المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ) وهي واجبةٌ مع اليَسار فَقَطْ. (يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ - المبدع شرح المقنع - ط ركائز - جـ ٩

[برهان الدين ابن مفلح الحفيد]

فهرس الكتاب

(بَابُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ)

وهي واجبةٌ مع اليَسار فَقَطْ.

(يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ نَفَقَةُ وَالِدَيْهِ)؛ لقَولِه تعالَى: {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 233]، ولقوله تعالَى:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسرَاء: 23]، ومِن الإحْسانِ الإنْفاقُ عَلَيهِما عِنْدَ حاجَتِهِما، ولقَولِه تَعالَى:{وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمَان: 15]، ومِن المعروف القيامُ بكِفايَتِهما عِنْدَ حاجَتِهما، ولِقولِه عليه السلام:«إنَّ أطْيَبَ ما أكلتم مِنْ كَسْبِكُم، وإنَّ أوْلادَكم مِنْ كَسْبِكم» رواه أبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وحسَّنَه

(1)

، وقال ابنُ المنذِر:(أجْمَعَ أهلُ العلم أنَّ نَفَقةَ الوالِدَينِ الفَقِيرَينِ اللَّذَينِ لا كَسْبَ لهما ولا مالَ؛ واجِبةٌ في مالِ الولد)

(2)

، ولأِنَّ الإنسانَ يَجِبُ عليه أنْ يُنفِقَ على نفسه وزَوجَتِه

(3)

، فكذا على بَعْضِه وأصْلِه.

(وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ)، الجارُّ مُتعلِّقٌ ب «يَجِبُ» ، أوْ بَعضُها؛ لقَولِه تعالَى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطّلَاق: 6].

(إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ)؛ أيْ: لا مالَ لهم، ولا كَسْبَ يَسْتَعينُونَ

(4)

به عن غَيرِهم، والكُسْوةُ والسكنى كالنَّفَقة.

وشَرْطُه: الحُرِّيَّةُ، فمَتَى كان أحدُهما رقيقًا فلا نَفَقَةَ، قالَه الزَّرْكَشِيُّ، وجَزَمَ في «الخِرَقِيِّ» و «المغْنِي»: أنَّ الوَلَدَ الرَّقيقَ لا نَفَقَةَ له على أبيهِ، وإنْ كان الأبُ حُرًّا.

(1)

سبق تخريجه 6/ 524 حاشية (7).

(2)

ينظر: الإشراف 5/ 167.

(3)

في (ظ): وكذا.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 213: يستغنون.

ص: 5

(وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلاً عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ) ورقيقِه، يَومَه ولَيلتَه، من كَسْبِه وأُجْرَةِ ملْكِه؛ لقَولِه عليه السلام:«ابْدَأْ بنَفْسِكَ، ثُمَّ بمَنْ تَعُولُ»

(1)

، ولأِنَّها مُواساةٌ، فلم تَجِبْ على المُحْتاجِ؛ كالزَّكاة.

(وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ

(2)

نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ وَإِنْ عَلَوا، وَأَوْلَادِهِ وَإِنْ سَفَلُوا)، في قَولِ الجُمْهور؛ لِدُخولِهم في اسْمِ الآباء والأَوْلادِ؛ لقوله تعالَى:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النِّسَاء: 11]، فيَدخُلُ فيه ولدُ البَنِينَ، وقال:{وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النِّسَاء: 11]، وقال:{مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحَجّ: 78]، ولأِنَّ بَينَهُما قرابةً، فَوَجَبَ العِتْقُ وردُّ الشَّهادة، أشْبَهَ الولَدَ والوالِدَينِ القَرِيبَينِ.

(وَتَلْزَمُهُ

(3)

نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ)، ظاهِرُ المذْهَبِ: أنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ على كلِّ وارِثٍ لِمورُوثِه بشَرْطِ: إرْثِ المنفِقِ، وغِناهُ، وفَقْرِ المنْفَقِ عَلَيهِ، (سَوَاءٌ وَرِثَهُ الآْخَرُ)؛ لقوله تعالَى:{وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البَقَرَة: 233]، أوْجَبَ النَّفَقَةَ على الأب، ثُمَّ عَطَفَ الوارِثَ عليه، وذلك يَقتَضِي الاِشْتِراكَ في الوُجوب، (أَوْ لَا) يَرِثُه؛ (كَعَمَّتِهِ وَعَتِيقِهِ)؛ أيْ: كابْنِ الأخ مع عَمَّتِه، والمعتِقِ مع عَتِيقِه؛ للآية.

(وَحُكِيَ عَنْهُ: إنْ لَمْ يَرِثْهُ الآخَرُ

(4)

؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ)؛ لأِنَّ الوارِثَ أحدُ القَرابَتَينِ، فلم تلزمه

(5)

نَفَقةُ قريبه؛ كالآخَر.

(1)

مركب من حديثين الأول: أخرج مسلمٌ (997)، من حديث جابر رضي الله عنه، والثاني: أخرجه البخاري (1426)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وسبق التنبيه على ذلك 3/ 386 حاشية (8).

(2)

في (م): يلزمه.

(3)

في (م): ويلزمه.

(4)

زيد في (م): كابن الأخ وابن العم وما أشبهه.

(5)

في (م): فلم يلزمه.

ص: 6

وعَنْهُ: تختص

(1)

العَصَبةُ مُطلَقًا، نَقَلَها جماعةٌ

(2)

.

فيُعتَبَرُ أنْ يَرِثَهم بفَرْضٍ أوْ تَعصِيبٍ في الحال؛ لِقضاءِ عمرَ على بَنِي عمِّ مَنفُوسٍ بنَفَقَتِه، احتجَّ به أحمدُ

(3)

، وكالعقل

(4)

، فلا يَلزَمُ بعيدًا مُوسِرًا يَحجُبُه قريبٌ مُعْسِرٌ.

وعَنْهُ: بَلَى إنْ وَرِثَه وَحْدَه لَزِمَتْه مع يَسارِه، ومَع فَقْرِه يَلزَمُ بعيدًا موسرًا

(5)

.

فلا يَلزَمُ جَدًّا مُوسِرًا مع أبٍ فقيرٍ، وأخًا مُوسِرًا مع ابنٍ فقيرٍ على الأولى

(6)

، ويَلزَمُ على الثَّانيةِ.

وإن اعْتُبِرَ إرْثٌ في غَيرِ عَمُودَيْ نَسَبِه؛ لَزِمَت الجَدَّ، قال المؤلِّفُ: وهو

(1)

في (م): يختص.

(2)

ينظر: الفروع 9/ 312.

(3)

احتجاج أحمد بأثر عمر رضي الله عنه إنما هو على اختصاص العصبة بالنفقة، قال أحمد في مسائل ابن منصور 9/ 4651:(ولو قال قائل: هو على العصبات لكان مذهبًا، لما وقف عمر بن الخطاب عليه السلام بني عم منفوسٍ كلالة برضاعه)، وقال في موضع آخر 3/ 1001:(قال أحمد على قول الحسن - «كل وارث يجبر على وارثه إذا لم يكن له حيلة» -: إنما هو على العصبة، إن عمر رضي الله عنه وقف بني عمِّ مَنْفُوسٍ). وينظر: المغني 8/ 217، الكافي 3/ 239، الشرح الكبير 24/ 394.

والأثر: أخرجه عبد الرزاق (12181)، وابن أبي شيبة (19159)، والطبري في التفسير (4/ 222)، وابن حزم في المحلى (9/ 269)، عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن شعيب، أن ابن المسيب أخبره:«أن عمر بن الخطاب وقف بني عم منفوس ابن عم كلالة، بالنفقة عليه مثل العاقلة» ، فقالوا: لا مال له. قال: «فوقفهم بالنفقة عليه كهيئة العقل» ، قال الألباني:(وهذا إسناد رجاله ثقات، لولا عنعنة ابن جريج، والخلاف في سماع سعيد من عمر)، وابن جريج صرح بالسماع عند عبد الرزاق، لكن يرد على هذا أن البخاري قال:(لم يسمع ابن جريج من عمرو بن شعيب شيئًا)، وسماع ابن المسيب عن سعيد محمول على الاتصال. ينظر: جامع التحصيل ص 229، الإرواء 7/ 231.

(4)

في (م): كالعقل.

(5)

قوله: (يحجبه قريب معسر، وعنه: بلى

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

في (م): الأول.

ص: 7

الظَّاهِرُ، وأطْلَقَ في «التَّرغيب» ثلاثةَ أوْجُهٍ.

وعَنْهُ: يُعتَبَرُ تَوارُثُهما، اخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ رجلاً سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَبَرُّ؟ قال: «أمَّكَ وأباك، وأخْتَكَ وأخاكَ، ومَولاكَ الذي يَلِي ذلك حقٌّ واجِبٌ، ورَحِمٌ مَوصولَةٌ» رواه أبو داودَ

(1)

، وبه يَظهَرُ الفَرْقُ بَينَه وبين قَريبِه؛ لأنَّه يَرِثُه

(2)

، بخِلافِ العَكْسِ.

(فَأَمَّا ذَوُو

(3)

الْأَرْحَامِ)، وهم الذينَ لا يَرِثُونَ بفَرْضٍ ولا تَعصِيبٍ؛ (فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِمْ رِوَايَةً وَاحِدَةً، ذَكَرَهُ الْقَاضِي)؛ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهِمْ، ولأِنَّ قَرابَتَهم ضعيفةٌ، وإنَّما يَأخُذُونَ مالَه عِنْدَ عَدَمِ الوارِثِ، فهُم كسائرِ المسلمين، فإنَّ

(4)

المال يُصرَفُ إليهم إذا لم يكُنْ للميِّتِ وارِثٌ، بدليلِ تقديمِ الرَّدِّ عَلَيهِم.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُخَرَّجُ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِمْ

(5)

رِوَايَتَانِ):

إحداهما: ما سَبَقَ، وهي المذْهَبُ.

والثَّانيةُ: تجب

(6)

لكلِّ وارِثٍ، واخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(7)

؛ لأِنَّه مِنْ

(1)

أخرجه أبو داود (5140)، والطبراني في الكبير (786)، والبيهقي في الكبرى (7765)، وأخرجه البخاري في التاريخ تعليقًا (7/ 230)، من طريق كليب بن منفعة، عن جده، وعند الطبراني: عن كليب بن منفعة الحنفي، عن أبيه، عن جده، قال أبو حاتم:(المرسل أشبه)، وكليب مقبول، وضعف الحديث الألباني. ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 478، الإرواء 7/ 231.

(2)

زيد في (م): لا.

(3)

في (م): ذو.

(4)

في (ظ): بأن.

(5)

في (م): عليهم في وجوبها.

(6)

في (م): الثانية يجب.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 15/ 350، الفروع 9/ 314.

ص: 8

صِلَةِ الرَّحِم، وهو عامٌّ؛ لِعُمومِ المِيراثِ في

(1)

ذوي الأرْحامِ، بَلْ أَوْلَى، قال: وعلى هذا ما وَرَدَ من حَمْلِ الخال للعقل

(2)

، وقَوله:«ابنُ أخْتِ القَومِ مِنهم» ، وقوله:«مَولَى القَومِ منهم»

(3)

، وكان مِسْطَحٌ ابنَ خالَةِ أبي بَكْرٍ، فيَدخُلُونَ في قَولِه تعالَى:{وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسرَاء: 26].

وأوْجَبَها جماعةٌ لِعَمُودَيْ نَسَبِه فَقَطْ.

(وَإِنْ كَانَ لِلْفَقِيرِ وَارِثٌ؛ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ مِنْهُ)؛ لأِنَّ الله تعالى رتَّبَ النَّفَقةَ على الإرْثِ، فيَجِبُ أنْ يَترتَّبَ على المقْدارِ عَلَيهِ.

وحاصِلُه: أنَّ الصَّغِيرَ إذا لم يكُنْ له أبٌ؛ فالنفقة على وارِثِه مُطلَقًا.

(فَإِذَا

(4)

كَانَ أُمٌّ وَجَدٌّ؛ فَعَلَى الأُمِّ الثُّلُثُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْجَدِّ)؛ لأِنَّهما

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): للعقد.

مراده قوله صلى الله عليه وسلم: «والخال وارث من لا وارث له، يعقل عنه ويرثه» أخرجه أحمد (17204)، وأبو داود (2899)، والنسائي في الكبرى (6386)، وابن ماجه (2634)، وابن حبان (6035)، وغيرهم من طريق علي بن أبي طلحة، عن راشد بن سعد، عن أبي عامر الهوزني، عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه به، رجاله ثقات عدا علي بن أبي طلحة وهو صدوق، وذكر أحمد أنه له أشياء منكرة، وحديثه لا ينزل عن رتبة الحسن، ووقع في الحديث اختلاف في الوصل والإرسال، وقال ابن معين:(ليس فيه حديث قويّ) وضعفه البيهقي، وحسنه أبو زرعة، وصححه ابن حبان والحاكم. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 552، السنن الكبرى للبيهقي 6/ 353، التلخيص الحبير 3/ 182.

(3)

اللفظ الأول: أخرجه البخاري (6762)، ومسلم (1059)، من حديث أنس رضي الله عنه، واللفظ الثاني: أخرجه البخاري (6761)، من حديث أنس رضي الله عنه بلفظ:«مولى القوم من أنفسهم» ، وأخرج الترمذي (657)، والنسائي (2612)، وابن خزيمة (2344)، والحاكم (1468)، من حديث أبي رافع رضي الله عنه بلفظ:«إن الصدقة لا تحل لنا، وإن مولى القوم منهم» ، وعند بعضهم:«موالي القوم» وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم. ينظر: تحفة المحتاج 2/ 344.

(4)

في (م): فإن.

ص: 9

يرثانِه كذلك.

مسائلُ:

ابْنٌ وبِنْتٌ: النَّفَقةُ عَلَيهِما أثْلاثًا.

أمٌّ وابْنٌ: على الأمِّ السُّدُسُ، والباقِي على الاِبْنِ، فإنْ كانَتْ بِنْتٌ وابْنُ ابْنٍ فالنَّفَقةُ عَلَيهِما نِصفانِ.

أمٌّ وبِنْتٌ: النَّفَقةُ عَلَيهِما أرْباعًا؛ كمِيراثِهِما منه، فإنْ كانَتْ بِنتٌ وابنُ بِنتٍ؛ فالنَّفَقةُ على البِنْت.

(وَإِنْ كَانَتْ

(1)

جَدَّةٌ وَأَخٌ؛ فَعَلَى الْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَالْبَاقِي عَلَى الْأَخِ)؛ لأِنَّ مِيراثَهما منه

(2)

كذلك، (وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حِسَابُ النَّفَقَاتِ)؛ يَعْنِي: أنَّ ترتيبَ النَّفَقات على ترتيبِ المِيراث، فكما أنَّ للجَدَّة السُّدسَ من المِيراثِ؛ كذلك

(3)

عليها

(4)

سُدُسُ النَّفقة، والباقِي على الأخ؛ لأِنَّ الباقي

(5)

له.

ولو اجْتَمَع بِنْتٌ وأختٌ، أوْ بنت

(6)

وأخٌ، أوْ ثلاثُ أخوَاتٍ مفترقات

(7)

؛ فالنَّفَقةُ بَينَهم على قَدْرِ الميراث في ذلك، سَواءٌ كان في المسألة رَدٌّ أوْ عَولٌ، أوْ لا.

ولو اجْتَمَع أمُّ أمٍّ وأمُّ أبٍ؛ فهُما سَواءٌ في النَّفَقة؛ لاِسْتِوائِهِما في الميراث.

(1)

في (م): كان.

(2)

قوله: (منه) سقط من (م).

(3)

قوله: (يعني: أن ترتيب النفقات

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (م): عليهما.

(5)

قوله: (لأن الباقي) في (م): والباقي.

(6)

في (م): وبنت.

(7)

في (م): متفرقات.

ص: 10

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَبٌ؛ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(1)

، وسَنَدُه قَولُه تعالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ

} [الطّلَاق: 6]، {وَعَلَى الْمَولُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البَقَرَة: 233].

وفي «الواضح» : ما دامَتْ أمُّه أحقَّ به

(2)

.

وقال

(3)

ابنُ عَقِيلٍ: ومِثْلُه الولد

(4)

؛ أيْ: يَختَصُّ الولدُ بنَفَقةِ والِدِه.

وقال القاضِي وأبو الخَطَّاب: القِياسُ في أبٍ وابْنٍ؛ أن

(5)

يَلزَمَ الأبَ سُدُسٌ فَقَطْ، لكِن تَرَكَه أصْحابُنا؛ لِظَاهِرَ الآية، ذَكَرَه في «المستوعب» .

(وَمَنْ لَهُ ابْنٌ فَقِيرٌ وَأَخٌ مُوسِرٌ؛ فَلَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا)، الاِبْنُ لِعُسْرته، والأخُ لِعَدَمِ مِيراثِه.

ويتخرَّجُ في كلِّ وارِثٍ لَولا الحَجْب إذا كان مَنْ يَحجُبُه مُعسْرًا وَجْهانِ:

أحدُهما: لا نَفَقةَ له عليه؛ لأِنَّه غَيرُ وارِثٍ؛ كالأجنَبِيِّ.

والثاني

(6)

: عليه النَّفَقةُ؛ لِوُجودِ القَرابة المقْتَضِيَةِ للإرْث والإنفاقِ، صحَّحه السَّامَرِّيُّ، وصرَّح ابن عَقِيلٍ بذلك، والمانِعُ مِنْ الإرْثِ لا يَمنَعُ من الإنفاق؛ لأِنَّه مُعْسِرٌ لا يُمكِنُه الإنْفاقُ، فوُجودُه بالنِّسبة إلى الإنفاق كعَدَمَه.

(وَمَنْ لَهُ أُمٌّ فَقِيرَةٌ وَجَدَّةٌ مُوسِرَةٌ؛ فَالنَّفَقَةُ عَلَيْهَا)؛ أيْ: على الجَدَّة، وذلك أنَّ الوارِثَ القَريبَ المعْسِرَ إذا اجْتَمَعَ مع بعيدٍ مُوسِرٍ مِنْ عَمُودَي النَّسَب - كهذه المسألة -؛ وَجَبَت النَّفقةُ على المُوسِرِ، فأبٌ مُعْسِرٌ مع جَدٍّ مُوسِرٍ، النَّفقةُ على الجَدِّ.

(1)

ينظر: المغني 8/ 216.

(2)

قوله: (أحق به) سقط من (م).

(3)

في (م): قال.

(4)

في (م): الوالد.

(5)

في (م): أي.

(6)

في (م): والثانية.

ص: 11

قال أحمدُ: لا يَدفَعُ الزَّكاةَ إلى وَلَدِ ابْنَتِه

(1)

؛ لقَوله عليه السلام للحَسَنِ: «إنَّ ابْنِي هذا سيِّدٌ»

(2)

، فسمَّاه ابْنَه، وهو ابْنُ بِنْتِه.

فإذا مُنِعَ مِنْ دَفْعِ الزَّكاة إلَيهِم لِقَرابَتِهم؛ وَجَبَ أنْ تَلزمَه

(3)

نَفَقَتُهم مَعَ حاجَتِهم، وبَناهُ في «المحرَّر» على ما تَقدَّمَ من الرِّوايات.

(وَمَنْ

(4)

كَانَ صَحِيحًا مُكَلَّفًا، لَا حِرْفَةَ لَهُ - سِوَى الْوَالِدَيْنِ -، فَهَلْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، لا يُشتَرَط في نَفَقةِ الوالِدينَ والمَولُودِينَ نَقْصُ الخِلْقة، ولا نَقْصُ الأحكام في ظاهِرِ المذهب؛ لقوله عليه السلام لِهِنْدَ:«خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بالمعْرُوف»

(5)

، ولم يَسْتَثْنِ منهم بالِغًا، ولا صحيحًا، ولأِنَّه وَلَدٌ فقيرٌ، فاسْتَحَقَّ النَّفقةَ على والِدِه الغني

(6)

؛ كالزَّمِن.

وقال القاضِي: لا يُشتَرَطُ ذلك في الوالِدينَ، وهل يُشتَرُطُ في الوَلَد؟ فكلامُ أحمدَ يَقتَضِي رِوايَتَينِ:

إحْداهُما: يلزم

(7)

؛ لأِنَّه فقيرٌ.

والثَّانيةُ: إنْ كان يَكتَسِبُ فيُنفِقُ على نفسه؛ لم تَلزَمْ نَفَقَتُه، وهذا يَرجِعُ إلى الذي لا يَقدِرُ على كَسْبِ ما يَقُومُ به؛ فتَلْزَمُ نَفَقَتُه روايةً واحدةً، سَواءٌ كان ناقِصَ الأحكام، أوِ الخِلْقةِ.

وظاهِرُه: إذا لم يَكُنْ صحيحًا فتَجِبُ نَفَقَتُه، بغَيرِ خِلافٍ

(8)

، أو لَيس

(1)

ينظر: المغني 8/ 214.

(2)

أخرجه البخاري (2704)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

(3)

في (م): يلزمه.

(4)

في (م): وما.

(5)

أخرجه البخاري (5364)، ومسلم (1714)، من حديث عائشة رضي الله عنه في قصة هند بنت عتبة رضي الله عنها.

(6)

في (م): والغني.

(7)

في (م): أحدهما: يلزمه.

(8)

ينظر: الإنصاف 24/ 409.

ص: 12

بمُكلَّفٍ؛ كالصَّبيِّ والمجْنون؛ فإنَّها تَجِبُ، بَلْ أَوْلَى؛ لأِنَّ عجزهما أبْلَغُ مِنْ عَجْزِ غَيرِ الصَّحيح.

وكذا إذا

(1)

كان له حِرْفةٌ، فإنَّها لا تَجِبُ نَفَقَتُه بغَيرِ خِلافٍ؛ لأِنَّ الحِرفةَ تُغْنِيهِ، ونَفَقَةُ القريب لا تَجِبُ إلاَّ مع الفقر، ولا بُدَّ أنْ تكونَ الحِرْفةُ يَحصُلُ بها غِناهُ، فإن لم

(2)

يُغنِه؛ فالخِلافُ.

وعَنْهُ: لا نَفَقةَ لِفَقيرٍ غَيرِ عَمُودَي النَّسَب.

وهل يَلزَمُ المُعدِمَ الكَسْبُ لِنَفَقةِ قَرِيبِه؟ على الرِّوايتَينِ في الأُولَى، قاله في «التَّرغِيب» ، وجَزَمَ جماعةٌ: يَلزَمُه.

(وَإِنْ

(3)

لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ إِلاَّ نَفَقَةُ وَاحِدٍ؛ بَدَأَ) بامرأته

(4)

؛ لأِنَّها تَجِبُ على سبيلِ المُعاوَضَةِ.

ثُمَّ بِرَقِيقِه؛ لِحدِيثِ جابِرٍ

(5)

، ولأِنَّها تَجِبُ مع اليَسَار والإعْسَار، ويُقدّمُ مَنْ يَخدِمُه على غَيرِه.

ثمَّ

(6)

(بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ)؛ لأِنَّ نَفَقةَ القَرِيبِ تَجِبُ على سبيلِ المُواساةِ، ثُمَّ العَصَبةِ، ثُمَّ التَّساوِي.

وقيل

(7)

: يُقدَّمُ وارِثٌ، ثُمَّ التَّساوِي.

(1)

في (م): إن.

(2)

قوله: (لم) سقط من (م).

(3)

في (م): فإن.

(4)

في (م): بالأقرب فالأقرب.

كتب في هامش (ظ): (لأن نفقتها آكد؛ لأنها لا تسقط بمضي الزمان، ولا يعتد بغناها، فالتحقت بالديون).

(5)

مراده كما في المغني 8/ 221: ما أخرجه مسلم (997)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا:«ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» ، وأخرجه أحمد (14273)، بلفظ:«إذا كان أحدكم فقيرًا، فليبدأ بنفسه، وإن كان فضل، فعلى عياله، وإن كان فضل، فعلى ذي قرابته» .

(6)

قوله: (ثم) سقط من (م).

(7)

في (م): فقيل.

ص: 13

وفي «المحرَّر» : فإن اسْتَوَيا؛ قَدِّمَ العَصَبةُ على غَيرِه، وإلاَّ فهما

(1)

سَواءٌ.

وقِيلَ: يُقدَّمُ مَنْ امْتازَ بفَرْضٍ أوْ تعصيبٍ، فإنْ تَعارَضَت المَزِيَّتانِ، أوْ تقدَّما؛ فهُما سَواءٌ.

(فَإِنْ

(2)

كَانَ لَهُ أَبَوَانِ؛ فَهُوَ بَيْنَهُمَا)، هذا هو أحدُ

(3)

الوُجوهِ؛ لِتَساوِيهِما.

وقِيلَ: تُقدَّمُ الأمُّ؛ لأِنَّها أحقُّ بالبِرِّ، ولها فضيلةُ الحَمْل والرَّضاع والتَّربية، فهو أضعف

(4)

منها.

والمذْهَبُ: يُقدَّمُ الأَبُ عَلَيها؛ لِفَضيلتِه، وانْفِرادِه بالوِلاية، واسْتِحْقاقِ الأَخْذِ من مالِه.

والأوَّلُ أَوْلَى، قالَهُ في «الشَّرح» .

(وَإِنْ كَانَ مَعَهُمَا ابْنٌ)، وهما صحيحانِ؛ (فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ):

(أَحَدُهَا: يُقْسَمُ

(5)

بَيْنَهُمْ)؛ لِتَساوِيهِمْ في القُرْب.

(وَالثَّانِي

(6)

: يُقَدِّمُهُ

(7)

عَلَيْهِمَا)؛ لِوُجوبِ نَفَقتِه بالنَّصِّ، نَقَلَ أبو طالِبٍ: الاِبْنُ أحقُّ بالنَّفَقة منها، وهي أحقُّ بالبِرِّ

(8)

.

(وَالثَّالِثُ: يُقَدِّمُهُمَا

(9)

عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ حُرْمَتَهُما آكَدُ.

(1)

قوله: (وإلا فهما) في (م): ولأنهما.

(2)

في (م): وإن.

(3)

قوله: (هو) سقط من (م).

(4)

في (م): ضعف.

(5)

في (ظ): تقسمه.

(6)

كتب في هامش (ظ): (الوجه الثاني هو الصحيح).

(7)

في (ظ): تقدمه.

(8)

ينظر: الفروع 9/ 316.

(9)

في (ظ): تقدمهما.

ص: 14

وقال القاضِي: إنْ كانَ الاِبْنُ صغيرًا أوْ مَجْنونًا؛ قُدِّمَ؛ لأِنَّ نَفَقَتَه وَجَبَتْ بالنَّصِّ، مع أنَّه عاجِزٌ عن الكَسْب، وإنْ كان كبيرًا والأبُ زَمِنٌ؛ فَهُو أحقُّ؛ لأِنَّ حرمته

(1)

آكَدُ، وحاجَتَه أشدُّ.

مسألةٌ: أُمُّ أُمٍّ وأُمُّ أَبٍ بَينَهما نصفان.

أبوان

(2)

أَوْلَى مِنْ أبي الأمِّ

(3)

؛ لاِمْتِيازِه بالتَّعصيب، ومع أَبِي أَبِي أَبٍ يَستَوِيانِ.

وقِيلَ: يُقدَّمُ أبو أُمٍّ.

وفي «الفُصول» احْتِمالٌ: عَكْسُه، جَزَمَ به المؤلِّفُ.

وفي «المستوعب» : يُقدَّمُ الْأَحْوَجُ في الكلِّ.

واعْتَبَرَ في «التَّرغيب» : بإرْثٍ، وأنَّ مع الاجتماع

(4)

يُوزَّعُ لهم بقَدْرِ إرْثِهِمْ.

فرعٌ: إذا كان مَنْ يَجِبُ عليه خُنْثَى مُشكِلٌ؛ فالنَّفَقةُ عليه على قَدْرِ مِيراثِه، فإن انْكَشَفَ حالُه، فبَانَ أنَّه أنْفَقَ أكثرَ؛ رَجَعَ بالزِّيادة، وإنْ بانَ أنَّه أنْفَقَ أقلَّ؛ رُجِعَ عليه، فإنْ كانَ أحدُ الوَرَثةِ مُوسِرًا؛ لَزِمَه بِقَدْرِ إرْثِه.

وعَنْهُ: الكُلُّ.

قال ابنُ حَمْدانَ: ومِثلُه إذا كان أحدُهما حاضِرًا، وتعذَّر

(5)

أخْذُ نَصِيبِ الغائب.

(وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ وَجَدٌّ، أَوِ ابْنٌ وَابْنُ ابْنٍ؛ فَالْأَبُ وَالاِبْنُ أَحَقُّ)؛ لأنَّهما

(6)

(1)

في (م): حريته.

(2)

قوله: (أبوان): كذا في (م)، وسقط من (ظ)، وصوابه كما في الفروع 9/ 317: أبو أب.

(3)

في (م): أب أم الأم.

(4)

في (م): الإخوة.

(5)

في (م): أو تعذر.

(6)

في (م): أنهما.

ص: 15

أقْرَبُ وأحقُّ بمِيراثه؛ كالأب مع الأخ.

وقِيلَ: بالتَّساوِي؛ أيْ: يَسْتَوِي الجَدُّ والأبُ، والاِبْنُ وابْنُه؛ لِتَساوِيهما في الولادة والتَّعصيب.

قال أبو الخَطَّاب: هو سَهْوٌ من القاضِي.

قال في «الشَّرح» : إذا اجْتَمَعَ ابنٌ وجَدٌّ، أو أبٌ

(1)

وابنُ ابنٍ؛ احَتَمَلَ وَجهَينِ:

أحدهما: تقديم الاِبْنِ والأبِ؛ لِقُرْبِهما، ولا يَسقُطُ إرْثُهما بحالٍ.

ويَحتَمِلُ: التَّسْويةَ بَينَهما؛ لأِنَّهما سَواءٌ في الإرْثِ والتَّعصيب والوِلادَة.

والأوَّلُ أَوْلَى.

(وَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْأَقَارِبِ مَعَ اخْتِلَافِ الدِّينِ)؛ أيْ: إذا كان دِينُ القَرِيبَينِ مُختَلِفًا؛ فلا نَفَقَةَ لأِحَدِهما على الآخَرِ؛ لأِنَّه لا تَوَارُثَ بَينَهُما، ولا وِلايَةَ، أشْبَهَ ما لو كان أحدُهما رقيقًا.

(وَقِيلَ: فِي عَمُودَيِ النَّسَبِ رِوَايَتَانِ)، ذَكَرَهُما القاضي:

أحدُهما

(2)

: تَجِبُ؛ لأِنَّ نَفَقَتَه مع اتِّفاقِ الدِّين

(3)

، فيَجِبُ مع اخْتِلافِه؛ كنَفَقَةِ الزَّوجة.

والثَّانيةُ: لا تجب، ونَصَرَهَا في «الشَّرح» ؛ لأِنَّها مُواساةٌ على سبيلِ البِرِّ والصِّلَة، فلم تجب

(4)

مع اخْتِلافِ الدِّين؛ كأداءِ زكاته إلَيهِ، وعَقْلِه عَنْهُ، وإرْثِه منه.

(1)

في (م): وأب.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه إحداهما.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 214: لأنها نفقة تجب مع اتفاق الدين.

(4)

في (ظ): فلم يجب.

ص: 16

(وَإِنْ تَرَكَ الْإِنْفَاقَ الوَاجِبَ مُدَّةً؛ لَمْ يَلْزَمْهُ عِوَضُهُ)، أطْلَقَه الأكثرُ

(1)

، وجَزَمَ به في «الفصول» ؛ لأِنَّ نفقةَ القريب وجَبَتْ لِدَفْع الحاجة وإحْياءِ النَّفس، وقد حَصَلَ ذلك في الماضي بدُونِها.

وذَكَرَ جماعةٌ: إلاَّ بفرضِ

(2)

حاكِمٍ؛ لأِنَّه تأكَّد بفَرْضِه؛ كنَفَقةِ الزَّوجة.

وفي «المحرَّر» : لا يَلزَمُه وإنْ فُرِضَتْ، إلاَّ أَنْ يُسْتَدانَ عَلَيهِ بإذْنِ الحاكِمِ.

وظاهر

(3)

ما اخْتارَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ويَستَدِينُ

(4)

عَلَيهِ، فلا يَرجِعُ إن اسْتَغْنَى بكَسْبٍ، أوْ نَفَقةِ مُتبَرِّعٍ

(5)

.

وظاهِرُ كلامِهم: يأخُذُ مَنْ وَجَبَتْ له النَّفقةُ بلا إذْنٍ؛ كزوجةٍ، نَقَلَ ابناهُ: يأخُذُ مِنْ مالِ والدِه بلا إذْنِه، بالمعروف إذا احْتاجَ، ولا يَتصدَّقُ

(6)

.

(وَمَنْ لَزِمَهُ نَفَقَةُ رَجُلٍ؛ فَهَلْ تَلْزَمُهُ

(7)

نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أشْهَرُهما: أنَّه يَلزَمُه نَفَقَتُها وخادِمٍ تحتاجه

(8)

؛ لأِنَّه لا يَتمكَّنُ من الإعْفافِ إلاَّ به.

والثَّانيةُ: لا يَلزَمُه؛ لأِنَّ بُنْيَتَه

(9)

تَقُومُ بِدُونِ المرأة، بخِلافِ نَفَقةِ نَفْسِه، وحَمَلَها في «الشَّرح» على أنَّ الاِبنَ كان يَجِدُ نَفَقَتَها.

(1)

في (م): كذا أطلقه الأكثر.

(2)

قوله: (إلا بفرض) في (م): لفرض.

(3)

في (م): فظاهر.

(4)

في (ظ): ويستدين.

(5)

ينظر: الفروع 9/ 318.

(6)

ينظر: مسائل صالح 1/ 469، مسائل عبد الله ص 436.

(7)

في (ظ): يلزمه.

(8)

في (م): يحتاجه.

(9)

في (م): بينته.

ص: 17

وعَنْهُ: تجب

(1)

لزوجةِ

(2)

الأب فَقَطْ.

وعَنْهُ: تَجِبُ في عَمُودَي النَّسَب.

وهي مسألةُ الإعْفاف.

ويَلزَمُه إعْفافُ أبيه إذا احْتاجَ إلى ذلك، وكذا ابْنُه إذا لَزِمَتْه نَفَقَتُه، وهو أنْ يُزَوِّجَه حُرَّةً تُعِفُّه، أوْ بِسُرِّيَّةٍ، ولا يَملِكُ اسْتِرْجاعَ أَمَةٍ أعَفَّه بها مع غِناهُ في الأصحِّ، ويُصدَّقُ في أنَّه تائِقٌ بلا يَمِينٍ، ويُعتَبَرُ

(3)

عَجْزُه، ويَكْفِي إعْفافُه بواحدةٍ، ويُعِفُّه ثانيًا إنْ ماتَتْ، وقِيلَ: لا؛ كمُطَلِّقٍ لِعُذْرٍ في الأصحِّ.

ويَلزَمُه إعْفافُ أُمِّه كالأْبِ، قال

(4)

القاضي: ولو سُلِّم

(5)

فالأبُ آكد؛ ولأنَّه لا يُتصوَّر؛ لأنه بالتزوُّج

(6)

ونَفَقَتُها عليه.

وقِيلَ: يَلزَمُه إعفافُ

(7)

كلِّ إنسانٍ تَلزَمُه نَفَقَتُه.

(1)

في (م): يجب.

(2)

في (ظ): كزوجة.

(3)

في (م): يعتبر.

(4)

في (م): وقال.

(5)

في (م): ولم يسلم.

(6)

قوله: (لا يتصور؛ لأنه بالتزوج) هو في (ظ): (لأنه لا يتضرر). والمقصود: لا يتصور؛ لأن الإعفاف لها بالتزويج، ونفقتها على الزوج. ينظر: الإنصاف 24/ 421.

(7)

في (م): يلزم إعفافه.

ص: 18

(فَصْلٌ)

(وَتَجِبُ نَفَقَةُ ظِئْرِ الصَّبِيِّ)، كذا في «المحرَّر» ، وعبَّر في «الفروع»: صَغِير، وهو أولى، حولين، (عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ)؛ لأِنَّ نَفَقَةَ ظِئْرِ الصَّغيرِ كنَفَقَةِ الكبيرِ، ويَختَصُّ وُجوبُها بالأبِ وَحْدَه.

(وَلَيْسَ لِلْأَبِ مَنْعُ الْمَرْأَةِ مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا إِذَا طَلَبَتْ ذَلِكَ)؛ أيْ: إذا طَلَبَت الأمُّ رضاعَ وَلَدِها بأُجْرَةِ مِثْلِها - ولو أرْضَعَه غَيرُها مَجَّانًا - فهي أحقُّ به، سواءٌ كانَتْ تحتَه أوْ بائنًا منه؛ لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ

(233)} الآية [البَقَرَة: 233]، وهو خبرٌ يُرادُ به الأمْرُ، وهو عامٌّ في كلِّ والدةٍ؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطّلَاق: 6]، ولأنَّها

(1)

أشْفَقُ وأحقُّ بالحَضانة، ولَبَنُها أمْرَأُ.

وقِيلَ: بلى

(2)

في حِباله؛ كخِدْمته، نَصَّ عليها

(3)

.

