شَرَعَ الطَّلاقَ لمصلحةٍ تتعلَّق به، فلا يجوز إبْطالُها، وفي القول
(3)
بعَدَمِها؛ إبْطالٌ لها، ولأِنَّه طلاقٌ مِنْ مكلَّفٍ مُختارٍ في مَحَلّ النِّكاحِ صحيحٌ
(4)
، فيَجِبُ أنْ يَقَعَ، كما لو لم يَعقِدْ هذه الصِّفة.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي: تَطْلُقُ ثَلَاثًا)، واختاره الجمهورُ، ذكره
(5)
في «التَّرغيب» ، وجَزَمَ به في «المستوعب» عن أصحابِنا؛ لأِنَّه وَصَفَ المعلَّقَ بصفةٍ، فيَستَحِيلُ وَصْفُه بها، فإنَّه يَستَحِيلُ وقوعُها بالشرط قبله
(6)
، فَلَغَتْ صِفَتُها بالقَبْلِيَّة، وصار كأنَّه قال
(7)
: إذا وقع عليكِ طلاقِي فأنتِ طالِقٌ ثلاثًا.
قِيلَ: معًا
(8)
، وقِيلَ: المعلَّق، وقِيلَ: المنَجَّزُ ثُمَّ تَتِمَّتُها من المعلَّق، لكِنْ إنْ كان المنجَّزُ أقلَّ من ثلاثٍ؛ كُمِّلَتْ من المعلَّق، وإنْ كان ثلاثًا لم يَقَعْ من المعلَّق شيءٌ؛ لأِنَّه لم يُصادِفْ مَحَلًّا.
(1)
في (م): فيقع.
(2)
في (م): النص.
(3)
في (م): القبول.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 433 والشرح الكبير 22/ 507: في مَحَلٍّ لِنِكاحٍ صَحِيحٍ.
(5)
في (م): وذكره.
(6)
قوله: (قبله) سقط من (ظ).
(7)
في (م): أقال.
(8)
أي: تقع الثلاث معًا.
(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: تَطْلُقُ بِالطَّلَاقِ الْمُنَجَّزِ)؛ لأِنَّ المحلَّ صالِحٌ له، (وَيَلْغُو مَا قَبْلَهُ)؛ أي: تعليقُه باطِلٌ؛ لأِنَّه طلاقٌ في زمنٍ ماضٍ، أشْبَهَ قَولَه: أنتِ طالِقٌ أمسِ، ولأِنَّه لو وَقَعَ المعلَّقُ لَمنَعَ وقوعَ المنجَّزِ، فإذا لم يَقَع المنجَّزُ؛ بَطَلَ شَرطُ المعلَّق، فاسْتَحالَ وقوعُ المعلَّق، ولا استحالةَ في وقوع المنجَّز، فيَقَعُ.
وقِيلَ: لا يَقَعُ شيءٌ، أمَّا المنجَّزُ فلأنَّه
(1)
لو وَقَعَ لَوَقَعَ ثلاثٌ قَبْلَه؛ لوجود الشَّرط، ولو كان كذلك لَمَا وَقَعَ؛ إذْ لا مزيدَ على الثَّلاث، فَلَزِمَ من وقوعه عدمُ وقوعه، فلم يَقَعْ، وأمَّا المعلَّق فإنَّه إذا لم يَقَع المنجَّزُ؛ لم يُوجَد الشَّرطُ.
وهذا ما صحَّحه الأكْثَرُونَ من الشَّافعيَّة، وحكاه بعضُهم عن النَّصِّ
(2)
، وقاله الشَّيخُ أبو حامِدٍ شَيخُ العراقيِّينَ
(3)
، والقَفَّالُ شيخُ المَراوِزَة
(4)
، قال في «المهمَّات»
(5)
: (فكيف تسوغ
(6)
الفَتْوَى بما يُخالِفُ نصَّ الشَّافعيِّ وكلامَ الأكثرين).
ونَصَرَ في «الشَّرح» الأوَّلَ، وأكَّده بقوله
(7)
: إذا انفسخ نكاحُكِ فأنتِ طالِقٌ قَبْلَه ثلاثًا، ثُمَّ وُجِدَ ما يَفسَخُ النِّكاحَ من رضاعٍ أوْ رِدَّةٍ، فإنَّه يَرِدُ على
(1)
في (م): فإنه.
(2)
أي: نص الشافعي. ينظر الأم 5/ 198.
(3)
هو: أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني، أبو حامد، من أعلام الشافعية. من مصنفاته: أصول الفقه، ومختصر في الفقه سماه الرونق، توفي سنة 406 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 4/ 61، سير أعلام النبلاء 17/ 193.
(4)
هو: عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، يعرف بالقفال الصغير، شيخ الخراسانيين، وليس هو القفال الكبير، توفي سنة 417 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 5/ 53، سير أعلام النبلاء 17/ 405.
(5)
ينظر: المهذب 3/ 40، المهمات في شرح الروضة 7/ 402.
(6)
في (م): يسوغ.
(7)
في (م): فقوله.
ابنِ سُريج
(1)
فيها، ولا خلافَ في انْفِساخ النِّكاح.
قال القاضي: ما
(2)
ذَكَروهُ ذريعةٌ إلى أنَّه لا يَقَع عليها الطَّلاقُ جملةً.
ولو قال لزوجته الأَمَة: إذا مَلَكْتُكِ فأنتِ طالِقٌ ثلاثًا، ثُمَّ مَلَكَها؛ طَلقَتْ في الأقْيَسِ، وفي «المحرَّر»: لا تَطلُقُ وجْهًا واحدًا.
تنبيهٌ: إذا قال: كلَّما طلَّقْتُكِ طلاقًا أمْلِكُ فيه رَجْعَتَكِ فأنتِ طالِقٌ، ثُمَّ قال: أنتِ طالِقٌ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَينِ، إحداهما بالمباشَرة، والأخرى بالصِّفة، إلاَّ أنْ تكونَ الطَّلقةُ بعِوَضٍ، أوْ غيرَ مَدخولٍ بها، فلا تقع
(3)
ثانيةٌ، وإنْ طلَّقَها ثنتَينِ طَلقَت الثَّالثةُ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وهو الأصحُّ.
وإنْ قال: كلَّما طلَّقْتُ ضَرَّتَكِ فأنتِ طالِقٌ، ثُمَّ قال مِثْلَه للضَّرَّة، ثُمَّ طلَّق الأوَّلةَ؛ طَلقت الضَّرَّةُ طلقةً بالصِّفة، والأوَّلةُ
(4)
طلقتَينِ بالمباشَرَة، ووقوعه بالضَّرَّة تطليقٌ؛ لأِنَّه أحْدَثَ فيها طلاقًا بتعليقه طلاقَها ثانيًا
(5)
، وإنْ طلَّق الثَّانيةَ فَقَطْ؛ طَلَقَتَا طلقةً طلقةً.
(وَإِنْ قَالَ لِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ: أَيَّتُكُنَّ وَقَعَ عَلَيْهَا طَلَاقِي فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ، ثُمَّ وَقَعَ عَلَى إِحْدَاهُنَّ طَلَاقُهُ؛ طَلَقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا)؛ لأِنَّه إذا وقع
(6)
طلاقُه على واحدةٍ وقع على صواحِبِها، ووقوعه على واحدةٍ منهنَّ يَقتَضِي وقوعَه على صواحبها، فيَتَسَلْسَلُ الوقوعُ عليهنَّ إلى أنْ تكمل
(7)
الثَّلاثُ بكلِّ واحدةٍ.
(1)
في (م): شريح.
وهو: أحمد بن عمر بن سريج، أبو العباس، القاضي البغدادي، يلقب: بالباز الأشهب، توفي سنة 306 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 3/ 21.
(2)
في (م): وما.
(3)
في (م): فلا يقع.
(4)
في (م): والأولى.
(5)
في (ظ): بائنًا. والمثبت موافق للفروع 9/ 188، والإنصاف 22/ 511.
(6)
زيد في (م): عليها.
(7)
في (م): يكمل.
فرع: لو كان له ثلاثُ نِسوةٍ، فقال: إنْ طَلَّقْتُ زينبَ فعَمْرةُ طالِقٌ، وإنْ طَلَّقْتُ عمرةَ فحَفْصةُ طالِقٌ، وإنْ طَلَّقْتُ حَفْصةَ فزينبُ طالِقٌ، ثمَّ طلَّقَ
(1)
زينبَ؛ طَلَقَتْ عَمْرةُ، ولم تَطلُقْ حفصةُ، وإنْ طلَّق عمرةَ؛ طَلقَتْ حفصةُ، ولم تَطلُقْ زينبُ، وإنْ طلَّقَ حفصةَ طَلقت زينبُ، ثُمَّ طَلَّقَ عمرةَ؛ وَقَعَ الطَّلاق بالثَّلاث؛ لأِنَّه أحْدَثَ في زينبَ طلاقًا بعدَ تعليقه طلاقَ عمرةَ بطَلاقها.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا طَلَّقْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ فَعَبْدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ اثْنَتَيْنِ فَعَبْدَانِ حُرَّانِ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ أَحْرَارٌ، وَكُلَّمَا طَلَّقْتُ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ أَحْرَارٌ، ثُمَّ طَلَّقَهُنَّ جَمِيعًا)، مُجتَمِعاتٍ أوْ مُتفَرِّقاتٍ؛ (عَتَقَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَبْدًا)، هذا هو الأصحُّ؛ لأِنَّ فيهنَّ أربعَ صِفاتٍ: هنَّ أربعٌ، فيَعتِقُ أربعةٌ، وهنَّ أربعةُ آحادٍ، فيَعتِقُ أربعةٌ أيضًا، وهنَّ اثْنَتانِ واثْنَتانِ، فيَعتِقُ كذلك، وفيهنَّ ثلاثٌ، فيَعتِقُ بذلك ثلاثٌ.
وإنْ شئتَ قلتَ: يَعتِقُ بالواحدة واحدٌ، وبالثَّانية ثلاثةٌ؛ لأِنَّ فيها صفتَينِ: هي واحدةٌ، وهي مع الأولى اثْنَتانِ، ويعتِقُ بالثَّالثة أربعةٌ؛ لأِنَّها واحدةٌ، وهي مع الأولى والثَّانيةُ ثلاثٌ، ويَعتِقُ بالرَّابعة سبعةٌ؛ لأِنَّ فيها ثلاثَ صفاتٍ: هي واحدةٌ وهي مع الثَّانية
(2)
اثنَتانِ، وهي مع الثَّلاث التي
(3)
قَبلَها أرْبعٌ.
قال في «المغني» : وهذا أَوْلَى من الأول
(4)
؛ لأِنَّ قائلَه لا يَعتبِرُ صفةَ طلاق الواحدة في غَيرِ الأولى، ولا صفةَ التَّثنيةِ في الثَّالثة والرَّابعة.
(وِقِيلَ: عَشَرَةٌ)، بالواحدة واحد
(5)
،
(1)
في (م): طلقت.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وهو موافق لما في شرح المنتهى 3/ 126، وفي المغني 7/ 441، والشرح 22/ 517، والكشاف 12/ 329: مع الثالثة.
(3)
في (م): إلى.
(4)
في (م): الأولى.
(5)
في (م): واحدة.
وبالثَّانية اثنان
(1)
، وبالثَّالثة ثلاثةٌ، وبالرَّابعة أربعةٌ.
وقِيلَ: يَعتِقُ سبعةَ عَشَرَ؛ لأِنَّ صفةَ التَّثنية قد وُجِدَتْ ثلاثَ مَرَّاتٍ، فإنَّها تُوجَدُ بضمِّ
(2)
الأولى إلى الثَّانية، وبضم
(3)
الثَّانية إلى الثَّالثة، وبضم
(4)
الثَّالثة إلى الرابعة
(5)
.
وقيل: عِشْرونَ؛ لأِنَّ صفةَ الثَّلاثة وُجِدَتْ مرة
(6)
ثانيةً بضمِّه
(7)
الثَّانيةَ والثَّالثةَ إلى الرَّابعة.
وردَّهما في «المغْنِي» و «الشَّرح» : بأنَّ كلًّا منهما غيرُ سديد
(8)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَعْتِقَ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ)، واختاره في «الرِّعاية» إنْ طُلِّقْنَ معًا، كقَولِه: كلَّما أعْتَقْتُ أربعةً فأربعةٌ أحْرارٌ؛ لأِنَّ هذا الذي يَسبِقُ إلى أذهان
(9)
العامَّة، وهذا مع الإطلاق، (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ)، فيُعمَلُ بها؛ لأِنَّ مثلَ ذلك لا يُرادُ منه عُرْفًا غيرُ ذلك، ومتى لم يُعيِّن العبيدَ المعْتَقِينَ؛ أُخرِجوا بالقُرعة.
والأوَّلُ أصحُّ، قاله في «المغني» ؛ لأِنَّ «كلَّما» تَقتَضِي التَّكرارَ، والصِّفاتُ المتقدِّمةُ متكرِّرةٌ، فيَجِبُ أن يتكرَّرَ الطَّلاقُ بتكرر
(10)
الصِّفات، فلو جَعَلَ مَكانَها «إن» لم يتكرَّر؛ لعدم تكرارها، ولم يَعتِقْ سوى عشرةٍ؛ كالقول الثَّاني.
(1)
في (ظ): اثنتان.
(2)
في (ظ): فيضم.
(3)
في (ظ): ويضم.
(4)
في (ظ): ويضم.
(5)
زيد في (م): وردهما.
(6)
في (م): من.
(7)
في (م): بضم.
(8)
في (م): شديد.
(9)
في (م): ذهاب.
(10)
في (م): بتكرار.
تنبيهٌ: لو قال: كلَّما صلَّيتُ ركعةً فعَبْدِي حُرٌّ، وهكذا إلى آخره، فصلَّى عشرةً؛ عَتَقَ سبعةٌ وثمانُونَ عبدًا على الأول
(1)
.
ولو علَّق طلاقَها بدخول الدَّار على صفاتٍ أربعٍ؛ بأنْ قال: إنْ دَخَلَها رجلٌ فعبدٌ مِنْ عَبِيدِي حُرٌّ، وإنْ دَخَلَها طويلٌ فعبْدانِ حُرَّانِ، وإنْ دَخَلَها أسْودُ فثلاثةٌ أحرارٌ، وإنْ دَخَلَها فقيهٌ فأربعةٌ أحرار؛ فدَخَلَها رجلٌ متَّصِفٌ بما ذَكَرْنا؛ عَتَقَ عشرةٌ.
فرعٌ: إذا قال: إنْ طلَّقْتُكِ فعبدي حرٌّ، ثُمَّ قال لعبده: إنْ قمتَ فامرأتي طالِقٌ، فقام؛ طَلَقتْ وعَتَقَ.
ولو قال لعبده: إنْ قمتَ فامرأتي طالِقٌ، ثُمَّ قال لاِمرأته: إنْ طلَّقْتُك فعبدي حرٌّ، فقام العبدُ؛ طَلَقَتْ ولم يَعتِق العبدُ؛ لأِنَّ وقوعَ الطَّلاق بالصِّفة إنَّما يكون تطليقًا مع وجودها.
(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: إِذَا أَتَاكِ طَلَاقِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهَا: إِذَا أَتَاكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ؛ طَلَقَتْ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّه علَّق طلاقَها بصفتَينِ: مجيءِ طلاقِه، ومجيءِ كتابه، وقد اجْتَمَعا في مجيء الكتاب.
وفي «الكافي» : إذا ذهبتْ حَواشِيهِ، أو انْمَحَى كلُّ ما فيه إلاَّ ذكرُ الطَّلاق؛ طَلَقَتْ؛ لأِنَّه أتاها كتابُه مُشتَمِلاً على المقصود، فإن انمحى ما فيه، أوِ انمحى
(2)
ذِكْرُ الطَّلاق، أوْ ضاعَ الكتابُ؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّ المقصودَ لم يأتِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ
(3)
أَنَّكِ طَالِقٌ بِذَلِكَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه مُحتَمِلٌ، وهو أعْلَمُ بإرادته، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «الفروع»:
(1)
في (م): الأولى.
(2)
في (م): امحى.
(3)
قوله: (أردت) سقط من (م).
أشْهَرُهما: القَبولُ؛ لِمَا ذَكَرْنا.
والثَّانيةُ: لا يُقبَلُ؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهِر.
فلو علَّق طلاقَها على قراءةِ الكتاب، فقرأَتْهُ، أوْ قُرِئَ عليها؛ وَقَعَ إن كانَتْ أُمِّيَّةً، وإنْ كانَتْ قارِئةً؛ فوَجْهانِ، قاله في «التَّرغيب» و «الرِّعاية» .
قال أحمدُ: لا تتزوَّجُ حتَّى يَشهَدَ عِندَها شاهدا
(1)
عَدْلٍ، لا حامِلُ الكتاب وحدَه
(2)
.
(1)
في (م): شاهد.
(2)
ينظر: مسائل حرب 1/ 438. وفي هامش (ظ): (بلغ بأصله رحمه الله تعالى).
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْحَلِفِ)
(إِذَا قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ قُمْتِ، أَوْ دَخَلْتِ الدَّارَ)، أوْ إنْ لم تَدخُلِي الدَّارَ، أوْ إنْ لم يكن
(1)
هذا القَولُ حقًّا؛ (طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه حَلَفَ بطلاقها.
وكذا كلُّ شرطٍ فيه حثٌّ
(2)
أوْ مَنْعٌ، والأصحُّ: أوْ تصديقُ خبرٍ، أوْ تكذيبُه.
وعُلِمَ منه: أنَّ كلَّ شرطٍ مُمْكِنَ الوجود مُمْكِنَ العَدم؛ يَقَع به الطَّلاقُ.
واسْتَثْنَى جماعةٌ ثَلاثَ صُوَرٍ:
أحدها: تعليقُه على المشيئة؛ لأنَّ ذلك تمليكٌ لا حَلِفٌ.
الثَّاني: تعليقُه على الحيض؛ لأِنَّه تعليقُ بِدْعةٍ.
الثَّالِثُ: تعليقُه على الطُّهر؛ لأِنَّه طلاقُ سُنَّة.
وأبى آخرُونَ استثناءها
(3)
، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، واخْتارَ العَمَلَ بعُرْفِ المتكلِّم، وقصدِه
(4)
في مُسمَّى اليمين، وأنَّه مُوجِبُ أصولِ أحمدَ ونصوصِه
(5)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ
(6)
طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أَوْ قَدِمَ
(7)
الْحَاجُّ؛ فَهَلْ هُوَ
(1)
قوله: (أو إن لم يكن) في (م): وإن لم.
(2)
في (م): حنث.
(3)
في (م): (أن يستثناها). والمراد: أبى استثناء الثلاث.
(4)
في (م): وقصد.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 33/ 59، الفروع 9/ 123.
(6)
قوله: (إن) سقط من (م).
(7)
في (م): قدوم.
حَلِفٌ؟ فِيهِ وَجْهَانِ):
أحدُهما: لا تَطلُقُ حتَّى تَطلُعَ الشَّمسُ أوْ يَقدَمَ الحاجُّ، قاله القاضي في «المجرَّد» ، واختاره ابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لأِنَّ الحَلِفَ: ما قُصِدَ به المنْعُ من
(1)
شَيءٍ أو الحثُّ
(2)
عليه، ولَيسَ فيهما شيءٌ من ذلك.
والثَّاني: أنَّه حَلِفٌ، قاله القاضي في «الجامع» وأبو الخَطَّاب، قدَّمه السَّامَرِّيُّ؛ لأِنَّه علَّق على شرطٍ، ويُسمَّى حلِفًا عُرْفًا، فيتعلَّق
(3)
الحكمُ به؛ كما لَوْ قال: إنْ دخَلْتِ الدَّارَ فأنتِ طالِقٌ، ولأِنَّ في الشَّرط مَعْنَى القَسَم مِنْ حَيثُ كَونُه جملةً غيرَ مستقِلَّةٍ دُونَ الجواب، أشْبَهَ قوله: واللهِ، وباللهِ، وتاللهِ.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ مَرَّةً أُخْرَى؛ طَلَقَتْ
(4)
وَاحِدَةً)؛ لأِنَّه حَلفَ بطلاقها، لكِنْ لو قَصَدَ بإعادته إفْهامَها؛ لم يَقَعْ، ذَكَرَه أصحابُنا، بخِلافِ ما لو أعاده مَنْ علَّقه بالكلام، وأخَطْأَ بعضُ أصحابنا وقال فيها كالأولى، ذَكَرَه في «الفنون» .
(وَإِنْ أَعَادَهُ ثَلَاثًا)؛ أيْ: غير المرَّة الأُولى؛ (طَلَقَتْ ثَلَاثًا)، وحاصِلُه: أنَّه إذا أعادَهُ
(5)
ثلاثًا طَلقَت اثنتَينِ، وإنْ أعاده
(6)
أربعًا طَلَقَتْ ثلاثًا؛ لأِنَّ كلَّ مرَّةٍ
(7)
يُوجَدُ فيها شرطُ الطَّلاق وينعقد
(8)
شرطٌ لطلقةٍ أخرى، هذا إذا كانت مدخولاً بها، وإلاَّ بانَتْ بالأوَّلة.
(1)
في (م): في.
(2)
في (م): الحنث.
(3)
في (ظ): فتعلق.
(4)
قوله: (طلقت) سقط من (ظ).
(5)
كتب في هامش (ظ): (لعله ذكره).
(6)
كتب في هامش (ظ): (لعله ذكره).
(7)
كتب في هامش (ظ): (من الإعادة).
(8)
في (م): وتنعقد.
(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتَيْهِ: إِنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقِكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ؛ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً)؛ لأِنَّ شرطَ طلاقِهما الحَلِفُ بطلاقهما، وقد وُجِد، وإنْ أعاده ثلاثًا؛ طلقتا طلقتَينِ، وإنْ أعاده أربعًا فثلاثٌ؛ لوجود الشَّرط وهو الحَلِفُ.
(وَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا، فَأَعَادَهُ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ شرْطَ طلاقهما الحَلِفُ بطلاقهما، ولم يُوجَدْ؛ لأِنَّ غَيرَ المدخول بها لا يَصِحُّ الحَلِفُ بطلاقها؛ لأِنَّها بائنٌ.
فإن
(1)
جدَّد نكاحَ البائن، ثُمَّ قال لها: إنْ تكلَّمتِ فأنتِ طالِقٌ، فاختار المؤلِّفُ: أنَّها لا تَطلُقُ، وهو معنى كلامه في
(2)
«الكافي» ، أنَّه لا يَصِحُّ الحَلِفُ بطلاقها؛ لأِنَّ الصِّفةَ لم تَنعَقِدْ؛ لأِنَّها بائنٌ.
وكذا جزم به
(3)
في «التَّرغيب» : أنَّه
(4)
لا يَصِحُّ التَّعليقُ بعدَ البَينونة، وإنَّما علَّلوا بذلك؛ لأِنَّ ما يَقَعُ به الطَّلاقُ لا تَنعَقِدُ به الصِّفةُ؛ كمسألة الوِلادة في الأَشْهَرِ.
وقِيلَ: يَطلُقانِ؛ لأِنَّه صار بهذا حالِفًا بطلاقهما، وقد حَلَفَ بطلاق المدخول بها بإعادة قوله، فطلَقَتا حِينَئِذٍ.
(وَإِنْ قَالَ لِمَدْخُولٍ بِهَا: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ، وَأَعَادَهُ ثَانِيًا؛ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَتَيْنِ)؛ لأِنَّه بإعادته حالِفٌ بطلاقِ كلِّ واحدةٍ منهما، وهو شرطٌ لطلاقهما، وكلمةُ «كلَّما» للتَّكرار
(5)
، فيتكرَّرُ
(1)
في (م): فإذا.
(2)
في (م): وفي.
(3)
قوله: (به) سقط من (ظ).
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (م): لتكرار.
طلاقُهما لتكرُّر
(1)
عَدَدَهِما.
(وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا فَهِيَ طَالِقٌ، أَوْ فَضَرَّتُهَا
(2)
طَالِقٌ، وَأَعَادَهُ؛ طَلَقَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ طَلْقَةً)؛ لأِنَّ حَلِفَه بطلاقِ واحدةٍ إنَّما اقْتَضَى طلاقَها وحدَها، وما حَلَفَ بطلاقها إلاَّ مرَّةً، فتطلُق واحدةً.
(وَإِنْ قَالَ لِإِحْدَاهُمَا
(3)
: إِذَا حَلَفْتُ بِطَلَاقِ ضَرَّتِكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ لِلْأُخْرَى
(4)
؛ طَلَقَتِ الْأُولَى)؛ لأِنَّ التَّعليقَ حلفٌ، وقد علَّق طلاقَ ضرَّتها، فتَطلُق الأولى؛ لوجود شرط طلاقِها، وهو تعليقُ طلاق ضرَّتها.
(وَإِنْ أَعَادَهُ لِلْأُولَى؛ طَلَقَتِ الْأُخْرَى)؛ لأِنَّ ذلك تعليقٌ لطلاقها، وكلَّما أعاده لاِمرأةٍ طلقَت الأخرى، إلى أنْ يبلُغَ ثلاثًا.
وإنْ كانت إحداهما غَيرَ مدخولٍ بها، فطَلَقَتْ مرَّة؛ لم تطلُق الأخرى؛ لأِنَّه ليس حَلِفًا بطلاقها؛ لكونها بائنًا.
فلو قال: كلَّما حَلَفْتُ بطَلاقِكُما فإحداكما طالقٌ، وكرَّره ثلاثًا أو أكثرَ؛ لم يَقعْ شيءٌ، ذَكَرَه في «المحرر» و «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لأِنَّ هذا حلف طلاق
(5)
واحدةٍ، ولم يُوجَد الحلف بطلاقهما.
وإنْ قال لمدخول بهما
(6)
: كلما حَلَفْتُ بطلاقِ واحدةٍ منكما فإحداكما طالق
(7)
، ثُمَّ قاله ثانيًا؛ وقعت بإحداهما طلقةٌ، وتُعيَّنُ بقُرعةٍ، ذَكَرَه الأصحابُ.
(1)
في (م): لتكرار.
(2)
في (م): تضر بهما.
(3)
في (م): لأحدهما.
(4)
في (م): لأخرى.
(5)
كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابه: بطلاق.
(6)
في (م): بها.
(7)
في (م): طوالق.
مسائلُ:
إذا قال: إنْ حلفتُ بطلاقِ زينبَ فنِسائي طوالِقُ، ثُمَّ قال: إنْ حَلفْتُ بطلاق عَمْرةَ فنسائي طوالِقُ، وإنْ حلفتُ بطلاق حَفْصةَ فنِسائي طوالِقُ؛ طَلَقتْ كلُّ واحدةٍ طلقتَينِ.
فلو قال: كلَّما حلفتُ بطلاق واحدةٍ منكنَّ فأنتنَّ طوالِقُ، ثُمَّ قال ذلك مرَّةً ثانيةً؛ طلَقْنَ ثلاثًا ثلاثًا.
ولو كان مكان «كلَّما» : «إنْ» ، وأعاده؛ طلَقْنَ واحدةً واحدةً.
وإنْ قال بعدَ ذلك لإحداهن
(1)
: إنْ قمتِ فأنتِ طالِقٌ؛ طلَقَتْ كلُّ واحدةٍ طلقةً أخرى.
وإنْ قال: كلَّما حلفتُ بطلاقِكُنَّ فأنتنَّ طوالِقُ، ثُمَّ أعاد ذلك؛ طَلَقتْ كلُّ واحدةٍ طلقةً.
وإنْ قال بعدَ ذلك لإحداهن: إنْ قمتِ فأنتِ طالِقٌ؛ لم تَطلُقْ واحدةٌ منهنَّ، وإنْ قال ذلك
(2)
للاثنتَينِ الباقيتَينِ؛ طَلَقَ الجميعُ طلقةً طلقةً.
(1)
في (م): لإحداكن.
(2)
قوله: (ذلك) سقط من (م).
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْكَلَامِ)
(إِذَا قَالَ: إِنْ كَلَّمْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَتَحَقَّقِي ذَلِكِ، أَوْ زَجَرَهَا، فَقَالَ: تَنَحَّيْ أَوِ اسْكُتِي، أَوْ قَالَ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ؛ طَلَقَتْ)؛ لأِنَّه علَّق طلاقَها على كلامها، وقد وُجِدَ؛ لأِنَّ قَولَه: تحقَّقِي، وتَنَحَّيْ، واسْكُتِي، وإنْ قمتِ فأنتِ طالِقٌ؛ كلامٌ لها بعدَ عَقْدِ اليمين، إلاَّ أنْ يَنوِيَ كلامًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَحْنَثَ بِالْكَلَامِ الْمُتَّصِلِ بِيَمِينِهِ)، وعلَّله بقوله: (لِأَنَّ إِتْيَانَهُ بِهِ يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ الْكَلَامَ الْمُنْفَصِلَ
(1)
عَنْهَا)؛ لأِنَّ القرينةَ تصرِفُ عمومَ اللَّفظ إلى خصوصه؛ إذْ قرينةُ الحال تَجعَلُ المطلَقَ كالمقيَّد بالمقال، وإنْ سَمِعَها تَذكُرُه، فقال: الكاذِبُ عليه لعنةُ الله حَنِثَ، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأِنَّه كلَّمَها.
فرعٌ: إذا قال: إنْ كلَّمتُكِ فأنتِ طالِقٌ، إنْ قمتِ فأنتِ طالِقٌ؛ طلَقَتْ في الحال طلقةً، وأخرى بالقيام إنْ كان دَخَلَ بها.
فإن
(3)
قال: إنْ كلَّمْتُكِ فأنتِ طالِقٌ، وأعاده ثانيةً؛ فواحدةٌ، وإنْ ثالِثًا؛ فثانيةٌ، وإنْ رابعًا فثالِثةٌ، وتَبِينُ غيرُ المدخول بها بطلقةٍ، ولا يَنعَقِدُ ما بعدَها، ذَكَرَه القاضي، وجَزَمَ به في «المغْنِي» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ، ثُمَّ قال: وعِنْدِي تَنعَقِدُ الثَّانيةُ بحَيثُ إذا تزوَّجَها وكلَّمها طَلقَتْ، إلاَّ على قَولِ التَّميميِّ: تحلُّ الصِّفة مع البينونة، فإنَّها قد انحلَّتْ بالثَّالثة؛ لأِنَّه قد كلَّمَها، ولا يَجيءُ مِثْلُه في الحلف بالطَّلاق؛ لأِنَّه لا يَنعَقِدُ؛ لعدم إمْكانِ إيقاعه، قال في «الفروع»: ويتوجَّهُ أنَّه لا فَرْقَ بَينَها وبَينَ مسألة الحَلِف السَّابقة.
(1)
في (م): المتصل.
(2)
ينظر: المغني 7/ 459.
(3)
في (ظ): فلو.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ
(1)
بَدَأْتُكِ بِالْكَلَامِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَقَالَتْ: إِنْ بَدَأْتُكَ بِهِ فَعَبْدِي حُرٌّ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ) في الأصحِّ؛ لأِنَّها كلَّمَتْه، فلم يكُنْ كلامُه لها بعدَ ذلك ابتداءً، (إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ) أنَّه لا يَبدَؤُها في مرَّةٍ أخرى، وبَقِيَتْ يمينُها معلَّقةً، فإنْ بدأَها بكلامٍ؛ انحلَّتْ يَمينُها، وإنْ بَدَأَتْه هي؛ عَتَقَ عَبْدُها، ذَكَرَه الأصحابُ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَحْنَثَ بِبَدَاءَتِهِ إِيَّاهَا بِالْكَلَامِ فِي وَقْتٍ آخَرَ)، وعلَّله بقوله:(لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ)؛ لأِنَّ الحَلِفَ بمِثْلِ ذلك يُفهَمُ منه قَصْدُ هِجرانِ بَداءَته كلامَها، وذلك يَقتَضِي تعميمَ البَداءة في المجلس وغيرِه.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ فُلَانًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَكَلَّمَتْهُ، فَلَمْ يَسْمَعْ لِتَشَاغُلِهِ، وَغَفْلَتِهِ)، أوْ لَغَطِه
(2)
، أوْ ذُهوله؛ حَنِثَ، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّها كلَّمَتْه، وإنَّما لم يسمعْ
(4)
لشغل قلبه
(5)
وغَفْلته.
(أَوْ كَاتَبَتْهُ أْوْ رَاسَلَتْهُ؛ حَنِثَ)؛ لأِنَّ الكلامَ يُطلَقُ ويُرادُ به ذلك، بدليلِ صحَّة استثنائه
(6)
منه في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً} [الشّورى: 51]؛ لأِنَّ القَصْدَ بيمينه هجرانُه، ولا يَحصُلُ ذلك مع مُواصَلَته بالكتابة والرَّسول، إلاَّ أنْ يكونَ قَصَدَ أنْ تُشافهه
(7)
، نَصَّ عليه
(8)
.
ويَحتَمِلُ: ألاَّ يَحنثَ إلاَّ أنْ يَنوِيَ تَرْكَ ذلك؛ لأِنَّ هذا لَيسَ بكلامٍ حقيقةً،
(1)
في (م): لإن.
(2)
في (ظ): لفظه.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 154، الهداية ص 443.
(4)
في (ظ): لم تسمع.
(5)
في (م): كلامه.
(6)
في (م): استثناء.
(7)
في (ظ): يشافهه.
(8)
ينظر: المغني 7/ 460.
بدليلِ الحَلِف بالله تعالى.
فرعٌ: إذا أرسلَتْ إنسانًا ليَسأَلَ أهلَ العلم عن حديثٍ أوْ مسألةٍ، فجاء الرَّسولُ، فسألَ المحلوفَ عليه؛ لم يَحنثْ.
(وَإِنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِ) برَمْزٍ؛ (احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ)، كذا في «الفروع»:
أُولاهما: لا تَطلُقُ؛ لأِنَّه لم يُوجَد الكلامُ.
والثَّاني: بَلَى؛ لأنَّه
(1)
يَحصُلُ به مقصودُ الكلام.
(وَإِنْ كَلَّمَتْهُ سَكْرَانَ، أَوْ أَصَمَّ، بِحَيْثُ يَعْلَمُ أَنَّهَا تُكَلِّمُهُ، أَوْ مَجْنُونًا فَسَمِعَ كَلَامَهَا؛ حَنِثَ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ معلَّقٌ على الكلام، وقد وُجِدَ، فإنْ كان السَّكرانُ أو المجنونُ مصروعًا؛ لم يَحنثْ، وكذا إذا كان
(2)
لا يَعلَمُ واحِدٌ منهما أنَّها تُكلِّمُه، والمجنونُ إذا لم يَسمَعْ كلامَها، صرَّح به في «المغْنِي» في الأخيرَينِ.
(وَقِيلَ: لَا يَحنَثْ)، اختاره القاضي وغيرُه؛ لأِنَّ السَّكرانَ والمجنونَ لا عَقْلَ لهما، والأصمُّ لا سَمْعَ له، فلم يَحنَثْ بكلامها.
وقِيلَ: لا السَّكرانُ.
فرعٌ: إذا جُنَّتْ هي وكلَّمَتْه؛ لم يَحنثْ
(3)
؛ لأِنَّ القَلمَ رُفِعَ عنها، وإنْ كلَّمَتْه سكرانة، فقال في «الشَّرح»: يَحنَثُ؛ لأِنَّ حُكمَها حكمُ الصَّاحِي.
وإنْ كلمتْ
(4)
صبيًّا يَسمَعُ، ويَعلَمُ أنَّها تتكلَّم
(5)
؛ حَنِثَ، وكذا إنْ سلَّمَتْ عليه؛ لأِنَّه كلامٌ.
(1)
زيد في (م): لا.
(2)
في (ظ): كانا.
(3)
في (ظ): لم تَحنثْ.
(4)
في (م): كلمته.
(5)
في (ظ): مُتكلِّمة. وعبارة الشرح الكبير 22/ 538، والإنصاف 22/ 539: ويعلم أنه مكلَّم.
فإنْ كان تسليمَ الصَّلاة؛ فلا حِنْثَ؛ لأِنَّه للخروج منها، إلاَّ أنْ يَنوِيَ بتسليمه على المأمومِينَ، فيكون كما لو سلَّم عليهم
(1)
في غير الصَّلاة.
ويَحتَمِلُ: لا يحنث
(2)
بحالٍ؛ وهذا لا
(3)
يُعَدُّ تكليمًا، ولا يُريده الحالِفُ.
(وَإِنْ كَلَّمَتْهُ مَيِّتًا، أَوْ غَائِبًا، أَوْ مُغْمًى عَلَيْهِ، أَوْ نَائِمًا؛ لَمْ يَحْنَثْ) في الأصحِّ؛ لأِنَّ التَّكلُّمَ فعلٌ يتعدَّى المتكلِّمَ، وقِيلَ: هو مأخوذٌ من الكَلْم، وهو الجَرْح؛ لأِنَّه يُؤثِّرُ فيه كتأثير الجرح، ولا يكون ذلك إلاَّ باسْتِماعه.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ)، وحكاه روايةً:(يَحْنَثُ)؛ لأِنَّ إشعارَه بالكلام غيرُ معتبَرٍ؛ كقوله: كيف
(4)
تُكلِّمُ أجسادًا لا أرواحَ فيها!
وجوابُه: بأنَّ تكليمَه لهم كانت من معجزاته عليه السلام، فإنَّه قال:«ما أنتم بأسمَعَ لِمَا أقولُ منهم»
(5)
، ولم يَثبُتْ هذا لغيره، مع أنَّ قَولَ الصَّحابة له
(6)
حجَّةٌ لنا، فإنَّهم قالوا ذلك اسْتِبْعادًا، وسؤالاً عمَّا خَفِيَ عليهم سببُه، حتَّى كَشَفَ لهم حكمةَ ذلك بأمرٍ يَختصُّ به، فبَقِيَ الأمرُ فِيمَنْ سِواهُ على النَّفي.
تَتِمَّةٌ: إذا حَلَفَ لا يُكلِّم إنسانًا، فكلَّم غيرَه وهو يَسمَعُ، يَقصُدُ بذلك إسماعَه؛ كما يُقالُ: إيَّاكِ أعْنِي واسمعي
(7)
يا جارةُ؛ حَنِثَ، نَصَّ عليه
(8)
.
(1)
قوله: (عليهم) سقط من (م).
(2)
في (ظ): لا حنث.
(3)
قوله: (وهذا لا) في (م): لأن هذا. والمثبت موافق لما في المغني 7/ 460.
(4)
قوله: (كيف) سقط من (ظ). وعبارة الشرح الكبير 22/ 539: (لقول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: كيف تكلم أجسادًا لا أرواح فيها؟).
(5)
أخرجه البخاري (3976)، ومسلم (2874)، من حديث أنس رضي الله عنه في قصة قتلى المشركين يوم بدر.
(6)
قوله: (له) سقط من (م).
(7)
في (م): فاسمعي.
(8)
ينظر: المغني 7/ 460.
وعنه: لا؛ كنيَّةِ غيرِه.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّه أسْمَعَه كلامَه، يريده به؛ أشْبَهَ ما لو خاطَبَه به، ولأِنَّ مقصودَ تكليمه قد حصل بإسماعه كلامه.
وإنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُ امرأتَه، فجامَعَها؛ لم يَحنَثْ، إلاَّ أنْ يكونَ نيَّتُه هجرانَها.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَقرأُ كتابَ زَيدٍ، فقرأه في نفسه، ولم يُحرِّكْ شفتيه
(1)
به؛ حَنِثَ؛ لأِنَّ هذا قراءة الكتب في عُرْف النَّاس، إلاَّ أنْ يَنوِيَ حقيقةَ القراءة.
(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتَيْهِ: إِنْ كَلَّمْتُمَا
(2)
هَذَيْنِ فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ)، وقُلْنا: لا يَحنَثُ ببعض المحلوف عليه، (فَكَلَّمَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَاحِدًا مِنْهُمَا؛ طَلَقَتَا)؛ لأِنَّ تكليمَهما وُجِدَ منهما، وكما لو قال: إنْ ركِبْتُما هاتَينِ الدَّابَّتَينِ فأنتما طالِقتانِ، فرَكِبَتْ كلُّ واحدةٍ دابَّةً.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَحْنَثَ حَتَّى يُكَلِّمَا جَمِيعًا كُلَّ وَاحِدٍ
(3)
مِنْهُمَا)؛ لأِنَّه علَّق طلاقَهما بكلامهما
(4)
، فلا تَطلُقُ واحدةٌ بكلامِ الأخرى وحْدَها؛ كقوله: إنْ كلَّمْتُما زيدًا وكلَّمْتُما عَمْرًا، وهذا أظْهَرُ الوَجْهَينِ، وهو أَوْلَى إنْ شاء الله تعالى إذا لم يكُنْ له نية
(5)
.
قال في «المغني» : هذا مَعْنَى
(6)
الخلاف فيما لم تَجْرِ العادةُ بانفرادِ
(1)
في (م): شفته.
(2)
في (م): كلمتا.
(3)
في (م): واحدة.
(4)
قوله: (كلامهما) في (ظ): بكلامه لهما.
(5)
قوله: (نية) سقط من (م).
(6)
في (م): يعني.
الواحِدِ به، فأمَّا ما جَرَى العُرْفُ فيه بانفراد الواحد به؛ كلُبْس ثَوبَيهما، وتقليد سَيفَيهِما ونحوِه
(1)
؛ لأِنَّ
(2)
اليمينَ تُحمَلُ على العرف.
فأمَّا إنْ قال: إنْ أكَلْتُما هذَينِ الرَّغِيفَينِ، فأكَلَتْ كلُّ واحدةٍ منهما رغيفًا؛ فإنَّه يَحنَثُ؛ لأنَّه
(3)
يَستَحِيلُ أنْ يأكُلَ
(4)
واحدةٌ منهما الرغيفين
(5)
.
مسألةٌ: إذا قال: لا أكلتُ هذا الخبز وهذا اللَّحمَ؛ فكقوله
(6)
: لا أكَلْتُما، هل يَحنَثُ بأحدهما؟ فيه وَجْهانِ.
وكذا لو قال: ولا هذا اللَّحم.
وقِيلَ: يَحنَثُ؛ كما لو قال: لا آكل
(7)
شيئًا منهما.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ أَمَرْتُكِ فَخَالَفْتِنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَنَهَاهَا، وَخَالَفَتْهُ؛ لَمْ تَطْلُقْ، إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ مُطْلَقَ الْمُخَالَفَةِ)، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّها خالَفَتْ نهيَه لا أمْرَه، ولأِنَّه يَحنَثُ إذا نَوَى مُطْلَقَ المخالفة بغَيرِ خلافٍ؛ لأِنَّ مُخالَفةَ النَّهْي مُخالَفةٌ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَطْلُقَ)، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ الأمرَ بالشَّيء نَهْيٌ عن ضدِّه، والنَّهيُ عنه أمْرٌ بضدِّه، فإذًا تكونُ خالَفَتْ أمْرَه.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ لَمْ يَعْرِفْ
(8)
حَقِيقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ؛ حَنِثَ)؛ لأِنَّه إذا كان كذلك فإنَّما يريد نفيَ المخالَفة.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وتكملة الكلام كما في المغني 7/ 461:(فإنه يحنث إذا وجد منهما منفردين). وعبارة صاحب الكشاف كعبارة المصنف.
(2)
في (م): لا عن.
(3)
في (م): لا. والمثبت موافق لما في المغني 7/ 461.
(4)
كذا في النسخ الخطية، ولعل الصواب: تأكل.
(5)
في (م): الرغيف.
(6)
في (م): فقوله.
(7)
قوله: (لا آكل) في (م): لآكل.
(8)
في (ظ): لم تعرف.
فلو قال: إنْ نَهَيْتِني عن نَفْعِ أُمِّي فأنتِ طالِقٌ، فقالت له: لا تُعْطِها شَيئًا مِنْ مالي؛ لم يَحنَثْ؛ لأِنَّه نفع
(1)
مُحرَّمٌ، فلا يَتَناوَلُه يمينُه.
وقِيلَ: يَحنَثُ؛ لأِنَّ لَفْظَه عامٌّ.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ إنْ كلَّمتِ زيدًا ومحمَّدٌ مع خالِدٍ؛ لم تَطلُقْ حتَّى تكلم
(2)
زيدًا في حال كون
(3)
محمَّدٍ مع خالِدٍ؛ لأِنَّها حالٌ من الجملة الأولى.
وقال القاضي: تَطلُق بكلامِ زَيدٍ؛ لأِنَّ الجملةَ الثَّانيةَ اسْتِئْنافٌ، لا تَعلُّقَ لها بالأولى.
والأوَّلُ أصحُّ؛ كما لو تقدَّم الشَّرطُ، ولأِنَّه متى أمْكَنَ جَعْلُ الكلام مُتَّصِلاً كان أَوْلَى.
فلو قال: أنتِ طالِقٌ إنْ كلَّمتِ زيدًا إلى أنْ يَقدَمَ فُلانٌ، فكلَّمته قبلَ قدومه؛ طلَقَتْ، وإلاَّ فلا؛ لأِنَّ الغايةَ رَجَعَتْ إلى الكلام، لا إلى الطَّلاق، بخلاف ما لو قدَّم الشَّرطَ، فإنَّها تَطلُق بكلامه قبلَ قدوم فلانٍ أوْ بعدَه؛ لأِنَّ الغاية
(4)
عادَتْ إلى الطَّلاق، والطَّلاقُ لا يَرتَفِعُ بعدَ وقوعه.
(1)
في (م): يقع.
(2)
في (ظ): يكلم.
(3)
في (م): كونه.
(4)
في (م): العادة.
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْإِذْنِ)
(إِذَا قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ) - قال في «الانتصار» : أو إنْ خرجتِ مرَّةً - (بِغَيْرِ إِذْنِي، أَوْ إِلاَّ بِإِذْنِي، أَوْ حَتَّى آذَنَ لَكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، ثُمَّ أَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ، ثُمَّ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ طَلَقَتْ) بخروجها بغيرِ إذْنِه، هذا هو
(1)
المذْهَبُ، ولم يَحْكِ ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ غيرَه؛ لأِنَّها خرجتْ بغير إذْنِه.
(وَعَنْهُ: لَا تَطْلُقُ)، نَقَلَها عبدُ الله
(2)
، ذَكَرَه في «المستوعب» ؛ لأِنَّ «إنْ» لا تقتضي التَّكرارَ، فيَتناوَلُ الخروجَ في المرَّة الأولى، (إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ الْإِذْنَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) على الرِّوايتَينِ؛ لأِنَّ الخروجَ الثَّانيَ خروجٌ غيرُ مأْذُونٍ فيه، وهو محلوفٌ عليه، أشبه ما لو خرجتْ أوَّلاً بغَيرِ إذْنٍ.
فلو قال: اخرُجِي كلَّما شئتِ؛ كان إذْنًا عامًّا، نَصَّ عليه
(3)
. وفي «الروضة» : إنْ أَذِنَ لها بالخروج مرَّةً أوْ مُطلَقًا، أوْ أذِنَ بالخروج لكلِّ مرَّةٍ، فقال: اخْرُجِي متى شئتِ؛ لم يكن إذْنًا إلاَّ لمرَّةٍ واحدةٍ، فإنْ قال: إلاَّ بإذْنِ زَيدٍ، فمات زَيدٌ؛ لم يَحنَثْ، وحنَّثه القاضي، وجعل المستثنى محلوفًا عليه.
(وَإِنْ أَذِنَ لَهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَخَرَجَتْ طَلَقَتْ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّ الإذْنَ هو الإعْلامُ، مع أنَّ
(5)
إذنَ الشَّارِع وأمرَه
(6)
ونواهِيَهِ لا يَثبُتُ حكمُها إلاَّ
(1)
قوله: (هو) سقط من (ظ).
(2)
ينظر: الهداية ص 444.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 129.
(4)
ينظر: الإنصاف 22/ 549.
(5)
قوله: (أن) سقط من (ظ).
(6)
في (ظ): أوامره.
بعدَ العلم بها، وكذا إذْنُ الآدَمِيِّ، ولأِنَّها قَصَدَتْ بخروجها مخالَفتَه وعِصيانَه، أشْبَهَ ما لو لم يَأْذَنْ لها في الباطن؛ لأنَّ العبرةَ بالقصد، لا بحقيقة الحال.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ تَطْلُقَ)، قدَّمه الحُلْوانيُّ؛ لأِنَّه يُقالُ: أَذِنَ لها ولم تَعلم
(1)
به.
وإن أَذن لها في الخروجِ فلم تخرجْ
(2)
حتَّى نهاها عنه، ثُمَّ خرجتْ، فوجهان:
أحدُهما: لا يَحنَثُ؛ لأِنَّه قد أذِنَ لها.
والثَّاني: بلى؛ لأِنَّ هذا الخروج جرى مَجْرَى الخروجِ ثانيًا
(3)
، وهو مُحتاجٌ إلى إذنٍ.
فرعٌ: إذا قال: كنتُ أذِنْتُ لكِ؛ قُبِلَ ببيِّنةٍ، ويَحتَمِلُ الاكتفاء بعلمه؛ للبيِّنة
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ خَرَجْتِ إِلَى غَيْرِ الْحَمَّامِ بِغَيْرِ إِذْنِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَخَرَجَتْ تُرِيدُ الْحَمَّامَ وَغَيْرَهُ؛ طَلَقَتْ) في الأَشْهَر؛ لأِنَّها خرجتْ إلى غير الحمَّام، وانْضَمَّ إليه غيره، فحَنِثَ، كما لو حَلَفَ لا يُكلِّم زيدًا، فكلَّم زَيدًا وعَمْرًا.
والوَجْهُ الثَّانِي: لا؛ لأِنَّها ما خرجتْ إلى غير الحمام
(5)
، بل الخروجُ مشترَكٌ.
وظاهِرُه: أنَّه
(6)
إذا خرجتْ إلى غير الحمَّام؛ أنَّها تَطلُقُ، سواءٌ عَدَلَتْ إلى الحمَّام أوْ لَا.
(1)
في (ظ): ولم يعلم.
(2)
في (ظ): فلم يخرج.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي كشاف القناع 12/ 345: خروجٍ ثان.
(4)
في (م): لا ببينة. والمثبت موافق للفروع 9/ 131.
(5)
زيد في (م): وانضم إليه غيره. والمثبت موافق للمغني 7/ 473، والشرح الكبير 22/ 551.
(6)
في (ظ): أنها.
(وَإِنْ خَرَجَتْ إِلَى الْحَمَّامِ، ثُمَّ عَدَلَتْ إِلَى غَيْرِهِ؛ طَلَقَتْ)، هذا ظاهِرُ ما رُوِيَ عن أحمدَ
(1)
، وهو قياسُ المذهَبِ؛ لأِنَّ ظاهِرَ هذه المنعُ مِنْ غيرِ الحَمَّام، فكَيْفَما صارتْ إليه؛ حَنِثَ، كما لو خالَفَ في لَفْظِه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ تَطْلُقُ)، أطْلَقَ في «المحرر» الخِلافَ؛ لأنَّها
(2)
لم تَفعَلْ ما حَلَفَ عليه؛ إذْ هو عبارةٌ عن الخروج إلى غير الحمَّام، ولم يُوجَدْ.
مسألةٌ: قال أحمدُ في رجلٍ حَلَفَ بالطَّلاق ألاَّ يأتيَ إرمينيَةَ إلاَّ بإذْنِ امرأته، فقالت امرأتُه
(3)
: اذْهَبْ حيثُ شئتَ، فقال: لا، حتَّى تقولي إلى
(4)
أرمينيَّةَ
(5)
.
قال القاضي: هذا من كلامِ أحمدَ محمولٌ على أنَّ هذا خَرَجَ مَخرَجَ الغَضَبِ والكراهة، ولو قالتْ هذا بِطِيبِ قلبِها
(6)
كان إذْنًا منها، وله الخُروجُ وإنْ كان بِلَفْظٍ عام
(7)
.
(1)
ينظر: المغني 7/ 463.
(2)
زيد في (م): إذا.
(3)
قوله: (امرأته) سقط من (م).
(4)
قوله: (إلى) سقط من (م).
(5)
ينظر: المغني 7/ 463.
(6)
في (م): قبلها.
(7)
قوله: (وله الخروج، وإن كان بلفظ عام) سقط من (م).
(فَصْلٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْمَشِيئَةِ)
(إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، أَوْ كَيْفَ شِئْتِ، أَوْ حَيْثُ شِئْتِ
(1)
، أَوْ مَتَى شِئْتِ)، أوْ أيَّ وقتٍ شئتِ؛ (لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَقُولَ: قَدْ شِئْتُ)؛ لأِنَّ ما في القلب لا يُعلَمُ حتَّى يُعبِّرَ عنه اللِّسانُ، فيتعلَّقُ الحُكمُ بما يَنْطِقُ به دُونَ ما في القلب، فلو شاءتْ بقَلْبها دُونَ نُطقها؛ لم تَطلُقْ، فلو شاءتْ وهي كارِهةٌ؛ طلَقَتْ؛ اعتبارًا بالنُّطق، ولو رجع قبلَ مشيئتها؛ لم يصحَّ رجوعُه على الأصحِّ؛ كبقيَّة التعاليق
(2)
.
(سَوَاءٌ شَاءَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي)، نَصَّ عليه في تعليق الطَّلاق بمشيئةِ فلانٍ
(3)
، وقاله
(4)
الزُّهْريُّ وقَتادةُ؛ لأِنَّه تعليقٌ للطَّلاق على شَرْطٍ أشْبَهَ سائرَ التَّعليقات، ولأِنَّه إزالةُ ملكٍ معلَّقٍ
(5)
على المشيئة، فكان على التَّراخي؛ كالعِتْق.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَقِفَ عَلَى الْمَجْلِسِ؛ كَالاِخْتِيارِ)، وهو قولُ الحسن وعَطاء؛ لأِنَّه تمليكٌ للطَّلاق، فكان على الفور؛ ك:«اخْتارِي» .
والأوَّلُ أصحُّ، وفرَّقَ بَينَهما في «المغْنِي» و «الشَّرح» مِنْ حَيثُ إنَّ «اخْتارِي» لَيسَ بشرطٍ، وإنَّما هو تخييرٌ محض
(6)
، فيتقيَّدُ بالمجلس؛ كخيار المجلس، بخلاف المشيئة، فإنَّها هنا شَرْطٌ، فَوجَبَ حَمْلُها على «إنْ» .
(1)
قوله: (أو حيث شئت) سقط من (م).
(2)
في (ظ): التعليق.
(3)
ينظر: المغني 7/ 462.
(4)
في (م): وقال.
(5)
في (م): مطلق.
(6)
في (م): مختص.
فإنْ قيَّد المشيئة بوقتٍ؛ تقيَّد
(1)
به.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ، فَقَالَتْ: قَدْ شِئْتُ إِنْ شِئْتَ، فَقَالَ: قَدْ شِئْتُ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ منها مشيئةٌ، وإنَّما وُجِدَ منها تعليقُ مشيئتِها بشَرْطٍ، ولَيسَ بمشيئةٍ، لا يُقالُ: إذا وُجِدَ الشَّرطُ يَجِبُ أنْ يُوجَدَ مشروطُه؛ لأِنَّ المشيئةَ أمرٌ حقيقيٌّ، فلا يَصِحُّ تعليقُها على شَرْطٍ، وَوَجْهُ الملازَمة إذا صحَّ التَّعليقُ، وكذا إنْ قالَتْ: قد شئتُ إنْ طَلَعتِ الشَّمسُ، نَصَّ عليه
(3)
، وهو قَولُ سائر الفقهاء، وحكاهُ ابنُ المنذر إجماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شِئْتِ وَشَاءَ أَبُوكِ؛ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى يَشَاآ
(5)
؛ لأِنَّ الصِّفةَ مشيئتُهما، فلا تَطلُقُ بمشيئةِ أحدِهما؛ لعدمِ وجود الشَّرط.
وخرَّج القاضي: أنَّها تَطلُقُ بمشيئةِ أحدهما؛ كفِعْلِ بعض المحلوف عليه.
وعلى الأوَّل؛ كَيفَ شاءا؛ طَلَقتْ.
فإنْ شاء أحدُهما على الفور، والآخَرُ على التَّراخِي؛ وَقَعَ؛ لأِنَّ المشيئةَ وُجِدتْ منهما جميعًا.
فروعٌ
(6)
:
إذا قال: إذا ضاجَعْتُكِ على فراشٍ
(7)
فأنتِ طالِقٌ، فاضْطجَعَتْ هي معه،
(1)
قوله: (بوقت تقيد) في (م): توقف تقييده.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1744.
(3)
ينظر: المغني 7/ 464.
(4)
قال ابن المنذر في الإجماع ص 87: (أجمعوا على أن الرجل إن قال لامرأته: أنت طالق إن شئتِ، فقالت: شئتُ إن شاء فلان، أنها قد ردَّتِ الأمر، ولا يلزمه الطلاق وإن شاء فلان)، وهذا المراد من حكاية الإجماع، كما في المغني 7/ 464.
(5)
في (م): يشاء.
(6)
في (م): فرع.
(7)
في (م): فراشي.
فقام لوقته؛ لم يَحنَثْ، وإلاَّ حَنِثَ.
ولو اخْتَصَمَ رجُلانِ، فقال أحدهما للآخَر: زوجة السِّفْلة - بكسر السين مع إسكان الفاء - منَّا طالِقٌ، فقال الآخَرُ: نَعَمْ، قال أحمد: السِّفْلةُ الَّذي
(1)
لا يُبالِي بما قال، ولا ما قِيلَ فيه، وقال في روايةِ عبدِ الله: هو الذي يَدخُلُ الحمَّام بلا مِئْزَرٍ، ولا يبالِي على
(2)
أيِّ معصيةٍ رئي
(3)
.
إذا حَلَفَ بالطَّلاق لَيَفعلنَّ مُحرَّمًا في وقتٍ مُعَيَّنٍ؛ لم يَحِلَّ له فِعْلُه، وتَطْلُقُ، نَصَّ عليه فِيمَنْ حَلَفَ بالطَّلاق لَيَطَأَنَّ زوجتَه في وَقْتٍ بعَينه فإذا هي حائضٌ، قال: لا يَطَؤُها وتَطلُقُ
(4)
، فإنْ فَعَلَه فقد عَصَى الله، ولم تَطلُقْ.
وإنْ لم يُعيِّنْ وقتًا لِفِعْله؛ لم يَحنَثْ إلاَّ في آخِرِ وقتِ الإمْكانِ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ؛ لَمْ تَطْلُقْ)، اختاره ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّ شَرْطَ الطَّلاق لم يُوجَدْ.
وقال أبو بكرٍ: يَقَعُ؛ لأِنَّه علَّقه على شَرْطٍ تعذَّر الوقوف عليه، فَوَقَعَ؛ كقوله: أنتِ طالِقٌ إنْ شاءَ الله تعالى.
ولَيسَ بصحيحٍ؛ لأِنَّ الطَّلاقَ المعلَّقَ على شَرْطٍ لا يَقَعُ إذا تعذَّرَ شَرْطُه؛ كالمعلَّق على دخول الدَّار.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا شاء وهو مجنونٌ؛ لا يَقَعُ طلاقُه؛ لأِنَّه لا حُكْمَ لكلامه.
ويُسْتَثْنَى منه: أنَّه إذا فُهِمَتْ إشارةُ أخرس
(5)
؛ فهي كنُطقِه، وقِيلَ: إنْ
(1)
قوله: (الذي) سقط من (م).
(2)
قوله: (على) سقط من (م).
(3)
هكذا في النسخ الخطية، بدون جواب لقوله:(ولو اختصم رجلان .. ). ينظر: الفروع 11/ 45.
(4)
ينظر: الهداية ص 448.
(5)
في (م): الأخرس.
خَرِسَ بعدَ يمينه فلا.
(وَإِنْ شَاءَ وَهُوَ سَكْرَانُ؛ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي طَلَاقِهِ)، قاله أصْحابُنا؛ لأِنَّ قَولَه: قد شِئْتُ، يترتَّبُ عليه وقوعُ الطَّلاق، فَوَجَبَ كَونُه بمنزلة نفسِ الطَّلاق، قال في «المغْنِي»: والصَّحيحُ: أنَّه لا يَقَعُ؛ لأِنَّه زائلُ العَقْل، أشْبَهَ المجنونَ، ثُمَّ الفَرْقُ بَينَ إيقاعِ طلاقه وبَينَ المشيئة: أنَّ إيقاعَه عليه تغليظٌ؛ لِئَلاَّ تكونَ المعصيةُ سببًا للتَّخفيف عنه، وهنا إنَّما يَقَعُ الطَّلاقُ بغَيرِه، فلا يَصِحُّ منه في حالِ زوالِ عَقْلِه.
(وَإِنْ
(1)
كَانَ صَبِيًّا)؛ أيْ: مميِّزًا، قاله في «الكافي» وغيره، (يَعْقِلُ الْمَشِيئَةَ، فَشَاءَ؛ طَلَقَتْ)؛ لأِنَّ له مشيئةً، بدليل صحَّة اخْتِياره لأِحَدِ أبَويهِ.
والثَّانية: لا
(2)
؛ لأِنَّ شرْطَه التَّكليفُ.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا كان صبِيًّا لا يَعقِلُ المشيئةَ؛ لم تَطلُقْ؛ كالمجنون.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ، فَمَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ خَرِسَ؛ طَلَقَتْ) في الحال؛ لأِنَّه أوْقَع الطَّلاقَ، وعلَّقه بشرطٍ، ولم يُوجَدْ. وقِيلَ: في آخِرِ حياته. وقيل: يتبين حِنْثُه منذ حَلِفَ.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ وعَبْدِي حرٌّ إنْ شاء زَيدٌ، ولا نِيَّةَ، فشاءَهما، ونَقَلَ أبو طالِبٍ: أوْ تعذَّرَ بمَوتٍ ونحوِه
(3)
، اختاره أبو بكرٍ وابنُ عَقِيلٍ، وحُكِيَ عنه: أوْ غَابَ؛ وقعا
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ
(5)
ثَلَاثًا، فَشَاءَ ثَلَاثًا؛
(1)
في (م): فإن.
(2)
قوله: (لا) سقط من (م).
(3)
ينظر: الفروع 9/ 134.
(4)
قوله: (وقعا) سقط من (م).
(5)
قوله: (زيد) سقط من (ظ).
طَلَقَتْ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وكذا
(1)
عكسُه، قدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ هذا هو السَّابِقُ إلى الفهم من ذلك، كما لو قال: له عليَّ درهمٌ إلاَّ أنْ يُقِيمَ بيِّنةً بثلاثةٍ، و: خُذْ درهمًا
(2)
إلاَّ أنْ يُريدَ
(3)
أكثرَ منه.
(وَفِي الآْخَرِ: لَا تَطْلُقُ)؛ لأِنَّ الاِسْتِثْناءَ من الإثبات نفيٌ، ولأِنَّه علَّق وقوعَ الواحدة على عَدَمِ مشيئتها الثَّلاث، ولم يُوقِعْ بمشيئتها شيئًا، أشْبَهَ قَولَه: إلاَّ أنْ يشاءَ زَيدٌ.
فأمَّا إذا لم يَشَأْ زَيدٌ، أوْ شاءَ أقلَّ من ثلاثٍ؛ فواحدةٌ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ طَلَقَتْ، وَإِنْ قَالَ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ؛ عَتَقَتْ)، نَصَّ عليه
(4)
، وفي «زاد المسير»: لا تَختَلِفُ الرِّوايةُ فيه، وهو قولُ سعيدٍ، والحَسَنِ، ومكحولٍ، وقَتادةَ، والزُّهْريِّ، والأَوْزاعِيِّ؛ لِمَا رَوَى أبو حمزةَ قال: سمعتُ ابنَ عبَّاسٍ يقولُ: «إذا قال الرَّجلُ لاِمْرأته: أنتِ طالِقٌ إنْ شاء الله؛ فهي طالِقٌ» رواه أبو حَفْصٍ
(5)
، ورَوَى ابنُ عمرَ وأبو سعيدٍ قالا:«كنَّا مَعشَرَ أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَرَى الاِسْتِثْناءَ جائزًا في كلِّ شيءٍ إلاَّ في الطَّلاق والعِتاق»
(6)
، ولأِنَّه اسْتِثْناءٌ يَرفَعُ جملةَ الطَّلاق حالاً ومآلاً، فلم
(1)
زيد في (م): في.
(2)
قوله: (وخذ درهمًا) في (م): درهم. والمثبت موافق للشرح الكبير 22/ 561.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 22/ 561: تريد.
(4)
ينظر: مسائل صالح 3/ 123، الروايتين والوجهين 2/ 161.
(5)
أخرجه أبو عبيد كما في المحلى (9/ 485)، وفيه الفضل بن المختار البصري، أحاديثه منكرة كما قال أبو حاتم، وقال الأزدي:(منكر الحديث جدًّا)، قال ابن القيم:(أثر ابن عباس لا يُعلم حالُ إسناده حتى يُقبل أو يُرد)، وقد علمتَ نكارته. ينظر: إعلام الموقعين 5/ 479، ميزان الاعتدال 3/ 358.
(6)
أخرجه الجوزجاني كما في إعلام الموقعين (5/ 473)، وضعفه ابن القيم وقال:(عطية ضعيف، وجميع بن عبد الحميد مجهول، وخالد بن يزيد ضعيف، قال ابن عدي: أحاديثه لا يتابع عليها).
يَصِحَّ؛ كاسْتِثْناء الكُلِّ، ولأِنَّه تعليقٌ على ما لا سبيلَ إلى علمه، أشْبَهَ تعليقَه على المستحيل.
(وَحُكِيَ عَنْهُ: أَنَّهُ يَقَعُ الْعِتْقُ دُونَ الطَّلَاقِ)، وعلَّله أحمدُ: بأنَّ العِتْقَ لله تعالى، والطَّلاقُ ليس هو لله، ولا فيه قُرْبةٌ إليه، ولأِنَّه لو قال لِأَمَتِه: كلُّ وَلَدٍ تَلِدِينَه فهو حُرٌّ، فهذا تعليقٌ للحرِّيَّة على الملك، وهو صحيحٌ، ولأِنَّ نَذْرَ العتقِ يَلزَمُ الوفاءُ به، بخلاف الطَّلاق، فافْتَرَقا.
قال في «المحرَّر» : ولا يَصِحُّ عن أحمدَ التَّفرقةُ بَينَهما، لكِنْ حكاها
(1)
أبو حامِدٍ الإسْفَراييني، قال أبو الخَطَّاب في «الانتصار»: ولقد أبطلَ في حكاية ذلك عنَّا، وعَكَسَ في «التَّرغيب» هذه الرِّوايةَ، وقال: يا طالِقُ إنْ شاء الله تعالى؛ أَوْلَى بالوقوع.
وعَنْهُ: لا يَقَعانِ، اختاره أكثرُ العلماء؛ كما لو علَّقه على مشيئةِ زَيدٍ، ولقوله عليه السلام:«مَنْ حَلَفَ فقال: إنْ شاءَ اللهُ لم يَحنثْ» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ، والتِّرمذي، وحسَّنَه من حديثِ ابنِ عمرَ، وإسْنادُه ثِقاتٌ
(2)
.
قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويكونُ معناهُ: هي طالِقٌ إنْ شاء الله الطَّلاقَ بعدَ
(1)
في (م): حكاه.
(2)
أخرجه أحمد (4581)، وأبو داود (3261)، والتِّرمذي (1531)، والنسائي (3828)، وابن الجارود (928)، وابن حبان (4339)، ولفظ التِّرمذي:«من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله فقد استثنى فلا حنث عليه» ، وعند البقية نحوه بمعناه، ورجاله ثقات، لكن اختلف في رفعه ووقفه، قال التِّرمذي:(سألت محمدًا عن هذا الحديث فقال: أصحاب نافع رووا هذا الحديث عن نافع، عن ابن عمر موقوفًا، إلا أيوب فإنه يرويه عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون: إن أيوب في آخر أمره أوقفه)، والموقوف أخرجه مالك (2/ 477)، وعبدالرزاق (16111) ورجح وقفه البيهقي، وصححه مرفوعًا: ابن الجارود وابن حبان والألباني، وحسنه التِّرمذي. ينظر: العلل الكبير ص 252، السنن الكبرى للبيهقي 10/ 79، التلخيص الحبير 4/ 409، الإرواء 8/ 198.
هذا، واللهُ لا يشاؤه إلاَّ بتكلُّمه به
(1)
.
والجوابُ عنه: أنَّ الطَّلاقَ والعِتاقَ لَيسَا من الأَيْمان، قاله أحمدُ
(2)
، وإنْ سُمِّيَ بذلك فمجازٌ، ثُمَّ إنَّ الطَّلاقَ إنَّما يُسَمَّى يمينًا إذا كان معلَّقًا على شَرْطٍ يُمكِنُ فِعْلُه وتَرْكُه، ومُجرَّدُ قَولِه: أنتِ طالِقٌ، لَيسَ بيمينٍ حقيقةً ولا مجازًا.
وكذا إذا قدَّم الاِسْتِثْناءَ؛ كقَصْده تأكيدَ الإيقاع
(3)
، وذَكَرَ الخِرَقِيُّ أنَّ أكثرَ الرَّواياتِ عن أحمدَ: تَوقَّفَ عن الجواب عنها
(4)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللهُ؛ طَلَقَتْ) في المنصوص
(5)
؛ لأِنَّه أوْقَعَ الطَّلاقَ، وعلَّق رفعَه بمشيئةٍ لم تُعلَمْ
(6)
، قال أحمدُ: قال قتادةُ: قد شاء الله الطَّلاقَ حِينَ أذِنَ فيه
(7)
.
قال ابنُ حَمْدانَ: ويَحتَمِلُ ألاَّ تَطْلُقَ؛ كالأوَّل.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ)، أوْ ما
(8)
لم يَشَأِ اللهُ؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: تَطْلُقُ، قدَّمه في «الكافي» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لِتَضادِّ الشرطِ
(9)
والجزاءِ، فَلَغَا تعليقُه، بخلاف المستحيل.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّه بمنزلةِ تعليقه الطَّلاقَ على المُحالِ؛ كقَولِه: إنْ جَمَعْتِ بَينَ الضِّدَّيْنِ، أوْ شَرِبْتِ ماءَ الكُوزِ، ولا ماءَ فيه.
(1)
في (ظ): بتكليمه به. ينظر: الفروع 9/ 135.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1807.
(3)
في (م): تأكيدًا للإيقاع.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1580.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 135.
(6)
في (م): نعلم.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 135.
(8)
في (م): وما.
(9)
في (م): الشرع.
قال في «الرِّعاية» : وكذا العتق.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ)، أوْ حُرَّةٌ، (إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى، فَدَخَلَتْ؛ فَهَلْ تَطْلُقُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: تَطلُقُ، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِمَا تقدَّم.
والثَّانيةُ: لا؛ لأِنَّ الطَّلاقَ المعلَّقَ بشرطٍ يمينٌ، فيَدخُلُ في عُمومِ الخَبر.
وفَارَقَ إذا
(1)
لم يعلِّقْه؛ فإنَّه لَيسَ بيمينٍ، فلا
(2)
يَدخُلُ في العموم.
قال في «المحرر» و «الفروع» : إلاَّ أنْ يَنوِيَ ردَّ المشيئةِ إلى الفعل، فلا تَطلُقُ؛ كقوله: أنتِ طالِقٌ لا فعلتُ، أوْ لَأفْعَلَنَّ إنْ شاء الله.
وإنْ أراد بالاستثناء والشَّرط ردَّه إلى الطَّلاق فقطْ؛ ففيه الخِلافُ، وإنْ لم تُعلَمْ نيَّتُه؛ فالظاهرُ
(3)
رجوعُه إلى الفعل.
غريبةٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ يَومَ أتزوَّجُكِ إنْ شاء الله، فتزوَّجَها؛ لم تَطلُقْ، وإنْ قال: أنتَ حرٌّ يَومَ أشْتَرِيكَ إنْ شاء الله فاشْتَراهُ؛ عَتَقَ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ لِرِضَا زَيْدٍ، أَوْ مَشِيئَتِهِ)، أوْ لدخول الدَّار؛ (طَلَقَتْ فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّ معناهُ: أنتِ طالِقٌ لكَونِه قد شاء
(4)
ذلك أوْ رضِيَه، وذلك كقوله: هو حُرٌّ لوجه الله، أوْ لِرِضَا الله، بخلافِ قَولِه: لِقُدومِ زَيدٍ.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ الشَّرْطَ)، فيما هو
(5)
ظاهِرُ التَّعليل؛ (دُيِّنَ)؛ لأِنَّه أعْلَمُ بمُراده، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ
(6)
عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أصحُّهما: يُقبَلُ؛ لأِنَّ ذلك يُستَعْمَلُ للشَّرط؛ كقوله: أنتِ طالِقٌ للسُّنَّة.
(1)
في (م): إذ.
(2)
في (م): ولا.
(3)
في (ظ): والظاهر.
(4)
في (م): سأل.
(5)
قوله: (هو) سقط من (ظ).
(6)
قوله: (يخرج) سقط من (م).
والثَّانية: لا، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه خِلافُ الظَّاهِر.
فرعٌ: إذا قال: إنْ رَضِيَ أبوكِ فأنتِ طالِقٌ، فقال: ما رَضِيتُ، ثُمَّ قال: رضيتُ؛ وَقَعَ؛ لأِنَّه مُطْلَقٌ
(1)
، فكان متراخيًا، ذَكَرَه في «الفنون» ، وأنَّ قَومًا قالوا: يَنقَطِعُ بالأوَّل.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَ أَنْ يُعَذِّبَكِ اللهُ بِالنَّارِ)، أوْ تُبْغِضِينَ
(2)
الجَنَّةَ، (فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ قَالَ: إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينَهُ بِقَلْبِكِ، فَقَالَتْ: أَنَا أُحِبُّهُ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ عَنْهَا
(3)
؛ لِتَعارُض الأدِلَّة عندَه، وسُئِلَ عنها، فلم يُجِبْ فيها بشَيءٍ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: تَطْلُقُ)، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «الفنون»: هو مذهبُنا؛ لأِنَّ ما في القلب لا يوقف
(4)
عليه إلاَّ من اللَّفظ، فاقْتَضَى تعليقَ الحُكْم بلَفْظِها به، صادِقةً أوْ كاذِبةً؛ كالمشيئة.
(وَالْأَوْلَى: أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ إِذَا كَانَتْ كَاذِبَةً)، وهو
(5)
المذهبُ، وقاله أبو ثَورٍ؛ لأِنَّ المحبَّةَ في القلبِ، ولا يُوجد
(6)
من أحدٍ محبةُ
(7)
ذلك، وخَبَرُها بالمحبَّة كاذِبٌ لا يُلتَفَتُ إليه.
واختار في «الفنون» : أنَّها لا تَطلُقُ لاِسْتِحالته عادةً؛ كقوله: إنْ كنتِ تَعتَقِدينَ أنَّ الجَمَلَ يدخل في
(8)
خُرْمِ الإبْرَة فأنتِ طالِقٌ، فقالت: أعْتَقِدُه، فإنَّ عاقِلاً لا يُجَوِّزُه فَضْلاً عن اعتقاده.
(1)
في (م): معلق. والمثبت موافق للفروع وغيره.
(2)
في (ظ): تبغض.
(3)
ينظر: الهداية ص 442.
(4)
في (ظ): لا توقف.
(5)
في (م): هو.
(6)
في (ظ): ولا توجد.
(7)
في (ظ): محبته.
(8)
في (ظ): من.
ثُمَّ إن قالت
(1)
: كذَبْتُ؛ لم تَطلُقْ، وهل يُعتبَرُ نُطقُها، أوْ تَطلُقُ بإقرار الزَّوج؟ فيه احْتِمالانِ.
وقِيلَ: لا تَطلُقُ إنْ لم يَقُلْ: بقلبكِ.
فرعٌ: إذا قال: إنْ كنتِ تُحِبِّينَ زَيدًا أوْ تُبغضِيني
(2)
فأنتِ طالِقٌ، فأخْبَرَتْهُ به؛ طَلَقَتْ وإنْ كانَتْ كاذِبةً.
فإذا قال: أنتِ طالِقٌ إنْ أحبَبْتِ، أوْ إنْ أرَدْتِ، أوْ إنْ كَرِهْتِ؛ احْتَمَلَ أنْ يتعلَّق الطَّلاقُ بلسانِها؛ كالمشيئة، واحْتَمَلَ أنْ يتعلَّقَ الحكمُ بما في القلب من ذلك، ويكون اللِّسانُ دليلاً عليه، فعلى هذا: لو أقرَّ الزَّوجُ بوجوده؛ طَلَقَتْ، ولو أَخْبَرَتْ به ثُمَّ قالتْ: كنتُ كاذِبةً لم تَطلُقْ، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
فرعٌ: إذا قالتْ: أريدُ أنْ تُطلِّقَنِي، فقال: إنْ كنتِ تُرِيدِينَ فأنتِ طالِقٌ، فيَقتَضِي: أنَّها تَطلُقُ بإرادةٍ مستقبَلةٍ، ودلالةُ الحال على أنَّه أراد إيقاعَه للإرادة الَّتي أخْبَرَتْه بها، قاله في «الفنون» ، قال: ولو قال: إنْ كان أبوكِ يَرْضَى بما فَعَلْتِيهِ فأنتِ طالِقٌ، فقال: ما رَضِيتُ، ثُمَّ قال: رَضِيتُ؛ طَلَقَتْ؛ لأِنَّه علَّقه على رضًا مُستَقْبَلٍ، وقد وُجِدَ، بخلافِ: إنْ كان أبوكِ راضِيًا به؛ لأِنَّه ماضٍ.
وتعليقٌ كطلاقٍ
(3)
، ويصحُّ بالموت.
(1)
في (م): ثم قالت.
(2)
في (م): تبغضينني.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 142: وتعليق العتق كالطلاق.
(فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ)
(فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ)
(إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا رَأَيْتِ الْهِلَالَ؛ طَلَقَتْ إِذَا رُئِيَ) بعدَ الغروب، أو أُكمِلتِ
(1)
العدَّة؛ لأِنَّ رؤيتَه في الشَّرع عبارةٌ عمَّا يُعلَمُ به دخولُه؛ لقوله
(2)
: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته»
(3)
، فانْصَرَفَ لفظُ الحالِفِ إلى عُرْفِ الشَّرع، كما لو قال: إذا
(4)
صلَّيتِ فأنتِ طالِقٌ، فإنَّه يَنصَرِفُ إلى الشَّرعيَّةِ، وفارَقَ رؤيةَ
(5)
زيدٍ، فإنَّه لم يَثبُتْ له عُرْفٌ شرعي
(6)
.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ حَقِيقَةَ
(7)
رُؤْيَتِهَا، فَلَا يَحْنَثُ حَتَّى تَرَاهُ)؛ لأِنَّها رؤيةٌ حقيقةً، ويُقبل
(8)
ذلك حُكْمًا على الأصحِّ، وقِيلَ: يُقْبَلُ بقرينةٍ، ويَتعلَّقُ الحُكْمُ برُؤْيَتِها له بعدَ الغُروبِ؛ لأِنَّ هِلالَ الشَّهر ما كان في أوَّلهِ.
وقِيلَ: تَطلُقُ برؤيتها له قبلَ الغُروب؛ لأِنَّه يُسَمَّى رؤيةً، والحُكمُ يتعلَّقُ برؤيته في الشَّرع.
فإنْ قال: أردتُ إذا رأيتُه أنا بعَينِي، فلم يره
(9)
حتَّى أقْمَرَ؛ لم تَطلُقْ؛ لأِنَّه لَيسَ بهِلالٍ، وهو هلالٌ إلى الثَّالثة، ثمَّ يُقْمِرُ، وقِيلَ: إلى
(10)
الثَّانية، وقِيلَ:
(1)
في (م): أكمل.
(2)
في (م): كقوله.
(3)
أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (1081)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4)
في (م): إن.
(5)
في (م): رواية.
(6)
في (م): بشرعي.
(7)
في (م): حقيقته.
(8)
زيد في (م): في.
(9)
في (ظ): فلم تره.
(10)
قوله: (إلى) سقط من (م).
إذا اسْتَدارَ وبَهَر
(1)
ضَوءُه.
فرعٌ: إذا قال: إذا رأيتِ فلانًا فأنتِ طالِقٌ، فرأَتْهُ ولو مَيتًا، أوْ في ماءٍ، أو زجاجٍ شَفَّافٍ؛ طَلَقَتْ، إلاَّ مع نيَّةٍ أوْ قَرينةٍ، لا خَيالَه في ماءٍ ومِرْآةٍ.
وفي مُجالَسَتِها له وهي عَمْياءُ؛ وَجْهانِ، أصحُّهما: لا حِنْثَ.
(وَإِنْ قَالَ: مَنْ
(2)
بَشَّرَتْنِي بِقُدُومِ أَخِي فَهِيَ طَالِقٌ، فَأَخْبَرَهُ
(3)
بِهِ امْرَأَتَاهُ
(4)
؛ طَلَقَتِ الْأُولَى مِنْهُمَا) إذا كانت صادِقةً؛ لأِنَّ البشارةَ خَبَرٌ يتغيَّرُ به بَشرَةُ الوَجْه من سرورٍ أوْ غَمٍّ، وإنَّما يحصل
(5)
بالأوَّل؛ لأِنَّها عندَ الإطلاق للخير
(6)
؛ كقوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ} [الزُّمَر: 17]، فإنْ أُريدَ الشَّرُّ قُيِّدَتْ، قال تعالى:{فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (24)} [الانشقاق: 24].
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ هِيَ الصَّادِقَةَ وَحْدَهَا، فَتَطْلُقُ وَحْدَهَا)؛ لحصول الغرض بِبَشارَتِها.
وإنْ كانتا كاذبتَينِ؛ لم تَطلقْ واحدةٌ منهما؛ لأِنَّه لا سرورَ في الكَذِبِ.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا بشَّرَه نساؤه معًا؛ طَلَقْنَ؛ لأِنَّ «مَنْ» تَقَعُ على الواحد فما زاد؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)} [الزّلزَلة: 7].
ويتوجَّه: تحصل
(7)
البشارةُ بالمكاتَبة، وإرْسالِ رسولٍ بها
(8)
.
(وَإِنْ قَالَ: مَنْ أَخْبَرَتْنِي بِقُدُومِهِ فَهِيَ طَالِقٌ؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي)، وجَزَمَ
(1)
في (م): وهو.
(2)
في (م): متى.
(3)
في (م): فأخبر.
(4)
في (م): امرأتان.
(5)
في (م): حصل.
(6)
في (م): للخبر.
(7)
في (م): تحصيل.
(8)
قوله: (بها) سقط من (م).
به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ المرادَ من الخبر الإعلامُ، ولا يَحصُلُ إلاَّ بالخبرِ الصَّادق.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يَطْلُقَانِ)؛ أيْ: تَطلُقُ الصَّادِقةُ والكاذبةُ؛ لأِنَّ الخبرَ يَدخلُه الصِّدقُ والكَذِب.
قال في «المحرَّر» : وعِنْدِي يَطلُقْنَ مع الصِّدق، ولا تَطلُقُ منهما كاذبةٌ.
وفي «المستوعب» : حَكَى ابنُ أبي موسى فِيمَنْ قال لِعَبيده: أيُّكم جاءني بخبرِ كذا فهو حرٌّ، فجاءه
(1)
به اثْنانِ أوْ أكثر
(2)
؛ فيه رِوايَتانِ:
إحداهما
(3)
: يَعتِقُ واحِدٌ منهم بالقُرْعةِ.
والثَّانيةُ: يَعتِقُونَ جميعًا.
ولم يُفرِّقْ بَينَ الصِّدق والكَذِب، ولا بَينَ المتقدِّم والمتأخِّر.
تنبيهٌ: إذا قال: أوَّلُ مَنْ يَقومُ منكنَّ فهي طالِقٌ، فقامَ الكلُّ دَفْعةً واحِدةً؛ لم تَطلُقْ واحدةٌ منهنَّ.
وإنْ قامَتْ واحدةٌ، ولم يَقُمْ أحدٌ بعدَها؛ فوجْهانِ، فإنْ قُلْنا: لا يَقَعُ؛ لم يُحكَمْ بوقوع ذلك ولا انتفائه حتَّى يَيأسَ مِنْ قيامِ واحدةٍ منهنَّ، فتَنحَلُّ يمينه، وكذا العتقُ.
وإنْ قامَ اثنتان أوْ ثلاثٌ
(4)
معًا، وقام بعدهنَّ أخْرَى؛ وَقَع بِمَنْ قامَ أوَّلاً
(5)
.
والعِتقُ كذلك.
(1)
في (م): فجاء.
(2)
في (م): وأكثر.
(3)
في (م): أحدهما.
(4)
في (ظ): اثنان أو ثلاثة.
(5)
قوله: (قام أولاً) في (م): قامت الأولى.
وقال القاضي فيمن
(1)
قال: أوَّلُ مَنْ يَدخُلُ مِنْ عَبِيدِي فهو حرٌّ، فدَخَلَ اثْنانِ دَفْعةً واحدةً، ثُمَّ دَخَلَ آخَرُ؛ لم يَعتِقْ واحِدٌ منهم، وهو بعيدٌ.
وإنْ قال: آخِرُ مَنْ يَدخُلْ منكنَّ الدَّارَ فهي طالِقٌ، فَدَخَلَ إحداهنَّ؛ لم يُحكَمْ بطلاقِ واحدةٍ منهنَّ حتَّى يَيأسَ مِنْ دخولِ غَيرِها، فيَتَبَيَّنُ وُقوعُ الطَّلاق بآخِرِهِنَّ دخولاً مِنْ حين دخولها.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَهُ نَاسِيًا)، أوْ جاهِلاً؛ (حَنِثَ فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ، وَلَمْ يَحْنَثْ فِي الْيَمِينِ الْمُكَفَّرَةِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، نَقَلَه عن أحمدَ جماعة
(2)
، واختاره
(3)
الخَلاَّلُ وصاحِبُه، وذَكَرَ القاضي في «المجرد»: أنَّه هو المعمولُ به في المذهب؛ لأِنَّ الكَفَّارةَ تَجِبُ لرفع
(4)
الإثْمِ، ولا إثْمَ عليهما
(5)
، وأمَّا الطَّلاقُ والعِتاق فهو معلَّق
(6)
بشرطٍ، فيَقَعُ بوجود شَرْطه مِنْ غَيرِ قَصْدٍ، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ إنْ قَدِمَ الحاجُّ، ولأِنَّ هذا يتعلَّق به حقُّ آدمِيٍّ، فتعلَّق الحكمُ مع النِّسيان؛ كالإتْلاف.
(وَعَنْهُ: يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ)، قدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه فَعَلَ ما حَلَفَ عليه قاصِدًا لِفِعْلِه، أشبه الذاكِرَ
(7)
، وكالطَّلاق والعتاق، فحِينَئِذٍ: تلزمه
(8)
الكَفَّارةُ في اليمين المكفَّرة، وهو قَولُ سعيدِ بنِ جُبَيرٍ، ومُجاهِدٍ، والزُّهرِيِّ.
(وَعَنْهُ: لَا يَحْنَثُ فِي الْجَمِيعِ)، وقاله عَطاءٌ، وعَمْرُو بنُ دِينارٍ؛ لقوله
(1)
في (م): فإن.
(2)
في (م): وجماعة. وينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1947، الروايتين والوجهين 2/ 153.
(3)
في (م): واختار.
(4)
في (م): لدفع.
(5)
زيد في (م): أي: الناسي والجاهل.
(6)
قوله: (معلق) سقط من (م).
(7)
في (م): الذكر.
(8)
في (ظ): وحينئذ يلزمه.
تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزَاب: 5]، ولقوله عليه السلام:«إنَّ اللهَ تجاوَزَ لِأُمَّتِي عن الخطأ، والنِّسيان، وما استُكرِهُوا عليه»
(1)
، ولأِنَّه غَيرُ قاصِدٍ للمُخالَفة، أشْبَهَ النَّائم، ولأِنَّه أحدُ طَرَفَي اليمين، فاعتُبِر فيه القَصْدُ؛ كحالة الابتداء.
وعلى الأوَّل؛ لو
(2)
فَعَلَه حِينَ جنونه؛ لم يَحنَثْ؛ كالنَّائم، وقِيلَ: هو كالنَّاسِي.
وإنْ حَلَفَ على غيره ممَّن يَقْصِد مَنْعَه؛ كالزَّوجة والولد، فَفَعَلَه ناسِيًا أوْ جاهِلاً؛ فعلى الخلاف.
قال في «الرِّعاية» : وإنْ قَصَدَ بمَنْعِهم أنْ لا يُخالِفوه، أوْ فعلوه كرهًا؛ لم يَحنَثْ.
وعنه: يَحنَثُ المكرَه.
ويتخرَّج: ألاَّ يَحنَثَ إلاَّ في الطَّلاق والعتاق.
قال
(3)
في «المستوعب» : فإنْ كان يُمكِنُه الاِمتِناعُ فلم يَمتَنِعْ؛ فَوَجْهانِ.
فإنْ قُلْنا: لا يَحنَثُ، فأقام بعدَ دخولها، فهل يَحنَثُ؟ يَنبَنِي على ما إذا حلف لا يَدخُلُ الدَّارَ وهو فيها.
وإن
(4)
عقدها يَظُنُّ صِدْقَ نفسه، فبانَ بخلافه؛ فكَمَنْ حَلَفَ على مستقبَلٍ وفَعَلَه ناسيًا، يَحنَثُ في طلاقٍ وعتاقٍ فقطْ.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا، أَوْ لَا
(5)
يُكلِّمُهُ، أَوْ لَا
(6)
يُسَلِّمُ
(1)
سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).
(2)
في (ظ): على الأول ولو.
(3)
في (م): قاله.
(4)
في (م): ولإن.
(5)
في (م): ولا.
(6)
في (م): ولا.
عَلَيْهِ، أَوْ لَا
(1)
يُفَارِقُهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ، فَدَخَلَ بَيْتًا هُوَ فِيهِ ولَمْ يَعْلَمْ، أَوْ سَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَلَمْ يَعْلَمْ، أَوْ قَضَاهُ حَقَّهُ فَفَارَقَهُ، فَخَرَجَ رَدِيئًا، أَوْ أَحَالَهُ بِحَقِّهِ فَفَارَقَهُ
(2)
ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ بَرَّ؛ خُرِّجَ
(3)
عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي النَّاسِي وَالْجَاهِلِ)؛ لأِنَّه غيرُ قاصِدٍ للمُخالَفةِ، أشْبَهَ النَّاسِيَ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا دخل بَيتًا هو فيه عالِمًا؛ حَنِثَ، وصرَّح به غيرُه؛ لأِنَّ شرطَ الحنث قد وُجِدَ سالِمًا عن المعارِض، وكذا ما بعدَه؛ لأِنَّه معطوفٌ عليه.
فإنْ نَوَى السَّلامَ على الجميع، أوْ كلامَهم؛ حَنِثَ روايةً واحدةً، وإنْ نَوَى غيرَه فلا، وإنْ أطْلَقَ؛ فالخِلافُ.
وإنْ عَلِمَ به ولم يَنْوِه، ولم يَسْتَثْنِه بقلبه؛ فروايتانِ، أصحُّهما: الحنثُ.
وكذا إنْ حَلَفَ لا يُكلِّمُ فلانًا، فسلَّم عليه يَحسِبُه أجنبيًّا، أوْ حَلَفَ لا بِعْتُ لزيدٍ ثَوبًا، فوكَّلَ زَيدٌ مَنْ يَدفَعُه إلى مَنْ يبيعه، فدَفَعَه إلى الحالف، فباعه من غيرِ عِلْمِه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا، فَفَعَلَ بَعْضَهُ؛ لَمْ يَحْنَثْ)، نَصَّ عليه في روايةِ صالِحٍ وحنبلٍ
(4)
، اختاره أبو الخَطَّاب؛ كالإثبات
(5)
، ولأِنَّه «عليه السلام كان يُخرِجُ رأسَه وهو مُعتَكِفٌ إلى عائشةَ لتُرجِّلَه، وهي حائضٌ»
(6)
، والمعْتَكِفُ ممنوعٌ من الخروج من المسجد، والحائضُ عَكْسُه.
(1)
في (م): ولا.
(2)
قوله: (ففارقه) سقط من (م).
(3)
في (م): يخرج.
(4)
ينظر: مسائل صالح 3/ 248، الشرح الكبير 22/ 587.
(5)
في (م): كالإشارة. والمثبت موافق للشرح الكبير 22/ 588.
(6)
أخرجه البخاري (2046)، عن عائشة رضي الله عنها.
(وَعَنْهُ: يَحْنَثُ)، اختاره الخِرَقِيُّ، وصحَّحه في «المغني» ؛ لأِنَّ اليمينَ تقتضي
(1)
المنعَ من المحلوف عليه، فاختصَّ المنْعُ بشيءٍ منه؛ كالنَّهيِ، (إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ جَمِيعَهُ).
فَعُلِمَ منه: أنَّ الخلافَ إنما هو في اليمين المطْلَقة، فإن نَوَى الجميعَ أو البعض
(2)
؛ عمل بنيَّته، وكذا إنْ كان قرينةٌ.
وعلى الأولى
(3)
: لو حَلَفَ على مَنْ يَمتَنِع بيمينه؛ كزوجةٍ وقَرابةٍ، وقَصَدَ مَنْعَه، ولا نيَّةَ ولا سببَ ولا قرينةَ؛ لم يَحنَثْ بفِعْل بعضه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَفْعَلَنَّهُ؛ لَمْ يَبَرَّ
(4)
حَتَّى يَفْعَلَ جَمِيعَهُ)؛ لأِنَّ ذلك حقيقةُ اللَّفظ، ولأِنَّ مطلوبَه تحصيلُ
(5)
الفعل، فهو كالأمر، ولو أمر الله تعالى بشيءٍ لم يَخرُجْ عن العُهْدة إلاَّ بفِعْلِ جميعه، فكذا هُنا.
(وَإِذَا حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا، فَأَدْخَلَهَا بَعْضَ جَسَدِهِ، أَوْ لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا مِنْ غَزْلِهَا، فَلَبِسَ ثَوْبًا فِيهِ مِنْهُ، أَوْ لَا يَشْرَبُ مَاءَ هَذَا الْإِنَاءِ، فَشَرِبَ بَعْضَهُ؛ خُرِّجَ عَلَى الرِّوَايَتَينِ) في فِعْلِ بعض المحلوف عليه، والمذْهَبُ: أنَّه لا يَحنَثُ، كما لو حَلَفَ لا يَبِيعُ عبدَه، ولا يَهَبُه، فباعَ أوْ وَهَبَ بعضَه.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَشْرَبُ
(6)
مَاءَ هذا النَّهْرِ، فَشَرِبَ مِنْهُ؛ حَنِثَ) وَجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ فعلَ الجميع ممتنِعٌ، فلا تُصرَفُ اليمينُ إليه، وكذلك إنْ قال: واللهِ لا آكُلُ الخبزَ، ولا أشْرَبُ الماءَ، ممَّا عُلِّق على اسم جنسٍ أوْ جَمْعٍ؛ كالمسلمين، فإنَّه يَحنَثُ بفِعْل البعض.
(1)
في (م): يقتضي.
(2)
في (م): والبعض.
(3)
في (م): الأول.
(4)
في (م): لم يبرأ.
(5)
في (م): يحصل.
(6)
في (ظ): لا شربت.
فإنْ نَوَى فعلَ الجميع، أوْ كان في لفظه ما
(1)
يَقْتَضِي ذلك؛ لم يَحنَثْ إلاَّ بفِعْلِ الجميع بلا خلافٍ
(2)
.
فرع: إذا حَلَفَ: لا شَرِبْتُ من ماءِ الفرات، فشَرِبَ منه؛ حَنِثَ، سواءٌ كَرَعَ فيه، أوِ اغْتَرَفَ منه فشَرِبَه.
وإنْ شَرِبَ من نَهرٍ يأخُذُ منه؛ حَنِثَ في وجهٍ، اقتصر عليه في «المستوعب» ؛ كما لو حَلَفَ لا يَشرَب من شيءٍ فاسْتَقَى، أو لا يَشرَبُ من شاةٍ؛ فحَلَبَ وشَرِبَه.
والثَّاني: لا يَحنَثُ؛ لأِنَّه يُضافُ إلى النهر
(3)
لا إلى الفرات، وكغيره.
فلو حَلَفَ لا يأكُلُ من هذه النَّخلة، فلَقَطَ مِنْ تحتها وأكَلَ؛ حَنِثَ، بخلافِ أكلِ وَرَقِها وأطرافِ أغصانِها.
مسألةٌ: إذا قال: إنْ قَرِبتِ - بكسر الرَّاء - دارَ أبيك فأنتِ طالِقٌ؛ لم يَقَعْ حتَّى تَدخُلَها، فلو قاله بضم الرَّاء؛ وَقَعَ بوقوفها تحتَ فِنائها ولصوقها بجدارها؛ لأِنَّ مقتضاهما كذلك، ذَكَرَهما في «الروضة» ، ولم يَذكُر الجَوهَرِيُّ قرِب بالكسر بمَعْنَى دَخَلَ، ولعلَّه عُرْفٌ خاصٌّ.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا يَلْبَسُ ثَوْبًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ، أَوْ نَسَجَهُ
(4)
، أوْ لَا
(5)
يَأْكُلُ طَعَامًا طَبَخَهُ زَيْدٌ، فَلَبِسَ ثَوْبًا نَسَجَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، أَوِ اشْتَرَيَاهُ، أَوْ أَكَلَ مِنْ طَعَامٍ طَبَخَاهُ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشْهَرُهما: يَحنَثُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كما لو حَلَفَ لا يَلبَس شيئًا مِنْ
(1)
قوله: (لفظه ما) في (م): لفظها.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 22/ 591.
(3)
في (م): النهي.
(4)
في (م): ونسجه.
(5)
في (م): ولا.
غَزْلِ فلانةَ، فلَبِسَ ثَوبًا مِنْ غَزْلِها وغَزْل غيرِها.
والثَّانية: لا يَحنَثُ؛ لأِنَّه لم يَلبَسْ ثوبًا كامِلاً، كما لو حَلَفَ لا يَلْبَسُ ما خاطه
(1)
زيدٌ، فإنَّه يَحنَثُ بكلِّ ثَوبٍ خاطاه جميعًا، بخلافِ ما لو قال: ثوبًا خاطَهُ زيدٌ.
وإذا
(2)
حَلَفَ لا يأكُلُ طعامًا اشتراه زيدٌ، فأكَلَ طعامًا اشتراه هو وغيرُه؛ حَنِثَ، إلاَّ أن يكونَ أراد أنْ لا يَنفَرِدَ أحدُهما بالشراء
(3)
.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب احْتِمالاً: لا حِنْثَ؛ لأِنَّ كلَّ جزءٍ لم يَنفَرِدْ أحدُهما بشرائه، كما لو حَلَفَ لا يَلبَسُ ثوبًا اشْتَراهُ زيدٌ، فلَبِسَ ثوبًا اشْتَراهُ هو وغيرُه.
(فَإِنِ
(4)
اشْتَرَى غَيْرُهُ شَيْئًا، فَخَلَطَهُ بِمَا اشْتَرَاهُ، فَأَكَلَ أَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ؛ حَنِثَ) وَجْهًا واحدًا؛ لأِنَّه يَعلَمُ بالضَّرورة أنَّه أكَلَ ممَّا اشْتَراهُ زيدٌ، وهو شَرْطُ الحنث.
(وَإِنْ أَكَلَ مِثْلَهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: يَحنَثُ؛ لأِنَّه يَستحِيلُ في العادة انفراد ما
(5)
اشْتَراهُ زَيدٌ من
(6)
غيرِه، فيَكونُ الحِنْثُ ظاهِرًا.
والثَّاني: لا يَحنَثُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُ الحنث، ولم نتيقَّنه
(7)
.
فعلى هذا: كلُّ مَوضِعٍ لا يَحنَثُ؛ فحُكمُه حكمُ ما لو حَلَفَ لا يَأكُلُ
(1)
في (م): ما خاط.
(2)
في (م): وإن.
(3)
في (م): بشرائه.
(4)
في (م): وإن.
(5)
في (م): مما.
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
في (م): ولم يتيقنه.
تمرةً، فَوَقَعَتْ في تمرٍ، فأكَل منه واحدةً، على ما نَذكُره.
وإنْ قَايَل زيدٌ في مأكولٍ كان باعه، فأكَلَ منه، فهل يَحنَثُ؟ على وَجْهَينِ.
فإنْ كان اشْتَرَى شيئًا سَلَمًا، أوْ أخَذَه على وَجْه الصُّلح، فأَكَلَ منه؛ حَنِثَ.
(بَابُ التَّأْوِيلِ فِي الْحَلِفِ)
(وَمَعْنَى التَّأْوِيلِ: أَنْ يُرِيدَ بِلَفْظِهِ مَا يُخَالِفُ ظَاهِرَهُ)، مِثْلَ أَنْ يَحلِفَ أنَّه أخِي، يريدُ أُخُوَّةَ الإسلام، وبالسَّقف والبِناء: السَّماء، وبالبِساط والفِراش: الأرضَ، وبالأوتاد: الجبالَ، وباللِّباس: اللَّيلَ، أوْ يقولَ: ما رأيتُ فلانًا؛ أيْ: ما ضَرَبْتُ رِئَتَه، وما ذَكَرْتُه؛ أي: ما قَطَعْتُ ذَكَرَه، وكقَوله: جَواريَّ أحرارٌ؛ يعني: سُفُنَه، ونسائي طوالِقُ؛ أي: أقارِبه، أو يقولَ: ما كاتَبْتُ فلانًا، ولا
(1)
عَرَفْتُه، ولا عَلِمْتُه، ولا سألته حاجةً، ولا أكَلْتُ له دجاجةً ولا فَرُّوجةً، ولا شَرِبْتُ له
(2)
ماءً، ولا في بَيتِي فراشٌ، ولا حصيرٌ، ولا باريَّةٌ، ويَعْنِي بالمكاتَبة: مكاتبة
(3)
الرَّقيق، وبالتَّعريف: جَعْله عريفًا، وبالإعلام: جَعْله أعْلَم الشَّفة، والحاجة: الشَّجرة الصَّغيرة، والدَّجاجة: الكُبَّة من الغزل، والفروجة: الدَّرَّاعة، والفَرْش: صِغار الإبل، والحَصيرِ: الخَيْش، والبارية: السِّكِّين التي يُبْرَى بها.
فهذا وأشباهُه ممَّا يَسبِقُ إلى فَهْمِ السَّامع خلافُه، إذا عَناهُ بيمينه فهو تأويلٌ؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهِر.
(فَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ ظَالِمًا؛ لَمْ يَنْفَعْهُ تَأْوِيلُهُ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(4)
؛ (لِقَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ بِهِ صَاحِبُكَ»)، وفي لفظٍ:«اليمينُ على نيَّةِ المسْتَحْلِف» رواهما مسلمٌ
(5)
.
(1)
في (م): وما.
(2)
قوله: (له) مكانه بياض في (م).
(3)
قوله: (مكاتبة) سقط من (م).
(4)
ينظر: المغني 9/ 533.
(5)
أخرجهما مسلم (1653)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وعُلِم منه: أنَّه إذا كان مظلومًا فله تأويله
(1)
، نَصَّ عليه
(2)
؛ لحديثِ سُوَيدِ بنِ حَنْظَلةَ قال: خرجْنا نُريدُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، ومَعَنَا وائلُ بنُ حُجْرٍ، فأخَذَه عَدُوٌّ له، فتحرَّج
(3)
القومُ أنْ يَحلِفُوا، فحلفتُ
(4)
أنَّه أخِي، فَخُلِّي سبيله، فأتَينا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرْنا له ذلك، فقال:«كنتَ أبرَّهم وأصْدَقَهم، المسلِمُ أخُو المسلِم» رواه أبو داودَ
(5)
، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في
(6)
المعاريض لَمندوحةً عن الكذب» رواه التِّرمذي
(7)
، قال محمَّدُ بنُ سِيرِينَ:«الكلامُ أوْسعُ من أنْ يَكذِبَ ظريفٌ»
(8)
، خَصَّ الظَّريفَ بذلك؛ يعني به: الكَيِّسَ الفَطِنَ، فإنَّه يَفطنُ التأويلَ، فلا حاجةَ إلى الكذب.
فإنْ كان لا ظالِمًا ولا مَظْلومًا؛ فظاهر كلامِ أحمدَ: أنَّ
(9)
له تأويلَه
(10)
؛ لأِنَّه عليه السلام كان يَمزَحُ، ولا يَقولُ إلاَّ حقًّا
(11)
، ومِزاحُه: أنْ يُوهِمَ السَّامِعَ
(1)
في (م): تأويل.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2434، مسائل أبي داود ص 299، المغني 9/ 532.
(3)
في (م): فتخرج.
(4)
في (م): فحلفوا.
(5)
أخرجه أحمد (16726)، وأبو داود (3256)، وابن ماجه (2119)، والحاكم (7821)، وفي سنده: جدة إبراهيم بنت سويد، وهي تابعية لم يرو عنها إلا إبراهيم بن عبد الأعلى.
(6)
قوله: (في) سقط من (م).
(7)
أخرجه البيهقي في الكبرى (20843)، عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعًا، وفي سنده: داود بن الزبرقان وهو متروك، وقد تفرد برفعه، وأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة (26096)، والبخاري في الأدب المفرد (885)، والبيهقي في الكبرى (20842)، ورجح وقفه، ولم نقف عليه عند التِّرمذي. ينظر: الضعيفة (1094).
(8)
ينظر: الكامل لابن عدي 1/ 109، شعب الإيمان للبيهقي 6/ 515.
(9)
في (م): أنه.
(10)
ينظر: المغني 9/ 533.
(11)
أخرجه أحمد (8481)، والتِّرمذي (1990)، والبيهقي في الكبرى (21173)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قالوا: يا رسول الله، إنك تداعبنا، قال:«إني لا أقول إلا حقًا» ، وحسنه التِّرمذي والهيثمي والألباني. ينظر: مجمع الزوائد 9/ 17، الصحيحة (1726).
بكلامه غيرَ ما عَناهُ، وهو التَّأويلُ، فقال عليه السلام لعجوزٍ
(1)
(2)
يعني: أنَّ الله تعالى يُنشِئُهنَّ أبكارًا، عُرُبًا أتْرابًا.
مسائل:
الأولى: إذا حَلَفَ لَيُقسِمَنَّ بَينَ ثلاثِ نِسوةٍ ثلاثينَ قارورةٍ، عَشَرةٌ مملوءةٌ، وعشرة
(3)
فُرغٌ
(4)
، وعشرةٌ منصَّف، قَلَبَ كلَّ مُنصَّفَةٍ في أخرى، فلكلِّ واحدةٍ خمسٌ مملوءةً، وخمسٌ فُرغٌ.
الثَّانية: إذا كان له ثلاثون نعجةً، عشرةٌ وَلَدَتْ كلُّ واحدةٍ سَخْلةً، وعَشَرَةٌ ثنتين
(5)
، وعشرةٌ ثلاثًا، وحَلَفَ ليجعلنَّ
(6)
لكلِّ امرأةٍ ثلاثًا
(7)
، ولا يفرِّق بَينَ سخلةٍ وأمِّها؛ أعْطَى الكبرى عشرةً نتجت عشرين، والوسطى نصفَ ما نُتِج سخلةً ونصفَ ما نُتِج ثلاثًا بسخالها، وكذا الصغرى.
الثَّالثةُ: إذا حَلَفَ أنَّه رأى ثلاث
(8)
إخوةٍ لأِبَوَينِ، أحدُهم عبدٌ، والآخَرُ مَولًى، والآخَرُ عربي
(9)
لا ولاءَ عليه، هذا رجلٌ تزوَّج بأَمَةٍ، فَوَلَدَتْ ابنًا فهو
(1)
في (م): العجوز.
(2)
أخرجه التِّرمذي في الشمائل (230)، من مرسل الحسن البصري، وفي سنده: المبارك بن فضالة وهو صدوق يدلس، قال الزيلعي (وهو مرسل ضعيف)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (5545)، من حديث عائشة رضي الله عنه، وفي سنده: مسعدة بن اليسع الباهلي، قال الذهبي:(هالك كذبه أبو داود). ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 98، تخريج الكشاف 3/ 407.
(3)
قوله: (مملوءة وعشرة) سقط من (م).
(4)
في (م): فرع.
(5)
في (م): ثلاثين.
(6)
في (م): ليجعل.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي الهداية ص 446 والانصاف 23/ 22: ثلاثين.
(8)
قوله: (ثلاث) سقط من (م).
(9)
قوله: (والأخر عربي) في (م): عشرين.
عبدٌ، ثُمَّ كُوتبت
(1)
، فأدَّتْ وهي حامِلٌ، فأتَتْ بابنٍ فتَبِعها
(2)
؛ فهو مولًى، ثُمَّ ولدتْ بعدَ الأداء ابنًا، فهو عربيٌّ بلا وَلاءٍ.
الرَّابعة: إذا حلف أنَّ خمسةً زَنَوْا بامرأةٍ، فلزم الأوَّلَ القتلُ، والثَّانيَ الرَّجمُ، والثَّالثَ الجلدُ، والرَّابعَ نصفُ الحدِّ، ولم يَلزَم الخامسَ شيءٌ، فالأوَّلُ: ذِمِّيٌّ، والثَّاني: مُحصَنٌ، والثَّالثُ: بِكْرٌ، والرَّابعُ: عبدٌ، والخامِسُ: حربيٌّ.
الخامسة: إذا حَلف ليُخبِرَنَّه
(3)
بشيءٍ رأسُه في عذابٍ، وأسْفَلُه في شَرابٍ، وأوْسَطُه في طعامٍ، وحَولَه سلاسلُ وأغْلالٌ، وحَبْسُه في بيتٍ ضيِّقٍ
(4)
؛ فهو فتيلةُ القِنديل.
السَّادسةُ: إذا حَلَفَ أنَّه يُحِبُّ الفتنةَ، ويَكرَهُ الحق
(5)
، ويَشهَدُ بما لم يَرَهُ وهو بصيرٌ، ولا يَخافُ من الله، ولا رسول الله، وهو مُؤمِنٌ عَدْلٌ.
فجوابُه: أنَّه يُحِبُّ المالَ والولدَ، ويَكرَه الموتَ، ويَشهَدُ بالغيب والحساب، ولا يَخافُ من الله ولا رسوله الظُّلمَ والجَورَ.
السَّابعة: لو سُئِلَ عن طَعْمِ نَجْوِ الآدميِّ قِيلَ: إنَّه أوَّلاً حُلْوٌ لسقوط الذُّباب عليه، ثُمَّ حامِضٌ؛ لأِنَّه يُدَوِّدُ، ثُمَّ مُرٌّ؛ لأِنَّه يكرح.
(فَإِذَا أَكَلَا
(6)
تَمْرًا، فَحَلَفَ: لَتُخْبِرِنِّي بِعَدَدِ مَا أَكَلْتِ
(7)
، أَوْ لَتُمَيِّزِنَّ
(8)
نَوَى
(1)
في (م): كوتب.
(2)
في (م): تبعها.
(3)
قوله: (إذا حلف ليخبره) هي في (ظ): ليخبرنَّه.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي الهداية ص 449، والإنصاف 23/ 25: من صفر.
(5)
في (م): الخير.
(6)
في (م): أكل.
(7)
أورد صاحب الإقناع هذه العبارة، فقال في كشاف القناع 12/ 373 عند قوله:(أكلت): بضم التاء أو كسرها.
(8)
في (م): لتميز لي.
مَا أَكَلْتِ؛ فَإِنَّهَا تُفْرِدُ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا، وَتَعُدُّ مِنْ وَاحِدٍ
(1)
إِلَى عَدَدٍ يُتَحَقَّقُ دُخُولُ مَا أَكَلَ فِيهِ)، ولا يَحنَثُ إذا كان بنيَّة ذلك، وإنْ نَوَى الإخبارَ بكمِّيَّته من غيرِ زيادةٍ ولا نَقْصٍ؛ لم يَبْرَّ إلاَّ بذلك، وإنْ أطلقَ؛ فقياس المذهب: أنَّه كذلك؛ لأِنَّ الأَيمانَ تُبنى
(2)
على المقاصد، إلاَّ أنْ يكونَ حيلةً فيَحنَثُ.
فرعٌ: لو كان في فيها تمرةٌ، فقال: أنتِ طالِقٌ إنْ أكَلْتِيها، أوْ ألْقَيْتِيها، أو أمْسَكْتِيها، فأكلتْ بعضَها، وألْقَتْ بعضها؛ انبنى على فِعْلِ بعض المحلوف عليه.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْعُدَنَّ عَلَى بَارِيَّةٍ فِي بَيْتِهِ، وَلَا يُدْخِلُهُ
(3)
بَارِيَّةً، فَإِنَّهُ يُدْخِلُ قَصَبًا وَيَنْسِجُهُ فِيهِ)، ويَجلِسُ عليها في البيت، ولا يَحنَثُ؛ لأِنَّه لم يدخله
(4)
باريةً، وإنَّما أدخله
(5)
قصبًا.
وفي «المحرَّر» : وإنْ حَلَفَ لا يُدخِلُ بيتَه باريةً، فأدْخَلَ قصبًا لذلك، فنسجت فيه؛ حنث، وإن طرأ
(6)
قصدُه والقصبُ
(7)
فيها؛ فوجهان.
(وَإِنْ حَلَفَ لَيَطْبُخَنَّ قِدْرًا بِرَطْلِ مِلْحٍ، وَيَأْكُلُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ طَعْمَ الْمِلْحِ، فَإِنَّهُ يَسْلُقُ بِهِ بَيْضًا)؛ لأِنَّ الصِّفةَ وُجِدَتْ لكَونِ أنَّ الملحَ لا يَدخُلُ في البَيض.
(وَإِنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ بَيْضًا وَلَا تُفَّاحًا، وَلَيَأْكُلَنَّ مِمَّا فِي هَذَا الْوِعَاءِ، فَوَجَدَهُ بَيْضًا وَتُفَّاحًا؛ فَإِنَّهُ يَعْمَلُ مِنَ الْبَيْضِ نَاطِفًا، وَمِنَ التُّفَّاحِ شَرَابًا)، ويَأكُلُ منه
(1)
في (م): واحدة.
(2)
في (ظ): ينبني.
(3)
في (م): ولا يدخل.
(4)
في (م): لم يدخل.
(5)
في (م): أدخل.
(6)
في (م): ظن.
(7)
في (م): القصب.
بغيرَ حنثٍ؛ لأِنَّ ذلك لَيسَ ببيض
(1)
ولا تفَّاحٍ.
وقِيلَ: يَحنَثُ مع التَّعيين.
(وَإِنْ كَانَ عَلَى سُلَّمٍ، فَحَلَفَ: لَا صَعِدْتُ إِلَيْكِ، وَلَا نَزَلْتُ إِلَى هَذِهِ، وَلَا أَقَمْتُ
(2)
مَكَانِي سَاعَةً؛ فَلْتَنْزِلِ الْعُلْيَا، وَتَصْعَدِ السُّفْلَى، فَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ)؛ لأِنَّ ما فعَلَه سببٌ إلى عدم حِنثه، وأمَّا كَونُه تَنحَلُّ يمينُه، فلأِنَّه لم يَبقَ حِنْثُه ممكنًا؛ لزوال الصورة
(3)
المحلوفِ عليها.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ عَلَيْهِ، وَلَا نَزَلْتُ مِنْهُ، وَلَا صَعِدْتُ فِيهِ؛ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ) مِنْهُ
(4)
(إِلَى سُلَّمٍ آخَرَ)، فتَنْحَلُّ يمينُه؛ لأنَّه إنَّما نزل أوْ صعِد من غيره.
(وَإِنْ حَلَفَ: لَا أَقَمْتُ فِي هَذَا الْمَاءِ، وَلَا خَرَجْتُ مِنْهُ؛ فَإِنْ كَانَ جَارِيًا؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لأِنَّ الماءَ المحلوف عليه جَرَى، وصار في غيره، فلم يَحنَثْ، سواءٌ أقام أوْ خَرَج؛ لأِنه إنَّما يَقِفُ في غَيرِه أوْ يَخرُجُ منه، ذكره القاضي في «المجرد» ؛ لأِنَّ الأَيْمانَ تَنْبَنِي على اللَّفظ لا على القصد.
وقال
(5)
في مَوضِعٍ آخَرَ: قياسُ المذهب أنَّه لا يَحنَثْ.
(إِذَا نَوَى ذَلِكَ الْمَاءَ بِعَيْنِهِ)؛ لأِنَّ ذلك الماءَ بعينه يصدق عليه
(6)
أنَّه ما أقام فيه ولا خرج منه، ضرورةَ كَونه جاريًا، فلم تَحصُلِ المخالَفةُ في المحلوف عليه.
(وَإن
(7)
كَانَ وَاقِفًا؛ حُمِلَ مِنْهُ مُكْرَهًا)؛ لِئلاَّ يُنسَبَ إليه فعلٌ
(8)
.
(1)
في (م): بيض.
(2)
في (م): ولا قمت.
(3)
في (م): العورة.
(4)
قوله: (منه) سقط من (ظ).
(5)
أي: القاضي.
(6)
قوله: (عليه) سقط من (ظ).
(7)
في (م): فإن.
(8)
في (م): فعله.
فرعٌ: إذا حَلَفَ: لا لَبِسْتِ أنتِ هذا القميص، ولا وَطِئْتُكِ إلاَّ فيه، فلَبِسَتْه
(1)
وَوَطِئَها؛ لم يَحنَثْ.
وإنْ حَلَفَ لَيُجامِعَنَّ على رأس رمحٍ، فنَقَب السقف، وأخرج منه رأس الرُّمح يسيرًا، وجامَعَ عليه؛ بَرَّ في الأَشْهَرِ.
(وَإِنِ اسْتَحْلَفَهُ ظَالِمٌ: مَا لِفُلَانٍ عِنْدَكَ وَدِيعَةٌ، وَكَانَتْ لَهُ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ، فَإِنَّهُ يَعْنَي بِ «مَا»: الذِي)؛ أي: الموصولة، أو يَنوي غير الوديعة، أو غير مكانها، أو يَستَثْنِي بقلبه، (وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه صادِقٌ.
مسألةٌ: إذا حَلَفَ: لَتَصْدُقِنِّي: هل سَرَقْتِ منِّي شَيئًا أم لا؟ وخافَتْ أنْ تصدُقَه، فتقولُ: سَرَقْتُ منك، ما سَرَقْتُ منك، وتعني ب «ما»: الذي.
(وَإِنْ حَلَفَ لَهُ
(2)
: مَا فُلَانٌ هَهُنا
(3)
، وَعَنَى مَوْضِعًا مُعَيَّنًا بَرَّ فِي يَمِينِهِ)؛ لصِدْقه في ذلك، ورُوِيَ أنَّ مُهَنَّى والمرُّوذيَ كانا عند أحمدَ، فجاء رجلٌ يَطلُبُ المرُّوذيَّ، ولم يُرِد المرُّوذيُّ أنْ يُكلِّمَه، فوضَعَ مُهَنَّى إصبعَه في كفَّه، وقال: لَيسَ المرُّوذيُّ ههنا، يريد: ليس هو في كفِّه، فلم يُنكِرْه أحمدُ رحمه الله تعالى
(4)
.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ: لَا سَرَقْتِ مِنِّي شَيْئًا، فَخَانَتْهُ فِي وَدِيعَتِهِ
(5)
؛ لَمْ يَحْنَثْ)؛ لأِنَّ الخيانةَ لَيستْ بسرقةٍ (إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ) ذلك، فيَحنَثُ؛ لأِنَّ اللَّفظَ صالِحٌ أنْ يُرادَ به ذلك، وقد نواهُ، فَوَجَبَ الحِنْثُ؛ ضرورة المخالَفة في المحلوف عليه، أو يكون له سببٌ.
فرعٌ: إذا اسْتَحْلَفَه ظالِمٌ: هل رأيتَ فلانًا أوْ لا؟ وكان قد رآه، فإنَّه يَعْنِي
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الإنصاف 23/ 25: فلبسه.
(2)
قوله: (له) سقط من (م).
(3)
في (م): هنا.
(4)
ينظر: المغني 9/ 533.
(5)
في (م): وديعة.
ب (رأيت
(1)
: ما ضَرَبْتُ رئته.
وإنْ قال: إنْ كانت امرأتي في السُّوق فعبدي حرٌّ، وإنْ كان عبدي
(2)
في السُّوق فامرأتي
(3)
طالِقٌ، وكانا في السُّوق؛ عَتَقَ العبدُ، ولم تَطْلُقْ؛ لأِنَّه عَتَقَ باللَّفظ الأوَّل، فلما عَتَقَ؛ لم يَبقَ له في السُّوق عبدٌ.
ويَحتَمِلُ: أنْ يَحنَثَ إنْ أراد عبدًا بعينه، بناء
(4)
على مَنْ حَلَفَ على مُعيَّنٍ تعلَّق اليمينُ بعَينه دُونَ صفته.
مسائلُ:
إذا حَلَفَ ليطأ في يوم، ولا يغتسلُ فيه، مع قدرته على استعمال الماء، ولا تفوتُه صلاةٌ مع
(5)
الجماعة، فإنَّه يصلِّي الفجرَ، والظُّهرَ، والعصرَ، ويَطَأُ بعدَها، ويَغتَسِلُ بعدَ المغرب، ويُصلِّي معه.
إذا قال: أنتِ طالِقٌ إنْ لم أطأْكِ في رَمَضانِ، ثُمَّ سافَرَ ثلاثةَ أيَّامٍ، ثُمَّ وَطِئَ، فقال أحمدُ: لا يُعجِبُنِي؛ لأنَّها حيلةٌ
(6)
.
وقال في روايةِ بَكرِ بنِ محمَّدٍ: إذا حَلَفَ على فعلِ شيءٍ، ثُمَّ احتالَ بحيلةٍ فصار إليها، فقد صار إلى ذلك الذي حَلَفَ عليه بعينه
(7)
.
وقال القاضي: الصَّحيحُ أنَّها تَنحَلُّ به اليمينُ، ويُباحُ به الفِطْرُ؛ لأِنَّ إرادةَ حَلِّ اليمين من المقاصد الصَّحيحة.
(1)
في (م): برأيت يعني.
(2)
في (م): عبيدي.
(3)
في (ظ): فامرأته.
(4)
قوله: (بناء) مكانه بياض في (م).
(5)
قوله: (مع) سقط من (م).
(6)
ينظر: مسائل عبد الله ص 334.
(7)
ينظر: الحيل لابن بطة ص 53.
إذا حَلَفَ في شَعَبانَ: لَيُجامِعَنَّ امرأتَه في شَهْرَينِ متتابعَينِ، فدخل رمضانُ؛ سافَرَ بها، فإنْ حاضَتْ فَوَطِئَ فيه؛ كفَّر عن
(1)
كلِّ وطءٍ في الحيض كفَّارتَه.
وعنه: لا يَطَأُ، ويُطلِّقُ؛ كمَنْ حَلَفَ لَيَسْقِيَنَّ ولدَه خمرًا، نَصَّ عليه
(2)
.
سُئِلَ أحمدُ عن رجلٍ حلف
(3)
لا يُفطِرُ في رمضانَ، فقال للسائل: اذهب إلى بِشْرِ بنِ الوليد
(4)
، فاسْأَلْه، ثُمَّ ائتِنِي فأخبرْني، فذهب فسأله، فقال له بِشْرٌ: إذا أفْطَرَ أهلُكَ فاقْعُدْ معهم ولا تُفطِرْ، فإذا كان السَّحرُ فَكُلْ، واحتجَّ بقوله عليه السلام:«هَلُمُّوا إلى الغَداء المبارَك»
(5)
فاسْتَحْسَنَه أحمدُ رضي الله عنه
(6)
.
(1)
في (م): على.
(2)
ينظر: الفروع 11/ 10.
(3)
قوله: (حلف) سقط من (م).
(4)
هو: بشر بن الوليد بن خالد الكندي، أبو الوليد، الحنفي، تفقه على أبي يوسف، وسمع من مالك، وولي قضاء مدينة المنصور، توفي سنة 238 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 10/ 673، الجواهر المضية 1/ 166.
(5)
أخرجه أحمد (17143)، وأبو داود (2344)، والنسائي (2163)، والبزار (4202)، وابن خزيمة (1938)، وابن حبان (3465)، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه. وفي سنده الحارث بن زياد الشامي، قال غير واحد:(إنه مجهول لا يعرف)، وضعف الحديث البزار وابن القطان، لكن له شواهد صحيحة تقويه، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني. ينظر: صحيح أبي داود 7/ 107، الصحيحة (3408).
(6)
ينظر: المستوعب 3/ 1372.
(بَابُ الشَّكِّ فِي الطَّلَاقِ)
الشَّكُّ في الاِصْطِلاح: تردُّدٌ على السَّواء، وهُنا: مُطْلَقُ التَّردُّد.
(إِذَا شَكَّ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟)، أوْ شَكَّ في وجودِ شَرطِه؛ (لَمْ تَطْلُقْ)، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قَولُ أكثرِهم؛ لأِنَّ النِّكاحَ ثابِتٌ بيقينٍ، فلا يَزولُ بالشَّكِّ، ويَشهَدُ له قَولُه عليه السلام:«فَلا يَنصرِفْ حتَّى يَسمَعَ صَوتًا، أوْ يَجِدَ ريحًا»
(2)
، فأَمَرَه بالبناء
(3)
على اليقين، واطِّراحِ الشَّكِّ.
قال المؤلِّفُ: والوَرَعُ: التزام
(4)
الطَّلاق.
وعن شريكٍ: أنَّه إذا شكَّ في طلاقه؛ طلَّقَها واحدةً ثُمَّ راجَعَها؛ لتكونَ الرَّجعةُ عن طلقةٍ صحيحةٍ، فتكون صحيحة
(5)
في الحُكْم.
وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّ التَّلفُّظَ بالرَّجعة مُمْكِنٌ مع الشَّك في الطلاق
(6)
، ولا يفتقر
(7)
إلى ما تَفتَقِرُ إليه العباداتُ من النِّيَّة، ولأِنَّه لو شَكَّ في طلقتين
(8)
، فطلَّقَ واحدةً؛ لَصَارَ شاكًّا في تحريمها
(9)
عليه، فلا تفيده
(10)
الرَّجعةُ.
وقِيلَ: يَلزَمُه حكمُه مع شرطٍ عَدَمِيٍّ، نحو: لقد
(11)
فعلتُ كذا، أوْ إنْ لم
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1892.
(2)
أخرجه البخاري (137)، ومسلم (361)، من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
(3)
في (م): بالبقاء.
(4)
في (ظ): إلزام.
(5)
قوله: (فتكون صحيحة) سقط من (م).
(6)
قوله: (في الطلاق) في (م): والطلاق.
(7)
في (م): ولا تفتقر.
(8)
في (م): طلقة.
(9)
في (م): تحريمه.
(10)
في (م): فلا تفيد.
(11)
في (م): لو.
أفْعَلْه اليومَ، فمضى، وشكَّ في فِعْلِه؛ لَزِمَه الطَّلاقُ.
قال في «المحرَّر» : وتمامُ الورع
(1)
في الشَّكِّ: قَطْعُه برَجعةٍ أوْ عَقْدٍ إنْ أمكنَ، وإلاَّ فبفرقةٍ
(2)
مُتَيقَّنةٍ؛ بأنْ يقولَ: إنْ لم تكُنْ طَلَقَتْ فهي طالِقٌ.
(وَإِنْ شَكَّ فِي عَدَدِهِ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّ ما زاد على اليقين طلاقٌ مشكوكٌ فيه، فلم يَقَعْ، كما لو شكَّ في أصل الطَّلاق، فلو شَكَّ هل طلَّق اثنتَينِ أوْ واحدةً؛ فهي واحدةٌ؛ لأِنَّها اليقينُ، وأحكامه
(4)
أحكامُ المطلِّق دُونَ الثَّلاث؛ من إباحة الرَّجعة، وحِلِّ الوطء، وإذا راجع
(5)
عادتْ إلى ما كانَتْ عليه قَبلَ الطَّلاق.
وكذا لو قال لها
(6)
: أنتِ طالِقٌ بعَدَدِ ما طلَّقَ فلانٌ زَوجَتَه، وجُهِلَ عدَدُه؛ فطلقةٌ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا طَلَّقَ فَلَمْ يَدْرِ أَوَاحِدَةً طَلَّقَ أَمْ ثَلَاثًا؛ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَتَيَقَّنَ
(7)
، هذا روايةٌ عن أحمدَ، أنَّه يَحرُمُ عليه وطْؤُها؛ لأِنَّه مُتَيقِّنٌ للتَّحريم، شاكٌّ في التَّحليل، وعليه نَفَقَتُها ما دامتْ في العِدَّة؛ لأِنَّ الأصلَ بقاؤها؛ اسْتِنادًا لِبقاءِ النِّكاح، ولأِنَّه لو تنجَّسَ ثَوبُه، فلم
(8)
يَدْرِ مَوضِعَ النَّجاسة منه؛ لا يَحِلُّ له أنْ يصلِّيَ فيه حتَّى يَغسِلَ ما تَيقَّن
(9)
به طهارته، فكذا
(1)
في (م): التورع.
(2)
في (ظ): فتفرقة.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1653.
(4)
في (م): وأحكامها.
(5)
في (م): رجع.
(6)
قوله: (لها) سقط من (م).
(7)
في (م): يتبين.
(8)
في (م): ولم.
(9)
في (م): يتبين.
هنا، والجامِعُ بَينَهما: تيقُّنُ الأصلِ، والشَّكُّ فِيما بعدَه.
وظاهِر كلامِ الإمامِ والأصحابِ: أنَّه إذا راجَعَها؛ حلَّتْ له؛ لأِنَّ الرَّجعةَ مزيلةٌ لحكم
(1)
المتيقَّنِ من الطَّلاق، فإنَّ التَّحريمَ أنْواعٌ: تحريمٌ تزيله
(2)
الرَّجعةُ، وتحريمٌ يُزيلُه نكاحٌ جديدٌ، وتحريمٌ يُزيلُه نكاحٌ بعدَ زَوجٍ وإصابةٍ، ومن تيقَّنَ الأدنى لا
(3)
يَثبُتُ فيه حكمُ الأعلى؛ كمَنْ تيقَّنَ الحَدَثَ الأصغرَ؛ لا يَثبُتُ فيه حكمُ الأكبرِ، ويُخالِفُ الثَّوبَ، فإنَّ غَسْلَ بعضه لا يَرفَعُ ما تَيقَّنه
(4)
من النَّجاسة.
ومن أصحابنا مَنْ مَنَعَ حصولَ التَّحريم بالطَّلاق؛ لكَونِ الرَّجْعة مُباحةً، فلم يكُن التَّحريمُ مُتَيَقَّنًا.
(وَكَذَلِكَ قَالَ فِيمَنْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً، فَوَقَعَتْ فِي تَمْرٍ، فَأَكَلَ مِنْهُ وَاحِدَةً؛ مُنِعَ وَطْءَ امْرَأَتِهِ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهَا لَيْسَتِ التِي وَقَعَتِ الْيَمِينُ عَلَيْهَا، وَلَا يَتَحَقَّقُ حِنْثُهُ حَتَّى يَأْكُلَ التَّمْرَ كُلَّهُ).
إذا تيقَّنَ أكلَ التَّمرة المحلوفِ عليها، أوْ أنَّه لم يأكُلْها؛ فلا إشْكالَ في ذلك بغير خلافٍ
(5)
.
فإنْ أكَلَ منه
(6)
شيئًا - قلَّ أو كثر
(7)
- ولم يَدْرِ أَكَلَها أوْ لا، فلا يَتحقَّقُ حِنْثُه؛ لأِنَّ الباقيةَ يَحتَمِلُ أنَّها المحلوفُ عليها، ويقينُ النِّكاح ثابِتٌ، فلا يَزولُ بالشَّكِّ، فعلى هذا: حكمُ الزَّوجيَّة باقٍ إِلاَّ في الوَطْء، فإنَّ الخِرَقِيَّ يَمنَعُ منه؛
(1)
في (م): تزيل الحكم.
(2)
في (ظ): يزيله.
(3)
في (م): يتيقن الأذى ولا.
(4)
في (م): ما تيقن.
(5)
ينظر: المغني 9/ 613.
(6)
في (ظ): منها.
(7)
في (م): أقل أو أكثر.
لأِنَّه شاكٌّ في حِلِّها، كما لو اشْتَبَهت امرأتُه بأجنبيَّةٍ.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب وغَيرُه: أنَّها باقيةٌ على الحِلِّ؛ لأِنَّ الأصلَ الحِلُّ، فلا يُزولُ بالشَّكِّ؛ كسائر أحكام النِّكاح، وكما لو شكَّ هل طلَّق أمْ لا.
فإن كانَتْ يمينُه: ليأكلَنَّ هذه التَّمرة، فلا يتحقَّق بِرُّه حتَّى يَعلَمَ أنَّه أكَلَها.
فرعٌ: إذا قال لزَوجتَيهِ أوْ أَمَتَيهِ: إحداكما طالِقٌ أوْ حرَّةٌ غَدًا، فماتَتْ إحداهما قبلَ الغد؛ طَلَقَتْ وعَتَقَتْ الباقيةُ في ظاهر المذهب، وقِيلَ: يُقرِعُ بَينَهما كمَوتِهما، وهل تَطلُقُ إذِنْ أَوْ منذ طَلَّقَ؟ فيه وجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتَيهِ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، يَنْوِي وَاحِدَةً مُعَيَّنَةً؛ طَلَقَتْ وَحْدَهَا)؛ لأِنَّه عيَّنَها بنيَّتِه
(1)
، أشْبَهَ ما لو عيَّنَها بلَفْظِه، فإن
(2)
قال: أردتُ فُلانةَ؛ قُبِلَ؛ لأِنَّ ما قالَهُ مُحتَمِلٌ، ولا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَته.
(وَإِنْ لَمْ يَنْوِ؛ أُخْرِجَتِ الْمُطَلَّقَةُ بِالْقُرْعَةِ)، نَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(3)
، رُوِيَ عن عليٍّ
(4)
، وابنِ عبَّاسٍ
(5)
، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابة، وقاله
(1)
في (م): بنيةٍ.
(2)
في (م): فلو.
(3)
ينظر: الطرق الحكمية ص 252.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (18011)، عن أبي جعفر، أن عليًّا قال:«أقرع بينهن» . ذكره تحت باب: (في الرجل تكون له النسوة فيقول: إحداكن طالق ولا يسمي)، أبو جعفر الباقر عن علي مرسل.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (1172)، وابن أبي شيبة (19062)، وأبو عبيد في الغريب (5/ 249)، والبيهقي في الكبرى (15134)، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما في رجل كنَّ له نسوة، فطلق إحداهن ثم مات، لم يُعلم أيتهن طلَّق؟ فقال ابن عباس:«ينالهنَّ من الطلاق ما ينالهنَّ من الميراث» ، إسناده صحيح، وقد فسره إسحاق بن راهويه بما يفيد القرعة بينهن، وفسره أبو عبيد بأنه يكون موقوفًا حتى تُعرف بعينها، فيعتزلهن جميعًا إذا كان الطلاق ثلاثًا، وفسره أحمد بأن الطلاق يقع عليهن جميعًا كما يرثن جميعًا. ينظر: مسائل إسحاق بن منصور 4/ 1952.
وأخرج سعيد بن منصور (1173)، وحرب الكرماني في مسائله (1/ 462)، من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه سُئل عن رجل له أربع نسوة، فطلَّق إحداهن لا يدري أيتهن هي. فقال ابن عباس:«إن كنت علمتها ثم نسيتها؛ فإنهن يشتركن في الطلاق كما يشتركن في الميراث، وإن كنت لم تنو واحدة منهن؛ فاختر أيتهن شئت» ، وفيه ضعف.
الحَسَنُ وأبو ثَورٍ، ولأِنَّه إزالةُ ملْكٍ بُنِيَ على التَّغليب والسِّراية، فتدخله
(1)
القُرْعةُ كالعتق، وقد ثَبَتَ الأصلُ «بقُرْعته عليه السلام بَينَ العَبِيد السِّتَّة»
(2)
، ولأِنَّ الحقَّ لواحدٍ غيرِ مُعَيَّنٍ، فَوَجَبَ تعيينُه بقُرْعةٍ؛ كإعتاق عبيده في مرضه، وكالسفر
(3)
بإحْدَى نسائه، وكالمنسيَّة.
وعنه: يُعيِّن
(4)
أيَّتَهما شاء، وقاله أكثرُ العلماء، وذَكَرَها بعضُهم في العتق؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ إيقاعُه ابتداءً، ويُعيِّنُه، فإذا أوْقَعَه ولم يُعيِّنْه؛ مَلَكَ تَعْيِينَه؛ لأِنَّه استيفاء ما يَملِكُه
(5)
.
وقال قتادةُ: يَطلُقْنَ جميعًا.
ورُدَّ: بأنَّه أضاف الطَّلاقَ إلى واحدةٍ، فلم يَطلُقِ الجميعُ؛ كما لو عيَّنَها.
فرعٌ: لا يَطَأُ إحداهما قبلَ القرعة أو التَّعيين، وهل وطء إحداهما
(6)
تعيينٌ لغيرها؟ قال ابنُ حمدانَ: يَحتَمِلُ وجْهَينِ، والأصحُّ: أنَّه لَيس تعيينًا لغيرها، ولا يَقَعُ بالتَّعيين، بل يتبيَّنُ وقوعُه في المنصوص.
فإنْ مات؛ أَقْرَعَ الورثةُ، فمَنْ قَرَعَتْ؛ لم تُوَرَّثْ؛ نَصَّ عليه
(7)
.
(1)
في (ظ): فيدخله.
(2)
أخرجه مسلم (1668)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه.
(3)
في (م): وكالسير.
(4)
قوله: (يعين) سقط من (م).
(5)
في (م): استنقاد ما ملكه.
(6)
في (م): أحدهما.
(7)
ينظر: المغني 7/ 498.
تنبيهٌ: إذا قال: امرأتي طالِقٌ، أوْ أَمَتِي حرَّةٌ، ونَوَى مُعَيَّنةً؛ انصرف إليها، وإنْ نَوَى مُبهَمةً فهي مُبهمَةٌ فيهنَّ، وإنْ لم يَنْوِ شَيئًا؛ فالمذهب تَطلُقُ نساؤه، وتَعتِقُ إماؤه، روي
(1)
عن ابنِ عبَّاسٍ
(2)
؛ لأِنَّ الواحِدَ المضافَ يُرادُ به الكلُّ؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم: 34].
وقال الجماعةُ: يَقَعُ على واحدةٍ مُبهَمَةٍ؛ كما لو قال: إحداكما
(3)
طالِقٌ؛ لأِنَّ لفظ الواحد لا يُستعمَلُ في الجميع إلاَّ مجازًا، ولو احتمل وجب صَرْفُه على الواحدة؛ لأِنَّها اليقينُ، وما زاد مشكوكٌ فيه، قال في «الشَّرح»: وهذا أصحُّ.
(وَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا وَأُنْسِيَهَا؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا)؛ أيْ: ذَهَبَ أكثرُ الأصحاب
(4)
إلى أنَّه إذا طلَّق امرأةً من نسائه وأُنسِيَها؛ أنَّها تُخرَجُ بالقرعة، قال في «المحرَّر»: هو
(5)
المشهورُ؛ لأِنَّه بعدَ النِّسيان لا تُعلم
(6)
المطلَّقةُ منهما
(7)
، فَوَجَبَ أنْ تُشرَعَ القرعة
(8)
فيها، وحينئذ
(9)
تجب النَّفقةُ حتَّى يُقرَعَ.
وقد رَوَى إسماعيلُ بنُ سعيدٍ عن أحمدَ: أنَّ القُرْعةَ لا تُستَعْمَلُ هنا لمعرفة الحلِّ، وإنَّما تُستعمَلُ لبيانِ الميراث
(10)
.
(1)
في (م): وروي.
(2)
تقدم تخريجه 8/ 323 حاشية (5).
(3)
في (ظ): إحداهما.
(4)
في (م): أصحابنا.
(5)
في (م): هذا.
(6)
في (م): لا يعلم.
(7)
قوله: (منهما) سقط من (م).
(8)
قوله: (تشرع القرعة) في (م): يشرع.
(9)
في (م): فحينئذ.
(10)
ينظر: المغني 7/ 497.
قال في «الشَّرح» : لا ينبغي أنْ يثبُتَ الحِلُّ بالقرعة، وهو قَولُ أكثرِ أهلِ العلم، فالكلامُ إذًا في شَيئَينِ:
أحدهما: في استعمال القرعة في المنسيَّة في التَّوريث.
الثَّاني: استعمالُها في الحلِّ.
فالأوَّلُ جائزٌ؛ لأِنَّ الحقوقَ إذا تساوَتْ على وجهٍ لا يُمكِنُ التَّمييزُ إلاَّ بالقرعة؛ صحَّ؛ كالشركاء
(1)
في القسمة.
وأمَّا الثاني؛ فلا يصحُّ استعمالُها؛ لأِنَّها اشتبهتْ زوجتُه بأجنبيَّةٍ، فلم تَحِلَّ إحداهما بالقرعة.
(وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ غَيْرُ التِي خَرَجَتْ عَلَيْهَا الْقُرْعَةُ؛ رُدَّتْ إِلَيْهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)؛ لأِنَّه ظَهَرَ أنَّها غيرُ مطلَّقةٍ، والقرعة ليست بطلاقٍ ولا كنايةٍ، وهذا إذا لم تكُنْ تزوَّجتْ؛ لأِنَّه أمْرٌ لا يُعرَفُ إلاَّ من جهته، فقُبِلَ قَولُه.
(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قَدْ تَزَوَّجَتْ)؛ لأنَّها
(2)
قد تعلَّقَ بها حقُّ الزَّوج الثَّاني، (أَوْ تَكُونَ
(3)
القرعةُ (بِحُكْمِ حَاكِمٍ)، نَصَّ عليه في روايةِ الميمونيِّ
(4)
؛ لأِنَّ قرعةَ الحاكم بَينَهما حكمٌ بالتَّفريق، وليس لأِحدٍ رَفْعُ ما حَكَمَ به الحاكِمُ، قال ابن أبي موسى: وفي هذا دليل على أنَّ لحكم الحاكم تأثيرًا في التَّحريم.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَابْنُ حَامِدٍ)، وقدَّمه في «الرِّعاية»:(تَطْلُقُ الْمَرْأَتَانِ)، أمَّا المطلَّقةُ فحقيقةً، وأمَّا التي خرجت بالقرعة؛ فَلِأَنَّ الطَّلاقَ إذا وقع يستحيل رفْعُه، ولأِنَّها حَرُمَتْ عليه بقوله، وتَرِثُه إنْ مات ولا يَرِثُها، وعلى قولهما: يلزمه نفقتُها
(5)
، ولا يَحِلُّ له وطؤُها، والأُولى بالقرعة، قاله في «الشَّرح» .
(1)
في (م): كالشرط.
(2)
في (ظ): لأنه.
(3)
في (م): وتكون.
(4)
ينظر: المغني 7/ 499.
(5)
في (م): يلزمه نفقة نفقتها.
وذكر في «الرعاية» على قولهما: إنْ مات قبلَها؛ أَقْرَعَ الورثةُ، فمَنْ قرعت لم تَرِثْ، وإنْ ماتتا، أو إحداهما قبلَه، فمن قرعت؛ لم يرثها مع طلاقٍ بائنٍ.
(وَالصَّحِيحُ) عندَ المؤلِّف، وهو روايةٌ:(أَنَّ الْقُرْعَةَ لَا مَدْخَلَ لَهَا هَهُنَا)؛ أيْ: في المعيَّنة المتقدِّم ذِكرُها، (وَيَحْرُمَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا، كَمَا لَوِ اشْتَبَهَتِ امْرَأَتُهُ بِأَجْنَبِيَّةٍ)، ولأِنَّ القرعةَ لا تزيلُ حكمَ المطلَّقة، ولا يرفع الطَّلاق عمَّن وَقَعَ عليها؛ لأِنَّه
(1)
لو ارتفع لَمَا عاد إذا تبيَّنَ أنَّها مطلَّقةٌ، وفارَقَ ما قاسوا عليه، فإنَّ الحقَّ لم يَثْبُتْ لواحدٍ بعَينِه.
تنبيهٌ: إذا طلَّقَ واحدةً لا بعينها، أوْ بعينها ثمَّ أُنْسيها
(2)
، فانقضت عدَّةُ الجميع؛ فله نكاحُ خامِسةٍ قبلَ القُرعة في الأصحِّ، ومتى عَلِمْناها بعينها، فعدَّتُها مِنْ حينَ طلَّقها، وقِيلَ: مِنْ حينِ التَّعيين. فإنْ مات الزَّوجُ قَبْلَ التَّعيين؛ فعلى الجميع عدَّةُ الوفاة عندَ أهل الحجاز والعراق، والصَّحيحُ: أنَّه يَلزَمُ كلَّ واحدةٍ الأطْوَلُ مِنْ عدَّةِ وفاةٍ أوْ طلاقٍ.
(وَإِنْ طَارَ طَائِرٌ فَقَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ)، ولم يُعلَمْ حالُه؛ (فَهِيَ كَالْمَنْسِيَّةِ)؛ لأِنَّ الطَّائرَ لا بُدَّ أنْ يكونَ أحدَهما، فيَقَعُ الطَّلاقُ بمَنْ وُجد
(3)
شرطُ طلاقها، وقد تقدَّم ذكرُ الخلاف فيها.
لكِنْ لو قال: إنْ كان غرابًا فامرأتي طالِقٌ ثلاثًا، وقال آخَرُ: إنْ لم يكنْ غرابًا فامرأتي طالِقٌ ثلاثًا، ولم يَعلمَاه؛ لم تَطلُقا، وحَرُمَ عليهما الوطءُ، إلاَّ مع اعتقاد أحدهما خطأَ الآخَرِ.
(1)
في (م): لأنها.
(2)
في (ظ): نسيها.
(3)
قوله: (بمن وجد) في (م): فهي.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ، وَإِنْ كَانَ حَمَامًا فَفُلَانَةُ طَالِقٌ
(1)
؛ لَمْ تَطْلُقْ وَاحِدَةٌ مِنْهُمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّه غيرُهما، فلا يزولُ يقينُ النِّكاح بالشَّكِّ في الحنث.
فإن ادَّعتْ حِنْثَه؛ قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ معه
(2)
، واليقين في جانبه.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَانَ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَقَالَ آخَرُ: إِنْ لَمْ يَكُنْ غُرَابًا فَعَبْدِي حُرٌّ، وَلَمْ يَعْلَمَاهُ؛ لَمْ يَعْتِقْ عَبْدُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ الرِّقِّ، فلا يزولُ بالشَّكِّ، بخلاف ما إذا كان العبدان لواحدٍ؛ لأِنَّه معلومٌ زوالُ رِقِّه عن
(3)
أحدهما، فلذلك
(4)
شُرِعَت القُرعةُ.
(وَإِنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا عَبْدَ الآْخَرِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ)، قاله أبو الخَطَّاب، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ العَبدَينِ صارا له، وقد عُلِمَ عِتْقُ أحدِهما لا بعَينه، فيَعتِقُ بالقُرعة، إلاَّ أَنْ يكونَ أحدُهما أقرَّ أنَّ الحانِثَ صاحبُه، فيُؤخَذُ بإقراره.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، وقدَّمه في «الرِّعاية»:(يَعْتِقُ الذِي اشْتَرَاهُ)؛ لأِنَّه يُنْكِرُ حِنْثَ نفسِه، وذلك يقتضي حِنْثَ رفيقه في الحلف، فيكون مُقِرًّا بحرِّيَّته، فإذا اشتراه؛ وجب الحكمُ عليه بالعتق.
ولم يُفرِّق المؤلِّفُ بَينَ ما إذا اشتراه بعدَ أنْ أنكر حِنْثَ نفسه، وبَينَ شرائه قبل أنْ يُنكِرَ، وفرَّق بَينَهما في «المغني» ، وقال في «المحرَّر»: فاشترى أحدُهما نصيبَ صاحبه، وقيل
(5)
: إنَّما يَعتِقُ إذا تكاذبا، وإلاَّ أحدهما بالقرعة، وهو الأصحُّ.
(1)
قوله: (وإن كان حمامًا ففلانة طالق) سقط من (م).
(2)
في (م): بعد.
(3)
في (م): من.
(4)
في (م): فكذلك.
(5)
في (م): فقيل.
وولاءُ
(1)
المبيع إنْ عَتَقَ لبيت المال، وقِيلَ: للمشتري.
فرعٌ: إذا كان الحالِفُ واحدًا، فقال: إنْ كان هذا
(2)
غرابًا فعبدي حرٌّ، وإنْ لم يكُنْ غرابًا فأَمَتِي حرَّةٌ؛ عَتَقَ أحدُهما بالقرعة، فإنِ ادَّعى أحدُهما أنَّه الذي عَتَقَ، أو ادَّعى ذلك كلُّ واحد
(3)
منهما؛ قُبِلَ قَول السَّيِّد مع يمينه.
وإذا قال: إنْ كان غرابًا فنساؤه طوالِقُ، وإن لم يكُنْ فعبيدُه أحرارٌ، وجُهِلَ؛ أُقْرِعَ بَينَ النِّساء والعبيد، وعليه نفقة الكلِّ قبلَها، فإن ادَّعى كلٌّ منهم أنَّه عَتَقَ؛ قُبِلَ قَول السَّيِّد، وفي يمينه وجْهانِ.
وكلُّ مَوضِعٍ قُلْنا: يُستحْلَفُ، فنَكَلَ؛ قُضي عليه.
فإنْ قال: أنا أعْلَمُ أنَّه
(4)
كان غرابًا أو غَيرَ غرابٍ؛ قُبِلَ منه.
وإنْ مات؛ أَقْرَعَ الورثة، وقيل: لهم التَّعيينُ.
مسألةٌ: إذا زوَّجَ بنتًا من ثلاث، ثمَّ مات، وجُهِلَتْ، حَرُمْنَ، ونقل أبو طالبٍ وحنبلٌ: تُخرج
(5)
بقرعةٍ
(6)
، قال القاضي وأبو الخَطَّاب: وكذا يجيء إذا اختلطت أخته بأجنبيَّات.
وفي «عيون المسائل» : لا يجوز اعتبارُ ما لو اختلط ملكُه بملكٍ لأجنبيٍّ بما
(7)
لو اختلط ملكه بملكه؛ لأِنَّه إذا اختلط عبدُه بعبد غيره؛ لم يُقرَعْ.
(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ وَأَجْنَبِيَّةٍ: إِحْدَاكُمَا
(8)
طالِقٌ،
(1)
في (م): وإلا.
(2)
قوله: (كان هذا) في (م): هذ.
(3)
قوله: (واحد) سقط من (م).
(4)
في (م): إن.
(5)
في (ظ): يخرج.
(6)
ينظر: الفروع 9/ 146.
(7)
في (ظ): ما.
(8)
في (م): أحداهما.
أَوْ قَالَ
(1)
: سَلْمَى طَالِقٌ، وَاسْمُ امْرَأَتِهِ سَلْمَى؛ طَلَقَتِ امْرَأَتُهُ)؛ لأِنَّ الأصلَ اعتبارُ كلام المكلَّف
(2)
دون إلغائه، فإن
(3)
أضافه إلى إحدى امرأتَينِ وإحداهما زوجتُه، أو إلى اسمٍ وزَوجَتُه مُسَمَّاةٌ بذلك؛ وجَبَ صرفُه إلى امرأته؛ لأِنَّه لو لم يُصرَفْ إليها؛ لَوَقَعَ لغوًا.
(فَإِنْ أَرَادَ الْأَجْنَبِيَّةَ؛ لَمْ تَطْلُقِ امْرَأَتُهُ)؛ لأِنَّه لم يصرِّحْ بطلاقها، ولا لَفَظَ بما يقتضيه، ولا نَواهُ، فوجب بقاءُ نكاحها على ما كان عليه.
(وَإِنِ
(4)
ادَّعَى ذَلِكَ؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ ما قاله، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ
(5)
:
أشهرهما: أنَّه لا يُقبَلُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ غيرَ زوجته ليست محلًّا لطلاقه.
والثَّانيةُ: بلى، وقاله أبو ثَورٍ؛ لِمَا قُلْنا.
وعلى الأولى
(6)
: إذا كان ثَمَّ قرينةٌ دالَّةٌ على إرادة الأجنبيَّة، مثل أنْ يَدفَعَ بيمينه ظلمًا، أو يتخلَّص
(7)
بها من مكروهٍ؛ فإنَّه يُقبَلُ في الحكم، ونقل أبو داودَ فِيمَنْ له امرأتان اسمُهما واحِدٌ، ماتت إحداهما، فقال: فلانةُ طالِقٌ يَنوِي الميِّتَةَ فقال: الميِّتةُ تَطلُقُ؟! إنَّ كانْ
(8)
أحمد أراد: لا يُصدَّق حكمًا
(9)
.
(1)
قوله: (قال) سقط من (ظ).
(2)
في (م): المؤلف.
(3)
في (م): فإذا.
(4)
في (م): فإن.
(5)
في (م): الروايتين.
(6)
في (م): الأول.
(7)
في (م): يخلص.
(8)
قوله: (كان) سقط من (م)، وعبارة المسائل والفروع: كأن. مكان: (إن كان).
(9)
ينظر: مسائل أبي داود ص 240.
وفي «الانتصار» خلافٌ في قوله لها ولرجلٍ: إحداكما طالِقٌ.
فإن لم يَنْوِ زوجتَه، ولا الأجنبيَّةَ؛ طَلقَتْ زوجتُه؛ لأِنَّها محلٌّ للطَّلاق.
(وَإِنْ نَادَى امْرَأَتَهُ، فَأَجَابَتْهُ امْرَأَةٌ لَهُ أُخْرَى، فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، يَظُنُّهَا
(1)
الْمُنَادَاةَ؛ طَلَقَتَا فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، اختارها ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّه خاطَبَها بالطَّلاق، فطلقَت؛ كما لو قَصَدَها.
(وَالْأَخْرَى: تَطْلُقُ التِي نَادَاهَا) فقط، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّه قد تعلَّق بخطابه المناداةُ
(2)
، وليست الأخرى مُناداةً، ولأِنَّه لم يَقصِدْها بالطَّلاق فلم تَطلُق، كما لو أراد أن يقولَ: طاهِرٌ، فسَبَقَ لسانُه فقال: أنت
(3)
طالِقٌ، قال أبو بكرٍ: لا يَختَلِفُ كلامُ أحمدَ أنَّها لا تَطْلُقُ.
(وَإِنْ قَالَ
(4)
: عَلِمْتُ أَنَّهَا غَيْرُهَا، وَأَرَدْتُ طَلَاقَ الْمُنَادَاةِ؛ طَلَقَتَا مَعًا) في قولهم جميعًا؛ لأِنَّ المناداةَ توجَّه إليها لفظُ الطَّلاق ونيَّتُه، والمجيبةُ توجَّه إليها بخطابها بالطَّلاق.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ طَلَاقَ الثَّانِيَةِ؛ طَلَقَتْ وَحْدَهَا)؛ لأِنَّه خاطَبَها بالطَّلاق، ونواها به، ولا يَطلُقُ غَيرُها؛ لأِنَّ لفظَه غَيرُ مُوَجَّهٍ إليها، ولا هي مَنْوِيَّةٌ.
(وَإِنْ لَقِيَ أَجْنَبِيَّةً ظَنَّهَا
(5)
امْرَأَتَهُ، فَقَالَ: فُلَانَةُ أَنْتِ طَالِقٌ)، هذا قَولٌ في المذهب: أنَّها تَطلُقُ إذا سَمَّى زوجتَه، والمذهَبُ: أنَّه يَقَعُ؛ لقوله: (طَلَقَتِ
(1)
زيد في (م): أنها.
(2)
قوله: (تعلق بخطابه) في (م): قد تخاطبه المناداة. وفي الكشاف 12/ 405: لأنه قصدها بخطابه.
(3)
قوله: (أنت) سقط من (م).
(4)
قوله: (قال) سقط من (م).
(5)
زيد في (م): أنها.
امْرَأَتُهُ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّه قصد زوجتَه بصريحِ الطَّلاق، كما لو قال: علمت أنَّها أجنبيَّةٌ، وأردتُ طلاق زوجتي.
ويَحْتَمِلُ: أنَّها لا تَطلُقُ؛ لأِنَّه لم يُخاطِبْها بالطَّلاق، وكما لو عَلِمَ أنَّها أجنبيَّةٌ.
فإنْ لَقِيَ امرأتَه ظَنَّها
(2)
أجنبيَّةً، فقال لها
(3)
: أنتِ طالِقٌ، فهل تَطْلُقُ؟ فيه رِوايَتانِ هما أصْلُ المسائل.
قال ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه، وجزم به
(4)
في «الوجيز» : على أنَّه لا يَقَعُ، وكذا العِتْقُ، قال أحمدُ فِيمَنْ قال: يا غلامُ أنتَ حرٌّ: يَعتِقُ عبدُه الذي نَوَى
(5)
، وفي «المنتخب»: أوْ نَسِيَ أنَّ له عبدًا أوْ زوجةً فبان له.
فرعٌ: إذا لَقِيَ امرأتَه يَظنُّها أجنبيَّةً، فقال: أنتِ طالِقٌ، أو قال: تَنَحَّيْ يا مطلَّقة، أوْ قال لِأَمَتِه يَظُنُّها أجنبيَّةً: تَنَحَّيْ يا حرَّة؛ فقال أبو بكرٍ: لا يَلْزَمُه عتقٌ ولا طلاقٌ، ونَصَره في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لم يُرِدْهما بذلك، فلم يَقَعْ بهما شيءٌ؛ كسَبْقِ اللِّسانِ.
ويُخرَّجُ على قولِ ابنِ حامِدٍ: أنَّهما يَقَعانِ.
ويَحتَمِلُ: ألاَّ يَقَعَ العتقُ فقط؛ لأِنَّ عادةَ النَّاسِ مُخاطَبَةُ مَنْ لا يَعرِفُها بقوله
(6)
: يا حرةُ، بخلاف المرأة، فإنَّها تَطلُقُ.
تذنيبٌ: إذا أوْقَعَ كلمةً وجَهِلَها، هل هي طلاقٌ أوْ ظِهارٌ؟
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 165.
(2)
في (م): وظن أنها.
(3)
قوله: (لها) سقط من (ظ).
(4)
في (م): بها.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 165.
(6)
في (م): فقوله.
فقيل: يُقرَعُ بَينَهما؛ لَأنَّها تَخرُجُ المطلَّقةُ بها، فكذا أحدُ اللَّفْظَينِ.
وقِيلَ: لَغْوٌ، قدَّمه في «الفنون» ؛ كمَنِيٍّ في ثَوبٍ لا يَدْرِي مِنْ أيِّهما هو.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه مِثْلُه: مَنْ حَلَفَ يمينًا، ثُمَّ جَهِلَها، يؤيدُ
(1)
أنَّه لَغْوٌ قول أحمد في رجلٍ قال له: حَلَفْتُ بيمين
(2)
لا أدري أيَّ شَيءٍ هي، قال: لَيتَ أنَّكَ إذا دَرَيْتَ دريتُ أنا
(3)
.
وذَكَرَ ابنُ عَقيل روايةً: تلزمه
(4)
كفَّارةُ يمينٍ
(5)
.
(1)
في (م): يريد.
(2)
في (م): في يمين.
(3)
ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 52.
(4)
في (م): يلزمه.
(5)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصله رحمه الله تعالى).
(كِتَابُ الرَّجْعَةِ)
الرَّجْعة، بفتح الرَّاء أفْصَحُ مِنْ كَسْرِها، قاله الجَوهَريُّ
(1)
، وقال الأزْهَرِيُّ: الكسر
(2)
أكثرُ
(3)
.
وهي لغةً: المرة
(4)
من الرُّجوع.
وشَرْعًا: عبارةٌ عن إعادة مطلَّقةٍ غيرِ بائنٍ إلى ما كانت عليه بغير عقدٍ.
والأصلُ فيها قَبْلَ الإجماع
(5)
، قَولُه تعالى:{وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} [البَقَرَة: 228]؛ أيْ: رجْعةً، قاله الشَّافعيُّ
(6)
والعلماءُ، وقوله تعالى:{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البَقَرَة: 231]، فخاطب الأزواج بالأمر، ولم يَجعَلْ لهنَّ اخْتِيارًا، وقد رَوَى ابنُ عمرَ قال: طلَّقْتُ امرأتي وهي حائضٌ، فسأل عمرُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال
(7)
: «مُرْهُ فلْيُراجِعْها» متَّفَقٌ عليه
(8)
، و «طلَّق صلى الله عليه وسلم حَفْصةَ ثُمَّ رَاجَعَها» رواه أبو داودَ من حديثِ عمرَ رضي الله عنه
(9)
.
(إِذَا طَلَّقَ الْحُرُّ امْرَأَتَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا
(10)
أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثٍ، أَوِ الْعَبْدُ وَاحِدَةً، بِغَيْرِ عِوَضٍ؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ)، أجْمَعَ أهلُ العلم على ذلك،
(1)
ينظر: الصحاح 3/ 1216.
(2)
في (م): الكسرة.
(3)
ينظر: الزاهر ص 216.
(4)
في (م): المرات.
(5)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 84، مراتب الإجماع ص 75.
(6)
ينظر: الأم 5/ 196.
(7)
في (م): وقال.
(8)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
(9)
أخرجه أبو داود (2283)، والنسائي في الكبرى (5723)، وابن ماجه (2016)، وابن حبان (4275)، والحاكم (2797)، صححه ابن حبان والحاكم والألباني. ينظر: الإرواء 7/ 157.
(10)
قوله: (بها) سقط من (م).
ذَكَرَه ابنُ المنذر
(1)
، وإذا فُقِدَ قَيْدٌ منها؛ لم يَملِك الرَّجعةَ.
فالأوَّلُ يَحتَرِزُ عن غيرِ المدخول بها؛ لأِنَّه إذا طلَّقها قبلَ الدُّخول؛ فلا رجعةَ؛ لأِنَّه لا عِدَّةَ عليها، فلا تَرَبُّصَ في حقِّها يَرتَجِعُها فيه.
وبالثَّاني؛ عن المطلَّقة تمامَ العَدد
(2)
.
وبالثَّالث؛ عن الخُلْع ونحوِه.
وبالرَّابع؛ عن انْقِضاءِ العِدَّة.
والمنصوص: أنَّ الخَلْوةَ هنا كالدُّخول
(3)
.
وقِيلَ: لا رَجْعةَ لِمَنْ خَلا بها ولم يَطَأْ، وهو قَولُ أكثرِهم.
(رَضِيَتْ أَوْ كَرِهَتْ)؛ لعُموم النصوص
(4)
، ولأِنَّ الرَّجعةَ إمساكٌ للمرأة بحُكْمِ الزَّوجيَّة، فلم
(5)
يُعتَبَرْ رضاها في ذلك؛ كالذي في صلب نكاحها
(6)
، ولو بلا إذْنِ سيِّدٍ وغيرِه، ولو كان مريضًا مُسافِرًا، نَصَّ عليه
(7)
.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لا يُمَكَّنُ من الرَّجْعة إلاَّ مَنْ أراد إصلاحًا، وأمْسَكَ بمعروفٍ
(8)
.
وظاهِرُه: للحرِّ رَجْعَةُ أَمَةٍ وإنْ كان تحتَه حرَّةٌ.
وشَرْطُ المرتَجِعِ: أهليَّةُ النِّكاح بنفسه، فخرج ب (الأهليَّة): المرتدُّ، وب (نفسه): الصبِيُّ والمجنونُ.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 84.
(2)
في (م): العدة.
(3)
ينظر: مسائل صالح 2/ 222، مسائل ابن منصور 4/ 1752.
(4)
في (م): النص.
(5)
في (م): فلا.
(6)
في (ظ): نكاحه.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 151.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 151.
ولو
(1)
طلَّقَ فجُنَّ؛ فلِوَلِيِّه الرَّجْعةُ على الأصحِّ، حيثُ يَجوزُ له ابتداء النِّكاحُ.
فلو كانت حامِلاً، فوَضَعَتْ بعض
(2)
الولد؛ فله رَجْعَتُها؛ لأِنَّها لم تَضَعْ جميعَ حَمْلِها.
فإذا كانَتْ حامِلاً باثْنَينِ؛ فله رَجْعَتُها قَبْلَ وَضْعِ الثَّاني في قَولِ عامَّتهم.
وقال عِكْرِمةُ: تَنقَضِي عِدَّتُها بِوَضْع الأوَّلِ.
(وَأَلْفَاظُ الرَّجْعَةِ: رَاجَعْتُ امْرَأَتِي، أَوْ رَجَعْتُهَا، أَوِ ارْتَجَعْتُهَا، أَوْ رَدَدْتُهَا، أَوْ أَمْسَكْتُهَا)؛ لقَولِه تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البَقَرَة: 228]، {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاق: 2]، والرَّجْعةُ وَرَدَ بها السُّنَّةُ، واشْتَهَرَتْ في العُرف
(3)
كاشْتِهار اسمِ الطَّلاق فيه.
وقِيلَ: الصَّريحُ لَفظُها؛ لاشتهاره
(4)
دُونَ غَيرِه، كقولنا في صريح الطَّلاق، وذَكَرَه في «الرِّعاية» تخريجًا.
وذَكَرَ الحُلْوانِيُّ ألفاظَها الصَّريحةَ ثلاثةً: أمْسكْتُكِ، وراجَعْتُكِ، وارْتَجَعْتُك.
(فَإِنْ قَالَ: نَكَحْتُهَا، أَوْ تَزَوَّجْتُهَا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «الإيضاح» رِوايَتانِ:
أحدُهما: لا تحصل
(5)
بذلك، قدَّمه السَّامَرِّيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ هذا كنايةٌ، والرَّجْعةُ اسْتِباحةُ بُضْعٍ مقصودٍ، فلا تحصل
(6)
بالكناية؛ كالنِّكاح.
(1)
في (م): فلو.
(2)
في (م): بعد.
(3)
في (ظ): العروف.
(4)
في (ظ): لفظهما الاشتهار.
(5)
في (ظ): لا يحصل.
(6)
في (ظ): فلا يحصل.
والثَّاني: بلى، أوْمَأَ إليه أحمدُ
(1)
، واختاره ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّ الأجنبيةَ تُباحُ به، فالرَّجْعِيَّةُ أَوْلَى.
وعلى هذا: يَحتاجُ أنْ يَنوِيَ به الرَّجعةَ، ذَكَرَه في «الموجز»
(2)
، و «التَّبصرة» ، و «المغْنِي» ، و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ ما كان كنايةً يُعتبَرُ له النِّيَّةُ؛ ككنايات الطَّلاق.
وفي «التَّرغيب» : هل يَحصُلُ بكنايةٍ: أعَدْتُكِ، أوِ اسْتَدَمْتُكِ؟ فيه وجْهانِ.
وفيه وَجهٌ: لا يَحصُلُ بكنايةٍ رجْعَةٌ.
(وَهَلْ مِنْ شَرْطِهَا الْإِشْهَادُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «الفروع»:
إحداهما: يَجِبُ، قدَّمه الخِرَقِيُّ، وجَزَمَ به
(3)
أبو إسحاقَ بنُ شاقْلَا، ونَصَّ عليه في روايةِ مُهَنَّى
(4)
؛ لقوله تعالى: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطّلَاق: 2]، وظاهِرُ الأمر الوجوبُ، ولأِنَّه اسْتِباحةُ بُضْعٍ مَقصودٍ، فوجبت الشَّهادةُ فيه؛ كالنِّكاح، فلو ارْتَجَعَ بغيرِ إشْهادٍ؛ لم يَصِحَّ.
وإنْ أشْهَدَ، وأوْصَى الشُّهودَ بكِتْمانها؛ فالرَّجْعةُ باطِلةٌ، نَصَّ عليه
(5)
.
وقال القاضي: يُخرَّجُ على الرِّوايتَينِ في التَّواصِي بكِتْمانِ النِّكاح.
والثَّانيةُ: لا يُشتَرَطُ، نَصَّ عليه في روايةِ ابنِ مَنصورٍ
(6)
، واختارها أبو بكرٍ، والقاضي، وأصحابُه، ورجَّحَها في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّها لا تَفتَقِرُ إلى قَبولٍ، فلم تَفتَقِرْ إلى شهادةٍ؛ كسائر حقوقِ
(1)
ينظر: المغني 7/ 524.
(2)
في (م): «الوجيز» .
(3)
قوله: (به) سقط من (م).
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 168.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 165.
(6)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1731.
الزَّوج، ولأِنَّ ما لا يُشتَرَطُ فيه الوليُّ؛ لا
(1)
يُشتَرَط فيه الإشْهادُ كالبيع، وإذًا يُحمل
(2)
الأمرُ على الاستحباب.
ولا شكَّ أنَّ الإشهادَ بعدَ الرَّجْعة مُستحبَّةٌ بالإجماع
(3)
، فكذا عندها؛ حذارًا من الجمع بين الحقيقة والمجاز في لفظٍ واحِدٍ.
وما قِيلَ: إنَّها استباحةُ بُضْعٍ؛ فغَيرُ مُسلَّمٍ؛ إذِ الرَّجْعةُ مُباحةٌ.
وجَعَلَ المجْدُ هاتَينِ الرِّوايتَينِ على قَولِنا: إنَّ الرَّجعةَ لا تَحصُلُ إلاَّ بالقَول، وهو ظاهِرٌ، وأمَّا على القول بأنَّها تَحصُلُ بالوطء؛ فلا يُشتَرَطُ الإشْهاد، روايةً واحدةً، وعامَّةُ الأصحاب كالقاضي في «التَّعليق» يُطلِقونَ الخِلافَ.
وألْزَمَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين بإعلان
(4)
الرَّجعة والتَّسريح، أو الإشهاد؛ كالنِّكاح والخُلع عندَه
(5)
، لا على ابْتِداء الفُرقة، ولِئَلاَّ يكتُمَ طَلاقَها.
على
(6)
كلِّ تقديرٍ: فالاِحْتِياطُ أنْ يقولَ: اشْهَدَا
(7)
عليَّ أنِّي قد رَاجَعْتُ زَوْجَتِي إلى نكاحي، أوْ راجَعْتُها لمَّا وَقَعَ عليها طلاقي
(8)
.
(وَالرَّجْعِيَّةُ: زَوْجَةٌ، يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، وَالظِّهَارُ، وَالْإِيلَاءُ)، وَيَرِثُ أحدُهما صاحِبَه إنْ مات بالإجماع
(9)
.
(1)
في (م): ولأن ما اشترط فيه الأولى.
(2)
في (م): تحمل.
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 378.
(4)
في (م): بإعلانه.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 155، الاختيارات ص 352.
(6)
في (م): وعلى.
(7)
في (م): اشهدوا.
(8)
في (م): الطلاق.
(9)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 85، مراتب الإجماع ص 75.
وعَنْه: لا
(1)
يَصِحُّ الإيلاءُ منها.
فإنْ خالَعَها؛ صحَّ خُلْعُه، وفيه روايةٌ حكاها في «التَّرغيب» ؛ لأِنَّه يُرادُ للتَّحريم، وهي محرَّمةٌ.
وجوابُه: أنَّها زوجةٌ يَصِحُّ طلاقُها، فصحَّ خُلْعُها؛ كما قَبْلَ الطَّلاق، وليس مقصودُ الخُلْع التَّحريم، بل الخَلاصُ من ضَرَرِ الزَّوج، على أنَّنا نَمنَعُ كونها
(2)
محرَّمة.
وتستحقُّ
(3)
النَّفقة؛ كالزَّوجة.
(وَيُبَاحُ لِزَوْجِهَا وَطْؤُهَا، وَالْخَلْوَةُ، وَالسَّفَرُ بِهَا، وَلَهَا أَنْ تَتَزَيَّنَ وَتَتَشَرَّفَ لَهُ) في ظاهِرِ المذهب، وصحَّحه في «المستوعب» ، قال أحمدُ في روايةِ أبي طالِبٍ: لا تَحتَجِبُ عنه، وفي رواية أبي الحارث: تَتَشرَّفُ ما كانت في العِدَّة
(4)
؛ لأِنَّها في حُكْمِ الزَّوجاتِ؛ كما قَبْلَ الطَّلاق.
(وَتَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا، نَوَى الرَّجْعَةَ أَوْ لَمْ يَنْوِ) على المذهب، اختاره
(5)
ابنُ حامِدٍ والقاضي، وقاله كثيرٌ من العلماء؛ لأِنَّه سببُ زوال الملك، انْعَقَدَ مع الخيار، والوَطْء من المالك
(6)
يَمْنَعُ زوالَه؛ كوطء البائع في مدَّة الخيار، وكما ينقطع به التَّوكيل في طلاقها.
وقال ابن أبي موسى: تكون
(7)
رجعةً إذا أراد به الرَّجعة، وقاله إسْحاقُ.
(وَلَا تَحْصُلُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَلَا النَّظَرِ إِلَى فَرْجِهَا، وَالْخَلْوَةِ بِهَا لِشَهْوَةٍ، نَصَّ
(1)
قوله: (وعنه لا) في (م): ولا.
(2)
في (ظ): كونه.
(3)
في (م): فتستحق.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 169.
(5)
في (م): واختاره.
(6)
في (م): الملك.
(7)
في (م): يكون.
عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ ذلك كلَّه لَيسَ في معنى الوطء؛ إذِ الوطء يدلُّ على ارتجاعها دلالةً ظاهِرةً، بخِلافِ ما ذُكِرَ.
وقال بعضُ أصحابنا: تَحصُلُ الرَّجْعةُ بها؛ لأِنَّه مَعْنًى يَحرُمُ من الأجنبيَّة، ويحلُّ
(1)
من الزَّوجة، فحَصَلَتْ به الرَّجْعةُ كالاِسْتِمْتاعِ.
والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأِنَّه لا يُبطِلُ خِيارَ المشتري للأَمَة، وكاللَّمْس لغَيرِ شَهوةٍ.
(وَخَرَّجَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى وَجْهَيْنِ)، مَبنيَّيْنِ على الرِّوايَتَينِ في تحريم المصاهَرَة به:
أحدُهما: هو رَجعةٌ؛ لأِنَّه اسْتِمْتاعٌ يُباحُ بالزوجيَّة
(2)
، فحصلت الرَّجعةُ به؛ كالوطء.
والثَّاني: لَيسَ برجعةٍ؛ لأِنَّه أمْرٌ لا يتعلَّقُ به إيجابُ عِدَّةٍ ولا مَهْرٍ، فلا يحصل
(3)
به؛ كالوطء.
(وَعَنْهُ: لَيْسَتْ مُبَاحَةً)؛ لأِنَّها مُطلَّقةٌ، فَوَجَبَ عَدَمُ إباحتها؛ كالمطلَّقة بعِوَضٍ، (وَلَا تَحْصُلُ الرَّجْعَةُ بِوَطْئِهَا)، بل لا تَحصُلُ إلاَّ بالقول، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لأنَّها
(4)
استباحةُ بُضْعٍ مقْصودٍ أُمِرَ بالإشهاد فيه
(5)
، فلم يَحصُلْ من القادِر بغَيرِ قَولٍ؛ كالنِّكاح، ولأِنَّ غَيرَ القول فِعْلٌ مِنْ قادِرٍ على القَولِ، فلم تَحصُل الرَّجْعةُ به؛ كالإشارة من النَّاطِقِ، فَعَلَيْها: لا مَهْرَ لها.
(وَإِنْ أَكْرَهَهَا عَلَيْهِ؛ فَلَهَا الْمَهْرُ)؛ لأِنَّ وَطْأَها حرَّمه الطَّلاقُ، فأوْجَبَ
(1)
في (ظ): والحل.
(2)
في (ظ): بالزوجة.
(3)
في (م): فلا تحصل.
(4)
في (م): لأنها.
(5)
في (م): به.
المهرَ؛ كوطء البائنِ.
(إِنْ لَمْ يَرْتَجِعْهَا بَعْدَهُ)، وقاله جمعٌ؛ لأِنَّه إذا ارْتجَعَهَا بعدَه تبيَّنَّا أنَّ الطَّلاقَ السَّابقَ لم يكُنْ مُفْضِيًا إلى البَيْنونة، فَوَجَبَ ألا
(1)
يكونَ مُحرَّمًا، فلا يكونُ مُوجِبًا.
والمذهب: أنَّه لا مَهْرَ بِوَطْئها، فَلَزِمَه، سَواءٌ راجع
(2)
أمْ لا؛ لأِنَّه وَطِئَ زوجتَه التي يَلحَقُها طلاقُه، فلم يَلْزَمْه مهر
(3)
؛ كالزَّوجات.
قال في «الشَّرح» : والأوَّلُ أَوْلى لِظُهورِ الفَرْق، فإنَّ البائن
(4)
لَيستْ زوجةً له، وهذه زَوجةٌ يَلحَقُها طلاقُه.
فرعٌ: لا حَدَّ عليه في هذا الوطء، وهل يُعزَّرُ؟ فيه خِلافٌ.
(وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ الرَّجْعَةِ بِشَرْطٍ)؛ لأنَّه
(5)
اسْتِباحةُ فرجٍ مقصودٍ، أشْبَهَ النِّكاحَ.
فلو قال: كلَّما طلَّقْتكِ فقد راجَعْتُكِ، أو راجَعْتُك إنْ شئتِ، أوْ إنْ قَدِمَ أبوكِ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه تعليقٌ على شرطٍ.
لكِنْ لو قال: كلَّما راجَعْتُكِ فقد طلَّقْتُك؛ صحَّ، وطَلقَتْ.
(وَلَا الاِرْتِجَاعُ فِي
(6)
الرِّدَّةِ)؛ أيْ: إذا راجَعَ في الرِّدَّة مِنْ أحدهما؛ لم يَصِحَّ؛ كالنِّكاح.
وقال القاضي: إنْ قُلْنا: تَتَعَجَّلُ الفُرْقةُ بالرِّدَّةِ؛ لم تَصِحَّ الرَّجْعةُ؛ لأِنَّها قد
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
في (ظ): رجع.
(3)
في (م): فلم يلزمها مهرها.
(4)
في (م): البين.
(5)
قوله: (لأنه) سقط من (م).
(6)
في (م): من.
بانَتْ بها، وإنْ قُلْنا: لا تَتَعَجَّلُ الفُرْقةُ؛ فالرَّجْعةُ مَوقُوفةٌ؛ إنْ أسْلَمَ المرتدُّ منهما صحَّت الرَّجعةُ، وإنْ لم يُسلِمْ لم يَصِحَّ، كما يَقِفُ الطَّلاقُ والنِّكاح، وهذا قَولُ المزَنِيِّ، واخْتارَهُ ابنُ حامِدٍ.
وكذا إذا رَاجَعَهَا بَعْدَ إسِلامِ أحدِهما.
(وَإِنْ طَهُرَتْ مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ)، والأَمَةُ من الحَيضتَينِ، (وَلمَّا
(1)
تَغْتَسِلْ، فَهَلْ لَهُ رَجْعَتُهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) ذَكَرَهما ابنُ حامِدٍ:
إحداهما: لا تَنقَضِي حتَّى تَغتَسِلَ، ولزوجها رَجْعَتُها، نَصَّ عليه في روايةِ حنبلٍ
(2)
، قدَّمها السَّامَرِّيُّ وابنُ حَمْدانَ، وهي قَولُ كثيرٍ من الأصحاب، رُوِيَ ذلك عن أبي بكرٍ
(3)
، وعمرَ
(4)
، وعليٍّ
(5)
،
(1)
في (م): ولم.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 211.
(3)
أخرجه سعيد بن منصور (1223)، وابن أبي شيبة (18899)، عن مكحول: أن أبا بكر وعمر وعثمان وعليًّا وابن مسعود وأبا موسى الأشعري وأبا الدرداء وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم، كانوا يقولون في الرجل يطلق امرأته تطليقة أو تطليقتين:«إنه أحق بها ما لم تغتسل من حيضتها الثالثة، يرثها وترثه ما دامت في العدة» ، مرسل.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 443)، والبيهقي في الخلافيات (4581)، عن عيسى الحناط، عن الشعبي، عن ثلاثة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا:«هو أحق بها ما لم تغتسل من الحيضة الثالثة، أبو بكر وعمر» ، وجعل يعد. والحناط متروك.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (18897)، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عمر وعبد الله رضي الله عنهما قالا:«هو أحق بها» ، إسناده صحيح متصل، وأخرجه عبد الرزاق (10988)، وسعيد بن منصور (1218)، والشافعي في السنن المأثورة (431)، وابن أبي شيبة (18898)، والطبراني في الكبير (9617)، والبيهقي في الكبرى (15394)، عن إبراهيم، عن علقمة عنهما في قصة، إسناده صحيح، وعلقمة عن عمر مرسل.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (10983)، وسعيد بن منصور (1219)، والشافعي في الأم (5/ 192)، وابن أبي شيبة (18901)، والطبري في التفسير (4/ 94)، عن ابن المسيب، أن عليًّا قال في رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين قال:«تحل لزوجها الرجعة عليها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة» ، وإسناده صحيح.
وقال
(1)
شريكٌ: وإن
(2)
فرَّطَتْ في الغسل عشرين سنةً، ولأِنَّه قَولُ مَنْ سَمَّيْنا من الصَّحابة، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ في عصرهم، فكان كالإجماع، ولأِنَّ أكثرَ أحكامِ الحيض لا تزولُ إلاَّ بالغسل.
والثَّانيةُ: أنَّها تَنقَضِي بانقطاع الدَّم وإنْ لم تَغتَسِلْ، اختارها أبو الخَطَّاب والحُلْوانيُّ، قال ابنُ حَمْدانَ: وهي أَوْلَى، وفي «الوجيز» ، و «التَّصحيح»: ما لم يَمْضِ عليها وقتُ صلاةٍ؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البَقَرَة: 228]، والقروء
(3)
: الحِيَضُ، وقد زالَتْ، فيَزولُ التَّربُّصُ، ويُحمَلُ قَولُ الصَّحابة:«حتَّى تَغتَسِلَ» ؛ أي: حتى
(4)
يَلزَمُها الغُسْلُ، ولأِنَّ انْقِضاءَ العِدَّة يتعلق
(5)
ببَيْنونَتِها من الزَّوج وحِلِّها لغَيرِه، فلم تتعلَّقْ بفِعلٍ اخْتِياريٍّ من جهةِ المرأة بغَيرِ تعليقِ الزَّوج؛ كالطَّلاق.
فإنْ كانَت العِدَّةُ بوضْعِ الحَمْل؛ فله رَجْعَتُها بعدَ وَضْعه وقبلَ أنْ تغتَسِلَ من النِّفاس، قال ابنُ عَقِيلٍ: له رَجْعَتُها على روايةِ حنبلٍ، والصَّحيحُ: لا نَصَّ عليه، سواءٌ طَهُرَتْ من النِّفاس أمْ لا.
(وَإِنِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَلَمْ يَرْتَجِعْهَا؛ بَانَتْ وَلَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلاَّ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ)، بشروطه، بالإجماع
(6)
، (وَتَعُودُ إِلَيْهِ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ عَدَدِ طَلَاقِهَا، سَوَاءٌ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ
(7)
غَيْرِهِ، أَوْ قَبْلَهُ)، وجملتُه: أنَّها إذا رَجَعَتْ إليه قبلَ
(1)
في (ظ): وقاله.
(2)
في (م): إن.
(3)
في (م): والقرء.
(4)
قوله: (حتى) سقط من (ظ).
(5)
قوله: (يتعلق) سقط من (م).
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 84، مراتب الإجماع ص 75.
(7)
زيد في (م): أو.
زوجٍ ثانٍ؛ فإنَّها تعودُ إليه على ما بَقِيَ من طلاقها بغَيرِ خلافٍ علمناه
(1)
.
وإنْ عادَتْ إليه بَعْدَ زوجٍ وإصابةٍ، وكان الأوَّلُ طلَّقَها ثلاثًا؛ عادَتْ إليه بطلاقٍ ثلاثًا إجماعًا، حكاه
(2)
ابن المنذِرِ
(3)
.
وإنْ طلَّقَها دُونَ الثَّلاثِ، فأظْهَرُ الرِّوايتَينِ: أنَّها تعودُ إليه على ما بَقِيَ مِنْ طَلاقها، وهو قَولُ عمرَ
(4)
، وعليٍّ
(5)
، وابنِ مَسْعودٍ
(6)
، وأبي هُرَيرةَ
(7)
، وابنِ عمرَ
(8)
،
(1)
قوله: (علمناه) سقط من (م). وينظر: المغني 7/ 505.
(2)
في (م): وحكاه.
(3)
ينظر: الإجماع ص 86.
(4)
أخرجه مالك (2/ 586)، وعبد الرزاق (11151)، وسعيد بن منصور (1525)، والشافعي في الأم (5/ 267)، وابن أبي شيبة (18377)، والبيهقي في الكبرى (15135)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«أيما امرأة طلقها زوجها تطليقة أو تطليقتين ثم تركها حتى تحل وتنكح زوجًا غيره، فيموت عنها أو يطلقها ثم ينكحها زوجها الأول؛ فإنها تكون عنده على ما بقي من طلاقها» ، إسناده في غاية الصحة.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (11154)، وسعيد بن منصور (1528)، وابن أبي شيبة (18382)، والبخاري في التاريخ الكبير (2/ 211)، والبيهقي في الكبرى (15138)، عن مزيدة بن جابر، عن أبيه عن علي رضي الله عنه قال:«على ما بقي» ، فيه ضعف، مزيدة قال فيه أبو زرعة:(ليس هو بشيء)، وقال أحمد:(معروف)، وليس هذا توثيقًا، وأبوه فيه جهالة.
(6)
لم نقف عليه، وابن المنذر والموفق ابن قدامة والشارح والزركشي لم يذكروه عنه، وقد روي عن أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (1538)، وابن أبي شيبة (18388)، عن إبراهيم، قال:«كان أصحاب عبد الله يقولون: يهدم النكاح الثلاث، ولا يهدم الواحدة والثنتين» ، وإسناده صحيح.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (11153)، عن ابن المسيب، أن أبا هريرة سأله رجل طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين، فتركها حتى عدتها، فنكحها رجل آخر فطلقها أو مات عنها، ثم نكحها زوجها الأول وطلقها تطليقتين، فاستفتى أبا هريرة؛ فأفتاه:«أن قد حلت منه، فحرمت عليه» ، وإسناده صحيح.
(8)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني (7/ 505)، والشرح الكبير (23/ 100) تبعًا لما ذكره ابن المنذر في الإشراف (5/ 242): عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. والأثر قد روي عنهما جميعًا.
فقد أخرج ابن حزم (10/ 14) تعليقًا وصححه، عن حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر بمثل قول عمر رضي الله عنهما. ولم نقف عليه مسندًا.
وأخرج ابن أبي شيبة (18383)، عن حجاج، عن عمرو بن شعيب، قال:«قضى عمر، ومعاذ، وزيد، وأبي، وعبد الله بن عمر أنها على ما بقي من الطلاق» ، وهو مرسل، وحجاج بن أرطاة ضعيف، وكان يدلس عن عمرو ويسقط محمد بن عبيد الله العرزمي وهو متروك، وذُكر فيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في مطبوعات المصنف التي وقفنا عليها. وأخرجه ابن وهب في المدونة (2/ 75)، عن مسلمة بن علي، عن رجل، عن عمرو بن شعيب نحوه، وذكر فيه عبد الله بن عمرو بن العاص مكان ابن عمر رضي الله عنهم، ومسلمة بن علي الخشني متروك.
وعِمْرانَ
(1)
، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ وَطْءَ الثَّاني لا يُحتاجُ إليه إلاَّ في الإحلال للأوَّل، فلا يُغيِّرُ حكمَ الطَّلاق؛ كوطْءِ السَّيِّد، وكما لو عادتْ إليه قبلَ نكاحٍ آخَرَ.
(وَعَنْهُ: إِنْ رَجَعَتْ بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ غَيْرِهِ رَجَعَتْ
(2)
بِطَلَاقٍ ثَلَاثٍ)، وهي قَولُ ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ
(3)
؛ لأِنَّ وطءَ الثَّاني يَهدِمُ الطَّلَقات الثَّلاث، فأَوْلَى أنْ يَهدِمَ ما دُونَها؛ ولأنَّ
(4)
وطءَ الثَّاني سبب
(5)
للحِلِّ.
وجوابُه: أنَّه لا يَثبُت الحِلُّ؛ لأِنَّه في الطلقات
(6)
الثَّلاث غايةٌ للتَّحريم،
(1)
أخرجه عبد الرزاق (11158)، والبيهقي في الكبرى (15140)، عن ابن سيرين قال: قال عمران رضي الله عنه: «هي على ما بقي من الطلاق» ، إسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى صحيحة.
(2)
في (م): رجع.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11167)، وابن أبي شيبة (18386)، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم قالا:«هي عنده على طلاق جديد» ، وإسناده صحيح، وروي عنهما من وجوه أخرى صحيحة.
(4)
في (ظ): لأن.
(5)
في (م): بسبب.
(6)
(م): الطلاق.
وإنَّما سمَّاه محلِّلاً تَجَوُّزًا، ولأِنَّ الحِلَّ إنَّما يَثبُتُ في محلٍّ فيه تحريمٌ، وهي المطلَّقة ثلاثًا، وههنا هي حلالٌ له، فلا يَثبُتُ فيها حِلٌّ.
(وَإِنْ
(1)
ارْتَجَعَهَا فِي عِدَّتِهَا، وَأَشْهَدَ عَلَى رَجْعَتِهَا مِنْ حَيْثُ لَا تَعْلَمُ، فَاعْتَدَّتْ وَتَزَوَّجَتْ مَنْ أَصَابَهَا؛ رُدَّتْ إِلَيْهِ)، وحاصِلُه: أنَّ زَوجَ الرَّجْعيَّةِ إذا راجعها مِنْ حيثُ لا تَعلَمُ؛ صحَّت المراجَعةُ؛ لأِنَّها لا تَفتَقِرُ إلى رضاها، فلم يُفتَقَرْ إلى عِلْمِها؛ كطلاقها، فإذا راجَعَها ولم تَعلَمْ، فانْقَضَتْ عِدَّتُها، وتزوَّجَتْ، ثُمَّ جاء وادَّعى أنَّه كان راجَعَهَا قبلَ انْقِضاءِ عِدَّتِها، وأقام البينة على ذلك؛ فهي زوجتُه، وأنَّ نكاحَ الثَّاني فاسِدٌ؛ لأِنَّه تزوَّجَ امرأةَ غيرِه، وتُرَدُّ إلى الأوَّل، سواءٌ دَخَلَ بها الثَّاني أو لا، وهو قولُ أكثرهم؛ لأِنَّها رجعةٌ صحيحةٌ، وتزوَّجتْ وهي زوجةُ الأوَّلِ، فلم يَصِحَّ؛ كما لو لم يُطلِّقْها، (وَلَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) من الثَّاني؛ لأِنَّها مُعتدَّةٌ مِنْ غيره، أشْبَهَ ما لو وُطِئَتْ في أصل نكاحه.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا زَوْجَةُ الثَّانِي) إنْ دَخَلَ بها، ويَبطُلُ نكاحُ الأوَّلِ، رُوِيَ عن عمرَ
(2)
، وسعيدِ بنِ المسيَّب، وغيرِهما؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما عَقَدَ عليها،
(1)
في في (م): فإن.
(2)
أخرجه مالك (2/ 575)، بلاغًا: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال في المرأة يطلقها زوجها وهو غائب عنها، ثم يراجعها، فلا يبلغها رجعته، وقد بلغها طلاقه إياها، فتزوجت أنه:«إن دخل بها زوجها الآخر أو لم يدخل بها، فلا سبيل لزوجها الأول الذي كان طلقها إليها» ، وهو منقطع. وأخرجه عبد الرزاق (10979)، وسعيد بن منصور (1316)، وابن أبي شيبة (18909)، عن إبراهيم النخعي قال: طلق أبو كنف رجل من عبد القيس امرأته واحدة أو اثنتين، ثم أشهد على الرجعة، فلم يبلغها حتى انقضت العدة، ثم تزوجت، فجاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكتب إليه إلى أمير المصر:«إن كان دخل بها الآخر فهي امرأته، وإلا فهي امرأة الأول» ، وإبراهيم عن عمر منقطع، ومراسيله حسان. وأخرجه عبد الرزاق (10978)، عن ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه نحوه، وهذا إسناد صحيح، ورواية سعيد عن عمر محمولة على الاتصال.
وهي ممَّن يَجوزُ له العَقْدُ عليها في الظَّاهر، ومع الثَّاني مَزِيَّةٌ.
وجوابُه ما سَبَقَ.
فإنْ لم يَدخُل الثَّاني بها؛ فلا مَهْرَ، وإنْ دَخَلَ؛ فعليه مهرُ المثل.
ومقتضاه: أنَّه إذا لم يَدخُلْ بها؛ فإنَّها تُرَدُّ إلى الأوَّل بغير خلافٍ في المذهب
(1)
، وأنَّه إذا تزوَّجها مع عِلْمِه بالرَّجعة؛ فالنِّكاحُ باطِلٌ، وحُكْمُ العالِم كالزَّاني في الحدِّ وغيرِه.
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ
(2)
لَهُ بَيِّنَةٌ بِرَجْعَتِهَا؛ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ)؛ لقوله عليه السلام: «لَوْ يُعطَى النَّاس بدَعْواهم» الخبرَ
(3)
، ولأِنَّ الأصلَ عدمُ الرَّجعة، فإذا اعترفا له بها
(4)
؛ كان كإقامة البيِّنة بها في أنَّها تُرَدُّ إليه.
(لَكِنْ إِنْ صَدَّقَهُ الزَّوْجُ
(5)
الثَّانِي؛ بَانَتْ مِنْهُ)؛ لأِنَّه اعْتَرَفَ بفسادِ نكاحه، فتبِين منه، وعليه مَهْرُها إنْ كان دخل بها، أو نصفُه، ولا تُسلَّم
(6)
إلى المدَّعِي؛ لأِنَّ قَولَ الزَّوج الثَّاني لا يُقبَلُ عليها، وإنَّما يُقبَلُ في حقِّه، ويُقبَلُ قَولُها، وفي اليمين وجْهانِ، وصحَّح في «المغْنِي»: أنَّها لا تُستَحْلَفُ؛ لأِنَّها لو أقرَّتْ لم يُقبَلْ.
(وَإِنْ صَدَّقَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ لَمْ يُقْبَلْ تَصْدِيقُهَا) على الزَّوج إذا أنْكَرَ، وإنَّما يقبل
(7)
على نفسها في حقِّها
(8)
.
(1)
قوله: (في المذهب) سقط من (م).
(2)
في (م): لم يكن.
(3)
أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4)
في (م): به.
(5)
قوله: (الزوج) سقط من (م).
(6)
في (م): ولا يسلم.
(7)
في (م): تقبل.
(8)
قوله: (في حقها) سقط من (ظ).
ولا يُستَحْلَفُ الزَّوجُ الثَّاني في وَجْهٍ، اختاره القاضي؛ لأِنَّه دَعْوى في
(1)
النِّكاح.
والثَّاني: بلى، وهو قَولُ الخِرَقِيِّ؛ للعموم، وعلى هذا: يمينه على نفي العلم؛ لأِنَّه على نفي فعلِ الغَيرِ.
(وَمَتَى بَانَتْ مِنْهُ) بمَوتٍ، أوْ طلاقٍ، أوْ فَسْخٍ؛ (عَادَتْ إِلَى الْأَوَّلِ بِغَيْرِ عَقْدٍ جَدِيدٍ)؛ لأِنَّ المنْعَ مِنْ ردِّها إنَّما كان لحقِّ الثَّاني، كما لو شَهِدَ بحرِّيَّةِ عبدٍ، ثُمَّ اشتراه، فإنَّه يَعتِقُ عليه.
ولا يَلزَمُها مهرُ الأوَّل إن
(2)
صدَّقَتْه في الأصحِّ.
وفي «الواضح» : إن
(3)
صدَّقَتْه لم يُقبَلْ، إلاَّ أنَّه يُحالُ بَينَهما.
وقال القاضي: له عليها المهرُ؛ لأِنَّها أقرَّتْ أنَّها حالَتْ بَينَه وبَينَ نصفها بغيرِ حقٍّ، أشْبَهَ شهودَ الطَّلاق إذا رَجَعُوا.
ولنا: أنَّ ملْكَها قد استقرَّ على المهر، فلم يَرجِعْ به عليها؛ كما لو ارتدَّتْ أوْ أسْلَمَتْ، ويَلزَمُها للثَّاني مَهْرُها أوْ نصفُه، وهل يُؤمَرُ بطَلاقها؟ فيه رِوايَتان.
فإنْ مات الأوَّلُ وهي في نكاحِ الثَّاني؛ وَرِثَتْه؛ لإقراره بزَوجِيَّتِها وتصديقها له، وإنْ ماتَتْ؛ لم يَرِثْها؛ لأِنَّها لا تُصدَّقُ في إبطال نكاحه.
وإن مات الثَّاني لم تَرِثْه؛ لأِنَّها تُنكِرُ صحَّةَ نكاحه، فتُنْكِرُ ميراثه
(4)
، وإن ماتَتْ وَرِثَها؛ لأِنَّه زَوْجُها في الحكم، من إباحة النَّظر والوطء، فكذا في الميراث.
فرعٌ: إذا تزوَّجت الرَّجْعيَّةُ في عِدَّتها، وحمَلَتْ من الثَّاني؛ انْقَطَعَتْ عدَّةُ
(1)
قوله: (في) سقط من (م).
(2)
في (م): وإن.
(3)
في (م): وإن.
(4)
قوله: (وإن ماتت لم يرثها؛ لأنها لا تصدق
…
) إلى هنا سقط من (م).
الأوَّل، فإذا وَضَعَتْ؛ أتمَّتْ عدَّةَ الأوَّل، وله رَجْعَتُها في هذا التَّمام وجْهًا واحِدًا.
وإنْ راجَعَها قَبْلَ الوَضْع؛ صحَّتْ؛ لأِنَّ الرَّجْعةَ باقيةٌ، وإنَّما انْقَطَعَتْ لِعارِضٍ؛ كما لو وُطِئَتْ في صلب نكاحه.
وقِيلَ: لَا؛ لأِنَّها في عِدَّةِ غَيرِه.
والأوَّل
(1)
أَوْلَى.
فَعَلَى الثَّاني: لو حَمَلَتْ حَمْلاً يُمكِنُ أنْ يكونَ مِنهما، وراجَعَها في هذا الحَمل، ثُمَّ بانَ أنَّه من الثَّاني؛ لم يَصِحَّ، وإنْ بانَ من الأوَّل صحَّت على أصحِّ الاِحْتِمالَينِ.
(1)
قوله: (غيره والأول) في (م): غيره الأول.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا) بوِلادةٍ، أوْ غَيرِها؛ (قُبِلَ قَوْلُهَا إِذَا كَانَ مُمْكِنًا)؛ لقوله تعالى:{وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} [البَقَرَة: 228]؛ أيْ: من الحَمْل والحَيض، فلولا أنَّ قَولَهنَّ مَقْبولٌ؛ لم يَحرُمْ عَلَيهِنَّ كِتْمانُه، ولأِنَّه أمرٌ تَختَصُّ بمعرفته، فكان القَولُ قَولَها فيه؛ كالنيَّة
(1)
، أوْ أَمْرٌ لا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَتِها، فقُبِلَ قَولُها فيه، كما يَجِبُ على التَّابِعِيِّ قَبولُ خبر
(2)
الصَّحابِيِّ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.
(إِلاَّ أَنْ تَدَّعِيَهُ بِالحَيْضِ
(3)
فِي شَهْرٍ، فَلَا يُقْبَلُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)، ولو أنَّه امرأةٌ واحدةٌ نَصَّ عليه
(4)
؛ لقَولِ شُرَيحٍ: إذا ادَّعَتْ أنَّها حاضَتْ ثلاثَ حِيَضٍ في شَهْرٍ، وجاءتْ بِبَيِّنةٍ، فقد انْقَضَتْ عِدَّتُها، وإلاَّ فهي كاذِبةٌ، فقال له عليٌّ:«قالُونْ»
(5)
، ومَعْناهُ بِلِسانِ الرُّومِيَّةِ: أَصَبْتَ، أَوْ أَحْسَنْتَ، ولأِنَّه يَندُرُ جِدًّا حصولُ ذلك في شهرٍ، فيُعمَلُ بالبيِّنة، بخِلافِ ما زاد على الشَّهر، وكخِلاف عادةٍ مُنتَظِمَةٍ في الأصحِّ.
وعنه: يُقبَلُ قَولُها مُطلَقًا، واختاره
(6)
الخِرَقِيُّ وأبو الفَرَجِ؛ كثلاثةٍ وثَلاثِينَ يومًا، ذكره
(7)
في «الواضح» و «الطَّريق الأقرب» .
ولا فَرْقَ بَينَ المسلِمة والفاسِقةِ وضدِّهما.
(1)
في (ظ): كالبينة.
(2)
في (م): قول.
(3)
في (م): تدعيها لحيض.
(4)
ينظر: مسائل صالح 3/ 104، مسائل أبي داود ص 254.
(5)
سبق تخريجه 1/ 402 حاشية (2).
(6)
في (م): اختاره.
(7)
قوله: (ذكره) سقط من (م).
فرعٌ: إذا قالَت: انْقَضَتْ عِدَّتِي، ثُمَّ قالت
(1)
: ما انْقَضَتْ؛ فله رَجْعَتُها.
ولو
(2)
قال: أخْبَرَتْنِي بانْقِضاءِ عدَّتِها، ثُمَّ راجَعَها، ثُمَّ أقرَّتْ بكَذبِها في انْقِضاءِ عدَّتِها، وأنْكَرَتْ ذلك
(3)
، وادَّعت أنَّ عِدَّتَها لم تَنقَضِ؛ فالرَّجْعةُ صحيحةٌ؛ لأِنَّها لم تُقِرَّ بانْقِضاء عِدَّتِها، وإنَّما أخبرت
(4)
به، وقد رَجَعَتْ عنه.
(وَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ العِدَّةِ بِهِ
(5)
؛ أيْ: عِدَّة الحُرَّة
(6)
(مِنَ الْأَقْرَاءِ: تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، إِذَا قُلْنَا: الْأَقْرَاءُ: الحِيَضُ، وَأَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا)، وذلك بأنْ يُطلِّقَها مع آخِرِ الطُّهْرِ، ثُمَّ تَحِيض يَومًا وليلةً، ثُمَّ تَطْهُر ثلاثةَ عَشَرَ يَوْمًا، ثُمَّ تَحِيض يَومًا وليلةً، ثُمَّ تَطْهُر ثلاثةَ عَشَرَ يَومًا، ثُمَّ تَحِيض يومًا وليلةً، ثُمَّ تَطهُر لحظةً؛ لِيُعرَفَ بها انْقِطاعُ الحيض، وإنْ لم تَكُنْ هذه اللَّحظةُ مِنْ عِدَّتها؛ فلا بدَّ منها لمعرفةِ انْقِطاعِ الحيض، ومَن اعْتَبَرَ الغُسْلَ، فلا بدَّ
(7)
مِنْ وَقْتٍ يُمكِنُ الغُسْلُ فيه بعدَ الانْقِطاع.
(وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ)؛ لأِنَّ الطُّهرَينِ يَزيدانِ أربعةَ أيَّامٍ.
(وَإِنْ قُلْنَا: القُرُوءُ
(8)
: الْأَطْهَارُ؛ فَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ)، وهو أنْ يُطلِّقَها من آخِرِ لحظةٍ من طُهْرِها، فيَحْسُبُ به قُرْءًا، ثُمَّ يَحسُبُ طُهْرَينِ آخَرَينِ ستَّةً وعِشْرينَ يَومًا، وبَينَهما حَيضَتانِ، فإذا طعنت في الحيضة الثَّالثة
(1)
في (ظ): قال.
(2)
في (م): فلو.
(3)
أي: أنكرت ما ذكر عنها.
(4)
في (م): أخبرته. وفي الشرح الكبير 23/ 119: وإنما أخبر بخبرها عن ذلك.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(6)
زيد في (م): به.
(7)
قوله: (لمعرفة انقطاع الحيض، ومن اعتبر الغسل، فلا بد) سقط من (م).
(8)
في (م): القرء.
لحظةً؛ انْقَضَتْ عِدَّتُها.
(وَإِنْ قُلْنَا: الطُّهْرُ خَمْسَةَ عَشَرَ؛ فَاثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ)، زِدنا
(1)
أربعةَ أيَّامٍ في الطُّهْرَينِ.
فأمَّا إنْ كانَتْ أَمَةً؛ انْقَضَتْ عدَّتُها
(2)
بخمسةَ عَشَرَ يَومًا ولحظةٍ على الأوَّل، وفي «الرِّعاية»: مع بيِّنةٍ على الأصحِّ.
وعلى الثَّاني: بسبعةَ
(3)
عَشَرَ يومًا ولحظةٍ.
وعلى الثَّالث: بأربعةَ عَشَرَ يَومًا ولَحْظتَينِ.
وعلى الرَّابع: بستَّةَ عَشَرَ يَومًا ولَحظتَينِ.
فمتى ادَّعَتْ انْقضاءَ عِدَّتَها بالقروء
(4)
في أقلَّ من هذا؛ لم يُقبَلْ قَولُها عندَ أحدٍ فيما أعْلَمُ
(5)
؛ لأِنَّه لا
(6)
يَحتَمِلُ صِدْقَها.
تنبيهٌ: إذا قالت: انْقَضَتْ عِدَّتي بوَضْعِ حَمْلٍ مُصَوَّرٍ، وأمْكَنَ؛ صُدِّقَتْ في المضغة، وفي يمينِ مَنْ يُقبَلُ قَولُه رِوايتانِ.
فإذا عيَّنَا وَقْتَ حَيضٍ أوْ وَضْعٍ، واخْتَلَفا في سَبْقِ الطَّلاق؛ قُبِلَ قَولُه في العدَّة في الأَشْهَرِ.
قال في «الشَّرح» : وكلُّ مَوضِعٍ قُلْنا: القَولُ قَولُها، فأنكَرَ الزَّوجُ، فقال الخِرَقِيُّ: عَلَيها اليَمينُ، وأَوْمَأَ إليه أحمدُ في روايةِ أبي طالِبٍ
(7)
.
(1)
زيد في (م): زدناه.
(2)
قوله: (عدتها) سقط من (م).
(3)
في (م): سبعة.
(4)
قوله: (عدتها بالقروء) في (م): بالقرء.
(5)
ينظر: المغني 7/ 526.
(6)
قوله: (لا) سقط من (م).
(7)
ينظر: المغني 7/ 527، الشرح 23/ 112.
وقال القاضي: قياسُ المذْهب: لا يَمِينَ، وأَوْمَأَ إليه أحمدُ، فقال: لا يمينَ في نكاحٍ ولا
(1)
طلاقٍ
(2)
؛ لأِنَّ الرَّجعةَ لا يَصِحُّ بَذْلُها، فلا يُستَحْلَفُ فيها؛ كالحدود.
والأوَّلُ أَوْلَى.
فإنْ نَكَلَتْ عن اليمين؛ فقال القاضي: لا يُقضَى بالنُّكول، وقال المؤلِّفُ: ويَحتَمِلُ أنْ يُستحْلَفَ الزَّوجُ، وله رَجْعتُها؛ بِناءً على القول بردِّ اليمين؛ لأِنَّه لَمَّا وُجِدَ النُّكولُ منها؛ ظَهَرَ صِدْقُه، وقَوِيَ جانِبُه، واليَمينُ تُشرَعُ في حقِّه كما شُرِعَتْ في حقِّ المدَّعَى عليه؛ لقوَّةِ جانبه بالعَينِ في اليد.
(وَإِذَا قَالَتِ: انْقَضَتْ عِدَّتِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ رَاجَعْتُكِ، فَأَنْكَرَتْهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّ قَولَها في انْقِضاءِ عِدَّتها مَقْبولٌ، فصارَتْ دَعْواهُ للرَّجْعة بعدَ الحكم بانْقِضاءِ عِدَّتها.
وهذا بخلافِ ما إذا ادَّعى الزَّوجُ رَجْعَتَها في عِدَّتها، فأنكرتْه
(3)
، ونبَّه عليها بقَولِه:(وَإِنْ سَبَقَ، فَقَالَ: ارْتَجَعْتُكِ، فَقَالَتْ: قَدِ انْقَضَتْ عِدَّتِي قَبْلَ رَجْعَتِكَ)، فأنْكَرَها؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)، ذَكَرَه القاضي، وأبو الخَطَّاب وصحَّحه ابنُ حَمْدانَ؛ لأِنَّه ادَّعَى الرَّجْعةَ قَبْلَ الحُكْم بانْقِضائها، ولأِنَّه يَملِكُ الرَّجعةَ، وقد صحَّتْ في الظَّاهر، فلا يُقْبَلُ قَوْلُها في إبْطالها.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ)، والشِّيرازِيُّ، وابن
(4)
الجَوزِيِّ، ونَصَّ عليه
(5)
، ذَكَرَه في «الواضح»:(الْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ البَيْنونةُ، والأصلُ عَدَمُ الرَّجْعة، ولأِنَّ
(1)
في (م): أو.
(2)
ينظر: المغني 7/ 527، الشرح 23/ 112.
(3)
في (م): وأنكرته.
(4)
في (م): وأبو.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 156.
مَنْ قُبِلَ قَولُه سابِقًا قُبِلَ مَسْبوقًا؛ كسائر الدَّعاوَى.
والأصحُّ: قَولُه، جَزَمَ به في «التَّرغيب» .
ولم يَتعرَّض الأصحابُ بسَبْقِ الدَّعْوَى، هل هو عندَ الحاكم أمْ لَا؟
(وَإِنْ تَدَاعَيَا مَعًا؛ قُدِّمَ قَوْلُهَا) على المذهب، ذَكَرَه ابنُ المنَجَّى، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه تَساقَطَ قَولُهما مع التَّساوِي، والأصلُ عدمُ الرَّجْعة.
(وَقِيلَ: يُقَدَّمُ قَوْلُ مَنْ تَقَعُ لَهُ الْقُرْعَةُ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب وغَيرُه؛ لأِنَّ القُرعةَ مُرجِّحةٌ عِنْدَ الاِسْتِواءِ، بدليلِ: الإمامة، والأذانِ، والعِتْقِ، ونحوِها.
وقيل
(1)
: يُقبَلُ قَولُه؛ لأِنَّ المرأةَ تَدَّعِي ما يوقِع
(2)
الطَّلاقَ، وهو يُنكِرُه، فقُبِلَ قَولُه؛ كالمُولِي والعِنِّين إذا ادَّعَيا إصابةَ امرأته وأنكرته.
وحُكي في «الفروع» الأقوال الثَّلاثة من
(3)
غيرِ ترجيحٍ؛ «كالمحرر» في القَولَينِ المحْكِيَّينِ هنا.
وهذا إذا لم تكُن المرأةُ قد نَكَحَتْ، فإذا نَكَحَتْ بعدَ انْقِضاء العِدَّة، فادَّعى الزَّوجُ الرَّجْعةَ في العِدَّة؛ فإنْ أقامَ بيِّنةً، أوْ صدقاه
(4)
؛ سُلِّمَتْ إليه، وإنْ كذَّباهُ ولا بيِّنةَ؛ قُبِلَ قَولُها مع يمينها، وإنْ صدَّقَتْه وكذَّبه الزَّوجُ الثَّاني؛ صُدِّقَ الثَّاني بيَمِينِه.
أصلٌ: إذا اخْتَلَفا في الإصابة، فقال: قد
(5)
أصَبْتُكِ فلي الرَّجْعةُ، فأنْكَرَتْه، أو
(6)
قالت: قد أصابَنِي فلي المهْر؛ قُبِلَ قَولُ المنْكِر منهما؛ لأِنَّ
(1)
في (م): ونحوهما وهل.
(2)
في (ظ): ما يرفع.
(3)
في (م): في.
(4)
في (م): صدقا.
(5)
قوله: (قد) سقط من (م).
(6)
في (ظ): إذ.
الأصلَ معه، فلا يَزولُ إلاَّ بيقينٍ، ولَيسَ له رَجْعَتُها في المَوْضِعَينِ.
فإنْ كانَ اخْتِلافُهما بعدَ قَبْضِ المهر، وادَّعى إصابَتَها، فأنكَرَتْه؛ لم يَرجِعْ عليها بشَيءٍ؛ لأِنَّه يُقِرُّ لها به ولا يَدَّعِيهِ، وإنْ كان هو المنكِرَ؛ رجع عليها بنصفه.
والخَلْوةُ كالإصابة في إثْباتِ الرَّجْعة للزَّوج على المرأة التي خَلَا بها.
وقال أبو بكرٍ: لا رَجْعةَ له عليها إلاَّ أنْ يُصِيبَها؛ لأِنَّها غَيرُ مُصابَةٍ، فلا يستحق
(1)
رَجْعتها كالتي لم يَخْلُ بها.
وَوَجْهُ الأوَّل: أنَّها مُعتَدَّةٌ يَلْحَقُها طلاقُه، فَمَلَكَ رَجْعَتَها؛ كالتي أصابَهَا.
فرعٌ: إذا ادَّعى زَوجُ الأَمَةِ بعدَ عِدَّتِها أنَّه كان رَاجَعَها في عِدَّتها، فأنْكَرَتْه، وصدَّقَه مَولاها؛ قُبِلَ قَولُها، نَصَّ عليه
(2)
.
وقِيلَ: قَولُه.
فعلى الأوَّل: إنْ عَلِمَ مَولاها صِدْقَ الزَّوجِ؛ لم يَحِلَّ له وَطْؤُها ولا تَزْويجُها، وإنْ عَلِمَتْ هي صِدْقَ الزَّوج في رَجْعَتِها؛ فهي حرامٌ على سيِّدِها، ولا يَحِلُّ لها تمكينُه من وَطْئها إلاَّ مُكرَهَةً؛ كما قَبْلَ الطَّلاق.
(1)
في (ظ): فلا تستحق.
(2)
ينظر: المغني 7/ 530.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ طَلَّقَهَا)؛ أي: الحرُّ (ثَلَاثًا)، والعبدُ اثنتَينِ، ولو عبَّر ك «الفروع» بقوله:(مَنْ طلَّق عَدَدَ طلاقه)؛ لَكانَ أَوْلَى؛ (لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، إجماعًا
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البَقَرَة: 230]، وحديثُ امْرأةِ رِفاعةَ القُرَظِيِّ
(2)
.
وقال سعيدُ بنُ المسيِّب: إذا تزوَّجها تزويجًا
(3)
صحيحًا، لا يُريدُ به إحْلالاً، فلا بَأْسَ أنْ يَتزَوَّجَها الأوَّلُ، قال ابنُ المنذِرِ: لا نَعلَمُ أحدًا قال بهذا إلاَّ الخَوارِجُ
(4)
، ولإجِماعِهم على أنَّ المرادَ بالنِّكاح في الآية: الجِماعُ.
وحاصِلُه: أنَّ حِلَّها للأوَّل مَشْروطٌ: بأنْ تَنْكِحَ زَوجًا غَيرَه، فلو كانت أمة
(5)
فَوَطِئَها السَّيِّدُ؛ فلا.
وأنْ يكونَ النِّكاحُ صحيحًا على المذهب، فلو كان فاسِدًا؛ فلا.
وأنْ يَطَأَها في الفَرْجِ؛ لحديثِ عائشةَ
(6)
، ونبَّه عليه
(7)
بقوله: (وَيَطَأَهَا فِي الْقُبُلِ)؛ لأِنَّه عليه السلام علَّق الحِلِّ على
(8)
ذَواقِ العُسَيلَة، ولا تحصل
(9)
إلاَّ بالوَطْءِ في الفَرْجِ.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 86.
(2)
أخرجه البخاري (2639)، ومسلم (1433)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3)
في (م): زواجًا.
(4)
ينظر: الإشراف 5/ 238.
(5)
في (م): أمته.
(6)
أي حديث رفاعة السابق.
(7)
في (م): عليها.
(8)
قوله: (على) سقط من (م).
(9)
في (م): ولا يحصل.
(وَأَدْنَى مَا يَكْفِي مِنْ
(1)
ذَلِكَ: تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) - مع الاِنْتِشار - (فِي الْفَرْجِ، وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)؛ لأِنَّ أحكامَ الوطء تتعلَّقَ به، فلو أَوْلَجَ مِنْ غَيرِ انْتِشارِ؛ لم يُحِلَّها؛ لأِنَّ الحُكمَ يتعلَّق بذَواقِ العُسَيلةِ، ولا يَحصُلُ مِنْ غَيرِ انْتِشارٍ.
ولَيس الإنزالُ شرطًا فيه؛ لأِنَّه عليه السلام جَعَلَ ذَواقَ العُسَيلةِ غايةً للحُرمة، وذلك حاصِلٌ بدونِ الإنزال.
والذي يَظهَرُ: أنَّ هذا في الثَّيِّبِ، فأمَّا البِكْر فأدْناهُ أنْ يَقْتضَّها
(2)
بآلَتِه.
(وَإِنْ
(3)
كَانَ مَجْبُوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِهِ قَدْرُ الْحَشَفَةِ، فَأَوْلَجَهُ)؛ أحلَّها؛ لأِنَّ ذلك منه بمنزلة الحَشَفَة مِنْ غَيرِه، وفي «التَّرغيب» وَجْهٌ: بقيَّته.
(أَوْ وَطِئَهَا زَوْجٌ مُرَاهِقٌ)؛ أحلَّها في قَولِهم، إلاَّ الحَسَن؛ لظاهر
(4)
النَّصِّ، ولأِنَّه وَطْءٌ من زَوجٍ في نكاحٍ صحيحٍ، أشْبَهَ البالِغَ، وبخِلافِ الصَّغير، فإنَّه لا يُمكِنُه الوَطْءُ، ولا تُذاق
(5)
عُسَيلَتُه.
وفي «المستوعب» : يُعتَبَرُ أنْ يكونَ له عشرُ سِنِينَ فصاعِدًا.
وقال القاضي: يُشتَرَطُ له اثْنا عَشْرَةَ سنةً، ونقله
(6)
مُهَنَّى
(7)
؛ لأنَّ
(8)
مَنْ دُونَ ذلك لا يُمْكِنُه المجامَعةُ.
ولا معنى لهذا، فإنَّ الخِلافَ في المُجامِع، ومَتَى أمْكَنَه الجِماعُ؛ فقد وُجِدَ منه المقصودُ.
(1)
في (م): في.
(2)
في (م): يفتضها.
(3)
في (م): فإن.
(4)
في (م): في ظاهر.
(5)
في (م): ولا يذاق.
(6)
في (م): ونقل.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 158.
(8)
في (م): أن.
(أَوْ ذِمِّيٌّ وَهِيَ ذِمِّيَّةٌ أَحَلَّهَا) لِمُطلِّقِها المسلِمِ، نَصَّ عليه
(1)
، وقال: هو زَوجٌ، وبه تَجِبُ المُلاعَنَةُ والقَسْمُ، ولظاهِرِ النَّصِّ، ولأنَّه
(2)
وَطْءٌ مِنْ زَوجٍ في نكاحٍ صحيحٍ، أشْبَهَ وَطْءَ المسْلِمِ.
(وَإِنْ وُطِئَتْ فِي الدُّبُرِ، أَوْ وُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ، أَوْ بِمِلْكِ
(3)
يَمِينٍ؛ لَمْ تَحِلَّ)؛ لأِنَّ الوَطْءَ في الدُّبُر لا تذوق
(4)
به العُسَيلةَ، والوَطْءَ بشُبْهةٍ أوْ مِلك
(5)
يمينٍ وَطْءٌ من غَيرِ زَوجٍ، فلا يدخل
(6)
في عُمومِ النَّصِّ، فيَبْقَى على المنْع.
(وَإِنْ وُطِئَتْ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ؛ لَمْ تَحِلَّ فِي أَصَحِّ
(7)
الْوَجْهَيْنِ)، نَصَّ عليه
(8)
؛ لأِنَّ النِّكاحَ المطْلَقَ في الكتاب والسُّنَّة إنَّما يُحمَلُ على الصَّحيح، وقالَهُ الأئمَّةُ.
وخرَّج أبو الخَطَّابِ وجْهًا: يُحِلُّها؛ لأِنَّه زَوجٌ، فيدخل
(9)
في عُمومِ النَّصِّ، وسمَّاه عليه السلام تَحلُّلاً
(10)
مع فساد نكاحه.
والأوَّلُ المذْهَبُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، بدليلِ ما لو حَلَفَ: لا يَتزوَّجُ، فتزوَّجَ تَزْويجًا فاسِدًا لا يَحنَثُ، ولأِنَّ أكثرَ أحْكامِ التَّزويج غيرُ ثابِتةٍ فيه؛ من الإحْصانِ، واللِّعان، والظِّهار، ونحوِها، وسَمَّاهُ مُحلِّلاً؛ لِقَصْدِه التَّحليلَ فِيمَا لا يَحِلُّ، ولو أَحَلَّ حقيقةً لَمَا لُعِنَ، ولا لُعِنَ المحلَّل له؛ لقوله عليه السلام: «ما آمَنَ
(1)
ينظر: أحكام أهل الملل ص 170، المغني 7/ 518.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
في (م): يملك.
(4)
في (م): لا يذوق.
(5)
في (م): بملك.
(6)
في (ظ): فلا تدخل.
(7)
في (م): أحد.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1845.
(9)
في (م): فلا مدخل.
(10)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 516، والشرح الكبير 23/ 122: محلِّلاً.
بالقرآن مَنْ اسْتَحَلَّ مَحَارِمَه»
(1)
، ولأِنَّه وَطْءٌ في غَيرِ نكاحٍ؛ كوطءِ الشُّبْهة.
(وَإِنْ وَطِئَهَا زَوْجُهَا فِي حَيْضٍ، أَوْ نِفَاسٍ، أَوْ إِحْرَامٍ)، أوْ صَومٍ واجِبٍ منهما، أوْ مِنْ أحدهما؛ (أَحَلَّهَا) في اخْتِيارِ المؤلِّف، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لدخوله في العُموم، ولأنه
(2)
وَطْءٌ تامٌّ في نكاحٍ تامٍّ، فأحَلَّها؛ كما لو وَطِئَها مريضةً يَضُرُّ بِهَا وطْؤُه، فإنَّه لا خِلافَ في حِلِّها، قالَهُ في «الكافي»
(3)
، وكما لو تزوَّجَها وهو مملوكٌ وَوَطِئَها، وكما
(4)
لو وَطِئَها وقد ضاقَ وقْتُ صلاةٍ ومَسْجِدٍ، ولقَبْضِ مَهْرٍ ونحوِه؛ لأِنَّ الحُرْمةَ لا لِمَعْنًى فيها لحقِّ
(5)
الله تعالى، بخِلافِ وَطْئِها في إحرامٍ ونحوِه، فإنَّ الحُرْمةَ هناك
(6)
لِمَعْنًى فيها.
وفي «عيون المسائل» و «المفردات» : مَنْعٌ وتسليمٌ.
(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا يُحِلُّهَا)، قدَّمه في «الفُروع» ، وهو المنصوصُ في الكلِّ
(7)
؛ لأِنَّه وَطْءٌ حَرُمَ لحقِّ الله تعالى، فلم يُحِلَّها؛ كوطْءِ المرتدَّة
(8)
، أوْ نكاحٍ باطلٍ.
(1)
أخرجه التِّرمذي (2918)، والبزار (2084)، والطبراني في الكبير (7295)، وفي سنده: يزيد بن سنان أبو فروة الرهاوي وهو ضعيف، وفيه أيضًا راوٍ مجهول، وضعفه التِّرمذي وابن عدي، وقال أبو حاتم:(منكر شبه الموضوع). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 570، الكامل 9/ 154.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
ينظر: الكافي 3/ 153.
(4)
قوله: (ووطئها وكما) في (م): كما.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 158، والإنصاف 23/ 128: بل لحقِّ.
(6)
في (م): هنا.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 158.
(8)
في (م): المرتد.
مسائلُ:
الأولى: إذا وَطِئَها في رِدَّتها، أوْ رِدَّته؛ لم يُحِلَّها؛ لأِنَّه إن
(1)
عاد إلى الإسلام؛ فقد وَقَعَ الوَطْءُ في نكاحٍ غيرِ تامٍّ؛ لاِنْعِقادِ سببِ البَيْنونَةِ، وإنْ لم يُسْلِمْ في العِدَّة؛ فلم يُصادِف الوَطْءُ نكاحًا.
وكذا لو أسْلَمَ أحدُ الزَّوْجَينِ فَوَطِئَها قبلَ إسلامِ الآخَرِ.
الثَّانيةُ: إذا كانا مَجْنونَينِ، أوْ أحدُهما، فَوَطِئَها؛ أحلَّها على المذهب؛ لظاهر النَّصِّ، وكالبالِغِ العاقِلِ.
وقال ابنُ حامِدٍ: لا يُحِلُّها؛ لأِنَّه لا يَذُوقُ العُسَيلةَ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ العَقْلَ لَيسَ شَرْطًا في الشَّهوة، بدليلِ البهائم، قال في «الشَّرح»: لكن إنْ كان المجنون
(2)
ذاهِبَ الحِسِّ؛ كالمصروع والمغْمَى عليه؛ لم
(3)
يَحصُل الحِلُّ بِوَطْئِه.
الثَّالِثةُ: إذا وَطِئَ مُغْمًى عليها، أوْ نائمةً لا تُحِسُّ بوطئه؛ لم تَحِلَّ، حكاه ابن المنذر
(4)
.
ويَحتَمِلُ: حُصولُ الحِلِّ؛ للعُموم.
ولو وَطِئَها يَعتَقِدُها أجنبيَّةً، فإذا هي امرأتُه؛ حلَّت؛ لأِنَّه صادَفَ نكاحًا صحيحًا.
الرَّابِعةُ: إذا اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَه وهو نائِمٌ؛ حلَّتْ، وقَدَّمَ في «الشَّرح» خِلافَه؛ لأِنَّه لم يَذُقْ عُسَيلَتَها.
وإنْ وَطِئَها مع إغمائه فوجْهانِ.
(1)
قوله: (إن) سقط من (م).
(2)
في (ظ): المجبوب.
(3)
في (ظ): فلم.
(4)
ينظر: المغني 7/ 518.
وإنْ كان خَصِيًّا، أوْ مسلولاً، أوْ مَوجُوءًا؛ حلَّت؛ لدخوله في عموم الآية في قَولِ الأكثر.
وعنه: لا؛ لِعَدَمِ ذَوقان
(1)
العُسَيلةِ.
قال أبو بكرٍ: والعملُ على الأوَّلِ؛ لأِنَّه يَطَأُ كالفحل
(2)
، ولم يَفْقِد إلاَّ الإنزالَ، وهو غَيرُ مُعتَبَرٍ في الإحْلالِ.
(وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً، فَاشْتَرَاهَا مُطَلِّقُهَا
(3)
؛ لَمْ تَحِلَّ)، نَصَّ عليه
(4)
، رواه مالِكٌ والبَيهَقِيُّ عن زيدِ بنِ ثابِتٍ
(5)
، وقالَهُ الأكثرُ؛ للآية، ولأِنَّ الفَرْجَ لا يَجُوزُ أنْ يكونَ مُحرَّمًا مُباحًا.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَحِلَّ)؛ لأِنَّ الطَّلاقَ يَختَصُّ الزَّوجيَّةَ، فأثَّرَ في التَّحريم.
(وَإِنْ طَلَّقَ الْعَبْدُ امْرَأَتَهُ طَلْقَتَيْنِ؛ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، هذا هو المذْهَبُ: أنَّ الطَّلاقَ مُعتَبَرٌ بالرِّجال، والتَّفريعُ عليه، فعلى هذا: إذا طلَّقَها طلقتَينِ؛ حَرُمَتْ عليه حتَّى تَنْكِحَ زَوجًا غَيرَه.
(1)
في (م): ذوق.
(2)
في (م): كالنحل.
(3)
في (م): مطلق.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1848.
(5)
أخرجه مالك (2/ 537)، وعنه عبد الرزاق (12992)، وابن أبي شيبة (16129)، وأحمد في العلل (2694)، والبيهقي في الكبرى (15204)، عن ابن شهاب، عن أبي عبد الرحمن، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه كان يقول في الرجل يطلق الأمة ثلاثًا، ثم يشتريها:«إنها لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره» ، واختلف في أبي عبد الرحمن، فقال وكيع: هو سليمان بن يسار، وإليه ميل أحمد وابن معين وابن عبد البر في التمهيد، وقيل: طاوس، ورجَّحه في الاستذكار، والأول الأشبه؛ لما رواه عبد الرزاق (12991)، وسعيد بن منصور (1486)، عن عثمان بن حكيم، عن سليمان بن يسار، وذكر نحوه عن زيد. وإسناده صحيح، واحتج به أحمد. ينظر: تاريخ ابن معين 3/ 66، مسائل صالح 3/ 91، التمهيد 9/ 121، الاستذكار 5/ 482.
(سَوَاءٌ عَتَقَا، أَوْ بَقِيَا عَلَى الرِّقِّ)؛ لاِسْتِواءِ الحالين في السَّبب المقتَضِي للتَّحريم قبلَ نكاحِ زَوجٍ آخَرَ، وذلك أنَّ سببَ التَّحريمِ اسْتِكْمالُ العَدَد، وهو مَوجودٌ في حالَتَي العِتْقِ بعدَ الرِّقِّ وبَقاءِ الرِّقِّ.
والمذْهَبُ: أنَّه إذا عَتَقَ بعدَ طلقةٍ؛ مَلَكَ تمامَ الثَّلاث، وإنْ كان بعدَ طلقتَينِ؛ فعلى روايتَينِ؛ لأِنَّه رُوِيَ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى به»
(1)
.
وقال في روايةِ أبي طالِبٍ: (يتزوَّجُها ولا يُبالِي، في العِدَّة عَتَقَا أوْ بَعْدَ العِدَّة)، وقال: هو قولُ ابنِ عبَّاسٍ وجابِرٍ
(2)
؛ لأِنَّ ابنَ عبَّاسٍ أفْتَى به، وقال:«قَضَى به النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم» ، رواه أحمدُ وقال:(لا أرى شيئًا يَدفَعُه)
(3)
، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ مِنْ روايةِ عمرَ بنِ معتب
(4)
، عن أبي حَسَنٍ مَولى بَنِي
(5)
نَوفل
(6)
، ولا يُعرَفانِ، وقال النَّسائيُّ في عُمَرَ: لَيسَ بقَوِيٍّ، وقال ابنُ المبارَك ومَعْمَرٌ: لقد تحمَّل أبو حَسَنٍ هذا صخرةً عظيمةً، وقال أحمدُ: حديثُ عثمانَ وزيدٍ في تحريمها عليه جيِّدٌ
(7)
،
(1)
يأتي تخريجه 8/ 364 حاشية (2).
(2)
أثر ابن عباس رضي الله عنهما سيأتي مع المرفوع، وأثر جابر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (16143، 16137)، عن قتادة، عن أبي سلمة وجابر بن عبد الله، قالا:«إذا أعتقت في عدتها فإنه يتزوجها، إن شاء وتكون عنده على واحدة» ، منقطع، قتادة لا يروي عن جابر رضي الله عنه، وقد أخرجه البيهقي في الكبرى (15183)، من أحد طريقي ابن أبي شيبة، لكن فيه: عن أبي سلمة عن جابر. ولعله خطأ.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1664، المغني 7/ 507.
(4)
في (ظ): عمرو بن شعيب.
(5)
قوله: (بني) سقط من (م).
(6)
في (ظ): قوقل.
(7)
أخرجه مالك (2/ 574)، وعبد الرزاق (12949)، والشافعي في الأم (5/ 274)، وسعيد بن منصور (1328)، وابن أبي شيبة (18248)، والبيهقي في الكبرى (15158)، عن سليمان بن يسار: أن نُفيعًا - مكاتبًا كان لأم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أو عبدًا لها - كانت تحته امرأة حرة، فطلقها اثنتين، ثم أراد أن يراجعها، فأمره أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتي عثمان بن عفان فيسأله عن ذلك، فلقيه عند الدرج آخذًا بيد زيد بن ثابت، فسألهما فابتدراه جميعًا فقالا:«حرمت عليك حرمت عليك» ، وفي لفظ:«لا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره» ، وإسناده صحيح.
وحديثُ ابنِ عبَّاسٍ يَرْوِيهِ عمرُ بنُ معتب
(1)
، ولا أعْرِفُه، وأمَّا أبو حسَنٍ فهو عِنْدِي مَعروفٌ
(2)
.
وقال أبو بكرٍ: إنْ صحَّ الحديثُ فالعَمَلُ عليه، وإلاَّ فالعَمَلُ على حديثِ عُثْمانَ وزَيدٍ، وبه أقولُ.
فرعٌ: إذا علَّق ثلاثًا في الرِّقِّ بشرطٍ، فَوُجِدَ بعدَ عِتْقه؛ لَزِمَتْهُ الثَّلاثُ.
وقِيلَ: ثِنْتانِ، ويَبقَى له واحدةٌ؛ كتعليقها بعتقه
(3)
في الأصحِّ.
(وَإِذَا غَابَ عَنْ مُطَلَّقَتِهِ) ثلاثًا، (فَأَتَتْهُ، فَذَكَرَتْ أَنَّهَا نَكَحَتْ مَنْ أَصَابَهَا، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مُمْكِنًا؛ فَلَهُ نِكَاحُهَا إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ صِدْقُهَا).
المطلَّقةُ المبْتُوتَةُ إذا مَضَى بعدَ طلاقها زمنٌ يُمكِنُ فيه انْقِضاءُ عِدَّتَينِ، بَينَهما نكاحٌ وَوَطْءٌ، ولم يَرجِعْ قَبلَ العَقْدِ
(4)
، وأخْبرتْه بذلك، وغَلَبَ على ظنِّه
(1)
في (ظ): عمرو بن شعيب.
(2)
أخرجه أحمد (2031)، وأبو داود (2187)، والنسائي (3427)، وابن ماجه (2082)، والطحاوي في شرح المشكل (3007)، والطبراني في الكبير (10813)، والدارقطني (3845)، في إسناده عمر بن معتب وهو ضعيف، وأبو حسن مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل، وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وابن عبد البر، واستنكر ابن المبارك حديثه هذا، وضعف الحديث جمع من الأئمة، قال أبو داود (ليس العمل على هذا الحديث)، وقال الذهبي:(الخبر شاذ)، وضعفه الخطابي والمنذري والألباني. ينظر: معالم السنن 3/ 239، ميزان الاعتدال 4/ 514، ضعيف سنن أبي داود 2/ 229.
(3)
في (م): بقيته.
(4)
قوله: (ولم يَرجِعْ قَبلَ العَقْدِ) غير موجودة في المغني 7/ 537، ولا في الشر ح الكبير 23/ 133.
صِدْقُها، مِثْلَ أنْ يَعرِفَ أمانَتَها، أوْ بِخَبرِ
(1)
غَيرها مِمَّنْ يَعرِفُ حالَها.
وفي «الترغيب» وَجْهٌ: إنْ كانت
(2)
ثقةً؛ فله أنْ يتزوَّجَها في قَولِ عامَّتِهم؛ لأِنَّها مُؤتَمَنَةٌ على نفسها، وعلى ما أخْبَرَتْ به عنها، ولا سبيلَ إلى معرفةِ هذه الحالِ على الحقيقة إلاَّ مِنْ جِهَتِها، فتعيَّنَ الرُّجوعُ إلى قولها؛ كما لو أخبرتْ بانْقِضاء عِدَّتها.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي
(3)
: إذا لم يُوجَدْ ما ذُكِرَ، ولم يَغلِبْ على ظنِّه صِدقُها؛ فلا تَحِلُّ له؛ لأِنَّ الأصلَ التَّحريمُ، فَوَجَبَ البقاءُ على الأصل، وكما لو أخبره عن حالها فاسِقٌ.
فلو كذَّبها الثَّاني في وَطءٍ؛ قُبِلَ قَولُه في تنصيف مهرٍ، وقَولُها في إباحتها للأوَّلِ.
وكذا لو تزوَّجَتْ حاضِرًا، وفارَقَها، وادَّعت إصابتَه وهو مُنكِرُها.
ومثل الأولة: لو جاءتْ حاكِمًا، وادَّعَتْ أنَّ زَوْجَها طلَّقَها، وانْقَضَتْ عِدَّتُها؛ فله تزويجُها إنْ ظنَّ صَدْقَها كمعاملة وعبد
(4)
لم يَثبُتْ عِتْقُه، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(5)
، لا سيَّما إنْ كان الزَّوجُ لا يُعرَفُ.
وظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ: لو اتَّفَقا أنَّه طلَّقها، وانْقَضَت العدَّةُ؛ فإنَّها تُزَوَّجُ.
فرعٌ: لو شهدا بأنَّ فلانًا طلَّق امرأتَه ثلاثًا، وَوُجِدَ مَعَهَا بعدُ، وادَّعى العَقْدَ ثانيًا بشروطه؛ يُقبَلُ منه، وسُئِلَ عنها المؤلِّفُ فلم يُجِبْ.
(1)
في (م): يخبر.
(2)
في (م): كان.
(3)
قوله: (أي) سقط من (م).
(4)
في (ظ): بمعاملة وعبد. كذا في النسخ الخطية، بزيادة (و)، والذي في الفروع 9/ 160 وغيره بدونها.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 160.
ولو وَطِئَ مَنْ طلَّقَها ثلاثًا؛ حُدَّ، نَصَّ عليه
(1)
، فإنْ جَحَدَ طَلاقَها وَوَطِئَها، فشُهِدَ بطلاقه لم يُحد
(2)
؛ لأِنَّا لا نعلم
(3)
معرفتَه به وقْتَ وَطْئِه إلاَّ بإقْرارِه به
(4)
.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 166.
(2)
قوله: (لم يحد) هو في (ظ): فلا.
(3)
في (م): لا نعرف.
(4)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(كِتَابُ الْإِيلَاءِ)
الإيلاءُ بالمدِّ: الحَلِفُ، وهو مصدرُ آلَى يُولِي إِيلاءً، ويُقالُ: تألَّى
(1)
يتألَّى، وفي الخبر:«مَنْ يَتألَّ على الله يُكَذِّبْه»
(2)
.
والأَلِيَّةُ بِوَزْنِ فعيلة
(3)
: اليمينُ، وجَمْعُها أَلَايَا، بوَزْنِ خَطَايا، قال كُثَيِّرٌ
(4)
:
قليلُ الألايا
(5)
حافِظٌ لِيَمِينِه
…
إذا صَدَرَتْ منه الأَلِيَّةُ بَرَّتِ
وكذلك الألْوَةُ، بسكون اللاَّمِ وتَثْليثِ الهمزة.
والأصلُ فيه: قولُه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البَقَرَة: 226]، وكان أبيُّ بنُ كعبٍ وابنُ عبَّاسٍ يَقرآنِ: «يُقْسِمُونَ
…
» الآيةَ
(6)
، وقال
(1)
في (ظ): يألى.
(2)
أخرجه القضاعي في مسنده (335)، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرفوعًا، وفي سنده: سعيد بن سلام العطار، كذَّبه أحمد، وقال البخاري:(يُذكر بوضع الحديث)، وأخرجه ابن أبي شيبة (34552)، وأبو داود في الزهد (160)، موقوفًا على ابن مسعود رضي الله عنه، وإسناده رجاله ثقات. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 141.
(3)
في (م): فعلية.
(4)
هو: كثير بن عبد الرحمن بن أبي جمعة الأسود بن عامر بن عويمر الخزاعي، ويقال له: كثير عزة، مات سنة 107 هـ، قال هذا البيت يرثي عبد العزيز بن مروان بن الحكم. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 106، ديوان كثير ص 325.
(5)
في (ظ): ألايا.
(6)
قراءة أُبي بن كعب رضي الله عنه: أخرجها ابن أبي داود في المصاحف (ص 165)، عن حجاج، حدثنا حماد قال: قرأت في مصحف أُبَيٍّ: (للذين يقسمون)، رجاله ثقات والله أعلم.
وقراءة ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجها عبد الرزاق (11643)، عن ابن جريج، عن عطاء: أن ابن عباس كان يقرأ: (للذين يقسمون من نسائهم)، (فإن عزموا السراح)، وأخرجها سعيد بن منصور في التفسير (375)، وعنه حرب الكرماني في مسائله (2/ 692)، عن عمرو، عن ابن عباس به، وإسناده صحيح، وأخرجه ابن أبي داود في المصاحف (ص 194)، بهذا الإسناد مختصرًا.
ابنُ عبَّاسٍ: «{للذين يؤلون}: يَحْلِفونَ»
(1)
، حكاه عنه
(2)
أحمد
(3)
، وكان أهلُ الجاهليَّة إذا طَلَبَ الرَّجلُ من امرأته شيئًا فأَبَتْ أنْ تطيعه
(4)
، حَلَفَ أنْ لا يَقرَبَها السَّنَةَ والسَّنَتَينِ والثَّلاثَ، فيَدَعُها لا أيِّمًا ولا ذاتَ بَعْلٍ، فلمَّا كان الإسلامُ جعل الله ذلك للمسلمين
(5)
أربعةَ أشْهُرٍ.
وهو محرَّمٌ في ظاهر كلامِ جماعةٍ؛ لأِنَّه يمينٌ على تركِ واجبٍ.
وكان الإيلاءُ والظِّهارُ طلاقًا في الجاهليَّة، وذَكَرَه أحمدُ في الظِّهار عن أبِي قِلابَةَ وقَتادةَ
(6)
.
وحاصِلُه: أنَّ الشَّرعَ غيَّر حكمَه الذي كان معروفًا عندَهم.
(وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ)، هذا بيانٌ لِمَعْنى الإيلاءِ شرعًا، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّه لم يُقيِّدْه بحَلِفِ الزَّوج بالله تعالى، أوْ صفةٍ من صفاته على تَرْكِ وَطْءِ الزَّوجة في القُبُل، ولم يقيِّدْه بالمدَّة، وهذا ليس بداخلٍ في حقيقته، وإنَّما هي شروطٌ.
والأَوْلَى فيه أنْ يُقالَ: كلُّ زوجٍ صحَّ طلاقُه صحَّ إيلاؤه، فهو
(7)
إذَنْ: حَلِفُ زوجٍ يُمكِنُه الوطءُ، بالله تعالى أوْ صفةٍ من صفاته، على تركِ الوطء، ولو قبلَ الدُّخول، في القُبُل.
(1)
أخرجه الطبري في التفسير (4/ 62، 83)، وابن أبي حاتم في التفسير (2170)، والبيهقي في الكبرى (15231)، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولفظه:«الرجل يحلف لامرأته - لا ينكحها - بالله» ، ولا بأس بإسناده.
(2)
في (ظ): عن.
(3)
ينظر: المغني 7/ 536.
(4)
في (م): تعطيه.
(5)
في (م): للمسلم.
(6)
ينظر: زاد المسافر 3/ 328.
(7)
في (ظ): وهو.
ف «الزَّوجُ» : يُحْتَرَزُ به عمَّا
(1)
لو قال لأِجنبيَّةٍ: والله لا أَطؤكِ أبدًا.
و «يُمكنه
(2)
الوطء»: احترازًا من الصَّبِيِّ والمجنون.
وقَولُه: «في القُبُلِ» : يُحْتَرَزُ به
(3)
عن الرَّتْقاء، ونحوِها.
(وَيُشْتَرَطُ لَهُ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ):
(أَحَدُهَا: الْحَلِفُ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ)؛ لأِنَّه الذي يَحصُلُ به الضَّرَرُ؛ إذ
(4)
يَجِبُ على الزَّوج فِعْلُه، ويَضُرُّ الزَّوجةَ فَقْدُه، (فَإِنْ تَرَكَهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لأِنَّ الإيلاءَ هو الحَلِفُ، ولم يُوجَدْ.
(لَكِنْ إِنْ تَرَكَهُ مُضِرًّا بِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ فَهَلْ تُضْرَبُ لَهُ مُدَّةُ الْإِيلَاءِ، وَيُحْكَمُ
(5)
بِحُكْمِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أشْهَرُهما: نَعَمْ؛ لأِنَّه تارِكٌ لِوَطْئِها إضرارًا
(6)
بها، أشْبَهَ المُولِي، ولأِنَّ ما لا يَجِبُ إذا لم يَحْلِفْ؛ لا يجب
(7)
إذا حَلَفَ على تَرْكِه؛ كالزِّيادة على الواجب، وثبوتِ حكمِ الإيلاء له لا يَمنَعُ مِنْ قياسِ غَيرِه عليه إذا كان في معناه؛ كسائر الأحكام الثَّابِتةِ بالقياس.
الثَّانيةُ: لا تُضرَبُ له مدَّةٌ؛ لأِنَّه لَيسَ بِمُولٍ، فلا يَثبُتُ له حكمه
(8)
، كما لو تَرَكَه لعُذْرٍ، ولأِنَّ تخصيصَ الإيلاءِ بحُكْمٍ يَدُلُّ على أنَّه لا يَثْبُتُ بدونه.
وكذا حكمُ مَنْ ظاهَرَ، ولم يكفِّرْ، وقَصَدَ الإضرارَ بها.
(1)
في (م): كما.
(2)
في (م): أو يمكنه.
(3)
قوله: (به) سقط من (م).
(4)
في (م): أو.
(5)
في (م): يحكم.
(6)
في (ظ): ضرارًا.
(7)
زيد في (م): لا.
(8)
في (م): حكم.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)، أمَّا أوَّلاً: فإنَّه لم يَترُك الوَطْءَ الواجبَ عليه، ولا تتضرَّرُ المرأةُ بتَرْكِه؛ لأِنَّه وطءٌ محرَّمٌ، وقد أكَّد مَنْعَ نفسه منه بيمينه، وأمَّا ثانيًا: فلأنَّه لم يَحلِفْ على الوطء الذي يُطالَبُ به في الفَيئة، ولا ضَرَرَ على المرأة في تَرْكِه.
(وَإِنْ حَلَفَ أَلاَّ يُجَامِعَهَا إِلاَّ جِمَاعَ سُوءٍ، يُرِيدُ جِمَاعًا ضَعِيفًا، لَا يَزِيدُ عَلَى الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لأِنَّ الضَّعيفَ كالقويِّ في الحُكْم.
وإنْ قال: أردتُ وطْئًا لا يبلغ
(1)
الْتِقاءَ الخْتانَينِ؛ فهو مُولٍ؛ لأنَّه لا
(2)
يُمكِنُه الوَطْءُ الواجِبُ عليه في الفَيئة بغَيرِ حنثٍ.
وإنْ لم يكُن له نيةٌ
(3)
؛ فلَيسَ بمُولٍ؛ لأِنَّه مُحتَمِلٌ.
وإن
(4)
قال: واللهِ لا جامَعْتُكِ جِماعَ سوءٍ؛ لم يكُنْ مُولِيًا بحالٍ؛ لأِنَّه لم يَحلِفْ على ترك الوطء، إنَّما حَلَفَ على ترْكِ صفتِه المكروهة.
(وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْوَطْءَ فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ؛ صَارَ مُولِيًا)؛ لأِنَّه حالِفٌ
(5)
على تَرْكِ الوطء في القُبُل؛ لأِنَّ حَلِفَه أنْ لا يُجامِعَها، يَشملُ
(6)
المجامَعةَ في الفَرْج، فإذا قَصَدَ بالاِسْتِثناء الوطءَ في الدُّبُر، أوْ دُونَ الفرج؛ بقيَ الوطءُ في الفَرْج تَحتَ الحَلِف.
ولم يتعرَّض المؤلِّفُ إلى اليمين إذا خلت
(7)
عن الإرادة، وفي «المغني»:
(1)
في (ظ): لا أبلغ.
(2)
قوله: (لا) سقط من (م).
(3)
في (م): نيته.
(4)
في (م): فإن.
(5)
في (م): حلف.
(6)
في (ظ): يشتمل.
(7)
في (م): حلف.
أنَّه ليس بإيلاءٍ؛ لأِنَّه مُحتمِل
(1)
، فلا يتعيَّنُ لكونه
(2)
مُولِيًا به.
(وَإِذَا حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ بِلَفْظٍ لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ؛ كَلَفْظِهِ الصَّرِيحِ)، نحو: لا أَنِيكُكِ، (وَقَوْلِهِ: لَا أَدْخَلْتُ ذَكَرِي فِي فَرْجِكِ)، أوْ لا أُغَيِّبُ، أوْ أُولِجُ ذَكَرِي في فَرْجِكِ؛ لأِنَّه مُحصِّلٌ مَعْناهُ.
(وَلِلْبِكْرِ خَاصَّةً: لَا اقْتَضَضْتُكِ)، هو
(3)
بالقاف، والتَّاء المثنَّاة مِنْ فَوق، واقْتِضاضُ البِكْر وافْتِراعُها - بالفاء - بمعنًى، وهو وطؤها وإزالة بَكارتها بالذَّكَر، مأخوذٌ من قضضت
(4)
اللُّؤْلُؤَةَ إذا ثَقَبْتَها.
ومِثْلُه ما ذَكَرَه في «المستوعب» ، و «الرِّعاية»: لا
(5)
أَبْتَنِي بكِ، زاد في «الرِّعاية»: من العربي
(6)
.
(لَمْ يُدَيَّنْ فِيهِ)؛ لأِنَّه لا يحتمل
(7)
غيرَ الإيلاء.
ومِثْلُه: لا أدْخَلْتُ حَشَفَتِي في فرْجِك؛ لأِنَّ الفَيئةَ لا تَحصُلُ بدون ذلك، بخلافِ: لا أدخلتُ
(8)
كلَّ ذَكَري في فرجك.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ لَا جَامَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاضَعْتُكِ، أَوْ لَا بَاشَرْتُكِ، أَوْ لَا بَاعَلْتُكِ، أَوْ لَا قَرِبْتُكِ، أَوْ لَا مَسِسْتُكِ)، هو بكسر السِّين الأُولى، وفَتْحُها لُغَةٌ؛ أيْ: لا وَطِئْتُكِ، (أَوْ لَا أَتَيْتُكِ
(9)
، أَوْ لَا اغْتَسَلْتُ
(1)
في (ظ): مجمل.
(2)
في (م): لسكوته.
(3)
في (م): فهو.
(4)
في (م): فضضت.
(5)
قوله: (لا) سقط من (م).
(6)
في (م): الهربي.
(7)
في (م): لأنها لا تحتمل.
(8)
في (م): لا أدخل.
(9)
في (م): أو لأتيتك.
مِنْكِ؛ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْحُكْمِ)؛ لأِنَّها تُستَعْمَلُ في الوطء عُرْفًا، زاد في «الكافي» و «الشَّرح»: ولا أَصَبْتُكِ، زاد جماعةٌ: ولا افْتَرَشْتُكِ، والمنصوصُ: ولا غَشِيتُكِ
(1)
، والأصحُّ: لا أفْضَيْتُ إليكِ، لأِنَّ الكتابَ والسُّنَّةَ وَرَدَ ببعضها؛ كقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [البَقَرَة: 222]، {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البَقَرَة: 187]، و {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البَقَرَة: 237].
وأمَّا الوطءُ والجِماعُ؛ فهما أشْهَرُ الألفاظ في الاستعمال، والباقي قياسًا عليها.
فلو قال: أردتُ بالوطء الوَطْءُ بالقَدَمِ، وبالجماع
(2)
اجْتِماع الأجسام، وبالإصابة الإصابةَ باليد، وبالمباضَعة الْتِقاءَ بَضْعةٍ من البدن بالبَضْعةِ منه، وبالمباشَرَةِ مسَّ المَباشِر
(3)
، وبالمباعَلَة الملاعَبَةَ
(4)
والاسْتِمْتاعَ دُونَ الفرج، وبالمقارَبة ويريدُ قربَ بَدَنه منها، والمماسَّة ويريد بها مسَّ بَدَنِها، وبالإتيان يريد
(5)
به المجيء، وبالاغتسال ويريد
(6)
به الاغتسالَ من الإنزال عن مباشَرةٍ من قِبَلِه، أوْ جِماعٍ دُونَ الفَرْجِ، (وَيُدَيَّنُ
(7)
فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللهِ تَعَالَى) مع عدم قرينةٍ على المذهب؛ لأِنَّ صِدْقَه غيرُ ممتنِعٍ، ولم يُقبَلْ في الحكم؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهر والعُرْف.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 164.
(2)
في (م): والجماع.
(3)
في (م): المباشرة.
(4)
في (م): الملاعنة.
(5)
في (ظ): ويراد.
(6)
في (م): يريد.
(7)
في (م): دين.
وفي «الانتصار» : (لَمَسْتُم) ظاهِرٌ في الجَسِّ باليد، و (لامستم) ظاهِرٌ في الجماع، فيُحمَلُ الأمرُ عليهما؛ لأِنَّ القراءتَينِ كالآيتَينِ.
وظاهِرُ نَقْلِ عبد الله
(1)
في: (لا اغْتَسَلْتُ منك)؛ أنَّه كناية، يقف
(2)
على نيَّةٍ، أوْ قرينةٍ.
(وَسَائِرُ الْأَلْفَاظِ)؛ أيْ: باقِيها، وهي الكِنايةُ، (لَا يَكُونُ مُولِيًا فِيهَا إِلاَّ بِالنِّيَّةِ)؛ لأِنَّها لَيستْ بصريحٍ في الجماع، ولا ظاهِرٍ، فافْتَقَرَتْ إلى النِّيَّة؛ ككنايات الطَّلاق، وفي «الرِّعاية» و «الفروع»: أو القرينة
(3)
؛ كقوله: واللهِ لا جمعتْنا
(4)
مِخَدَّةٌ، ولا اجتَمعْنا تحتَ سقفٍ، لا ضاجَعْتُك، لا دَخَلْتُ عليك، لا دخلتِ عليَّ، لا
(5)
مَسَّ جِلْدِي جِلدَك، ونحوه.
وتكفي
(6)
نية ترْكِ الوطء فيها، إلا
(7)
في قوله: لَيَطولَنَّ تَرْكِي لِجِماعِك، فتَكْفِي نيَّةُ المدَّة.
وتُعتَبَرُ نيَّةُ الوطء والمدَّةُ في قوله: لَتَطُولَنَّ غَيبتي عنك.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 361.
(2)
في (م): نعت.
(3)
في (م): والقرينة.
(4)
قوله: (لا جمعتنا) في (م): لاجتمعنا.
(5)
قوله: (لا) سقط من (م).
(6)
في (م): ويكفي.
(7)
في (م): لا.
(فَصْلٌ)
(الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ) في الرِّضا والغضب (بِاللهِ تَعَالَى، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ)، لا
(1)
خلافَ أنَّ الحَلِفَ بذلك إيلاءٌ
(2)
، وعن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البَقَرَة: 226]: «أيْ: يَحلِفُونَ بالله تعالى»
(3)
، يُؤيِّدُه قَولُه تعالى:{فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البَقَرَة: 226]؛ لأِنَّ الغُفْران إنَّما يَدخُلُ في اليمين بالله تعالى.
(فَإِنْ حَلَفَ بِنَذْرٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ طَلَاقٍ)، أوْ صدقةِ مالٍ، أو الحجِّ، أو الظِّهار؛ (لَمْ يَصِرْ مُولِيًا فِي الظَّاهِرِ عَنْهُ)، واخْتارَه الخِرَقِيُّ، والقاضي وأصحابُه، قال في «المستوعب»: هو المشهورُ في المذهب؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البَقَرَة: 226]، والمغفرةُ إنَّما تكون في الحِنث في اليمين بالله، بخلاف الطَّلاق وغيرِه، ولأِنَّه
(4)
لم يَحلِفْ بالله تعالى، أشْبَهَ ما لو حلف بالكعبة، ولأِنَّ التَّعليقَ بشرطٍ
(5)
، ولهذا لا يؤتى
(6)
فيه بحرف القسم، ولا يُجابُ بجوابه، ولا ذَكَرَه أهلُ العربيَّة في باب القَسَمِ، وإنَّما يُسمَّى حَلِفًا تَجَوُّزًا؛ لمشارَكَتِه القَسَمَ في الحثِّ
(7)
على الفعل، أو المنْعِ منه.
(وَعَنْهُ: يَكُونُ مُولِيًا)؛ لقَولِ ابنِ عبَّاسٍ: «كلُّ يمينٍ مَنَعَتْ جماعَ المرأة
(1)
في (م): لأن.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 114، مراتب الإجماع ص 159.
(3)
تقدم تخريجه 8/ 367 حاشية (6).
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في كشاف القناع 12/ 440: ولأن هذا تعليقٌ بشرط.
(6)
في (م): لا يولي.
(7)
في (م): الحنث.
فهي إيلاءٌ»
(1)
، وقاله
(2)
الشَّعْبِيُّ والنَّخَعِيُّ والأكثرُ؛ لأِنَّها يمينٌ مَنَعَتْ جماعَها، فكانَتْ إيلاءً؛ كالحلف بالله تعالى.
وعنه: بيمينٍ مكفَّرةٍ
(3)
؛ كنَذْرٍ وظهارٍ، اختاره
(4)
أبو بكرٍ.
وعنه: وبعتق
(5)
وطلاقٍ؛ بأنْ يَحلِفَ بهما لِنَفْعِهما، أوْ على روايةِ تَركِه ضرارًا
(6)
ليس كمُولٍ، اختاره
(7)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين وألْزَمَ عليه: كونَه يمينًا مُكفَّرةً يَدخُلُها الاِسْتِثْناءُ
(8)
.
والحقُّ: أنَّه إذا اسْتَثْنَى في يمينٍ مُكفَّرةٍ؛ لا يكون مُولِيًا؛ لأنَّه لا يَلزَمُه كفَّارةٌ بالحنث، فلم يكن الحنث مُوجِبًا لحقٍّ عليه.
وخُرِّج على الأوَّل: أنَّ الحَلِفَ بغير الله وصِفَتِه لَغْوٌ.
فرعٌ: إذا علَّق طلاقَ غَيرِ مَدخُولٍ بها بِوَطْئِها؛ فرِوايَتانِ، فلو وَطِئَها؛ وقع رجعيًّا.
وهما
(9)
في: إنْ وَطِئْتُكِ فضرَّتُكِ طالِقٌ، فإنْ صحَّ إيلاءٌ، فأبانَ الضَّرَّةَ؛ انقطع، فإنْ نَكَحَها، وقُلْنا: تَعودُ الصِّفَةُ؛ عاد الإيلاءُ، وتبني
(10)
على المدَّة.
(وَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَأَنْتِ زَانِيَةٌ، أَوْ فَلِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ هَذَا الشَّهْرِ؛ لَمْ يَكُنْ
(1)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15239)، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وهو منقطع، الحكم لم يسمع من مقسم إلا بعض الأحاديث ليس هذا منها.
(2)
في (م): قاله.
(3)
أي: يكون موليًا بذلك. ينظر: الإنصاف 23/ 150.
(4)
في (م): واختاره.
(5)
في (م): وعتق.
(6)
في (م): ضررًا.
(7)
في (م): اختار.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 163.
(9)
أي: الروايتان. ينظر: الفروع 9/ 163.
(10)
في (م): وينبني.
مُولِيًا)، لا يَختَلِفُ المذهبُ فيه، أمَّا أوَّلاً: فَلأِنَّه لا يَصِحُّ تعليقُ القذف بشرطٍ، فلا يَلزَمُه بالوطء حقٌّ، فلا يكون مُولِيًا.
وأمَّا ثانيًا: فلأِنَّه إذا قال: إنْ وَطِئْتُكِ فللَّهِ عليَّ صَومُ أمْسِ، أوْ صَومُ هذا الشَّهْر؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه يصيرُ عندَ وجوبِ الفَيئةِ ماضِيًا، ولا يَصِحُّ نَذْرُ الماضي.
فلو قال: إنْ وَطِئْتُكِ فللَّه عليَّ صَومُ الشهر
(1)
الَّذي أَطَؤكِ فيه؛ فكذلك، فإذا وَطِئَ صام بقيَّتَه، وفي قضاءِ يومِ وَطِئَ فيه وجْهانِ.
ومِثْلُه: واللهِ لا وَطِئْتُكِ في هذا البلد، أوْ مَخْضوبةً، نَصَّ عليه
(2)
، أوْ حتَّى تَصُومِي نَفْلاً، أَوْ تَقُومِي، أوْ بإذْنِ زَيدٍ، فيَموتُ زَيدٌ.
فرعٌ: إذا قال: إنْ وطِئْتُك فعبدي حرٌّ عن ظِهارِي، وكان ظاهَرَ، فَوَطِئَ؛ عَتَقَ بالظِّهار، وإلاَّ فَلَيسَ بمُولٍ، فلو وَطِئَ لم يَعتِقْ في الأصحِّ.
فلو قال: إنْ وطِئْتُكِ فهو حرٌّ قبلَه بشهرٍ؛ فابْتِداءُ المدة
(3)
بعدَ مُضِيِّه، فلو وَطِئَ في الأوَّل لم يَعتِقْ، والمطالَبَةُ في شهرٍ سادِسٍ.
(1)
في (م): هذا لشهر.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 165.
(3)
في (م): لمدة.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: أَنْ يَحْلِفَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)، قاله ابنُ عبَّاسٍ
(1)
، وهو المشهورُ عن أحمدَ
(2)
؛ لأِنَّه لم يَمنَعْ نفسَه من الوطء باليمين أكثرَ من أربعةِ أشهر
(3)
، فلم يكن مُولِيًا؛ كما لو حلف على ترْكِ قُبْلَتِها، ولأِنَّ الله تعالى جعل له تربُّصَ أربعةِ أشْهُرٍ، فإذا حَلَفَ على أربعةِ أشهر
(4)
فما دونَها؛ فلا معنى للتَّربُّص؛ لأِنَّ مدَّةَ الإيلاء تَنقَضِي قبلَ ذلك أو مع انقضائه، وتقدير التَّربُّص بأربعةِ أشْهُرٍ يقتضي
(5)
كَونَه في مُدَّةٍ تَناوَلَها الإيلاءُ، ولأِنَّ المطالَبةَ إنَّما تكون بعدَها، فإذا انقضت مدَّتُها فما دونُ لم تَصِحَّ المطالَبةُ من غير إيلاءٍ، فلو قال: واللهِ لا وَطِئْتُكِ، كان مُولِيًا؛ لأِنَّه يَقتَضِي التَّأبيدَ.
وعنه: أنَّه
(6)
إذا حَلَفَ على أربعةِ أشْهُرٍ كان مُولِيًا، ذَكَرَها القاضي أبو الحُسَين، وقاله عَطاءٌ والثَّوريُّ؛ لأِنَّه يَمتَنِعُ عن الوطء باليمين أربعة
(1)
أخرجه سعيد بن منصور (1884)، والطبراني في الكبير (11356)، والبيهقي في الكبرى (15237)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كان إيلاء أهل الجاهلية السنة والسنتين، وأكثر من ذلك، فوقَّت الله عز وجل أربعة أشهر، فمن كان إيلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بإيلاء» ، فيه الحارث بن عبيد، متكلم فيه، وقال في التقريب:(صدوق يخطئ)، وتابعه ابن أبي عروبة عند سعيد بن منصور (1885)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 167)، وابن أبي شيبة (18588)، ولفظه:«إذا آلى من امرأته شهرًا أو شهرين أو ثلاثة، ما يبلغ الحد؛ فليس بإيلاء» ، وصحح الحافظ إسناده في الدراية 2/ 74.
(2)
ينظر: مسائل أبي داود ص 242، مسائل ابن منصور 4/ 1643.
(3)
قوله: (قاله ابن عباس
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
قوله: (أشهر) سقط من (م).
(5)
في (م): تقتضي.
(6)
قوله: (أنه) سقط من (م).
أشهر
(1)
، فكان موليًا
(2)
؛ كما لو حلف على ما زاد.
(أَوْ يُعَلِّقَهُ
(3)
عَلَى شَرْطٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ فِي
(4)
أَقَلَّ مِنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى يَنْزِلَ عِيسَى، أَوْ يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، أَوْ مَا عِشْتُ)، أوْ حتَّى أموتَ، أوْ تموتِي، أوْ يَمُوتَ زَيدٌ؛ لأِنَّ ذلك لا يُوجَدُ في أربعةِ أشْهُرٍ ظاهِرًا، أشْبَهَ ما لو قال: واللهِ لا وَطِئْتُكِ في نكاحي هذا، ولأِنَّ حكمَ الغالِبِ حُكْمُ القَطْع في كثيرٍ من الصُّوَر، فكذا هنا، وكذا لو علَّق
(5)
الطَّلاقَ على مرضها، أوْ مرض إنسانٍ بعَينه، أوْ قِيامِ السَّاعة.
فرعٌ: إذا علَّق الإيلاءَ بشرطٍ مستحيلٍ؛ كقوله: واللهِ لا وَطِئْتُك حتَّى تَصْعَدِي السَّماءَ، ونحوَه؛ فهو مُولٍ؛ لأِنَّ معناه تركُ وَطْئِها، فإنَّ ما يراد حالة
(6)
وجوده تعلَّق على المستحيل
(7)
؛ كقوله تعالى في الكفَّار: {وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعرَاف: 40]، وكقوله
(8)
:
إذا شابَ الغُرابُ أتَيتُ أهْلِي
…
وصار القَارُ كاللَّبن الحليبِ
(أَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ حَتَّى تَحْبِلِي)؛ فهو مُولٍ؛ (لأِنَّها لَا تَحْبَلُ إِذَا لَمْ يَطَأْهَا)؛ لأِنَّ حَبَلَها بغَيرِ وطءٍ مستحيلٌ عادةً؛ كصعود السَّماء.
وفي «المحرَّر» و «الفروع» : إذا قال: حتَّى تَحبِلِي، ولم يكن وَطِئَها، أو
(1)
قوله: (كان موليًا، ذكرها القاضي
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
قوله: (موليًا) سقط من (م).
(3)
في (م): ويعلقه.
(4)
قوله: (في) سقط من (م).
(5)
في (م): طلق.
(6)
في (م): حال.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 7/ 539، والشرح الكبير 23/ 155: ما يراد إحالة وجوده يعلق على المستحيلات.
(8)
هو تميم الداري رضي الله عنه. ينظر: الدر الفريد 2/ 452.
وَطِئَ ونيَّتُه حَبَلٌ مُتجدِّدٌ؛ فمُولٍ، وإلاَّ فالرِّوايَتانِ.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، وأبو الخَطَّاب:(إِذَا قَالَ: حَتَّى تَحْبَلِي، وَهِيَ مِمَّنْ يَحْبَلُ مِثْلُهَا؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّها تَحبِلُ قبلَ مدَّة الإيلاء، قال المؤلِّفُ:(لا أعْلَمُ لهذا وجهًا)، وهو صحيحٌ إنْ كان مقصودُ الحالِفِ: حتَّى تحبلي
(1)
من وطءٍ.
فلو كانت صغيرةً، أوْ آيِسةً؛ فهو مُولٍ.
فإنْ قال: أردتُ ب «حتَّى» السببيَّة؛ أيْ: لا أطؤك لِتَحْبَلي؛ قُبِلَ منه؛ لأِنَّه لَيسَ بحالِفٍ على ترك الوطء.
تنبيه: لو علَّقه على ما يُعلَمُ وُجودُه قبلَ أربعةِ أشْهُرٍ؛ كجَفافِ بَقْلٍ
(2)
، أوْ ما يَغلِبُ على الظَّنِّ وُجودُه قَبْلَها؛ كنزول الغَيث في أوانه، أوْ ما يَحتَمِلُ الأمْرَينِ؛ كقُدومِ زَيدٍ مِنْ سَفَرٍ قريبٍ؛ لم يكُنْ مُولِيًا؛ لأنَّه يَغلِبْ
(3)
على الظَّنِّ وجودُ الشَّرط، فلا يَثبُتُ حكمُه.
وكذا لو قال: واللهِ لا أطؤك حتَّى أُعْطِيَكِ مالاً، بخِلافِ ما لو قال: واللهِ لا وَطِئْتُكِ طاهِرًا، أو وطئًا مُباحًا، فإنَّه يصيرُ مُولِيًا.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ مُدَّةً، أَوْ لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِمَاعِكِ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لأِنَّ ذلك يَقَعُ على القليل والكثير، فلا يصيرُ مُولِيًا به
(4)
، (حَتَّى يَنْوِيَ بِهِ
(5)
أكثرَ من (أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)؛ لِيَتمحَّضَ اليمينُ للمُدَّة المعتبَرةِ.
وفي قَولِ المصنف: (لَيَطُولَنَّ تَرْكِي لِجِماعِكِ) صريحٌ في الإيلاء، وصرَّح
(1)
في (م): تحبل.
(2)
في (م): بصل.
(3)
في (ظ): لم يغلب.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
قوله: (به) سقط من (ظ).
به في «المغني» ؛ لأِنَّ الجِماعَ نَصٌّ في إدخال
(1)
الذَّكَر في الفَرْج.
وذكره
(2)
أبو الخَطَّاب في الكنايات؛ لأِنَّ الجِماعَ يُطلَقُ ويُرادُ به الجِماعُ دُونَ الفَرْج، فعلى هذا: يُعتَبَرُ فيه نيَّةُ إدْخالِ الذَّكَر في الفرج، كما تعتبر
(3)
نيَّة المدَّة.
(وَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ حَتَّى يَقْدَمَ زَيْدٌ، وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ عَدَمُهُ فِي أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ لَا وَطِئْتُكِ فِي هَذِهِ الْبَلْدَةِ؛ لَمْ يَكُنْ مُولِيًا)؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ حَلِفُه على أكثرَ من أربعةِ أشْهُرٍ، ولا يُمكِنُه
(4)
وطؤها في غير البلدةِ المحلوفِ عليها.
وقال ابنُ أبي ليلى، وإسحاقُ: هو مُولٍ؛ لأِنَّه حالِفٌ على تَرْكِ وَطْئها.
وجوابُه: أنَّه يُمكِنُ وطؤها بغَيرِ حنثٍ، فلم يكُنْ مُولِيًا، كما لو اسْتَثْنَى في يمينه.
فرعٌ: إذا علَّقه على فِعْلِ مُباحٍ لا مشقَّةَ فيه؛ كقوله: واللهِ لا أطؤك حتَّى تدخُلِي الدَّارَ؛ لم يكُنْ مُولِيًا، بخِلافِ ما لو علَّقه على محرَّمٍ؛ كقوله: واللهِ لا أطؤك حتَّى تَشْرَبِي الخَمْر، أو أقتلَ زيدًا؛ لأِنَّه علَّقه بمُمْتَنِعٍ شَرْعًا، أشْبَهَ الممتنِع
(5)
حسًّا.
فإنْ علَّقه على ما على فاعلِه فيه مَضرَّةٌ؛ كقوله: واللهِ لا أطؤك حتَّى تُسقِطِي صَداقَك عنِّي، أوْ حتَّى تَكْفُلِي وَلَدِي؛ فهو مُولٍ؛ لأِنَّ أخْذَه لمالها، أوْ مالِ غَيرِها عن
(6)
غيرِ رضَا صاحبِه مُحرَّمٌ، أشْبَهَ شربَ الخمر.
(1)
في (م): أنه حال.
(2)
في (م): وذكر.
(3)
في (م): يعتبر.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 23/ 160: ولأنه يمكنه.
(5)
في (م): المنع.
(6)
في (م): في.
(فَإِنْ قَالَ: إِنْ وَطِئْتُكِ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا) في الحال؛ لأِنَّه لا يَلزَمُه بالوطء حقٌّ، (حَتَّى يُوجَدَ الشَّرْطُ)، ونَصَرَه في «الشَّرح» وغَيره؛ لأِنَّه يصيرُ مُولِيًا بالوطء، أوْ دخولِ الدَّار؛ لأِنَّها تَبْقَى يمينًا تمنع
(1)
الوطء على التَّأبيد.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِيرَ مُولِيًا فِي الْحَالِ)؛ لأِنَّه لا يُمكِنُه الوطءُ إلاَّ بأنْ يصيرَ مولِيًا، فيَلحَقُه بالوطء ضررٌ، أشْبَهَ ما لو مَنَعَ نفسَه من وَطْئِها في الحال في المدَّة المعتبَرة
(2)
.
وجوابُه: بأنَّه يُمكِنُه الوطء من غير حِنْثٍ، فلم يكُنْ مُولِيًا؛ كما لو لم يَقُلْ شيئًا.
وإنْ قال: إنْ وَطِئْتُكِ فواللهِ لا أطؤك، فأوْلَجَ الحَشَفةَ، ثُمَّ زاد؛ حَنِثَ بالزِّيادة.
وقيل: لا؛ كَمَنْ نَوَى.
فرعٌ: إذا قال: واللهِ لا وَطِئْتُك إلاَّ برضاك؛ لم يكُنْ مُولِيًا؛ لإمْكانِ وَطْئِها بغير حنثٍ.
وكذا إنْ قال: واللهِ لا وَطِئتُكِ مريضةً، إلاَّ أنْ يكونَ بها مرضٌ لا يُرجَى بُرؤه، أوْ لا يزولُ في أربعةِ أشْهُرٍ، فيَنبَغِي أنْ يكونَ مُولِيًا؛ لأِنَّه حالِفٌ على تَرْكِ وَطْئِها أربعةَ أشْهُرٍ.
فإنْ قال ذلك وهي صحيحةٌ فَمَرِضَتْ مَرَضًا يُمكِنُ برؤه قبلَ أربعةِ أشْهُرٍ؛ لم يَصِرْ مُولِيًا، وإلاَّ فلا.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ فِي السَّنَةِ إِلاَّ مَرَّةً؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا) في الحال؛
(1)
في (ظ): بمنع.
(2)
قوله: (المعتبرة) سقط من (م).
لأِنَّه يُمكِنُه الوطءُ بغَيرِ حنثٍ، فلم يكُنْ ممنوعًا من الوطء بحُكْمِ يمينه، (حَتَّى يَطَأَهَا وَقَدْ بَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)، فيكونُ مُولِيًا؛ لأِنَّه صار ممنوعًا من وَطْئِها بيمينه.
وفيه وَجْهٌ: يصير مُولِيًا في الحال؛ لأِنَّه لا يُمْكِنُه إلاَّ بأنْ يصيرَ مُولِيًا، فيَلحَقُه بالوطء ضررٌ.
وجوابُه: بأنَّه ممنوعٌ فيما إذا وَطِئَ وقد بَقِيَ من
(1)
السَّنَةِ ثُلثها
(2)
فأقلُّ؛ لأِنَّه لم يبق من
(3)
المدَّة الممنوع من الوطء فيها المدَّةُ المعتبرة في الإيلاء.
(وَإِنْ قَالَ: إِلاَّ يَوْمًا؛ فَكَذَلِكَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّ اليومَ منكَّر
(4)
، فلا يَختَصُّ يَومًا دُونَ يَومٍ، وحِينَئِذٍ: فيَجوزُ أنْ يكونَ اليومُ المستَثْنَى في الحال، ويَجوزُ أنْ يكونَ في المآل، فلا يتحقَّقُ الإيلاءُ؛ لفوات شَرْطِه.
فعليه: إنْ وَطِئَها وقد بَقِيَ من السَّنة أكثرُ من ثُلثها؛ صار مُولِيًا، وإلاَّ فلا.
ومِثْلُه لو قال: صُمْتُ رمضانَ إلاَّ يَومًا، أوْ لا كلَّمتُك في السَّنة إلاَّ يومًا، فإنَّه لا يَختَصُّ بيومٍ.
(وَفِي الآخَرِ
(5)
: يَصِيرُ مُولِيًا فِي الْحَالِ)، وهو قَولُ القاضي وأصحابه؛ لأِنَّ اليومَ المستَثْنَى يكون من آخِرِ المدَّة؛ كالتَّأجيل ومدَّة الخيار، بخلافِ المسألة الأولى
(6)
، فإنَّ المرَّةَ
(7)
لا تَختَصُّ وقْتًا بعَينه.
(1)
في (ظ): في.
(2)
في (م): ثلثاها.
(3)
قوله: (من) سقط من (ظ).
(4)
في (ظ): يتنكر.
(5)
في (م): الأخرى.
(6)
في (م): أولى.
(7)
في (م): المرأة.
ومَن نَصَرَ الأوَّلَ قال: التَّأجيلُ ومدة
(1)
الخيار تجب
(2)
الموالاةُ فيهما؛ لأِنَّه لو جازت
(3)
له المطالَبةُ؛ لَزِمَ قَضاءُ الدَّين، فيسقط
(4)
التَّأجيلُ بالكُلِّيَّة، ولو لَزِمَ العَقْدُ في أثْناءِ مدَّة الخيار؛ لم يَعُدْ إلى الجواز، وجوازُ الوطء في يومٍ من أوَّل السَّنَة وأوْسَطِها؛ لا يَمنَعُ حكمَ اليمين فيما بَقِيَ منها.
(وَإِنْ
(5)
قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا)، قدَّمه في «الكافي» ، و «المستوعب» ، و «الرِّعاية» ، و «المحرَّر» ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ من الزَّمانَينِ لا تَزِيدُ مُدَّتُه على أربعةِ أشْهُرٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِيرَ مُولِيًا)، صحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه ممتَنِعٌ بيمينه من وطئها مدةً
(6)
متواليةً أكثرَ من أربعةِ أشْهُرٍ، وأطْلَقَ في «الفروع» الخِلافَ.
وكذا الحكم في كلِّ مُدَّتَينِ متواليتَينِ يزيد مجموعُهما على أربعةِ أشْهُرٍ؛ كثلاثةِ أشْهُرٍ وشَهْرَينِ.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُكِ إِنْ شِئْتِ، فَشَاءَتْ؛ صَارَ مُولِيًا) بوجودها
(7)
في قَول أكثرِهم؛ لأِنَّه لا يصيرُ ممتَنِعًا من الوطء حتَّى تَشاءَ، ولأنه
(8)
علَّق اليمينَ على المشيئةِ بحرف «إنْ» ، أشْبَهَ مشيئةَ غَيرِها.