(وَإِنْ طَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلِهَا، وَوُجِدَ مَنْ يَتَبَرَّعُ بِرَضَاعِهِ؛ فَهِيَ أَحَقُّ)؛ لِمَا تَقدَّمَ، ولأِنَّ في إرْضاعِ غَيرِها تَفْويتًا لِحَقِّ الأمِّ من الحَضانة، وإضْرارًا بالولد.

فإنْ طَلَبَتْ أكثرَ مِنْ أجْرِ مِثْلِها، وَوُجِدَ مَنْ تُرضِعُه مُتبَرِّعةً، أوْ بأُجْرةِ مثلها

(4)

؛ جاز انْتِزاعُه منها؛ لقَولِه تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} [الطّلَاق: 6].

ونَقَلَ أبو طالِبٍ: هي أحقُّ بما تَطلب

(5)

به من الأجرة، لا بأكثرَ

(6)

.

(1)

في (م): ولأنه.

(2)

في (م): يكن.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 319.

(4)

قوله: (ووجد من ترضعه متبرعة، أو بأجرة مثلها) سقط من (م).

(5)

في (ظ): يطلب.

(6)

ينظر: الفروع 9/ 320.

ص: 19

وفي «المنتخب» : إن اسْتَأْجَرَها مَنْ هي تحتَه لرضاعِ ولدِه؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّه اسْتَحَقَّ نَفْعَها؛ كاسْتِئْجارها للخِدمة شهرًا، وإنْ لم يَجِدْ مُرضِعةً إلاَّ بتلك الأُجْرةِ؛ فالأمُّ أحقُّ.

(وَإِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ رَضَاعِهِ؛ لَمْ تُجْبَرْ) إذا كانَتْ مُفارِقةً، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(1)

، وكذا إنْ كانَتْ في حِبالِ الزَّوج في قَولِ أكثرِهم؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ

} [الطّلَاق: 6]، وإن اخْتَلَفا فقد تعاسَرا، ولأِنَّ الإجبارَ على الرّضاع إمَّا أنْ يكونَ لِحَقِّ الولد، أو الزَّوج، أوْ هُما، لا يجوز أنْ يكونَ لِحَقِّ الزَّوج، فإنَّه لا يَملِكُ إجْبارَها على رضاعِ ولده مِنْ غَيرِها، ولا على خِدمتِه فِيما يَختَصُّ به، ولا لِحَقِّ الولد؛ لأنَّه لو كان له لَلَزِمَها بعدَ الفُرقة، ولأِنَّه مِمَّا يَلزَمُ الوالِدَ لولده كالنَّفقة، ولا يَجوزُ أنْ يكونَ لهما؛ لأِنَّه لو كان لهما لَثَبَتَ الحُكمُ به بعدَ الفُرقة، والآيةُ محمولةٌ على حالِ الإنفاق وعَدَمِ التَّعاسُرِ.

(إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا وَيُخْشَى عَلَيْهِ)؛ بأنْ لا يُوجَدَ مُرضِعةٌ سواها، أوْ لا يَقبَلَ الصَّغيرُ الاِرْتِضاعَ مِنْ غَيرِها، فإنَّه يَجِبُ عليها التَّمكينُ مِنْ رَضاعِه؛ لأِنَّه حالُ ضرورةٍ، وحفظٌ لِنفْسِ ولدها؛ كما لو لم يكُنْ له أخْذُ

(2)

غيرها

(3)

.

(وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الظِّئْرِ لِمَا زَادَ عَلَى الْحَوْلَيْنِ)؛ لقوله تعالَى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البَقَرَة: 233]، فلم يَلزَمْه ما زاد على ذلك؛ لأِنَّه زائدٌ على الكمال، أشْبَهَ الحَلْوَى.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُفطَمُ قبلَ تمامِ الحَولَينِ إلاَّ بِرِضَا أبَوَيهِ، ما لم ينضرَّ.

وفي «الرِّعاية» هنا: يَحرُم رَضاعُه بعدَهما، ولو رَضِيَا.

(1)

ينظر: المغني 8/ 250.

(2)

كذا في (ظ)، وفي الشرح الكبير 24/ 430: أحدٌ.

(3)

قوله: (وإن امتنعت من رضاعه لم تجبر

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 20

وظاهِرُ «عيون المسائل» : إباحتُه مُطلَقًا.

(وَإِنْ تَزَوَّجَتِ الْمَرْأَةُ؛ فَلِزَوْجِهَا مَنْعُهَا مِنْ رَضَاعِ وَلَدِهَا

(1)

مُطلَقًا؛ لأِنَّ عَقْدَ النِّكاح يَقتَضِي تمليكَ الزَّوج مِنْ الاِسْتِمْتاع في كلِّ الزَّمان سِوَى أوْقاتِ الصَّلَوات، فالرَّضاعُ يُفَوِّتُ عليه الاِسْتِمْتاعَ في بعضِ الأوقات، فكان له مَنْعُها؛ كالخروج من مَنزِلِه.

(إِلاَّ أَنْ يُضْطَرَّ إِلَيْهَا)، فإنَّه حالُ ضرورةٍ، وحفظٌ لنفْس ولدها، فقُدِّم

(2)

على الزَّوج؛ كتقديمِ المضْطَرِّ على المالِك إذا لم يكُنْ به مِثْلُ ضَرورتِه.

فرعٌ: إذا اسْتَأْجَرَها للرَّضاع، ثُمَّ تزوَّجَتْ؛ صحَّ النِّكاحُ، ولم يَملِك الزَّوجُ فَسْخَ الإجارةِ، ولا مَنْعَها من الرَّضاع حتَّى تمضيَ المدة

(3)

؛ لأِنَّ مَنافِعَها مُلِكَتْ بعَقْدٍ سابِقٍ، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَى أمَةً مُزَوَّجةً، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

وللزَّوج الثَّاني وَطْؤُها ما لم يَفسُد اللَّبَنُ، فإنْ فَسَدَ؛ فللمُستَأْجِرِ فَسْخُ الإجارة.

والأَشْهَرُ: تحريمُ الوطء.

فإنْ شَرَطَتْ فِي عَقْدِ النِّكاح أنَّها تُرضِعُه؛ فلها شَرْطُها.

(1)

زيد في (م): إلا أن يضطر إليها.

(2)

في (م): تقدم.

(3)

قوله: (حتى تمضي المدة) سقط من (م).

ص: 21

(فَصْلٌ)

(وَعَلَى السَّيِّدِ الْإِنْفَاقُ عَلَى رَقِيقِهِ) عُرْفًا، ولو آبِقٌ، وأَمَةٌ ناشِزٌ، (قَدْرَ كِفَايَتِهِمْ)، مِنْ غالِبِ قُوتِ البلد، سَواءٌ كان قُوتَ سيِّدِه، أوْ دُونَه، أوْ فَوْقَه، وأُدْمُ مِثْلِه بالمعروف، (وَكِسْوَتُهُمْ) مُطلَقًا؛ أيْ: لأِمْثالِ الرَّقيق في ذلك البلدِ الذي هو فيه، وكذا

(1)

المسلمين

(2)

؛ لِمَا رَوَى أبو هريرةَ مرفوعًا قال: «للمَمْلوك طَعامُه وكُسْوتُه بالمعروف، ولا يُكلَّفُ من العَمَلِ ما لا يطيق

(3)

» رواهُ الشَّافِعيُّ والبَيهَقيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ

(4)

.

واتَّفَقُوا على وُجوبِ ذلك على السَّيِّد

(5)

؛ لأِنَّه أخصُّ النَّاس به، فوَجَبَتْ نَفَقَتُه عليه كبهيمتِه، ومحلُّه: ما لم يكُنْ للرَّقيق صَنعةٌ يتكسَّبُ بها.

(وَ) له (تَزْوِيجُهُمْ إِذَا طَلَبُوا ذَلِكَ)؛ كالنَّفقة؛ لقوله تعالَى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} [النُّور: 32]، والأمْرُ يَقتَضِي الوُجوبَ، ولأِنَّه يُخافُ مِنْ تَرْكِ إعْفافِه الوُقوعُ في المحظور، وهو مُخيَّرٌ بَينَ تَزْويجِه، أوْ تمليكِه أَمَةً.

ولا يَجوزُ تزويجه

(6)

إلاَّ باخْتِيارِه إذا كان كبيرًا.

(إِلاَّ الْأَمَةَ إِذَا كَانَ يَسْتَمْتِعُ بِهَا)؛ لأِنَّ المقصودَ قضاءُ الحاجة

(7)

، وإزالةُ

(1)

في (م): وكذلك.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما يدل عليه في الفروع 9/ 322: السكنى.

(3)

في (ظ): ما لا تطيق.

(4)

أخرجه الشافعي في مسنده (ص 305)، والبيهقي في الكبرى (15772)، وهو عند مسلم (1662).

(5)

ينظر: مراتب الإجماع ص 80، المغني 8/ 252.

(6)

قوله: (أو تمليكه أمة، ولا يجوز تزويجه) سقط من (م).

(7)

في (م): حاجة.

ص: 22

ضَرَرِ الشَّهوة، وإنْ شاء زوَّجها إذا طَلَبَتْ ذلك.

وظاهِرُه: ولو مُكاتَبةً بشَرْطِه.

وفي «المستوعب» : يَلزَمُه تزويجُ المُكاتَبةِ بطَلَبِه، ولو وَطِئَها وأُبِيحَ بالشَّرْط، ذَكَرَه ابنُ البَنَّاء؛ لِمَا فيه من اكْتِسابِ المَهْرِ، فمَلَكه كأنْواعِ التَّكسُّب، وظاهِرُ كلامهم خِلافُه، وهو أظْهَرُ لِمَا فيه من إسْقاطِ حقِّ السَّيِّد، وإلغاء الشَّرْطِ.

وعلى الأوَّل: إنْ أَبَى أُجْبِرَ عليه، وتُصدَّقُ في أنَّه لا يَطَأُ على الأصحِّ.

فرعٌ: مَنْ غاب عن أمِّ ولده

(1)

زوِّجت، نَصَّ عليه

(2)

، لحاجةِ نفقةٍ، وكذا: أوْ وطءٍ عندَ مَنْ جَعَلَه كنفقة

(3)

، وفي «الانتصار»: يُزوِّجُها مَنْ يَلِي مالَه، أوْمَأَ إليه في روايةِ بَكْرٍ

(4)

.

ويَلزَمُه نفقةُ ولدِ أمَتِه الرَّقيق، دُونَ زَوجها، ويَلزَمُ حرَّةً نفقةُ وَلَدِها مِنْ عبدٍ، نَصَّ عليه

(5)

، ومُكاتَبةً نفقةُ ولدها وكَسْبُه لها، ويُنفِقُ على مَنْ بعضُه حُرٌّ بقَدْر رِقِّه، وبَقيَّتُها عليه.

(وَلَا يُكَلِّفُهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُونَ)؛ لحديثِ أبي ذَرٍّ: «ولا تُكلِّفوهم ما يَغلِبُهم، فإنْ كلَّفْتُموهم فأعِينُوهم» رواه البخاريُّ

(6)

، ولأِنَّه مِمَّا يَشُقُّ عليه

(7)

، والمرادُ: مَشقَّةً كبيرة

(8)

.

(1)

في (ظ): ولد.

(2)

ينظر: الفروع 9/ 330.

(3)

في (م): كنفقته.

(4)

ينظر: الفروع 9/ 329.

(5)

ينظر: الفروع 9/ 330.

(6)

أخرجه البخاري (2545)، ومسلم (1661).

(7)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(8)

في (ظ): كثيرة.

ص: 23

ولا يَجوزُ تكليفُ الأَمَةِ بالرَّعْيِ؛ لأِنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الطَّمَع؛ لِبُعدِها عمَّن يَذُبُّ عنها.

وقد ذَكَرَ صاحِبُ «المحرَّر» عن نَقْلِ أسْماءَ النَّوى على رأسها للزُّبَيرِ مِنْ نحوِ ثُلَثَيْ فَرسَخٍ من المدينة

(1)

: أنَّه حجَّةٌ في سَفَرِ المرأة السفر

(2)

القصيرَ بغَيرِ مَحرَمٍ، ورَعْيُ جاريةِ

(3)

الحَكَم

(4)

في معناه، وأَوْلَى.

وقال غَيرُه: يَجُوزُ ذلك قَولاً واحِدًا؛ لأِنَّه لَيسَ بسَفَرٍ شرعًا ولا عُرْفًا، ولا يُتأَهَّبُ له أُهْبته

(5)

.

(وَيُرِيحُهُمْ وَقْتَ الْقَيْلُولَةِ وَالنَّوْمِ، وَأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ)؛ لأِنَّ العادةَ جارِيَةٌ بذلك.

(وَيُدَاوِيهِمْ إِذَا مَرِضُوا) وُجوبًا، قاله جماعةٌ؛ لأِنَّ نَفَقَتَهم تَجِبُ بالملك، ولهذا تجب

(6)

مع الصِّغَر.

وظاهِرُ كلامِ آخَرِينَ: يُستَحَبُّ، قال

(7)

في «الفروع» : وهو أظْهَرُ.

قال ابنُ شِهابٍ في كَفَنِ الزَّوجة: العَبْدُ لا مالَ له، فالسَّيِّدُ أحقُّ بنَفَقَتِه ومُؤنَتِه، ولهذا: النَّفقةُ المخْتَصَّةُ بالمرض يلزمه

(8)

؛ من الدَّواء وأُجْرَةِ الطَّبيب،

(1)

أخرجه البخاري (3151)، ومسلم (2182)، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما، قالت:«كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ» .

(2)

قوله: (السفر) سقط من (م).

(3)

في (م): الجارية.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وتبعه في الكشاف، والذي في الفروع: جارية معاوية بن الحكم. وهو الصواب، والحديث أخرجه مسلم (537).

(5)

في (م): أهبة.

(6)

في (م): يجب.

(7)

في (م): قاله.

(8)

في (م): يلزم.

ص: 24

بخِلافِ الزَّوجةِ.

(وَيُرْكِبُهُمْ عُقْبَةً)، بوَزْنِ غُرْفَة، وهي النَّوبَةُ، (إِذَا سَافَرَ بِهِمْ)؛ لِئلاَّ يُكلِّفَهم ما لا يُطِيقونَ، ومَعْناهُ: يُركِبُه تارةً ويُمْشِيهِ أُخْرَى.

(وَإِذَا وَلِيَ أَحَدُهُمْ طَعَامَهُ؛ أَطْعَمَهُ مَعَهُ، فَإِنْ أَبَى؛ أَطْعَمَهُ مِنْهُ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ مرفوعًا: «إذا كَفَى أحدَكم خادِمُه طَعامَه حَرَّهُ ودُخانَه؛ فلْيُجْلِسْه معه، فإنْ أَبَى؛ فليُرَوِّح

(1)

له اللُّقْمةَ واللُّقْمَتَينِ»

(2)

، ومَعْنَى الترويح

(3)

: غَمْسُها في المَرَقِ والدسم

(4)

ودَفْعُها إليه، ولأِنَّ الحاضِرَ تَتُوقُ نَفْسُه إلى ذلك، ولكِنْ لا يَأكُلُ إلاَّ بإِذْنِه، نَصَّ عليه

(5)

.

(وَلَا يَسْتَرْضِعُ

(6)

الْأَمَةَ لِغَيْرِ وَلَدِهَا)؛ لأِنَّ فيه إضْرارًا بِوَلدِها؛ للنَّقص مِنْ كِفايَته وصرف

(7)

اللَّبَن المخلوقِ

(8)

له إلى غَيرِه مع حاجته إليه؛ كنَقْصِ الكبير عن كِفايَتِه.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا

(9)

فَضْلٌ عَنْ رَيِّهِ)؛ لأِنَّه مِلْكه، وقد اسْتَغْنَى عنه الولَدُ، فكان له اسْتِيفاؤه؛ كما لو مات ولدُها وبَقِيَ لَبَنُها.

(1)

كذا في النسخ الخطية، ولفظ الحديث وفي المغني 8/ 253 والشرح الكبير 24/ 441: فَلْيُرَوِّغْ.

(2)

أخرج مسلم (1663)، نحوه، وأخرجه الشافعي كما في المسند (ص 305) بلفظ:«فإن أبي فليروغ له لقمة» ، وعند الحميدي (1101)، والطحاوي في شرح المعاني (7315)، «فليأخذ لقمة فليروغها» .

(3)

في (م): التوريج. وصوابه كما في كتب المذهب: الترويغ.

(4)

في (م): والمدسم.

(5)

ينظر: الفروع 9/ 325.

(6)

في (ظ): ولا تسترضع.

(7)

في (م): وفرق.

(8)

في (م): المحلوب. والمثبت موافق للشرح الكبير 24/ 442.

(9)

قوله: (فيها) سقط من (م).

ص: 25

ولا يَجوزُ له إجارتُها بلا إذْنِ زَوجٍ، قال المؤلِّفُ: لاِشْتِغالها عنه برَضاعٍ وحضانةٍ، وهذا إنما يَجيءُ إذا آجَرَها في مُدَّةِ حقِّ الزَّوج، فلو آجَرَها في غيره

(1)

؛ توجَّهَ الجَوازُ، وإطْلاقُه مُقيَّدٌ

(2)

بتعليله، وقد يَحتَمِلُ ألاَّ يَلزَمَ تقييدُه به، فأمَّا إنْ ضَرَّ ذلك بها؛ لم يَجُزْ.

(وَلَا يُجْبِرُ الْعَبْدَ عَلَى الْمُخَارَجَةِ)، ومَعْناهُ: أنْ يَضرِبَ عليه خَراجًا معلومًا يُؤدِّيهِ إلى سيِّدِه، وما فَضَلَ للعبد؛ لأِنَّ ذلك عَقْدٌ بينهما

(3)

، فلا يُجبَرُ عليه؛ كالكتابة.

(فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَيْهِ، جَازَ)، بشَرْطِ أنْ يكونَ قَدْرَ كَسْبِه فأقلَّ بعدَ نَفَقَتِه؛ لِمَا رُوِيَ:«أنَّ أبا طَيبةَ حَجَمَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأعْطاهُ أجْرَه، وأَمَرَ مَوالِيَه أنْ يُخفِّفُوا عنه من خَراجِه»

(4)

، وكان كثيرٌ من الصَّحابة يَضرِبونَ على رقيقهم خَراجًا، ورُوِيَ: «أنَّ الزبير

(5)

كان له

(6)

ألفُ مَمْلوكٍ، على كلِّ واحدٍ منهم دِرهَمٌ كلَّ يَومٍ»

(7)

، و «جاءَ أبو لُؤلُؤَةَ إلى عمرَ بنِ الخَطَّاب، فسألَه أنْ يَسألَ المُغِيرةَ بنَ شُعْبَةَ أنْ يُخفِّفَ عنه مِنْ خَراجِه»

(8)

.

(1)

في (م): صغره.

(2)

في (م): فقيد.

(3)

في (م): عنهما.

(4)

أخرجه البخاري (2210)، ومسلم (1577)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(5)

في (م): للزبير.

(6)

قوله: (كان له) مكانه بياض في (م).

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (15787)، والزبير بن بكار كما في الفتح (6/ 230)، وابن عساكر في التاريخ (18/ 399)، عن مغيث بن سمي به، ورجال إسناده ثقات.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (9775)، وابن سعد في الطبقات (3/ 345)، عن الزهري مرسلاً، وأخرجه ابن أبي شيبة (37074)، من طريق محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبي سلمة ويحيى بن عبد الرحمن بن حاطب وأشياخٍ، عن عمر نحوه، وفيه: محمد بن عمرو صدوق له أوهام، وأبو سلمة ويحيى بن عبد الرحمن لم يسمعا من عمر، لكنه مرسل جاء من وجهين، فيقوى الاحتجاج به. ينظر: جامع التحصيل ص 298.

ص: 26

فإنْ لم يكُن له كَسْبٌ، أوْ وَضَعَ عليه أكثرَ مِنْ كَسْبِه؛ لم يَجُزْ.

وفي «التَّرغيب» : إنْ قدَّر خَراجًا بقَدْرِ كَسْبِه؛ لم يُعارَضْ.

وهو كعبدٍ

(1)

مأذونٍ له في التَّصرُّف في

(2)

هديَّةِ طعامٍ، وإعارةِ مَتاعٍ، وعَمَلِ دَعْوةٍ.

وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: لا يَملِكُ ذلك، وأنَّ فائدةَ المُخارَجَة: تَرْكُ العَمَلِ بَعْدَ الضريبة

(3)

.

(وَمَتَى امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ الْعَبْدُ الْبَيْعَ؛ لَزِمَهُ بَيْعُهُ)، نَصَّ عليه

(4)

؛ كزَوجةٍ، وقالَهُ في «عُيونِ المسائل» وغَيرِها في أمِّ الولد، وهو ظاهِرُ كلامِهم، سَواءٌ امْتَنَعَ السَّيِّدُ مِنْ ذلك لِعَجْزٍ أوْ غَيرِه؛ لأِنَّ بقاءَ ملْكِه عَلَيه مع الإخْلال بِسَدِّ أمْرِه؛ إضْرارٌ به، وإزالةُ الضَّرَر واجِبةٌ، وقد رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال

(5)

: «جارِيَتُك تَقولُ: أطْعِمْنِي واسْتَعْمِلْنِي إلى مَنْ تَتْرُكُنِي؟» رواهُ أحمدُ، والدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ صحيحٍ، ورواه

(6)

البخاريُّ مِنْ قَولِ أبي هُرَيرةَ

(7)

.

ونَقَلَ أبو داودَ عنه

(8)

: أَتُبَاعُ الجارِيةُ وهو يَكْسُوها ويُطعِمُها؟ قال: لا،

(1)

في (م): بعيد.

(2)

قوله: (في) سقط من (م).

(3)

في (م): الضربة.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 378.

(5)

قوله: (قال) سقط من (م).

(6)

في (م): رواه.

(7)

أخرجه أحمد (10785)، والنسائي في الكبرى (9166)، والدارقطني (3781)، وهي من قول أبي هريرة رضي الله عنه، كما أخرج البخاري (5355)، وفيه:«تقول المرأة: إما أن تطعمني، وإما أن تطلقني، ويقول العبد: أطعمني واستعملني، ويقول الابن: أطعمني، إلى من تدعني» ، فقالوا: يا أبا هريرة، سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:«لا، هذا من كيس أبي هريرة» . ينظر: الفتح 9/ 501.

(8)

في (م): وعنه.

ص: 27

إلاَّ أنْ تحتاجَ إلى زَوجٍ

(1)

؛ لأِنَّ الملكَ للسَّيِّد، فلا يُجبَرُ على إزالَتِه مِنْ غَيرِ ضَرَرٍ، كما لا يُجبَرُ على طَلاقِ زَوجَتِه مع القِيامِ بما يَجِبُ لها، ولا على بَيعِ بهيمةٍ مع الإنْفاقِ عَلَيها.

(وَلَهُ تَأْدِيبُ رَقِيقِهِ)، عبدًا كان أوْ أَمَةً، (بِمَا يُؤَدِّبُ بِهِ وَلَدَهُ وَامْرَأَتَهُ)، أيْ: له تأديبُهما بالتَّوبيخ والضَّرب؛ كما يُؤدِّبُ ولَدَه وامْرأتَه في النُّشوز، ولا بأْسَ بالزِّيادة على ذلك؛ للأخبار الصَّحيحة.

ولَيسَ له ضَرْبُه على غَيرِ ذَنْبٍ، ولا أنْ يَضرِبَه ضَرْبًا مُبرِحًا إنْ أَذْنَبَ، ولا لَطْمُه في وَجْهِه؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ مرفوعًا:«مَنْ لَطَمَ غُلامَه؛ فكفَّارَتُه عِتْقُه» رواه مسلِمٌ

(2)

. ونَقَلَ حَرْبٌ

(3)

: لا يُضرَبُ إلاَّ في ذَنْبٍ بعدَ عَفْوِه مرَّةً أوْ مَرَّتَينِ، ولا يَضرِبُه شديدًا.

ونَقَلَ حنبلٌ

(4)

: لا يَضرِبُه إلاَّ في ذنب عظيمٍ؛ لقوله عليه السلام: «إذا زَنَتْ أَمَةُ أحدِكم فلْيَجْلِدْها»

(5)

، ويُقيِّده

(6)

إذا خاف عليه، ويضربه

(7)

غيرَ مُبرِّحٍ، فإنْ وافَقَه وإلاَّ باعَهُ؛ لقَولِه عليه السلام:«لا تُعذِّبُوا عِبادَ الله»

(8)

.

(وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى بِإِذْنِ سَيِّدِهِ)، نَصَّ عليه

(9)

، وهو قَولُ قُدَماءِ

(1)

ينظر: مسائل أبي داود ص 378.

(2)

أخرجه مسلم (1657)، وأخرجه أحمد (4784)، باللفظ الذي ذكره المصنف.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 326.

(4)

ينظر: الفروع 9/ 326.

(5)

أخرجه البخاري (2152)، ومسلم (1703)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

في (م): ويعقدها.

(7)

في (م): بضرب.

(8)

أخرجه ابن حبان (4313)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وإسناده صحيح، وأصله في مسلم (1662).

(9)

قوله: (نص عليه) سقط من (م). وينظر: مسائل أبي داود ص 324.

ص: 28

الأصحاب

(1)

، من غير بِناءٍ على رِوَايَتَي الملْكِ وعَدَمِه، بل الخِرَقِيُّ وجماعةٌ قالوا: إنَّه لا يَملِكُ، ويُباحُ له التَّسَرِّي.

نَقَلَ أبو طالِبٍ

(2)

: أيَتَسَرَّى العَبْدُ؟ قال: نَعَمْ، قال ذلك ابنُ عُمَرَ

(3)

، وابنُ عبَّاسٍ

(4)

، وغيرُ واحِدٍ من التَّابِعينَ عَطاءٌ، ومُجاهِدٌ، وأهلُ المدينة على هذا.

قِيلَ لأِبي عبدِ الله: فمن

(5)

احْتَجَّ بهذه الرِّوايةِ

(6)

: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ

(29)} [المعَارج: 29]، فأي

(7)

ملْكٍ للعبد

(8)

؟ قال: إذا ملَّكَه مَلَكَ، يقول

(9)

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ اشْتَرَى عبدًا وله مالٌ»

(10)

؛

(1)

في (م): الصحابة.

(2)

ينظر: شرح الزركشي 5/ 132.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (12836)، وابن أبي شيبة (16280)، عن نافع قال:«كان ابن عمر رضي الله عنهما يرى لمملوكه سراري، لا يعيب ذلك عليهم» ، وإسناده صحيح، وأخرج نحوه سعيد بن منصور (2084)، من وجه آخر.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (12843)، من طريق عمرو بن دينار، أن أبا معبد مولى ابن عباس رضي الله عنهما أخبره، أن عبدًا كان لابن عباس، وكانت له امرأة جارية لابن عباس، فطلقها فبتَّها، فقال ابن عباس:«إنك لا طلاق لك، فارجعها» ، فأبى، فقال ابن عباس:«هي لك، فاستحللها بملك اليمين» فأبى. وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (12844)، عن ابن عباس قال:«لا بأس أن يتسرى العبد» ، وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، وأخرجه سعيد بن منصور (2086)، عن العباس بن عبيد الله بن عباس، عن عمه ابن عباس «أنه أذن لغلام له أن يتسرى، فاشترى ثلاث جوار ثمن ألفين ألفين» ، وعباس بن عبيد الله مقبول.

(5)

في (م): لمن.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي شرح الزركشي 5/ 132: الآية.

(7)

في (م): فأما.

(8)

في (م): العبد.

(9)

في (م): فقول.

(10)

أخرجه البخاري (2379)، ومسلم (1543)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بلفظ:«من ابتاع عبدًا وله مال، فماله للذي باعه، إلا أن يشترط المبتاع» .

ص: 29

فقد جَعَلَ له ملْكًا

(1)

، وابنُ عمرَ وابنُ عبَّاسٍ أعْلَمُ بكتابِ الله مِمَّنْ احْتَجَّ بهذه الآيةِ، ولأنَّه

(2)

يَملِكُ في النِّكاح؛ فمَلَكَ التَّسَرِّيَ كالحرِّ

(3)

، ولأِنَّه آدَمِيٌّ؛ فيملك

(4)

المالَ كالحُرِّ، وذلك لأِنَّه بآدَمِيَّتِه يَتمَهَّدُ لأِهْلِيَّةِ الملك إذا كان اللهُ تَعالَى خَلَقَ الأَمْوالَ لِلآدَمِيِّينَ؛ ليستعينوا

(5)

بها على القِيام بِوَظائِفِ التَّكاليف، وإذا ثَبَتَ الملْكُ للجَنِينِ مع كَونِه نطفةً لا حَياةَ فيها باعْتِبارِ مآلِه إلى الآدَمِيَّة؛ فالعَبْدُ الّذي هو آدَمِيٌّ مُكلَّفٌ أَوْلَى.

وظاهِرُه: أنَّه إذا تسرَّى

(6)

بغيرِ إذْنِه؛ أنَّ الولَدَ ملْكٌ للسَّيِّد.

فإنْ أذِنَ له فيه، وأطْلَقَ؛ تَسَرَّى بواحدةٍ فَقَطْ؛ كالتَّزويج، وإنْ أَذِنَ له في أكثرَ مِنْ واحِدةٍ؛ فله التَّسَرِّي بما شاءَ، نَصَّ عليه

(7)

؛ لأِنَّ مَنْ جازَ له التَّسَرِّي؛ جاز له بغَيرِ حَصْرٍ؛ كالحُرِّ.

(وَقِيلَ: يَنْبَنِي

(8)

ذَلِكَ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مِلْكِ الْعَبْدِ بِالتَّمْلِيكِ)، كذا بَناهُ القاضي وعامَّةُ مَنْ بَعدَه.

احْتَجَّ المانِعُ: بأنَّ العبدَ لا يَملِكُ المالَ، والوَطْءَ لا يكونُ إلاَّ في نكاحٍ أوْ ملْكِ يمينٍ؛ للنَّصِّ.

واحْتَجَّ المجيز

(9)

:

(1)

ينظر: شرح الزركشي 5/ 132.

(2)

في (م): ولا.

(3)

في (م): كالحرة.

(4)

في (م): يملك.

(5)

في (م): يستعينوا.

(6)

في (م): اشترى.

(7)

ينظر: المغني 7/ 87.

(8)

في (ظ): يبنى.

(9)

في (ظ): المخبر.

ص: 30

بما سَلَفَ؛ إذِ الشارع

(1)

يُثبِتُ من الملك

(2)

ما فيه مصلحةُ العباد، ويَمْنَعُ ما فيه فَسادُهم، والعبدُ مُحتاجٌ إلى النِّكاح، فالمصلحةُ تَقتَضِي ثبوتَ ملك

(3)

البُضْعِ له

(4)

، وإلاَّ فكون

(5)

العبد يَملِكُ مُطلَقًا؛ إضْرارٌ بالسَّيِّد، ومَنْعُه مطلَقًا؛ إضْرارٌ به، فالعَدْلُ ثُبوتُ قَدْرِ الحاجة، وقَولُهم: إنَّه لا يَملِكُ المالَ؛ ممنوعٌ.

(وَلَوْ وَهَبَ لَهُ سَيِّدُهُ أَمَةً؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ التَّسَرِّي بِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ)؛ لأِنَّ الهِبةَ إنْ لم تَصِحَّ؛ فظاهِرٌ، وإنْ صحَّتْ؛ فالعبدُ محجور عليه؛ لأِنَّه لا يَملِكُ هِبَةَ ما في يَدِه، ولا شَكَّ أنَّ ذلك يُؤدِّي إلى تنقيصِ المالِ مرَّةً، وإلى الإعْدام أخرى؛ لأِنَّها ربَّما حَمَلَتْ، وذلك تنقيصٌ، ولذلك جُعِلَ عَيبًا في المَبِيع، وربُّما ماتَتْ منه، وذلك إعْدامٌ.

فإنْ أَذِنَ له في التَّسرِّي؛ لم يَصِحَّ رُجوعُه فيه، نَصَّ عليه في روايةِ محمَّدِ ابنِ ماهان، وإبراهيمَ بنِ هانِئٍ

(6)

؛ كالنِّكاح، قال ابنُ حَمْدانَ: حَيثُ يَجِبُ إعْفافُه، ولأِنَّه ملَّكَه بُضْعًا أُبِيحَ له وَطْؤه؛ كما لو زَوَّجَه.

فرعٌ: إذا مَلَكَ المعتَقُ بعضُه بجُزْئِه الحُرِّ؛ فله وَطؤها بِلا إِذْنِ سيِّدِه في الأَقْيَسِ، ولا يتزوج

(7)

إلاَّ بإذنه

(8)

.

(1)

في (م): إذا تسارع.

(2)

في (م): المال.

(3)

قوله: (ملك) سقط من (م).

(4)

قوله: (له) سقط من (م).

(5)

في (ظ): فكذا.

(6)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 220، المغني 7/ 88.

(7)

في (م): ولا ينزل.

(8)

في (م): بإذن سيده.

ص: 31

(فَصْلٌ)

(وَعَلَيْهِ إِطْعَامُ بَهَائِمِهِ، وَسَقْيُهَا)، وإقامةُ مَنْ يَرْعاها؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ مرفوعًا قال:«عُذِّبَت امرأةٌ في هِرَّةٍ حَبَسَتْها حتَّى ماتَتْ جُوعًا، لا هِيَ أطْعَمَتْها، ولا هِيَ أرْسَلَتْها تأكُلُ مِنْ خَشَاشِ الأرضِ» مُتَّفَقٌ عليه

(1)

.

قال في «الغُنْية» : ويُكرَهُ له إطْعامُها فَوقَ طاقَتِه، وإكْراهُه على الأكل على ما اتَّخَذَه النَّاسُ عادَةً لأِجْلِ التَّسمين.

ويَحرُم عليه أنْ يَقتُلَه عَبَثًا، قالَه ابنُ حَزْمٍ

(2)

.

(وَأَنْ لَا

(3)

يُحَمِّلَهَا مَا لَا تُطِيقُ)؛ لأِنَّ الشَّارِعَ مَنَعَ تكليفَ العبدِ ما لا يُطِيقُ، والبهيمةُ في مَعْناهُ، ولأِنَّ فيه تعذيبًا للحَيَوانِ الذي له حُرْمةٌ في نَفْسِه، وإضْرارًا به، وذلك غَيرُ جائزٍ.

(وَلَا يَحْلُبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَضُرُّ بِوَلَدِهَا)؛ لأِنَّ كِفايَتَه واجبةٌ على مالكه، أشْبَهَ وَلَدَ الأَمَة.

ويُكرَه أنْ يُعلِّقَ عليها جَرَسًا، أوْ وَترًا، أوْ جَزَّ مَعرفةٍ وناصية

(4)

، وفي جزِّ ذَنَبِها رِوايَتانِ، أظْهَرُهما: الكَراهَةُ.

(وَإِنْ عَجَزَ عَنِ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا؛ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا)، أوْ إجارَتِها، (أَوْ ذَبْحِهَا إِنْ كَانَتْ مِمَّا يُبَاحُ أَكْلُهُ)؛ لأِنَّها نفقةُ حَيَوانٍ واجِبةٌ عليه، فكان للحاكم إجْبارُه عليها؛ كنفقةِ العبدِ، فإن امْتَنَع من البيع بِيعَتْ عليه، كما يُباعُ العبدُ إذا طلبه

(1)

أخرجه البخاري (2365)، ومسلم (2242).

(2)

ينظر: مراتب الإجماع ص 80.

(3)

قوله: (لا) سقط من (م).

(4)

في (م): معرفته أو ناصيته. والمعرفة: كمرحلة: موضع العرف من الفرس. ينظر: القاموس المحيط ص 837.

ص: 32

(1)

بإعْسارِ سيِّده بنَفَقَتِه.

فإنْ كانَتْ مِمَّا لا يُؤكَلُ؛ أُجْبِرَ على الإنفاق عليها؛ كالعبدِ الزَّمِنِ، وذَكَرَ في «الكافي»: أنَّه

(2)

إذا امْتَنَعَ من الإنفاق عليها؛ أُجْبِرَ على بَيعِها، فإنْ أبَى أُكْرِيَتْ، وأُنْفِقَ عليها، فإنْ أمْكَنَ، وإلاَّ بِيعَتْ.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحتَمِلُ ألاَّ يُجبَرَ، ويأمره به

(3)

كما يأمُرُه بالمعروف ويَنهاهُ عن المنكر؛ لأِنَّ البهيمةَ لا يَثبُتُ لها حقٌّ من

(4)

جِهَةِ الحُكْم، بدليلِ أنَّه لا تصح

(5)

منه الدَّعْوَى، ولا يُنصبُ عنها خَصْمٌ، فصارَتْ كالزَّرع والشَّجَر، وجِيفَتُها له، ونَقْلُها عليه، قاله أبو يَعْلَى الصَّغيرُ.

(1)

في (م): طالب.

(2)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(3)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(4)

في (م): في.

(5)

في (م): لا يصح.

ص: 33

(بَابُ الْحَضَانَةِ)

الحَضانةُ بفَتْحِ الحاء: مصدر حَضَنْتُ الصَّغِيرَ حَضانةً؛ أيْ: تحمَّلت

(1)

مُؤنَتَه وتَربِيَتَه، والحاضنة

(2)

: الَّتي تُرَبِّي الطِّفْلَ، سُمِّيَتْ به؛ لأِنَّها تَضُمُّ الطِّفلَ إلى حِضْنِها.