فإنْ قلتَ
(9)
: فهلاَّ يكونُ مُولِيًا؛ كقوله: واللهِ لا وَطِئْتُكِ إلاَّ برضاكِ؟
(1)
قوله: (ومدة) في (ظ): في مدة.
(2)
في (ظ): يجب.
(3)
في (م): صار.
(4)
في (ظ): فسقط.
(5)
في (م): فإن.
(6)
قوله: (مدة) سقط من (ظ).
(7)
في (ظ): بوجوده.
(8)
في (ظ): ولو.
(9)
في (ظ): مكث.
فالجوابُ: الفَرْقُ بَينَهُما؛ بأنَّها إذا شاءت انْعَقَدتْ يمينُه بحَيثُ لا يُمكِنُه الوطءُ بغيرِ حنثٍ، بخلاف: والله لا وَطِئْتُكِ إلاَّ برضاكِ
(1)
، فإنَّه لم يَحلِفْ إلاَّ على وطْئِها حالَ سُخْطِها، فيُمكِنُه وطؤها في حال رضاها بغير حنثٍ.
فإنْ قالَتْ: ما أشاءُ، أوْ سَكَتَتْ؛ لم يَصِرْ مُولِيًا، قالَهُ في «المستوعب» .
فرعٌ: إذا قال: واللهِ لا وَطِئْتُكِ إلاَّ أنْ يشاءَ أبوكِ، أوْ فُلانٌ؛ لم يكُنْ مُولِيًا؛ لأِنَّه علَّقه بوجودِ فِعْلٍ يُمكِنُ وُجودُه في ثُلُثِ سنةٍ إمْكانًا غيرَ بعيدٍ، ولَيسَ بمحرَّمٍ، ولا فيه مَضَرَّةٌ، أشْبَهَ ما لو علَّقه على دخولها الدَّارَ.
(وَإِنْ قَالَ: إِلاَّ أَنْ تَشَائِي، أَوْ إِلاَّ بِاخْتِيَارِكِ، أَوْ إِلاَّ أَنْ تَخْتَارِي؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا)، اقْتَصَرَ عليه في «الكافي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه مَنَعَ نفسَه من وَطْئِها بيمينه إلاَّ عندَ إرادتها، أشْبَهَ ما لو قال: إلاَّ بِرِضاكِ، أوْ حتَّى تَشائِي، وكما لو علَّقَه على مشيئةِ غيرِها.
وقال القاضي: تَنعَقِدُ يمينه
(2)
، فإنْ شاءت؛ انحلَّتْ، وإلاَّ فهي مُنعَقِدةٌ.
(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ)، وابنُ الجَوزِيِّ وجَزَمَ به في «التَّبصرة»:(إِنْ لَمْ تَشَأْ فِي الْمَجْلِسِ؛ صَارَ مُولِيًا)؛ لأِنَّه يَصدُقُ بمُضِيِّ المجلس أنَّها ما شاءَتْ، فَوَجَبَ تحقُّق
(3)
ذلك لِفَواتِ الاِسْتِثْناءِ.
فظاهِرُه، بل صريحُه: يعتمد
(4)
أنَّ المشيئةَ تُعتبر
(5)
في المجلس، والمذْهَبُ: لا فَرْقَ بَينَ وجودها في الحال أو التَّراخِي.
فرعٌ: إذا حَلَفَ لا يَطؤُها حتَّى تَفطِمَ وَلَدَها، أوْ تُرضِعَه؛ كان مُولِيًا إذا
(1)
قوله: (فالجواب الفرق بينهما
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): بيمينه.
(3)
في (م): بتحقق.
(4)
في (م): يعمد.
(5)
في (م): يعتبر.
كان بَينَه وبَينَ مدَّةِ الفِطام والرّضاع أكثرُ من أربعةِ أشْهُرٍ، فإنْ ماتَ الولدُ قبلَ مُضِيِّ أربعةِ أشْهُرٍ؛ سَقَطَ الإيلاءُ.
مسألةٌ: إذا حَلَفَ على وطءِ امرأته عامًا، ثُمَّ كفَّرَ يمينَه؛ انحلَّ الإيلاءُ، فإن كان تكفيرُه قبلَ مُضِيِّ أربعةِ أشْهُرٍ؛ انحلَّ
(1)
الإيلاءُ حِينَ التَّكفير، وإنْ كفَّر بعدَ الأربعةِ قبلَ الوقف
(2)
؛ صار كالحالف على أكثرَ منها إذا مَضَتْ يمينُه على وقفه
(3)
.
(وَإِنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُ وَاحِدَةً مِنْكُنَّ؛ صَارَ مُولِيًا مِنْهُنَّ)، جَزَمَ به الجماعةُ؛ لأِنَّ النَّكرةَ في سياق النَّفي، فإنَّها تَعُمُّ، ولا يُمْكِنه وطءُ واحدةٍ مِنْهُنَّ إلاَّ بالحنث.
وقال القاضي: يكون مُولِيًا من
(4)
واحدةٍ غَيرِ مُعيَّنةٍ؛ لأِنَّ لَفْظَه تَناوَلَ واحدةً مُنَكَّرَةً، فلا تَقتَضِي العُمومَ.
وجَوابُه: ما سَبَقَ؛ لقوله تعالى: {لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} [الإسرَاء: 111]، {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} [الإخلاص: 4]، فيَجِبُ حَمْلُ اللَّفظ على الإطلاق
(5)
على مقتضاهُ في العُموم.
فعلى الأوَّلِ: إذا طلَّق واحدةً مِنهُنَّ، أوْ ماتت
(6)
؛ كان مُولِيًا من البَواقِي؛ لأِنَّه تعلَّق بكلِّ واحدةٍ مُنفَرِدةً، وإنْ وَطِئَ واحدةً مِنهُنَّ؛ حَنِثَ وسَقَطَ الإيلاءُ من الباقيات؛ لأِنَّها يمينٌ واحِدةٌ.
(1)
قوله: (انحل) في (ظ): لم ينحل. والمثبت موافق للشرح الكبير 23/ 167.
(2)
في (ظ): الوقت.
(3)
قوله: (على وفقه) في (م): قبل وقته.
(4)
قوله: (من) سقط من (م).
(5)
في (م): الطلاق.
(6)
في (م): طلقت.
(إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ وَاحِدَةً بِعَيْنِهَا، فَيَكُونَ مُولِيًا مِنْهَا وَحْدَهَا)؛ لأِنَّ اللَّفظَ يَحتَمِلُه، وهو أعْلَمُ بِنِيَّته.
(وَإِنْ أَرَادَ وَاحِدَةً مُبْهَمَةً)؛ قُبِلَ منه، ولا يصيرُ مُولِيًا مِنهُنَّ في الحال، فإذا وَطِئَ ثلاثًا كان مُولِيًا من الرَّابعة.
(فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يُخْرِجُ بِالْقُرْعَةِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجزم به في «الوجيز» ، وفي «الكافي»: هو قياسُ المذهب، كما إذا طلَّق واحدةً مِنْ نسائه لا بِعَينِها، وكالعتق.
وقِيلَ: يَرجِعُ إلى تَعْيِينِه.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا وَطِئْتُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ؛ كَانَ مُولِيًا مِنْ جَمِيعِهِنَّ)؛ لأِنَّ لَفْظَه صريحٌ في التَّعميم، ولا يُقبَلُ قَولُه: نَوَيْتُ واحدةً مُعيَّنةً، أوْ مُبهَمَةً، ولفظةُ (كل)
(1)
أزالت الخُصوصَ.
(وَتَنْحَلُّ
(2)
يَمِينُهُ بِوَطْءِ وَاحِدَةٍ)، جَزَمَ به في «الكافي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّها يمينٌ واحدةٌ تعلَّقَتْ بأشْياءَ، فإذا حَنِثَ فيها لم تَتَبَعَّضْ، ويَسقُط حكمُ اليمينِ
(3)
في الباقي.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي)، قدَّمه في «المستوعب» ؛ كما لو طلَّق إحداهُنَّ، أوْ ماتَتْ، ولأِنَّه صرَّح بمَنْعِ نفسه مِنْ كلِّ واحدةٍ، أشْبَهَ ما لو حَلَفَ على كلِّ واحدةٍ يمينًا.
فرعٌ: إذا قال: كلَّما وَطِئْتُ واحدةً منكنَّ فضَرائرُها طوالِقُ، وقُلْنا: هو إيلاءٌ؛ فهو مُولٍ منهنَّ.
(وَإِنْ قَالَ: وَاللهِ لَا أَطَؤُكُنَّ؛ فَهِيَ كَالتِي قَبْلَهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو
(1)
في (م): كله.
(2)
في (م): وتنحل.
(3)
في (ظ): المهر.
يَنْبَنِي على أصلٍ، وهو: هل يَحنَثُ بفِعْل البعض؟ وفيه رِوايَتانِ:
إحداهما: يَحنَثُ، فيكونُ مُولِيًا في الحال منهنَّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا يُمكِنُه وَطْءُ واحِدةٍ مِنهُنَّ إلاَّ بحنثٍ، فإذا وَطِئَ واحدةً انحلَّت يمينُه؛ لأِنَّها يمينٌ واحدةٌ، فتَنحَلُّ بالحنث فيها؛ كما لو حَلَفَ على واحدةٍ.
والثَّانيةُ: لا يَحنَثُ بفِعْل البعض، فلا
(1)
يكون مُولِيًا في الحال؛ لأِنَّه يُمكِنُه وطءُ كلِّ واحدةٍ بغَيرِ حنثٍ.
(وَفِي الآْخَرِ: لَا يَصِيرُ مُولِيًا حَتَّى يَطَأَ ثَلَاثًا، فَيَصِيرُ مُولِيًا مِنَ الرَّابِعَةِ)؛ لأِنَّ المنْعَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ في الرَّابعة مُحقَّقًا، ضرورةَ الحنث بوَطْئِها، وابْتداءُ المدَّة حِينَئِذٍ.
(فَعَلَى هَذَا: لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً
(2)
مِنْهُنَّ، أَوْ مَاتَتْ؛ انْحَلَّتْ يَمِينُهُ هَهُنَا)؛ لأِنَّه يُمكِنُه وَطْءُ الباقيات بغَيرِ حِنْثٍ.
(وَفِي التِي قَبْلَهَا: لَا تَنْحَلُّ فِي الْبَوَاقِي)؛ لأِنَّه يَقتَضِي كَونَ المحلوف عليه المنْعَ من كلِّ
(3)
واحدةٍ، وطلاقُ
(4)
واحدةٍ أوْ مَوتها، لا يُوجِبُ انْحِلالَ اليمين في غيرها، كما لو حَلَفَ بالله: لا وَطِئْتُ هذه، ثُمَّ حَلَفَ: لا وَطِئْتُ هذه
(5)
، ثُمَّ ماتَتْ إحداهما، أو طلَّقها.
وذَكَرَ القاضي: أنَّه إذا قُلْنا يَحنَثُ بفِعْلِ البعض، فَوَطِئَ واحدةً؛ حَنِثَ، ولم يَنحَلَّ الإيلاءُ في البواقي، ونَصَرَ في «الشَّرح» خِلافَ قَولِه.
(1)
في (ظ): ولا.
(2)
قوله: (واحدة) سقط من (م).
(3)
زيد في (م): وجه.
(4)
في (م): وكطلاق.
(5)
قوله: (ثم حلف: لا وطئت هذه) سقط من (م).
وقِيلَ: إنْ ماتَتْ لم تبق
(1)
يمينٌ ولا إيلاء
(2)
على الوجْهَينِ.
وعلى الأوَّل: إذا قُلْنا: صار مُولِيًا مِنهنَّ، فإذا طالَبْنَ بالفَيئة وُقِف
(3)
لهنَّ كلِّهنَّ، فإنْ اخْتَلَفَتْ مُطالَبَتَهُنَّ؛ وُقِف
(4)
لكلِّ واحدةٍ عند طَلَبِها، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه لا يُؤخَذُ بحقِّها قَبْلَ طَلَبِها.
وعنه: يُوقَفُ للجميع وقْتَ مُطالَبَة أُولاهُنَّ، قال القاضي: هو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ؛ لأِنَّها يمينٌ واحدةٌ، فكان الوَقْفُ
(5)
لها واحدًا، والكفَّارةُ واحدةً.
وقِيلَ: يَجِبُ بفيئته
(6)
إلى كلِّ واحدةٍ كفَّارةٌ.
(وَإِنْ آلَى مِنْ وَاحِدَةٍ، وَقَالَ لِلْأُخْرَى: شَرَّكْتُكِ مَعَهَا؛ لَمْ يَصِرْ مُولِيًا مِنَ الثَّانِيَةِ)؛ لأِنَّ اليمينَ بالله لا تَصِحُّ إلاَّ بلفظٍ صريحٍ من اسمٍ أوْ صفةٍ، والتَّشريكُ بَينَهما كنايةٌ، فلم تَصِحَّ به اليَمينُ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَصِيرُ مُولِيًا مِنْهُمَا)؛ كالطَّلاق، لكِنَّ الفَرْقَ بَينَهما: أنَّ الطَّلاقَ يَنعَقِدُ بالكناية، وليس
(7)
كذلك اليمينُ، فلو آلى رجل
(8)
مِنْ زَوجته، فقال آخَرُ لاِمْرأتِه: أنتِ مِثْلُ فُلانَةَ؛ لم يَكُنْ مُولِيًا.
وعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لا يَصِحُّ إلاَّ مِنْ زَوجةٍ، فلو حَلَفَ على تَرْكِ وَطْءِ أَمَتِه؛ لم يكُنْ مُولِيًا؛ لِلنَّصِّ.
(1)
في (م): لم يبق.
(2)
قوله: (ولا إيلاء) في (م): والإيلاء.
(3)
في (م): وقت.
(4)
في (م): وقت.
(5)
في (م): الوقت.
(6)
في (م): تجب بنيته.
(7)
في (م): ولا.
(8)
قوله: (رجل) سقط من (م).
وكذا لو حَلَفَ على تَرْكِ وطءِ أجنبيَّةٍ، ثُمَّ نَكَحَها، نَصَّ عليه
(1)
، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الإيلاءَ حكمٌ مِنْ أحْكامِ النِّكاح، فلم يَتَقَدَّمْه؛ كالطَّلاق.
وقال الشَّريفُ أبو جعفرٍ: قال أحمدُ: يَصِحُّ الظِّهارُ قَبْلَ النِّكاح
(2)
، فكذا الإيلاءُ.
وقِيلَ: بشَرْطِ إضافته إلى النِّكاح؛ كما لو قال: إنْ تزوَّجْتُ فُلانةَ فواللهِ لا وَطِئْتُها، ومِثْلُه نكاحٌ فاسِدٌ.
تنبيهٌ: يَصِحُّ الإيلاءُ بكلِّ لغةٍ مُطْلَقًا، فإنْ آلَى بالعجميَّة أو العربيَّة مَنْ لا يَدْرِي مَعْناها؛ لم يكُنْ مُولِيًا، وإنْ نَوَى مُوجَبَها عِنْدَ أهلها.
فإنْ آلَى عَرَبيٌّ أو عَجَمِيٌّ بلُغَتِه، ثُمَّ قال: جَرَى على لساني مِنْ غَيرِ قَصْدٍ؛ لم يُقبَلْ قَولُه في الحكم؛ لأِنَّه خلافُ الظَّاهر.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1881.
(2)
ينظر: مسائل صالح 1/ 442، مسائل عبد الله ص 360.
(فَصْلٌ)
(الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مِنْ زَوْجٍ)، نَصَّ عليه
(1)
، بشَرْطِ أنْ يكونَ مُكلَّفًا؛ للآية، ولأِنَّ غيرَ الزَّوج مَوطُوءَتُه أَمَتُه، والْأَمَة لا حقَّ لها في الوطء؛ كالأجنبيَّة.
والذِّمِّيُّ كالمسلِمِ إذا تَرافَعُوا إلَينا في قَولِ أكثرِهم، فإنْ أسْلَمَ؛ لم ينقطع
(2)
إيلاؤه.
ويتخرَّجُ: وأجنبيٌّ؛ كلُزومه الكَفَّارةَ.
(يُمْكِنُهُ الْجِمَاعُ)؛ لأِنَّه إذا لم يُمْكِنْه الجماعُ - كالمجْبوب -؛ فيَمينُه يمينٌ على مستحيلٍ، فلم يَنعَقِدْ؛ كما لو حَلَفَ: لَيَقْلِبُ الحَجَرَ ذَهبًا، ولأِنَّ الإيلاءَ اليمينُ المانِعةُ من الجماع، ويمينُ مَنْ شأنُه ما ذُكِرَ لا يَمنَعُه، بل فِعْلُ ذلك مُتعذِّرٌ منه.
(وَيَلْزَمُهُ)؛ أي: الزَّوج (الْكَفَّارَةُ بِالْحِنْثِ)؛ لأِنَّه إذا كان صبيًّا أوْ مجنونًا؛ فلا يُعتبَرُ قَولُه، ولا يمينه
(3)
؛ ضرورة عدم
(4)
الأهليَّة.
(مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، حُرًّا أَوْ عَبْدًا، سَلِيمًا أَوْ خَصِيًّا، أَوْ مَرِيضًا يُرْجَى بُرْؤُهُ)، أوْ مَرْضوضًا، أوْ مَجْبوبًا بَقِيَ مِنْ ذَكَرِه ما يُمكِنُه الجِماعُ به.
وكذا إنْ كان لِعارِضٍ مَرجُوِّ الزَّوال؛ كحَبْسٍ ونحوِه؛ لأِنَّه قادِرٌ على الوَطْءِ، فصحَّ منه
(5)
الاِمْتِناعُ منه.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1881.
(2)
في (م): لم يقع.
(3)
في (م): ولا نيته.
(4)
في (م): هدم.
(5)
قوله: (منه) سقط من (م).
وعنه: أوْ لا؛ كرَتقٍ، اختاره القاضي وأصحابُه.
(فَأَمَّا العَاجِزُ
(1)
عَنِ الْوَطْءِ بِجَبٍّ، أَوْ شَلَلٍ؛ فَلَا يَصِحُّ إِيلَاؤُهُ)؛ لأِنَّ مِنْ شَرْطِه إمْكانَ الجماع
(2)
، وهو معدومٌ، وكذا إنْ كان لِعارِضٍ غَيرِ مَرْجُوِّ الزَّوال؛ لأنَّه حَلَفَ على تَرْكِ مُستحِيلٍ، فلم يَصِحَّ؛ كالحَلِفِ على تَرْكِ الطَّيَران.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَصِحَّ)؛ كمَرَضٍ مَرْجُوِّ الزَّوال.
والأُولى
(3)
أَوْلَى، وعليه: لو حَلَف، ثُمَّ جُبَّ؛ ففي بطلانه وجْهانِ.
لا طفلةٍ، قاله في «التَّرغيب» .
(وَفَيْئَتُهُ: لَوْ قَدَرْتُ لَجَامَعْتُكِ)؛ لأِنَّه لا يَقدِرُ على أكثرَ منه.
وعنه: فَيئةُ كلِّ معذورِ: فِئْتُ إليك.
ولا حِنْثَ بفَيئةِ اللِّسان.
(وَلَا يَصِحُّ إِيلَاءُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ)؛ لِرَفْع القلم عنهما.
والمذهَبُ: صحَّةُ إيلاء المميِّز؛ لأِنَّه يَصِحُّ طلاقُه.
(وَفِي إِيلَاءِ السَّكْرَانِ وَجْهَانِ)، بِناءً على طلاقه، والأشْهَرُ: صحَّتُه.
(وَمُدَّةُ الْإِيلَاءِ فِي الأَحْرَارِ وَالرَّقِيقِ سَوَاءٌ) في ظاهر المذهب، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لِعُموم النَّصِّ، ولأنَّها
(4)
مُدَّةٌ ضُرِبَتْ للوطء، أشْبَهَت مُدَّةَ العُنَّة.
(وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ: أَنَّهَا عَلَى النِّصْفِ)، نَقَلَ أبو طالِبٍ: أنَّ أحمدَ رَجَعَ إليه
(5)
، وأنَّه قَولُ التَّابِعينَ كلِّهم إلاَّ الزُّهْرِيَّ وَحْدَه، واخْتارَهُ أبو بكرٍ؛
(1)
في (م): العجز.
(2)
قوله: (الجماع) سقط من (م).
(3)
في (م): والأول.
(4)
في (م): لأنها.
(5)
ينظر: زاد المسافر 3/ 326.
كالطَّلاق والنِّكاح، ولأِنَّ مُدَّة الإيلاء ثبت
(1)
ابتداؤها بقَولِ الزَّوج، فَوَجَبَ أنْ يَختَلِفَ؛ كمُدَّةِ العِدَّة.
وظاهِرُ ما سَبَقَ: أنَّه لا يشتَرَطُ لِصحَّته الغَضَبُ، ولا قَصْدُ الإضرار، وقاله ابنُ مسعودٍ
(2)
وأهلُ العراق.
وقال ابنُ عبَّاسٍ: «إنَّما الإيلاءُ في الغَضَب»
(3)
.
(وَلَا حَقَّ لِسَيِّدِ الْأَمَةِ فِي طَلَبِ الْفَيْئَةِ، وَالْعَفْوِ عَنْهَا، وَإِنَّمَا ذَلِكَ إِلَيْهَا)، وجملةُ ذلك: أنَّ الحُرَّةَ والأمةَ سَواءٌ في اسْتِحْقاق المطالَبة، عفا
(4)
السَّيِّدُ أوْ لا؛ لأِنَّ الحقَّ لها؛ لكَونِ الاِسْتِمْتاعِ يَحصُلُ لها، فإنْ تَرَكَت المطالَبةَ؛ لم يكُنْ لِمَولاها المطالَبةُ به؛ لأِنَّه لا حَقَّ له.
لا يُقالُ: حقُّه في الولد؛ لأِنَّه لا يَعزِلُ عنها إلاَّ بإذْنِه؛ لأِنَّه لا يَستَحِقُّ على الزَّوج اسْتِيلادَ المرأة، بدليل: أنَّه لو حَلَفَ لَيَعزِلَنَّ عنها أوْ لا يَسْتَوْلِدُها؛ لم يكُنْ مُولِيًا.
(1)
في (م): يثبت.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (18624)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 283)، عن أبي عبيدة، عن عبد الله رضي الله عنه قال:«الإيلاء في الرضا والغضب» ، إسناده جيد، ورواية أبي عبيدة عن أبيه محمولة على الاتصال عند جماعة من النقاد.
(3)
أخرجه الطبري في التفسير (4/ 45)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«لا إيلاء إلا بغضب» ، وإسناده صحيح. وأخرجه أيضًا (4/ 45)، عن جابر بن زيد عنه بإسناد حسن.
(4)
في (م): على.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا صَحَّ الْإِيلَاءُ ضُرِبَتْ لَهُ مُدَّةُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ)، فالمُولِي يتربَّصُ أربعةَ أشْهُرٍ كما أمَرَه الله تعالى، ولا يُطالَبُ بالوطء فيهنَّ، فإذا مَضَتْ ورَافَعَتْه امرأتُه إلى الحاكم؛ أمَرَه بالفيئة، فإنْ أبى؛ أمره
(1)
بالطَّلاق.
ولا تَطلُقُ بمُضِيِّ المدَّة، قال أحمدُ: يوقَف، عن أكابر الصَّحابة، وقال في روايةِ أبي طالِبٍ: قال ذلك عمرُ
(2)
، وعُثْمانُ
(3)
، وعليٌّ
(4)
، وابنُ عمرَ
(5)
،
(1)
في (ظ): أُمر.
(2)
أخرجه أحمد في مسائل عبد الله (1340)، والطبري في التفسير (4/ 76)، عن سعيد بن جبير قال: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في الإيلاء: «إذا مضت أربعة أشهر لم يجعله شيئًا» ، منقطع كما في الفتح 9/ 428. وأخرجه الطبري في التفسير (4/ 76)، من طريق أخرى، وفيها المثنى بن الصباح، وهو ضعيف.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11664)، والشافعي في الأم (5/ 282)، وابن أبي شيبة (18564)، وأحمد في مسائل عبد الله (1338)، والدارقطني (4041)، والبيهقي في الكبرى (15210)، عن طاوس، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال:«يوقف المولي عند انقضاء الأربعة، فإما أن يفيء وإما أن يطلق» ، منقطع، قال أبو زرعة:(لم يسمع من عثمان شيئًا). وأخرج الدارقطني (4042)، والبيهقي في الكبرى (15211)، عن القاسم عن عثمان رضي الله عنه نحوه. وهو منقطع، قال في الفتح 9/ 428:(والطريقان عن عثمان يعضد أحدهما الآخر).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1906)، والشافعي في الأم (5/ 282)، وابن أبي شيبة (18560)، وأحمد في مسائل عبد الله (1342)، عن عمرو بن سلمة، قال علي رضي الله عنه:«إذا آلى الرجل من امرأته فإنه يوقف حتى يفيء أو يطلق» ، وصحح الحافظ إسناده في الفتح 9/ 428، وروي من وجوه أخرى صحيحة.
(5)
أخرجه البخاري (5290)، قال لي إسماعيل: حدثني مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«إذا مضت أربعة أشهر: يوقف حتى يطلق، ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق» ، قال الحافظ في الفتح 9/ 428:(في بعض الروايات: "قال إسماعيل" مجردًا، وبه جزم بعض الحفاظ، فعلَّم عليه علامة التعليق، والأول المعتمد، وهو ثابت في رواية أبي ذر وغيره)، وقد أخرجه مالك في الموطأ (2/ 552)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 282)، والبيهقي في الكبرى (15218).
وجَعَلَ يُثْبِتُ حديثَ عليٍّ
(1)
، ورواه
(2)
البخاريُّ عن ابن عمرَ، قال: (ويُذكَرُ عن أبي الدرداء، وعائشةَ، واثْنَيْ عَشَرَ رجلاً من أصحاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم
(3)
، وقال سُلَيمانُ بنُ يَسَارٍ:«أدْرَكْتُ بضعةَ عَشَرَ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم كلُّهم يَقِفُون المُولِيَ» رواه الشَّافِعيُّ والدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ
(4)
.
وقال ابنُ مسعودٍ، وابنُ عبَّاسٍ:«إذا مَضَتْ أربعةُ أشْهُرٍ فَهِيَ تطليقةٌ بائنةٌ»
(5)
،
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1639، مسائل صالح 3/ 68، مسائل أبي داود ص 241، زاد المسافر 3/ 324.
(2)
في (م): رواه.
(3)
ينظر: صحيح البخاري (5290).
وأثر أبي الدرداء رضي الله عنه: أخرجه أحمد في مسائل حرب (2/ 683)، والطبري في التفسير (4/ 78)، والبيهقي في الكبرى (15222)، عن ابن المسيب، عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال في الإيلاء:«يوقَف، فإما أن يمسك، وإما أن يطلق» ، قال في الفتح 9/ 429:(سنده صحيح إن ثبت سماع سعيد بن المسيب من أبي الدرداء).
وأثر عائشة رضي الله عنها: أخرجه عبد الرزاق (11660)، والشافعي في الأم (5/ 282)، وسعيد بن منصور (1913)، والبيهقي في الكبرى (15219)، عن القاسم بن محمد:«أن الرجل كان يولي من امرأته، فيمكث أكثر من أربعة أشهر، وكانت عائشة رضي الله عنها لا ترى ذلك إيلاء» ، قال في الإرواء 7/ 171:(إسناده صحيح على شرط الشيخين).
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1915)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 25)، وابن أبي شيبة (18565)، وأحمد في مسائل عبد الله (1341)، والدارقطني (4040)، والبيهقي في الكبرى (15207)، وإسناده صحيح.
(5)
أثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور (1889)، والطبري في التفسير (4/ 67)، والبيهقي في الكبرى (15227)، عن مسروق عن عبد الله قال في الإيلاء:«إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة، وتعتد ثلاثة قروء» ، وإسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه سعيد بن منصور (1893)، وابن أبي شيبة (18547)، والطبري في التفسير (4/ 70)، والبيهقي في الكبرى (15230)، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس قال:«عزيمة الطلاق انقضاء الأربعة الأشهر، والفيء الجماع» ، وفي لفظ:«إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة» ، إسناده صحيح، وصرح الحكم في رواية البيهقي بالسماع، وهو من الأحاديث التي سمعها الحكم من مقسم كما قال يحيى القطان.
وقال مكحولٌ والزُّهْريُّ: تطليقةٌ رجعيَّةٌ؛ لأنَّ
(1)
هذه مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لاِسْتِدْعاء الفعل منه، أشْبَهَ مدَّة العُنَّة.
وجوابُه: ظاهِرُ الآية، والفاء للتَّعقيب، ثُمَّ قال:{وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (227)} [البَقَرَة: 227]، ولو وَقَعَ بمضي
(2)
المدَّة؛ لم يَحتَجْ إلى عَزْمٍ عليه، وقوله:{سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يَقتَضِي أنَّ الطَّلاقَ مسموعٌ، ولا يكونُ المسموعُ إلاَّ كلامًا، ولأِنَّها مُدَّةٌ ضُرِبَتْ تأجيلاً، فلم تَستَحِقَّ المطالَبةَ فيها؛ كسائر الآجال، ومُدَّة العُنَّة حُجَّةٌ لنا، فإنَّ الطَّلاقَ لا يَقَعُ إلاَّ بمُضِيِّها، ولأِنَّ مدَّةَ العُنَّة ضُرِبَتْ لِيُختَبَرَ فيها، ويُعرَفَ عَجْزُه عن الوطء بتركه
(3)
في مدَّتها، وهذه ضُرِبتْ تأخيرًا لها وتأجيلاً، ولا تستحقُّ
(4)
المطالَبةَ إلاَّ بمُضِيِّ الأجل؛ كالدَّين.
وفي «الموجز»
(5)
: يُضرَبُ للكافر المدَّةُ بعدَ إسْلامِه.
والمذهَبُ: أنَّ ابْتِداءَها من حِينِ اليمين، ولا يَفتَقِرُ إلى ضَرْبٍ؛ لأِنَّها ثبتت
(6)
بالنَّصِّ والإجماع؛ كمُدَّةِ العُنَّة.
(فَإِنْ كَانَ بِالرَّجُلِ عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ)؛ كمَرضٍ وصَومٍ؛ (احْتُسِبَ
(7)
عَلَيْهِ بِمُدَّتِهِ)؛ لأِنَّ المانِعَ مِنْ جِهَتِه، وقد وُجِدَ التَّمكينُ الذي عليها، وكذلك لو
(1)
في (م): ولأن.
(2)
في (م): بمعنى.
(3)
في (ظ): تركه.
(4)
في (م): ولا يستحق.
(5)
كتب في هامش (ظ): (لعله الوجيز).
(6)
في (ظ): تثبت.
(7)
في (م): احتسبت.
أمْكَنَتْه من نفسها وامْتَنَعَ؛ وَجَبَتْ لها النَّفَقةُ، وإنْ طَرَأَ شَيءٌ من هذه الأعذار بعدَ الإيلاء، أوْ جُنَّ؛ لم تَنقَطِع المدَّةُ.
(وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِهَا)؛ كصِغَرِها، ومَرَضها، وصِيامها واعتكافِها المفروضَينِ، وإحْرامها؛ (لَمْ يُحْتَسَبْ عَلَيهِ
(1)
؛ أي: إذا وُجِدَ ذلك حالَ الإيلاء؛ لم تضرب
(2)
له المدَّةُ حتَّى تَزولَ؛ لأِنَّ المدَّةَ تُضرَبُ لاِمْتِناعه مِنْ وَطْئها، والمنْعُ هنا مِنْ قِبَلها.
(وَإِنْ طَرَأَ بِهَا) - هو بالهمز، وقد يُترَكُ -؛ (اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ عِنْدَ زَوَالِهِ)، ولم تُبْنَ على ما مَضَى؛ لقوله تعالى:{تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} [البَقَرَة: 226] يَقتَضِي أنَّها مُتوالِيَةٌ، فإذا قَطَعَها؛ وَجَبَ اسْتِئْنافُها؛ كمُدَّةِ الشَّهْرَينِ في صَومِ الكفَّارة.
وقِيلَ: تُبنى
(3)
؛ كحَيضٍ.
(إِلاَّ الْحَيْضَ، فَإِنَّهَا تُحْتَسَبُ بِمُدَّتِهِ)، ولا يَمنَعُ ضَرْبَ المدَّة إذا كان مَوجودًا وَقْتَ الإيلاء؛ لأِنَّه لو مَنَعَ لم يُمكِنْ
(4)
ضربَ المدَّة؛ لأِنَّ الحَيضَ في الغالب لا يَخْلُو منه شهرٌ، فيُؤدِّي ذلك إلى إسْقاطِ حكم الإيلاء.
(وَفِي النِّفَاسِ وَجْهَانِ)، وقِيلَ: رِوَايَتانِ:
أحدُهما: هو كالحَيضِ؛ لأِنَّه مِثْلُه في أحكامِه.
والثَّاني، وهو الأشْهَرُ: أنَّه كالمرض؛ لأِنَّه عُذْر نادِرٌ.
وقِيلَ: مجنونةٌ لها شَهوةٌ؛ كعاقِلَةٍ.
وفي
(5)
«الرِّعاية» : فإنْ تعذَّر الوَطْءُ بسببٍ مِنْ جِهَتِها؛ كحَيضٍ، وحَبْسٍ،
(1)
في (ظ): بها.
(2)
في (م): لم يضرب.
(3)
في (م): تنبني.
(4)
في (م): لم يكن.
(5)
في (م): في.
ومَرَضٍ، وصِغَرٍ؛ لم يُحْتَسَبْ عليه في المدَّة. وقِيلَ: بلى.
وإنْ طَرَأَ بعضُ ذلك فيها، ثُمَّ زال؛ اسْتُؤْنِفَتْ، وقِيلَ: لا؛ كحَيضٍ، قال في «المحرَّر»: فيُخرَّجُ أنْ تسقطَ
(1)
أوقات المنْع منها، ويبني على ما مضى.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي أَثْنَاءِ المُدَّةِ؛ انْقَطَعَتْ)؛ لأِنَّها صارتْ مَمْنوعةً بغَيرِ اليمين، فانْقَطَعَت المدَّةُ؛ كما لو كان الطَّلاقُ بائنًا، سَواءٌ بانَتْ بِفَسْخٍ، أوْ خُلْعٍ، أوْ بانْقِضاءِ عِدَّتها من الطَّلاق الرَّجْعِيِّ؛ لأِنَّها صارَتْ أجنبيَّةً، ولم يَبْقَ شيءٌ من أحكام نكاحها.
(فَإِنْ رَاجَعَهَا، أَوْ نَكَحَهَا إِذَا كَانَتْ بَائِنًا؛ اسْتُؤْنِفَتِ الْمُدَّةُ)؛ لأِنَّ الإيلاءَ يَعُودُ حُكمُه بذلك، والتَّربُّصُ واجِبٌ، فَوَجَبَ اسْتِئْنافُها؛ ضرورةَ الوفاء بالواجِبِ.
وظاهِرُه: أنَّ الطَّلاقَ الرَّجعيَّ كالبائن في انْقِطاعِ مدَّة التَّربُّص في
(2)
استِئْنافها بالرُّجوع إلى زوجته
(3)
، وصرَّح به في «المغْنِي» ، وأنَّه لا يَحتَسِبُ المدَّةَ على الزَّوجة من الرَّجعة في قَولِ الخِرَقِيِّ والقاضي؛ لأِنَّها
(4)
صارَتْ ممنوعةً مِنْ غَيرِ يمينٍ، فانْقَطَعَتْ، كما لو كان الطَّلاقُ بائنًا.
وقال ابنُ حامِدٍ: إذا طلَّق اسْتُؤنِفَتْ مُدَّةٌ أخرى من حين طلاقه، وتُحتَسَبُ مدَّةُ الإيلاء في زمن عدَّة الرَّجعة، فإذا تمَّتْ أربعةُ أشْهُرٍ قبلَ انقضاء عدَّةِ الطَّلاق؛ وُقِفَ، فإنْ فاءَ وإلاَّ أُمِرَ بالطَّلاق، وإن انْقَضَت العدَّةُ قبلَ مدَّةِ الإيلاء؛ تُربِّصَ به
(5)
تمام أربعةِ أشْهُرٍ من حين طلَّقَ.
(1)
في (ظ): يسقط.
(2)
في (ظ): وفي.
(3)
في (م): زوجية.
(4)
في (م): أنها.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
والمذْهَبُ: أنَّه إذا طلَّقها رَجْعِيًّا في المدَّة؛ لم تَنقَطِعْ قَبْلَ فَراغِ عدَّتها.
وقِيلَ: تَنقَطِع ويستأنف
(1)
؛ كما لو ارْتَدَّا أوْ أحدُهما بَعْدَ الدُّخول، أوْ أسْلَمَا في العدَّة.
(وَإِنِ انْقَضَتِ الْمُدَّةُ وَبِهَا عُذْرٌ يَمْنَعُ الْوَطْءَ)؛ كمَرَضٍ وإحرام
(2)
؛ (لَمْ تَمْلِكْ
(3)
طَلَبَ الْفَيْئَةِ)؛ لأِنَّ الوَطْءَ مُمْتَنِعٌ من جهتها، ولأِنَّ المطالَبةَ مع الاِسْتِحْقاق، وهي لا تَستَحِقُّ الوطء في هذه الأحوال، ولَيسَ لها المطالَبةُ بالطَّلاق؛ لأِنَّها إنَّما
(4)
تَستَحِقُّ عندَ امْتِناعه، ولم يَجِبْ عليه شيءٌ، لكِنْ تتأخَّرُ المطالَبةُ إلى زوال العُذْرِ إنْ لم يكُنْ قاطِعًا للمدة
(5)
؛ كالحيض، أو كان
(6)
العُذرُ حَدَثَ بعدَ انْقِضاء المدَّة.
وفي «الرِّعاية» : لم تُطالِب
(7)
بفَيئةِ الوطء حتَّى يَزُولَ ذلك، وفي
(8)
فَيئةِ القَولِ وَجْهانِ.
(وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِهِ، وَهُوَ مِمَّا يَعْجِزُ بِهِ عَنِ الْوَطْءِ)؛ كمَرضٍ
(9)
وحَبْسٍ مُطلَقًا؛ (أُمِرَ أَنْ يَفِيءَ بِلِسَانِهِ)، ولا يُمْهَلُ لِفَيئةِ اللِّسان، (فَيَقُولُ: مَتَى قَدَرْتُ جَامَعْتُكِ)، هذا قَولُ ابنِ مَسعودٍ وجَمْعٍ
(10)
؛ لأِنَّ القَصْدَ بالفَيئة تَرْكُ ما قَصَدَه
(1)
في (ظ): وتستأنف.
(2)
في (م): أو إحرام.
(3)
في (م): لم يملك.
(4)
في (م): لا.
(5)
في (م): المدة.
(6)
في (م): وكان.
(7)
في (م): لم يطالب.
(8)
في (م): ومن.
(9)
في (م): لمرض.
(10)
أخرجه ابن أبي شيبة (18609)، عن محمد بن سالم، عن الشعبي، عن علي وابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم قالوا:«الفيء الجماع» ، وقال ابن مسعود:«فإن كان به علة من كبر أو مرض أو حبس يحول بينه وبين الجماع، فإن فيأه أن يفيء بقلبه ولسانه» ، محمد بن سالم الهمداني ضعيف جدًّا.
من الإضرار، وقد تَرَكَ قَصْدَ الإضْرار بما أَتَى به من الاِعْتِذار، والقَولُ مع العُذْرِ يَقومُ مَقامَ فِعْلِ القادر، بدليلِ إشْهادِ الشَّفيع على الطَّلَب بها.
ولا يَحتاجُ أنْ يقولَ: نَدِمْتُ؛ لأِنَّ الغَرَضَ أنْ يُظهِرَ رجوعَه عن المقام على
(1)
اليمين.
وحَكَى أبو الخَطَّاب عن القاضي: أنَّ فَيئةَ المعذور أنْ يقولَ: فِئْتُ إلَيكِ، وقاله الثَّورِيُّ وأبو عُبَيدٍ، واختاره الخِرَقيُّ وأبو بكرٍ والحُلْوانيُّ؛ لأِنَّ وَعْدَه بالفعل عند
(2)
القُدرة عليه دليلٌ على تَرْكِ قَصْدِ الإضْرار.
(ثُمَّ مَتَى قَدَرَ عَلَى الْوَطْءِ؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ، أَوْ يُطَلِّقُ)، صحَّحه ابنُ حَمْدانَ ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه أخَّرَ حقَّها لعجزه عنه، فإذا قَدَرَ عليه لَزِمَه أنْ يُوَفِّيَها إيَّاه؛ كالدَّين على المعْسِر إذا قَدَرَ عليه.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَلْزَمُهُ)، وهو قَولُ الحَسَن، وعِكرمةَ، والأوزاعيِّ؛ لأِنَّه فاءَ مرَّةً، فلا يَلزَمُه أخرى؛ كالوطء.
والمذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ فَيئَتَه بالقَولِ لَيسَ عينَ
(3)
حقِّها، وإنَّما هو وَعْدٌ بإيفاءِ حقِّها، فحقُّها الأصلي باقٍ، ولا مانِعَ مِنْ فِعْلِه، فلزمه
(4)
كما لو لم يَفِئ بلسانه، فإنْ رَضِيَتْ بالمقام مع العاجز
(5)
لم تُضرَبْ له مدَّةٌ في الأصحِّ.
وعُلِم منه: أنَّ مَنْ فاءَ بلسانه؛ فلا كفَّارة عليه، ولا حِنْثَ؛ لأِنَّه لم يَفعل
(1)
في (ظ): عن.
(2)
في (م): عن.
(3)
في (م): غير.
(4)
في (م): فلزم.
(5)
في (م): العجز.
المحلوفَ عليه، وإنَّما وَعَدَ بفعله
(1)
؛ كالمَدِين إذا أعْسَرَ.
(وَإِنْ كَانَ مُظَاهِرًا)؛ لم يَطأْ حتَّى يكفِّرَ، فإذا وَطِئَ صار مُظاهِرًا منها وزال حكمُ الإيلاء
(2)
، (فَقَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَطْلُبَ رَقَبَةً أُعْتِقُهَا عَنْ ظِهَارِي؛ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)؛ لأِنَّها مدَّةٌ قريبةٌ، فالظِّهارُ كالمرض عِنْدَ الخِرَقِيِّ، وكذا الاعتكافُ المنذور.
وذَكَرَ بعضُ أصحابنا: أنَّ المظاهِرَ
(3)
لا يُمهَلُ، ويُؤمَرُ بالطَّلاق، فيُخرَّجُ من هذا: أنَّ كلَّ عُذْرٍ مِنْ فِعْلِه يَمنَعُ الوَطْءَ؛ لا يُمهل
(4)
من أجله؛ لأِنَّ الاِمْتِناعَ بسببٍ منه، فلا يَسقُطُ حكمًا واجبًا.
وَوَجْهُ الأوَّل: أنَّه عاجِزٌ عن الوَطْءِ بأمْرٍ لا يُمكِنُه الخُروجُ منه، أشْبَهَ المريضَ.
فإنْ قال: أمْهِلونِي حتَّى أَطْلُبَ رَقَبةً، أوْ أُطْعِمَ، فإنْ عُلِمَ أنَّه قادِرٌ على التَّكفير في الحال؛ لم يُمهَلْ؛ لأِنَّه إنَّما يُمْهَلُ للحاجة، ولا حاجةَ هنا، وإنْ لم يُعلَمْ؛ أُمْهِلَ ما ذَكَرَه المؤلِّف.
ولا يُمْهَلُ لصَومِ شَهرَينِ مُتَتابِعَينِ؛ لأِنَّه كثيرٌ، وقِيلَ: بلى.
فإنْ وَطِئَها؛ فقد عَصَى، وانحلَّ
(5)
إيلاؤه، ولها مَنْعُه.
(1)
قوله: (بفعله) سقط من (م).
(2)
لعل هذه العبارة مقحمة، فقد ذكرها المغني 7/ 560، والشرح 23/ 213 في مسألة أخرى، وهي:(من قال: إن وطئتك فأنت علي كظهر أمي، فقال أحمد: لا يقربها حتى يكفر، وهذا نص في تحريمها قبل التكفير، وهو دليل على تحريم الوطء في المسألة التي قبلها بطريق التنبيه؛ لأن المطلقة ثلاثًا أعظم تحريمًا من المظاهر منها، فإذا وطِئ ههنا، فقد صار مظاهرًا من زوجته، وزال حكم الإيلاء).
(3)
في (م): المظاهرة.
(4)
قوله: (ويؤمر بالطلاق، فيخرج من هذا أنَّ كل عذر من فعله يمنع الوطء لا يمهل) سقط من (م).
(5)
في (م): ولا ينحل.
وقال القاضي: يَلزَمُها التَّمْكينُ، وإنِ امتنعتْ سَقَطَ حقُّها؛ لأِنَّ حقَّها في الوَطْءِ، وقد بَذَلَه لها.
وجوابُه: بأنَّه وَطْءٌ حرامٌ، فلا يَلزَمُ التَّمكينُ منه؛ كالوطء في الحيض.
(وَإِنْ قَالَ: أَمْهِلُونِي حَتَّى أَقْضِيَ صَلَاتِي
(1)
، أَوْ أَتَغَدَّى، أَوْ حَتَّى يَنْهَضِمَ الطَّعَامُ، أَوْ أَنَامَ فَإِنِّي نَاعِسٌ؛ أُمْهِلَ بِقَدْرِ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه زَمَنٌ يَسِيرٌ، ولا يُمهَلُ أكثرَ مِنْ قَدْرِ الحاجة؛ كالدَّين الحالِّ.
وإنْ طَلَبَ المُهلةَ حتَّى يُفطر مِنْ
(2)
صومه، أو يرجع إلى
(3)
بيته
(4)
، أوْ يَحِلَّ من إحرامه؛ أُمْهِلَ؛ لأِنَّ العادةَ تَقتَضِيهِ.
فرعٌ: إذا كانَتْ صغيرةً أوْ مجنونةً؛ فلَيسَ لها المطالَبةُ؛ لأِنَّ قَولَها غَيرُ مُعتَبَرٍ، ولا لِوَليِّها؛ لأِنَّ هذا طريقُه الشَّهوةُ.
وإنْ كانت ممَّا
(5)
لا يُمْكِنُ وطؤها؛ لم يُحتَسَبْ عليه بالمدَّة؛ لأِنَّ المنْعَ من جهتها.
وإنْ كان مُمْكنًا؛ فأفاقت المجنونةُ وبَلَغَت الصَّغيرةُ قبلَ انقضاء المدَّة؛ تمَّمت
(6)
، ثُمَّ لها المطالَبةُ، وإنْ كان بعدَ انقضاء المدَّة؛ فلها
(7)
المطالبةُ يومئذٍ؛ لأِنَّ الحقَّ لها
(8)
ثابِتٌ، وإنَّما تأخَّر؛ لِعدَمِ إمْكانِ المطالَبةِ.
(1)
قوله: (صلاتي) سقط من (م).
(2)
في (ظ): في.
(3)
قوله: (إلى) مكانه بياض في (م).
(4)
في (ظ): نيته.
(5)
في (م): كانتا ممن.
(6)
قوله: (تممت) سقط من (م).
(7)
في (ظ): فلهما.
(8)
في (ظ): لهما.
(وَإِذَا
(1)
لَمْ يَبْقَ عُذْرٌ، وَطَلَبَتِ الْفَيْئَةَ، وَهِيَ الْجِمَاعُ) بغَيرِ خلافٍ
(2)
، وأصْلُ الفَيء الرُّجوعُ إلى فِعْلِ ما تَرَكَه، والفِيئَة بكَسْرِ الفاء، مثل الضعينة
(3)
، ذَكَرَه في «الصِّحاح»
(4)
، (فَجَامَعَ) القادِرُ عليه إنْ حَلَّ وَطْؤها، وقِيلَ - ذكره
(5)
ابنُ عقيلٍ روايةً -: وطْئًا مباحًا، لا في حَيضٍ ونحوِه؛ (انْحَلَّتْ يَمِينُهُ)؛ لِتحقُّق حِنْثِه، (وَعَلَيْهِ كَفَّارَتُهَا) في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لعموم النَّصِّ.
وقال الحَسَنُ: لا كفَّارةَ عليه، قال قَتادةُ: الحَسَنُ قد خالَفَ النَّاسَ.
فرعٌ: إذا كفَّر عن يمينه بعدَ المدَّة قَبْلَ الوطء، أو اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَه وهو نائمٌ، أوْ وَطِئَها ناسيًا يمينَه، أوْ في حالِ جُنونه، وقُلْنا: لا يَحنَثُ؛ فهل يَنحَلُّ إيلاؤه؟ على وجْهَينِ، وفي «المذهب»: يفيء بما يُبِيحُها لِزَوجٍ أوَّلَ.
والجاهِلُ كالنَّاسي في الحنث.
(وَأَدْنَى مَا يَكْفِيهِ: تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) أَوْ قَدْرِها (فِي الْفَرْجِ)؛ لأِنَّ أحكامَ الوطء تتعلَّقُ به، وظاهِرُه: ولو مِنْ مُكرَهٍ وناسٍ ونحوِهما.
(وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ، أَوْ دُونَ الْفَرْجِ؛ لَمْ يَخْرُجْ مِنَ الْفَيْئَةِ)؛ لأِنَّه لَيسَ بمحلوفٍ عليه، ولا يَزُولُ الضَّرَرُ بفِعْلِه، وفي «الرِّعاية»: فما فاءَ، ولو حَنِثَ بهما في وَجْهٍ؛ لدُخوله في يمينه.
(وَإِنْ وَطِئَهَا فِي الْفَرْجِ وَطْئًا مُحَرَّمًا؛ مِثْلَ أَنْ يَطَأَ حَالَ الْحَيْضِ، أَوِ النِّفَاسِ، أَوِ الإحْرَامِ، أَوْ صِيَامِ فَرْضٍ مِنْ أَحَدِهِمَا؛ فَقَدْ فَاءَ إِلَيْهَا)؛ لأِنَّ يمينَه انْحَلَّتْ به، فزال حكمُها، وزال الضَّررُ عنها، وكان كالوطء الحَلالِ، وكما لو
(1)
في (م): فإذا تممت.
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر 88، مراتب الإجماع ص 71.
(3)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الصحاح 1/ 63 وغيره: الفِيعَة.
(4)
ينظر: الصحاح 1/ 63.
(5)
في (م): ذكر.
وَطِئَها مريضةً.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: الْأَصَحُّ)، وحكاهُ في «المغْنِي» و «الشَّرح» قِياس المذهَبِ:(أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَيْئَةِ)؛ لأِنَّه وَطْءٌ لا
(1)
يُؤمَرُ به في الفَيئة، فلم يَخرُجْ به من الإيلاء؛ كالوطء في الدُّبر.
والذي ذَكَرَه لا يَصِحُّ؛ لأِنَّ يمينَه انحلَّتْ، ولم يَبْقَ مُمْتَنِعًا من الوطء بحكم اليمين، فلم يَبْقَ الإيلاءُ؛ كما لو كفَّر يمينَه، وقد نَصَّ أحمدُ على مَنْ حَلَفَ، ثُمَّ كفَّر يمينَه، لا يَبقَى مُولِيًا
(2)
؛ لِعَدَم حكمِ اليمين، فهذا أَوْلَى.
وقد ذَكَرَ القاضي في المُحْرِم والمظاهِر
(3)
: أنَّهما إذا وَطِئَا فقد وفَّياها حقَّها، بخلاف الوطء في الدُّبر؛ لأِنَّه لَيسَ بمحلٍّ للوطء.
مسألتانِ:
الأُولى: إذا آلى بعتقٍ أوْ طلاقٍ؛ وَقَعَ بنَفْسِ الوطء؛ لأِنَّه معلَّقٌ بصفةٍ، وإنْ لم يَفعَلْ فكفَّارةُ يمينٍ، وإنْ آلى بنذرٍ، أوْ صَومٍ، أوْ صلاةٍ، أوْ حجٍّ، أوْ غيرِ ذلك من الطَّاعات، أو المباحات، فهو مخيَّرٌ بَينَ الوفاء به وبَينَ التَّكفير؛ لأِنَّه نَذْرُ لَجاجٍ وغَضَبٍ، وهذا حكمُه.
الثَّانيةُ: إذا آلى بطلاقِ ثلاثٍ أُمِرَ بالطَّلاق؛ لأِنَّ الوَطْءَ غَيرُ مُمْكِنٍ؛ لأِنَّها تَبِينُ منه بإيلاجِ الحشفة، فيصيرُ مستمتِعًا بأجنبيَّةٍ، وذَكَرَ المؤلِّفُ أنَّ الألْيَقَ بالمذهب تحريمُه. وعنه: لا.
ومتى أَولَجَ وتمَّمَ، أوْ لَبِثَ؛ لَحِقَه نسبُه، وفي المهر وجْهانِ.
وقِيلَ: يَجِبُ الحدُّ، جَزَمَ به في «المستوعب» ، وفيه: ويُعزَّرُ جاهِلٌ.
وفي «المنتخب» : فلا مَهْرَ ولا نَسَبَ.
(1)
قوله: (لا) سقط من (م).
(2)
ينظر: المغني 7/ 541.
(3)
في (م): والظاهر.
وإنْ نَزَعَ فلا حَدَّ، ولا مَهْرَ؛ لأِنَّه تارِكٌ.
وإن نَزَعَ، ثُمَّ أوْلَجَ؛ فإنْ جهلا
(1)
التَّحريمَ، فالمهرُ والنَّسبُ ولا حَدَّ، والعَكْسُ بعَكْسِه.
وإنْ عَلِمَه؛ لَزِمَه المهرُ والحَدُّ، ولا نَسَبَ.
وإنْ علمته
(2)
؛ فالحَدُّ والنَّسبُ، ولا مَهْرَ، وكذا إنْ تزوَّجتْ في عدَّتها.
(وَإِنْ لَمْ يَفِئْ، وَأَعْفَتْهُ الْمَرْأَةُ؛ سَقَطَ حَقُّهَا)، ولَيسَ لها المطالَبةُ في قياس المذهب، قاله القاضي؛ لأِنَّها رَضِيَتْ بإسْقاطِ حقِّها من الفسخ، فَسَقَطَ حقُّها منه؛ كامرأةِ العِنِّين إذا رَضِيَتْ به.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَسْقُطَ، وَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بَعْدُ)؛ أيْ: متى شاءت
(3)
؛ لأِنَّها ثبتتْ
(4)
لدَفْع الضَّرر بتركِ ما يتجدَّد مع الأحوال؛ كما لو أعْسَرَ بالنَّفقة فعَفَتْ عن المطالَبة، ثُمَّ طالَبَتْ.
وفارَقَ الفَسْخَ للعُنَّة، فإنَّه فَسْخٌ لعَيبِه، فمَتَى رَضِيَتْ بالعيب سَقَطَ حقُّها، كما لو عفا المشْتَري عن عَيب المبيع.
وإنْ سكتَتْ عن المطالَبة، ثُمَّ طالَبَتْ؛ فلها ذلك وجهًا واحدًا؛ لأِنَّ حقَّها ثَبتَ على التَّراخي، فلم يَسقُطْ بتأخير المطالَبة؛ كاسْتِحقاقِ النَّفقة.
(وَإِنْ لَمْ تُعْفِهِ؛ أُمِرَ بِالطَّلَاقِ) إنْ طَلَبَتْ ذلك؛ لقوله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229]، فإذا امْتَنَعَ من أداء الواجب؛ فقد امْتَنَع من الإمساك بالمعروف، فيُؤمَرُ بالتَّسريح بالإحسان.
(فَإِنْ طَلَّقَ وَاحِدَةً؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا)، سواءٌ كان المُولي أو الحاكِمُ في
(1)
قوله: (فإن جهلا) في (م): كان جهل.
(2)
في (م): علمه.
(3)
في (م): شاء.
(4)
في (م): يثبت.
الأَشْهَر؛ لأِنَّه طلاقٌ صادف مدخولاً بها من غير عِوَضٍ ولا استِيفاءِ عدد
(1)
، فكان رجعيًّا؛ كالطَّلاق في غير الإيلاء، ويُفارِقُ فُرْقةَ العُنَّة؛ لأِنَّها فَسْخٌ لِعَيبٍ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَكُونُ بَائِنَةً)، وقالَه أبو ثَورٍ؛ لأِنَّها فُرقةٌ لِدَفْع الضَّرر، فكانتْ بائنًا كالمخْتَلِعة
(2)
.
وعنه: مِنْ حاكمٍ، لا منه.
قال القاضي: المنصوصُ عن أحمدَ في فُرقةِ الحاكم أنَّها تكون بائنًا، وقال
(3)
الأثْرَمُ: فأمَّا تفريقُ السُّلْطان فَلَيسَ فيه رجعةٌ كاللِّعان
(4)
.
وعُلِم منه: أنَّ الزَّوجَ أو الحاكمَ إذا طلَّق ثلاثًا؛ فإنَّها تَحرُمُ عليه، ولا تَحِلُّ له إلاَّ بعدَ زوجٍ وإصابةٍ.
فرعٌ: إذا وَقَعَ الطَّلاقُ، ثُمَّ ارْتَجَعَها، أوْ تَرَكَها حتَّى انْقَضَتْ عِدَّتُها ثمَّ تزوَّجها، أوْ طلَّق ثلاثًا فتزوَّجَتْ غَيرَه، ثُمَّ تزوَّجها، وقد بَقِيَ من مدَّةِ الإيلاء أكثرُ من أربعةِ أشْهُرٍ؛ وُقِفَ لها؛ لأِنَّه يَمتَنِعُ مِنْ وَطْئِها بيمينٍ في حالِ الزَّوجيَّة، أشْبَهَ ما لو راجَعَها، وإنْ بَقِيَ أقلُّ من أربعةِ أشْهُرٍ؛ لم يَثْبُتْ حكمُ الإيلاء؛ لِقُصوره عن مُدَّته.
(وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ؛ حُبِسَ وَضُيِّقَ عَلَيْهِ حَتَّى يُطَلِّقَ فِي إِحْدَى
(5)
الرِّوَايَتَينِ)، قدَّمها في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّه مفضٍ
(6)
إلى زوالِ ضرر
(7)
المرأة المطْلوبِ زوالُه، فَعَلَيها لَيسَ للحاكم الطَّلاقُ؛ لأِنَّ
(1)
في (م): عدة.
(2)
في (م): كالمنخلعة.
(3)
في (م): قال.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 324.
(5)
في (م): أحد.
(6)
في (م): يفضي.
(7)
في (م): ضرورة.
الزَّوجَ إذا خُيِّر بَينَ أمْرَينِ؛ لم يَقُمْ غَيرُه مَقامَه؛ كاخْتِياره لبعضِ الزَّوجات إذا أسْلَمَ على أكثرَ من أربعٍ.
(وَالْأُخْرَى: يُطَلِّقُ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ)، قدَّمَها في «الكافي» ، وصحَّحها في «الشَّرح» ، قال في «الفروع»: وهي أظْهَرُ؛ لأِنَّه حقٌّ تعيَّن مُستَحِقُّه، فدَخَلَت النِّيابةُ فيه؛ كقضاء الدَّين.
والفَرْقُ بَينَ طلاقِ الحاكِمِ والتَّخيير: أنَّ المستَحَقَّ من النِّسوة غيرُ مُعيَّنٍ، بخلافِ الإيلاء، ولأِنَّها خِيَرَةُ تَشهِّي
(1)
، بخلافِ الخِيَرة هنا، ولَيسَ هو خِيَرةً بَينَ أمْرَينِ؛ لأِنَّه يُؤمَرُ بالفَيئة، ثُمَّ بالطَّلاق.
(فَإِنْ طَلَّقَهَا) الحاكِمُ (وَاحِدَةً؛ فَهُوَ كَطَلَاقِ الْمُولِي)؛ لأِنَّه نائبُه، وقائمٌ مَقامَه، فَوَجَبَ أنْ يكونَ كحُكْمِه، (وَإِنْ طَلَّقَ ثَلَاثًا، أَوْ فَسَخَ؛ صَحَّ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ الحاكِمَ قائمٌ مَقامَ الزَّوج، فَمَلَكَ ما يَملِكُه.
وقدَّمَ في «التَّبصرة» : أنَّه لا يَملِكُ ثلاثًا؛ للمُساواة.
وعنه: يتعيَّنُ الطَّلاقُ.
وعنه: الفَسْخُ.
فإنْ قال الحاكِمُ: فرَّقْتُ بَينَكما؛ فرِوايَتانِ، أنَصُّهُما: أنَّه فُرْقةٌ بغَيرِ طلاقٍ
(2)
، فلا تَحِلُّ له إلاَّ بعَقْدٍ جديدٍ.
والأخرى: تقع
(3)
عَلَيه طَلْقَةٌ.
فرعٌ: إذا ادَّعى عَجْزَه عن الوطء، ولم يكُنْ عُلِمَ أنَّه عِنِّينٌ، فقِيلَ: لا يُقبَلُ قَولُه، صحَّحه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ الأصلَ سلامتُه، فيُؤمَرُ بالطَّلاق.
وقِيلَ: بلى؛ لأِنَّه لا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَتِه.
(1)
في (م): تشتهى.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 170.
(3)
في (م): يقع.
(وَإِنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُدَّةَ لَمْ تَنْقَضِ)، وادَّعت هي انقضاءها، (أَوْ أَنَّهُ وَطِئَهَا، وَكَانَتْ ثَيِّبًا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ لأِنَّ الأصلَ بقاءُ النِّكاح، والمرأةُ تَدَّعِي رَفْعَه، فهو يَدَّعِي ما يُوافِقُ الأصلَ، كما لو ادَّعى الوَطْءَ من
(1)
العُنَّة، وفيه احْتِمالٌ.
وفي اليمين رِوايَتانِ:
إحداهما: يَحلِفُ، اخْتارَه الخِرَقِيُّ؛ للخَبَر
(2)
، وكالدَّين، ولأِنَّ ما تدَّعِيهِ المرأةُ محتمل
(3)
، فَوَجَبَ نَفْيُه باليمين.
والثَّانيةُ، ونَصَّ عليها في روايةِ الأَثْرَم، واختارها أبو بكرٍ: أنَّه
(4)
لا يمينَ عليه؛ لأِنَّه لا يقضى
(5)
فيها بالنُّكول.
(وَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا، وَادَّعَتْ أَنَّهَا عَذْرَاءُ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ امْرَأَةٌ عَدْلٌ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا)؛ لأِنَّ قَولَها اعْتَضَدَ بالبيِّنة؛ إذ لو وَطِئَها زالَتْ بَكارَتُها، وعَنْهُ: لا يُقبَلُ فيه إلاَّ امْرأتانِ، (وَإِلاَّ) فإنْ لم يَشهَدْ لها أحدٌ بذلك؛ (فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ كما لو كانت ثيِّبًا.
(وَهَلْ يَحْلِفُ مَنِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ)، مِنْ الزَّوج والزَّوجة؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، حكاهما في «التَّرغيب» فيها، واللهُ أعْلَمُ
(6)
.
(1)
في (م): في.
(2)
مراده حديث: «الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» ، أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).
ينظر: جامع العلوم والحكم 3/ 932، البلوغ (1408)، الإرواء 8/ 307.
(3)
في (م): يحتمل.
(4)
في (م): لأنه.
(5)
في (م): لا يقتضي.
(6)
كتب في هامش (ظ): (والصحيح أنه يحلف من القول قوله) وكتب أيضًا: (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(كِتَابُ الظِّهَارِ)
هو مُشْتَقٌّ من الظَّهْر، سُمِّيَ بذلك لِتَشْبيهِ الزَّوجة بظَهْرِ الأمِّ، وإنَّما خَصُّوا الظَّهْرَ دُونَ غَيرِه؛ لأِنَّه مَوضِعُ الرُّكوب؛ إذ المرأةُ مركوبةٌ إذا غُشِيَتْ، فقَولُه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي؛ أيْ: رُكوبُكِ للنِّكاح حرامٌ عليَّ كَرُكوبِ أُمِّي للنِّكاح، فأقامَ الظَّهْرَ مُقامَ الرُّكوب؛ لأِنَّه مَركوبٌ، وأقام
(1)
الرُّكوبَ مُقامَ النِّكاح؛ لأِنَّ النَّاكِحَ رِاكِبٌ.
ويُقالُ: كانت المرأةُ بالظِّهار تَحرُمُ على زَوجِها، ولا تُباحُ لغَيرِه، فنَقَلَ الشَّارعُ حكمَه إلى تحريمها بعدَ العَودِ ووجوبِ الكَفَّارة، وأبْقَى مَحَلَّه، وهو الزَّوجيَّة.
(وَهُوَ مُحَرَّمٌ)، إجْماعًا، حكاهُ ابن المنْذِرِ
(2)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا} [المجَادلة: 2]، وقَولُ المنْكَر والزُّور من أكْبَرِ الكبائر؛ للخَبَرِ
(3)
، ومَعْناهُ: أنَّ الزَّوجةَ لَيستْ كالأمِّ في التَّحريم؛ لقَوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} [المجَادلة: 2]، {وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ} [الأحزَاب: 4]، والسُّنَّةُ حديثُ أوْسِ بنِ الصَّامِت حِينَ ظاهَرَ من زَوجَتِه خويلة
(4)
بنتِ مالِكٍ بنِ ثعلبةَ، فجاءت
(5)
النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم تَشْتكِيهِ، فأنْزَلَ اللهُ
(1)
في (ظ): فأقام.
(2)
لم نقف عليه في كتب ابن المنذر.
(3)
أخرجه البخاري (2654)، ومسلم (87)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعًا:«ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟» ثلاثًا، قالوا: بلى يا رسول الله، قال:«الإشراك بالله، وعقوق الوالدين» وجلس، وكان متكئًا فقال:«ألا وقول الزور» .
(4)
قيل اسمها خويلة، وقيل: خولة. ينظر: الإصابة 8/ 71.
(5)
زيد في (م): إلى.
أوَّلَ سورةِ المجادِلة، رواه أبو داود، وصحَّحه ابنُ حِبَّان والحاكِمُ
(1)
، وفيه أحاديثُ أُخَرُ ستأتي.
(وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَ امْرَأَتَهُ، أَوْ عُضْوًا مِنْهَا بِظَهْرِ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأبِيدِ، أَوْ
(2)
بِهَا، أَوْ بِعُضْوٍ مِنْهَا)، إذا شَبَّهَ امرأتَه بظَهْرِ مَنْ تَحرُم عليه على التَّأبيد؛ كقَوله: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، فهو مُظاهِرٌ إجْماعًا
(3)
.
وإنْ شَبَّهها بظَهْرِ مَنْ تَحرُم مِنْ ذَوي رَحِمِه؛ كجَدَّته وخالَته؛ فكذلك في قَولِ أكْثَرِهم؛ لأِنَّهنَّ مُحرَّماتٌ بالقرابة
(4)
؛ أشْبَهْنَ الأُمَّ.
(فَيَقُولَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ كَوَجْهِ حَمَاتِي)، الأَحْماءُ في اللُّغة: أقارِبُ الزَّوج، والأَخْتانُ: أقارِبُ المرأة، والأَصْهارُ لِكلِّ واحدٍ منهما، ونَقَلَ ابنُ فارِسٍ: أنَّ
(5)
الأحماءَ كالأصهار
(6)
، فعلى هذا فيُقالُ: هذه حَماةُ زَيدٍ، وحَماةُ هِنْدٍ.
(أَوْ ظَهْرُكِ، أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي) على الأصحِّ فيه، (أَوْ كَيَدِ أُخْتِي، أَوْ خَالَتِي)؛ لأِنَّه تشبيهٌ لعضو
(7)
منها
(8)
بعُضْوِ مَنْ تحرم
(9)
عليه على التَّأبيد،
(1)
أخرجه أبو داود (2214)، وابن حبان (4279)، والحاكم (3791)، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن والألباني وحسنه ابن حجر، وأصله في البخاري معلقًا (9/ 117)، إلا أنه لم يسمِّ خولة وزوجها، ووقع في الحديث لفظ ضعفه أبو داود سيأتي الإشارة إليه. ينظر: البدر المنير 8/ 145، الفتح 9/ 433، الإرواء 7/ 173.
(2)
قوله: (أو) سقط من (ظ).
(3)
ينظر: الإجماع ص 88.
(4)
في (م): القرايب.
(5)
قوله: (أن) سقط من (م).
(6)
ينظر: مجمل اللغة 1/ 250.
(7)
في (م): لعوض.
(8)
زيد في (م): بعود.
(9)
في (م): محرم.
أشْبَهَ ما لو قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي، وإنَّما كان ذلك ظِهارًا؛ لأِنَّه قد أتى بالمنكَر مِنْ القَول والزُّور، وذلك مَوجودٌ في تشبيهِ عُضْوٍ منها بذلك.
(مِنْ نَسَبٍ)؛ كالأمَّهات والجَدَّات، (أَوْ رَضَاعٍ)؛ كالأمَّهات المرضِعات، والأخَواتِ من الرَّضاعة
(1)
؛ لاِسْتِوائهما في التَّحريم على التَّأبيد.
وعنه: لا يكونُ ظِهارًا، قاله الحُلْوانيُّ، حتَّى يُشبِّهَ جملةَ امرأته؛ لأِنَّه لو حَلَفَ بالله لا يَمَسُّ عُضْوًا منها لم يَسْرِ إلى غَيرِه.
والأوَّلُ المذْهَبُ؛ لأِنَّ تحريمَ المحرَّمات من النَّسب والرّضاع، إنَّما كان لِمَعانٍ نَظَرَ إليها الشَّارِعُ فِيهِنَّ، فحرَّمَهنَّ لتلك المعاني، وأباح الزَّوجة لمعنًى
(2)
فيها، فإلْحاقُها في التَّحريم بمَنْ حرَّمه الله عز وجل افْتِراءٌ على الله، وتحريمٌ لِمَا أباحه الله مِنهُنَّ.
وظاهِرُه: ولو وَقَعَ منه بغَير العربيَّة.
فإنْ قال: كشعرِ أمِّي، أوْ سِنِّها، أوْ ظُفرِها؛ فلَغْوٌ؛ لأِنَّها لَيستْ من الأعضاء الثَّابِتةِ، وكذا
(3)
الرِّيقُ والدَّم والرُّوحُ، وكوَجْهِي مِنْ وَجْهِك حرامٌ، ولَيسَ بِظِهارٍ نصَّ
(4)
عليه
(5)
، وأمِّي امرأتي، أوْ مِثْلُها، وفي «المبهج»: أنَّه كطَلاقٍ.
تنبيهٌ: إذا قال: أنتِ عليَّ، أوْ عِنْدِي، أوْ مِنِّي، أوْ مَعِي كأمِّي، أوْ مثلُ أمِّي، وأطْلَقَ؛ فهو ظِهارٌ.
وعنه: لا، اختاره في «الإرشاد» و «المغْنِي» .
(1)
في (م): الرضاع.
(2)
في (م): المعنى.
(3)
في (م): وكذلك.
(4)
في (م): ونص.
(5)
ينظر: المغني 8/ 11.
وإنْ نَوَى في الكرامة ونحوِها؛ دُيِّنَ، وفي الحُكْمِ رِوايَتانِ.
وإنْ قال: جُمْلتُكِ، أوْ بَدَنُكِ، أوْ جِسْمُكِ، أوْ ذاتُكِ، أوْ كُلُّكِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي؛ كان ظِهارًا، كقوله:(أنتِ)؛ لأِنَّه أتى بما يَقتَضِي تحريمَها عليه، فانصرف الحكمُ إليه، كما لو قال: أنتِ طالِقٌ.
وإنْ قال: أنتِ كظَهْرِ أمِّي طالِقٌ، أوْ عَكْسُه؛ لَزِمَا.
فائدةٌ: يُكرَهُ أنْ يُسَمِّيَ الرَّجُلُ زَوجَتَه بمَن تَحرُم عليه؛ لِمَا رَوَى أبو داود: أنَّ رجلاً قال لاِمْرأته: يا أُخَيَّةُ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أُخْتُكَ هي؟!»
(1)
، فكَرِهَ ذلك ونَهَى عنه؛ لأِنَّه لفظٌ يُشْبِهُ الظِّهارَ، ولا يُثْبِتُ حُكْمَه.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَأُمِّي؛ كَانَ مُظَاهِرًا)؛ لأِنَّه شبَّه امرأتَه بأمِّه، أشْبَهَ ما لو شبَّهها بعُضْوٍ مِنْ أعضائها، وهذا إذا نَوَى به الظِّهارَ، فإنْ أطلق فرِوايَتانِ:
قال ابن أبي موسى: أظْهَرُهما: أنَّه لَيس بظِهارٍ حتَّى يَنوِيَه.
وقال أبو بكر
(2)
: هو صريحٌ في الظِّهار، نَصَّ عليه
(3)
.
قال المؤلِّفُ: وقِياسُ المذهب عِنْدِي: أنَّه إن
(4)
وُجِدتْ قرينةٌ تَدُلُّ على الظِّهار، مِثْلَ أنْ يُخرِجَه مُخرَجَ الحَلِفِ، أوْ قال ذلك حالَ الخُصومة والغَضَبِ
(5)
.
(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ كَأُمِّي فِي الْكَرَامَةِ، وَنَحْوِهِ؛ دُيِّنَ)؛ لأِنَّه أعْلَمُ بمُراده، (وَهَلْ يُقْبَلُ فِي الْحُكْمِ؟ يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(1)
أخرجه أبو داود (2210)، والبيهقي في الكبرى (15146)، عن أبي تميمة الهجيمي مرسلاً، وهو مع إرساله، وقع في إسناده اضطراب أشار إليه أبو داود، وضعفه الإشبيلي والألباني. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 210، ضعيف سنن أبي داود 2/ 241.
(2)
قوله: (أبو بكر) سقط من (م).
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1648، الهداية لأبي الخطاب ص 469.
(4)
في (م): لو.
(5)
أي: فهو ظهار. ينظر المغني 8/ 7.
أصحُّهما، واختاره
(1)
المؤلِّفُ: أنَّه يُقبَلُ؛ لأِنَّه لَمَّا احْتَمَلَ الظِّهارَ وغَيرَه؛ ترجَّح عَدَمُ الظِّهار بدَعْوَى الإرادة.
والثَّانيةُ: لا يُقبَلُ؛ لأِنَّه لَمَّا قال: أنتِ عليَّ كأمِّي؛ اقْتَضَى أنْ يكونَ فيها تحريمٌ، أشْبَهَ ما لو قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ كَأُمِّي، أَوْ مِثْلُ أُمِّي)، بإسقاطِ «عليَّ» ، أوْ «عِنْدِي» ، فهو مُظاهِرٌ إنْ نَواهُ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُه، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، (فَذَكَرَ أَبُو الْخَطَّابِ فِيهَا رِوَايَتَيْنِ)، مِثلَ قوله: أنتِ عليَّ كأمِّي.
وكذا يتخرَّج
(2)
في قوله: رأسك كرَأْسِ أمِّي، أوْ يَدُكِ كيَدِها، وما أشْبَهَهُ.
فلو قال: أمِّي امْرَأَتِي، أوْ مِثْلُ امْرَأتِي؛ لم يَكُنْ ظِهارًا؛ لأِنَّه تشبيهٌ لأِمِّه وَوَصْفٌ لها، ولَيسَ بِوَصْفٍ لاِمْرأتِه.
(وَالْأَوْلَى: أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِظِهَارٍ)؛ لأِنَّ اللَّفظَ ظاهِرٌ في الكرامة، فتعيَّن حَمْلُه عليه عِنْدَ الإطلاق، ولأِنَّه لَيسَ بصريحٍ فيه؛ لِكَونه غير
(3)
اللَّفظ المسْتَعْمَلِ فيه؛ كما لو قال: أنتِ كبيرةٌ مثل أمي
(4)
، (إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَهُ، أَوْ يَقْتَرِنَ بِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إِرَادَتِهِ)؛ لأِنَّ النِّيَّةَ تُعيِّنُ اللَّفظَ في المَنْوِيِّ، والقرينةُ شبيهةٌ بها.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي)، أوْ كأَبِي، أوْ مِثْلُ أَبِي، (أَوْ كَظَهْرِ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوْ أُخْتِ زَوْجَتِي
(5)
، أَوْ عَمَّتِهَا، أَوْ خَالَتِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ).
إذا قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أبي
(6)
؛ فعَنْهُ: ظِهارٌ؛ لأِنَّه شَبَّهَها بظَهْرِ مَنْ تَحرُم
(1)
في (م): واختار.
(2)
قوله: (وكذا يتخرج) في (ظ): ويتخرج.
(3)
في (م): غيره.
(4)
في (ظ): أبي.
(5)
في (م): أخت.
(6)
زاد في (ظ): أي.
عليه على التَّأبيد، أشْبَهَ الأمَّ، وكذا إنْ شبَّهَها بالميِّتة.
والثَّانيةُ: لَيسَ بظِهارٍ، وهي قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنه
(1)
تشبيهٌ بما لَيسَ بمحلٍّ للاِسْتِمْتاعِ، أشْبَهَ ما لو قال: أنتِ عليَّ كمالِ زيدٍ، فَعَلَى هذا: عليه كفَّارةُ يمينٍ؛ لأِنَّه نَوعُ تحريمٍ، أشْبَهَ ما لو حرَّم مالَه.
وعنه: لا شَيءَ عليه، أشْبَهَ التَّشبيهَ بمالِ غَيرِه.
وأمَّا إذا شبَّه امْرأتَه بظَهْرِ مَنْ تَحرُم عليه تحريمًا مُؤقَّتًا؛ كأخْتِ امرأتِه، وعمَّتِها، أو الأجنبيَّة، فالأشْبَه: أنَّه ظِهارٌ، اختاره
(2)
الخِرَقِيُّ وأبو بكرٍ، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه شَبَّهَها بمُحرَّمةٍ، أشْبَهَ تشبيهَها بالأمِّ.
والثَّانيةُ: لَيسَ بظِهارٍ؛ لأِنَّها غَيرُ مُحرَّمةٍ على التَّأبيد، فلا يكونُ التَّشْبيهُ بها كافيًا؛ كالحائض.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ الْبَهِيمَةِ؛ لَمْ يَكُنْ مُظَاهِرًا)؛ لأِنَّه لَيسَ بمَحَلٍّ لِلاِسْتِمْتاع، وفيه وَجْهٌ كما لو شبَّهها بظَهْرِ أبِيهِ، وأطْلَقَهُما في «المحرَّر» و «الفروع» .
وذَكَرَ في «الرِّعاية» : إذا نوى به
(3)
الظِّهارَ فلَيسَ مُظاهِرًا، وقِيلَ: بَلَى.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ؛ فَهُوَ مُظَاهِرٌ) إذا لم يَنْوِ به طلاقًا ولا يمينًا، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّ اللَّفظَ ظاهِرٌ فيه، فَوَجَبَ كَونُه ظِهارًا؛ كسائر الألفاظ الظَّاهِرة، فلو زاد: إنْ شاء اللهُ؛ فلَيسَ بظهارٍ، نَصَّ عليه
(4)
.
(إِلاَّ أَنْ يَنْوِيَ طَلَاقًا أَوْ يَمِينًا، فَهَلْ يَكُونُ
(5)
ظِهَارًا أَوْ مَا نَوَاهُ؟ عَلَى
(1)
في (م): بما.
(2)
في (م): واختاره.
(3)
قوله: (به) سقط من (ظ).
(4)
ينظر: المغني 8/ 14.
(5)
قوله: (فهل يكون) في (م): فيكون.
رِوَايَتَيْنِ)، إذا نَوَى به الطَّلاقَ، فالأَشْهَرُ: أنَّه ظِهارٌ، نَصَّ عليه في روايةِ جماعةٍ
(1)
، وحكاه إبراهيمُ الحَرْبِيُّ عن عُثْمانَ وابنِ عبَّاسٍ وغَيرِهما
(2)
؛ لأِنَّه تحريمٌ أوْقَعَه في الزَّوجة، فكان بإطْلاقه ظِهارًا؛ تشبيهًا
(3)
بظَهْرِ أُمِّه، وكما لو قال: أنْتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي، ونَوَى به الطَّلاق.
والثَّانيةُ: أنَّه ما نَواهُ؛ لأِنَّ النِّيَّةَ إذا لم تكُنْ مُوجِبةً؛ فلا أقلَّ مِنْ أنْ تكونَ صادِقةً.
وعنه: أنَّ التَّحريمَ يمينٌ، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ
(4)
؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التّحْريم: 1].
وأكثرُ الفُقَهاء على أنَّ التَّحريمَ إذا لم يَنْوِ به الظِّهارَ فلَيسَ بظِهارٍ، وإنْ نَوَى الظِّهارَ والطَّلاقَ مَعًا كان ظِهارًا؛ لأِنَّ اللَّفْظَ الواحدَ لا يكون كذلك.
فرعٌ: إذا قال: ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ من أهلٍ ومالٍ؛ فكفَّارةُ ظِهارٍ، تُجْزِئُه كفَّارةٌ واحدةٌ في ظاهر كلامه، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه يمينٌ واحدةٌ، فلا تُوجِبُ كفَّارَتَينِ.
واختار ابنُ عَقِيلٍ: أنَّه يَلزَمُه كفَّارتانِ، للظِّهار ولِتحريمِ المالِ؛ لأِنَّه لو انْفَرَدَ أوْجَبَ لذلك، فكذا إذا اجْتَمَعا.
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 206، مسائل عبد الله ص 343، زاد المسافر 3/ 332.
(2)
تقدم تخريجه عنهما 8/ 167 حاشية (1)، (4).
(3)
في (ظ): لشبهها.
(4)
تقدم تخريجه 8/ 167 حاشية (7).
(فَصْلٌ)
(وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ)، فكلُّ مَنْ صحَّ طلاقُه صحَّ ظِهارُه؛ لأِنَّه قَولٌ يَختَصُّ النِّكاحَ، أشْبَهَ الطَّلاقَ، قال في «عُيونِ المسائل»: فإنَّ أحمدَ سَوَّى بَينَه وبَينَ الطَّلاقِ.
وفي «الموجز» : مُكلَّفٌ.
وفي «الرعاية» و «الوجيز» : مَنْ صحَّ طلاقُه صحَّ ظِهارُه، إلاَّ الأب والسَّيِّد.
(مُسْلِمًا كَانَ، أَوْ ذِمِّيًّا) على الأصحِّ فيه؛ لأِنَّه يَجِبُ عليه كفَّارةٌ إذا حَنِثَ، فَوَجَبَ صحَّةُ ظِهاره كالمسلِمِ، وكجزاء
(1)
صَيدٍ، ويُكفِّرُ بمالٍ فقط.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: ويُعتِقُ بلا نِيَّةٍ، وأنَّه يَصِحُّ العِتْقُ مِنْ مُرتَدٍّ.
وفي «عيون المسائل» : ويُعْتِقُ؛ لأِنَّه مِنْ فَرْعِ النِّكاح، أوْ قَولٌ لمنكَر وزور
(2)
، والذِّمِّيُّ أهلٌ لذلك.
والثَّانيةُ: لا يَصِحُّ منه؛ لأِنَّ الكفَّارةَ لا تَصِحُّ منه؛ لأِنَّها عبادةٌ تَفتَقِرُ إلى النِّيَّة؛ كسائر العبادات.
وجَوابُه: بأنَّه يَبطُلُ بكفَّارة الصَّيد إذا قَتَلَه في الحَرَم
(3)
، ويَصِحُّ منه العتقُ، لا
(4)
الصِّيامُ، ولا يمتنع
(5)
صحَّةُ الظِّهار بامْتِناعِ بعضِ أنواعِ الكفَّارة، كما في حقِّ العبد، والنِّيَّةُ إنَّما تُعتبَر لتعيينِ الفعل للكفَّارة، فلا يَمتَنِعُ ذلك في حقِّ
(1)
في (م): وكجزء.
(2)
في (م): بمنكر أو زور. وفي الفروع 23/ 248: منكر وزور.
(3)
قوله: (في الحرم) في (م): محرم.
(4)
في (م): لأن.
(5)
في (م): ولا يمنع.
الكافر؛ كالنِّيَّة في كنايات الطَّلاق.
واقْتَضَى ذلك: صحَّتَه من الصَّبِيِّ والعبدِ.
وقِيلَ: لا يَصِحُّ من العبد.
وأنَّ
(1)
مَنْ لا يَصِحُّ طلاقُه، وهو الطِّفْلُ، وزائلُ العَقْل بجُنونٍ، أوْ إغماءٍ، أوْ نَومٍ، لا يَصِحُّ منه بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(2)
.
(وَالْأَقْوَى عِنْدِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنَ الصَّبِيِّ ظِهَارٌ، وَلَا إِيلَاءٌ؛ لأِنَّهُ يَمِينٌ مُكَفَّرَةٌ، فَلَمْ تَنْعَقِدْ
(3)
فِي حَقِّهِ)؛ كاليمين بالله تعالى، ولأِنَّ الكفَّارةَ وَجَبَتْ لِمَا فيه من قَولِ المنكَر والزُّور، وذلك مرفوعٌ عن الصَّبيِّ؛ لأِنَّ القلمَ مرفوعٌ عنه.
وفي «المُذهب» : في يمينه وجْهانِ.
وفي «عيون المسائل» : يَحتَمِلُ ألاَّ يَصِحَّ ظِهارُه؛ لأِنَّه تحريمٌ مَبنِيٌّ على قَولِ الزُّور، وحصول التَّكفير والمأثَم، وإيجابِ مالٍ أوْ صَومٍ.
قال: وأمَّا الإيلاءُ؛ فقال بعضُ أصحابنا: تَصِحُّ رِدَّتُه وإسْلامُه، وذلك متعلِّقٌ بذِكْرِ الله تعالى، وإنْ سلَّمْنا فإنَّما لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لَيسَ من أهل اليمين بمجلس الحُكم لرَفْعِ الدَّعْوَى.
(وَيَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجَةٍ)، كبيرةً كانَتْ أوْ صغيرةً، مُسلِمَةً أوْ ذِمِّيَّةً، أمْكَنَ وطؤها أوْ لا؛ لِعُموم الآية.
وقال أبو ثَورٍ: لا يَصِحُّ ممَّنْ لا يمْكِنُ وطؤها؛ لأِنَّ الظِّهارَ لتحريمِ وَطْئِها، وهو مُمْتَنِعٌ منه بغَيرِ اليمين.
وجوابُه: العُمُومُ، ولأِنَّها زوجةٌ يَصِحُّ طلاقُها؛ فصحَّ الظِّهارُ منها؛ كغَيرِها.
(1)
في (م): فإن.
(2)
ينظر: المغني 8/ 5.
(3)
في (ظ): فلا ينعقد.
(فَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ أَمَتِهِ، أَوْ أُمِّ وَلَدِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)، وقاله
(1)
عبدُ الله بنُ عمر
(2)
، وابن عمرو
(3)
، ورواه
(4)
الدَّارَقُطْنِيُّ عن ابنِ عبَّاسٍ
(5)
؛ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ} [المجَادلة: 2] فخَصَّهنَّ به، ولأِنَّه لفظٌ تعلَّقَ به تحريمُ الزَّوجة، فلا تَحرُم به الأَمَةُ؛ كالطَّلاق.
(وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ)، نقَلَه الجماعةُ
(6)
، وقدَّمه في «الكافي» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ كتحريمِ سائرِ مالِه، وقال نافِعٌ:«حرَّمَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جارِيَتَه، فأَمَرَه اللهُ أنْ يُكفِّرَ يمينَه»
(7)
.
(1)
في (م): وقال.
(2)
زيد في (م): لم ينصره.
(3)
أخرجه حرب في مسائله (2/ 700)، والدارقطني (3862)، والبيهقي في الكبرى (15248)، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده رضي الله عنهما قال:«لا ظهار من الأمة» ، وابن لهيعة ضعيف الحديث. ولم نقف عليه من قول ابن عمر رضي الله عنهما.
(4)
في (م): رواه.
(5)
أخرجه الدارقطني (3863)، والبيهقي في الكبرى (15249)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«ليس من الأمة ظهار» ، وفيه ابن لهيعة وهو ضعيف. وأخرجه الدارقطني (3861)، والبيهقي في الكبرى (15250)، من طريق أخرى، وفيه نصر بن طريف، وهو متروك.
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 242، مسائل صالح 1/ 190، مسائل عبد الله ص 367، مسائل ابن منصور 4/ 1658.
(7)
ذكره ابن حزم معلقًا في المحلى (9/ 304)، مرسلاً. وأخرجه الشاشي في مسنده كما في تفسير ابن كثير (8/ 159)، ومن طريقه الضياء في المختارة (189)، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنها نحوه في قصة. وصححه الضياء المقدسي وابن كثير. وقصة تحريم مارية لها طرق أخرى، منها ما أخرجه سعيد بن منصور (1707)، والبيهقي في الكبرى (15077)، من حديث حفصة رضي الله عنها، وسنده منقطع. وما أخرجه النسائي (3959)، والحاكم (3824)، من حديث أنس رضي الله عنها، بسند صحيح، صححه الحاكم وابن حجر، وما أخرجه أبو داود في المراسيل (239)، عن الحسن مرسلاً، قال ابن حجر لما أشار إلى طرق القصة:(وبمجموع هذه الطرق يتبين أن للقصة أصلاً أحسب، لا كما زعم القاضي عياض أن هذه القصة لم تأت من طريق صحيح، وغفل رحمه الله تعالى عن طريق النسائي التي سلفت فكفى بها صحة). ينظر: تفسير ابن كثير 8/ 159، مسند الفاروق 2/ 614، التلخيص الحبير 3/ 477، الفتح 9/ 376.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَلْزَمُهُ
(1)
كَفَّارَةُ ظِهَارٍ)، ونَقَلَه حنبلٌ عن أحمدَ
(2)
؛ لأِنَّه أتَى بالمنكَر من القَولِ والزُّور، ولكِنْ قال أبو بكرٍ: لا يتوجَّه هذا على مَذْهَبِه؛ لأِنَّه لو كان عليه كفَّارةُ ظِهارٍ كان مُظاهِرًا.
ويَحتَمِلُ: ألاَّ يَلزَمَه شَيءٌ، قاله أبو الخَطَّاب؛ كما لو قال: أنْتِ عليَّ كظهرِ أبي.
وفي «عُمَد الأدلَّة» ، و «التَّرغيب» روايةٌ: أنَّه
(3)
يَصِحُّ، قال أحمدُ: وإن
(4)
أعْتَقَها فهو كفَّارةُ يمينٍ، ويتزوَّجُها إنْ شاء
(5)
.
(وَإِنْ قَالَتِ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: أَنْتَ عَلَيَّ كَظَهْرِ أَبِي)، أوْ: إن
(6)
تزوَّجتُ فُلانًا فهو عليَّ كظَهْرِ أبي؛ (لَمْ تَكُنْ مُظَاهِرَةً)، روايةً واحدةً، قاله القاضي، وهو قَولُ أكثرِ العلماء؛ للآية، ولأِنَّه قَولٌ يوجِب
(7)
تحريمَ الزَّوجة، يَملِكُ الزَّوجُ رَفْعَه، فاخْتَصَّ به الرَّجلُ؛ كالطَّلاق.
وعنه: ظِهارٌ، اختاره أبو بكرٍ وابنُ أبي موسى، وقاله الزُّهْرِيُّ
(1)
في (م): أن يلزمه.
(2)
كذا في الفروع 9/ 180، والذي في الروايتين والوجهين 2/ 177: أنه من رواية أبي طالب، وأن رواية حنبل: كفارة يمين، قال القاضي:(قال أبو بكر: كل من روى عنه في الأمة ليس عليه فيها كفارة الظهار، وإنما هو كفارة يمين، إلا ما روى أبو طالب عنه أن عليه كفارة الظهار).
(3)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(4)
في (م): فإن.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 180.
(6)
في (م): وإن.
(7)
في (م): يجب.
والأَوْزاعِيُّ، فتكفِّرُ إنْ طاوَعَتْه، وإن استمتعَتْ به أوْ عَزَمَتْ؛ فكمُظاهِرٍ.
(وَعَلَيْهَا كَفَّارَةٌ ظِهَارٌ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الفروع» ، وصحَّحه الحُلْوانيُّ؛ لأِنَّ عائشةَ بنتَ طلحةَ، قالت: «إنْ تزوَّجْتُ مُصعَبَ بنَ الزُّبَيرُ فهو عليَّ كظَهْرِ أبي، فاسْتَفْتَتْ أصحابَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فأَمَرُوها أنْ تُعتِقَ رَقَبةً وتَتزوَّجَه
(1)
» رواه سعيدٌ والأثْرَمُ والدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
، ولأِنَّها زَوجٌ أتى بالمنكَر من القول والزُّور كالآخَرِ، ولأِنَّ الظِّهارَ يمينٌ مُكفَّرةٌ، فاسْتَوَى فيها المرأةُ والرَّجلُ، قاله أحمدُ، وقال في روايةِ حَرْبٍ عن ابنِ مسعودٍ:«الظِّهارُ من الرَّجل والمرأةِ سواءٌ»
(3)
.
(وَعَلَيْهَا التَّمْكِينُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ)، نَصَّ عليه؛ لأِنَّ ذلك حقٌّ عليها، فلا يَسقُطُ بيمينها
(4)
؛ كاليمين بالله تعالى.
وقِيلَ: لا، وهو ظاهِرُ كلامِ أبي بكرٍ؛ كالرَّجل، والفَرْقُ واضِحٌ.
ونَقَلَ صالِحٌ: له
(5)
أنْ يَطَأَ قبلَ أنْ يُكفِّرَ؛ لأِنَّه لَيسَ لها عليه شَيءٌ
(6)
.
وفي «المحرَّر» : يَحرُمُ عليها
(7)
ابتداءُ قُبْلَةٍ؛ يَعْنِي: كمُظاهِرٍ.
(1)
في (م): وتتزوج.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11596)، وسعيد بن منصور (1848)، والأثرم كما في المحلى (9/ 195)، عن إبراهيم النخعي به، وإسناده صحيح. وأخرجه عبد الرزاق (11597)، وسعيد بن منصور (1849)، والدارقطني (3866)، عن الشعبي به، وإسناده صحيح أيضًا.
(3)
ينظر: مسائل حرب 2/ 717، زاد المسافر 3/ 332، الروايتين والوجهين 2/ 192.
والأثر أخرجه حرب في مسائله (2/ 717)، وإسناده ضعيف، فيه الوزير بن عبد الله الخولاني وهو منكر الحديث. ينظر: لسان الميزان 6/ 218.
(4)
في (م): يمينها.
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
ينظر: الفروع 9/ 181.
(7)
في (م): عليه.
(وَعَنْهُ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهُوَ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ)، وأشْبَهُ بأصوله؛ لأِنَّه تحريمٌ لحلالٍ كتحريمِ الأَمَة، وما رُوِيَ عن عائشةَ يتعيَّنُ حَمْلُه على ذلك؛ لكَونِ الموجود منها ليس بظِهارٍ.
وظاهِرُ كلامه في روايةِ الأثْرَم: لا يَقتَضِي وُجوبَ كفَّارة الظِّهار، إنَّما قال: الأحْوَطُ
(1)
، ولا شكَّ أنَّ الأحوَطَ التَّكفيرُ بأغْلَظِ الكفَّارات؛ لِيُخْرَجَ من الخلاف.
(وَعَنْهُ: لَا شَيْءَ عَلَيْهَا)، وهو
(2)
قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّه قَولٌ مُنكَرٌ وزُور، ولَيسَ بظِهارٍ، فلم يَجِبْ كفارة
(3)
؛ كالسبِّ
(4)
.
وإذا قُلْنا بوجوب الكفَّارة عليها؛ لم تجب
(5)
إلاَّ بِوَطْئِها مُطاوِعةً، فإنْ طلَّقَها، أوْ مات أحدُهما قبلَ وَطْئِها، أوْ أكْرَهَها عليه؛ فلا كفَّارةَ؛ لأِنَّها يمينٌ، فلم تَجِب الكفَّارةُ قبلَ الحِنْث؛ كسائر الأيمان.
فرعٌ: إذا علَّقَتْه بتزوُّجِها
(6)
؛ لم تكُنْ مُظاهِرةً في قَولِ الأكثر، وهو ظاهِرُ نصوصه، ولم يُفرِّقْ بَينَهما أحمدُ
(7)
، إنَّما سُئِلَ في روايةِ أبي طالِبٍ فقال: ظِهارٌ
(8)
، وقَطَعَ به في «المحرر» .
وقِيلَ له في «المفردات» : هذا ظهارٌ قبلَ النِّكاح، وعندَكم لا يَصِحُّ، قُلْنا: يَصِحُّ على روايةٍ، وإن
(9)
قُلْنا: لا يَصِحُّ؛ فالخبرُ أفاد الكفَّارةَ وصحَّتَه، قام
(1)
ينظر: المغني 8/ 42.
(2)
في (ظ): عليه، وهي.
(3)
قوله: (فلم يجب كفارة) سقط من (م).
(4)
في (م): كالسبب.
(5)
في (م): لم يجب.
(6)
في (م): بتزويجها.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 181.
(8)
ينظر: زاد المسافر 3/ 331.
(9)
في (م): إن.
الدَّليل على أنَّه لا يَصِحُّ قبلَه، بَقِيَت الكفَّارةُ.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ على المذهب: أنَّ
(1)
قياسه قَولُها: أنا عليكَ كظَهْرِ أمِّكَ، فإنَّ التَّحريمَ عليه تحريمٌ عليها.
(وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَّةٍ: أَنْتِ عليَّ كَظَهْرِ أُمِّي)؛ فهو صحيحٌ مُطلَقًا، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «المحرَّر» ورواه
(2)
أحمدُ عن عمرَ
(3)
، ولأِنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ، فصَحَّ عَقْدُها قبلَ النِّكاح؛ كاليمين بالله تعالى، والآيةُ الكريمةُ خرَجَتْ مَخرَجَ الغالب.
وقِيلَ: لا يَصِحُّ، وقاله الأكثرُ من العلماء؛ كالطَّلاق والإيلاء.
وجوابُه: أنَّ الطَّلاقَ حَلُّ قَيد النِّكاح، ولا يُمكِنُ حَلُّه قبلَ عقده، والظِّهارُ تحريمٌ للوطء، فيَجوزُ تقديمُه على العقد؛ كالحَيض، وإنَّما اخْتَصَّ حكمُ الإيلاء بنسائه؛ لكَونه يَقصِدُ الإضْرارَ بهنَّ، والكفَّارةُ وَجَبَتْ هنا لقَولِ المنكَرِ والزُّور، فلا يَختَصُّ ذلك بنسائه.
(لَمْ يَطَأْهَا إِنْ تَزَوَّجَهَا حَتَّى يُكَفِّرَ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّه إذا تزوَّجَها تحقَّقَ
(1)
في (م): أنه.
(2)
في (م): رواه.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 330.
(4)
أخرجه مالك (2/ 559)، وعنه عبد الرزاق (11550)، وسعيد بن منصور (1023)، والبيهقي في الكبرى (15252)، عن سعيد بن عمرو بن سليم الزرقي، عن القاسم بن محمد قال:«إن رجلاً جعل امرأة عليه كظهر أمه إن هو تزوجها؛ فأمره عمر بن الخطاب إن هو تزوجها: أنْ لا يقربها حتى يكفر كفارة المتظاهر» ، منقطع؛ القاسم لم يدرك عمر رضي الله عنه، قاله البيهقي والبوصيري والألباني. وأخرجه الطحاوي في مشكل الآثار (2/ 136)، من طريق عبيد الله بن عمر، عن القاسم بن محمد، عن عمرو بن سليم، عن عمر. وإسناده حسن، واحتج به أحمد في رواية صالح وعبد الله. ينظر: إتحاف الخيرة (3338)، الإرواء 7/ 176.
مَعْنَى الظِّهارِ فيها، وحَيثُ كان كذلك امْتَنَعَ وَطْؤُها قبلَ التَّكفير؛ لأِنَّه شَأْنُ المظاهِر
(1)
.
فرعٌ: إذا قال: كلُّ امرأةٍ أتزوَّجُها فهي عليَّ كظَهْرِ أمِّي؛ فعلى القول بصحَّته: إذا تزوَّجَ نساءً وأراد العَودَ؛ فكفَّارةٌ واحدةٌ، سواءٌ تزوَّجهنَّ في عَقْدٍ أوْ عقودٍ، نَصَّ عليه
(2)
.
وعنه: لكلِّ عقدٍ كفَّارةٌ.
فإنْ قال لأِجنبيَّةٍ: إنْ تزوَّجْتُ فلانةَ فهي عليَّ كظَهْرِ أمِّي، وقال: أردتُّ أنَّها مثلها
(3)
في التَّحريم في الحال؛ دُيِّنَ، وفي الحْكمِ وجْهانِ:
أحدُهما: لا يُقبَلُ؛ لأِنَّه صريحٌ للظِّهار.
والثَّاني: بلى؛ لأِنَّها حرامٌ عليه كأمِّه.
(وَإِنْ قَالَ لِأَجْنَبِيَةٍ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، يُرِيدُ فِي كُلِّ حَالٍ؛ فَكَذَلِكَ)؛ أيْ: فهو ظِهارٌ؛ لأِنَّ لَفْظَةَ الحرام إذا أُريدَ بها؛ فهو ظِهارٌ من الزَّوجة
(4)
، فكذا الأجنبيَّةُ، فعليه: لا يَطَؤُها إذا تزوَّجَها حتَّى يُكفِّرَ.
(وَإِنْ أَرَادَ فِي تِلْكَ الْحَالِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ صَادِقٌ)، وكذا إنْ أطْلَقَ، قالَه في «الشَّرح» ، وفي «الترغيب» وَجْهٌ.
(وَيَصِحُّ الظِّهَارُ مُعَجَّلاً، وَمُعَلَّقًا بِشَرْطٍ)، فإذا وُجِدَ فمُظاهِرٌ، نَصَّ عليه
(5)
، (وَمُطْلَقًا) إنْ قَصَدَ اليمينَ واختاره، ومثَّل ب: الحلّ عليَّ حرامٌ لَأَفْعلَنَّ.
(1)
في (م): المظاهرة.
(2)
ينظر: الشرح الكبير 23/ 259.
(3)
في (م): مثله.
(4)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 19، والشرح الكبير 23/ 260: إذا أريد بها الظهار، ظهار في الزوجة.
(5)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1638.
(وَمُؤَقَّتًا، نَحْوَ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي شَهْرَ رَمَضَانَ)؛ لحديثَ سَلَمَةَ ابنِ صَخْرٍ، قال: «ظاهَرْتُ من
(1)
امرأتي شهرَ رمضانَ، وأنَّه أخبرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بأنَّه أصابَها في الشَّهر، فأمَرَه بالكفَّارة»
(2)
، ولم يُنكِرْ عليه التَّقْييدَ ولم يَعِبْه، ولأِنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ، فصحَّ تَوقِيتُها؛ كاليمين بالله تعالى، ولأِنَّه يَمنَعُ نفسَه بيمينٍ لها كفَّارةٌ، فَصَحَّ أنْ تكونَ مُؤقَّتةً؛ كالإيلاء.
لا يُقالُ: الظِّهارُ طلاقٌ في الأصل، فيَجِبُ ألاَّ يَصِحَّ تقييده
(3)
كالنِّكاح؛ لأِنَّه تَقدَّمَ الفَرْقُ بَينَهما في تعليقه، ولا يكون عائدًا إلاَّ بالوطء في المدَّة.
(أَوْ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ)؛ لأِنَّه يمينٌ، فجاز تعليقُه على شَرْطٍ كالإيلاء
(4)
، ولأِنَّه قَولٌ تَحرُم به الزَّوجةُ، فصحَّ تعليقُه على شَرْطٍ كالطَّلاق.
(فَمَتَى انْقَضَى الْوَقْتُ؛ زَالَ الظِّهَارُ)؛ لأِنَّ التَّحريمَ صادَفَ ذلك الزَّمَنَ دُونَ غَيرِه، فَوَجَبَ أنْ يَنقَضِيَ بانْقِضائِه، (وَإِنْ أَصَابَهَا فِيهِ)؛ أيْ: في الوقت؛
(1)
قوله: (من) سقط من (م).
(2)
أخرجه أحمد (16421)، وأبو داود (2213)، والتِّرمذي (1198)، وابن ماجه (2062)، وابن الجارود (744)، والحاكم (2815)، من طريق محمد بن إسحاق، عن محمد بن عمرو بن عطاء، عن سليمان بن يسار، عن سلمة بن صخر الأنصاري رضي الله عنه. وأعله الإشبيلي وابن الملقن وغيرهما بأمرين: الانقطاع بين سليمان بن يسار وسلمة، فإنه لم يسمع منه كما قاله البخاري، وبعنعنة ابن إسحاق، وقال التِّرمذي:(حسن غريب)، وصححه ابن الجارود والحاكم وجوَّد إسناده ابن كثير.
وأخرج أبو داود (2223)، والتِّرمذي (1199)، والنسائي (3457)، وابن الجارود (747)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم قد ظاهر من امرأته، فوقع عليها
…
الحديث، وصححه التِّرمذي وابن الجارود والحاكم، وقال ابن حجر:(رجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال، وقال ابن حزم: رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله)، وصححه الألباني بطرقه وشواهده. ينظر: تحفة الطالب لابن كثير ص 224، جامع التحصيل ص 190، تحفة المحتاج 2/ 406، التلخيص الحبير 3/ 478، الإرواء 7/ 176.
(3)
في (م): تقييد.
(4)
في (م): كإيلاء.
(وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه عليه السلام أوْجَبَها على سلمةَ.
تنبيهٌ: إذا قال: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي إنْ شاءَ اللهُ؛ لم يَلزَمْه شَيءٌ، نَصَّ عليه
(1)
، وقال ابنُ عَقِيلٍ: هو مُظاهِرٌ، ذَكَرَه في «المحرر»
(2)
.
وإنْ قال: ما أحلَّ اللهُ عليَّ حرامٌ إنْ شاءَ اللهُ، وله أهلٌ؛ هي يمينٌ، ولم يَلزَمْه شيءٌ، بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لأِنَّها يمينٌ مُكفَّرةٌ، فصحَّ الاِسْتِثناءُ فيها؛ كاليمين بالله تعالى.
وكذا إنْ قال: أنتِ حرامٌ إنْ شاءَ اللهُ، أوْ عَكْسه؛ فلا ظِهارَ، نَصَّ عليه
(4)
، خِلافًا لاِبنِ شاقْلَا، وابنِ بَطَّةَ، وابنِ عَقِيلٍ.
وإنْ قال: أنتِ حرامٌ إنْ شاءَ اللهُ وشاءَ زَيدٌ، فشاء زَيدٌ؛ لم يكُنْ مُظاهِرًا؛ لأِنَّه علَّقه على شَيئَينِ، فلا يَحصُلُ بأحدهما.
(1)
ينظر: المغني 8/ 14.
(2)
في (ظ): المجرد. وينظر: المحرر 2/ 90.
(3)
ينظر: المغني 8/ 14.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 186.
(فَصْلٌ فِي حُكْمِ الظِّهَارِ)
(يَحْرُمُ وَطْءُ الْمُظَاهَرِ مِنْهَا قَبْلَ التَّكْفِيرِ) إذا كان بالعتق أو الصِّيام، بغيرِ خلافٍ
(1)
؛ للآية، وكذا إنْ كان بالإطعام في قَولِ الجمهور؛ لِمَا رَوَى عِكرِمةُ عن ابن عبَّاسٍ: أنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي ظاهَرْتُ من امرأتي فَوَقَعْتُ عليها قبلَ أنْ أُكفِّرَ، فقال:«ما حَمَلَكَ على ذلك يَرحَمُكَ الله؟!» فقال: رأيتُ خَلْخالَها في ضَوءِ القَمَر، فقال:«لا تَقرَبْها حتَّى تَفْعلَ ما أمَرَكَ الله به» رواه أبو داودَ، والتِّرمذي وحسَّنَه، والنَّسائِيُّ، وقال: المرسَلُ أَوْلَى بالصَّوابِ
(2)
.
(وَهَلْ يَحْرُمُ الاِسْتِمْتَاعُ بِمَا
(3)
دُونَ الْفَرْجِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أظْهَرُهُما: أنَّه يَحرُمُ، اختارَهُ أبو بكرٍ وابنُ عَقِيلٍ، وقدَّمه في «المستوعب» و «الفروع» ؛ لأِنَّ ما حرَّمَ الوَطْءَ من القول؛ حرَّمَ دَواعِيَهُ؛ كالطَّلاق والإحرام.
والثَّانيةُ: يَجوزُ، نَقَلَها الأكْثَرُ
(4)
، وفي «التَّرغيب»: هي أظْهَرُهما؛ لأِنَّه تحريمٌ يتعلَّقُ بالوَطْء، فيه كفَّارةٌ، فلم يَتجاوَزْهُ التَّحريمُ؛ كوَطء الحائض، والمرادُ من التَّمَاسِّ في الآية: الجِماعُ.
(وَعَنْهُ: لَا يَحْرُمُ وَطْؤُهَا
(5)
إِذَا كَانَ التَّكْفِيرُ
(6)
بِالْإِطْعَامِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ) وأبو إسحاقَ، وقالَه أبو ثَورٍ؛ لأِنَّ اللهَ لم يَذكُر المسيسَ فيه، كما ذَكَرَه في العتق والصيام
(7)
.
(1)
ينظر: المغني 8/ 21.
(2)
سبق تخريجه 8/ 424 حاشية (2).
(3)
في (ظ): بها.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1637، مسائل حرب 2/ 721، زاد المسافر 3/ 333.
(5)
قوله: (وطؤها) سقط من (م).
(6)
في (م): كالتكفير.
(7)
في (م): في الصيام.
وجَوابُه: أنْ يُحمَلَ المطلقُ على المقيَّد؛ لاِتَّحاد الواقِعة.
(وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ)؛ أيْ: تَثْبُتُ في ذمَّته (بِالْعَوْدِ، وَهُوَ الْوَطْءُ، نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَدُ
(1)
، اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «الكافي»
(2)
و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجَادلة: 3]، فأوْجَبَ الكفَّارةَ عَقِبَ العَوْدِ، وذلك يَقتَضِي تعلُّقها به، فمتى وَطِئَ لَزِمَتْهُ الكفَّارةُ، ولا تَجِبُ قبلَ ذلك، صرَّح به في «المغْنِي» وغَيره؛ لأِنَّه علَّق الكفَّارةَ بشَرْطَينِ: ظِهارٌ وعَودٌ، والمعلَّق لا وجودَ له عندَ عَدَمِ أحدِهما، إلاَّ أنَّها شرطٌ لِحِلِّ الوطء، فيُؤمَرُ بها مَنْ أراده لِيَستحِلَّه بها، كما يُؤمَرُ بعَقْدِ النِّكاح مَنْ أراد حِلَّها، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، ولأِنَّ العَودَ في القول هو فِعْلُ ضِدِّ ما قال، كما أنَّ العَودَ في الهِبة اسْتِرجاعُ ما وَهَبَ.
ويَلزَمُه إخراجُها بعزْمِه
(3)
على الوطء، نَصَّ عليه
(4)
، ويَجوزُ قبلَه.
وفي «الانتصار» في الطَّلاق: إنْ عَزَم، فيَقِفُ مراعًى.
(وَأَنْكَرَ قَوْلَ مَالِكٍ إِنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ
(5)
؛ لِمَا تقدَّم.
وقال أبو حَنِيفةَ: تَجِبُ الكفَّارةُ على مَنْ وَطِئَ، وهي عِندَه في حقِّ مَنْ وَطِئَ كمَنْ لم يَطَأْ
(6)
.
وقال
(7)
الشَّافِعيُّ: العود
(8)
إمْساكها بعدَ ظِهاره زَمَنًا يُمكِنُ طلاقُها فيه
(9)
.
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 333.
(2)
قوله: (الكافي) سقط من (م).
(3)
في (م): لعزمه.
(4)
ينظر: مسائل حرب 2/ 701، زاد المسافر 3/ 333.
(5)
ينظر: المدونة 2/ 321، زاد المسافر 3/ 333.
(6)
ينظر: المبسوط 6/ 224، تحفة الفقهاء 2/ 214.
(7)
في (م): قال.
(8)
في (م): والعود.
(9)
ينظر: الأم 5/ 296، الحاوي 10/ 443.
وقال داودَ: العَودُ تَكرارُ الظِّهار مرَّةً ثانيةً
(1)
.
(وَقَالَ الْقَاضِي، وَأَبُو الْخَطَّابِ)، وغَيرُهما:(هُوَ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ)، وذَكَرَه ابنُ رَزِينٍ روايةً؛ لأِنَّه قَصَدَ تحريمَها، فإذا عَزَمَ على الوطء فقد عادَ فيما قَصَدَ، ولأِنَّ الوَطْءَ تحريمٌ، فإذا عَزَمَ على استباحتها؛ فقد رَجَعَ عن ذلك التَّحريمِ، فكان عائدًا، ولأِنَّ اللهَ تعالى أمَرَ بالتَّكفير عَقِبَ العَود قبلَ التَّماسِّ.
وكلامُه مُشْعِرٌ: بأنَّ العَودَ لَيسَ هو إمْساكَ المظاهَر منها عقب
(2)
يمينه، وصرَّح به في «المغْنِي» ، وعلَّله: بأنَّ الظِّهار تحريمٌ قَصَدَه وفِعْلُ ما حَرَّمَه، دُونَ الإمساكِ، ولأِنَّ العَودَ فِعْلٌ، والإمساكَ تَرْكُ الطَّلاقِ، ولقوله تعالى:{ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا} [المجَادلة: 3]، و «ثُمَّ» للتَّراخِي والمهْلةِ، وذلك يُنافِي الإمساك
(3)
عَقِبَ الظِّهارِ. وحاصِلُه: أنَّهم لم يوجبوا
(4)
الكفَّارةَ على العازِمِ على الوطء إذا ماتَ أحدُهما، أو طلَّقَ قبلَ الوطء إلاَّ أبا الخطاب
(5)
، فإنَّه قال: إذا ماتَ بعدَ العزم، أوْ طلَّق فعليه الكفَّارةُ، وهذا قَولُ مالِكٍ وأبي عُبَيدٍ
(6)
، وأنكره أحمدُ
(7)
، وقال القاضي وأصحابُه: لا كفَّارةَ عليه، حكاه المؤلِّفُ، وقَطَعَ في «المحرَّر» بالكفَّارة، وحكاه عن القاضي وأصحابه.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا، أَوْ طلَّق؛ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ)، وحاصِله: أنَّ الكفَّارة لا
(1)
ينظر: المغني 8/ 17.
(2)
في (م): عقيب.
(3)
قوله: (ولأن العود فعل والإمساك
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
قوله: (أنهم لم يوجبوا) في (م): لم يوجب.
(5)
قوله: (أبا الخطاب) في (م): بالخطاب.
(6)
المدونة 2/ 321.
(7)
ينظر: زاد المسافر 3/ 333.
تَجِبُ بمجرَّدِ الظهِّار، فإنْ مات أحدُهما، أوْ فارَقَها قبلَ العَود؛ فلا كفَّارةَ عليه؛ لأِنَّ الموجِبَ لها هو الوَطْءُ، ولم يُوجَدْ على المنصوص.
وأيُّهما مات وَرِثَه الآخَرُ.
وقال قَتادةُ: إنْ ماتَتْ لم يَرِثْها حتَّى يُكفِّرَ.
وجوابُه: أنَّ مَنْ وَرِثَها إذا كفَّر؛ وَرِثَها وإنْ لم يُكفِّرْ؛ كالمُولِي منها.
(وَإِنْ عَادَ فَتَزَوَّجَهَا؛ لَمْ يَطَأْهَا حَتَّى يُكَفِّرَ)، سواءٌ كان الطَّلاقُ ثلاثًا أوْ لا، وسَواءٌ رَجَعَتْ إليه بعدَ زَوجٍ آخَرَ، أوْ لا، نَصَّ عليه
(1)
، وهو قَولُ الحَسَنِ وعَطاءٍ؛ للآية، وهي ظاهرة
(2)
في امرأته
(3)
، فلا يَحِلُّ أنْ يَتَماسَّا حتَّى يُكفِّرَ؛ كالتي لم يُطلِّقْها، ولأِنَّ الظِّهارَ يمينٌ مُكفَّرةٌ، فلم يَبطُلْ حُكمُها بالطَّلاق؛ كالإيلاء.
(وَإِنْ وَطِئَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ أَثِمَ) مُكلَّفٌ؛ لأِنَّه بِوَطْئِه قبلَ التَّكفير عاصٍ ربَّه؛ لِمُخالَفَته أمْرَه، (وَاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)، ولو مَجنونًا، نَصَّ عليه
(4)
؛ لِئَلاَّ يَسقُطَ بعدَ ذلك؛ كالصَّلاة إذا غَفَلَ عنها في وَقْتِها.
وتحريمُ زَوجتِه باقٍ عليه حتَّى يُكفِّرَ في قَولِ الأكثرِ. وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: لا، وأنَّه كاليمين، قال في «الفروع»: وهو أظْهَرُ. وكذا في «التَّرغيب» : وجْهانِ؛ كالإيلاء
(5)
.
وفي «الانتصار» وغيره: إنْ أدْخَلَتْ ذَكَرَه نائمًا؛ فلا عَودَ، ولا كفَّارةَ.
(1)
ينظر: مسائل عبد الله ص 367.
(2)
في (م): ظاهر.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 16، والشرح الكبير 23/ 273: وهذا قد ظاهر من امرأته.
(4)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 239، مسائل ابن منصور 4/ 1636.
(5)
في (م): كإيلاء.
وعلى الأوَّل: (تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لحديثِ سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ
(1)
، ولأِنَّه وُجِدَ الظِّهارُ والعَودُ، فيَدخُلُ في عُمومِ الآية.
وحُكِيَ عن عَمْرِو بن العاص: أنَّ عليه كفَّارتَينِ، رواه الدَّارَقُطْنِيُّ
(2)
، وبه قال جمعٌ.
وعن بعض العلماء: أنَّ الكفَّارةَ تَسقُطُ؛ لأِنَّه قد فات وَقْتُها؛ لكَونِها وَجَبَتْ قَبْلَ المسِيسِ.
(وَإِنْ ظَاهَرَ مِنِ امْرَأَتِهِ الْأَمَةِ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا؛ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى يُكَفِّرَ)، وحاصلُه: أنَّه إذا ظاهَر مِنْ زوجته الأَمَةِ، ثُمَّ مَلَكَها؛ انْفَسَخَ النِّكاحُ، وحُكْمُ الظِّهار باقٍ، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ، واختاره ابنُ حامِدٍ، قال القاضي: وهو المذْهَبُ؛ للآية، ولأنَّ
(3)
الظِّهارَ لا يَسقُطُ بالطَّلاق المزيل
(4)
للمِلك والحِلِّ؛ فبِملْكِ اليمين أَوْلَى.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ)، وأبو الخَطَّاب:(يَبْطُلُ الظِّهَارُ)؛ لأِنَّ شَرْطَه الزَّوجيَّةُ، وقد زالَتْ، فوَجَبَ أنْ يَزولَ لِزَوالِ شَرْطِه، (وَتَحِلُّ لَهُ، فَإِنْ وَطِئَهَا؛ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ) لا غَيرُ، كما لو ظاهر
(5)
منها، وهي أَمَتُه.
ويَتخرَّجُ: بلا كفَّارةٍ.
ومقتَضَى كلامهما هنا: أنَّها
(6)
تُباحُ له قَبْلَ التَّكفير؛ لأِنَّه أسْقَطَ الظِّهارَ
(1)
سبق تخريجه 8/ 424 حاشية (2).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة كما في المحلى (9/ 197)، والدارقطني (3857)، عن قبيصة بن ذؤيب، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه. منقطع، لم يسمع قبيصة من عمرو رضي الله عنه كما قال الدارقطني في السنن 4/ 477.
(3)
في (م): لأن.
(4)
في (م): والمزيل.
(5)
في (ظ): تظاهر.
(6)
زيد في (م): لا.
وجعَلَه يمينًا؛ كتحريمِ أمَتِه.
فإنْ أعْتَقَها عن كفَّارته؛ أجْزَأَ على القَولَينِ، فإنْ تزوَّجَها بَعْدَ ذلك؛ حلَّت له بغَيرِ كفَارةٍ، وإنْ أعْتَقَها عن غَيرِ الكفَّارة، ثُمَّ تزوَّجها؛ لم تَحِلَّ له حتَّى يُكفِّرَ.
(وَإِنْ كَرَّرَ الظِّهَارَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ؛ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) في ظاهر المذهب، سواءٌ كان في مجلسٍ أوْ مَجالِسَ، يَنوِي به الاِسْتِئْنافَ أو التَّأكيدَ أوْ يُطلِقُ، نَقَلَه عن أحمدَ جَمْعٌ
(1)
؛ لأِنَّه قَولٌ لم يؤثر
(2)
تحريمَ الزَّوجة، فلم تَجِبْ به كفَّارةُ ظِهارٍ؛ كاليمين بالله تعالى.
وظاهِرُه: أنَّه إذا كفَّرَ عن الأوَّل؛ لَزِمَه للثَّاني كفَّارةٌ بغَيرِ خِلافٍ
(3)
؛ لأِنَّها أثْبتَتْ في المحلِّ تحريمًا، أشْبَهَت الأولى.
وعنه: إنْ نَوَى الاِستئناف فكفَّاراتٌ بعَدَدِه، وقاله الثَّورِيُّ.
وعنه: بِعدَدِه.
(وَعَنْهُ: إِنْ كَرَّرَهُ فِي مَجَالِسَ
(4)
فَكَفَّارَاتٌ)، رُوِيَ عن عليٍّ
(5)
وعمرو
(6)
ابنِ مُرَّةَ
(7)
؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه قَولٌ مُستأنَفٌ،
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1688.
(2)
في (م): لم يوفر.
(3)
ينظر: المغني 8/ 43.
(4)
في (م): وعنه: إن كرر الظهار قبل التكفير.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (11560)، ومن طريقه ابن حزم (9/ 200)، عن قتادة، عن خلاس بن عمرو، عن علي رضي الله عنه قال:«إذا ظاهر مرارًا في مجلس واحد فكفارة واحدة، وإن ظاهر في مقاعد شتى فكفارات شتى، والأيمان كذلك» ، إسناده ضعيف، فيه عثمان بن مطر وهو ضعيف، وخالفه معمر، فرواه عن قتادة عند عبد الرزاق (11561)، ولم يذكر خلاسًا.
(6)
في (م): وعمر.
(7)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 8/ 43، والشرح الكبير 23/ 277: عمرو بن دينار. وأخرجه عبد الرزاق (11555).
فَوَجَبَ أنْ يتعلَّقَ به مِثلُ ما تعلَّق
(1)
بالأوَّل، بخلافِ ما إذا كان في مجلسٍ واحدٍ، فإنَّ ظاهِرَه: أنَّه أراد التَّأكيد.
(وَإِنْ ظَاهَرَ مِنْ نِسَائِهِ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)؛ بأنْ قال: أنْتُنَّ عليَّ كظَهْرِ أُمِّي؛ (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ) بغَيرِ خِلافٍ في المذهب، قاله في «الشَّرح» ، وهو قَولُ عمرَ وعليٍّ، رواهُ عنهما الأثْرَمُ
(2)
، ولا يُعرَفُ لهما في الصَّحابة مُخالِفٌ، ولأِنَّها يمينٌ واحدةٌ، فلم يَجِبْ لها أكثرُ من كفَّارةٍ؛ كاليمين بالله تعالى.
وعنه: لكلِّ امرأةٍ كفَّارةٌ؛ كما لو أفْرَدَها.
والفَرْقُ: أنَّ كلَّ كلمةٍ تَقتَضِي كفَّارةً تَرفَعُها وتُكفِّرُ إثْمَها، والظِّهارُ بكلمةٍ واحدةٍ الكَفَّارةُ الواحدةُ تَرفَعُ حُكمها وتَمْحُو إثْمَها، بخلاف الكلمات.
(وَإِنْ كَانَ بِكَلِمَاتٍ؛ فَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ كَفَّارَةٌ)، قالَهُ عُرْوةُ وعَطاءٌ، وقال ابنُ حامِدٍ والقاضي: هذا المذْهَبُ روايةً واحدةً؛ لأِنَّها أيْمانٌ في مَحالَّ مُختَلِفةٍ، أشْبَهَ ما لو وُجِدَتْ في عُقودٍ مُتفرِّقةٍ.
وعنه: تُجزِئُه كفَّارةٌ واحدةٌ، اختاره أبو بكرٍ، وقال: هذا الذي قُلْناهُ؛ اتِّباعًا لِعمرَ
(3)
، والحَسَنِ، وإبراهيمَ، وإسْحاقَ؛ لأِنَّ كفَّارةَ الظِّهار حقٌّ لله، فلم يَتكرَّرْ بتكرُّر
(4)
سَبَبِها؛ كالحدِّ.
(1)
في (م): يتعلق.
(2)
أثر عليٍّ رضي الله عنه تقدم 8/ 431 حاشية (5)، وأثر عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (11566)، وسعيد بن منصور (1831)، والدارقطني (3864)، والبيهقي في الكبرى (15254)، عن سعيد بن المسيب قال: أتى رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه له ثلاث نسوة، فقال: أَنتنَّ عليه كظهر أمه، فقال عمر:«كفارة واحدة» ، وإسناده صحيح. وأخرجه البيهقي في الكبرى (15253)، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن عمر رضي الله عنه؛ في رجل ظاهر من أربع نسوة، قال:«كفارة واحدة» ، صحح إسناده ابن الملقن في البدر المنير 8/ 160، وقال البيهقي:(هو صحيح عن عمر).
(3)
تقدم تخريجه في الحاشية السابقة.
(4)
قوله: (بتكرر) سقط من (م).
وجَوابُه: أنَّ الحدَّ عُقوبةٌ يُدرأ
(1)
بالشُّبْهة.
وعنه: إنْ كرَّره في مجالِسَ؛ فكَفَّاراتٌ وإلاَّ فواحدةٌ، قال القاضي: وكذلك يُخرَّجُ في كفَّارةِ القَتْلِ؛ يعني
(2)
: بفِعْلٍ، أوْ أفْعالٍ.
(1)
في (م): تدرأ.
(2)
قوله: (يعني) سقط من (م).
(فَصْلٌ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا
(1)
)
الكفَّارةُ لَفْظُها مأخوذٌ من الكَفْرِ، وهو السَّتْرُ؛ لأِنَّها تَسْتُرُ الذَّنْبَ.
(كَفَّارَةُ الظِّهَارِ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ)؛ لِكِبَرٍ، أوْ مَرَضٍ، وفي «الكافي»: غَيرِ مَرْجُوٍّ زوالُه، أوْ يَخافُ زيادتَه، أوْ بُطْأَهُ، وذَكَرَ المؤلِّفُ وغَيرُه: أوْ لِشَبَقٍ، وفي «التَّرغيب»: أوْ لِضَعْفِه عن مَعِيشةٍ تَلزَمُه، وفي «الرَّوضة»: لِضعْفٍ عنه، أوْ كَثْرَةِ شُغلٍ، أوْ شدَّةِ حرٍّ؛ (فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ
…
(3)} الآيتَينِ [المجَادلة: 3 - 4]، ولحديثِ خويلةَ امرأةِ أوْسِ بنِ الصَّامِتِ حِينَ ظاهَرَ منها، فقال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«تُعتِقُ رقَبةً» ، قالت
(2)
- يعني امرأتَه -: لا يَجِدُ، قال:«فيَصومُ شَهرَينِ مُتتابِعَينِ» ، قالت: شَيخٌ كبيرٌ ما به مِنْ صيامٍ، قال:«فيُطعِمُ ستِّينَ مسكينًا»
(3)
، وهذا التَّرتيبُ لا خِلافَ فيه إذا كان المظاهِرُ حرًّا
(4)
، ويأتي حكمُ العبد.
(وَكَفَّارَةُ الْوَطْءِ فِي) نهار (رَمَضَانَ مِثْلُهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وقد سَبَقَ، (وَكَفَّارَةُ الْقَتْلِ مِثْلُهُمَا)؛ لأِنَّ التَّحريرَ والصِّيامَ منصوصٌ عليهما في كتاب الله تعالى، (إِلاَّ فِي الْإِطْعَامِ فَفِي
(5)
وُجُوبِهِ رِوَايَتَانِ):
أصحُّهما: لا يجب
(6)
، واختاره الأكثرُ؛ لأِنَّه لم يُذكَرْ في كتاب الله
(1)
في (م): معناه.
(2)
في (م): فقالت.
(3)
سبق تخريجه 8/ 410 حاشية (1).
(4)
ينظر: الشرح الكبير 23/ 282.
(5)
في (ظ): قبل.
(6)
في (م): لا تجب.
تعالى، ولو كان واجبًا لَذَكَرَه؛ كالعتق والصِّيام.
والثَّانيةُ: بلى، اختارها في «التَّبصرة» و «الطَّريق الأقرب» ؛ لأِنَّها كفَّارةٌ فيها عِتْقٌ وصَومٌ، فكان فيها إطعامٌ؛ ككفَّارة الظِّهار.
(وَالاِعْتِبَارُ فِي الْكَفَّارَاتِ بِحَالِ الْوُجُوبِ فِي إِحْدَى
(1)
الرِّوَايَتَينِ)، وهي ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لأِنَّها تَجِبُ على وَجْه الطُّهْرة، فكان الاِعْتِبارُ بحالِ الوجوب؛ كالحدِّ، نَصَّ عليه
(2)
، فإذا وَجَبَ وهو عبدٌ
(3)
، فلم يُكفِّرْ حتَّى عَتَقَ؛ فعليه الصَّومُ، لا يُجزِئُه غَيرُه، وقاله الأثْرَمُ.
(فَإِذَا وَجَبَتْ وَهُوَ مُوسِرٌ، ثُمَّ أَعْسَرَ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ إِلاَّ الْعِتْقُ)؛ لأِنَّه هو الذي وَجَبَ عليه، فلا يَخرُج عن العُهْدةِ إلاَّ به، (وَإِنْ وَجَبَتْ وَهُوَ مُعْسِرٌ، فَأَيْسَرَ؛ لَمْ يَلْزَمْه الْعِتْقُ)؛ لأِنَّه غَيرُ ما وَجَبَ عليه، لا يُقالُ: الصَّومُ بَدَلٌ عن
(4)
العتق، فإذا وَجَدَ مَنْ يُعتِقُه؛ وَجَبَ الاِنتقالُ إليه؛ كالمتَيَمِّم يَجِدُ الماءَ قبلَ الصَّلاة أوْ فيها؛ للفَرْقِ بَينَهما، فإنَّ الماء إذا وُجِدَ بعدَ التَّيمُّم؛ بَطَلَ، بخلافِ الصَّوم، فإنَّ العِتْقَ لو وُجِدَ بَعْدَ فِعْله؛ لم يَبطُلْ، (وَلَهُ الاِنْتِقَالُ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ)؛ لأِنَّ العتقَ هو الأصلُ، فَوَجَبَ أنْ يُجزِئَه؛ كسائر الأصول.
(وَعَنْهُ فِي الْعَبْدِ إِذَا عَتَقَ: لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ الصَّوْمِ)؛ بِناءً على
(5)
قولنا: إنَّ الاعتبارَ بحالة الوجوب؛ لأِنَّه حَنِثَ، وهو عبدٌ، فلم يَكُنْ يُجزِئُه إلاَّ الصَّومُ، وقد نَصَّ أحمدُ على أنَّه يُكفِّرُ كفَّارةَ عبدٍ
(6)
، قال القاضي: وفيه نَظَرٌ،
(1)
في (م): أحد.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 188.
(3)
في (ظ): عبده.
(4)
قوله: (عن) سقط من (م).
(5)
زيد في (م): أن.
(6)
ينظر: المغني 8/ 39.
ومُقتَضاهُ: أنَّه لا يَلزَمُه التَّكفيرُ بالمال، فإنْ كفَّر به؛ أجْزَأَه، ولأِنَّه حكمٌ تعلَّق بالعبد في رِقِّه، فلم يتغيَّرْ بحُريَّتِه؛ كالحدِّ.
وهذا على القَولِ الذي لا يُجوِّزُ للعبد التَّكفيرَ بالمال بإذْنِ سيِّدِه، وعلى الأخرى: هو كالحرِّ؛ لأِنَّ رِقَّه جَعَلَه كالمعْسِر، فإذا أتى بالعتق؛ وَجَبَ أنْ يُجزِئَه؛ كالحرِّ المعْسِر.
(وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: الاِعْتِبَارُ بِأَغْلَظِ الْأَحْوَالِ)؛ لأنَّها
(1)
حقٌّ يَجِبُ في الذِّمَّة بِوُجودِ المال، فاعتُبِرتْ بأغْلَظِ الأحْوالِ كالحجِّ.
وجَوابُه: أنَّ الحجَّ عبادةُ العمر، وجميعُه وقت
(2)
لها، فَمَتَى قَدَرَ عليه في جُزْءٍ مِنْ وَقْتِه؛ وَجَبَ، بخِلافِه هُنا.
(فَمَنْ أَمْكَنَهُ الْعِتْقُ مِنْ حِينِ الْوُجُوبِ إِلَى حِينِ التَّكْفِيرِ؛ لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُهُ)؛ لأِنَّه هو الواجِبُ عليه، ولا يُجزِئُه غَيرُه؛ لأِنَّ فِعْلَه غَيرُ واجِبٍ عليه.
(فَإِنْ شَرَعَ فِي الصَّوْمِ، ثُمَّ أَيْسَرَ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الاِنْتِقَالُ عَنْهُ)، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأِنَّه لم يَقدِرْ على العتق قَبْلَ تَلَبُّسه بالصِّيام، أشْبَهَ ما لو استمرَّ العَجْزُ إلى ما بعدَ الفَراغ، ولأِنَّه وَجَدَ المبدَلَ
(3)
بعْدَ الشُّروع في البدل
(4)
، فلم يَلزَمْهُ الاِنْتِقالُ إليه؛ كالمتمتِّع يَجِدُ الهَدْيَ بعدَ الشُّروع في صيام الأيَّام السَّبعة، ويُفارِقُ ما إذا وَجَدَ الماءَ في الصَّلاة، فإنَّ قضاءَها يسيرٌ، ورَوَى البَيهَقِيُّ من حديثِ أبي القاسِمِ البَغَوِيِّ، ثنا عليُّ بنُ الجَعْدِ، ثنا ابنُ أبي ذِئْبٍ، عن ابنِ شِهابٍ، قال:«السُّنَّةُ فِيمَنْ صامَ من الشَّهْرَينِ ثُمَّ أيْسَرَ أنْ يَمْضِيَ»
(5)
.
(1)
في (م): لأنه.
(2)
في (م): ووقت.
(3)
في (م): البدل.
(4)
في (م): المبدل.
(5)
أخرجه ابن الجعد (2786)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15275)، وإسناده صحيح.
وذَكَرَ في «المبهج» ، وابنُ عَقِيلٍ روايةً: أنَّه يُعتبَرُ وَقْتُ الأداء؛ لأِنَّه حقٌّ له بَدَلٌ من غَيرِ جِنْسه، فاعتُبِرَ فيه حالةُ الأداء؛ كالوُضوء.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَهُ) الاِنتِقالُ إليه
(1)
، وقاله ابنُ سِيرِينَ والحَكَمُ؛ لأِنَّه قَدَرَ على الأصل؛ كالمتَيَمِّم يَجِدُ الماءَ قَبْلَ الصَّلاة أوْ فيها.
أصلٌ: إذا تكلَّفَ العِتْقَ مَنْ
(2)
فَرْضُه الصِّيامُ؛ أجْزَأَهُ في الأصحِّ، وإذا قُلْنَا: الاِعْتِبارُ بحالِ الوجوب؛ فوقته في
(3)
الظِّهار من حِينِ العَودِ، لا وَقْتِ المُظاهَرَةِ؛ لأِنَّ الكفَّارةَ لا تَجِبُ حتَّى يعودَ، وَوَقْتُه في اليمين من الحِنْث، لا وَقْتِ اليمين.
فلو كان المظاهِرُ ذِمِّيًّا؛ فتكفيرُه بغَير الصَّوم؛ لأِنَّه لَيسَ مِنْ أهْلِه ويتعيَّنُ رَقَبةٌ مُؤمِنةٌ إذا كانت في ملْكِه، فإنْ لم تكن
(4)
؛ فلا سبيلَ إلى شرائه، ويتعيَّن التَّكفيرُ بالإطْعام، إلاَّ أنْ يقولَ لمسلمٍ: أعْتِقْ عَبدَكَ عن كفَّارتِي وعليَّ ثَمَنُه، فيصحُّ
(5)
في روايةٍ.
فلو ظاهَرَ، وهو مسلِمٌ، ثُمَّ ارتدَّ وصامَ فيها؛ لم يُجزِئْهُ، وإنْ كفَّرَ بغَيرِه، فقال أحمدُ: لا يُجزِئُه
(6)
، وقال القاضي: المذْهَبُ: أنَّه مَوقُوفٌ.
(1)
في (م): عنه.
(2)
في (ظ): ممن.
(3)
في (ظ): من.
(4)
في (ظ): لم يكن.
(5)
في (ظ): فتصح.
(6)
ينظر: المغني 8/ 40.
(فَصْلٌ)
(فَمَنْ مَلَكَ رَقَبَةً)؛ لَزِمَه، فلو اشْتَبَه عبدُه بعبيدِ غَيرِه؛ أمْكَنَه العِتْقُ بأنْ يُعتِقَ الرَّقَبةَ التي في ملْكِه، ثُمَّ يُقرِعُ بَينَ الرِّقاب، فيُعتِقُ مَنْ وَقَعَتْ عليه القُرْعةُ، هذا قياسُ المذهَب، قاله القاضي وغيرُه.
(أَوْ أَمْكَنَهُ تَحْصِيلُهَا بِمَا هُوَ
(1)
فَاضِلٌ عَنْ كِفَايَتِهِ وَكِفَايَةِ مَنْ يَمُونُهُ عَلَى الدَّوَامِ)؛ لقَولِه عليه السلام: «ابدأ
(2)
بنفسك، ثُمَّ بمَنْ تَعُولُ»
(3)
، ولأِنَّ ذلك مُقدَّمٌ على دَينِ المفلِسِ المقدَّمِ على الكفَّارة، فلأن
(4)
يُقدَّمَ عليها بطريقِ الأولى.
(وَغَيرِهَا
(5)
مِنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ)؛ لأِنَّها قريبةٌ مِنْ كِفايَتِه، ومُساوِيةٌ لها
(6)
، بدليلِ تقديمِها على غُرَماءِ المفْلِسِ، (بِثَمَنِ مِثْلِهَا)؛ لأِنَّ ما حَصَلَ بأكثرَ مِنْ ثَمَنِ المِثْل يَجوزُ له الاِنتِقالُ؛ كالتَّيمُّم.