وهي واجبةٌ؛ لأِنَّه يَهلِكُ بتَرْكِه، فَوَجَبَ حِفْظُه عن الهلاك، كما يَجِبُ الإنفاقُ عليه، وإنجاؤه

(3)

من المهالِكِ.

ومُستَحِقُّها: رجلٌ عَصَبةٌ، وامرأةٌ وارِثةٌ، أوْ مُدْلِيَةٌ بِوارِثٍ؛ كخالةٍ وبناتِ أخَواتٍ، أوْ مُدلِيَةٌ بعَصَبةٍ؛ كبِناتِ إخْوةٍ وأعمام

(4)

، ثُمَّ هل تكونُ كحاكِمٍ، أوْ كبقيَّةِ الأقارِب مِنْ رَجُلٍ وامرأةٍ ثُمَّ لحاكم

(5)

؟ فيه وَجْهانِ.

(أَحَقُّ النَّاسِ بِحَضَانَةِ الطِّفْلِ، وَالْمَعْتُوهِ)، وهو المُخْتَلُّ العَقْلِ:(أُمُّهُ)؛ أي

(6)

: إذا كانَتْ حرَّةً، عاقِلةً، عَدْلاً في الظَّاهِر، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(7)

؛ لِمَا رَوَى عمرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه: أنَّ امرأةً قالَتْ: يا رسولَ الله إنَّ ابْنِي هذا كان بَطْنِي له وِعاءً، وثَدْيِي له سِقاءً، وحِجْرِي له حِواءً، وإنْ أباهُ طلَّقَنِي، وأرادَ أنْ ينتزعه

(8)

مِنِّي، فقال لها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أنتِ أحقُّ به ما لم

(1)

في (م): تتحمل.

(2)

في (م): والحضانة.

(3)

في (م): وإلجاؤه.

(4)

في (م): أو أعمام.

(5)

في (م): الحاكم.

(6)

قوله: (أي) سقط من (م).

(7)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 84، الاستذكار 7/ 290.

(8)

في (ظ): ينزعه.

ص: 34

تَنكِحِي» رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ ولَفْظُه له

(1)

، ولِقضاءِ أبي بكرٍ على عمرَ، بعاصِمِ بنِ عمرَ لأِمِّه، فقال:«ريحُها وشَمُّها ولَطْفُها خَيرٌ له منكَ» رواه

(2)

سعيدٌ

(3)

، واشْتَهَرَ ذلك ولم يُنكَرْ، ولأِنَّها أشْفَقُ عليه وأقْرَبُ، ولا يُشارِكُها في القُرْب إلاَّ الأبُ، ولَيسَ له مِثْلُ شَفَقَتِها، ولا يَتوَلَّى الحَضانةَ بنَفْسِه، وإنَّما يَدفَعُه إلى مَنْ يَقومُ به.

وظاهِرُه: ولو بأجرِ

(4)

مِثْلٍ؛ كرَضاعٍ، قاله في «الواضح» ، واقْتَصَرَ عليه في «الفروع» .

فإن لم تكُنْ مَوجُودةً، أوْ كانَتْ ولم تَستَوعِبِ الشُّروطَ؛ انتقلَ إلى مَنْ يَلِيها في الاِسْتِحْقاقِ، وهو المنبَّهُ عليه بقَولِه:(ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا)؛ لأِنَّ وِلادَتَهُنَّ مُتحَقِّقةٌ فَهُنَّ في

(5)

مَعْنَى الْأُمِّ، (الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ)؛ لأِنَّ الأقْرَبَ أكْمَلُ شَفَقةً من الأبْعَدِ، وأقْرَبُ شَبَهًا بالأمِّ.

(ثُمَّ الْأَبُ) في الصَّحيح عنه؛ لأِنَّه أقْرَبُ مِنْ غَيرِه، ولَيسَ لِغَيرِه كمالُ

(1)

أخرجه أحمد (6707)، وأبو داود (2276)، والدارقطني (3808)، والحاكم (2830)، وصححه الحاكم وابن الملقن، وقواه ابن القيم وذكر أن الأئمة احتجوا به، وحسنه الألباني للخلاف المعروف في رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. ينظر: زاد المعاد 5/ 389، البدر المنير 8/ 317، الإرواء 7/ 224.

(2)

زيد في (م): أبو.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 139)، وابن أبي شيبة (19122)، وفيه مجالد بن سعيد وهو ضعيف. وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 139)، وابن أبي شيبة (19114)، عن عكرمة مرسلاً. وأخرجه سعيد بن منصور (2/ 139)، عن الحسن مرسلاً. وأخرجه مالك في الموطأ (2/ 767)، وسعيد بن منصور (2/ 139)، عن القاسم بن محمد مرسلاً. وأخرجه ابن أبي شيبة (19123)، عن سعيد بن المسيب مرسلاً، وهذا أقواها، وهي مراسيل مختلفة المخارج يقوي بعضها بعضًا.

(4)

في (م): بأجرة.

(5)

قوله: (متحققة فهن في) في (م): مستحقة فهي.

ص: 35

شفقته

(1)

، ترجَّح بها، فَوَجَبَ أنْ يكون

(2)

أحقَّ بها بَعْدَ مَنْ ذُكِرَ.

(ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ)؛ لأِنَّهنَّ يُدْلِينَ بمن

(3)

هو أحقُّ.

فإنْ قِيلَ: الجَدُّ يُدْلِي بالأقْرَبِ؛ فساواهنَّ في ذلك، فَلِم يُقدَّمْنَ عليه؟

قِيلَ: الأَبَوِيَّة مع التَّساوِي، فَوَجَبَ الرُّجْحانُ

(4)

، دليلُه: الأمُّ مع الأَبِ.

وعنه: أنَّ أمَّ الأب مُقدَّمَةٌ على أمِّ الأمِّ؛ لأِنَّها تُدْلِي بعَصَبةٍ، فَعَلَيْها: يَكونُ الأبُ أَوْلَى بالتَّقديم؛ لأِنَّهنَّ يُدْلِينَ به، فيكونُ الأبُ بعدَ الأمِّ، ثُمَّ أمهاته

(5)

.

(ثُمَّ الْجَدُّ)؛ لأِنَّه أبٌ، أوْ بمنزلَتِه، ومُقتَضاهُ: تقديمُه بَعْدَ الأَبِ، تُرِكَ العَمَلُ به في أُمَّهاتِ الأبِ؛ لِمَا ذُكِرَ من التَّرجيح بالأَبَوِيَّة

(6)

.

(ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ)؛ لِمَا ذُكِرَ في أمَّهاتِ الأَبِ.

فإنْ قِيلَ: الأخَوَاتُ يُدْلِينَ بالأب، وهو أحقُّ من الجَدِّ، فيَجِبُ أنْ يكونَ مَنْ يُدْلِي به أحقَّ مِمَّنْ يُدْلِي بالجَدِّ.

قِيلَ: أُمَّهاتُ الجَدِّ اجْتَمَعَ فِيهنَّ الإدْلاءُ بالجَدِّ، وكَونُ الطِّفْل بَعضًا مِنهُنَّ، وذلك مَفْقودٌ في الأَخَواتِ.

(ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ، ثُمَّ الْأُخْتُ لِلْأَبِ، ثُمَّ لِلْأُمِّ)، قَدَّمهنَّ على

(7)

سائرِ القَراباتِ؛ لأِنَّهنَّ يُشارِكْنَ في

(8)

النَّسب، وقُدِّمْنَ في المِيراثِ، وتُقدَّمُ الأُخْتُ

(1)

في (م): شفقة.

(2)

في (ظ): تكون.

(3)

في (م): عمن.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي الكشاف 13/ 189، ومطالب أولي النهى 5/ 666: الأنوثة مع التساوي توجب الرجحان.

(5)

قوله: (ثم أمهاته) سقط من (م).

(6)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه كما تقدم: بالأنوثة.

(7)

في (م): قدمن.

(8)

في (م): من.

ص: 36

لِلْأَبَوَينِ؛ لِقُوَّةِ قَرابَتِها، ثُمَّ مَنْ كانَتْ لأِبٍ، ثُمَّ لأِمٍّ، نَصَّ عليه

(1)

.

(ثُمَّ الْخَالَةُ)؛ لأِنَّها تُدْلِي بالأُمِّ، ولأِنَّ الشَّارِعَ قَدَّمَ خالةَ ابْنةِ حَمزةَ على عَمَّتِها صَفِيَّةَ

(2)

؛ لأِنَّ صَفِيَّةَ لم تَطلُبْ، وجَعفَرٌ طَلَبَ نائبًا عن خالتها

(3)

؛ فَقَضَى الشَّارِعُ بها لها في غَيبَتِها

(4)

.

(ثُمَّ الْعَمَّةُ)؛ أيْ: لِأَبَوَينِ، ثُمَّ لأِبٍ، ثُمَّ لأِمٍّ، (فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ)؛ كالأَخَوات، قد تَبِعَ المؤلِّفُ القاضِيَ وأصحابَه في تقديمِ الخالة على العمَّة، والأختِ من الأب

(5)

على الأُخْتِ مِنْ الأُمِّ، قال بعضُهم: فتَناقَضُوا.

وقُدِّمْنَ على الأَعْمام؛ لأِنَّهنَّ نِساءٌ مِنْ أهْلِ الحَضانة، فَقُدِّمْنَ على مَنْ في دَرَجَتِهِنَّ مِنَ الرجال

(6)

؛ كتقديمِ الأمِّ على الأَبِ.

ثُمَّ خالات

(7)

أَبَوَيهِ، ثُمَّ عمَّاتُ أبِيهِ، ثُمَّ بناتُ الأعمامِ.

وقيل: تُقدَّمُ بناتُ بناتِ الإخْوةِ والأخوات

(8)

على العَمَّات والخَالاتِ

(1)

ينظر: زاد المسافر 3/ 461.

(2)

أخرجه البخاري (2699)، من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.

(3)

في (م): خالته.

(4)

هكذا في النسخ الخطية، وتبعه في الكشاف (13/ 189) حيث علل تقديم الخالة على العمة بأن صفية لم تطلب، وفي الاستدلال بذلك على المذهب نظر، والصواب: أنه جواب من قال بتقديم العمة على الخالة عن الاستدلال بقصة ابنة حمزة، قال في الفروع 7/ 182:(وعنه عكسه في الكل - أي: يقدم أقارب الأب على أقارب الأم -، اختاره شيخنا وغيره، لأن الولاية للأب، وكذا قرابته، لقوته بها، وإنما قدمت الأم؛ لأنه لا يقوم مقامها هنا في مصلحة الطفل، وإنما قدم الشارع خالة ابنة حمزة على عمتها صفية، لأن صفية لم تطلب، وجعفر طلب نائبًا عن خالتها، فقضى الشارع بها لها في غيبته). وينظر: الاختيارات ص 414.

(5)

قوله: (الأب) مكانه بياض في (م).

(6)

في (م): الخال.

(7)

في (م): خالة.

(8)

قوله: (بنات الإخوة والأخوات) في (م): الأخوات.

ص: 37

ومَن بعدَهنَّ.

وهل

(1)

تُقدَّمُ أمُّ أمِّه على أمِّ أبيهِ، وأخْتُه لِأُمِّه على أَخْتِه لأِبيهِ، وخالَتُه على عَمَّتِه، وخالةُ أمِّه على خالةِ أبيه، وخَالَاتُ أبيه على عَمَّاتِه، ومَنْ أدْلَى بعمة

(2)

وخالةٍ بأمٍّ عَلَى مَنْ أدْلَى بأبٍ، أوْ بالعكس

(3)

؟ فيه رِوايَتانِ.

(وَعَنْهُ: الْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ وَالْخَالَةُ أَحَقُّ مِنَ الْأَبِ، فَتَكُونُ الْأُخْتُ مِنَ الْأَبَوَيْنِ أَحَقَّ)؛ لأِنَّهنَّ نِساءٌ يُدْلِينَ بالأُمِّ، فكُنَّ أَوْلَى من الأَبِ؛ كالجَدَّاتِ، (وَيَكُونُ

(4)

هَؤُلَاءِ أَحَقَّ مِنَ الْأُخْتِ مِنَ الْأَبِ، وَمِنْ جَمِيعِ الْعَصَبَاتِ)؛ لأِنَّهنَّ أحقُّ مِنْ الأَبِ، والأَبُ أحقُّ مِنْ الأْخْتِ مِنْ الأَبِ ومِن جَمِيعِ العَصَباتِ، فَعَلَى هذه: تُقدَّمُ نِساءُ الحَضانة على كلِّ رجلٍ.

وقِيلَ: إنْ لم يُدْلِينَ به.

ويَحتَمِلُ تقديمُ نِساءِ الأمِّ على الأب وجِهَتِه.

وقِيلَ: يُقدَّمُ العَصَبةُ على امْرأةٍ مع قُرْبِه، فإنْ تَساوَيا فَوَجْهانِ.

(قَالَ الْخِرَقِيُّ: وَخَالَةُ الْأَبِ أَحَقُّ مِنْ خَالَةِ الْأُمِّ)، فيُؤخَذُ منه

(5)

: تقديمُ قَرابةِ الأَبِ على قَرابَةِ الأم

(6)

؛ لأِنَّهنَّ يُدْلِينَ بعَصَبةٍ، فَقُدِّمْنَ؛ كتقديمِ الأخْت من الأب على الأُخْتِ من الأُمِّ؛ لأِنَّ الخالاتِ أخَواتُ الأمِّ، فيجرين

(7)

في الاِسْتِحْقاق والتَّقديمِ فِيما بَينَهُنَّ مَجْرَى الأَخَواتِ المفترِقات

(8)

.

(1)

في (م): وقد.

(2)

في (م): بعمته.

(3)

في (م): وبالعكس.

(4)

في (م): تكون.

(5)

في (م): فيدخل من.

(6)

قوله: (على قرابة الأم) سقط من (م).

(7)

في (م): فيجرهن.

(8)

في (م): المتفرقات.

ص: 38

وإن

(1)

قُلْنا بتقديمِ الخالات؛ فبَعدَهُنَّ العَمَّاتُ، والعكسُ

(2)

بالعكس، فإذا عُدِمْنَ انْتَقَلَتْ إلى خالةِ الأب على قَولِ الخِرَقِيِّ، وعلى الصَّحيح: إلى خالةِ الأمِّ.

(ثُمَّ تَكُونُ

(3)

لِلْعَصَبَةِ)، وأقْرَبُهم: أبٌ، ثُمَّ جَدٌّ، ثُمَّ أقْرَبُ عَصَبةٍ على تَرتَيبِ المِيراث، ولأِنَّ لهم وِلايَةً وتعصيبًا بالقرابة، فتثبت

(4)

لهم الحَضانةُ كالأب، بخِلافِ الأجانِبِ، فإنَّه لا قَرابَةَ لهم، ولا شَفَقَةَ.

(إِلاَّ أنَّ

(5)

الْجَارِيَةَ لَيْسَ لاِبْنِ عَمِّهَا حَضَانَتُهَا)، وعلَّله:(لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَحَارِمِهَا)، ولَيسَ هذا خاصًّا بابْنِ العَمِّ، بل يَجْرِي ذلك في كلِّ عصبةٍ غَيرِ مَحرمٍ

(6)

.

وظاهره: ولو كانَتْ مميِّزةً.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : إذا بَلَغَتْ سَبْعًا لم تُسلَّمْ إلَيهِ.

وفي «التَّرغيب» : تُشْتَهَى.

واخْتارَ صاحِبُ «الهَدْيِ» : مُطلَقًا

(7)

، وحِينَئِذٍ: يُسلِّمُها إلى ثِقَةٍ يَختارُها هو، أوْ إلى

(8)

مَحرَمِه؛ لأِنَّه أَوْلَى مِنْ أجنَبِيٍّ وحاكِمٍ.

وهذا إذا لم يكُنْ بَينَهما رَضاعٌ مُحرِّمٌ، فإنْ كان؛ فيَجوزُ له حَضانَتُها.

وكذا قال فِيمَنْ تزوَّجَتْ ولَيسَ للولد غَيرُها، وهذا مُتوَجِّهٌ، ولَيسَ بمُخالِفٍ

(1)

في (م): وإذا.

(2)

قوله: (والعكس) سقط من (م).

(3)

في (م): يكون.

(4)

في (م): فثبتت.

(5)

قوله: (إلا أن) في (م): لأن.

(6)

في (م): محرمه.

(7)

أي: له حضانتها مطلقًا. ينظر: زاد المعاد 5/ 432.

(8)

في (م): وإلى.

ص: 39

للخبر؛ لِعَدَمِ عُمُومِه.

(وَإِذَا امْتَنَعَتِ

(1)

الْأُمُّ مِنْ حَضَانَتِهَا؛ انْتَقَلَتْ إِلَى أُمِّهَا) في أظْهَرِ الوَجْهَينِ؛ لأِنَّ حقَّ القريب سَقَطَ لِمَعْنًى اختصَّ به، فاختصَّ السُّقوطُ به؛ كما لو سَقَطَ لمانع

(2)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَنْتَقِلَ

(3)

إِلَى الْأَبِ)؛ لأِنَّ أمَّهاتِها فَرْعٌ عليها

(4)

في الاِسْتِحْقاق، فإذا أسْقَطَتْ حقَّها؛ سَقَطَ فَرْعُها.

وكذا الخِلافُ في الأب إذا أسقط

(5)

حقَّه، بخلافِ الأُخْتِ للأبَوَينِ، وأنَّها إذا أسْقَطَتْ حقَّها؛ لم يَسقُطْ حقُّ الأخْتِ مِنْ الأب وَجْهًا واحدًا؛ لأِنَّ اسْتِحْقاقَها مِنْ غَيرِ جِهَتِها، وليست

(6)

فَرْعًا عَلَيهَا.

(فَإِنْ عُدِمَ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ؛ فَهَلْ لِلرِّجَالِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ حَضَانَةٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: لَهُمْ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ لهم رَحِمًا وقَرابَةً يَرِثُونَ بِها عِنْدَ عَدَمِ مَنْ هو أَوْلَى منهم، أشْبَهَ البعيدَ مِنْ العَصَبةِ، (فَيَكُونُ أَبُو الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهُ

(7)

أَحَقَّ مِنَ الْخَالِ)؛ لأِنَّه يُسقِطه

(8)

في المِيراثِ.

(وَفِي تَقْدِيمِهِمْ عَلَى الْأَخِ مِنَ الأَمِّ

(9)

وَجْهَانِ):

(1)

في (م): منعت.

(2)

في (م): المانع.

(3)

في (م): ينتقل.

(4)

في (م): عليه.

(5)

في (م): سقط.

(6)

في (م): وليس.

(7)

في (م): وأمهاتها.

(8)

في (م): يسقط.

(9)

قوله: (من الأم) سقط من (م).

ص: 40

أحدهما: يُقدَّمُ الأخُ مِنْ الأم

(1)

؛ لأِنَّه يَرِثُ بالفَرْض، ويُسقِطُ ذَوِي الأرْحامِ كلَّهم، فيُقدَّمُ عَلَيهم في الحَضانَة.

والثَّاني: أبُو الأمِّ وأمَّهاتُه أَوْلَى منه؛ لأِنَّ أبا الأمِّ يُدْلِي إلَيها بالأُبُوَّة، والأخُ يُدْلِي بالبُنُوَّة، والأبُ يُقدَّمُ على الاِبنِ في الوِلايَة، فيُقدَّمُ في الحَضانَة؛ لأنَّها

(2)

وِلايَةٌ.

والوجْهُ الثَّاني: لا حقَّ لهم فيها، ويَنتَقِلُ الأمرُ إلى الحاكم؛ لأِنَّهم لَيسُوا مِمَّنْ يَحْضُنُ بنَفْسِه، ولا لهم وِلايَةٌ؛ لِعَدَمِ تعْصِيبِهم، أشْبَهُوا الأجانِبَ.

(وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ)؛ لِعَجْزِه عنها بخِدْمةِ مَولاهُ، وظاهره

(3)

: ولو كان فيه جُزْءٌ رقيقٌ؛ لأِنَّه لا يَملِكُ نَفْعَه الذي يُحصِّلُ الكفالة

(4)

.

وفي «المغْنِي» ، و «الشَّرح» في مُعْتَقٍ بعضُه

(5)

: قِياسُ قَولِ أحمدَ يَدخُلُ في مُهايَأَةٍ؛ أيْ: له الحَضانةُ في أيَّامه.

وفي «الفنون» : لم يَتعرَّضُوا لأِمِّ ولدٍ

(6)

؛ فلها حضانةُ وَلَدِها مِنْ سيِّدِها، وعَلَيهِ نَفَقَتُها؛ لِعَدَمِ المانِعِ، وهو الاِشْتِغالُ بزَوجٍ وسيِّدٍ.

وقال في «الهَدْيِ» : لا دليلَ على اشْتِراطِ الحُرِّيَّة

(7)

.

(وَلَا فَاسِقٍ)؛ لأِنَّه لا يوفي

(8)

الحَضانَةَ حقها

(9)

، ولا حضانةَ للولد؛ لأِنَّه

(1)

في (م): الأب.

(2)

في (ظ): ولأنها.

(3)

قوله: (وظاهره) سقط من (م).

(4)

في (م): الكفاية.

(5)

زيد في (م): الذي يحصل الكفالة.

(6)

في (م): ولده.

(7)

ينظر: زاد المعاد 5/ 412.

(8)

في (م): لا يؤمن.

(9)

قوله: (حقها) سقط من (م).

ص: 41

يَنشَأُ على طريقتِه، وخالَفَ صاحِبُ «الهَدْيِ»

(1)

؛ لأِنَّه لا يُعرَفُ أنَّ الشَّرعَ فرَّقَ لذلك، وأقرَّ النَّاسَ، ولم يبَيِّنْه بيانًا واضِحًا عامًّا، ولاِحتياط

(2)

الفاسِقِ وشَفَقَتِه على وَلَدِه.

(وَلَا كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ)، بَلْ ضرره

(3)

أعْظَمُ؛ لأِنَّه يَفتِنُه عن دينه، ويُخرِجُه عن الإسلام بتعليمه الكفرَ وتربِيَته عليه، وفي ذلك كلِّه ضَرَرٌ، فكان منفيًّا.

(وَلَا امْرَأَةٍ

(4)

مُزَوَّجَةٍ)، اقْتَصَرَ عليه الخِرَقِيُّ والحلواني

(5)

، وكذا أطْلَقَه أحمدُ

(6)

؛ لقَوله عليه السلام: «أنْتِ أحقُّ به ما لم تَنكِحِي»

(7)

، فجَعَلَ اسْتِحْقاقَها مشروطًا

(8)

بِعَدَمِ النِّكاح.

وشَرْطُه: أنْ تكونَ مُزَوَّجةً (لِأَجْنَبِيٍّ مِنَ الطِّفْلِ)، وكذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأِنَّها تَشتَغِلُ عن الحَضانة بحُقوقِ الزَّوج، وظاهِرُه: ولو رَضِيَ الزَّوجُ.

قال صاحِبُ «الهَدْيِ» : لا يَسقُطُ إنْ رَضِيَ؛ بِناءً على أنَّ سُقوطَها لِمُراعاةِ حقِّ الزَّوج

(9)

.

ومُقْتَضاهُ: أنَّها إذا كانَتْ مُزَوَّجَةً بنَسيبٍ للطِّفل؛ لم يَمنَعْ ذلك من الحضانة.

(1)

ينظر: زاد المعاد 5/ 411.

(2)

في (م): لاحتياط.

(3)

في (م): ضرورة.

(4)

في (م): لمرأةٍ.

(5)

قوله: (والحلواني) سقط من (م).

(6)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 243.

(7)

سبق تخريجه 9/ 35 حاشية (1).

(8)

في (م): مشروطه.

(9)

ينظر: زاد المعاد 5/ 432.

ص: 42

وقِيلَ: لا حَضانَةَ لها وإنْ تزوَّجَتْ بنسيب

(1)

؛ إلاَّ أنْ يكونَ جَدًّا للطِّفل، والأَشْهَرُ: وقَرِيبَه، وهو مَعْنَى قَولِ بعضِهم: ونسيبَه، ويتوجَّهُ احْتَمالٌ: ذا رَحِمٍ مَحرَمٍ.

وعَنْهُ: لها حضانةُ الجاريةِ فَقَطْ إلى سَبْعِ سنينَ؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ عليًّا وجعفرًا وزَيدَ بنَ حارثةَ تَنازَعُوا في حَضانةِ بنتِ حمزةَ، فقال عليٌّ: بنتُ عمِّي، وقال زَيدٌ: بنتُ أخِي - لأِنَّه عليه السلام آخَى بَينَهما -، وقال جعفرٌ: بنتُ عَمِّي وخالَتُها عِنْدِي، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«الخالَةُ أُمٌّ» ، وسلَّمَها إلى جعفرٍ، رواه أبو داودَ بنحوِه

(2)

، فجَعَلَ لها الحَضانةَ وهي مُزَوَّجةٌ؛ لأِنَّ الحاضِنةَ إذا تزوَّجَتْ بمن

(3)

هو مِنْ أهْلِ الحَضانة؛ كالجَدَّة المزوَّجَةِ بالجَدِّ؛ لم تَسقُطْ؛ لأِنَّه يُشارِكُها في الوِلادَة والشفقة عليه

(4)

، أشْبَهَ الأمَّ إذا كانت مُزَوَّجةً بالأب.

وظاهِرُه: لا يُعتَبَرُ الدُّخولُ في الأصحِّ؛ لأِنَّه بالعَقْدِ مَلَكَ مَنافِعَها، واسْتَحَقَّ زَوْجُها مَنْعَها من الحَضانة، أشْبَهَ ما لو دَخَلَ بِها.

والثَّاني: لا تسقط

(5)

إلاَّ بالدُّخول؛ لأنَّ

(6)

به تشتغل

(7)

عن الحَضانة.

فرعٌ: كلُّ عَصَبَتَينِ تَساوَيَا وأحدهما

(8)

متزوِّجٌ بمن

(9)

هي أهلٌ للحضانة

(10)

؛ قُدِّمَ بذلك.

(1)

في (م): بنسب.

(2)

أخرجه البخاري (2699)، وأبو داود (2278).

(3)

في (م): ممن.

(4)

قوله: (عليه) سقط من (ظ).

(5)

في (م): لا يسقط.

(6)

في (م): لأنه.

(7)

في (م): يشتغل.

(8)

في (ظ): أو أحدهما.

(9)

في (م): ممن.

(10)

في (م): الحضانة.

ص: 43

(وَمَتَى زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ)؛ فأسْلَمَ الكافِرُ، وعَقَلَ المجنونُ، وعَتَقَ الرَّقِيقُ، وعُدِّلَ الفاسِقُ؛ (رَجَعُوا إِلَى حَقِّهِمْ مِنْهَا)؛ لأِنَّ سببَها قائمٌ، وإنَّما امْتَنَعَتْ لِمانِعٍ، فإذا زال المانِعُ؛ عاد الحقُّ بالسَّبَبِ السَّابِقِ المُلازِمِ؛ كالزَّوجة إذا طُلِّقَتْ. وعَنْهُ: لا يَعودُ حقُّها في طلاق

(1)

رجعيٍّ بعدَ العِدَّة، وصحَّحه في «المستوعب» ؛ لأِنَّ الزَّوجيَّةَ قائِمةٌ، بدليل أنَّه

(2)

يَلحَقُها طَلاقُه وظِهارُه، فلذلك لا تعودُ إليه قَبْلَ انْقِضاءِ عِدَّتِها.

وجوابُه: أنَّها مُطلَّقةٌ، فعاد حقُّها من الحضانة كالبائن، ونَظِيرُها: لو وَقَفَ على أوْلادِه، فمَن تزوَّج من البنات فلا حقَّ لها، قاله القاضي.

وهل يَسقُطُ حقُّها بإسِقاطها؟ فيه احْتِمالانِ.

فائدةٌ: هل الحَضانةُ حقٌّ للحاضِنِ، أوْ عَلَيهِ؟ فيه قَولانِ.

وهل لِمَنْ له الحضانة أنْ يُسقِطَها ويَنزِلَ عنها؟ فيه قَولانِ.

وأنَّه لا يَجِبُ عليه خِدْمةُ الولد

(3)

أيَّامَ حَضانَتِه إلاَّ بأُجْرةٍ؛ إنْ قُلْنا: الحقُّ له، وإلاَّ وَجَبَتْ عليه خِدْمَتُه مَجَّانًا، وللفقير الأُجْرةُ، على القَولَينِ.

وإنْ وَهَبَت الحضانةَ للأب، وقُلْنا: الحقُّ لها؛ لَزِمَت الهِبةُ، ولم تَرجِعْ فيها، وإنْ قُلْنا: الحقُّ عليها؛ فلها العَودُ إلى طَلَبها، ذَكَرَه في «الهَدْيِ» ، ونَسَبَه إلى

(4)

كلامِ أصحابِ مالِكٍ

(5)

.

(1)

قوله: (في طلاق) سقط من (م).

(2)

في (م): أنها.

(3)

قوله: (الولد) سقط من (م).

(4)

زاد في (ظ): أنه.

(5)

ينظر: زاد المعاد 5/ 404.

ص: 44

(وَمَتَى أَرَادَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ النُّقْلَةَ

(1)

إِلَى بَلَدٍ

(2)

بَعِيدٍ آمِنٍ لِيَسْكُنَهُ؛ فَالأَبُ

(3)

أَحَقُّ)، هذا هو المشهورُ، سَواءٌ كان المقيمُ هو الأَبَ، أوْ المنتَقِلُ؛ لأِنَّه اخْتُلِفَ في

(4)

مَسكَنِهما، فكان الأبُ أحقَّ؛ كما لو انتَقَلَتْ مِنْ بلدٍ إلى قرية

(5)

.

(وَعَنْهُ: الْأُمُّ أَحَقُّ)، وقيَّدَها في «التَّرغيب» و «المستوعب»: بإقامَتِها؛ لأِنَّها أتَمُّ شَفَقَةً، أشْبَهَ ما لو لم يُسافِرْ واحدٌ منهما.

وقِيلَ: للمُقيمِ منهما.

وقال في «الهَدْي» : إنْ أراد المنتَقِلُ مُضارَّةَ الآخَرِ، وانْتِزاعَ الولَدِ؛ لم يُجَبْ إليه

(6)

، بَلْ يُعمَلُ ما

(7)

فيه مصلحةُ الولد، وهو مُرادُ الأصْحابِ.

لكِنَّ الأوَّلَ هو الصَّحيحُ؛ لأِنَّ الأبَ هو الذي يقوم

(8)

بتأديبِ ولَدِه، وتَخريجِه، وحِفْظِ نَسَبِه، فإذا لم يكُنْ في بَلَدِه؛ ضاعَ، أشْبَهَ ما لو كان في قريةٍ.

والبعيدُ هو مَسافة القَصر، جَزَمَ به الأكْثَرُ؛ لأِنَّ ما دُونَه في حُكْمِ القريب، ونَصُّه: ما لم يُمْكِنْه العَودُ في يَومِه

(9)

، اخْتارَه في «المغْنِي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ مُراعاةَ الأب له مُمْكِنةٌ في ذلك، بخِلافِ ما زاد.

(1)

في (م): القفلة.

(2)

قوله: (بلد) سقط من (م).

(3)

زيد في (م): للأم.

(4)

قوله: (في) سقط من (م).

(5)

في (م): قريبة.

(6)

في (ظ): عليه. وينظر: زاد المعاد 5/ 414.

(7)

في (م): بما.

(8)

في (م): يقدم.

(9)

ينظر: الفروع 9/ 345.

ص: 45

(فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ؛ فَالْمُقِيمُ مِنْهُمَا أَحَقُّ)؛ لأِنَّه لا مَعْنَى في انْتِزاعه، وهو صُوَرٌ:

مِنْهَا: إذا كان السَّفرُ لِحاجةٍ ثُمَّ يَعُودُ، فالمقيمُ أَوْلَى؛ لأِنَّ في المسافَرَةِ بالطِّفل إضْرارًا به.

وقِيلَ: لِلأمِّ. وقِيلَ: مع قُرْبِه.

ومِنْهَا: إذا كان الطَّريقُ أو البلدُ الذي يَنتَقِلُ إليه مَخُوفًا؛ فالمقيمُ أحقُّ؛ لأِنَّ في السَّفَر خَطَرًا وتَغريرًا بالولد.

ومِنْهَا: إذا كان للسُّكْنَى مع قُرْبِه، فكذا، وقِيلَ: للأمِّ، فلو انتَقَلَا جميعًا إلى بلدٍ واحِدٍ فالأمُّ على حَضانَتِها، وكما لو أَخَذَه الأبُ، ثُمَّ اجْتَمَعا، فإنَّه يَعُودُ حقُّها.

فرعٌ: غَيرُ الأب مِنْ العَصَباتِ، وغَيرُ الأمِّ مِمَّنْ له الحَضانةُ؛ يَقُومُ مقامَهما

(1)

في ذلك.

(1)

في (م): مقامها.

ص: 46

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا

(1)

بَلَغَ الْغُلَامُ سَبْعَ سِنِينَ) وهو عاقِلٌ؛ (خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ) على المذهب، (فَكَانَ مَعَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا)؛ قَضَى به عمرُ رضي الله عنه، رواهُ سعيدٌ

(2)

، وعليٌّ، رواه الشَّافِعِيُّ والبَيهَقِيُّ

(3)

.

وعَنْهُ: أبوهُ.

وعَنْهُ: أمُّه.

وقِيلَ: حتَّى يأكُلَ، ويَشْرَبَ، ويَتوَضَّأَ، ويلبس

(4)

وحدَه، فيكونُ أبوه أحقَّ به بلا تخييرٍ.

والأوَّلُ هو المنصورُ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ، قال: جاءت امرأةٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقالَتْ: إنَّ زَوجِي يُرِيدُ أنْ يَذهَبَ بابْنِي، وقد سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أبي عنبة

(5)

، ونَفَعَني

(6)

، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «هذا أبوكَ وهذا أمُّك، فخُذ

(7)

بِيَدِ أيِّهما شِئْتَ»، فأخَذَ بِيَدِ أمِّه، فانْطَلَقَتْ به، رواه الشَّافِعيُّ، وأحمدُ، والتِّرْمذِيُّ وصحَّحه، ورجالُه ثِقاتٌ

(8)

، ولأِنَّه إذا مَالَ إلى أحَدِ أبَوَيهِ دلَّ على أنَّه أرْفَقُ به وأشْفَقُ عليه.

(1)

في (م): إذا.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور (2/ 141)، وابن أبي شيبة (19115)، والبيهقي في الكبرى (15762)، عن عبد الرحمن بن غنم:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير غلامًا بين أبيه وبين أمه» ، وإسناده صحيح. ينظر: الإرواء 7/ 251.

(3)

أخرجه الشافعي في الأم (5/ 99)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (15761)، عن عمارة الجرمي، قال:«خيرني علي رضي الله عنه بين أمي وعمي» ، وسنده قوي.

(4)

قوله: (ويلبس) سقط من (م).

(5)

في (ظ): عبيدة.

(6)

قوله: (ونفعني) سقط من (م).

(7)

في (م): فخذي.

(8)

أخرجه الشافعي كما في مسنده (ص 288)، وأحمد (9771)، وأبو داود (2277)، والترمذي (1357)، والنسائي (3496)، وابن ماجه (2351)، وصححه الترمذي وابن حبان وابن القطان والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 39، الإرواء 7/ 250.

ص: 47

وقُيِّد

(1)

بالسَّبْع؛ لأِنَّها أوَّلُ حالٍ أمَرَ الشَّرعُ فيها بمُخاطَبَتِه بالصَّلاة، بخِلافِ الأمِّ، فإنَّها قُدِّمَتْ في حالِ الصِّغَر؛ لِحاجَتِه إلى حَمْله ومُباشَرَةِ خِدْمَتِه؛ لأِنَّها أعْرَفُ بذلك.

وهذا إذا كانا من أهلِ الحضانة، فإنْ كانا مَعدُومَينِ، أوْ مِنْ غَيرِ أهْلِها؛ فإلى

(2)

امْرأةٍ؛ كأُخْتِه أوْ عمَّتِه، فإنَّها تَقُومُ مَقامَ الأمِّ.

فلو بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ غَيرَ مُمَيِّزٍ، أوْ خَمْسَ عَشرةَ مَعْتوهًا؛ فأُمُّه.

فلو اخْتارَ الصَّبِيُّ أباهُ، ثُمَّ زالَ عَقْلُه؛ رُدَّ إلى الأمِّ.

وعُلِمَ منه: أنَّه

(3)

لا حَضانةَ على البالِغِ الرَّشيد، ويُقِيمُ أيْنَ شاءَ وأَحَبَّ، ويُستَحَبُّ ألاَّ يَنفَرِدَ عنهما.

فأمَّا الجارِيَةُ؛ فلَيسَ لها ذلك، ولأِبِيهَا مَنْعُها منه، فإنْ لم يكُنْ لها أبٌ؛ قام الوليُّ مَقامَه.

(فَإِنِ اخْتَارَ أَبَاهُ؛ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلاً وَنَهَارًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ)؛ لِمَا فيه من الإغْراء بالعُقوقِ، وقَطِيعةِ الرَّحِمِ.