(لَزِمَهُ الْعِتْقُ)، إجْماعًا
(7)
، ولَيسَ له الاِنْتِقالُ إلى الصِّيام إذا كان مسلِمًا حرًّا، مع شرط آخَرَ، وهو أنْ يكونَ فاضِلاً عن وَفاءِ دَينِه، وفيه روايةٌ، لا مالٍ يَحتاجُهُ لأِكْلِ الطَّيِّب ولُبْسِ النَّاعِمِ، وهو مِنْ أهْلِه؛ لِعَدَمِ عِظَمِ المشقَّةِ، ذَكَرَه ابنُ شِهابٍ وغيرُه.
(وَمَنْ لَهُ خَادِمٌ يَحْتَاجُ إِلَى خِدْمَتِهِ)؛ لكِبَرٍ، أوْ مرضٍ، ونحوِه، أوْ كان ممَّن
(1)
قوله: (بما هو) سقط من (ظ).
(2)
في (م): ابتدأ.
(3)
سبق تخريجه 3/ 386 حاشية (8).
(4)
في (م): فالآن.
(5)
قوله: (وغيرها) سقط من (ظ).
(6)
قوله: (لها) سقط من (م).
(7)
ينظر: مراتب الإجماع ص 82، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 63.
لا يَخدُمُ نفسَه عادةً؛ فلَيسَ عليه إعِتاقٌ؛ لأِنَّه في حُكْمِ العَدَمِ، كمَنْ معه ماءٌ يَحتاجُ إليه لِعَطَشٍ ونحوه
(1)
.
فإنْ كان يخدم
(2)
امرأتَه، وهو ممَّن عليه إخْدامُها، أوْ كان له رقيقٌ يتقوَّتُ بخَراجِهِم؛ فكذلك، بخلافِ ما إذا كان له خادِمٌ، وهو يَخدُمُ نفسَه عادةً؛ لَزِمَه الإعْتاقُ؛ لأِنَّه فاضِلٌ عن حاجته.
فرعٌ: إذا كان له سُرِّيَّةٌ؛ لم يَلزَمْه إعتاقُها، فإنْ أمْكَنَه بَيعُها وشِراءُ سُرِّيَّةٍ غَيرِها ورَقَبَةٍ يُعتِقُها؛ لم يَلزَمْه؛ لأِنَّ الغَرَضَ قد يتعلَّقُ بعَينِها، بخِلافِ ما إذا كان له رقبةٌ يُمْكِنُه بَيعُها وشِراءُ رقبتَينِ بثَمنِها، يَسْتَغْنِي بخِدْمةِ إحداهما ويُعتِقُ الأخرى.
(أَوْ دَارٌ يَسْكُنُهَا، أَوْ دَابَّةٌ يَحْتَاجُ إِلَى رُكُوبِهَا)؛ لأِنَّ ذلك من حوائجه الأصليَّة، فإنْ كان
(3)
له دارٌ يُمكِنُه بَيعُها وشِراءُ ما يَكْفِيهِ لِسَكَنِ مِثْلِه، أوْ رقبةٌ أوْ ضَيعةٌ يَفضُلُ منها عن كفايته ما يُمْكِنُه شِراءُ رَقَبَةٍ؛ لَزِمَه، ويُراعِي في ذلك الكِفايةَ التي يَحرُمُ معها أخْذُ الزَّكاة.
(أَوْ ثِيَابٌ يَتَجَمَّلُ بِهَا)؛ لأِنَّه غَيرُ قادِرٍ على العتق، لكن لو كان له
(4)
مَلابِسُ فاخِرةٌ تَزِيدُ على مَلابِسِ مِثْلِه، يُمكِنهُ بَيعُها وشِراءُ ما يَكفِيهِ في لباسه ورَقَبَةٍ يُعتِقُها؛ لَزِمَه.
(أَوْ كُتُبُ) عِلْمٍ (يَحْتَاجُ إِلَيْهَا)، أوْ عَقارٌ يَحتاجُ إلى غَلَّته، أوْ عَرْضٍ للتِّجارة لا يَستَغْنِي عن ربحه في مُؤنَتِه.
(أَوْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً إِلاَّ بِزِيَادَةٍ عَنْ ثَمَنِ مِثْلِهَا تُجْحِفُ بِهِ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ الْعِتْقُ)؛
(1)
قوله: (أو كان ممن لا يخدم نفسه) إلى هنا سقط من (م).
(2)
قوله: (يخدم) سقط من (م).
(3)
قوله: (كان) سقط من (م).
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
لأِنَّ عليه ضَرَرًا في ذلك.
(وَإِنْ وَجَدَهَا بِزِيَادَةٍ لَا تُجْحِفُ بِهِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وقيَّدهُما في «المحرَّر» و «الرِّعاية»: بما لا يَتغابَنُ النَّاس بمِثْلِها:
أحدهما: يَلزَمُه، وهو أشهر
(1)
؛ لأِنَّها زيادةٌ لا تُجحِفُ به
(2)
، أشْبَهَ ما لو بِيعَتْ بثمَنِ مِثْلِها.
والثَّاني: لَا؛ لأِنَّه لم
(3)
يَجِدْ رَقَبةً بثَمَنِ مِثلِها، أشْبَهَ العادِمَ.
وأصْلُهما: العادم
(4)
للماء إذا وجده
(5)
بزيادةٍ على ثَمَنِ مِثْلِه.
فإنْ وَجَدَ رقبةً رفيعةً يُمكِنُه أنْ يَشْتَرِيَ بثَمَنِها رقبتَينِ من غَيرِ جِنْسها؛ لَزِمَه، لا ضَرَرَ في الشِّراء، وإنَّما الضَّرَرُ في إعْتاقِها، وذلك لا يَمنَعُ الوجوبَ، كما لو كان مالِكًا لها
(6)
.
(وَإِنْ وُهِبَتْ لَهُ رَقَبَةٌ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهَا)؛ لأِنَّ عليه مِنَّةً في قَبولها، وذلك ضَرَرٌ في حقِّه.
(وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا، وَأَمكَنَهُ
(7)
شَرِاؤُهَا بِنَسِيئَةٍ) لغَيبة ماله، وفي «الرِّعاية»: أو لكَونِه دَينًا؛ (لَزِمَهُ) في الأصحِّ، وقد ذَكَرَ المؤلِّفُ: أنَّه إذا عَدِمَ الماءَ؛ فبُذِلَ له بثَمَنٍ في الذِّمَّة يَقدِرُ على أدائه في بلده وجهَينِ:
أحدُهما: يَلزَمُه، واختاره القاضي؛ لأِنَّه قادِرٌ على أخْذِه بما لا مَضَرَّةَ فيه.
(1)
في (م): الأشهر.
(2)
قوله: (به) سقط من (م).
(3)
في (ظ): لا.
(4)
في (م): أصلها للعادم.
(5)
في (م): وجد.
(6)
قوله: (مالكًا لها) في (م): مالكها.
(7)
في (م): أو أمكنه.
والثَّاني، وقاله أبو الحَسَن التَّمِيميُّ: لَا؛ لأِنَّ عليه ضَرَرًا في بقاءِ الدَّينِ في ذمَّته، وربَّما تَلِفَ مالُه قَبْلَ أدائه، فيُخرَّجُ ههُنا على الوجْهَينِ، قال في «الشَّرح»: والأولى
(1)
إنْ شاءَ اللهُ تعالى أنَّه لا يَلزَمُه.
وظاهِرُه: أَنَّها إذا لم تُبَعْ نَسيئةً، فإنَّه يَجوزُ الصَّومُ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروع» ؛ للحاجة، وكالعادِم.
وقِيلَ: لا.
وقِيلَ: في غَيرِ ظهارٍ للحاجة؛ لتحريمها قَبلَ التَّكفير.
وفي «الشَّرح» : إذا كان مرجُوَّ الحضور قريبًا؛ لم يَجُزِ الاِنتِقالُ إلى الصِّيام؛ لأِنَّ ذلك بمنزلة الانتظار لشراءِ الرَّقبة، وإنْ كان بعيدًا؛ جازَ الاِنْتِقالُ إليه في غَيرِ كفَّارة الظِّهار.
فرعٌ: لا يَجوزُ تقديمُ كفَّارةِ الظِّهارِ قَبْلَه، فلو قال لعَبْدِه: أنتَ حرٌّ السَّاعةَ عن ظِهَارِي؛ عَتَقَ، ولم يُجْزِئْه عنه.
فإنْ قال: إنْ تَظَهَّرْتُ فأنتَ حرٌّ عن ظِهارِي، ثُمَّ قال لاِمرأتِه: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي؛ عَتَقَ، وفي إجْزائِه عن الكفَّارة وجْهانِ.
(وَلَا يُجْزِئُهُ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ إِلاَّ رَقَبَةٌ مُؤْمِنَةٌ)، روايةً واحدةً، قاله في «المستوعب» ، وحكاهُ ابنُ حَزْمٍ إجْماعًا
(2)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92].
(وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْكَفَّارَاتِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وهو قَولُ الحَسَنِ، وإسحاقَ، والأكثرِ؛ قياسًا على كفَّارةِ القتل، ولقَولِه عليه السلام:«أعْتِقْها، فإنَّها مُؤمِنةٌ» رواه مسلِمٌ من حديثِ مُعاوِيَةَ
(3)
.
(1)
في (م): والأول.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 141.
(3)
أخرجه مسلم (537)، من حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه.
وعنه: يُجزِئُه في غيرِ كفَّارةِ قتلٍ عتقُ رقبةٍ، قِيلَ: كافِرةٍ، وقِيلَ: كتابيَّةٍ، وقِيلَ: ذِمِّيَّةٍ، وهو قَولُ عَطاءٍ، والثَّوريِّ؛ لأِنَّ اللهَ تعالى أطلق
(1)
الرَّقَبةَ في كفَّارة الظِّهار، فَوَجَبَ أنْ يُجزِئَ ما تَناوَلَه الإطلاقُ.
وجَوابُه: بأنَّ المطلَقَ يُحمَلُ على المقيَّد إذا اتَّحَدَ الحُكمُ، ولأِنَّ الإعتاقَ يتضمَّنُ تفريغَ العبد المسلِمَ لعبادةِ ربِّه وتكميلَ أحكامه، ومعونته
(2)
للمسلمين، فناسَبَ ذلك إعْتاقَه في الكفَّارة؛ تحصيلاً لهذه المصالحِ.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب وجَمْعٌ: مَنْعَ حربيَّةٍ ومرتدَّةٍ اتِّفاقًا، قال في «الفروع»: ويتوجَّه في نَذْرِ عِتْقٍ مطلَقٍ روايةٌ مُخرَّجةٌ مِنْ فِعْلِ مَنذُورٍ في وَقْتِ نَهْيٍ، ومِنْ مَنْعِه زوجةً من حجَّةِ نَذْر؛ بِناءً على أنَّه لَيسَ كالواجِبِ بأصلِ الشَّرع.
(وَلَا تُجْزِئُهُ
(3)
إِلاَّ رَقَبَةٌ سَلِيمَةٌ مِنَ الْعُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالْعَمَلِ ضَرَرًا بَيِّنًا)؛ لأِنَّ المقصودَ تمليكُ العبد منفعتَه، وتمكُّنُه من التَّصرُّف، ولا يَحصُلُ هذا مع ما يَضُرُّ بالعمل ضَرَرًا بَيِّنًا، (كَالْعَمَى)؛ لأِنَّه لا يُمكنُه العَمَلُ في أكثرِ الصَّنائع؛ لِفَقْده البَصَرَ الذي يَهتَدِي به إلى العمل، (وَشَلَلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، أَوْ قَطْعِهِمَا)؛ لأِنَّ اليَدَ آلةُ البطشِ، والرِّجلَ آلةُ المشْيِ، فلا يتهيأ كثيرٌ من العمل مع حصول ذلك.
وكذا لا يُجزِئُ مُقعَدٌ، ومجنونٌ مُطبِقٌ؛ لأِنَّه وُجِدَ فيه المَعْنَيان؛ منفعةُ الحِسِّ، وحصولُ الضَّرر، ولأِنَّه إذا لم يستقلَّ بكفايةِ نفسه
(4)
يكون كلًّا على غيره.
(1)
زيد في (م): في.
(2)
في (ظ): ومعونة.
(3)
في (م): ولا يجزئه.
(4)
قوله: (بكفاية نفسه) في (م): بكفايته.
وقد نَظَرَ الشَّافِعيُّ في العيوب من
(1)
كلِّ بابٍ إلى ما يَلِيقُ به، فاعتَبَرَ هنا ما يَضُرُّ بالعمل، وفي الأضحيَّة ما ينقصُ اللَّحْم، وفي النِّكاح ما يُخِلُّ بمَقْصودِ الجِماع، وفي البَيع ما يُخِلُّ بالمالِيَّة.
(أَوْ قَطْعِ إِبْهَامِ الْيَدِ، أَوْ سَبَّابَتِهَا، أَوِ الْوُسْطَى، أَوِ الْبِنْصِرِ وَالْخِنْصِرِ مِنْ يَدٍ وَاحِدَةٍ)؛ لأِنَّ نَفْعَ اليَدِ يَزولُ أكثرُه بذلك.
ومُقتَضاهُ: أنَّه لو قُطِعَ خِنْصرُه وبِنصرُه مِنْ يَدَيْنِ؛ جازَ عِتْقُه، وصرح به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ نَفْعَ الكَفَّينِ باقٍ، وقَطْعُ أنْمُلَةِ الإبهام كقَطْعِها.
وإنْ قُطِعَ من إصبعٍ أنْمُلَتانِ، فهو كَقَطْعِها؛ لأِنَّه ذَهَبَ بمَنفَعَتِها.
وإنْ قُطِعَ من إصبعٍ غيرِ الإبهام أنْمُلةٌ؛ لم يَمنَعْ.
وفي «الواضح» : أنَّ مَقطوعَ الإبْهامَينِ لا يُجزِئُ، بخلافِ ما إذا قُطِعَ أحدُهما.
(وَلَا يُجْزِئُ الْمَرِيضُ الْمَأْيُوسُ مِنْهُ)؛ كمَرَضِ السِّلِّ؛ لأِنَّ بُرأَهُ يَندُرُ، ولا يَتمكَّنُ من العمل مع بقائه. وقِيلَ: أوْ لَا، ثُمَّ ماتَ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يكُنْ مأْيُوسًا منه؛ كالحُمَّى ونحوِها؛ لم يَمنَعْ.
(وَلَا النَّحِيفُ الْعَاجِزُ عَنِ الْعَمَلِ)؛ لِعَجْزِه عمَّا هو المقصودُ بعِتْقِ الرَّقَبةِ، وظاهِرُه: أنَّه
(2)
إذا تمكَّن
(3)
من العمل، فإنَّه يُجْزِئُ، وفي مَعْناهُ الزَّمِنُ، والمُقْعَدُ، وفيهما
(4)
روايةٌ.
(وَلَا غَائِبٌ لَا يُعْلَمُ خَبَرُهُ)؛ لأِنَّه مشكوكٌ في حياته، والأصلُ بقاءُ شَغْلِ
(1)
في (م): في.
(2)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(3)
في (م): لم يمكن.
(4)
في (م): وفيها.
الذِّمَّة، فلا يبرأ
(1)
بالشَّكِّ، لا يقال
(2)
: الأصلُ الحياةُ؛ لأِنَّه قد عُلِمَ أنَّ الموتَ لا بُدَّ منه، وقد وُجِدَتْ دلالةٌ عليه
(3)
، وهو انْقِطاعُ خَبَرِه.
وقِيلَ: يجزئ
(4)
؛ كما لو عُلِمَ بَعْدُ.
وقِيلَ: يَعتِقُ ولا يُجْزِئُ.
فإنْ لم يَنقَطعْ خَبرُه؛ أجْزَأَ عِتْقُه؛ لأِنَّه عِتْقٌ صحيحٌ.
(وَلَا مَجْنُونٌ مُطْبِقٌ)؛ لأِنَّه معدومُ النَّفع، ضرورةَ اسْتِغْراقِ زمانِه في الجنون
(5)
، وقِيلَ: أوْ أكْثَرُ وقتِهِ
(6)
، وهو أَوْلَى؛ لِعَدَمِ قُدْرتِه على تمام العمل، وفي مَعْناهُ الْهَرِمُ، قالَهُ في «الرِّعاية» .
(وَلَا أَخْرَسُ
(7)
لَا تُفْهَمُ إِشَارَتُهُ)؛ لأِنَّ مَنفَعَتَه زائلةٌ، أشْبَهَ زوالَ العقل، ولأِنَّ الخَرَسَ نقصٌ كثيرٌ يَمنَعُ كثيرًا من الأحكام؛ كالقضاء والشَّهادة، وكثيرٌ من النَّاس لا تُفْهَمُ إشارتُه، فيتضرَّرُ بترْكِ استعماله.
وظاهِرُه: أنَّه إذا فُهِمَتْ إشارتُه؛ أجْزَأَ، صحَّحَه في «الشَّرح» ؛ كذَهابِ الشَّمِّ.
والمنصوصُ: عَدَمُ الإجزاء
(8)
، ذَكَرَه في «الكافي» .
وقِيلَ: يُجزِئُ مُطلَقًا، حكاهُ في «التَّعليق» وأبو الخَطَّاب عن أحمدَ.
فإنْ كان به صَمَمٌ؛ لم يُجزِئْ، وإلاَّ أجزأ
(9)
.
(1)
في (ظ): فلا تبرأ.
(2)
قوله: (لا يقال) سقط من (م).
(3)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(4)
في (م): يجزئه.
(5)
في (م): المجنون.
(6)
في (م): وفيه.
(7)
في (م): والأخرس.
(8)
ينظر: الكافي 3/ 171.
(9)
قوله: (وإلا أجزأ) في (م): والأجزاء.
وفي «المغْنِي» : الأَوْلَى أنَّه متى فُهِمَتْ إشارتُه، وفَهِمَ إشارةَ غيرِه أنَّه يُجزِئُ؛ لأِنَّ الإشارةَ تقومُ مَقامَ الكلام.
وفي «الواضح» : المذْهَبُ: أنَّه يُجزِئُ الأصمُّ؛ لأِنَّ الصَّممَ
(1)
لا يَمْنَعُ من التَّصرُّف في العمل.
(وَلَا عِتْقُ مَنْ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ عِنْدَ وُجُودِهَا)؛ أيْ: إذا
(2)
اشترى مَنْ يَعتِقُ عليه إذا مَلَكَه يَنوِي بشرائه عِتْقَه عن الكفَّارة؛ عَتَقَ، ولم يُجزِئْه؛ لأِنَّه حِينَئِذٍ يَستَحِقُّ العِتْقَ بسببٍ غيرِ الكفَّارة، فلم يجْزِ عِتْقُه؛ كالذي يَعتِقُ عليه بالشِّراء.
وظاهِرُه: أنَّه إذا علَّق عِتْقَه للكفَّارة، أوْ أعْتَقَه قبلَ وجودِ الصِّفة؛ أنَّه يُجزِئُ؛ لأِنَّه أعْتَقَ عبدَه الذي يَملِكُه عن الكفَّارة؛ لأِنَّ عِتْقَه مُستَحَقٌّ في غَيرِ الكفَّارة.
(وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ بِالْقَرَابَةِ)؛ لقَولِه تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجَادلة: 3]، والتَّحريرُ فِعْلُ العِتْق، ولم يَحصُلْ هنا بتحريرٍ منه، ولا إعْتاقٍ، فلم يكُنْ مُمْتَثِلاً للأمر، ولأنَّ
(3)
عِتْقَه مُسْتَحَقٌّ بسببٍ آخَرَ، فلم يُجزِئْه؛ كما لو وَرِثَه يَنوِي به العِتْقَ عن كفَّارته.
ويُخالِفُ المشْتَرِي البائعَ من وَجْهَينِ:
أحدهما
(4)
: أنَّ البائعَ يُعتِقُه، والمشْتَرِي لم يُعتِقْه، وإنَّما يَعتِقُ بإعْتاقِ الشَّارع مِنْ غَيرِ اخْتِيارٍ منه.
الثاني
(5)
: أنَّ البائعَ لا يَستَحِقُّ عليه إعْتاقَه، والمشْتَرِي بخِلافِه.
(1)
في (م): الأصم.
(2)
قوله: (إذا) سقط من (م).
(3)
في (م): ولا.
(4)
قوله: (أحدهما) سقط من (م).
(5)
في (م): والثاني.
(وَلَا مَنِ اشْتَرَاهُ بِشَرْطِ الْعِتْقِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وهو قَولُ مَعقِلِ بن يَسَارٍ
(1)
؛ لأِنَّه إذا فَعَلَ ذلك، فالظَّاهِرُ أنَّ البائعَ نَقَصَه من الثَّمن لأِجْلِ هذا الشَّرط، فكأنَّه
(2)
أخَذَ عن العِتْق عِوَضًا، فلم يُجزِئْه عن الكفَّارة.
وعنه: بلى.
فعلى الأوَّل: لو شَرَطَ عليه مالاً
(3)
أوْ خِدْمةً؛ لم يُجزِئْه.
(وَلَا أُمِّ وَلَدِهِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ)، وقالَهُ الأَوْزاعِيُّ وأبو عُبَيدٍ والأكثرُ؛ لأِنَّ عِتْقَها مُسْتَحَقٌّ بسببٍ آخَرَ، كما لو اشْتَرَى قريبه، أوْ عبدًا بشرطِ العتق فأَعْتقه، وكما لو قال: أنتَ حرٌّ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ، ونَوَى عِتْقَه عن كفَّارته عندَ دخوله.
والثَّانيةُ: يُجزِئُ، قاله الحَسَنُ وطاوسٌ؛ لقَوله تعالى:{فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [النِّسَاء: 92]، ومُعتِقُها قد حرَّرَها.
وجَوابُه: الآيةُ مخصوصةٌ بما ذَكَرْناهُ، فنقيس
(4)
عليه ما اخْتَلَفوا فيه.
(وَلَا مُكَاتَبٍ قَدْ أَدَّى مِنْ كِتَابَتِهِ شَيْئًا فِي اخْتِيَارِ شُيُوخِنَا)، وهو قَولُ اللَّيث والأَوْزاعِيّ، قال القاضي: هو الصَّحيحُ، وقدَّمه في «الفروع» واختاره
(5)
الأكثرُ؛ لأِنَّه إذا أدَّى
(6)
شيئًا فقد حصَلَ العِوَضُ عن بعضه، فلم يَجْزِ؛ كما لو أعْتَقَ بعضَ رقبةٍ.
(1)
لعل مراده ما أخرجه عبد الرزاق (16853)، والدارقطني (4228)، من طريق سعيد الجريري، عن أبي عبد الله الحميري الجسري، عن معقل بن يسار قال:«إذا اشتريت نسمة، فلا تشترط لأهلها العتق، فإنه عقدة من الرق، ولكن اشترها إن شئت بعت، وإن شئت وهبت» ، وإسناده رجاله ثقات.
(2)
في (ظ): فكان.
(3)
قوله: (مالاً) سقط من (م).
(4)
في (م): ذكرنا فيقيس.
(5)
في (م): واختيار.
(6)
في (م): دعا.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يُؤَدِّ شَيئًا أنَّه يُجزِئُ على المذهب؛ لأِنَّه أعْتَقَ رقبةً مُؤمِنةً سالِمَةَ الخَلْقِ تامَّةَ الملْكِ؛ فأجْزَأَ كالمدبَّر.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُ)، وقاله أبو ثَورٍ، واختاره أبو بكرٍ، وقدَّمه في «المحرَّر» ؛ لأِنَّ المكاتَبَ عبدٌ يَجوزُ بَيعُه؛ فأجْزَأَ عِتْقُه عنها كالمدبَّر، ولأِنَّه رَقبةٌ، فيَدخُلُ في مُطلَقِ الآية.
(وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُ مُكَاتَبٌ بِحَالٍ)، قاله
(1)
أبو عُبَيدٍ والأكثرُ؛ لأنَّ
(2)
عِتْقَه مُسْتَحَقٌّ بسببِ الكتابة، ولهذا لا يَمْلِكُ إبطالَ كتابتِه، أشْبَهَ أمَّ الولد.
وقِيلَ: يُجزِئُ مِنْ كتابةٍ
(3)
فاسدةٍ، وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ جاز بَيعُهما.
والصَّحيحُ الأوَّلُ، والفَرْقُ بَينَه وبَينَ المدبَّر: أنَّ المدبَّرَ لم يَحصُلْ في مُقابَلةِ شَيءٍ منه عِوَضٌ، بخلافِ مكاتَبٍ أدَّى بعضَ كتابته، والفَرْقُ بَينَه وبَينَ أمِّ الولد: أنَّه لا يَجوزُ بَيعُها على الصَّحيح، بخلافِ المكاتَبِ.
فرعٌ: لا يُجزِئُ إعْتاقُ الجَنِينِ في قَولِ أكثرِهم؛ لأِنَّه لا تثبت
(4)
له أحكامٌ بعدُ، فإنَّه لا يَملِكُ إلاَّ بالإرث والوصيَّة، ولا يُشتَرَطُ لهما
(5)
كَونُه آدَمِيًّا؛ لكَونِه يَثبُتُ له ذلك وهو نُطْفةٌ أوْ عَلَقَةٌ، ولَيسَ بآدَمِيٍّ في تلك الحالِ.
تنبيهٌ: إذا اشْتَرَى عبدًا يَنْوِي إعْتاقَه عن كفَّارتِه، فَوَجَدَ به عَيبًا لا يَمنَعُ من الإجزاء، فأخَذَ أرْشَه، ثُمَّ أعْتَقَه عنها؛ أجْزَأَه، والأرْشُ له.
فإنْ أعْتَقَه قبلَ العِلم بالعَيب، ثُمَّ ظَهَرَ على عَيبه وأخَذَ أرْشَه؛ فهو له؛ كما لو أخذه قبلَ إعْتاقِه.
(1)
في (م): قال.
(2)
في (م): أنَّ.
(3)
في (م): كتابته.
(4)
في (م): لا يثبت.
(5)
في (ظ): لها.
وعنه: أنَّه يَصرِفُ الأرْشَ في الرِّقاب.
فإنْ عَلِمَ العَيبَ، ولم يأخُذْ أرْشَه؛ كان الأَرْش للمُعتِقِ؛ لأِنَّه أعْتَقَه مَعِيبًا عالِمًا بعَيبِه، فلم يَلزَمْه أرْشٌ، كما لو باعه لِمَنْ يَعلَمُ عَيبَه.
فلو قال: أعْتِقْ عبدَك عن كفَّارتِك ولك خمسةُ دنانِيرَ، فَفَعَلَ؛ لم يجزئه
(1)
عنها؛ لأِنَّ الرَّقبةَ لم تَقَعْ خالِصةً عن الكفَّارة، وذَكَرَ القاضي أنَّ العِتْقَ يَقَعُ عن باذِلِ العِوَض، وله وَلاؤه.
(وَيُجْزِئُ الْأَعْرَجُ يَسِيرًا)، لأِنَّه قليلُ الضَّرَر بالعمل، بخلاف الفاحِشِ الكثيرِ، فهو كقَطْعِ الرِّجل.
وفي «المستوعب» : يُجزِئُ الأعرجُ يسيرًا إذا كان يَتمَكَّنُ من المشْيِ.
(وَالْمُجَدَّعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ)، الجَدْعُ: قَطْعُ الأنفِ، والأُذنِ، والشَّفَة، وهو بالأنف أخصُّ؛ لأِنَّ ذلك لا تعلُّق له بالعمل، فهو كمَقطوعِ الأُذُنَينِ، وكنَقْصِ السَّمع.
(وَالْمَجْبُوبُ، وَالْخَصِيُّ، وَمَنْ يُخْنَقُ فِي الْأَحْيَانِ، وَالْأَصَمُّ، وَالأَخْرَسُ
(2)
الذِي يَفْهَمُ الْإِشَارَةَ وَتُفْهَمُ إِشَارَتُهُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وخالَفَ في «الموجز» و «التَّبصرة» في الأصمِّ؛ لنَقْصِه.
وتُجزِئُ الرَّتْقاءُ، والكبيرةُ التي تَقدِرُ على العمل؛ لأِنَّ ما لا
(3)
يَضُرُّ بالعمل لا يَمنَعُ تمليكَ العبد
(4)
مَنافِعَه وتكميلَ أحْكامِه.
مسائلُ: يُجزِئُ مُسْتَأْجَرٌ، ومَرْهونٌ، وأحمقُ، والجاني مُطلَقًا وإنْ قُتِلَ قِصاصًا، والأَمَةُ المزوَّجةُ، والحامِلُ وإنِ اسْتَثْنَى حَمْلَها، كما لا يَضُرُّ قَطْعُ
(1)
في (م): لم يجز.
(2)
قوله: (والأخرس) سقط من (م).
(3)
قوله: (لا) سقط من (م).
(4)
قوله: (العبد) سقط من (م).
أصابِعِ قَدَمٍ، وكذَهابِ نُورِ إحدَى
(1)
العَينَينِ، وقال أبو بكرٍ: فيه قَولٌ آخَرُ؛ لأِنَّه يَمنَعُ التَّضحيَةَ والإجْزاءَ في الهَدْيِ، أشْبَهَ العَمَى.
(وَالْمُدَبَّرُ) في قَولِ طاوُسٍ؛ لأِنَّه عبدٌ كامِلُ المنفَعَة، لم يَحصُلْ عن شَيءٍ منه عِوَضٌ كالْقِنِّ، ولأنَّه يَجوزُ
(2)
بَيعُه.
وإنْ قِيلَ بعَدَمِ جَوازِه؛ لم يَجْزِ عِتْقُه، قالَهُ الأَوْزاعِيُّ وأبو عُبَيدٍ والأكثرُ؛ لأنَّ
(3)
عِتْقَه مُسْتَحَقٌّ بسببٍ آخَرَ، أشْبَهَ أمَّ الولد.
(والْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ) قَبلَ وُجودها؛ لأِنَّ ملْكَه فيه تامٌّ.
(وَوَلَدُ الزِّنَى)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لدخوله في الآية، ولأِنَّه مملوكٌ مسلِمٌ كامِلُ العَمَل، لم يُقبَضْ منه شَيءٌ، ولا
(4)
اسْتُحِقَّ عتقُه بسببٍ آخَرَ، أشْبَهَ ولَدَ الرَّشيدةِ.
قال الطَّحاويُّ: هو الملازِمُ للزِّنى، كما يُقالُ: ابنُ السَّبيل المُلازِمُ لها وَوَلَدُ اللَّيل الذي يَسيرُ فيه
(5)
.
وقال عَطاءٌ والأَوْزاعِيُّ: لا يُجْزِئُ؛ استدلالاً بقوله عليه السلام: «ولَدُ الزِّنَى شَرُّ الثَّلاثة» رواه أبو داودَ من حديثِ أبي هُرَيرةَ
(6)
، قال الخَطَّابيُّ: هو شَرُّ الثَّلاثة
(1)
قوله: (إحدى) سقط من (م).
(2)
في (م): ولأنه لا يجوز.
(3)
في (م): لأنه.
(4)
في (م): وإلا.
(5)
ينظر: شرح مشكل الآثار 2/ 371.
(6)
أخرجه أحمد (8098)، وأبو داود (3963)، والنسائي في الكبرى (4909)، والحاكم (2853)، والبيهقي في الكبرى (19987)، عن أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الحاكم، وحسنه الألباني بشواهده.
وأخرج ابن عدي في الكامل (3/ 559)، والطبراني في الكبير (10674)، والبيهقي في الكبرى (19994)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«ولد الزنى شر الثلاثة إذا عمل بعمل أبويه» ، وفي سنده: ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وضعفه البيهقي وقال:(وإنما يروى هذا الكلام على الخبر من قول سفيان الثوري)، وهو عند أبي داود من قول سفيان.
وأخرج أحمد (24784)، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا نحوه، وفيه إبراهيم بن إسحاق هو المخزومي متروك الحديث.
وأخرج الحاكم (2855)، والبيهقي في الكبرى (19991)، عن عائشة رضي الله عنها، ما يدل على أن المراد بالحديث رجل مخصوص من المنافقين، وفي سنده سلمة بن الفضل، قال البيهقي:(سلمة بن الفضل الأبرش يروي مناكير)، وأخرج البيهقي في الكبرى (19992)، عن عائشة رضي الله عنها قالت في ولد الزنا:«ليس عليه من وزر أبويه شيء» ، وقال البيهقي:(رفعه بعض الضعفاء، والصحيح موقوف). ينظر: الصحيحة (672).
أصْلاً وعُنصَرًا ونَسَبًا؛ لأِنَّه خُلِقَ من ماء
(1)
الزِّنى، وهو خبيثٌ
(2)
.
وأنْكَرَ قَومٌ هذا التفسير
(3)
، وقالوا: لَيسَ عليه من وزر
(4)
والِدَيهِ؛ لقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعَام: 164]، وقد ورد
(5)
في بعض الأحاديث: «أنَّه شرُّهم إذا عَمِلَ عَمَلَهم»
(6)
، فإن صحَّ ذلك انْدَفَعَ الإشْكالُ.
وبالجملة: فهذا يَرجِعُ إلى أحْكامِ الآخِرَة، وأمَّا أحْكامُ الدُّنْيا فهو كغيرِه في صحَّة إمامته، وبَيعه، وعِتْقه، وقَبولِ شَهادَتِه، فكذا في عِتْقِه عن الكفَّارة، ويُجزِئُ مع كمالِ أجْرِه، قاله الشَّيخُ تقيُّ الدِّين، ويَشفَعُ مع صِغَرِه في أمه
(7)
، لا أبِيهِ
(8)
.
(وَالصَّغِيرُ)، كذا عبَّر به الأصحابُ، وعنه: له سبعُ سِنِينَ إن اشْتُرِطَ
(1)
قوله: (ماء) سقط من (م).
(2)
ذكره الخطابي عن بعض أهل العلم. ينظر: معالم السنن 4/ 80.
(3)
في (م): الشر.
(4)
في (م): إزار.
(5)
في (م): روي.
(6)
سبق تخريجه قريبًا.
(7)
في (م): في صغره لأمه.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 193.
الإيمانُ، قاله في «الوجيز» ؛ لدخوله في الآية، ولأِنَّه تُرجى
(1)
منافعه فأجْزَأَ؛ كالمريض.
والمرادُ بالإيمان: الإسلامُ، بدليلِ إعْتاقِ الفاسِقِ، قال الثَّورِيُّ: المسلِمونَ كلُّهم مُؤمِنونَ عندَنا في الأحكام، ولا يُدرى
(2)
ما هم عِنْدَ الله، ولهذا تعلَّق حكمه
(3)
بكلِّ مسلِمٍ.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا صَلَّى وَصَامَ)؛ لأِنَّ المعتَبَرَ الفعلُ دُونَ السِّنِّ، فمَنْ صلَّى وصام
(4)
ممَّن له عَقْلٌ يَعرفُهما، ويتحقَّق منه الإتيان بنيَّته وأركانه، فإنَّه يُجزِئُ في الكفَّارة، وإنْ لم يَبلُغ السَّبْعَ.
وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يُوجَدْ منه أنَّه لا يُجزِئُ وإنْ كان كبيرًا؛ لأِنَّه عاجِزٌ من كلِّ وَجْهٍ، أشْبَهَ الزَّمِنَ.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّه يُجزِئُ ابنُ سَبْعٍ إذا صلَّى وصامَ.
وظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه لا يُجزِئُ إعْتاقُ مَنْ له دُونَ سَبْعٍ
(5)
؛ لأِنَّه لا تصح
(6)
منه العِباداتُ، أشْبَهَ المجنونَ.
وقال القاضي: في إعتاقِ الصغيرِ
(7)
في جميعِ الكفَّارات إلا
(8)
كفَّارة القتل، فإنَّها على روايتَينِ.
(1)
في (ظ): يرجى.
(2)
في (م): ندري.
(3)
في (م): حكمهم.
(4)
في (م): صام وصلى.
(5)
ينظر: الشرح الكبير 23/ 319.
(6)
في (ظ): لا يصح.
(7)
في (م): بصداق الصغيرة.
(8)
في (م): لا.
ونَقَلَ الميمونيُّ: يُعتَقُ الصَّغيرُ إلاَّ في قَتْلِ الخطأ
(1)
، فإنَّه لا تُجزِئ
(2)
إلاَّ مُؤمِنةٌ، وأراد
(3)
التي صلَّتْ.
والأوَّلُ أقْرَبُ إلى الصَّواب والصِّحَّة؛ لأِنَّ الإيمانَ الإسلامُ، وهو حاصِلٌ في حقِّ الصَّغير، وهو مُؤمِنٌ تَبَعًا.
(وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ وَهُوَ مُعْسِرٌ، ثُمَّ اشْتَرَى
(4)
بَاقِيَهُ فَأَعْتَقَهُ؛ أَجْزَأَهُ)؛ لأِنَّه أعْتَقَ رقبةً كامِلةً في وقتَينِ؛ كما لو أطْعَمَ المساكِينَ في وقتَينِ.
(إِلاَّ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الاسْتِسْعَاءِ)؛ لأِنَّه حِينَئِذٍ مُسْتَحَقُّ العتقِ، فلم يَجزِ؛ كما لو اشْتَراهُ بشَرْطِ العتق، والأصحُّ في المذهب خِلافُها.
(وَإِنْ أَعْتَقَهُ) عن كفَّارته (وَهُوَ مُوسِرٌ، فَسَرَى إِلَى نَصِيبِ شَرِيكِهِ)؛ عَتَقَ، (وَلَمْ يُجْزِئْهُ؛ نَصَّ عَلَيْهِ
(5)
، اخْتارَه الخَلاَّلُ وصاحِبُه، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ عِتْقَ نصفه لم يَحصُلْ بالمباشَرة، بل بالسِّراية؛ كما لو عَتَقَ نصف عبدٍ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُجْزِئَهُ
(6)
إذا نَوَى إعتاقَ جميعه عن كفَّارته، اختاره القاضي وأصحابه
(7)
، وزَعَمَ أنَّه قِياسُ المذهب؛ لأِنَّه أعْتَقَ عبدًا كامِلَ الرِّقِّ، سَلِيمَ الخَلْقِ، غيرَ مُسْتَحَقٍّ للعتق، ناوِيًا به الكفَّارةَ، فأجزأه؛ كما لو كان الجميعُ ملْكَه.
فرعٌ: إذا كان له عبدٌ
(8)
، فأعْتَقَ جزءًا منه مُعيَّنًا أوْ مُشاعًا؛ عَتَقَ كلُّه، وإنْ
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 185.
(2)
في (م): لا يجزئ.
(3)
في (ظ): فأراد.
(4)
في (م): استثنى.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 187.
(6)
قوله: (اختاره الخلال وصاحبه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(7)
في (م): اختاره الخلال وصاحبه.
(8)
في (م): عبيد.
نَوَى به الكفَّارةَ أجزَأَ عنه، وإنْ نَوَى إعتاقَ الجزء الذي باشَرَه عن الكفَّارة دُونَ غَيرِه؛ لم يُجْزِئْه عِتْقُ غَيرِه، وهل يُحتَسَبُ له بما نَوَى عن الكفَّارة؟ على وجهَينِ.
(وَإِنْ أَعْتَقَ نِصْفًا آخَرَ)؛ أي: نصفَ عبدَينِ، أوْ أمَتَينِ، أوْ نصفَ عبدٍ ونصفَ أمةٍ؛ (أَجْزَأَهُ عِنْدَ الْخِرَقِيِّ)، وفي «الروضة»: هو الصَّحيحُ في المذهب؛ لأِنَّ الأشْقاصَ كالأشخاصِ فيما لا يَمنَعُ العَيبَ اليسيرَ، دليلُه الزَّكاةُ إذا كان نصفَ ثمانِينَ مُشاعًا؛ وَجَبَت الزَّكاةُ، كما لو مَلَكَ أربعينَ مُنفرِدةً
(1)
، وكالضَّحايا والهَدايا إذا اشْتَرَكوا فيها
(2)
.
(وَلَمْ يُجْزِئْهُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)؛ لأِنَّ المقصودَ تكميلُ
(3)
الأحكام، ولا تحصلُ
(4)
من إعتاق نصفَينِ.
وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ وصاحبُ «الرَّوضة» روايتَينِ.
وقِيلَ: إنْ كان باقِيهِما حرًّا
(5)
أجْزَأَه، اختاره القاضي، زاد في «المحرَّر»: أو
(6)
أعْتَقَ كلَّ واحِدٍ منهما عن كفَّارتَينِ أجْزَأَهُ، وإلاَّ فلا، وهذا أصحُّ؛ لأِنَّ إعْتاقَ الرَّقَبة إنَّما يَنصَرِفُ إلى الكامِلةِ، ولا يَحصُلُ من الشَّخْصَينِ ما يَحصُلُ من الرَّقبة الكامِلةِ في تكميلِ الأحكام، وتخليصِ الآدَمِيِّ من ضَرَرِ الرِّقِّ، ويَمتَنِعُ قِياسُ الشِّقْصَينِ على الرَّقبة الكامِلةِ، بدليلِ الشِّراء.
فرعٌ: الأصحُّ: أنَّه لا يُجزِئُ المغصوبُ، وأطْلَقَ الخِلافَ في «التَّرغيب» .
(1)
في (م): منفردًا.
(2)
في (م): فيه.
(3)
في (م): تكمل.
(4)
في (م): ولا يحصل.
(5)
في (م): جزء.
(6)
في (ظ): إذا. والمثبت موافق لما في المحرر 2/ 93.
وفي مُوصًى بخِدْمتِه أبدًا مَنْعٌ وتسليمٌ في «الانتصار» .
ونِضْوُ الخَلْقِ ضَعيفُ التَّركيب، فإنْ كانَ لا يَضعُفُ عن العمل؛ أجْزَأه.
(فَصْلٌ)
(فَمَنْ لَمْ يَجِدْ) رقبةً يَشتَرِيها، أوْ وَجَدَها ولم يَجِدْ ثَمنَها، أوْ وَجَدَه لكِنْ بزيادةٍ كثيرةٍ تُجحِفُ بماله، أوْ وَجَدَها ولكِن احْتاجَها لخدمةٍ ونحوه
(1)
؛ (فَعَلَيْهِ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) إذا قَدَرَ عليه، إجْماعًا
(2)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا} [المجَادلة: 4]، وأجْمَعُوا على وُجوبِ التَّتابُع
(3)
، ومَعْناهُ: المُوالاةُ بَينَ صِيامِ أيامهما
(4)
، فلا يُفطِرُ فِيهِما، ولا يَصُومُ عن غَيرِ الكفَّارةِ.
(حُرًّا كَانَ) المكفِّرُ (أَوْ عَبْدًا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(5)
.
(وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ التَّتَابُعِ)، بل يَكْفِي فِعْلُه؛ لأِنَّه شَرْطٌ، وشَرائطُ العبادات لا تَحتاجُ إلى نيَّةٍ، وإنَّما تَجِبُ النِّيَّةُ لأِفعالها
(6)
.
وقِيلَ: تَجِبُ النِّيَّةُ.
ففي الاكتفاء باللَّيلة الأُوَّلة، والتَّجديدِ لكلِّ ليلةٍ؛ وَجْهانِ، وتُبَيَّت
(7)
النِّيَّةُ، وفي تعيينها
(8)
جهة الكفَّارة وجْهانِ.
(فَإِنْ تَخَلَّلَ صَوْمَهَا صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ)، بأنْ يَبْتِدئَ الصَّومَ مِنْ أوَّلِ شَعبانَ، فيَتخلَّلَه رمضانُ، (أَوْ فِطْرٌ وَاجِبٌ؛ كَفِطْرِ الْعِيدِ)، بأنْ يَبتَدِئَ - مثلاً -
(1)
في (م): ونحوها.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 82.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 89، مراتب الإجماع ص 82.
(4)
في (م): أيامها.
(5)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 65.
(6)
في (م): لأفعالهما.
(7)
في (ظ): وتثبت.
(8)
في (ظ): تعينها.
مِنْ ذي الحِجَّة فيتخلَّلُه يَومُ النَّحر وأيَّامُ التَّشريق، فإنَّ التَّتابُع لا يَنقَطِعُ بهذا، ويبني
(1)
على ما مَضَى مِنْ صيامه؛ لأِنَّه زَمَنٌ مَنَعُه الشَّرعُ عن صَومه في الكفَّارة؛ كالحيض والنِّفاس.
وفي «مُفْرَداتِ ابنِ عَقِيلٍ» في صَومِ العيد: يَقطَعُ التَّتابُعَ؛ لأِنَّه خَلَّلَه بإفْطارٍ يُمكِنُه أنْ يَحتَرِزَ عنه، ثُمَّ سلَّم أنَّه لا يَقطَعُه؛ لأِنَّه لا يَقبَلُ الصَّومَ؛ كاللَّيل.
ويتخرَّجُ في أيَّامِ التَّشريق: أنَّه يَصومُها، فعلى هذا: إنْ أفْطَرَها اسْتَأْنَفَ؛ لأِنَّها أيَّامٌ أمْكَنَه صِيامُها في الكفَّارة؛ فَفِطْرُها يَقطَعُ التَّتابُعَ كغَيرِها.
(أَوِ الفِطْرِ
(2)
بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ)، أجْمَعَ أهلُ العلم
(3)
، ونَصَّ عليه أحمدُ
(4)
على أنَّ الصَّائمةَ متتابعًا
(5)
إذا حاضَتْ قبلَ إتْمامِه تقضي
(6)
إذا طَهُرَتْ وتَبْنِي؛ لأِنَّ الحَيضِ لا يُمكِنُ التَّحرُّزُ منه في الشَّهْرَينِ إلاَّ بتأخيره إلى
(7)
الإيَاسِ، وفيه تَغْريرٌ بالصَّوم؛ لأِنَّها ربَّما ماتَتْ قَبلَه.
والنِّفاسُ كالحَيضِ؛ لأِنَّه بمَنزِلَتِه في أحكامه
(8)
في وَجْهٍ.
وفي آخَرَ: يَقطَعُ التَّتابُع؛ لأِنَّه فِطْرٌ أمْكَنَ التَّحرُّزُ منه، لا يتكرَّرُ في العام، أشْبَهَ الفِطْرَ لغير
(9)
عُذْرٍ، ولا يَصِحُّ قياسُه على الحيض؛ لأِنَّه أنْدَرُ منه.
لا يُقالُ: الحَيضُ والنِّفاسُ لا يُمكِنُ التَّحرُّزُ منهما؛ لأِنَّه قد يُمكِنُ التَّحرُّزُ
(1)
في (م): وينبني.
(2)
في (م): والفطر.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 89، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 65.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 197.
(5)
في (م): تتابع.
(6)
في (م): تقتضي.
(7)
قوله: (إلى) سقط من (م).
(8)
في (م): أحكام.
(9)
في (م): بغير.
من النِّفاس بأنْ لا تبتدئ
(1)
الصَّومَ في حالِ الحَمْل، ومن
(2)
الحيض إذا كان طُهرُها يَزِيدُ على الشَّهرَينِ، بأنْ تَبتَدِئَ الصَّومَ عَقِبَ طُهْرِها من الحيض، ومع هذا لا يَنقَطِعُ التَّتابُعُ به.
(أَوْ جُنُونٍ)، قال جماعةٌ:(أَوْ مَرَضٍ مَخُوفٍ)، رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ
(3)
، وسعيدِ بنِ المسيِّب، والحَسَن؛ لأِنَّه أفْطَرَ بسببٍ لا صُنع
(4)
له فيه؛ كالحَيض.
(أَوْ فِطْرِ الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ لِخَوْفِهِمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا؛ لَمْ يَنْقَطِعِ التَّتَابُعُ)؛ لأِنَّه فِطْرٌ أُبِيحَ لعُذْرٍ من غَيرِ جِهَتِها؛ فلم يَنقَطِعْ كالمريض.
(وَكَذَلِكَ إِنْ
(5)
خَافَتَا عَلَى وَلَدَيْهِمَا)؛ لم يَنقَطِع التَّتابُعُ، وجَزَمَ به مُعظَمُ الأصْحابِ؛ لأِنَّه فِطْرٌ أُبِيحَ لهما بسببٍ لا يَتعلَّقُ باخْتِيارِهما؛ كما لو أفْطَرَتَا خَوفًا على أنْفُسِهما.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَنْقَطِعَ)؛ لأِنَّ الخَوفَ على غَيرِهما، ولهذا تلزمهما
(6)
البقيَّةُ مع القَضاء.
وأطْلَقَ في «المحرَّر» الخِلافَ.
والأوَّلُ المذهبُ؛ لاِشْتِراكِهِما في إباحة الفطر، والمشقَّة اللاَّحِقَة بقطعِ
(7)
التَّتابُع، وكفِطْره ناسِيًا أوْ مُكرَهًا أوْ مُخطِئًا؛ كجَاهِلٍ به.
(وَإِنْ أَفْطَرَ)؛ أيْ: تعمَّدَه (لِغَيْرِ عُذْرٍ، أَوْ صَامَ تَطَوُّعًا، أَوْ قَضَاءً، أَوْ عَنْ
(1)
في (م): لا يبتدئ.
(2)
في (م): زمن.
(3)
لم نقف عليه عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد ذكر الطبري في التفسير (22/ 462)، هذا القول عن ابن المسيب والحسن وعطاء والشعبي وغيرهم.
(4)
في (م): لا منع.
(5)
في (م): إذا.
(6)
في (م): يلزمهما.
(7)
في (ظ): فقطع.
نَذْرٍ، أَوْ عَنْ
(1)
كَفَّارَةٍ أُخْرَى؛ لَزِمَهُ الاِسْتِئْنَافُ)؛ لأِنَّه أخلَّ بالتَّتابُع المشْرُوطِ، ويَقَعُ صَومُه عمَّا نَواهُ؛ لأِنَّ هذا الزَّمانَ لَيسَ بمُسْتَحَقٍّ مُتعيِّنٍ للكفارة
(2)
، بخلافِ شهرِ رَمَضانَ.
فإنْ كان عليه صَومُ نَذْرٍ غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ أخَّرَه إلى فَراغه من الكفَّارة، وإنْ كانَ مُتعيِّنًا؛ أخَّر الكفَّارةَ عنه، أوْ قدَّمها عليه إنْ أمْكَنَ.
وإنْ كان أيَّامًا من الشَّهر؛ كالخميس وأيَّامِ البيض؛ قدَّم
(3)
الكفَّارةَ عليه؛ لأِنَّه لَوْ صامَه لانقطع
(4)
التَّتابُعُ، ولَزِمَه الاِسْتِئْنافُ، فيُفْضِي إلى أنَّه لا يتمكَّنُ من التَّكفير بحالٍ، والنَّذْرُ يمكِنُه قضاؤه بعدَ صَومِ الكفَّارة.
وفيه شيءٌ؛ لأِنَّ النَّذرَ المتعيِّنَ زمانُه مُتَعيِّنٌ للصَّوم، فهو كرَمَضانَ، فيلزم
(5)
عَدَمُ انْقِطاعِ التَّتابُع به لتعيينِه، أوِ
(6)
انْقِطاعِ التَّتابُع بصَومِ رمَضانَ، ضرورة مساواةِ أحدهما للآخر في
(7)
تعيينِ الزَّمان، بل الأَولَى أنْ يُقالَ: النَّذْرُ آكَدُ من رَمَضانَ؛ لأِنَّ النَّذْرَ السَّابِقَ مُقدَّمٌ، بخِلافِ رمضانَ، فإنَّ التَّكفيرَ سابِقٌ عليه، قاله ابنُ المنَجَّى.
(وَإِنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ يُبِيحُ الْفِطْرَ؛ كَالسَّفَرِ، وَالْمَرَضِ غَيْرِ الْمَخُوفِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ
(8)
، ذَكَرَهُما أبو الخَطَّاب في الثَّانية:
أحدُهما: لا يَنقَطِعُ التَّتابُعُ؛ كالمرض المَخُوفِ.
(1)
قوله: (عن) سقط من (ظ).
(2)
في (م): مستحقًا بتعيين الكفارة.
(3)
في (م): قدمت.
(4)
في (ظ): لا يقطع.
(5)
في (م): فيلزمه.
(6)
في (م): إن.
(7)
قوله: (في) سقط من (م).
(8)
في (ظ): بياض بسبب التصوير في بعض مواطن من المتن هنا وما بعده مقدار لوحتين تقريبًا.
والثَّاني: بَلَى؛ كما لو أفْطَرَ لغَيرِ عُذْرٍ.
وإنْ أفْطَرَ لسفرٍ يُبِيحُ الفِطْرَ، فالأظْهَرُ عن أحمدَ في روايةِ الأثْرَم: أنَّه لا يَنقَطِعُ
(1)
، وقاله الحَسَنُ؛ لأِنَّه أفْطَرَ لِعذْرٍ يُبيحُ الفِطْرَ في رمضانَ؛ كفِطْرِ الحائض.
وقِيلَ: بلى، وقاله
(2)
الأكثرُ؛ لأِنَّ السَّفَرَ حَصَلَ باخْتِياره، فَقَطَعَه، كما لو أفْطَرَ لغَيرِ عُذْرٍ.
وفي «الرَّوضة» : إنْ أفْطَرَ لعُذْرٍ؛ كمَرَضٍ وعِيدٍ؛ بَنَى وكفَّرَ كفَّارةَ يمينٍ، قِيلَ لأِحمدَ: مُظاهِرٌ أفْطَرَ لمرضٍ يُعيدُ؟ قال: أرجو أنَّه في عُذْرٍ
(3)
.
فرعٌ: إذا أكَلَ يَظُنُّ أنَّ الفَجْرَ لم يَطلُعْ، وكان قد طَلَعَ، أوْ أفْطَرَ يَظُنُّ أنَّ الشَّمسَ قد غابَتْ، ولم تَغِبْ؛ أفْطَرَ، وفي انْقِطاعِ التَّتابُعِ وجْهانِ.
(وَإِنْ أَصَابَ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا؛ انْقَطَعَ التَّتَابُعُ)، وقالَهُ الثَّورِيُّ وأبو عُبَيدٍ، والأكثرُ؛ لقوله تعالى:{فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَآسَّا} ، [المجَادلة: 4] أَمَرَ بهما خالِيَيْنِ من التَّمَاسِّ، ولم يُوجَدْ، ولأِنَّ تحريمَ الوطء لا يَختَصُّ بالصيام
(4)
، فاسْتَوَى فيه اللَّيلُ والنَّهارُ؛ كالاعتكاف.
لا يُقالُ: الواطئ
(5)
ما بَقِيَ إلى كفَّارته سَبِيلٌ؛ لأِنَّ الآيةَ دلَّت ألاَّ يُوجَدَ التَّمَاسُّ قَبْلَ الشَّهرَينِ، ولا فيها، فإذا تعذَّر اشْتِراطُ أحدِهما؛ وَجَبَ الآخَرُ؛ لِإِمْكانِه.
(وَعَنْهُ: لَا يَنْقَطِعُ بِفِعْلِهِ نَاسِيًا)؛ أيْ: لا يَنقَطِعُ التَّتابُعُ بفِعْلِه لَيلاً ولا نَهارًا
(1)
ينظر: المغني 8/ 72.
(2)
في (م): وقال.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 396، الفروع 9/ 198.
(4)
في (ظ): الصيام.
(5)
في (م): الوطء.
ناسِيًا، ورجَّحَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه وَطْءٌ لا يُفطِرُ به؛ كوَطْءِ غَيرِها.
وعنه: لا يُفطِرُ، ولا يَنقَطِعُ؛ لأِنَّه فَعَلَ الفِطْرَ ناسيًا.
وإنْ أُبِيحَ له الفِطْرُ لعُذْرٍ، فوطِئَ غَيرَها؛ لم يَنقَطِعْ؛ لأِنَّ الوَطْءَ لا أثَرَ له في قَطْعِ التَّتابُع، وإنْ وَطِئَها كان كوطئها لَيلاً، وهل ينقطع
(1)
التَّتابُع؟ فيه وَجْهانِ.
ودلَّ ذلك على أنَّ وَطْأَهُ في أثْناءِ إطعامٍ
(2)
- كما نَقَلَه ابنُ مَنصُورٍ
(3)
- وعتقٍ، لا يَقطَعُه، ومَنَعَهما في «الانتصار» ، ثُمَّ سلَّم الإطْعامَ؛ لأِنَّه بَدَلٌ، والصَّومُ مُبدَلٌ؛ كوَطْءِ مَنْ لا تطيق
(4)
الصَّومَ في الإطعام.
(وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهَا لَيْلاً؛ لَمْ يَنْقَطِعْ)، بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(5)
؛ لأِنَّ ذلك غَيرُ مُحرَّمٍ عليه، ولا هو مُخِلٌّ باتباع
(6)
الصَّوم؛ كالأكل.
ودلَّ على أنَّه إذا لَمَسَ المظاهَرَ منها، أوْ باشَرَها دُونَ الفَرْجِ على وَجْهٍ يُفطِرُ به؛ قُطِعَ التَّتابُعُ؛ لِإخْلالِه بمُوالاةِ الصِّيام، وفي «الرِّعاية» رِوايَتانِ.
(1)
في (ظ): يقطع.
(2)
في (م): الطعام.
(3)
كذا في الفروع 9/ 199، وتبعه الإنصاف 23/ 340، والذي في مسائل ابن منصور 4/ 1870: أنه يقضي الإطعام، خلافًا لما نقله المصنف، ونص رواية ابن منصور:(قلت: قال: فإن أطعم فجامع؛ يطعم، ليس هذا من نحو هذا، يعني الصوم، قال أحمد: يقضي [وفي نسخة: يقضي الإطعام]).
(4)
في (م): لا يطيق.
(5)
ينظر: المغني 8/ 29.
(6)
في (م): محل بإيقاع.
(فَصْلٌ)
(فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعِ) الصومَ لكبرٍ، أوْ مرضٍ ولو رُجِيَ زوالُه، أوْ يَخافُ زيادتَه أوْ بُطْأَه، قال جماعةٌ: أوْ لِشَبَقٍ؛ (لَزِمَهُ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا)، إجْماعًا
(1)
، وسَنَدُه الآيةُ الكريمةُ والخبرُ.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا يجوزُ الاِنْتِقالُ إليه لأجل السَّفر؛ لأِنَّه لا يُعجِزُه عن الصِّيام، وله نهايةٌ يَنتَهِي إليها، وهو من أفعاله الاِخْتِياريَّة، بخلاف المرض.
(مُسْلِمًا حُرًّا، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، إِذَا أَكَلَ الطَّعَامَ)، وحاصِلُه: أنَّ مَنْ أُعْطِيَ الزَّكاةَ لحاجته جاز إعْطاؤُه مِنْ طعامها، والمساكينُ هم الذين تُدفَعُ إليهم الزَّكاةُ لحاجتهم، ويَدخُلُ فيه الفقراءُ؛ لأنهم وإنْ كانوا صِنْفَينِ فهم صِنْفٌ واحدٌ.
واقْتَصَرَ في «الهَدْي»
(2)
عليهما؛ لظاهِر القرآن.
وشرطه: الإسلامُ، وهو قَولُ الأكْثَرِ؛ لأِنَّه شَرْطٌ في دَفْعِ الزَّكاة إليه، والكفَّارةُ جاريةٌ مَجْراها.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب وغَيرُه في ذِمِّيٍّ تخريجًا
(3)
من عتقه، وخرَّج الخَلاَّلُ دَفْعَها إلى كافرٍ، قال ابنُ عَقِيلٍ: لعلَّه من المؤلَّفة، ولأِنَّه مِسْكِينٌ من أهل دار الإسلام، فأجْزَأَ الدَّفعُ إليهم منها؛ كالمسلم، وقال الثَّوريُّ: يُعطِيهم إذا لم يَجِدْ غَيرَهم.
وجَوابُه: أنَّهم
(4)
كُفَّارٌ، فلم يَجُزْ إعْطاؤهم منها؛ كمساكينِ أهلِ الحرب،
(1)
ينظر: مراتب الإجماع ص 82.
(2)
ينظر: زاد المعاد 5/ 307.
(3)
في (م): يخرج.
(4)
في (م): لأنهم.
والآيةُ مخصوصةٌ بهذا.
والحرِّيَّةُ؛ فلا يَجوزُ دَفْعُها إلى عبدٍ، ولا مُكاتَبٍ، ولا أمِّ ولدٍ؛ لِوجوبِ نَفَقَتِهم على السَّيِّد.
ولا فَرْقَ فيه بَينَ الكبير والصَّغير؛ لأِنَّه مسكينٌ، فجاز إطْعامُه كالكبير
(1)
، وهذا إذا أكَلَ الطَّعامَ، فإنْ لم يأكُلْه؛ لم يُدفَعْ إليه في ظاهِرِ الخِرَقيِّ، وقاله
(2)
القاضي، وهي أشْهَرُ الرِّوايتَينِ، قاله المجْدُ، وهو ظاهِرُ كلامِ المؤلِّف؛ كزكاةٍ في روايةٍ نَقَلَها جماعةٌ
(3)
.
وسَواءٌ كان محجورًا عليه أوْ لا، لكن
(4)
مَنْ لا حَجْرَ عليه يَقبِضُ لنَفْسِه أوْ وكيلِه، والمحجورُ عليه؛ كالصَّغير والمجنونِ يَقبِضُ له وَلِيُّه.
والأخْرى: يُدفَعُ إلى الصَّغير الذي لم يَطعَمْ، ذَكَرَها أبو الخَطَّاب المذهبَ، وقالَهُ أكْثَرُ الفقهاء؛ لأِنَّه مُسْلِمٌ حرٌّ
(5)
مُحْتاجٌ، أشْبَهَ الكبيرَ.
(وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إِلَى مُكَاتَبٍ)؛ لأِنَّه عبدٌ.
واختار الشَّريفُ: جوازَ دَفْعِها إليه، واختاره
(6)
في «المحرَّر» وغيره.
وقال أبو الخَطَّاب: يَتخرَّجُ دَفْعُها إليه، بِناءً على جواز إعتاقِه؛ لأِنَّه يأخُذُ من الزَّكاة لِحاجَتِه، أشْبَهَ المسكين
(7)
.
وجوابُه: بأنَّه لَيسَ في معنى المسكين؛ لأِنَّ حاجتَه مِنْ غيرِ جنسِ
(1)
في (م): وكالكبير.
(2)
في (م): وقال.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 199.
(4)
في (م): وإن.
(5)
قوله: (حر) سقط من (م).
(6)
في (ظ): اختاره.
(7)
في (ظ): المسلمين.
حاجتهم، والكفَّارةُ إنَّما هي للمساكين للآية، ولأِنَّ المسكينَ يُدفَعُ إليه ليقيمَ
(1)
كِفايَتِه، والمكاتَبُ إنَّما يأخُذُ لِفَكاكِ رَقَبَتِه، وكفايتُه من
(2)
كَسْبِه.
(وَلَا إِلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ)؛ لأِنَّ الزَّكاة لا تُدفَع إليهم، فكذا الكفَّارةُ.
وفي دَفْعِها إلى الزَّوج وجْهانِ؛ بناءً على دَفْعِ الزَّكاة إليه.
(وَإِنْ دَفَعَهَا إِلَى مَنْ يَظُنُّهُ مِسْكِينًا)؛ أي: ظاهِرُه الفَقرُ، (فَبَانَ غَنِيًّا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «الشَّرح»: وجْهانِ؛ بِناءً على الرِّوايتَينِ في الزَّكاة، وظاهِرُه: أنَّه إذا بان كافِرًا، أوْ عبدًا؛ أنَّه لا يُجزِئُه وَجْهًا واحدًا.
(وَإِنْ رَدَّدَهَا عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ سِتِّينَ يَوْمًا؛ لَمْ يُجْزِئْهُ)؛ لأِنَّ اللهَ تعالى أوْجَبَ إطعامَ ستِّينَ مِسْكينًا، ولم يُطعِمْ إلاَّ مسكينًا واحِدًا، (إِلاَّ أَنْ لَا يَجِدَ غَيْرَهُ، فَيُجْزِئُهُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّ من
(3)
عدم الوِجْدان لغيره معذورٌ.
(وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ) مُطلَقًا، اختاره في «الانتصار» ؛ لظاهِرِ الآية، وقال لمَن احتجَّ لعدمٍ
(4)
بزكاةٍ ووصيَّةٍ للفقراء، وخمس
(5)
الخُمُس؛ بأنَّ فيه نَظَرًا، وصحَّحها أيضًا في «عيون المسائل» ، وقال: اختارها أبو بكرٍ، واحتجَّ ابنُ شِهابٍ: بأنَّه مال أُضِيفَ إلى عددٍ محصورٍ
(6)
، فلم يَجُزْ صَرْفُه إلى واحدٍ؛ كما لو قال: للهِ عليَّ أنْ أُطْعِمَ ستِّينَ مسكينًا، أوْ وصَّى لهم.
(1)
في (ظ): ليتم.
(2)
قوله: (وكفايته من) في (م): في.
(3)
في (ظ): مع.
(4)
في (م): لمعدوم.
(5)
في (م): أو الخمس.
(6)
في (م): مخصوص.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ وَإِنْ
(1)
وُجِدَ غَيْرُهُ)، اختارها
(2)
ابن بطَّةَ وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأِنَّ هذا المسكينَ لم يَسْتَوفِ قوتَ
(3)
يومِه من هذه الكفَّارة، فجاز أنْ يُعْطَى منها؛ كاليوم الأوَّل.
(وَإِنْ دَفَعَ إِلَى مِسْكِينٍ فِي يَوْمٍ وَاحَدٍ مِنْ كَفَّارَتَيْنِ؛ أَجْزَأَهُ) على المذهب؛ لأِنَّه دَفَعَ القدرَ الواجبَ إلى العدد الواجب، فأجزأه
(4)
، كما لو دَفَعَ ذلك إليه في يَومَينِ.
(وَعَنْهُ: لَا يُجْزِئُهُ)؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى قوتَ يوم
(5)
من كفَّارةٍ، فلم يَجُزْ أنْ يُدفَعَ إليه ثانيًا؛ كما لو دَفَعَها إليه
(6)
من كفَّارةٍ واحدةٍ.
فعلى هذا: يُجزِئُه عن إحدى
(7)
الكفَّارتَينِ، ويَرجِعُ في الأخرى إنْ كان أعْلَمَه أنَّها كفَّارةٌ، وإلاَّ فلا.
ويتخرَّجُ: ألاَّ يَرجِعَ بشيءٍ؛ كالزَّكاة.
والأوَّلُ أقْيَسُ وأصحُّ، فإنَّ اعْتِبارَ عدَّةِ المساكين أَوْلَى من اعتبار عدد الأيَّام.
فإن
(8)
دفع إلى السِّتِّينَ من كفَّارتَينِ؛ فرِوايَتانِ.
(وَالْمُخْرَجُ فِي الْكَفَّارَةِ: مَا يُجْزِئُ فِي الْفِطْرَةِ)، وهو التَّمرُ والزَّبيبُ والبُرُّ والشَّعير ونحوُها، وإخراجُ الحبِّ أفضلُ؛ للخروجِ من الخِلاف، وهي حالةُ
(1)
في (م): إن.
(2)
في (م): اختاره.
(3)
في (م): فوق.
(4)
في (ظ): فأجزأ.
(5)
قوله: (يوم) سقط من (م).
(6)
قوله: (ثانيًا كما لو دفعها إليه) سقط من (م).
(7)
في (م): على أحد.
(8)
في (م): وإن.
كمالِه
(1)
؛ لأِنَّه يُدَّخَرُ ويُتهيَّأ لمنافعه كلِّها، بخلافِ غيره.
ونَقَلَ ابنُ هانئ
(2)
: التَّمرُ والدَّقيق أحبُّ إليَّ ممَّا سواهما.
وفي «التَّرغيب» : التَّمرُ أعْجَبُ إلى أحمدَ.
فإنْ أخْرَجَ دقيقًا جاز؛ لأِنَّه أجزاء الحبِّ
(3)
، وقد كفَاهم مُؤنتَه، وهيَّأه لهم، بخلاف الهريسة؛ فإنَّها تَفسُدُ عن قُرْبٍ، وفي السَّوِيق الخلافُ السَّابقُ.
(وَفِي الْخُبْزِ رِوَايَتَانِ)، المنصوصُ: الإجزاءُ
(4)
، اخْتارَه الخِرَقيُّ؛ لقوله تعالى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المَائدة: 89]، والمُطْعِمُ للخبز من أوْسَطِ ما يُطعِم أهلَه، ولأِنَّه مُهيَّأٌ للأكل.
والثَّانية: لا، وهو ظاهر «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّه خَرَجَ عن حال الكمال والادِّخار، أشْبَهَ الهَرِيسَةَ.
قال القاضي وأصحابُه: الأَوْلى الجَوازُ، وفي «المغني»: هو أحسَنُ، وهذا من أوْسَط ما يُطعِمُ أهْلَه، ولَيسَ الاِدِّخارُ مقصودًا في الكفَّارة، فإنَّها مُقدَّرةٌ بما يَقُوتُ المسكينَ في يومه، وهذا مُهيَّأ للأكل المعتاد للاقْتِيات به، وأمَّا الهَريسةُ فإنَّها خَرَجَتْ عن
(5)
الاقتياتِ المعتادِ إلى حَيِّز
(6)
الإدام.
(فَإِنْ كَانَ قُوتُ بَلَدِهِ غَيْرَ ذَلِكَ)؛ كالذُّرَةِ، والأَرُزِّ؛ (أَجْزَأَهُ مِنْهُ)، في قَولِ أبي الخَطَّاب، والمؤلِّفِ وغيرِهما؛ (لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى:{مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المَائدة: 89]) وهذا مِمَّا يُطعِمُه أهلَه، فَوَجَبَ أنْ يُجزِئَه بظاهر النَّصِّ.
(1)
في (م): كمال.
(2)
زيد في (م): في. وينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 74.
(3)
في (م): لحب.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 189.
(5)
في (م): من.
(6)
في (م): حين.
فإنْ أخْرَجَ عن قُوتِ بلده أجْوَدَ منه؛ فقد زاده
(1)
خَيرًا.
واعْتَبَرَ في «الواضح» : غالِبَ قُوتِ بلدِه.
وأوْجَبَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وَسَطَه قَدْرًا ونَوعًا مُطلَقًا، بلا تقديرٍ
(2)
.
(وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ)، سَواءٌ كان قُوتَ بلده، أوْ لم يكُنْ؛ لأِنَّ الخَبَرَ وَرَدَ بإخراج هذه الأصنافِ في الفطرة، فلم يَجُزْ غَيرُه؛ كما لو لم يكُنْ قوتَ بلده.
والأول
(3)
أجْوَدُ.
(وَلَا يُجْزِئُ مِنَ الْبُرِّ) أوْ دقيقِه (أَقَلُّ مِنْ مُدٍّ)، وقاله زَيدٌ
(4)
، وابنُ عبَّاسٍ
(5)
، وابنُ عمرَ
(6)
؛ لِمَا رَوَى أحمدُ، حدَّثنا إسماعيلُ، وحدَّثنا أيُّوبُ عن ابنِ يزيدَ المدني
(7)
، قال: جاءتِ امرأةٌ من بَنِي بَياضَةَ بنصفِ وَسْقٍ شَعِيرٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم للمُظاهِرِ: «أطْعِمْ هذا، فإنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكانَ مُدِّ
(1)
في (م): زاد.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 352، الفروع 9/ 201.
(3)
في (م): والولد.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (12206)، والدارقطني (4336)، والبيهقي في الكبرى (19972)، من طريق أبي سلمة، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال:«مد من حنطة لكل مسكين» ، وإسناده صحيح.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (16072)، وابن أبي شيبة (12205)، والدارقطني (4335) والبيهقي في الكبرى (19974)، من طريق داود بن أبي هند، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في كفارة اليمين:«لكل مسكين مد من حنطة ريعه إدامه» ، وإسناده صحيح.
(6)
أخرجه مالك (2/ 479)، وعبد الرزاق (16073)، وابن أبي شيبة (12207)، والبيهقي في الكبرى (19973)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يكفر عن يمينه بإطعام عشرة مساكين، لكل مسكين مد من حنطة» ، وأخرجه الدارقطني (4334)، بلفظ:«كفارة اليمين مد حنطة لكل مسكين» ، وإسناده صحيح.
(7)
في (م): المري.
بُرٍّ»
(1)
، وعلى هذا يُحمَلُ ما رُوِيَ عن أبي سَلَمَةَ عن سَلَمَةَ بنِ صَخْرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعْطاهُ مِكْتَلاً فيه خمسةَ عَشَرَ صاعًا، فقال:«أطْعِمْ ستِّينَ مِسْكينًا، وذلك لِكُلِّ مسكينٍ مُدٌّ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وهو للتِّرْمذِيِّ بمَعْناهُ
(2)
.
(وَلَا مِنْ غَيْرِهِ أَقَلُّ مِنْ مُدَّيْنِ)؛ لقوله عليه السلام: «فإنَّ مُدَّيْ شَعِيرٍ مَكَانَ مُدِّ بُرٍّ» ، وهو مَرسَلٌ جيِّدٌ، ولأِبي داودَ عن أبي سَلَمةَ بن عبد الرَّحمن قال: (يَعْنِي بالعَرَقِ
(3)
: زِنْبِيلاً يأخُذ خمسةَ عَشَرَ صاعًا)
(4)
،
(1)
لم نقف عليه في كتب أحمد المطبوعة، وذكره في المغني (8/ 31)، وأخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في بغية الباحث (505)، من طريق أيوب، عن أبي يزيد المدني به، وعلقه البيهقي في الكبرى (7/ 644)، وضعفه الألباني بالإرسال؛ لأن أبا يزيد تابعي. ينظر: الإرواء 7/ 181، التكميل لصالح آل الشيخ ص 147.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (6330)، والدارقطني (3854)، والبيهقي في المعرفة (14992)، من طريق شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن سلمان بن صخر باللفظ الذي ذكره المصنف، لكن طريق الدارقطني ليس فيه ذكر أبي سلمة، وإسناده رجاله ثقات، وأخرجه التِّرمذي (1200)، من طريق أبي سلمة ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، أن سلمان بن صخر، فذكره، وليس فيه:«وذلك لكل مسكينًا مد» ، وحسنه التِّرمذي، وقال:(يقال: سلمان بن صخر، ويقال: سلمة بن صخر البياضي)، وقد سبق تخريجه موسعًا 8/ 424 حاشية (2).
(3)
في (م): الفرق.
(4)
هذه الرواية في حديث خويلة بنت مالك بن ثعلبة رضي الله عنها، وقد سبق تخريجه 8/ 410 حاشية (1)، وأخرج أبو داود (2216)، والتِّرمذي (1200)، هذه الرواية من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، وفيه: قال: يعني بالعرق: زنبيلاً يأخذ خمسة عشر صاعًا، وعند التِّرمذي:«أعطه ذلك العرق وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعًا، أو ستة عشر صاعًا إطعام ستين مسكينًا» ، وحسنه التِّرمذي وقد سبق قريبًا، وأخرج أبو داود قبله (2215)، من طريق محمد بن سلمة، عن ابن إسحاق، بهذا الإسناد نحوه إلا أنه قال:«والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعًا» ، قال أبو داود:(وهذا أصح من حديث يحيى بن آدم)، ورواية يحيى بن آدم التي ضعفها أبو داود، أخرجها برقم (2214)، وفيها:«والعرق ستون صاعًا» ، وهذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة، قال ابن القطان:(مجهول الحال)، وقال الذهبي:(لا يعرف)، ووثقه ابن حبان. ينظر: تهذيب التهذيب 10/ 246، نيل الأوطار 6/ 312.
وإذَن العرقان
(1)
ثلاثون صاعًا، فيكون لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ، ولأِبي داودَ في روايةٍ: «العَرَق
(2)
مِكْتَلٌ يَسَعُ ثلاثينَ صاعًا»، وقال: هذا أصحُّ
(3)
.
وعنه: مدٌّ من كلِّ واحدٍ؛ لحديثِ عَطاءٍ عن
(4)
أوسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أعطاهُ خمسةَ عَشَرَ صاعًا من شَعيرٍ إطْعامُ ستِّينَ مسكينًا» رواه أبو داودَ، وقال: عَطاءٌ لم يُدرِكْ أَوْسًا
(5)
، وروى
(6)
الأثرمُ عن أبي هريرةَ في حديثِ المُجامِعِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أتى بعَرَق
(7)
فيه خمسةَ عَشَرَ صاعًا، فقال:«خُذْهُ وتصدَّقْ به»
(8)
، ولأِنَّه إطْعامٌ واجِبٌ، فلم يَختَلِفْ باخْتِلافِ أنْواعِ المخرَج؛ كالفِطْرة.
وجَوابُه: بأنَّه يَحتَمِلُ أنَّه لم يَجِدْ سِواهُ، ولذلك لَمَّا أخْبَرَه بحاجته إليه أمَرَه بأكْلِه، وفي المتَّفَق عليه قريبٌ من نحو
(9)
عشرينَ صاعًا، ولَيسَ ذلك مذهَبًا لأِحَدٍ.
(1)
في (م): الفرقان.
(2)
في (م): الفرق.
(3)
سبق 8/ 467 حاشية (5).
(4)
في (م): ابن.
(5)
أخرجه أبو داود (2218)، والبيهقي في الكبرى (15286)، وأعله أبو داود بالانقطاع فقال:(وعطاء لم يدرك أوسًا، وهو من أهل بدر، قديم الموت، والحديث مرسل، وإنما رووه عن الأوزاعي، عن عطاء، أن أوسًا)، وكذا ضعفه الإشبيلي والألباني، لكن قوّاه برواية أبي سلمة بن عبد الرحمن، وفيها:«خمسة عشر صاعًا» وقد سبق ذكرها، ويقويه أيضًا ما في حديث المجامع في نهار رمضان:«بعرق فيه تمر خمسة عشر صاعًا» ، وهذا اللفظ عند أحمد (6944)، وأخرجه أبو داود (2393)، وابن حبان (3526)، والدارقطني (2303)، وصححه ابن حبان والدارقطني، وهو في الصحيحين لكن ليس فيه تعيين المقدار، بل فيه ذكر العرق والمكتل. ينظر: السنن الكبرى للبيهقي 7/ 644، الأحكام الوسطى 3/ 205، الفتح 4/ 169، صحيح أبي داود 6/ 421.
(6)
في (م): روى.
(7)
في (م): بفرق.
(8)
سبق تخريجه في الذي قبله.
(9)
قوله: (نحو) سقط من (م).
(وَلَا مِنَ الْخُبْزِ) - إذا قُلْنا بإجزائه - (أَقَلُّ مِنْ رَطْلَيْنِ بِالْعِرَاقِيِّ)؛ أي: مع عدم العلم بأنَّه مُدٌّ؛ لأِنَّ الغالَبَ أنَّ ذلك لا يبلُغُ مُدًّا؛ لأِنَّه ثلاثةُ أسْباعِ الدِّمَشْقِيِّ، وهو به خمسُ أواقٍ وسُبُعُ أُوقِيَّةٍ، فإنْ كان من الشَّعير؛ فلا يُجزِئُ إلاَّ ضِعْفٌ، (إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ مُدٌّ) من الحِنطة؛ فيُجزِئُ؛ لأِنَّه الواجِبُ.
وظاهِرُ ما سَبَقَ: أنَّه لا يَجِبُ الأُدْمُ، بل هو مُستَحَبٌّ، نَصَّ عليه
(1)
.
وعنه: بلى، وذَكَر قولَ ابنِ عبَّاسٍ:«بأُدْمِه»
(2)
.
وذَكَرَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين روايةً، وأنَّه
(3)
لا يَجِبُ التَّمليكُ في قياس المذهب؛ كزَوْجةٍ، وأنَّ
(4)
الأُدْمَ يَجِبُ إذا كان يُطعِمُه أهْلَه
(5)
.
(وَإِنْ أَخْرَجَ الْقِيمَةَ)؛ لم يُجزِئْه، نَقَلَها الميمونيُّ والأثرمُ
(6)
، وهو قَولُ الأكثر، منهم عمرُ
(7)
، وابنُ عبَّاسٍ
(8)
؛ لأِنَّ الواجِبَ هو الإطعامُ، وإعطاءُ
(9)
القيمة ليس بإطْعامٍ، فهو باقٍ في عُهْدةِ الواجب.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 199.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (16072)، وابن أبي شيبة (12205)، والدارقطني (4335)، والبيهقي في الكبرى (19974)، عن ابن عباس، قال في كفارة اليمين:«مدٌّ من حنطة لكل مسكين، رُبعه إدامه» ، إسناده صحيح.
(3)
في (م): ولأنه.
(4)
في (م): أن.
(5)
ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 88، الاختيارات ص 396.
(6)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 192.
(7)
لعل مراده ما أخرجه عبد الرزاق (16075)، وابن أبي شيبة (12194)، والبيهقي في الكبرى (19978)، من طريق شقيق، عن يسار بن نمير، قال: قال لي عمر رضي الله عنه: «إني أحلف أنْ لا أعطي رجالاً، ثم يبدو لي، فأعطيهم، فإذا رأيتني فعلت ذلك، فأطعم عني عشرة مساكين، كل مسكين صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو نصف صاع من قمح» ، وإسناده صحيح.
(8)
لعل مراده ما سبق تخريجه في حاشية (2) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(9)
في (م): وإعطاؤه.
(أَوْ غَدَّى الْمَسَاكِينَ، أَوْ عَشَّاهُمْ؛ لَمْ يُجْزِئْهُ) مُطْلَقًا في ظاهر المذهب؛ لأِنَّ المنقولَ عن الصَّحابة إعْطاؤهم، ولحديث كعبٍ في فِدْيةِ الأذى
(1)
، ولأِنَّه مالٌ وَجَبَ للفقراء شرعًا، أشْبَهَ الزَّكاةَ.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ
(2)
، أمَّا أوَّلاً؛ فلأِنَّ المقصودَ دَفْعُ حاجَةِ المساكين، وهو يَحصُلُ بدَفْع القيمة، وأمَّا ثانيًا؛ فالإجْزاءُ مَشْروطٌ بإذا
(3)
أطْعَمَهم القَدْرَ الواجِبَ لهم.
ولم يَقُل الشَّيخُ تقيُّ الدِّين بالواجب
(4)
، وهو ظاهِرُ نقْلِ أبي داودَ وغَيرِه، فإنَّه قال: أشْبِعْهم، قال: ما أُطْعِمُهم؛ قال: خُبْزًا ولَحْمًا إنْ قَدَرْتَ، أوْ مِنْ أوْسَطِ طعامِكم
(5)
، وأَطْعَمَ أنسٌ في فِدْيةِ الصيام
(6)
، قال أحمدُ: أطْعَمَ شيئًا كثيرًا
(7)
.
فعلى المذهب: لو قدَّمَ إليهم مُدًّا، وقال
(8)
: هذا بَينَكم فقَبِلوه، فإنْ قال
(1)
أخرجه البخاري (1816)، ومسلم (1201)، من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(2)
في (م): يجزئ.
(3)
في (م): فإذا.
(4)
ينظر: الفروع 9/ 200.
(5)
ينظر: مسائل أبي داود ص 135.
(6)
في (م): الطعام.
أثر أنس رضي الله عنه: علقه البخاري بصيغة الجزم (6/ 25)، ووصله ابن أبي شيبة (12217)، عن ابن سيرين:«أن أنسًا رضي الله عنه مرض قبل أن يموت، فلم يستطع أن يصوم، فكان يجمع ثلاثين مسكينًا، فيطعمهم خبزًا ولحمًا أكلة واحدة» . وأخرج عبد بن حميد كما في فتح الباري (8/ 180)، عن النضر بن أنس، عن أنس رضي الله عنه:«أنه أفطر في رمضان وكان قد كبر فأطعم مسكينا كل يوم» ، وأخرجه أبو المعالي الفراوي كما في جزئه السباعيات (ص 114)، وذكره في الفتح أيضًا، عن حميد عن أنس نحوه.
(7)
ينظر: المغني 8/ 32.
(8)
في (م): فقال.
بالسَّوية
(1)
؛ أجْزَأَ، وإلاَّ فَوَجْهانِ.
وقال القاضِي: إنْ عَلِمَ أنَّه وَصَلَ إلى كلِّ واحد
(2)
قَدْرُ حقِّه؛ أجْزَأَ، وإلاَّ فلا.
(1)
في (م): بالتسوية.
(2)
قوله: (واحد) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَلَا يُجْزِئُ الْإِخْرَاجُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ)، لَا بنية التَّقرُّب؛ لأِنَّه حقٌّ على سَبِيلِ الطُّهْرة، فافْتَقَرَ إلى النِّيَّة؛ كالزَّكاة.
(وَكَذَلِكَ الْإِعْتَاقُ وَالصِّيَامُ)؛ لحديثِ «الْأَعْمالُ بالنِّيَّاتِ»
(1)
، ولقوله
(2)
: «لَا عَمَلَ إلاَّ بِنِيَّةٍ»
(3)
؛ لأِنَّ العِتْقَ يَقَعُ مُتبَرَّعًا به، وعن كفَّارةٍ أخرى، أوْ عن نَذْرٍ
(4)
، فلم يَنصرِفْ إلى هذه الكفَّارة إلاَّ بنيَّةٍ.
وصِفَتُها: أنْ يَنوِيَ العِتْقَ، أو الصِّيامَ، أو الإطعامَ عن الكفَّارة، فإنْ زاد:(الواجِبَة)؛ فتأكيدٌ، وإنْ نَوَى وجوبَها، ولم يَنْوِ الكفَّارةَ؛ لم يُجزِئْه؛ لأِنَّ الوجوبَ يَتَنوَّعُ، فَوَجَبَ تمييزُه.
وموضعُها
(5)
مع التَّكفير، أوْ قَبْلَه بيسيرٍ.
فإنْ كانت الكفَّارةُ صيامًا؛ اشْتُرِطَ نيةُ
(6)
الصِّيام عن الكفَّارة في كلِّ ليلةٍ؛ للخَبَرِ
(7)
.
(فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لم يَلزَمْه تعيينُ سببِها، سَواءٌ عَلِمَها أوْ
(1)
أخرجه البخاري (1)، ومسلم (1907).
(2)
في (م): ولقول.
(3)
أخرج هذه الرواية البيهقي في الكبرى (179)، من حديث أنس رضي الله عنه، قال ابن حجر:(وفي سنده جهالة)، وجاء موقوفًا على عمر رضي الله عنه، بسند منقطع، ذكره ابن رجب. ينظر: جامع العلوم والحكم ص 68، التلخيص الحبير 1/ 400.
(4)
في (م): أو نذر.
(5)
في (م): في موضعها.
(6)
في (م): فيه.
(7)
وهو حديث حفصة رضي الله عنها: «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» ، وسبق تخريجه 3/ 514 حاشية (3).
جَهِلَها، فإنْ عيَّنَه فغَلطَ؛ أجْزَأَهُ عمَّا يَتداخَلُ، وهي الكفَّاراتُ من جِنْسٍ، (فَنَوَى عَنْ كَفَارَتَيْنِ
(1)
؛ أَجْزَأَهُ)؛ لأِنَّ النِّيَّةَ تعيَّنتْ لها، ولأِنَّه نَوَى عن كفَّارته، ولا مُزاحِمَ لها؛ فَوَجَبَ تعليقُ النِّيَّة بها.
(وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ)؛ كما لو ظاهَرَ من نِسائِه الأَرْبَعِ؛ (فَنَوَى إِحْدَاهَا
(2)
؛ أَجْزَأَهُ عَنْ وَاحِدَةٍ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا
(3)
، فإذا أعْتَقَ عبدًا عن ظِهارِه؛ أجْزَأَه عن إحداهنَّ، وحلَّت له واحدةٌ غَيرُ مُعيَّنةٍ؛ لأِنَّه واجِبٌ من جِنْسٍ واحدٍ، فأجْزَأَتْه نيَّةٌ مُطلَقةٌ، كما لو كان عليه صَومُ يَومَينِ من رمَضانَ.
وقياسُ المذْهَبِ: أنَّه يُقرِعُ بَينَهنَّ، فيُخرِجُ المحلَّلةَ منهنَّ بالقُرْعة، وقاله أبو ثَورٍ.
وقال بعضُ العلماء: له أنْ يَصرِفَها إلى أيَّتِهنَّ شاء فتَحِلُّ.
فعلى الأوَّل
(4)
: لو كان الظِّهارُ من ثلاثٍ نسوةٍ، فأعْتَقَ، ثمَّ صام، ثُمَّ أطْعَمَ؛ حلَّ الجميعُ من
(5)
غير قُرْعةٍ؛ لأِنَّ التَّكفيرَ حصل عن الثَّلاث؛ أشْبَهَ ما لو أعتق ثلاثةَ أعْبُدٍ عن الجميع دَفْعةً واحدةً.
(وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ)؛ كظِهارٍ، وقَتْلٍ، ويمينٍ، فأعتق رقبةً عن أحدها
(6)
، ولم يُعيِّنْه؛ (فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ)، وصحَّحه في «المحرَّر» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّها عبادةٌ واجبةٌ، فلم تفتقر
(7)
(1)
في (ظ): كفارتي.
(2)
قوله: (فنوى إحداها) هو في (ظ): فنواها.
(3)
ينظر: المغني 8/ 44.
(4)
في (م): القول.
(5)
في (م): في.
(6)
في (م): أحدهما.
(7)
في (م): فلم يفتقر.
صحَّةُ أدائها إلى تعيينِ سببها
(1)
؛ كما لو كانَتْ من جِنْسٍ، قال ابنُ شِهابٍ: بِناءً على أنَّ الكفَّاراتِ كلَّها من جنسٍ، ولأِنَّ آحادها
(2)
لا يَفتَقِرُ إلى تعيينِ النِّيَّة، بخِلافِ الصلوات
(3)
.
(وَعِنْدَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ سَبَبَهَا)، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وحُكِيَ عن أحمدَ
(4)
؛ لأنَّهما
(5)
عِبادَتانِ من جِنْسَينِ؛ كما لو وَجَبَ عليه صَومٌ من قضاءٍ ونَذْرٍ، وكتيمُّمه لأجناس
(6)
، وكوجهٍ في دم
(7)
نُسُكٍ ودمٍ محظورٍ، وكعتقِ نذرٍ وعتقِ كفَّارةٍ في الأصحِّ، قاله في «التَّرغيب» .
(فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ نَسِيَ سَبَبَهَا؛ أَجْزَأَهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ)، قاله أبو بكرٍ؛ لأِنَّ تعيينَ السَّببِ لَيسَ شرطًا، فإذا أخرج كفَّارةً؛ وقَعَتْ عن كفَّارته، فيخرج
(8)
عن العُهْدة.
(وَعَلَى الثَّانِي) - لا بدَّ من تعيينِ السَّبب -: (تَجِبُ
(9)
عَلَيْهِ كَفَّارَاتٌ بِعَدَدِ الْأَسْبَابِ)؛ كما لو نَسِيَ صلاةً من خَمْسٍ، وكما لو عَلِمَ أنَّ عليه يَومًا لا يَعلَمُ هل هو قضاءٌ، أوْ نذرٌ؛ فإنَّه يَلزَمُه صَومُ يَومَينِ، فإنْ كان عليه صيامُ ثلاثةِ أيَّامٍ لا يَدْرِي أهي مِنْ كفارةٍ
(10)
، أوْ نَذْرٍ، أوْ قَضاءٍ؛ لَزِمَه صَومُ تسعةِ أيَّامٍ، كلُّ
(1)
قوله: (سببها) سقط من (م).
(2)
في (م): سببها.
(3)
في (م): الصلاة.
(4)
قال في المغني 8/ 44: (وحكاه أصحاب الشافعي عن أحمد).
(5)
في (م): لأنها.
(6)
في (م): كقيمة الأجناس.
(7)
في (م): عدم.
(8)
في (ظ): فتخرج.
(9)
في (م): يجب.
(10)
في (م): كفارات.
ثلاثةٍ عن واحدةٍ من الجهات.
واخْتارَ في «الانتصار» : إن اتَّحد السَّببُ فنوعٌ، وإلاَّ فجنسٌ.
قال في «الفروع» : ولو كفَّرَ مرتدٌّ بغَيرِ الصَّوم؛ فنَصُّه: لا يَصِحُّ
(1)
، وقال القاضي: المذهَبُ صحَّتُه.
مسألةٌ: إذا كان عليه
(2)
كفَّارتانِ، فأعْتَقَ عنهما عَبدَينِ؛ فله أقْسامٌ:
(1)
أن يقول: أعتقت هذا عن هذه الكفارة، وهذا عن الأخرى؛ فيجزئه إجماعًا
(3)
.
(2)
أن يقولَ: أعتقتُ هذا عن إحداهما، وهذا عن الأخرى، من غير تعيينٍ؛ فإن
(4)
كانا من جنس
(5)
؛ جاز، وإنْ كانا من جنسَينِ؛ خُرِّج على
(6)
الخلاف في اشْتِراطِ السَّبب.
(3)
أنْ يقولَ: أعْتَقْتُهما عن الكفَّارتَينِ؛ أجزآه إنْ كانا من جنسٍ، وإلاَّ فالخِلافُ.
(4)
أنْ يُعتِقَ كلَّ واحدٍ منهما جميعًا
(7)
، فيكون مُعتِقًا عن كلِّ واحدةٍ من الكفَّارتَينِ نصفَ العَبدَينِ، وفيه الخلافُ السَّابقُ.
وذَكَرَ القاضي وجهًا ثالثًا: إنْ كان باقِيهما حرًّا
(8)
جاز؛ لأِنَّه حَصَل تكميلُ الأحكام والتَّصرُّف.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 202.
(2)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(3)
ينظر: المغني 8/ 45.
(4)
في (م): فإذا.
(5)
زيد في (م): وإلا.
(6)
في (م): عن.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 45، والشرح الكبير 23/ 366: عنهما جميعًا.
(8)
في (م): جزء.
فرعٌ: لا يَجوزُ تقديم
(1)
الكفَّارة على سببها؛ كتقديم
(2)
الزَّكاة على الملْكِ، وإنْ كفَّر بعدَ السَّبب، وقَبْلَ الشَّرط؛ جاز، فلو كفَّر عن الظِّهار بعدَه، وقبلَ العَود؛ جاز؛ لأِنَّه حقٌّ مالي
(3)
؛ فجاز تقديمُه قبلَ شَرْطه؛ كالزَّكاة.
فلو قال لعبده: إنْ تظهَّرتُ فأنتَ حرٌّ عن ظِهاري، ثُمَّ قال لاِمْرأته: أنتِ عليَّ كظَهْرِ أمِّي؛ عَتَقَ؛ لوجود الشَّرط.
وهل يُجزِئُه عن الكفَّارة؟ فيه وجْهانِ.
(1)
في (م): تقدم.
(2)
في (م): كتقدم.
(3)
في (م): مال.
(كِتَابُ اللِّعَانِ)
هو مَصدَرُ لَاعَنَ لِعانًا، إذا فَعَلَ ما ذُكِرَ، أوْ لَعَنَ كلُّ واحدٍ منهما الآخَرُ، وهو مشتقٌّ من اللَّعْن؛ لأِنَّ كلَّ واحدٍ منهما يَلعَنُ نفسَه في الخامسة.
وقال القاضي: سُمِّيَ به؛ لأِنَّ أحدَ الزَّوجَينِ لا يَنفَكُّ عن أنْ يكونَ كاذِبًا، فتَحصُلُ اللَّعنةُ عليه، وهي الطَّرْدُ والإبعاد، يقال: لَعَنَه اللهُ؛ أيْ: باعَدَه، والْتَعَنَ الرَّجلُ: إذا لَعَنَ نفسَه مِنْ قِبَلِ نَفْسِه.
واللِّعانُ لا يكونُ إلاَّ من اثنَينِ، يُقالُ: لاعَنَ امرأتَه لِعانًا، ومُلاعَنَةً، وتَلاعَنَا بمَعْنًى، ولَاعَنَ الإمامُ بَينَهما، ورَجُلٌ لُعَنَة، بوَزْنِ هُمَزَةٍ: إذا كان يَلعَنُ النَّاسَ كثيرًا، ولُعْنةً، بسكون العَين: إذا كان يَلعَنُه النَّاسُ.
وشَرْعًا: شهادات
(1)
مؤكَّدات بأيمان
(2)
من الجانِبَينِ، مقرونةٌ باللَّعن والغضب، قائمةٌ مَقامَ حدِّ قَذْفٍ
(3)
في جانبه، وحدِّ زِنًى في جانِبها.
والأصلُ فيه: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
…
(6)} الآياتِ [النُّور: 6]، نَزَلَتْ سنة
(4)
تِسْعٍ، مُنصَرَفُه عليه السلام مِنْ تَبوكَ، في عُوَيمرٍ العجلاني أوْ هلال بن أميَّةَ
(5)
، ويَحتَمِلُ أنَّها نَزَلَتْ فيهما، ولم يَقَعْ بعدَها بالمدينة إلاَّ في
(1)
في (م): بشهادات.
(2)
في (ظ): أيمان.
(3)
كتب على هامش (ظ): (لأن الله تعالى سماه شهادات).
(4)
قوله: (سنة) سقط من (م).
(5)
أخرجه الدارقطني (3709)، من حديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما، وفي سنده: الواقدي وهو متروك، وذكر جمع من الأئمة أن اللعان كان في شعبان سنة تسع، منهم: الطبري وابن حبان وغير واحد من المتأخرين، ورجح ابن حجر من خلال مجموع من الأدلة أنها في شعبان سنة عشر لا تسع، ومن أظهرها أن سهل بن سعد رضي الله عنه شهد الواقعة، وفي البخاري (6854)، قال:«شهدتُ المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة سنة» ، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره خمس عشرة سنة، قال ابن حجر: (فهذا يدل على أن قصة اللعان كانت في السنة الأخيرة من زمان النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: شرح النووي على مسلم 10/ 120، تفسير القرطبي 12/ 184، التوضيح لابن الملقن 16/ 633، الفتح 9/ 447.
زمَنِ عمرَ بنِ عبدِ العزيز، والسُّنَّةُ شهيرةٌ بذلك.
ولأِنَّ الزَّوجَ يُبْتَلَى بقذفِ امرأته لنَفْيِ العار والنَّسب الفاسدِ، ويَتعذَّر عليه إقامةُ البيِّنة، فجُعِلَ اللِّعانُ بيِّنةً له، ولهذا لَمَّا نَزَلَتْ آيةُ اللِّعان قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«أبْشِرْ يا هلالُ؛ فقد جَعَلَ اللهُ لك فَرَجًا ومَخرَجًا»
(1)
.
(وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ) العاقِلُ (امْرَأَتَهُ بِالزِّنَى)، ولو
(2)
في طُهْرٍ وَطِئَ فيه، في قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ، فكذَّبَتْه؛ لَزِمَه ما يَلزَمُ بقَذْفِ أجنبيَّةٍ من
(3)
إيجابِ الحدِّ عليه
(4)
، وحُكِم بفسقه وردِّ شهادته، إلاَّ أنْ يأتيَ ببيِّنةٍ أوْ يلاعِن
(5)
، ولهذا أعْقَبَه بقَوله:(فَلَهُ إِسْقَاطُ الْحَدِّ بِاللِّعَانِ)؛ لقَوله تعالى: {الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ
…
}، الآية [النُّور: 23]، وهو عامٌّ في الزَّوج وغيرِه، وإنَّما خُصَّ الزَّوجُ بأنْ أقامَ لعانَه مَقامَ الشَّهادة في نَفْيِ الحدِّ والفِسْقِ، وردِّ الشَّهادة، ويَدُلُّ عليه قَولُه صلى الله عليه وسلم لهلالٍ:«البيِّنةُ، وإلاَّ حَدٌّ في ظَهْرِكَ»
(6)
، ولأِنَّه قاذِفٌ؛ فلَزِمَه الحدُّ؛ كما لو أكْذَبَ نفسَه، وكالأجنبيِّ.
(1)
أخرجه الطيالسي (2789)، وأحمد (2131)، وأبو داود (2256)، والبيهقي في الكبرى (15292)، وفي سنده: عباد بن منصور الناجي، وثقه يحيى القطان، وضعفه ابن سعد وأبو حاتم والنسائي، وقال ابن حجر:(صدوق رمي بالقدر وكان يدلس وتغير بأخرة)، وقد وقع تصريحه بالسماع عند الطيالسي، وأصله في الصحيح بدون هذه اللفظة. ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 105.
(2)
في (ظ): وكذا. والمثبت موافق للفروع.
(3)
في (م): في.
(4)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(5)
في (ظ): تلاعن.
(6)
أخرجه البخاري (2671)، ومسلم (1497)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، واللفظ للبخاري.
وله إسْقاطُه بلِعانه ولو بَقِيَ سوطٌ
(1)
واحدٌ، ولو زَنَتْ قبلَ الحدِّ، ويَسقُطُ بلعانه وَحدَه، ذَكَرَه في «المغني» و «التَّرغيب» .
(وَصِفَتُهُ: أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ فَيَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ امْرَأَتِي هَذِهِ مِنَ الزِّنَى، وَيُشِيرُ إِلَيْهَا)، ولا يَحتاجُ مع الحضور والإشارة إلى تسميةٍ ونَسَبٍ، كما لا يَحتاجُ إلى ذلك في سائر العقود.
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاضِرَةً سمَّاهَا
(2)
وَنَسَبَهَا)، حتَّى تَنتَفِيَ المشارَكةُ بَينَها وبَينَ غيرها، قلتُ: ولا يَبعُدُ أنْ يقومَ وصفُها
(3)
بما هي مشهورةٌ به مَقامَ الرَّفع في نَسَبِها.
(حَتَّى يُكَمِّلَ ذَلِكَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَقُولَ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَى).
وقِيلَ: لا يُشترَطُ أنْ يذكُرَ الرَّميَ بالزِّنى، قاله في «الرِعاية» .
(ثُمَّ تَقُولَ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى)، وتُشيرُ إليه إنْ كان حاضرًا، وإنْ كان غائبًا أسْمَتْه ونسَبَتْه، (ثُمَّ تَقُولَ فِي الْخَامِسَةِ: وَأَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَماَنِي بِهِ مِنَ الزِّنَى)؛ للآية والأخبار، وإنَّما خُصَّتْ هي في الخامسة بالغضب؛ لأِنَّ النِّساءَ يُكثِرْنَ اللَّعن
(4)
كما وَرَدَ
(5)
.
(فَإِنْ)؛ هذا شروعٌ في بيان شروطه وهي ستَّةٌ:
أحدها: اسْتِعْمال الألفاظ الخمسة، فإنْ (نَقَصَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَلْفَاظِ
(1)
في (م): شرط.
(2)
في (م): أسماها.
(3)
في (م): وضعها.
(4)
قوله: (اللعن) سقط من (م).
(5)
أخرجه البخاري (304)، ومسلم (79)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
الْخَمْسَةِ شَيْئًا)، ولو قلَّ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ الله تعالى علَّق الحكمَ عليها، ولأِنَّها بيِّنةٌ، فلم يَجُزْ النَّقصُ من عددها؛ كالشَّهادة.
(أَوْ بَدَأَتْ بِاللِّعَانِ قَبْلَهُ)؛ لم يُعتَدَّ به؛ لأِنَّه خلافُ المشروع، وكذا إنْ قدَّم الرَّجلُ اللَّعنةَ على شيءٍ من الألفاظ الأربعة، أوْ قدَّمَتْ هي الغَضَبَ عليها؛ لأِنَّ لِعانَ الرَّجل بيِّنةٌ لإثبات
(1)
، ولعانَها بيِّنةٌ لإنكار
(2)
، فلم يَجُزْ تقديمُ الإنكار على الإثبات
(3)
.
(أَوْ تَلَاعَنَا بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْحَاكِمِ، أَوْ نَائِبِهِ؛ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ)؛ لأِنَّه يمينٌ في دعوَى
(4)
، فاعتُبِرَ فيه أمرُ الحاكِم؛ كسائر الدَّعاوَى.
الرَّابعُ: أنْ يأتيَ كلُّ واحدٍ منهما باللِّعان بعدَ إلْقائه عليه، فإنْ بادر قبلَ أنْ يُلقِيَه الإمامُ أوْ نائبُه؛ لم يصحَّ؛ كما لو حلف قبلَ أنْ يحلِّفَه الحاكمُ.
الخامسُ: الإشارةُ من كلٍّ منهما إلى صاحبه إنْ كان حاضِرًا، أوْ يسمِّيه ويَنسُبُه إنْ كان غائبًا.
ولا يُشترَطُ حضورُهما معًا، بل لو كان أحدُهما غائبًا عن صاحبه؛ مثلَ أنْ يكونَ الرَّجلُ في المسجد، والمرأةُ على بابه لعُذْرٍ؛ جاز.
(وَإِنْ أَبْدَلَ لَفْظَةَ أَشْهَدُ بِأُقْسِمُ، أَوْ أَحْلِفُ، أَوْ لَفْظَةَ اللَّعْنَةِ بِالْإِبْعَادِ، أَوِ الْغَضَبِ
(5)
بِالسُّخْطِ، فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، هذا هو الشَّرطُ السَّادِسُ لصحَّةِ اللِّعان، وهو أنْ يأتيَ بالألفاظ على صورةِ
(6)
ما وَرَدَ الشرع به
(7)
؛ لأِنَّ اتباع لفظ
(1)
في (م): بنية الإثبات.
(2)
في (م): بنية الإنكار.
(3)
في (م): الإثبات على الإنكار.
(4)
قوله: (في دعوى) سقط من (م).
(5)
في (م): والغضب.
(6)
في (م): صور.
(7)
قوله: (به) سقط من (ظ).
النَّصِّ أَوْلَى، ولأنَّه
(1)
مَوضِعٌ وَرَدَ الشَّرعُ فيه بلفظ الشَّهادة، أشْبَهَ الشَّهادةَ في الحقوق، وهذا أظْهَرُ الوَجْهَينِ، قاله في «المستوعب» ، وصحَّحه المؤلِّفُ وغيرُه.
والآخَرُ: يُعتَدُّ به؛ لأِنَّه أتى بالمعنى، أشبه ما لو أبدل:(إنِّي لمن الصَّادقِينَ) بقوله: (لقد زَنَتْ)، قال الخِرَقيُّ: يقولُ الرَّجلُ: (أشْهَدُ بالله لقد زَنَتْ)، وليس هذا لفظَ النَّصِّ، فدلَّ على أنَّه لم يُشترَطْ ذكرُ اللَّفظ، ولكِنْ نقلَ ابنُ منصورٍ:(على ما في كتاب الله تعالى)
(2)
.
وإنْ أبدلت لفظة الغضب باللَّعنة؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّ الغَضَبَ أبْلَغُ، ولهذا اختصَّتِ المرأةُ به؛ لأِنَّ إثْمَها أعظمُ، والمعيَّرةُ
(3)
بزِناها أقبحُ.
وإنْ أبدلتها
(4)
بالسُّخط؛ خُرِّجَ على الوجهَينِ فيما إذا أبدل لفظة اللَّعنة بالإبعاد.
وإنْ أبْدَلَ لفظة
(5)
اللَّعنة بالغضب؛ فاحتمالانِ: الجَوازُ؛ لأِنَّه أبلغُ. وعدمُه؛ لمخالفة المنصوص.
ولا يَصِحُّ تعليقُه على شرطٍ، قاله ابنُ عقيلٍ وغيرُه.
وفي «الترغيب» : تُشترَطُ موالاةُ الكلمات.
وأوْمَأَ في روايةِ ابنِ منصورٍ: أنَّ الخامِسةَ لا تشترط، تنفيذ
(6)
حكمه، لا على الأولى، قاله في «الانتصار» .
(1)
قوله: (أولى ولأنه) في (م): أو لأنه.
(2)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1658.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 78: المعرَّة.
(4)
في (ظ): أبدلها.
(5)
في (م): لفظ.
(6)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 205: فينفَّذ. وينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1660.
(وَمَنْ قَدَرَ عَلَى اللِّعَانِ بِالْعَرَبِيَّةِ؛ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إِلاَّ بِهَا)؛ لأِنَّ الشَّرعَ وَرَدَ بالعربيَّة، فلم يصحَّ بغيرها؛ كأذكار
(1)
الصَّلاة.
(فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا؛ لَزِمَهُ تَعَلُّمُهَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّه منصوصٌ عليه، فلَزِمَه تعلُّمها؛ كالفاتحة.
(وَفِي الآخَرِ
(2)
: يَصِحُّ بِلِسَانِهِ)، في ظاهِرِ المذهب، قاله في «الواضح» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، وكالنكاح
(3)
.
فإن كان الحاكِمُ يُحسِنُ لسانَهما؛ أجْزَأَ ذلك، ويُستحَبُّ أنْ يَحضُرَ معه أربعةٌ يُحسِنونَ لسانهما
(4)
، فإنْ كان الحاكِمُ لا يُحسِنُ؛ فلا بدَّ من ترجمان
(5)
، ولا يُجزِئُ فيها أقلُّ من عدلَينِ على المذهب.
(وَإِذَا فُهِمَتْ إِشَارَةُ الْأَخْرَسِ، أَوْ كِتَابَتُهُ؛ صَحَّ لِعَانُهُ بِهَا
(6)
، قاله القاضي وأبو الخَطَّاب، وذكره في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ كطلاقه.
وعنه: لا يَصِحُّ، اختاره المؤلِّفُ، قال أحمدُ: إذا كانت المرأةُ خَرْساءَ لم تُلاعِنْ
(7)
؛ لأِنَّه لا تُعلم مطالَبتها، ولأِنَّ اللِّعانَ يَفتَقِرُ إلى الشَّهادة، أشْبَهَ الشَّهادةَ الحقيقيَّة، ولأِنَّ الحَدَّ يُدرأُ بالشُّبهة، والإشارة ليستْ صريحةً كالنُّطق، ولا يَخْلُو من احتمالٍ وتردُّدٍ.
(1)
في (م): كأركان.
(2)
في (م): الأخرى.
(3)
في (م): كالنكاح.
(4)
زيد في (م): أجزأ ذلك.
(5)
في (م): بوحها.
(6)
في (م): لها.
(7)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1660.
وجوابه: أنَّ الشَّهادةَ يُمكِنُ حصولُها من غيره، فلم تَدْعُ الحاجة إليه فيها، واللِّعانُ لا يَحصُلُ إلاَّ منه؛ فدعت
(1)
الحاجة إلى قَبوله منه؛ كالطَّلاق.
قال المؤلِّفُ: وقَولُنا أحْسَنُ؛ إذ الشَّهادةُ قد لا تَحصُلُ إلا
(2)
منه؛ لاِخْتِصاصه برؤيةِ المشْهودِ عليه، أوْ سماعه إيَّاه.
وجوابُه: بأنَّ مُوجِبَ القَذْفِ وُجوبُ الحَدِّ، وهو يدرأ بالشُّبهة، ومَقصودُ اللِّعان نفيُ النَّسب، وهو يَثبُتُ بالإمْكان مع ظهور انتفائه.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا كان غيرَ معلومي الإشارة والكتابة؛ لم يصح
(3)
.
فرعٌ: إذا قَذَفَ الأخرسُ ولَاعَنَ، ثمَّ تكلَّم فأنكرهما؛ لم يُقبَلْ إنكارُه للقذف؛ لأِنَّه قد يتعلَّقُ به حقٌّ لغيره بحكم الظَّاهر، ويُقبَلُ إنكارُه للِّعان
(4)
فيما عليه، فيُطالَبُ بالحدِّ، ويَلحَقُه النَّسبُ، ولا تَعودُ الزَّوجةُ.
فإنْ قال: أنا أُلَاعِنُ لسُقوطِ الحدِّ ونفيِ النَّسَبِ؛ كان له ذلك.
وإنِ اعْتَرَفَ بالزِّنى، ثُمَّ أنْكَرَ؛ فكاللعان
(5)
.
(وَهَلْ يَصِحُّ لِعَانُ مَنِ اعْتُقِلَ لِسَانُهُ، وَأُيِسَ مِنْ نُطْقِهِ بِالْإِشَارَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدُهما، وجَزَمَ به في «الوجيز»: يصحَّ
(6)
؛ كالأخْرَس الأصليِّ.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّه عَجَزَ عن النُّطق لعارِضٍ، أشبهَ غير المأْيُوس.
فإنْ قال: لم أُرِدْ قذْفًا ولِعانًا؛ قُبِلَ في لعانٍ في حدٍّ ونسبٍ فقط، ويُلاعِنُ لهما.
(1)
في (م): فدعته.
(2)
قوله: (إلا) سقط من (م).
(3)
قوله: (يصح) سقط من (م).
(4)
في (م): اللعان.
(5)
في (م): فكان كاللعان.
(6)
في (ظ): فصح.
فإنْ رجِيَ نطقُه انْتُظِرَ، وفي «الترغيب»: ثلاثةَ أيَّامٍ.
وفائدتُه: صحَّةُ قذفِ الأخرس ولِعانه؛ لأِنَّا لا نأمُرُه باللِّعان، ونَحبِسُه إذا نَكَلَ حتَّى يُلاعِنَ، ذَكَرَه في «عيون المسائل» ، وكلامُ غيرِه يَقتَضِي أنَّه يُحَدُّ.
(فَصْلٌ)
(وَالسُّنَّةُ أَنْ يَتَلَاعَنَا قِيَامًا)؛ لقوله عليه السلام لِهِلالِ بنِ أُمَيَّةَ: «قُمْ فاشْهَدْ أرْبَعَ شهاداتٍ»
(1)
، ولأِنَّه أبْلَغُ في الرَّدْع، فيَبدَأُ الزَّوجُ فيَلْتَعِنُ وهو قائمٌ، فإذا
(2)
فرغ قامت المرأةُ، فالْتَعَنَتْ.
(بِحَضْرَةِ
(3)
جَمَاعَةٍ)؛ لحُضورِ ابنِ عبَّاسٍ
(4)
، وابنِ عُمَرَ
(5)
، وسَهْلِ ابنِ سعدٍ
(6)
مع حَداثةِ أسْنانِهم، فدلَّ على
(7)
أنَّه حضَرَ جمْعٌ كثيرٌ؛ لأِنَّ الصِّبْيانَ إنَّما يَحضُرونَ تَبَعًا للرِّجال؛ إذِ اللِّعانُ مَبْنِيٌّ على التَّغليظ للرَّدْع والزَّجْر، وفِعْلُهُ في الجماعة أبْلَغُ في ذلك.
ويُستَحَبُّ ألاَّ يَنقُصُوا عن أربعةٍ؛ لأِنَّ بيِّنةَ الزِّنى التي شُرِعَ اللِّعانُ من أجْلِ الرَّمْيِ به أربعةٌ، ولَيسَ بواجِبٍ بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(8)
.
(فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ الْمُعَظَّمَةِ)، هذا
(9)
قَولُ أبي الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «المستوعب» و «المحرَّر» و «الوجيز» .
ففي الزَّمان: بَعْدَ العصر؛ لقول الله تعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ
(1)
تقدم تخريجه 8/ 478 حاشية (1).
(2)
في (م): وإذا.
(3)
في (م): بمحضر.
(4)
أخرجه البخاري (4747)، وذكر قصة هلال بن أمية، وفيه ما يدل على حضوره.
(5)
أخرجه البخاري (5312)، ومسلم (1493)، وذكر القصة، وفيه ما يشير إلى حضوره.
(6)
أخرجه البخاري (6854)، ومسلم (1492)، عن سهل بن سعد، قال:«شهدت المتلاعنين وأنا ابن خمس عشرة سنة» ، وهذا لفظ البخاري.
(7)
قوله: (على) سقط من (م).
(8)
ينظر: المغني 8/ 84.
(9)
في (م): هو.
فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المَائدة: 106]، والمرادُ: صلاةُ العصر في قَولِ المفسِّرِينَ
(1)
، وقال أبو الخَطَّاب: وبَينَ الأَذَانَينِ؛ لأِنَّ الدُّعاءَ بَينَهما لا يُرَدُّ.
وفي المكان: بمكَّةَ، بَينَ الركن
(2)
الذي فيه الحَجَرُ الأسودُ والمقامُ، وهو المسمَّى بالحَطِيم، ولو قِيلَ: بالحِجْر لَكانَ أَوْلَى؛ لأِنَّه من البيت.
وبالمدينة: عِنْدَ المنبَر مِمَّا يَلِي القبرَ الشَّريفَ؛ لقوله عليه السلام: «ما بَينَ قَبْرِي ومِنْبَرِي رَوضةٌ من رياضِ الجَنَّة»
(3)
.
وببيت
(4)
المقْدِسِ: عندَ الصَّخرة.
وفي سائر البلدان: في جَوامِعها.
وهل يَجوزُ أنْ يَرتَقِيَا على المنابِر أوْ لا، وإنْ كان في النَّاس كَثْرَةٌ؟ فيه احْتِمالٌ، أو وجهٌ
(5)
، قاله في «الواضح» .
(1)
ينظر: تفسير الطبري 9/ 75.
(2)
في (م): الركنين.
(3)
روي عن جماعة من الصحابة، وأخرجه بهذا اللفظ أحمد (11610) وأبو يعلى الموصلي (1341) والطحاوي في مشكل الآثار (2879)، من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر، عن عبد الله بن عمر، عن أبي سعيد رضي الله عنهم مرفوعًا، وإسناده منقطع، أبو بكر ثقة لكن روايته عن جد أبيه منقطعة، قاله ابن كثير، وأخرجه النسائي في الكبرى (4276)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها مرفوعًا، وسنده حسن، فيه عمار بن معاوية الدهني وهو صدوق، وروي هذا اللفظ في طرق أخرى لا تخلو من مقال، والصحيح لفظ البخاري (1195)، ومسلم (1390):«ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة» ، من حديث عبد الله بن زيد المازني، ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما عند البخاري (1196)، ومسلم (1391)، ورجح القرطبي وابن تيمية والألباني أن اللفظ رُوي بالمعنى، والصحيح ما عند البخاري ومسلم، وأن لفظة:«قبري» شاذة. ينظر: قاعدة جليلة في التوسل (ص 141)، مجموع الفتاوى 27/ 325، التكميل لابن كثير 3/ 79، الفتح 3/ 70، السنة لابن أبي عاصم تحقيق الألباني 2/ 340.
(4)
في (م): وبيت.
(5)
قوله: (أو وجه) في (م): أوجه.
وحائضٌ ونحوُها ببابِ المسجد
(1)
؛ لتحريمِ مُكْثِها فيه
(2)
، فلو رَأَى الإمامُ تأخيرَه إلى انْقِطاعِ الدَّم وغُسْلِها؛ لم يَبعدْ.
والوجْهُ الثَّاني: لا يُستَحَبُّ التَّغليظُ مُطلَقًا، قاله القاضي، وقدَّمه في «الكافي» ؛ لأِنَّ الله تعالى أطْلَقَ الأمْرَ به، ولأِنَّه عليه السلام أمَرَ الرَّجلَ بإحْضارِ امرأته
(3)
، ولم يَخُصُّه بزمنٍ، ولو خَصَّه لَنُقِلَ.
وأطْلَقَ الخِلافَ في «الفروع» ، وخَصَّهما في «التَّرغيب» بالذِّمَّة.
وظاهِرُه على الأوَّل: ولو كانا كافِرَينِ، فعلى هذا يَحضُرُهم في أوقاتهم المعظَّمةِ، وبُيوتِ عباداتهم
(4)
؛ كالكنائس لأِهْلِ الكتاب، وبُيوتِ النَّار للمجوس، ويَحتَمِلُ أنْ يُغلَّظَ بالمكان
(5)
.
(وَإِذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْخَامِسَةَ؛ أَمَرَ الْحَاكِمُ رَجُلاً فَأَمْسَكَ يَدَهُ عَلَى فِي الرَّجُلِ، وَامْرَأَةً تَضَعُ يَدَهَا عَلَى فِي الْمَرْأَةِ، ثُمَّ يَعِظُهُ)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ قال: ««يشهد
(6)
أربعَ شهاداتٍ بالله إنَّه لمن الصَّادقِينَ»، ثُمَّ أمَرَ به فأُمْسِكَ على فيه، فوَعَظَه، وقال:«ويْحَكَ، كلُّ شَيءٍ أهْوَنُ عليكَ من لعنةِ الله» ، ثُمَّ أرْسَلَهُ، فقال:«لعنةُ الله عليه إنْ كانَ من الكاذبِين» ، ثُمَّ دَعَا بها فشَهِدَتْ أربعَ شهادات بالله إنَّه لمنَ الكاذبِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بها فأُمْسِكَتْ على فيها فَوَعَظَها، وقال:«ويْلَكِ، كلُّ شَيءٍ أهْوَنُ عليكِ من غَضَبِ الله» أخْرَجَه الجُوزَجانِيُّ
(7)
.
(1)
في (م): مسجد.
(2)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(3)
كما في البخاري (5308)، ومسلم (1492)، من حديث سهل رضي الله عنه:«قد أنزل فيك وفي صاحبتك، فاذهب فأت بها» .
(4)
في (ظ): عبادتهم.
(5)
زيد في (م): فإن كانت المسلمة حائضًا وقفت على باب المسجد. وأشار في (ظ) أنها في نسخة. وقد تقدمت العبارة.
(6)
في (ظ): تشهد.
(7)
أخرجه بهذا اللفظ ابن أبي حاتم في تفسيره (14183)، وإسناده صحيح، وأخرجه النسائي (3472)، بنحوه مختصرًا. قال ابن الملقن:(إسناده جيد)، قال ابن حجر:(ورجاله ثقات)، وصحح إسناده الألباني، وذكرا أنهما لم يقفا على ذكر وضع اليد على فم المرأة ووعظِها، وهي عند ابن أبي حاتم كما سبق، وأخرجه أحمد (2131)، وأبو داود (2256)، بنحوه، وسنده لا بأس به. ينظر: التوضيح 25/ 444، البلوغ (1097)، التلخيص الحبير 3/ 494، الإرواء 7/ 186، التكميل لصالح آل الشيخ ص 148.
وظاهِرُه: أنَّ الواعِظَ هو الحاكِمُ، وحَكاهُ في «الرِّعاية» قَولاً.
(فَيَقُولُ: اتَّقِ اللهَ، فَإِنَّهَا الْمُوجِبَةُ) للَّعنة، أو الغضب
(1)
من الله، (وَعَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآْخِرَةِ)؛ لِمَا رَوَى ابْنُ عبَّاسٍ قال: «لَمَّا كانَتِ الخامِسةُ قِيلَ لِهلالِ بنِ أُمَيَّةَ: اتَّقِ الله
(2)
، فإنَّها الموجِبَةُ، وفيه: فإنَّ عذابَ الدُّنيا أهون من عذاب الآخِرَةِ»
(3)
؛ لأِنَّ عذابَ الدُّنيا مُنقَطِعٌ، وعذاب الآخرة دائمٌ؛ لِيَتُوبَ الكاذِبُ منهما، ويَرتَدِعَ عمَّا عَزَمَ عليه.
(وَأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ) أوْ نائبِه، وقد تقدَّم أنَّ هذا شرطٌ لصحَّةِ اللِّعانِ، فإنْ تحاكَما إلى رجلٍ يَصلُحُ للقضاء فحكَّماه بَينَهما فَلَاعَنَ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ اللِّعانَ مَبْنِيٌّ على التَّغليظ، فلم يَجُزْ لغَيرِ الحاكِمِ؛ كالحَدِّ.
وحَكَى المؤلِّفُ: أنَّه يَنفُذُ في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ.
وسواءٌ كان الزَّوجانِ حُرَّينِ، أوْ مَمْلوكَينِ في ظاهِرِ كلامِ الخِرَقِيِّ.
وقال الشَّافِعِيُّ: للسَّيِّد أنْ يُلاعِنَ بَينَ عبده وأَمَتِه؛ كالحَدِّ
(4)
.
وجَوابُه: أنَّه لا يَملِكُ إقامَتَه على أَمَتِه المزوَّجةِ، ثُمَّ لا يُشْبِهُ اللِّعانُ الحَدَّ؛ لأِنَّه زَجْرٌ وتأديبٌ، واللِّعانُ إمَّا شَهادةٌ أوْ يمينٌ، فافترقا.
(فَإِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ خَفِرَةً)، بفَتْح الخاء وكَسْرِ الفاء؛ يَعْنِي: شديدةَ الحَياء،
(1)
في (م): والغضب.
(2)
قوله: (اتق الله) سقط من (م).
(3)
سبق تخريجه 8/ 487 حاشية (7).
(4)
ينظر: الحاوي 11/ 134، البيان 10/ 450.
وهي ضدُّ البَرْزَة؛ (بَعَثَ مَنْ يُلَاعِنُ بَيْنَهُمَا) يَعْنِي: نائبَه وعُدولاً، فلو اقْتَصَرَ على نائبه؛ جاز؛ لأِنَّ الجَمْعَ غيرُ واجِبٍ؛ كما يَبعَثُ مَنْ يَستَحْلِفُهما في الحقوق، ولأِنَّ الغَرَضَ يَحصُلُ ببعث
(1)
مَنْ يَثِقُ الحاكِمُ به، فلا ضَرورةَ إلى إحضارها وتَرْكِ عادتها مع حصول
(2)
الغَرَض بِدُونِه.
وفي «عيون المسائل» : للزَّوج أنْ يُلاعِنَ مع غَيْبتها وتُلاعِنَ مع غَيبتِه.
(وَإِذَا قَذَفَ الرَّجُلُ
(3)
نِسَاءَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَنْ يُفْرِدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ)، على المذهب سواءٌ قَذَفَهُنَّ بكلمةٍ، أوْ كَلِماتٍ؛ لأِنَّه قاذِفٌ لكلِّ واحدةٍ منهنَّ، أشْبَهَ ما لو لم يَقذِفْ غَيرَها.
ويَبدَأُ بِلِعانِ التي تَبدَأُ بالمطالَبةِ، فإنْ طالَبْنَ جميعًا، وتَشاحَحْنَ؛ فالقُرْعةُ، وإنْ لم يَتَشاحَحْنَ؛ بَدَأَ بمَنْ شاء منهنَّ، ولو بَدَأَ بواحدةٍ منهنَّ من غَيرِ قرعةٍ مع المشاححة؛ جاز.
(وَعَنْهُ: يُجْزِئُهُ لِعَانُ وَاحِدٌ)؛ لأِنَّ اللِّعانَ تابِعٌ للقَذْف، والقَذْفُ وإنْ تعدَّد فكَلِمَتُه واحدةٌ، فعلى هذا:(يَقُولُ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُكُنَّ بِهِ مِنَ الزِّنَى، وَتَقُولُ كُلُّ وَاحِدَةٍ: أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى)؛ لأِنَّ حَلِفَهُنَّ جملةً لا يُمكِنُ.
(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ الْقَذْفُ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ لِعَانٌ وَاحِدٌ
(4)
؛ لأِنَّه قَذْفٌ واحِدٌ، فخَرَجَ عن عُهْدَته بلِعانٍ واحِدٍ، كما لو قَذَفَ واحِدةً، (وَإِنْ قَذَفَهُنَّ بِكَلِمَاتٍ؛ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدَةٍ بِلِعَانٍ)؛ كما لو قَذَفَ كلَّ واحدةٍ بعدَ لِعَانِ الأخرى.
(1)
قوله: (من يستحلفهما في الحقوق، ولأن الغرض يحصل ببعث) سقط من (م).
(2)
في (م): حضور.
(3)
في (م): رجل.
(4)
قوله: (لعان واحد) سقط من (م).
وعنه: إنْ طالَبُوا عندَ الحاكِمِ مطالبةً واحدةً؛ فحَدٌّ واحِدٌ، وإلاَّ فحُدودٌ، حكاها في «المستوعب» .
(فَصْلٌ)
(وَلَا يَصِحُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ):
(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَوْجَيْنِ)؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، ثُمَّ خُصَّ
(1)
الأزواجُ من عُمومِها بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النُّور: 6]، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقتَضَى العُموم.
(عَاقِلَيْنِ بَالِغَيْنِ)؛ لأِنَّه إمَّا يمينٌ أوْ شهادةٌ، وكِلاهما لا يَصِحُّ مِنْ مَجنونٍ، ولا غَيرِ بالِغٍ؛ إذْ لا عِبْرَةَ بقَولِهما.
(سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، أَوْ ذِمِّيَّيْنِ، أَوْ رَقِيقَيْنِ، أَوْ فَاسِقَيْنِ، أَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَذَلِكَ فِي إِحْدَى
(2)
الرِّوَايَتَيْنِ)؛ أيْ: يَصِحُّ بَينَهما مُطلَقًا إذا كانا مُكلَّفَينِ، نَقَلَه
(3)
واختاره الأكثرُ، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ أنَّه أظهر
(4)
الرِّوايتَينِ؛ لعُمومِ قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ
…
(6)} [النُّور: 6]، ولأِنَّ اللِّعانَ يَمينٌ، بدليلِ قَولِه عليه السلام:«لَوْلَا الأَيْمانُ لَكانَ لي ولها شَأْنٌ»
(5)
، ولأِنَّه يَفتَقِرُ إلى اسْمِ الله تعالى، ويَسْتَوِي فيه الذَّكَرُ والأنثى، ولأِنَّ الزَّوجَ يَحتاجُ إلى نَفْيِ الولد، فشُرِع له اللِّعانُ طريقًا إلى نَفْيِه؛ كما لو كانَتْ ممَّنْ يُحَدُّ بقَذْفِها.
(1)
في (م): وخص.
(2)
في (م): أحد.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 193.
(4)
زيد في (م): على.
(5)
أخرجه أحمد (2131)، وأبو داود (2256)، وقد سبق أن سنده لا بأس به، ويقويه ما أخرجه البخاري (4747)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ:«لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» . ينظر: الإلمام 2/ 692، البدر المنير 8/ 188.
(وَالْأُخْرَى: لَا يَصِحُّ إِلاَّ بَيْنَ زَوْجَيْنِ، مُسْلِمَيْنِ، حُرَّيْنِ، عَدْلَيْنِ)، اختاره الخِرَقيُّ، وعلَّله أحمدُ: بأنَّه
(1)
شهادةٌ
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ} [النُّور: 6]، فجَعَلَهُم شهداءَ، وقال تعالى:{فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النُّور: 6].
وعنه: لا لِعانَ بقَذْفِ غيرِ المحْصَنةِ، وهي الأَمَةُ والذِّمِّيَّةُ والمحدودةُ في الزِّنى، لزوجها لِعانُها لِنَفْيِ الولد خاصَّةً، ولَيسَ له لِعانُها لإسْقاطِ حدِّ القَذْف والتَّعزير، ذَكَرَه القاضي.
وعنه: المحْصَنَةُ وزَوجُها المكلَّفُ؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4].
وأمَّا تسميته
(3)
شهادةً؛ فلقوله في يمينه: أشْهَدُ بالله.
وحاصِلُه: أنَّ المُلاعنةَ: كلُّ زَوجةٍ عاقِلةٍ بالِغةٍ.
وعنه
(4)
: مسلمةٍ حرَّةٍ عَفِيفةٍ.
(فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْهَا فِي أَحَدِهِمَا؛ فَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّ المشروطَ يَفوتُ بفَواتِ شَرْطِه، والأُولَى هي المنصوصةُ عن أحمدَ في روايةِ الجماعة، وما يُخالِفُها شاذٌّ في النَّقل.
(وَإِنْ
(5)
قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً)، ثُمَّ تزوَّجَها؛ حُدَّ ولم يُلاعِنْ؛ لأِنَّه وَجَبَ في حالِ كَونِها أجنبيَّةً، أشْبَهَ ما لو لم يَتزَوَّجْها، فلو قَذَفَها ولم
(6)
يتزوَّجْها؛ فعليه الحَدُّ
(1)
في (م): بأنها.
(2)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 193.
(3)
في (م): وإنما نسميه.
(4)
في (ظ): وهي. والمثبت موافق للفروع 9/ 208، والإنصاف 23/ 396.
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (م): ولو لم.
إنْ كانَتْ مُحصَنَةً، وإلاَّ عُزِّرَ.
(أَوْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: زَنَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَنْكِحَكِ؛ حُدَّ، وَلَمْ يُلَاعَنْ)، وقاله
(1)
أبو ثَورٍ، سواءٌ كان ثَمَّ وَلَدٌ أوْ لَا؛ لأِنَّه قَذَفَها بزِنًى مُضافٍ إلى حال البَينونة، أشْبهَ ما لو قَذَفَها وهي بائنٌ، وفارَقَ قَذْفَ الزَّوجة؛ لأِنَّه مُحتاجٌ إليه.
وعنهُ: له لِعانُها؛ لعموم الآية.
وعنه: لنَفْيِ الولد، قدَّمه في «الكافي» .
والأوَّلُ المذهَبُ؛ لأِنَّه إنْ كان بَينَهما وَلَدٌ؛ فهو مُحتاجٌ إلى نَفْيِه، وهنا إذا تزوَّجَها وهو يَعلَمُ زِناها؛ فهو المفرِّط
(2)
في نكاحِ حامِلٍ من الزِّنى.
فرعٌ: إذا مَلَكَ أَمَةً وقَذَفَها؛ فلا لِعانَ، ويُعزَّرُ فَقَطْ.
(وَإِنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ، ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًى فِي النِّكَاحِ)؛ أي: إذا أبانَ زَوجتَه، ثُمَّ قَذَفَها بزِنًى أضافه إلى حالِ الزَّوجيَّة أو العدَّة، وبَينَهما ولدٌ؛ لَاعَنَ لِنَفْيِه؛ لأِنَّه يَلحَقُه نَسَبُه بحُكْم عَقْدِ النِّكاح، فكان له نَفْيُه.
ويُفارِقُ إذا لم يَكُنْ له ولَدٌ، فإنَّه لا حاجةَ إلى القذف؛ لكَونِها أجنبيَّةً، وسائرُ الأجنبيَّات لا يَلحَقُه وَلَدُهنَّ، فلا حاجةَ إلى قَذْفِهنَّ. وحَكى في «الانتصار» عن أصحابنا: إنْ أبانَها، ثُمَّ قَذَفَها بزِنًى في الزَّوجيَّة أنَّه يُلاعِنُ.
وعلى الأوَّل: متى لَاعَنَهَا لنَفْيِ ولدِها؛ انْتَفَى وسَقَطَ عنه الحَدُّ، وفي ثبوت التَّحريم المؤبَّدِ وجْهانِ.
(أَوْ قَذَفَهَا فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ وَبَيْنَهُمَا وَلَدٌ؛ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ، وَإِلاَّ حُدَّ وَلَمْ يُلَاعِنْ)؛ لِمَا ذَكَرْناه، فلو لَاعَنَها مِنْ غَيرِ ولدٍ؛ لم يَسقُط الحَدُّ، ولم يَثبُت التَّحريمُ المؤبَّدُ؛ لأِنَّه لِعانٌ فاسدٌ، وسواءٌ اعتقد أنَّ النِّكاحَ صحيحٌ أمْ لا.
(1)
في (م): وقال.
(2)
في (م): المقر كما.
فرعٌ: إذا قال: أنتِ طالِقٌ يا زانيةُ ثلاثًا؛ لَاعَنَ، نَصَّ عَليهِ
(1)
؛ لإبانَتِها بعدَ قَذْفِها، وكقذف
(2)
الرَّجعيَّة، قِيلَ لأِحمدَ: فإنَّهم
(3)
يقولونَ: يُحَدُّ، ولا يَلزَمُها إلاَّ واحدةٌ، فقال: بئس
(4)
ما تَقُولونَ
(5)
.
وإنْ قالَ: أنتِ
(6)
طالِقٌ ثلاثًا يا زانيةُ؛ يُلاعِنْ
(7)
، نَصَّ عليه، وهو محمولٌ على من
(8)
بَينَهما وَلَدٌ؛ لأِنَّه يعني
(9)
إضافةَ قَذْفِها إلى حالِ الزَّوجيَّة؛ لاِسْتِحالةِ الزِّنى منها بعدَ طلاقِه لها.
فائدةٌ: سُئِلَ أحمدُ عن رجلٍ طلَّق واحدةً أو اثنتَينِ، ثُمَّ قَذَفَها، قال: قال ابنُ عبَّاسٍ رضي الله عنه: «لا يلاعِن
(10)
ويُجلَدُ»، وقال ابنُ عمرَ رضي الله عنهما: «يلاعِن
(11)
ما كانَتْ في العدَّة»
(12)
، قال: وقَولُ ابنِ عمرَ أجْوَدُ
(13)
؛ لأِنَّها زَوجَة.
(وَإِنْ أَبَانَ امْرَأَتَهُ بَعْدَ قَذْفِهَا؛ فَلَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ)، نَصَّ عَلَيهِ
(14)
، وهو قَولُ أكثرِ العُلَماء؛ لِعُمومِ الآية، فإذا لم يُلاعِنْ
(1)
ينظر: زاد المسافر 3/ 337.
(2)
في (م): وكذا.
(3)
في (م): كأنهم.
(4)
في (م): ليس.
(5)
ينظر: المغني 8/ 58.
(6)
قوله: (أنت) سقط من (م).
(7)
في (ظ): لم يلاعن. والمثبت موافق للكافي 3/ 180.
(8)
في (م): ما.
(9)
في (ظ): يعين. وفي الكافي 3/ 180: يتعين.
(10)
في (ظ): لا تلاعن.
(11)
في (ظ): تلاعن.
(12)
أخرجه عبد الرزاق (12384)، وسعيد بن منصور (1569)، وابن أبي شيبة (28847)، عن جابر بن زيد عنهما. وإسناده صحيح.
(13)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1973، المغني 8/ 56.
(14)
ينظر: زاد المسافر 4/ 340.
وَجَبَ عليه الحَدُّ؛ لقَوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النُّور: 4]، ولأِنَّه قاذِفٌ لزوجته، فَوَجَبَ أنْ يُلاعِنَ؛ كما لو بَقِيَا على النِّكاح إلى حالة اللِّعان.
فلو قالَتْ: قَذَفَنِي قبلَ أنْ يَتزوَّجَنِي، وقال: بل بعدَه، أوْ قالَتْ: قَذَفَنِي بعدَما بِنْتُ منه، فقال: بلْ قبلَه؛ قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّ القَولَ قَولُه في أصلِ القَذْف، فكذا في وقته.
مسألةٌ: إذا مَلَكَ زوجتَه، ثُمَّ أقرَّ بوطْئِها، ثُمَّ أتَتْ بولدٍ لستَّةِ أشْهُرٍ؛ كان
(1)
لاحِقًا به، إلاَّ أنْ يدعيَ
(2)
الاِسْتِبْراءَ؛ فيَنتَفِي عنه.
وإنْ لم يكُنْ أقرَّ بوطْئِها، أوْ أقرَّ به فأتَتْ بولدٍ لِدون ستَّةِ أشْهُرٍ منذ وَطِئَ؛ كان مُلحَقًا بالنِّكاح إنْ أمْكَنَ، وله نفيُه بلعانه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .
وكلُّ مَوضِعٍ قُلنْا: لا لِعانَ فيه؛ فالنَّسَبُ لاحِقٌ به، ويَجِبُ بالقذف موجَبُه
(3)
من الحَدِّ أو التَّعزير، إلاَّ أنْ يكونَ القاذِفُ صغيرًا أوْ مجنونًا؛ فلا شَيءَ فيه في قَولِ أكثر
(4)
العلماء.
(وَإِنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوِ المَجْنُونَةَ
(5)
؛ عُزِّرَ)؛ لأِنَّ القَذْفَ لا يَسقُطُ عن درجةِ السَّبِّ، وهو يُوجِبُه، فكذا هنا.
وظاهِرُه: أنَّه لا حدَّ، وصرَّح به في «المغْنِي» وغَيره؛ لأِنَّ الحدَّ لا يَجِبُ عليهما بفِعْلِ الزِّنى.
(وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا)؛ لأِنَّه قَولٌ يَحصُلُ به الفرقة
(6)
، فلا يَصِحُّ من غيرِ
(1)
في (م): كانت.
(2)
زيد في (م): به.
(3)
في (م): موجب.
(4)
قوله: (أكثر) سقط من (م).
(5)
في (م): المجنونة والصغيرة.
(6)
في (م): الفرق.
مكلَّفٍ كالطَّلاق، أو يمينٌ، فلا يَصِحُّ من غيرِ مكلَّفٍ؛ كسائر الأَيمان.
فإنِ ادَّعى أنَّه كان زائلَ العقل حينَ قَذْفِه، فأنْكَرَتْ ذلك، ولأِحدِهما بيِّنةٌ؛ عُمِلَ بها، وإلاَّ قُبِلَ قَولُها مع يمينها؛ لأِنَّ الأصلَ والظَّاهِرَ السلامةُ والصِّحَّةُ، وإنْ عُرِفَتْ له حالُ جُنونٍ وحالُ إفاقةٍ؛ قُبِلَ قَولُها في الأصحِّ.
وإنْ قَذَفَها وهي طِفلةٌ لا يُجامَعُ مِثْلُها؛ فلا حدَّ؛ لتيقُّنِنا
(1)
كَذِبَه؛ لكنَّه يُعزَّرُ للسبِّ
(2)
، ولا يُحتاجُ في التَّعزير إلى مطالَبةٍ.
فإنْ كانَتْ يُجامَعُ مِثْلُها؛ كابْنةِ تِسْعٍ؛ حُدَّ، ولَيسَ لها ولا لوليِّها المطالَبةُ به حتَّى تَبْلُغَ، فإذا بَلَغَتْ وطالَبتْ؛ حُدَّ، وله إسقاطُه باللِّعان، ولَيسَ له لِعانُها قبلَ البلوغ؛ لأِنَّه يُرادُ لِإسْقاطِ الحدِّ ونفي
(3)
الولد.
فرعٌ: إذا قَذَفَ امرأته
(4)
المجنونةَ بِزِنًى أضافه إلى حال إفاقتها، أوْ قَذَفَها وهي عاقِلةٌ ثمَّ جُنَّتْ؛ لم يكُنْ لها المطالَبةُ، ولا لوليِّها قبلَ إفاقتها؛ لأِنَّ هذا طريقه التَّشفِّي، فإذا أفاقت؛ فلها المطالَبةُ، وله اللِّعانُ.
فإن
(5)
أراد لعانَها في حالِ جُنونها، ولا وَلَدَ يَنفِيهِ؛ لم يكُنْ له ذلك، وإنْ كانَ ثَمَّ ولدٌ يريد
(6)
نفيَه؛ فالذي يَقتَضيهِ المذْهَبُ: أنْ لا تَلاعُنَ، ويَلحَقُه الولدُ.
وقال
(7)
القاضي: له أنْ يُلاعِنَ لِنَفْيِه؛ لأِنَّه مُحتاجٌ إلى ذلك.
(1)
في (م): لتبينا.
(2)
في (م): للسبب.
(3)
قوله: (الحد ونفي) هي في (ظ): أو نفي.
(4)
قوله: (امرأته) سقط من (م).
(5)
في (م): فإذا.
(6)
في (ظ): تريد.
(7)
في (م): قال.
(فَصْلٌ)
(الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَقْذِفَهَا بِالزِّنَى)؛ لأِنَّ كلَّ قَذْفٍ يَجِبُ به الحَدُّ، وسواءٌ في ذلك الأعْمَى والبصيرُ، نَصَّ عليه
(1)
.
وقال أبو الزِّناد: لا يكونُ اللِّعانُ إلاَّ بأحدِ أمْرَينِ: إمَّا رؤيةٍ، وإمَّا إنكارِ الحَمْل؛ لأِنَّ آيةَ اللِّعان نَزَلَتْ في هِلالِ بنِ أمية
(2)
، وكان قال:«رأيتُ بعَيْنِي وسَمِعْتُ بأُذُنِي»
(3)
.
وجوابُه: عمومُ الآية، والأخْذُ بعُمومِ اللَّفظ أَوْلَى من خصوص السَّبب.
(فَيَقُولُ: زَنَيْتِ، أَوْ يَا زَانِيَةُ، أَوْ رَأَيْتُكِ تَزْنِينَ)، هذا بيانٌ لِمَعْنَى القَذْف، فإنْ قال: يا زانيةُ، فقالتْ: بل أنتَ زانٍ؛ فله اللِّعانُ وتُحَدُّ هي لقَذْفِه، فإنْ قال: زَنَى بك زَيدٌ في الدَّار؛ فلا.
(سَوَاءٌ قَذَفَهَا بِزِنًى فِي الْقُبُلِ)، وهو ظاهِرٌ، (أَوِ الدُّبُرِ)؛ لأِنَّه قَذَفَها بِزِنًى في الفَرْج، فوَجَبَ أنْ يكونَ حكمه كالقُبُلِ.
وعُلِمَ منه: أنَّه إذا قَذَفَها بالوطء دُونَ الفَرْج، أو بشَيءٍ من الفواحش غير الزِّنى؛ فلا حَدَّ ولا لعان؛ كما لو قَذَفَها بضَرْبِ النَّاس وأذاهُمْ.
(وَإِنْ قَالَ
(4)
: وُطِئْتِ بِشُبْهَةٍ، أَوْ مُكْرَهَةً)، أو مع نَومٍ، أوْ إغْماءٍ، أوْ جنونٍ
(5)
؛ لَزِمَه الولدُ، (وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُمَا)، اختاره الخِرَقيُّ والمؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لم يَقذِفْها بِما يُوجِبُ الحَدَّ.
(1)
ينظر: المغني 23/ 407.
(2)
قوله: (ابن أمية) سقط من (م).
(3)
سبق تخريجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما 8/ 487 حاشية (7).
(4)
قوله: (وإن قال) في (م): وقال.
(5)
في (م): وإغماء وجنون.
(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَ ثَمَّ وَلَدٌ؛ لَاعَنَ لِنَفْيِهِ)، اخْتارَهُ الأكْثَرُ، فيَنتَفِي بلِعانه وحْدَه؛ لأِنَّه يحتاج
(1)
إليه، وفي «المحرَّر»: رِوايَتانِ مَنصوصتانِ، ثُمَّ قال عن الثَّانية: وهي أصحُّ عندي
(2)
، (وَإِلاَّ فَلَا).
(وَإِنْ قَالَ: لَمْ تَزْنِ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي؛ فَهُوَ وَلَدُهُ فِي الْحُكْمِ)؛ لقَوله عليه السلام: «الولدُ للفِراش»
(3)
، (وَلَا لِعَانَ بَيْنَهُما)؛ لأِنَّ هذا لَيسَ بقذفٍ بظاهِرِه؛ لاحتمال أنَّه يريد أنَّه مِنْ زوجٍ آخَرَ، أوْ مِنْ وطءِ شبهةٍ، أوْ غير ذلك.
وإن
(4)
قال: ما وَلَدَتْه، وإنَّما الْتَقطَتْهُ، أو استعارَتْه، فقالت: بل هو وَلَدِي منك؛ لم يُقبَلْ قولُها إلاَّ ببيِّنةٍ، وهو قولُ أكثرِ العلماء، فعلى هذا: لا يَلحَقُه الولدُ إلاَّ أنْ تُقيم
(5)
بيِّنةً، وهي امرأةٌ مرضيَّةٌ بِوِلادَتِها له.
وقِيلَ: يُقبَلُ قَولُها، فيَلحَقُه النَّسَبُ، وهل له نَفْيُه باللِّعان؟ فيه وجْهانِ.
(وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ أَبَانَهَا، فَشَهِدَتِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ؛ لَحِقَهُ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّ شهادتَها بالوِلادة مقبولةٌ؛ لأِنَّها ممَّا لا يَطلِّع عليه الرِّجالُ.
(وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ، فَأَقَرَّ بِأَحَدِهِمَا وَنَفَى الآْخَرَ؛ لَحِقَهُ نَسَبُهُمَا)؛ أي: إذا ولدتْ تَوأمَينِ وبَينَهما أقلُّ من ستَّةِ أشْهُرٍ؛ لأِنَّه حَمْلٌ واحِدٌ، فلا يَجُوزُ أنْ يكونَ بعضُه منه وبعضُه مِنْ غَيره؛ لأِنَّ النَّسبَ يُحتاطُ لإثْباته، لا لِنَفْيِه.
فإنْ قلتَ: لِمَ لَمْ يُحكَمْ بنَفْيِ ما أقرَّ به تَبَعًا للذي نفاهُ؟
قلتُ: ثبوتُ النسب
(6)
مَبْنِيٌّ على التَّغليب، وهو يَثبُتُ بمجرَّد الإمكان وإنْ لم يَثبُت الوطءُ، ولا يَنتَفِي لِإمْكانِ النَّفْيِ، فافْتَرَقَا.
(1)
في (م): محتاج.
(2)
زيد في (م): وحده.
(3)
أخرجه البخاري (2053)، ومسلم (1457) من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4)
في (م): فإن.
(5)
في (م): يقيم.
(6)
قوله: (يحتاط لإثباته لا لنفيه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(وَيُلَاعِنُ لِنَفْيِ الْحَدَّ)؛ لأِنَّ اللِّعانَ تارةً يُرادُ لنَفْيِ الولد، وتارةً لِإسْقاطِ الحَدِّ، فإذا تعذَّر
(1)
نفي الولد لِمَا سَبَقَ؛ بَقِيَ اللِّعانُ لإسْقاطِ الحَدِّ.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يُحَدُّ)، ولا يَملِكُ إسْقاطَه باللِّعان؛ لأِنَّه باسْتِلْحاقه اعْتَرَفَ بكَذِبه في قذْفه، فلم يُسمَعْ إنكارُه بعدَ ذلك.
فإنْ ماتَا معًا، أوْ أحدُهما؛ فله أن
(2)
يُلاعِنَ لنفْيِ نسبِهما.
وقال بعضُ العلماء: يَلزَمُه نسبُ الحي
(3)
، ولا يُلاعِنُ إلاَّ لنَفْيِ الحَدِّ، لأنَّه
(4)
بالموت انقطع نسبُه؛ كمَوتِ أمِّه.
وجوابُه: أنَّ الميِّتَ يُنسَبُ إليه فيقال: ابنُ فُلانٍ، ويَلزَمُه تجهيزُه وتكفينُه
(5)
.
(1)
قوله: (تعذر) سقط من (م).
(2)
في (م): الذي.
(3)
في (م): الحر.
(4)
في (ظ): ولأنه.
(5)
كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: أَنْ تُكَذِّبَهُ الزَّوْجَةُ، وَيَسْتَمِرَّ ذَلِكَ إِلَى انْقِضَاءِ اللِّعَانِ)؛ لأِنَّه لا يَتِمُّ إلاَّ أنْ يُوجَدَ من الزَّوجَينِ، فإذا أقرَّت المرأةُ بالزِّنى؛ تعذَّر اللِّعانُ منهما
(1)
؛ لأِنَّ الإنسانَ لا يُستَحْلَفُ على ما أقرَّ به.
(فَإِنْ صَدَّقَتْهُ) مرَّةً أو أكثرَ، (أَوْ سَكَتَتْ)، أوْ عَفَتْ عنه، أوْ ثَبَتَ زِناها بأربعةٍ سواهُ، أوْ قَذَفَ مجنونةً بزِنًى قَبلَه، أوْ محصَنَةً فجُنَّتْ، أوْ ناطِقةً فخَرِسَتْ، نقَلَ ابنُ منصورٍ: أو صماء
(2)
؛ (لَحِقَهُ النَّسَبُ)؛ لأِنَّ الولدَ للفراش، وإنَّما يَنتَفِي عنه باللِّعان، ولم يُوجَدْ شَرْطُه، (وَلَا لِعَانَ فِي قِيَاسِ الْمَذْهَبِ)، ونَصَّ عليه
(3)
؛ لأنَّ
(4)
اللِّعانَ كالبيِّنة، وهي لا تُقامُ مع الإقرار.
ثُمَّ إنْ كان تصديقُها له قبلَ لعانه؛ فلا لِعانَ؛ لأِنَّ اللِّعانَ كالبيِّنة، إنَّما تُقامُ مع الإنكار، وإنْ كان بعدَ لِعانِه؛ لم تُلاعِنْ هي؛ لأنَّها لا تَحلِف مع الإقرار، وحكمُها كما لو
(5)
امتنعتْ مِنْ غيرِ إقرارٍ.
وإن
(6)
أقرَّتْ أربعًا؛ وَجَبَ الحَدُّ، ولا لِعانَ إذا لم يكن ثَمَّ نسبٌ يُنفَى، وإنْ رَجَعَتْ؛ سقط الحدُّ عنها، بغير خلافٍ عَلِمْناهُ
(7)
؛ لأِنَّ الرُّجوعَ عن الإقرار بالحدِّ مقبولٌ، ولا لِعانَ بَينَهما، لا للحدِّ؛ لتصديقها إيَّاه، ولا لنفْيِ
(1)
في (م): منها.
(2)
في (م): هما. وينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1861.
(3)
ينظر: زاد المسافر 3/ 342.
(4)
في (م): لا.
(5)
قوله: (كما لو) في (م): ولو.
(6)
في (م): فإن.
(7)
ينظر: المغني 8/ 94.
النَّسَب؛ لأِنَّ نفيَ الولد إنَّما يكون بلعانهما معًا، وقد تعذَّر منهما.
(وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ اللِّعَانِ)، أوْ قبلَ تَتِمَّتِه؛ فقد مات على الزَّوجيَّةِ؛ لأِنَّ الفُرقةَ لا تَحصُلُ إلاَّ بكمالِ اللِّعان، (وَرِثَه صَاحِبُهُ، وَلَحِقَهُ نَسَبُ الْوَلَدِ) نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّ النِّكاحَ إنَّما يَقطَعه اللِّعانُ؛ كالطلاق.
وقِيلَ: يَنتَفِي بلِعانه وحدَه مُطلَقًا؛ كدَرْءِ حدٍّ.
والأوَّلُ المذْهَبُ؛ لأِنَّ الشَّرعَ إنَّما رتَّبَ الأحكامَ على اللِّعان التَّامِّ، والحُكْمُ لا يَثبُتُ قبلَ إكمال
(2)
سَبَبِه.
فإنْ ماتَتْ بعدَ طَلَبِها للحَدِّ؛ قام وارِثُها مَقامَها.
(وَلَا لِعَانَ)؛ لأِنَّ شَرْطَه مُطالَبَةُ الزَّوجة، وقد تعذَّرَ بمَوتِها.
(وَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ؛ فَلَهُ لِعَانُهَا وَنَفْيُهُ)؛ لأِنَّ شُروطَ اللِّعان تَتَحقَّقُ بِدُونِ الولدِ، فلا يَنتَفِي بمَوته؛ لأِنَّه يُنسَبُ إليه.
(وَإِنْ لَاعَنَ وَنَكَلَتِ الزَّوْجَةُ عَنِ اللِّعَانِ؛ خُلِّيَ سَبِيلُهَا، وَلَحِقَهُ الْوَلَدُ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ
(3)
، وأبو بكرٍ، وابن
(4)
حمدانَ، وهي أصحُّ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ عَلَيها شيءٌ، ويَلحَقُه الولدُ؛ لأِنَّ نُكولَ الزَّوجة بمَنزِلةِ إقْرارِها.
وعُلِمَ منه: أنَّه لا حدَّ؛ لأِنَّ زِناها لم يَثْبُتْ، فإنَّه لو ثبت
(5)
زِناها بلِعانِ الزَّوج؛ لم يُسمَعْ لِعانُها، كما لو قامت به البيِّنةُ، ولا يَثبُتُ بنُكولها؛ لأِنَّ الحدَّ يُدرَأُ بالشُّبهة، وهي مُتمَكِّنَةٌ منه.
(1)
ينظر: مسائل حرب، النكاح 2/ 737.
(2)
في (م): الكمال.
(3)
كتب في هامش (ظ): (المذهب: لا).
(4)
في (م): وقال ابن.
(5)
في (م): ثبتت.
وقال الجُوزَجانيُّ، وأبو الفرَج، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين: تُحَدُّ
(1)
، قال في «الفروع»: وهو قَوِيٌّ؛ لقوله تعالى: الآيةَ {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ
…
(8)} [النُّور: 8].
ويُؤيِّدُ الأوَّلَ قَولُ عمرَ: «الرَّجْمُ على مَنْ زَنَى وقد أحْصَنَ، إذا كان بيِّنةٌ، أوْ كان الحَمْلُ، أو الاِعْتِرافُ»
(2)
، فلم يَذكُرِ اللِّعانَ، قال أحمدُ: أُجْبِرُها على اللِّعان، وَهِبْتُ أنْ أحكُمَ عليها بالرَّجْم؛ لأِنَّها لو أقرَّت
(3)
بلسانها لم أرْجُمْها إذا رَجَعَتْ، فكيف إذا أبَتِ اللِّعانَ؟!
(4)
(وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهَا تُحْبَسُ)، قدَّمها في «الكافي» و «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وصحَّحها القاضي
(5)
، (حَتَى تُقِرَّ) أربعًا، وقِيلَ: ثلاثًا، (أَوْ تُلَاعِنَ)؛ لقوله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ
…
(8)} الآيةَ [النُّور: 8]، فإذا لم تَشهَدْ؛ وَجَبَ ألاَّ يُدرَأَ عنها العذابُ.
ولا يَسقُطُ النَّسَبُ إلاَّ بالْتِعانِهما جميعًا؛ لأِنَّ الفِراشَ قائِمٌ، والولدُ للفِراش.
وحَكَى في «الفُروع» الخِلافَ مِنْ غَيرِ ترجيحٍ.
(وَلَا يُعْرَضُ) - بِضَمِّ الياء على البناء للمفعول - (لِلزَّوْجِ حَتَّى تُطَالِبَهُ
(6)
الزَّوْجَةُ)؛ يَعْنِي: لا يُتعرَّضُ له بإقامةِ الحدِّ عليه، ولا طَلَبِ اللِّعان منه حتَّى
(1)
ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 390، الفروع 9/ 212.
(2)
أخرجه البخاري (6829)، ومسلم (1691).
(3)
في (م): لو أقرتا.
(4)
ينظر: زاد المسافر 3/ 342.
(5)
كتب في هامش (ظ): (وابن البناء والشيرازي، وصححه في المذهب ومسبوك الذهب وقدمه في الخلاصة والنظم والحاوي الصغير وإدراك الغاية، وجزم به الأدمي في منتخبه والمنور والتنقيح والإقناع ومنتهى الإرادات، وقال في الإنصاف: قلت وهو المذهب؛ لاتفاق الشيخين عليه).
(6)
في (م): يطالب.
تُطالِبَه زَوجَتُه بذلك؛ لأِنَّه حقٌّ لها، فلا يُقامُ مِنْ غَيرِ طَلَبِها؛ كسائر الحقوق.
فإنْ عَفَتْ عن الحدِّ، أو لم تُطالِبْ؛ لم تجز
(1)
مُطالَبَتُه بنَفْيِه، ولا حدَّ، ولا لِعانَ.
ولا يَملِكُ وليُّ المجنونة والصَّغيرة وسيِّدُ الأَمَة المطالَبَةَ بالتَّعزير مِنْ أجْلِهنَّ؛ لأِنَّ هذا حقٌّ ثَبَتَ للتَّشَفِّي، فلا يقومُ الغَيرُ فيه مَقامَ المسْتحِقِّ؛ كالقِصاص.
(فَإِنْ أَرَادَ اللِّعَانَ مِنْ غَيْرِ طَلَبِهَا؛ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ يُرِيدُ نَفْيَهُ؛ فَلَهُ ذَلِكَ)، وقاله القاضي؛ لأِنَّه عليه السلام لَاعَنَ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ وزَوجَتَه، ولم تكُنْ طالَبَتْه، ولأنَّه
(2)
مُحتاجٌ إلى نَفْيِه، فيُشْرَعُ له
(3)
طريقٌ إليه، كما لو طالَبَتْه، ولأِنَّ نفيَ النَّسَب الباطلِ حقٌّ له، فلا يَسقُط بِرِضاها به؛ كما لو طالَبَتْ باللِّعان ورَضِيَتْ بالولد.
ويَحتَمِلُ: ألاَّ يُشرَعَ اللعان
(4)
؛ كما لو قَذَفَها فصدَّقته
(5)
؛ لأِنَّه أحدُ مُوجَبَيِ القَذْف، فلا يُشرَعُ مع عَدَم المطالبة له
(6)
كالحَدِّ.
(وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: إذا لم يكُنْ هناك ولدٌ يُرِيدُ نَفْيَه؛ لم يكُنْ له
(7)
أنْ يُلاعِنَ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(8)
؛ لأِنَّ الحاجةَ إلى اللِّعان لِإسْقاطِ الحَدِّ أوْ لِنَفْيِ
(1)
في (م): لم يجز.
(2)
في (م): لأنه.
(3)
قوله: (له) سقط من (م).
(4)
قوله: (اللعان) سقط من (م).
(5)
في (م): وصدقته.
(6)
قوله: (له) سقط من (ظ).
(7)
قوله: (له) مكانه بياض في (م).
(8)
قال في المغني 8/ 59: (هذا قول أكثر أهل العلم، ولا نعلم فيه مخالفًا، إلا بعض أصحاب الشافعي قالوا: له الملاعنة؛ لإزالة الفراش).
الولَدِ، والحَدُّ لم
(1)
يُطالَبْ به، والولدُ معدومٌ.
(1)
في (م): ولم.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا تَمَّ اللِّعَانُ بَيْنَهُمَا ثَبَتَ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ):
(أَحَدُهَا: سُقُوطُ الْحَدِّ عَنْهُ)؛ أيْ: عن الزَّوج إنْ كانَتْ زَوجتُه مُحصَنَةً، (أَوِ التَّعْزِيرُ) إنْ لم تكُنْ مُحصَنَةً؛ لقَولِ هلالِ بنِ أُمَيَّةَ: «واللهِ لا يُعذِّبُنِي اللهُ عليها
(1)
، كما لم يَجْلِدْني عليها»
(2)
، ولأِنَّ شهادتَه أُقِيمَتْ مَقامَ بيِّنته، وبيِّنتُه تُسقِطُ الحَدَّ، كذلك لِعانُه.
وإن
(3)
نَكَلَ عن اللِّعان، أوْ عَنْ إتمامه
(4)
؛ فعليه الحَدُّ، فإنْ ضُرب
(5)
بعضُه، فقال: أنا أُلاعِنُ، سُمِعَ ذلك منه؛ لأِنَّ ما أَسقط
(6)
كله أَسقط بعضَه؛ كالبيِّنة.
ولو نَكَلَتِ المرأةُ عن الملاعَنَة، ثُمَّ بَذَلَهَا
(7)
؛ سُمِعَ منها؛ كالرَّجل.
(وَلَوْ قَذَفَهَا بِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ)، سواءٌ ذَكَرَه في لِعانه أوْ لَا؛ (سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُ لَهُمَا)؛ لأِنَّ هلالَ بنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ زَوجَتَه بِشَرِيكِ بنِ سحماء
(8)
، ولم يَحُدُّه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِشَرِيكٍ
(9)
، ولا عزَّرَه له، ولأِنَّ اللِّعانَ بَيِّنةٌ في أحدِ الطَّرَفَينِ، فكان بيِّنةً في الآخَر؛ كالشَّهادة.
(1)
قوله: (عليها) سقط من (م).
(2)
سبق تخريجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما 8/ 487 حاشية (7).
(3)
في (م): فإن.
(4)
في (م): تمامه.
(5)
في (م): ضربت.
(6)
في (م): أسقطه.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي: بذلتها.
(8)
في (م): سمحاء.
(9)
كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما عند البخاري (4747).
لكِنْ إنْ لم يُلاعِنْ؛ فلِكُلِّ واحِدٍ منهما المطالَبةُ، وأيُّهما طَلَبَ؛ حُدَّ له دُونَ مَنْ لم يُطالِبْ؛ كما لو قَذَفَ رجلاً بالزِّنى بامْرأةٍ مُعَيَّنةٍ.
وقال أبو الخَطَّاب: يُلاعِنُ لإسْقاطِ الحَدِّ لها وللمُسمَّى.
فرعٌ: مَنْ نَفَى تَوأمَينِ، أوْ أكثرَ؛ كفاهُ لِعانٌ واحدٌ، ولو بعدَ مَوتِ أحدِهما، قال في «الشَّرح»: وإنْ أتَتْ بولدٍ فَلاعَنَ لنَفْيِه، ثُمَّ وَلَدَتْ آخَرَ لأِقلَّ من ستَّةِ أشْهُرٍ لم يَنتَفِ الثَّاني باللِّعان الأوَّلِ، ويَحتَمِلُ: أنْ يَنتَفِيَ بنَفْيِه مِنْ غَيرِ حاجةٍ إلى لِعانٍ ثانٍ.
(الثَّانِي: الفُرْقَةُ بَيْنَهُمَا) بتَمامِ تَلاعُنِهما، اختاره أبو بكرٍ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقاله ابنُ عبَّاسٍ وغَيره
(1)
، لقَولِ ابنِ عُمَرَ
(2)
: «المتَلاعِنانِ يُفرَّقُ بَينَهما، قال: لا يَجتَمِعانِ أبدًا» رواه سعيدٌ
(3)
، ولأِنَّه معنًى يَقتَضِي التَّحريمَ المؤبَّدَ، فلم يَقِفْ على حكمِ حاكِمٍ؛ كالرّضاع، ولأِنَّها لو وُقِفَتْ على تفريقِ الحاكم لساغ
(4)
تَرْكُ التَّفريق إذا لم يَرْضَيَا به؛ كالتَّفريق للعيب
(5)
والإعْسار، وتفريقُه صلى الله عليه وسلم بَينَهما بمَعْنَى إعْلامِه
(1)
لم نقف على أثر صريح عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد أخرج أحمد (2199)، وابن أبي شيبة (29067)، وأبو داود (2256)، والبيهقي في الكبرى (15355)، عن عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس حديث اللعان، وفيه قال:«وقضى - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا بيت لها عليه ولا قوت؛ من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها» ، وإسناده ضعيف من أجل عباد بن منصور الناجي.
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 8/ 63، والشرح الكبير 23/ 436 والمصادر الحديثية: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
(3)
تقدم تخريجه 7/ 495 حاشية (1)، وأخرج مسلم (1493)، عن سعيد بن جبير، أنه قال لابن عمر رضي الله عنهما: أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما؟ قال: «سبحان الله، نعم» . وذكر قصة اللعان.
(4)
في (م): لشاع.
(5)
في (ظ): للعنت.
لهما بحُصولِ الفُرْقةِ.
(وَعَنْهُ: لَا تَحصُلُ حَتَّى يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا)، في ظاهِرِ كلامِ الخِرقِيِّ، واختاره القاضِي، والشَّريف، وأبو الخَطَّاب، وابن البَنَّاء، والمؤلِّفُ؛ لِمَا رَوَى نافِعٌ عن ابنِ عمرَ:«أنَّ رجلاً لَاعَنَ امْرأتَه في زَمَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وانْتَفَى مِنْ وَلَدِها، ففرَّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَهما، وألْحَقَ الولدَ بالمرأة» رواه الجماعةُ
(1)
، وعن سعيدِ بنِ جُبَيرٍ قال: قُلْتُ لاِبنِ عمرَ: رجلٌ قَذَفَ امرأتَه؛ قال: فرَّقَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَ أخَوَيْ بَنِي عَجْلانَ، وقال:«اللهُ يَعلَمُ أنَّ أحدكما كاذِبٌ؛ فهل مِنكما تائِبٌ؟» يُردِّدُها ثلاثَ مرَّاتٍ، فأَبَيَا، ففرَّقَ بَينَهما، متَّفَقٌ عليه
(2)
.
قِيلَ: إنَّ الفُرقةَ لم تَحصُلْ بمجرَّدِ اللِّعان، فَعَلَى هذه: إنْ طلَّقَها قبلَ التَّفريق؛ لَحِقَها طلاقُه.
ويَلزَمُ الحاكِمَ الفُرْقةُ مِنْ غَيرِ طَلَبٍ؛ لأِنَّه صلى الله عليه وسلم فرَّق بَينَهما مِنْ غَيرِ اسْتِئْذانهما، وعليها: لو لم يُفرِّقِ الحاكِمُ بَينَهما؛ كان النكاح
(3)
بحاله، قاله المؤلِّفُ.
وقال الشَّافِعيُّ: تَحصُلُ الفُرْقَةُ بلِعانِ الزَّوج وحدَه، وإنْ لم تَلتعِن
(4)
هي؛ كالطَّلاق
(5)
.
(1)
أخرجه مالك (2/ 567)، ومن طريقه أحمد (4527)، والبخاري (6748)، ومسلم (1494)، وأبو داود (2259)، والتِّرمذي (1203)، والنسائي (3477)، وابن ماجه (2069).
(2)
في (م): عليهما. والحديث أخرجه البخاري (5311)، ومسلم (1493).
(3)
قوله: (كان النكاح) في (م): كالنكاح.
(4)
في (م): لم يلتعن.
(5)
ينظر: الأم 5/ 309.
قال المؤلِّفُ: ولا نَعلَمُ أنَّ أحدًا وافَقَه على ذلك.
وعَلَيهما: فُرْقَةُ اللِّعان فَسْخٌ؛ لأِنَّها فُرقةٌ تُوجِبُ تحريمًا مُؤَبَّدًا، فكانَتْ فَسْخًا؛ كالرّضاع.
(الثَّالِثُ: التَّحْرِيمُ الْمُؤَبَّدُ)، نَقَلَه واختاره الأكثرُ
(1)
؛ لقَولِ سَهْلِ بنِ سعدٍ: «مَضَتِ السُّنَّةُ في المتَلاعِنَينِ أنْ يُفرَّقَ بَينَهما، لا يَجتَمِعانِ أبدًا» رواه الجُوزَجَانيُّ وأبو داودَ، ورجالُه ثِقاتٌ
(2)
، ورَوى الدَّارَقُطْنِيُّ ذلك عن عليٍّ
(3)
، ولأِنَّه تحريمٌ لا يَرتَفِعُ قبلَ الجَلدْ والتَّكذيب، فلم يرتفع
(4)
بهما؛ كتَحريمِ الرّضاع.
(وَعَنْهُ: إِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ)، وعاد فِراشُه بحاله؛ كما لو لم يلاعِن
(5)
، ولكِن هذه الرِّوايةُ شذَّ بها حنبلٌ
(6)
عن أصحابه، قال أبو بكرٍ: لا نَعلَمُ أحدًا رواها غيرُه.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1630، الروايتين والوجهين 2/ 198.
(2)
أخرجه أبو داود (2250)، وأبو عوانة (4676)، والطبراني في الكبير (5684)، والدارقطني (3704)، وصححه أبو عوانة، والألباني وقال:(إسناده على شرط مسلم)، لكن وقع خلاف في نسبة هذا القول هل هو للزهري أو لسهل بن سعد رضي الله عنه، والذي في البخاري (5259)، ومسلم (1492)، قال ابن شهاب:«فكانت سنة المتلاعنين» ، ومال الشافعي إلى صحة نسبته لهما. ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 595، الفتح 9/ 452، الإرواء 7/ 188.
(3)
أخرجه الدارقطني (3708)، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه عبد الرحمن بن هانئ وهو ضعيف، وأبو مالك النخعي الواسطي وهو متروك. وأخرجه عبد الرزاق (12436)، وابن أبي شيبة (17370)، والبيهقي في الكبرى (15358)، عن علي قال:«لا يجتمع المتلاعنان أبدًا» ، وإسناده ضعيف؛ فيه قيس بن الربيع، وقد ضعفه جماعة، قال الألباني:(وإسناده حسن في المتابعات على الأقل؛ لأن قيس بن الربيع فيه ضعف من قبل حفظه). ينظر: الصحيحة 5/ 599.
(4)
في (م): فلم تقع.
(5)
في (م): لم تلاعن.
(6)
كذا في الروايتين والوجهين 2/ 198، والذي في زاد المسافر 3/ 343 من رواية حنبل:(والملاعن إذا أكذب نفسه لم يجتمعا أبدًا، تزوجت أو لم تتزوج).
قال المؤلِّفُ: ويَنبَغِي أنْ يُحمل
(1)
على ما
(2)
إذا لم يُفرِّق الحاكِمُ، فأمَّا مع تفريقه؛ فلا وجْهَ لِبَقاءِ النِّكاح بحاله.
وأغْرَبُ منه قَولُ سعيدِ بنِ المسيِّب: أنَّه إذا أكْذَبَ نَفسَه، فهو خاطِبٌ من الخُطَّاب.
(وَإِنْ لَاعَنَ زَوْجَتَهُ الْأَمَةَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا؛ لَمْ تَحِلَّ لَهُ)؛ لأِنَّه تحريمٌ مُؤبَّدٌ كالرّضاع، ولأِنَّ المطلِّقَ ثلاثًا إذا اشْتَرَى مُطلَّقَتَه لم تَحِلَّ له قبلَ زوجٍ وإصابةٍ، فهُنا أَوْلَى؛ لأِنَّ هذا التَّحريمَ مؤبَّد
(3)
، وتحريمُ الطَّلاق يَختَصُّ النِّكاح.
(إِلاَّ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى)؛ أي: الضَّعيفة، فإنَّها تَحِلُّ له.
(وَإذا
(4)
قُلْنَا: تَحِلُّ لَهُ الزَّوْجَةُ بِإِكْذَابِ نَفْسِهِ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وُجِدَ مِنْهُ
(5)
طَلَاقٌ؛ فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى النِّكَاحِ)؛ لأِنَّ اللِّعانَ على هذا القَولِ لا يَحرُمُ على التَّأْبيد، وإنَّما يُؤمَرُ بالطَّلاق، كما يُؤمَرُ المُولِي به إذا لم يأتِ بالفَيئة، فإذا لم يأتِ بالطَّلاق؛ بَقِيَ النِّكاحُ بحاله، وزال الإجْبارُ على الطَّلاق؛ لتَكذيبِ نفسه.
(وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ
(6)
طَلَاقٌ دُونَ الثَّلَاثِ؛ فَلَهُ رَجْعَتُهَا)؛ كالمطلَّقة دُونَ الثَّلاث بغَيرِ عِوَضٍ.
(الرَّابِعُ: انْتِفَاءُ الْوَلَدِ عَنْهُ بِمُجَرَّدِ اللِّعَانِ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ)؛ لِمَا رَوَى
(1)
في (م): تحمل.
(2)
قوله: (ما) سقط من (ظ).
(3)
في (ظ): يؤبد.
(4)
في (م): فإذا.
(5)
في (م): منها.
(6)
قوله: (منه) سقط من (م).
سهلُ بنُ سعدٍ: «أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فرَّقَ بَينَهما»
(1)
، ولا يُدْعَى ولدها، وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَّا لَاعَنَ بَينَ هلالٍ وامرأتِه ففرَّقَ بينهما
(2)
، وقَضَى ألاَّ يُدْعَى ولدُها لأِبٍ، ولا يُرْمَى ولدُها، ومَن رماها أو رَمَى ولدَها؛ فعليه الحَدُّ» رواه أحمدُ وأبو داودَ
(3)
.
فظاهِرُه: أنَّه لا يُشترَط ذِكْرُه فيه، ولأِنَّه أحدُ مَقصودي اللِّعان، فيَثبُتُ به؛ كإسقاط الحَدِّ.
والمذْهَبُ؛ كما اختاره الخِرَقِيُّ والقاضي، وصحَّحه في «الكافي» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّه لا يَنتَفِي إلاَّ بذِكْرِه؛ لأنَّه
(4)
شخصٌ يَسقُط باللِّعان، فكان ذِكْرُه شرْطًا؛ كالزوجية
(5)
، ورجَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وأجابا عن حديثِ سهلٍ: بأنَّ ابنَ عمرَ رَوَى القِصَّةَ، وذَكَرَ فيها: «أنَّ رجلاً لَاعَنَ امرأتَه في زَمَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وانْتَفَى مِنْ ولدِها، ففرَّقَ النبي صلى الله عليه وسلم
(6)
بَينَهما، وألْحَقَ الولدَ بالمرأة»
(7)
، والزِّيادةُ من الثِّقة مَقبولةٌ، فعلى هذا: لا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الولد في كلِّ لفظةٍ، ومع اللَّعْن في الخامسة؛ لأِنَّها من لَفظات اللِّعان.
(وَيَنْتَفِي عَنْهُ حَمْلُهَا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ)، هذا هو ظاهِرُ كلامِ أبي بكرٍ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لَاعَنَ على الحَمْل» رواه أحمدُ
(8)
، ولأِنَّ
(1)
أخرجه البخاري (6854).
(2)
قوله: (ولا يدعى ولدها، وفي حديث ابن عباس
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
سبق تخريجه 8/ 487 حاشية (7).
(4)
في (م): لا.
(5)
في (م): كالزوجة.
(6)
قوله: (النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (ظ).
(7)
أخرجه البخاري (5313)، ومسلم (1494).
(8)
أخرجه أحمد هكذا مختصرًا (3339)، وأخرجه (2131) بلفظ:«وقضى أن لا يدعى ولدها لأب، ولا ترمى هي به ولا يرمى ولدها، ومن رماها أو رمى ولدها، فعليه الحد» ، وقد سبق تخريجه 8/ 487 حاشية (7).
الحَمْلَ تثبت
(1)
له الأحكامُ الثابتة
(2)
بعدَ الوَضْعِ؛ مِنْ وُجوبِ النَّفَقة، والمسْكَنِ، ونَفْيِ طلاقِ البِدْعةِ، ووجوبِ الاِعْتِداد به، فكان كالمتيقَّن.
(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يَنْتَفِي حَتَّى يَذْكُرَهُ فِي اللِّعَانِ).
منصوصُ أحمدَ في روايةِ الجماعة: أنَّه لا يَصِحُّ نَفْيُ الحَمْل، وقال: لعلَّه
(3)
يكون ريحًا
(4)
، وعلى هذا عامة
(5)
الأصحاب، مُعتَمِدينَ: بأنَّه قد يكون ريحًا، وقد يكونُ غيرَه، فيَصِيرُ نفيُه مشروطًا بوجوده، ولأِنَّ الأحكامَ التي يَنفَرِدُ بها الحَمْلُ تَقِفُ على وِلادَته؛ بدليلِ الميراث والوصيَّة، فعلى هذا: لا بُدَّ أنْ يَنفِيَه عندَ وَضْعِها له ويلاعن
(6)
.
(فَإِذَا قَالَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ زَنَتْ، يَقُولُ: وَمَا هَذَا الْوَلَدُ وَلَدِي، وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاللهِ لَقَدْ كَذَبَ، وَهَذَا الْوَلَدُ وَلَدُهُ)، وقال القاضي: يُشترَط أنْ يقولَ: هذا الولدُ من زِنًى ولَيسَ مِنِّي، والصَّحيحُ خلافُه.
(وَإِنْ
(7)
نَفَى الْحَمْلَ فِي الْتِعَانِهِ؛ لَمْ يَنْتَفِ حَتَّى يَنْفِيَهُ عِنْدَ وَضْعِهَا وَيُلَاعِنَ)؛ لأِنَّ ذلك زَمَنُ لُحُوقِ الولَدِ.
والأوَّلُ أَوْلَى وأصحُّ؛ لأِنَّه عليه السلام لَاعَنَ بَينَ هلالٍ وامرأتِه قبلَ أنْ تَضَعَ
(8)
، ونَفَى الحَمْلَ عنه.
(1)
قوله: (ولأن الحمل تثبت) في (م): ثبتت.
(2)
في (م): الثانية.
(3)
في (م): ولعله.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1862، مسائل حرب، النكاح 2/ 734.
(5)
في (ظ): غاية.
(6)
في (م): وتلاعن.
(7)
في (م): فإن.
(8)
كما في البخاري (4746)، ومسلم (1492)، في حديث سهل بن سعد رضي الله عنه:«وكانت حاملاً فأنكر حملها» .
ويَنبَنِي على الخلاف: اسْتِلْحاقُه، والمنصوصُ في روايةِ ابنِ القاسِمِ: أنَّه لا يَصِحُّ اسْتِلْحاقُه قبلَ وَضْعِه
(1)
، وقِيلَ: بلى.
وله نَفْيُه بعده
(2)
باللِّعان، نَصَّ عليه
(3)
، ولا يَنفِيهِ في لعانه حتَّى يَنفِيَه بعدَ وَضْعِه وقتَ العِلْمِ به.
وقِيلَ: أوْ في مَجْلِسِ العلم، ويُلاعِنُ له.
وقِيلَ: يَنتَفِي بذِكْرِه فيه، وقِيلَ: وبِدونِه.
وإنْ أخَّر نَفْيَه لم يَسقُطْ، وقِيلَ: إنْ أقرَّ به، ثمَّ نَفاهُ بعدَ وَضْعِه؛ صحَّ نَفْيُه، نَصَّ عليه.
(1)
ينظر: شرح الزركشي 5/ 524.
(2)
في (م): بعدد.
(3)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1862.
(فَصْلٌ)
(وَمِنْ شَرْطِ نَفْيِ الْوَلَدِ: أَلاَّ يُوجَدَ مِنْهُ
(1)
دَلِيلٌ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ)؛ لأِنَّ الدَّليلَ على الإقرار به بمنزلة الإقْرارِ به، (فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ)؛ لم يَملِكْ نَفْيَه في قَولِ أهلِ العلم، (أَوْ) أَقَرَّ (بِتَوْأَمِهِ، أَوْ نَفَاهُ وَسَكَتَ عَنْ تَوْأَمِهِ)؛ لَحِقَه نَسَبُه، ولم يكُنْ له نَفْيُه؛ لأِنَّه إذا أقرَّ بأحدهما كان إقرارًا بالآخَرِ.
(أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ
(2)
؛ كان إقرارًا به، ذَكَرَه أبو بكرٍ؛ لأِنَّ السُّكوتَ دليلٌ على الرِّضا في حقِّ المنكِرِ، فهُنا أَوْلَى.
(أَوْ أَمَّنَ عَلَى الدُّعَاءِ)؛ لَزِمَه في قولهم جميعًا، وكذا إنْ قال: أحْسَنَ اللهُ جزاءكَ، أوْ بارَكَ اللهُ عَلَيكَ، أوْ رَزَقَك اللهُ مِثْلَه.
(أَوْ أَخَّرَ نَفْيَهُ مَعَ إِمْكَانِهِ)، وقِيلَ: له نَفْيُه في مَجلِسِ عِلْمِه فقط؛ (لَحِقَهُ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّ ذلك كلَّه دليلُ على الإقرار به، (وَلَمْ يَمْلِكْ نَفْيَهُ)؛ لأِنَّ نفيَه ثَبَتَ لنَفْيِ ضررٍ متحَقِّقٍ
(3)
، فكان على الفور؛ كخِيارِ الشُّفْعة.
قال أبو بكرٍ: لا يتقدَّر
(4)
ذلك بثلاثٍ، بل هو على ما جَرَتْ به العادةُ، إنْ كان ليلاً فحتَّى يُصبِحَ وينتشر
(5)
النَّاس، وإنْ كان جائعًا أوْ ظَمْآنَ فحتَّى يأكُلَ أو يشرب
(6)
، وإن
(7)
كان ناعِسًا فحتَّى يَنامَ، أوْ يَلبَسَ ثَوبَه ويُسْرِجَ دابَّتَه
(1)
قوله: (منه) سقط من (ظ).
(2)
في (م): وسكت.
(3)
في (م): محقق.
(4)
في (م): لا يتعذَّر.
(5)
في (ظ): وتنتشر.
(6)
في (ظ): ويشرب.
(7)
في (ظ): فإن.
ويَركَبَ ويُصلِّيَ إنْ حَضَرَت الصَّلاةُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَخَّرْتُ
(1)
نَفْيَهُ رَجَاءَ مَوْتِهِ
(2)
؛ لَمْ يُعْذَرْ بِذَلِكَ)؛ لأِنَّ الموتَ قريبٌ غَيرُ متيقَّنٍ، فتعليقُ النَّفي عليه تعليقٌ على أمرٍ مَوهُومٍ.
(وَإِنْ قَالَ: لَمْ أَعْلَمْ بِهِ)؛ أيْ: بالوِلادة، وأمْكَنَ صِدقُه؛ بأنْ يكونَ في مكانٍ يَخْفَى عليه، بخلافِ ما إذا كان معها في الدَّار؛ لأِنَّ الأصلَ عدمُ العِلْم.
(أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِي نَفْيَهُ، أَوْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْفَوْرِ)، وكان ذلك مِمَّا يَخْفَى كعامَّة النَّاس؛ قُبِلَ منه، ولأنَّه مما
(3)
يَخْفَى عليهم؛ كحديثِ العَهْد بالإسلام، والنَّاشِئِ بباديةٍ.
فإنْ كان فقيهًا؛ لم يُقبَلْ منه؛ لأِنَّه لا يَخْفَى عليه مِثْلُه.
وقِيلَ: بَلَى؛ لأِنَّ الفقيهَ يَخْفَى عليه كثيرٌ من الأحكام.
(وَأَمْكَنَ صِدْقُهُ) بما ذَكَرْنا؛ (قُبِلَ مِنْهُ
(4)
؛ لأِنَّه مُحتَمِلٌ، (وَلَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ)؛ لأِنَّه معذورٌ.
(وَإِنْ أَخَّرَهُ لِحَبْسٍ، أَوْ مَرَضٍ، أَوْ غَيْبَةٍ، أَوْ شَيْءٍ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ؛ لَمْ يَسْقُطْ نَفْيُهُ)؛ أيْ: إذا كان عُذْرٌ يَمنَعُه الحضورَ كما مثَّلَه، وكالاِشْتِغال بحِفْظِ مالٍ يَخافُ ضَيعتَه.
فإنْ كانَتْ مدَّةُ ذلك قصيرةً؛ لم يَبطُلْ نَفْيُه؛ لأِنَّه بمنزلةِ مَنْ عَلِمَ ليلاً
(5)
فأخَّره إلى الصُّبح، وإنْ كانَتْ طويلةً وأمْكَنَه التَّنفيذ
(6)
إلى حاكِمٍ لِيَبعَثَ إليه مَنْ
(1)
قوله: (أخرت) سقط من (م).
(2)
قوله: (موته) سقط من (م).
(3)
في (ظ): ولأنهما.
(4)
في (م): قوله.
(5)
قوله: (ليلاً) سقط من (م).
(6)
في (م): التَّقيُّد.
يَسْتَوْفِي عليه اللِّعانَ والنَّفْيَ، فلم يَفعَلْ؛ سَقَطَ نَفْيُه.
وإنْ لم يُمكِنْه؛ أشْهَدَ على نفسه أنَّه نافٍ لولدِ امْرَأتِه، فإنْ لم يفعل
(1)
؛ بَطَلَ خيارُه؛ لأِنَّه إذا لم يَقدِرْ على نَفْيِه؛ قام الإشْهادُ مَقامَه.
فرعٌ: إذا قال: لم أصدِّق المُخبِرَ به
(2)
، وهو عَدْلٌ، أوْ قد اسْتَفاضَ الخبرُ؛ لم يُقبَلْ قَولُه، وإلاَّ قُبِلَ منه.
وكلُّ مَوضِعٍ لَزِمَه الولدُ؛ لم يكُنْ له نَفْيُه بعدَ ذلك
(3)
.
(وَمَتَى أَكْذَبَ نَفْسَهُ بَعْدَ نَفْيِهِ؛ لَحِقَهُ النَّسَبُ)؛ أيْ: إذا لَاعَنَ امرأتَه ونَفَى ولدَها، ثُمَّ أكْذَبَ نفسَه؛ لَحِقَه الولدُ إذا كان حيًّا، غنِيًّا كان أوْ فقيرًا، بغَيرِ خِلافٍ
(4)
، وكذا إنْ كان ميتًا.
وقال الثَّوريُّ: إذا اسْتَلْحَقَ الولدَ الميتَ
(5)
، وكان ذا مالٍ؛ لم يَلحَقْه؛ لأِنَّه إنَّما يَدَّعِي مالاً، وإلاَّ لَحِقَه.
وقال الحَنَفِيَّةُ
(6)
: إنْ كان الولدُ الميِّتُ ترك ولدًا؛ ثبَتَ نَسَبُه من المسْتَلْحِق، وتَبِعَه نسبُ ابنه، وإن لم يكن ترك ولدًا؛ لم يَصِحَّ استلحاقه، ولم يَثبُتْ نَسَبُه، ولا يَرِثُ منه المدَّعِي شيئًا؛ لأِنَّ نسبَه مُنقَطِعٌ بالموت.
وجوابه: أنَّ هذا ولدٌ نفاه باللِّعان، فكان له اسْتِلحاقُه
(7)
؛ كما لو كان حيًّا؛ لأنَّهم
(8)
جَعَلُوا نَسَبَ الولد تابِعًا لِنَسبِ ابنه؛ أيْ: يَتبَعُ الأصلُ الفرعَ،
(1)
في (ظ): لم يقبل. والمثبت موافق للكشاف 12/ 546 نقلاً عن المبدع.
(2)
في (م): المجنونة.
(3)
قوله: (بعد ذلك) سقط من (م).
(4)
ينظر: المغني 8/ 71.
(5)
في (م): بالميت.
(6)
ينظر: تبيين الحقائق 3/ 19.
(7)
في (م): استلحاق.
(8)
في (م): ولأنهم.
وهو مردودٌ، وعن الثَّوريِّ: إنَّما يَدَّعِي النَّسبَ، والميراثُ تبعٌ
(1)
له.
(وَلَزِمَهُ الْحَدُّ إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ مُحْصَنَةً)، سواءٌ أَكْذَبها
(2)
قبلَ لعانه أوْ بعده
(3)
، بغير خلافٍ نعلَمهُ
(4)
؛ لأِنَّ اللِّعانَ أُقِيمَ مُقامَ البيِّنة في حقِّ الزَّوج، فإذا
(5)
أكْذَب نفسَه؛ فإنَّ لِعانَه كَذِبٌ، وزيادةٌ في هَتْكها، وتَكْرارٌ لِقَذْفِها، فلا أقلَّ من أنْ يَجِبَ الحَدُّ الذي كان
(6)
واجبًا بالقذف المجرَّد.
فإنْ عاد عن إكْذابِ نفسِه، وقال: لي بيِّنة أُقِيمُها بزناها، أو أراد إسقاطَ الحدِّ باللِّعان؛ لم تُسمَعْ؛ لأِنَّ البيِّنةَ واللِّعان لتحقُّق ما قاله، وقد أقرَّ بكَذِبِ نفسِه، فلا يُقبَلُ منه خلافه
(7)
.
(أَوِ التَّعْزِيرُ
(8)
إِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً)؛ كقَذْفِ غيرِ زوجته، وحينئذ
(9)
: يَنجَرُّ النَّسبُ من جِهَة الأمِّ إلى جهة الأب؛ كالولاءِ، وتوارثا.
وقد عُلِمَ منه: أنَّه إذا اسْتَلْحَقَه ورثتُه
(10)
، وقد نفاه باللِّعان؛ أنَّه
(11)
لا يلحق به، نصَّ عليه
(12)
.
وفي
(13)
«المستوعب» روايةٌ: لا يُحَدُّ.
(1)
في (م): نفع.
(2)
في (م): كذبها.
(3)
في (م): بعد.
(4)
ينظر: المغني 8/ 67.
(5)
في (م): فإن.
(6)
قوله: (كان) سقط من (م).
(7)
في (م): خلاف.
(8)
في (م): والتعزير.
(9)
في (م): فحينئذ.
(10)
في (ظ): ورثه.
(11)
في (ظ): أنَّه.
(12)
ينظر: المحرر 2/ 100.
(13)
في (م): في.
وإنْ نَفَى مَنْ لا يَنتَفِي، وأنَّه مِنْ زنًى؛ حُدَّ في روايةٍ اختارها القاضي وغيرُه.
وعنه: إنْ لم يُلاعِنْ، اختارها أبو الخطَّاب، والمؤلِّفُ.
ومَن نَفَى أولادًا؛ فلِعانٌ واحدٌ.
(فَصْلٌ فِيمَا يَلْحَقُ مِنَ النَّسَبِ)
(مَنْ أَتَتِ امْرَأَتُهُ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْهُ)، ولو مع غَيبته عشرينَ سنةً، ذَكَرَه في «المغْنِي» ، وعليه نصوصُ أحمد
(1)
، والمرادُ: ويَخفَى سيره
(2)
، وإلاَّ فالخِلافُ على ما ذَكَرَه في «التَّعليق» وغيرِه، ولا يَنقطِعُ الإمكانُ عنه
(3)
بالحيض، قاله في «التَّرغيب» .
(وَهُوَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَمْكَنَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا، وَلِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا، وَهُوَ مِمَّنْ يُولَدُ لِمِثْلِهِ)؛ كابنْ عَشْرِ سِنينَ، وقِيلَ: وتِسْعٍ، وقِيلَ: اثنتي عشرةَ.
واختار أبو بكرٍ، وابنُ عقيلٍ، وأبو الخَطَّاب: لا يَلحَقُه حتَّى يَبلُغَ؛ كما لا يَملِكُ نَفْيَه حتَّى يعلَمَ بلوغَه؛ للشَّكِّ في جِهَةِ يمينِه.
والمذهَبُ: ما ذَكَرَه المؤلِّفُ كغَيرِه.
(لَحِقَهُ نَسَبُهُ)، ما لم يَنفِهِ بلعانٍ
(4)
؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «الولدُ للفراش»
(5)
، ولأِنَّه يُمكِنُ كَونُه منه؛ لقوله عليه السلام:«واضْرِبوهم عليها لعشرٍ، وفرِّقُوا بَينَهم في المضاجع»
(6)
.
وعلى هذا: لا يَصِيرُ بالِغًا، ولا يتقرَّر به مهرٌ، ولا تثبت
(7)
به عِدَّةٌ، ولا رَجعةٌ.
(1)
ينظر: الفروع 9/ 216.
(2)
في (م): مسيره.
(3)
في (ظ): عليه. والمثبت موافق للفروع، والمراد: إمكان الاجتماع.
(4)
في (م): باللعان.
(5)
أخرجه البخاري (2053)، ومسلم (1457)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
تقدم تخريجه 1/ 451 حاشية (2).
(7)
في (م): ولا يثبت.
قال في «الفروع» : (ويتوجَّه فيه
(1)
قَولٌ؛ كثبوت الأحكام بصومِ يومِ الغيم
(2)
، ونقل حربٌ فِيمَنْ طلَّق قبلَ الدُّخول وأتَتْ بولدٍ فأنكره: يَنتَفِي باللِّعان، وأخَذَ شَيخُنا من هذه الرِّواية أنَّ الزَّوجةَ لا تَصيرُ فِراشًا إلاَّ بالدُّخول، واختاره.
وفي
(3)
«الانتصار» : لا يَلحَقُ مطلقًا
(4)
إن اتَّفَقا أنَّه لم يَمَسَّها.
ونَقَلَ مُهَنَّى: لا يَلحَقُ الولدُ حتَّى يُوجَدَ الدُّخولُ)
(5)
.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأنَّه
(6)
زمن يُمكِنُ البُلوغُ فيه، فيَلحَقُه الولدُ كالبالغ، وقد رُوِيَ: أنَّه لم يَكُنْ بين عمرِو بنِ العاص وابنه عبد الله
(7)
إلاَّ اثنتا عَشْرَةَ سنةً، وما عُهِدَ بلوغٌ لِتِسْعٍ.
ويَلحَقُ النَّسب في النِّكاح الفاسد؛ كالصَّحيح، وقِيلَ: إن اعتقد فسادَه فلا.
فرعٌ: إذا تحمَّلتْ ماءَ زوجها؛ لَحِقَه نسبُ مَنْ ولَدَتْه منه، وفي العدَّة والمهرِ وجْهانِ.
فإنْ كان حرامًا، أوْ ماءَ مَنْ ظنَّتْه زوجَها؛ فلا نَسَبَ، ولا مهرَ، ولا عِدَّةَ في الأصحِّ فيها.
(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَوْنُهُ مِنْهُ، مِثْلَ أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ تَزَوَّجَهَا،
(1)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(2)
قوله: (الغيم) سقط من (م).
(3)
في (م): في.
(4)
في (م): بمطلق.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 216.
(6)
في (ظ): والأصح الأول، أنَّه.
(7)
في (م): روى ابن عمرو بن العاص وابنه لم يكن بينهما.
أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ أَبَانَهَا)؛ لم يَلحَقْهُ؛ لأِنَّا علمنا
(1)
أنَّها عَلِقَتْ به قَبْلَ النِّكاح، ولا يَحتاجُ إلى نفيه باللِّعان، ولأِنَّ اللِّعان يمينٌ، واليمينُ جُعِلَتْ لتحقُّق أحدِ الجائزَينِ ونفْيِ أحدِ المحْتَمِلَينِ، وما لا يَجوزُ لا يحتاجُ إلى نفيِه
(2)
.
(أَوْ أَقَرَّتْ بِانْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِالقُرُوءِ
(3)
، ثُمّ أَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ بَعْدَهَا)؛ لم يَلحَقْه، وقاله ابنُ سُريج
(4)
؛ لأِنَّها أتَتْ به بعدَ الحُكمِ بانقضاء عدَّتها في وقتٍ يُمكِنُ ألاَّ يكونَ منه، فلم يَلحَقْه؛ كما لو انْقَضَتْ عدَّتُها بالحمل، وإنَّما يُعتبَرُ الإمْكانُ مع بقاء الزَّوجيَّة والعِدَّة، وأمَّا بعدَهما فلا يُكتفى بالإمكان لِلَحاقِه، وإنَّما يكتفى بالإمكان لنفيه، وذلك أنَّ الفراشَ سببٌ، ومع وجود السَّبب
(5)
يُكتفى بإمكان الحكم
(6)
، فإذا
(7)
انتفى السَّببُ؛ انْتَفى الحكمُ لاِنْتِفائه، ولا يُلتَفَتُ إلى مجرَّد الإمكان.
وظاهِرُه: أنَّها إذا أقرَّت بانقضاء عدَّتها بالقروء
(8)
، ثمَّ أتَتْ به لأِقلَّ مِنْ ستَّة أشهُرٍ مِنْ آخِر أقرائِها؛ يَلحَقُه، صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لِعِلْمِنا أنَّها كانتْ حامِلاً في زَمَن رؤيةِ الدَّم، فيَلزَمُ ألاَّ يكونَ الدَّمُ حَيضًا.
(أَوْ فَارَقَهَا حَامِلاً فَوَضَعَتْ، ثُمَّ أَتَتْ بِآخَرَ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ)؛ لم يَلحَقْه؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ أنَّه يكون الوَلَدانِ حملاً واحدًا وبَينَهما مدَّةُ الحَمْل، فعُلِمَ أنَّها
(1)
في (م): نعلم.
(2)
قوله: (باللعان ولأن اللعان يمين
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
في (م): بالقرء.
(4)
في (م): ابن شريح.
(5)
في (م): مع وجود النسب.
(6)
في (ظ): الحكمة.
(7)
في (م): فإن.
(8)
في (م): بالقرء.
عَلِقَتْ به بعدَ زوال الزَّوجيَّة وانْقِضاء العِدَّة، وكونِها أجنبيَّةً كسائر الأجنبيَّات.
وظاهِرُه: أنَّها إذا وَضَعَت لِدُونِ ستَّة أشْهُرٍ؛ أنَّه يَلحَقُه.
(أَوْ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَجْتَمِعْ بِهَا)، وله صُوَرٌ؛ (كَالتِي يَتَزَوَّجُهَا
(1)
بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، ثُمَّ يُطَلِّقُهَا فِي الْمَجْلِسِ) قبلَ غيبته عنهم، وتأتِي به لستَّة أشْهُرٍ، وذلك عِلْمٌ حِسِّيٌّ ونَظَرِيٌّ، (أَوْ يَتَزَوَّجُهَا
(2)
وَبَيْنَهُمَا مَسَافَةٌ) بعيدةٌ، (لَا يَصِلُ إِلَيْهَا فِي الْمُدَّةِ التِي أَتَتْ بِالْوَلَدِ فِيهَا)؛ كمَشرِقِيٍّ يتزوَّج مغربيَّةً، فإنَّ الوقتَ لا يَسَعُ مدَّة
(3)
الولادة وقُدومَه وَوَطأه بعدَه وأقلَّ مدَّة الحَمْلِ؛ للقَطْع بأنَّ الوَطْءَ لَيسَ مُمْكِنًا.
والمرادُ: وعاش، وإلاَّ لَحِقَه بالإمكان، كما بعدها، قاله في «الفروع» ؛ لأِنَّه لم يَحصُلْ منه إمْكانُ الوطء في هذا العَقْد، فلم يَلحَقْ به؛ كزوجة الطِّفل، أو كما
(4)
ولدَتْه لِدونِ ستَّة أشْهُرٍ، والإمْكانُ إذا وُجد لم
(5)
يُعلم أنَّه ليس
(6)
منه قطعًا؛ لجواز أنْ يكونَ وَطِئَها من حَيثُ لا تَعلَمُ، ولا سبيلَ إلى معرفةِ حقيقة الوطء، فعلَّقنا
(7)
الحكمَ على إمكانه في النِّكاح، ولم يَجُزْ حذفُ الإمكان عن الاعتبار؛ لأِنَّه إذا انتفى حصل اليقينُ بانتفائه عنه.
وفي «التَّعليق» ، و «الوسيلة» ، و «الانتصار»: ولو أمْكنَ، ولا يَخفَى السَّيرُ؛ كأميرٍ وتاجرٍ كبيرٍ، ومثَّل
(8)
في «عيون المسائل» : بالسُّلطان والحاكم.
(1)
في (م): يقرُّ زوجها.
(2)
في (ظ): تزوجها.
(3)
في (م): هذه.
(4)
في (م): وكما. وفي الشرح الكبير 23/ 470: أو كما لو.
(5)
في (م): ليس.
(6)
قوله: (ليس) سقط من (م).
(7)
في (م): فغلبنا.
(8)
في (م): ونقل.
ونقلَ ابنُ منصورٍ: إنْ عُلِمَ أنَّه لا يَصِلُ مِثلُه؛ لم يقْضَ بالفراش، وهي مِثْلُه
(1)
.
(أَوْ يَكُونُ صَبِيًّا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ)، وقد ذَكَرْناهُ.
(أَوْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ) في قَولِ عامَّتهم؛ لأِنَّه يَستَحيلُ منه الإيلاجُ والإنزالُ.
نَقَلَ ابنُ هانِئٍ فِيمَنْ قُطِعَ ذَكَرُه وأُنْثَياهُ قال: إنْ دَفَقَ، فقد يكونُ الولدُ من الماء القليل، فإنْ شكَّ في ولده؛ فالقافةُ
(2)
.
وسأله المرُّوذِي عن خَصِيٍّ، قال: إنْ كان مجبوبًا لَيسَ له شيءٌ، فإنْ أنْزَلَ؛ فإنَّه يكون الولدُ منه، وإلاَّ فالقافة
(3)
.
(وَإِنْ قُطِعَ أَحَدُهُمَا؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّه إذا قُطِعَ الذَّكرُ بَقِيَت الأنثيَانِ، فساحقَ وأنْزَلَ، وإنْ قُطِعَ الأنثيان بقي الذَّكرُ، فأوْلَجَ به، (وَفِيهِ بُعْدٌ)؛ لأِنَّ الولدَ لا يُوجَدُ إلاَّ مِنْ مَنِيٍّ، ومَن قُطِعَتْ أنثياه، لا مَنِيَّ له.
وحاصله: أنَّه
(4)
إذا قُطِعت أنْثَياه فقط؛ لا يَلحَقه، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّه لا يُنزِلُ إلاَّ ماءً رقيقًا، لا يُخلَقُ منه الولدُ، ولا وُجِدَ ذلك، ولا اعْتِبارَ بإيلاجٍ لا يُخلَقُ منه الولدُ، كما لو أَوْلَجَ الصَّغيرُ.
وجزم الأكثرُ بلُحوقِ نَسَبهِ به
(5)
؛ لِمَا ذَكَرْنَا.
وإن قُطع الذَّكر؛ لحقه؛ لأنَّه يُمكن أن يُساحِق فيُنزِل ماءً يُخلَق منه الولدُ، ولهذا ألحقنا ولدَ الأمة بسيِّدها إذا اعترف بوطئها دون الفرج.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1957.
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 67.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 217.
(4)
قوله: (أنه) سقط من (م).
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(وَإنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا
(1)
، فَوَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ أرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ طَلَّقَهَا)، وقبل انقضاء عدَّتها، (أَوْ لِأَقَلَّ
(2)
مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ
(3)
مُنْذُ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا؛ فَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُهُ؟ عَلَى وَجْهَينِ):
أحدهما: يلحَقُهُ، صحَّحه في «المستوعب» ، وجزَمَ بِه في «الوجيز» ؛ لأنَّها في حُكْمِ الزَّوجات، أشبَهَ ما
(4)
قبل الطلاق.
والثَّاني: لا يلحَقُهُ؛ لأنَّها عَلِقت به بعد طَلاقٍ، أشبهت البائنَ.
وإن وَلَدتِ
(5)
الرَّجعيةُ بعد أكثر مدَّة الحملِ منذُ طلقت، وقبلَ نصفِ سنة منذُ فرَغَت عدَّتها؛ لحِقَه في الأشهر، سواء أَخبرت بفراغِ العدَّة أو لا.
فرعٌ: إذا أُخبِرتْ بموتِ زوجها فاعتدَّت، ثمَّ تزوَّجت؛ لَحِقَ بالثَّاني ما وضَعَتْه لنصفِ سنةٍ فأكثرَ، نَصَّ عليه
(6)
، وقاله أكثرُ العلماء.
وقال أبو حنيفةَ: الولدُ
(7)
للأوَّل
(8)
.
وما وَلَدَت البائنُ بموتٍ، أو طلاقٍ، وقيل: أو
(9)
انقضاءِ عدَّة الرَّجعيَّة، أوْ فَسْخٍ لَأكثرِ مدَّةِ الحمل فأقلَّ منذ بانَتْ، ولم تَنكِحْ؛ لَحِقَه، وانْقَضَتْ به
(1)
كتب في هامش (ظ): (وإن ولدت رجعية بعد أربع سنين منذ طلقها، أخبرت بانقضاء عدتها أو لا؛ لحق النسب على الصحيح من المذهب؛ لأنها في حكم الزوجات، يجب عليه نفقتها، ويلزم طلاقها وظهاره وإيلاؤه، وقد حملت في عدتها، فيلحق الولد المطلق كما قبل الطلاق).
(2)
في (م): ولأقل.
(3)
كتب في هامش (ظ): (أو ولدت الرجعية لأقل من أربع سنين منذ انقضت؛ لحق نسبه).
(4)
قوله: (أشبه ما) سقط من (م).
(5)
في (ظ): حملت. والمثبت موافق للوجيز ص 397.
(6)
ينظر: الفروع 9/ 218.
(7)
في (م): الأول.
(8)
ينظر: النتف في الفتاوى 2/ 855، المبسوط 17/ 161.
(9)
قوله: (وقيل أو) هو في (م): وقبل.
عِدَّتُها منه، وما ولدَتْه بعدَ أكثرها؛ لم يَلحَقْه، وفي انقضاء العدَّة به وجْهانِ.
مسألةٌ: إذا تزوَّجَتْ في العدَّة، وَوَلَدَتْ قبلَ نصفِ سنةٍ منذ تزوَّجتْ، وقبل أربعِ
(1)
سنينَ منذ بانَتْ من الأوَّل؛ فهو له، وإنْ كان لنصفِ سنةٍ فأكثرَ منذ تزوَّجت، وبعدَ أربعِ سنينَ من فُرقةِ الأوَّل؛ فهو للثَّاني.
(1)
قوله: (أربع) سقط من (ظ).
(فَصْلٌ)
(وَمَنِ اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أَمَتِهِ فِي الْفَرْجِ، أَوْ دُونَهُ)؛ صارتْ فِراشًا له، (فَإِذَا أَتَتْ بِوَلَدٍ لِسَتَّةِ
(1)
أَشْهُرٍ؛ لَحِقَهُ نَسَبُهُ)، نقله الجماعةُ
(2)
مُطلَقًا؛ لحديثِ عائشةَ في ابنِ زَمْعةَ
(3)
، ولقَول عمرَ:«لا تَأتِينِي وليدةٌ يَعتَرِفُ سيِّدُها أنَّه ألمَّ بها؛ إلاَّ ألْحَقْتُ به ولدَها، فأنْزِلُوا بعدَ ذلك أو اتْرُكوا» رواه الشَّافعيُّ، عن مالِكٍ، عن ابن شهابٍ، عن سالمِ بنِ عبد الله، عن أبيه، عن عمرَ
(4)
، وقياسًا على النِّكاح.
وقال أبو حَنِيفةَ
(5)
: لا تصير
(6)
فِراشًا حتَّى يُقِرَّ بولدها، فإذا أقرَّ به
(7)
صارتْ فراشًا، ولَحِقَه أوْلادُه بعدَ ذلك؛ لأِنَّها لو صارَتْ فِراشًا بالوطء؛ لَصارَتْ فِراشًا بإباحته كالزَّوجة
(8)
.
وجَوابُه: بأنَّ الملْكَ لا يتعلَّق به تحريمُ المصاهَرَة، ولا يَنعَقِدُ في محلٍّ يَحرُم الوطءُ فيه؛ كالمجوسيَّة وذَواتِ محارِمه.
فلو وَطِئَها في الدُّبُر؛ لم تَصِرْ فِراشًا في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّه لَيسَ بمنصوصٍ
(1)
في (م): له ستة.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 218.
(3)
أي حديث: «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، أخرجه البخاري (2053)، ومسلم (1457).
(4)
أخرجه مالك (2/ 742)، وعنه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 242)، والطحاوي في معاني الآثار (4726)، والبيهقي في الكبرى (15374)، وصحح ابن كثير إسناده في مسند الفاروق 2/ 222، والألباني في الإرواء 7/ 190. وروي عن عمر رضي الله عنه من وجوه أخرى.
(5)
ينظر: المبسوط 17/ 100.
(6)
في (م): لا يصير.
(7)
في (م): بها.
(8)
في (م): كالزوجية.
عليه، ولا في مَعْناهُ.
(وَإِنِ ادَّعَى الْعَزْلَ)؛ لأِنَّ كلَّ حكمٍ تعلَّق بالوطء؛ لم يُعتبَرْ فيه الإنزالُ، فوجَبَ ألاَّ يُعتبَرَ هنا؛ كسائر الأحكام، وحِينَئِذٍ لا يَنتَفِي عنه بلعانٍ، ولا غيرِه، قال أحمدُ: الولدُ يكونُ من الرِّيح
(1)
، قال ابنُ عَقِيلٍ: وهذا منه يدلُّ على أنَّه لم يُنزِلْ في الفَرْجِ؛ لأِنَّه لا رِيحَ يسيرُ إليها إلاَّ رائحةُ المنِيِّ، وذلك يكونُ بعد إنزاله فيتعلَّق بها، قال
(2)
: وهذا من أحمدَ عِلْمٌ عظيمٌ.
(إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ الاِسْتِبْرَاءَ)؛ لأِنَّه دليلٌ على براءة الرَّحِم، والقَولُ قَولُه في حصوله؛ لأِنَّه أمرٌ خفيٌّ، لا يُمكِنُ الاطِّلاعُ عليه إلاَّ بعُسرٍ
(3)
ومشقَّةٍ.
(وَهَلْ يَحْلِفُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدهما: لا يَحلِفُ؛ لأِنَّ مَنْ قُبِل
(4)
قَولُه في الاِسْتِبْراء؛ قُبِلَ بغَيرِ يمينٍ؛ كما لو ادَّعت المرأةُ انْقِضاءَ عِدَّتها.
والثَّاني، وهو الأَشْهَرُ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: يُستَحْلَفُ؛ للخبر
(5)
، ولأِنَّ الاِسْتِبْراءَ غيرُ مختَصٍّ به، أشْبَهَ سائرَ الحقوق.
وقال أبو الحُسَين: أوْ يُرَى القافة، نَقَلَه الفَضْلُ
(6)
، وذَكَرَ
(7)
أحمدُ عن زيدٍ
(8)
، وابنِ عبَّاسٍ
(9)
،
(1)
ينظر: الفروع 9/ 220.
(2)
في (م): وقال.
(3)
في (م): لعسر.
(4)
في (م): القول.
(5)
مراده كما في الشرح الكبير 23/ 482: ما أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما:«اليمين على المدعى عليه» .
(6)
ينظر: الفروع 9/ 221.
(7)
في الفروع 9/ 220: وذكره.
(8)
لم نقف عليه.
(9)
أخرجه عبد الرزاق (12535)، عن زياد بن أبي زياد قال: انتفى ابن عباس رضي الله عنهما من ولد له، فدعا له ابن كلدة القائف، فقال له: أما إنه ولده، فادعاه ابن عباس. وإسناده صحيح.
وأنسٍ
(1)
.
وفي «الانتصار» : يَنتَفِي بالقافة، لا بدَعْوَى الاِسْتِبْراء.
ونَقَلَ حنبلٌ: يَلزَمُه الولدُ إذا نَفاهُ، وألْحَقَتْه القافةُ، وأقرَّ بالوطء
(2)
.
وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّه إذا مَلَكَها؛ لا تصيرُ فِراشًا به؛ لأِنَّه قد يَقصُد بملْكها التَّمولَ، والتِّجارةَ، والخدمةَ، فلم يتعيَّنْ لإرادة
(3)
الوطء.
وإنْ أتَتْ بولدٍ، ولم يَعتَرِفْ به
(4)
؛ لم يَلحَقْهُ نَسَبُه؛ لأِنَّه لم يُولَدْ على فراشه.
قال في «الفروع» : ويتوجَّه احْتِمالٌ في أَمَةٍ تُرادُ للتَّسرِّي عادةً أنَّها تصيرُ فِراشًا بالملك، وقاله بعضُ متأخِّرِي المالكيَّة
(5)
؛ لِقصَّة عبدِ
(6)
بن زَمْعَةَ، واحْتِياطًا للنَّسَبِ.
فرعٌ: إذا اسْتَلْحَقَ ولدًا؛ ففي لُحوقِ ما بعدَه بدونِ إقرارٍ بآخَرَ؛ وجهان
(7)
، ونصوصُه تدلُّ على أنَّه يَلحَقُه؛ لثُبوتِ فراشه
(8)
.
(فَإِنْ أَعْتَقَهَا أَوْ بَاعَهَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِ بِوَطْئِهَا، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ
(9)
لِدُونِ سِتَّةِ أشْهُرٍ؛
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (17494)، والبيهقي في الكبرى (21268)، عن حميد، عن أنس رضي الله عنه، «أنه شك في ابن له؛ فدعا القافة» ، وصححه ابن القيم في الطرق الحكمية 1/ 184، وأخرجه البيهقي في الكبرى (21269)، عن حميد، عن بعض ولد أنس بن مالك، أن أنسًا شكَّ في حمل جارية له، فقال:«إن متُّ فادعوا له القافة» .
(2)
ينظر: الفروع 9/ 220.
(3)
في (م): الإرادة.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
ينظر: الفروع 9/ 221.
(6)
في (م): عبد الله.
(7)
في (م): آخر وجهًا.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 221.
(9)
في (م): به.
فَهُوَ وَلَدُهُ)؛ لأِنَّها حَمَلَتْ به وهي فراشٌ؛ لأِنَّ أقلَّ مدَّةِ الحَمْل ستَّةُ أشهُرٍ، (وَالْبَيْعُ بَاطِلٌ)؛ لأِنَّها صارَتْ أمَّ وَلَدٍ.
(وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَسْتَبْرِئْهَا، فَأَتَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مِنْهُ)؛ أيْ: من البائع؛ لَحِقَه نسبُه؛ لأِنَّه وُجِدَ منه سببه
(1)
، وهو الوطءُ، ولم يُوجَدْ ما يُعارِضُه ولا يَمنَعُه، فتعيَّنَ إحالةُ الحكمِ عليه، (سَوَاءٌ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَدَّعِهِ)؛ لأِنَّ المُوجِبَ لإلْحاقِه أنَّها لو أتَتَ به في ملْكِه في تلك المدَّة لَلَحِقَ به، وانتقالُ الملْك عنه لم يتجدَّدْ به شيءٌ، وحكاه في «الفروع» قولاً.
وقِيلَ: يُرى القافة، نقله صالِحٌ وحنبلٌ.
ونَقَل الفضْلُ: هو له، قلتُ: في نفسه منه، قال: القافة
(2)
.
وإن ادَّعى كلٌّ منهما أنَّه للآخَر، والمشتري مقرٌّ بالوطء؛ فالخِلافُ كذلك.
(وَإِنِ اسْتُبْرِئَتْ، ثُمَّ أَتَتْ
(3)
بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّ الاِسْتِبْراءَ يَدُلُّ على براءتها من الحَمل، وقد أمكن أنْ يكونَ من غيره؛ لوجود مدَّة الحَمل بعدَ الاِسْتِبراء مع قيام الدَّليل، فلو أتَتْ به لأِقلَّ من ستَّةِ أشْهُرٍ؛ كان
(4)
الاِسْتِبراءُ غيرَ صحيحٍ.
(وَكَذَلِكَ إِنْ لَمْ تُسْتَبْرَأْ، وَلَمْ يُقِرَّ الْمُشْتَرِي لَهُ)؛ لأِنَّه وَلَدُ أمَةِ المشْتَرِي، فلا يُقبَلُ دَعْوَى غيرِه له إلاَّ بإقرارٍ من المشتري.
(فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنِ الْبَائِعُ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ بَيْعِهَا؛ لَمْ يَلْحَقْهُ الْوَلَدُ بِحَالٍ)، سواءٌ وَلَدَتْه لستَّةِ أشهرٍ، أوْ لأِقلَّ منها؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ من غَيرِه، (إِلاَّ
(1)
في (م): بسببه.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 221.
(3)
في (م): وأتت.
(4)
في (م): فإن.
أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ)؛ أيْ: على الولد أنَّه ابنٌ للبائع
(1)
؛ (فَيَلْحَقُهُ نَسَبُهُ)؛ لأِنَّ الحقَّ لهما يثبت
(2)
باتِّفاقهما.
(وَإِنِ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ، فَلَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي؛ فَهُوَ عَبْدٌ لِلْمُشْتَرِي)، ولا يُقبَلُ قَولُ البائع في الإيلاد؛ لأِنَّ الملكَ انْتَقلَ إلى المشْتَرِي في الظَّاهر، فلا يُقبَلُ قَولُ البائع فيما يُبطِلُ حقَّه؛ كما لو باعَ عبدًا، ثُمَّ أقرَّ أنَّه كان أعْتَقَه.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ
(3)
يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ مَعَ كَوْنِهِ عَبْدًا لِلْمُشْتَرِي)؛ لأِنَّه يَجوزُ أنْ يكونَ ولدُ الواحد مملوكًا لآِخَرَ؛ كولدِ الأمةِ المزوَّجة.
والقَولُ الآخَرُ: أنَّه لا يَلحَقُه، وهُو الظَّاهِرُ؛ لأِنَّ فيه ضَرَرًا على المشْتَرِي، فلو أعْتَقَه كان أبوه أحقَّ بميراثه منه
(4)
.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(5)
فيما إذا ادَّعى البائعُ أنَّه ما باع حتَّى اسْتَبْرَأَ، وحلَفَ المشْتَرِي أنَّه ما وَطِئَها، فقال: إنْ أتَتْ به بعدَ الاِسْتِبْراء لأِكثرَ من ستَّةِ أشهر، فقيل: لا يُقبَل قولُه، ويَلحَقُه النَّسَبُ، قاله القاضي في «تعليقه» ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ.
وقِيلَ: يَنتَفِي النَّسبُ، اختاره القاضي في «المجرَّد» ، وابن عَقيلٍ، وأبو الخَطَّاب.
وهل يَحتاجُ إلى اليمينِ على الاستبراء؟ فيه وجْهانِ.
(وَإِذَا وَطِئَ الْمَجْنُونُ مَنْ لَا
(6)
مِلْكَ لَهُ عَلَيْهَا، وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ، فَوَلَدَتْ
(1)
في (م): البائع.
(2)
في (م): فثبتت.
(3)
في (م): أنه.
(4)
في (م): فيه.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 222.
(6)
قوله: (لا) سقط من (م)، والمثبت من النسخ الخطية للمقنع.
مِنْهُ؛ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ
(1)
؛ لأِنَّه لا يَستَنِدُ إلى ملكٍ، ولا اعتقادِ إباحةٍ، وعليه مهرُ المثل إن أكْرَهَها على الوطء؛ لأِنَّ الضَّمانَ يَسْتَوِي فيه المكلَّفُ وغيرُه.
أصلٌ: تبعيةُ
(2)
النَّسَب للأب
(3)
إجماعًا
(4)
، ما لم يَنتَفِ منه، فولدُ قُرَشِيٍّ مِنْ غَيرِ قُرَشيَّةٍ قُرَشِيٌّ، ولا عَكْسَ.
وتبعيةُ
(5)
حرِّيةٍ ورقٍّ للأمِّ، إلاَّ مِنْ عُذْرٍ، للعيب أوْ غُرورٍ.
ويتَّبع خيرَهما دِينًا، وقال
(6)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويتبع ما أكل أبواه، أو أحدهما.
وفي «عيون المسائل» : أنَّه يُوجَدُ عبدٌ مِنْ حرَّة
(7)
، وهو وَلَدُ الأَمَةِ المعلَّق عِتْقُها بمجيئه عبدًا، وفيه شيءٌ.
مسائلُ:
الأولى: ولدُ الزَّاني لا يَلحَقُ به وإن اعْتَرَفَ به، نَصَّ عليه
(8)
.
واختار
(9)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه إذا اسْتَلْحَقَ ولدَه من الزِّنى، ولا فِراش؛ لَحِقَه
(10)
.
(1)
قوله: (وإذا وطئ المجنون
…
) إلى هنا مكانه بياض في (ظ) إلى مقدار لوحتين.
(2)
في (م): تبعه.
(3)
في (م): للآية.
(4)
ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 72.
(5)
في (م): ويتبعه.
(6)
كذا في النسخ الخطية، والذي في الفروع 9/ 228:(وقاله) أي قوله: (ويتبع خيرهما دينًا) وهي في مجموع الفتاوى 32/ 67.
(7)
في (م): حر.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3708، مسائل صالح 2/ 15.
(9)
في (م): واختاره.
(10)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 112.
وفي «الانتصار» : يَسوغُ فيه الاِجْتِهادُ، وذَكَرَه ابنُ اللَّبَّان عن الحسن، وابن سِيرِينَ، وعروةَ، والنَّخعيِّ، وإسحاقَ.
وفي «الانتصار» يَلحَقُه بحُكْمِ حاكِمٍ، وذكر أبو يعلى الصَّغير مِثْلَه.
الثَّانية: إذا أَوْلَدَ أمَةً له ولغيره، أوْ أمةَ ولدِه؛ لَحِقَه نسبُه وإنْ كان عبدًا، بخلافِ أمَةِ أحدِ أبَوَيهِ.
وفي أَمَةِ زَوجَتِه بإذْنِها؛ روايَتانِ.
ومن خَلا بزوجتِه الكتابيَّة، وهو مسلمٌ صائمٌ
(1)
، ثمَّ طلَّق قبلَ الدُّخول؛ فولدتْ مَنْ يُمكِنُ أنَّه منه؛ لَحِقَه على الأصحِّ.
الثالثة: إذا زوَّج
(2)
أمةً من صغيرٍ لا يُولَدُ لِمِثْله، ثُمَّ وَطِئَها سيِّدُها فأتتْ بولدٍ مِنْ وطئه؛ لم يَلحقْ
(3)
نسبه به، ولا بالزَّوج، وذكر ابن أبي موسى: لا يَسْتَرِقُّه السَّيِّدُ بل يُعتِقُه، قال: لأِنَّه وإن لم يَلحَقْه نسبُه؛ فهو منه.
وإن اشترى أمةً فوَطِئَها قبلَ استبرائها، فأتتْ بولدٍ لأِقلَّ من ستَّةِ أشهُرٍ؛ لم يَلحَقْه نسبُه، وذَكَر ابنُ أبي موسى: أنَّه يُعتِقُه، ولا يَتبَعُه؛ لأِنَّ الماءَ يزيدُ في السَّمع والبصر.
(1)
في (م): صام.
(2)
في (م): تزوج.
(3)
في (م): يلحقه.
(كِتَابُ الْعِدَدِ)
العِدَدُ جمعُ عِدَّةٍ، بكسر العَين فيهما، وهي ما تَعُدُّه من أيامِ أقْرائها وحَمْلها، أوْ أربعةِ أشْهُرٍ وعَشْرِ ليالٍ، قال ابنُ فارِسٍ، والجَوهَريُّ
(1)
: عدَّةُ المرأة: أيام
(2)
أقرائها، والمرأة معتدَّةٌ.
وهي في الشَّرع: اسمٌ لمدَّةٍ معلومةٍ، تتربَّصُ فيها
(3)
المرأةُ؛ لِتَعرِفَ براءةَ رَحِمِها، وذلك يَحصُلُ بوضعِ حَمْلٍ، أوْ مُضِيِّ أقْراءٍ، أو أشهر
(4)
.
والأصلُ فيها
(5)
قَبْلَ الإجْماع
(6)
: قَولُه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البَقَرَة: 228]، {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطّلَاق: 4]، {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البَقَرَة: 234].
والأحاديثُ شهيرةٌ في ذلك، والمعْنَى يَشهَدُ له؛ لأِنَّ رحمَ المرأة ربَما كان مشغولاً بماءِ شخصٍ، وتمييزُ
(7)
الأنساب مطلوبٌ في نَظَرِ الشَّارِع، والعِدَّةُ طريقٌ إليه.
(كُلُّ امْرَأَةٍ فَارَقَهَا زَوْجُهَا فِي الْحَيَاةِ قَبْلَ المَسِيسِ)، وهو اللَّمْسُ باليَد، ثُمَّ
(1)
ينظر: الصحاح 2/ 506، مجمل اللغة 1/ 612.
(2)
قوله: (أيام) سقط من (م).
(3)
في (م): فيه.
(4)
في (م): الشهر.
(5)
في (م): فيهما.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 90، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 44.
(7)
في (م): وتميز.
اسْتُعِيرَ للجماع؛ لأِنَّه مُستَلْزِمٌ للمسِّ
(1)
غالِبًا، (وَالْخَلْوَةِ؛ فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا)، إجْماعًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} الآيةَ [الأحزَاب: 49]، ولأنَّ
(3)
العدَّة إنَّما وَجَبَتْ في الأصل لبراءة الرَّحِم.
وكذا إذا كان بعدَها، والزَّوجُ ممن
(4)
لا يُولَدُ لِمِثْله.
(وَإِنْ خَلَا بِهَا) - خِلافًا ل «عُمد الأدلَّة» - (وَهِيَ مُطَاوِعَةٌ)، مع عِلْمِه بها؛ (فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِمَا أَوْ بِأَحَدِهِمَا مَانِعٌ مِنَ الوَطْءِ)، شرعيًّا كان أوْ حقيقيًّا؛ (كَالْإِحْرَامِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَيْضِ، وَالنِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَالْجَبِّ، وَالْعُنَّةِ، أَوْ لَمْ يَكُنْ)؛ لِمَا رَوَى أحمدُ والأثْرَمُ، عن زُرارةَ بن
(5)
(6)
، وهذه
(7)
قضيَّةٌ اشْتَهَرتْ ولم تُنكَرْ، فكانت كالإجماع، وضعَّف أحمدُ ما رُوِيَ خِلافَه، ولأِنَّه عَقْدٌ على المنافع، فالتَّمْكينُ منه يَجرِي مَجْرَى الاِسْتِيفاء في الأحكام؛ كعَقْدِ الإجارة، والآيةُ مخصوصةٌ بما ذكرناه
(8)
.
ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يَخلُوَ بها مع المانع حقيقيًّا كان؛ كالجَبِّ، أوْ شرعيًّا؛
(1)
في (م): اللمس.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 76.
(3)
في (م): لأن.
(4)
قوله: (ممن) سقط من (م).
(5)
زيد في (م): أبي.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (10875)، وسعيد بن منصور (762)، وابن أبي شيبة (16695)، والطحاوي في مشكل الآثار (2/ 111)، والبيهقي في الكبرى (14484)، وقال:(هذا مرسل؛ زرارة لم يدركهم).
(7)
في (م): وهي.
(8)
في (م): ذكرنا.
كالصَّوم، أوْ مع عدمه
(1)
؛ لأِنَّ الحُكْمَ ههُنا مُعلَّقٌ على الخَلْوة التي هي
(2)
مظنَّة الإصابة، دُونَ حقيقتها.
وعنه: لا يَكمُلُ الصَّداقُ مع وجود المانع، فكذا يُخرَّج في العِدَّة.
وعنه: أنَّ صَومَ رمَضانَ يَمنَعُ كمالَ الصَّداق مع الخَلوة، وهذا يَدُلُّ على أنَّ المانِعَ متى كان متأكِّدًا؛ كالإحرام؛ مَنَعَ كمالَ الصَّداق، ولم تَجِب العِدَّةُ.
فلو خَلَا بها، واخْتَلَفا في المسيس؛ قُبِلَ قَولُ مَنْ يدَّعِي الوطءَ؛ احْتِياطًا للأبْضاع، وأقْرَبُ إلى حال الخَلوة. وقِيلَ: يُقبَلُ قَولُ المنكِر.
وإنْ أنْكَرَ وطْأَها؛ اعتدَّتْ كالمَوطُوءةِ، وقِيلَ: إنْ صدَّقَتْه؛ فلها حكمُ المدخول بها مُطلَقًا، إلاَّ في حِلِّها لمطلِّقها
(3)
ثلاثًا، أوْ في الزِّنى، فإنَّهما يُجْلَدانِ فَقَطْ.
(إِلاَّ أَلاَّ يَعْلَمَ بِهَا؛ كَالْأَعْمَى وَالطِّفْلِ، فَلَا عِدَّةَ عَلَيْهَا)، ولا يَكمُلُ صَداقُها؛ لأِنَّ المظنَّةَ لا تتحقَّقُ.
وكذا إنْ كانَتْ صغيرةً لا
(4)
يُوطَأُ مِثْلُها، أوْ لم تكُنْ مُطاوِعةً؛ لِعَدَم تحقُّق
(5)
المظنَّة مع ظُهور اسْتِحالةِ المسِيس.
فرعٌ: إذا تحمَّلتْ ماءَ رجلٍ، أوْ قَبَّلَها، أوْ لَمَسَها؛ فوَجْهانِ، قال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان ماءُ زَوجِها اعْتَدَّتْ، وإلاَّ فلا.
ولو وُطِئَتْ في الدُّبُر؛ اعْتدَّتْ.
(وَالْمُعْتَدَّاتُ عَلَى سِتَّةِ أَضْرُبٍ)، وسيأتي الكلامُ عليهنَّ، ولم يَجعَل
(1)
في (ظ): خدمه.
(2)
قوله: (هي) سقط من (م).
(3)
في (م): لطلاقها.
(4)
في (م): ولا.
(5)
في (م): تحقيق.
الآيِساتِ من المحيض ضَرْبًا، واللاَّئي لم يَحضِنْ ضربًا
(1)
؛ لاستواء
(2)
عِدَّتِهما.
(إِحْدَاهُنَّ: أُولَاتُ الْأَحْمَالِ، أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)، بغيرِ خلافٍ
(3)
؛ للآية، (حَرَائِرَ كُنَّ أَوْ إِمَاءً، مِنْ فُرْقَةِ الْحَيَاةِ أَوِ المَمَاتِ)، إلاَّ ما رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ
(4)
، وعن عليٍّ مِنْ وَجْهٍ مُنقَطِعٍ
(5)
، أنَّها تَعتَدُّ أطْولَ الأَجَلَينِ، وقاله
(6)
أبو السَّنابِل بنُ بَعْكَكٍ في حياةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فردَّ عليه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قَولَه
(7)
، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه رَجَعَ إلى قَولِ الجماعة
(8)
، وآيةُ الحَمْلِ متأخِّرةٌ عن آيةِ الأَشْهُر، قال ابنُ مسعودٍ: «من
(9)
شاء باهَلْتُه، أوْ لَاعَنْتُه: أنَّ الآيةَ التي في سورة النِّساء القُصْرَى {وَأُولَاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطّلَاق: 4] نزلتْ بعدَ آيةِ البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
…
(234)} الآية [البَقَرَة: 234]»
(10)
،
(1)
قوله: (ضربًا) سقط من (م).
(2)
في (م): بالاستواء.
(3)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 92، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 45.
(4)
أخرجه البخاري (4909)، ومسلم (1485)، من ضمن خبر أبي السنابل الذي أشار إليه المصنف.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (1516)، وابن أبي شيبة (17103)، والبيهقي في الكبرى (15474)، عن مسلم بن صبيح، عن علي رضي الله عنه أنه كان يقول:«الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بآخر الأجلين» ، قال الذهبي في المهذب 6/ 3031:(منقطع)، وأخرجه سعيد بن منصور (1517)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 182)، وابن أبي شيبة (17102)، عن الشعبي، عن علي، وسماع الشعبي من عليٍّ متكلم فيه، وصحح الحافظ في الفتح 9/ 474 بعض أسانيده.
(6)
في (م): وقال.
(7)
أخرجه البخاري (3991)، ومسلم (1484)، من حديث سبيعة بنت الحارث الأسلمية رضي الله عنها.
(8)
لم نقف عليه، قال الحافظ في الفتح 9/ 474:(يقال: إنه رجع عنه، ويقويه أن المنقول عن أتباعه وِفاق الجماعة في ذلك).
(9)
في (م): ومن.
(10)
أخرجه عبد الرزاق (11714)، وسعيد بن منصور (1512)، وأبو داود (2307)، وابن ماجه (2030)، والبيهقي في الكبرى (15474)، عن مسروق، عن ابن مسعود رضي الله عنه. قال الألباني في صحيح أبي داود 7/ 75:(إسناده صحيح على شرط الشيخين)، وبنحوه في البخاري (4532، 4910)، دون ذكر الملاعنة المباهلة.
والخاصُّ مُقدَّمٌ على العامِّ، ولأِنَّها مُعتدَّةٌ حاملٌ، فتَنقَضِي عدَّتُها بوَضْعِه؛ كالمطلَّقة؛ إذ الوَضْعُ أدلُّ الأشياء على براءتها.
فلو ظَهَرَ بعضُه؛ فهي في عدَّتِها حتَّى ينفصل
(1)
باقِيهِ.
وإنْ كانا اثنَينِ أوْ أكثرَ؛ لم تَنقَضِ عدَّتُها إلاَّ بوَضْعِ الآخِر.
وعنه: بالأوَّل، ذَكَرَها ابنُ أبي موسى، وقاله أبو قِلابةَ وعِكرمةُ، ولكِنْ لا تتزوَّجُ حتَّى تَضَعَ الآخَرَ منهما، وهذا شاذٌّ مُخالِفٌ لظاهِر الكتاب وقَولِ أهلِ العلم، والمعْنَى.
واحتجَّ القاضي والأَزَجِيُّ: بأنَّ أوَّلَ النِّفاس من الأوَّل وآخِره منه؛ بأنَّ أحكامَ الولادة تتعلَّق بأحدِ الولدَينِ؛ لأِنَّ انقطاعَ الرَّجعة وانْقِضاءَ العدَّة تتعلَّق بأحدهما، لا بكلِّ واحدٍ منهما، كذلك مُدَّةُ النَّفاس، وفيه نظرٌ.
فلو وَضَعَتْ واحدًا وشكَّتْ في آخَرَ؛ لم تَنقَضِ عدَّتُها حتَّى تزولَ الرِّيبةُ.
(وَالْحَمْلُ الذِي تَنْقَضِي بِهِ العِدَّةُ): ما
(2)
تصيرُ به أمَّ ولدٍ، وهو (مَا يَتَبَيَّنُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِ الإِنْسَانِ)؛ كالرَّأس واليد والرِّجل، فتَنقَضِي به العدَّةُ إجْماعًا، حكاه ابنُ المنذِر
(3)
؛ لأِنَّه عُلِمَ أنَّه حملٌ، فيَدخُلُ في عُمومِ النَّصِّ.
الثَّاني: ألْقَتْ مُضْغةً لم يَتبَيَّنْ فيها شيءٌ من الخِلْقة، فشَهِدَ ثقاتٌ من القَوابِل أنَّ فيه صورةً خفيَّةً بان بها أنَّها خِلْقَةُ آدَمِيٍّ، فكذلك.
(وَإِنْ وَضَعَتْ مُضْغَةً لَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا
(4)
شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرَ ثِقَاتٌ مِنَ
(1)
في (م): تنفصل.
(2)
في (م): وما.
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 353.
(4)
قوله: (لا يتبين فيها) مكانه بياض في (ظ).
النِّسَاءِ: أَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ؛ فَهَلْ تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، هذا هو الثَّالِثُ، وفيه رِوايَتانِ:
إحْداهما: تَنقَضِي، وجَزَمَ به في «الوجيز» وغيره؛ كما لو تَصوَّر.
والثَّانية: لا، قدَّمها في «الكافي» ، وذكر أنَّها المنصوصُ، وهي اختيارُ أبي بكرٍ؛ لأِنَّه لم يَصِرْ ولدًا، أشْبَهَ العَلَقَة.
الرَّابِعة: ألْقَتْ نطفةً أوْ دَمًا لا تَدْرِي هل هو ما
(1)
يُخلَقُ منه آدَمِيٌّ أوْ لا؛ فهذا لا يتعلَّقُ به شيءٌ من الأحكام؛ لأِنَّه لم يَثبُتْ أنَّه وَلَدٌ بالمشاهَدة، ولا بالبيِّنة.
الخامِسة: إذا وَضَعَتْ مُضغَةً لا صورةَ فيها، ولم تَشهَد القَوابِلُ أنَّه
(2)
مُبتَدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ؛ لم تَنقضِ، ولا تَنقَضِي بما قَبْلَ المضغة، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا إلاَّ الحسن، قال: إذا عُلِمَ أنَّه حملٌ انْقَضَتْ به، وفيه الغُرَّة.
(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لَا يَلْحَقُهُ
(3)
نَسَبُهُ؛ كَامْرَأَةِ الطِّفْلِ)، ومجبوبٍ ومُطلَّقةٍ عَقِبَ عَقْدٍ، ومَن أتَتْ به لِدونِ نصفِ سنةٍ منذُ عَقَدَ عليها؛ (لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا بِهِ)، نَصَّ عليه
(4)
؛ لأِنَّه حملٌ لَيسَ منه يقينًا، فلم تعتد
(5)
بوضْعِه؛ كما لو ظَهَرَ بعدَ مَوتِه، فعلى هذا: تعتدُّ بالأشْهُرِ.
(وَعَنْهُ: تَنْقَضِي بِهِ)؛ لأِنَّه حملٌ، فيَدخُلُ في عمومِ النَّصِّ، (وَفِيهِ بُعْدٌ)، ووجهُه
(6)
: أنَّ شرطَ انقضاء العدَّة بالحمل: أنْ يكونَ حملَ المفارِق، وهذا
(1)
قوله: (ما) سقط من (م).
(2)
في (م): أنَّها.
(3)
زيد في (م): فيه.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1957.
(5)
في (م): فلا تعتد.
(6)
قوله: (ووجهه) سقط من (م).
لَيسَ حملاً منه ضرورةَ أنَّه
(1)
لا يَلحَقُه نسبُه.
وعنه: مِنْ غَيرِ طفلٍ؛ للُحوقِه باسْتِلْحاقه.
وقِيلَ: تَنقَضِي به العِدَّةُ، ولا يَلحَقُه، وفيه نظرٌ.
(وَأَقَلُ مُدَّةِ الْحَمْلِ: سِتَّةُ أَشْهُرٍ)، وِفاقًا
(2)
؛ لِمَا رَوَى الأثْرَمُ والبَيهَقيُّ، عن أبي الأسود:«أنَّه رُفِعَ إلى عمرَ: أنَّ امرأةً ولدتْ لستَّةِ أشْهُرٍ، فَهمَّ عمرُ برَجْمها، فقال له عليٌّ: لَيسَ لك ذلك، قال الله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البَقَرَة: 233]، وقال: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] فحَولانِ وستَّةُ أشْهُرٍ ثلاثونَ شهرًا، لا رَجْمَ عليها، فخلَّى عمرُ سبيلَها»
(3)
، وقال ابنُ عبَّاسٍ كذلك، رواه البَيهَقِيُّ
(4)
.
وذَكَرَ ابنُ قُتَيبةَ
(5)
: أنَّ عبدَ الملِك بنَ مَرْوانَ وُلِدَ لستَّةِ أشْهُرٍ.
(1)
في (م): أن.
(2)
ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 3/ 191، الجامع لمسائل المدونة 8/ 1093، الإقناع للماوردي ص 29، الكافي 3/ 189.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (13444)، والبيهقي في الكبرى (15549)، عن أبي الأسود الديلي، وهذا منقطع كما أشار الذهبي في المهذب 6/ 3045. وأخرجه سعيد بن منصور (2074)، عن الحسن عن عمر مرسلاً.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (13446)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 977)، والطبري في التفسير (4/ 202)، عن أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف، وذكر القصة بين عثمان وابن عباس بنحو قصة عمر رضي الله عنهم. وإسناده صحيح. وأخرجه سعيد بن منصور عند البيهقي في الكبرى (15548)، والطحاوي في مشكل الآثار (7/ 292)، والحاكم (3108)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه. إسناده صحيح. وروي عنه من وجوه أخرى.
(5)
ينظر: المعارف ص 589، لكن فيه: أنه عبد الله بن مروان، وذكره ابن الجوزي في تلقيح الفهوم ص 328 عن عبد الملك بن مروان.
(وَغَالِبُهَا تِسْعَةُ) أَشْهُرٍ؛ لأِنَّ غالِبَ النِّساء كذلك يَحمِلْنَ، وهذا أمرٌ معروفٌ بَينَ النَّاس.
(وَأَكْثَرُهَا
(1)
أَرْبَعُ سِنِينَ) في ظاهر المذهب، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ ما لا نَصَّ فيه يُرجَعُ فيه إلى الوجود، وقد وُجِد أربعُ سِنِينَ، فروى
(2)
الدَّارَقُطْنِيُّ عن الوليد بن مسلمٍ، قلتُ لمالِك بنِ أنسٍ عن
(3)
حديثِ عائشةَ، قالَتْ:«لا تَزيدُ المرأةُ في حَمْلِها على سنتَينِ»
(4)
، فقال: سبحانَ الله مَنْ يقولُ هذا؟! هذه جارتُنا امرأةُ محمدِ بن
(5)
عَجْلانَ امرأةُ صِدْقٍ، وزَوجُها رجلُ صِدْقٍ، حمَلَتْ ثلاثةَ أبْطُنٍ في اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سنةً
(6)
، وقال الشَّافِعيُّ: بَقِيَ محمَّدُ بنُ عَجْلانَ في بطنِ أُمِّه أربعَ سِنَينَ
(7)
، وقال أحمدُ: نساءُ بني عَجْلانَ تَحمِلُ أربعَ سِنينَ
(8)
، وإذا تقرَّر وجودُه، وَجَبَ أنْ يُحكَمَ به، ولا يُزادُ عليه لِعدَمِ وُجودِه.
(وَعَنْهُ: سَنَتَانِ)، اختاره أبو بكرٍ وغيرُه، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ، عن جميلةَ بنتِ سعدٍ، قالَتْ: قالَتْ عائشةُ: «لا تَزِيدُ
(1)
في (م): وأكثره.
(2)
في (م): وروى.
(3)
في (م): من.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (2077)، وأحمد في مسائل حرب (2/ 580)، والطبري في التفسير (13/ 450)، والدارقطني (3874)، والبيهقي في الكبرى (15552)، وابن حزم (10/ 132)، عن جميلة بنت سعد عنها. وجميلة جهلها ابن معين وابن حزم. ينظر: قبول الأخبار للبلخي 1/ 85، ميزان الاعتدال 4/ 605.
(5)
في (م): محمد ابن.
(6)
زيد أخرجه الدارقطني (3877)، والبيهقي في الكبرى (15553)، وإسناده صحيح كما قال الألباني في الإرواء 7/ 189.
(7)
ينظر: بحر المذهب للروياني 11/ 394، البيان 11/ 13.
(8)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1558، المغني 8/ 121.
المرأةُ في الحَمْل على سنتَينِ» رواه
(1)
سعيدٌ والبَيهَقيُّ، وقد أنْكَرَه مالِكٌ
(2)
.
(وَأَقَلُّ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْوَلَدُ: أَحَدٌ وَثَمَانُونَ يَوْمًا)، وهو أقلُّ ما تَنقَضِي به العدَّةُ من الحَمْل، وهو أنْ تَضَعَه بعدَ ثمانِينَ يومًا منذ
(3)
أمْكَنَه وَطْؤُها؛ لحديثِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه: أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال
(4)
: «إنَّ أحدَكم يُجمَعُ خَلقُه في بطنِ أمه أربعين يومًا نطفةً، ثُمَّ يكون
(5)
علقةً مِثْلَ ذلك، ثُمَّ يكونُ مُضْغةً مِثْلَ ذلك»
(6)
، ولا شكَّ أنَّ العِدَّةَ لا تَنقَضِي بما دُونَ المضْغةِ، فوَجَبَ أنْ يكونَ بعدَ الثَّمانِينَ، فأمَّا بعد
(7)
أربعةِ أشْهُرٍ فلَيس فيه إشْكالٌ، وقِيلَ: بل ثمانونَ ولَحْظَتانِ، وهو إذَنْ مُضْغةٌ غيرُ مصوَّرٍ، ويُصوَّرُ بعدَ أربعةِ أشْهُرٍ.
(1)
في (م): روى.
(2)
تقدم 8/ 540 حاشية (4).
(3)
قوله: (يومًا منذ) سقط من (م).
(4)
قوله: (قال) سقطت من (ظ).
(5)
في (م): تكون.
(6)
أخرجه البخاري (3208)، ومسلم (2643)، إلا أن ذكر النطفة وقع عند البخاري (318)، ومسلم (2646) من حديث أنس رضي الله عنه بمعناه.
(7)
قوله: (بعد) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(الثَّانِي: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)، ما لم تكُنْ حامِلاً، (وَعِدَّتُهَا أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً
(1)
؛ بالإجماع
(2)
، وسَنَدُه الآيةُ، وقَولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم:«لا يَحِلُّ لاِمْرأةٍ تُؤمِنُ بالله واليوم الآخِر أنْ تُحِدَّ على ميتٍ فوقَ ثَلاثٍ، إلاَّ على زوجٍ أربعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا»
(3)
؛ أيْ: عشر
(4)
ليالٍ بعَشَرَةِ أيَّامٍ، ولا شكَّ أنَّ اليومَ مُقدَّمٌ قبلَ اللَّيلة، لا يُجزِئُها إلاَّ أربعةُ أشْهُرٍ وعشرةُ أيَّامٍ، وسواءٌ كانَتْ بالِغةً أوْ غيرَ بالِغةٍ، ولا يُعتبَرُ وجودُ الحَيض في عدَّةِ الوفاة في قَولِ عامَّتِهم.
والعشرُ المعتَبَرةُ فيها هي: عَشْرُ ليالٍ بأيَّامها، وقاله الأكثرُ.
وقال الأَوْزاعِيُّ: تجب
(5)
عَشْرُ ليالٍ وتسعةُ أيَّامٍ؛ لأِنَّ العَشْرَ تُستَعْمَلُ في اللَّيالي دونَ الأيَّام، وإنَّما دَخَلَت الأيَّامُ اللاتي
(6)
في أثْناءِ اللَّيالي تَبَعًا.
وجوابُه: أنَّ العَرَبَ تُغلِّب
(7)
حكمُ التَّأنيث في العدد خاصَّةً على المذكَّر، يُطلَقُ
(8)
لفظُ اللَّيالي وتريد
(9)
اللَّيالي بأيَّامها؛ لقوله تعالى لزكريا: {آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مَريَم: 10] يُريدُ بأيَّامها، لقوله تعالى:{آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزًا} [آل عِمرَان: 41] يُريدُ بلَيالِيها، ولو
(1)
هنا انتهى بياض المتن الذي بسبب التصوير من (ظ).
(2)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 90، مراتب الإجماع ص 77.
(3)
أخرجه البخاري (1281)، ومسلم (1486)، من حديث أم حبيبة رضي الله عنها.
(4)
قوله: (عشر) سقط من (م).
(5)
في (م): يجب.
(6)
في (ظ): الآتي.
(7)
في (ظ): تقلب.
(8)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه:(تطلق).
(9)
في (م): وتزيد.
نَذَرَ اعْتِكافَ العَشْرِ الأخير مِنْ رَمَضانَ؛ لَزِمَه اللَّيالي والأيَّامُ.
(وَشَهْرَانِ وَخَمْسَةُ أَيَّامٍ إِنْ كَانَتْ أَمَةً)؛ لأِنَّ الصَّحابةَ أجْمَعُوا على أنَّ عِدَّةَ الأمَة على النِّصف مِنْ عدَّة الحرَّة
(1)
.
وقال ابنُ سِيرِينَ: ما أرى عدَّةَ الأَمَة إلاَّ كالحرَّة، إلاَّ أنْ تكون
(2)
قد مَضَتْ سنَّةٌ؛ لِعُمومِ الآية.
وجَوابُه: ما سَبقَ.
فإنْ كان حَمْلُها مِنْ غَيره؛ اعتدَّتْ للزَّوج بعدَ وَضْعِ الحَمْلِ.
فرعٌ: مُعتَقٌ بعضُها بالحساب من عدَّةِ حرَّةٍ وأمة
(3)
، ويُجبَرُ الكسر
(4)
.
(وَسَوَاءٌ مَاتَ
(5)
قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ)؛ لِعُموم الآية، لا يُقالُ: هلاَّ حُمِلَ على المدخول بها؛ لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ
…
(228)} الآيةَ [البَقَرَة: 228]؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ قياسُها على المطلَّقة؛ إذِ النِّكاحُ عَقْدُ عُمُرٍ، فإذا مات انْتَهَى، والشَّيءُ إذا انْتَهَى تقرَّرتْ أحكامُه؛ كالصِّيام بدُخولِ اللَّيل، بخِلافِ الطَّلاق، فإنَّه قَطْعٌ للنِّكاح قبلَ حصولِ مَقْصوده، أشْبَهَ فَسْخَ الإجارة قبلَ التَّسليم، ولأِنَّ المطلَّقةَ إذا أتَتْ بولدٍ أمْكَنَ تكذيبُها بنَفْيِه، بخلافِ الميت.
(وَإِنْ مَاتَ زَوْجُ الرَّجْعِيَّةِ؛ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الْوَفَاةِ مِنْ حِينِ مَوْتِهِ)؛ لأِنَّها زوجةٌ، فيَدخُلُ في عُمومِ قَولِه تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
…
(234)} الآيةَ [البَقَرَة: 234]، (وَسَقَطَتْ عِدَّةُ الطَّلاقِ)؛ لأِنَّها مُعتدَّةٌ للوفاة، فلا يَجتَمِعُ معها
(1)
مراده كما في الشرح الكبير 23/ 29 ما سيأتي من آثار الصحابة في عدة الأمة المطلقة. ينظر: 8/ 548.
(2)
في (م): يكون.
(3)
(م): أو أمة.
(4)
في (م): بالكسر.
(5)
في (ظ): ما.
غيرُها إجْماعًا، حكاهُ ابنُ المنذِرِ الآيةَ
(1)
.
وعنه: تَعتَدُّ أطْوَلَ الأَجَلَينِ، وبَعَّدَه في «الشَّرح» .
(وَإِنْ
(2)
طَلَّقَهَا فِي الصِّحَّةِ طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ مَاتَ فِي عِدَّتِهَا؛ لَمْ تَنْتَقِلْ عَنْ عِدَّتِهَا)، وتَبْنِي على عدَّة الطَّلاق مُطلَقًا، ولا تعتدُّ
(3)
للوفاة؛ للآية، ولأِنَّها أجنبيَّةٌ منه في نكاحه وميراثه، وتَحِلُّ له أخْتُها، فلم تَعتَدَّ لوفاته، كما لو انْقَضَتْ عدَّتُها.
وعَنْهُ: تعتدُّ للوفاة إنْ وَرِثَتْ، اختاره جماعةٌ؛ كما لو طلَّقها في مَرَضِ مَوته. ولَيسَ بشَيءٍ، فإنَّ الحَمْلَ تنقضي
(4)
بوضْعِه كلُّ عدَّةٍ، ولا يَجِبُ عليها الاعتداد
(5)
.
(وَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ اعْتَدَّتْ أَطْوَلَ الْأَجَلَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الطَّلَاقِ أَوْ عِدَّةِ الْوِفَاةِ)، نَصَّ عليه
(6)
، وهو المذهبُ؛ لأِنَّها وارِثةٌ، فيَجِبُ عليها أنْ تعتدَّ للوفاة، ومن
(7)
حيثُ إنَّها مطلَّقةٌ يَجِبُ عليها أنْ تعتدَّ للطَّلاق، فيَجِبُ أنْ تعتدَّ بأطْولِهما ضرورةَ أنَّها لا تَخرُجُ عن العُهْدة بيقينٍ إلاَّ بذلك.
وعنه: تَعْتَدُّ لطلاق
(8)
؛ لأِنَّه ماتَ ولَيستْ زوجةً له؛ لأِنَّها بائِنٌ من النِّكاح، فلا تكونُ منكوحةً، وكالتي لا تَرِثُ. وعنه: تعتدُّ للوفاة فقطْ، ذَكَرَهما في «المجرد» ؛ لأِنَّها تَرِثُه، أشْبَهَت الرَّجْعيَّةَ.
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 92.
(2)
في (م): فإن.
(3)
في (ظ): ولا يعتد.
(4)
في (م): ينقضي.
(5)
في (م): بغيره.
(6)
ينظر: الشرح الكبير 24/ 32.
(7)
في (ظ): من.
(8)
في (م): للطلاق.
وعُلِمَ منه: أنَّ مَنْ لا تَرِثُه؛ كالأَمَةِ والذِّمِّيَّة، ومَن جَاءَتِ البَينونةُ مِنْ قِبَلِها؛ فلا يَلزَمُها سِوَى عدَّةِ الطَّلاق روايةً واحدةً، ذَكَرَه في «المحرَّر» ، وفي «الواضح» تعليلُه يَدُلُّ على التَّفرِقة.
فرعٌ: إذا مات المريضُ المطلِّقُ بعدَ عدَّةِ طلاقٍ رجْعِيٍّ، أوْ كان طلاقُه قبلَ الدُّخول؛ فلَيسَ عليها عدَّةُ وفاةٍ.
وعنه: بلى إنْ وَرِثَتْه، اختارها
(1)
أبو بكرٍ.
وكذا مَنْ أبانَها في مرضه قَبْلَ الدُّخول، أوْ بَعدَه فاعتدَّتْ، ثُمَّ ماتَ.
(وَإِنِ ارْتَابَتِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لِظُهُورِ أَمَارَاتِ الْحَمْلِ؛ مِنَ الْحَرَكَةِ، وَانْتِفَاخِ الْبَطْنِ، وَانْقِطَاعِ الْحَيْضِ قَبْلَ أَنْ تَنْكِحَ؛ لَمْ تَزَلْ فِي عِدَّةٍ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ)، وتَبْقَى في حكمِ الاِعتداد إلى أنْ تزولَ الرِّيبةُ، فإنْ بان حَمْلاً؛ انْقَضَتْ عِدَّتُها بوَضْعِه، فإنْ زالَتْ، وبانَ أنَّه لَيسَ بحَمْلٍ؛ تبَيَّنَّا أنَّ عِدَّتَها انْقَضَتْ بالشُّهور أوْ بالأقراء
(2)
إنْ كان فارَقها في الحياة.
(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ زَوَالِهَا
(3)
؛ أيْ: زوال الرِّيبة؛ (لَمْ يَصِحَّ النِّكَاحُ)؛ لأِنَّها تزوَّجَتْ، وهي في حُكْمِ المعتدَّات.
وقِيلَ: يَصِحُّ إذا كان بعدَ انْقِضاءِ العِدَّة.
(فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا ذَلِكَ بَعْدَ نِكَاحِهَا؛ لَمْ تَعْتَدَّ بِهِ)؛ لأِنَّه وُجِدَ بعدَ قَضاءِ العِدَّة ظاهِرًا، والحَملُ مع الرِّيبة مَشْكوكٌ فيه، فلا يَزُولُ ما حَكَمْنا بصحَّته، ولا يَحِلُّ لزَوجِها وَطْؤُها حتَّى تزولَ الرِّيبةُ؛ لِشَكِّنا في حلِّ وَطْئِها؛ لقولِه عليه السلام:«مَنْ كان يُؤمِنُ بالله واليوم الآخِر فلا يَحِلُّ له أنْ يَسْقِيَ ماءَه زَرْعَ غَيرِه»
(4)
.
(1)
في (ظ): اختاره.
(2)
في (م): بالإقرار.
(3)
يبدأ بياض في المتن من (ظ) بسبب التصوير بمقدار لوحة.
(4)
أخرجه أحمد (16990)، وأبو داود (2158)، والتِّرمذي (1131)، وابن حبان (4830)، من حديث رويفع بن ثابت رضي الله عنه، وفي سنده: محمد بن إسحاق، وهو صدوق، وقد صرح بالسماع في رواية أبي داود، وحسنه التِّرمذي والبزار والألباني، وصححه ابن حبان وابن الملقن. ينظر: البدر المنير 8/ 214، البلوغ (1116)، صحيح أبي داود 6/ 371.
(لَكِنْ إِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ نَكَحَهَا) الثَّاني وَوَطِئَها؛ (فَهُوَ)؛ أي: النِّكاحُ (بَاطِلٌ)؛ لأِنَّه نَكَحَها وهي حامِلٌ مِنْ غَيرِه، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي: إذا أتَتْ به لأِكثرَ من ذلك؛ أنَّ النِّكاحَ صحيحٌ؛ لأِنَّ الولدَ أمْكَنَ أنْ يكونَ من الثَّاني، فلم يُصادِفْ نكاحَها له مُبطِلٌ، فلم يَبطُلْ؛ لأِنَّ الولدَ لاحِقٌ به.
فلو ظَهَرَت الرِّيبةُ بعدَ العِدَّة وقبلَ النِّكاح، أوْ بعدَه قبلَ الدُّخول؛ فوَجْهانِ:
أحدهما: لا يَحِلُّ لها أنْ تتزوَّجَ، وإنْ فَعَلَتْ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّها شاكَّةٌ في انْقِضاءِ عدَّتِها.
والثَّاني: يَحلُّ لها، ويَصِحُّ؛ لأِنَّا حَكَمْنا بانْقِضاءِ عِدَّتها، فلا يَتغَيَّرُ الحُكْمُ بالشَّكِّ، بدليلِ أنَّ حكمَ الحاكم لا يتغيَّرُ بتغييرِ اجْتِهادِه ورجوعِ الشُّهود.
(فَإِذَا مَاتَ عَنِ امْرَأَةٍ نِكَاحُهَا فَاسِدٌ، فَقَالَ الْقَاضِي: عَلَيْهَا عِدَّةُ الْوَفَاةِ، نَصَّ عَلَيْهِ) في روايةِ جعفرِ بنِ محمَّدٍ
(1)
، واختاره أبو بكرٍ، وقدَّمه الأكثرُ؛ لأِنَّه نكاحٌ يَلحَقُ به النَّسبُ، فوَجَبَتْ به العِدَّةُ كالصَّحيح.
وإنْ فارَقَها في الحياة بعدَ الإصابة؛ اعتدَّت بثلاثةِ قُرُوءٍ، أوْ بثلاثةِ أشْهُرٍ إنْ لم يكُنْ، بغَيرِ خلافٍ
(2)
.
وإنْ كان قبلَ الخَلْوةِ؛ فلا عِدَّة عليها؛ كالصَّحيح، بل أَوْلَى.
وإنْ كان بعدَها قبلَ الإصابة؛ فالمنصوصُ: أنَّ عليها العدَّةَ
(3)
؛ لأِنَّه
(1)
ينظر: المغني 8/ 139.
(2)
ينظر: المغني 8/ 139.
(3)
ينظر: المغني 8/ 139.
أُجْرِيَ مُجْرَى الصَّحيح في لُحُوقِ النَّسَب، فكذا في العِدَّة.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا لِلْوَفَاةِ لِذَلِكَ)؛ لأِنَّه لا يَثبُتُ الحلُّ، فلم يوجب
(1)
العدَّةَ؛ كالباطل، فعلى هذا: إنْ كان قَبْلَ الدُّخول؛ فلا عِدَّةَ عليها، وإنْ كان بعدَه؛ اعتَدَّتْ.
(وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى بُطْلَانِهِ)؛ كذاتِ مَحرَمِه ومُطلَّقتِه ثلاثًا؛ (لَمْ تَعْتَدَّ لِلْوَفَاةِ مِنْ أَجْلِهِ، وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأِنَّ النِّكاحَ المذكورَ وُجودُه كعَدَمِه؛ للإجماع
(2)
على بُطْلانِه.
(1)
في (م): فلم توجب.
(2)
في (م): لإجماع.
(فَصْلٌ)
(الثَّالِثُ: ذَاتُ الْقُرُوءِ التِي فَارَقَهَا فِي الْحَيَاةِ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا)، ولو بطلقةٍ ثالثةٍ إجماعًا
(1)
، (وَعِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ قُرُوءٍ إِنْ كَانَتْ حُرَّةً) أوْ بعضها؛ لقوله تعالى:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البَقَرَة: 228]، (وَقُرْآنِ إِنْ كَانَتْ أَمَةً)، في قَولِ أَكْثَرِ العُلماء؛ لِمَا رُوِيَ عن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «طَلاقُ الأَمةِ تَطْلِيقتَانِ وعِدَّتُها حَيضَتانِ» رواه أبو داودَ والتِّرمذي، وقال:(حديثٌ غريبٌ لا نَعرِفُه مرفوعًا إلاَّ مِنْ حديثِ مُظاهِرِ بنِ أسْلَمَ، ولا يُعرَفُ له في العِلْم غيرُ هذا الحديث)، وعن ابنِ عمر
(2)
نحوُه، رواهُ ابنُ ماجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ من روايةِ عطيَّة، وهو ضعيفٌ
(3)
، وهو قول
(4)
عمرَ
(5)
،
(1)
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 32/ 342: (فإن كان هذا إجماعًا؛ فهو الحق، والأمة لا تجتمع على ضلالة، وإن كان من العلماء من قال: إن المطلقة ثلاثًا إنما عليها إلا الاستبراء، لا الاعتداد بثلاث حيض؛ فهذا له وجه قوي).
وقال ابن القيم في زاد المعاد 5/ 597: (ليس في المسألة إجماع، فذهب ابن اللَّبَّان الفرضي صاحب الإيجاز وغيره إلى أن المطلقة ثلاثًا ليس عليها غير استبراء بحيضة، ذكره عنه أبو الحسين بن القاضي أبي يعلى فقال: مسألة: إذا طلق الرجل امرأته ثلاثًا بعد الدخول؛ فعدتها ثلاثة أقراء إن كانت من ذوات الأقراء، وقال ابن اللبان: عليها الاستبراء بحيضة، دليلنا: قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}، ولم يقف شيخ الإسلام على هذا القول وعلق تسويغه على ثبوت الخلاف). وينظر: إعلام الموقعين 2/ 54، الاختيارات ص 406.
(2)
في (م): أبي عمرو.
(3)
سبق تخريجه من حديث عائشة رضي الله عنها 8/ 185 حاشية (5)، وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فأخرجه ابن ماجه (2079)، والدارقطني (3994)، والبيهقي (15166) مرفوعًا، وضعفاه، وصححا الموقوف، وسيأتي. ينظر: الإرواء 7/ 150.
(4)
قوله: (وهو قول) في (م): وقول.
(5)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15452)، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«عدة الأمة إذا لم تحض شهران، وإذا حاضت حيضتين» ، صححه الألباني في الإرواء 7/ 150. وأخرجه عبد الرزاق (12872)، والشافعي في الأم (5/ 232)، وسعيد بن منصور (1277)، والدارقطني (3830)، والبيهقي في الكبرى (13895)، بلفظ: «تعتد الأمة حيضتين، فإن لم تحض فشهرين» أو قال: «فشهر ونصف»، شك ابن عيينة. صححه ابن الملقن في البدر 8/ 221، والحافظ في التلخيص 3/ 499، قال أحمد في مسائل عبد الله ص 376:(أقول بقول عمر: إن لم تكن تحيض فشهرين، وإن كانت تحيض بحيضتين).
وعليٍّ
(1)
، وابنِ عمرَ
(2)
، ولا يعرف
(3)
لهم في الصَّحابة مُخالِفٌ، وكالحَدِّ.
وكان
(4)
القياسُ يَقتَضِي أنْ تكون
(5)
حيضةً ونصفًا؛ كما كان حدُّها على النِّصف من الحرَّة، إلاَّ أنَّ الحَيضَ لا يَتبَعَّضُ، فَوَجَبَ تكميلُه كالمطلَّقة، ولهذا قال عمر:«لو أستطيع أنْ أجعلَ العدَّةَ حَيضةً ونصفًا لَفَعَلْتُ» رواه البَيهقِيُّ
(6)
، ولا يصحُّ
(7)
للجهالة، أو الانقطاع.
والمُدبَّرةُ والمُكاتَبةُ وأمُّ الولد كالأمَة.
(وَالْقُرْءُ: الْحَيْضُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ)، القرء
(8)
في كلامِ العرب يقع على
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (18768)، عن الحسن، عن علي رضي الله عنه:«عدة الأمة حيضتان، فإن لم تكن تحيض فشهر ونصف» ، مرسل.
(2)
أخرجه مالك (2/ 574)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 274)، والدارقطني (3999)، والبيهقي في الكبرى (15164)، عن نافع، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:«عدة الحرة ثلاث حيض، وعدة الأمة حيضتان» ، إسناده صحيح.
(3)
في (م): ولا نعرف.
(4)
في (م): وكأن.
(5)
في (م): يكون.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (12874)، والشافعي في الأم (5/ 232)، وسعيد بن منصور (1271)، وابن أبي شيبة (18775)، والبيهقي في الكبرى (15453)، عن عمرو بن أوس، عن رجل من ثقيف، عن عمر رضي الله عنه. فيه رجل مبهم. وأخرجه سعيد بن منصور (1271)، والبيهقي في الكبرى (15454)، عن عمرو بن أوس، عن عمر رضي الله عنه. وهذا منقطع.
(7)
في (م): ولا تصح.
(8)
في (ظ): القروء.
الحَيض والطُّهر جميعًا، فهو من الأسماء المشترَكة، قال الخليلُ: يُقالُ: أقْرأَت المرأةُ إذا دَنا حَيضُها، وأقْرَأَتْ إذا دنا طَهرُها
(1)
.
وقال أحمدُ بنُ يحيى ثَعْلب
(2)
: القروءُ
(3)
الأوقات، فقد يكونُ حَيضًا، وقد يَكونُ طُهْرًا، والقَولُ بأنَّه الحَيضُ هو الأَشْهَرُ؛ لأِنَّه يُطلَقُ تارةً ويُرادُ به الاِنتِقالُ، يقال
(4)
: قَرَأَ النَّجْمُ؛ أي
(5)
: انتقل من مَحَلٍّ إلى آخَرَ، ويُرادُ به الجَمْعُ، يُقالُ: ما قَرَأَت النَّاقَةُ؛ أيْ: لم تَجمَعْ في بطنها ولدًا، فالأخْذُ به أَوْلَى؛ لأِنَّ فيه جمعًا بَينَ حقيقتَينِ.
وهذا هو الأَظْهَرُ عن أحمدَ
(6)
، صحَّحه في «المستوعب» ، وجزم به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وهو قَولُ عمرَ
(7)
، وعليٍّ
(8)
، وابنِ عبَّاسٍ
(9)
، ورُوِيَ عن أبي بكر
(10)
، وعثمانَ، وأبي موسى
(11)
، وعبادةَ، وأبي الدَّرداء
(12)
، قال أحمدُ في رواية الأثرم: (كنتُ أقولُ: إنَّه الأَطْهارُ، ثُمَّ
(1)
لم نجده من كلام الخليل. وينظر: غريب الحديث لأبي عبيد 1/ 280.
(2)
ينظر: التمهيد 15/ 86.
(3)
في (م): القرء.
(4)
قوله: (يقال) سقط من (م).
(5)
في (م): إذا.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 32، الروايتين والوجهين 2/ 209.
(7)
تقدم تخريجه 8/ 343 حاشية (4).
(8)
تقدم تخريجه 8/ 343 حاشية (5).
(9)
أخرجه الطبري في التفسير (4/ 88)، والبيهقي في الكبرى (15398)، عن عطاء الخراساني، عن ابن عباس رضي الله عنهما:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} قال: «ثلاث حيض» ، مرسل؛ عطاء لم يسمع من ابن عباس رضي الله عنهما.
(10)
قوله: (بكر) سقط من (م).
(11)
في (م): وابن أبي موسى.
(12)
الآثار الواردة عن أبي بكر وأبي موسى وعبادة وأبي الدرداء رضي الله عنهم تقدم تخريجها 8/ 343 حاشية (3).
وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (10987)، والطبري في التفسير (4/ 94)، والبيهقي في الكبرى (15396)، عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، قال: أرسل عثمان إلى أبي يسأله عنها، فقال أبي:«فإني أرى أنه أحق بها حتى تغتسل من الحيضة الثالثة، وتحل لها الصلاة» قال: فلا أعلم عثمان إلا أخذ ذلك. وأبو عبيدة لا يُعرف سماعه من عثمان رضي الله عنهم. وأخرجه البيهقي في المعرفة (15186)، عن سليمان بن يسار، أن عثمان بن عفان وابن عمر قالا:«إذا دخلت في الحيضة الثالثة؛ فلا رجعة له عليها» ، وإسناده صحيح. وقد أورد ابن الملقن وابن حجر هذا الأثر ولم يقفا عليه. ينظر: البدر المنير 8/ 220، التلخيص 3/ 498.
وقفتُ؛ لقَولِ الأكابِر)
(1)
، ولأِنَّه لم يُعهَدْ في لسان الشَّرع اسْتِعْمالُه بمَعْنَى الطُّهر في مَوضِعٍ، واسْتُعْمِل بمَعْنَى الحَيضِ في غيرِ حديثٍ
(2)
.
وظاهِرُ النَّصِّ يَقتَضِي وجوبَ التَّربُّص بثلاثةٍ كاملةٍ، ومَن جعل القروءَ
(3)
الأطهارَ؛ لم يُوجِبْ ثلاثةً، ولأِنَّ العِدَّةَ اسْتِبْراءٌ، فكانت بالحيض؛ كاسْتِبْراء الأَمَةِ.
(وَلَا تَعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ التِي طَلَّقَهَا فِيهَا حَتَّى تَأْتِيَ بِثَلَاثٍ كَامِلَةٍ بَعْدَهَا)، لا
(1)
ينظر: المغني 8/ 101.
(2)
من ذلك ما أخرجه أحمد (27360)، وأبو داود (280)، والنسائي (211)، وابن ماجه (620)، من حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها مرفوعًا:«إنما ذلك عرق، فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلي، فإذا مر قرؤك فتطهري ثم صلي ما بين القرء إلى القرء» ، وفي سنده: المنذر بن المغيرة المدني، قال أبو حاتم عنه:(مجهول، ليس بمشهور)، وضعفه ابن عبد البر وابن القطان، وصححه ابن حزم وابن القيم وابن الملقن والألباني.
وأخرج أحمد (24972)، والنسائي (209)، عن عائشة رضي الله عنها في خبر أم حبيبة بنت جحش رضي الله عنها، وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها:«إنها ليست بالحيضة، ولكنها ركضة من الرحم، فلتنظر قدر قرئها التي كانت تحيض» ، وأخرج النسائي (210)، من وجه آخر عن عائشة، وفيه:«فأمرها أن تترك الصلاة قدر أقرائها» ، وقال ابن الملقن:(رجاله ثقات). ينظر: التمهيد 15/ 98، بيان الوهم 4/ 132، زاد المعاد 5/ 573، ميزان الاعتدال 4/ 182، البدر المنير 3/ 125، تهذيب الكمال 28/ 511، صحيح أبي داود 2/ 38.
(3)
في (م): القرء.
نَعلَمُ فيه خلافًا
(1)
، ورواه البَيهَقِيُّ بإسْنادٍ رجالُه ثِقاتٌ، عن ابنِ عمرَ
(2)
، ولأِنَّ المطلَّقةَ فيها لم يَبقَ منها ما يَتِمُّ مع اثنتَينِ ثلاثةٌ كامِلةٌ، فلا يُعتَدُّ بها، ولأِنَّ الطَّلاقَ في الحَيض إنَّما حَرُمَ للضَّرر بتطويلِ العِدَّة، فلو اعتدَّت بالحَيضة المطلَّقِ فيها لكانت العدَّةُ حِينَئِذٍ أقْصَرُ.
(وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا مِنَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ؛ حَلَّتْ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، قدَّمها
(3)
في «الكافي» و «الرِّعاية» ، واختارها أبو الخَطَّاب؛ للآية، وقد كَمَلَت القروء
(4)
بوجوب الغسل عليها، ووجوب الصَّلاة، وفِعْل الصِّيام وصحَّته منها
(5)
، ولأِنَّه لم يَبْقَ حكمُ العدَّة في الميراث، ووقوع الطَّلاق بها، واللِّعان، والنَّفقة، فكذا هُنَا.
(وَالْأُخْرَى: لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ)، اختاره الخِرَقِيُّ، والقاضي، والشَّريفُ، والشِيرازيُّ؛ اعتمادًا على أنَّ هذا قَولُ أكابِرِ الصَّحابة، قال أحمدُ
(6)
: رُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ أنَّه كان يَقولُ: «إذا انْقَطَعَ الدَّمُ من الحَيضة الثَّالثة؛ فقد بانَتْ منه»
(7)
، وهو أصحُّ في النَّظَر، قِيلَ له: فلِمَ لا تَقولُ به؟
(1)
ينظر: المغني 8/ 102.
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (17752)، وابن معين في تاريخه برواية الدوري (4487)، وابن الأعرابي في معجمه (1751)، والبيهقي في الكبرى (15402)، عن عبد الوهاب الثقفي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع عنه. رجاله ثقات، إلا أن ابن معين استغربه لتفرد عبد الوهاب، فقال:(هذا غريب ليس يحدث به إلا عبد الوهاب الثقفي)، وعبد الوهاب ثقة، قال ابن القيم في إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص 52:(وحسبك بهذا الإسناد إذا صح).
(3)
في (م): قدمه.
(4)
في (م): القرء.
(5)
في (م): فيها.
(6)
ينظر: مسائل حرب - الطهارة ص 618، شرح الزركشي 5/ 542.
(7)
أخرجه سعيد بن منصور (1227)، وحرب الكرماني - تحقيق السريع - (720)، وابن حزم (10/ 30)، وإسناده حسن.
قال: ذلك يَقولُ به عمرُ وعليٌّ وابنُ مسعودٍ
(1)
، فأنا أهيبُ
(2)
أنْ أُخالِفَهم؛ يعني: اعْتِبار الغُسْل، ويُرشِّحُه: أنَّ الظاهِرَ إنَّما تركوه
(3)
عن توقيفٍ ممَّن له البَيانُ، ورُوِيَ عن أبي بكرٍ، وعثمانَ، وأبي موسى، وعبادةَ، وأبي الدَّرداء
(4)
.
وظاهِرُه: ولو فرَّطَتْ في الغُسْل سِنِينَ، حتَّى قال به شريكٌ عِشْرينَ سنةً، وحَكاهُ في «الهَدْيِ» روايةً
(5)
.
لكِنْ إذا طلَّقها وهي حامِلٌ، فَوَضَعَتْ بعدَ ذلك؛ انْقَضَتْ عدَّتُها وإنْ لم تَغتَسِلْ، نَصَّ عليه
(6)
.
وعنه: أنَّها في عدَّتها، وله
(7)
رَجْعَتُها حتَّى يمضي
(8)
وقتُ الصَّلاة التي طَهُرَتْ في وقْتِها، وجَزَمَ به في «الوجيز» .
فعلى هذا: تَنقَطِعُ بقيَّةُ الأحكام مِنْ قَطْعِ الإرث، والطَّلاقِ، واللِّعانِ، والنَّفقةِ بانْقِطاعِ الدَّم، رِوايةً واحدةً، وجَعَلَها ابنُ عَقِيلٍ على الخلاف
(9)
.
(وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ: القُرْءُ الأَطْهَارُ)، وهو قَولُ زَيدٍ
(10)
،
(1)
تقدم تخريج هذه الآثار 8/ 343.
(2)
في (ظ): انتهيت. في شرح الزركشي 5/ 542: أتهيب.
(3)
في (م): تركه.
(4)
تقدم تخريج هذه الآثار 8/ 343 حاشية (3).
(5)
ينظر: زاد المعاد 5/ 535.
(6)
ينظر: مسائل صالح 2/ 350، مسائل ابن هانئ 1/ 241.
(7)
في (ظ): وإن.
(8)
في (ظ): تمضي.
(9)
قوله: (على الخلاف) في (م): كالخلاف.
(10)
أخرجه مالك (2/ 577)، والشافعي في الأم (5/ 224)، وعبد الرزاق (11003)، وسعيد بن منصور (1226)، وابن أبي شيبة (18890)، والبيهقي في الكبرى (15385)، وغيرهم من طرق عن سليمان بن يسار، عن زيد رضي الله عنه قال:«إذا دخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها» ، وإسناده صحيح.
وابنِ عمرَ
(1)
، وعائشةَ
(2)
، رواه الشَّافِعِيُّ عنهم بإسْنادٍ جيِّدٍ، وقال الشَّافِعِيُّ: أنا مالِكٌ، عن ابن شِهابٍ، سَمِعْتُ أبا بكرِ بنِ عبدِ الرَّحْمن يَقولُ:«ما أدْرَكْتُ أحدًا من فُقهائنا إلاَّ وهو يقولُ هذا»
(3)
، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: ورَجَعَ إليه أحمدُ
(4)
، قال في روايةِ الأثْرَمِ: رأيتُ الأحاديثَ عمَّن قال: القروء
(5)
الحِيَضُ تَختَلِفُ، والأحاديثُ عمَّنْ قال: إنَّه الأطْهارُ صِحاحٌ قَوِيَّةٌ
(6)
.