(وَلَا تُمْنَعُ هِيَ تَمْرِيضَهُ)؛ لأِنَّه صَارَ بالمرض كالصَّغير في الحاجة.

(وَإِنِ اخْتَارَ أُمَّهُ؛ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلاً)؛ لأِنَّه مُستَحَقٌّ الحضانةَ، (وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا؛ لِيُعَلِّمَهُ

(4)

الصِّنَاعَةَ وَالْكِتَابَةَ، وَيُؤَدِّبَهُ)؛ لأِنَّ ذلك هو القَصْدُ مِنْ حِفْظِ الولَدِ.

(1)

في (م): وقيده.

(2)

في (م): قال.

(3)

في (م): أن.

(4)

في (ظ): لتعلم.

ص: 48

(فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الآْخَرَ؛ نُقِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنِ

(1)

اخْتَارَ الْأَوَّلَ؛ رُدَّ إِلَيْهِ)، هكذا أبدًا؛ لأِنَّ هذا اخْتِيارُ تَشَهٍّ، وقد يَشْتَهِي أحدَهما في وَقْتٍ دُونَ آخَرَ، فأُتْبِعَ ما يشتهيه

(2)

.

وقِيلَ: إنْ أسْرَفَ فَبَانَ نَقِيضُه؛ أخَذَتْه أمه

(3)

، وقِيلَ: مَنْ قَرَعَ.

ولا يُقَرُّ بِيَدِ مَنْ لا يَصونُه ويُصلِحُه.

(فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ أَحَدَهُمَا؛ أُقْرِعَ

(4)

بَيْنَهُمَا)؛ لأنه

(5)

لا مَزِيَّةَ لأِحَدِهِما على الآخَرِ.

وفي «التَّرغيب» احْتِمالٌ: أمُّه أحقُّ؛ كبُلوغِه غَيرَ رَشِيدٍ.

وإذا قُدِّمَ أحَدُهما بالقُرْعة، ثُمَّ اخْتَارَ الآخَرَ؛ نُقِلَ إلَيهِ.

(وَإِنِ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي الْحَضَانَةِ؛ كَالْأُخْتَيْنِ؛ قُدِّمَ أَحَدُهُمَا بِالْقُرْعَةِ)؛ أيْ: قَبْلَ السَّبْع، ويَكونُ لِمَنْ اخْتارَه الطِّفْلُ بعدَها إنْ خُيِّرَ.

فرعٌ: سائرُ العَصَبة كالأب في التَّخْييرِ، والإقامةِ، والنُّقْلة بالطِّفل إنْ كان مَحرَمًا.

وذُو الحَضانة

(6)

مِنْ عَصَبةٍ وذَوِي رَحِمٍ في التَّخيير مع الأمِّ كالأب

(7)

.

وحَضانَةُ رقيقٍ لسيِّدِه، فإنْ كان بعضُه حُرًّا؛ تَهايَأ

(8)

فيه سيِّدُه وقَرِيبُه.

(1)

قوله: (إن) سقط من (ظ).

(2)

في (م): يشتهي.

(3)

قوله: (أخذته أمه) في (م): أمدته.

(4)

في (م): أقر.

(5)

قوله: (لأنه) سقط من (م).

(6)

كذا في النسخ الخطية، وجعله في الرعاية ص 1155، وتبعه في الإنصاف 24/ 493 قولاً آخر، فقال: وقيل: ذو الحضانة.

(7)

في (م): الأب كالأم.

(8)

في (م): يهايأ بها.

ص: 49

(وَإِذَا بَلَغَتِ الْجَارِيَةُ سَبْعًا؛ كَانَتْ عِنْدَ أَبِيهَا)؛ لأِنَّ الغَرَضَ مِنْ الحَضانَةِ الحظ

(1)

، وهو لها بعدَ السَّبْع؛ لأِنَّها تَحتاجُ إلى الحِفْظ، وإنَّما تُخطَبُ مِنْ أبِيهَا، فكانَ أَوْلَى من غَيرِه.

وعَنهُ: الأمُّ أحقُّ، قال في «الهَدْيِ»: وهِيَ الأَشْهَرُ عن أحمدَ، وأصحُّ دليلاً

(2)

.

وعَنْهُ: يُخيَّرُ.

وجَوابُه: أنَّ الشَّرْعَ لم يَرِدْ بها فِيهَا، والفَرْقُ بَينَهُما واضِحٌ.

والمذْهَبُ الأوَّلُ، تَبَرَّعَتْ بِحَضانَتِه أمْ لا.

وعَنْهُ: بَعْدَ تِسْعٍ.

فإنْ بَلَغَتْ؛ فهِيَ عِندَه حتَّى يَتَسلَّمَها زَوجٌ.

وعَنْهُ: عِنْدَها.

وقِيلَ: إنْ حُكِمَ بِرُشْدِها؛ فحَيْثُ أَحَبَّتْ؛ كغُلامٍ، وقاله في «الواضح» ، وخرَّجه على عَدَمِ إجْبارِها، والمراد: بشرط

(3)

كَونها مَأْمونَةً.

(وَلَا تُمْنَعُ الْأُمُّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَتَمْرِيضِهَا)؛ لأِنَّ الحاجةَ داعِيَةٌ إلى ذلك، وهي أحقُّ بالستر

(4)

والصِّيانة؛ لأِنَّها مُخدَّرةٌ، بخِلافِ أُمِّها، فإنَّها تَخرَّجَتْ وعَرَفَتْ وعَقَلَتْ، فلا يُخافُ عَلَيها.

فرعٌ: لم أقِفْ في الخُنْثَى المشْكِلِ بَعْدَ البُلوغِ عَلَى نَقْلٍ، والذي يَنبَغِي أنْ يكونَ كالبِنْتِ البِكْرِ، حتَّى يَجِيءَ في جِوازِ اسْتِقْلاله وانْفِرادِه عن أبَوَيهِ

(1)

في (م): الحضن. وفي الكشاف 13/ 200: الحفظ.

(2)

ينظر: زاد المعاد 5/ 417.

(3)

في (م): يشرط.

(4)

في (م): بالسير.

ص: 50

الخِلافُ، واللهُ أعلم

(1)

.

(1)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بخط المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 51

(كِتَابُ الْجِنَايَاتِ)

(1)

وهي جَمْعُ جِنايَةٍ، وجُمِعَتْ وإنْ كانَتْ مَصْدَرًا؛ لِتَنوُّعِها إلى عَمْدٍ، وشِبْهِ عَمْدٍ، وخطأ

(2)

، والمُرادُ بها

(3)

: جِناياتُ الجِراحة ونحوِها.

وهي: كلُّ فِعْلٍ عُدْوانٍ على نَفْسٍ أوْ مالٍ، لكنَّها في العُرف مَخصوصةٌ بما يَحصُلُ فيه التَّعدِّي على الأَبْدانِ بما يُوجِبُ قِصاصًا أوْ نحوه

(4)

، وسَمَّوا الجِنايَةَ على الأَمْوال: غَصْبًا، ونَهْبًا، وسَرِقةً، وإتْلافًا.

وأجْمَعَ العُلَماءُ على تحريمِ القَتْل بغَيرِ حقٍّ

(5)

، وسَنَدُه قَولُه تعالَى:{وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} [الأنعَام: 151]، وقَولُه صلى الله عليه وسلم: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مسلم

(6)

يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنِّي رسولُ اللهِ إلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفْس، والتَّارِكُ لِدِينِه المُفَارِقُ للجَماعةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حديثِ ابنِ مَسعودٍ

(7)

.

فإذا فَعَلَ، ثُمَّ تابَ؛ قُبلت توبته

(8)

عِنْدَ الأكْثَرِ؛ لِلآية، والخَبَرِ المتَّفَقِ عَلَيهِ

(9)

، وكالكافِرِ.

(1)

من هنا بدأت المقابلة على النسخة (ن)، وكتب في بدايتها: بسم الله الرحمن الرحيم.

(2)

في (م): وبخطأ.

(3)

في (م): أنها.

(4)

في (م): ونحوه.

(5)

ينظر: الحاوي للماوردي 12/ 6، مراتب الإجماع ص 137.

(6)

قوله: (مسلم) سقط من (م).

(7)

أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676).

(8)

قوله: (توبته) سقطت من (ظ) و (ن).

(9)

وهو حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوني في معروف، فمن وفى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به في الدنيا فهو له كفارة، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله فأمره إلى الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه» ، أخرجه البخاري (3892)، ومسلم (1709).

ص: 53

وعَنْهُ: لا تُقبَلُ، ذَكَرَها أبو الخَطَّاب في «انْتِصاره» ، وهي قَولُ ابنِ عبَّاسٍ

(1)

؛ لقوله تعالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا

(93)} [النِّسَاء: 93].

وحُمِلَتْ على مَنْ قَتَلَه مُستَحِلًّا ولم يتب

(2)

، أوْ على أنَّ هذا جزاؤه إنْ جازاهُ اللهُ تعالى.

(الْقَتْلُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَضْرُبٍ: عَمْدٌ، وَشِبْهُ

(3)

عَمْدٍ، وَخَطَأٌ، وَمَا أُجْرِيَ مُجْرَى الخَطَأِ)، كذا ذَكَرَه المؤلِّفُ تَبَعًا لِأَبِي الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» .

وَوَجْهُه: أنَّه إذا قَصَدَ قَتْلَه بما يصلُحُ غالِبًا عُرْفًا فهو عَمْدٌ، وإنْ كان

(4)

بما لا

(5)

يَصلُحُ للقَتْل غالِبًا فهو شِبْهُ عَمْدٍ، وإنْ لم يَقصِد القَتْلَ فهو خَطَأٌ، وما ألحق

(6)

به؛ كالقَتْل بالسَّبَب، وكالنائم

(7)

يَنْقَلِبُ على إنْسانٍ.

لكِنَّ الأَوْلَى: أنَّ الحُكْمَ الشَّرعيَّ لا يَزيدُ على ثلاثةٍ: عَمْدٌ، وشِبْهُ عَمْدٍ، وخَطَأٌ، صرَّح

(8)

به الخِرَقِيُّ، والمؤلِّفُ في «الكافي» ، والمجْدُ في «مُحرَّره» ،

(1)

أخرجه البخاري (4590)، ومسلم (3023)، عن سعيد بن جبير، قال: آية اختلف فيها أهل الكوفة، فرحلت فيها إلى ابن عباس رضي الله عنهما فسألته عنها، فقال:«نزلت هذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء» ، وعند مسلم:«فأما من دخل في الإسلام وعقله، ثم قتل، فلا توبة له» .

(2)

في (م): ولم يثبت.

(3)

في (م): أو شبه.

(4)

قوله: (بما يصلح غالبًا عرفًا فهو عمد، وإن كان) سقط من (م) و (ن).

(5)

قوله: (لا) سقط من (م).

(6)

في (م): ألحقوا.

(7)

في (م): كالنائم.

(8)

في (م): وصرح.

ص: 54

والجَدُّ في «فُروعه» ؛ لأِنَّ ما أُجْرِيَ مجْرَى الخطأِ خَطَأٌ؛ لأِنَّ فاعِلَه لم يَقصِدْه؛ إذ

(1)

هُو من

(2)

فِعْلِ مَنْ لا يَصِحُّ قَصْدُه.

(فَالْعَمْدُ)، يَختَصُّ القَوَدُ به:(أَنْ يَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ، عَالِمًا بِكَوْنِهِ آدَمِيًّا مَعْصُومًا)، هذا بيانٌ للعَمْد المُوجِبِ للقِصاصِ شَرْعًا، فالأوَّلُ: احْتِرازٌ مِنْ شِبْهِ العَمْد، وبالثَّاني: احْتِرازٌ مِنْ الخَطَأ، وبالثَّالِث وهو «معصومًا»: احْتِرازٌ من الحربي

(3)

ونحوِه؛ لأنَّه

(4)

غَيرُ مَعْصومٍ.

(وَهُوَ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ)، وسيأتِي بَيانُها.

(أَحَدُهَا: أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ مَوْرٌ)؛ أيْ: نُفُوذٌ (فِي الْبَدَنِ؛ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ)؛ كرَصاصٍ وذَهَبٍ وفِضَّةٍ، فهذا كلُّه إذا جَرَحَه جُرْحًا كبيرًا فماتَ، فهو عَمْدٌ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(5)

، ولو طالَتْ عِلَّتُه منه، (مِثْلَ: أَنْ يَجْرَحَهُ بِسِكِّينٍ، أَوْ يَغْرِزَهُ بِمِسَلَّةٍ فَيَمُوتَ)، فهذا عَمْدٌ مَحْضٌ.

ثمَّ

(6)

أشار إلى مَحَلِّ الخِلاف، فقال:(إِلاَّ أَنْ يَغْرِزَهُ بِإِبْرَةٍ، أَوْ شَوْكَةٍ، وَنَحْوِهِمَا)؛ كشَرطةِ

(7)

الحَجَّام، (فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ، فَيَمُوتَ فِي الْحَالِ؛ فَفِي كَوْنِهِ عَمْدًا وَجْهَانِ)، وجُمْلَتُه: أنَّه

(8)

إذا جَرَحَه جُرْحًا صغيرًا في غَيرِ مَقتَلٍ، فمات في الحال:

فقال ابنُ حامِدٍ: لا قَوَدَ فيه؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه لم يمت

(9)

منه كَالْعَصَا.

(1)

في (م): أو.

(2)

قوله: (من) سقط من (م).

(3)

في (م): الجزائي.

(4)

في (م): وهو.

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 120.

(6)

قوله: (ثم) مكانه بياض في (م).

(7)

في (م) و (ن): كشرط.

(8)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(9)

في (م): لم يجب.

ص: 55

والثَّاني، وهو الأَشْهَرُ: فِيهِ القِصاصُ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ المحدَّد

(1)

لا يُعتَبَرُ فيه غَلَبةُ الظَّنِّ في حُصولِ القَتْل به، بدليلِ ما لو قَطَعَ شَحْمَةَ أُذنِه أوْ أَنْمَلَتَه، ولأِنَّه لمَّا لم يمكن

(2)

إدارةُ الحُكْمِ وضَبْطُهُ بغَلَبةِ الظَّنِّ؛ وَجَبَ رَبْطُه بكَونِه محددًا

(3)

، ولأِنَّ في البَدَن مَقاتِلَ خَفِيَّةً، وهذا له سِرايَةٌ ومَورٌ، أشْبَهَ الجُرْحَ الكبير.

(وَإِنْ بَقِيَ مِنْ ذَلِكَ ضَمِنًا)؛ أيْ: مُتأَلِّمًا، وهُو بفَتْح الضَّاد وكَسْرِ الميم، وقال الجَوهَريُّ: هو الذي به الزَّمانَةُ في جَسَدِه

(4)

، وقِيلَ: هو الذي لَزِمَه عِلَّةٌ، (حَتَّى مَاتَ)، فاتَّفَقُوا على أنَّ فِيهِ القَوَدَ، قالَهُ في «الشَّرح» و «التَّرغيب» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّه ماتَ منه.

وقِيلَ: لا يَجِبُ به

(5)

القِصاصُ؛ لأِنَّه لَمَّا احْتَمَلَ حُصولَ الموت بغَيرِه ظاهِرًا؛ كان شبهةً

(6)

في دَرْءِ القِصاصِ.

(أَوْ كَانَ الْغَرْزُ بِهَا فِي مَقْتَلٍ؛ كَالْفُؤَادِ، وَالْخُصْيَتَيْنِ)، والعَينِ، والخَاصِرة، والصُّدْغ، وأصْلِ الأُذن؛ (فَهُوَ عَمْدٌ مَحْضٌ)؛ لأِنَّ الإصابةَ بذلك في مَقتَلٍ؛ كالإصابة بالسِّكِّين في غَيرِ مَقتَلٍ، وكذا إنْ بالَغَ في إدْخالِ الإبْرة ونحوِها في البدن؛ لأِنَّه يَشتَدُّ أَلَمُه، ويُؤدِّي إلى القَتْلِ؛ كالكبير.

(وَإِنْ قَطَعَ سِلْعَةً) خَطِرَةً، أَوْ بَطَّها (مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَمَاتَ؛ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ)؛ لأِنَّه متعَدٍّ

(7)

بفِعْلِه، أشْبَهَ ما لَوْ قَتَلَه.

(1)

في (م): المجد.

(2)

في (م): لم يكن.

(3)

في (م): محدودًا.

(4)

ينظر: الصحاح 6/ 2155.

(5)

في (م): فيه.

(6)

في (م): أشبه.

(7)

في (م): متعذر.

ص: 56

(وَإِنْ قَطَعَهَا

(1)

حَاكِمٌ مِنْ صَغِيرٍ) أوْ مَجنونٍ، (أَوْ وَلِيُّهُ؛ فَلَا قَوَدَ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه فَعَلَه لمصْلَحَتِه، أشْبَهَ ما لو خَتَنَه، ولو عبَّر بقَوله:(وإنْ قَطَعَها من صغيرٍ ونحوِه وَلِيُّه)؛ لَكانَ أَوْلَى؛ لشموله

(2)

الحاكِمَ وغَيرَه.

(الثَّانِي: أَنْ يَضْرِبَهُ بِمُثَقَّلٍ

(3)

كَبِيرٍ فَوْقَ عَمُودِ الْفُسْطَاطِ)، وهو بَيتٌ مِنْ شَعَرٍ، وعَمُودُه الخَشَبةُ التي يَقُومُ عليها، قال القاضي: وهو ما فِيهِ دِقَّة

(4)

ورَشاقَةٌ.

وحاصِلُه: أنَّه إذا

(5)

قَتَلَه بمثقَّل

(6)

يَغلِبُ على الظَّنِّ حُصولُ الزُّهُوقِ به عِنْدَ اسْتِعْماله؛ فهو عَمْدٌ مُوجِبٌ للقِصاص، وهو قَولُ النَّخَعيِّ، والزُّهْرِيِّ، وابنِ سِيرِينَ، والأكثرِ؛ لقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البَقَرَة: 178]، ولِمَا رَوَى أنس

(7)

: أنَّ يهوديًّا قَتَلَ جارِيَةً على أوْضاحٍ لها بحَجَرٍ، فَقَتَلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم

(8)

بَينَ حَجَرَينِ

(9)

، ولِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ، قال: قام فينا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

(10)

فقال: «ومَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ؛ فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ إمَّا أنْ يُودَى، وإمَّا أنْ يُقادَ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِما

(11)

، ولأِنَّ المثَقَّلَ يَقتُلُ غالِبًا، فَوَجَبَ

(1)

في (م): قطعه.

(2)

في (م): سؤاله.

(3)

في (م): بمقتل.

(4)

في (م): دية.

(5)

قوله: (إذا) سقط من (م).

(6)

في (م): بمقتل.

(7)

قوله: (أنس) سقط من (م).

(8)

قوله: (بحجر، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم سقط من (م).

(9)

أخرجه البخاري (6877)، ومسلم (1672).

(10)

زيد في (م): بحجر، فقتله النبي صلى الله عليه وسلم.

(11)

أخرجه البخاري (112)، ومسلم (1355).

ص: 57

القِصاصُ به؛ كالمحدد

(1)

.

ومُقْتَضاهُ: أنَّه إذا ضَرَبَه بمِثْلِ عَمُودِ الفُسْطاط؛ أنَّه لا يَجِبُ القَوَدُ، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأِنَّه عليه السلام لَمَّا سُئِلَ عن المرأة التي ضَرَبَتْ جارَتَها بعَمودِ الفُسْطاط، فَقَتَلَتْها وجَنِينَها؛ فَقَضَى في الجَنِينِ بغُرَّةٍ، وقَضَى بالدِّيَة على عاقِلَتِها، ولا شَكَّ أنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ ما يُوجِبُ القِصاصَ.

ونَقلَ ابنُ مشيش عنه: أنَّه يَجِبُ

(3)

، ولعلَّه ضَرَبه بالعَمُود الذي يتَّخِذُه التُّرْكُ لِخِيَمِهم، فإنَّه يَقتُلُ غالِبًا.

(أَوْ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ يَمُوتُ بِهِ

(4)

؛ كَاللُّتِّ)، وهو بضمِّ اللاَّمِ، نَوعٌ مِنْ آلةِ السِّلاح مَعروفٌ في زمانِنا، وهو لَفْظٌ مُولَّدٌ ليس

(5)

مِنْ كلامِ العَرَب، (وَالْكُوذَيْنِ)، وهو لَفْظٌ مُوَلَّدٌ أيضًا، وهو عِبارةٌ عن

(6)

الخشَبَة الثَّقيلة التي يَدُقُّ بها الدَّقَّاقُ الثِّيابَ، (وَالسَّنْدانِ)، الظَّاهِرُ أنَّه مُوَلَّدٌ، وهو عِبارَةٌ عن الآلة المعروفةِ من الحديد الثَّقيلة يَعمَلُ عَلَيها الحَدَّادُ صِناعَتَه، (أَوْ حَجَرٍ كَبِيرٍ)؛ لاِشْتِراكِ الكلِّ

(7)

في كَونِه يَقتُلُ غالِبًا، ولأِنَّ القِصاصَ هنا لكَونِه مُثقَّلاً، فلا أَثَرَ للفَرْقِ.

(أَوْ يُلْقِي عَلَيْهِ حَائِطًا، أَوْ سَقْفًا، أَوْ يُلْقِيهِ مِنْ شَاهِقٍ)؛ لاِشْتِراكِ الكلِّ في القَتْل.

(أَوْ يُعِيدُ الضَّرْبَ بِصَغِيرٍ)؛ كالْعَصَا، والحَجَرِ الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّ الإعادةَ تَقُومُ

(1)

في (م): كالحدود.

(2)

ينظر: مسائل صالح 1/ 202، مسائل عبد الله ص 242، مسائل ابن منصور 7/ 3341.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 351.

(4)

قوله: (به) سقط من (م).

(5)

قوله: (ليس) سقط من (م).

(6)

في (م): في.

(7)

في (ن): الظن.

ص: 58

مقام

(1)

المثَقَّلِ الكبيرِ، كذا نَقَلَه أبو طالِبٍ

(2)

، (أَوْ يَضْرِبُهُ بِهِ

(3)

مرَّةً (فِي مَقْتَلٍ

(4)

؛ لأِنَّ القَتْلَ حَصَلَ به، وفيهما

(5)

وَجْهٌ في «الواضح» ، وفي الأُولَى في «الانتصار»: هو

(6)

ظاهر كَلامِه.

(أَوْ فِي حَالِ ضَعْفِ قُوَّةٍ؛ مِنْ مَرَضٍ، أَوْ صِغَرٍ، أَوْ كِبَرٍ، أَوْ حَرٍّ، أَوْ بَرْدٍ، وَنَحْوِهِ)؛ لأنَّه

(7)

قَتَلَه بما يَقتُلُ غالِبًا، أشْبَهَ المثَقَّلَ الكبيرَ، ومِثْلُه: لو قَتَلَه بلَكْمَةٍ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وفي

(8)

«الرعاية» : يَعلَمُه، وقِيلَ: أوْ يَجْهَلُه، فإنْ قال: لم أقْصِدْ قَتْلَه؛ لم يُصدَّقْ.

(الثَّالِثُ: أَلْقَاهُ

(9)

فِي زُبْيَةِ

(10)

أَسَدٍ)، الزُّبْيةُ

(11)

: بوَزْنِ غُرْفَةٍ، وهي الرَّابِيةُ الَّتي

(12)

لا يَعلُوها الماءُ، (أَوْ أَنْهَشَهُ

(13)

، بالمعْجَمةِ والمُهْمَلة سَواءٌ، وقِيلَ: بالمُهمَلةِ الأخْذُ بأطْرافِ الأسْنان، وبالمعْجَمةِ بالأضراس

(14)

، (كَلْبًا، أَوْ سَبُعًا، أَوْ حَيَّةً، أَوْ أَلْسَعَهُ

(15)

عَقْرَبًا مِنَ الْقَوَاتِلِ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَقَتَلَهُ).

(1)

قوله: (مقام) سقط من (م).

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 402.

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

(4)

في (م): مثقل.

(5)

في (م): وفيها.

(6)

في (م): وهو.

(7)

في (م): لأن.

(8)

في (م): في.

(9)

في (م): ألقاؤه.

(10)

في (م): زريبة.

(11)

في (م): الزريبة.

(12)

قوله: (التي) سقط من (م).

(13)

في (م): نهشه.

(14)

في (ن): الأضراس.

(15)

في (م): لسعه.

ص: 59

نقول

(1)

: إذا جَمَعَ بَينَه وبَينَ سَبُعٍ أَوْ نَمِرٍ في مكانٍ ضيِّقٍ؛ كزُبْيةٍ ونحوِها، فَقَتَلَه؛ فهو عَمْدٌ فيه

(2)

القَوَدُ؛ لأِنَّه إذا تعمَّد الإلْقاءَ؛ فقد تعمَّدَ قَتْلَه بما يقتل

(3)

غالِبًا.

وإنْ فَعَلَ به فِعْلاً لو فَعَلَه الآدَمِيُّ لم يكُنْ عَمْدًا؛ لم يَجِب القَودُ؛ لأِنَّ السَّبُعَ صار آلَةً للآدَمِيِّ، فكان فِعلُه كفعله

(4)

.

فإنْ ألْقاهُ مكتوفًا في فضاء

(5)

، فقتله؛ فعليه القود، وكذا إنْ جَمَعَ بَينَه وبَينَ حيةٍ

(6)

في مكانٍ ضيِّقٍ، فنَهَشَتْهُ وقتلته

(7)

.

وقال القاضِي: لا يَجِبُ الضَّمانُ في الصُّورَتَينِ؛ لأِنَّ الأسَدَ والحَيَّةَ يَهرُبانِ مِنْ الآدَمِيِّ.

وجَوابُه: أنَّ هذا يَقتُلُ غالِبًا، فكان عَمْدًا مَحْضًا، والأَسَدُ يَأخُذُ الآدَمِيَّ المُطلَقَ فكَيفَ يَهرُبُ مِنْ مَكتُوفٍ؟ والحية إنَّما تهرب

(8)

في مكانٍ واسِعٍ.

وذَكَرَ القاضِي فِيمَنْ أُلْقِيَ مكتوفًا في أرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أوْ ذاتِ حيَّات فقتلْنَه

(9)

: أنَّ في وُجوبِ القِصاصِ رِوايَتَينِ، وهذا يُناقِضُه، فإنَّه نَفَى الضَّمانَ بالكُلِّيَّةِ في صُورةٍ كان القَتْلُ فِيهَا أغْلَبَ، وأوْجَبَ القصاص

(10)

في صورةٍ كان

(1)

في (م): تقول.

(2)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(3)

زيد في (م): به.

(4)

قوله: (كفعله) سقط من (م).

(5)

قوله: (في فضاء) سقط من (ن).

(6)

في (م): حاجة.

(7)

في (م): فنهشه وقتله.

(8)

قوله: (والحية إنما تهرب) في (م): إنما يهرب.

(9)

في (م): فقتله.

(10)

قوله: (وهذا يناقضه

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 60

أندر

(1)

، والأصحُّ: أنَّه لا قِصاصَ هنا، ويَجِبُ الضَّمانُ؛ لأِنَّه فَعَلَ فِعْلاً تلف

(2)

به، وهو لا يَقتُلُ مِثْلُه غالِبًا.

وقَولُه: (مِنَ القَوَاتِلِ) يَحتَرِزُ به عن حيَّةِ الماء، وثُعْبانِ الحِجاز، أوْ سَبُعٍ صغيرٍ، فقِيلَ: هو شِبْهُ عَمْدٍ؛ كالسَّوط، وكما لو كتَّفَه وطَرَحَه في أرض غير

(3)

مَسْبَعَةٍ فَقَتَلَه سَبُعٌ، أوْ نهشته

(4)

حيَّةٌ فماتَ، وقِيلَ: عَمْدٌ.

فرع

(5)

: قال ابنُ حَمْدانَ: إذا أغْرَى كَلْبَه على رجلٍ فقَتَلَه؛ لم يَضمَنْ، بخِلافِ ما لو عَقَرَه، أوْ خَرَقَ ثَوبَه.

(الرَّابِعُ: أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ يُغْرِقُهُ، أَوْ نَارٍ لَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا، فَمَاتَ بِهِ

(6)

؛ لأِنَّ الموتَ حَصَلَ بَعْدَ فعلٍ

(7)

يَغلِبُ على الظَّنِّ إسْنادُ القَتْلِ إليه، فَوَجَبَ كَونُه عَمْدًا.

وظاهِرُه: أنَّه إذا ألْقاهُ في ماء يسيرٍ، فلَبِثَ فيه

(8)

اخْتِيارًا حتَّى ماتَ؛ فَهَدَرٌ.

وإنْ تَرَكَهُ في نارٍ يُمكِنُه التَّخلُّصُ منها، فلم يَخرُجْ حتَّى مَاتَ؛ فلا قَوَدَ، ولا يَضمَنُ في وَجْهٍ؛ لأِنَّه مُهلِكٌ لنفسه بإقامَتِه؛ كماءٍ يسيرٍ في الأصحِّ، لكِنْ يَضمَنُ ما أصَابَت النَّارُ منه.

ويَضمَنُه في آخَرَ؛ لأِنَّه جانٍ بالإلْقاءِ المُفْضِي إلى الهلاك؛ لأِنَّ يسيرَ النَّار

(1)

في (م) و (ن): أنذر.

(2)

في (م): أتلف.

(3)

قوله: (غير) سقط من (ظ).

(4)

في (ظ) و (ن): نهشه.

(5)

في (م) و (ن): مسألة.

(6)

في (م): بها.

(7)

قوله: (بعد فعل) في (ن): بفعل.

(8)

قوله: (يسير فلبث فيه) في (ن): بئر.

ص: 61

مُهلِكٌ، بخِلافِ يسيرِ الماء.

وقِيلَ: إنْ قَدَرَ أنْ يَنجُوَ منهما، فلم يَفعَلْ حتَّى مات؛ وَجَبَت الدِّيَةُ.

مسألةٌ: إذا حَفَرَ في بَيته بِئرًا، وستَرَه

(1)

لِيَقَعَ فيه أحدٌ، فَوَقَعَ فمات، وقد دَخَل بإذْنِه؛ فهو عَمْدٌ.

وقِيلَ: لا

(2)

؛ كما لو دَخَلَ بلا إذنه، أوْ كانَتْ مكشوفةً بحَيثُ يراها الدَّاخِلُ.

ويُقبَلُ قَولُ المالك في عَدَمِ الإذْنِ.

(الْخَامِسُ: خَنَقَهُ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ)، وهو نَوعَانِ:

أحدُهما: أنْ يَخنُقَه بحَبْلٍ في عُنُقِه، ثُمَّ يُعلِّقَه في خَشَبةٍ أوْ نَحوِها، فيَموتَ؛ فهو عَمْدٌ، سَواءٌ ماتَ في الحال، أوْ بَقِيَ زَمَنًا؛ لأِنَّ هذا جَرَتْ به عادةُ اللُّصوص والمفسدين

(3)

.

الثَّاني: أنْ يَخنِقَه وهو على الأرض.

(أَوْ سَدَّ أَنْفَهُ وَفَمَهُ

(4)

حتَّى مَاتَ؛ أيْ: فَعَلَ ذلك في مُدَّةٍ يَمُوتُ في مِثْلِها غالِبًا، فهو عَمْدٌ، وهو قَولُ عمرَ بنِ عبد العزيز والنَّخَعِيِّ، وإنْ كان في مُدَّةٍ لا يَمُوتُ في مثلِها

(5)

غالبًا

(6)

؛ فهو عَمْدُ خطأٍ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وظاهِرُه: أنَّه يُعتَبَرُ سَدُّهما جميعًا؛ لأِنَّ الحياة في الغالب لا تَفُوتُ إِلاَّ بسدِّهما، نقل

(7)

أبو داودَ:

(1)

قوله: (بئرًا وستره) في (م): ممرًا فستره.

(2)

قوله: (وقيل: لا) سقط من (م).

(3)

في (م): المفسدين.

(4)

في (م): أو فمه.

(5)

في (م): بمثلها.

(6)

قوله: (فهو عمد، وهو قول عمر بن العزيز

) إلى هنا سقط من (ن).

(7)

في (م): سدهما فقل.

ص: 62

إذا غَمَّه حتَّى يقتله

(1)

؛ قُتِلَ به

(2)

.

(أَوْ عَصَرَ خُصْيَتَيْهِ

(3)

حَتَّى مَاتَ)؛ أيْ: عَصَرَهما عَصْرًا يَقتُلُه غالِبًا فَماتَ، أوْ بَقِيَ مُتألِّمًا مِنْ ذلك كلِّه

(4)

مُدَّةً يَموتُ فيها غالِبًا؛ فالقَوَدُ.

وإنْ صحَّ ثُمَّ مات؛ لم يَضمَنْه؛ لأِنَّه لم يَقتُلْه، أشْبَهَ ما لو بَرِئَ الجُرْحُ، ثُمَّ مَاتَ.

(السَّادِسُ: حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ)، ويتعذَّر عليه الطَّلَبُ، (حَتَّى مَاتَ جُوعًا وَعَطَشًا فِي مُدَّةٍ يَمُوتُ فِي مِثْلِهَا غَالِبًا)؛ لأِنَّ اللهَ تَعالَى أجْرَى العادةَ بالموت عندَه، فإذا تعمَّدَه الإنسانُ؛ فقد تَعمَّدَ القَتْلَ.

وقَولُه: (في مُدَّةٍ يَمُوتُ في مِثْلِها غالِبًا)؛ لأِنَّ النَّاسَ يَختَلِفونَ في ذلك؛ لأِنَّ الزَّمانَ إذا كان شديدَ الحرارة، وكان الشَّخصُ جائعًا؛ ماتَ في الزَّمن القليلِ، وإنْ كان

(5)

شَبْعَانَ، والزَّمانُ مُعتَدِلٌ، أوْ بارِدٌ؛ لم يَمُتْ إلاَّ في الزَّمَنِ الطَّويل.

ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا كانَ في مُدَّةٍ لا يَمُوتُ فيها غالِبًا؛ فهو عَمْدُ الخَطَأِ، وإنْ شَكَكْنا فيها؛ لم يَجِب القَوَدُ، أوْ تَرَكَ الأكلَ والشُّربَ مع القُدْرةِ فمات

(6)

؛ فَهَدَرٌ.

(السَّابِعُ: سَقَاهُ

(7)

سَمًّا لَا يَعْلَمُ بِهِ

(8)

، فماتَ؛ فعليه القَوَدُ؛ لأِنَّه فَعَلَ

(1)

في (م): يقتل.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 303.

(3)

في (م): خصيته.

(4)

قوله: (كله) سقط من (م).

(5)

في (م): كانا.

(6)

زيد في (م): غالبًا.

(7)

قوله: (سقاه) سقط من (م).

(8)

قوله: (به) سقط من (م).

ص: 63

فِعْلاً يَقتُلُ مِثْلُه غالِبًا، فكان عَمْدًا؛ كما لو ضَرَبَه بمُحدَّدٍ، (أَوْ خَلَطَ

(1)

سَمًّا بِطَعَامٍ فَأَطْعَمَهُ، أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِهِ فَأَكَلَهُ، وَلَا يَعْلَمُ بِهِ

(2)

، فَمَاتَ)؛ لِمَا رَوَى أنَسٌ: «أنَّ يهوديَّةً أتَت النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بِشاةٍ مَسمومةٍ، فَأَكَلَ منها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وبشرُ

(3)

ابنُ العَلَاء

(4)

، فلمَّا ماتَ بشرٌ أرْسَلَ إليها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فاعْتَرَفَتْ، فأمر

(5)

بِقَتْلِها» رواه أبو داودَ

(6)

.

وَأطْلَقَ ابنُ رَزِينٍ فيما إذا

(7)

ألْقَمَه سَمًّا، أوْ خَلَطَه به قَولَينِ.

(فَإِنْ عَلِمَ آكِلُهُ بِهِ، وَهُوَ بَالِغٌ عَاقِلٌ)؛ فلا ضَمانَ عليه، أشْبَهَ ما لو قدَّم إلَيهِ سِكِّينًا، فَقَتَلَ بها نَفْسَه.

وعُلِمَ منه: أنَّه يُشتَرَطُ لِنَفْيِ الضَّمانِ أمْرانِ: البُلوغُ، والعَقْل؛ لأِنَّ الصَّبِيَّ

(1)

في (ظ) و (ن): خلطه.

(2)

قوله: (به) سقط من (م).

(3)

في (ظ): وبشير.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه: بشر بن البراء، كما في مصادر التخريج.

(5)

في (م): فأمرا.

(6)

أخرجه أبو داود (4511)، عن أبي سلمة مرسلاً، وأخرجه الطبراني في الكبير (1202)، والحاكم (4967)، والبيهقي في الكبرى (16010)، وذُكر فيه أبو هريرة رضي الله عنه، وسنده حسن، فيه محمد بن عمرو بن علقمة الليثي وهو صدوق له أوهام، قال الذهبي:(وحديثه في عداد الحسن)، وصححه الحاكم.