والعُمْدةُ في قوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلَاق: 1]؛ أيْ: في عِدَّتهنَّ؛ كقوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبيَاء: 47]؛ أي: في يوم القيامة، والمشْروعُ الطَّلاقُ في الأطْهار، لا في الحِيَض إجْماعًا، وحديث ابن عمر:«أنَّه طلَّق امرأتَه، وهي حائضٌ، وأمَرَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمُراجَعَتِها»
(7)
، ولأِنَّها عدَّةٌ عن طلاقٍ مُجرَّدٍ مُباحٍ؛ فوَجَبَ أنْ يُعتَبَرَ عُقيبَ الطَّلاق؛ كعِدَّة الآيِسة والصَّغيرة.
وجوابُه: بأنَّ المرادَ بقوله تعالى: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطّلَاق: 1]: ثلاثٌ
(1)
أخرجه مالك (2/ 578)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 224)، والبيهقي في الكبرى (15387)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«إذا طلق الرجل امرأته، فدخلت في الدم من الحيضة الثالثة، فقد برئت منه وبرئ منها، ولا ترثه ولا يرثها» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه مالك (2/ 576)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 224)، والطحاوي في معاني الآثار (4492)، والبيهقي في الكبرى (15382)، عن عروة، عن عائشة:«إنما الأقراء الأطهار» ، وأخرجه سعيد بن منصور (1225)، وحرب في مسائله (719)، والبيهقي في الكبرى (15383)، عن عمرة، عن عائشة رضي الله عنها:«إذا دخلت المطلقة في الحيضة الثالثة فقد برئت منه» ، وهذه أسانيد صحاح، وروي عن عائشة رضي الله عنها من وجوه أخرى.
(3)
تقدم تخريجه في الحاشية السابقة.
(4)
ينظر: التمهيد 15/ 90.
(5)
في (م): القرء.
(6)
ينظر: المغني 8/ 101.
(7)
أخرجه البخاري (5251)، ومسلم (1471).
مُستَقْبِلاتٌ لِعدَّتهنَّ؛ كما تقولُ: لَقِيتُه لِثَلاثٍ بَقِينَ من الشَّهر، أيْ: مستقبِلات
(1)
لثلاثٍ، وقال ابن عمرَ:«وقَرَأَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن في قُبُلِ عدَّتهنَّ» رواه أبو داودَ، والنَّسائيُّ
(2)
.
(وَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ الذِي طَلَّقَهَا فِيهِ قُرْءًا)؛ لأِنَّ
(3)
الطَّلاقَ إنَّما حَرُمَ في الحيض دَفْعًا للضَّرر عنها بتطويل العِدَّة عليها، فلو لم تَعتَدَّ ببقيَّةِ الطُّهر قُرْءًا؛ كان الطَّلاقُ في الطُّهر أضرَّ بها وأطْوَلَ عليها.
وقال الزُّهْرِيُّ: إنَّها
(4)
تعتدُّ بثلاثةِ قروء
(5)
سوى الطُّهر الذي طلَّقَها فيه.
(ثُمَّ إِذَا طَعَنَتْ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ)، أوْ الأَمَة في الثَّانية؛ (حَلَّتْ)، قاله ابنُ عمرَ، وزيدٌ، وعائشةُ، رواه عنهم الأثرمُ
(6)
؛ لأِنَّها لو لم تَحِلَّ بذلك؛ لَأدَّى إلى إيجابِ أكثرَ من ثلاثةِ قروءٍ
(7)
، وذلِكَ مُخالِفٌ للنَّصِّ.
وقِيلَ: لا تَنقَضِي العدَّةُ حتَّى يَمْضِيَ من الدَّم يَومٌ وليلةٌ؛ لِجَوازِ أنْ يكونَ الدَّمُ دمَ
(8)
فسادٍ، فلا تَنقَضِي العدَّةُ حتَّى يَزولَ الاِحْتِمالُ، ولَيسَ من العدَّة في الأصحِّ.
وإن
(9)
طلَّقَها في سَلْخِ طُهْرٍ، أوْ علَّقه
(10)
على سَلْخِه، فأوَّلُ عِدَّتها أوَّلُ
(1)
قوله: (لعدتهن، كما تقول: لقيته
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
أخرجه مسلم (1471)، وأبو داود (2185)، والنسائي (3392).
(3)
في (م): ولأن.
(4)
في (م): إنما.
(5)
في (م): قرء.
(6)
تقدم تخريج هذه الآثار 8/ 553 - 554.
(7)
في (م): قرء.
(8)
قوله: (دم) سقط من (م).
(9)
في (م): فإن.
(10)
في (م): علقها.
طُهْرٍ يأتي بعدَ حيضةٍ.
فرعٌ: كلُّ فُرقةٍ بَينَ زَوجَينِ بعدَ الدُّخول؛ فعدَّتُها عدَّةُ طلاقٍ في قَولِ أكثرِ العلماء.
وعن ابنِ عبَّاسٍ
(1)
: عدَّةُ الملاعَنَة تسعةُ أشْهُرٍ.
وعن عُثمانَ، وابنِ عمرَ، وابنِ عبَّاسٍ، وإسْحاقَ: عدَّةُ المُخْتَلِعة بحَيضةٍ
(2)
، ورواهُ ابنُ القاسِم عن أحمدَ
(3)
، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في بقيَّة الفُسوخ
(4)
، وأوْمَأَ إليه في روايةِ صالِحٍ
(5)
؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: «أنَّ امرأةَ ثابِتِ بنِ قَيسٍ اخْتَلَعَتْ من زَوجها، فأمَرَها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنْ تعتدَّ بحَيضةٍ» رواه
(1)
علقه ابن المنذر في الإشراف 5/ 361، ولم نقف عليه موصولاً.
(2)
أثر عثمان وابن عمر رضي الله عنهم: أخرجه ابن أبي شيبة (18462)، عن نافع، عن ابن عمر، أن الربيع اختلعت من زوجها، فأتى عمها عثمان، فقال:«تعتد بحيضة» ، وكان ابن عمر يقول:«تعتد ثلاث حيض» حتى قال هذا عثمان، فكان يفتي به ويقول:«خيرنا وأعلمنا» ، إسناده صحيح.
وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما خلافه: أخرجه مالك في رواية يحيى الليثي (2/ 565)، وفي رواية أبي مصعب الزهري (1614)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (14858)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«عدتها عدة المطلقة» . وأخرجه أبو داود (2230)، حدثنا القعنبي، عن مالك به بلفظ:«عدة المختلعة حيضة» ، كذا في رواية اللؤلؤي، ورواية ابن داسَه موافِقة لما سبق:«عدة المختلعة عدة المطلقة» . وأخرج ابن أبي شيبة (18461)، أخبرنا عبدة، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر بلفظ:«عدة المختلعة حيضة» . هذه أسانيد صحاح، وقد اعتبر ابن عبد البر في التمهيد 23/ 377 أن الأصح من فتوى ابن عمر رضي الله عنهما أنها كالمطلقة، وصحح الألباني كلا القولين عنه، وأن القول الذي رجع إليه أنها حيضة، وهو ما قرره ابن تيمية في مجموع الفتاوى 32/ 335.
وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (18464)، ولفظه:«عدتها حيضة» ، فيه ليث بن أبي سليم وهو ضعيف.
(3)
ينظر: المغني 8/ 97.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 110.
(5)
ينظر: مسائل صالح 3/ 133.
أبو داودَ، والنَّسائيُّ، والتِّرمذي، وقال: حسن
(1)
غريبٌ
(2)
.
وجَوابُه: عمومُ الآية، وكفُرْقةِ غَيرِ الخُلْع، وحديثُهم قال أبو بكرٍ: هو ضعيفٌ مُرسَلٌ، وقَولُ عُثمانَ وابنِ عبَّاسٍ قد خالَفَهُ عمرُ
(3)
وعليٌّ
(4)
، وقَولُهما أَوْلَى، والصَّحيحُ عن ابن عمرَ:«أنَّ عدَّتَها عدَّةُ المطلَّقة» رواه مالِكٌ
(5)
.
(1)
في (م): حديث. والمثبت موافق للسنن.
(2)
أخرجه أبو داود (2229)، والتِّرمذي (1185)، والحاكم (2825)، من طريق هشام بن يوسف، عن معمر، عن عمرو بن مسلم، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، ولم يخرجه النسائي كما ذكره المزي، ورواه عبد الرزاق عن معمر مرسلاً، وأعله بعضهم بالإرسال، وكلا الإسنادين مدارهما على عمرو بن مسلم الجندي، قال الذهبي:(ليَّنه أحمد وغيره، ولم يُترك، وقوَّاه ابن معين)، وقال ابن حجر:(صدوق له أوهام)، وله شاهد أخرجه التِّرمذي (1185)، والنسائي (3497)، وابن الجارود (763)، عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها، وفيه:«فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتربص حيضة واحدة» ، وفي لفظ:«أن تعتد بحيضة» ، وضعفهما ابن عبد البر، وحسنه التِّرمذي، وصححه الحاكم وابن القيم والألباني. ينظر: التمهيد 23/ 374، تحفة الأشراف 5/ 159، الكاشف 2/ 88، إعلام الموقعين 2/ 53، صحيح أبي داود 6/ 428.
(3)
ذكره المروزي في اختلاف الفقهاء ص 300، قال ابن عبد البر في الاستذكار 6/ 84:(والحديث عن عمر وعلي من قولهم ليس بالقوي)، وضعف إسناده شيخ الإسلام كما في مجموع الفتاوى 32/ 335، ولم نقف على لفظه، إلا أن يُراد ما روي عنه من أن الخلع طلاق، فإن كان كذلك، فقد قال ابن حجر في التلخيص 3/ 433:(أما مذهب عمر؛ فلا يُعرف، وقد اعترف بذلك الرافعي في التذنيب).
(4)
قال عليٌّ رضي الله عنه: «عدة المختلعة مثل عدة المطلقة» ، وتقدم تخريجه 8/ 56 حاشية (2).
(5)
تقدم تخريجه 8/ 556 حاشية (2).
(فَصْلٌ)
(الرَّابِعُ: اللاَّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، وَاللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ؛ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ إِنْ كُنَّ
(1)
حَرَائِرَ)، إجْماعًا
(2)
؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ
…
(4)} الآيةَ [الطّلَاق: 4].
فإنْ كان الطَّلاقُ في أوَّلِ الشَّهر؛ كفى ثلاثةُ أشْهُرٍ بالأهِلَّة؛ للنَّصِّ.
وإنْ كان في أثنائه؛ اعْتدَّتْ بقيَّتَه، ثُمَّ اعْتَدَّتْ شَهْرَينِ بالأهلَّة، ثمَّ مِنْ الثَّالث تمامَ ثلاثِينَ يومًا، جَزَمَ به في «الكافي» وغيرُه، وقدَّمه في «المستوعب» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ الأصلَ الهِلالُ، فلا يُرجَعُ إلى العدد إلاَّ عِنْدَ التَّعذُّر.
وعنه: يُعتبَرُ الجميعُ بالعَدَد
(3)
، وهو قَولُ بنت
(4)
الشَّافعي؛ لأِنَّه إذا حُسِبَ الأوَّلُ بالعدد؛ كان ابتداءُ الثَّاني من نصف الشَّهر، وكذلك الثَّالث.
قُلْنا: لا يَلزَمُ إتمامُ الشَّهر الأوَّل من الثَّاني، بل من الرَّابع.
ويُحتَسَبُ من السَّاعة التي فارقها فيها في قول الأكثرِ.
وقال
(5)
ابنُ حامِدٍ: يُحتَسَبُ بأوَّل اللَّيل أو النهار
(6)
؛ لأِنَّ حساب السَّاعات يَشُقُّ؛ فسَقَطَ اعْتِبارُه.
(1)
في (م): كانت.
(2)
ينظر: مراتب الإجماع ص 77، الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 45.
(3)
في (م): لعدد.
(4)
في (م): ثبت. وصوابه كما في المغني 8/ 105، والشرح الكبير 24/ 56: ابن بنت الشافعي. وينظر: المهذب 3/ 121.
(5)
في (م): قال.
(6)
في (م): والنهار.
وجَوابُه: قولُه تعالى: {فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطّلَاق: 4]، فلا تجوزُ الزِّيادةُ بغَيرِ دليلٍ، وحساب السَّاعات ممكنٌ، إمَّا يقينًا وإمَّا اسْتِظْهارًا.
(وَإِنْ كُنَّ إِمَاءً فَشَهْرَانِ
(1)
، هذا أكثرُ الرِّوايات عنه، واختارها الأكثرُ، واحتجَّ فيه بقَولِ عمرَ، رواه الأثْرَمُ
(2)
، ولأنَّ كلَّ شهرٍ مكانَ قُرءٍ
(3)
، وعدَّتُها بالأقْراء قُرْءانِ، فكذا هنا.
(وَعَنْهُ: ثَلَاثَةٌ)، رُوِيَ عن الحسن ومجاهِدٍ، وقدَّمه في «الرِّعاية الكبرى» ؛ لعُمومِ الآية، ولأِنَّ اعْتِبارَ الشُّهور لمعرفة براءة الرَّحِم، ولا يَحصُلُ بأقلَّ من ثلاثةٍ.
(وَعَنْهُ: شَهْرٌ وَنِصْفٌ)، نَقَلَها الميمونيُّ، والأثْرَمُ
(4)
واختارها، وقاله عليٌّ
(5)
وابنُ عمرَ
(6)
؛ لأِنَّ عدَّتَها نصفُ عدَّةِ الحرَّة، وإنَّما كمَّلنا الأقْراءَ لتعذُّر تَنصيفها.
(1)
في (م): بشهرين.
(2)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15452)، عن عبد الله بن عتبة، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«عدة الأمة إذا لم تحض شهران وإذا حاضت حيضتين» ، صححه الألباني في الإرواء 7/ 150، واحتج به أحمد في مسائل عبد الله ص 376. وأخرجه عبد الرزاق (12872)، والشافعي في الأم (5/ 232)، وسعيد بن منصور (1277)، والدارقطني (3830)، والبيهقي في الكبرى (13895)، بالشك: «فإن لم تحض فشهرين» أو قال: «فشهر ونصف»، شك فيه ابن عيينة.
(3)
في (ظ): قروء.
(4)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 216، المغني 8/ 106.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (18768)، عن الحسن، عن علي:«عدة الأمة حيضتان، فإن لم تكن تحيض؛ فشهر ونصف» . رجاله ثقات، والحسن عن علي رضي الله عنه مرسل كما قرر العلائي في جامع التحصيل ص 162.
(6)
أخرجه ابن أبي شيبة (18774)، ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (4591)، عن مطر، عن عطاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«عدة الأمة حيضتان إن كانت تحيض، فإن لم تكن تحيض؛ فشهر ونصف» ، مطر هو الورَّاق، صدوقٌ كثير الخطأ، وحديثه عن عطاء ضعيفٌ.
ومَن ردَّ الرِّوايةَ الثَّانية قال: هي مُخالِفةٌ لإجماعِ الصَّحابة؛ لأِنَّهم اختلفوا على القولين - أي: الأوَّل والثَّالث -، فلا يجوز إحداثُ ثالِثٍ؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى تَخْطِئَتهم، وخروجِ الحقِّ عن قَولِ جميعهم، ولا يجوز ذلك، ولأِنَّها مُعتَدَّةٌ بغير الحمل، فكانَتْ دونَ الحرَّة؛ كذات القروء
(1)
والمتوفَّى عنها زَوجُها.
وأغْرَبُ منه رابعةٌ: أنَّ عدَّتَها شهرٌ فقط.
(وَعِدَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ)، والمكاتبة
(2)
، والمدبَّرَة؛ (عِدَّةُ الْأَمَةِ)؛ لأِنَّها أمة
(3)
مملوكةٌ، ولأِنَّ أمَّ الولد أَمَةٌ في كلِّ أحكامها، إلاَّ في جَوازِ بَيعِها.
(وَعِدَّةُ الْمُعْتَقِ بَعْضُهَا بِالْحِسَابِ مِنْ عِدَّةِ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ)، فإذا
(4)
كان نصفُها حُرًّا؛ فعلى الأولى
(5)
: عدَّتُها شهرانِ ونصفٌ، وعلى الثَّالثة: شَهْرانِ وسبعةُ أيَّامٍ ونصفٌ، وقال السَّامَرِّيُّ: شَهرانِ وثمانيةُ أيَّامٍ، وعلى الثَّانية: تُساوِي الحرَّةَ.
وذكر أبو بكرٍ، وقدَّمه في «الترغيب»: أنَّ عدَّتَهَا كحرَّةٍ على الرِّوايات.
وهي كالحرَّة إذا اعْتَدَّتْ بالحمل؛ لأِنَّ عدَّةَ الحامِلِ لا تَختلِفُ بالحرِّيَّةِ والرِّقِّ.
(وَحَدُّ الْإِيَاسِ: خَمْسُونَ سَنَةً)؛ لقَولِ عائشةَ: «لن تَرَى في بَطْنِها ولدًا
(6)
بعدَ خَمْسينَ سنةً»
(7)
.
(1)
في (م): القرء.
(2)
في (م): المكاتبة.
(3)
قوله: (أمة) سقط من (م).
(4)
في (م): وإذا.
(5)
في (م): الأول.
(6)
قوله: (ولدًا) سقط من (م).
(7)
أخرجه الشالنجي بإسناده عن عائشة كما في كتاب التمام لابن أبي يعلى (1/ 133)، ولم نقف عليه.
(وَعَنْهُ: أَنَّ ذَلِكَ حَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَجَمِ، وَحَدُّهُ فِي نِسَاءِ الْعَرَبِ سِتُّونَ سَنَةً)، ذَكَرَ الزُّبَيرُ بنُ بَكَّارٍ في كتاب النَّسَب: أنَّ هندَ بنتَ أبي عُبَيدةَ بنِ عبد الله ابنِ زَمْعةَ وَلَدَتْ مُوسى بنَ عبد الله بنِ حُسَينِ بنِ حَسَنِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ ولها سِتُّونَ سنةً
(1)
.
وقال
(2)
: يُقالُ: إنَّه لن تَلِدَ بعدَ خمسينَ سنةً إلاَّ عربيَّةٌ، ولا تَلِدُ بعدَ السِّتِّينَ إلاَّ قُرَشِيَّةٌ، ولأِنَّهنَّ أقْوَى حيلةً وطبيعةً
(3)
.
قال المؤلِّف
(4)
: والصَّحيحُ أنَّها متى
(5)
بلغَتْ خمسينَ سنةً، فانْقَطَع حَيضُها عن عادتها مرَّاتٍ بغَيرِ سببٍ؛ فقد صارت آيِسَةً، وإن انْقَطَعَ قبلَ ذلك؛ فكمَنْ انقَطَعَ حَيضُها لا تَدْرِي ما رَفَعَه، وإنْ رأت الدَّمَ بعدَ الخمسين على العادة؛ فهو
(6)
حَيضٌ على الصَّحيح، وإنْ رَأَتْه بعدَ السِّتِّينَ؛ فقد تُيُقِّنَ أنَّه لَيسَ بحَيضٍ، فلا تعتدُّ
(7)
به، وتَعتَدُّ بالأَشْهُر؛ كالتي
(8)
لا ترى دَمًا.
(وَإِنْ حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ فِي عِدَّتِهَا؛ انْتَقَلَتْ إِلَى القُرُوءِ
(9)
؛ لأِنَّ الشُّهورَ بَدَلٌ عنها، فإذا وُجِدَ المبدَلُ؛ بَطَلَ حُكْمُ البَدَل؛ كالتَّيمُّم مع الماء،
(1)
أخرجه أبو الفرج الأصبهاني في مقاتل الطالبين (ص 333)، عن الزبير به. وأخرجه ابن عساكر في تاريخه (60/ 445)، من طريق أخرى. وينظر: تاريخ بغداد 15/ 11، وتهذيب الكمال 25/ 467.
(2)
في (م): وقد.
(3)
ينظر: المغني 8/ 107.
(4)
في (ظ): في المؤلف.
(5)
في (م): من.
(6)
في (م): فهي.
(7)
في (م): فلا يتعد.
(8)
في (ظ): التي.
(9)
في (م): القرء.
(وَيَلْزَمُهَا
(1)
إِكْمَالُهَا)؛ أي: إكمالُ ثلاثةِ قروء
(2)
؛ لأِنَّ إكْمالَها واجِبٌ على كلِّ
(3)
مُعتَدَّةٍ بها.
(وَهَلْ يُحْسَبُ مَا قَبْلَ الْحَيْضِ قُرْءًا إِذَا قُلْنَا: القُرُوءُ
(4)
الْأَطْهَارُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدهما: تعتد
(5)
به؛ لأِنَّه طُهْرٌ قَبْلَ حَيضٍ، أشْبَهَ الطُّهْرَ بَينَ الحَيضَتَينِ.
والثَّاني: لا يُحْسَبُ، وهو أشْهَرُ؛ لأِنَّ القرء
(6)
هو الطُّهْرُ بَينَ الحَيضتَينِ، وهذا لم يَتقدَّمْه حَيْضٌ.
أمَّا لو حاضَتْ بعدَ انْقِضاءِ عدَّتِها بالشُّهور، ولو بلحظةٍ؛ لم يَلزَمْها اسْتِئْنافُ العِدَّة؛ لأِنَّه حَدَثَ بعدَ انْقِضاءِ العِدَّة، أشْبَهَ ما لو حَدَثَ بعدَ طُولِ الفصل.
(وَإِنْ يَئِسَتْ ذَاتُ القُرُوءِ
(7)
فِي عِدَّتِهَا؛ انْتَقَلَتْ إِلَى عِدَّةِ الآْيِسَاتِ)؛ أيْ: تَبْتَدِئُ بثلاثةِ أشْهُرٍ؛ لأِنَّ العِدَّةَ لا تُلَفَّقُ مِنْ جِنسَينِ، وقد تعذَّرَ الحَيضُ، فتَنتَقِلُ إلى الأَشْهُر؛ لأِنَّها عَجَزَتْ عن الأصل، وكالتَّيَمُّم.
(وَإِنْ عَتَقَتِ
(8)
الْأَمَةُ الرَّجْعِيَّةُ فِي
(9)
عِدَّتِهَا بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ حُرَّةٍ)، نَصَّ عليه
(10)
؛ لأِنَّ الحرِّيَّةَ وُجِدَتْ وهي زَوجةٌ، فَوَجَبَ أنْ تَعتَدَّ عِدَّةَ الحُرَّة؛ كما
(1)
في (ظ): ويلزمه.
(2)
في (م): قرء.
(3)
قوله: (كل) سقط من (ظ).
(4)
في (م): القرء.
(5)
في (م): يعتد.
(6)
في (ظ): القروء.
(7)
في (م): القرء.
(8)
في (م): أعتقت.
(9)
قوله: (في) سقط من (م).
(10)
ينظر: مسائل صالح 3/ 134، مسائل ابن منصور 4/ 1699.
لو عَتَقَتْ قَبْلَ الطَّلاق.
(وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا؛ بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ أَمَةٍ)، نَصَّ عليه
(1)
؛ لأِنَّ الحرِّيَّةَ لم تُوجَدْ وهي زوجة
(2)
، فوَجَبَ أنْ تَبْنِيَ على عدَّةِ أَمَةٍ، وكالمدبَّرة، ولم يَلزَمْها الاِنْتِقالُ إلى عِدَّةِ الحرَّة؛ كما بَعْدَ انْقِضاء العِدَّة.
فرعٌ: إذا عتَقَت
(3)
الأَمَةُ تَحْتَ عبدٍ، فاخْتارَتْ نفسَها؛ اعتدَّتْ كحرَّةٍ؛ لأِنَّها بانَتْ من زَوجِها وهي حرَّةٌ، وروى الحَسَنُ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَ بَرِيرَةَ بذلك»
(4)
.
(1)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1699.
(2)
قوله: (فوجب أن تعتد عدة الحرة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
في (م): أعتقت.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (18843)، عن الحسن مرسلاً، وله شواهد موصولة منها: ما أخرجه أحمد (2542، 3405)، من طريقين عن همام، أخبرنا قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن زوج بريرة
…
»، وفي الموضع الأول:«فأمرها أن تعتد» ، وفي الثاني:«وأمرها أن تعتد» قال: همام مرة: «عدة الحرة» ، وإسناده صحيح، ورجاله ثقات.
وأخرج ابن ماجه (2077)، عن عائشة رضي الله عنها: قالت: «أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض» ، قال ابن حجر عن الحديث:(على شرط الشيخين بل هو في أعلى درجات الصحة)، - وقد حكم عليه في البلوغ أنه معلول - وصححه البوصيري والألباني، وأعله ابن تيمية بأن عائشة قد ثبت عنها من غير وجه أن العدة عندها ثلاثة أطهار، وأنها إذا طعنت في الحيضة الثالثة حلت، فكيف تروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمرها أن تعتد بثلاث حيض؟! وكذا أعله ابن القيم، وقال ابن عبد الهادي:(رواته ثقات لكن أُعل).
وأخرج الطبراني في الأوسط (2103)، بإسناد رجاله ثقات عن عائشة رضي الله عنها قالت:«كان في بريرة أربعة من السنة: طلقها زوجها وكان عبدًا، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وأمرها أن تعتد عدة الحرة» .
وأخرج إسحاق بن راهويه (749)، والطبراني في الأوسط (2360)، والدارقطني (3776)، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة بريرة حين فارقها زوجها عدة المطلقة» ، وفي سنده: أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن وهو ضعيف، قال ابن حجر:(وهو شاهد قوي؛ لأن أبا معشر وإن كان فيه ضعف لكن يصلح في المتابعات). ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 112، المحرر (1104)، تهذيب السنن مع عون المعبود 6/ 224، الفتح 9/ 405، البلوغ (1038)، الإرواء 7/ 201.
وإنْ طلَّقها رَجْعِيًّا، فأعْتَقَها سيِّدُها؛ بَنَتْ على عدَّةِ حرَّةٍ، سواءٌ فَسَخَتْ، أوْ أقامَتْ على النِّكاح.
وإنْ لم يُفسخ فراجَعَها في عدَّتها؛ فلها الخيارُ، فإن اخْتارَت الفَسْخَ قَبْلَ المسِيسِ؛ فهل تَستَأْنِفُ، أوْ تَبْنِي على ما مَضَى؟ فيه وَجْهانِ.
فإنْ قُلْنا: تَستَأْنِفُ؛ فإنَّها
(1)
تَستَأْنِفُ عدَّةَ حُرَّةٍ، وكذلك
(2)
تَبْنِي عليها
(3)
.
(1)
في (ظ): بأنها.
(2)
في (ظ): ولذلك.
(3)
أي: إن قيل إنها تبني؛ فإنها تبني على عدة حرة.
(فَصْلٌ)
(الْخَامِسُ: مَنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ)؛ أيْ: لا يُعلم
(1)
سببه (اعْتَدَّتْ سَنَةً، تِسْعَةَ أَشْهُرٍ لِلْحَمْلِ)؛ أيْ: مُنْذُ انْقَطَع؛ لِتَعلَمَ براءتَها من الحمل؛ لأِنَّها غالِبُ مُدَّتِه، (وَثَلَاثَةً لِلْعِدَّةِ)، رواهُ الشَّافعيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ مِنْ حديثِ سعيدِ بنِ المسيِّب، عن عمرَ
(2)
، قال الشَّافِعِيُّ: هذا قَضاءُ عمرَ في المهاجرين والأنصار، لا يُنكِرُه منهم مُنكِرٌ عَلِمْناهُ
(3)
.
وقال
(4)
: تكونُ في عدَّةٍ أبدًا حتَّى تَحِيضَ، أوْ تَبلُغَ سنَّ
(5)
الإيَاسِ، فتَعتَدُّ ثلاثةَ أشْهُرٍ، وقاله أهلُ العراق، واعْتَمَدَ على قولِ ابنِ مسعودٍ، رواه البَيهَقيُّ
(6)
، ولأِنَّ الاِعْتِدادَ بالأَشْهُر جُعِلَ بَعْدَ الإياس، فلم يَجُزْ قَبْلَه كما لو
(1)
في (م): لا تعلم.
(2)
أخرجه مالك (2/ 582)، وعبد الرزاق (11095)، والشافعي في الأم (5/ 227)، وابن أبي شيبة (18997)، وحرب الكرماني (2/ 529)، والبيهقي في الكبرى (15412)، عن سعيد بن المسيب: قال عمر رضي الله عنه: «أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين، ثم رفعتها حيضتها، فإنها تنتظر تسعة أشهر، فإن بان بها حمل فذلك، وإلا اعتدت بعد التسعة أشهر ثلاثة أشهر ثم حلت» . صحح إسناده ابن كثير في مسند الفاروق 2/ 238.
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 356، بحر المذهب للروياني 11/ 266، تحفة المحتاج 8/ 237.
(4)
وهو القول الجديد للشافعي، ينظر: الأم 5/ 228، بحر المذهب للروياني 11/ 266.
(5)
في (م): من.
(6)
أخرجه عبد الرزاق (11104)، وسعيد بن منصور (1301)، وابن أبي شيبة (19000)، وأحمد في مسائل صالح (3/ 97)، والبيهقي في الكبرى (15411)، وابن حزم (10/ 52)، عن علقمة بن قيس: أنه طلق امرأته تطليقة أو تطليقتين ثم حاضت حيضة أو حيضتين، ثم ارتفع حيضها سبعة عشر شهرًا أو ثمانية عشر شهرًا ثم ماتت، فجاء إلى ابن مسعود رضي الله عنه فسأله، فقال:«حبس الله عليك ميراثها» ، فورثه منها. قال ابن حزم:(في غاية الصحة)، وصححه ابن الملقن وابن حجر والألباني: ينظر: البدر المنير 8/ 224، التلخيص الحبير 3/ 500، الإرواء 7/ 202.
تَباعَدَ حَيضُها لِعارِضٍ.
وجوابُه: الإجْماعُ، ولأِنَّ الغرض
(1)
بالاِعْتِداد مَعرِفةُ براءةِ رَحِمِها، وهذا يَحصُلُ به براءةُ الرَّحِمِ، فاكْتُفِيَ به، ولهذا اكتُفي
(2)
في حقِّ ذات القروء
(3)
بثلاثة أقْراءٍ، وفي
(4)
حقِّ الآيِسة بثلاثةِ أشْهُرٍ، ولو رُوعِيَ اليَقينُ؛ لَاعْتُبِرَ أقصر
(5)
مدَّة الحَمْل.
(وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً؛ اعْتَدَّتْ بِأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا)؛ تسعةٌ للحَمْلِ، واثنان
(6)
للعدَّة؛ لأِنَّ مدَّةَ الحَمْل تتساوى
(7)
فيه الحرَّة والأَمَةُ؛ لكَونه أمرًا
(8)
حقيقيًّا، وإذْا قُلْنا: عدَّتُها شهرٌ ونصفٌ؛ فتكونُ عِدَّتُها عشرةَ أشْهُرٍ ونصفًا، وعلى الثَّانية: هي كالحُرَّة.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَقْعُدَ لِلْحَمْلِ
(9)
أَرْبَعَ سِنِينَ)، حكاهُ في «المحرَّر» وغَيرِه قَولاً؛ لأنَّه
(10)
أكثرُ مدَّة الحمل، فلا تُعلَمُ البراءةُ يَقِينًا إلاَّ بذلك، ثُمَّ تَعتَدَّ كآيِسةٍ.
وجَوابُه قَولُ ابنِ عبَّاسٍ: «لا تُطَوِّلُوا عليها السَّنَةَ
(11)
، كفاها تسعةُ
(1)
في (م): العارض.
(2)
في (م): التقى.
(3)
في (م): القرء.
(4)
في (م): في.
(5)
في (م): أقصى.
(6)
في (ظ): وشهرين.
(7)
في (ظ): يتساوى.
(8)
في (م): امرأة.
(9)
في (ظ): يقعد الحمل.
(10)
في (م): لأن.
(11)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 110، والشرح الكبير 24/ 70: الشقة.
أشْهُرٍ»
(1)
؛ لظُهورِ براءَتِها من الحَمْل بغالِبِ مُدَّته، ولأِن في قُعودها أربعَ سِنِينَ ضرَرًا؛ لأِنَّها تُمنَعُ من الأزْواجِ وتُحبَسُ عنه، ويتضرَّرُ الزَّوجُ بإيجابِ النَّفقة والسُّكْنَى عليه.
تنبيهٌ: إذا حاضَتْ بعدَها؛ لم تَنقَضِ به العِدَّةُ، وقِيلَ: بلى ما لم تتزوَّجْ، جَزَمَ به السَّامَرِّيُّ وغيرُه.
وإنْ حاضَتْ فيها؛ اعْتدَّتْ بالأقْراء.
وإنْ حاضَتْ بعدَ النِّكاح فلا، والنِّكاحُ باقٍ.
قال ابنُ حَمْدانَ: وكذا الخِلافُ إن اعْتدَّت الكبيرةُ بالشُّهور، ثُمَّ حاضَتْ قَبْلَ النِّكاح أوْ بَعدَه، وفيه شَيءٌ.
فإنْ حاضَتْ حَيضةً، ثُمَّ ارْتَفَعَ حَيضُها لا تَدْرِي ما رَفَعَه؛ اعْتَدَّتْ سنةً في وَقْتِ انْقِطاعِ الحَيض، نَصَّ عليه، وقال: أذْهَبُ إلى حديثِ عمرَ
(2)
، قال ابنُ المنذِر: قَضَى به عمرُ بَينَ المُهاجِرينَ والأنصار
(3)
.
(وَعِدَّةُ الْجَارِيَةِ التِي أَدْرَكَتْ
(4)
فَلَمْ تَحِضْ)؛ ثلاثةُ أشْهُرٍ، في قَولِ الخِرَقِيِّ وأبي بكرٍ، وقدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ
…
(4)} [الطّلَاق: 4]، ولأِنَّ الاِعْتِبارَ بحالِ المعتدَّة، لا بِحالِ غَيرِها، ولهذا لو حاضَتْ لِعَشْرِ سِنينَ؛ اعْتَدَّتْ
(1)
أخرجه عبد الرزاق (11646)، عن معمر، عن قتادة، قال عليٌّ وابن مسعود رضي الله عنهما:«تعتد بعد الأربعة عدة المطلقة» ، قال قتادة: وقال ابن عباس رضي الله عنهما: «لا تطولوا عليها، إذا مضت الأربعة لها أن تنكح» ، منقطع.
(2)
ينظر: المغني 8/ 111.
(3)
ينظر: الإشراف 5/ 355. وأثر عمر رضي الله عنه تقدم تخريجه 8/ 565 حاشية (2).
(4)
كتب في هامش (ظ): (أي: معناه بلغت بالسن). وكتب في هامشها أيضًا: (وعدة بالغة لم تر حيضًا ولا نفاسًا ثلاثة أشهر، وهي المذهب وعليه الأصحاب).
بالحَيض، وفارَقَ مَنْ ارْتَفَع حَيضُها، فإنَّها مِنْ ذَواتِ القروء
(1)
.
(وَالْمُسْتَحَاضَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا)، ولا تمييزَ لها؛ (ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجزم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ حَمْنةَ بنتَ جَحْشٍ أنْ تَجلِسَ في كلِّ شهرٍ ستَّةَ أيَّامٍ، أوْ سَبْعةً»
(2)
، فَجَعَلَ لها حَيضةً في
(3)
كلِّ شَهْرٍ، بدليلِ أنَّها تَتْرُكُ فيها الصَّلاةَ ونحوَها، ويَثبُتُ فيه سائرُ أحْكامِ الحَيض، كذا هُنَا.
ومَنْ لها عادةٌ أوْ تمييزٌ؛ عَمِلَتْ بهما
(4)
.
وإنْ عَلِمَتْ لها حَيضةً في كلِّ مدَّةٍ؛ كشَهْرٍ؛ اعْتَدَّتْ بتَكرارها، نَصَّ عليه
(5)
.
وفي «عُمَد
(6)
الأدلة»: المستحاضةُ النَّاسِيةُ لِوَقْتِ حَيضِها؛ تَعتَدُّ بستةٍ
(7)
أشْهُرٍ.
(وَعَنْهُ: سَنَةٌ)، أمَّا في الأُولَى؛ فاختاره القاضي وأصحابه، وقدَّمه في «المستوعب» ، قال القاضي: هذه الرِّوايةُ أصحُّ؛ لأِنَّه أتَى عليها زَمَنُ الحيض، فلم تَحِضْ، أشْبَهَ مَنْ ارتَفَعَ حَيضُها لا تَدْرِي ما رَفَعَه.
وضعَّفَها أبو بكرٍ، وقال: رواهُ أبو طالِبٍ، فخَالَفَ فيها أصحابَه
(8)
.
(1)
في (م): القرء.
(2)
أخرجه أحمد (27144)، وأبو داود (287)، وابن ماجه (627)، وغيرهم، وحسنه البخاري وأحمد في رواية، وضعفه أبو حاتم والدارقطني وغيرهما، وقد سبق تخريجه 1/ 268 حاشية (6).
(3)
في (م): من.
(4)
في (م): بها.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 247.
(6)
في (م): عمدة.
(7)
في (م): لستة.
(8)
ينظر: المغني 8/ 108.
وأمَّا في الثَّانية؛ فلأنَّها لم تَتَيَقَّنْ لها حَيضًا، مع أنَّها مِنْ ذَواتِ القُروءِ، أشبهت
(1)
التي ارْتَفَعَ حَيضُها.
قال في «الكافي» : والأوَّلُ أَوْلَى، فيَنبَغِي أنْ يُقالَ: متى حَكَمْنا بأنَّ حَيضَها سبعةُ أيَّامٍ مِنْ كلِّ شَهْرٍ، فَمَضَى لها شَهْرانِ بالهِلال وسبعةُ أيَّامٍ مِنْ أوَّلِ الثالث؛ فقد انْقَضَتْ عِدَّتُها، وإنْ قُلْنا: القُروءُ الأطهار
(2)
، فطلَّقَها في آخِرِ شَهْرٍ، ثُمَّ مَرَّ لها شَهْرانِ وهلَّ الثَّالِثُ؛ انْقَضَتْ عدَّتُها.
(فأمَّا
(3)
التي عَرَفَتْ مَا
(4)
رَفَعَ الْحَيْضَ؛ مِنْ مَرَضٍ
(5)
، أَوْ رَضَاعٍ، وَنَحْوِهِ؛ فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ الْحَيْضُ فَتَعْتَدُّ بِهِ)؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، عن سعيدِ بن سالِمٍ، عن ابن جُرَيجٍ، عن عبدِ الله بنِ أبي بكرٍ؛ أنَّه أخْبَرَه: «أنَّ حَبَّانَ بنَ مُنقِذٍ طلَّق امرأتَه وهو صحيحٌ، وهي مُرضِعٌ، فمَكَثَتْ سبعةَ أشهر
(6)
لا تَحِيضُ، منعها
(7)
الرّضاعُ، ثُمَّ مَرِضَ حبَّانُ، فقِيلَ له: إنْ متَّ وَرِثَتْكَ، فجاء إلى عُثْمانَ وأخْبرَه بشَأْنِ امرأتِه، وعندَه عليٌّ وزَيدٌ، فقال لهما عُثْمانُ: ما تَرَيانِ؟ فقالا: نَرَى أنَّها تَرِثُه إنْ ماتَ، ويَرِثُها إنْ ماتَتْ، فإنَّها لَيست من القَواعد اللاَّئِي يَئِسْنَ من المحيض، ولَيسَتْ من اللاَّئي لم يَحِضْنَ، ثمَّ هي على عدَّة حَيضها ما كان من قليلٍ وكثيرٍ، فرَجَعَ حبَّانُ إلى أهله، فانْتَزعَ البنتَ منها، فلمَّا فَقَدَت الرّضاعَ؛ حاضَتْ حَيضةً، ثُمَّ أخْرَى، ثُمَّ مات حبَّانُ قبلَ أنْ
(1)
في (م): القرء اشتبهت.
(2)
قوله: (قلنا: القروء الأطهار) في (م): القرء ولأطهار.
(3)
في (م): وأما.
(4)
قوله: (ما) سقط من (م).
(5)
كتب في هامش (ظ): (أي: لا بد من تقييد المرض بما يُرجى إزالته).
(6)
في (م): شهور.
(7)
في (ظ): بمنعها.
تَحيضَ الثَّالثةَ، فاعتدَّتْ عِدَّةَ الوَفاة وَوَرِثَتْهُ»
(1)
، ورواه
(2)
البَيهَقِيُّ، عن محمَّد ابنِ يَحيى بنِ حبَّانَ:«أنَّه كان عِندَه امْرَأتانِ هاشِمِيَّةٌ وأنصارِيَّةٌ، فطلَّق الأنصاريةَ وهي تُرضِعُ، فمَرَّتْ لها سنةٌ ثُمَّ مات، ولم تَحِضْ، فاخْتَصَموا إلى عُثْمانَ، فَقَضَى لها بالميراث، فَلَامَتِ الهاشميَّةُ عُثْمانَ، فقال: هذا عَمَلُ ابنِ عمِّك؛ يَعْنِي: عليَّ بنَ أبي طالِبٍ»
(3)
، ولَيسَ فيه ذِكُرُ زَيدٍ، ومحمَّدٌ هذا تُوُفِّيَ سَنَةَ إحدى وعشرينَ ومائةٍ، وهو ابنُ أربعٍ وتِسْعِينَ سنةً، ولأِنَّها مِنْ ذَواتِ القروء
(4)
، والعارِضُ الذي مَنَعَ الدَّمَ يَزُولُ، فانْتُظِرَ زَوالُه.
(إِلاَّ أَنْ تَصِيرَ آيِسَةً؛ فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ آيِسَةٍ حِينَئِذٍ)؛ لأِنَّها آيِسةٌ، أشْبَهَتْ سائرَ الآيِسات.
وعنه: يُنتَظَرُ زَوالُه، ثُمَّ إنْ حاضَت اعْتَدَّتْ به، وإلاَّ بسَنةٍ
(5)
، وهو ظاهِرُ «عيون المسائل» و «الكافي» .
ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: تَعْتَدُّ سنةً
(6)
.
(1)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 227)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15410). وفيه انقطاع، ويقويه ما بعده.
(2)
في (م): رواه.
(3)
أخرجه مالك (2/ 572)، والشافعي في الأم (5/ 227)، وسعيد بن منصور (1305)، وابن أبي شيبة (19001)، والبيهقي في الكبرى (15409)، قال الألباني في الإرواء 7/ 201:(إسناد ضعيف، رجاله ثقات لكنه منقطع؛ فإن محمد بن يحيى بن حبان لم يدرك جدَّه، ولد بعد وفاته بسنين). وأخرجه عبد الرزاق (11100)، عن الزهري، أن رجلاً من الأنصار يقال له حبان بن منقذ طلق امرأته، وذكره. وأخرجه ابن حزم (9/ 495)، عن سليمان بن يسار، أن رجلاً من الأنصار يقال: له: حبان بن منقذ، وذكر نحوه. فهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، وقد احتج به أحمد في مسائل ابن منصور 4/ 1704، وصححه ابن الملقن في البدر المنير 8/ 222.
(4)
في (م): الأقراء.
(5)
في (م): يئست.
(6)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 245.
ونَقَلَ حنبلٌ: إنْ كانَتْ لا تَحِيضُ، أو ارْتَفَعَ حَيضُها، أوْ صغيرةً؛ فعِدَّتُها ثلاثةُ أشْهُرٍ
(1)
.
ونَقَلَ أبو الحارِث في أَمَةٍ ارْتَفَعَ حَيضُها لِعارِضٍ: تَستَبْرِئُ بِتِسْعَةِ أشْهُرٍ للحمل، وشهرٍ للحَيض
(2)
.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إنْ عَلِمَتْ عَودَه
(3)
؛ فكآيِسةٍ، وإلاَّ سَنَةً
(4)
.
(1)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 212.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 248.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 248، والإنصاف 24/ 78: عدم عوده.
(4)
ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 23، الفروع 9/ 248، الاختيارات ص 406.
(فَصْلٌ)
(السَّادِسُ: امْرَأَةُ الْمَفْقُودِ)، حُرَّةً كانَتْ، أوْ أَمَةً
(1)
، (الذِي انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ؛ كَالذِي يُفْقَدُ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ)، لَيلاً أوْ نَهارًا، (أَوْ فِي مَفَازَةٍ) مُهلِكةٍ؛ كبَرِّيَّة الحجاز، (أَوْ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ إِذَا قُتِلَ قَوْمٌ، أَوْ مَنْ غَرِقَ مَرْكَبُهُ، وَنَحْوِ ذَلِكَ)؛ كالذي يَخرُجُ إلى الصَّلاة فلا يَرجِعُ، أوْ يَمْضِي إلى مكانٍ قريبٍ لِيَقْضِيَ حاجتَه ثُمَّ يَرجِعُ، ولا يَظهَرُ له خَبرٌ؛ (فَإِنَّهَا تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ)، أكثرَ مدَّةِ الحَمْل، (ثُمَّ تَعْتَدُّ
(2)
لِلْوَفَاةِ
(3)
، هذا المذْهَبُ، قال الأثْرَمُ: قُلْتُ لأِبي عبدِ الله: تَذهَبُ إلى حديثِ عمرَ، وهو أنَّ رجلاً فُقِدَ، فجاءت امرأتُه إلى عمرَ، فذَكَرَتْ ذلك له
(4)
، فقال:«تربَّصِي أربعَ سِنِينَ» ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أتته
(5)
، فقال:«تربَّصِي أربعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا» ، فَفَعَلَتْ، ثُمَّ أتَتْه، فقال:«أين وليُّ هذا الرَّجل؟» فجاؤوا به، فقال:«طلِّقْها» ، فَفَعَلَ، فقال عمرُ:«تزوَّجِي مَنْ شِئْتِ»
(6)
،
(1)
كتب في هامش (ظ): (وإنما الحرة والأمة سواء في مدة التربص فقط على الصحيح من المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، أبو بكر وغيره، وقدمه في المغني والشرح والفروع وغيرهم، وهي الأربع سنين، وهي التي فيها الخلاف، وأما العدة التي بعد التربص في حق الأمة؛ فشهران وخمسة أيام).
(2)
في (م): تقعد.
(3)
كتب في هامش (ظ): (أربعة أشهر وعشرًا إن كانت حرة، وشهرين وخمسة أيام إن كانت أمة).
(4)
في (م): له ذلك.
(5)
قوله: (ثم أتته) سقط من (م).
(6)
أخرجه الدارقطني (3848). وقد رويت القصة من وجوه متعددة، أخرجها عبد الرزاق (12320)، وسعيد بن منصور (1751)، وابن أبي شيبة (16720)، وأحمد في مسائل عبد الله (ص 346)، وحرب الكرماني (2/ 568)، وغيرهم، وفي بعض ألفاظ القصة:«فجاء زوجها، فخيره عمر بين الصداق وبين امرأته فاختار الصداق» . وأخرج مالك (2/ 575)، وعنه الشافعي في الملحق بالأم (7/ 250)، والبيهقي في الكبرى (15566)، عن ابن المسيب: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «أيما امرأة فقدت زوجها فلم تدر أين هو؟ فإنها تنتظر أربع سنين، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، ثم تحل» . والأثر صححه ابن حزم وابن حجر وغيرهما. ينظر: المحلى 9/ 318، الفتح 9/ 431.
ورواه
(1)
الأثْرَمُ، والجُوزَجانيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ، قال أحمدُ
(2)
: هو أحْسَنُها، يُرْوَى عن عمرَ من ثمانيةِ وُجوهٍ، ثُمَّ قال: زَعَمُوا أنَّ عمرَ رَجَعَ عن هذا، هؤلاء الكذَّابِينَ، وقال: مَنْ تَرَكَ هذا، أيُّ شيءٍ يَقولُ؟ هو عن خمسةٍ من الصَّحابة؛ عمرَ، وعُثْمانَ
(3)
، وعليٍّ
(4)
، وابنِ عبَّاسٍ
(5)
،
(1)
في (م): رواه.
(2)
ينظر: المغني 8/ 131.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12317)، وابن أبي شيبة (16717)، وأحمد في مسائل عبد الله (1275)، عن ابن المسيب:«أن عمر وعثمان قضيا في المفقود؛ أن امرأته تتربص أربع سنين وأربعة أشهر وعشرًا بعد ذلك، ثم تزوج، فإن جاء زوجها الأول خُيِّر بين الصداق وبين امرأته» ، وصححه الحافظ في الفتح 9/ 431.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12325)، عن أبي المليح، عن سهيمة بنت عمير الشيبانية: أنها فقدت زوجها في غزاة غزاها فلم تدر أهلك أم لا، فتربصت أربع سنين، ثم تزوجت فجاء زوجها الأول
…
فذكرت القصة، وفيه:«أن عثمان رضي الله عنه قضى فيها بأن خَيَّر الأول بين امرأته وبين صداقها، وأن عليًّا رضي الله عنه أقرهم على ذلك» . وأخرجه ابن حزم في المحلى (9/ 320)، عن خلاس بن عمرو، أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال:«امرأة المفقود تعتد أربع سنين، ثم يطلقها الولي، ثم تعتد أربعة أشهر وعشرًا، فإذا جاء زوجها خير بين امرأته وبين الصداق» ، وقال:(وهذا صحيح عن علي)، لكن قال البيهقي:(رواه خلاس بن عمرو وأبو المليح عن علي رضي الله عنه بمثل ذلك، ورواية خلاس عن علي ضعيفة، ورواية أبي المليح عن علي مرسلة، والمشهور عن علي رضي الله عنه خلاف هذا)، وأخرجه عبد الرزاق (12330) وابن أبي شيبة (16709)، عن الحكم، عن علي، قال:«إذا فقدت زوجها، لم تزوج حتى يصل أن يموت» ، وهو منقطع.
(5)
أخرجه سعيد بن منصور (1756)، وابن أبي شيبة (18730)، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا:«تربص بنفسها أربع سنين، ثم تعتد عدة الوفاة» ، صحح إسناده الحافظ في الفتح 9/ 431.
وابنِ الزَّبَيرِ
(1)
.
ونَقَلَ عنه أبو الحارِث: كنتُ أقولُ ذلك، وقد ارْتَبْتُ فيه اليومَ، وهِبْتُ الجَوابَ لاِخْتِلافِ النَّاس، وكأنِّي أحِبُّ السَّلامةَ
(2)
.
قال أصْحابُنا: هذا توقفٌ
(3)
يَحتَمِلُ الرُّجوعَ عمَّا قاله أوَّلاً، وتكونُ زَوجتَه حتَّى يثْبُت مَوتُه، أو بمضي
(4)
زمنٍ لا يَعِيشُ في مِثْلِه، ويَحتَمِلُ التَّورُّعَ عمَّا قاله أوَّلاً.
قال القاضِي: أكثرُ أصحابنا أنَّ المسألةَ روايةٌ واحدة
(5)
، وعِنْدِي أنَّها على روايتَينِ.
وقال أبو بكرٍ: إنْ صحَّ الاِخْتِلافُ ألاَّ يَحكُمَ بحُكْمٍ ثانٍ إلاَّ بدليلٍ على الاِنتِقال، وإنْ ثَبَتَ الإجماعُ فالحُكْمُ فيه على ما نَصَّ عليه.
وعنه: لا تحلُّ
(6)
حتَّى تمضيَ مدَّةٌ لا يَعِيشُ في مِثْلِها غالِبًا، قدَّمه الحُلْوانيُّ.
وعَنْهُ: حتَّى يُعلَمَ خبرُه، فيَقِفُ ما رأى الحاكِمُ.
وعنه: يُعتبَرُ أنْ يُطلِّقَها الوليُّ بعدَ تربُّصها، اختاره ابنُ أبي موسى، فتَعتَدُّ عدَّةَ طلاقٍ؛ لقَولِ عمرَ وعليٍّ وجابِرٍ
(7)
.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (16728)، عن القاسم بن محمد يقول: قضى فينا ابن الزبير رضي الله عنهما في مولاة لهم كان زوجها قد نعي فزوجت، ثم جاء زوجها، «فقضى أن زوجها الأول يُخيَّر إن شاء امرأته، وإن شاء صداقه» ، فيه عمر بن حمزة العمري، وهو ضعيف، إلا أنه ممن يُكتب حديثه.
(2)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 486.
(3)
في (م): توقيف.
(4)
في (م): يمضي.
(5)
قوله: (واحدة) سقط من (م).
(6)
في (ظ): لا يحل.
(7)
تقدم أثر عمر وعليٍّ رضي الله عنهما 8/ 572 حاشية (6)، 8/ 573 حاشية (3)، ولم نقف على أثر جابر رضي الله عنه.
والمذهَبُ: أنَّه لا يُعتبَرُ ذلك، وهو قَولُ ابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ
(1)
، وهو القياس
(2)
.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يُعتَبَرُ فَسْخُ النِّكاح الأوَّلِ على الأصحِّ.
(وَهَلْ يَفْتَقِرُ إِلَى رَفْعِ الْأَمْرِ إِلَى الْحَاكِمِ لِضَرْبِ الْمُدَّةِ وَعِدَّةِ الْوَفَاةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
إحداهما: يَفتَقِرُ، قدَّمها في «الرِّعاية» ، وجزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّها مُدَّةٌ مختلف
(3)
فيها، أشْبَهَت مدَّةَ العُنَّة، فعلى هذا يكون
(4)
ابتداءُ المدة من حِينَ ضَرَبَها الحاكِمُ، وقِيلَ: منذ انْقَطَعَ خَبَرُه، جَزَمَ به في «الرِّعاية» .
والثَّانيةُ، وهي الأصحُّ: أنَّه لا يَفتَقِرُ، فلو مَضَت المدَّةُ والعدَّةُ تزوَّجتْ بلا حكم
(5)
، ولأِنَّ هذا ظاهِرٌ في مَوتِه، أشْبَهَ ما لو قامَتْ به بيِّنةٌ، فيَكونُ ابتداءُ المدة مِنْ حِينَ انْقَطَعَ خَبَرُه وبَعُدَ أثَرُه.
فرعٌ: إذا اختارت المقامَ؛ فلها النَّفقةُ مدَّةَ حياته، وإنْ رَفَعَتْ أمْرَها إلى الحاكم، فضَرَبَ لها المدَّةَ؛ فلها النَّفقةُ مدَّةَ التَّربُّص والعِدَّةِ وبعدَها، حتَّى يَحكُمَ بالفُرقة، وإنْ حَكَمَ بفراقها؛ انقطعتْ نَفَقَتُها، وذَكَرَ ابنُ الزَّاغُونيِّ: أنَّها إذا شَرَعَتْ في عدَّة الوفاة لا نَفَقَةَ لها.
(وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْفُرْقَةِ)، وفي «المستوعب» و «الرِّعاية»: أو انْقَضَت المدَّةُ؛ (نَفَذَ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ)؛ لأِنَّ عمرَ لمَّا حَكَمَ بالفُرقة؛ نَفَذَ ظاهِرًا
(6)
،
(1)
تقدم تخريجه 8/ 573 حاشية (5).
(2)
قوله: (وهو القياس) سقط من (م).
(3)
في (م): تختلف.
(4)
في (م): تكون.
(5)
قوله: (تزوجت بلا حكم) في (م): وجب بلا حاكم.
(6)
تقدم تخريجه 8/ 572 حاشية (6).
ولو لم يَنفُذْ؛ لَمَا كان في حكمه فائدةٌ، (دُونَ الْبَاطِنِ)؛ لأِنَّ حُكْمَ الحاكِم لا يُغَيِّرُ الشَّيءَ عن صِفَته في الباطن، (فَلَوْ طَلَّقَ الْأَوَّلُ؛ صَحَّ طَلَاقُهُ)؛ لأِنَّا حَكَمْنا بالفُرقة بِناءً على أنَّ الظاهِرَ هَلاكُه، فإذا ثبتت
(1)
حياتُه؛ انْتَقَضَ الظَّاهِرُ، ولم يَبطُلْ طلاقُه؛ كما لو شَهِدَتْ به بيِّنةٌ كاذِبةٌ، وكذا إنْ ظاهَرَ، أوْ آلَى، أوْ قَذَفَ؛ لأِنَّ نكاحَه باقٍ، بدليلِ تخييرِه في أخْذِها.
(وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ بَاطِنًا)، هذا روايةٌ، قال أبو الخَطَّاب: وهو القياسُ؛ لأِنَّه يَنفُذُ باطنًا في العُقود والفُسوخ في قَولٍ، وهذا فَسْخٌ، فتكونُ زوجةَ الثَّاني، ولا خِيارَ للأوَّل، (فَيَنْفَسِخُ
(2)
نِكَاحُ الْأَوَّلِ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقُهُ)؛ لأِنَّها بانَتْ بفُرقةِ الحاكم في مَحَلٍّ مُختَلَفٍ فيه، كما لو فَسَخَ نكاحَها لِعُسرته أوْ عتقه
(3)
، فلهذا لم يَقَعْ طلاقُه.
ويَتَوَجَّه عليهما: الإرْثُ.
(وَإِذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ)؛ أي: تربَّصتْ أربعَ سنينَ، واعتدَّت للوفاة، (ثُمَّ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ قَدِمَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ؛ رُدَّتْ إِلَيْهِ)؛ لأنَّا تبيَّنَّا حياتَه، أشْبَهَ ما لو شَهِدَتْ بيِّنةٌ بمَوته فبان حيًّا
(4)
، ولأِنَّه أحدُ الملْكَينِ، أشْبَهَ ملْكَ المال.
وعُلِمَ منه
(5)
: أنَّها إذا لم تتزوَّجْ؛ فإنَّها تُرَدُّ إليه مُطلَقًا، وكذا إنْ كان بَعْدَ أنْ تزوَّجَتْ.
(قَبْلَ دُخُولِ الثَّانِي بِهَا)، فتكونُ زوجةَ الأوَّل روايةً واحدةً؛ لأِنَّ النِّكاحَ كان باطلاً؛ لأِنَّه صادَفَ امرأةً ذاتَ زَوجٍ، وتعود
(6)
إليه بالعَقْد الأوَّل، ولَيسَ
(1)
في (ظ): ثبت.
(2)
في (م): فيفسخ.
(3)
في (م): لعسرة أو عنته.
(4)
في (م): فبانت حياته.
(5)
قوله: (منه) سقط من (م).
(6)
في (ظ): ويعود.
على الثَّاني صداقٌ؛ لِبُطْلانِ نكاحه، ولم يَتَّصِلْ به دُخولٌ.
وعنه: يُخيَّرُ، حكاها القاضي، وأخَذَها مِنْ قَولِ أحمدَ: إذا تزوَّجَت امرأتُه فجاءَ؛ خُيِّرَ بَينَ امرأته وبَينَ الصَّداق
(1)
.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ)؛ أيْ: بعدَ دخولِ الثَّاني بها وَوَطْئِه؛ (خُيِّرَ الْأَوَّلُ بَيْنَ أَخْذِهَا مِنْهُ)؛ فتكونُ امرأتَه بالعَقْد الأوَّل، (وَبَيْنَ تَرْكِهَا مَعَ الثَّانِي)؛ لقَولِ عمرَ، وعُثْمانَ، وعليٍّ، وقَضَى به ابنُ الزُّبَيرِ
(2)
، ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ، فكان كالإجماع.
فعلى هذا: إنْ أمْسَكَها الأوَّل؛ فهي زَوجتُه بالعَقْد السَّابِق، ولا يَحتاجُ الثَّاني إلى طلاقٍ في المنصوص
(3)
؛ لأِنَّ نِكاحَه كان باطِلاً في الباطن.
وقال القاضِي: قياسُ قَولِه أنَّه يَحتاجُ إلى طِلاقٍ؛ كسائر الأنْكِحةِ الفاسِدةِ.
ويَجِبُ اعْتِزالُها حتَّى تَنقَضِيَ عِدَّتُها.
وإنْ لم يَخْتَرْها؛ كانَتْ عِنْدَ الثَّاني مِنْ غَيرِ تجديدِ عَقْدٍ في الأَشْهَر، قاله في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ الصَّحابةَ لم يُنقَلْ عنهم تجديدُ عقدٍ.
والقِياسُ: بَلَى، وصحَّحه المؤلِّفُ؛ لأِنَّا تَبَيَّنَّا بُطْلانَ عَقْدِه بمَجِيءِ الأوَّل، ويَحتَمِلُه قَولُ الصَّحابة.
(وَيَأْخُذُ صَدَاقَهَا مِنْهُ)؛ أيْ: من الثَّاني؛ لِقضاءِ الصَّحابة
(4)
، ولأِنَّه حالَ بَيْنَه وبَينَ زَوجَتِه بعَقْدٍ ودُخولٍ.
(1)
ينظر: مسائل صالح 1/ 214، مسائل عبد الله ص 345.
(2)
تقدم تخريج ذلك عنهم قريبًا.
(3)
ينظر: مسائل صالح 1/ 215، مسائل عبد الله ص 345.
(4)
وهو ما تقدم قريبًا عن عمر وعلي رضي الله عنهما.
(وَهَلْ يَأْخُذُ صَدَاقَهَا الذِي أَعْطَاهَا، أَوِ الَّذِي أَعْطَاهَا الثَّانِي
(1)
؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» ، و «الفروع»:
إحداهما: يَرجِعُ بالصَّداق الذي أعطاها هو، اختارها أبو بكرٍ، وقدَّمَها في «الكافي» ؛ لِقضَاءِ عُثْمانَ وعليٍّ
(2)
، ولأِنَّ الثَّانيَ أتْلَفَ المعوَّضَ، فرجع
(3)
عليه بالعِوَض؛ كشُهودِ الطَّلاق إذا رَجَعُوا، فعَلَيها: إنْ لم يكُنْ دَفَعَ إليها الصَّداقَ؛ لم يَرجِعْ بشَيءٍ، وإلاَّ رَجَعَ في قَدْر ما قُبِضَ منه.
والأَشْهَرُ: أنَّه يَرجِعُ بالمهر الَّذي أصْدَقَها الثَّاني؛ لأِنَّه بَذَلَه عِوَضًا عمَّا هو مُسْتَحَقٌّ للأوَّل، فكان أَوْلَى، ويَرجِعُ الثَّاني عليها بما أُخِذَ منه في روايةٍ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» .
وقال ابنُ عَقِيلٍ: والقِياسُ لا رُجوعَ.
ثُمَّ قال المؤلِّفُ وجَمْعٌ: (وَالْقِيَاسُ أَنْ تُرَدَّ إِلَى الْأَوَّلِ، وَلَا خِيَارَ) له
(4)
؛ لأِنَّه زَوْجُها، ولم يَنفَسِخْ نِكاحُه، فرُدَّتْ إليه؛ كما لو تزوَّجَتْ ببيِّنةٍ قامَتْ بوفاتِه، ثُمَّ تبيَّنَ كَذِبُها بقدومه
(5)
حيًّا، (إِلاَّ أَنْ يُفَرِّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا، وَنَقُولَ
(6)
بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بَاطِنًا، فَتَكُونُ زَوْجَةَ الثَّانِي بِكُلِّ حَالٍ)؛ لأِنَّ نكاحَه وَقَعَ بعدَ بُطْلانِ نِكاحِ الأوَّل وقَضاءِ عِدَّتها، أشْبَهَ ما لو طلَّقَها الأوَّلُ.
ونَقَلَ أبو طالِبٍ: لا خِيارَ للأوَّل مع مَوتها
(7)
، وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(8)
:
(1)
في (م): لثاني.
(2)
تقدم تخريجه 8/ 573.
(3)
في (م): فيرجع.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
في (م): لقدومه.
(6)
في (م): ويقول.
(7)
ينظر: الفروع 9/ 251.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 252، الاختيارات ص 404.
هي زَوجةُ الثَّاني ظاهِرًا وباطِنًا، وتَرِثُه، ذَكَرَه أصحابُنا، وهل تَرِثُ الأوَّلَ؟ قال أبو جعفرٍ: تَرِثُه، وخالَفَه غَيرُه
(1)
وأنَّ متى ظَهَرَ الأوَّلُ؛ فالفُرْقةُ ونكاحُ الثَّاني مَوقوفٌ، فإنْ أخَذَها بَطَلَ نكاح الثَّاني حِينَئِذٍ، وإنْ أمضى ثَبَت
(2)
نكاحُ الثَّاني.
(فَأَمَّا مَنِ
(3)
انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةُ؛ كَالتِّجَارَةِ) في غَيرِ مهلكةٍ، (وَالسِّيَاحَةِ) في الأرض للتَّعبُّد، والتَّرَهُّب، وقِيلَ: هو الغازي
(4)
، وقِيلَ: طالِبُ العلم؛ (فَإِنَّ امْرَأَتَهُ تَبْقَى
(5)
أَبَدًا حَتَّى تَتَيَقَّنَ
(6)
مَوْتُهُ)، رُوِيَ عن عليٍّ
(7)
، وابنِ شُبْرُمَةَ، والثَّوريِّ، وهو قَولُ أكْثَرِهم، وصحَّحه في «الكافي» ، فيَجتَهِدُ
(1)
قال المرداوي في تصحيح الفروع 9/ 252: (قوله: «وقال شيخنا: هي زوجة الثاني ظاهرًا وباطنًا وترثه ذكره أصحابنا، وهل ترث الأول؟ قال أبو جعفر: ترثه، وخالفه غيره، انتهى»: يحتمل أن يكون هذا من تتمة كلام الشيخ تقي الدين، وهو الظاهر، ويحتمل أن يكون من كلام المصنف، وعلى كل تقدير؛ الصحيح من المذهب: أنها لا ترثه، كما قاله غير الشريف أبي جعفر. وقوله: «قال أبو جعفر: ترثه»، قال ابن نصر الله في حواشيه: صوابه أبو حفص).
(2)
في (م): مضى ثبت.
(3)
في (م): إن.
(4)
في (م): كالغازي.
(5)
قوله: (تبقى) سقط من (م).
(6)
في (م): يتيقن.
(7)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 257)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15561)، عن عباد بن عبد الله الأسدي، عن علي رضي الله عنه أنه قال في امرأة المفقود:«إنها لا تتزوج» ، وعباد الأسدي ضعيف.
وأخرج عبد الرزاق (12330، 12331، 12332)، عن الحكم بن عتيبة، أن عليًّا قال في امرأة المفقود:«هي امرأة ابتليت فلتصبر حتى يأتيها موت، أو طلاق» ، وفي لفظ:«تتربص حتى تعلم أحي هو أو ميت» ، والحكم عن علي مرسل. قال البيهقي:(هو عن علي مشهور). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 503.
الحاكِمُ؛ كغَيبةِ ابنِ تِسْعينَ، ذَكَرَه في «التَّرغيب» ، ولأِنَّ النكاح
(1)
ثابِتٌ، فلا يزول
(2)
بالشَّكِّ.
وقدَّم في «الرِّعاية» : أنَّها تَبْقَى ما
(3)
رأى الحاكمُ، ثُمَّ تعتدُّ للوفاة.
وفي «المستوعب» : تَبقَى إلى أنْ يَثبُتَ مَوتُه، أوْ يَمْضِيَ عليه زمانٌ لا يَعِيشُ مِثْلُه في
(4)
الغالِب، واخْتارَه أبو بكرٍ.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا
(5)
تَتَرَبَّصُ تِسْعِينَ عَامًا مَعَ سِنِّهِ يَوْمَ وُلِدَ)، نَقَلَها عنه أحمدُ ابنُ أصرم
(6)
، جزم بها في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لا يَعِيشُ أكثرَ منها.
وقال ابنُ عَقِيلٍ: مائَةً وعِشْرينَ سنةً منذ وُلِدَ؛ لأِنَّه العُمرُ الطَّبيعيُّ.
قُلْنا: التَّحديدُ بأنَّه التَّوقيف
(7)
، ولأِنَّ تقديرَه بذلك يُفْضِي إلى اخْتِلافِ العِدَّة في حقِّ المرأة، ولا نظيرَ له، وخبرُ عمرَ ورد فِيمَن ظاهِرُ غَيبتِه الهَلاكُ، فلا يُقاسُ عليه غَيرُه.
(ثُمَّ تَحِلُّ)؛ لأِنَّه قد حُكمَ بمَوته، أشْبَهَ امرأةَ المفقود الذي غيبته
(8)
ظاهِرُها الهلاكُ، ولكِنْ بعْدَ أنْ تعتدَّ عدَّةَ الوفاة.
قال في «المغْنِي» و «الشَّرح» : والمذْهَبُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ هذه غَيبةٌ ظاهِرُها
(1)
في (م): ولأنه نكاح.
(2)
في (م): فلا تزول.
(3)
في (م): بما.
(4)
قوله: (في) سقط من (م).
(5)
قوله: (أنها) سقط من (م).
(6)
في (م): حرم. ينظر: المغني 8/ 131.
(7)
كذا في النسخ الخطية، وعبارة المغني 8/ 131، والشرح الكبير 24/ 96: لأن هذا التقدير بغير توقيف، فلا ينبغي أن يصار إليه إلا بالتوقيف.
(8)
قوله: (غيبته) سقط من (م).
السَّلامةُ، فلم يُحكَمْ بمَوته؛ كما قَبْلَ التِّسعين.
ومتى ظَهَرَ مَوتُه باسْتِفاضةٍ، أو بيِّنةٍ؛ فكمَفْقودٍ، وتَضمَنُ البيِّنةُ ما تَلِفَ من ماله ومَهْرَ الثَّاني.
(وَكَذَلِكَ امْرَأَةُ الْأَسِيرِ)، وكذا في «الوجيز» وغيره؛ أيْ: حُكمُها حُكمُ امرأةِ المفقود لِغَيبةٍ ظاهِرُها السَّلامةُ؛ لأِنَّهما متساويان
(1)
؛ فَوَجَبَ تَساوِيهما حُكْمًا، لكنَّهم أجْمَعُوا أنَّها لا تزوَّج
(2)
حتَّى تُتيقَّن
(3)
وفاتُه
(4)
.
فرعٌ: إذا كانت
(5)
غَيبتُه غَيرَ مُنقَطِعةٍ، يُعرَفُ خَبَرُه، ويأتي كِتابُه؛ فلَيسَ لاِمْرأتِه أنْ تتزوَّج في قولهم أجْمَعِينَ، إلاَّ أنْ يَتعذَّرَ عليها الإنفاقُ من ماله؛ فلها أنْ تطالب
(6)
فَسخَ النِّكاح، فيُفسَخُ نِكاحُه.
وفي «الرِّعاية» : وإنْ غاب
(7)
وعُلِمَ خَبرُه؛ بَقِيَت الزَّوجةُ مع النَّفقة، وعدمِ الإضرار بتَركِ الوطء الواجِبِ.
مسألةٌ: إذا أَبَقَ العبدُ؛ فزَوجتُه باقيةٌ حتَّى يُعلم
(8)
مَوتُه، أوْ رِدَّتُه، فإنْ تعذَّرَ الإنفاقُ عليها من ماله؛ فحُكْمُه في الفسخ ما
(9)
ذَكَرْنا، إلاَّ أنَّ العبدَ نفقةُ زوجته على سيِّده أوْ في كَسْبِه، فيُعتبَرُ تعذُّر الإنفاق مِنْ محلِّ الوجوب.
(وَمَنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا، وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا؛ فَعِدَّتُهَا مِنْ
(10)
يَوْمَ
(1)
في (ظ): يتساويان.
(2)
في (م): لا تتزوج.
(3)
في (م): يتيقن.
(4)
ينظر: المغني 8/ 130.
(5)
في (م): كان.
(6)
في (م): تطلب.
(7)
قوله: (وإن غاب) سقط من (م).
(8)
في (م): تعلم.
(9)
في (م): بما.
(10)
في (م): في.
مَاتَ أَوْ طَلَّقَ)، هذا هو المشهورُ، وصححَّه في
(1)
«الكافي» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو قَولُ ابنِ عمرَ
(2)
، وابنِ عبَّاسٍ
(3)
، وابنِ مسعودٍ
(4)
، رواه
(5)
عنهم البَيهَقيُّ؛ لأنَّها
(6)
لو كانَتْ حامِلاً، فَوَضَعَتْ غَيرَ عالِمةٍ بفُرقةِ زوجها؛ لَانْقَضَتْ عِدَّتُها، فكذا سائرُ أنواعِ العِدَدِ؛ وكما
(7)
لو كان حاضِرًا، ولأِنَّ القَصْدَ غَيرُ مُعتَبَرٍ في العِدَّة، بدليلِ الصَّغيرةِ والمجْنونةِ، (وَإِنْ لَمْ تَجْتَنِبْ مَا تَجْتَنِبُهُ الْمُعْتَدَّةُ)؛ لأِنَّ الإحداد
(8)
الواجِبَ لَيسَ بشرطٍ في العِدَّة؛ لظاهِرِ النُّصوص.
(وَعَنْهُ: إِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ؛ فَكَذَلِكَ)؛ كَوضْعِ الحَمْلِ؛ لتحقُّق
(9)
السَّبب
(1)
قوله: (في) مكانه بياض في (م).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (11042)، وابن أبي شيبة (18917)، والبيهقي في الكبرى (15445)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«تعتد المطلقة والمتوفى عنها زوجها منذ يوم طلقت وتوفي عنها زوجها» ، إسناده صحيح. وأخرجه سعيد بن منصور (1197)، عن مجاهد وابن جبير، عن ابن عمر نحوه بسند صحيح.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (11043)، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«تعتد من يوم طلقها أو مات عنها» ، وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه سعيد بن منصور (1195)، وابن أبي شيبة كما في المحلى (10/ 123)، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله رضي الله عنه قال:«إذا مات الرجل عن امرأته، وهو غائب، أو طلق وهو غائب، فإن العدة تقع عليها من يوم يموت أو يطلقها» . وأخرجه الطبراني في الكبير (9644)، والبيهقي في الكبرى (15446)، عن أبي إسحاق، عن الأسود ومسروق وعبيدة، عن ابن مسعود نحوه. أبو إسحاق السبيعي مدلس وقد عنعنه. وأخرجه سعيد بن منصور (1207)، من طريق أخرى، فيها أشعث بن سوَّار ومحمد بن سالم الهمداني وهما ضعيفان. وأخرجه ابن أبي شيبة (18925)، من وجه آخر، وفيه ضعف.
(5)
في (م): ورواه.
(6)
في (م): لأنه.
(7)
في (ظ): كما.
(8)
في (م): الاحتداد.
(9)
في (م): يستحق.
فَوَجَبَ أنْ تعتدَّ
(1)
به، (وَإِلاَّ فَعِدَّتُهَا مِنْ يَوْمَ بَلَغَهَا الْخَبَرُ)، رُوِيَ عن عليٍّ
(2)
والحسن
(3)
؛ لأِنَّ العدَّةَ اجْتِنابُ أشْياءَ، ولم تَجْتَنِبْها.
وجَوابُه: بأنَّه يَنتَقِضُ بما إذا ثَبَتَ ببيِّنةٍ، وحَكَى البَيهَقِيُّ عن عليٍّ كالأوَّل
(4)
، وما ذكرناه
(5)
عنه أشْهَرُ، قالَهُ البَيهَقِيُّ.
(وَعِدَّةُ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ)، أوْ نكاحٍ فاسدٍ؛ (عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ)، ذَكَرَه في «الاِنتِصار» إجْماعًا؛ لأِنَّ الوَطْءَ في ذلك - مِنْ شَغْلِ الرَّحِم ولحوق النَّسب - كالوطء في النِّكاح الصَّحيح
(6)
، لكِنْ عدَّةُ الأُولَى مُنْذُ وُطِئَتْ، وعَكْسُه الثَّانيةُ.
(وَكَذَلِكَ عِدَّةُ الْمَزْنِيِّ بِهَا)، قدَّمه في «الكافي» ، و «المستوعب» ، و «المحرَّر» ، و «الفروع» ؛ لأِنَّه وَطْءٌ يَقتَضِي شَغْلَ الرَّحِم؛ كوطءِ الشُّبهة، ولأِنَّه لو لم تَجِب العدَّةُ لاخْتَلَطَ ماءُ الواطِئِ والزَّوج
(7)
، فلم يُعلَمْ لِمَنْ الولدُ منهما.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا) لا عِدَّةَ عليها، بل (تُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ)، اخْتارَه الحُلْوانيُّ وابنُ رَزِينٍ؛ لأِنَّ المقصودَ معرفةُ البَراءة من الحَمْل؛ كأَمَةٍ مُزَوَّجةٍ، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في الكلِّ، وفي كلِّ فَسْخٍ وطَلاقِ ثلاثٍ
(8)
.
وعنه: تُسْتَبرأ
(9)
بثلاثِ حِيَضٍ، وهي كالأُولَى إلاَّ أنْ يريد
(10)
تَسمِيَتَها
(1)
في (م): يعتد.
(2)
لعل مراده ما أخرجه عبد الرزاق (1231)، وابن أبي شيبة (16709)، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه، قال:«تتربص حتى تعلم أحيٌّ هو أو ميت» ، وهو منقطع.
(3)
قوله: (علي والحسن) في (م): الحسن.
(4)
سبق ذكر كلام البيهقي وتخريج أثر علي رضي الله عنه 8/ 582.
(5)
في (م): ذكرنا.
(6)
قوله: (الصحيح) سقط من (م).
(7)
في (م): أو الزوج.
(8)
ينظر: مجموع الفتاوى 32/ 110، 342.
(9)
في (م): استبراء.
(10)
في (م): تزيد.
عدَّةً، فيَجِبُ فيها الإحْدادُ، ولا يَتداخَلُ في عدةِ
(1)
مُطلِّقِها، بخِلافِ الاِسْتِبْراء، كما إذا اشْتَرَى أَمَةً فطلَّقَها زَوجُها بعدَ الدُّخول بها، فتَعتَدُّ عن طَلاقِها، ويَدخُلُ الاِسْتِبْراءُ في العِدَّة.
فرعٌ: إذا وُطِئَتْ زوجتُه، أوْ سُرِّيَّتُه
(2)
بشبهةٍ أوْ زِنًى؛ حَرُمَتْ عليه حتَّى تَعتَدَّ، وفِيما دُونَ الفَرْج وَجْهانِ.
(1)
قوله: (عدة) سقط من (م).
(2)
في (م): زوجة أسرية.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا وُطِئَتِ الْمُعْتَدَّةُ بِشُبْهَةٍ، أَوْ غَيْرِهَا)؛ كنِكاحٍ فاسِدٍ؛ (أَتَمَّتْ عِدَّةَ الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّ سبَبَها سابِقٌ على الوطء المذكورِ، ولا يُحسَبُ منها مقامُها عندَ الثَّاني في الأصحِّ، وله رَجْعةُ الرَّجْعيَّة في التَّتِمَّة في الأصحِّ، (ثُمَّ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الْوَطْءِ)؛ لأِنَّ العِدَّتَينِ مِنْ رجُلَينِ لا يَتداخَلانِ؛ كالدَّيْنينِ
(1)
.
(وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا، فَأَصَابَهَا الْمُطَلِّقُ عَمْدًا؛ فَكَذَلِكَ)؛ لأِنَّه وطءٌ مُحرَّمٌ، لا يَلحَقُ
(2)
فيه النَّسَبُ، ولأِنَّ العدة
(3)
الأُولى عدَّةُ طلاقٍ، والثَّانيةُ عِدَّةُ زِنًى، فلم تَدخلْ
(4)
إحداهما في الأخرى؛ لاِخْتِلافِ سَبَبِهما؛ إذ اختلافُ
(5)
السَّبَبِ لا يُوجِبُ التَّداخُلَ وإنِ اتَّحَدَ الحُكْمُ، دليلُه الكفَّاراتُ.
(وَإِنْ أَصَابَهَا بِشُبْهَةٍ؛ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ لِلْوَطْءِ)؛ لأِنَّ الوَطْءَ قَطَعَ العِدَّةَ الأُولَى، وهو مُوجِبٌ لِلاِعْتِدادِ، والاِحْتِياجِ إلى العلم براءةِ
(6)
الرَّحِم من الحَمْل، (وَدَخَلَتْ فِيهَا
(7)
بَقِيَّةُ الْأُولَى)؛ لأِنَّ الوَطْءَ بشُبهةٍ يَلحَقُ به النَّسبُ، فدخلت
(8)
بقيَّةُ الأُولَى في العدَّةِ الثَّانية.
(وَإِنْ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا)؛ لم يَجُزْ نِكاحُها، إجْماعًا
(9)
، وسَنَدُه قَولُه
(1)
في (ظ): كالديتين. وفي الشرح الكبير 24/ 110: أشبه الدَّينين.
(2)
في (م): ولا تلحق.
(3)
في (ظ): عدة.
(4)
في (م): فلم يدخل.
(5)
في (م): إذا اختلف.
(6)
كذا في النسخ الخطية، وصوابها:(ببراءة).
(7)
في (م): فيه.
(8)
في (م): فدخل.
(9)
ينظر: مراتب الإجماع ص 78.
تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} [البَقَرَة: 235]، ولأِنَّ العدَّةَ إنَّما اعْتُبِرتْ لمعرفة براءةِ الرَّحِم؛ لِئَلاَّ يُفْضِي إلى اخْتِلاطِ المياه واشْتِباهِ الأنْسابِ، و (لَمْ تَنْقَطِعْ عِدَّتُهَا)؛ لأِنَّه
(1)
باطِلٌ، لا تَصِيرُ به المرأة
(2)
فِراشًا، ولا تَستَحِقُّ عليه نفقةً ولا سُكْنَى؛ لأِنَّها ناشِزٌ، (حَتَّى يَدْخُلَ بِهَا فَتَنْقَطِعُ حِينَئِذٍ)، سواءٌ عَلِمَ التَّحريمَ أوْ جَهِلَه؛ لأِنَّها تَصِيرُ بالدُّخول فِراشًا لغَيرِه بذلك، وهو يَقتَضِي ألاَّ تَبْقَى في عدَّةِ غَيرِه.
(ثُمَّ إِذَا فَارَقَهَا؛ بَنَتْ عَلَى عِدَّةِ الأْوَّلِ)؛ لأِنَّ حقَّه أسْبَقُ، ولأِنَّ عِدَّته وَجَبَتْ عن وَطْءٍ في نكاحٍ صحيحٍ، (وَاسْتَأنَفَتِ الْعِدَّةَ مِنَ الثَّانِي)، ولا تتداخل
(3)
العِدَّتانِ، رواه مالِكٌ، والشَّافِعيُّ، والبَيهَقِيُّ بإسنادٍ جيِّدٍ، عن عمرَ
(4)
، وعليٍّ
(5)
،
(1)
في (م): لأنها.
(2)
في (م): المرأة به.
(3)
في (م): ولا تداخل.
(4)
أخرجه مالك (2/ 536)، والشافعي في الأم (5/ 248)، والطحاوي في معاني الآثار (4888)، والبيهقي في الكبرى (15539)، عن سعيد بن المسيب وعن سليمان بن يسار، أن طُليحةَ الأسَدِيَّةَ كانت تحت رُشَيدٍ الثَّقفي فطلقها، فنكحت في عدتها، فضربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وضرب زوجها بالمخفقة ضربات، وفرَّق بينهما، ثم قال عمر بن الخطاب:«أيما امرأة نكحت في عدتها، فإن كان زوجها الذي تزوَّجها لم يدخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من زوجها الأول، ثم كان الآخر خاطبًا من الخطاب، وإن كان دخل بها فرق بينهما، ثم اعتدت بقية عدتها من الأول، ثم اعتدت من الآخر ثم لا يجتمعان أبدًا» ، صححه ابن الملقن في البدر المنير 8/ 229، وصحح إسناده ابن كثير في إرشاد الفقيه 2/ 235، وروي عن عمر من وجوه أخرى.
(5)
أخرجه الشافعي في الأم (5/ 248)، والبيهقي في الكبرى (15540)، عن جرير، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه:«أنه قضى في التي تزوج في عدتها أنه يفرق بينهما، ولها الصداق بما استحل من فرجها، وتكمل ما أفسدت من عدة الأول، وتعتد من الآخر» ، عطاء اختلط، ورواية جرير عنه بعد الاختلاط، وقد صححه ابن الملقن 8/ 229.
وأخرج عبد الرزاق (10532)، والشافعي في الأم (5/ 249)، والبيهقي في الكبرى (15541)، عن عطاء بن أبي رباح، عن عليٍّ رضي الله عنه، وفيه:«وأمرها أن تعتد بما بقي من عدتها الأولى، ثم تعتد من هذا عدة مستقبلة، فإذا انقضت عدتها، فهي بالخيار، إن شاءت نكحت، وإن شاءت فلا» ، قال الألباني في الإرواء 7/ 204:(وعطاء لا أدري إذا كان سمع من عليٍّ أو لا، وكان عمره حين توفي عليٌّ نحو 13 سنة).
ولا يُعرف
(1)
لهما مُخالِفٌ في الصَّحابة، ولأِنَّهما حَقَّانِ مَقْصودانِ لآِدَمِيَّينِ؛ كالدَّينينِ
(2)
، ولأِنَّه حبسٌ
(3)
يَستَحِقُّه الرِّجالُ على النِّساء، فلم يَجُزْ أنْ تكونَ المرأةُ في حَبْسِ رَجُلَينِ؛ كالزَّوجة
(4)
.
(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ مِنْ أَحَدِهِمَا) عَينًا، أَوْ ألْحَقَتْه به
(5)
قافةٌ وأمْكَنَ، بأنْ تأتيَ به لِستَّةِ أشْهُرٍ فأكثرَ مِنْ وطءِ الثَّاني، نَقَلَه الجماعةُ
(6)
، ولأِربعِ سِنِينَ فأقلَّ مِنْ بَينونةِ الأوَّل؛ لَحِقَه، (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ)؛ لأِنَّ عدَّةَ الشَّخص تَنقَضِي بوَضْعِ حَمْله، وقد وُجِدَ، (ثُمَّ اعْتَدَّتْ لِلآْخَرِ أَيَّهُمَا كَانَ)؛ لأِنَّه لا يَجوزُ أنْ يكونَ الحَمْلُ من إنسانٍ والعِدَّةُ من غَيرِه.
(وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا) بما ذكرناه
(7)
؛ (أُرِيَ الْقَافَةَ مَعَهُمَا)؛ لأِنَّ القافةَ تُلحِقُه بأشْبَهِهما، ويَصيرُ ذلك بمنزلةِ ما لو عَلِمَ ذلك بطَريقِه؛ (فَأُلْحِقَ بِمَنْ أَلْحَقُوهُ بِهِ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ قولها
(8)
في ذلك حجَّةٌ، (وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُ
(9)
؛ لأِنَّ الولدَ له حكمًا، أشْبَهَ ما لو عَلِمَ ذلك يقينًا، (وَاعْتَدَّتْ لِلآْخَرِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
(1)
في (م): ولا نعرف.
(2)
في (ظ): كالدِّيتين. والمثبت موافق لما في المغني 8/ 125، والشرح الكبير 24/ 115.
(3)
قوله: (حبس) سقط من (م).
(4)
في (م): كالزوجين.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(6)
ينظر: مسائل أبي داود ص 254، مسائل صالح 3/ 196، مسائل ابن منصور 4/ 1558.
(7)
في (م): ذكرنا.
(8)
في (م): قولهما.
(9)
في (م): منه به.
(وَإِنْ أَلْحَقَتْهُ بِهِمَا؛ لَحِقَ بِهِمَا
(1)
، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِهِ مِنْهُمَا
(2)
؛ لأِنَّ الولدَ محكومٌ به لهما، فتكونُ قد وَضَعَتْ حَمْلَها منهما.
وفي «الانتصار» احْتِمالٌ: تَستَأْنِفُ عدَّةَ الآخَرِ؛ كمَوطُوءةٍ لاِثْنَينِ.
وعندَ أبي بكرٍ: إنْ أتَتْ به لِستَّةِ أشْهُرٍ من نكاحِ الثَّاني؛ فهو له، ذَكَرَه القاضي، وابنُ عَقِيلٍ، ونَقَلَ ابنُ منصورٍ مِثْلَه، وزاد: فإنِ ادَّعَيَاهُ؛ فالقافة
(3)
، ولها المهرُ بما أصابها، ويُؤدَّبانِ
(4)
.
ولم يَتكلَّم المؤلِّفُ على ما إذا نَفَتْه القافةُ عنهما، أوْ أشكل
(5)
عليهم، أو
(6)
لم تُوجَدْ قافةٌ، والحُكْمُ فيه: أنَّها تعتدُّ بعدَ وَضْعِه بثلاثةِ قُروءٍ؛ لأِنَّه إنْ كان من الأوَّل؛ فقد أتَتْ بما
(7)
عليها مِنْ عدَّةِ الثَّاني، وإنْ كانَ مِنْ الثَّاني؛ فعليها أنْ تُكملَ عدَّةَ الأوَّل؛ ليَسقُطَ
(8)
الفَرضُ بيقينٍ.
وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّها إذا ولدتْ لِدونِ ستَّةِ أشْهُرٍ من وطءِ الثَّاني، ولأِكثرَ من أربعِ سِنِينَ مِنْ فراقِ الأوَّل؛ لم يَلحَقْ بواحِدٍ منهما، ولا تَنقَضِي عِدَّتُها به منه
(9)
؛ لأِنَّا نَعلَمُ أنَّه مِنْ وَطْءٍ آخر.
(وَلِلثَّانِي أَنْ يَنْكِحَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّتَينِ)، وهو قَولُ عليٍّ
(10)
، وروي
(1)
قوله: (لحق بهما) سقط من (م).
(2)
قوله: (به منهما) سقط من (م).
(3)
في (م): بالقافة.
(4)
ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1798.
(5)
في (م): وأشكل.
(6)
في (م): لو.
(7)
قوله: (بما) سقط من (م).
(8)
في (م): لتسقط.
(9)
في (ظ): فيه.
(10)
تقدم تخريجه 8/ 586 حاشية (5).
(1)
عن عمرَ أنَّه رَجَعَ إليه، رواه البَيْهَقِيُّ بإسْنادٍ جيَّدٍ
(2)
، وكما لو زَنَى بها، وآياتُ الإباحة عامَّة.
وقال الشَّافِعيُّ: له نِكاحُها بَعْدَ قَضاءِ عدَّةِ الأوَّل
(3)
؛ لأِنَّ العدَّة إنَّما شُرِعَتْ لِحِفظِ النَّسب وصيانةً للماء
(4)
، والنَّسَبُ لَاحِقٌ به، أشْبَهَ ما لو خالَعَها، ثُمَّ نكَحَها في عِدَّتها.
قال في «المغني» : وهذا قَولٌ حَسَنٌ، مُوافِقٌ للنَّظر، وَوَجْهُ تحريمِها قبلَ قَضاءِ العِدَّتَينِ: قَولُه تعالى: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ
…
} [البَقَرَة: 235]، ولأِنَّه وَطْءٌ يَفسُدُ به النَّسبُ، فلم يَجُز النِّكاحُ في العدَّة؛ كوطءِ الأجنبيِّ، وأمَّا الأوَّلُ؛ فإنْ كانَ طلَّقها ثلاثًا لم تَحِلَّ له بهذا النِّكاحِ وإنْ وَطِئَ فيه؛ لأِنَّه باطِلٌ، وإنْ كان دُونَ الثَّلاث؛ فله رَجْعَتُها بعدَ العِدَّتَينِ، وإنْ كانَتْ رجعيَّةً؛ فله رَجْعَتُها في عِدَّتها منه.
(وَعَنْهُ: أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ)؛ لقَولِ عمرَ: «لا تنكحها
(5)
أبدًا» رواهُ مالِكٌ، والشَّافِعيُّ، والبَيهَقيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ
(6)
، ولأِنَّه اسْتَعْجَلَ الحقَّ قَبْلَ
(1)
في (م): روي.
(2)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15545)، عن أشعث، عن الشعبي، قال: أُتي عمر رضي الله عنه بامرأة تزوجت في عدتها، فأخذ مهرها فجعله في بيت المال، وفرق بينهما وقال:«لا تجتمعان» وعاقبهما، قال: فقال علي رضي الله عنه: «ليس هكذا، ولكن هذه الجهالة من الناس، ولكن يُفرَّق بينهما، ثم تستكمل بقية العدة من الأول، ثم تستقبل عدة أخرى وجعل لها عليٌّ المهر بما استحل من فرجها» ، قال: فحمد الله عمر وأثنى عليه، ثم قال:«يا أيها الناس، ردوا الجهالات إلى السنة» ، أشعث هو ابن سوار، ضعيف. وأخرجه ابن حزم (9/ 70)، من طريق صالح بن مسلم، عن الشعبي. وهو مرسل.
(3)
ينظر: الأم 5/ 249.
(4)
في (م): الماء.
(5)
في (م): لا ينكحها.
(6)
تقدم تخريجه 8/ 586 حاشية (4).
وَقْتِه؛ فحُرِمَه في وَقْتِه؛ كالوارِث إذا قَتَلَ مورِّثه
(1)
، وكاللِّعان.
وقِيلَ: في النِّكاح الفاسِدِ، وحكاه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» روايةً.
فرعٌ: كلُّ مُعتدَّةٍ مِنْ غَيرِ النِّكاحِ الصَّحيحِ؛ كالزَّانية والموطوءة
(2)
بشُبْهةٍ؛ فقياسُ المذهَب تحريمُ نكاحها على الواطِئِ وغَيرِه، قال في «المغْنِي»: والأَوْلَى حِلُّ نكاحها لمن هي
(3)
معتدَّة
(4)
منه إنْ كان يَلحَقُه نَسَبُ وَلَدها؛ لأِنَّ العدَّةَ لحفظِ مائه وصيانةِ نسبه، ولا يُصانُ ماؤه المحْتَرَمُ، عن مائه المحرَّم، ولا يُحفَظُ نَسَبُه عنه.
(وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً) بشُبهةٍ أوْ زِنًى؛ (فَعَلَيْهَا عِدَّتَانِ لَهُمَا)؛ لقَولِ عمرَ وعليٍّ
(5)
، ولأِنَّهما حقَّانِ مَقْصودانِ لآِدَمِيَّينِ، فلم يتداخلا؛ كالدَّينينِ
(6)
.
واختار
(7)
ابنُ حَمْدانَ: إذا زَنَى بها تَكفِيهِ عدَّةٌ، سواءٌ قُلْنا: هي حَيضةٌ، أوْ أكثرُ.
فرعٌ: إذا خَالَعَ امْرأتَه، أوْ فَسَخَ نكاحَه؛ فله أنْ يتزوَّجَها في عدَّتها في قَولِ الأكثر، وشذَّ
(8)
بعضُ المتأخِّرِينَ، فقال: لا يَحِلُّ نكاحُها، ولا خِطْبَتُها.
(1)
في (م): موروثه.
(2)
في (م): الموطوءة.
(3)
زيد في (ظ): في.
(4)
في (م): معتد.
(5)
هو ما تقدم تخريجه عنهما 8/ 589 حاشية (1) فيما إذا تزوجت في عدتها، كما في الشرح الكبير 24/ 121.
(6)
في (م): كالديتين.
(7)
في (م): واختاره.
(8)
في (م): وسنده.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً، فَلَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا حَتَّى طَلَّقَهَا ثَانِيَةً؛ بَنَتْ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ)؛ لأِنَّهما طَلاقانِ لم يتخلَّلْهما وَطْءٌ ولا رَجْعةٌ، أشبها
(1)
الطَّلْقَتَينِ في وقتٍ واحد
(2)
.
(وَإِنْ رَاجَعَهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا؛ اسْتَأْنَفَتِ الْعِدَّةَ) مِنْ الطَّلاق الثَّاني؛ لأِنَّه طلاقٌ من نكاحٍ اتَّصَلَ به المَسِيسُ.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا؛ فَهَلْ تَبْنِي، أَوْ تَسْتَأْنِفُ
(3)
؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أُولاهُما: أنَّها تَستَأْنِفُ؛ لأِنَّه طلاقٌ في نِكاحٍ صحيحٍ وَطِئَ فيه، كما لو لم يتقدَّمْه طلاقٌ.
والثَّانية: تبني
(4)
؛ لأِنَّه لو نَكَحَها ثُمَّ طلَّقها قبلَ المسيس؛ لم يَلزَمْه لذلك الطَّلاقِ عِدَّةٌ، كذلك الرَّجعةُ.
وإن
(5)
فُسِخَ نكاحُها قبلَ الرَّجعة بخُلْعٍ أوْ غَيرِه؛ احْتَمَلَ أنْ يكونَ حُكمُه حكمَ الطَّلاق؛ لأِنَّ موجَبَه
(6)
في العِدَّة مُوجَبُ الطَّلاق، واحتمل
(7)
أنْ تستأنف
(8)
العدَّة؛ لأِنَّهما جِنسانِ، بخلافِ الطَّلاق.
(1)
في (م): أشبه.
(2)
في (م): واحدة.
(3)
في (م): وتستأنف.
(4)
في (م): تبتني.
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (م): لأنه موجب الطلاق.
(7)
في (م): وإن احتمل.
(8)
في (ظ): يستأنف.
وإنْ وَطِئَها في عدَّتها، وقُلْنا تَحصُلُ به الرَّجعةُ؛ فحُكْمُها حكمُ مَنْ ارْتجَعَها بلفظِه ثُمَّ وَطِئَها، وإلاَّ لَزِمَها اسْتِئْنافُ العِدَّة؛ كوطء الشُّبهة، وتَدخُلُ عدَّةُ الطَّلاق فيها.
وإنْ حَمَلَتْ من هذا الوطء؛ دَخَلَتْ فيها بقيَّةُ الأولى في وَجْهٍ؛ لأِنَّهما من رجلٍ واحدٍ.
وفي آخَرَ: لا
(1)
؛ لأِنَّهما من جِنْسَينِ، فإذا وَضَعَتْ حَمْلَها أتمَّت
(2)
عدَّةَ الطَّلاق.
وإنْ وَطِئَها وهي حامِلٌ؛ ففي تَداخُلِ العِدَّتَينِ وَجْهانِ، فإنْ قُلْنا بالتَّداخُل؛ فانْقِضاؤهما معًا بِوَضْعِ الحمل، وإنْ قُلْنا بِعدَمِه؛ فانْقِضاءُ عدَّة الطَّلاق بوَضْعِ الحمل، وتستأنف
(3)
عدَّة الوطء بالقُروء.
(وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا، ثُمَّ نَكَحَهَا فِي عِدَّتِهَا، ثُمَّ طَلَّقَهَا فِيهَا قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
(أُولَاهُمَا: أَنَّهَا
(4)
تَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْعِدَّةِ الْأُولَى)، اختاره المؤلِّفُ، وجزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّها تَنقَطِعُ بعَقْدِ التَّزويج؛ لكَونها تَصيرُ به فِراشًا، فلا تَبْقَى مُعتدَّةً منه
(5)
مع كَونها فِراشًا له؛ (لأِنَّ هَذَا طَلَاقٌ مِنْ نِكَاحٍ لَا دُخُولَ فِيهِ) ولا مَسيسَ، (فَلَا يُوجِبُ عِدَّةً)؛ كما لو لم يتقدَّمْه نكاحٌ.
وذَكَرَ القاضي في مَوضِعٍ: أنَّه لا يَلزَمُها اسْتِئْنافُ العدَّة روايةً واحدةً، لكِنْ
(1)
قوله: (لأنهما من رجل واحد، وفي آخر لا) سقط من (م).
(2)
في (م): تمت.
(3)
في (ظ): ويستأنف.
(4)
قوله: (أنها) سقط من (م).
(5)
في (م): زمنه.
يَلزَمُها بقيَّةُ عدَّة الأُولَى؛ لأِنَّ إسْقاطَها يُفْضِي إلى اخْتِلاطِ المياه؛ لأنَّه
(1)
يتزوَّج امرأةً ويطؤها
(2)
ويَخلَعُها، ثُمَّ يَتزوَّجُها ويُطلِّقُها في الحال، ويتزوَّجها الثَّاني في يومٍ واحدٍ.
والثَّانيةُ: تَستَأْنِفُ؛ لأِنَّه طَلاقٌ لا يَخلُو من عدَّةٍ كالأوَّل.
ولو أبانها حاملاً، ثم نَكَحها حاملاً
(3)
، ثُمَّ طلَّقَها حامِلاً؛ فَرَغَتْ بِوَضْعِه عليهما
(4)
، ولو أتَتْ به
(5)
قبلَ طلاقه؛ فلا عِدَّةَ على الأُولَى.
(1)
زيد في (م): لا.
(2)
في (م): يطؤها.
(3)
قوله: (ثم نكحها حاملاً) سقط من (ظ). والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 257.
(4)
في (م): عليها.
(5)
قوله: (به) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَيَجِبُ
(1)
الْإِحْدَادُ)، وهو المنْعُ؛ إذِ المرأةُ تَمنَعُ نَفْسَها ممَّا كانَتْ تَتَهيَّأُ به لزَوجها؛ من تَطيُّبٍ وتَزَيُّنٍ، يُقالُ: أحدَّت المرأةُ إحْدادًا، فَهِيَ محدٌّ
(2)
، وحَدَّتْ تَحدُّ بالضَّمِّ والكسر، فهي حادَّةٌ، يُسمى
(3)
الحديدُ حديدًا للاِمْتِناع به، أوْ لامتناعه
(4)
على من
(5)
يُجادِلُه
(6)
.
(عَلَى الْمُعْتَدَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ)، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه
(7)
، إلاَّ عن الحسن، فإنَّه ذَهَبَ إلى أنَّه لَيسَ بواجِبٍ، وهو قولٌ شاذٌّ، فلا يُعرَّجُ عليه، احتجَّ بعضُهم بقوله تعالى:{فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 234]، فإنَّ ظاهِرَه ما تَنفرِدُ به المرأةُ، والنِّكاحُ لا يَتِمُّ إلاَّ مع الغَير، فحمل
(8)
على ما يتمُّ به وحدَها من الزِّينة والطِّيب، وقد رَوَتْ أمُّ عطيَّةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُحِدُّ امرأةٌ فَوقَ ثلاثٍ إلاَّ على زوجٍ، فإنَّها تُحِدُّ عليه أربعةَ أشْهُرٍ وعشرًا
(9)
، ولا تَلبَسُ ثوبًا مصبوغًا إلاَّ ثَوبَ عَصْبٍ، ولا تَكتَحِلُ، ولا تَمَسُّ طِيبًا» متَّفقٌ عليه
(10)
.
(1)
في (م): يجب.
(2)
في (م): تحد.
(3)
في (م): سمي.
(4)
في (م): ولامتناعه.
(5)
قوله: (على من) في (م): ما.
(6)
كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 579: يحاوله.
(7)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 92، التمهيد 17/ 321.
(8)
في (م): يحمل.
(9)
قوله: (وعشرًا) سقطت من (ظ).
(10)
أخرجه البخاري (313)، ومسلم (938).
فائدةٌ: العَصْب: بفَتح العَين وإسْكان الصَّاد المهمَلَتَينِ، وهو نَوعٌ من البُرود، يُصبَغُ غَزْلُه ثُمَّ يُنسَجُ.
(وَهَلْ يَجِبُ
(1)
عَلَى الْبَائِنِ)؛ كالمطلَّقة ثلاثًا، والمخْتَلِعةِ؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المستوعب» و «الرِّعاية»:
إحداهما: لا تَجِبُ؛ لِمَا رَوَتْ أمُّ سَلَمَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «المتوفَّى عَنْهَا زَوجُها لا تَلبَسُ المعَصْفَرَ من الثِّياب، ولا المُمَشَّق
(2)
، ولا الْحَلْي، ولا تَخْتَضِبُ، ولا تَكتَحِلُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ
(3)
، ولأِنَّ الإحْدادَ في عدَّة الوفاة لِإظْهارِ الأَسَفِ على فِراقِ زَوجِها ومَوتِه، فأمَّا البائنُ فإنَّه فارَقَها باخْتِيارِه، وقَطَعَ نكاحها
(4)
، فلا مَعْنَى لِتكلُّفها الحُزْنَ عليه، ولأِنَّ المتوفَّى عنها لو أتَتْ بوَلَدٍ؛ لَحِقَ الزَّوج به، ولَيسَ له مَنْ يَنفِيهِ، فاحْتِيطَ عليها بالإحْداد؛ لِئلاَّ يَلحَقَ بالميت مَنْ لَيسَ منه، بخِلافِ المطلَّقة البائنِ.
والثَّانيةُ: يَجِبُ، واختارَه الأكثرُ، والرَّجعيَّةُ زَوجةٌ، والحديثُ مَدلولُه تحريمُ
(5)
الإحداد على ميتٍ غَيرِ الزَّوج، ونَحْنُ نَقولُ به، ولهذا جاز الإحْدادُ ههُنا بالإجماع، لكِنْ لا يُسَنُّ، قاله في «الرِّعاية» ، مع أنَّه يَحرُمُ فَوقَ ثلاثٍ على ميتٍ غير
(6)
زَوجٍ.
(1)
في (ظ): تجب.
(2)
في (م): ولا المشق.
(3)
أخرجه أحمد (26581)، وأبو داود (2304)، والنسائي (3535)، وابن الجارود (767)، وابن حبان (4306)، وحسنه ابن الملقن، وصححه ابن الجارود وابن حبان وابن التركماني والألباني، وضعفه ابن حزم بأن في سنده إبراهيم بن طهمان، وخطَّأه ابن الملقن وابن حجر، وبينَا أن ابن طهمان ثقة من رجال الصحيحين. ينظر: البدر المنير 8/ 237، التلخيص الحبير 3/ 506، الجوهر النقي 5/ 59، الإرواء 7/ 205.
(4)
في (م): نكاحه.
(5)
في (م): بتحريم.
(6)
قوله: (الزوج، ونحن نقول به، ولهذا جاز الإحداد
…
) إلى هنا سقط من (م).
فعلى هذا: حُكْمُها حكمُ المتوفَّى عنها في تَوَقِّي الزِّينة والطِّيب.
والصَّحيحُ: أنَّه لا يَجِبُ على المخْتَلَعة؛ لأِنَّها تَحِلُّ لزوجها الذي خالَعَها أنْ يتزوَّجَها في عدَّتها، بخِلافِ البائن بالثَّلاث.
وفي «الاِنتصار» : لا يَلزَمُ بائنًا قبلَ دخولٍ.
(وَلَا يَجِبُ عَلَى الرَّجْعِيَّةِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(1)
؛ لأِنَّها في حُكْم الزَّوجات.
(وَالْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ)؛ لأِنَّها لَيستْ مُعتدَّةً مِنْ نكاحٍ، فلم تكمل
(2)
الحُرْمَةُ، (أَوْ زِنًى، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ)؛ لأِنَّ مَنْ ذُكِرَ لَيسَ بِزَوجٍ.
وفي «الجامع» : أنَّ المنصوصَ: يَلزَمُ الإحْدادُ في نكاحٍ فاسدٍ.
(أَوْ بِمِلْكِ
(3)
يَمِينٍ)؛ كالسُّرِّيَّة وأمِّ الوَلَد.
وهِي كالحرَّة، وللسيِّد إمْساكُها نهارًا، وإرْسالُها لَيلاً، فإنْ أرْسَلَها لَيلاً ونهارًا؛ اعْتَدَّتْ زمانَها كلَّه في المنزل، وعلى الورثة إسْكانُها فيه؛ كالحرَّة سواءً.
(وَسَوَاءٌ فِي الْإِحْدَادِ)؛ أيْ: وجوبِه؛ (الْمُسْلِمَةُ، وَالذِّمِّيَّةُ، وَالْمُكَلَّفَةُ وَغَيْرُهَا)؛ لِعُمومِ الأحاديث، ولأِنَّ غَيرَ المكلَّفة تساوي
(4)
المكلَّفةَ في اجْتِنابِ المحرَّمات، وإنَّما يَفتَرِقانِ في الإثْمِ، فكذا في
(5)
الإحْدادِ.
(وَالْإِحْدَادُ: اجْتِنَابُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ)، يَجِبُ على الحادَّة
(6)
اجْتِنابُ ما
(1)
ينظر: المغني 8/ 155.
(2)
في (م): فلم تكلم.
(3)
في (م): ملك.
(4)
في (ظ): يساوي.
(5)
قوله: (في) سقط من (م).
(6)
في (ظ): العادة.
يَدْعُو إلى جِماعِها، ويُرغِّبُ في النَّظَر إليها، ويُحسِّنُها، وذلك أمورٌ:
أحدُها: الطِّيبُ، ولا خِلافَ في تحريمه
(1)
؛ للأخبار الصَّحيحة، ولأِنَّه يُحرِّكُ الشَّهوةَ، ويَدْعُو إلى المباشَرَة، وذلك
(2)
كزَعْفَرانٍ ونحوِه، وإنْ كان بها سُقْمٌ، نَقَلَه أبو طالِبٍ
(3)
، ويَلحقُ به في التَّحريمِ: الأَدْهانُ المطَيَّبةُ؛ كدُهْنِ وَرْدٍ وبَانٍ؛ لأِنَّه طِيبٌ.
والثَّاني: اجْتِنابُ الزِّينة في قَولِ عامَّتهم، وقالَتْ أمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عليَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ أبو سَلَمَةَ، وقد جَعَلْتُ على عَيْنَيَّ صَبِرًا، فقال:«ما هذا يا أمَّ سلَمَةَ؟» فقُلْتُ: إنَّما هو صَبِرٌ لَيسَ فيه طِيبٌ، قال: «إنَّه يشبُّ
(4)
الوَجْهَ، فلا تَجْعَلِيهِ إلاَّ في اللَّيل، وتَنْزِعينَهُ
(5)
بالنَّهار» رواه أبو داودَ، والنَّسائيُّ، والبيهقي
(6)
بإسْنادٍ فيه جماعةٌ لا يُحتَجُّ بهم
(7)
.
(وَالتَّحْسِينِ؛ كَلُبْسِ الْحَلْيِ)؛ كالسِّوار، والدُّمْلُج، والخاتَم، ولا فَرْقَ فيه بَينَ أنْ يكونَ مِنْ فِضَّةٍ أوْ ذَهَبٍ، وقال عَطاءٌ: يُباحُ حَلْيُ الفِضَّة فقط،
(1)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 93، المغني 8/ 155.
(2)
في (م): وذكر.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 258.
(4)
في (م): يشبه.
(5)
في (م): وشرعيه.
(6)
قوله: (والبيهقي) سقط من (م).
(7)
أخرجه أبو داود (2305)، والنسائي (3537)، والبيهقي في الكبرى (15538)، وفي إسناده ثلاثة مجاهيل: المغيرة بن الضحاك، وأم حكيم بنت أسيد، وأمها، وضعفه بذلك الإشبيلي والألباني، وقال ابن القيم:(وذكر أبو عمر في التمهيد له طرقًا يشد بعضها بعضًا، ويكفي احتجاج مالك به، وأدخله أهل السنن في كتبهم، واحتج به الأئمة، وأقل درجاته أن يكون حسنًا، ولكن حديثها هذا مخالف في الظاهر لحديثها المسند المتفق عليه، فإنه يدل على المتوفى عنها لا تكتحل بحال)، وقال ابن حجر:(إسناده حسن). ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 223، زاد المعاد 5/ 624، بلوغ المرام (1107)، ضعيف أبي داود 2/ 254.
وجَوابُه: عُمومُ النَّهي.
(وَالْمُلَوَّنِ مِنَ الثِّيَابِ لِلتَّحْسِينِ؛ كَالْأَحْمَرِ، وَالْأَصْفَرِ، وَالْأَخْضَرِ الصَّافِي، وَالْأَزْرَقِ الصَّافِي)؛ لقَولِه عليه السلام: «لا تَلبَسُ ثَوبًا مَصْبوغًا، إلاَّ ثَوبَ عَصْبٍ»
(1)
، وفي حديثِ أمِّ سلمة
(2)
: «ولا تلبس المُعَصْفَرَ من الثِّياب، ولا الممَشَّقَ»
(3)
، وفيه تنبيهٌ على أنَّ الأخْضَرَ غَيرَ الصَّافي، والأزْرقَ غَيرَ الصَّافي؛ لا يَحرُمُ عليها لُبْسُه؛ لأِنَّ ذلك لا يُلبَسُ للتَّحسين عادةً، فلم يكُنْ ذلك زينةً.
والمذْهَبُ: أنَّه يَحرُمُ ما صُبِغَ غَزْلُه ثُمَّ نُسِجَ؛ كالمصبوغ بعدَ نَسْجِه.
وقِيلَ: لا؛ لقوله عليه السلام: «إلاَّ ثَوبَ عَصْبٍ» ، وفيه نَظَرٌ.
(وَاجْتِنَابِ الْحِنَّاءِ، وَالْخِضَابِ)؛ لقَوله عليه السلام في حديثِ أمِّ سلَمَةَ: «ولا تَختَضِبُ»
(4)
، ولأنَّه
(5)
يَدْعُو إلى الجِماع، أشْبَهَ الحَلْيَ، بل أَوْلَى، ولا تُمنَعُ
(6)
مِنْ جَعْلِ الصَّبِر على غَيرِ وَجْهِهَا؛ لأِنَّها إنَّما مُنِعَتْ منه على
(7)
الوَجْه؛ لأِنَّه يُصفِّرُه، فيُشْبِهُ الخِضابَ، قال
(8)
في «الفروع» : فيتوجَّهُ واليَدَينِ.
(وَالْكُحْلِ الْأَسْوَدِ)؛ لقَوله عليه السلام في حديثِ أمِّ عَطِيَّةَ: «ولَا تَكتَحِلُ»
(9)
، ولأِنَّه أبلغُ في الزِّينة، والمرادُ به: الإثْمِدُ، ولا فَرْقَ فيه بَينَ البَيضاء والسَّوداء.
(1)
أخرجه البخاري (313)، ومسلم (938)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
(2)
قوله: (ولا تلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب، وفي حديث أم سلمة) سقط من (م).
(3)
سبق تخريجه 8/ 595 حاشية (3).
(4)
سبق تخريجه 8/ 595 حاشية (3).
(5)
في (م): لأنه.
(6)
في (ظ): يمنع.
(7)
في (م): في.
(8)
قوله: (قال) سقط من (م).
(9)
أخرجه البخاري (313)، ومسلم (938)، من حديث أم عطية رضي الله عنها.
فإن
(1)
اضْطَرَّتْ إلى الكُحْل بالإثْمِد للتَّداوِي؛ فلها ذلك لَيلاً، وتَمْسَحُه نهارًا.
وفي «الرِّعاية» : فإن
(2)
احْتاجَتْ كُحْلاً اكْتَحَلَتْ.
وقِيلَ: لَيلاً وغَسْلُه نهارًا إنْ لم تكُنْ سَوداءَ أوْ عَيْنُها.
(وَالْحِفَافِ) المحرَّمِ عليها إنَّما هو
(3)
نَتْفُ شَعْرِ وجْهِها، فأمَّا حَلقُه وحفُّه
(4)
فمُباحٌ عندَ أصحابنا، قاله في «المطلع» ، وفيه قَولٌ، وهو سَهْوٌ.
(وَإِسْفِيذَاجِ الْعَرَائِسِ)، وهو شيءٌ معروفٌ يعمل
(5)
من الرَّصاص، ذَكَرَه الأطِبَّاءُ إذا دُهِنَ به الوَجْهُ يَرْبُو ويَبرُقُ، (وَتَحْمِيرِ الْوَجْهِ) بالحُمْرة، (وَنَحْوِهِ)؛ أيْ: ونحوِ ذلك مما
(6)
فيه زينةٌ وتحسينٌ.
فائدةٌ: لها التنظُّف
(7)
بِغَسْلٍ، وأخْذِ شعرٍ وظُفُرٍ، وتدهن
(8)
بدُهْنٍ غيرِ مُطَيَّبٍ، ولا تَدْهُنُ رأسَها، ولها غَسْلُه بماءٍ وسِدْرٍ وخَطْمِيٍّ، لا بحِنَّاءٍ.
(وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا الْأَبْيَضُ مِنَ الثِّيَابِ)، سواءٌ كان مِنْ قُطْنٍ، أوْ كَتَّانٍ، أوْ صُوفٍ، أوْ إبْرِيسَمٍ، (وَإِنْ كاَنَ
(9)
حَسَنًا)؛ لأِنَّ حُسْنَه من أصلِ خِلْقَتِه، فلا يَلزَمُ تغييرُه، وظاهِرُه: ولو
(10)
كان مُعَدًّا للزِّينة، وفيه وَجْهٌ.
(وَلَا الْمُلَوَّنُ لِدَفْعِ الْوَسَخِ؛ كَالْكُحْلِيِّ، وَنَحْوِهِ)؛ كالأسْوَد؛ لأِنَّ الصَّبْغَ
(1)
في (م): وإن.
(2)
في (م): إن.
(3)
قوله: (هو) سقط من (ظ).
(4)
في (م): حفه وحلقه.
(5)
قوله: (يعمل) سقط من (م).
(6)
في (ظ): بما.
(7)
في (ظ): التنظيف.
(8)
في (م): ودهن.
(9)
قوله: (كان) سقط من (م).
(10)
في (م): كما لو.
لدَفْعِ الوَسَخ، لا لِحُسْنه؛ لأِنَّه لَيسَ بزِينةٍ.
(قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَتَجْتَنِبُ النِّقَابَ)، وما في مَعْناهُ كالبُرْقِع ونحوِه؛ لأِنَّ المعتدَّةَ شبيهة
(1)
بالمحْرِمَة، فإنِ احْتاجَتْ إليه؛ سَدَلَتْه على وَجْهِها كمُحرِمَةٍ.
والمذْهَبُ المنصوصُ عليه: أنَّ لها أنْ تَنتقِبَ
(2)
؛ لأِنَّه لَيسَ في مَعْنَى المنصوص، وإنَّما مُنِعَت المحْرِمَةُ؛ لأِنَّها مَمْنوعةٌ مِنْ تَغطِيَةِ وَجْهِها، بخِلافِ الحادَّة، ولأِنَّ المحرمة
(3)
يَحرُمُ عليها
(4)
لُبْسُ القُفَّازَينِ، ويَجوزُ لها لُبْسُ سائرِ الثِّياب، بخِلافِ الحادَّة، ولأِنَّ المبتوتةَ لا يَحرُم عليها النِّقابُ، وإنْ وَجَبَ عليها الإحدادُ، فكذا المُتَوَفَّى عنها.
وظاهِرُه: أنَّ الزِّينةَ تُباحُ في غَيرِ ذلك من الفَرْشِ، وآلة البيت، وأثاثه، وإن
(5)
تَرَكَت الواجِبَ؛ أثِمَتْ، وتَمَّتْ عِدَّتُها بمُضِيِّ الزَّمَن؛ كالصَّغيرةِ.
(1)
في (م): شبيه.
(2)
في (م): تتنقب. وينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 243.
(3)
قوله: (ولأن المحرمة) في (م): ليس المحرم.
(4)
في (م): عليه.
(5)
في (م): فإن.
(فَصْلٌ)
(وَتَجِبُ عِدَّةُ الْوَفَاةِ فِي الْمَنْزِلِ الذِي وَجَبَتْ فِيهِ) لا غَيرُ، رُوِيَ عن عمرَ
(1)
، وابنِه
(2)
، وابنِ مسعودٍ
(3)
، وأمِّ سَلَمَةَ
(4)
، وغَيرِهم؛ لقَولِه عليه السلام لِفُرَيعةَ: «امكثي
(5)
في بَيتِكِ حتَّى يَبلُغَ الكِتابُ أجَلَه»، فاعتدتْ أربعةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا، فلمَّا كان عُثْمانُ أرْسَل إليَّ فسأَلَنِي عن ذلك، فأخْبرتُه، فاتَّبَعَه، وقَضَى به، رواه مالِكٌ، وأحمدُ، وأبو داودَ، وصحَّحه التِّرمذي
(6)
.
(1)
أخرجه مالك (2/ 591)، وابن أبي شيبة (18854)، والبيهقي في الكبرى (15504)، عن عمرو بن شعيب، عن ابن المسيب:«أن عمر بن الخطاب كان يردُّ المتوفى عنهنَّ أزواجهنَّ من البيداء، يمنعهنَّ الحج» . وأخرجه عبد الرزاق (12072)، وابن أبي شيبة (18848)، وسعيد بن منصور (1343)، عن مجاهد، عن ابن المسيب نحوه. وأسانيده صحاح، وروي من وجوه أخرى عن عمر رضي الله عنه.
(2)
أخرجه مالك (2/ 592)، وعبد الرزاق (12063)، وحرب الكرماني في مسائله (2/ 612)، والبيهقي في الكبرى (15505)، عن نافع، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول:«لا تبيت المتوفى عنها زوجها، ولا المبتوتة إلا في بيتها» ، إسناده صحيح، وروي عنه من وجوه أخرى.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12068)، وسعيد بن منصور (1341)، وابن أبي شيبة (18859)، والطبراني في الكبير (9658)، عن علقمة قال: سأل ابنَ مسعود رضي الله عنه نساء من همدان نُعي إليهن أزواجهن، فقلن: إنا نستوحش. فقال عبد الله: «تجتمعن بالنهار، ثم ترجع كل امرأة منكن إلى بيتها بالليل» . وإسناده صحيح.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12070)، والبيهقي في الكبرى (15514)، عن إبراهيم، عن رجل من أسلم، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن امرأة سألتها توفي عنها زوجها، فقالت: إن أبي وجع، قالت:«كوني أحد طرفي النهار في بيتك» . وأخرجه ابن أبي شيبة (18864)، والطحاوي في معاني الآثار (4589)، عن إبراهيم مرسلاً. إسناده ضعيف؛ للجهالة أو الانقطاع.
(5)
في (م): اسكني.
(6)
أخرجه مالك (2/ 591)، وأحمد (27087)، وأبو داود (2300)، والتِّرمذي (1204)، والنسائي (3530)، وابن ماجه (2031)، وابن حبان (4293)، من طريق سعد بن إسحاق بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب بن عجرة، عن الفريعة بنت مالك بن سنان رضي الله عنها، وعمة سعد ذكرها ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:(مقبولة)، وصحح حديثها التِّرمذي والذهلي وابن حبان والحاكم وابن القيم، وقال ابن عبد البر:(حديث مشهور معروف عند علماء الحجاز والعراق)، وضعفه عبد الحق الإشبيلي تبعًا لابن حزم، وضعفه الألباني. ينظر: التمهيد 21/ 31، زاد المعاد 5/ 604، البلوغ (1121)، الإرواء 7/ 206.
وقال جابِرُ بنُ زَيدٍ، والحَسَنُ، وعَطاءٌ: تَعْتدُّ حَيثُ شاءَتْ، ورواه البَيهَقيُّ عن عليٍّ
(1)
، وابنِ عبَّاسٍ
(2)
، وعائشةَ
(3)
.
وجَوابُه: ما سَبَقَ.
وسَواءٌ كان المنزِلُ لِزَوجها، أوْ غَيرِه.
فإنْ أتاها الخَبَرُ في غَيرِ مَسْكَنِها؛ رَجَعَتْ إليه فاعتدَّتْ فيه
(4)
.
وقال ابنُ المسيِّب، والنَّخَعيُّ: لا تَبرَح من
(5)
مكانها الذي أتاها فيه نَعْيُ زَوجِها.
(1)
أخرجه عبد الرزاق (12056)، والشافعي في الملحق بالأم (7/ 182)، وسعيد بن منصور (1351)، وابن أبي شيبة (18877)، والبيهقي في الكبرى (15508)، عن الشعبي قال:«كان عليٌّ يُرحِّل المتوفى عنها زوجها» . رجاله ثقات، ورواية الشعبي عن علي متكلم فيها. وأخرجه عبد الرزاق (12057)، عن أيوب أو غيره مرسلاً. وأخرجه ابن أبي شيبة (18874)، عن الحكم مرسلاً. وأخرجه سعيد بن منصور (1350)، عن الحسن مرسلاً. وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا.
(2)
أخرجه البخاري (4531، 5344)، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«نسخت هذه الآية عدتها في أهلها فتعتد حيث شاءت» ، لقول الله تعالى:{غَيْرَ إِخْرَاجٍ} . قال ابن حجر في الفتح 8/ 195: (ووهم من زعم أنه معلق)، وقد أخرجه الطبري في التفسير (4/ 406)، والبيهقي في الكبرى (15506).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (1205)، وابن أبي شيبة (14642)، والطحاوي في معاني الآثار (4596)، والبيهقي في الكبرى (15509)، عن عطاء:«أن عائشة حجت بأختها أم كلثوم في عدتها» ، إسناده صحيح. وروي من وجوه أخرى.
(4)
قوله: (فيه) سقط من (م).
(5)
قوله: (من) ضرب عليه في (م).
وجَوابُه: «امْكُثِي في بَيتكِ» ، واللَّفْظُ الآخَرُ قضيَّةٌ في عَينٍ، ولا عُمومَ لها، ولا يُمكِنُ حَمْلُه على العموم، فإنَّه قد يأتيها الخبرُ وهي في السُّوق، والطَّريق، والبَرِّيَّة، ولا يَلزَمُها الاعتداد فيه
(1)
، قال أحمدُ في روايةِ ابنِ هانِئٍ: وسُئِلَ عن امرأةٍ ماتَ زَوجُها وهي مريضةٌ، أتَحوَّلُ إلى بَيتِ أمِّها؟ قال: لا يَجُوزُ
(2)
.
(إِلاَّ أَنْ تَدْعُوَ ضَرُورَةٌ إِلَى خُرُوجِهَا مِنْهُ؛ بِأَنْ يُحَوِّلَهَا مَالِكُهُ، أَوْ تَخْشَى عَلَى نَفْسِهَا)، أوْ لم تَجِدْ ما تَكتَرِي به إلاَّ مِنْ مالها، أوْ طَلَبَ به أكثرَ من أُجْرةِ مِثْلِه، ذَكَرَه في «المغْنِي» ، (فَتَنْتَقِلُ)؛ لأِنَّها حالةُ عُذْرٍ.
فإنْ تعذَّرت
(3)
السُّكْنَى؛ سَكَنَتْ حَيثُ شاءَت، اخْتارَه القاضي والمؤلِّفُ.
وذَكَرَ أبو الخَطَّاب: أنَّها تَنتَقِلُ إلى أقْرَبِ ما يُمكِنُها النُّقْلةُ إليه، وقَطَعَ به في «المحرر»
(4)
، و «المستوعب» ، و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ كنَقْل الزَّكاة في مَوضِعٍ لا يَجِدُ فيه أهْلَ السُّهْمانِ.
وجَوابُه: أنَّ الواجِبَ سَقَطَ؛ كما لو سَقَطَ الحجُّ للعجز عنه، ويُفارِقُ أهلَ السُّهْمانِ، فإنَّ القَصْدَ نَفْعُ الأقْرَبِ.
فلو اتَّفَقَ
(5)
الوارِثُ والمرأةُ على نَقْلِها؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّ السُّكْنَى هنا حقٌّ لله تعالى، بخِلافِ سُكْنَى النِّكاح، لكِنْ لهم نَقْلُها لِطُولِ لِسانها، وأذاهم بالسَّبِّ ونحوِه، وهو قَولُ الأكْثَرِ؛ لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ
…
} الآيةَ [الطّلَاق: 1]، وهو اسْمٌ للزِّنى وغيرِه من الأقْوال الفاحِشةِ.
(1)
قوله: (فيه) سقط من (ظ).
(2)
ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 242.
(3)
في (م): تعذر.
(4)
في (م): «المجرد» .
(5)
في (ظ): أنفق.
وقِيلَ: يَنتَقِلُونَ هم.
وفي «التَّرغيب» ، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: إنْ قُلْنا لا سُكْنَى لها؛ فعليها الأُجْرةُ، وأنَّه لَيس للورثة تحويلُها منه، وظاهِرُ «المغني» وغَيره خِلافُه.
(وَلَا تَخْرُجُ لَيْلاً)؛ لِمَا رَوَى مُجاهِدٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَدَّثْنَ
(1)
عِنْدَ إحْداكنَّ، حتَّى إذا أَرَدْتُنَّ النَّومَ؛ فَلْتَأْتِ كلُّ واحِدةٍ إلى بَيتِها»
(2)
، ولأِنَّ اللَّيلَ مَظنَّةُ الفَساد.
وظاهِرُه: ولو لحاجةٍ، وهو وَجْهٌ، وقِيلَ: بلى، وظاهِرُ «الواضح» مُطلَقًا.
(وَلَهَا الْخُرُوجُ نَهَارًا لِحَوَائِجِهَا)؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، قال الحُلْوانيُّ: مع وُجودِ مَنْ يَقضِيها، وقِيلَ: مُطلَقًا، نَصَّ عليه، نَقَلَ حنبلٌ: تَذهَبُ بالنَّهار، ونَقَلَ أبو داودَ: لا تَخرُجُ، قلتُ: بالنَّهار؛ قال: بلى، لكِنْ لا تبيت
(3)
، قلت: بعضُ اللَّيل، قال: يَكونُ أكثرُه بيتها
(4)
.
(وَإِنْ أَذِنَ لَهَا زَوْجُهَا فِي النُّقْلَةِ إِلَى بَلَدٍ لِلسُّكْنَى فِيهِ، فَمَاتَ قَبْلَ مُفَارَقَةِ الْبُنْيَانِ؛ لَزِمَهَا الْعَوْدُ إِلَى مَنْزِلِهَا)؛ لأِنَّها مُقِيمَةٌ بعدُ، والاِعْتِدادُ في مَنزِلِ الزَّوج واجِبٌ.
(وَإِنْ مَاتَ بَعْدَهُ؛ فَلَهَا الْخِيَارُ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ) على المذهب؛ لِتَساوِيهما، ولأِنَّ في
(5)
وُجوبِ الرُّجوع مَشقَّةً.
(1)
في (م): تحدث.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12077)، والبيهقي في الكبرى (15512)، عن مجاهد مرسلاً، وضعفه الإشبيلي والألباني لإرساله، وقواه ابن القيم. ينظر: الأحكام الوسطى 3/ 227، زاد المعاد 5/ 615، الإرواء 7/ 211.
(3)
في (ظ): لا يثبت.
(4)
في (م): أكثر بيتها. ينظر: مسائل أبي داود ص 253، والفروع 9/ 261.
(5)
قوله: (في) سقط من (م).
وقِيلَ: بلى في الثَّاني
(1)
؛ كما لو وَصَلَتْه.
وهكذا حكمُ ما لو أذِنَ لها في النُّقلة مِنْ دارٍ إلى أخْرَى.
وسَواءٌ مات قَبْلَ نَقْلِ مَتاعِها مِنْ الدَّار، أوْ بَعدَه؛ لأِنَّه مَسْكَنُها، ما لم تَنتَقِلْ عنه.
(وَإِنْ سَافَرَ بِهَا
(2)
، فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ قَرِيبَةٌ؛ لَزِمَهَا الْعَوْدُ)؛ لأِنَّها في حُكْمِ الإقامة، (وَإِنْ تَبَاعَدَتْ)؛ أي
(3)
: بعدَ مسافة القَصْر؛ (خُيِّرَتْ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ)؛ لِتَساوِيهما.
وكلُّ مَوضِعٍ يَلزَمُها السَّفرُ، فهو مشروطٌ بوُجودِ مَحرَمٍ يُسافِرُ مَعَها؛ للخَبَر.
(وَإِنْ أَذِنَ لَهَا فِي الْحَجِّ)، نقول: المعتدَّة لَيس لها الخُروجُ لِحَجٍّ ولا غيره
(4)
، رُوِيَ عن عمرَ وعُثْمانَ
(5)
، وقاله الأكثرُ.
فإنْ خَرَجَتْ فماتَ في الطَّريق؛ رَجَعَتْ إنْ كانَتْ قريبةً؛ لأِنَّها في حُكْمِ الإقامة، وإنْ تَباعَدَتْ مَضَتْ في سَفَرِها، ولأِنَّه أمْكَنَها الاِعْتِدادُ في مَنزِلها قَبْلَ أنْ تَبعُدَ؛ فَلَزِمَها؛ كما لو لم تفارق
(6)
البنيانَ.
فإنِ اخْتارَت البعيدةُ الرُّجوعَ؛ فلها ذلك إذا كانت تَصِلُ إلى منزلها في عدَّتها.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 262: وقيل: وفي الثاني، وعبارة صاحب الإنصاف 24/ 158: وقيل: يلزمها العدة في البلد الثاني.
(2)
كتب في هامش (ظ): (أو سافرت بإذنه لغير نقلة).
(3)
في (م): إلى.
(4)
في (م): ولا لغيره.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (12071)، وابن أبي شيبة (18849)، عن مجاهد قال:«كان عمر وعثمان رضي الله عنهما يرجعانهن حواج ومعتمرات من الجحفة وذي الحليفة» ، وتقدم عن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح 8/ 601 حاشية (1).
(6)
في (م): لم يفارق.
ومتى كان عليها في الرُّجوع خَوفٌ، أوْ ضَرَرٌ؛ فلها المضِيُّ في سَفَرِها؛ كالبعيدة.
ومتى رَجَعَتْ، وقد بَقِيَ عليها شَيءٌ من عدَّتها؛ لَزِمَها أنْ تأتيَ به في مَنزِلِ زَوجِها، بغَيرِ خِلافٍ بَينَهم
(1)
؛ لأِنَّه أمْكَنَها الاِعْتِدادُ، فهو
(2)
كما لو لم تُسافِرْ منه.
(فَأَحْرَمَتْ بِهِ، ثُمَّ مَاتَ، فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ؛ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا)، سَواءٌ كان
(3)
حجَّةَ الإسلام أوْ غَيرَها.
إذا أحْرَمَتْ بها قَبْلَ مَوته؛ فإنْ لم يُمكن
(4)
الجَمْعُ؛ لَزِمَها المضِيُّ فيه، وذكره
(5)
في «التَّبصرة» عن أصحابنا، ولأِنَّهما عِبادَتانِ اسْتَوَيَا في الوُجوب وضِيقِ الوقت، فوجَبَ تَقْديمُ الأَسْبَقِ منهما؛ كما لو سَبَقَت العِدَّةُ، ولأِنَّ الحجَّ آكَدُ؛ لأِنَّه أَحَدُ أرْكانِ الإسلام، والمشقَّة بتفويته تَعظُمُ، فوَجَبَ تقديمُه.
وفي «المحرَّر» : هل تُقدَّم مع القُرْب العِدَّةُ، أوْ أسْبَقُهما؟ فيه رِوايَتانِ.
وإنْ أمكن
(6)
؛ لَزِمَها العَودُ، ذكره
(7)
المؤلِّفُ وغَيرُه.
وفي «المحرر» : تُخيَّر
(8)
مع البُعْدِ، وتُتِمُّ تتمةَ
(9)
العِدَّةِ في مَنزِلِها إنْ عادَتْ بَعْدَ الحجِّ، وتَتَحلَّلُ لِفوتِه بعُمْرةٍ.
(1)
ينظر: المغني 8/ 168.
(2)
قوله: (فهو) سقط من (م).
(3)
زيد في (م): في.
(4)
في (م): لم يكن.
(5)
في (م): وذكر.
(6)
في (م): أو إن يكن. والمراد: إن أمكن الجمع بين العدة والحج.
(7)
في (م): وذكر.
(8)
في (م): يخير.
(9)
قوله: (تتمة) سقط من (م).
وإنْ أحْرَمَتْ بعدَ مَوتِه، وخَشِيَتْ فَواتَه؛ فاحْتِمالانِ.
(وَإِنْ لَمْ تَخْشَ، وَهِيَ فِي بَلَدِهَا، أَوْ قَرِيبَةٌ مِنْهُ
(1)
يُمْكِنُهَا الْعَوْدُ؛ أَقَامَتْ لِتَقْضِيَ الْعِدَّةَ فِي مَنْزِلِهَا)؛ لأِنَّه أمْكَنَها الجَمْعُ بَينَ الحَقَّينِ مِنْ غَيرِ ضررِ الرُّجوع، فلم يَجُزْ إسْقاطُ أحدِهما، (وَإِلاَّ مَضَتْ فِي سَفَرِهَا)؛ أيْ: إذا لم تَكُنْ في بلدها، ولا قريبةً منه؛ لأِنَّ في
(2)
الرُّجوع عليها مَشقَّةً وحَرَجًا، وهو مُنتَفٍ شَرْعًا.
(وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحْرَمَتْ، أَوْ أَحْرَمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِ؛ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ لَمْ تَخْشَ
(3)
الفَوَاتَ)؛ لأِنَّ العِدَّةَ سابِقةٌ على الإحرام، والسَّابِقُ هو المقدَّمُ.
فرعٌ: لا سُكْنَى للمُتوَفَّى عنها إذا كانَتْ حائِلاً روايةً واحدةً، وإنْ كانَتْ حامِلاً فرِوايَتانِ؛ لأِنَّ اللهَ تعالى جَعَلَ لها ثُمُنَ التَّرِكة أوْ رُبُعَها، وجَعَلَ باقِيها للورثة، والمسكَنُ من التَّركة؛ فَوَجَب ألاَّ يُستَحَقَّ منه أكثرُ مِنْ ذلك.
وأمَّا إذا كانَتْ حامِلاً، وقُلْنا: لها السُّكْنَى؛ فَلأِنَّها حامِلٌ مِنْ زَوجِها؛ قِياسًا على المطلَّقة.
وإنْ قُلْنا: لا سُكْنَى لها، فتبرَّعَ الوارِثُ أوْ غَيرُه بسُكْناها؛ لَزِمَها السُّكْنَى به.
وإن قُلْنا: لها السُّكْنَى
(4)
؛ ضَرَبَتْ بقَدرِ أُجْرته مع الغرماء، والحامِلُ تَضرِبُ بأقلِّ مُدَّتِه، وإنْ رَجَعَتْ فله دُونَ الفَضْل على الغرماء
(5)
، وإنْ وَضَعَتْ
(1)
قوله: (منه) سقط من (م).
(2)
قوله: (في) سقط من (م).
(3)
في (ظ): لم يحسن.
(4)
أي: وتعذر المسكن أو كان المسكن لغير الميت؛ استؤجر لها من بيت مال الميت. ينظر: الكافي 3/ 208.
(5)
كذا في النسخ الخطية، وعبارة الكافي 3/ 208: وإن وضعت لأقل من ذلك ردَّت الفضل على الغرماء.
لأِكْثَرِها؛ رَجَعَتْ عليهم بالنَّقص.
(وَأَمَّا المَبْتُوتَةُ) مُطلَقًا (فَلَا تَجِبُ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ فِي مَنْزِلِهِ)؛ لِمَا رَوَتْ فاطِمةُ بنتُ قَيسٍ: أنَّ أبا عمرو
(1)
بنَ حَفْصٍ طلَّقها الْبَتَّةَ وهو غائبٌ، فأرْسَلَ إلَيها بشَيءٍ فسَخِطته، فقال: واللهِ ما لَكِ عَلَينا مِنْ شَيءٍ، فجاءَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فذَكَرَتْ ذلك له، فقال لها:«لَيسَ لكِ عليه نَفَقةٌ، ولا سُكْنَى» ، وأَمَرَها أنْ تَعتَدَّ عِنْدَ أمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قال: تلك امرأةٌ يَغْشاها أصْحابِي، اعْتَدِّي في بَيتِ أمِّ مَكْتومٍ
(2)
» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
(3)
، وإنْكارُ عُمرَ وعائِشةَ ذلك يُجابُ عنه
(4)
.
(وَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، نَصَّ عَلَيْهِ)، إذا كان مَأْمُونًا، قال أصْحابُنا: سَواءٌ قُلْنا: لها السُّكْنَى أوْ لَا، بل يَتخيَّرُ الزَّوجُ بَينَ إقْرارِها في مَوضِعِ طَلاقِها، وبَينَ نَقْلِها إلى مسكن
(5)
مِثْلِها؛ لحديثِ فاطمةَ، والمُسْتَحَبُّ إقْرارُها؛ لقوله تعالى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ
…
} الآيةَ [الطّلَاق: 1].
وعنه: تَعتَدُّ حَيثَ كانَتْ ساكِنةً وقْتَ الفُرْقةِ، ولا يَثبُتُ في غَيرِه.
ولا تُفارِقُ البلدَ على الأصحِّ فيهما. وعَنْهُ: هي
(6)
كمُتَوَفًّى عَنْها.
وإنْ شاءَ إسْكانَها في منزله، أوْ غَيرِه إنْ صَلَحَ لها؛ تحصينًا لِفِراشِه، ذَكَرَه القاضي وغيرُه، وإنْ لم يَلزَمْه نفقتها
(7)
كمُعتدَّةٍ لِشُبْهةٍ، أوْ نكاحٍ، أوْ مُسْتَبْرَأَةٍ لِعْتقٍ.
(1)
في (م): عمر.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما في المصادر الحديثية وكتب المذهب: ابن أم مكتوم.
(3)
أخرجه مسلم (1480)، ولم يخرجه البخاري، بل انفرد بإخراجه مسلم. ينظر: تحفة الأشراف 8/ 10، 12/ 463، تنقيح التحقيق 4/ 447.
(4)
أخرجه مسلم (1480).
(5)
في (م): سكنى.
(6)
قوله: (هي) سقط من (م).
(7)
قوله: (لم يلزمه نفقتها) في (م): لم تلزمه.
وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: لا يَلزَمُها.
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إنْ شاءَه، وأنْفَقَ عليها؛ فله ذلك
(1)
.
وإنْ سَكَنَتْ عُلْوَ دارٍ، وسَكَنَ بَقيَّتَها، أوْ بَينَهما بابٌ مُغلَقٌ، أوْ مَعها مَحرَمٌ؛ جاز.
ورَجْعيَّةٌ في لُزومِ المنزل؛ كمُتَوَفًّى عنها، نَصَّ عليه
(2)
.
تذنيبٌ: له الخَلْوةُ مع زوجتِه، وأَمَته، ومَحرَمِ أحدهما، وقِيلَ: مع زوجته فأكثرَ
(3)
، قال في «التَّرغيب»: وأصْلُه النِّسوةُ المنفَرِداتُ هل لهنَّ السَّفرُ مع أمْنٍ بلا مَحرَمٍ؟
وقال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يَحرُمُ سَفَرُه بأُخْتِ زَوجتِه، ولو مَعَها
(4)
.
ولا يَخلُو الأجنبي
(5)
بأجنَبيَّاتٍ، ويَتوجَّهُ وَجْهٌ، قال القاضي: مَنْ عُرِفَ بالفِسْق مُنِعَ من الخَلوة بأجنبيَّةٍ، والأَشْهَرُ يَحرُمُ مُطلَقًا، إجْماعًا
(6)
.
وفي «آداب صاحِبِ النَّظْم» : أنَّه يُكرَهُ الخلوة بالعَجوز، وهو غَريبٌ، وإطلاقُ الأصحاب تحريم
(7)
الخَلوة بمَن لِعَورته حُكْمٌ.
فأمَّا مَنْ لا عَورةَ له كدُونِ سَبعٍ؛ فلا تحريمَ.
وله إرْدافُ مَحرَمٍ، ويتوجَّهُ في غَيرِها مع الأمن وعَدَمِ سُوءِ الظَّنِّ؛ خِلافٌ
(8)
.
(1)
ينظر: الاختيارات ص 406، الفروع 9/ 264.
(2)
ينظر: المحرر 2/ 108.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 264 والإنصاف: 24/ 168: ومع أجنبية فأكثر.
(4)
ينظر: الاختيارات ص 406، الفروع 9/ 265.
(5)
في (م): الأجنبية.
(6)
ينظر: شرح مسلم للنووي 9/ 109، مجموع الفتاوى 11/ 505.
(7)
في (م): يحرم.
(8)
في (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).
(بَابٌ فِي اسْتِبْرَاءِ الإِمَاءِ)
لاِسْتِبراءُ بالمدِّ: طَلَبُ بَراءة الرَّحِم؛ كالاِسْتِعْطاء والاِسْتِمْناء: طَلَبُ العَطاء والمني
(1)
، وخُصَّ هذا بالأَمَة؛ للعِلْم ببَراءةِ رَحِمِها مِنْ الحَمْلِ، والحُرَّةُ وإنْ شارَكَت الأمةَ في هذا الغَرَضَ؛ فهي مُفارِقةٌ لها في التَّكرُّر، ولذلك يُستَعْمَلُ فيها لَفْظُ العِدَّة.
(وَيَجِبُ الاِسْتِبْرَاءُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ):
(أَحَدُهَا: إِذَا مَلَكَ أَمَةً) تَحِلُّ له ومِثْلُها يُوطَأُ لِمِثْلِه، قاله في «الرِّعاية» ؛ (لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَطْؤُهَا) حتَّى يَستَبْرِئَها، بِكرًا كانَتْ أوْ ثَيِّبًا، صغيرةً كانَتْ أوْ كبيرةً، مِمَّنْ تَحمِلُ أوْ لا، في قَولِ أكثرِ العلماء.
وقال ابنُ عمرَ: «لا يَجِبُ اسْتِبْراءُ البكر
(2)
»، ذَكَرَه البُخاريُّ
(3)
؛ لأِنَّ الغَرَضَ بالاِسْتِبراء مَعرِفةُ براءتها من الحَمْل، وهذا معلومٌ في البِكْر.
وقال اللَّيثُ: إنْ كانَتْ مِمَّنْ لا تَحمِلُ؛ لم يَجِب اسْتبْراؤها.
وجَوابُه: ما رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والبَيهَقِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ، وفيه شَريكٌ القاضِي، عن أبي سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُوطَأُ حامِلٌ حتَّى تَضَعَ، ولا
(1)
في (م): أو المني.
(2)
في (م): الاستبراء لبكر.
(3)
علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 83)، ووصله عبد الرزاق (12906)، وابن أبي شيبة (16624)، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها» ، قال البوصيري في إتحاف الخيرة 4/ 110:(رجاله رجال الصحيح). ونقل ابن منصور في مسائله 4/ 1656 توهين الإمام أحمد للأثر، وأن المعروف عن نافع، عن ابن عمر:«تستبرأ الأمة بحيضة» ، ثم نقل قول إسحاق بن راهويه: بأنه قد صح وليس هذا بمخالف لقول ابن عمر رضي الله عنهما هذا؛ لأن هذه غير عذراء.
غَيرُ ذاتِ حملٍ حتَّى تَحِيضَ»
(1)
، وعن رويفع
(2)
بن ثابتٍ مرفوعًا: «فَلا يَقَعُ على امرأةٍ من السَّبْيِ حتَّى يَستَبْرِئَها بحَيضةٍ» رواه أبو داودَ، وقَولُه:«بحَيضةٍ» لَيسَ بمحفوظ
(3)
، ورواهُ التِّرمذي وغَيرُه، ولَفظُه:«لا يَسْقِ ماءَهُ زَرْعَ غَيرِه» ، وإسْنادُه حَسَنٌ
(4)
، وقال أحمدُ: بَلَغَنِي أنَّ العَذْراءَ تحمل
(5)
، ولأِنَّه يُفْضِي إلى اخْتِلاطِ المِياهِ وفَسادِ الأنْساب.
(وَالاِسْتِمْتَاعُ بِمُبَاشَرَةٍ، وَقُبْلَةٍ)، ونَظَرٍ لِشَهْوةٍ، (حَتَّى يَسْتَبْرِئْهَا)، روايةً واحدةً، قالَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لا يَأمَنُ أنْ تَكونَ حامِلاً مِنْ مالِكِها الأوَّلِ، فتَكونُ أمَّ وَلَدٍ، فيَحصُلُ الاِسْتِمْتاعُ بأمِّ ولدِ غَيرِه، وبهذا
(6)
فارَقَ الحَيضَ.
وعنه: لا يَحرُم إلاَّ بالوطء، ذَكَرَه في «الإرشاد» ، واخْتارَه في «الهَدْي» ، واحتجَّ بجَوازِ الخَلْوة والنَّظر، وأنَّه لا يَعلَمُ في جَوازِ هذا نِزاعًا
(7)
.
(إِلاَّ الْمَسْبِيَّةَ؛ هَلْ لَهُ الاِسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: تَحرُمُ مُباشَرَتُها، والنَّظَرُ إلَيها لِشَهْوةٍ، في ظاهِرِ «الخِرَقِيِّ» ، وقَدَّمَه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، قال في «الشَّرح»: هو الظَّاهِرُ عن أحمدَ؛ لأِنَّه اسْتِبْراءٌ يُحَرِّمُ الوَطْءَ، فحَرَّمَ دواعِيَه؛ كالعِدَّة، وكالمَبِيعة.
(1)
أخرجه أحمد (11228)، وأبو داود (2157)، والبيهقي في الكبرى (10791)، وسبق تخريجه 1/ 398 حاشية (7).
(2)
في (م): نويفع.
(3)
في (م): بمحفوظة.
(4)
سبق تخريجه 8/ 545 حاشية (4)، ولفظ:«حتى يَستبرِئها بحيضة» ، أخرجه أبو داود (2159)، وقال:(«الحيضة» ليست بمحفوظة، وهو وهم من أبي معاوية).
(5)
قوله: (العذراء تحمل) في (م): العذر الحمل. وينظر: مسائل حرب - النكاح، تحقيق فايز حابس 2/ 599.
(6)
في (م): ولهذا.
(7)
ينظر: زاد المعاد 5/ 656.
والثَّانيةُ: لا يَحرُمُ؛ لِفِعْلِ ابنِ عمرَ
(1)
، ولأِنَّه لا يَخْشَى انْفِساخَ ملْكِه لها بحَمْلِها، فلا يَكونُ مُسْتَمْتِعًا إلاَّ بمَمْلوكَةٍ
(2)
.
والأوَّلُ أصحُّ، قالَهُ في «المغْنِي» ، وقال: حديثُ ابنِ عمرَ لا حُجَّةَ فيه؛ لأِنَّه ذَكَرَه على سبيلِ العيب
(3)
على نفسه؛ لقَولِه: «فقُمْتُ إليها فقبَّلْتُها والنَّاسُ يَنظُرونَ» .
فإنْ كانَتْ غَيرُ المسْبِيَّة آيسةً
(4)
، أوْ صغيرةً لا تَحِيضُ؛ فهل له التَّلَذُّذُ بِلَمْسِها وتَقْبِيلِها في زَمانِ الاِسْتِبْراء؟ فِيه رِوايَتانِ.
وإنْ كانَتْ حامِلاً؛ حَرُمَ ذلك في الصَّحيح من المذْهَبِ، وظاهِرُه: أنَّ فيه قَولاً آخَرَ أنَّه يُباحُ.
وعنه: لَا اسْتِبْراءَ لِمَنْ لا تَحِيضُ لِصِغَرٍ، أوْ تأخُّرِ حَيضٍ، أوْ إِيَاسٍ، قالَهُ في «الرِّعاية» .
(سَوَاءٌ مَلَكَهَا مِنْ صَغِيرٍ، أَوْ كَبِيرٍ، أَوْ رَجُلٍ، أَوِ امِرَأَةٍ)، أَوْ مَجْبوبٍ، أوْ من رجلٍ قد اسْتَبْرَأَها ثُمَّ لم يَطَأْها؛ لحديثِ أبي سعيدٍ
(5)
، ولأِنَّه يَجِبُ للملْك المتجدِّدِ، وذلك مَوجُودٌ في كلِّ واحِدٍ منها
(6)
، ولأِنَّه يَجوزُ أنْ تكونَ حامِلاً
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (16656)، والبخاري في التاريخ الكبير (1/ 419)، وحرب الكرماني في مسائله (2/ 756)، وابن المنذر في الأوسط كما في التلخيص (4/ 5)، والخرائطي في اعتلال القلوب (295)، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أيوب اللخمي قال:«وقعت لابن عمر رضي الله عنهما جارية يوم جلولاء في سهمه، كأن في عنقها إبريق فضة، فما ملك نفسه أن جعل يقبلها والناس ينظرون» . إسناده ضعيف؛ لضعف ابن جدعان، وجهالة اللخمي.
(2)
كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 3/ 215: بمملوكته.
(3)
في (م): العتب.
(4)
قوله: (المسبية آيسة) في (م): مسبية.
(5)
تقدم تخريجه 8/ 611 حاشية (1).
(6)
في (م): منهما.
مِنْ غَيرِ البائع؛ فَوجَبَ اسْتِبراؤها؛ كالمسبِيَّة
(1)
من امرأةٍ.
وعَنْهُ: لا يَلزَمُ مالِكًا مِنْ طِفْلٍ، أوِ امرأةٍ؛ كامْرأةٍ على الأصحِّ.
وعَنْهُ: وطِفْل.
وعنه: لا يَلزَمُ في مَسبِيَّةٍ، ذَكَرَه الحُلْوَانيُّ.
وفي «التَّرغيب» وَجْهٌ: لا يَلزَمُ في إرْثٍ.
وخالَفَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في بِكْرٍ كَبِيرةٍ، أوْ آيِسةٍ
(2)
.
(وَإِنْ أَعْتَقَهَا قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا؛ لَمْ يَحِلَّ لَهُ نِكَاحُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا)، فلو خالَفَ وفَعَلَ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ النِّكاحَ يُرادُ للوطء، وذلك حرامٌ.
وقال الحَنَفِيَّةُ: له ذلك، ويُرْوَى أنَّ الرَّشيدَ اشْتَرَى جاريةً، فأفْتاهُ أبو يوسفَ بذلك؛ أي: يُعتِقُها، ويَتزَوَّجُها، ويَطؤُها
(3)
.
قال الإمامُ أحمدُ: ما أعْظَمَ هذا!! أبْطَلُوا الكتابَ والسُّنَّةَ، فإنْ كانَتْ حامِلاً كيف يَصْنَعُ؟ وهذا لا يَدْرِي أهِيَ حامِلٌ أمْ لا! ما أسْمَجَ هذا
(4)
!.
وعنه: يَصِحُّ، ولا يَطَأُ؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وعنه: يَتزَوَّجُها إنْ كان بائعُها اسْتَبْرأَ ولم يَطَأْ، صحَّحه في «المحرَّر» وغيره.
(وَلَهَا نِكَاحُ غَيْرِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَائِعُهَا يَطَؤُهَا)؛ لأِنَّها حُرَّةٌ لم تكُنْ فِراشًا، فكان لها نكاحُ غَيرِ مُعتِقها؛ كما لو أعْتَقَها مالِكُها، وعبَّرَ المؤلِّفُ بالبائع؛ لأِنَّ البَيعَ أغْلَبُ من غيرِه.
وظاهِرُه: أنَّه لَيس لها ذلك إنْ كان البائعُ يَطَؤُها؛ لِمَا فيه من اخْتِلاطِ
(1)
في (م): كالسبية.
(2)
ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 70، الاختيارات ص 407.
(3)
ينظر: تاريخ بغداد 16/ 359، الدر المختار وحاشية ابن عابدين 7/ 378.
(4)
ينظر: المغني 8/ 147.
المياه واشتَباهِ الأنْساب، والتَّمكينِ مِنْ وَطْءِ امْرأةٍ لا يَعلَمُ براءةَ رَحِمِها.
والفَرْقُ بَينَ الموطوءة وغيرِها: أنَّ الموطُوءةَ فِراشٌ، فلم يَحِلَّ وَطْؤُها حتَّى يَعلَمَ بَراءةَ رَحِمها
(1)
؛ كزوجةِ الغَيرِ، وغَيرَ الموطوءة فإنَّها لَيستْ فِراشًا، فلم يَتوقَّفْ على ذلك.
وبَينَ المشْتَرِي وغَيرِه: أنَّ المشْتَرِيَ لا يَحِلُّ له وَطْؤها بملْكِ اليمين، فكذا النِّكاحُ؛ لأِنَّه يُتَّخَذُ حِيلةً لِإبْطالِ الاِسْتِبْراءِ، والحِيَلُ كلُّها خدعٌ
(2)
باطِلَةٌ.
(وَالصَّغِيرَةُ التِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا، هَلْ يَجِبُ اسْتِبْرَاؤُهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَ الخِلافَ في «المحرَّر» و «الفروع» ، وحَكَياهُ رِوايتَينِ:
إحداهما: يَجِبُ، وهو ظاهِرُ كلامه في أكْثَرِ الرِّواياتِ عنه، فإنَّه قال: تُسْتَبْرَأُ وإنْ كانَتْ في المَهْدِ
(3)
، وتحرم
(4)
مُباشَرَتُها كالكبيرة؛ لأِنَّ الاِسْتِبراءَ يَجِبُ عليها بالعِدَّة، كذلك هذا.
والثَّانيةُ: لا يَجِبُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، واخْتارَه ابنُ أبي مُوسَى؛ لأنَّ
(5)
سببَ الإباحة مُتحَقِّقٌ، ولَيسَ على تحريمها دليلٌ، فإنَّه لا نَصَّ فيه، ولا هو في مَعْنَى المنصوص، ولا يُرادُ لِبَراءَةِ الرَّحِم، ولا يُوجَدُ الشُّغْلُ في حقِّها.
(وَإِنِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ)؛ لم يَلزَمْه اسْتِبْراءٌ؛ لأِنَّها فِراشٌ له، لكِنْ يُسْتَحَبُّ ذلك؛ لِيَعلَمَ هذا الولدَ من النِّكاح؛ لِيَكونَ عليه وَلاؤه؛ لأِنَّه عَتَقَ بملْكه، ولا تَصِيرُ به أمَّ ولدٍ.
(1)
قوله: (والفرق بين الموطوءة وغيرها أن
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (ظ): خداع.
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 230.
(4)
في (م): ويحرم.
(5)
في (م): لأنه.
وأوْجَبَه بعضُ أصحابنا؛ لِتَجدُّدِ الملْك، قاله في «الرَّوضة» ، قال: ومتى وَلَدَتْ لستَّةِ أشْهُرٍ فأكثرَ؛ فأمُّ ولدٍ، ولو أنْكَرَ الولدَ بَعْدَ أنْ يُقِرَّ بِوَطْئِها، لا لأِقلَّ منها، ولا مع دَعْوَى اسْتِبراءٍ.
وكذا لو اشْتَرَى مطلَّقتَه
(1)
دُونَ الثَّلاث؛ لم يَجِبْ، وله وَطْؤُها، وقِيلَ: يُكرَهُ.
(أَوْ عَجَزْتْ مُكَاتَبَتُهُ
(2)
؛ حلَّت لِسيِّدِها بغَيرِ اسْتِبراءٍ؛ لأِنَّه لم يَزُلْ ملْكُه.
(أَوْ فَكَّ أَمَتَهُ مِنَ الرَّهْنِ)؛ حلَّت بغَيرِ خلافٍ
(3)
؛ لأِنَّ الاِسْتَبْراءَ إنَّما شُرِعَ لِمَعْنَى مَظنَّةِ تجديدِ الملْكِ، فلا يُشرَعُ مع تَخلُّفِ المظنَّةِ والمعْنَى.
(أَوْ أَسْلَمَتِ الْمَجُوسِيَّةُ، أوْ الْمُرْتَدَّةُ، أوْ الْوَثَنِيَّةُ
(4)
الَّتِي حَاضَتْ عِنْدَهُ)؛ فإنَّها تَحِلُّ، وهذا هو الأصحُّ؛ لأِنَّ الملْكَ لم يَتجَدَّدْ بالإسلام، ولا أصابَ واحِدَةً منهنَّ وَطءُ غَيرِه، فلم يَلزَمْه اسْتِبْراءٌ، أشْبَهَ ما لو حلَّت المحْرِمَةُ مِنْ إمائه.
والآخَرُ: لا تَحِلُّ له
(5)
حتَّى يُجدِّدَ اسْتِبْراءَها بَعْدَ إسْلامِها؛ لأِنَّ ملْكَه تَجدَّدَ على اسْتِمْتاعِها، أشْبَهَ ما لو تجدَّد ملْكُه على رَقَبَتِها.
وجوابُه: أنَّ الاِسْتِبْراءَ إنَّما وَجَبَ كَيْ لا يُفْضِيَ إلى اخْتِلاطِ المِياه واشْتِباهِ الأنْساب، ومَظنَّة ذلك تجديدُ الملك على رَقَبَتِها، ولم يُوجَدْ.
أمَّا إذا ملكهُنَّ
(6)
قبلَ الاِسْتِبْراء؛ لم تحلَّ
(7)
له واحدةٌ مِنهُنَّ حتَّى
(1)
في (م): مطلقة.
(2)
في (ظ): بياض. وفي (م): (مكاتبة)، والذي في متن المقنع كما في النسخ الخطية: مكاتبته.
(3)
ينظر: الشرح الكبير 24/ 181.
(4)
في (م): والمرتدة والوثنية.
(5)
قوله: (له) سقط من (م).
(6)
في (م): ملكها.
(7)
في (م): لم يحل.
يَستَبْرِئَها، أوْ تُتِمَّ ما بَقِيَ مِنْ اسْتِبْرائها.
ومَفْهومُ كلامِه: أنَّ مَنْ ذَكَرَ إذا لم يَحِضْنَ عِندَه؛ أنَّه لا يَجوزُ للمُشْتَرِي الوطءُ قبلَ الاِسْتِبْراء، وصرَّح به في «المغْنِي» وغَيره؛ لِدُخُوله في عُموم الأخبار، ولأنَّ
(1)
ذلك تجديدُ ملْكٍ لم يَحصُلْ فيه اسْتِبْراءٌ، فلم يحلَّ
(2)
الوطءُ قَبلَه؛ كالمسِلْمة.
(أَوْ كَانَ
(3)
هُوَ المُرْتَدَّ فَأَسْلَمَ)، فهِيَ حَلالٌ بغَيرِ اسْتِبْراءٍ؛ لأِنَّ إسْلامَه لم يَتجدَّدْ له به ملْكٌ، أشْبَهَ إسْلامَ المرتدَّة
(4)
.
(أَوِ اشْتَرَى مُكَاتَبُهُ ذَوَاتِ رَحِمِهِ، فَحِضْنَ عِنْدَهُ، ثُمَّ عَجَزَ
(5)
؛ حلَّتْ للسَّيِّد بغَيرِ اسْتِبْراءٍ، ذَكَرَه أصْحابُنا؛ لأِنَّه يَصِيرُ حُكْمُها حُكْمَ المكاتَب؛ إنْ رَقَّ رَقَّتْ، وإنْ عَتَقَ عَتَقَتْ، والمُكاتَبُ عبدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ.
وفي
(6)
وَجْهٍ: يَجِبُ الاِسْتِبْراءُ، صحَّحه في «المحرَّر» ؛ للعُموم.
وظاهِرُه: أنَّ المُكاتَبَ إذا اشْتَرَى غَيرَ مَحارِمِه، ثُمَّ عَجَزَ؛ لا تَحِلُّ له بغَيرِ اسْتِبْراءٍ، وصرَّح به
(7)
في «الكافي» وغَيره؛ لأِنَّه لَيسَ للسَّيِّد ملْكٌ على ما في يَدِ مُكاتَبِه، ولأِنَّه تجدَّدَ له ملْكٌ.
(أَوِ اشْتَرَى عَبْدُهُ التَّاجِرُ أَمَةً فَاسْتَبْرأهَا
(8)
، ثُمَّ أَخَذَهَا سَيِّدُهُ)؛ أيْ: بَعْدَ اسْتِبْرائها؛ (حَلَّتْ مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ)؛ لأِنَّ ملْكَه ثابِتٌ على ما في يَدِ عَبْدِهِ.
(1)
في (م): لأن.
(2)
في (م): فلم يحصل.
(3)
قوله: (كان) سقط من (م).
(4)
في (م): المرتد.
(5)
في (م): عجزن.
(6)
في (م): وفيه.
(7)
قوله: (به) سقط من (م).
(8)
في (م): فاشْتَراها.
وقِيلَ: إنْ كانَ عليه دَينٌ؛ قَضاهُ سيِّدُه، ثُمَّ استبرأها
(1)
لِنَفْسِه.
(وَإِنْ وُجِدَ الاِسْتِبْرَاءُ فِي يَدِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ أَجْزَأَ) في أظْهَرِ الوَجْهَينِ؛ لأِنَّ الملْكَ يَنتَقِلُ به.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يُجْزِئَ)؛ لأِنَّ القَصْدَ مَعرفةُ بَراءةِ رَحِمِها مِنْ ماءِ البائع، ولا يحصل
(2)
ذلك مع كونِها في يَدِه.
وعنه: لا يُجزِئُ إلاَّ في المَوروثةِ.
ويَكْفِي قَبْضُ الوكيل على الأصحِّ، فلو مَلَكَ بعضَها، ثُمَّ مَلَكَ باقِيَها؛ لم يَحتَسِبْ إلاَّ مِنْ حِينَ مَلَكَ باقِيَها.
فإنْ مَلَكَها بِبَيعِ خِيارٍ؛ فَهَلْ يُجزِئُ اسْتِبراؤها إذا قُلْنا يُنقَلُ
(3)
المِلك؟ على وَجْهَينِ
(4)
.
وإنْ كانَ المَبِيعُ مَعِيبًا؛ فابْتِداؤه مِنْ حِين البَيعِ؛ لأِنَّ العَيبَ لا يَمنَعُ نَقْلَ الملْكِ بغَيرِ خِلافٍ
(5)
.
(وَإِنْ بَاعَ أَمَتَهُ، ثُمَّ عَادَتْ إِلَيْهِ بِفَسْخٍ أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ القَبْضِ
(6)
؛ وَجَبَ اسْتِبْرَاؤُهَا)؛ أيْ: حَيثُ انْتَقَلَ الملْكُ؛ لأِنَّه تجديدُ ملْكٍ، سَواءٌ كان المشْتَرِي لها رجلاً أو امرأةً.
(وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
قال ابنُ هُبَيرةَ: أظْهَرُهما: أنَّه يَجِبُ؛ لأِنَّه تجديدُ ملْكٍ.
(1)
في (م): اشتراها.
(2)
في (م): ولا يحل.
(3)
في (م): ينتقل.
(4)
في (م): الوجهين.
(5)
ينظر: المغني 8/ 150.
(6)
قوله: (بعد القبض) سقط من (م).
والثَّانيةُ: لا، وهي قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّه لا فائدةَ في الاِسْتِبْراء مع يقينِ البراءة، وكما لو اشْتَراها منه امرأةٌ.
ولو فُسِخَ كخِيارِ شرطٍ، وقُلْنا: يُمنَعُ نقلُ الملك؛ لم يَلْزَمْه اسْتِبْراءٌ، وإنْ قُبِضَت منه، قاله في «المحرَّر» .
ويَكفِي اسْتِبراءُ مَنْ مَلَكَ بشراءٍ ووصية
(1)
وغنيمةٍ وغيرِها قبلَ قَبْضٍ.
(وَإِنِ اشْتَرَى أَمَةً مُزَوَّجَةً فَطَلَّقَهَا
(2)
الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لَزِمَ
(3)
اسْتِبْرَاؤُهَا)، نَصَّ عليه
(4)
، وقال: هذه حيلةٌ وَضَعَها بَعضُهم؛ لأِنَّه تجديدُ ملْكٍ؛ كما
(5)
لو لم تَكُنْ مُزَوَّجةً، ولأِنَّ إسْقاطَه هنا ذريعةٌ إلى إسْقاطِه في حقِّ مَنْ أرادَ إسقاطه
(6)
بأنْ تزوَّجها
(7)
عندَ بَيعِها، ثُمَّ يُطلِّقُها زَوجُها بعدَ تمامِ البيع، والحِيلُ حرامٌ.
وكذا لو اشْتَرَى مُطلَّقةً قبلَ الدُّخول.
وإنْ طلِّقَتْ بعدَ الدُّخول، أوْ ماتَ زَوجُها قبلَه أوْ بعدَه، أو اشْتَرَى مُعتدَّةً؛ ففي وُجوبِ الاِسْتِبْراء بعدَ العِدَّة وَجْهانِ:
أحدهما: لا تَجِبُ؛ لأِنَّ براءَتَها قد عُلِمَتْ بها.
والثَّاني: بَلَى؛ كالعِدَّتَينِ من رَجُلَينِ.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ؛ لَمْ يَجِبْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، صحَّحه ابنُ المنَجَّى، وهو
(1)
في (م): أو وصية.
(2)
في (م): وطلقها.
(3)
في (م): لزمه.
(4)
ينظر: مسائل أبي داود ص 234.
(5)
في (م): وكما.
(6)
قوله: (في حق من أراد إسقاطه) سقط من (م).
(7)
في (م): تزويجها.
ظاهِرُ «الوجيز» ؛ لأِنَّ الاِسْتِبْراءَ لِبَراءةِ رَحِمِها، وذلك حاصِلٌ بالعدَّة؛ كما
(1)
لو عَتَقَتْ.
والثَّاني: يَجِبُ؛ لِمَا سَبَقَ.
فرع: إذا زوَّج أَمَتَه فطُلِّقَتْ؛ لم يَلزَمْه اسْتِبْراءٌ إلاَّ إنْ كان دَخَلَ بها، أوْ ماتَ، فإنَّها تَعتَدُّ.
(الثَّانِي: إِذَا وَطِئَ أَمَتَهُ، ثُمَّ أَرَادَ تَزْوِيجَهَا؛ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا)، وَجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ الزَّوجَ لا يَلزَمُه اسْتِبْراءٌ، فيُفْضِي إلى اخْتِلاطِ المياه واشْتِباهِ الأَنْسابِ.
وعنه: يَصِحُّ بِدُونِه، ولا يَطَأُ الزَّوجُ قَبْلَه، نَقَلَه الأَثْرَمُ وغَيرُه
(2)
.
وجَوابُه: أنَّها فِراشٌ لِسيِّدها، فلَمْ يَجُزْ أنْ تنتقل
(3)
إلى فِراشِ غَيرِه بغَيرِ استِبْراءٍ؛ كما لَوْ مَاتَ عنها.
(وَإِنْ أَرَادَ بَيْعَهَا) ونحوَه؛ (فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «الفروع»:
إحْداهما: يَجِبُ، صحَّحَها في «الشَّرح» فِيما إذا كانَتْ تَحمِلُ؛ لأِنَّ عمرَ أنْكَرَ على عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ؛ باعَ جارِيةً له كان
(4)
يَطَؤُها قبلَ اسْتِبْرائها
(5)
، ولأِنَّه يَجِبُ على المشْتَرِي لِحِفْظ مائه، فكذلك
(6)
البائعُ، ولأِنَّه قَبْلَ الاِسْتِبْراء مَشْكوكٌ في صحَّةِ البيع وجَوازِه؛ لاِحْتِمالِ أنْ تكونَ أمَّ وَلَدٍ،
(1)
في (م): وكما.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 272.
(3)
في (ظ): ينتقل.
(4)
قوله: (له كان) في (م): وكان.
(5)
أخرجه ابن أبي شيبة (16657)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (21264)، عن عبد الله بن عبيد بن عمير به. رجاله ثقات، لكن عبد الله بن عبيد لم يدرك ابن عوف، وأشار الذهبي إلى انقطاعه في المهذب 8/ 4287.
(6)
في (م): وكذلك.
وحِينَئِذٍ يَجِبُ الاِسْتِبْراءُ؛ لِإزالةِ الاِحْتِمالِ.
فعلى هذا: في صحَّةِ البيع رِوايَتانِ، جَزَمَ في «الشَّرح» بصحَّتِه في الظَّاهِر؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ الحَمْل.
والثَّانيةُ: لا يجب
(1)
، قدَّمها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وهي قَولُ الأكْثَرِ؛ لأِنَّه يَجِبُ على المشْتَرِي، فأغْنَى عن اسْتِبْراءِ البائع.
قال في «المغْنِي» : وذَكَرَ أصحابُنا الرِّوايَتَينِ في كلِّ أَمَةٍ يَطَؤها، مِنْ غَيرِ تفريقٍ بَينَ الآيِسة وغَيرِها، والْأَوْلَى أنَّه لا يَجِبُ في الآيِسة؛ لأِنَّ عِلَّةَ الوُجوب احْتِمالُ الحَمْل، وهو بعيدٌ، والأصْلُ عَدَمُه، فلا يثْبتُ به حكمٌ بمجرَّده.
والثَّالِثةُ: يَلزَمُه ولو لم يَطَأْ، ذكرها
(2)
أبو بكرٍ في «مقنعه» واختارها.
ونقَلَ حنبلٌ: فإنْ كانَتِ البائعةُ امرأةً، قال: لا بُدَّ أنْ يَسْتَبْرئَها، وما يُؤمِنُ أنْ تكونَ قد جاءتْ بحَمْلٍ، وهو ظاهر
(3)
ما نَقَلَه جماعةٌ
(4)
.
(وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا؛ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِبْرَاؤُهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ)؛ لأِنَّه قد حَصَلَ يَقينُ براءتها منه.
(الثَّالِثُ: إِذَا أَعْتَقَ أُمَّ وَلَدِهِ، أَوْ أَمَةً كَانَ يُصِيبُهَا، أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لَزِمَهَا اسْتِبْرَاءُ نَفْسِهَا)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدةٍ منهما مَوطُوءةٌ وَطْئًا له حُرْمةٌ، فَلَزِمَها اسْتِعْلَامُ براءةِ رَحِمِها؛ كالمَوطوءةِ بشُبْهةٍ، (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مُزَوَّجَةً، أَوْ مُعْتَدَّةً)، أوْ فَرَغَتْ عِدَّتُها مِنْ زَوجها؛ فأعْتَقَها وأراد تزويجَها قبلَ وَطْئِها؛ (فَلَا يَلْزَمُهَا اسْتِبْرَاءٌ)؛ لأِنَّه زالَ فِراشُه عنها قَبْلَ وُجوبِ الاِسْتِبْراءِ؛ كما لو طلَّق امرأتَه قَبْلَ دخوله بها.
(1)
في (ظ): لا تجب.
(2)
في (م): ذكره.
(3)
قوله: (ظاهر) سقط من (م).
(4)
ينظر: الفروع 9/ 273.
وكذا لو أراد تزويجها
(1)
، أو اسْتَبْرَأَ بَعْدَ وَطْئِه، ثُمَّ أعْتَقَها، أوْ باعَها فأعْتَقَها مُشْتَرٍ قَبْلَ وَطْئِها.
فإنْ بانَتْ من الزَّوج قَبْلَ الدُّخول بطَلاقٍ، أوْ بانَتْ بمَوتِ زَوجِها، أوْ طلاقِه بعدَ الدُّخول فأتمَّتْ عِدَّتَها، ثُمَّ ماتَ سيِّدُها؛ لَزِمَها الاِسْتِبْراءُ؛ لأِنَّها عادَتْ إلى فِراشِه.
ونَقَلَ ابنُ القاسِمِ، وسِنْدِيٌّ: أنَّه لا اسْتِبْراءَ إنْ لم يَطَأْ؛ لزَوالِ فِراشِه بتزويجها
(2)
.
(وَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا، وَلَمْ يُعْلَمِ السَّابِقُ مِنْهُمَا)، أوْ عُلِمَ ثُمَّ نُسِيَ، (وَبَيْنَ مَوْتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ شَهْرَيْنِ وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ؛ لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الآْخِرِ مِنْهُمَا عِدَّةُ الْحُرَّةِ مِنَ الْوَفَاةِ حَسْبُ)؛ لأِنَّ السَّيِّدَ إنْ كان ماتَ أوَّلاً؛ فقد ماتَ وهي زَوجةٌ، وإنْ كان مات آخرًا
(3)
؛ فقد ماتَ وهي مُعتدَّةٌ، ولا اسْتِبْراءَ عَلَيها على التقديرين
(4)
.
وفي «الواضح» : تَعتَدُّ بأربعةِ أشْهُرٍ وعَشَرَةِ أيَّامٍ فِيها حَيضَةٌ في ظاهِرِ المذهب؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يكونَ السَّيِّدُ ماتِ أوَّلاً؛ فَيَجِبُ عليها عِدَّةُ حرَّةٍ، ويَحتَمِلُ أنْ يكونَ الزَّوجُ أسْبَقَ؛ فَيَجِبُ عليها حَيضةٌ، فجَمَعْنا بَينَهما احْتِياطًا، وعلى الرِّواية بأنَّ أمَّ الولَدِ تَعتَدُّ بثَلاثِ حِيَضٍ؛ هنا مِثلُه.
وقَولُ المؤلِّف: (بَعْدَ مَوتِ الآخِرِ) مَعْناهُ: أنَّ عدَّةَ الوفاة يَجِبُ أنْ يكونَ ابتداؤها بَعْدَ مَوتِ الآخِرِ مَوتًا؛ لأِنَّها لا تَعلَمُ خروجَها من عهدة
(5)
العِدَّة
(1)
في (ظ): تزوجها.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 274.
(3)
قوله: (آخرًا) سقط من (م).
(4)
في (م): التقدير.
(5)
قوله: (عهدة) سقط من (م).
بيقينٍ إلاَّ بذلك؛ لأِنَّ الزَّوجَ إنْ كانَ الميِّتَ آخِرًا؛ فالعِدَّةُ واجِبَةٌ من ذلك الوَقْتِ، فالخُروجُ عن العُهْدة بيَقِينٍ لا تحصل
(1)
إلاَّ بالاِعْتِداد مِنْ مَوتِ الآخِرِ.
(وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، أَوْ جُهِلَتِ الْمَدَّةُ؛ لَزِمَهَا بَعْدَ مَوْتِ الآْخِرِ مِنْهُمَا أَطْوَلُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ أَوِ الاِسْتِبْرَاءِ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنَّ الزَّوجَ ماتَ آخِرًا؛ فعليها عدَّةُ الحُرَّة، ويحتمل
(2)
أنَّ السَّيِّدَ ماَتَ آخرًا
(3)
؛ فَعَلَيها الاِسْتِبْراءُ بحَيضةٍ، فَوَجَبَ الجَمْعُ بَينَهما؛ لِيَسقُطَ الفَرْضُ بيَقينٍ، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: على هذا جميعُ القائِلينَ بأنَّ عدَّةَ أمِّ الوَلَدِ مِنْ سيِّدها حَيضةٌ، ومِن زَوْجِها شَهْرانِ وخمسةُ أيَّامٍ
(4)
.
وعنه: تَعتَدُّ أمُّ ولدٍ بموت
(5)
سيِّدها لِوفاةٍ؛ كحرة
(6)
.
وعَنهُ: كأَمَةٍ.
وإنِ ادَّعت مَوْروثةٌ تحريمَها على وارِثٍ بوَطءِ مورُوثِهِ
(7)
؛ ففي تَصدِيقِها وَجْهانِ.
فرعٌ: لا تَرِثُ من الزوج
(8)
؛ لأِنَّه الأصلُ، فلا ترث
(9)
مع الشَّكِّ، وإيجابُ العدة
(10)
اسْتِظْهارًا،
(1)
في (م): لا يحصل.
(2)
قوله: (أن الزوج مات آخرًا
…
) إلى هنا سقط من (م).
(3)
قوله: (آخرًا) سقط من (م).
(4)
ينظر: التمهيد 20/ 34.
(5)
في (م): لموت.
(6)
في (م): الحرة.
(7)
قوله: (تحريمها على وارث بوطء موروثه) سقط من (م).
(8)
في (م): لا يرث الزوج منها.
(9)
في (م): فلا يرث.
(10)
قوله: (وإيجاب العدة) في (م): والعدة.
لا
(1)
ضَرَرَ فيه على غيرِها، بخِلافِ الإرث.
(وَإِنِ اشْتَرَكَ رَجُلَانِ فِي وَطْءِ أَمَةٍ؛ لَزِمَهَا اسْتِبْرَاآنِ) في الأصحِّ؛ لأِنَّ الاستبراء منهما حَقَّانِ مقصودان
(2)
لآِدَمِيَّيْنِ، فلم يَدخُلْ أحدُهما في الآخَرِ؛ كالعِدَّتَينِ.
واخْتارَ ابنُ حَمْدانَ: اسْتِبْراءٌ واحدٌ؛ لأِنَّ القَصْدَ به معرفةُ براءةِ الرَّحم، وصرَّح
(3)
به في «الشَّرح» ، فقال
(4)
: إذا كانَت الأَمَةُ لِرَجُلَينِ فَوِطئاها، ثُمَّ باعاها
(5)
لآِخَرَ؛ أَجْزَأَ اسْتِبْراءٌ واحِدٌ؛ لأِنَّه تَحصُلُ
(6)
به براءةُ الرَّحِم، فلو أعْتَقاها لَزِمَها استبراءان؛ لأِنَّ وجوبَه في حقِّ المعتدَّة مُعلَّلٌ بالوطء، وقد وُجِدَ من اثْنَينِ، وفي مسألتنا مُعلَّلٌ بتجديدِ الملْك، والملْكُ واحِدٌ.
(1)
في (م): ولا.
(2)
قوله: (مقصودان) سقط من (م).
(3)
في (م): صرح.
(4)
قوله: (فقال) سقط من (م).
(5)
في (م): باعها.
(6)
في (م): يحصل.
(فَصْلٌ)
(وَالاِسْتِبْرَاءُ يَحْصُلُ بِوَضْعِ الْحَمْلِ إِنْ كَانَتْ حَامِلاً)؛ للآية، والخبرِ
(1)
، والمعْنَى.
(أَوْ بِحَيْضَةٍ إِنْ كَانَتْ مَمَّنْ يَحِيضُ)، لا بِبَقِيَّتِها، وفي لفظٍ:«حتَّى تُستَبْرَأَ بِحَيضةٍ»
(2)
.
وتُصدَّقُ في حَيضٍ، فلو أنْكَرَتْه، فقال: أخْبَرْتِنِي به؛ فوجْهانِ.
وَوَطْؤُه في مُدَّةِ الاِسْتِبْراءِ حرامٌ، ولا يَقطَعُه، وإنْ أحْبَلَها فيه اسْتُبْرِئَتْ بِوَضْعه، وإنْ أَحْبَلَها في الحَيضة؛ حلَّت في الحال؛ لأِنَّ ما مَضَى حَيضة.
(أَوْ بِمُضِيِّ شَهْرٍ إِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ آيِسَةً)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الشَّهرَ أُقيم
(3)
مُقام
(4)
الحَيضة في عِدَّةِ الحُرَّة والأَمَة، وكذا بالِغةٌ لم تَحِضْ، فإنْ حاضَتْ فيه؛ اعْتَدَّتْ بِحَيضةٍ.
(وَعَنْهُ: بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ)، نَقَلَها الجماعةُ
(5)
، (اخْتَارَهُ الخِرَقِيُّ) وابنُ عَقِيلٍ، قال في «الكافي»: وهي
(6)
أظْهَرُ، وقال ابنُ حَمْدانَ: وهي أَوْلَى، قال أحمدُ
(7)
: وإنَّما قُلْنَا: بثلاثةِ أشْهُرٍ من أجل الحَمْل، فإنَّ عمرَ بنَ عبد العزيز
(1)
تقدم تخريجه 1/ 398 حاشية (8).
(2)
تقدم تخريجه 8/ 611 حاشية (4)، ولفظ:«حتى يَستبرِئها بحيضة» ، أخرجه أبو داود (2159)، وقال:(«الحيضة» ليست بمحفوظة، وهو وهم من أبي معاوية).
(3)
في (م): الأشهر أقيمت.
(4)
زيد في (م): حد.
(5)
ينظر: مسائل عبد الله ص 347، مسائل ابن منصور 4/ 1651، مسائل صالح 3/ 21، مسائل أبي داود ص 233.
(6)
في (م): وهو.
(7)
ينظر: المغني 8/ 142.
سأل عن ذلك جَمْعًا من أهل العِلْم والقَوابِل فأخْبَرُوهُ أنَّ الحَمْلَ لا يتبين
(1)
في أقلَّ مِنْ ثلاثةِ أشْهُرٍ، فأمَّا شَهْرٌ؛ فلا معنى
(2)
له، ولا نَعلَمُ به قائلاً.
وعنه: بشَهْرَينِ
وعنه: بشهرٍ ونِصفٍ؛ كالأَمَة المطلَّقة.
(وَإِنِ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا لَا تَدْرِي مَا رَفَعَهُ، فَبِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ، نَصَّ عَلَيْهِ
(3)
؛ لأِنَّ مدَّةَ التَّربُّص تِسعةُ أشْهُرٍ، والشَّهرُ العاشِرُ بدل الحَيضة.
وقِيلَ: ونِصفٌ.
وقِيلَ: بأَحَدَ عَشَرَ شَهْرًا.
وعنه: بسنة
(4)
؛ كالآيِسة.
والفَرْقُ: أنَّ اعْتِبارَ تكرارِها في الآيِسة؛ لِتُعلَمَ براءتُها منه بمُضِيِّ غالِبِ مُدَّته، فجَعَلَ أحمدُ الشَّهرَ مَكانَ الحَيضة على وَفْقِ القياس
(5)
.
وظاهِرُه: أنَّها إذا عَلِمَتْ ما رَفَعَه؛ فإنَّها تَعتَدُّ كحُرَّةٍ.
(وَعَنْهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إِذَا مَاتَ سَيِّدُهَا: اعْتَدَّتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا)، وقاله الثَّورِيُّ، وإسْحاقُ، ورَوَى أبو داودَ، وابنُ ماجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، والبَيهَقِيُّ، عن
(6)
قَبيصةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، عن عَمْرِو بنِ العاص، قال: «لا تُفْسِدُوا عَلَينا سُنَّةَ نَبِيِّنا صلى الله عليه وسلم، عِدَّةُ أمِّ الولد إذا تُوُفِّيَ عنها سيدها
(7)
: أربعةُ أشْهُرٍ وعَشْرٌ
(8)
»، قال
(1)
في (م): لا يتيقن.
(2)
في (م): مضي.
(3)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 448.
(4)
في (م): بستة.
(5)
قوله: (والفرق أن اعتبار تكرارها في الآيسة
…
) إلى هنا سقط من (م).
(6)
في (م): من.
(7)
في (م): سيد.
(8)
قوله: (وعشر) سقط من (ظ).
الدَّارَقُطْنِيُّ: الصَّوابُ أنَّه مَوقُوفٌ، وهو مُرسَلٌ؛ لأنَّ
(1)
قَبيصةَ لم يَسمَعْ من عمرو
(2)
، «ومارِيَّةُ اعْتَدَّتْ بَعْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم بثَلاثِ حِيَضٍ» رواه البَيهَقِيُّ، وقال: هو مُنقَطِعٌ
(3)
.
(وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ)؛ أيْ: تُستبرَأُ بحَيضةٍ، رواهُ مالِكٌ، عن نافِعٍ، عن ابنِ عمرَ
(4)
، وقال: ذلك الأمرُ عِندَنا، وقال ابنُ المنذِر:(ضَعَّفَ أحمدُ وأبو عُبَيدٍ حديثَ عمرو)
(5)
، ولأِنَّ
(6)
الغَرَضَ براءةُ رَحِمِها، وهو
(7)
يَحصُلُ بحَيضةٍ.
وعَنْهُ: بشَهْرَينِ وخمسةِ أيَّامٍ، قال المؤلِّفُ: ولا أظنها صحيحةً، ورُوِيَ ذلك عن عَطاءٍ وطاوُس وقتادة؛ كما لو مَاتَ عن زَوجته الأَمَةِ، ثُمَّ عَتَقَتْ بعدَ مَوتِه.
(1)
ي (م): لا.
(2)
في (م): عمر.
والحديث أخرجه أحمد (17803)، وأبو داود (2308)، وابن ماجه (2083)، وابن الجارود (769)، وابن حبان (4300)، والدارقطني (3836)، والبيهقي في الكبرى (15580)، وضعفه أحمد وقال:(حديث منكر)، وأعله الدارقطني بالوقف والانقطاع، وأعله ابن القيم بالاضطراب في متنه، وصححه ابن الجارود وابن حبان والألباني. ينظر: العلل ومعرفة الرجال (2656)، زاد المعاد 5/ 641، صحيح أبي داود 7/ 76.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15584)، وقال:(منقطع وسويد بن عبد العزيز ضعيف).
(4)
أخرجه مالك (2/ 593)، وعنه الشافعي في الأم (5/ 223)، والبيهقي في الكبرى (15576)، وإسناده صحيح، وروي عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما من وجوه أخرى عند عبد الرزاق (12870)، وسعيد بن منصور (1288)، وأحمد في مسائل صالح (2/ 78)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة (3/ 7).
(5)
في (م): عمر. وينطر: الإشراف 5/ 362.
(6)
في (م): لأن.
(7)
في (م): وهل.
وجَوابُه: أنَّه
(1)
اسْتِبْراءٌ لزوال الملْكِ عن الرَّقَبة، فكانَتْ حَيضةً في حقِّ مَنْ تَحيضُ؛ كسائر اسْتِبْراءِ المعْتَقاتِ والمَمْلوكات، وإنَّما لم يُعتَبَر استبراء الزَّوجة؛ لأِنَّ له نَفْيَ الوَلَد باللِّعان، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ عن أبي
(2)
بكرٍ الشَّاشيِّ
(3)
.
مسألة: إذا اشْتَرَى جاريةً، فظَهَرَ بها حَمْلٌ؛ لم يخل
(4)
من خمسةِ أحْوالٍ:
(1)
أنْ يكونَ البائعُ أقرَّ بِوَطْئِها عِنْدَ البَيع أوْ قَبْلَه، وأتَتْ به لِدُونِ ستَّةِ أشْهُرٍ، أوْ يكونَ البائعُ ادَّعاهُ وصدَّقَه المشْتَرِي؛ فهو ولدُ البائع، والبَيعُ باطِلٌ.
(2)
أنْ يكونَ كلُّ واحِدٍ منهما اسْتَبْرَأَها، وأتَتْ به لأِكْثَرَ مِنْ ستَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِينَ وَطِئَها المشْتَرِي؛ فالولدُ للمشتري
(5)
، وهي أمُّ وَلَدِه.
(3)
أنْ تأتيَ به لأِكْثَرَ مِنْ ستَّةِ أشْهُرٍ بَعْدَ اسْتِبْراءِ أحدهما، ولأِقلَّ من ستَّةِ أشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَها المشتري
(6)
؛ فلا يلحق
(7)
واحدًا منهما، وتكون
(8)
ملْكًا للمُشْتَرِي، ولا يَملِكُ فَسْخَ البَيع؛ لأِنَّ الحَمْلَ تجدَّدَ في ملْكِه ظاهِرًا.
(4)
أنْ تأتيَ به بَعْدَ ستَّةِ أشْهُرٍ مُنْذُ وَطِئَها المشْتَرِي قَبْلَ اسْتِبرائها؛ فنَسَبُه
(1)
في (ظ): أن.
(2)
قوله: (عن أبي) في (م): وأبي.
(3)
هو: أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الأصل الفارقي المولد، المعروف بالمستظهري، فخر الإسلام، الفقيه الشافعي، من مصنفاته: الحلية في اختلاف العلماء، وهو الكتاب الملقب بالمستظهري؛ لأنه صنفه للخليفة المستظهر بالله، مات سنة 507 هـ. ينظر: وفيات الأعيان 4/ 219.
(4)
في (م): لم تخل.
(5)
قوله: (فالولد للمشتري) سقط من (م).
(6)
قوله: (المشتري) سقط من (م).
(7)
زيد في (م): به.
(8)
في (ظ): ويكون.
لاحِقٌ بالمشْتَرِي، فإنِ ادَّعاهُ البائعُ، فأقرَّ له المشْتَرِي؛ لَحِقَه وبَطَلَ البَيعُ، وإنْ كذَّبَه؛ فالقَولُ قَولُ المشْتَرِي، وإنِ ادَّعاهُ كلٌّ منهما؛ عُرِضَ على القافَة.
(5)
أتَتْ به لأِقلَّ مِنْ ستَّةِ أشْهُرٍ مُنذُ باعَها، ولم يكُنْ أقرَّ بِوَطْئِها؛ فالبَيعُ صحيحٌ في الظَّاهِر، والولدُ مَمْلوكٌ للمُشْتَرِي، فإنِ ادَّعاه البائعُ؛ فالحُكْمُ على ما ذَكَرْنا في القِسْمِ الثَّالِث، واللهُ أعْلَمُ بالصواب
(1)
.
(1)
قوله: (ولم يكن أقر بوطئها فالبيع
…
) إلى هنا سقط من (م).
(كِتَابُ الرَّضَاعِ)
الرّضاعُ: بفَتْحِ الرَّاء وكَسْرِها، مَصدَرُ رَضعَ الثَّدْيَ إذا مَصَّه، بفَتح الضَّاد وكَسْرِها، قال ابنُ الأعرابيِّ: الكَسْرُ أفْصَحُ، وله سَبْعُ مَصادِرَ.
وقال المُطَرِّزِيُّ في «شرحه»
(1)
: امرأةٌ مُرضِعٌ إذا كانَتْ تُرضِعُ ولدَها ساعةً بَعْدَ ساعةٍ، وامرأةٌ مُرضِعةٌ إذا كان
(2)
ثَديها في
(3)
فِيْ وَلَدِها، قال ثَعلَبٌ: ويَدُلُّ عليه قَولُه تعالى: {تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّآ أَرْضَعَتْ}
(4)
.
وقِيلَ: المرْضِعةُ الأُمُّ، والمُرْضِعُ: التي معها صبيٌّ تُرضِعُه، والوَلَدُ: رَضِيعٌ وراضِعٌ.
وشَرعًا: وُصولُ لَبَنِ آدَمِيَّةٍ إلى جَوفِ صغيرٍ حيٍّ.
وأَوْلَى منه: مصُّ
(5)
لَبَنٍ ثَابَ مِنْ حَمْلٍ، مِنْ ثَدْيِ امرأةٍ، أوْ شُرْبُه ونحوُه.
وأصلُ التَّحريم ثابِتٌ بالإجْماع
(6)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النِّسَاء: 23]، والأحاديثُ شهيرةٌ بذلك، وقد ثَبَتَ تحريمُ الأمِّ والأُخْت بالنَّصِّ، وتَحريمُ البِنْت وغَيرِها ثَبَتَ بالسُّنَّة، ولأِنَّها إذا حَرُمَت الأُخْتُ؛ فالْبِنْتُ أَوْلَى.
(1)
هو: أبو الفتح، برهان الدين، ناصر بن عبد السيد الخوارزمي، المطرزي، من فقهاء الحنفية، قال الذهبي:(كان رأسًا في فنون الأدب، داعية إلى الاعتزال)، من مصنفاته: الإيضاح، المغرب في ترتيب المعرب، مات سنة 610 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 22/ 28، الجواهر المضية 1/ 410.
(2)
قوله: (كان) سقط من (م).
(3)
قوله: (في) سقط من (م).
(4)
ينظر: المطلع ص 425، الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي 3/ 698.
(5)
في (م): مضي.
(6)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 82، مراتب الإجماع ص 67.
(وَيَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنَ النَسَبِ)، قاله النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أُرِيدَ على ابْنَةِ حَمْزةَ، فقال: «إنَّها
(1)
لا تَحِلُّ لي، إنَّها لَابْنَةُ أخِي من الرَّضاعة، ويَحرُمُ مِنْ الرَّضاعة ما يَحرُمُ من النَّسب» مُتَّفَقٌ عليه مِنْ حديثِ ابنِ عبَّاسٍ
(2)
، وعن عائشةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«الرّضاعُ يُحرِّمُ ما تُحرِّمُ الوِلادةُ» مُتَّفَقٌ عليه
(3)
.
(وَإِذَا حَمَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ رَجُلٍ ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْهُ)؛ أيْ: يكونُ لاحِقًا بالواطِئِ، يَحتَرِزُ بذلك: عن
(4)
الوَلَدِ المنفَيِّ باللِّعان ونحوِه؛ (فَثَابَ لَهَا لَبَنٌ)، يُخرِجُ بذلك: ما لو كان لها لَبَنٌ مِنْ غَيرِه، فإنَّه لا يكونُ ولدًا للرَّجل؛ لأِنَّ اللَّبنَ لَيسَ منه، (فَأَرْضَعَتْ
(5)
بِهِ طِفْلاً؛ صَارَ وَلَدًا لَهُمَا)؛ أيْ: للمرأة
(6)
بغَيرِ خِلافٍ
(7)
، وكذا لِمَنْ يُنسَبُ الحَمْلُ إليه، (فِي تَحْرِيمِ النِّكَاحِ)؛ لأِنَّ اللهَ تعالى عَطَفَ الأمَّ من الرَّضاع على المحرَّمات نكاحُهنَّ من النسب
(8)
، (وَإِبَاحَةِ النَّظَرِ وَالْخَلْوَةِ)؛ لأِنَّ الأمَّ من الرَّضاعِ مُحرَّمةٌ على التَّأْبيد، أشْبَهَت الأمَّ من النَّسَب، (وَثُبُوتِ الْمَحْرَمِيَّةِ)؛ لأِنَّها فَرْعٌ على التَّحريم إذا كان بسببٍ مُباحٍ.
وفي ذلك إشْعارٌ بأنَّه لا يَصِيرُ وَلَدًا في شَيءٍ مِنْ بقيَّةِ أحْكامِ النَّسَب؛ من النَّفقة، والعِتْق، وردِّ الشَّهادة، وغيرِ ذلك؛ لأِنَّ النَّسَبَ أقْوَى منه، فلا يُقاسُ عليه.
(وَأَوْلَادُهُ وَإِنْ سَفَلُوا أَوْلَادُ وَلَدِهِمَا)؛ لأِنَّهم أوْلادُ الطِّفل، وهو وَلَدُهما.
(1)
في (م): قال: لأنها.
(2)
أخرجه البخاري (5100)، ومسلم (1447)، واللفظ لمسلم.
(3)
أخرجه البخاري (3105)، ومسلم (1444)، ولفظهما:«الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة» .
(4)
قوله: (عن) سقط من (م).
(5)
في (م): فإن أرضعت.
(6)
في (م): للمرضعة.
(7)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 82، مراتب الإجماع ص 67.
(8)
في (م): بالنسب.
(وَصَارَا أَبَوَيْهِ)؛ لأِنَّه ولدهما
(1)
، (وَآبَاؤُهُمَا أَجْدَادَهُ وَجَدَّاتِهِ)، وجميعُ أقارِبهما يُنسَبونَ إلى المرتَضِع، كما يُنسَبونَ إلى وَلَدِهما من النَّسَب؛ لأِنَّ اللَّبَنَ الذي ثابَ للمرأة مَخلوقٌ مِنْ ماءِ الرَّجُل والمرأةِ، فنَشَرَ التَّحريمَ إلَيهِما، ونَشَرَ الحُرْمةَ إلى الرَّجُل وإلى أقاربه، وهو الذي يُسَمَّى لَبَنَ الفَحْلِ؛ لقَولِه صلى الله عليه وسلم لِعائشةَ لَمَّا سَأَلَتْه عن أفْلَحَ حِينَ قال لها: أتَحْتَجِبِينَ مِنِّي وأنا
(2)
عمُّكِ، فقالَتْ: كَيفَ ذلك؟ فقال
(3)
: أرْضَعَتْكِ امرأةُ أخِي بلَبَنِ أخي
(4)
، فقال:«صَدَقَ أفْلَحُ، ائْذَنِي له» مُتَّفَقٌ عليه، ولَفْظُه للبُخاريِّ
(5)
، وسُئِلَ ابنُ عبَّاسٍ عن رجلٍ له جارِيَتانِ، فأرْضَعَتْ إحْداهُما جاريةً، والأُخْرَى غُلامًا؛ أيَحِلُّ للغُلامِ أنْ يَتزَوَّجَ الجاريةَ؟ فقال: لا، اللِّقاحُ واحِدٌ» رواهُ مالِكٌ، والتِّرمذي وقال: هذا تَفْسيرُ لَبَنِ الفَحْلِ
(6)
.
(وَإِخْوَةُ الْمَرْأَةِ وَأَخَوَاتُهَا؛ أَخْوَالَهُ وَخَالَاتِهِ)؛ لأِنَّه وَلَدُ أخْتِهم، (وَإِخْوَةُ الرَّجُلِ وَأَخَوَاتُهُ؛ أَعْمَامَهُ
(7)
وَعَمَّاتِهِ)؛ لأِنَّه وَلَدُ أَخِيهِم.
(وَتُنْشَرُ
(8)
حُرْمَةُ الرَّضَاعِ مِنَ الْمُرْتَضِعِ إِلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ
(9)
أَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا، فَيَصِيرُونَ أَوْلَادًا لَهُمَا)؛ لأِنَّ الرّضاعَ كالنَّسَب، والتَّحريمُ في النَّسَب
(1)
قوله: (وصارا أبويه لأنه ولدهما) سقط من (م).
(2)
في (م): فأنا.
(3)
قوله: (فقال) سقط من (م).
(4)
قوله: (أخي بلبن أخي) في (م): أختي.
(5)
أخرجه البخاري (2644)، ومسلم (1445).
(6)
أخرجه مالك (2/ 602)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 306)، وعبد الرزاق (13942)، وسعيد بن منصور (966)، والتِّرمذي (1149)، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
(7)
في (م): وأعمامه.
(8)
في (ظ): وينشر.
(9)
قوله: (أولاده وأولاد) في (م): أولاد.
يَشْمَلُ وَلَدَ الولدِ وإنْ سَفَلَ، فكذا في
(1)
الرَّضاع.
(وَلَا يَنْشُرُ إِلَى مَنْ فِي دَرَجَتِهِ)؛ أي: المرتَضِع، (مِنْ إِخْوَتِهِ وَأَخَوَاتِهِ)؛ لأِنَّها لا تَنشر
(2)
في النَّسَب، فكذا في الرَّضاع.
(وَلَا مَنْ هُوَ أَعْلَى مِنْهُ؛ مِنْ آبَائِهِ، وَأُمَّهَاتِهِ، وَأَعْمَامِهِ، وَعَمَّاتِهِ، وَأَخْوَالِهِ، وَخَالَاتِهِ)؛ لأِنَّ الحُرْمةَ إذا لم تُنشَر
(3)
إلى مَنْ هُو في الدَّرِجة؛ فلأن لا تُنشَر
(4)
إلى مَنْ هو أعْلَى منه بطَريقِ الأَوْلَى.
(فَلَا تَحْرُمُ الْمُرْضِعَةُ عَلَى أَبِي
(5)
الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أَخِيهِ، وَلَا أُمُّ الْمُرْتَضِعِ، وَلَا أُخْتُهُ عَلَى أَبِيهِ مِنَ الرَّضَاعِ، وَلَا أَخِيهِ
(6)
، فيَجوزُ للمُرْضِعةِ نكاحُ أَبِي الطِّفْل المرتَضِع، وأخِيهِ، وعمِّه، وخالِه.
ولا يَحرُمُ على زَوجِ المرضِعة
(7)
نكاحُ أمِّ الطِّفل المرتَضِعِ، ولا أُخْتِه، ولا عَمَّتِه، ولا خالَتِه.
ولا بَأْسَ أنْ يَتزوَّجَ أوْلادُ المرْضِعة وأوَلادُ زَوجِها إخْوةَ الطِّفل المرتَضِعِ وأخَواتِه، قال أحمدُ: (لا بأس
(8)
أنْ يَتزَوَّجَ الرَّجلُ أُخْتَ أخيهِ من الرّضاع، لَيسَ بَينَهما رضاعٌ ولا نَسَبٌ، وإنَّما الرّضاعُ بَينَ الجارِيَةِ وأخِيهِ)
(9)
.
وفي «الرَّوضة» : لو ارْتَضَعَ ذَكَرٌ وأُنْثَى من امْرأةٍ؛ صارَتْ أُمًّا لهما
(10)
،
(1)
قوله: (في) سقط من (م).
(2)
في (م): لا تنتشر.
(3)
في (م): لم تنتشر.
(4)
في (م): لا تنتشر.
(5)
في (م): ابن.
(6)
في (م): ولا أخته.
(7)
في (م): المرتضعة.
(8)
قوله: (أن يتزوج أولاد المرضعة وأولاد
…
) إلى هنا سقط من (م).
(9)
ينظر: مسائل عبد الله ص 336.
(10)
قوله: (لهما) سقط من (م).
فلا يَجوزُ لأِحَدِهما أنْ يَتزَوَّجَ بالآخَرِ، ولا بأخَواتِه الحادِثاتِ بعده
(1)
، ولا بَأْسَ بتَزويجِ أخَواتِه الحادِثاتِ قَبْلَه، ولِكُلٍّ مِنْهُما أنْ يَتزوَّجَ أُخْتَ الآخَرِ.
(وَإِنْ أَرْضَعَتْ بِلَبَنِ وَلَدِهَا مِنَ الزِّنَى طِفْلاً؛ صَارَ وَلَدًا لَهَا)؛ لأِنَّه رَضَعَ مِنْ لَبَنِها حقيقةً، (وَحَرُمَ عَلَى الزَّانِي تَحْرِيمَ الْمُصَاهَرَةِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه وَلَدُ مَوطُوءَتِه من الوَطْءِ الحرامِ، وهو كالحلال
(2)
، (وَلَمْ تَثْبُتْ حُرْمةُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّهِ، فِي ظَاهِرِ قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ؛ لأِنَّ مِنْ شَرْطِ ثُبوتِ المحْرَمِيَّةِ بَينَ المرتَضِعِ وبَينَ الرَّجل الذي ثَابَ اللَّبَنُ بِوَطْئِه: أنْ يكونَ لَبَنُ حَمْلٍ يُنْسَبُ إلى الواطئ
(3)
، فأمَّا وَلَدُ الزِّنى ونَحوِه فلا.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَثْبُتُ)؛ أيْ: ينشر
(4)
الحُرمةَ بَينَهما؛ أيْ: بَينَه وبَينَ الواطِئِ؛ لأنه
(5)
مَعْنًى ينشر
(6)
الحرمة، فاسْتَوَى مُباحُه ومَحظُورُه؛ كالوطء، ولأِنَّه رضاعٌ يَنشُر الحُرْمةَ إلى المرضِعة، فنَشَرَها إلى الواطِئ؛ كصُورةِ الإجْماع.
وفي مَسائِلِ صالِحٍ: حدَّثنا أبي، عن سُفْيانَ، عن عَمْرٍو، عن أبي الشَّعْثاء، عن عِكْرَمةَ، في رجُلٍ فَجَرَ بامرأةٍ، فرآها
(7)
تُرضِعُ جاريةً؛ هل تَحِلُّ له أمْ لا؟ قال: لا
(8)
، قال أبي: وبهذا
(9)
أَقُولُ أنا
(10)
.
(1)
في (م): بعد.
(2)
في (م): الحلال.
(3)
في (م): الوطء.
(4)
في (م): تنشر.
(5)
قوله: (بينه وبين الواطئ؛ لأنه) في (م): بين الوطء؛ لأن.
(6)
في (م): تنشر.
(7)
في (م): فرماها.
(8)
قوله: (لا، قال: لا) سقط من (م).
(9)
في (م): ولهذا.
(10)
ينظر: مسائل صالح 1/ 352. وأخرجه سعيد بن منصور في سننه (906).
والأوَّل أَوْلَى، ويُفرَّقُ بَينَها
(1)
وبَينَ ابْنَتِه من الزِّنى، فإنَّها من
(2)
نُطْفَتِه حقيقةً، ويُفارِقُ تحريمَ المصاهَرَة، فإنَّ التَّحريمَ لا يَقِفُ على ثبوت النَّسَب، ولهذا تَحرُمُ أُمُّ زَوجَتِه وابْنتُها مِنْ غَيرِ نَسَبٍ، وتحريمُ الرّضاع مَبْنِيٌّ على النسب
(3)
بقوله عليه السلام: «يَحرُمُ من الرَّضاع ما يَحرُمُ من النَّسَب»
(4)
.
(قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: وَكَذَلِكَ الْوَلَدُ الْمَنْفِيُّ بِاللِّعَانِ)، هذا هو المذْهَبُ؛ أيْ: حُكْمُه حكمُ ولدِ الزِّنى؛ لاِشْتِراكِهما في ارْتِضاعِهما لَبَنَ امرأةِ الرَّجل، وعَدَمِ ثُبوتِ نَسَبِهما منه، فيكونُ فيه الخِلافُ السَّابِقُ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَثْبُتَ حُكْمُ الرَّضَاعِ فِي حَقِّ الْمُلَاعِنِ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلَبَنِهِ حَقِيقَةً، وَلَا حُكْمًا)، بخِلافِ وَلَدِ الزِّنى؛ لأِنَّ الولدَ مِنْ الزاني
(5)
حقيقةً، فكان اللَّبَنُ منه، واللَّبَنُ لم يَثبُتْ من المُلاعِنِ حقيقةً ولا حُكْمًا.
فعلى الأوَّلِ: إنْ أرْضَعَتْ أُنْثى حَرُمَتْ عليهما بالصِّهْريَّة؛ لأِنَّها بنتُ مَوطُوءةِ الزَّاني وربيبةُ المُلاعِن، وإنْ أرْضَعَتْ ذَكَرًا حَرُمَ عليه بِنتْاهُما وأوْلادُهما، وتَحرُمُ بِنْتُه وبِنتُها عليهما، وقِيلَ: لَا.
(وَإِنْ وَطِئَ رَجُلَانِ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ، فَأَتَتْ بِوَلَدٍ، فَأَرْضَعَتْ بِلَبَنِهِ طِفْلاً؛ صَارَ ابْنًا لِمَنْ ثَبَتَ نَسَبُ الْمَوْلُودِ مِنْهُ)؛ لأِنَّ تحريمَ الرّضاع فَرْعٌ على ثُبوتِ النَّسَب، وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَثْبُتَ بِقائِفةٍ أوْ غيرِها، ذَكَرَه في «الشَّرح» ، واقْتَصَرَ في «الفروع» على الأوَّل.
(وَإِنْ أُلْحِقَ بِهِمَا)، قال
(6)
في «التَّرغيب» وغَيرِه: أوْ ماتَ ولم يَثبُتْ نسَبُه؛
(1)
في (م): بينهما.
(2)
في (م): في.
(3)
قوله: (ولهذا تحرم أم زوجته وابنتها
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
أخرجه البخاري (5100)، ومسلم (1447)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(5)
في (م): الزنى.
(6)
في (م): قاله.
(كَانَ الْمُرْتَضِعُ
(1)
ابْنًا لَهُمَا)؛ لأِنَّ المرتَضِعَ في كلِّ مَوضِعٍ تَبَعٌ للمُناسِب، فمَتَى لَحِقَ المُناسِب شخصًا؛ فالمرتَضِعُ مِثْلُه.
وإنْ أشْكَلَ أمْرُه؛ فَقِيلَ: كنَسَبٍ، وقِيلَ: هو لأِحدِهما مبهمًا
(2)
، فيَحرُم عليهما، وجَزَمَ به في «المغْنِي» فِيما لم يَثْبُتْ نَسَبُه.
(وَإِنْ لَمْ يَلْحَقْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ ثَبَتَ التَّحْرِيمُ بِالرَّضَاعِ فِي حَقِّهِمَا)؛ تغليبًا للحَظْر، كما لو اخْتَلَطَتْ أختُه بأجنبيَّاتٍ.
وإن انْتَفَى عنهما جميعًا؛ بأنْ تأتيَ به لِدُونِ ستَّةِ أشْهُرٍ مِنْ وَطْئِها، أوْ لأِكثرَ من أربعِ سِنِينَ مِنْ
(3)
وطْءِ الآخَرِ؛ انْتَفَى المرتَضِع عنهما
(4)
.
فإنْ كان المرتَضِعُ أنثى؛ حرُمَتْ عليهما تحريمَ المصاهَرَة، ويَحرُمُ أولادُها عليهما أيضًا؛ لأنَّها
(5)
ابْنَةُ مَوطُوءَتِهما.
(وَإِنْ ثَابِ لاِمْرَأَةٍ لَبَنٌ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ تَقَدَّمَ)، قال جماعةٌ: أو وَطْءٍ؛ (لَمْ يَنْشُرِ الْحُرْمَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي لَبَنِ الْبِكْرِ
(6)
، وهو
(7)
ظاهِرُ المذهَبُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه نادِرٌ لم تَجْرِ العادةُ به لِتَغذِيَة الأطفال، أشْبَهَ لَبَنَ الرَّجل والبهيمة.
وقال جماعةٌ: لأِنَّه لَيسَ بلَبَنٍ حقيقةً، بل رُطوبةٌ متوَلِّدةٌ؛ لأِنَّ اللَّبَنَ ما أنشز
(8)
العَظْمَ وأنْبَتَ اللَّحْمَ، وهذا لَيسَ كذلك.
(1)
قوله: (كان المرتضع) في (م): كالمرتضع.
(2)
في (م): منهما.
(3)
في (م): في.
(4)
في (م): منها.
(5)
في (م): لأنهما.
(6)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 491.
(7)
في (م): في.
(8)
في (م): انتشر.
(وَعَنْهُ: يَنْشُرُهَا، ذَكَرَهَا
(1)
ابْنُ أَبِي مُوسَى، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ حَامِدٍ)، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وقالَهُ أكْثَرُ العلماء؛ لقوله تعالى:{وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النِّسَاء: 23]، ولأِنَّه لَبَنُ امرأةٍ، فتعلَّقَ به التَّحريمُ، كما لو ثاب
(2)
بِوَطْءٍ، ولأِنَّ لَبَنَ المرأة خُلِقَ لِغَذاءِ الطفل، وإنْ كانَ هذا نادِرًا، فجنسه
(3)
مُعْتادٌ.
(وَلَا
(4)
يَنْشُرُ الْحُرْمَةَ غَيْرُ لَبَنِ الْمَرْأَةِ، فَلَوِ ارْتَضَعَ طِفْلَانِ مِنْ بَهِيمَةٍ)؛ لم يَنشُر الحُرْمةَ، ولم يَصِيرَا أخَوَينِ في قَولِ عامَّتهم؛ لأِنَّه لَيسَ بمنصوصٍ عليه، ولا هو في مَعْناهُ.
وقال بعضُ السَّلَف: يَصِيرانِ أخَوَينِ.
ورُدَّ: بأنَّ الأُخُوَّةَ فرعٌ عن
(5)
الأُمومة، ولا تَثْبُتُ الأُمومةُ بهذا الرّضاعِ، فالأُخُوَّةُ أَوْلَى، ولأِنَّه لم يُخلَقْ لِغِذاءِ المولود الآدَمِيِّ، أشبه
(6)
الطَّعامَ.
(أَوْ رَجُلٍ)، فكذلك في قَولِ الجمهور؛ لِمَا ذَكَرْنا.
وقال الكَرَابِيسي
(7)
: يَتعلَّقُ به التَّحريمُ؛ لأِنَّه لَبَنُ آدَمِيٍّ أشْبَهَ المرأةَ.
(أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٍ؛ لَمْ يَنْشُرِ
(8)
الْحُرْمَةَ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّه لم يَثْبُتْ كَونُه
(1)
في (م): ذكره.
(2)
في (م): ثبت.
(3)
في (م): بجنسه.
(4)
في (م): فلا.
(5)
في (ظ): على.
(6)
في (م): يشبه.
(7)
ينظر: الحاوي 11/ 412، المهذب 3/ 144.
وهو: الحسين بن علي بن يزيد البغدادي الشَّافعي، أبو علي الكرابيسي، فقيه بغداد، من كبار حفاظ الحديث، أخذ الفقه عن الشافعي، وكان أولاً على مذهب أهل الرأي، توفي سنة 248 هـ. ينظر: طبقات الشافعية للسبكي 2/ 117، طبقات الشافعيين ص 132.
(8)
في (م): لم تنتشر.
امرأةً، فلا يَثْبُتُ التَّحريمُ مع الشَّكِّ.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: يُوقَفُ أَمْرُ الْخُنْثَى حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ)، فعلى هذا: يَثبُتُ التَّحريمُ إلى أنْ يتبيَّنَ كَونُه رجلاً؛ لأِنَّه لا يُؤمَنُ كَونُه مُحَرِّمًا؛ كما لو اختَلَطَتْ أختُه بأجانِبَ.
وقِيلَ: إنْ حَرَّمَ لَبَنٌ بغيرِ حملٍ ولا وَطْءٍ، ففي الخنثى المشْكِلِ وجْهانِ، وإنْ يُئِسَ من انْكِشافِ حالِه بمَوتٍ أوْ غَيرِه؛ فالأصْلُ الحِلُّ.
(فَصْلٌ)
(وَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ إِلاَّ بِشَرْطَيْنِ):
(أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْتَضِعَ فِي الْعَامَيْنِ
(1)
؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البَقَرَة: 233]، وعن عائشةَ رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عليها وعِندها رجلٌ قاعِدٌ، فَسَأَلَها عنه، فقالَتْ: هو أخِي من الرَّضاعة، فقال:«انظُرْنَ مَنْ إخْوانُكنَّ، فإنَّما الرَّضاعةُ من المَجاعة» مُتَّفقٌ عليه
(2)
، وعن أمِّ سلَمَةَ مرفوعًا: «لا يحرم من
(3)
الرّضاع إلاَّ ما فَتَقَ الأمْعاءَ، وكان قَبْلَ الفِطامِ» رواه التِّرمذي وصحَّحه
(4)
، ورواه
(5)
الدَّارَقُطْنيُّ والبَيهَقيُّ عن عمرَ
(6)
، ورواهُ سعيدٌ عن هُشَيمٍ، عن مُغِيرةَ، عن إبراهيمَ، عن عبدِ الله، ورواه سعيدٌ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ، ورواه الدَّارَقُطْنِيُّ والبَيهَقيُّ عن ابن عبَّاسٍ،
(1)
في (م): العادتين.
(2)
أخرجه البخاري (5102)، ومسلم (1455).
(3)
قوله: (من) سقط من (ظ).
(4)
أخرجه التِّرمذي (1152)، والنسائي في الكبرى (5441)، وابن حبان (4224)، من طريق فاطمة بنت المنذر، عن أم سلمة رضي الله عنها، وأعله ابن حزم بالانقطاع، وأن فاطمة لم تسمع من أم سلمة شيئًا، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني وقفه، وصححه التِّرمذي وابن حبان والألباني. ينظر: علل الدارقطني 15/ 255، البدر المنير 8/ 273، الإرواء 7/ 221.
(5)
قوله: (ورواه) سقط من (م).
(6)
أخرجه مالك (2/ 606)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15659)، عن عبد الله بن دينار، أنه قال: جاء رجل إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وأنا معه عند دار القضاء يسأله عن رضاعة الكبير؟ فقال عبد الله بن عمر: جاء رجل إلى عمر بن الخطاب، فقال: إني كانت لي وليدة، وكنت أطؤها فعمدت امرأتي إليها فأرضعتها، فدخلت عليها، فقالت: دونك، فقد والله أرضعتها، فقال عمر:«أوجعها، وائت جاريتك، فإنما الرضاعة رضاعة الصغير» ، وإسناده صحيح.
قال البَيهَقِيُّ: هذا هو الصَّحيحُ أنَّه مَوقُوفٌ، ورواهُ ابنُ عَدِيٍّ وغَيرُه من حديثِ الهَيثَمِ بنِ جَمِيلٍ، عن ابن
(1)
عُيَيْنةَ، عن عمرِو بنِ دِينارٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا:«لا يُحرِّمُ من الرَّضاع إلاَّ ما كان في الحَولَينِ» ، والهَيثَمُ ثِقَةٌ حافِظٌ، وثَّقه أحمدُ، وإبراهيمُ الحَرْبِيُّ، والعِجْلِيُّ، وابنُ حِبَّانَ، وغَيرُهم
(2)
.
(فَلَوِ ارْتَضَعَ بَعْدَهُمَا بِلَحْظَةٍ
(3)
؛ لَمْ يَثْبُتْ)؛ لأِنَّ شرْطَ ثُبوتِه كَونُه في الحَولَينِ، ولم يُوجَدْ، وقيَّده أبو الخَطَّاب بَعدَهما بساعةٍ.
وقال القاضي: لو شَرَعَ في الخامسة، فحالَ الحَولُ قبلَ كمالها؛ لم يَثْبُت التَّحريمُ.
(1)
في (م): أبي.
(2)
حديث ابن مسعود رضي الله عنه روي عنه مرفوعًا وموقوفًا: أخرجه أحمد (4114)، وأبو داود (2060)، والدارقطني (4361)، من طريق سليمان بن المغيرة، عن أبي موسى الهلالي، عن أبيه، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا، ولفظه:«لا يحرم من الرضاع، إلا ما أنبت اللحم، وأنشز العظم» ، وإسناده ضعيف الهلالي وأبوه مجهولان، وأخرجه أبو داود (2059)، بسند صحيح موقوفًا، وأخرجه سعيد بن منصور (974)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15665)، من طريق مغيرة، عن إبراهيم، عن عبد الله رضي الله عنه موقوفًا، وإبراهيم لم يسمع ابن مسعود لكنه في حكم المتصل، كما نص على ذلك بعض الأئمة، وأخرجه عبد الرزاق (13895)، وابن أبي شيبة (17029) من طرق أخرى صحيحة.
وحديث ابن عباس رضي الله عنهما روي مرفوعًا وموقوفًا أيضًا: أخرجه ابن عدي (8/ 399)، والدارقطني (4364)، والبيهقي في الكبرى (15669)، من طريق الهيثم بن جميل، حدثنا سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وأعله ابن عدي والدارقطني والبيهقي بالوقف، تفرد برفعه الهيثم بن جميل، وثقه جماعة، وقال ابن عدي:(ليس بالحافظ، يغلط على الثقات)، وخالفه جماعة من الثقات فوقفوه على ابن عباس رضي الله عنهما، أخرجه عبد الرزاق (13903)، والبيهقي (15668)، وصحح إسناد المرفوع ابن القيم، وقال العراقي:(إسناده جيد). ينظر: زاد المعاد 5/ 493، طرح التثريب 7/ 132، التلخيص الحبير 4/ 8، صحيح أبي داود 6/ 299.
(3)
في (م): للحظة.
وجوابه: أنَّ ما وُجِدَ من الرَّضْعة في الحَولَينِ كافٍ
(1)
في التَّحريم، بدليلِ ما لو انْفَصَل مِمَّا بعدَه.
واغتفر
(2)
الشَّيخُ تقيُّ الدِّين ما لو رَضَعَ قبلَ الفِطام، قال: أوْ كبيرٌ لحاجةٍ
(3)
، نحو: جعله مَحْرمًا؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ: أنَّ سَهْلَةَ بنتَ سُهيل
(4)
بن عمرو جاءت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسولَ الله إنَّ سالِمًا مَولَى أبي حُذَيفةَ مَعَنَا في بَيتِنا، وقد بَلَغَ ما تَبلُغُ الرِّجالُ، وعَلِمَ ما تَعلَمُ الرِّجالُ، فقال:«أرْضِعِيهِ تَحرُمِي عليه» رواه مسلِمٌ
(5)
.
وجَوابُه: بأنَّه
(6)
خاصٌّ به دُونَ سائرِ النَّاس؛ جَمْعًا بَينَ الأدِلَّةِ.
وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّ الاِعْتِبارَ بالحَولَينِ، فلو فُطِمَ قبلَهما، ثُمَّ ارْتَضَعَ فيهما حَصَلَ التَّحريمُ، ولو لم يُفطَمْ حتَّى جاوَزَهما، ثُمَّ ارْتَضَعَ قَبْلَ الفِطام؛ لم يَثبُتْ.
(الثَّانِي: أَنْ يَرْتَضِعَ خَمْسَ رَضَعَاتٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وهو الصَّحيحُ، وهو قَولُ عائشةَ
(7)
، وابنِ مسعودٍ
(8)
، وابنِ الزُّبَير
(9)
، وغَيرِهم؛ لِمَا رَوَتْ
(1)
في (م): كان.
(2)
في (م): واعتبر.
(3)
ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 60، الاختيارات ص 408.
(4)
في (م): سهل.
(5)
أخرجه مسلم (1453).
(6)
في (م): أنه.
(7)
أخرجه عبد الرزاق (13912)، والدارقطني (4393)، والبيهقي في الكبرى (15632)، عن عروة، عن عائشة رضي الله عنها قالت:«لا يحرم دون خمس رضعات معلومات» ، إسناده صحيح، صححه ابن حجر، وسقط من إسناده عند عبد الرزاق ذكر عروة وهو في بقية المصادر.
(8)
لم نقف عليه بهذا المعنى، والمروي عنه خلافه كما سيأتي عن علي رضي الله عنه. ينظر: مختصر الخلافيات 4/ 306، الفتح 9/ 147.
(9)
لعل مراده ما أخرجه عبد الرزاق (13919)، وسعيد بن منصور (13919)، والدارقطني (4394)، والبيهقي في الكبرى (15642)، عن عمرو بن دينار، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنها سأله رجل، أتحرم رضعة أو رضعتان؟ فقال:«ما نعلم الأخت من الرضاعة إلا حرامًا» ، فقال رجل: إن أمير المؤمنين - يريد ابن الزبير - يزعم أنه لا تحرم رضعة ولا رضعتان. فقال ابن عمر: «قضاء الله خير من قضائك وقضاء أمير المؤمنين» ، وإسناده صحيح، وصححه البيهقي.
عائشةُ قالَتْ: «كان فِيما نَزَلَ من القُرْآن: عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلوماتٍ يُحرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ بخَمْسِ رَضَعاتٍ مَعْلُوماتٍ، فتُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وهي فِيما يُقرَأُ من القرآن
(1)
» رواه مسلمٌ، ورواهُ مالِكٌ عن الزُّهْريِّ، عن عُرْوةَ، عن عائشةَ، عن سَهْلةَ بنتِ سهيل
(2)
: «أرْضِعِي سالِمًا خمسَ رَضَعاتٍ»
(3)
.
(وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ يُحَرِّمْنَ)، وبه قال أبو عُبَيدٍ، وأبو ثَورٍ؛ لقَولِه صلى الله عليه وسلم:«لا تُحرِّمُ المَصَّةُ، ولا المَصَّتانِ»
(4)
، وفي لفظ:«لا تُحرِّمُ الإمْلاجَةُ، ولا الإمْلاجَتانِ» رواهما مُسلِمٌ
(5)
، ولأِنَّ ما
(6)
يُعتبَرُ فيه العددُ يعتبر
(7)
فيه الثَّلاثُ؛ كالعادة في الحَيض.
(وَعَنْهُ: وَاحِدَةٌ)، وهي قَولُ عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ
(8)
، وقالَهُ أكثرُ العلماء، وزَعَمَ اللَّيثُ: أنَّهم أجْمَعُوا على ذلك، كما يُفْطِرُ به الصَّائمُ، وعُمومُ الكتاب
(1)
قوله: (عشر رضعات معلومات يحرمن
…
) إلى هنا سقط من (م).
(2)
في (م): سهل.
(3)
أخرجه مسلم (1452)، والرواية الأخرى أخرجها مالك (2/ 605)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 307)، وأخرجه عبد الرزاق (13887)، وأحمد (25650)، وابن حبان (4215)، وسنده صحيح. ينظر: التمهيد لابن عبد البر 8/ 263.
(4)
أخرجه مسلم (1450)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5)
أخرجه مسلم (1451)، من حديث أم الفضل رضي الله عنها.
(6)
في (ظ): ما لا.
(7)
في (م): ويعتبر.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (13924)، عن ليث، عن مجاهد، عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، قالا في الرضاع:«يحرم قليله وكثيره» ، وليث بن أبي سليم ضعيف، ومجاهد لم يسمع منهما. وأخرجه الطبراني في الكبير (9699)، من طريق قتادة، عن النخعي عنهما نحوه.
والسُّنَّة تَشهَدُ لذلك، ولأِنَّه فِعْلٌ يَتعلَّقُ به التَّحريمُ المؤبَّدُ، فلم يُعتبَرْ تَعدادُ الرَّضَعات؛ كتحريمِ أمَّهات النِّساء.
وعن حَفْصةَ: عَشْرٌ، رواه البَيهَقِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ
(1)
، ورواهُ أيضًا عن عائشةَ
(2)
وابنِ عبَّاسٍ
(3)
، ورجالُه ثِقاتٌ.
والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّه تُوُفِّيَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عليه
(4)
، بخِلافِ غَيرِه، فإنَّه ثابِتٌ بالعُموم أوْ بالمفْهومِ، والصَّريحُ راجِحٌ عليهما، والمطلَقُ من كلامِ الله تعالى مقيَّدٌ بسنَّةِ نبيه صلى الله عليه وسلم، وقال ابنُ المنذِر: لم يَقِفِ اللَّيثُ على الخلاف في هذه المسألةِ
(5)
.
(1)
أخرجه مالك (2/ 603)، وعنه الشافعي كما في المسند (ص 221)، والبيهقي في الكبرى (15640)، عن نافع، أن صفية بنت أبي عبيد أخبرته، أن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها:«أرسلت بعاصم بن عبد الله بن سعد، إلى أختها فاطمة بنت عمر بن الخطاب ترضعه عشر رضعات ليدخل عليها، وهو صغير يرضع، ففعلت فكان يدخل عليها» ، وإسناده صحيح.
(2)
أخرجه مالك (2/ 603)، وعنه الشافعي كما في المسند (ص 221)، والبيهقي في الكبرى (15638)، عن نافع، أن سالم بن عبد الله بن عمر، أخبره أن عائشة أم المؤمنين أرسلت به، وهو يرضع إلى أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق، فقالت:«أرضعيه عشر رضعات حتى يدخل علي» ، إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(3)
أخرجه البيهقي في الكبرى (15646)، من طريق وهيب، أخبرنا إبراهيم بن عقبة، أنه سأل عروة بن الزبير عن المصة والمصتين قال:«كانت عائشة رضي الله عنها لا تحرم المصة ولا المصتين ولا تحرم إلا عشرًا فصاعدًا» ، قال: فأتيت سعيد بن المسيب فسألته عن الرضعة والرضعتين فقال: أما إني لا أقول فيها كما قال ابن الزبير وابن عباس رضي الله عنهم، قال: قلت: كيف كانا يقولان؟ قال: كانا يقولان: «لا تحرم المصة ولا المصتان ولا تحرم دون عشر رضعات فصاعدًا» ، رجاله ثقات، وأخرجه سعيد بن منصور (968)، عن الدراوردي، عن إبراهيم بن عقبة نحوه، وفيه: كانا يقولان: «لا تحرم المصة والمصتان» ، وليس فيه قوله:«ولا تحرم دون عشر رضعات فصاعدًا» ، قال البيهقي:(ورواية غيره عن ابن عباس في مذهبه أصح)، فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنه يحرم في القليل والكثير من الرضاع، أخرجه البيهقي في الكبرى (15645)، وأخرج ابن أبي شيبة (17037)، نحوه من وجه آخر.
(4)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(5)
لم نقف عليه في كتب ابن المنذر المطبوعة، وهو من قول ابن عبد البر في التمهيد 6/ 249.
(وَمَتَى أَخَذَ الثَّدْيَ، فَامْتَصَّ ثُمَّ تَرَكَهُ، أَوْ قُطِعَ عَلَيْهِ؛ فَهِيَ رَضْعَةٌ)، كذا قاله
(1)
أبو بكرٍ في حَدِّ الرَّضْعة، وقدَّمه في «الفروع» وغيره؛ لأِنَّ المَرجِعَ فيها إلى العُرف؛ لأِنَّ الشَّرعَ ورَدَ بها مُطلَقًا، ولم يحدها
(2)
بزمنٍ ولا مِقْدارٍ، فدلَّ على أنَّه ردَّهم إلى العُرْف، فإذا ارْتَضَعَ ثُمَّ قَطَعَ باخْتِياره، أوْ قُطِعَ عليه؛ فهي رَضْعةٌ.
(فَمَتَى
(3)
عَادَ؛ فَهِيَ رَضْعَةٌ أُخْرَى)؛ لأِنَّ العَودَ ارْتِضاعٌ، فكان رَضْعةً أخرى؛ كالأُولَى، (بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا أَوْ قَرُبَ)، إذ العِبْرةُ بتَعْدادِ الرَّضَعات، وذلك مَوجودٌ فيهما، ولأِنَّ الشَّرعَ وَرَدَ بالرَّضْعة، ولم يَحُدَّها بزمانٍ، فوجَبَ أنْ يكونَ القريبُ كالبعيد.
(وَسوَاَءٌ تَرَكَهُ شِبَعًا، أَوْ لِأَمْرٍ يُلْهِيهِ)؛ لأِنَّ الفَصلَ مَوجُودٌ في الكلِّ، (أَوْ لاِنْتِقَالِهِ مِنْ ثَدْيٍ إِلَى غَيْرِهِ، أَوِ امْرَأَةٍ إِلَى غَيْرِهَا)، اخْتارَه أبو بكرٍ، وهو ظاهِرُ كلامِه في روايةِ حنبلٍ
(4)
، فإنَّه قال: أمَا تَرَى الصَّبيَّ يَرضَعُ من الثَّدْي، فإذا أدْرَكَه النَّفَسُ أمْسَكَ عن الثَّدْيِ لِيَتَنَفَّسَ ويَسْتَرِيحَ، فإذا فَعَلَ ذلك فهِيَ رَضْعةٌ، ولأِنَّ اليسيرَ من السَّعوط والوَجُور رَضْعةٌ، فكذا هُنَا.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٌ: إِنْ لَمْ يَقْطَعْ بِاخْتِيَارِهِ؛ فَهُمَا رَضْعَةٌ)؛ لأِنَّ القَطْعَ لا يُنسَبُ إليه، فلا
(5)
يُحتَسَبُ عليه، (إِلاَّ أَنْ يَطُولَ
(6)
الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا)، فيكونان رضْعَتَينِ؛ لأِنَّ جَعْلَهما رَضْعةً يُلْغِي
(7)
الزَّمانَ مع طُوله، أو انتقاله
(8)
من امرأةٍ
(1)
في (م): قال.
(2)
في (م): ولم يجدها.
(3)
في (م): ومتى.
(4)
ينظر: الشرح الكبير 24/ 235.
(5)
في (م): ولا.
(6)
في (م): يكون.
(7)
في (م): يكفي.
(8)
في (م): وانتقاله.
إلى غَيرِها؛ لأِنَّ الآكِلَ لو قَطَعَ الأكلَ للشُّرْب أوْ عارِضٍ وعاد
(1)
في الحال؛ كان أَكْلةً واحدةً، فكذا الرَّضاعُ.
والأوَّلُ أَوْلَى.
وقال ابنُ أبي مُوسَى: حَدُّ الرَّضْعة أنْ يمصَّ
(2)
، ثُمَّ يُمْسِكَ عن الاِمْتِصاص لِتَنفُّسٍ أوْ غَيرِه، سَواءٌ أخرج
(3)
الثَّدْيَ من
(4)
فِيهِ أوْ لم يُخرِجْ؛ لقوله عليه السلام: «لا تُحرِّمُ المَصَّةُ، ولا المَصَّتانِ»
(5)
، يَدُلُّ على أنَّ لكلِّ مَصَّةٍ أثَرًا، ولأِنَّ القليلَ من الوَجور والسَّعوط رَضْعةٌ، فالاِمْتِصاصُ أَوْلَى.
(وَالسَّعُوطُ)، هو
(6)
أنْ يُصَبَّ في
(7)
أنفه اللَّبَنُ مِنْ إناءٍ أوْ غَيرِه فيَدخُلَ حَلْقَه، (وَالْوَجُورُ) هو أنْ يَصُبَّه في حلْقِه من غَيرِ الثَّدْي، قاله
(8)
في «الشَّرح» ؛ (كَالرَّضَاعِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وهي الأَصَحُّ وِفاقًا
(9)
، لِمَا رَوَى ابنُ مسعودٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا رَضَاعَ إلاَّ ما أنشر
(10)
العَظْمَ، وأَنْبَتَ اللَّحْمَ» رواه أبو داود وغَيرُه
(11)
، ولأِنَّ هذا يَصِلُ إليه اللَّبَنُ، كما يَصِلُ بالاِرْتِضاع.
(1)
في (م): عاد.
(2)
في (م): يمضي.
(3)
في (ظ): خرج.
(4)
قوله: (من) سقط من (م).
(5)
أخرجه مسلم (1450)، من حديث عائشة رضي الله عنها.
(6)
في (م): وهو.
(7)
في (م): من.
(8)
في (م): قال.
(9)
ينظر: المبسوط 5/ 134، المدونة 2/ 295، الأم 5/ 29، الشرح الكبير 24/ 236.
(10)
في (م): نشر. قال الخطابي في معالم السنن 3/ 186: ("أنشر العظم" معناه: ما شد العظم وقواه، والإنشار بمعنى الإحياء في قوله تعالى: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}، ويروى:"أنشز العظم" بالزاي معجمة).
(11)
سبق تخريجه 8/ 639 حاشية (2).
والثَّانيةُ: لا يُحرِّمُ، اخْتارَها أبو بكرٍ، وقالَهُ عَطاءٌ الخُراسانِيُّ في السَّعوط؛ لأِنَّ هذا لَيسَ برضاعٍ، أشْبَهَ ما لو حَصَلَ مِنْ جُرْحٍ في بَدَنِه.
وعلى الأولى
(1)
: إنَّما يُحرِّمُ مِنْ ذلك ما يُحرِّمُ بالرّضاع، وهو خَمْسٌ على الأَشْهَرُ، فإنَّه فَرعٌ على الرَّضاع، فيَأخُذُ حُكْمَه.
والاِعْتِبارُ بشُرْبِ الطِّفْلِ له، فأمَّا إنْ سَقاهُ جُرْعةً بَعْدَ أخْرَى مُتَتابِعةً؛ فرَضْعةٌ في ظاهِرِ قَولِ الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ المعتَبَرَ في الرَّضعة العُرْفُ، وهم لا يَعُدُّونَ هذا رَضَعاتٍ.
ويَحتَمِلُ أنْ يُخرَّجَ على
(2)
ما إذا قَطَعَتْ عليه الرَّضاعَ.
(وَيُحَرِّمُ لَبَنُ الْمَيْتَةِ)، وهو كلَبَنِ الحيَّة، نَصَّ عليه
(3)
، اخْتارَه أبو بكرٍ، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه يُنبِتُ اللَّحْمَ، ونَجاسَتُه لا تُؤثِّرُ؛ كما لو حُلِبَ في إناءٍ نَجِسٍ، وكما لو حُلِبَ منها في حياتها فشَرِبَه بَعْدَ مَوتِها.
وقال الخَلاَّلُ: لا ينشر
(4)
الحُرْمةَ، وتوقَّفَ عنه أحمدُ في روايةِ مُهَنَّى
(5)
؛ لأِنَّه لَبَنٌ لَيسَ بمَحَلٍّ للوِلادة، أشْبَهَ لَبَنَ الرَّجُل.
(وَاللَّبَنُ الْمَشُوبُ) بغَيرِه، سواءٌ اخْتَلَطَ بشرابٍ أوْ غَيرِه، (ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، واخْتارَه القاضِي، وهو الأصحُّ؛ لأنَّ
(6)
ما تعلَّقَ الحُكْمُ به لم يُفرَّقْ فيه بَينَ الخالِص والمَشُوبِ؛ كالنَّجاسة في الماء، والنَّجاسة الخالِصةِ.
(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ التَّحْرِيمُ بِهِمَا)، وهو قِياسُ قَولِ أحمدَ؛ لأِنَّ
(1)
في (م): الأول.
(2)
قوله: (على) سقط من (م).
(3)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 237.
(4)
في (م): لا تنشر.
(5)
ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 237.
(6)
في (م): لأنه.
المَشُوبَ لَيسَ بلَبَنٍ خالِصٍ، فلم يُحرِّمْ كالماء.
(وَقَالَ
(1)
ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ غَلَبَ اللَّبَنُ؛ حَرَّمَ)، وذَكَرَه في «عُيونِ المسائلِ» الصَّحيح من المذْهَب؛ لأِنَّ الحُكمَ للأغْلَبِ في كثيرٍ من الصُّوَر، فكذا هُنَا، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أيْ: إذا لم يَغلِبِ اللَّبَنُ لم يُحرِّمْ؛ لأِنَّه يَزُولُ بذلك الاِسْمُ والمعنى المرادُ.
وهذا كله إذا كانت صفاتُ اللَّبَنِ باقيةً، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، فلو صبَّه في ماءٍ كثيرٍ لم يَتغيَّرْ به؛ لم يَثبُت التَّحريمُ؛ لأِنَّ هذا لَيسَ بمُشوبٍ، ولا يَحصُلُ به التَّغذِّي، ولا إنبات
(2)
اللَّحْم، ولا إنْشار العَظْم.
وقال القاضي: يُحرِّمُ؛ لأِنَّ أجزاءَ اللَّبن
(3)
حَصل في بطنِه، أشْبَهَ ما لو كان ظاهِرًا.
وجَوابُه: أنَّ هذا لَيسَ برَضاعٍ ولا هو في مَعْناهُ.
فرعٌ: إذا عُمِلَ اللَّبنُ جُبْنًا؛ حرَّمَ في الأصحِّ؛ لأِنَّه واصِلٌ من الحَلْق يَحصُلُ به إنْباتُ اللَّحْم.
وعنه: لا؛ لِزوالِ الاِسْم، وإذا قُلْنا: الوجُورُ لا يُحرِّمُ؛ فهذا أَوْلَى.
(وَالحُقْنَةُ لَا تَنْشُرُ الْحُرْمَةَ، نَصَّ عَلَيْهِ
(4)
، وقدَّمه في «المستوعب» و «الرِّعاية» ، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ هذا لَيسَ برَضاعٍ، ولا يَحصُلُ به التَّغذِّي، فلَمْ يَنشُرِ الحُرْمةَ؛ كما لو قَطَرَ في إحْليلِه، وكما لو وَصَلَ مِنْ جُرْحٍ.
(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ)، وابْنُ أبي مُوسَى:(يَنْشُرُهَا)؛ لأِنَّه سبيلٌ يَحصُلُ
(1)
في (م): قال.
(2)
في (م): ولا نبات.
(3)
في (م): للبن.
(4)
ينظر: المغني 8/ 174.
بالواصل
(1)
منه الفِطْرُ، فيتعلَّقُ به التَّحريمُ؛ كالرَّضاعِ.
والأوَّلُ أَوْلَى؛ إذِ الفَرْقُ بَينَ الفِطر والرَّضاع ثابِتٌ مِنْ حَيثُ إنَّ الرَّضاعَ يُعتبَرُ فيه إنْشار العَظْم، وإنبات
(2)
اللَّحْم، وهو مَفْقودٌ في الحقنة
(3)
مَوجُودٌ في الرّضاع.
وهذا كلُّه لبنُ أنثى تمَّ لها تِسْعُ سِنينَ، وإنْ ثابَ بعدَها فقد حاضَتْ وبَلَغَتْ، وإنْ ثابَ بِدونِ حَمْلٍ وَوَطْءٍ، وقُلْنا يَنشُرُ الحُرْمَةَ؛ صار المرتَضِعُ ابنًا لها
(4)
.
وإنْ شَكَّتِ المرْضِعةُ في الرَّضاع أوْ كَمالِه في الحَولَينِ، ولا بَيِّنةَ؛ فلا تحريمَ.
فرعٌ: إذا حَلَبَ مِنْ نِسْوةٍ وسَقَى طِفْلاً؛ فهو كما لو رَضَعَ مِنْ كلِّ واحدةٍ مِنهُنَّ.
(1)
في (م): بالوصال.
(2)
في (م): أو إنبات.
(3)
في (م): بالحقنة.
(4)
في (م): لهما.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا تَزَوَّجَ كَبِيرَةً وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَثَلَاثَ صَغَائِرَ، فَأَرْضَعَتِ الْكَبِيرَةُ إِحْدَاهُنَّ فِي الْحَوْلَيْنِ؛ حَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ)، وهو قَولُ الثَّوريِّ وأبي ثَورٍ؛ لأِنَّها صارت مِنْ أُمَّهاتِ نِسائه.
وقال الأَوْزاعِيُّ: نِكاحُها ثابِتٌ، وتُنزَع
(1)
منه الصَّغيرةُ.
وجَوابُه: ما تَقدَّمَ.
(وَيَثْبُتُ
(2)
نِكَاحُ الصَّغِيرَةِ)، اخْتَارَه الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّها ربيبةٌ؛ لم يَدخُلْ بأمِّها.
(وَعَنْهُ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُهَا)؛ لأِنَّها اجْتَمَعَتْ مع أمِّها في النِّكاح، كما لو صارَتَا أختَينِ، وكما لو عَقَدَ عليهما بعدَ الرَّضاع عَقْدًا واحدًا.
وجَوابُه: أنَّ الكُبْرى أَوْلَى بفَسْخِ نكاحها؛ لِتَحْريمها على التَّأبيد، كما لو ابْتَدَأَ العَقْدَ على أخْتِه وأجنبيَّةٍ، ولأِنَّ الجَمْعَ طرَأَ على نكاحِ الأُمِّ والبِنْت، فاخْتَصَّ الفَسْخُ بنكاحِ الأمِّ؛ كما لو أسلْمَ وتَحتَه امْرأةٌ وبِنْتُها، والأُخْتانِ لَيسَتْ إحْداهما أَوْلَى بالفَسْخ من الأخرى، وفارَقَ ما لو ابْتَدَأَ العَقْدَ عليها
(3)
؛ لأِنَّ الدَّوامَ أقْوَى من الاِبْتِداء.
(وَإِنْ أَرْضَعَتِ اثْنَتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى)؛ لأِنَّهما صارَتَا أختَينِ واجْتَمَعَتَا في الزَّوجيَّة؛ كما لو أرْضَعَتْهما معًا.
(وَعَلَى الثَّانِيَةِ: يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْأُولَى، وَيَثْبُتُ نِكَاحُ الثَّانِيَةِ)؛ لأِنَّ الكبيرةَ
(1)
في (م): وينزع.
(2)
في (م): وثبت.
(3)
قوله: (عليها) سقط من (م).
لمَّا أرْضَعَت الصَّغيرةَ أَوَّلاً؛ انْفَسَخَ نِكاحُهما، ثُمَّ أرْضَعَتِ الأخْرَى، فلم يَجتَمِعْ مَعَهُما في النِّكاح، فلم يَنفَسِخْ نِكاحُهما.
(وَإِنْ أَرْضَعَتِ الثَّلَاثَ مُتَفَرِّقَاتٍ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُ الأَوَّلَتَيْنِ
(1)
؛ لأِنَّهما صارتا أختَينِ في نكاحه، (وَثَبَتَ نِكَاحُ الثَّالِثَةِ
(2)
؛ لأِنَّ رضاعَها
(3)
بعدَ انْفِساخِ نكاحِ الكبيرة والصَّغيرَتَينِ اللَّتَينِ قَبْلَها، فلم يصادف
(4)
أُخُوَّتُها
(5)
جَمْعًا في النِّكاح، (عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى)، وهي أنَّ الكبيرةَ تَحرُمُ، ولا يَنفَسِخُ نكاحُ الصَّغيرة.
(وَعَلَى الثَّانِيَةِ)، وهي انْفِساخُ نكاحِ الصَّغيرة:(يَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْجَمِيعِ)؛ لأِنَّ الصَّغيرةَ إذا انْفَسَخَ نكاحُها، ثُمَّ أرْضَعَت الكبيرةُ الثَّانيةَ؛ لم يَنفَسِخْ نكاحُها، لم تصادف
(6)
أُخُوَّتُها جمعًا في النِّكاح، فإذا أرْضَعَت الثَّالثةَ؛ انْفَسَخَ نكاحهما
(7)
؛ لأِنَّهما اجْتَمَعا في نكاحه، وهما أُخْتانِ، وحِينَئذٍ يَنفَسِخُ نِكاحُ الجَميع.
(وَإِنْ أَرْضَعَتْ إِحْدَاهُنَّ مُنْفَرِدَةً، وَاثْنَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ مَعًا
(8)
؛ انْفَسَخَ نِكَاحُ الْجَمِيعِ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ)؛ لأِنَّهن صِرْنَ أخواتٍ في نِكاحه؛ لأِنَّها إذا أرْضَعَتْ إحداهنَّ مُنفَرِدةً، فلم يَنفَسِخْ نكاحُها
(9)
؛ لأنَّها
(10)
مُنفَرِدةٌ، ثُمَّ إذا
(11)
أرْضَعَت
(1)
في (م): الأوليين.
(2)
في (م): الثانية.
(3)
في (م): إرضاعهما.
(4)
في (ظ): فلم تصادف.
(5)
في (م): إخوتهما.
(6)
كذا في في (ظ)، وفي (م): لم يصادف. وفي المغني 8/ 190: لأنها منفردة بالرضاع في النكاح.
(7)
في (م): نكاحها.
(8)
قوله: (معًا) سقط من (م).
(9)
قوله: (لأنها إذا أرضعت إحداهن منفردة فلم ينفسخ نكاحها) سقط من (م).
(10)
في (م): ولأنها.
(11)
قوله: (إذا) سقط من (م).
اثنتَينِ بعدَها مُجتَمِعاتٍ؛ انْفَسَخَ نكاحُ الجميع؛ لأِنَّهن أخواتٍ في النِّكاح على الأُولى.
وعلى الثانية
(1)
: يَنفَسِخُ نكاحُ
(2)
الأولى بالاِجْتِماع، ثُمَّ يَنفَسِخُ نكاحُ الاِثنتَينِ؛ لكَونِهما أُختَينِ معًا.
(وَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَصَاغِرِ)؛ لأِنَّ تحريمَهنَّ تحريمُ جَمْعٍ، فإنَّهنَّ ربائبُ لم يَدخُلْ بأُمِّهِنَّ.
(وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِالْكُبْرَى؛ حَرُمَ الْكُلُّ عَلَيْهِ عَلَى الْأَبَدِ)؛ لأِنَّهنَّ ربائِبُ دَخَلَ بأمِّهِنَّ.
(وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْرُمُ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ - كَأُمِّهِ، وَجَدَّتِهِ، وَأُخْتِهِ، وَرَبِيبَتِهِ -؛ إِذَا أَرْضَعَتْ طِفْلَةً؛ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّها تَصِيرُ ابْنَتَها من الرَّضاع، فعلى هذا: إذا كانَت المرْضِعةُ أُمَّه؛ فالمرتَضِعةُ أُخْتُه، وإنْ كانَتْ جَدَّتَه؛ فهي عَمَّتُه.
(وَكُلُّ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ ابْنَتُهُ - كَأَخِيهِ، وَأَبِيهِ، وَابْنِهِ
(3)
-، إِذَا أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ بِلَبَنِهِ طِفْلَةً؛ حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّها تَصِيرُ ابْنَتَه، فعلى هذا: إنْ كانَت المرْضِعةُ امرأةَ أخِيهِ؛ فالمرتَضِعَةُ بنتُ أخِيهِ، وإنْ كانت امرأةَ أبيه؛ فالمرتَضِعةُ أخْتُه، وإنْ كانت امرأةَ ابْنه؛ فالمرتَضِعةُ بنتُ ابنه، فلو أرْضَعَتْها امرأةُ أحدِ هؤلاء بلَبنِ غَيرِه؛ لم تَحرُمْ عليه؛ لأِنَّها ربيبةُ زَوجها.
(وَ) على الأوَّل: (فَسَخَتْ نِكَاحَهَا مِنْهُ
(4)
إِنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ)؛ لأِنَّ التَّحريمَ إذا طَرَأَ أوْجَبَ الفَسْخَ؛ كما لَوْ كان الزَّوجُ طِفْلاً؛ فأرْضَعَتْه زَوجَتُه الكبيرةُ.
(1)
قوله: (وعلى الثانية) في (م): والثانية.
(2)
قوله: (نكاح) سقط من (م).
(3)
قوله: (وابنه) سقط من (م).
(4)
قوله: (منه) سقط من (م).
مسائلُ:
إذا تزوَّج بنتَ عمِّه، فأرْضَعَتْ جدَّتُهما أحدَهما صغيرًا؛ انْفَسَخَ النِّكاحُ؛ لأِنَّها إنْ أرْضَعَت الزَّوجَ؛ صارَ عمَّ زَوجَتِه، وإنْ الزوجةَ
(1)
؛ صارت عمَّتَه.
وإنْ تزوَّج بنتَ عمَّته، فأرْضَعَتْ جدَّتُهما إحداهما صغيرًا؛ انْفَسَخَ النِّكاحُ؛ لأِنَّها إنْ أرْضَعَت الزَّوجَ؛ صار خالَها، وإنْ أرْضَعَت الزَّوجةَ؛ صارَتْ عمَّتَه.
وإنْ تزوَّجَ بنتَ خاله
(2)
، فأرْضَعَتْ جدَّتُهما الزَّوجَ؛ صارَ عمَّ زَوجَتِه، وإنْ أرضعتها
(3)
؛ صارَتْ خالَتَه.
وإنْ تزوَّج بنتَ خالَتِه؛ فأرْضَعَت الزَّوجَ؛ صار خالَ زَوْجَتِه، وإنْ أرضعتها
(4)
؛ صارَتْ خالَةَ زَوجِها.
وإنْ أرْضَعَتْ أُمَّ رجلٍ، وابْنتَه، وأُخْتَه، وزَوجةَ ابنه طِفْلةً رَضْعةً رَضْعةً؛ لم تَحرُمْ على الرَّجل في الأصحِّ.
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 24/ 250: وإن أرضعت زوجته.
(2)
قوله: (فأرضعت جدتهما إحداهما صغيرًا انفسخ النكاح) إلى هنا سقط من (م).
(3)
في (م): أرضعتهما.
(4)
في (م): أرضعتهما.
(فَصْلٌ)
(وَكُلُّ مَنْ أَفْسَدَ نِكَاحَ امْرَأَةٍ بِرَضَاعٍ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ فَإِنَّ الزَّوْجَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ مَهْرِهَا الذِي يَلْزَمُهُ لَهَا)؛ لأِنَّه قرَّره عليه بَعْدَ أنْ كانَ بعَرَضِ
(1)
السُّقوط؛ كشُهود الطَّلاق إذا رَجَعُوا، وإنَّما لَزِمَه نصفُ مَهْرِ الصَّغيرة؛ لأِنَّ نكاحَها انْفَسَخَ قَبْلَ الدُّخول بها مِنْ غَيرِ جِهَتِها، والفَسْخُ مِنْ أجنبيٍّ كطَلاقِ الزَّوج في وُجوبِ الصداق
(2)
عليه.
(وَإِنْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا) قبلَ الدُّخول؛ (سَقَطَ مَهْرُهَا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(3)
؛ لأِنَّ الفَسْخَ بسببٍ مِنْ جِهَتِها؛ كما لو ارْتَدَّتْ.
فعلى هذا: إذا
(4)
أرْضَعَت امْرَأَتُه الكُبْرى الصُّغْرى؛ فعلى الزَّوج نصفُ مَهْرِ الصُّغرى، يَرجِعُ به على الكُبْرى، وِفاقًا للشَّافِعيِّ
(5)
.
وقال بعضُ أصحابه
(6)
: يرجِعُ
(7)
بجميعِ صداقها؛ لأِنَّها أتْلَفَتِ البُضْعَ؛ فوَجَبَ ضَمانُه.
وقال أبو حَنِيفةَ: إنْ كانت المرضِعةُ أرَادَت
(8)
الفَسادَ؛ رَجَعَ عليها بنِصفِ الصَّداق، وإلاَّ فَلَا
(9)
.
(1)
في (م): يعرض.
(2)
في (م): الطلاق.
(3)
ينظر: المغني 8/ 186.
(4)
في (م): لو.
(5)
ينظر: الحاوي 11/ 385.
(6)
ينظر: حلية العلماء 7/ 383.
(7)
في (ظ): ترجع.
(8)
في (ظ): إن أرادت.
(9)
ينظر: الأصل للشيباني 10/ 286، البحر الرائق 3/ 248.
وقال مالِكٌ: لا يَرجِعُ بشَيءٍ
(1)
.
وجَوابُه: أنَّه يَرجِعُ عليها بالنِّصف؛ لأِنَّها قرَّرَتْه عليه، وألْزَمَتْه
(2)
إيَّاه، وأتْلَفَتْ عليه ما في مُقابَلتِه، فَوَجَبَ عليها الضَّمانُ؛ كما لو أتْلَفَتْ عليه المَبِيعَ.
والواجِبُ نصفُ المسمَّى، لا
(3)
نصفُ مَهْرِ المِثْل؛ لأِنَّه إنَّما يَرجِعُ بما غَرِمَ، ولأِنَّ خُروجَ البُضْع من ملْكِ الزَّوج غَيرُ مُتقوِّمٍ، بدليلِ ما لو أفْسَدَتْ نكاحَها بقتل
(4)
أوْ غَيرِه، فإنَّها لا تَغرَمُ له شَيئًا.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ)، وأفْسَدَه غَيرُها؛ (وَجَبَ مَهْرُهَا) المسمَّى لها، (وَلَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى أَحَدٍ)، قال في «المحرَّر»: هو الأقْوَى، وفي «المغْنِي»: هو الصَّحيحُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى؛ لأِنَّه لم يُقَرِّر
(5)
على الزَّوج شيئًا، ولم يُلزِمْه
(6)
إيَّاهُ، فلم يَرجِعْ عليه بشَيءٍ؛ كما
(7)
لو أفْسَدَتْ نكاحَ نفسها، ولأِنَّه لو مَلَكَ الرُّجوعَ بالصَّداق بَعْدَ الدُّخول؛ لَسَقَطَ إذا كانت المرأةُ هي المفْسِدةَ للنِّكاح؛ كما
(8)
قَبْلَ الدُّخول.
(وَذَكَرَ
(9)
الْقَاضِي: أَنَّهُ يَرْجِعُ بِهِ، وَرَوَاهُ
(10)
عَنْ أَحْمَدَ)؛ أيْ: نَصَّ عليه
(1)
ينظر: المدونة 2/ 302، الذخيرة 4/ 282.
(2)
في (ظ): والتزمته.
(3)
في (م): لأن.
(4)
في (م): بقول.
(5)
في (م): لم يقر.
(6)
في (ظ): لم يلزمه.
(7)
في (م): وكما.
(8)
قوله: (كما) سقط من (م).
(9)
في (ظ): فذكر.
(10)
في (م): رواه.
في روايةِ ابنِ القاسِمِ
(1)
، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ المرأةَ تَسْتَحِقُّ المهرَ كلَّه على زَوجِها، فيرجع
(2)
بما لَزِمَه؛ كنصف
(3)
المهرِ في غَيرِ المدْخُولِ بها، ولها
(4)
الأَخْذُ من المفْسِدِ، نَصَّ عليه
(5)
.
واعْتَبَرَ ابنُ أبي موسى للرُّجوع: العَمْدَ والعِلْمَ بحُكْمِه.
(وَلَوْ أَفْسَدَتْ نِكَاحَ نَفْسِهَا) بَعْدَ الدُّخول؛ (لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا، بِغَيْرِ خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ)، وفي «المغْنِي»: لا نَعلَمُ خِلافًا في ذلك
(6)
؛ كما لو ارْتدَّتْ، ولأِنَّ المهرَ استقرَّ بالدُّخول، والمسْتَقِرُّ لا يَسقُطُ بَعْدَ اسْتِقْراره، ولا يَرجِعُ عليها الزَّوجُ بشَيءٍ إذا كان أدَّاه إليها.
وقِيلَ: يَجِبُ نصفُ المسمَّى إنْ أفْسَدَتْه بعْدَ الدُّخول.
وذَكَرَ القاضِي: أنَّ لها نصفَ مَهْرِها، قالَهُ في «المستوعب» .
(وَإذَا
(7)
أَرْضَعَتِ امْرَأَتُهُ الْكُبْرَى الصُّغْرَى، فَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِ الصُّغْرَى)؛ لأِنَّ نكاحَها انْفَسَخَ بغَيرِ سببٍ مِنْ جِهَتِها، وذلك يُوجِبُ نصفَ المهرِ على الزَّوج؛ لأِنَّ الفَسْخَ إذا جاز مِنْ أجنبيٍّ؛ كان كطَلاقِ الزَّوج في كَونِ المهر عليه، (يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْكُبْرَى)؛ لأِنَّها هي التي تسبَّبتْ في انْفِساخِ نكاحِه؛ كما لو أتْلَفَ عليه المبِيعَ، فإنْ كانَتْ أمَةً؛ ففي رَقَبتِها؛ لأِنَّ ذلك مِنْ جِنايَتِها.
(1)
ينظر: المغني 8/ 186.
(2)
في (ظ): فترجع.
(3)
في (م): كيف.
(4)
في (ظ): ولهما.
(5)
ينظر: الفروع 8/ 285.
(6)
ينظر: المغني 8/ 184.
(7)
في (م): وإن.
وإنْ أرْضَعَتْ أمُّ وَلَدِه زَوجَتَه الصُّغرى؛ حرُمَت الصَّغيرةُ؛ لأِنَّها ربيبةٌ دخل بأمِّها، وتَحرُمُ أمُّ الولد أبدًا؛ لأِنَّها مِنْ أُمَّهاتِ نسائه، ولا غَرامَةَ عليها
(1)
؛ لأِنَّها أفْسَدَتْ على سيِّدها، ويَرجِعُ على المُكاتَبة؛ لأِنَّه يَلزَمُها أرْشُ جِنايَتِها.
(وَلَا مَهْرَ لِلْكُبْرَى إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا)؛ لأِنَّها هي التي تَسَبَّبتْ إلى انْفِساخِ نكاحِها، فَسَقَطَ صَداقُها؛ كما لو ارْتدَّتْ.
(وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؛ فَعَلَيْهِ صَدَاقُهَا)؛ لأِنَّه اسْتَقرَّ بالدُّخول، بدليلِ أنَّه لا يَسقُطُ برِدَّتها ولا بغَيرِها.
(وَإِنْ كَانَتِ الصُّغْرَى
(2)
هِيَ التِي دَبَّتْ إِلَى الْكُبْرَى وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَارْتَضَعَتْ مِنْهَا؛ فَلَا مَهْرَ لَهَا)؛ لأِنَّها فَسَخَتْ نِكاحَ نَفْسِها، وقاسَ في «الواضح» نائمةً على مُكرَهةٍ.
(وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا بِنِصْفِ مَهْرِ الْكُبْرَى إِنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا)؛ لأِنَّها تَسَبَّبتْ إلى فَسْخِ نكاحِها المُوجِبِ لتَقْريرِ نصفِ المسمَّى، وأتْلَفَتْ على الزَّوج البُضْعَ، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَتْ عليه مَبِيعًا.
(أَوْ بِجَمِيعِهِ إِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا
(3)
عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي)، ونَسَبَهُ في «الشَّرح» إلى الأصحاب؛ لِمَا تقدَّمَ.
(وَعَلَى مَا
(4)
اخْتَرْنَاهُ: لَا يَرْجِعُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِشَيْءٍ).
فإن ارْتَضَعَت الصَّغيرةُ منها رضعتَينِ وهي نائمةٌ، ثُمَّ انتبهت
(5)
الكبيرةُ فأتمَّتْ لها ثَلاثَ رَضعاتٍ؛ فقد حَصَلَ الفَسادُ بفِعْلِهما، فيَسقُطُ الواجِبُ
(1)
قوله: (ولا غرامة عليها) في (م): وغرمائه.
(2)
في (م): الصغيرة.
(3)
قوله: (بها) سقط من (م).
(4)
في (م): ولا على من.
(5)
في (ظ): انتهت.
عليها
(1)
، وعليه
(2)
مَهْرُ الكبيرة، وثلاثة أعْشارِ مهرِ الصَّغيرةِ يَرجِعُ به على الكُبْرَى.
وإنْ كان دَخَلَ بالكبيرة
(3)
؛ فعليه خُمسُ مهرها
(4)
، يَرجِعُ به على الصَّغيرة، وهل يَنفَسِخُ نكاحُ الصَّغيرةِ؟ على رِوايتَينِ.
فرعٌ: إذا أَرْضعتْ
(5)
أمُّ زوجتِه الكبرى المدخولِ بها زَوجتَه الصُّغرى؛ بَطَلَ نِكاحُهما؛ لأِنَّهما أُخْتانِ، وله نِكاحُ أيَّتِهما شاءَ، وتَغرَمُ المرضِعةُ كلَّ مَهْرِ الكُبْرى للزَّوج في الأصحِّ.
وإنْ أرْضَعَتْها بنتُ زوجته الكُبْرى؛ فهي كأمِّها.
وإنْ أرْضَعَتْها جدَّتُها؛ صارت الصُّغرى خالةَ الكُبْرى، أوْ عمَّتَها، فانْفَسَخَ نِكاحُهما، ونَكَحَ مَنْ شاءَ منهما.
وكذلك إنْ أرْضَعَتْها أُختُها، أو زوجةُ أخيها بلَبَنِه؛ لأِنَّها صارَتْ بنتَ أختِ الكبيرةِ، أوْ بنتَ أخيه، وكذلك إنْ أرضعتها
(6)
بنتُ أخيها، أو بنتُ أخْتِها، ولا تَحرُمُ واحدةٌ منهنَّ على التَّأبيد.
(وَلَوْ كَانَ لِرُجُلٍ خَمْسُ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ، لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ
(7)
، فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَةً؛ حَرُمَتْ عَلَيْهِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، صحَّحه في
(1)
كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 187، والشرح الكبير 24/ 257: فيتقسط الواجب عليهما.
(2)
في (ظ): وعلى.
(3)
في (م): وإن دخل بالكبيرة. وعبارة المغني 8/ 187، والشرح الكبير 24/ 257: وإن لم يكن دخل بالكبيرة.
(4)
زيد في (م): الواجب عليه، وعليه مهر الكبيرة.
(5)
في (م): ارتضعت.
(6)
قوله: (أو زوجة أخيها بلبنه
…
) إلى هنا سقط من (م).
(7)
قوله: (منه) سقط من (م).
«الرِّعاية» ، وقدَّمه في «الفروع» وغيره
(1)
؛ لأِنَّها ارْتَضَعَتْ مِنْ لَبَنِه خمسَ رَضَعاتٍ؛ كما لو أرْضَعَتْها واحدةٌ منهنَّ، فعلى هذا: تَثبُتُ الأُبُوَّةُ، (وَلَمْ تَحْرُمْ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ)؛ لأِنَّه لم تثبت
(2)
لهنَّ أُمُومةٌ.
والثَّاني: لا يَصِيرُ أبًا لها؛ لأِنَّه رَضاعٌ لم تَثبُتْ به الأُمومةُ، فلم يَثبُتْ به الأُبُوَّةُ؛ كلَبَنِ البهيمة.
فلَوْ أرْضَعْنَ طِفْلاً؛ لم يصيروا أمَّهاتٍ له، وصار المَوْلَى أبًا له، وقاله
(3)
ابنُ حامِدٍ وغَيرُه؛ لأِنَّه ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِه خمسَ رَضَعاتٍ.
وقِيلَ: لا تَثبُتُ الأُبُوَّةُ؛ كالأمومة، وكلَبَنِ الرَّجل.
والأوَّلُ أصحُّ، فإنَّ الأُبُوَّةَ إنَّما ثبتت
(4)
لكونه رَضَعَ من لَبَنِه، لا لكَونِ المرضعةِ
(5)
أُمًّا له، وإذا قُلْنا بثُبوتِ الأُبُوَّة؛ حَرُمَتْ عليه المرضِعاتُ، لأنه ربيبُهنَّ
(6)
، وهنَّ مَوطوءات أبيه.
فإنْ أرْضَعْنَه بغَيرِ لَبَنِ السَّيِّد؛ لم يَصْر السَّيِّدُ أبًا له بحالٍ، ولا يَحرُمُ أحدهما
(7)
على الآخَر في أصحِّ الوَجْهَينِ، قاله في
(8)
«الكافي» .
فرعٌ: إذا كان له خمسُ بناتٍ، فأرْضَعْنَ طِفْلاً رَضْعةً رَضْعةً؛ لم يَصِرْنَ أمَّهاتٍ له، وهل يَصِيرُ الرَّجلُ جَدًّا، وأوْلادُه - إخْوةُ المرْضِعاتِ - أخْوالَه وخَالَاتِه؟ على وَجْهَينِ:
(1)
في (م): وغيرها.
(2)
في (ظ): لم يثبت.
(3)
في (م): وقال.
(4)
في (م): تثبت.
(5)
في (م): المرضع.
(6)
في (ظ): لا ربيبتهن.
(7)
في (م): ولا تحرم إحداهن.
(8)
قوله: (في) سقط من (م).
أحدهما: يَصِيرُ؛ لأِنَّه قد كَمُلَ للمُرتَضِعِ خمسُ رَضَعاتٍ مِنْ لَبَنِ بناته؛ كما لو كان من واحدةٍ.
والآخر
(1)
: لا؛ لأنَّ كَونَه جَدًّا فَرْعٌ على كَونِ ابْنَتِه أُمًّا، وكَونَه خالاً فَرْعٌ على
(2)
كَونِ أُخْتِه أُمًّا، ولم يَثبُتْ ذلك، فلا يَثبُتُ الفَرْعُ، وهذا الوَجْهُ أرْجَحُ؛ لأِنَّ الفَرْعيَّةَ مُتحَقِّقة.
فإن قُلْنا: يَصِيرُ أخوهنَّ خالاً؛ لم تثبت
(3)
الخُؤولةُ في حقِّ واحدةٍ منهنَّ، ولكِنْ يَحتَمِلُ التَّحريمَ؛ لأِنَّه قد اجْتَمَعَ من اللَّبن المحرِّمِ خمسُ رَضَعاتٍ.
ولو كَمُلَ للطِّفل خمسُ رَضَعاتٍ مِنْ أُمِّه، وأُخْتِه، وابْنَتِه، وزَوجَتِه، وزَوجةِ ابْنِه؛ فعلى الخِلاف.
(وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ نِسْوَةٍ لَهُنَّ لَبَنٌ مِنْهُ، فَأَرْضَعْنَ امْرَأَةً لَهُ
(4)
صُغْرَى، كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَتَيْنِ
(5)
؛ لَمْ تَحْرُمِ الْمُرْضِعَاتُ)؛ لأِنَّ عددَ الرَّضَعات لم يَكمُلْ لكلِّ واحدةٍ مِنْهُنَّ.
(وَهَلْ تَحْرُمُ الصُّغْرَى؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
(أَصَحُّهُمَا: تَحْرُمُ)؛ لأِنَّها ارتضعت
(6)
مِنْ لَبَنِه خَمْسَ رَضَعَاتٍ.
والثَّاني: عُلِمَ من المسألة الأولى.
وجَمَعَ بَينَهُما المؤلِّفُ في «الكافي» ، وصحَّح التَّحريمَ فيهما.
(وَعَلَيْهِ نِصْفُ مَهْرِهَا)؛ لأِنَّ نكاحَها انْفَسَخَ لا بسببٍ منها، (يَرْجِعُ
(7)
بِهِ
(1)
في (م): والأخرى.
(2)
قوله: (على) سقط من (ظ).
(3)
في (م): لم يثبت.
(4)
قوله: (له) سقط من (م).
(5)
زيد في (م): منهن.
(6)
في (م): أرضعت.
(7)
في (م): ويرجع.
عَلَيْهِنَّ)؛ لأِنَّهنَّ قرَّرْنَ ذلك عليه، وتسبَّبْنَ إلى إتْلافِ البُضْعِ، أشْبَهَ ما لو أتْلَفْنَ مَبِيعَه، (عَلَى قَدْرِ رَضَاعِهِنَّ، فَيُقْسَمُ
(1)
بَيْنَهُنَّ أَخْمَاسًا)؛ لأِنَّه إتْلافٌ اشْتَرَكُوا فيه، فكان على كلِّ واحدةٍ بقَدْرِ ما أتْلَفَ؛ كما لو أتْلَفُوا عَينًا وتَفاوَتُوا في الإتْلافِ.
فرعٌ: إذا أرْضَعَت امرأتُه طفلاً ثلاثَ رَضَعاتٍ بلَبنِ رجلٍ، ثُمَّ انْقَطَعَ لبنُها فتزوَّجَتْ غَيرَه، فصار لها لبنٌ، فأرْضَعَتْ به الطِّفْلَ رضعتَينِ؛ صارتْ أمَّه بغَيرِ خلافٍ علمناه عندَ القائلين بأنَّ الخَمْسَ مُحرِّماتٌ
(2)
، ولم يَصِر الرَّجُلانِ أبَوَيهِ؛ لأِنَّه لم يَكمُلْ عددُ الرَّضاع من لبنِ واحدٍ منهما، ويَحرُمُ عَلَيهِما لكونه ربيبهما
(3)
، لا لكَونِه ولدهما
(4)
.
(فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ امْرَأَةٍ؛ لَهُنَّ لَبَنٌ، فَأَرْضَعْنَ ثَلَاثَ نِسْوَةٍ
(5)
صِغَارًا؛ حَرُمَتِ الْكُبْرَى)؛ لأِنَّها من جَدَّاتِ النِّساء، وجَدَّةُ الزَّوجة مُحرَّمةٌ، (وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا؛ حَرُمَ الصِّغَارُ أَيْضًا)؛ لأِنَّهنَّ ربائبُ مَدخُولٌ بأُمِّهِنَّ.
(وَإِنْ
(6)
لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا؛ فَهَلْ يَنْفَسِخُ نِكَاحُ مَنْ كَمُلَ رَضَاعُهَا، أَوْ لَا؟
(7)
عَلَى رِوَايَتَيْنِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحدةٍ اجْتَمَعَتْ مع جَدَّتِها في النِّكاح، أشبه
(8)
ما لو اجْتَمَعَتْ مع أمِّها، وقد تقدَّمتِ الرِّوايَتانِ فيما إذا اجْتَمَعَتْ مع أُمِّها.
(وَإِنْ أَرْضَعْنَ وَاحِدَةً، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ؛ فَهَلْ تَحْرُمُ الْكُبْرَى
(1)
في (ظ): فقسم.
(2)
ينظر: المغني 8/ 181.
(3)
في (م): ربيبها.
(4)
في (م): ولدها.
(5)
زيد في (م): لهن.
(6)
قوله: (إن) سقط من (م).
(7)
قوله: (أو لا) مطموسة من (م).
(8)
في (م): أشبهه.
بِذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أصحُّهما: تَحرُمُ؛ لأِنَّها صارَتْ جدَّةً بكَونِ الصغرى
(1)
قد كَمُل لها خمسُ رَضَعاتٍ مِنْ بناتِها.
والثَّاني، قال في «الشَّرح»: وهو أَوْلَى: لا تَصِيرُ جَدَّةً، ولا يَنفَسِخُ نكاحُها؛ لأِنَّ كَونَها جَدَّةً فَرْعٌ على كَوْنِ ابْنَتِها أُمًّا، ولم تَثْبُتِ الأُمومةُ، فما هو فَرْعٌ عليها أَوْلَى.
فرعٌ: تزوج
(2)
رجلانِ كُبْرَى وصُغْرَى، ثُمَّ طلَّقاهُما، وتزوَّجَ كلُّ واحدٍ منهما زوجةَ الآخَر، فأرْضَعَت الكُبْرى الصُّغْرى؛ حَرُمَت الكُبْرى عليهما؛ لأِنَّها صارَتْ من أمَّهاتِ نسائهما، وتَحرُمُ الصُّغْرَى على مَنْ دَخَلَ بالكُبْرَى؛ لأِنَّها ربيبةٌ مَدخُولٌ بأمِّها
(3)
.
(1)
في (م): الصغيرة.
(2)
في (م): إذا تزوجا.
(3)
كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف).
(فَصْلٌ)
(إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَلَهَا لَبَنٌ مِنْهُ، فَتَزَوَّجَتْ بِصَبِيٍّ، فَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ؛ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا مِنْهُ، وَحَرُمَتْ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّها صارَتْ أُمَّه من الرَّضاع، (وَعَلَى الْأَوَّلِ أَبَدًا)، وعلَّله المؤلِّفُ بقَولِه:(لِأَنَّهَا صَارَتْ مِنْ حَلَائِلِ أَبْنَائِهِ)، وذلك أنَّ الصَّبيَّ صار ابنًا للمطلق
(1)
؛ لأِنَّه رَضعَ مِنْ لبنه
(2)
رضاعًا مُحرِّمًا، وهي زوجتُه، فلَزِمَ مِنْ صَيرورتِها من حَلائلِ أبنائه.
وإنْ تزوَّجَتْ بآخر
(3)
ودَخَلَ بها، ومات عنها؛ لم يَجُزْ أنْ يتزوَّجَها الأوَّلُ؛ لأِنَّها صارَتْ مِنْ حَلائلِ الأبْناءِ لَمَّا أرْضَعَت الصَّبِيَّ الذي تزوَّجَتْ به.
(وَلَوْ تَزَوَّجَتِ الصَّبِيَّ أَوَّلاً، ثُمَّ فَسَخَتْ نِكَاحَهُ لِعَيْبٍ، ثُمَّ تَزَوَّجَتْ كَبِيرًا، فَصَارَ لَهَا
(4)
مِنْهُ لَبَنٌ، فَأَرْضَعَتْ بِهِ الصَّبِيَّ؛ حَرُمَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى الْأَبَدِ) على الكبير؛ لأِنَّها صارَتْ مِنْ حلائلِ أبْنائِه، وعلى الصَّبيِّ؛ لأِنَّها صارَتْ أُمَّه.
مسألةٌ: إذا زوَّج
(5)
أمَّ وَلَدِه صغيرًا مَمْلوكًا، فأرْضَعَتْه بلَبَنِ سيِّدها؛ انْفَسَخَ نكاحُها، وحَرُمَتْ على سيِّدها أبدًا؛ لأِنَّها صارَتْ مِنْ حلائلِ أبنائه.
ولو زوَّجَها حرًّا صغيرًا؛ لم يَصِحَّ نكاحُه؛ لِعَدَمِ خَوفِ العَنَت، وإنْ أرْضَعَتْه بلَبَنِ السَّيِّد لم يَصِر السَّيِّدُ أباهُ، ولم يَحرُمْ أحدُهما على الآخر
(6)
في الأصحِّ؛ لأِنَّه لَيسَ بزوجٍ في الحقيقة.
(1)
في (م): للمطلقة.
(2)
في (م): لبنها.
(3)
في (م): بأخرى.
(4)
قوله: (فصار لها) في (م): ولها.
(5)
في (م): تزوج.
(6)
في (م): ولم تحرم إحداهما على الأخرى.
(فَصْلٌ)
(إِذَا شَكَّ فِي الرَّضَاعِ، أَوْ عَدَدِهِ؛ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه، والأصلُ عدمُ وُجودِ الرَّضاع المحرِّمِ.