وأصل الحديث في البخاري (2617)، ومسلم (2190)، من حديث أنس رضي الله عنه، وعندهما: فقيل: ألا نقتلها، قال:«لا» ، فليس فيه ذكر قتلها، وأخرج أبو داود (4510)، من حديث ابن شهاب، عن جابر رضي الله عنه وفيه:«فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها» ، قال ابن حجر:(وهذا منقطع لأن الزهري لم يسمع من جابر)، قال البيهقي:(اختلفت الروايات في قتلها، ورواية أنس بن مالك أصحها)، ورجح بعض الأئمة أنه ترك قتلها ابتداءً، ثم قتلها قصاصًا لمَّا مات بشر بن البراء. ينظر: الكامل لابن عدي 9/ 88، شرح النووي 14/ 179، ميزان الاعتدال 4/ 595، السير 6/ 136، زاد المعاد 3/ 298، الفتح 7/ 497.

(7)

قوله: (إذا) سقط من (م).

ص: 64

والمجنونَ لا عِبْرَةَ بفِعْلِهما.

ويُشتَرَطُ له

(1)

أيضًا شَرْطٌ آخَرُ لم يَذكُرْه المؤلِّفُ، وهو: العِلْمُ بكَونِ السَّمِّ قاتِلاً؛ لأِنَّ مَنْ جَهِلَ ذلك لا يَصِحُّ أنْ يُقالَ: عَلِمَ بكَونه قاتِلاً، ذَكَرَه ابنُ المنَجَّى؛ إذ هو شيء يُضادُّ

(2)

القُوَّةَ الحَيَوانِيَّةَ.

(أَوْ خَلَطَهُ بِطَعَامِ نَفْسِهِ، فَأَكَلَهُ إِنْسَانٌ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه لم يَقتُلْه، وإنَّما الدَّاخِلُ قَتَلَ نَفْسَه، أشْبَهَ ما لو حَفَرَ في داره بِئْرًا لِيَقَعَ فيها

(3)

اللصُّ إذا دَخَلَ يَسرِقُ منها، وكذا لو دَخَلَ بإِذْنِه، فأَكَلَ الطَّعامَ المسمومَ بلا إِذْنِه.

(فَإِنِ ادَّعَى الْقَاتِلُ بِالسَّمِّ: أنَّني

(4)

لَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ سَمٌّ قَاتِلٌ؛ لَمْ يُقْبَلْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ السَّمَّ يَقتُلُ غالِبًا، أشْبَهَ ما لو جَرَحَه، وقال: لم

(5)

أعْلَمْ أنَّه يَموتُ به.

(وَيُقْبَلُ فِي الآْخَرِ)، وقيلَ: ويَجهَلُه مِثْلُه؛ لأِنَّه يَجُوزُ أنْ يَخْفَى عليه أنَّه قاتِلٌ، وهذا شبهة تُسقِط

(6)

القَوَد، (وَتَكُونُ

(7)

شِبْهَ عَمْدٍ)؛ لأِنَّه مِنْ حَيثُ إنَّه قَصَدَ فِعْل الشَّيءِ الدَّاعِي إلى القتل؛ فشبه

(8)

العمد، كما لو كان لا يَقتُلُ مثله

(9)

غالِبًا.

(1)

قوله: (له) سقط من (م) و (ن).

(2)

قوله: (إذ هو شيء يضاد) في (م): وهو شيء لا يضاد.

(3)

قوله: (فيها) سقط من (م).

(4)

في (م): إني.

(5)

في (ظ): لا.

(6)

في (ظ) و (م): يسقط.

(7)

في (م): ويكون.

(8)

في (م): شبهه، وفي (ظ): يشبه.

(9)

قوله: (مثله) سقط من (م).

ص: 65

(الثَّامِنُ: أَنْ يَقْتُلَهُ بِسِحْرٍ يَقْتُلُ غَالِبًا)، إذا كان السَّاحِرُ يَعلَمُ ذلك، أشْبَهَ المحدد

(1)

، وكذا إذا بَقِيَ مُدَّةً يَموتُ في مِثْلِها غالِبًا.

ومُقتَضاهُ: أنَّه

(2)

إذا كان مِمَّا لا يَقتُلُ غالِبًا؛ أنَّه خَطَأُ العَمْد.

وعلى الأوَّل: لو ادَّعَى الجَهْل بكَونِه يَقتُلُ، ومِثلُه يَجهَلُه، أوْ كان غَيرَ قاتِلٍ، أو ادَّعَى قاتِلُ المريض الجهلَ

(3)

بمَرضِه في وَجْهٍ؛ فشِبْهُ عَمْدٍ.

(التَّاسِعُ: أنْ يَشْهَدَا

(4)

عَلَى رَجُلٍ بِقَتْلِ عَمْدٍ، أَوْ رِدَّةٍ، أَوْ زِنًى)، كذا في «المحرَّر» ، وعبارةُ «الوجيز» و «الفروع»: ولو شَهِدَتْ بيِّنةٌ بما يُوجِبُ قَتْلَه، وهي أحْسَنُ، (فَيُقْتَلَ بِذَلِكَ، ثُمَّ يَرْجِعَا)، أوْ يَرجِعَ واحِدٌ من ستَّةٍ، ذَكَرَه في «الرَّوضة» ، (وَيَقُولَا: عَمَدْنَا قَتْلَهُ)، وفي «الكافي»: وعَلِمْنا أنَّه يُقْتَلُ، وفي «المغْنِي»: ولم

(5)

يَجُزْ جَهْلُهما به، وفي «التَّرغيب» و «الرِّعاية»: وكذَّبَتْهُما قرينةٌ؛ فعَلَيهِما القَوَدُ؛ لِمَا رَوَى القاسِمُ بنُ عبدِ الرحمن

(6)

: أنَّ رجُلَينِ شَهِدا عندَ عليٍّ رضي الله عنه على رجلٍ

(7)

أنَّه سرق

(8)

، فَقَطَعَه، ثُمَّ رَجَعَا عن شَهادَتِهما، فقال عليٌّ:«لو أعْلَمُ أنَّكما تعمَّدتُما لَقَطَعْتُ أيْدِيَكما»

(9)

،

(1)

في (م): الحد.

(2)

قوله: (أنه) سقط من (م) و (ن).

(3)

قوله: (بكونه يقتل، ومثله يجهله

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (م): يشهد.

(5)

في (ظ): لم.

(6)

في (ن): محمد.

(7)

قوله: (على رجل) سقط من (ظ).

(8)

في (م): يسرق.

(9)

أخرجه عبد الرزاق (18460)، وفي سنده جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف، وأخرج عبد الرزاق (18461)، والبيهقي في الكبرى (21192)، عن الشعبي: أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة، فقطعه، ثم جاءه أحد الرجلين برجل فقال: هذا الذي سرق، فقال علي:«لو كنتما تعمدتماه لقطعتكما» ، فأبطل شهادتهما عن الآخر، وأغرمهما دية الأول. وسنده صحيح.

ص: 66

ولأِنَّهما تَوصَّلا

(1)

إلى قَتْلِه بِسبَبٍ يَقتُلُ غالِبًا، أشْبَه المكره.

(أَوْ يَقُولَ الْحَاكِمُ: عَلِمْتُ كَذِبَهُمَا، وَعَمَدْتُ قَتْلَهُ، أَوْ يَقُولَ الْوَلِيُّ ذَلِكَ)؛ لَزِمَ القَوَدُ؛ لأِنَّهما في مَعْنَى الشُّهود، فكان الحاصِلُ بسببهما عَمْدًا كالقتل الحاصِلِ بسببِ الشَّاهِدَينِ.

فلو أقرَّ الشَّاهِدانِ والحاكِمُ والوليُّ جميعًا بذلك؛ فعلى الوليِّ القِصاصُ؛ لأِنَّه باشَرَ القَتلَ عمْدًا عُدْوانًا.

وقال في «الشَّرح» : يَنبَغِي ألاَّ يَجِبَ على غَيرِه شيءٌ؛ لأِنَّهم مُتسبِّبون

(2)

، والمباشَرَةُ يُبْطِلُ حُكْمَها؛ كالدَّافِع مع الحافر

(3)

.

وفي «التَّرغيب» وجْهٌ: هما كمُمسِكٍ

(4)

مع مُباشِرٍ.

وإنْ لم يُقِرَّ الوليُّ؛ فالقِصاصُ على الشُّهود والحاكِم؛ لأِنَّهم متسبِّبون

(5)

.

وحاصِلُه: أنَّه يَختَصُّ بالمباشِر العالِم، ثُمَّ وَلِيًّا، ثُمَّ البيِّنة والحاكِم، وقِيلَ: ثُمَّ حاكِمًا؛ لأِنَّ سببَه أخص

(6)

من البيِّنة، فإنَّ حكمه

(7)

واسِطةٌ بَينَ شهادتهم وقَتلِه، فلو باشَرَ القَتْلَ وكيلُ

(8)

الوليِّ، وأقرَّ بالعلم، وتعمَّدَ القَتْلَ ظُلْمًا؛ فهو القاتِلُ، وإلاَّ فالحكمُ يتعلَّق بالوليِّ.

وقِيلَ: في قَتْلِ حاكِمٍ وجْهانِ؛ كمزكٍّ

(9)

، فإنَّ

(10)

المزكِّيَ

(1)

في (م): توصل.

(2)

في (م): مستويان.

(3)

في (ظ): الحاضر.

(4)

في (م): ممسك.

(5)

في (م): منشبون.

(6)

في (م): أخصر.

(7)

في (ن): حمله.

(8)

في (م): وقيل.

(9)

في (م): كمشرك.

(10)

في (م): لأن.

ص: 67

لا يُقتل

(1)

عِنْدَ القاضِي؛ لأِنَّه غَيرُ مُلجِئٍ، ويُقتل

(2)

عِنْدَ أبي الخَطَّاب وغَيرِه.

وإذا صار الأمرُ إلى الدِّية على البيِّنة والحاكِمِ؛ فقِيلَ: على عددهم، وقِيلَ: نِصفَينِ.

ولو رَجَعَ الوليُّ والبيِّنةُ؛ ضَمِنَه الولي

(3)

.

فرعٌ: إذا قال بعضُهم: عَمَدْتُ قَتْلَه، وبعضُهم: أخْطَأْتُ؛ فلا قَوَدَ على المتعمِّد على الأصحِّ، وعليه بحِصَّته من الدِّية المغلَّظة، والمخْطِئ من المخفَّفة.

ولو قال كلُّ واحِدٍ: تعمَّدتُ وأخْطَأَ شَرِيكِي؛ فوجْهانِ في القَوَد.

ولو قال واحِدٌ

(4)

: عَمَدْنا، والآخَرُ: أخْطَأْنا؛ لَزِمَ المقِرَّ بالعَمْد القَوَد، والآخَرَ نصفُ الدِّية.

(فَهَذَا كُلُّهُ)؛ أي: الأَقْسام التِّسعة، (وَشِبْهُهُ: عَمْدٌ مَحْضٌ)؛ أي: لا شُبْهةَ فيه، (مُوجِبٌ

(5)

لِلْقِصَاصِ) بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

، (إِذَا كَمُلَتْ شُرُوطُهُ)؛ أيْ: بالشُّروط السَّابِقةِ.

(1)

في (ن): لا يقبل.

(2)

في (ن): ويقبل.

(3)

قوله: (الولي) سقط من (م).

(4)

في (ظ): كل واحد.

(5)

في (م): يوجب.

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 120.

ص: 68

(فَصْلٌ)

(وَشِبْهُ الْعَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ الْجِنَايَةَ بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا)، هذا بَيانٌ لشبه

(1)

العَمْد، سُمِّيَ بذلك؛ لأِنَّه قَصَدَ الفعل

(2)

وأخْطَأَ في القَتْل، وسُمِّيَ خَطأَ العَمْد وعَمْدَ الخَطَأ؛ لاِجْتِماعِهما فيه.

فقَولُه: (قَصْدُ الجِنايَة)؛ يُحتَرَزُ به عن الخَطَأ، وب (ما

(3)

لا يَقتُلُ غالِبًا)؛ يُحتَرَزُ به عن العَمْد المَحْضِ، زاد في «المحرَّر» و «الوجيز» و «الفروع»: ولم يجرحه

(4)

بها، وقال جماعةٌ: ولم يَقصِدْ قَتْلَه.

(فَيُقْتَلُ)؛ إمَّا لقَصْدِ العُدْوانِ عليه، أوْ لقصد

(5)

التَّأديب له، فيُسرِفَ فيه، فهذا لا قَوَدَ فيه في قَولِ الأكْثَرِ؛ لِمَا رَوَى عمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، قال: «عقلُ

(6)

شِبْهِ العَمْد مغلظٌ

(7)

مِثلُ عَقْل العمدِ

(8)

، ولا يُقتَلُ صاحبُه

(9)

» رواه أحمدُ وأبو داودَ

(10)

،

(1)

في (م): يشبه.

(2)

في (ظ) و (ن): العقل.

(3)

في (م): وربما.

(4)

في (م): ولم يخرجه.

(5)

في (م): ولقصد.

(6)

قوله: (قال: عقل) في (م): فعقل.

(7)

في (م): مغلظة.

(8)

في (م): عقد التعمد.

(9)

في (م): صاحب.

(10)

أخرجه أحمد (6718)، وأبو داود (4565)، والدارقطني (3144)، والبيهقي في الكبرى (16129)، وفي سنده: محمد بن راشد المكحولي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي، وقال ابن عدي:(إذا حدث عنه ثقة فحديثه مستقيم)، ويشهد له الحديث الذي بعده. ينظر: تهذيب الكمال 25/ 186.

ص: 69

وعن عبدِ الله بن عمرو

(1)

مرفوعًا: «ألَا إنَّ في قَتْلِ الخَطَأ شِبْه العَمْد قتيلِ السَّوط والعَصَا فيه مِائةٌ من الإبل، منها أرْبَعونَ في بُطونِها أوْلادُها» رواه أحمدُ وأبو داودَ وابنُ ماجَهْ، ولهم مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ مِثلُه، ورواهما

(2)

النَّسائيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ مُسْنَدًا ومُرسَلاً

(3)

، سمَّاه

(4)

: خطأَ العمد، وأوْجَبَ فيه الدِّيةَ لا القِصاصَ.

وهذا قِسْمٌ ثبت

(5)

بالسُّنَّة، والقِسْمانِ الآخران

(6)

ثبتا

(7)

بالكتاب.

(نَحْوَ

(8)

: أَنْ يَضْرِبَهُ بِسَوْطٍ، أَوْ عَصًا، أَوْ حَجَرٍ صَغِيرٍ)؛ لأِنَّ العادةَ لم تَجْرِ بقَتْلِه بذلك، (أَوْ يَلْكُزَهُ)، اللَّكْزُ الضَّرْبُ بجميعِ الكفِّ في أيِّ مَوضِعٍ مِنْ جَسَدِه، وقال في «النِّهاية»: هو الضَّرْبُ بالكف

(9)

(1)

في (ظ) و (م): عمر.

(2)

في (م): رواهما.

(3)

حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أخرجه أحمد (6533)، وأبو داود (4547)، والنسائي (4791)، وابن ماجه (2627)، وابن حبان (6011)، والدارقطني (3170)، ووقع فيه اختلاف في سنده، وساق النسائي والدارقطني أوجه الاختلاف فيه، قال ابن عبد البر:(هذا الحديث مضطرب ولا يثبت من جهة الإسناد)، واختلف في صحابيه، فقيل هكذا، وقيل: عن ابن عمر رضي الله عنهما، كما أخرجه أحمد (5805)، وأبو داود (4549)، والنسائي (4799)، وابن ماجه (2628)، والدارقطني (3172)، وإسناد حديث ابن عمر فيه: علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف، وصحح حديث عبد الله بن عمرو: ابنُ حبان وابن القطان، ورجح أن هذا الاختلاف لا يضر، وذلك لأن جهالة الصحابي لا تؤثر، وقال الألباني:(إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات). ينظر: الاستذكار 25/ 24، بيان الوهم 5/ 409، الإرواء 7/ 256.

(4)

في (م): سمي.

(5)

في (م): ثبتت.

(6)

في (م): يعني.

(7)

في (م): ثبت، وفي (ن): بينا.

(8)

في (م): نحوه.

(9)

في (م): بجميع الكف.

ص: 70

في الصَّدْر

(1)

، (أَوْ يُلْقِيَهُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ، أَوْ يَسْحَرَهُ

(2)

بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا)، والمرجِعُ في ذلك إلى أهل العِلْم به؛ لأِنَّ ما يَقتُلُ غالِبًا هو عَمْدٌ.

(أَوْ يَصِيحَ بِصَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ)، وفي «الواضح»: أو امرأةٍ، وقِيلَ: أوْ مُكلَّفٍ، (وَهُمَا عَلَى سَطْحٍ، فَيَسْقُطَا)؛ لأِنَّ الصِّياحَ في العادة لا يَقتُلُ غالِبًا، فإذا تَعَقَّبَهُ الموتُ؛ كان شِبْهَ عَمْدٍ.

(أَوْ يَغْتَفِلَ عَاقِلاً

(3)

فَيَصِيحَ بِهِ

(4)

، فَيَسْقُطَ، أَوْ نَحْوَ

(5)

ذَلِكَ)؛ كذَهابِ عَقْلِه، فالدِّيةُ على العاقِلةِ؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ قال: «اقْتَتَلَتِ امْرَأتانِ مِنْ هُذَيلٍ، فَرَمَتْ إحداهما الأخرى

(6)

بحَجَرٍ، فَقَتَلَتْها وما في بَطْنِها، فَقَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنَّ دِيَةَ جَنِينِها عَبْدٌ أوْ وَلِيدةٌ، وقَضَى بدِيةِ المرأةِ على عاقِلَتِها» متَّفَقٌ عليه

(7)

، فأوْجَبَ ديتها

(8)

على العاقِلةِ، وهي لا تَحمِلُ العَمْدَ.

نَقَلَ الفَضْلُ في رجلٍ بِيَدِه سِكِّينٌ، فَصَاحَ به رَجُلٌ، فرَمَى بها، فعقرت

(9)

رجلاً؛ هل عَلىَ مَنْ صاحَ به شَيءٌ؟ قال: هذا أخْشَى عليه، قد صاحَ به

(10)

.

فرعٌ: إذا أمْسَكَ الحَيَّةَ؛ كمُدَّعِي المشْيَخَةِ، فَقَتَلَتْه؛ فَقاتِلُ نَفْسِه، وإنْ قِيلَ: إنَّه ظنَّ أنَّها لا تَقتُلُ؛ فشِبْهُ عَمْدٍ، بمَنزِلةِ مَنْ أَكَلَ حتَّى بَشِمَ، فإنَّه لم يَقصِدْ قَتْلَ

(1)

ينظر: النهاية 4/ 268، وفيه:(اللكز: الدفع في الصدر بالكف).

(2)

في (م): ويسحره.

(3)

في (م): غافلاً.

(4)

قوله: (به) سقط من (ن).

(5)

في (م): ونحو.

(6)

قوله: (الأخرى) سقط من (ظ) و (ن).

(7)

أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

(8)

في (ن): ديتهما.

(9)

في (م): فعقر.

(10)

ينظر: الفروع 9/ 366.

ص: 71

نَفْسِه، وإمْساكُ الحَيَّات جِنايَةٌ، وهو مُحرَّمٌ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(1)

.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 24/ 291، الفروع 9/ 366.

ص: 72

(فَصْلٌ)

(وَالْخَطَأُ عَلَى ضَرْبَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: أَنْ

(1)

يَرْمِيَ الصَّيْدَ، أَوْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ، فَيَقْتُلَ إِنْسَانًا؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ)، قال ابنُ المنذرِ: (أجْمَعَ كلُّ مَنْ نحفظ

(2)

عنه من أهل العلم

(3)

: أنَّ القَتْلَ الخَطَأَ أنْ يَرمِيَ شَيئًا فيُصِيبَ غَيرَه، لا أعْلَمُهم يَختَلِفونَ)

(4)

.

وتَجِبُ الكفَّارةُ على القاتِل؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92]، والدِّية

(5)

على العاقِلَة؛ لأِنَّها إذا وَجَبَت الدِّيَةُ عَلَيها في شِبْهِ العَمْدِ؛ فلأن

(6)

تجب

(7)

في الخَطَأِ بطَريقِ الأَوْلَى، ولأنَّ

(8)

الخَطَأَ يَكثُرُ، فلو وَجَبَت الدِّيةُ على القاتل؛ لَأُجْحِفَ به، فنَاسَبَ تعليقُها بالعاقِلَة؛ لتحصيل

(9)

مجموعِ الأَمْرَينِ من إيفاء

(10)

المجْنِيِّ عليه

(11)

حقَّه، مع عَدَمِ الإجْحافِ بالجاني

(12)

.

(1)

قوله: (أن) سقط من (م).

(2)

في (م): يحفظ.

(3)

قوله: (من أهل العلم) سقط من (ظ).

(4)

ينظر: الإشراف 7/ 360.

(5)

في (ظ): فالدية.

(6)

في (م): فالآن.

(7)

في (م): يجب.

(8)

في (م): لأن.

(9)

في (ن): ليحصل.

(10)

في (ظ) و (م): إبقاء.

(11)

قوله: (المجني عليه) في (م): المجنون.

(12)

في (م): بالجافي.

ص: 73

مسألةٌ: مَنْ قال: كنتُ يَومَ قَتْلِهِ

(1)

صغيرًا، أوْ مَجْنونًا، وأمْكَنَ؛ صُدِّقَ بيمينِه.

(الثَّانِي: أَنْ يَقْتُلَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مَنْ يَظُنُّهُ حَرْبِيًّا وَيَكُونُ مُسْلِمًا، أَوْ يَرْمِيَ إِلَى صَفِّ الْكُفَّارِ فَيُصِيبَ مُسْلِمًا، أَوْ يَتَتَرَّسَ الْكُفَّارُ بِمُسْلِمٍ وَيُخَافَ عَلَى المُسْلِمِين

(2)

إِنْ لَمْ

(3)

يَرْمِهِمْ، فَيَرْمِيَهُمْ فَيَقْتُلَ الْمُسْلِمَ، فَهَذَا فِيهِ الْكَفَّارَةُ)، رُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ

(4)

، وقالَهُ عَطاءٌ، ومجاهِدٌ، وعِكرِمَةُ، وقَتادَةُ، وغَيرُهم؛ لقوله تعالَى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92].

(وَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ رِوَايَتَانِ):

إحْداهما: تجب

(5)

؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً

} الآيةَ [النِّسَاء: 92]، وللخبر السَّابقِ

(6)

، ولأِنَّه قَتَلَ مُسلِمًا خَطَأً، فوَجَبَتْ؛ كما لو كان

(1)

في (م): قتلته.

(2)

في (ظ): المسلم.

(3)

قوله: (لم) سقط من (م).

(4)

أخرجه الطبري في التفسير (7/ 316)، والبيهقي في الكبرى (16474)، عن عطاء بن السائب، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قول الله:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} الآية، قال:«كان الرجل يسلم، ثم يأتي قومه فيقيم فيهم وهم مشركون، فيمر بهم الجيش لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقتل فيمن يقتل، فيعتق قاتله رقبة ولا دية له» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (28003)، والحاكم (3201)، وعندهما: عن عطاء، عن أبي يحيى المكي وهو زياد، عن ابن عباس، وأخرج الطبري (7/ 317)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال:«فإن كان في أهل الحرب وهو مؤمن، فقتله خطأ، فعلى قاتله أن يكفر بتحرير رقبة مؤمنة، أو صيام شهرين متتابعين، ولا دية عليه» ، ورواه غيرهم عن ابن عباس رضي الله عنهما وهو صحيح بمجموع طرقه عنه.

(5)

في (م): يجب.

(6)

أي حديث أبي هريرة رضي الله عنه وفيه: «قضى أن دية المرأة على عاقلتها» ، أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

ص: 74

في دارِ الإسْلامِ.

والثانية

(1)

: لا تَجِبُ، وهي ظاهِرُ المذهب؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} الآية [النِّسَاء: 92]، فلم يَذكُرْ دِيَةً في هذا القِسْمِ، وذَكَرَها في الذي قَبْلَه وبَعدَه، وهذا ظاهِرٌ في أنَّها غَيرُ واجِبةٍ، وبه يُخصُّ

(2)

عُموم ما ذُكِرَ.

وعَنْهُ: تَجِبُ في الأخيرة.

وفي «عيون المسائل» : عكسها

(3)

؛ لأِنَّه فَعَلَ الواجِبَ هُنا.

(وَالذِي أُجْرِيَ مُجْرَى الْخَطَأِ؛ كَالنَّائِمِ يَنْقَلِبُ عَلَى إِنْسَانٍ فَيَقْتُلُهُ، أَوْ يَقْتُلُ بالسَّبَبِ؛ مِثْلَ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا، أَوْ يَنْصِبَ سِكِّينًا أَوْ حَجَرًا) تعدِّيًا، ولم يَقصِدْ جِنايَةً، (فَيَؤُولَ إِلَى إِتْلَافِ إِنْسَانٍ)؛ لأِنَّه يشارك

(4)

الخَطَأَ في الإتْلاف، وإنَّما لم يُجْعَلْ خَطَأً؛ لِعَدَمِ القَصْد في الجُملةِ.

وقال بعض

(5)

أصحابنا: الأقْسامُ ثلاثةٌ، فيَكونُ ما ذُكِرَ خطأً، وصرَّح به

(6)

في «الفروع» ، قال في «المحرَّر»: والقَتْلُ بالسَّبب مُلحَقٌ بالخطأ إذا لم يَقصِدْ به الجِنايَةَ، فإنْ قَصَدَها؛ فشِبْهُ عَمْدٍ، وقد يَقْوَى فيَلحَقُ بالعَمْد؛ كما ذكرنا

(7)

في الإكْراه والشَّهادة.

(وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ، فَهَذَا كُلُّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ)؛ لأِنَّه إذا لم يَجِبْ بالخَطَأ؛ فهذا أَوْلَى، (وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ)؛ لأِنَّها تَحمِلُ دِيَةَ الخَطَأ؛ فما

(1)

في (م): الثانية.

(2)

في (ظ): تخص.

(3)

في (ن): عليها.

(4)

في (م): شارك.

(5)

في (م): يعني.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

في (م): ذكر.

ص: 75

أُجْرِيَ مُجْراهُ كذلك، (وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي مَالِهِ)؛ لأِنَّ الأمْرَ في الخطأ كذلك؛ فكذا

(1)

في الذي أُجْرِيَ مُجراهُ.

(1)

قوله: (فكذا) سقط من (ظ) و (ن).

ص: 76

(فَصْلٌ)

(وَتُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِالْوَاحِدِ) على الأَشْهَرِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ غُلامًا قُتِلَ غِيلةً، فقال عمرُ:«لو تَمَالَأَ عليه أهلُ صَنْعاءَ لَقَتَلْتُهمْ» رواه البخاريُّ

(1)

، وهذا إذا كان فِعْلُ كلِّ واحِدٍ منهم صالِحًا للقتل به، وإلاَّ فَلَا، ما لم يَتواطَؤُوا على ذلك.

(وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُونَ)، نَقَلَها حَنبَلٌ

(2)

، رُوِيَ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ

(3)

وابنِ الزُّبَير

(4)

؛ لقوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المَائدة: 45]، يَدُلُّ على أنَّه لا يُؤخَذُ أكثرُ مِنْ نَفْسٍ واحدةٍ بنفسٍ واحدة

(5)

، ولأِنَّ كلَّ واحدٍ من الجماعة مكافِئ للمَقْتول، فلا يُؤخَذُ أبْدالٌ بمُبدَلٍ واحدٍ، كما لا تؤخذ

(6)

دِياتٌ بمَقْتولٍ واحِدٍ، ولأِنَّ التَّفاوُتَ في الأوصاف يَمنَعُ، بدليلِ أنَّ الحرَّ لا

(7)

يُؤخَذُ بالعبد، فالتَّفاوُتُ في العدد أَوْلَى.

وعَلَيها: يلزمهم

(8)

ديةٌ واحدةٌ، قال ابنُ المنذِر: (لا

(9)

حُجَّةَ مع مَنْ

(1)

أخرجه البخاري (6896).

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 407.

(3)

لم نقف عليه، وقد روي عنه خلافه كما سيأتي، وأشار الزركشي في شرحه (6/ 77) إلى اختلاف الرواية عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (18085)، وابن أبي شيبة (27701)، عن عمرو بن دينار، قال:«كان عبد الملك وابن الزبير لا يقتلان منهم إلا واحدًا» ، وسنده صحيح.

(5)

قوله: (بنفس واحدة) سقط من (م).

(6)

في (م): لا يؤخذ.

(7)

قوله: (لا) سقط من (م).

(8)

في (ن): تلزمهم.

(9)

في (م): ولا.

ص: 77

أوْجَبَ قَتْلَ الجماعة بواحدٍ)

(1)

، وعلى الأولى

(2)

: يَلزَمهم ديةٌ واحدةٌ، نَصَّ عليه

(3)

، وهو أشهر

(4)

؛ كخَطَأٍ

(5)

.

ونَقَلَ ابنُ ماهانَ: تلزمهم

(6)

دِياتٌ

(7)

، كما لو انْفَرَدَ كلُّ واحدٍ منهم.

ونَقَلَ ابنُ مَنصورٍ، والفَضْلُ: إنْ قَتَلَه ثلاثةٌ؛ فله

(8)

قَتْلُ أحدهم، والعَفوُ عن آخَرَ، وأخْذُ الدِّية كامِلةً من أحَدِهم

(9)

.

(وَالمَذْهَبُ الْأَوَّلُ)؛ لقوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البَقَرَة: 179]؛ لأِنَّه إذا علم أنَّه

(10)

مَتَى قَتَلَ قُتِلَ به؛ انْكَفَّ عنه، فلو لم يُشرَع القِصاصُ في الجماعة بالواحد؛ لَبَطَلَت الحكمة في

(11)

مشروعية القِصاص، ولِإجماعِ الصَّحابة، فَرَوَى سعيدٌ، عن هُشَيمٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن سعيدِ بنِ المسيِّب:«أنَّ عُمَرَ قَتَلَ سبعةً مِنْ أهلِ صَنْعاءَ قَتَلُوا رَجُلاً»

(12)

، وعن عليٍّ

(13)

،

(1)

ينظر: الإشراف 7/ 355.

(2)

في (م): الأول.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 407.

(4)

في (م): الأشهر.

(5)

كتب في هامش (ظ): (وهو المذهب).

(6)

في (م): يلزمهم.

(7)

ينظر: الفروع 9/ 358.

(8)

قوله: (فله) سقط من (م).

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3420، الفروع 9/ 358.

(10)

قوله: (أنه) سقط من (ظ).

(11)

قوله: (في) سقط من (م).

(12)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 871)، والشافعي كما في المسند (ص 200)، بإسناد صحيح عن سعيد بن المسيب، وهو في البخاري بنحوه (6896)، ولم نقف عليه في سنن سعيد بن منصور.

(13)

أخرجه ابن أبي شيبة (27696)، من طريق أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، قال: خرج رجال سفر، فصحبهم رجل فقدموا وليس معهم، قال: فاتهمهم أهله، فقال شريح: شهودكم أنهم قتلوا صاحبكم، وإلا حلفوا بالله ما قتلوه، فأتوا بهم عليًّا وأنا عنده، ففرق بينهم فاعترفوا، فسمعت عليًّا، يقول:«أنا أبو الحسن القرم» فأمر بهم فقتلوا. وسعيد بن وهب قال الألباني فيه: (هو الثوري الهمداني الكوفي وهو مجهول الحال)، وهناك راو آخر وهو سعيد بن وهب الهمداني الخيواني الكوفي أخرج له مسلم وهو ثقة روى عن علي رضي الله عنه، وقد روى عنه أبو إسحاق السبيعي فيحتمل أن يكون هو. ينظر: تهذيب الكمال 11/ 97، الإرواء 7/ 261.

ص: 78

وابنِ عبَّاسٍ مَعْناهُ

(1)

، ولم يُعرَفْ لهم في عَصْرهم مُخالِفٌ، فكان كالإجْماع، ولأِنَّها عقوبةٌ تَجِبُ للواحد على الواحد، فوَجَبَتْ على الجماعة؛ كحدِّ القَذْف.

والفَرْقُ بَينَ قَتْلِ الجماعة والدِّيَةِ: أنَّ الدَّمَ لا يَتَبعَّضُ، بخِلافِ الدِّيَة، وهذا إذا قُلْنا: إنَّ مُوجَبَ العَمْد أحدُ شَيئَينِ؛ القِصاص أو الدِّية

(2)

، فمَتَى عَفَا عن القَوَدِ؛ تعيَّنَت الدِّيةُ، وإنْ قُلْنا: مُوجَبُه القَوَدُ فقطْ؛ فللأولياء أنْ يَعْفُوا على القليل

(3)

والكثير مِنْ غَيرِ تقديرٍ.

(وَإِنْ جَرَحَهُ أَحَدُهُمَا جُرْحًا وَالآْخَرُ مِائَة) جُرْحٍ، أوْ أوْضَحَه

(4)

أحدُهما وشجَّه

(5)

الآخَرُ آمَّةً، أوْ أحدُهما جائفةً والآخَرُ غَيرَ جائفةٍ؛ (فَهُمَا سَوَاءٌ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ)؛ لأِنَّ اعْتِبارَ التَّساوِي يُفْضِي إلى سُقوطِ القِصاص عن المشْتَرِكِينَ، إذْ لا يَكادُ جُرْحانِ يَتَساوَيانِ مِنْ كلِّ وَجْهٍ، ولو احْتَمَلَ التَّساوِيَ لم يَثبُت الحُكْمُ؛ لأِنَّ الشَّرْطَ يُعتَبَرُ العِلْمُ بوجوده، ولا يُكتَفَى باحْتِمالِ

(1)

أخرج عبد الرزاق (18082)، عن عكرمة، عن ابن عباس قال:«لو أن مائةً قتلوا رجلاً قتلوا به» ، وإسناده واهٍ جدًّا فيه: إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك.

(2)

في (م): والدية.

(3)

في (م): عن القاتل.

(4)

في (م): وأوضحه.

(5)

في (ظ): أو شجه.

ص: 79

الوجود، بل الجهل

(1)

بوجوده كالعِلْم بِعَدَمِه في انْتِفاءِ الحُكم، ولأِنَّ الجرح

(2)

الواحِدَ يَحتَمِلُ أنْ يَموتَ به دُونَ المِائةِ.

فرعٌ: إذا اشْتَرَكَ ثلاثةٌ فقطع

(3)

أحدُهم يَدَه، والآخَرُ رِجْلَه، والثَّالِثُ أوْضَحَه، فمات؛ فللوليِّ قَتْلُ جميعِهم، والعَفْوُ عنهم إلى الدِّيَة، ويَأخُذُ من

(4)

كلِّ واحِدٍ ثُلُثَها، وله أنْ يَعفُوَ عن واحدٍ فيأخُذَ منه

(5)

ثُلُثَ الدِّيَة، ويَقتُلَ الآخَرَينِ، وأنْ يَعفُوَ عن اثنَينِ فيَأخُذَ منهما ثُلُثَي الدِّيَة، ويَقتُلَ الثَّالِثَ.

(وَإِنْ قَطَعَ أَحَدُهُمَا مِنَ الْكُوعِ، ثُمَّ قَطَعَهُ الآْخَرُ

(6)

مِنَ الْمِرْفَقِ؛ فَهُمَا قَاتِلَانِ)؛ أيْ: فهما سَواءٌ في القصاص أو الدِّية إذا قَطَعَ الثَّانِي قَبْلَ بُرْءِ جِراحةِ الأوَّل على المذْهَب؛ لأِنَّهما قَطْعانِ، فإذا مات بعدَهما؛ وَجَبَ عَلَيهما القِصاصُ؛ كما لو كانا في يَدَينِ.

وقِيلَ: القاتِلُ هو الثَّاني، فيُقادُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ قَطْعَ الثَّاني قَطْعُ سِرايَةٍ، قَطَعَه ومات بعدَ زوالِ جِنايَته.

وعلى الأوَّل: إنْ سَقَطَ القَوَدُ بعَفْوٍ؛ غَرِمَا دِيَتَه نِصفَينِ.

وإنِ انْدَمَلَ الجُرْحانِ، فَعَلَى مَنْ قَطَعَ من الكُوع القَوَدُ، وعلى الآخَرِ حُكومةٌ، وعَنْهُ: ثلثُ دِيةِ اليَدِ.

ولو قَتَلوهُ بأفْعالٍ لا يَصلُحُ واحِدٌ لِقَتْلِه؛ نحو أنْ يَضرِبَه كلٌّ منهم سَوطًا في حالة، أوْ مُتوالِيًا؛ فلا قَوَدَ، وفيه

(7)

عن تَواطُؤٍ وَجْهانِ، قاله في

(1)

في (م): الجملة.

(2)

زيد في (م): في.

(3)

في (م): فقط.

(4)

قوله: (من) سقط من (م).

(5)

قوله: (منه) سقط من (ن).

(6)

في (م): آخر.

(7)

في (م): فيه.

ص: 80

«الترغيب»

(1)

.