(وَإِنْ شَهِدَ بِهِ امْرَأَةٌ مَرْضِيَّةٌ؛ ثَبَتَ بِشَهَادَتِهَا)، هذا المذهَبُ، وهو قَولُ طاوُسٍ، والزُّهْرِيِّ، والأَوْزاعِيِّ؛ لِمَا رَوَى عقبةُ بنُ الحارِثِ، قال: تزوَّجْتُ أمَّ يَحيى بنتَ أبي إِهابٍ، فجاءَتْ أَمَةٌ سَوداءُ، فقالَتْ: قد أرْضَعْتُكما، فأتَيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فذَكَرْتُ ذلك له، فقال: «وَكَيْفَ، وقد زَعَمَتْ ذلك
(1)
» فنَهاهُ عنها، وفي روايةٍ:«دَعْهَا عَنْكَ» رواه البخاريُّ
(2)
، وقال الزُّهْرِيُّ:«فُرِّقَ بَينَ أهلِ أبْياتٍ في زَمَنِ عُثْمانَ بشهادةِ امرأةٍ واحدةٍ»
(3)
، ولأِنَّ هذه شهادةٌ على عَورةٍ، فتُقبل
(4)
فيه شهادةُ النِّساء مُنفَرِداتٍ؛ كالوِلادَة، ولأِنَّه مَعْنًى يُقبَلُ فيه قَولُ النِّساء المنفَرِداتِ، فيُقبل فيه
(5)
شهادةُ امرأةٍ، يُؤيِّدُه: ما رَوَى محمَّدُ ابنُ عبد الرَّحمن بن البيلماني
(6)
عن أبيه، عن ابن عمرَ قال
(7)
: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم ما يَجُوزُ في الرّضاع من الشهود؟ فقال
(8)
: «رجلٌ، أو امرأة
(9)
» رواه أحمدُ،
(1)
قوله: (ذلك) سقط من (م).
(2)
أخرجه البخاري (2659، 2660).
(3)
أخرجه عبد الرزاق (13969)، وهو منقطع بين الزهري وعثمان رضي الله عنه.
(4)
في (م): فيقبل.
(5)
قوله: (فيقبل فيه) هو في (ظ): فتقبل.
(6)
في (م): البليماني.
(7)
قوله: (قال) سقط من (م).
(8)
في (م): قال: فقال.
(9)
في (م): وامرأة.
وقال
(1)
البَيهَقِيُّ: إسناده
(2)
ضعيفٌ، وقد اخْتُلِفَ في مَتْنِه
(3)
.
وظاهِرُه: أنَّها إذا لم تكُنْ مَرضِيَّةً؛ أنَّه لا يُقبَلُ قَولُها، وهو كذلك.
وتُقبَلُ شهادةُ المرضِعةِ على فِعْلِ نفسها؛ للخبر.
والمتبرِّعةُ وغَيرُها سَواءٌ، وقِيلَ: مع اليمين، قاله ابنُ حَمْدانَ، ولأِنَّه فِعْلٌ لا يَحصُلُ لها به نَفْعٌ مَقصودٌ، ولا يَدفَعُ عنها ضررًا.
لا يُقالُ: إنَّها تستبيح الخَلْوةَ والسَّفرَ معه، وتَصيرُ مَحرَمًا له؛ لأِنَّ هذا لَيسَ من الأُمور المقصودة التي تُرَدُّ بها الشَّهادةُ، ألَا تَرَى لو أنَّ رجلَينِ شَهِدَا أنَّ فُلانًا طلَّق زوجتَه وأعْتَقَ أمَتَه؛ قُبِلَت
(4)
شهادتُهما وإنْ حلَّ لهما
(5)
نكاحُها بذلك.
(وَعَنْهُ: إِنْ كَانَتْ مَرْضِيَّةً اسْتُحْلِفَتْ) مع شَهادَتها، (وَإِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً؛ لَمْ يَحُلِ الْحَوْلُ عَلَيْهَا حَتَّى يَبْيَضَّ
(6)
ثَدْيَاهَا)، أيْ: يُصِيبَها فيه بَرَصٌ؛ عُقُوبةً على شهادتها
(7)
الكاذِبةِ، (وَذَهَبَ فِيهِ إِلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
(8)
،
(1)
في (م): قال.
(2)
في (ظ): إسناد.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (13982)، وأحمد (4910)، والطبراني في الكبير (14145)، والبيهقي في الكبرى (15677)، وفي سنده محمد بن عثيم، قال النسائي:(متروك)، وضعفه ابن عدي والدارقطني وغيرهم، وفيه أيضًا: البيلماني وهو ضعيف جدًّا، منكر الحديث، وقال البيهقي:(اختلف عليه في متنه، فقيل: هكذا، وقيل: رجل وامرأة، وقيل: رجل وامرأتان)، وضعفه البيهقي وابن عبد الهادي. ينظر: تنقيح التحقيق 5/ 79، ميزان الاعتدال 3/ 644، تهذيب التهذيب 9/ 293.
(4)
في (م): فقبلت.
(5)
في (م): لها.
(6)
في (ظ): تبيض.
(7)
في (م): شهادة.
(8)
أخرجه عبد الرزاق (13971)، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«شهادة المرأة الواحدة جائزة في الرضاع إذا كانت مرضية وتستحلف مع شهادتها» ، قال: وجاء ابن عباس رجل، فقال: زعمت فلانة أنها أرضعتني وامرأتي وهي كاذبة، فقال ابن عباس:«انظروا فإن كانت كاذبة فسيصيبها بلاء» قال: فلم يحل الحول حتى برص ثديها. وإسناده صحيح.
فالظاهر أنَّه
(1)
لا يَقولُ ذلك إلاَّ عن تَوقِيفٍ؛ لأِنَّ هذا لا يَقتَضِيهِ القِياسُ، ولا يَهتَدِي إليه رأيٌ.
وعَنْهُ: لا تقبل
(2)
إلاَّ شهادةُ امْرأتَينِ، وهو قَولُ الحَكَم؛ لأِنَّ الرِّجالَ أكْمَلُ من النِّساء.
تنبيهٌ: قال ابنُ حَمْدانَ: يُقبل
(3)
فيه قَولُ أمِّ المنْكِر وبِنْتِه، لا المدَّعِي، إلاَّ أنْ يَبتدِئا حِسْبةً.
ولا يُقبَلُ في الإقرار به شهادةُ النِّساء فَقَطْ، حتَّى أمِّ المرضِعةِ، وقال
(4)
ابن حَمْدانَ: إنَّ
(5)
الظِّئْرَ إذا قالَتْ: أشْهَدُ أنَّي أرضعتهما
(6)
لم يُقبَلْ، وإنْ قالَتْ: أشْهَدُ أنَّهما ارتضعا
(7)
منِّي قُبِلَ.
(وَإِذَا تَزَوَّجَ امْرَأَةً، ثُمَّ قَالَ قَبْلَ الدُّخُولِ: هِيَ أُخْتِي مِنَ الرَّضَاعِ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ)، وحَرُمَتْ عليه؛ لأِنَّه أقرَّ بما يتضمَّن تحريمَها عليه؛ كما لو أقرَّ بالطَّلاق ثُمَّ رَجَعَ، أو أقرَّ
(8)
أنَّ أمَتَه أختُه من النَّسَب، ولو ادَّعى خَطَأً.
وهذا في الحُكْم، فأمَّا فِيما بَينَه وبَينَ الله تعالى؛ فإنْ عَلِمَ أنّ الأمْرَ كذلك؛ فهي مُحرَّمةٌ عليه، وإنْ عَلِمَ كَذِبَ نفْسِه؛ فالنِّكاحُ باقٍ بحاله.
(1)
قوله: (أنه) سقط من (ظ).
(2)
في (م): لا يقبل.
(3)
في (م): تقبل.
(4)
في (ظ): قوله: (أم المرضعة وقال) في (م): المرضية قال.
(5)
قوله: (إن) سقط من (م).
(6)
في (ظ): أرضعتكما.
(7)
في (م) ارتضعتا.
(8)
في (م): وأقر.
(فَإِنْ صَدَّقَتْهُ؛ فَلَا مَهْرَ)؛ لأِنَّهما اتَّفَقا على أنَّه نكاحٌ
(1)
باطِلٌ مِنْ أصْله، لا يَستَحِقُّ فيه مَهْرًا؛ كما لو ثَبَتَ ببينة
(2)
.
(وَإِنْ كَذَّبَتْهُ)؛ قُبِلَ قَولُها؛ لأِنَّ قَولَه غَيرُ مَقْبولٍ عليها في إسْقاطِ حُقوقِها، وتحريمُها عليه حقٌّ له، فقُبِلَ؛ (فَلَهَا نِصْفُ الْمَهْرِ)؛ لأِنَّها فُرْقَةٌ قَبْلَ الدُّخول.
(وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ انْفَسَخَ النِّكَاحُ، وَلَهَا الْمَهْرُ بِكُلِّ حَالٍ)؛ لأِنَّه اسْتَقرَّ بالدُّخول، وهذا ما
(3)
لم تُطاوِعْه عالِمةً بالتّحريم.
وقِيلَ: إنْ صدَّقَتْهُ؛ سقَطَ، قال في «الفروع»: ولعلَّ مُرادَه المسمَّى؛ فيَجِبُ مَهْرُ المِثْل.
لكِنْ قال في «الرَّوضة» : لا مَهْرَ لها عليه.
وقال ابنُ حمْدانَ: بلْ يَجِبُ لها مهرُ المِثْل مع جَهْلِها بالتَّحريم.
(وَإِنْ كَانَتْ هِيَ التِي قَالَتْ: هُوَ أَخِي مِنَ الرَّضَاعِ، وَأَكْذَبَهَا)، ولا بيِّنةَ، وحَلَفَ، قاله
(4)
في «الرِّعاية» ؛ (فَهِيَ زَوْجَتُهُ
(5)
فِي الْحُكْمِ)؛ لأِنَّه لا يُقبَلُ قَولُها في فَسْخِ النِّكاح؛ لأِنَّه حقٌّ عليها
(6)
.
ولا مَهْرَ لها إنْ طلَّقها قَبْلَ الدُّخول؛ لأِنَّها تُقِرُّ بأنَّها لا تَستَحِقُّه، وإنْ كانَتْ قَبَضَتْه لم يَطْلُبْه الزَّوجُ؛ لأِنَّه يُقِرُّ بأنَّه حقٌّ لها.
وإنْ كان بَعْدَ الدُّخول؛ وَجَبَ، قدَّمه في «الرِّعاية» .
وفي «الشَّرح» ، و «الفروع»: إنْ كانَتْ عالِمةً بأنَّها أختُه، وبتحريمها
(7)
(1)
في (م): أن النكاح.
(2)
في (م): ثبتت بينة.
(3)
قوله: (وهذا ما) في (م): وهي.
(4)
قوله: (وحلف، قاله) في (م): وقاله.
(5)
في (م): زوجة.
(6)
في (ظ): عليه.
(7)
في (م): وتحريمها.
عليه، وطاوَعَتْه في الوطء؛ فلا مَهْرَ؛ لإقرارها
(1)
بأنَّها زانيةٌ مطاوِعة
(2)
.
وإنْ أنْكَرَتْ شيئًا مِنْ ذلك؛ فلها المهرُ؛ لأِنَّه وطءُ شُبْهةٍ، وهي زَوجَتُه حُكْمًا؛ لأِنَّ قَولَها غَيرُ مَقْبولٍ عليه.
تنبيهٌ: إذا عَلِمَتْ صحَّةَ ما أقرَّتْ به؛ لم يَحِلَّ لها تمكينُه، وتَفتَدِي نفْسَها بما أمْكَنَها، ويَنبَغِي أنْ يكونَ الواجِبُ أقلَّ الأَمْرَينِ من المسمَّى أوْ مهرِ المِثل.
فإنْ كان إقْرارُها بأُخُوَّته قبلَ النِّكاح؛ لم يَجُزْ لها نكاحُه، ولا
(3)
يُقبَلُ رجوعُها عن إقْرارها في ظاهِرِ الحُكْم.
وكذلك لو أقرَّ الرَّجُل أنَّها أختُه من الرّضاع، أوْ مُحرَّمةٌ عليه بغيره، وأمْكَنَ صِدْقُه؛ لم يَحِلَّ له تزويجُها بعدَ ذلك في ظاهِر الحُكم، وأمَّا فِيما بَينَه وبَينَ الله تعالى؛ فيَنْبَنِي على عِلْمه بحقيقة الحال.
ويَحلِفُ مُدَّعِي الرَّضاع على البَتِّ، ومُنكِرُه على نَفْيِ العِلْمِ به
(4)
.
وإذا ادَّعت أمَةٌ أُخُوَّةَ سيِّدها بعدَ وطءٍ؛ لم يُقبَلْ، وإنْ كان قَبْلَه؛ فوَجْهانِ.
(وَلَوْ قَالَ الزَّوْجُ: هِيَ ابْنَتِي مِنَ الرَّضَاعِ، وَهِيَ فِي سِنِّهِ أَوْ أَكْبَرُ مِنْهُ؛ لَمْ تَحْرُمْ)؛ جزم به الأصحابُ؛ (لِتَحَقُّقِنَا كَذِبَهُ)؛ كما لو قال: أرْضَعَتْنِي وإيَّاها
(5)
حَوَّاءُ.
قال ابنُ المنَجَّى: ولا بدَّ أنْ يُلْحَظَ أنَّ الزَّوجَ لو قال ذلك وهي
(6)
في سنٍّ
(1)
في (م): لإقراره.
(2)
في (م): مطالبة.
(3)
في (م): ولم.
(4)
قوله: (به) سقط من (م).
(5)
في (ظ): وأباها.
(6)
قوله: (وهي) سقط من (م).
لا يُولَدُ مثلها
(1)
لِمِثْلِه، وإنْ كان أصغر
(2)
؛ كان كما لو قال ذلك وهي في سِنِّه؛ لتحقُّقِ
(3)
ما ذكر فيه.
فرعٌ: إذا ادَّعى أنَّ زَوجتَه أُخْتُه من الرّضاع، فأنْكَرَتْه، فشَهِدَ بذلك أُمُّه أو ابنتُه؛ لم يُقبَلْ؛ لأِنَّها شهادةُ الوالد لولده، وإنْ شَهِدَتْ أمُّها أو ابْنتُها؛ قُبلت
(4)
.
وعنه: لا، بِناءً على شهادة الوالد على ولده، والولد على والده.
وإن ادَّعت ذلك المرأةُ، وأنْكَرَها الزَّوجُ، فشَهِدَتْ لها أُمُّها أوِ ابْنتُها؛ لم يُقْبَلَ، وإنْ شَهِدَتْ لها أمُّ الزَّوج أو ابنته
(5)
؛ قُبِلَ في أصح
(6)
الوَجْهَينِ، قاله في «الشَّرح» .
(وَلَوْ تَزَوَّجَ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ لَهَا لَبَنٌ مِنْ زَوْجٍ قَبْلَهُ، فَحَمَلَتْ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ لَبَنُهَا)، أوْ زاد قَبْلَ أوانِه؛ (فَهُوَ لِلْأَوَّلِ)؛ لأِنَّ اللَّبَنَ إذا بَقِيَ بحاله، لم
(7)
يَزِدْ ولم يَنقُصْ، ولم تَلِدْ من الثَّاني؛ فهو للأوَّل؛ لأِنَّ اللَّبَنَ كان له، والأصلُ بَقاؤه.
وعُلِمَ منه: أنَّها إذا لم تَحمِلْ من الثَّاني؛ أنَّه للأوَّل مُطلَقًا، وأنَّها إذا وَلَدَتْ من الثَّاني؛ فاللَّبَنُ له خاصَّةً إجماعًا
(8)
.
(1)
في (م): لمثلها.
(2)
في (م): صغيرًا.
(3)
في (م): لتحقيق.
(4)
في (م): بنتها لم يقبل.
(5)
في (م): وابنته.
(6)
قوله: (أصح) سقط من (م).
(7)
في (م): ولم.
(8)
ينظر: الإشراف 5/ 126، وفيه:(أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم أن حكم لبن الأول ينقطع بالولادة من الزوج الثاني)، ونقل الإجماع في المغني 8/ 182، وظاهر الإجماع: أنه للثاني بعد الولادة مطلقًا، سواء زاد اللبن أو لم يزد، وجزم به في المغني والشرح.
وسيأتي في كلام المصنف قريبًا: أنها إذا ولدت ولم يزد اللبن ولم ينقص؛ أن فيه خلافًا، وأن نص أحمد على أنه لهما، واختار ابن قدامة: أنه للثاني. وينظر: الإنصاف 24/ 284.
(وَإِنْ زَادَ لَبَنُهَا) في أوانِه، (فَأَرْضَعَتْ بِهِ طِفْلاً؛ صَارَ ابْنًا لَهُمَا) في قَولِ أصحابنا؛ كما لو كان الولدُ منهما؛ لأِنَّ زيادتَه عِنْدَ حدوثِ الحَمْل ظاهِرٌ في أنَّه منه، وبقاءُ لبنِ الأوَّل يَقتَضِي كَونَ أصْلِه منه، فيَجِبُ أنْ يُضافَ إلَيهِما.
(وَإِنِ انْقَطَعَ لَبَنُ الْأَوَّلِ، ثُمَّ ثَابَ
(1)
بِحَمْلِهَا مِنَ الثَّانِي؛ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)؛ أيْ: هو ابنٌ لهما، اختاره أكثرُ أصحابِنا، وقدَّمه في «الفروع» ؛ كما لو لم يَنقَطِعْ.
(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: هُوَ ابْنُ الثَّانِي وَحْدَهُ)، قال الحُلْوانيُّ: وهو الأحْسَنُ؛ لأِنَّ لبنَ الأوَّل انْقَطَعَ، فزالُ حُكْمُه بانْقِطاعه، وحَدَثَ بالحمل من الثَّاني، فكان له؛ كما لو لم يكُنْ لها لَبَنٌ من الأوَّل.
وإنْ لم يَزِدْ ولم يَنقُصْ حتَّى وَلَدَتْ؛ فهو لهما، نَصَّ عليه
(2)
، وذَكَرَ المؤلِّفُ: أنَّه للثَّاني؛ كما لو زادَ
(3)
.
فائدةٌ: كَرِهَ أحمدُ الاِرْتِضاعَ بلبنِ فاجِرةٍ ومُشركَةٍ؛ لقولِ عمرَ بنِ الخَطَّاب وابنِه
(4)
، وكذا حَمْقاء وسيِّئة الخُلُق؛ لقوله عليه السلام: «لا تَزَوَّجُوا الْحَمْقاءَ، فإنَّ
(1)
قوله: (ثم ثاب) سقط من (م).
(2)
ينظر: الفروع 9/ 280.
(3)
كذا في الفروع 9/ 280، وتقدم حكاية الإجماع أنه بعد الولادة من الثاني يكون ابنًا للثاني، وفصَّل في الإنصاف 24/ 284 فقال:(متى ولدت، فاللبن للثاني وحده، إلا إذا لم يزد لبنها ولم ينقص من الأول حتى ولدت؛ فإنه يكون لهما، على الصحيح من المذهب، قدمه في «المحرر»، و «النظم»، و «الرعايتين»، و «الحاوي»، و «الفروع»، وغيرهم، ونص عليه، وذكر المصنف أنه للثاني، كما لو زاد، جزم به في «المغني» و «الكافي»، و «الشرح»، وحكاه ابن المنذر إجماعًا).
(4)
أخرجه عبد الرزاق (13953)، وسعيد بن منصور (2299)، والبيهقي في الكبرى (15679)، عن عمر بن حبيب قال: حدثني شيخ قال: جلست إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: أمن بني فلان أنت؟ قلت: لا، ولكنهم أرضعوني، قال: أما إني سمعت عمر يقول: «إن اللبن يشبه عليه» ، وفيه راوٍ مبهم، وأخرجه البيهقي في الكبرى (15680)، من طريق ابن جريج، عن عثمان بن أبي سليمان، عن شعيب بن خالد الخثعمي، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«اللبن يشبه عليه» ، قال البيهقي:(ورواه عبد الله بن الوليد العدني عن الثوري بهذا الإسناد قال: جلست إلى عبد الله بن عمر فقال: أهم ولدك؟ سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: «إن الرضاع يشبه عليه»)، وشعيب بن خالد قال فيه ابن حجر:(مقبول).
صُحبتَها بلاءٌ، وفي ولدها ضَياعٌ، ولا تَستَرْضِعوها، فإنَّ لَبَنَها يُغيِّرُ الطِّباعَ»
(1)
.
وفي «المجرد» : وبهيمة
(2)
؛ لأنَّه يكونُ فيه بَلَدُ البهيمة، وفي «التَّرغيب»: وعمياء، وفي «المستوعب»: وزنجيَّة.
(1)
أخرجه البزار (42)، من حديث عائشة رضي الله عنها نحوه مختصرًا، وفي سنده عكرمة بن إبراهيم الأزدي وهو ضعيف، وضعف حديثه البزار والهيثمي.
وأخرجه ابن عدي في الكامل (6/ 263)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعًا:«لا ترضع لكم الحمقاء فإن اللبن يعدي» ، وفيه: عمرو بن خليق متهم بالوضع.
وأخرجه الطبراني في الأوسط (65)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«نهى عن رضاع الحمقاء» ، وفيه: الحكم بن يعلى بن عطاء المحاربي وهو متروك الحديث، وشيخه: عباد بن عبد الصمد، منكر الحديث واهٍ.
وأخرج أبو داود في المراسيل (207)، والبيهقي في الكبرى (15682)، عن زياد السهمي قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسترضع الحمقاء؛ فإن اللبن يشبه» ، قال البيهقي:(مرسل)، ومع إرساله فإن زيادًا السهمي والرواي عنه مجهولان. ينظر: بيان الوهم 3/ 63، مجمع الزوائد 4/ 262، الفوائد المجموعة (ص 131)، الضعيفة (5602).
(2)
في (م): بهيمة.
(كِتَابُ النَّفَقَاتِ)
وهي: جَمْعُ نَفَقَةٍ، وتجمع
(1)
على: نِفاقٍ؛ كثَمَرة وثمار
(2)
، وهي الدَّراهِمُ ونحوُها من الأموال، لكنَّ النَّفقةَ: كفايةُ مَنْ يَمونُه خُبْزًا وأُدْمًا ونحوَها.
وأصْلُها: الإخْراجُ، من النَّافِقاء، وهو مَوضِعٌ يَجعَلُهُ الضَّبُّ
(3)
في مُؤخَّرِ الجُحْر رقيقًا، يُعِدُّه للخروج إذا أُتِيَ مِنْ بابه رفعه
(4)
برأسه وخرج منه
(5)
، ومنه سُمِّيَ النِّفاقُ؛ لأِنَّه خروجٌ من الإيمان، أوْ خروجُ الإيمان من القلب؛ فسُمِّيَ الخُروجُ نفقةً لذلك.
وهِيَ أصْنافٌ: نَفَقَةُ الزَّوجات، وهي المقْصودةُ هنا، ونَفَقةُ الأقارِب، والمماليك.
(يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ)، إجْماعًا
(6)
، وسَنَدُه قولُه تعالى:{لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا} [الطّلَاق: 7]، ومَعْنَى «قُدِرَ»: ضُيِّقَ، وقَولُه تعالى:{قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [الأحزَاب: 50]، وقَولُه صلى الله عليه وسلم:«فاتَّقُوا اللهَ في النِّساء، فإنَّكم أخَذْتُموهنَّ بأمانةِ اللهِ، واسْتَحْلَلْتُمْ فُروجَهنَّ بكلمةِ الله، ولهنَّ عليكُمْ نَفَقَتُهنَّ وكسْوتُهنَّ بالمعروف» رواه مسلِمٌ
(7)
، وقَولُه عليه السلام:
(1)
في (م): ويجمع.
(2)
في (ظ): كتمرة وتمار.
(3)
قال في المحكم 6/ 447: (النافقاء: جحر الضب واليربوع).
(4)
في (م): دفعه.
(5)
قوله: (منه) سقط من (م).
(6)
ينظر: الإشراف 5/ 154، مراتب الإجماع ص 79.
(7)
أخرجه مسلم (1218)، في حديث جابر رضي الله عنه في صفة الحج.
«أَلَا وحقُّهنَّ عليكم أنْ تُحْسِنُوا إلَيهِنَّ في طعامِهنَّ وكِسوتهنَّ
(1)
» رواه التِّرْمذِيُّ، وصحَّحه من حديثِ عَمْرِو بن الأَحْوَص
(2)
، ولأِنَّها مَحبوسةٌ على الزَّوج، يَمنَعُها مِنْ التَّصرُّف والاِكْتِساب، فوجبت
(3)
نفقتُها؛ كالعبد مع سيِّده.
(مَا لَا غِنَى لَهَا عَنْهُ
(4)
، بَيانٌ لِمَا تَجِبُ النَّفقة، (وَكُسْوَتُهَا بِالْمَعْرُوفِ)؛ أيْ: إذا سلَّمت
(5)
نفسَها إليه على الوجهِ الواجِبِ، فلها عليه جميعُ حاجتها؛ من
(6)
مأكولٍ، ومشروبٍ، وملبوسٍ.
(وَمَسْكَنُهَا)؛ لأِنَّه تعالى أوْجَبَه للمطلَّقة بقوله: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطّلَاق: 6]، فتجب
(7)
لِمَنْ هي في صُلْبِ النِّكاح بطَريقِ الأَوْلَى، وهو
(8)
من جملةِ مُعاشَرَتِها بالمعروف؛ لأِنَّها لا تَستَغْنِي عنه؛ لِلاِسْتِتار عن العُيون في الاِسْتِمْتَاع، والتَّصرُّف، والحِفْظ.
(بَمَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا)، الظَّاهِرُ أنَّه يَعُودُ إلى المسكن خاصَّةً؛ لأِنَّ صلاحية
(9)
ما قبلَ ذلك عُلِمَ بقوله: (بالمعروف)، ويكون ذلك على قدر اليَسار والإعسار
(10)
، وكالنَّفقة والكُسْوة.
(1)
في (م): كسوتهن وطعامهن.
(2)
أخرجه الترمذي (1163)، والنسائي في الكبرى (9124)، وابن ماجه (1851)، وفيه سليمان بن عمرو بن الأحوص، قال الذهبي في الكاشف:(ثقة)، وقال ابن حجر:(مقبول)، وبقية رجال الحديث ثقات، وله شواهد تقويه، وصححه الترمذي وحسنه الألباني. ينظر: الكاشف 1/ 436، الإرواء 7/ 96.
(3)
في (م): فوجب.
(4)
في (ظ): منه.
(5)
في (م): أسلمت.
(6)
قوله: (من) سقط من (م).
(7)
في (م): فيجب.
(8)
في (م): وهي.
(9)
في (م): صلاحيته.
(10)
في (م): والاعتبار.
(وَلَيْسَ
(1)
ذَلِكَ مُقَدَّرًا)؛ لحديثِ هِنْد، (لَكِنَّهُ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الزَّوْجَيْنِ) جميعًا، هكذا ذَكَرَه الأصْحابُ.
وقال أبو حَنيفةَ ومالِكٌ
(2)
: يُعتَبَرُ حالُ المرأة على قَدْرِ كِفايَتها؛ لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 233]، والمعروفُ: الكِفايَةُ، ولأنَّ
(3)
الكُسْوةَ على قَدْرِ حالِها، فكذا النَّفقةُ.
وقال الشَّافعيُّ
(4)
: يُعتَبَرُ حالُ الزَّوج وحدَه؛ لقوله تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطّلَاق: 7]، ولقوله عليه السلام: «أطْعِموهنَّ مِمَّا تأكُلونَ، واكْسُوهنَّ مِمَّا تلبسون
(5)
» رواهُ أبو داودَ والبَيهَقِيُّ
(6)
.
وجَوابُه: بأنَّ ما ذَكَرْناهُ فيه جَمْعٌ بَينَ الأدِلَّة، ورِعايةٌ لكلٍّ من الجانِبَينِ، فكان أَوْلى.
وحِينئَذٍ: فالنَّفقةُ مُقدَّرةٌ بالكفاية.
وقال القاضي: الواجِبُ رطلان
(7)
مِنْ خبزٍ في كلِّ يَومٍ في حقِّ الموسِر والمعْسِر؛ اعتبارًا بالكفَّارات، وإنَّما يَختَلِفانِ في صفته وجَوْدته
(8)
.
(1)
في (م): ليس.
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 4/ 23، المدونة 2/ 180.
(3)
في (م): لأن.
(4)
ينظر: روضة الطالبين 9/ 40.
(5)
في (م): تكتسون.
(6)
أخرجه أحمد (20013)، وأبو داود (2142، 2144)، والنسائي في الكبرى (9126، 9106)، والبيهقي في الكبرى (14779)، ولفظهم:«أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت» ، وعند أبي داود في الموضع الثاني كما ساق المؤلف وفيه:«واكسوهن مما تكتسون» ، وعند النسائي:«واكسوهن مما تلبسون» ، وصححه الدارقطني وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 8/ 290، الإرواء 7/ 98.
(7)
في (م): بطلان.
(8)
في (ظ): صفة وجودية.
والمذْهَبُ: لا يَجِبُ الحَبُّ، فلو تَراضَيَا مَكانَ الخبز على حَبٍّ أوْ دقيقٍ؛ جازَ؛ لأِنَّه لَيسَ بمُعاوَضةٍ حقيقةً؛ لأنَّ
(1)
الشَّارِعَ لم يُعيِّن الواجِبَ بأكثرَ من الكفاية، فبأيِّ شَيءٍ حَصَلَتْ كان هو الواجب.
(فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهِ؛ رَجَعَ الْأَمْرُ إِلَى الْحَاكِمِ) أوْ نائبِه؛ لأِنَّه أمرٌ يَختلِفُ باختلاف حال الزَّوجَينِ؛ فرُجِعَ فيه إلى اجْتِهاد الحاكِمِ أوْ نائبه؛ كسائر المخْتَلِفات، ولأِنَّه وُضِعَ لقطع
(2)
النِّزاع.
(فَيَفْرِضُ لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ قَدْرَ كِفَايَتِهَا، مِنْ أَرْفَعِ خُبْزِ الْبَلَدِ) الخاصِّ، (وَأُدْمِهِ) المعتادِ لِمِثْلِها، (الذِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِأَكْلِهِ)؛ لأِنَّه عليه السلام جَعَلَ ذلك بالمعروف، ولَيسَ من المعروف
(3)
إطْعامُ الموسِرة خُبْزَ المعْسِرة، ولأِنَّ الله تعالى فرَّقَ بَينَ الموسِر والمعْسِر في الإنفاق، ولم يُبَيِّنْ ما فيه التَّفريقُ، فَوَجَبَ الرُّجوعُ إلى العُرْف، وأهْلُ العُرْف يتعارَفونَ فيما بَينَهم: أنَّ جِنْسَ نفقةِ المُوسِرِينَ أعْلَى مِنْ جِنْسِ نفقةِ المعْسِرِينَ، ويَعُدُّونَ المنْفِقَ من المُوسِرِينَ مِنْ جِنْسِ نفقةِ المعْسِرينَ بخيلاً، ولأِنَّ النَّفقةَ مِنْ مُؤنَة الزَّوجة على الدوام، فاختلَف جِنسُ اليَسَار والإعْسَار؛ كالكُسْوة، فلو تبرَّمَتْ من أُدْمٍ نَقَلَها إلى غَيرِه.
وظاهِرُ كلامِهم: أنَّه يَفرِضُ لحمًا عادة
(4)
المُوسِرِينَ بذلك الموضِع.
وقدَّم في «الرِّعاية» : كلَّ جمعةٍ مرَّتَينِ.
قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ العادةُ، لكِن يُخالِفُ في إدْمانه، ولعلَّ هذا مُرادُهم.
(1)
في (م): فإن.
(2)
في (م): لحفظ.
(3)
في (م): بالمعروف.
(4)
قوله: (لحماً عادة) في (م): لجماعة.
(وَمَا تَحْتَاجُ
(1)
إِلَيْهِ مِنَ الدُّهْنِ) على اخْتِلافِ أنواعه؛ كالسَّمْن، والزَّيت، والشَّحم، والشيرج، في كلِّ مَوضِعٍ على حِدَته؛ لأِنَّ الحاجةَ داعيةٌ إلى ذلك، أشْبَهَ كَنْسَ المسْتأجِر الدَّارَ.
(وَمَا يَلْبَسُ مِثْلُهَا مِنْ جَيِّدِ الْكَتَّانِ)، بفتح الكاف، وهو فارسيٌّ مُعرَّبٌ، (وَالْقُطْنِ، وَالْخَزِّ، وَالْإِبْرِيسَمِ)، قال أبو السَّعادات:(الخَزُّ: ثيابٌ تُنسَجُ من صُوفٍ)
(2)
، والإبْرِيسَمُ: الحريرُ المُصْمَتُ، وقال
(3)
أبو مَنصورٍ: هو أعْجَمِيٌّ مُعرَّبٌ، بفتح الهمزة والرَّاء، وقِيلَ: بكسر الهمزة، وقال ابنُ الأعرابيِّ: هو
(4)
بكسر الهمزة والرَّاء، وفتح السِّين
(5)
.
وعُلِم منه: أنَّ كُسْوتَها واجبةٌ إجْماعًا
(6)
؛ لأِنَّه لا بدَّ لها
(7)
منها على الدَّوام؛ فلَزِمَتْه النفقة.
وهي
(8)
مُعتَبَرةٌ بكفايتها، ولَيستْ مقدَّرةً بالشَّرع؛ كالنَّفقة، ويُرجَع فيها إلى اجْتِهاد الحاكم؛ كاجْتِهاده في المتعة للمطلَّقة.
(وَأَقَلُّهُ
(9)
: قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ، وَوِقَايَةٌ)، وهي ما تَضَعُه فَوقَ المِقْنَعة،
(1)
في (م): يحتاج.
(2)
ينظر: النهاية في غريب الحديث 2/ 28.
(3)
في (م): قال.
(4)
قوله: (هو) سقط من (م).
(5)
ينظر: المحكم والمحيط الأعظم 8/ 656، المطلع ص 429.
وأبو منصور: هو موهوب بن أحمد بن محمد الخضر بن الحسن الجواليقي، الأديب اللغوي، المتوفي سنة 540 هـ، من مصنفاته: شرح كتاب أدب الكاتب، وكتاب المعرب، وتتمة درة الغواص للحريري. ينظر: وفيات الأعيان 5/ 342، المقصد الأرشد 3/ 45.
(6)
ينظر: الإشراف 5/ 157، مراتب الإجماع ص 80.
(7)
في (م): له.
(8)
قوله: (وهي) سقط من (ظ).
(9)
في (م): فأقله.
وتُسَمَّى الطَّرحة، (وَمِقْنَعَةٌ، وَمَدَاسٌ)؛ لأِنَّ ذلك أقلُّ ما تقع
(1)
به الكفايةُ؛ لأِنَّ الشَّخصَ لا بدَّ له من شيءٍ يُوارِي جَسَدَه، وهو القميصُ، ومن شيءٍ يَستُرُ عورتَه، وهو السَّراويلُ، ومِن شيءٍ على رأسه، وهو الوِقايةُ، ومِن شيءٍ في رِجْلِه، وهو المداسُ، ومِن شَيءٍ يُدْفِئُه، (وَ) هو (جُبَّةٌ فِي الشِّتَاءِ)، ومِن شيءٍ ينامُ فيه، نبَّه عليه
(2)
بقوله: (وَلِلنَّوْمِ: الْفِرَاشُ، وَاللِّحَافُ، وَالْمِخَدَّةُ)، ومِن شيءٍ يَجلِسُ عليه، وهو المرادُ بقوله:(وَالزِّلِّيُّ لِلْجُلُوسِ، وَرَفِيعُ الْحَصِيرِ).
والكُسْوةُ بالمعروف: هي التي جَرَتْ عادةُ أمثالها بلُبْسِه، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغَيرِه، فإنْ كانَتْ عادتُها النَّومَ في الأَكْسِيَة والبُسُط؛ فعليه ذلك، ويَزيدُ في عَدَد الثِّياب ما جَرَتِ العادةُ بلُبْسه مِمَّا لا غِنَى لها عنه.
زاد في «التبصرة»
(3)
: وإزارٌ.
وظاهِرُ كلامه: أنَّه لا يَجِبُ لها خُفٌّ
(4)
، ولا مِلْحَفَةٌ؛ لأِنَّها ممنوعةٌ من الدُّخول والخروج لحقِّ الزَّوج، فلا يَجِبُ عليه مؤنة
(5)
ما هي ممنوعةٌ منه لأجله.
(ولِلْفَقِيرَةِ
(6)
تَحْتَ الْفَقِيرِ: مِنْ أَدْنَى خُبْزِ الْبَلَدِ، وَأُدْمِهِ، وَدُهْنِهِ)؛ لأِنَّها إحدى الزَّوجَينِ، فَوَجَبَ بحالها؛ كالمُوسِرَة، ويَجِبُ عليه زَيتٌ للمِصْباح، ولا يُقطِعُها اللَّحْمَ فَوقَ أربعينَ، وقدَّم في «الرِّعاية» مرَّةً في كلِّ شَهْرٍ، وظاهِرُ كلامِ الأكثرِ: العادةُ.
(وَمَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنَ الْكُسْوَةِ، مِمَّا يَلْبَسُهُ أَمْثَالُهَا، وَيَنَامُونَ فِيهِ، وَيَجْلِسُونَ
(1)
في (م): يقع.
(2)
قوله: (نبه عليه) في (م): وهو المراد.
(3)
قوله: (ويزيد في عدد الثياب
…
) إلى هنا سقط من (م).
(4)
في (م): خز.
(5)
في (ظ): مؤونة.
(6)
في (ظ): والفقيرة.
عَلَيْهِ)، على قدْرِ عادَتِها وعادة أمثالها.
(وَلِلْمُتَوَسِّطَةِ تَحْتَ الْمُتَوَسِّطِ، أَوْ إِذَا
(1)
كَانَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالآْخَرُ مُعْسِرًا: مَا بَيْنَ ذَلِكَ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهِ)؛ لأِنَّ إيجابَ نفقةِ المُوسِرِ على المعسر، وإنفاق
(2)
المعْسِر نفقةَ المُوسِرِ لَيسَ من المعروف، وفيه إضْرارٌ بصاحبه، فكان اللاَّئقُ بحالهما هو التَّوسُّط.
وقِيلَ: للمُوسِرة على المعْسِر أقلُّ كفايةٍ، والباقي في ذِمَّته، وحكاهُ ابنُ هُبَيرةَ عن الأصحاب وغيرِهم.
وعلى الكلِّ: لا بدَّ مِنْ ماعُونِ الدَّار، ويُكتَفَى بخَزَفٍ وخَشَبٍ، والعَدْلُ ما يَلِيقُ بهما.
أصلٌ: المُوسِرُ مَنْ
(3)
يَقدِرُ على النَّفقة بماله أوْ كَسْبه، وعكْسُه المعْسِر، وقِيلَ: هو الذي لا شيءَ له.
والمتوسِّطُ: مَنْ يَقدِرُ على بعض النَّفقة بماله أوْ كَسْبِه.
قال ابنُ حَمْدانَ: ومِسكِينُ الزَّكاة مُعْسِرٌ، ومَن فوقه
(4)
مُتوسِّطٌ، وإلاَّ فهو مُوسِرٌ.
(وَعَلَيْهِ مَا يَعُودُ بِنَظَافَةِ الْمَرْأَةِ؛ مِنَ الدُّهْنِ، وَالسِّدْرِ)، والمشْطِ، (وَثَمَنِ الْمَاءِ)، وأُجرةِ قَيِّمةٍ، ونحوِ ذلك؛ لأِنَّ ذلك يُرادُ للتَّنظيف؛ كتَنظِيفِ الدَّار.
وفي «الواضح» وَجْهٌ، قال في «عيون المسائل»: لأِنَّ ما كان مِنْ تنظيفٍ على مُكتَرٍ؛ كرشٍّ
(5)
وكَنْسٍ وتَنقِيَةِ الآبار، وما كان مِنْ حِفْظ البِنْيَة؛ كبِناءِ
(1)
في (م): وإذا.
(2)
في (م): أو إنفاق.
(3)
في (م): ما.
(4)
في (م): فوق.
(5)
في (م): من رش.
حائطٍ وتغييرِ الجِذْع على مُكْرٍ، فالزَّوجُ كمُكْرٍ
(1)
، والزَّوجةُ كمُكْتَرٍ، وإنَّما يَختَلِفانِ فِيما يَحفَظُ البِنْيَةَ دائمًا من الطَّعام، فإنَّه يَلزَمُ الزَّوجَ.
وفي «الرِّعاية» : يَلزَمُه ما يَقطَعُ صُنانَها ورائحةً كَرِيهةً، لا ما يُرادُ لِلاِسْتِمْتاع والزِّينة.
(وَلَا تَجِبُ الْأَدْوِيَةُ، وَأُجْرَةُ الطَّبِيبِ)؛ لأِنَّ ذلك يُرادُ لِإصْلاحِ الجِسْم؛ كما لا يَلْزَمُ المستأْجِرَ بِناءُ ما يَقَعُ من الدَّار، وكذا أُجْرَةُ حجَّامٍ، وفاصِدٍ، وكَحَّالٍ.
(فَأَمَّا الطِّيبُ)؛ أيْ: ثَمَنُه، وفي «الواضح» وَجْهٌ: يَلزَمُه، (وَالْحِنَّاءُ، وَالْخِضَابُ، وَنَحْوُهُ؛ فَلَا يَلْزَمُهُ)؛ لأِنَّ ذلك مِنْ الزِّينة، فلَمْ يَجِبْ عليه؛ كشِراءِ الحلي، (إِلاَّ أَنْ يُرِيدَ مِنْهَا التَّزَيُّنَ بِهِ)؛ لأِنَّه هو المُريدُ لذلك.
وفي «المغْنِي» ، و «الشَّرح» ، و «التَّرغيب»: يَلزَمُه ما يُراد
(2)
لِقَطْعِ رائحةٍ كريهةٍ.
ويلزمها
(3)
تَرْكُ حِنَّاءٍ وزِينةٍ نَهَى عنها
(4)
، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين
(5)
.
فرعٌ: المُكاتَبُ والعبدُ؛ كالمعْسِرِ؛ لأِنَّهما لَيسَا بأحْسَنَ حالاً منه، ومَن نِصْفُه حرٌّ فعليه نصفُ نفقةِ نَفْسِه، ونصفُ نفقةِ زَوجتِه، وعلى سيِّده باقِيهِما، وذَكَرَ ابنُ حَمْدانَ: إنْ كان مُعسِرًا فكمُعْسِرَينِ، وإنْ كان مُوسِرًا فكمُتَوَسِّطَينِ.
(فَإِنِ احْتَاجَتْ إِلَى مَنْ يَخْدِمُهَا لِكَوْنِ مِثْلِهَا لَا تَخْدِمُ
(6)
نَفْسَها، أَوْ
(1)
في (م): كالمكري.
(2)
زيد في (م): به.
(3)
في (م): ويلزمه.
(4)
أي: نهاها عنه الزوج. ينظر: الإنصاف 24/ 302.
(5)
ينظر: الفروع 9/ 293.
(6)
في (ظ): لا يخدم.
لِمَرَضِهَا
(1)
؛ لَزِمَهُ ذَلِكَ)؛ لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النِّسَاء: 19]، ولأِنَّه ممَّا
(2)
يُحتاجُ إليه في الدَّوام، أشْبَهَ النَّفقةَ.
وقِيلَ: لا يَلزَمُه إخْدامُ مريضةٍ، جَزَمَ به في «التَّرغيب» ، ولا أَمَةٍ، وقِيلَ: غَيرِ جميلةٍ.
(فَإِنْ كَانَ لَهَا
(3)
؛ أَجْزأ
(4)
؛ لأنَّ
(5)
الغَرَضَ الخِدمةُ، وهي حاصِلةٌ بخادِمِها، ويُشتَرَطُ رِضاها به.
(وإلاَّ) إذا لم يكُنْ لها خادِمٌ، أوْ كان ولم ترض
(6)
به؛ (أَقَامَ لَهَا خَادِمًا؛ إِمَّا بِشِرَاءٍ، أَوْ كِرَاءٍ، أَوْ عَارِيَةٍ)؛ لأِنَّ المقصودَ الخِدْمةُ، كما إذا أسْكَنَها دارًا بأُجْرةٍ، فإنْ مَلَّكَها الخادم
(7)
فقد زاد خَيرًا.
وتَجُوزُ كتابيَّةٌ
(8)
في الأصحِّ إنْ جاز نَظَرُها.
وفي «الكافي» وَجْهانِ؛ بِناءً على إباحةِ النَّظَر لهنَّ.
فإنْ قُلْنا بجَوازِه؛ فهل يَلزَمُ المرأةَ قَبولُها؟ فيه وجْهانِ:
أحدهما: يلزمها
(9)
؛ لأِنَّهم يَصلُحونَ للخِدْمة.
والثَّاني: لا؛ لأِنَّ النَّفْسَ تَعافُهُم.
(وَيَلْزَمُهُ
(10)
نَفَقَتُهُ)؛ لأِنَّه مَحبوسٌ بسبَبٍ مِنْ جِهَتِه، أشْبَهَ نفقةَ الزَّوجة،
(1)
في (م): أو يلزمها.
(2)
في (م): ولأن ما.
(3)
كذا في النسخ الخطية، وفي بعض نسخ المقنع الخطية زيادة: خادمٌ.
(4)
في (ظ): أجرًا.
(5)
في (م): فإن.
(6)
في (ظ): ولم يرض.
(7)
قوله: (الخادم) سقط من (م).
(8)
في (ظ): كتابته.
(9)
في (م): يلزمه.
(10)
في (م): وتلزمه.
(بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْفَقِيرَيْنِ)؛ لأِنَّه مُعسِرٌ وحالُه حالُ المعْسِرِينَ، وحِينَئِذٍ: يَجِبُ له ثَوبٌ وأُدْمٌ
(1)
ومَسكَنٌ وماعُونٌ مع خُفٍّ ومِلحَفةٍ لِقَضاءِ الحاجة، وقِيلَ: دُونَ نَفَقةِ سيِّدها
(2)
.
(إِلاَّ فِي النَّظَافَةِ)، فإنَّها لا تَلزَمُه في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّ المُشْطَ والدُّهْنَ ونحوَهما يُرادُ للزِّينة والتَّنظيف، ولا يُرادُ هذا من الخادِم.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ كثُرَ وَسَخُ الخادِم وهوامُّ رَأْسِها، أوْ تأذَّت به هي، أوْ سيِّدتُها؛ فعليه مؤونة تَنظِيفها.
(وَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْ نَفَقَةِ خَادِمٍ وَاحِدٍ)، نَصَّ عليه
(3)
؛ لأِنَّ المُسْتَحَقَّ خِدْمَتُها في نفسها، وذلك يَحصُلُ بالواحد.
وقِيلَ: وأكثر
(4)
بقَدْرِ حالِها.
وجَوابُه: أنَّ الخادِمَ الواحِدَ يكفيها لِنَفْسِها، والزِّيادةُ عليه يُرادُ لِحِفْظ ملْكِها والتَّجمُّلِ، ولَيسَ عليه ذلك.
وتعيينُ خادِمِها إليهما، وإلاَّ فإلَيهِ، وله إبدالُه لسرقةٍ
(5)
ونحوِها.
فإنْ كان الخادِمُ لها ورَضِيَتْه؛ فنَفَقَتُه على الزَّوج، وكذا نفقةُ المُؤْجَرِ، والمُعارِ في وَجْهٍ، قاله في «الرِّعاية» ، ولَيسَ بمُرادٍ في المؤجَر، فإنَّ نَفَقَتَه على مالكه.
(فَإِنْ قَالَتْ: أَنَا أَخْدِمُ نَفْسِي، وَآخُذُ مَا يَلْزَمُكَ لِخَادِمِي؛ لَمْ يَكُنْ لَهَا ذَلِكَ)؛ لأِنَّ الأُجْرةَ عليه، فتَعْيينُ الخادِم إلَيهِ، ولأنَّ
(6)
ذلك يُؤدِّي إلى تَوفِيرِها
(1)
قوله: (له ثوب وأدم) في (م): لها قوت.
(2)
في (ظ): سيدتها.
(3)
ينظر: الفروع 9/ 293.
(4)
في (م): أكثر.
(5)
في (م): كسرقة.
(6)
في (م): لأن.
على حقوقه وترفيهها
(1)
ورَفْعِ قَدْرِها، وذلك يَفُوتُ بخِدْمَتِها.
(وَإِنْ
(2)
قَالَ: أَنَا أَخْدِمُكِ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهَا قَبُولُ ذَلِكَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:
أحدُهما: لا يَلزَمُها قَبولُ ذلك، قدَّمه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّها تَحتَشِمُه، وفيه غَضاضةٌ عَلَيها؛ لكون
(3)
زَوجِها خادِمًا لها.
والثَّاني: بلى، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الكِفايةَ تَحصُلُ به، قال ابنُ حَمْدانَ: له ذلك فِيمَا يَتوَلاَّهُ مِثْلُه لِمَنْ يَكفِيها خادِمٌ واحِدٌ.
ولا يَلزَمُه أُجْرَةُ مَنْ يُوضِّئُ مريضةً، بخِلافِ رقيقهِ، ذَكَرَه أبو المعالي.
(1)
في (م): وترفهها.
(2)
في (م): فإن.
(3)
في (م): لأن.
(فَصْلٌ)
(وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ الْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ، وَكُسْوَتُهَا، وَمَسْكَنُهَا؛ كَالزَّوْجَةِ سَوَاءً)؛ لقَولِه تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البَقَرَة: 228]، ولأِنَّها زوجةٌ يَلحَقُها طَلاقُه وظِهارُه، أشْبَهَ ما قَبْلَ الطَّلاق.
(وَأَمَّا الْبَائِنُ بِفَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ؛ فَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً؛ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى)، إجْماعًا
(1)
، وسَنَدُه قَولُه تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
…
} الآيةَ [الطّلَاق: 6]، وقَولُه تعالى:{أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} [الطّلَاق: 6]، وفي بَعْضِ أخْبارِ فاطِمةَ بنتِ قَيسٍ:«لَا نَفَقَةَ لكِ إلاَّ أنْ تَكُونِي حامِلاً»
(2)
، ولأِنَّ الحَمْلَ وَلَدُه، والإنْفاقُ عَلَيهِ دُونَها مُتعذِّرٌ، فوَجَبَ كما وَجَبَتْ أُجْرةُ الرّضاع.
وفي حكايةِ الإجماع
(3)
نَظَرٌ، فإنَّ أحمد
(4)
نَصَّ في روايةٍ ذَكَرَها الخَلاَّلُ: أنَّ لها
(5)
النَّفقةَ دُونَ السُّكْنَى
(6)
.
وفي «الموجز» و «التَّبصرة» روايةٌ: لا يَلزَمُه، وهي سَهْوٌ.
وفي «الرَّوضة» : تَلزَمُه النَّفَقةُ، وفي السُّكْنَى رِوايَتانِ.
(وَإِلاَّ فَلَا شَيْءَ لَهَا) إذا
(7)
لم تكُنْ حامِلاً، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وقال ابنُ هُبَيرةَ: هي أظْهَرُ
(1)
ينظر: الإشراف 5/ 346.
(2)
أخرجه أبو داود (2290)، وأبو عوانة (4601)، وإسناده صحيح، وأصله في مسلم بغير هذا اللفظ (1480). ينظر: الإرواء 7/ 227.
(3)
في (م): للإجماع.
(4)
قوله: (فإن أحمد) في (م): قال ابن حمدان.
(5)
قوله: (لها) سقط من (م).
(6)
لم نقف على هذه الرواية عن الخلال.
(7)
في (م): إن.
الرِّوايَتَينِ، وقالَهُ جَمْعٌ من الصحابة
(1)
، منهم عليٌّ
(2)
، وابنُ عبَّاسٍ
(3)
، وجابِرٌ
(4)
، ومَنْ بَعدَهُم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لِفاطِمةَ بنتِ قَيسٍ:«لَيْسَ لَكِ نَفَقَةٌ» رواه البُخاريُّ، ومُسلِمٌ وزاد:«وَلَا سُكْنَى» ، وفي لَفْظٍ: قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «انظري
(5)
يا ابْنَةَ قَيسٍ، إنَّما النَّفَقةُ للمرأة على زَوجِها ما كانَتْ له عَلَيها الرجعة
(6)
، فإنْ لم تكُنْ له عَلَيها الرجعة
(7)
، فلا نَفَقَةَ ولا سُكْنَى» رواهُ أحمدُ والحميدي
(8)
.
(وَعَنْهُ: لَهَا السُّكْنَى)، وهي
(9)
(1)
في (م): أصحابه.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (12030)، عن إبراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا رضي الله عنه قال في المبتوتة:«لا نفقة لها ولا سكنى» ، إبراهيم هو ابن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك.
(3)
أخرجه عبد الرزاق (12083)، وابن أبي شيبة (18983)، عن عمرو بن دينار، أن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«المتوفى عنها وهي حامل لا نفقة لها، وقضى به فينا ابن الزبير رضي الله عنهما» ، وإسناده صحيح، أخرجه سعيد بن منصور (1385)، والبيهقي في الكبرى (15478)، من وجوه أخرى جيدة.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (12085)، والبيهقي في الكبرى (15477)، عن جابر رضي الله عنه قال:«ليس للمتوفى عنها زوجها نفقة، حسبها الميراث» ، وإسناده صحيح، وأخرجه سعيد بن منصور (1388)، وابن أبي شيبة (18977)، من وجوه أخرى.
(5)
في (م): لقطرة.
(6)
في (م): رجعة.
(7)
قوله: (فإن لم تكن له عليها الرجعة) في (م): فإن يكن عليها رجعة.
(8)
في (م): الحميدي، وحديث فاطمة بن قيس رضي الله عنها أخرجه مسلم (1480)، وهو من أفراده ولم يخرجه البخاري، والزيادة التي ذكرها المؤلف أخرجها أحمد (27100)، والحميدي (367)، والنسائي (5566)، وأبو عوانة (4604)، وأعل بعض الأئمة كالخطيب وابن القطان هذه اللفظة، وأنه تفرد بها مجالد بن سعيد، ولها متابعات لا تخلو من مقال، وقال ابن حجر:(هو في أكثر الروايات موقوف عليها)، وصححه ابن القيم وحسنه الألباني. ينظر: الفصل للوصل 2/ 930، بيان الوهم 4/ 477، زاد المعاد 5/ 469، الفتح 9/ 480، الصحيحة (1711).
(9)
في (م): وهو.
قَولُ عمر
(1)
، وابنِه
(2)
، وابنِ مَسعودٍ
(3)
، وعائشةَ
(4)
، والفُقهاءِ السَّبعة، وبه قال أكثرُ العلماء، واختارها أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ؛ لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ
…
(6)} [الطّلَاق: 6]، فأوْجَبَ لها السُّكْنَى مُطلَقًا، ثُمَّ خَصَّ الحامِلَ بالإنْفاق عَلَيها؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
…
} الآيةَ [الطّلَاق: 6].
وفي «الاِنْتِصار» : لا يَسقُطُ بتَراضِيهِما؛ كعِدَّةٍ.
وعَنْهُ: ولها النَّفقةُ أيضًا، قالَهُ أكْثَرُ فقهاءِ العراق، ويُرْوَى عن عمرَ وابنِ مسعودٍ
(5)
؛ لأِنَّها مُطلَّقةٌ، فوَجَبَتْ لها النَّفقةُ والسُّكْنَى؛ كالرَّجْعِيَّةِ.
ورَدُّوا خَبَرَ فاطِمةَ بقَولِ عمرَ: «لا نَدَعُ كِتابَ ربِّنا وسُنَّةَ نَبِيِّنَا لِقَولِ امْرأةٍ» رواه مُسلِمٌ، وأنْكَرَه أحمدُ، قال عُرْوةُ: لقد
(6)
عابَتْ عائشةُ ذلك أشدَّ العَيبِ، وقالَتْ: «إنَّها
(7)
كانَتْ في مَكَانٍ وَحْشٍ
(1)
قوله: (عمر) سقط من (م).
أخرجه مسلم (1480)، في حديث فاطمة بن قيس رضي الله عنه، وفيه أن عمر رضي الله عنه قال:«لا نترك كتاب الله وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم لقول امرأة، لا ندري لعلها حفظت أو نسيت، لها السكنى والنفقة» .
(2)
لم نقف عليه.
(3)
أخرجه ابن أبي شيبة (18654)، والطبري في التفسير (23/ 63)، عن إبراهيم، قال:«كان عمر وعبد الله رضي الله عنهما يجعلان للمطلقة ثلاثًا: السكنى، والنفقة، والمتعة» ، وهو منقطع.
(4)
أخرجه البخاري (5321)، مسلم (1481)، عن عروة قال: تزوج يحيى بن سعيد بن العاص، بنت عبد الرحمن بن الحكم، فطلقها، فأخرجها من عنده، فعاب ذلك عليهم عروة، فقالوا: إن فاطمة قد خرجت، قال عروة: فأتيت عائشة فأخبرتها بذلك، فقالت:«ما لفاطمة بنت قيس خير في أن تذكر هذا الحديث» ، وهذا لفظ مسلم، وعند مسلم (1480)، وقال عروة:«إن عائشة أنكرت ذلك على فاطمة بنت قيس» .
(5)
سبق قريباً.
(6)
في (م): قالت.
(7)
قوله: (وقالت: إنها) في (م): لأنها.
فخِيفَ على ناحيتها
(1)
»
(2)
.
والأوَّلُ أَوْلَى، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: قَولُ أحمدَ ومَن تابَعَه أصحُّ وأرْجَحُ
(3)
؛ لأِنَّه ثَبَتَ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نَصًّا صريحًا، فأيُّ شَيءٍ يُعارِضُ هذا، وقَولُ عمرَ ومَن وافَقَه؛ فَقَدْ خالَفَه عليٌّ، وابنُ عبَّاسٍ، وجابِرٌ، وقَولُ عُمرَ:«لا نَدَعُ كِتابَ ربِّنا» ؛ إلاَّ لِمَا هو مَوجُودٌ في كِتابِ الله تعالى
(4)
، وهو قَولُه تعالى: {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ
…
} [الطّلَاق: 6]، وقد رَوَى أبو داودَ بإسْنادِه عن ابنِ عبَّاسٍ، قال: «ففرَّق
(5)
رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَينَهُما، وقَضَى أنْ لا بَيْتَ لها ولا قُوتَ»
(6)
، ولأِنَّها مُحرَّمَةٌ عليه تحريمًا تُزيله
(7)
الرَّجْعةُ، فلم يَكُنْ لها سُكْنَى ولا نَفَقَةَ؛ كالمُلاعَنَةِ، وتُفارِقُ الرَّجْعيَّة، فإنَّها زَوجةٌ.
(فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَائِلاً، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا حَامِلٌ؛ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى) على الأصحِّ؛ لأِنَّه تَبَيَّنَّا اسْتِحْقاقَها له، فرَجَعَتْ به عليه كالدَّين.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُلْنَا: النَّفقةُ لها؛ رَجَعَتْ، وإلاَّ فلا.
(1)
قوله: (فخيف على ناحيتها) سقط من (م).
(2)
أخرجه البخاري تعليقًا بصيغة الجزم عقب حديث (5325)، من طريق ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، ووصله أبو داود (2292)، وابن ماجه (2032)، والحاكم (6881)، وعبد الرحمن بن أبي الزناد صدوق لا بأس، قال ابن المديني:(حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب)، والأثر قواه ابن حجر، وحسنه الألباني. ينظر: الفتح 9/ 480، تهذيب التهذيب 6/ 172، صحيح أبي داود 7/ 62.
(3)
ينظر: التمهيد 19/ 151.
(4)
في المغني 8/ 233، والشرح الكبير 24/ 314:(وأما قول عمر رضي الله عنه: «لا ندع كتاب ربنا». فقد قال إسماعيل بن إسحاق: نحن نعلم أن عمر لا يقول: «لا ندع كتاب ربنا» إلا لما هو موجود في كتاب الله تعالى).
(5)
في (م): فرق.
(6)
أخرجه أحمد (2131)، وأبو داود (2256)، والبيهقي في الكبرى (15355)، في حديث قصة المتلاعنين، وسنده لا بأس به، وقد سبق في أول اللعان 8/ 478 حاشية (1).
(7)
في (م): يزيله.
(وَإِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهَا يَظُنُّهَا حَامِلاً، فَبَانَتْ حَائِلاً؛ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِالنَّفَقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):
أصحُّهما: يَرجِعُ عليها، أشْبَهَ ما لو قَضَاها دَينًا، ثُمَّ تَبيَّنَ بَراءَتُه منه.
والثَّانيةُ: لا رُجوعَ بشَيءٍ؛ لأِنَّه أنْفَقَ عليها بحُكْمِ آثارِ النِّكاح، فلم يَرجِعْ به؛ كالنَّفقة في النِّكاح الفاسد إذا تَبيَّنَ فَسادُه.
وفي «الوسيلة» : إنْ نفى
(1)
الحَمْل ففي رُجوعِه رِوايَتان.
وإنْ عَلِمَتْ بَراءَتَها من الحَمْل بالحَيض، فكَتَمَتْهُ؛ فيَنبَغِي أنْ يَرجِعَ قَولاً واحِدًا.
فرعٌ: إذا ادَّعَتْ حَمْلاً مُمْكِنًا؛ أنْفَقَ عليها ثلاثةَ أشْهُرٍ، نَصَّ عليه
(2)
.
وعنه: إنْ شَهِدَ به النِّساءُ.
فإنْ مَضَتْ ولم يَبِنْ؛ رَجَعَ بما أنْفَقَ.
وعَنْهُ: لا؛ كنِكاحٍ تَبَيَّنَ فَسادُه لتفريطه، كنَفَقَتِه على أجنبيَّةٍ.
وقال ابنُ حَمْدانَ: إنْ قُلْنَا: يَجِبُ تعجيلُ النَّفقة؛ رَجَعَ، وإلاَّ فلا.
وكذا إنْ ظَنَّها حامِلاً فبَانَتْ حائِلاً، أوْ ولدت
(3)
بَعْدَ أكثرِ مُدَّةِ الحَمْل، فأنْكَرَه.
وقِيلَ: يَرجِعُ بِنَفَقةِ ستَّةِ أشْهُرٍ فَقَطْ.
(وَهَلْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِلْحَامِلِ لِحَمْلِهَا، أَوْ لَهَا مِنْ أَجْلِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:
(إِحْدَاهُمَا: أَنَّهَا لَهَا)؛ أيْ: مِنْ أجْلِ الحَمْل، اخْتَارَه ابنُ عَقِيلٍ في «التَّذكرة» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّها تَجِبُ مع الإعسار، ولا تَسقُطُ بمُضِيِّ
(1)
في (م): بقي.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 308.
(3)
في (م): ولد.
الزَّمانِ، (فَتَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ رَقِيقًا)؛ لأِنَّ الزَّوجَ عليه نفقةُ زَوجَتِه، (وَلَا تَجِبُ لِلنَّاشِزِ)؛ لأِنَّ النفقة وجبت
(1)
في مُقابَلَةِ تَمْكِينِها، ومع النُّشوز لا تمكين
(2)
، (وَلَا لِلْحَامِلِ مِنْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ)؛ لأِنَّها لَيسَتْ زَوجةً يَجِبُ الإنْفاقُ عَلَيهَا.
(وَالثَّانِيَةُ: أَنَّهَا لِلْحَمْلِ)، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ، وأبو بكرٍ، والقاضي
(3)
، وأصحابُه، قال الزَّرْكَشِيُّ: وهي أشْهَرُهما؛ لأِنَّها تَجِبُ بِوُجودِه وتسقط
(4)
بِعَدَمِه.
(فَتَجِبُ
(5)
لِهَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ)؛ لأِنَّه وَلَدُه، فَلَزِمَتْهُ نَفَقَتُه، (وَلَا تَجِبُ لَهَا إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا)؛ لأِنَّ العبدَ لا تلزمه
(6)
نفقةُ وَلَدِه، والأمة
(7)
نَفَقَتُها على سيِّدها؛ لأِنَّها ملْكُه.
وأوْجَبَهَا الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: له ولها لأِجْلِه، وجَعَلَهَا كمُرضِعةٍ بأُجْرةٍ
(8)
.
وفي «الواضِح» : في مسألةِ الرقِّ
(9)
رِوايَتانِ؛ كحَمْلٍ في نِكاحٍ صحيحٍ، أوْ لا حُرْمةَ له.
وإنْ قُلْنا: هي لها؛ فلا نَفَقَةَ.
وممَّا
(10)
يَتفرَّعُ على الخلاف: إذا كان الزَّوجُ غائِبًا أوْ مُعْسِرًا؛ فعلى
(1)
قوله: (وجبت) سقط من (ظ).
(2)
في (م): لا تمكن.
(3)
في (م): اختاره القاضي وأبو بكر.
(4)
في (ظ): ويسقط.
(5)
في (م): فيجب لها.
(6)
في (ظ): لا يلزمه.
(7)
في (م): وللأمة.
(8)
ينظر: الاختيارات ص 412، الفروع 9/ 309.
(9)
في (م) الفرق.
(10)
في (م): مما.
الأولى
(1)
: لا شَيءَ لها؛ إذْ نَفَقةُ الغائب تَسقُطُ بمُضِيِّ الزَّمان وبالإعْسار، وعلى الثَّانية: تَثْبُتُ في ذِمَّةِ الغائب، ويَلزَمُ المعْسِرَ.
فإنْ وُطِئَتْ زَوجَتُه، فحَمَلَتْ؛ فالنَّفقةُ على الواطِئِ إنْ وجَبَتْ للحَمْل، ولها على الأصحِّ إنْ كانَتْ مُكرَهَةً أوْ نائمةً، وإنْ كانَتْ مُطاوِعةً تَظُنُّه زَوجَها؛ فلا.
مسألةٌ: إذا بان الحَمْلُ؛ دَفَعَ النَّفقةَ إليها يَومًا فَيَومًا، نَصَّ عليه
(2)
؛ للنَّصِّ، ولأِنَّ الحَمْلَ يَتحَقَّقُ حُكْمًا في مَنْعِ النِّكاح، والأخْذِ مِنْ الزَّكاة، ووُجوبِ الدَّفْع في الدِّيَة، والرَّدِّ بالعَيب، فكذا في وُجوبِ النَّفَقَة لها.
وقال أبو الخَطَّاب: لا يَجِبُ دَفْعُ النَّفقة حتَّى تَضَعَ الحَمْلَ؛ لأِنَّه لا يُتحَقَّقُ، ولهذا وَقَفْنَا المِيراثَ، ولا يَصِحُّ اللِّعانُ عليه قَبْلَ وَضْعِه على إحدى
(3)
الرِّوايتَينِ، فعلى هذا: إذا وضعت
(4)
اسْتَحَقَّتْ نَفَقةَ الحَمْلِ.
والمذْهَبُ الأوَّلُ، والميراثُ يُشتَرَطُ له الوَضْعُ والاِسْتِهْلالُ.
فإنْ أنْكَرَ حَمْلَها؛ قُبِلَ قَولُ امرأةٍ من أهل الخِبْرة.
(وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا؛ فَإِنْ كَانَتْ حَائِلاً؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى) روايةً واحدةً؛ لأِنَّ ذلك يَجِبُ للتَّمْكِينِ من الاِسْتِمْتاع، وقد فات، وكزانيةٍ.
وعَنْهُ: لها السُّكْنَى، اخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، فهي كغَرِيمٍ.
وفي «المغْنِي» : إنْ مات
(5)
وهي في مَسْكَنِه؛ قُدِّمَتْ به، ويُستَدَلُّ لها بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ
…
(234)} [البَقَرَة: 234]، نَسَخ بعضَ المدَّة وبقي باقيها
(6)
على الوجوب، ولو لم تَجِب السُّكْنَى لِفُرَيعَةَ؛ لم يكُنْ لها أنْ
(1)
في (م): الأول.
(2)
ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 497.
(3)
في (م): أحد.
(4)
في (ظ): أرضعت. والمثبت موافق لكلام أبي الخطاب في الهداية ص 497.
(5)
في (م): ماتت.
(6)
في (م): ما فيها.
تَسكُنَ إلاَّ بإذِنِهم.
وجَوابُه: أنَّ الآيةَ مَنسوخَةٌ، وقِصَّةُ فُرَيعةَ قَضِيَّةٌ في عَينٍ.
(وَإِنْ كَانَتْ حَامِلاً؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ):
إحداهما: لا شَيءَ لها، صحَّحه القاضي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الرعاية»
(1)
، و «الفروع» ؛ لأِنَّه قد صار للورثة، ونَفَقَةُ الحامل
(2)
وسُكْناها إنَّما هو للحَمْل، أو لها
(3)
مِنْ أجْلِه، ولا يَلزَمُ ذلك الورثة
(4)
؛ لأِنَّه إنْ كان للميت مِيراثٌ؛ فنَفَقَةُ الحَمْل في نصيبه، وإلاَّ لم يَلزَمْ وارِثَ الميِّت الإنْفاقُ على حَمْلِ امرأتِه؛ كما بَعْدَ الوِلادة.
والثَّانيةُ: لها ذلك؛ لأِنَّها مُعتَدَّةٌ من نكاحٍ صحيحٍ، أشبهت
(5)
البائنَ في الحياة.
وعَنْهُ: يَجِبانِ منها مع الحمل، لها أوْ لَهُ.
وعَنْهُ: بل حقُّه منها فقطْ، سَواءٌ قُلْنَا: النَّفَقةُ له أوْ لَهَا.
وقِيلَ: تجب
(6)
نفقةُ الحَمْلِ مِنْ حقِّه.
وحُكمُ أمِّ
(7)
الولد؛ كالمتَوَفَّى عنها زَوجُها، ونقل الكحَّال
(8)
: يُنفقُ من مالِ حَمْلِها، ونَقَلَ جعفَرٌ: مِنْ جميعِ المال
(9)
.
(1)
قوله: (و «الرعاية») سقط من (م).
(2)
في (ظ): الحائل.
(3)
في (م): ولها.
(4)
في (ظ): للورثة.
(5)
في (م): أشبه.
(6)
في (م): يجب.
(7)
قوله: (أم) سقط من (م).
(8)
في (م): الحاكم.
(9)
ينظر: الفروع 9/ 310.
وإذا قُلْنا: لها السُّكْنَى؛ فهي
(1)
أحقُّ بسُكْنَى المسْكَنِ الذي كانَتْ تَسكُنُه، ولا يباع
(2)
في دَينه بَيعًا يَمنَعُها السُّكْنَى حتَّى تنقضي
(3)
العِدَّةُ، وإنْ تعذَّر ذلك اكْتَرَى الوَارِثُ لها مَسْكَنًا مِنْ مالِ الميِّتِ، فإنْ لم يَفعَلْ أجْبَرَه الحاكِمُ.
(1)
في (ظ): فهو.
(2)
في (ظ): لا تباع.
(3)
في (ظ): تقضي.
(فَصْلٌ)
(وَعَلَيْهِ دَفْعُ النَّفَقَةِ إِلَيْهَا)، وهو دَفْعُ القُوتِ، لا بَدَلِه، ولا حَبٍّ، (فِي صَدْرِ كُلِّ يَوْمٍ) بطُلوعِ الشَّمس؛ لأِنَّه أوَّلُ وَقْتِ الحاجة، وقِيلَ: وَقْت الفَجْر.
(إِلاَّ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى تَأْخِيرِهَا أَوْ تَعْجِيلِهَا، لِمُدَّةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ، فَيَجُوزُ)؛ لأِنَّ الحقَّ لهما، لا يَخرُجُ عَنْهُما؛ كالدَّين بغَيرِ خِلافٍ علمناه
(1)
، وتَملِكه
(2)
بقَبْضِه، قاله في «التَّرغيب» .
(وَإِنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا دَفْعَ القِيمَةِ
(3)
؛ لَمْ يَلْزَمِ الآْخَرَ ذَلِكَ)؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ، فلا يُجبَرُ عليها واحدٌ منهما؛ كالبيع، وإنْ تَراضَيَا عليه جازَ؛ لأِنَّه طعامٌ وَجَبَ في الذِّمَّة لآِدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ، فجَازَتِ المُعاوَضةُ عنه؛ كالطَّعام في القَرْضِ.
وظاهِرُه: أنَّ الحاكِمَ لا يَملِكُ فَرْضَ غَيرِ الواجِبِ؛ كدَراهِمَ - مَثَلاً - إلاَّ باتفاقهما، فلا يُجبَرُ مَنْ امْتَنَعَ.
قال في «الهَدْيِ» : لا أصْلَ له في كِتابٍ ولا سنَّةٍ، ولا نَصَّ عليه أحدٌ مِنْ الأئمَّة؛ لأِنَّها مُعاوَضةٌ بغَيرِ الرِّضَا عن
(4)
غَيرِ مُستَقِرٍّ
(5)
.
قال في «الفروع» : وهذا مُتوَجِّهٌ مع عَدَم الشِّقاق، وعَدَمِ الحاجة، فأمَّا
(6)
مع الشِّقاق والحاجة؛ كالغائب مَثَلاً؛ فيتوجَّهُ الفَرضُ للحاجة إليه على ما لا يَخْفَى، ولا يَقَعُ الفرْضُ بِدُونِ ذلك بغَيرِ الرِّضا.
(1)
ينظر: المغني 8/ 202.
(2)
في (ظ): ويملكه.
(3)
في (م): النفقة.
(4)
في (م): من.
(5)
ينظر: زاد المعاد 5/ 455.
(6)
في (م): فإنها.
(وَعَلَيْهِ كُسْوَتُهَا فِي كُلِّ عَامٍ)؛ لأِنَّه العادةُ، ويَكُونُ الدَّفْعُ في أوَّلِه؛ لأنَّه أول
(1)
وَقْتِ الوُجوبِ.
وقال الحُلْوانيُّ، وابنُه، وابنُ حَمْدانَ: في أوَّلِ الصَّيف كُسْوةٌ، وفي أوَّلِ الشِّتاء كُسْوةٌ.
وفي «الواضح» : كلَّ نصفِ سنةٍ.
وتَملِكُها في الأصحِّ بقَبْضِها.
(فَإِذَا أَقْبَضَهَا
(2)
فَسُرِقَتْ، أَوْ تَلِفَتْ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهَا)؛ لأِنَّها قَبَضَتْ حَقَّها، فلم يَلزَمْهُ غَيرُه؛ كالدَّين إذا وفَّاها إيَّاه، ثُمَّ ضاع منها.
لكِنْ لو بَلِيَتْ في الوقت الذي يَبْلَى فيه مِثلُها؛ لَزِمَه بَدَلُها؛ لأِنَّ ذلك مِنْ تمامِ كُسْوَتِها، وإنْ بَلِيَتْ قبله
(3)
لِكَثْرةِ خُروجِها ودُخولِها؛ فلا، أشْبَهَ ما لو أتْلَفَتْها.
وإنْ مَضَى زمنٌ يَبْلَى فيه مِثْلُها بالاِسْتِعْمال، ولم تَبْلَ فوجهان:
أحدُهما: لا يَلزَمُه بَدَلُها؛ لأِنَّها غَيرُ مُحتاجَةٍ إلى الكُسْوةِ. والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ بمُضِيِّ الزَّمان دُونَ حقيقةِ الحاجة.
فلو أُهْدِيَ إلَيها كُسْوةٌ؛ لم تَسقُطْ كُسْوَتُها.
(وَإِنِ انْقَضَتِ السَّنَةُ وَهِيَ صَحِيحَةٌ؛ فَعَلَيْهِ كُسْوَةُ السَّنَةِ الْأُخْرَى)، قدَّمه في «المستوعب» و «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ بمُضِيِّ الزَّمان دُونَ بقائِها، بدليلِ ما لو
(4)
تَلِفَتْ.
(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَلْزَمَهُ)؛ لأِنَّها غَيرُ مُحْتاجَةٍ إلى الكُسْوَةِ.
(1)
قوله: (أول) سقط من (ظ).
(2)
في (ظ): قبضها.
(3)
في (م): قبلها.
(4)
قوله: (لو) سقط من (ظ).
وفي «الرِّعاية» : فإنْ كَسَاها السَّنَةَ أوْ نِصفَها، فسُرِقَتْ، أوْ تَلِفَتْ فيها، وقِيلَ: في وَقَتٍ يبلى
(1)
مثله، أوْ تَلِفَتْ؛ فلا بدَلَ عليه.
وقِيلَ: هي إمْتاعٌ، فيَلزَمُه بَدَلُها؛ ككسْوةِ القريب.
وإنْ بَقِيَتْ صحيحةً؛ لَزِمَه كُسْوَةُ سنةٍ أخرى إنْ قُلْنا: هي ملْكٌ، وإنْ قلنا: هي
(2)
إمْتاعٌ؛ فلا؛ كالمسْكَنِ وأوْعِيَةِ الطَّعام، والماعُونِ، والمُشْط، ونحوِها.
وفي غِطاءٍ ووِطَاءٍ، ونحوِهما؛ الوَجْهانِ.
(وَإِنْ مَاتَتْ، أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ؛ فَهَلْ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِقِسْطِ بَقِيَّةِ السَّنَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: يَرجِعُ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّه دَفَعَ لِمُدَّةٍ مُستَقْبَلَةٍ، كما لو دَفَعَ إليها نفقةَ مُدَّةٍ، ثُمَّ طَلَّقَها قَبْلَ انْقِضائِها.
والثَّاني: لا رُجوعَ؛ لأِنَّه دَفَعَ إليها الكُسْوةَ بَعْدَ وُجوبِها عليه؛ كما لو دَفَعَ إليها النَّفَقةَ بَعْدَ وُجوبِها ثُمَّ طلَّقَها قَبْلَ أكْلِها، بخِلافِ النَّفَقةِ المستقبلة، وكنَفَقَةِ اليَوم.
وقِيلَ: يرجع بنفقته
(3)
.
وقِيلَ: بالكُسْوة.
وقِيلَ: كزَكاةٍ مُعجَّلَةٍ، جَزَمَ به في «المنتخب» .
وقال ابنُ حَمْدانَ: لا يَرجِعُ فيهما إنْ بانَتْ
(4)
، ويَرجِعُ إنْ أبانَها بطَلاقٍ أوْ فَسْخٍ.
(1)
في (م): يبتلى.
(2)
قوله: (هي) سقط من (ظ).
(3)
في (ظ): ترجع بالنفقة. والمثبت موافق للفروع 9/ 297.
(4)
هكذا في النسخ الخطية.
وعلى الأوَّل: يَرجِعُ إلا
(1)
يوم الفُرْقة والسَّلَف، وهو أصحُّ، إلاَّ على النَّاشِزِ، فيَرجِعُ عليها في الأصحِّ.
وفي «عيون المسائل» : لا يرجع
(2)
بما وَجَبَ؛ كيَومٍ وكُسْوةِ سنةٍ، بل بما
(3)
لم يَجِبْ.
ويَرجِعُ بنَفَقَتِها مِنْ مالِ غائبٍ بعدَ مَوتِه بظُهورِه على الأصحِّ.
(وَإِذَا قَبَضَتِ النَّفَقَةَ؛ فَلَهَا التَّصَرُّفُ فِيهَا)، مِنْ بَيعٍ وهِبةٍ وصَدَقةٍ، ونحوِ ذلك؛ لأِنَّها حقُّها
(4)
، فمَلَكَت التَّصرُّفَ فيها؛ كسائر مالها، لكِنَّ ذلك مَشْروطٌ بقَولِه:(عَلَى وَجْهٍ لَا يَضُرُّ بِهَا، ولَا يَنْهَكُ)، بفَتْحِ الياء؛ أيْ: يُجهِدُه، (بَدَنَهَا
(5)
، فإنْ عادَ عَلَيها ضررٌ في بَدَنِها، أوْ نَقَصَ من
(6)
اسْتِمْتاعِها؛ لم تملكه
(7)
؛ لأِنَّه يَفُوتُ حقُّه بذلك.
والكُسْوةُ كالنَّفقة في ذلك، ويَحتَمِلُ المنْعَ؛ لأِنَّ له اسْتِرْجاعَها لو طلَّقها في وَجْهٍ، بخِلافِ النَّفقة.
فرعٌ: إذا أكَلَتْ مَعَهُ عادَةً، أوْ كَسَاها بلا إذْنٍ، ولم يَتَبرَّعْ؛ سقطت
(8)
، وفي «الرِّعاية» ، وهو ظاهِرُ «المغْنِي»: إنْ نَوَى أنْ يَعتَدَّ بها.
(وَإِنْ غَابَ مُدَّةً، وَلَمْ يُنْفِقْ؛ فَعَلَيْهِ نَفَقَةُ مَا مَضَى
(9)
، ولم تسقط
(10)
، بلْ
(1)
قوله: (يرجع إلا) في (م): لا.
(2)
في (ظ): لا ترجع.
(3)
في (م): ما.
(4)
في (م): حقاً.
(5)
في (م): بذلك.
(6)
في (م): في.
(7)
في (م): يملكه.
(8)
في (م): سقط.
(9)
قوله: (وإن غاب مدة ولم ينفق فعليه نفقة ما مضى) غير واضح في (ظ) بسبب التصوير.
(10)
في (م): ولم يسقط.
تكون
(1)
دَينًا في ذمَّتِه، سَواءٌ تَرَكَها لِعذْرٍ أوْ غَيرِه في ظاهِر المذهَبِ، وقالَه الأكْثَرُ؛ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ، قال: نبأنا مُسلِمُ بنُ خالِدٍ، عن عُبَيدِ الله بنِ عمر، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ
(2)
: «أنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلى أُمَراءِ الأَجْناد في رِجالٍ غابُوا عن نِسائِهم، فأمَرَهُم أن يأخذوهم
(3)
بأنْ يُنفِقُوا أوْ يُطلِّقُوا، فإنْ طلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقةِ ما حَبَسُوا» ورواه
(4)
البَيهَقِيُّ أيْضًا، قال ابنُ المنْذِر: (وهو
(5)
ثابِتٌ عن عمرَ)
(6)
، ولأِنَّه حقٌّ لها وَجَبَ عليه
(7)
بحُكْمِ العِوَضِ، فرَجَعَت به عليه كالدَّين، قال ابنُ المنذِر: (هذه نفقةٌ وَجَبَتْ بالكتاب والسُّنَّة والإجْماع، ولا
(8)
يَزُولُ ما وَجَبَ بهذه الحجج
(9)
إلاَّ بِمِثْلِها)
(10)
.
والكُسْوةُ والسُّكْنَى؛ كالنَّفقة، ذَكَرَه في «الرِّعاية الكبرى» .
(وَعَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا)، اختاره في «الإرشاد» ، وفي «الرِّعاية»: أو الزوج
(11)
بِرِضاها
(12)
؛
(1)
في (م): يكون.
(2)
قوله: (عن نافع عن ابن عمر) سقط من (ظ).
(3)
في (م): يأخذوها.
(4)
في (م): رواه.
(5)
في (م): هو.
(6)
أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 267)، والبيهقي في الكبرى (15706)، وقال ابن كثير وابن الملقن:(إسناده جيد)، وحسنه ابن حجر وصححه الألباني، ونقل ابن الملقن كلام ابن المنذر في الأوسط. ينظر: مسند عمر 2/ 245، البدر المنير 8/ 315، بلوغ المرام (1148)، الإرواء 7/ 228.
(7)
قوله: (عليه) سقط من (م).
(8)
في (ظ): ولأنه.
(9)
في (م): الحج.
(10)
ينظر: الإشراف 5/ 160.
(11)
في (م): والزوج.
(12)
العبارة فيه شيء من الاختصار، والمعنى: لا نفقة لها إن لم يفرضها حاكم، واختاره في الإرشاد، وقال في الرعاية: لا نفقة لها إلا أن يكون الحاكم قد فرضها لها، أو فرضها الزوج برضاها. ينظر: الإرشاد ص 324، الفروع 9/ 298.
لأِنَّها نفقةٌ تَجِبُ يَومًا فيَومًا، فيسقط
(1)
بتأخيرها إذا لم يَفرِضْها الحاكِمُ؛ كنَفَقةِ الأَقارِبِ.
وجَوابُه: بأنَّ نفقةَ الأقارب صِلةٌ
(2)
، يُعتَبَرُ فيها اليَسَارُ من المنْفِقِ والإعْسارُ مِمَّنْ تجب
(3)
له، بخِلافِ نفقةِ الزَّوجة، ويَثبُتُ في ذِمَّته حسبما
(4)
وَجَبَتْ لها، مُوسِرًا كان أوْ مُعسِرًا، ويَصِحُّ ضَمانُها على الأوَّل؛ لأِنَّ مَآلَه إلى الوُجوبِ.
(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْحَاكِمُ قَدْ فَرَضَهَا
(5)
، فتلزم
(6)
بحُكمِه روايةً واحدةً؛ لأِنَّ فرضه
(7)
حكمٌ، وحُكمُه لا يُنقَضُ.
وفي «الانتصار» : أنَّ أحمدَ أسْقَطَها بالموت.
وعلَّلَ في «الفصول» الثَّانيةَ: بأنَّه حقٌّ ثَبَتَ بقَضاءِ القاضي.
فلو اسْتَدانَتْ وأنْفَقَتْ؛ رَجَعَتْ، نَقَلَه أحمدُ بنُ هاشِمٍ
(8)
، ذَكَرَه
(9)
في «الإرشاد» .
تتمة: الذِّمِّيَّةُ كالمسْلِمة فِيما ذَكَرْنا في قَولِ عامَّةِ العلماء؛ لِعُمومِ النَّصِّ والمعْنَى.
(1)
في (م): فسقط.
(2)
في (ظ): وصلة.
(3)
في (م): يجب.
(4)
زيد في (م): ما.
(5)
قوله: (إلا أن يكون الحاكم قد فرضها) غير واضح في (ظ) بسبب التصوير.
(6)
في (ظ): فيلزم.
(7)
في (م): فرقته.
(8)
ينظر: الفروع 9/ 298.
(9)
كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 298:(وذكره في الإرشاد) وهو أصح، فإن صاحب الإرشاد (ص 324) ذكر المسألة ولم يذكر النقل عن أحمد.
(فَصْلٌ)
(وَإِذَا بَذَلَتِ الْمَرْأَةُ تَسْلِيمَ
(1)
نَفْسِهَا إِلَيْهِ، وَهِيَ مَمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا
(2)
، كذا أطْلَقَه المؤلِّفُ تَبَعًا للخِرَقِيِّ، وأبِي الخطَّاب، وابنِ عَقِيلٍ، والشِّيرازِيِّ، وأَنَاطَ القاضِي ذلك بابْنةِ تِسْعِ سِنِينَ، وتَبِعَه في
(3)
«المحرَّر» و «الوجيز» ، وهو مُقتَضَى نَصِّ أحمدَ في رِوايةِ صالِحٍ وعبدِ الله
(4)
، وسُئِلَ: مَتَى يُؤخَذُ مِنْ الرَّجل نفقةُ الصَّغيرة؟ فقال: إذا كان مِثْلُها يُوطَأُ؛ كبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ، ويُمكِنُ حَمْلُ الإطلاق على هذا؛ لقَولِ عائشةَ:«إذا بَلَغَتِ الجارِيةُ تِسْعًا فهي امرأةٌ»
(5)
.
وظاهِرُه: أنَّها لا تَجِبُ النَّفقةُ عليه إلاَّ بالتَّسليم، أوْ بُذِلَت
(6)
له بَذْلاً يَلزَمُه قَبولُه في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّ النَّفقةَ تَجِبُ في مُقابَلةِ الاِسْتِمْتاعِ، وذلك مُمْكِنٌ منه.
وعَنْهُ: يَلزَمُه بالعَقْد مع عَدَمِ مَنْعٍ لمَنْ يَلزَمُه تَسلُّمُها لو بَذَلَتْه.
وقِيلَ: ولصغيرةٍ، وهو
(7)
ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، فعَلَيها: لو تَساكَنَا بَعْدَ العَقْد مُدَّةً؛ لَزِمَه.
(أَوْ يَتَعَذَّرُ وَطْؤُهَا لِمَرَضٍ، أَوْ حَيْضٍ، أَوْ رَتَقٍ، وَنَحْوِهِ)؛ كَكَونِها نِضْوةَ الخَلْق لا يُمكِنُ وَطْؤُها؛ (لَزِمَ زَوْجَهَا نَفَقَتُهَا)؛ لِمَا ذَكَرْنا، فإنْ حدَثَ بها شَيءٌ من ذلك؛ لم يَسقُطْ؛ لأِنَّ الاِسْتِمْتاعَ مُمْكِنٌ، ولا تَفريطَ مِنْ جِهَتِها.
(1)
في (م): (التسليم)، والمثبت من النسخ الخطية للمقنع.
(2)
قوله: (وإذا بذلت
…
) إلى هنا غير واضح في (ظ) بسبب التصوير.
(3)
قوله: (في) سقط من (م).
(4)
ينظر: مسائل صالح 2/ 147، مسائل عبد الله ص 325.
(5)
تقدم تخريجه 1/ 395 حاشية (6).
(6)
قوله: (أو بذلت) سقط من (م).
(7)
في (م): وكصغيرة وهي.
فَلَوْ بَذَلَت الصحيحةُ
(1)
الاِسْتِمْتاعَ بِما دُونَ الوطء؛ لم تَجِبْ نَفَقَتُها.
فلو ادَّعت أنَّ عَلَيها ضَرَرًا في وَطْئِه لِضِيقِ فَرْجِها، أوْ قُروحٍ به؛ أُرِيَتِ امرأةً ثِقةً، ويُعمَلُ بقَولِها.
وإنِ ادَّعَتِ عَبالَةَ ذَكَرِه وعِظَمَهُ
(2)
؛ جاز أنْ تنظر المرأةُ إلَيهِما حال اجْتِماعِهما؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجة
(3)
، ويَجُوزُ النَّظَرُ للعَورة للحاجة والشَّهادة.
(سَوَاءٌ كَانَ الزَّوْجُ كَبِيراً) إجْماعًا
(4)
، (أَوْ صَغِيراً)، هذا هو المشهورُ؛ لأِنَّ الاِسْتِمْتاعَ بها مُمْكِنٌ، وإنَّما تعذَّرَ بسبَبٍ مِنْ جِهَةِ الزَّوج، كما لو كان كبيرًا فَهَرَبَ، ويُجبَرُ الوليُّ على نَفَقَتِها مِنْ مالِ الصَّبِيِّ؛ لأِنَّها عليه، والولي
(5)
يَنُوبُ عنه في أداءِ الواجِباتِ؛ كالزَّكاة.
والثَّانيةُ: لا تجب
(6)
عليه مَعَ صِغَرِه؛ لأِنَّ الزَّوجَ لا يَتمَكَّنُ من الاِسْتِمْتاع بها، فلم تلزمه
(7)
نفقتها، كما لو كانَتْ صغيرةً.
وجَوابُه: الفَرْقُ بَينَهما، فإنَّ الصَّغيرةَ لم تُسلِّمْ نفسَها تسليمًا صحيحًا، ولم تبذل
(8)
ذلك.
وكذلك إذا كان يَتعذَّرُ عليه الوطءُ؛ كالمريض والمجْبُوب؛ لأِنَّ التَّمْكِينَ وُجِدَ مِنْ جِهَتِها، وإنَّما
(9)
تعذَّرَ مِنْ جِهَتِه، فوجبت
(10)
النَّفقةُ.
(1)
في (م): صحيحة.
(2)
قوله: (وعظمه) سقط من (م).
(3)
في (م): حاجته.
(4)
ينظر: الإشراف 5/ 154، مراتب الإجماع ص 79.
(5)
في (م): والأولى.
(6)
في (م): والثاني لا يجب.
(7)
في (م): فلم يلزمه.
(8)
في (م): ولم يبذل.
(9)
في (م): وإن.
(10)
في (م): جهتها فيوجب.
(يُمْكِنُهُ الْوَطْءُ أَوْ لَا يُمْكِنُهُ؛ كَالْعِنِّينِ، وَالْمَرِيضِ، وَالمَجْبُوبِ
(1)
؛ لِمَا ذَكَرْنا.
(وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا؛ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهَا) في قَولِ الأكْثَرِ؛ لأِنَّه لم يُوجَد التَّمكينُ من الاِسْتِمْتاع لأِمْرٍ مِنْ جِهَتِها، قال في «الرِّعاية»: لم تجب
(2)
؛ كما لو تزوَّجَ مَنْ لا يَطَأُ مِثْلُه بمَنْ لا يوطأ
(3)
مِثْلُها في الأصحِّ؛ لِعَدَم المُوجِبِ.
(وَلَا) يَجِبُ على الزَّوج (تَسَلُّمُهَا، وَلَا تَسْلِيمُهَا إِلَيْهِ إِذَا طَلَبَهَا)؛ لأِنَّه لا يُمكِنُه اسْتِيفاءُ حقِّه منها، ولأِنَّ وُجوبَ التَّسليمِ إنَّما كان لضرورةِ تمكينِه مِنْ تسليمِ الحقوق المتعلِّقة بالزوجية
(4)
، وهي مُنتَفِيةٌ هنا.
وظاهِرُه: أنَّ الصَّغيرةَ الَّتي
(5)
يُمكِنُ وَطْؤُها إذا سَلَّمَتْ نَفْسَها؛ فإنَّه يَلزَمُه نَفَقَتُها كالكبيرة.
وإنْ غابَ الزَّوجُ فبَذَلَ وليُّها تسليمَها؛ فهو كما لو بَذَلَت المكلَّفةُ التَّسلِيمَ؛ لأِنَّ وَلِيَّها يَقومُ مَقامَها.
وإنْ بَذَلَتْ هي دُونَ وَلِيِّها؛ فلا نَفَقَةَ لها؛ لأِنَّه لا
(6)
حُكْمَ لِكَلامِها، ذَكَرَه في «الشَّرح» .
(فَإِنْ بَذَلَتْهُ وَالزَّوْجُ غَائِبٌ؛ لَمْ يُفْرَضْ لَهَا
(7)
؛ لأِنَّها بَذَلَتْ في حالٍ لا
(1)
في (م): (يمكنه الوطء كالمجبوب والعنين والمريض)، وقوله: (يمكنه الوطء أو لا يمكنه
…
) إلى هنا مكانه بياض في (ظ)، والمثبت من نسخ المقنع الخطية.
(2)
في (ظ): لم يجب.
(3)
في (م): لا يطأ.
(4)
في (م): بالزوجة.
(5)
في (ظ): الذي.
(6)
قوله: (لا) سقط من (م).
(7)
قوله: (فإن بذلته والزوج غائب لم يفرض لها) سقط من (م).
يُمكِنُه التَّسليمُ فيه، (حَتَّى تُرَاسِلَ الحَاكِمَ)؛ أيْ: يَكتُبَ الحاكِمُ إلى حاكِمِ البلد الذي هُوَ فيه ليستدعيه
(1)
ويُعْلِمَه ذلك، (وَيَمْضِيَ زَمَنٌ يُمْكِنُ أَنْ يَقْدَمَ فِي مِثْلِهِ)؛ لأِنَّ البَذْلَ قَبْلَ ذلك وُجودُه كَعَدَمِه، فإذا سار إلَيها، أوْ وكَّلَ في تَسلِيمِها؛ وَجَبَت النَّفَقةُ حِينَئِذٍ، فإنْ لم يَفعَلْ؛ فَرَضَ الحاكِمُ عليه نَفَقَتَها في أول
(2)
الوَقْت الذي يُمكِنُه الوُصولُ إلَيها وتَسلُّمها
(3)
فيه، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الزَّوجَ امْتَنَعَ مِنْ تَسْليمِها؛ لِإمْكانِ ذلك وبَذلها له، فَلَزِمَه نَفَقَتُها، كما لو كان حاضِرًا.
(وَإِنْ مَنَعَتْ تَسْلِيمَ نَفْسِهَا، أَوْ مَنَعَهَا أَهْلُهَا؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا)؛ لأِنَّ البَذْلَ شَرْطٌ لِوُجوبِ النَّفقة، ولم يُوجَدْ.
وفي «الفروع» : إذا بَذلَت التَّسليمَ، فحَالَ بَينَها وبَينَه أوْلِياؤها؛ فظاهِرُ كَلامِ جماعةٍ: لها النَّفقةُ، وفي «الرَّوضة»: لا، ذَكَرَه الخِرَقِيُّ، قال: وفيه نَظَرٌ.
وكذا إذا بَذَلَتْ تسليمًا غَيرَ تامٍّ؛ كتَسْلِيمِها في مَنزِلٍ أوْ في
(4)
بلدٍ دُونَ آخَرَ، ما لم يكُنْ مَشْروطًا في العَقْد.
(إِلاَّ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى تَقْبِضَ صَدَاقَهَا الْحَالَّ؛ فَلَهَا ذَلِكَ)؛ لأِنَّ تسليمَها قَبْلَ تسليمِ صَداقِها يُفْضِي إلى تسليمِ مَنفَعَتِها المعْقُودِ عَلَيها بالوطء، ثمَّ لا تُسلَّمَ
(5)
صداقَها، فلا يمكنه الرجوع فيما استوفى منها، بخلاف المبِيعِ إذا تسلَّمَه المشْتَرِي، ثُمَّ أعْسَرَ بثَمَنِه، فإنَّه يُمكِنُه الرُّجوعُ فيه.
(وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا)؛ لأِنَّها فَعَلَتْ ما لَها أنْ تَفعَلَه، فلو مَنَعَتْ نَفْسَها لمرضٍ؛
(1)
في (م): يستدعيه.
(2)
قوله: (أول) سقط من (م).
(3)
في (م): وتسليمها.
(4)
قوله: (في) سقط من (م).
(5)
في (ظ): لا يسلم.
لم يكُنْ لها نفقةٌ، والفَرْقُ بَينَهما: أنَّ امْتِناعَها لِقَبْضِ صداقِها امْتِناعٌ مِنْ جِهَةِ الزَّوج، فهو يُشبِهُ تعذُّرَ الاِسْتِمْتاع لصِغَرِ
(1)
الزَّوج، بخِلافِ الاِمْتِناعِ لِمَرضها؛ لأِنَّه امْتِناعٌ مِنْ جِهَتِها، فهو يُشبِهُ تعذُّرَ الاِسْتِمْتاع لِصِغَرِها.
(وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الدُّخُولِ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدهما: لها النَّفقةُ؛ كما
(2)
قَبْلَ الدُّخول.
والأَشْهَرُ: أنَّه لا نفقةَ لها؛ كما لو سلَّمَ المبِيعَ، ثُمَّ أراد مَنْعَه منه.
(بِخِلَافِ الآجِلِ)؛ أي
(3)
: إذا مَنَعَتْ نفسَها لِقَبْضِ صَداقِها الآجل أنَّه لا نفقة لها؛ لأنه
(4)
لَيسَ لها أنْ تَمنَعَ نَفْسَها حتَّى تَقبِضَ ذلك؛ لأِنَّ قَبضَه غَيرُ مُسْتَحَقٍّ، فيَكونُ مَنْعُها مَنْعًا للتَّسليم المُوجِبِ للنَّفَقة، ولا فَرْقَ فيه بَينَ الدُّخول وعَدَمِه.
(وَإِنْ سَلَّمَتِ الْأَمَةُ نَفْسَهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا؛ فَهِيَ كَالحُرَّةِ) في وُجوبِ النَّفقة على زوجها الحُرِّ، ولو أَبَى؛ للنَّصِّ، ولأِنَّها زَوجةٌ مُمَكِّنةٌ مِنْ نَفْسِها، فَوَجَبَتْ نَفَقتُها على زَوجِها؛ كالحُرَّة.
فإنْ كان مَمْلوكًا؛ فالنَّفقةُ واجِبةٌ لِزَوجَتِه إجْماعًا
(5)
إذا بَوَّأَها بَيتًا، ويَلزَمُ السَّيِّدَ؛ لأِنَّه أَذِنَ في النِّكاح المُفْضِي إلى إِيجابِها.
وعَنْهُ: في كَسْبِ العبد؛ لأِنَّه لم يُمْكِن
(6)
إيجابُها في ذِمَّته، ولا رَقَبَته، ولا ذِمَّةِ السَّيِّد، ولا إسقاطها، فتعلَّقَتْ بكَسْبِه، فإنْ عَدِمَ أوْ تعذَّر فعلى سيِّدِه.
(1)
في (ظ): كصغر.
(2)
قوله: (كما) سقط من (م).
(3)
قوله: (أي) سقط من (م).
(4)
قوله: (لا نفقة لها لأنه) سقط من (ظ).
(5)
ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 83.
(6)
في (م): لم يكن.
وقال في «الرِّعاية» : تَجِبُ في ذِمَّتِه.
وقال القاضِي: تتعلَّق
(1)
بِرَقَبَتِه؛ لأِنَّ الوَطْءَ في النِّكاح كالجِنايَةِ.
وجَوابُه: أنَّه دَينٌ أذِنَ فيه السَّيِّدُ، فَلَزِمَه، كاستدانة
(2)
وكيله، والنَّفقةُ تَجِبُ مِنْ غَيرِ وطءٍ كالرتقاء ونحوها
(3)
، ولَيسَ هو بجِنايَةٍ، ولا قائمٍ مَقامَه.
(فَإِنْ كَانَتْ تَأْوِي إِلَيْهِ لَيْلاً، وَعِنْدَ السَّيِّدِ نَهَارًا؛ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا النَّفَقَةُ مُدَّةَ مُقَامِهَا عِنْدَهُ)؛ أيْ: يَلزَمُ الزَّوجَ نَفَقَتُها لَيلاً من العَشاء، وتَوابِعِه؛ مِنْ غِطاءٍ ووِطاءٍ ودُهْنٍ للمصباح
(4)
، ونحوِه؛ لأِنَّه وُجِدَ في حقِّه التَّمكينُ لَيلاً، فَوَجَبَتْ نَفَقَتُه، وعلى السَّيِّد نَفَقَتُها نهارًا بحُكْمِ أنَّها مملوكته
(5)
، فلم تَجِبْ على غَيرِه في هذا الزَّمن.
وقِيلَ: كلُّ النَّفَقة إذن
(6)
عَلَيهِما نِصفَينِ؛ قطعًا
(7)
للتَّنازُع.
ولو سلَّمَها نهارًا فقطْ؛ لم يَجُزْ.
تذنيبٌ: المعتَقُ بعضُه عليه من النَّفقة بِقَدْرِ ما فيه من الحُرِّيَّةِ، وباقِيها على سيِّدِه، أوْ في ضَريبته
(8)
، أوْ رَقَبَتِه، وما وَجَبَ عليه بالحُرِّيَّة يُعتبَرُ فيه حالُه؛ إنْ كان مُوسِرًا فنَفَقَةُ المُوسِرِينَ، وإنْ كان مُعسِرًا فنَفَقَةُ المعسرين
(9)
، والباقِي تَجِبُ فيه نَفَقةُ المعْسِرِينَ.
(1)
في (م): يتعلق.
(2)
في (م): كاستئذانه.
(3)
قوله: (ونحوها) سقط من (ظ).
(4)
في (م): المصباح.
(5)
في (م): مملوكة.
(6)
قوله: (إذن) سقط من (م).
(7)
في (ظ): مطلقًا. والمثبت موافق لما في المحرر 2/ 115 وشرح الزركشي 5/ 148.
(8)
في (م): حوسه. وضريبته: أي كسبه. ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 87.
(9)
قوله: (وإن كان معسراً فنفقة المعسرين) سقط من (م).
(وَإِذَا نَشَزَتِ الْمَرْأَةُ)؛ فلا نفقةَ لها في قَولِ عامَّتهم، ولو بنكاحٍ في عدَّةٍ، قال ابنُ المنذِر:(لا نَعلَمُ أحدًا خالَفَ إلاَّ الحكم)
(1)
، ولعلَّه قاسَه على المهر، ولا يَصِحُّ؛ لأِنَّ النَّفقةَ وَجَبَتْ في مُقابَلةِ التَّمكين، والمهرُ وَجَبَ بالعَقْد، بدليلِ الموت.
وفي «الترغيب» : من
(2)
مَكَّنَتْه من الوطء، لا مِنْ بقيَّةِ الاِسْتِمْتاع، فسُقوطُ النَّفقة يَحتَمِلُ وجهَينِ.
فإنْ كان لها منه ولدٌ؛ دَفَعَ نَفَقَتَه إليها إذا كانَتْ هي الحاضنة
(3)
أو المرْضِعةَ، ويلزمه
(4)
تسليمُ أجْرَةِ رَضاعِها.
ويُشْطَرُ
(5)
لِناشِزٍ لَيلاً فقطْ، أو
(6)
نهارًا فقطْ، لا بقَدْرِ الأزْمِنَة، ويشطر
(7)
لها بعضُ يَومٍ.
فإنْ أطاعت
(8)
في حضوره أوْ غَيبته، فعَلِمَ ومَضَى زمنٌ يَقدمُ
(9)
في مِثْلِه؛ عادَتْ.
وفي «الشَّرح» : لا يعودُ إلاَّ بحُضوره، أوْ وكيله، أو
(10)
حكم حاكِمٍ بالوجوب.
ومجرَّدُ إسْلامِ مُرتَدَّةٍ ومُتخَلِّفةٍ عن الإسلام في غَيبته؛ تَلزَمُه.
(1)
في (م): الحاكم. وينظر: الإجماع لابن المنذر ص 83.
(2)
في (م): في.
(3)
في (م): الخاصية.
(4)
في (ظ): ويلزمهم.
(5)
في (م): ويشترط. والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 300.
(6)
في (ظ): لا. والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 300.
(7)
في (م): ويشترط.
(8)
في (م): أطاعته.
(9)
في (م): يقدر.
(10)
في (م): لو.
فإنْ صامَتْ لِكفَّارةٍ، أوْ نَذْرٍ، أوْ قَضاءِ رَمَضانَ ووَقْتُه مُتَّسِعٌ فيهما بلا إِذْنِه، أوْ حُبِست
(1)
ولو ظلمًا في الأصحِّ؛ فلا نَفَقَةَ لها.
(أَوْ سَافَرَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ)؛ سقطت
(2)
؛ لأِنَّها ناشِزٌ، وكذا إن انتقلَتْ من منزلها بغَيرِ إذْنِه.
(أَوْ تَطَوَّعَتْ بِصَوْمٍ، أَوْ حَجٍّ، أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ مَنْذُورٍ فِي الذِّمَّةِ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا)؛ لأِنَّها في مَعْنَى المُسافِرة، ولِمَا فيه مِنْ تَفْويتِ الاِسْتِمْتاع الواجِبِ للزَّوج.
فإنْ أحْرَمَتْ بإذْنِه، فقال القاضي: لها النَّفقةُ، والصَّحيحُ: أنَّها كالمُسافِرة؛ لأِنَّها بإحرامها
(3)
مانِعةٌ له من التَّمكين.
(وَإِنْ بَعَثَهَا فِي حَاجَةٍ)؛ فهي على نَفَقَتِها؛ لأِنَّها سافَرَتْ في شُغْلِه ومُرادِه.
(أَوْ أَحْرَمَتْ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ)، أو العمرةِ الواجِبةِ، أوْ أحْرَمَتْ بفريضةٍ، أو
(4)
مكتوبةٍ في وَقْتِها؛ (فَلَهَا النَّفَقَةُ)؛ لأِنَّها فَعَلَت الواجِبَ عَلَيها بأصْلِ الشَّرع، فكان كصيامِ رَمَضانَ.
فإنْ قَدَّمَت الإحرامَ على الميقات، أوْ قَبْلَ الوقت؛ خُرِّجَ فيها من القَول ما في المُحرِمة
(5)
بحجِّ التَّطوُّعِ.
فرعٌ: إذا اعْتقلتْ
(6)
؛ فالقِياسُ: أنَّه كَسَفَرِها، فإنْ كان بغَيرِ إذْنِه؛ فلا نَفَقَةَ لها؛ لخُروجِها مِنْ مَنزِلِ زَوجها فيما لَيسَ واجبًا بأصْلِ الشَّرع، وإنْ كان
(1)
في (م): أو جلست.
(2)
قوله: (سقطت) سقط من (م).
(3)
في (م): إحرامها.
(4)
زيد في (م): في.
(5)
في (م): المحرر.
(6)
كذا في النسخ الخطية، وصوابها كما في المغني 8/ 231، والشرح الكبير 24/ 360: اعتكفت.
بإذْنِه؛ فَوَجْهانِ.
(وَإِنْ أَحْرَمَتْ بِمَنْذُورٍ مُعَيَّنٍ فِي وَقْتِهِ
(1)
، أوْ صامَتْ نَذْرًا مُعَيَّنًا في وَقْتِه؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ): أحدُهما: لها النَّفَقةُ، ذَكَرَه القاضي؛ لأِنَّ أحمدَ نصَّ
(2)
على أنَّه لَيسَ له مَنْعُها
(3)
، ولأِنَّ النَّذرَ المعيَّنَ وَقْتُه مُتَيَقَّنٌ، أشْبَهَ حجَّةَ الإسلام.
والثَّاني: يَسقُطُ؛ لأِنَّها فَوَّتَتْ على زَوجِها حقَّه من الاِسْتِمْتاع باخْتِيارِها، ولأِنَّ النذر
(4)
صَدَرَ مِنْ جِهَتِها، بخِلافِ حجَّةِ الإسلام، فإنَّها واجِبَةٌ بأصْلِ الشَّرع.
وقِيلَ: إنْ نَذَرَتْ بإذْنِه، أوْ قَبْلَ النِّكاح؛ فَلَهَا النَّفقةُ، وإنْ كان في نِكاحِه بلا إذْنِه؛ فلا نَفَقَةَ لها؛ لأِنَّها فَوَّتَتْ عَلَيهِ حقًّا
(5)
من الاِسْتِمْتاع باخْتِيارِها.
ونَقَلَ أبو زُرْعةَ الدِّمَشْقِيُّ: تَصُومُ النَّذْرَ بلا إِذْنٍ
(6)
.
وفي «الواضِحِ» : في حجِّ
(7)
نَفْلٍ إنْ لم يملِكْ مَنْعَها وتحليلَها؛ لم يَسقُطْ، وأنَّ في صلاةٍ وصَومٍ واعْتِكافٍ مَنذُورٍ في الذمة
(8)
وَجْهَينِ، وفي بَقائِها في نُزْهةٍ
(9)
، أوْ تجارةٍ، أوْ زيارةِ أهلِها؛ احْتِمالٌ.
(وَإِنْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)؛ لأِنَّها فَوَّتَت
(1)
في (م): رقبته.
(2)
زيد في (م): عليه.
(3)
ينظر: التعليقة للقاضي 2/ 189، المغني 8/ 231.
(4)
في (م): البذل المعين.
(5)
في (م): حقها.
(6)
ينظر: الفروع 9/ 301.
(7)
في (م): حجة.
(8)
قوله: (في الذمة) سقط من (م).
(9)
زاد في (ظ): وإيجاره. والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 301.
التَّمكينَ لأِجْلِ نَفْسِها، أشْبَهَ ما لو اسْتَنظَرَتْه قَبْلَ الدُّخول مُدَّةً فأنْظَرَها، إلاَّ أنْ يكونَ مُتمَكِّنًا من اسْتِمْتاعِها، فلا تسقط
(1)
.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ لَهَا النَّفَقَةَ)؛ لأِنَّ السَّفَرَ بإذْنِه، فَسَقَطَ حقُّه من الاِسْتمْتاع، وتَبْقَى النَّفقةُ على ما كانَتْ عليه؛ كالثَّمَن.
وحكى
(2)
في «المغْنِي» عن القاضِي: أنَّ الزَّوج إنْ كان معَهَا؛ فنَفَقَتُها عليه؛ لأِنَّها في قَبْضَتِه، وإنْ كانَتْ مُنفَرِدةً فلا؛ لأِنَّها فَوَّتَت التَّمكينَ عليه.
والصَّحيحُ: أنَّه لا نَفَقةَ لها هُنا بحالٍ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نُشُوزِهَا، أَوْ تَسْلِيمِ النَّفَقَةِ) أو الكسوة
(3)
(إِلَيْهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ ذلك.
وقال الآمِدِيُّ: إنِ اخْتَلَفا في النُّشوز؛ فإنْ وَجَبَت بالتَّمكين صُدِّق، وعَلَيها إثْباتُه، وإنْ وَجَبَتْ بالعَقْد صُدِّقَتْ، وعَلَيهِ إثْباتُ المَنْعِ، ولو اخْتَلَفا بعْدَ التَّمكين لم يُقبَلْ قَولُه.
وفي «التَّبصرة» : يُقبَلُ قَولُه قبلَ الدُّخول، وقَولُها بعدَه.
واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في النَّفقة والكسوة
(4)
: قَولُ مَنْ يَشهَدُ له العُرْفُ؛ لأِنَّه تعارَضَ
(5)
الأصلُ والظَّاهِرُ، والغالِبُ أنَّها تكون راضيَةً، وإنَّما تُطالِبُه عندَ الشِّقاق؛ كما لو أصْدَقَها تعليمَ شيءٍ فادَّعَتْ أنَّ غَيرَه عَلَّمَها وأَوْلَى؛ لأِنَّ هُنا تَعارَضَ أصْلانِ.
(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي بَذْلِ التَّسْلِيمِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّه مُنكِرٌ،
(1)
في (ظ): ولا يسقط.
(2)
في (م): ذكر.
(3)
قوله: (أو الكسوة) سقط من (م).
(4)
قوله: (والكسوة) سقط من (م). وينظر: مجموع الفتاوى 34/ 77.
(5)
في (م): يعارض.
والأصلُ عَدَمُ التَّسليم، وكذا لو اخْتَلَفا في وقته، فقالَتْ: كان مِنْ شَهْرٍ، قال: بَلْ من
(1)
يَومٍ.
(1)
قوله: (من) سقط من (م).
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ أَعْسَرَ الزَّوْجُ بِنَفَقَتِهَا، أَوْ بِبَعْضِهَا، أَوْ بِالْكُسْوةِ)، أوْ بِبَعْضِها؛ (خُيِّرَتْ بَيْنَ فَسْخِ النِّكَاحِ وَالْمُقَامِ) على الأصحِّ، وهو قَولُ عمرَ، وعليٍّ، وأبي هُرَيرةَ
(1)
، واخْتَارَه الأكثرُ؛ لقَولِه تعالى:{فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 229]، ولَيسَ الإمْساكُ مع تَرْكِ الإنْفاق إمْساكًا بمعروفٍ، فتعيَّنَ التَّسريحُ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«امْرأَتُك تَقُولُ: أطْعِمْنِي وإلاَّ فَارِقْنِي» رواهُ أحمدُ، والدَّارَقُطْنِيُّ، والبَيهَقيُّ بإسنادٍ صحيحٍ، ورَواهُ الشَّيخانِ مِنْ قَولِ أبي هُرَيرةَ
(2)
، ورَوَى الشَّافعيُّ وسعيدٌ، عن سُفْيانَ، عن أبي الزِّناد، قال: سألتُ سَعِيدَ بنَ المسيِّب عن الرَّجُل لا يَجِدُ ما يُنْفِقُ على امرأته، قال:«يُفرَّقُ بَينَهما» ، قال
(3)
أبو الزِّناد لسعيدٍ: سنَّةٌ؟ قال سعيدٌ: «سنة»
(4)
، ولأِنَّ هذا أَوْلَى بالفَسْخ من العجز بالوطء.
وهو على التَّراخِي أو الفَور؛ كخِيارِ العَيب.
(1)
قول عمر رضي الله عنه سبق تخريجه 8/ 695 حاشية (6)، ولم نقف على قول علي رضي الله عنه، وسيأتي قول أبي هريرة رضي الله عنه.
(2)
أخرجه أحمد (7429)، والبزار (9020)، والطبراني في الأوسط (9251)، والدارقطني (3781)، والبيهقي في المعرفة (2888)، والصواب أنه موقوف من قول أبي هريرة رضي الله عنه كما أخرجه البخاري (5355)، وهو عند مسلم (1042)، بنحوه وليس فيه الموقوف، ورجح وقفه ابن حجر في الفتح 9/ 501.
(3)
في (م): وقال.
(4)
قوله: (قال سعيد: سنة) سقط من (م).
والأثر أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 266)، وعبد الرزاق (12356)، وسعيد بن منصور (2023)، وابن أبي شيبة (19013)، والدارقطني (3782)، والبيهقي في الكبرى (15707)، وصحح إسناده ابن الملقن، وقال ابن حجر:(هو مرسل قوي). ينظر: خلاصة البدر المنير 2/ 255، بلوغ المرام (1147).
وذَكَرَ ابنُ البَنَّاء وجْهًا: يُؤجَّلُ ثلاثًا.
ولها المقامُ، ولا تمكِّنُه
(1)
، ولا يَحبِسُها.
فلو وَجَدَ نفقةَ يَومٍ بِيَومٍ، أو وَجَدَ في أوَّلِ النَّهار ما يُغدِّيها، وفي آخِرِه ما يُعَشِّيهَا، أوْ كان صانِعًا يَعمَلُ في الأسبوع ما يَبِيعُه في يَومٍ بقَدْرِ كِفايَتِها في الأُسبوع كلِّه؛ فلا فَسْخَ.
وكذا إنْ تعذَّرَ عليه الكَسْبُ في بَعْضِ زمانه، أو البَيعُ؛ لأِنَّه يُمكِنُه الاِقْتِراضُ إلى زوالِ المانِعِ.
فإنْ عَجَزَ عنه أيَّامًا يسيرةً، أو مَرِضَ مَرَضًا يُرجَى زوالُه في أيَّامٍ يسيرةٍ؛ فلا فَسْخَ، وإنْ كثُرَ فلها الفَسْخُ.
(وَتَكُونُ النَّفَقَةُ)؛ أيْ: نفقةُ فقيرٍ وكُسْوتُه ومَسكَنٌ؛ (دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ)، ما لم تَمنَعْ نَفْسَها؛ لأِنَّ ذلك واجِبٌ على الزَّوج، فإذا رَضِيَتْ بتأخيرِ حقِّها فهو في ذِمَّتِه؛ كما لو
(2)
رَضِيَتْ بتأخيرِ مَهْرِها، ويُجبَرُ قادِرٌ على التَّكسُّبِ على الأصحِّ.
(فَإِذَا
(3)
اخْتَارَتِ الْمُقَامَ، ثُمَّ بَدَا لَهَا الْفَسْخُ؛ فَلَهَا ذَلِكَ) على الأصحِّ؛ لأِنَّ وجوب
(4)
النَّفقة يَتجدَّدُ كلَّ يَومٍ، فيتجدَّدُ لها الفَسْخُ، ولا يَصِحُّ إسْقاطُها حقَّها فيما لم يَجِبْ لها؛ كإسْقاطِ شُفْعَتِها قَبْلَ البَيعِ.
فإنْ تَزوَّجَتْه عالِمةً بعسرته
(5)
، أوْ شَرَطَ ألاَّ يَنفِقُ، ثُمَّ عنَّ لها
(6)
الفَسْخُ؛
(1)
في (م): ولا تمكينه.
(2)
قوله: (لو) سقط من (م).
(3)
في (م): فإن.
(4)
في (م): الواجب.
(5)
في (م): بعسره.
(6)
في (م): فلها.
مَلَكَتْهُ، فلَوْ أسقطت
(1)
النَّفقةَ المستقْبَلةَ؛ لم تسقط
(2)
.
وقال القاضِي: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه لَيسَ لها الفَسْخُ؛ لأِنَّها رَضِيَتْ بعَيبه.
فإنْ رَضِيَتْ بالمقام مع ذلك؛ لم يَلزَمْها التَّمكينُ من الاِسْتِمْتاع؛ لأِنَّه لم يُسلِّمْها عِوَضُه؛ كالمشْتَرِي إذا أعْسَرَ بثَمَنِ المبيع، وعليه تَخلِيَتُها لِتَكتَسِبَ وتُحصِّلَ
(3)
ما تُنفِقه
(4)
عليها وإنْ كانَتْ مُوسِرةً؛ لأِنَّه إنَّما يَملِكُ حَبْسَها إذا كفاها
(5)
المؤنةَ.
(وَعَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَمْلِكُ الْفَسْخَ بِالْإِعْسَارِ)، وقالَهُ عَطاءٌ والزُّهْرِيُّ؛ لأِنَّه إعْسارٌ عن حقِّ الزَّوجة، فلم تملك
(6)
الفَسْخَ؛ كما لو أعْسَرَ عن دَينٍ لها عليه، فعلى هذا: لا تملِكُ فِراقَه، ويرفع
(7)
يَدَهُ عنها لِتَكْتَسِبَ؛ لأِنَّه حقٌّ لها عليه.
(وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ)؛ لِمَا ذَكَرْنا.
(وَإِنْ أَعْسَرَ بِالنَّفَقَةِ الْمَاضِيَةِ)؛ فلا فَسْخَ؛ لأِنَّ البَدَنَ قد قامَ بِدُونِها، والنَّفقةُ الماضيةُ دَينٌ، (أَوْ نَفَقَةِ الْمُوسِرِ، أَوِ الْمُتَوَسِّطِ، أَوِ الْأُدْمِ) في الأصح
(8)
فيه، (أَوْ نَفَقَةِ الْخَادِمِ؛ فَلَا فَسْخَ)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ تَسقُطُ باعتباره، ويُمكِنُ الصَّبرُ عنها.
وفي «الانتصار» : احْتِمالٌ في الكلِّ مع ضَرَرِها.
(1)
في (م): أسقط.
(2)
في (م): لم يسقط.
(3)
في (ظ): يحصل.
(4)
في (م): ينفقه.
(5)
في (ظ): أكفاها.
(6)
في (م): فلم يملك.
(7)
في (ظ): ترفع.
(8)
زيد في (م): لما.
(وَتَكُونُ الْبَقِيَّةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ)؛ لأِنَّها نفقةٌ تَجِبُ على سبيلِ العِوَضِ، فثبتت
(1)
في الذِّمَّة؛ كالنَّفقة الواجِبة للمرأة قُوتًا، وهذا فيما عدا الزائد على نفقةِ المعْسِر، فإنَّ ذلك يَسقطُ بالإعسار.
(وَقَالَ الْقَاضِي: يَسْقُطُ)؛ أيْ: زيادةُ يَسارٍ وتَوسُّط
(2)
؛ لأِنَّه مِنْ الزَّوائد، فلم يَثبُتْ في ذِمَّته؛ كالزَّائد عن الواجب عليه.
وقال ابنُ حَمْدانَ: غَيرُ الأُدْم.
تَتِمَّةٌ: إذا اعْتادَت الطَّيِّبَ والنَّاعِمَ، فعَجَزَ عنها؛ فلها الفَسْخُ، قال ابنُ حَمْدانَ: فبالأُدْم أَوْلَى.
(وَإِنْ أَعْسَرَ بِالسُّكْنَى)؛ أيْ: بأُجْرَتِه، (أَوِ الْمَهْرِ)، قد تقدَّم في الصَّداق؛ (فَهَلْ لَهَا الْفَسْخُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):
أحدُهما: لا فَسْخَ، وقاله القاضِي؛ لأِنَّ البُنْيةَ
(3)
تَقُومُ بدونه.
والثَّاني: لها الفَسْخُ، وقالَهُ ابنُ عَقِيلٍ، وهو أشهر
(4)
؛ لأِنَّ المسكنَ
(5)
مِمَّا لا بُدَّ منه؛ كالنَّفقة.
(وَإِنْ أَعْسَرَ زَوْجُ الْأَمَةِ، فَرَضِيَتْ) به
(6)
، نَقُولُ: نَفَقةُ الأمةِ
(7)
المزوَّجة حقٌّ لها ولسيِّدها لكلِّ
(8)
واحدٍ منهما طَلَبُها، ولا يَملِكُ واحِدٌ منهما إسْقاطَها؛ لِمَا في ذلك من الإضْرارِ.
(1)
في (ظ): فيثبت.
(2)
في (م): أو توسط.
(3)
في (م): البينة. والمثبت موافق للمغني 8/ 205، والشرح الكبير 24/ 374.
(4)
في (م): الأشهر.
(5)
في (م): السكن.
(6)
كتب على هامش (م): لم يكن لسيدها الفسخ.
(7)
قوله: (نقول نفقة الأمة) في (م): بقول نفقة.
(8)
في (م): ولكل.
فعلى هذا: إنْ أعْسَرَ الزَّوجُ بها؛ فلها الفَسْخُ كالحُرَّة.
وإنْ لم تَفْسَخْ، فقال القاضِي: لسيِّدها الفَسْخُ؛ لأِنَّ عليه ضررًا في عَدَمِها؛ لِمَا يَتعلَّقُ بفَواتها مِنْ فَواتِ ملْكِه وتَلَفِه.
فإن
(1)
أنْفَقَ عليها سيِّدُها مُحتَسِبًا بالرُّجوع؛ رَجَعَ على الزَّوج، رَضِيَتْ أوْ كَرِهَتْ.
وقال أبو الخَطَّاب، وهو المنصوصُ
(2)
: لَيسَ لسيِّدها الفَسْخُ إذا كانَتْ راضِيةً؛ لأنَّها
(3)
حقٌّ لها، فلم
(4)
يَملِكْ سيِّدُها الفسخ
(5)
؛ كالفَسْخ بالعيب.
(أَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ الصَّغِيرَةِ أَوِ الْمَجْنُونَةِ؛ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّهِنَّ الْفَسْخُ)؛ لأِنَّه فَسْخٌ لنكاحها، فلم يَملِكْه الوليُّ؛ كالفَسْخ بالعَيب.
(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ لَهُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه فَسْخٌ لِفَواتِ العوض
(6)
، فَمَلَكَه؛ كفَسْخِ البَيعِ لتَعذُّرِ الثَّمَنِ.
(1)
في (م): وإن.
(2)
ينظر: الفروع 9/ 304.
(3)
في (م): لأنه.
(4)
في (م): فلا.
(5)
قوله: (الفسخ) سقط من (م).
(6)
في (ظ): الغرض.
(فَصْلٌ)
(وَإِنْ مَنَعَ النَّفَقَةَ، أَوْ بَعْضَهَا
(1)
، أو الكُسْوةَ، أوْ بَعضَها، (مَعَ الْيَسَارِ؛ أَخَذَتْ مَا يَكْفِيهَا وَوَلَدَهَا) الصَّغيرَ (بِالْمَعْرُوفِ، بِلَا إِذْنِهِ)، نَصَّ عليه
(2)
؛ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِهِنْدٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ: إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنَ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، قَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلدَكِ
(3)
بِالْمَعْرُوفِ») مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حديثِ عائشةَ، ولَفْظُه للبُخارِيِّ
(4)
.
وظاهِرُه يَدُلُّ على أنَّه يُعطِيها بعضَ الكِفايَة، ولا يُتِمُّها لها، فرخَّص النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأِخْذِ تمامِ الكِفايَة بغَيرِ عِلْمِه؛ لأِنَّه مَوضِعُ حاجةٍ، فإنَّ النَّفقةَ لا غِنى عنها، ولا قِوامَ إلاَّ بها، ولأِنَّها تتجدَّدُ بتجدُّدِ الزَّمانِ شَيئًا فشَيئًا، فتَشُقُّ المرافَعةُ إلى الحاكِم، والمُطالَبةُ بها في
(5)
كلِّ الأوقات
(6)
.
وذَكَرَ القاضِي: أنَّها تَسقُط بفَواتِ وَقْتِها عندَ جَمْعٍ، ما لم يَفرِضْها حاكِمٌ، بخِلافِ الدَّينِ، فإنَّه لا يسقط
(7)
عندَ أحدٍ بتَرْكِ المطالَبةِ.
وفي «الرَّوضة» : القِياسُ مَنْعُها، تَرَكْناهُ للخَبَر.
وفي وَلَدِها وَجْهٌ في «التَّرغيب» .
لكِنْ يَرِد على المذهب: قَولُه عليه السلام: «أدِّ الأمانةَ إلى مَنْ ائْتَمَنَكَ، ولا تَخُنْ
(1)
قوله: (أو بعضها) سقط من (م).
(2)
ينظر: مسائل بن منصور 6/ 3120.
(3)
في (م): وولدك ما يكفيك.
(4)
أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714).
(5)
في (م): من.
(6)
في (م): الآفات.
(7)
في (م): فإنها لا تسقط.
مَنْ خانَكَ»
(1)
، فإنَّه يَقتَضِي المنْعَ من الأَخْذِ مُطلَقًا.
وجَوابُه: حديثُ هندٍ؛ لأِنَّه خاصٌّ بالنَّفقة، فقُدِّمَ على غَيرِه.
فرعٌ: لا يَقتَرِضُ على الأب، ولا يُنْفِقُ على الصَّغير مِنْ ماله إلاَّ بإذْنِ وليِّه.
(فَإِنْ لَمْ يُقْدَرْ
(2)
؛ أي
(3)
: على الأَخْذِ مِنْ مالِه رافَعَتْه إلى الحاكم، فيأمُرُه بالإنفاق، (أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ)؛ أيْ: على الإنفاق، (وَ) إنْ أبَى (حَبَسَهُ)؛ لأِنَّ الحاكِمَ وُضِعَ لِفَصْلِ الخُصوماتِ، والحَبْسُ طريقٌ إلى الفَصْل، فتعيَّنَ فِعْلُه.
(فَإِنْ لَمْ يُنْفِقْ؛ دَفَعَ) الحاكِمُ (النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ)؛ لأِنَّها حقٌّ واجِبٌ عليه، فإذا امْتَنَع مَنْ عليه ذلك مِنْ أدائه؛ وَجَبَ الدَّفْعُ إلى مُستَحِقِّه مِنْ مالِ خَصْمه؛ كالدَّين، بلْ أَوْلَى؛ لأِنَّها آكَدُ مِنْ الدَّين، بدليلِ جوازِ الأخْذِ بغَيرِ إذْنِ المالِك.
فإنْ لم يَجِدْ إلاَّ عُروضًا، أوْ عَقارًا؛ باعه
(4)
ودَفَعَ إليها
(5)
مِنْ ثَمَنِه كالنَّقْدَينِ، ويَدفَعُها منه يَومًا بيَومٍ.
تنبيهٌ: حُكْمُ وكيلِه حُكْمُه في المطالَبة، والأَخْذِ من المال عِنْدَ امْتِناعِه.
فإن ادَّعَتْ يَسارَه، فأنْكَرَ؛ فإنْ عُرِفَ له مالٌ؛ قُبِلَ قَولُها، وإلاَّ قَولُه.
وإن اخْتَلَفا في فَرْضِ الحاكِمِ لها، أوْ في وَقْتِها، فقال: فَرَضَها منذُ شَهْرٍ، فقالتْ: بلْ منذُ عامٍ؛ قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ معه.
(فَإِنْ غَيَّبَهُ، وَصَبَرَ عَلَى الْحَبْسِ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ)، إذا غَيَّبَ الزَّوجُ مالَه، وتعذَّر الإنفاقُ مِنْ جِهَتِه، وصَبَرَ على الحَبْس؛ فَلَهَا الفَسْخُ؛ كما لو كان
(1)
سبق تخريجه 6/ 293 حاشية (6).
(2)
كذا في النسخ الخطية، والذي في نسخ المقنع الخطية: تقدر.
(3)
قوله: (أي) سقط من (م).
(4)
في (ظ): أباعه.
(5)
في (م): إليه.
مُعسِرًا، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، واختاره أبو الخَطَّابِ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع»؛ لحديثِ عمرَ:«أنَّه كَتَبَ في رجالٍ غابُوا عَنْ نِسائِهم، فأَمَرَهُم أن يُنفِقُوا، أوْ يُطلِّقُوا»
(1)
، وهذا إجْبارٌ على الطَّلاق عِنْدَ الاِمْتِناع مِنْ الإنفاق؛ لأِنَّ الإنفاقَ عَلَيها مِنْ مالِه مُتعذِّرٌ، فكان لها الخِيارُ؛ كحالِ الإعْسارِ، بل هذا أَوْلَى بالفَسْخ، فإنَّه إذا جاز الفَسْخ على المَعْذُور؛ فغَيرُه أَوْلَى.
(وَقَالَ الْقَاضِي)، واخْتَارَه الأكْثَرُ، قاله في «التَّرغيب»:(لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ)؛ أيْ: لا تَملِكُ
(2)
الفَسْخَ؛ لأِنَّ الفَسْخَ لعيب
(3)
المعْسِرِ، ولم يُوجَدْ هُنا، ولأِنَّ المُوسِرَ في مَظِنَّةِ الأخْذِ مِنْ مالِه، ولأِنَّ الحاضِرَ قد يُنْفِقُ لِطُولِ الحَبْس.
(وَإِنْ غَابَ مُوسِرٌ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، وَلَمْ تَقْدِرْ عَلَى مَالٍ لَهُ
(4)
، وَلَا الاِسْتِدَانَةُ عَلَيْهِ؛ فَلَهَا الْفَسْخُ)؛ لأِنَّها لا
(5)
تَقدِرُ على الوُصولِ إلى
(6)
نَفَقَتِها، أشْبَهَ ما لو ثبت
(7)
إعْسارُه.
وظاهِرُه: أنَّه إذا تَرَكَ لها نَفَقةً، أوْ قَدَرَتْ على مالٍ
(8)
له، أوْ على الاِسْتِدانة عليه؛ أنَّه لا فَسْخَ لها؛ لأِنَّ الإنفاقَ علَيها مِنْ جِهَتِه غَيرُ مُتعذِّرٍ.
(إِلاَّ عِنْدَ الْقَاضِي فِيمَا إِذَا لَمْ يَثْبُتْ
(9)
إِعْسَارُهُ)؛ لأِنَّ الفَسْخَ ثَبَتَ لِعَيْبِ الإعْسارِ، ولم يَثبُت الإعْسارُ هُنا، وهذه مِثْلُ الأُولَى في الفَسْخِ، بلْ أَوْلَى؛
(1)
تقدم تخريجه 8/ 695 حاشية (6).
(2)
في (ظ): يملك.
(3)
في (م): بعيب.
(4)
في (ظ): ولم تقدر له على مال له.
(5)
في (م): قد.
(6)
في (م): على.
(7)
في (م): ثبتت.
(8)
قوله: (مال) سقط من (م).
(9)
قوله: (لم يثبت) في (م): ثبت.
لأِنَّ الحاضِرَ ربَّما
(1)
إذا طال
(2)
عليه الحَبْسُ أنْفَقَ، وهذا قد تكونُ غَيبتُه بحَيثُ لا يُعلَمُ خَبرُه، فيكونُ الضَّرَرُ فيه
(3)
أكثرَ.
وعُلِمَ: أنَّه إذا ثبت
(4)
إعْسارُه؛ أنَّ لها الفَسْخَ مُطلَقًا.
تذنيبٌ: إذا كان له عَلَيها دَينٌ مِنْ جِنْسِ الواجب لها من النَّفقة، فأراد أنْ يَحتَسِبَ عَلَيها، وهي مُوسِرةٌ؛ فله ذلك، وإنْ كانَتْ مُعسِرةً فلا؛ لأِنَّ قَضاءَ الدَّين في الفاضل عن الكِفايَة، ولا فَضْلَ لها.
فلو أُنْفِقَ عليها من مالِ زَوجِها الغائبِ، ثمَّ تَبَيَّنَ أنَّه ماتَ قبلَ إنْفاقِه؛ حُسِبَ عَلَيها ما أنفقته
(5)
بِنَفْسها أوْ بأمْرِ الحاكِمِ، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه
(6)
.
قال ابنُ الزَّاغُونيِّ: إذا ثَبَتَ عِنْدَ الحاكِمِ صحَّةُ النِّكاحِ ومَبلَغُ المهْرِ، فإنْ عَلِمَ مَكانَه، كَتَبَ: إنْ سلَّمْتَ إلَيها حقَّها، وإلاَّ بُعِثَ عَلَيكَ بقَدْره، فإنْ أبَى، أوْ لم
(7)
يَعلَمْ بمَكانه؛ باعَ بقَدْرِ نصفه
(8)
؛ لِجَوازِ طَلاقِه قَبْلَ الدُّخول.
(وَلَا يَجُوزُ الْفَسْخُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ إِلاَّ بِحُكْمِ حَاكِمٍ
(9)
؛ لأِنَّه فَسْخٌ مُختَلَفٌ فيه، فافْتَقَرَ إلى الحاكِمِ؛ كالفَسْخ لِلْعُنَّة، ولا يُفسَخُ إلاَّ بِطَلَبِها؛ لأنَّه
(10)
لِحَقِّها، أوْ تَفْسَخُ هي بأمْرِه.
(1)
قوله: (ربما) سقط من (م).
(2)
في (ظ): أطال.
(3)
قوله: (الضرر فيه) في (م): الصرف.
(4)
في (م): ثبتت.
(5)
في (م): ما أنفقت.
(6)
ينظر: المغني 8/ 208.
(7)
قوله: (لم) سقط من (م).
(8)
في (م): نصيبه. والمثبت موافق للفروع 9/ 305.
(9)
قوله: (إلا بحكم حاكم) سقط من (م).
(10)
قوله: (لأنه) سقط من (م).
فإذا فَرَّقَ الحاكِمُ بَينَهما؛ فهو فَسْخٌ لا رَجْعةَ له فيه.
فإذا ثَبَتَ إعْسارُه؛ فَسَخَ بطَلَبِها، أوْ فَسَخَتْ بأمْرِه، ولا يَنفُذُ بدُونِه.
وقِيلَ: ظاهِرًا.
وفي «التَّرغيب» : يَنفُذُ مع تعذُّرِه، زاد في «الرِّعاية»: مُطلَقًا.
وإنْ قُلْنَا: هو طلاقٌ؛ لأمره
(1)
بطَلَبِها، بطَلاقٍ أوْ نَفَقَةٍ، فإنْ أبَى؛ طلَّقَ عليه، جَزَمَ به في «التَّبصرة» ، فإنْ راجع
(2)
، فقِيلَ: لا يصحُّ
(3)
مع عُسْرته، وقِيلَ: بلى؛ فيُطلِّقُ ثانيةً ثُمَّ ثالِثةً.
وقِيلَ: إنْ طَلَبَ المُهْلةَ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ أُجِيبَ، فلو لم يَقدِرْ؛ فقيل
(4)
: ثلاثةَ أيَّامٍ، وقِيلَ: إلى آخِرِ اليوم المتخلِّفة
(5)
نَفَقَتُه. وفي «المغْنِي» : يُفرَّقُ بَينَهما.
وهي فَسْخٌ، فإنْ أجْبَرَه على الطَّلاق فطلَّقَ، فراجَعَ ولم يُنفِقْ؛ فلِلْحاكِمِ الفَسْخُ.
وظاهِرُ كلامِ القاضِي: أنَّ الحاكِمَ يَملِكُ الطَّلاقَ والفَسْخَ.
وإنْ أيْسَرَ في العِدَّة؛ فله ارْتِجاعُها؛ لأِنَّه تفريقٌ لاِمْتِناعِه من الواجِبِ، أشْبَهَ تَفريقَه بَينَ المُولِي وامْرأَتِه.
(1)
في (م): لامرأة. وفي الفروع 9/ 306: أَمَره.
(2)
في (م): رجع.
(3)
في (ظ): لا تصح.
(4)
قوله: (فقيل) سقط من (م).
(5)
في (م): المختلفة.