(وَإِنْ فَعَلَ أَحَدُهُمَا فِعْلاً لَا تَبْقَى

(2)

الْحَيَاةُ مَعَهُ؛ كَقَطْعِ حُشْوَتِهِ)، بضمِّ الحاء وكسْرِها: أمْعاؤه، (أَوْ مَرِيئِهِ) بالهمز، وهو مَجرَى الطَّعام والشَّراب في الحَلْق، (أَوْ وَدَجَيْهِ)، بفَتْحِ الواو وكسْرِها، والوَدَجانِ: هما عِرْقانِ في العُنُق، (ثُمَّ ضَرَبَ عُنُقَهُ آخَرُ؛ فَالْقَاتِلُ هُوَ الْأَوَّلُ)؛ لأِنَّ الحياةَ لا تَبقَى مع جِنايَته، (وَيُعَزَّرُ الثَّانِي)؛ كما لو جَنَى على ميتٍ، فلِهَذا لا يضمنه

(3)

، ودلَّ على

(4)

أنَّ هذا

(5)

التَّصرُّف فيه كميتٍ لو كان عبدًا، فلا يَصِحُّ بَيعُه.

كذا جَعَلُوا الضَّابِطَ: من

(6)

يعيشُ مِثْلُه، ومَن لا يَعِيشُ.

وكذا علَّل الخِرَقِيُّ المسألتَينِ، مع أنَّه قال في الذي لا يَعِيشُ: خرق

(7)

بطنه وأخرج حُشْوَته، فَقَطَعَها فأبانها منه

(8)

، وهذا يَقتَضِي: أنَّه لو لم

(9)

يُبِنْها لم يكُنْ حُكْمُه كذلك، مع أنَّه بقَطْعِها لا يَعِيشُ، فاعتُبِرَ كَونُه لا يَعِيشُ في مَوضِعٍ خاصٍّ، فتعميم

(10)

الأصْحابِ فيه نَظَرٌ.

(وَإِنْ شَقَّ الْأَوَّلُ بَطْنَهُ، أَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ ضَرَبَ الثَّانِي عُنُقَهُ؛ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي)؛ لأِنَّه هو

(11)

المفَوِّتُ للنَّفْس جَزْمًا، فعلى هذا: عليه القِصاصُ في

(1)

قوله: (قاله في «الترغيب») سقط من (م).

(2)

في (م): لا يفضي.

(3)

في (م): لا يضمنون.

(4)

قوله: (على) سقط من (ن).

(5)

زاد في (م): هو.

(6)

في (م): ميت.

(7)

في (م): حر.

(8)

قوله: (منه) سقط من (ن).

(9)

قوله: (لم) سقط من (م).

(10)

في (م): فتبعهم.

(11)

قوله: (هو) سقط من (م).

ص: 81

النَّفْس، والدِّيةُ إنْ عَفَا عنه؛ لأِنَّه لم

(1)

يَخرُجْ بجُرْحِ الأوَّل مِنْ حُكْمِ الحياة.

(وَعَلَى الْأَوَّلِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَ)؛ لأِنَّه حَصَلَ بجنايته

(2)

، (بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ)؛ لأِنَّ الجناية

(3)

تارةً تكونُ مُوجِبةً للقصاص؛ كقَطْعِ اليَدِ عَمْدًا، وتارةً لا تكونُ كذلك؛ كقطعها خطأً، لكِنَّ جُرْحَ الأوَّل إنْ كانَ مُوجِبًا للقصاص؛ خُيِّر بَينَ قَطْعِ طَرَفِه والعَفْوِ على ديته

(4)

والعَفْوِ مُطلَقًا، وإنْ كان لا يُوجِبُ قودًا

(5)

كالجائفة؛ فعَلَيهِ الأَرْشُ، وإنَّما جَعَلْنا عليه القِصاصَ؛ لأِنَّ الثَّانيَ بفعله

(6)

قَطَعَ سِرايَةَ الأوَّلِ.

وإنْ كان جُرْحُ الأوَّل يُفْضِي إلى الموت لا مَحالَةَ، إلاَّ أنَّه لا يَخرُجُ به مِنْ حُكْمِ الحياة، وتَبْقَى معه الحياةُ المستقرة

(7)

؛ فالقاتِلُ هو الثَّاني؛ لأِنَّ عمرَ لَمَّا جُرِحَ وسُقِيَ لبنًا، فخَرَجَ من جَوفِه، فعَلِمَ أنَّه ميِّتٌ، وعهد

(8)

إلى النَّاس، وجَعَلَ الخِلافَةَ في أهْلِ الشُّورَى؛ فقَبِلَ الصَّحابةُ عَهْدَه، وعَمِلُوا به

(9)

.

(وَإِنْ رَمَاهُ مِنْ شَاهِقٍ، فَتَلَقَّاهُ آخَرُ بِسَيْفٍ فَقَدَّهُ؛ فَالْقَاتِلُ هُوَ الثَّانِي)؛ لأِنَّه فَوَّتَ حَيَاتَه قبلَ المصير إلى حالٍ يُيأَس

(10)

فيها من حياته، أشْبَهَ ما لو رَماهُ بِسَهْمٍ، فبادَرَهُ آخَرُ فَقَطَعَ عُنُقَه قبلَ وُصولِ السَّهم إلَيهِ، ولأِنَّ الرَّمْيَ سببٌ

(11)

(1)

قوله: (لم) سقط من (م).

(2)

في (ن): بحياته.

(3)

في (ظ): الحياة.

(4)

قوله: (والعفو على ديته) سقط من (ن).

(5)

قوله: (قودًا) سقط من (م).

(6)

في (م): بفعاله.

(7)

في (م): المسترة.

(8)

في (م): وعمد.

(9)

أخرجه البخاري (3700)، في قصة مقتل عمر وبيعة عثمان رضي الله عنهما.

(10)

قوله: (إلى حال ييأس) في (م): حالة يئس.

(11)

في (م): بسبب.

ص: 82

والقَتْل مُباشَرةٌ.

(وَإِنْ

(1)

رَمَاهُ فِي لُجَّةٍ، فَتَلَقَّاهُ حُوتٌ فَابْتَلَعَهُ؛ فَالْقَوَدُ عَلَى الرَّامِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّه تسبَّبَ إلى قَتْلِه، ولم توجد

(2)

مُباشَرَةٌ، فصلح

(3)

إسْنادُ القَتْلِ إليه، فَوَجَبَ أنْ يَعمَلَ السَّبَبُ عمله

(4)

، وبه فارَقَ ما تقدَّمَ.

والثَّاني: لا قَوَدَ عليه؛ لأِنَّه مُتسبِّبٌ، والإتْلافُ حَصَلَ بالمُباشَرَة، وهو يُوجِبُ قَطْع التَّسبُّبِ، وكما لو مَنَعَهُ مَوجٌ أوْ غَيرُه، أوْ كان الماءُ غَيرَ مُغرِقٍ.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ قَطْعَ التَّسبُّبِ لا يكونُ إلاَّ بشَرْطِ صلاحيَةِ إسْنادِ التلف

(5)

إلى المباشر

(6)

، وهو مفقودٌ هنا.

وعلى هذا: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يَلتَقِمَه قبلَ أنْ يَمَسَّ الماءَ أوْ بعدَه، قبلَ الغَرَق أوْ بَعدَه.

وقِيلَ: إنِ الْتَقَمَه بعدَ حُصوله فيه قَبْلَ غَرَقِه.

وقِيلَ: شِبْهُ عَمْدٍ.

ومع قِلَّتِه

(7)

؛ فإنْ عَلِمَ بالحُوت؛ فالقَودُ، وإلاَّ الدِّية

(8)

.

(وَإِنْ أَكْرَهَ إِنْسَانًا) مُكلَّفًا (عَلَى الْقَتْلِ)؛ أيْ: على قَتْلِ مُكافِئِه، (فَقَتَلَ؛ فالقِصَاصُ

(9)

أو الدِّيةُ، قاله في «المحرَّر» و «الوجيز» ، (عَلَيْهِمَا)؛ لأِنَّ المكرِه

(1)

في (م): فإن.

(2)

في (م): ولم يوجد.

(3)

في (ن): يصلح.

(4)

في (م): علة.

(5)

في (م): الثاني، وفي (ن): الثلث.

(6)

في (م): المباشرة.

(7)

في (ظ): قلة. والمراد: قلة الماء. ينظر: شرح منتهى الإرادات 3/ 261.

(8)

في (ظ) و (م): دية.

(9)

في (م): فقيل بالقصاص.

ص: 83

تسبَّبَ إلى قتله

(1)

بما يُفْضِي إليه غالِبًا، أشْبَهَ ما لو أنْهَشَه حيَّةً، والمكرَهَ قتله

(2)

ظُلْمًا لاِسْتِبْقاءِ نَفْسِه؛ كما لو قتله

(3)

في المجاعة ليأكله

(4)

، فعلى هذا: إنْ صار الأمْرُ إلى الدِّية؛ فهي عَلَيهِما كالشَّريكَينِ.

وفي «الموجَز» : إذا قُلْنا: تُقتل

(5)

الجماعةُ بالواحد، وخصَّه بعضهم

(6)

بمكره، ويَتوجَّهُ عَكْسُه.

لا يُقالُ: المكرَه مُلجَأٌ؛ لأِنَّه غَيرُ صحيحٍ؛ لأِنَّه مُتمَكِّنٌ من الاِمْتِناع، ولهذا يأثَمُ بالقَتْل، وقَولُه عليه السلام:«عُفِيَ لِأُمَّتِي عمَّا اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ»

(7)

محمولٌ على غَيرِ القَتْلِ.

(وَإِنْ أَمَرَ مَنْ لَا يُمَيِّزُ، أَوْ مَجْنُونًا)، أوْ أعجَمِيًّا لا يَعلَمُ خَطَرَ القَتْل، وفي «الرِّعاية» و «الفروع»: أوْ كبيرًا

(8)

يَجهَلُ تحريمَه، (أَوْ عَبْدَهُ

(9)

الذِي لَا يَعْلَمُ أَنَّ الْقَتْلَ مُحَرَّمٌ)؛ كمَنْ نَشَأَ في غَيرِ بلادِ الإسلام، (فَقَتَلَ؛ فَالْقِصَاصُ عَلَى الآْمِرِ)؛ لأِنَّ القاتِلَ هنا كالآلة، أشْبَهَ ما لو أنهشه

(10)

حيَّةً.

ونَقَلَ مُهَنَّى: إذا

(11)

أمَرَ صَبِيًّا أنْ يَضرِبَ رجُلاً، فضَرَبَه فَقَتَلَه؛ فعلى

(1)

في (م): قتل.

(2)

في (م): قتل.

(3)

في (م): قتل.

(4)

في (م): ليأكل.

(5)

في (م): بقتل.

(6)

قوله: (بعضهم) سقط من (ن).

(7)

سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).

(8)

في (م): وكثيرًا.

(9)

في (م): عنده.

(10)

في (م): نهشه.

(11)

في (م): فإذا.

ص: 84

الآمِرِ، ولا شَيءَ عليه بدَفْع سِكِّينٍ إليه

(1)

ولم يَأمُرْه

(2)

.

وفي «الانتصار» : إنْ أَمَرَ صبيًا

(3)

؛ وجَبَ على آمره

(4)

وشريكِه في روايةٍ، وإنْ سُلِّم

(5)

لا يَلزَمُهما؛ فلِعجْزه غالِبًا.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أقام

(6)

في بلادِ الإسلام بَينَ أهْلِه؛ فلا يَخْفَى عليه تحريمُ القَتْل، ولا يُعذَرُ فيه إذا كان عالِمًا، وحينئذ

(7)

: يُقتَلُ العبدُ، ويُؤدَّبُ سيِّدُه الآمِرُ، نَصَّ عليه

(8)

.

وعَنْهُ: يُقتَلُ الآمِرُ، ويُحبَسُ العَبْدُ حتَّى يَموتَ؛ كمُمْسِكِه.

وعُلِمَ: أنَّه إذا أمَرَه بزِنًى أوْ سَرِقةٍ؛ فعلى المُباشِرِ.

(وَإِنْ

(9)

أَمَرَ كَبِيرًا، عَاقِلاً، عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الْقَتْلِ، فَقَتَلَ؛ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(10)

؛ لأِنَّه مَقتولٌ ظلمًا، فَوَجَبَ عليه القِصاصُ؛ كما لو لم يُؤمَرْ.

وقال ابنُ المنَجَّى: المرادُ بالكبيرِ هنا: مَنْ يُميِّزُ ولَيسَ بكبيرٍ، فلا قَوَدَ عليه، ولا على الآمِرِ؛ لأِنَّه غيرُ مُكلَّفٍ، ولأِنَّ تمييزَه يَمنَعُ كَونَه كالآلة، ولَيسَ بظاهِر.

(1)

في (م): عليه.

(2)

ينظر: الفروع 9/ 363.

(3)

قوله: (أمر صبيًا) سقط من (م). وفي الإنصاف 25/ 85: (قال في «الانتصار»: لو أمر صبيًّا بالقتل، فقتل هو وآخر).

(4)

في (م): امرأة.

(5)

في (م): أسلم.

(6)

في (م): قام.

(7)

في (م): فحينئذ.

(8)

ينظر: الفروع 9/ 363.

(9)

في (م): فإن.

(10)

ينظر: الشرح الكبير 25/ 60.

ص: 85

فرعٌ: إذا قال لغَيرِه: اقْتُلْنِي، أو اجْرَحْنِي، فَفَعَلَ غَيرَ مُكرَهٍ، وهما مُكلَّفانِ؛ فَهَدَرٌ، نَصَّ عليه

(1)

.

وعَنْهُ: تَلزَمُ الدِّيةُ. وعَنْهُ: عليه ديةُ نَفْسه إرْثًا. ويَحتَمِلُ: القَوَدَ.

ولو قال ذلك عبدٌ لِمَنْ يُقتَلُ به، فَقَتَلَه؛ ضَمِنَه لسيِّدِه بمالٍ فقَطْ، نَصَّ عليه

(2)

.

ولو قال: اقْتُلْنِي وإلاَّ قَتَلْتُكَ؛ فخِلافٌ، كإذْنِه.

وفي «الانتصار» : لا إثْمَ ولا كفَّارةَ.

وفي «الرِّعاية» : اقْتُلْ نَفسَكَ وإلاَّ قَتَلْتُكَ؛ إكْراهٌ، كاحْتمالٍ في: اقْتُلْ زَيدًا أوْ عَمْرًا.

(وَإِنْ أَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَتْلِ إِنْسَانٍ بِغَيْرِ حَقٍّ مَنْ يَعْلَمُ ذَلِكَ

(3)

؛ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ)؛ لأِنَّه غَيرُ مَعْذُورٍ في فِعْلِه؛ لقوله عليه السلام: «لا طاعةَ لمخلوقٍ في معصيةِ الخالِقِ»

(4)

، ولأِنَّ غَيرَ السُّلطان لو أَمَرَه بذلك؛ كان القِصاصُ على المباشِر، عَلِمَ أو لم

(5)

يَعلَم.

ويَحتَمِلُ: إنْ خافَ السُّلْطانَ قتلاً؛ كما لو أكْرَهَه.

(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ؛ فَعَلَى الآْمِرِ)؛ لأِنَّ المأمورَ معذورٌ؛ لِوُجُوبِ طاعةِ الإمام

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3610، المحرر 2/ 125.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3440، الفروع 9/ 364.

(3)

قوله: (ذلك) سقط من (م).

(4)

روي هذا عن جماعة من الصحابة، أخرجه بهذا اللفظ أحمد (19880)، والطبراني في الكبير (381)، من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، وقال ابن حجر:(سنده قوي)، وصححه الألباني، وأخرج البخاري (7257)، ومسلم (1840)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه، ولفظ مسلم:«لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف» . ينظر: الفتح 13/ 123، الصحيحة (179).

(5)

قوله: (لم) سقط من (م).

ص: 86

في غَيرِ المعصية، والظَّاهِرُ مِنْ حاله أنَّه لا يأمُرُ إلاَّ بالحقِّ.

فرعٌ: إذا أكْرَهَه السُّلْطانُ على قَتْلِ أحدٍ بغَيرِ حقٍّ؛ فالقَوَدُ أو الدِّيةُ عَلَيهِما.

فإنْ كان الإمامُ يَعتَقِدُ جَوازَ القَتْل دُونَ المأمور؛ كمُسلِمٍ قَتَلَ ذِمِّيًّا، فقال القاضي: الضَّمانُ عَلَيهِ دُونَ الإمام؛ لأِنَّه قَتَلَ مَنْ لا يَحِلُّ له قَتْلُه.

قال في «المغْنِي» : يَنبَغِي أنْ يُفرَّقَ بَينَ المجْتَهِد والمقلِّد، فإنْ كان مُجتَهِدًا؛ فهو كقَولِ القاضي، وإنْ كان مُقلِّدًا؛ فلا ضَمانَ عليه

(1)

؛ لأِنَّ له تقليدَ الإمامِ فيما رآه

(2)

.

وإنْ كان الإمامُ يَعتَقِدُ تحريمَه، والمأمورُ يَعتَقِدُ حِلَّه؛ فالضَّمانُ على الآمِرِ، كما لو

(3)

أَمَرَ السَّيِّدُ عبدَه الذي لا

(4)

يعتقد

(5)

تحريمَ القَتْلِ به.

(وَإِنْ أَمْسَكَ إِنْسَانًا لآِخَرَ لِيَقْتُلَهُ، فَقَتَلَهُ؛ قُتِلَ

(6)

الْقَاتِلُ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(7)

؛ لأِنَّه قَتَلَ مَنْ يُكافِئُه عمدًا بغَيرِ حقٍّ.

(وَحُبِسَ الْمُمْسِكُ حَتَّى يَمُوتَ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عُمَرَ مرفوعًا، قال: «إذا أمْسَكَ الرَّجُلَ وقَتَلَه الآخر

(8)

؛ قُتِلَ الْقاتِلُ، ويُحْبَسُ الذي أمْسَكَ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(9)

،

(1)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(2)

في (م): رواه.

(3)

قوله: (لو) سقط من (م).

(4)

في (م): لم.

(5)

في (ن): لا يعلم.

(6)

في (م): فقتل.

(7)

ينظر: المغني 8/ 364.

(8)

في (م): آخر.

(9)

أخرجه الدارقطني (3270)، والبيهقي في الكبرى (16029)، ورجاله ثقات، لكن اختلف في وصله وإرساله، ورجح البيهقي وابن عبد الهادي إرساله، وصححه موصولاً ابن القطان. ينظر: بيان الوهم 5/ 416، تنقيح التحقيق 4/ 485.

ص: 87

وَرَوَى الشَّافِعيُّ نحوَه مِنْ قَضاءِ عليٍّ رضي الله عنه

(1)

، ولأِنَّه حَبَسَه إلى الموت، فيُحبَسُ الآخَرُ عن الطَّعام والشَّراب حتَّى يَموتَ.

(وَالأُخْرَى

(2)

: يُقْتَلُ أَيْضًا)، اخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وادَّعاه

(3)

سُلَيمانُ بنُ موسى إجْماعًا

(4)

؛ لأِنَّ قتله

(5)

حَصَلَ بفِعْلِهِما، كما لو جَرَحاهُ، لكِنْ إنْ لم يَعلَمِ المُمْسِكُ أنَّه يَقتُلُه؛ أنَّه لا شَيءَ عليه.

وكذا الخِلافُ لو فَتَحَ واحِدٌ فمَه وسَقاهُ آخَرُ سَمًّا قاتِلاً فماتَ، وجَزَمَ في «الوجيز» بقَتْلِه.

ومِثْلُه: لو أمسكه

(6)

لِيَقطَعَ طَرَفَه، ذَكَرَه في «الانتصار» ، أوْ تبع

(7)

رجلاً لِيَقْتُلَه، فهَرَبَ، فأدركه

(8)

آخَرُ فَقَطَعَ رِجْلَه، ثُمَّ أدْرَكَه الثَّاني فَقَتَلَه، فإنْ كان

(9)

(1)

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 350)، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«أنه قال في رجل قتل رجلاً متعمدًا وأمسكه آخر فقال: يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت» ، وهو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج، وروايته عن الحجازيين ضعيفة، لكن روي عن علي من أوجه، منها ما أخرجه ابن أبي شيبة (27799)، من رواية ابن أبي كثير أن عليًّا رضي الله عنه، وذكر نحوه، وهو منقطع، وروي من طريق الشعبي عن علي، ذكره ابن عبد البر في الاستذكار 8/ 170 وقال:(وروي ذلك عن علي من وجوه)، فتتقوى هذه الطرق.

(2)

في (م): والآخر.

(3)

في (م): وادعى.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (27798)، عن سليمان بن موسى قال:«الاجتماع فينا على المقتول: هو أن يمسك الرجل ويضربه الآخر، فهما شريكان عندنا في دمه، يقتلان جميعًا» .

(5)

في (م): فعله.

(6)

في (م): أمسك.

(7)

في (م): وتبع.

(8)

في (م): وأدركه.

(9)

قوله: (كان) سقط من (م).

ص: 88

الأوَّلُ حَبَسَه بالقطع

(1)

لِيَقْتُلَه الثَّاني؛ فَعَلَيهِ القَوَدُ في القَطْعِ، وحكمه

(2)

في النَّفْس حُكْمُ الممْسِكِ، وإن

(3)

لم يَقصِدْ حَبْسَه؛ فَعَلَيهِ القَطْعُ دُونَ القَتْل، كالذي أمْسَكَهُ غَيرَ عالِمٍ.

(وَإِنْ كَتَّفَ إِنْسَانًا، وَطَرَحَهُ

(4)

فِي أَرْضٍ مَسْبَعَةٍ، أَوْ ذَاتِ حَيَّاتٍ فَقَتَلْنَهُ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُمْسِكِ)، ذَكَرَه القاضِي، قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ: أنَّه لا قِصاصَ فيه؛ لأِنَّه لا يَقتُلُ غالِبًا، وتَجِبُ فيه الدِّيةُ؛ لأِنَّه فَعَلَ به

(5)

فِعْلاً مُتعمَّدًا، لا يَقتُلُ غالِبًا، فهو شِبْهُ عمْدٍ.

فرعٌ: إذا أمَسْكَ زَيدٌ عبدًا، فَقَتَلَه آخَرُ؛ ضَمِنَه زَيدٌ، ورجعَ على قاتِلِه

(6)

، وله تضمينُ أيِّهما شاء، وإنْ أمْسَكَه لغير

(7)

قَتْلِه؛ لم يَضمَنْه الممْسِكُ بحالٍ، قاله في «الرِّعاية» .

ومَن تعرَّضَ لِقَتْلِ زَيدٍ، ولم يَدفَعْه عن نفسه وسَكَتَ، فَقَتَلَه؛ ضَمِنَه إنْ قُلْنا: الدِّيَةُ إرْثٌ، وإنْ قُلْنا: له؛ فَوَجْهانِ.

(1)

في (م): فعليه القطع.

(2)

في (م): وحكم.

(3)

في (ظ): فإن.

(4)

في (م): فطرحه.

(5)

قوله: (به) سقط من (م).

(6)

في (ظ): عاقلته.

(7)

في (م): بغير.

ص: 89

(فَصْلٌ)

(وَإِنِ اشْتَرَكَ فِي الْقَتْلِ اثْنَانِ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى أَحَدِهِمَا؛ كَالْأَبِ وَأَجْنَبِيٍّ فِي قَتْلِ الْوَلَدِ، وَالْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي قَتْلِ الْعَبْدِ، وَالْخَاطِئِ وَالْعَامِدِ؛ فَفِي

(1)

وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الشَّرِيكِ رِوَايَتَانِ):

إحداهما

(2)

: لا قصاصَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه يُركَّب

(3)

من

(4)

مُوجِبٍ وغَيرِ مُوجِبٍ، فلم يَجِب القِصاصُ؛ لِكوْنِ القَتْلِ لم يَتمَحَّضْ مُوجِبًا.

والثَّانيةُ: يَجِبُ على الشَّريك، قدَّمه في «الرِّعاية» ، واخْتارَهُ أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لأِنَّ سُقوطَه عن شريكه

(5)

لمعنًى مُختَصٍّ به، فلم يَنفُذْ إلى غَيرِه، وكما لو أكره

(6)

أبًا على قَتْلِ ابْنِه.

(وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ: وُجُوبُهُ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ وَالْعَبْدِ)؛ لأِنَّ قَتْلَهما عمدٌ مَحْضٌ عُدْوانٌ، ولأِنَّه شارَكَ في القَتْل العَمْد العُدْوانِ، فيُقتَلُ به؛ كشريكِ الأجنبيِّ، وفِعْلُ الأب يَقتَضِي الإيجابَ؛ لِكَونِه تمَحَّضَ

(7)

عَمْدًا عُدْوانًا، والجِنايَةُ به أعْظَمُ إثْمًا، ولذلك

(8)

خصَّه اللهُ بالنَّهْي، وإنَّما امْتَنَعَ الوُجوبُ في حقِّ الأب لِمَعْنًى مُختَصٍّ بالمَحَلِّ، لا لقصور

(9)

في السبب

(10)

الموجِبِ.

(1)

في (م): في.

(2)

في (م): أحدهما.

(3)

في (م): تركب.

(4)

في (ن): في.

(5)

في (م): شريك.

(6)

في (م): أغراه.

(7)

في (ظ): محضًا.

(8)

في (م): وذلك.

(9)

في (م): لا القصور.

(10)

في (م): النسب.

ص: 90

وكذلك كلُّ شَريكَينِ امْتَنَعَ القَوَدُ في حقِّ أحَدِهما لمعنًى

(1)

فيه مِنْ غَيرِ قُصورٍ في السَّبَب؛ كمُسْلِمٍ وذِمِّيٍّ في قَتْلِ ذِمِّيٍّ.

(وَسقُوطُهُ عَنْ شَرِيكِ الْخَاطِئِ)، في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لأِنَّه لم يَتَمَحَّضْ عَمْدًا، فلم يَجِبْ به قَوَدٌ؛ كشِبْهِ العمد، وكما لو قَتَلَه واحِدٌ بجُرحَينِ عمدًا وخَطَأً.

وكذا الخِلافُ لو اشْتَرَكَ مُكلَّفٌ وغَيرُ مُكلَّفٍ، والأصحُّ في المذهب: أنَّه لا قِصاصَ على البالِغِ، وهو قَولُ الحَسَنِ والأَوْزاعيِّ؛ لأِنَّه شارَكَ مَنْ لا إثم

(2)

عليه في فِعْلِه؛ كشَريكِ الخاطِئِ.

(وَفِي شَرِيكِ السَّبُعِ، وَشَرِيكِ نَفْسِهِ؛ وَجْهَانِ)، وصُورَتُه: أنْ يَجرَحَه أَسَدٌ أوْ نَمِرٌ، أوْ يجرحه

(3)

إنسانٌ ثُمَّ يَجرَحَ نَفْسَه مُتعَمِّدًا، وهما في شريكِ الوليِّ المقْتَصِّ، وشَرِيكِ القاطِعِ حَدًّا، وشَرِيكِ دَفْعِ الصَّائلِ:

أحدُهما: لا قِصاصَ فيه؛ لأِنَّه شارَكَ مَنْ لا يَجِبُ عليه القِصاصُ؛ كشَرِيكِ الخاطِئِ، بَلْ أَوْلَى.

والثَّاني: عَلَيهِ القِصاصُ، واخْتارَه أبو بكرٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو المنصوصُ؛ لأِنَّه قَتْلٌ عَمْدٌ مُتمحِّض

(4)

، فَوَجَبَ القِصاصُ على الشَّريك؛ كشريكِ الأبِ.

فأمَّا إنْ جَرَحَ نَفْسَه خَطَأً؛ فلا قِصاصَ على شريكه في الأصحِّ.

وإذا قُلْنا: لا قَوَدَ عَلَيهِ، أوْ عَدَل

(5)

إلى طَلَبِ المال منه؛ لَزِمَه نصفُ الدِّية.

(1)

في (م): بمعنى.

(2)

قوله: (لا إثم) في (م): الإثم.

(3)

في (م) و (ن): ويجرحه.

(4)

في (ن): يتمحض.

(5)

قوله: (أو عدل) سقط من (م).

ص: 91

وقِيلَ: يَلزَمُه كمالُها في شَريك السَّبُعِ خاصَّةً.

وقِيلَ: يَلزَمُه كمالُها في شريك

(1)

المقْتَصِّ.

ودِيةُ شَرِيك مُخطِئٍ في ماله، لا على عاقلتِه

(2)

على الأصحِّ، قاله القاضي.

(وَلَوْ جَرَحَهُ إِنْسَانٌ عَمْدًا، فَدَاوَى جُرْحَهُ بِسَمٍّ، أَوْ خَاطَهُ فِي اللَّحْمِ) الحيِّ، (أَوْ فَعَلَ ذَلِكَ وَلِيُّهُ، أَوِ الْإِمَامُ)، فَمَاتَ؛ (فَفِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْجَارِحِ وَجْهَانِ):

أحدُهما: لا قِصاصَ عليه، وهو أشْهَرُ؛ لأِنَّ المداويَ قَصَدَ مُداواةَ النَّفْس، فكان فِعْلُه عَمْدَ خَطَأٍ؛ كشَرِيكِ الخاطِئِ.

والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّه شريكٌ

(3)

في القتل.

لكن

(4)

إنْ كان سَمَّ ساعةٍ، يَقتلُ

(5)

في الحالِ؛ فقد قَتَلَ نَفْسَه، وقَطَعَ سِرايَةَ الجُرح، وجَرَى مجْرَى مَنْ ذَبَحَ

(6)

نَفسَه بَعْدَ أنْ جُرِحَ، ويُنظر

(7)

في الجُرْح؛ فإن

(8)

كان مُوجِبًا للقصاص؛ فلوليِّه اسْتِيفاؤه، وإلاَّ أَخَذَ الأَرْش.

وإنْ كان السَّمُّ لا يَقتُلُ غالِبًا، فَفِعْلُ الرَّجُلِ في نَفْسه عمدُ الخَطَأِ، وشَريكُه كشريكِ الخاطِئِ.

وإنْ خاطَهُ غَيرُه بغَيرِ إذْنِه كُرْهًا؛ فهما قاتِلانِ عَلَيهِما القَوَدُ.

(1)

في (ن): شريكه.

(2)

في (م): ما قلته.

(3)

في (م): شريكه.

(4)

قوله: (لكن) سقط من (م).

(5)

في (م): فقتل.

(6)

في (ظ) و (م): جرح. والمثبت موافق لما في المغني 8/ 298، والشرح الكبير 25/ 75.

(7)

قوله: (وينظر) سقط من (م).

(8)

في (ن): إن.

ص: 92

(بَابُ شُرُوطِ الْقِصَاصِ)

(وَهِيَ أَرْبَعَةٌ)، وسَيَذْكُرُها المؤلِّفُ.

(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ الْجَانِي مُكَلَّفًا)؛ لأِنَّ القِصاصَ عُقوبةٌ، وغَيرُ المكلَّفِ لَيسَ مَحَلًّا لها.

(فَأَمَّا الصَّبِيُّ، وَالْمَجْنُونُ؛ فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِمَا)، بغَيرِ خِلافٍ

(1)

؛ لأِنَّ التَّكليفَ مِنْ شُروطِه، وهو مَعدومٌ، وكذا إذا كان زائلَ العَقْلِ بِسَبَبٍ يُعذَرُ فيه؛ كالنَّائمِ والمُغْمَى عَلَيهِ؛ لأِنَّه لا قَصْدَ لهم صحيحٌ.

فلو قال القاتِلُ: كنتُ يَومَ القَتْلِ صغيرًا، أوْ مجنونًا؛ صُدِّقَ مع الإمْكانِ بيَمِينِه، وإنْ قال: أنا الآنَ صغيرٌ؛ فلا قَوَدَ ولا يمين

(2)

.

(وَفِي السَّكْرَانِ وَشِبْهِهِ)؛ كمَنْ زالَ عَقْلُه بسببٍ غَيرِ مَعْذورٍ فيه؛ كمَنْ يَشرَبُ الأَدْوِيةَ المُجنِّنة

(3)

؛ (رِوَايَتَانِ)، وذَكَرَ أبو الخَطَّاب: أنَّ ذلك مبنيٌّ على طلاقه، وفيه رِوايَتانِ، فيكونُ في وُجوبِ القِصاصِ عَلَيهِ وَجْهانِ:

أحدُهما: لا يَجِبُ عليه

(4)

؛ لأِنَّه زائلُ العَقْل، أشْبَهَ المجْنونَ، ولأِنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ، أشْبَهَ الصَّبِيَّ.

(أَصَحُّهُمَا: وُجُوبُهُ عَلَيْهِ)، نَصَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وجَزَمَ به القاضي وصاحِبُ «الوجيز» ؛ لأِنَّ الصَّحابةَ أوْجَبُوا عليه حَدَّ القَذْفِ، وإذا وجب

(5)

الحَدُّ؛ فالقِصاصُ المتمحِّضُ

(6)

حقَّ آدَمِيٍّ أَوْلَى،

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 142، المغني 8/ 284.

(2)

قوله: (فلو قال القاتل: كنت يوم القتل

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (م): المخشية، وفي (ظ): المخثبة.

(4)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(5)

في (م): أوجب.

(6)

في (م): الممحض.

ص: 93

ولأنَّه

(1)

يُفْضِي إلى أنْ يصيرَ عِصْيانُه سَبَبًا لِإسْقاطِ العُقوبةِ عنه، والطَّلاقُ قولٌ

(2)

يُمكِنُ إلْغاؤه، بخِلافِ القَتْل.

(1)

في (م): لأنه.

(2)

في (م): قوله.

ص: 94

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ المَقْتُولُ مَعْصُومًا)؛ أيْ: مَعْصومَ الدَّم؛ لأِنَّ القِصاصَ إنَّما شُرِعَ حِفْظًا للدِّماء المعْصُومةِ، وزَجْرًا عن إتْلافِ البُنْيةِ المطْلُوبِ بَقاؤها، وذلك معدومٌ في غَيرِ المعْصُومِ.

(فَلَا يَجِبُ القِصَاصُ

(1)

بِقَتْلِ حَرْبِيٍّ

(2)

، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(3)

، ولا يَجِبُ بقَتْله دِيةٌ، ولا كفَّارَةٌ؛ لأِنَّه مُباحُ الدَّم على الإطْلاق كالخِنْزيرِ، ولأِنَّ اللهَ تعالَى أَمَرَ بقَتْلِه، فقال:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التّوبَة: 5]، وسَواءٌ كان القاتِلُ مُسلِمًا أوْ ذَمِّيًّا.

(وَلَا مُرْتَدٍّ

(4)

؛ لأِنَّه مُباحُ الدَّم، أشْبَهَ الحَرْبِيَّ.

(وَلَا زَانٍ مُحْصَنٍ)؛ أي: لا يَجِبُ بقَتْلِه قِصاصٌ، ولا دِيَةٌ، ولا كفَّارةٌ؛ كالمرتَدِّ.

وحَكَى بعضُهم وَجْهًا: أنَّ على قاتله

(5)

القَوَدَ؛ لأِنَّ قَتْلَه إلى الإمام؛ كمَنْ عليه القِصاص إذا قَتَلَه غَيرُ مستحِقِّ دمِه

(6)

.

وجَوابُه: بأنَّه مُباحُ الدَّم، مُتَحَتِّمٌ قَتْلُه، فلم يُضْمَن

(7)

كالحربيِّ.

(1)

قوله: (للدماء المعصومة وزجرًا عن إتلاف

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): جزء.

(3)

ينظر: الأم للشافعي 6/ 26، المغني 8/ 277.

(4)

كتب في هامش (ظ): (أي لا يقتل به مسلم معصوم؛ لاستيفائه حد الله تعالى، سواء قتله قبل أمر الإمام بقتله أم لا، وسواء ثبت زناه بالبينة أم بالإقرار، وكذا تارك الصلاة عمدًا بعد الأمر بها وقد خرج وقتها؛ لا يُقتل به مسلم معصوم).

(5)

في (ظ): عاقلته.

(6)

قوله: (دمه) سقط من (ظ) و (ن).

(7)

في (م): فلم يضمنه.

ص: 95

وظاهِرُه: ولو قَبْلَ ثبوته

(1)

عِنْدَ حاكِمٍ، قال في «الرِّعاية» و «الفروع»: والمُرادُ قَبْلَ التَّوبة؛ فَهَدرٌ، وإنْ بَعْدَها إنْ قُبِلَتْ ظاهِرًا؛ فكإسْلامٍ طارئٍ

(2)

.

فدلَّ

(3)

أنَّ طَرَفَ مُحصَنٍ كمُرتَدٍّ، لا سِيَّما وقَولُهم: عُضْوٌ مِنْ نَفْسٍ وَجَبَ قَتْلُها، ولكِنْ يُعزَّرُ؛ لِلاِفْتِياتِ على وليِّ الأمر؛ كَمَنْ قَتَلَ حَرْبِيًّا.

(وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذِمِّيًّا)، فيه تنبيهٌ على مُساواةِ الذِّمِّيِّ للمُسلِمِ في ذلك؛ لأِنَّ القَتْلَ منهما صادَفَ مَحَلَّه.

ويَحتَمِلُ: قَتْلُ

(4)

الذِّمِّيِّ بالزَّاني المحْصَنِ، قاله في «التَّرغيب» ، لأنَّ الحدَّ لنا

(5)

، والإمام

(6)

نائبٌ.

قال في «الرَّوضة» : إنْ أَسْرَعَ وليُّ قتيلٍ أوْ أجنبيٍّ فَقَتَلَ قاطِعَ طريقٍ قَبْلَ وصوله

(7)

الإمامَ؛ فلا قَوَدَ؛ لأِنَّه انْهَدَرَ دَمُه، وظاهِرُه: ولا دِيَةَ، ولَيسَ كذلك.

(وَلَوْ قَطَعَ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ

(8)

يَدَ مُرْتَدٍّ أَوْ حَرْبِيٍّ، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ مَاتَ، أَوْ رَمَى حَرْبِيًّا، فَأَسْلَمْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ بِهِ السَّهْمُ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه لم يجنِ

(9)

على معصومٍ، ولأِنَّه رَمَى مَنْ هو مأمورٌ بِرَمْيِه، فلم يَضمَنْ؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ في التَّضمين بحالِ ابْتِداءِ الجناية

(10)

؛ لأِنَّها مُوجِبَةٌ،

(1)

في (م): قتل بثبوته.

(2)

في (م): ظاهر.

(3)

زيد في (م): على.

(4)

في (ظ): في قتل.

(5)

قوله: (لأن الحد لنا) في (ن): لكن الحد لنا. وفي (م): لكن لنا.

(6)

في (م): وللإمام.

(7)

في (م): سؤاله.

(8)

في (م): وذمي.

(9)

في (م): لم يجر.

(10)

في (ظ) و (م): الحياة.

ص: 96

وحالُها لم يكن

(1)

كلٌّ من الحَربيِّ والمرتَدِّ أهْلاً لأن

(2)

يُضمَنَ، فلم يكُنْ على الجاني شَيءٌ؛ لِفَواتِ الأهْلِيَّة المشْتَرَطة لِوُجوبِ الضَّمان.

وظاهِرُه: أنَّه لا قِصاصَ ولا دِيةَ عليه، وجَعَلَه في «التَّرغيب» كمَنْ أسْلَمَ قَبْلَ الإصابةِ.

(وَإِنْ رَمَى مُرْتَدًّا، فَأَسْلَمَ قَبْلَ وُقُوعِ السَّهْمِ بِهِ؛ فَلَا قِصَاصَ)؛ لأِنَّه رَمَى مَنْ لَيسَ بمعصومٍ، أشْبَهَ الحَرْبيَّ، (وَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ):

أحدُهما: لا تَجِبُ، وهو الأشْهَرُ؛ كرِدَّةِ مسلِمٍ، وكالحَرْبِيِّ.

والثَّاني: تجب؛ لأِنَّ الرَّمْيَ هُنا مُحرَّمٌ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الاِفْتِياتِ على الإمامِ، وكتَلَفِه بِبِئْرٍ حُفِرَتْ.

وقِيلَ: كمُرتَدٍّ؛ لتفريطه؛ إذْ قتله

(3)

لَيسَ إليه.

والعَمَلُ على الأوَّلِ، قاله الحُلْوانيُّ.

فائدةٌ: قال في

(4)

«الرِّعاية» : وإنْ رَمَى مُرتَدًّا أوْ حَرْبِيًّا، فأصابَه بَعْدَ إسْلامِه، فَماتَ؛ فهَدرٌ، كما لو بانَ أنَّ الحَربِيَّ كان قد أسْلَمَ قَبْلَ الرَّمْيِ وكَتَمَ إسْلامَه، وقِيلَ: تَجِبُ الدِّيَةُ، وقِيلَ: للمُرتَدِّ فقطْ، وهي كديةِ

(5)

حُرٍّ مسلِمٍ مخففة

(6)

على عاقِلَتِه، وقِيلَ: يقتل

(7)

به.

(وَإِنْ قَطَعَ يَدَ مُسْلِمٍ فَارْتَدَّ

(8)

وَمَاتَ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ فِي أَحَدِ

(1)

في (م): لم تكن.

(2)

في (م): لا أن.

(3)

في (م): إذا قتل.

(4)

قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).

(5)

في (ظ) و (م): دية.

(6)

قوله: (مسلم مخففة) في (م): محققة.

(7)

في (ن): تقتل.

(8)

قوله: (فارتد) سقط من (م).

ص: 97

الْوَجْهَيْنِ)، هذا هو الأصحُّ؛ لأِنَّها نَفْسُ مُرتَدٍّ غَيرِ مَعصومٍ ولا مَضمونٍ، بدليلِ ما لو

(1)

قَطَعَ طَرَفَ ذِمِّيٍّ فصار حَربِيًّا، ثُمَّ ماتَ مِنْ جِراحِه.

وأمَّا اليَدُ؛ فالصَّحيحُ: أنَّه لا قَوَدَ فيها.

أصْلُهما: هل يفعل

(2)

به كفِعْلِه، أم في النَّفس فقطْ؟ وهل يَسْتَوْفِيهِ الإمامُ أمْ قَريبُه؟ فيه وَجْهانِ: أصلهما

(3)

: هل مالُه فَيْءٌ أمْ لورثته؟

والوَجْهُ الثَّاني: يَجِبُ؛ كما لو قَطَعَ طَرَفَه، ثُمَّ جاء آخَرُ فَقَتَلَه.

وجَوابُه: بأنَّه قَطْعٌ صار قَتْلاً لم يَجِبْ به القَتْلُ، فلم يَجِبْ به القَطْعُ؛ كما لو قَطَعَ مِنْ غَيرِ مَفْصِلٍ.

وظاهِرُه: أنَّه لا تَجِبُ دِيَةُ الطَّرَف في وَجْهٍ؛ لأِنَّه قَتْلٌ لغَيرِ مَعْصومٍ.

وتجب

(4)

في آخَرَ؛ لأِنَّ سقوط

(5)

حُكْمِ سِرايَةِ الجُرْح لا يُسقِطُ ضَمانَه؛ كما لو قَطَعَ طَرَفَ رَجلٍ، ثُمَّ قَتَلَه آخَرُ، فعلى هذا: يَجِبُ ضَمانُه.

فَلَوْ قَطَعَ يديه

(6)

ورِجْلَيهِ، ثُمَّ ارْتَدَّ وماتَ؛ ففِيهِ دِيَتانِ؛ لأِنَّ الرِّدَّةَ قَطَعَتْ حُكْمَ السِّرايَة.

وعلى الأوَّل: يَجِبُ عَلَيهِ الأقلُّ مِنْ دِيَةِ النَّفْس أو الطَّرَفِ، يَسْتَوْفِيهِ الإمامُ.

(وَفِي الآْخَرِ: يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ)؛ لأِنَّ المجْنِيَّ عَلَيهِ حالَ القَطْع كان مُكافِئًا، والقَتْلُ بسبَبِ القَطْعِ غَيرُ مُوجِبٍ للقِصاص هُنا، فَوَجَبَ القَطْعُ؛ لاِنْتِفاءِ إفْضائِه إلى القِصاص في النَّفس، (أَوْ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لِمَا سَبَقَ.

(1)

قوله: (ما لو) سقط من (م).

(2)

قوله: (هل يفعل) في (م): هو يقتل.

(3)

قوله: (أصلهما) سقط من (م).

(4)

في (م): ويجب.

(5)

قوله: (سقوط) سقط من (ن).

(6)

في (م): يده.

ص: 98

وقِيلَ: لا قَوَدَ ولا دِيَةَ في عَمْدِ ذلك ولا خَطَئِه؛ لأِنَّ الجُرحَ صارَ بالسِّرايَة نَفْسًا، فيَدخُلُ القطع

(1)

فيه تَبَعًا، ولو قَتَلَه في تِلْك الحالِ لم يَضمَنْه، فكذا إذا ماتَ بالسِّرايَةِ.

(وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ مَاتَ؛ وَجَبَ

(2)

الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ) مَع العَمْد، أو الدِّيَةُ مع الخَطَأ، (فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)، ونَصَّ عليه في روايةِ محمَّدِ ابنِ الحَكَم

(3)

؛ لأِنَّه مُسلِمٌ حالَ الجناية

(4)

والموتِ؛ فوَجَبَ القِصاصُ بقَتْلِه، كما لو لم يَرتَدَّ.

وأمَّا الدِّيَةُ فتَجِبُ كامِلةً، وقِيلَ: نِصفُها؛ لأِنَّها من

(5)

جُرْحٍ مَضمُونٍ، وسرايةٍ

(6)

غيرِ مَضْمونةٍ، كما لو جَرَحَه إنْسانٌ وجَرَحَ نَفْسَه، وماتَ مِنهُما.

(وَقَالَ الْقَاضِي): يَتوَجَّهُ عِنْدِي، واخْتارَه في «التَّبصرة» ، (إِنْ كَانَ زَمَنَ الرِّدَّةِ مِمَّا تَسْرِي فِيهِ الْجِنَايَةُ؛ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ)؛ كما لو

(7)

عفا

(8)

بعضُ المستَحِقِّينَ، ولهذا لو وُجِدَت الرِّدَّةُ في أحَدِ الطَّرَفَينِ؛ لم يجب

(9)

القِصاصُ، ويَجِبُ نصفُ الدِّيَة، وقِيلَ: كلُّها.

وهل تَجِبُ في الطَّرَف الذي قُطِعَ في إسْلامِه؟ فيه وَجْهانِ.

تنبيهٌ: إذا رَمَى مسلمًا

(10)

،

(1)

في (م): القتل.

(2)

في (م): وجبت.

(3)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 503.

(4)

في (م): الحياة.

(5)

في (ن): في.

(6)

في (ن): وسرايته.

(7)

قوله: (لو) سقط من (م).

(8)

زيد في (ن): عن.

(9)

في (م): لم تجب.

(10)

في (م): السهم.

ص: 99

فلم يَقَعْ به

(1)

السَّهْمُ حتَّى ارتَدَّ؛ فلا ضَمانَ عليه، وفي دية

(2)

الجُرْحِ رِوايَتانِ:

إحداهما: حالَ الإصابة. والثَّانيةُ: حالَ السِّرايَة.

وهَل الاِعْتِبارُ في القتل بحال

(3)

الرَّامِي، أوْ بحالِ الإصابة؟ فيه وَجْهانِ، قال في

(4)

«الرعاية» : والأَوْلَى أنَّ كلَّ جِنايَةٍ تُهدَرُ ابتِداءً تُهدَرُ دَوامًا، وإنْ تغيَّرَ الحالُ بعدُ، وما ضُمِنَ ابْتِداءً ضُمِنَ دَوامًا.

ويُعتَبَرُ المِقْدارُ بالآخِرَة، فلو تَبدَّلَ حالُ الرَّامِي والمَرْمِيِّ بَينَ الإصابة

(5)

والرَّمْيِ؛ فلا قَوَدَ حتَّى يَكمُلَ حالُها في الطَّرَفَينِ، وفي تَحمُّلِ العَقْلِ؛ يُعتَبَرُ الطَّرَفانِ والواسِطةُ.

وإذا كان المَرمِيُّ مَضمونَ الدَّم في الطرفين

(6)

؛ اعْتُبِرَ الضَّمانُ بالآخِرة.

وإنْ كان مضمونًا حِينَ الرَّمْيِ دُونَ الإصابة؛ فَهَدرٌ، وإنِ انْعَكَسَ؛ ضَمِنَ حالَ الإصابة.

(1)

قوله: (به) سقط من (م).

(2)

قوله: (وفي دية) في (م): في ردته.

(3)

في (م): بالقتل بحالة.

(4)

قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).

(5)

قوله: (والمرمي بين الإصابة) سقط من (ن).

(6)

قوله: (وفي تحمل العقل يعتبر الطرفان والواسطة

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 100

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُكَافِئًا لِلْجَانِي)؛ لأِنَّ المَجْنِيَّ عليه إذا لم يكُنْ مُكافِئًا للجاني، فيكونُ آخِذه

(1)

آخِذًا به لأِكثرَ مِنْ الحقِّ.

(وَهُوَ أَنْ يُسَاوِيَهُ فِي الدِّينِ

(2)

؛ لقوله عليه السلام: «المؤمِنونَ تَتَكافَأُ دِماؤهم، ويَسعَى بذِمَّتِهم أدْناهم، ولا يُقتَلُ مُؤمِنٌ بكافِرٍ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وفي لفظٍ

(3)

: «ولا يُقتَلُ مُسلِمٌ بكافِرٍ» ، وعن عليٍّ قال: «مِنْ السُّنَّة ألاَّ يُقتَلَ مُؤمِنٌ

(4)

بكافِرٍ» رواهُ أحمدُ

(5)

، ولأِنَّ الكافِرَ مَنقُوصٌ بالكُفْر، فلا يُقتَلُ به المسْلِمُ؛ كالمسْتَأْمَنِ.

لا يُقالُ: الآياتُ والأخبار

(6)

الدَّالَّةُ على قَتْلِ المسْلِمِ بمِثْلِه شامِلةٌ لِقَتْلِ المسْلِمِ بالكافِرِ؛ لأِنَّه يَجِبُ تخصيصُها بما ذُكِرَ.

(1)

قوله: (آخذه) سقط من (م).

(2)

في (م): اليدين.

(3)

قوله: (وفي لفظ) في (م): ولفظه لمسلم.

(4)

في (م): مسلم. وكتب فوقها في (ظ): مسلم.

(5)

هذا حديث واحد عن علي رضي الله عنه، فاللفظ الأول: أخرجه أحمد (959)، وأبو داود (4530)، والنسائي (4745)، والحاكم (2623)، وصححه الحاكم وابن عبد الهادي وابن الملقن، وله طرق أخرى صحيحة عن جماعة من الصحابة، وأخرج البخاري (6915)، قطعة منه وهو قوله:«لا يقتل مسلم بكافر» .

واللفظ الآخر أخرجه الدارقطني (3254)، من طريق جابر، عن الشعبي عن علي رضي الله عنه قال:«من السنة ألاّ يقتل مؤمن بكافر، ومن السنة ألاَّ يقتل حر بعبد» ، وفي إسناده جابر الجعفي وهو ضعيف، ولم نقف عليه في المسند، وكذا ذكر الألباني، وقد عزاه ابن قدامة لأحمد. ينظر: المغني 8/ 274، تنقيح التحقيق 4/ 460، البدر المنير 9/ 158، الإرواء 7/ 268.

(6)

في (ن): الأخبار والآيات.

ص: 101

وقد رَوَى البَيْلماني

(1)

: «أقاد مسلِمًا بذِمِّيٍّ» ، قيل

(2)

: قال أحمدُ: لَيسَ له إسناد

(3)

، وقال أيضًا

(4)

: هو مُرسَلٌ، وقال الدَّارَقُطْنِيُّ: البَيْلماني

(5)

ضعيفٌ إذا أسْنَدَ؛ فكَيفَ إذا أرْسَلَ

(6)

.

(والْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ)؛ لقَولِ عليٍّ وابنِ عبَّاسٍ: «لا يُقتَلُ حرٌّ بعبدٍ» رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(7)

، ولأِنَّهما شَخْصانِ لا يَجْري بَينَهما القِصاصُ في الأطراف السَّليمةِ، فلم يَجِبْ في النَّفس؛ كالأُبوَّة، ولأِنَّه مَنقوصٌ بالرِّقِّ، فلم يُقتَلْ به الحُرُّ؛ لِرُجْحانِه عليه بوَصْفِ الحرِّيَّة.

(فَيُقْتَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ أَوِ الْعَبْدِ، وَالذِّمِّيِّ

(8)

الحُرِّ أَوِ العَبْدِ

(9)

(1)

في (م): السلماني.

(2)

في (ظ): قتل.

(3)

في (م): إسناده. وينظر: المغني 8/ 274.

(4)

في (م): القاضي.

(5)

في (م): السلماني.

(6)

أخرجه الدارقطني (3259)، والبيهقي في الكبرى (15917)، من طريق إبراهيم بن محمد الأسلمي، عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن، عن ابن البيلماني، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل مسلمًا بمعاهد، وقال:«أنا أكرم من وفى بذمته» ، وأخرجه من وجه آخر بلفظ:«أقاد مسلمًا قتل يهوديًا» ، وفي لفظ:«أقاد مسلمًا بذمي» ، والأسلمي متروك الحديث، وأعله الدارقطني والبيهقي بالإرسال قال الدارقطني:(والصواب عن ربيعة، عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف بما يرسله).

(7)

أثر علي سبق تخريجه 9/ 101 حاشية (5)، وأما أثر ابن عباس رضي الله عنهما فهو حديث مرفوع، أخرجه الدارقطني (3252)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (15939)، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يقتل حر بعبد» ، وإسناده ضعيف جدًّا، فيه جويبر بن سعيد الأزدي وهو ضعيف، وقال الذهبي:(تركوه)، والضحاك لم يسمع من ابن عباس، قاله النسائي وغيره. ينظر: الكاشف 1/ 298، تنقيح التحقيق 4/ 467.

(8)

في (م): أو الذمي.

(9)

في (م): والعبد.

ص: 102

بِمِثْلِهِ)؛ لحصولِ المُكافَأَةِ بَينَهما، ويُقتَلُ الذِّمِّيُّ بمِثْلِه، اتَّفَقَتْ أدْيانُهم أو اخْتَلَفَتْ، نَصَّ عليه في النَّصرانيِّ يُقتَلُ بالمجُوسِيِّ

(1)

، وذِمِّيٌّ بمُسْتَأْمَنٍ وعَكْسه، والعبدُ المسلمُ بمِثْلِه في قَولِ أكثرِهم؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى

} الآية [البَقَرَة: 178]، وكتَفاوُتِ الفَضائِلِ؛ كالعِلْمِ والشَّرَف، لا مُكاتَبٍ بعَبْدِه، ويُقتَلُ بعَبْدِه ذي الرَّحِم المُحرَّمِ في الأَشْهَرِ.

فإنْ قتَلَ رقيقٌ مسلمٌ رقيقًا مسلِمًا كذِمِّيٍّ

(2)

؛ ففي جَوازِ القَوَد وَجْهانِ، وإنْ تَساوَت القِيمةُ.

وإنْ قَتَل عبدٌ ذِمِّيٌّ عبدًا مسلِمًا؛ قُتِلَ به.

ويُقتَلُ قِنٌّ بمُكاتَبٍ في الأصحِّ، فإنْ كانا لسيدٍ

(3)

؛ فلا قَوَدَ في وَجْهٍ.

ويُقتَلُ كلٌّ منهما بالمدبَّر، وأمِّ الوَلَد، وبالعَكْس.

فرعٌ: إذا قَتَلَ مَنْ بَعضُه حُرٌّ مِثْلَه، أوْ أكثرَ منه حُرِّيَّةً؛ قُتِلَ به

(4)

في الأصحِّ، ولا يُقتَلُ بعبدٍ، ولا يُقتَلُ به حرٌّ.

(وَيُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى)، بغَيرِ خِلافٍ

(5)

؛ لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المَائدة: 45]، و «لأِنَّه عليه السلام قَتَلَ يهوديًّا رضَّ رأسَ جاريةٍ بَينَ حَجَرَينِ»

(6)

، ولأِنَّهما شَخْصانِ يُحَدُّ كلُّ واحِدٍ منهما بِقَذْفِ الآخَرِ، فقُتِل

(7)

به؛ كالرَّجُل بالرَّجُل.

(وَالْأُنْثَى بِالذَّكَرِ فِي الصَّحِيحِ عَنْهُ)، في قَولِ عامَّتِهم؛ لأِنَّها دُونَه.

(1)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 316، زاد المسافر 4/ 404.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 9/ 372: لذمي.

(3)

في (م): فإذا كان السيد.

(4)

في (م): قتل فيه. وفي (ن): فقتل به.

(5)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 274.

(6)

أخرجه البخاري (6876)، ومسلم (1672)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(7)

في (ن): يقتل.

ص: 103

(وَعَنْهُ: يُعْطَى الذَّكَرُ نِصْفَ الدِّيَةِ إِذَا قُتِلَ بِالْأُنْثَى)؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، ثَنَا هُشَيمٌ، أنَا يُونُسُ، عن الحَسَن، عن عليٍّ، قال:«يُقتَلُ الرَّجُلُ بالمرأة، ويُعْطَى أوْلياؤه نصفَ الدية»

(1)

، ولأِنَّ دِيَتَها نِصْفُ دِيَتِه، فَوَجَبَ أنْ يُعْطَى ذلك؛ ليَحصُلَ

(2)

التَّساوِي.

(وَعَنْهُ: لَا يُقْتَلُ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ إِلاَّ أَنْ تَسْتَوِيَ قِيمَتُهُمَا)؛ لأِنَّه بَدَلُ مالٍ، فيعتبر

(3)

فيه التَّساوِي؛ كالقيمة، (وَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ).

والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ للنَّصِّ، ولأِنَّه قِصاصٌ، فلا يُعتَبَرُ فيه التَّساوِي في القيمة؛ كالأحرار.

ولم يَتعرَّض المؤلِّفُ للخُنْثَى، وحاصِلُه: أنَّه يُقتَلُ كلُّ واحِدٍ من الذَّكَر والأنْثَى بالخُنْثى، ويُقتَلُ بهما؛ لأِنَّه إمَّا رجلٌ أو امرأةٌ.

(وَيُقْتَلُ الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِ)؛ لأِنَّه «عليه السلام قَتَلَ يهودِيًّا بجاريةٍ»

(4)

، ولأِنَّه إذا قُتِلَ بمِثْلِه؛ فمَنْ فوقه

(5)

أَوْلَى.

(وَالْعَبْدُ بِالْحُرِّ)؛ لأِنَّه أكملُ

(6)

منه، أشْبَهَ قَتْلَ الكافِرِ بالمسْلِم.

(1)

قوله: (إذا قتل بالأنثى لما روى سعيد

) إلى هنا سقط من (م).

والأثر: لم نقف عليه عند سعيد بن منصور، وأخرج الطبري في تفسيره (3/ 99)، عن قتادة، عن الحسن، أن عليًا رضي الله عنه، قال في رجل قتل امرأته:«إن شاؤوا قتلوه وغرموا نصف الدية» ، ورجاله ثقات، إلا أن الحسن لم يسمع من علي، ويقويه ما أخرجه أيضًا الطبري (3/ 100)، من طريق سماك، عن الشعبي، قال في رجل قتل امرأته عمدًا، فأتوا به عليًّا رضي الله عنه، فقال:«إن شئتم فاقتلوه، وردوا فضل دية الرجل على دية المرأة» ، وسماك صدوق في روايته عن غير عكرمة.

(2)

في (م): فيحصل.

(3)

في (م): يعتبر.

(4)

أخرجه البخاري (6876)، ومسلم (1672)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(5)

في (م): قومه.

(6)

في (م): كمل.

ص: 104

(وَالْمُرْتَدُّ بِالذِّمِّيِّ)؛ لأِنَّ المرتدَّ كافِرٌ، فيُقتَلُ بالذِّمِّيِّ كالأصليِّ؛ ولأنَّ

(1)

المرتَدَّ أسْوَأُ حالاً من الذِّمِّيِّ؛ لأِنَّه مُهدَرُ الدَّم، بخِلافِ الذِّمِّيِّ.

فَعَلَى هذا: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يَبْقَى على رِدَّتِه، أوْ يَعودَ إلى الإسلام، ونَبَّهَ عَلَيهِ بقَولِه: (وَإِنْ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ، نَصَّ عَلَيْهِ

(2)

؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ في القِصاص بحالِ الجِنايَة، وحالةُ المرتدِّ والذِّمِّيِّ سَواءٌ بالنِّسبة إلى نَفْسِ الكُفْر.

(وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) مطلقًا

(3)

، في قَولِ أكثرِ العلماء، منهم عمرُ

(4)

، وعُثْمانُ

(5)

،

(1)

في (م): لأن.

(2)

ينظر: المحرر 2/ 125.

(3)

قوله: (مطلقاٌ) سقط من (م).

(4)

روي عن عمر رضي الله عنه من أوجه منها: ما أخرجه ابن أبي شيبة (27470)، بسند صحيح عن النزال بن سبرة: أن رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الحيرة فكتب فيه إلى عمر بن الخطاب، فكتب عمر:«أن اقتلوه به» ، فقيل لأخيه حنين: اقتله، قال:«حتى يجيء الغضب» قال: فبلغ عمر أنه من فرسان المسلمين، قال: فكتب عمر: «أن لا تقيدوه به» ، قال: فجاءه الكتاب وقد قتل. وأخرجه بمعناه محمد بن الحسن في الحجة (4/ 355)، ومن طريقه الشافعي في الأم (7/ 339)، والبيهقي في الكبرى (15928)، عن إبراهيم النخعي: أن رجلاً من بكر بن وائل قتل رجلاً من أهل الحيرة

، وهو منقطع بين إبراهيم وعمر رضي الله عنه.

وأخرجه عبد الرزاق (18509)، من طريق ليث، عن مجاهد، قال:«قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلاً من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة فهمَّ أن يقيده» ، فقال له زيد بن ثابت:«أتقيد عبدك من أخيك» ، فجعل عمر ديته. وليث بن أبي سليم ضعيف، ومجاهد لم يدرك عمر رضي الله عنه.

(5)

أخرجه عبد الرزاق كما في المحلى (10/ 223)، ورواه عنه أحمد كما في أحكام أهل الملل للخلال (1/ 311)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه الدارقطني (3289)، والبيهقي في الكبرى (15931)، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رجلاً مسلمًا قتل رجلاً من أهل الذمة عمدًا، فرفع إلى عثمان: فلم يقتله، وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم»، وإسناده صحيح، قال ابن حزم:(هذا في غاية الصحة عن عثمان).

وأخرجه ابن أبي شيبة (27475)، عن الحسن، قال: سئل عثمان عن رجل يقتل يهوديًّا أو نصرانيًّا، قال:«لا يقتل مسلم بكافر، وإن قتله عمدًا» ، والحسن روايته عن عثمان مرسلة.

ص: 105

وعليٌّ

(1)

، وزَيدٌ

(2)

؛ لقوله عليه السلام: «لا يُقتَلُ مسلِمٌ بكافِرٍ» رواهُ البخاريُّ

(3)

.

وظاهِرُه: ولو ارْتَدَّ، ولأِنَّه مَنقُوص بالكفر، فلا

(4)

يُقتَلُ به المسلِمُ؛ كالمسْتَأْمَنِ.

وقِيلَ: يُقتَلُ به؛ للعُمومات، وأنَّ

(5)

الخبر

(6)

في الحربيِّ؛ كما يُقطَعُ بسَرِقةِ ماله.

وفي

(7)

كلامِ بعضهم: حكمُ المال غَيرُ حُكْمِ النَّفْس، بدليلِ القَطْع بسَرِقةِ مالِ زانٍ مُحصَنٍ، وقاتِلٍ في محاربة

(8)

، ولا يُقتَلُ قاتِلُهما.

والفَرْقُ: أنَّ مالَهما باقٍ على العِصْمة؛ كمالِ غَيرِهما، وعِصمةُ دَمِهِما زالَتْ.

وعَجِبَ أحمدُ مِنْ قَولِ الشَّعبيِّ والنَّخَعِيِّ: أنَّه يُقتَلُ المسْلِمُ بالمجوسيِّ،

(1)

سبق تخريجه 9/ 101 حاشية (5).

(2)

تقدم في أثر عمر عند عبد الرزاق، وأخرج البيهقي في الكبرى (15926)، عن مكحول: أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه دعا نبطيًّا يمسك له دابته عند بيت المقدس فأبى فضربه فشجه، فاستعدى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له:«ما دعاك إلى ما صنعت بهذا؟» ، فقال: يا أمير المؤمنين أمرته أن يمسك دابتي فأبى، وأنا رجل فيَّ حدة فضربته، فقال:«اجلس للقصاص» ، فقال زيد بن ثابت:«أتقيد عبدك من أخيك؟» ، فترك عمر رضي الله عنه القود وقضى عليه بالدية. وإسناده صحيح. ينظر: نصب الراية 4/ 337.

(3)

أخرجه البخاري (111)، من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

(4)

في (م): ولا.

(5)

في (ن): ولأن.

(6)

في (م): الحر.

(7)

في (م): في.

(8)

في (م): وقال في محاربته.

ص: 106

واسْتَشْنَعَه

(1)

؛ لأِنَّه لَيسَ بمحقون

(2)

الدَّمِ.

(وَلَا حُرٌّ

(3)

بِعَبْدٍ)؛ لقوله تعالى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البَقَرَة: 178]، فدلَّ على أنَّه لا يُقتَلُ به الحرُّ، ولِمَا رَوَى أحمدُ عن عليٍّ أنَّه قال: «من السُّنَّة أن

(4)

لا يُقتَلَ حرٌّ بعبدٍ»، وعن ابنِ عبَّاسٍ مرفوعًا مِثلُهُ، رَواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(5)

، ولأِنَّه لا يُقطَعُ طَرَفُه بطَرَفِه مع التَّساوِي في السَّلامة، فلا يُقتَلُ به؛ كالأبِ مع ابْنِه.

ويتوجَّه: عَكْسُه، وهو قَولُ ابنُ المسيِّب والنَّخَعِيِّ، ولأِنَّه آدَمِيٌّ مَعصومٌ أشْبَهَ الحرَّ.

وجَوابُه: أنَّه مَنقُوصٌ بالرِّقِّ، فلم يُقتَلْ به الحُرُّ؛ كالمكاتَبِ إذا مَلَكَ ما يُؤدِّي.

(إِلاَّ أَنْ يَقْتُلَهُ وَهُوَ مِثْلُهُ، أَوْ يَجْرَحَهُ، ثُمَّ يُسْلِمَ الْقَاتِلُ، أَوِ الْجَارِحُ، أَوْ يَعْتِقَ، وَيَمُوتَ الْمَجْرُوحُ؛ فَإنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

.

وحاصِلُه: أنَّ الاِعْتِبارَ في التَّكافُؤِ بحالةِ الوُجوب؛ كالحَدِّ، فعلى هذا: إذا قَتَلَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أوْ جَرَحَه، ثُمَّ أسْلَمَ الجارِحُ، وماتَ المجْروحُ، أوْ قَتَلَ عَبْدٌ عبدًا، أوْ جَرَحَه، ثمَّ عَتَقَ القاتِلُ أو الجارحُ

(7)

، ومات المجروح؛ وَجَبَ القِصاصُ؛ لأِنَّهما متكافئان

(8)

حالَ الجِنايَةِ، ولأِنَّ القِصاصَ قد وَجَبَ، فلا

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 445، المغني 8/ 273.

(2)

في (م): محقون.

(3)

قوله: (ولا حر) في (م): والآخر.

(4)

في (ظ): أنه.

(5)

سبق تخريجهما 9/ 102 حاشية (7).

(6)

ينظر: مسائل صالح 2/ 249، أحكام أهل الملل ص 268.

(7)

في (ظ): الخارج.

(8)

في (م): يتكافآن.

ص: 107

يَسقُطُ بما طَرَأَ؛ كما لو جُنَّ، ذَكَرَه الأَصْحابُ.

وقِيلَ: لا يُقتَلُ به، وقاله

(1)

الأَوْزاعِيُّ؛ كما لو كان مُؤمِنًا حالَ قَتْلِه.

والأوَّلُ أقْيَسُ، لا

(2)

يُقالُ: لِمَ اعْتُبِرَت المكافَأةُ عِنْدَ ذلك؟ لأِنَّ القِصاصَ عُقوبةٌ، فكان الاِعْتِبارُ فيها

(3)

بحالِ الوُجوب دُونَ الاِسْتِيفاءِ، ولأِنَّ القِصاصَ حقٌّ

(4)

وَجَبَ عليه قَبْلَ إسْلامِه وعِتْقِه، فلم يُسقِطه

(5)

الإسلامُ؛ كسائِرِ الحُقوقِ.

(وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا، أَوْ جَرَحَ حُرٌّ

(6)

عَبْدًا، ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَعَتَقَ، وَمَاتَ؛ فَلَا قَوَدَ)؛ لأِنَّ المكافأةَ معدومةٌ حالةَ الجِنايَةِ، (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ فِي قَوْلِ ابْنِ حَامِدٍ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الاِعْتِبارَ في الأَرْشِ بحالِ اسْتِقْرارِ الجناية

(7)

، بدليلِ ما لو قَطَعَ يَدَيْ رَجلٍ ورِجلَه

(8)

، فَسَرَى إلى نفسه ففيه دِيَةٌ واحدةٌ؛ اعْتِبارًا بحالِ اسْتِقْرارِ الجناية، ولو اعْتُبِر حالُ الجناية؛ وجبت

(9)

دِيَتانِ.

وللسيِّد أقلُّ الأَمْرَينِ من نصفِ قِيمتِه، أوْ نصفِ ديةِ حرٍّ، والباقي لورثته.

وقِيلَ: الدِّيةُ لسيِّده؛ لوجوبها عليه قَبْلَ العتق، وما زاد منها على أرْشِ الجناية إرْثٌ.

(1)

في (م): وقال.

(2)

في (ن): لأن لا.

(3)

في (م): فيهما.

(4)

في (م): قد.

(5)

في (م): فلم يسقط.

(6)

قوله: (حر) سقط من (م).

(7)

قوله: (الجناية) سقط من (ن).

(8)

في (ن): ورجليه.

(9)

في (م): وجب.

ص: 108

(وَفِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ)، والقاضي وأصحابِه، وابنِ حامِدٍ فيما حكاه ابنُ عَقِيلٍ عنه

(1)

في «التذكرة» ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ:(عَلَيْهِ فِي الذِّمِّيِّ دِيَةُ ذِمِّيٍّ، وَفِي الْعَبْدِ: قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهِ).

وديةُ مسلِمٍ لوارثٍ مسلِمٍ؛ لأِنَّ حكمَ القِصاص مُعتَبَرٌ بحال الجناية، فكذا إذا أسْلَمَ أوْ عَتَقَ.

نَقَلَ حنبلٌ: يأخُذُ قِيمتَه وقْتَ جِنايَتِه

(2)

، وكذا دِيَتُه، نَقَلَه حَرْبٌ

(3)

، إلاَّ أنْ يُجاوِزَ أرْشَ الجناية؛ فالزِّيادة للوَرَثَة، وإنْ وجب

(4)

بهذه الجنايةِ قَوَدٌ؛ فطَلَبُه للورثة

(5)

على هذه، وعلى الأخرى: للسَّيِّد.

فرعٌ: قَتَلَ أوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا، أوْ عبدٌ عبدًا، ثمَّ أسْلَمَ أوْ عَتَقَ مُطلَقًا؛ قُتِلَ به

(6)

في المنصوص

(7)

؛ كجُنونه في الأصحِّ، وعَدَمُ قَتْلِ مَنْ أسْلَم ظاهرُ

(8)

نقلِ بكرٍ

(9)

؛ كإسلامِ حربيٍّ قاتِلٍ.

وكذا إنْ جَرَحَ مُرتَدٌّ ذِمِّيًّا، ثُمَّ أسْلَمَ.

ولَيسَتِ التَّوبةُ بَعْدَ الجُرْحِ، أو بَعْدَ الرَّمْيِ قَبْلَ الإصابة مانِعةً من

(10)

القَوَدِ في ظاهِرِ كلامِهم، وجَزَمَ به شَيخُنا

(11)

، كما بَعْدَ الزُّهوقِ، ذَكَرَه في «الفروع» .

(1)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 447.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 375.

(4)

في (م): وجبت.

(5)

في (م): لورثته.

(6)

في (ظ): قبل منه.

(7)

ينظر: الفروع 9/ 374.

(8)

في (م): فظاهر.

(9)

في (ن): أبي بكر. والمثبت موافق للفروع 9/ 374.

(10)

قوله: (من) سقط من (م).

(11)

في (م): (وجزم شيخنا). والمراد به شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: الفروع 9/ 374.

ص: 109

(وَإِنْ رَمَى مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ وَأَسْلَمَ؛ فَلَا قَوَدَ)؛ لعدَمِ المكافَأةِ، (وَعَلَيْهِ دِيَةُ حُرٍّ مُسْلِمٍ) للوَرَثةِ، ولا شَيءَ للسَّيِّد، (إِذَا مَاتَ مِنَ الرَّمْيَةِ، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)، لا نِزاعَ في وجوبِ ديةِ حرٍّ مسلِم إذا مات من الرَّمْية؛ لأِنَّ الإتْلافَ حَصَلَ لِنَفْسِ حرٍّ مُسلِمٍ، فتعين

(1)

أن لا قَوَدَ، قاله الخِرَقيُّ، والقاضِي، وابنُ حامِدٍ؛ إذ

(2)

الرَّمْيُ جزءٌ من الجناية، ولا رَيبَ في انْتِفاءِ المكافَأَة حالَ الرَّمْيِ، وإذا عُدِمَت المكافأةُ في بعضِ الجِنايَة؛ عُدِمَتْ في كلِّها؛ إذ الكلُّ يَنتَفِي بانْتِفاءِ بعضِه، وكما لو رَمَى مُرتَدًّا فأسلم

(3)

.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ)، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ:(عَلَيْهِ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّه قَتَلَ مُكافِئًا له عمدًا عُدْوانًا، فوَجَبَ القَوَدُ؛ كما لو كان حرًّا مسلِمًا حالَ الرَّمْيِ، ولأِنَّ الاِعْتِبارَ بالإصابة، بدليلِ ما لو رَمَى فلم يُصِبْه حتَّى ارْتَدَّ، وكقتله

(4)

مَنْ عَلِمَه أوْ ظَنَّه ذِمِّيًّا أوْ عبدًا، فكان قد أسْلَمَ أوْ عتق

(5)

، أوْ قاتِلَ أبيه، فلم يَكُنْ في الأصحِّ.

وفي «الرَّوضة» : إذا رَمَى مُسلِمٌ ذِمِّيًّا؛ هل يَلزَمُه ديةُ مُسلِمٍ أوْ دِيةُ كافِرٍ؟ فيه رِوايَتانِ؛ اعتبارًا بحال

(6)

الإصابة أو الرَّمْيةِ، ثمَّ بَنَى مسألةَ العبد على الرِّوايتَينِ في ضَمانِه بدِيَةٍ أوْ قيمة

(7)

، ثُمَّ بَنَى عليهما مَنْ رَمَى مُرتدًّا أوْ حربِيًّا فأسْلَمَ قَبْلَ وُقوعه؛ هل يَلزَمُه دية

(8)

مسلمٍ، أوْ هَدرٌ؟

(1)

في (ن): فيتعين.

(2)

في (ظ) و (م): إذا.

(3)

قوله: (وعليه دية حر مسلم .... ) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (م): وقتله.

(5)

في (م): أعتق.

(6)

في (م): حال.

(7)

في (ن): يديه أو قيمته.

(8)

قوله: (دية) سقط من (م).

ص: 110

فرعٌ: إذا رَمَى كافِرًا فأصابه

(1)

السَّهمُ بَعْدَ أنْ أسْلَمَ؛ كانَتْ دِيَتُه لورثته المسلمين، وفي «الشَّرح»: وجوبُ المال مُعتَبَرٌ بحال الإصابة؛ لأِنَّه بَدَلٌ عن المحلِّ، فيُعتبَرُ عن المحلِّ الذي فاتَ بها، فيَجِبُ بقدره

(2)

، وقد فات بها نفسُ مسلِمٍ حرٍّ، والقِصاصُ جزاءُ الفعل، فيُعتَبَرُ الفِعْلُ فيه

(3)

والإصابة معًا؛ لأِنَّها طَرَفاهُ، فلذلك

(4)

لم يَجِب القصاصُ بقَتْلِه، قال في «الرِّعاية»: في الأصحِّ.

(وَلَوْ قَتَلَ مَنْ يَعْرِفُهُ ذِمِّيًّا عَبْدًا، فَبَانَ أَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ وَعَتَقَ؛ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ)، جَزَمَ به الشَّيخانِ وصاحِبُ «الوجيز» ؛ لأِنَّه قَتَلَ مَنْ يُكافِئُه بغَيرِ حقٍّ، أشْبَهَ ما لو عَلِمَ حالَه.

(وَإِنْ كَانَ

(5)

يَعْرِفُهُ مُرْتَدًّا)، فَبانَ أنَّه قد أسْلَمَ؛ (فَكَذَلِكَ، قَالَهُ أَبُو بَكْرٍ)؛ لأنَّه

(6)

قَتَلَ مُكافِئًا عُدْوانًا عَمْدًا، والظَّاهِرُ: أنَّه لا يُخلَّى في دار الإسلام إلاَّ بَعْدَ إسْلامِه، بخِلافِ مَنْ في دارِ الحرب.

(قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَلاَّ يَلْزَمَهُ) القِصاصُ؛ لأِنَّه لم يَقصِدْ قَتْلَ معصومٍ، فلم يَلزَمْه قِصاصٌ؛ كما لو قَتَلَ في دار الحرب مَنْ يَعتَقِدُه حربيًّا بعْدَ أنْ أسْلَمَ، ولا يَلزَمُه (إِلاَّ الدِّيَةُ)؛ لأِنَّ الاِرْتِدادَ سلَّطَه عليه، وَوَجَبَت الدِّيةُ؛ لِئَلاَّ يفوت

(7)

القصاص لا

(8)

إلى بَدَلٍ.

(1)

في (م): خاصًا به.

(2)

في (م) بمقدره.

(3)

في (م): منه.

(4)

في (م): فكذلك.

(5)

زيد في (م): من.

(6)

في (م): لأن.

(7)

زيد في (م): في.

(8)

قوله: (لا) سقط من (ظ).

ص: 111

تنبيهٌ: يُقتَلُ المكلَّفُ بطفلٍ ومجنونٍ، والعالِمُ والشَّريفُ بضِدِّهما، والصَّحيحُ بالمريض ولو قارَبَ الموت، والسَّمِينُ بالهَزِيل، وكذا فِيما دُونَ النَّفس.

مسألةٌ: إذا

(1)

قَتَلَ حرٌّ مسلمٌ في دار الحرب مَنْ عَلِمَه أوْ ظنَّه حربيًّا، فبان أنَّه قد أسْلَمَ؛ فهَدرٌ.

فلو دَخَلَها مسلمٌ بأمانٍ، فقَتَلَ بها حربيًّا قد

(2)

أسْلَمَ وكَتَمَ إيمانَه؛ ففي وجوبِ الدِّيَة رِوايَتانِ.

وكذلك الحُكْمُ لو قَتَلَ هذا المستأمن بدارِ الحرب مسلِمًا قد دَخَلَها بأمانٍ، ولم يَعلَمْ إسْلامَه؛ فَعَلَى الأوَّلِ: يَجِبُ على المسلِمِ المسْتَأْمَنِ ديةُ ذِمِّيٍّ.

(1)

في (م): وإذا.

(2)

في (م): قبل.

ص: 112

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَلاَّ يَكُونَ أَبًا لِلْمَقْتُولِ)؛ لأِنَّه لو لم يكُنْ مِنْ شروطه لَقُتِلَ به، واللاَّزِمُ مُنتَفٍ، (فَلَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ)، نَصَّ عليه

(1)

؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا: «لَا يُقتَلُ والِدٌ بوَلَدِه» رواه ابنُ ماجهْ، والتِّرْمذِيُّ، مِنْ روايةِ إسماعيلَ ابنِ مسلِمٍ المَكِّيِّ، ورواهُ أحمدُ، والتِّرمذِيُّ، وابن ماجَهْ، من روايةِ حجَّاجِ بنِ أرطاة، عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، عن عمرَ

(2)

، قال ابنُ عبد البَرِّ: (هو حديثٌ مشهورٌ عِنْدَ أهلِ العِلْمِ بالحِجاز والعراق، يُستغنى

(3)

بشُهْرَتِه وقَبولِه والعَمَلِ به عن الإسناد، حتَّى يكونَ الإسْنادُ في مِثْلِهِ

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3514، مسائل ابن هانئ 2/ 11، مسائل عبد الله ص 409، زاد المسافر 4/ 408.

(2)

أخرجه الترمذي (1401)، وابن ماجه (2661)، والدارقطني (3275)، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف، وعُدَّ هذا الحديث من مناكيره.

وأخرجه أحمد (147)، والترمذي (1400)، وابن ماجه (2662)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عن عمر رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«لا يقاد والد من ولد» ، هذا لفظ أحمد، وعند ابن ماجه:«لا يقتل الوالد بالولد» ، ويرويه عن عمرو: ابن لهيعة وهو ضعيف، وحجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وذكر ابن المبارك وابن معين أنه يدلس عن عمرو بن شعيب، وأن بينهما العرزمي وهو متروك.

وأخرجه الترمذي (1399)، من طريق إسماعيل بن عياش، حدثنا المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن سراقة بن مالك بن جعشم رضي الله عنه قال:«حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيد الأب من ابنه، ولا يقيد الابن من أبيه» ، وإسماعيل والمثنى ضعيفان.

وهذا الحديث اختلف فيه أهل العلم، فحكم عليه بالاضطراب الترمذي والإشبيلي، وصححه ابن الجارود والألباني، وذكر ابن عبد البر أنه خبر مستفيض عند أهل العلم. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 249، تنقيح التحقيق 4/ 472، التلخيص الحبير 4/ 54، بلوغ المرام (1162)، الإرواء 7/ 269.

(3)

في (م): فيستغنى.

ص: 113

مع شُهْرَتِه تَكلُّفًا

(1)

(2)

، وقال عليه السلام:«أنْتَ ومالُكَ لأِبِيكَ»

(3)

، فمقتضى

(4)

هذه الإضافةِ تمليكُه إيَّاه، فإذا لم تثبت حقيقةُ الملكِيَّةِ؛ ثبتت

(5)

الإضافةُ شبهةً

(6)

في إسقاطِ القِصاص.

وظاهِرُه: ولو اخْتَلَفَا دِينًا وحُرِّيَّةً؛ لأِنَّه كان سببًا في إيجاده، فلا يكون سببًا في إعْدامِه، إلاَّ أنْ يكونَ ولدَه

(7)

مِنْ رضاعٍ أوْ زِنًى، فإنَّه يُقتَلُ به.

قال في «عيون المسائل» : ولا يَلزَمُ الزَّاهِدَ العابِدَ، فإنَّ معه من الدِّين والشَّفقة ما يَردَعُه عن القتل

(8)

؛ لأِنَّ رادِعَه حُكْمِيٌّ، وهو ضعيفٌ، ورادع الأب

(9)

طَبْعِيٌّ، وهو أقوى

(10)

، بدليلِ أنَّه لا يُمكِنُه إزالَتُه.

(وَإِنْ سَفَلَ)؛ أيْ: لا يُقتَلُ والِدٌ بِوَلَدِه وإنْ نَزَل؛ لأِنَّ الجَدَّ وإنْ عَلَا والِدٌ، فيَدخُلُ في الحديث، ولأِنَّ ذلك حكمٌ يَتعَلَّقُ بالوِلادة، فاسْتَوَى فيه القريبُ والبعيدُ؛ كالمَحْرَمِيَّة، والمعْتَقِ عليه إذا مَلَكَه، فوَجَبَ تَساوِيهما في الحُكم.

(وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي ذَلِكَ

(11)

سَوَاءٌ)؛ لأِنَّها أحَدُ

(12)

الوالِدَينِ فيشملها

(1)

في (ن): مكلفًا، وهو سقط من (م).

(2)

ينظر: التمهيد 23/ 437.

(3)

سبق تخريجه 3/ 389 حاشية (4).

(4)

في (م) و (ن): بمقتضى.

(5)

في (ن): تثبت. وفي المغني 8/ 285: بقيت.

(6)

في (ن): بشبهة.

(7)

في (م): ولدًا.

(8)

قوله: (عن القتل) سقط من (م).

(9)

قوله: (الأب) سقط من (ظ) و (ن).

(10)

في (م): قوي.

(11)

في (م): هذا.

(12)

قوله: (لأنها أحد) في (م): لأنهما.

ص: 114

الخبرُ، ولأِنَّها أَوْلَى بالبِرِّ منه، فعلى هذا: الجَدَّةُ وإنْ عَلَتْ، مِنْ قبل

(1)

الأب والأمِّ؛ كالأمِّ، ولو قال: وأمٌّ كأبٍ في ذلك؛ لكان

(2)

أَوْلَى.

وعَنْهُ: تُقتل

(3)

أمٌّ به، نَقَلَها مُهَنَّى في أمِّ الولد قتلت

(4)

سيِّدَها عَمْدًا: تُقتَلُ، قال: من

(5)

يَقتُلُها؟ قال: ولدُها

(6)

، وكالأخِ.

وعنه: يُقتَلُ أبٌ به، وقالَهُ ابنُ عبد الحَكَم، وابن

(7)

المنْذِرِ؛ للعُمومات، وكالأجْنَبين.

وقال مالك: إنْ قَتَلَه حذفًا

(8)

بالسَّيف ونحوِه؛ لم يُقتَلْ به، وإنْ أضْجَعَه وذَبَحَه قُتِلَ به

(9)

.

وجَوابُه: أنَّ الأبَ يُفارِقُ سائرَ النَّاس، فإنَّهم لو قَتلُوا بالحذف

(10)

بالسَّيف؛ وَجَبَ عليهم القِصاصُ، والأبُ بخِلافِه.

وقِيلَ: يُقتَلُ أبو أمٍّ بولَدِ بِنْتِه، وعَكْسُه.

وفي «الرَّوضة» : لا تقتل

(11)

أمٌّ، والأصح

(12)

: وجَدَّةٌ.

(1)

في (ن): في قتل.

(2)

في (م): فكان.

(3)

في (ن): يقتل.

(4)

قوله: (قتلت) سقط من (م).

(5)

في (ن): ومن.

(6)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 503، المغني 8/ 286.

(7)

زيد في (م): عبد.

(8)

في (ن): خذفًا. قال في الصحاح 4/ 1341: (حذفت رأسه بالسيف: إذا ضربته فقطعت منه قطعة).

(9)

ينظر: التهذيب في اختصار المدونة 4/ 547، المعونة على مذهب عالم المدينة 1/ 1301.

(10)

في (ن): بالخذف.

(11)

في (ن): لا يقتل.

(12)

في (م): في الأصح.

ص: 115

وفي «الانتصار» : لا

(1)

يجوزُ للابن قَتْلُ أبيه برِدَّةٍ وكُفْرٍ بدارِ حرب

(2)

، ولا رَجْمُه بِزِنًى، ولو قُضِيَ عليه بِرَجْمٍ.

وعَنْهُ: لا قَوَدَ بقتلٍ

(3)

في دارِ حَرْبٍ، فتَجِبُ دِيَةٌ، إلاَّ لغير

(4)

مُهاجِرٍ.

تذنيبٌ: إذا

(5)

ادَّعى اثْنانِ نَسَبَ لَقِيطٍ، ثُمَّ قتلاه

(6)

قَبْلَ لُحوقِه بأحدهما؛ فلا قَوَدَ، فإنْ رَجَعَ أحدُهما عن الدَّعْوَى، أوْ ألحقته

(7)

القافَةُ بغيره؛ انْقَطَعَ نَسَبُه منه وعليه القَوَدُ، وإنْ رَجَعَا عنها؛ لم يُقبَلْ منهما؛ لأِنَّ النَّسَبَ حقٌّ للولد.

فإنْ بَلَغَ انْتَسَبَ إلى أحدهما، وقُلْنا: يَصِحُّ انْتِسابُه، فهل يُقتَلُ الآخَرُ به؟ فيه وجْهانِ.

وإن اشْتَرَكَ اثْنانِ في وَطْءِ امرأةٍ، فأتَتْ بولدٍ يُمكِنُ أنْ يكونَ منهما، فَقَتَلاهُ قَبْلَ لُحوقه بأحدهما؛ فلا قَوَدَ، ولو أنْكَرَ أحدُهما النَّسَبَ؛ لم يُقتَلْ به؛ لبقاءِ فِراشِه مع إنْكارِه.

(وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَظْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ)، هذا هو الصَّحيحُ؛ للآية، والأخبار

(8)

، ومُوافَقَةِ القِياسِ.

والثَّانيةُ: لا يُقتَلُ به

(9)

؛ لأِنَّه ممَّن لا تقبل

(10)

شهادتُه لِحَقِّ النَّسَب، فلا

(1)

في (م): ولا.

(2)

في (م): الحرب.

(3)

قوله: (بقتل) سقط من (م).

(4)

في (م): بغير.

(5)

قوله: (إذا) سقط من (ظ) و (ن).

(6)

في (م): قتلا.

(7)

في (م): أو الحقيقة، وفي (ن): وألحقته.

(8)

سبق تخريجها قريبًا.

(9)

قوله: (به) سقط من (م).

(10)

في (ن): لا يقبل.

ص: 116

يُقتَلُ به؛ كالأب مع ابنه

(1)

.

وجوابُه: بأنَّ قِياسَه على الأب مُمْتَنِعٌ؛ لتأكُّدِ حرْمَته، ولأِنَّه إذا قُتِلَ بالأجنبيِّ؛ فَبِأَبِيهِ أَوْلَى، ولأِنَّه يُحَدُّ بقَذْفِه، فيُقتَلُ به؛ كالأجنبي

(2)

.

لا يُقالُ: قد رَوَى سُراقَةُ مرفوعًا أنَّه قال: «لا يُقادُ الأب

(3)

من ابْنَه، ولا الاِبْنُ مِنْ أبيه»، ورُوِيَ عنه: «أنَّه كان يُقِيدُ الاِبْنَ من أبيه

(4)

»؛ لأِنَّهما خَبَرانِ لا يُعرَفانِ

(5)

، ولا يُوجَدانِ في الكُتُب المشهورةِ، وإنْ كان لهما أصْلٌ؛ فهما مُتعارِضانِ، فيَتَعَيَّنُ سُقوطُهما، والعَمَلُ بالنُّصوص الواضِحة غَيرهما.

(وَمَتَى وَرِثَ وَلَدُهُ الْقِصَاصَ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ)؛ سَقَطَ القِصاصُ؛ لأِنَّه لو

(6)

لم يَسقُطْ لَوَجَبَ للولد على الوالد، وهو ممنوعٌ؛ لأِنَّه إذا لم يَجِبْ بالجناية عليه؛ فَلِئَلاَّ يَجِبَ بالجناية على غَيرِه بطريقِ الأَوْلَى.

(أَوْ وَرِثَ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دَمِهِ؛ سَقَطَ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّه لو لم يَسقُطْ لوجب

(7)

القِصاصُ له

(8)

على نفسه، وهو ممنوعٌ.

(فَلَوْ قَتَلَ امْرَأَتَهُ وَلَهُ مِنْهَا وَلَدٌ)؛ فلا قَوَدَ؛ لأِنَّه لو وَجَبَ لوجب

(9)

لولده عليه، وإذا لم يَجِبْ للولد بالجناية عليه فغَيرُه أَوْلَى.

وسَواءٌ كان الولدُ ذَكَرًا أوْ أُنْثَى، أوْ كان للمقتول مَنْ يشاركه

(10)

في

(1)

قوله: (مع ابنه) سقط من (م).

(2)

قوله: (فأبيه أولى، ولأنه يحد بقذفه، فيقتل به كالأجنبي) سقط من (ن).

(3)

في (م): أب.

(4)

زيد في (ن): لأمهما.

(5)

سبق تخريجه 9/ 113 حاشية (2).

(6)

قوله: (لو) سقط من (م).

(7)

قوله: (لوجب) سقط من (م).

(8)

قوله: (له) سقط من (ن).

(9)

قوله: (لوجب) سقط من (م).

(10)

في (م): يساويه.

ص: 117

الميراث؛ لأِنَّه لو ثَبَتَ القَوَدُ لَوَجَبَ له جُزْءٌ منه، ولا يُمكِنُ وجوبُه، وإذا سَقَطَ بعضُه سَقَطَ كلُّه؛ لأِنَّه لا يتبعَّضُ؛ كما لو عَفَا أحدُ الشَّريكَينِ.

(أَوْ قَتَلَ أَخَاهَا فَوَرِثَتْهُ، ثُمَّ مَاتَتْ فَوَرِثَهَا، أَوْ وَلَدُهُ؛ سَقَطَ عَنْهُ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّها تَرِثُ النِّصفَ إنْ كان الأخُ لأِبَوَيهَا أوْ أبيها، والسُّدسَ إنْ كان لأُمِّها إذا كان معها مَنْ يَرِثُ بقيَّةَ المال، والجميعَ إنْ لم يكُنْ معها أحدٌ، وهو ظاهِرُ كلامِ المؤلِّف، فلمَّا ماتَتْ؛ وَرِثَ شَيئًا من الدَّم، أوْ وَرِثَ وَلَدُه ذلك، وهو مُقْتَضَى سقوطِ القصاص

(1)

، سواءٌ كان لها ولدٌ مِنْ غَيرِه أوْ لَا؛ لأِنَّه لا يَتبعَّض

(2)

.

وعنه: لا يسقط

(3)

بإرْثِ الولد، اختاره بعضُهم.

فإنْ لم يكُنْ للمقتول ولدٌ منهما

(4)

؛ وَجَبَ القِصاصُ في قَولِ أكثرِهم؛ لأِنَّهما شَخْصانِ مُتَكافِئانِ يُحَدُّ كلٌّ منهما بقَذْفِ الآخَرِ، فيُقتَلُ به؛ كالأجنَبِيَّينِ.

(وَلَوْ قَتَلَ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ

(5)

، فَوَرِثَهُ أَخَوَاهُ، ثُمَّ قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ؛ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ وَرِثَ بَعْضَ دَمِ نَفْسِهِ)؛ لأِنَّ أخويه

(6)

يَستحِقَّانِ دمَ أبيهِما، فإذا قَتَلَ أحدُهما صاحبَه؛ وَرِثَ القاتِلُ الأوَّلُ ما

(7)

كان يَستَحِقُّه المقتولُ؛ لأِنَّه أخوه، فعلى هذا: يَستَحِقُّ نصفَ دَمِه؛ لأِنَّ دَمَ الأب بَينَ الأخَوَينِ نِصفانِ، ضرورةَ أنَّ القاتِلَ لا يَرِثُ.

وإنْ قَتَلَ الثَّاني الأوَّلَ، ثُمَّ الثَّالِثُ الرَّابِعَ؛ قُتِلَ الثَّالِثُ دُونَ الثَّاني؛ لِإرْثِه

(1)

قوله: (القصاص) سقط من (م).

(2)

في (م): لا تبعيض.

(3)

في (ن): لا تسقط.

(4)

في (م): منها.

(5)

في (م): وأخاه.

(6)

في (ن): إخوته.

(7)

في (م): من.

ص: 118

نصفَ دَمِه عن الرَّابِع، وعليه نصفُ دِيَةِ الأوَّل للثَّالِثِ.

(وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الاِبْنَيْنِ أَبَاهُ، وَالآْخَرُ أُمَّهُ؛ سَقَطَ الْقِصَاصُ عَنِ الْأَوَّلِ كَذَلِكَ)، وهو

(1)

قاتِلُ الأب؛ لأِنَّه وَرِثَ بعضَ دمِ نَفْسِه، وذلك ثُمُن

(2)

دمِ الأبِ، (وَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ أَخِيهِ وَيَرِثُهُ)، إذا قَتَلَ أكبرُ الأخوَينِ لأِبَوَينِ أباهما، وأصْغَرُهما أمَّهما مع الزَّوجيَّةِ؛ فلا قَوَدَ على الأكبر؛ لِمَا ذَكَرْنا؛ لِإرِثِه ثُمُن

(3)

دمِه عن أمِّه، وعليه سبعةُ أثْمانِ دِيَةِ أبيه للأصغر، وله قتله

(4)

وإرْثُه في الأصحِّ؛ لأِنَّ القَتْلَ بحقٍّ لا يَمنَعُ المِيراثَ.

وإنْ كانَتْ بائنًا، أوْ قَتَلاهُما معًا مُطلَقًا؛ فلكلِّ واحِدٍ قَتْلُ أخيه.

فإنْ تَنازَعَا في السَّبْقِ بالاِسْتِيفاءِ؛ قُدِّمُ مَنْ قَرَعَ، ويَحتَمِلُ: أنْ يُبدَأَ بقَتْلِ القاتِلِ الأوَّلِ، واخْتارَه ابنُ حمْدانَ. (وَإِنْ

(5)

قَتَلَ مَنْ لَا يَعْرِفُ، وَادَّعَى كُفْرَهُ أَوْ رِقَّهُ

(6)

؛ لم يُقبَلْ؛ لأِنَّه محكومٌ بإسْلامِه بالدَّار، ولهذا يُحكَمُ بإسْلامِ اللَّقِيطِ، ولأِنَّ الأصلَ الحُرِّيَّةُ، والرِّقُّ طارِئٌ.

(أَوْ ضَرَبَ

(7)

مَلْفُوفًا فَقَدَّهُ؛ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا، وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ)؛ لم يُقبَلْ قَولُه؛ لأِنَّ الأصلَ الحياةُ؛ كما لو قَطَعَ طَرَفَه وادَّعَى أنَّه كان مِثْلَه؛ لأِنَّ الأصْلَ السَّلامَةُ.

وذَكَرَ في «الواضح» عن أبي بكرٍ: لا يَضمَنُه.

(1)

في (ن): لذلك ولو.

(2)

في (م): عن.

(3)

في (م): ثم.

(4)

في (م): قتل.

(5)

في (ن): فإن.

(6)

قوله: (أو رقه) سقط من (م).

(7)

في (ن): ضربه.

ص: 119

وأطْلَقَ ابنُ عَقِيلٍ في مَوتِه وجْهَينِ.

وسأل القاضِيَ: أفلا يُعتَبَرُ بالدَّم وعدِمه؟ قال: لا، لم يَعتَبِرْه الفُقَهاءُ، قال في «الفروع»: ويَتَوَجَّهُ: يُعتَبَرُ.

(أَوْ قَتَلَ رَجُلاً فِي دَارِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ دَخَلَ يُكَابِرُهُ عَلَى أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ، فَقَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنْكَرَ وَلِيُّهُ)؛ وَجَبَ القِصاصُ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(1)

؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ ما يَدَّعِيهِ، سَواءٌ وُجِدَ في دار القاتِلِ أوْ غيرها

(2)

، معه سِلاحٌ أوْ لَا؛ لِمَا رُوِيَ عن عليٍّ: أنَّه سُئِلَ عمَّنْ وَجَدَ مع امْرأتِه رجلاً آخَرَ فقتله

(3)

، فقال:«إنْ لم يأْتِ بأربعةٍ؛ فلْيُعْطَ بِرُمَّتِه» رواه سعيدٌ ورجالُه ثِقاتٌ

(4)

.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه عَدَمُه في معروفٍ بالفساد.

وظاهِرُه: أنَّ الوليَّ إذا اعْتَرَفَ بذلك؛ فلا قِصاصَ ولا دِيَةَ؛ لقَولِ عمرَ، رواه سعيدٌ، وهو مُنقَطِعٌ

(5)

،

(1)

ينظر: المغني 8/ 270.

(2)

في (ن): غير ما.

(3)

في (ن): يقتله.

(4)

أخرجه مالك (2/ 737)، والشافعي في مسنده (ص 276)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (17012)، وإسناده صحيح، وصححه ابن حجر في الفتح (12/ 174).

(5)

أخرجه سعيد كما ذكره في المغني (8/ 270)، فقال: روي عن عمر رضي الله عنه أنه كان يومًا يتغدى، إذ جاءه رجل يعدو، وفي يده سيف ملطخ بالدم، ووراءه قوم يعدون خلفه، فجاء حتى جلس مع عمر، فجاء الآخرون، فقالوا: يا أمير المؤمنين، إن هذا قتل صاحبنا، فقال له عمر: ما يقولون؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إني ضربت فخذي امرأتي، فإن كان بينهما أحد فقد قتلته، فقال عمر: ما يقول؟ قالوا: يا أمير المؤمنين، إنه ضرب بالسيف، فوقع في وسط الرجل وفخذي المرأة، فأخذ عمر سيفه، فهزه، ثم دفعه إليه، وقال: إن عادوا فعد.

وأخرج ابن أبي شيبة (27793)، والبيهقي بمعناه في الكبرى (17649)، عن عبيد بن عمير: أن رجلاً أضاف ناسًا من هذيل فذهبت جارية لهم تحتطب، فأرادها رجل منهم على نفسها، فرمته بفهر فقتلته، فرفع ذلك إلى عمر فقال:«ذاك قتيل الله، والله لا يودى أبدًا» ، وإسناده قوي، قال ابن كثير:(إسناد جيد)، وقال ابن الملقن:(وهو أثر جيد رواه البيهقي بإسناد حسن).

ص: 120

ورُوِيَ عن الزُّبَيرِ نحوُه

(1)

، ولأنَّ

(2)

الخَصْمَ اعْتَرَفَ بما يُبِيحُ قَتْلَه، فسقط

(3)

حقُّه؛ كما لو أقرَّ بقَتْلِه قِصاصًا.

(أَوْ تَجَارَحَ اثْنَانِ، وَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ أَنَّهُ جَرَحَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ)، وأنْكَرَه الآخَرُ؛ (وَجَبَ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّ سببَ القِصاص قد وُجِدَ، وهو الجَرْحُ، والأصْلُ عَدَمُ ما يَدَّعِيهِ الآخَرُ، (وَالْقَوْلُ قَوْلُ المُنْكِرِ).

وفي «المذهب» و «الكافي» : تَجِبُ الدِّيَةُ، ونقل

(4)

أبو الصَّقْر وحنبلٌ

(5)

في قَومٍ اجْتَمَعُوا في دارٍ

(6)

، فجَرَحَ وقَتَلَ بعضُهم بعضًا، وجُهِلَ الحالُ: أنَّ على عاقِلةِ المجْروحِينَ دِيَةَ القتلى

(7)

يُسقَطُ منها أرْشُ الجِراح، قَضَى به عليٌّ رضي الله عنه، رواه أحمدُ

(8)

.

وهَلْ على مَنْ لَيسَ به جُرْحٌ مِنْ دِيَةِ القَتْلَى شيءٌ؟ فيه وَجْهانِ، قالَهُ ابنُ حامِدٍ.

(1)

لم نقف عليه، ذكره ابن قدامة في المغني (8/ 271)، وروي عن الزبير، أنه كان يومًا قد تخلف عن الجيش، ومعه جارية له، فأتاه رجلان فقالا: أعطنا شيئًا. فألقى إليهما طعامًا كان معه، فقالا: خل عن الجارية. فضربهما بسيفه، فقطعهما بضربة واحدة. ينظر: مسند الفاروق 2/ 279، والبدر المنير 9/ 17.

(2)

في (م): لأن.

(3)

في (ن): سقط.

(4)

في (م): وقال.

(5)

ينظر: الفروع 9/ 378.

(6)

في (ن): داره.

(7)

في (ن): القتل.

(8)

رواه أحمد في رواية أبي الصقر وحنبل عنه كما في الفروع (9/ 378) حدثنا هشيم، أنبأنا الشيباني، عن الشعبي قال: أشهد على عليٍ أنه قضى به. وأخرجه عبد الرزاق (18329)، عن هشيم به، ولفظه:«أشهد على عليٍّ أنه قضى في قوم اقتتلوا فقتل بعضهم بعضًا، فقضى بعقل الذين قتلوا على الذين جرحوا، وطرح عنهم من العقل بقدر جراحهم» ، وإسناده صحيح.

ص: 121

فرعٌ: ادَّعى زِنَى مُحصَنٍ بشاهدَينِ، نَقَلَه ابنُ منصور

(1)

، ونقل أبو

(2)

طالِبٍ بأربعةٍ؛ قُبِلَ

(3)

، وإلاَّ ففيه باطِنًا وجْهَانِ، وقِيلَ: وظاهرًا

(4)

.

لكِنَّ كلامَ أحمدَ وغَيرِه لا فَرْقَ بَينَ كَونِه مُحصَنًا أوْ لَا، رُوِيَ عن عمرَ وعليٍّ

(5)

، وصرَّح به الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ

(6)

؛ لأِنَّه لَيسَ بِحَدٍّ، وإنَّما هو عُقوبةٌ على فِعْلِه، وإلاَّ لاعتبرت

(7)

شروطُ الحَدِّ.

وقال الشَّافعيُّ: له قَتْلُه فِيمَا بَينَه وبَينَ الله تعالى إذا كان مُحصَنًا

(8)

.

وللمالِكِيَّة قَولانِ في اعْتِبارِ إحْصانِه

(9)

.

(1)

قوله: (يسقط منها أرش الجراح، قضى به

) إلى هنا في (م): شيء.

(2)

قوله: (أبو) سقط من (م).

(3)

في (ظ): قتل. وفي (م): قتلى. وينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3272، الفروع 9/ 377.

(4)

في (م): فظاهرًا.

(5)

سبق تخريجهما 9/ 120 حاشية (4)، (5).

(6)

ينظر: الاختيارات ص 419، الفروع 9/ 378.

(7)

في (م): اعتبرت.

(8)

ينظر: البيان 12/ 77.

(9)

ينظر: الشرح الكبير 2/ 401.

ص: 122

(بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ)

وهو فِعْلُ مَجْنِيٍّ عليه

(1)

أوْ وَلِيِّه بِجانٍ مِثْلَ ما فَعَلَ، أوْ شِبْهَه.

(وَيُشْتَرَطُ لَهُ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ):

(أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا)؛ لأِنَّ غيرَ المكلَّف لَيسَ أهْلاً لِلاِسْتِيفاء؛ لِعَدَمِ تكليفِه، بدليلِ أنَّه لا يَصِحُّ إقْرارُه ولا تصرُّفه

(2)

؛ لأِنَّ غَيرَ المكلَّف إمَّا صَبِيٌّ أوْ مجنونٌ، وكِلاهُما لا يُؤمَنُ منه الحَيفُ على الجاني، ولا يَقومُ وَلِيُّه مَقامَه؛ لأِنَّ القِصاصَ شُرِعَ للتَّشَفِّي، فلم يَقُمْ غَيرُه مَقامَه.

(فَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا؛ لَمْ يَجُزِ اسْتِيفَاؤُهُ)؛ لِمَا ذكرنا

(3)

، والقَوَدُ لَيسَ لأِبيهِ ولا لغَيرِه اسْتِيفاؤه.

وعَنْهُ: بَلَى، حكاها أبو الخَطَّاب، وقالَها الأكثرُ؛ لأِنَّ القصاصَ أحدُ بَدَلَي النَّفس، فكان للأب استيفاؤه

(4)

؛ كالدية، وكذلك الحكمُ في الوصيِّ والحاكِمِ في الطَّرَفِ دُونَ النَّفْس.

والأوَّلُ هو

(5)

ظاهِرُ المذْهَبِ؛ لأِنَّه لا يَملِكُ إيقاعَ الطَّلاقِ بزَوجَتِه، فلم يَملِك اسْتِيفاءَ القصاص؛ كالوصيِّ، ولأِنَّ القَصْدَ التَّشفِّي وتَرْكُ الغَيظ، ولا يَحصُلُ ذلك باسْتِيفاءِ الأبِ، بخِلافِ الدِّيَة، فإنَّ الغَرَضَ يحصل

(6)

باسْتِيفائه، ولأِنَّ الدِّيَة إنَّما يُملك

(7)

استيفاؤها إذا تعيَّنَتْ، والقِصاصُ لا يتعيَّنُ.

(1)

قوله: (عليه) مكانه بياض (م).

(2)

في (ن): ولا يصرفه.

(3)

في (م): ذكر.

(4)

قوله: (وعنه: بلى، حكاها أبو الخطاب

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

قوله: (والأول هو) في (م): وهو.

(6)

قوله: (ذلك باستيفاء الأب، بخلاف الدية، فإن الغرض يحصل) سقط من (م).

(7)

في (م): تملك.

ص: 123

فَعَلَى هذا: (يُحْبَسُ

(1)

الْقَاتِلُ

(2)

حَتَّى يَبْلُغَ الصَّبِيُّ، وَيَعْقِلَ الْمَجْنُونُ)، ويَقدَمَ الغائبُ؛ لأِنَّ فيه حَظًّا للقاتِلِ بتأْخِيرِ قَتْلِه، وحَظًّا للمُستَحِقِّ بإيصاله

(3)

إلى حقِّه، ولأنَّه

(4)

يَستَحِقُّ إتْلافَ نَفْسِه ومَنفَعَتِه، فإذا تعذَّر اسْتِيفاءُ النَّفْس لِعارِضٍ؛ بَقِيَ إتْلافُ المَنفَعَةِ سالِمًا عن المعارض

(5)

، وقد حَبَسَ مُعاوِيَةُ هُدبة

(6)

بن خشرم في قَوَدٍ حتَّى يَبلُغَ ابنُ القَتِيلِ، فلم يُنكَرْ ذلك، وبَذَلَ الحَسَنُ، والحُسَينُ، وسعيدُ بنُ العاص

(7)

لاِبْنِ القَتِيلِ سَبْعَ دِياتٍ، فلم يَقْبَلْها

(8)

.

لا يُقالُ: يَجِبُ أنْ يُخَلَّى سبيلُه كالمُعْسِر؛ لِمَا في تَخْلِيَتِه مِنْ تضييعِ الحقِّ؛ لأنَّه

(9)

لا يُؤمَنُ هَرَبُه، والفرق

(10)

بَينَهما مِنْ وُجوهٍ:

أحدُها: أنَّ قضاءَ الدَّين لا يَجِبُ مع الإعْسار، فلا يُحبَسُ بما لا يَجِبُ، والقِصاصُ واجِبٌ، وإنَّما تعذَّر

(11)

لِمَانِعٍ.

الثَّاني: أنَّ المُعْسِرَ لو حُبِسَ تعذَّر عليه الكَسْبُ لِقَضاءِ الدَّين.

(1)

كتب في هامش (ظ): (أي: وجوبًا. أي: وعلم بقوله: "ويحبس" أنه لا يُخلَّى بكفيل ولا رهن، فقد يهرب فيفوت الحق، ولا يحتاج الحاكم في حبسه بعد فوت القتل عنده إلى إذن الولي).

(2)

كتب في هامش (ظ): (ولو قال المصنف: "ويحبس حتمًا الجاني" كان أعم).

(3)

في (م): باتصاله.

(4)

في (م): ولا.

(5)

في (ن): العارض.

(6)

في (م): هدية.

(7)

في (م): المسيب.

(8)

تقدم تخريجها 5/ 460 حاشية (5).

(9)

في (ن): ولأنه.

(10)

في (م): والمفرق.

(11)

في (ن): يعذر.

ص: 124

الثَّالِثُ: أنَّه قد اسْتَحَقَّ قَتْلَه، وفيه تَفْويتُ نفسِه ونَفْعِه، فإذا تعذَّر تَفويتُ النَّفس لِمَانِعٍ؛ جاز تَفْويتُ نَفْعِه لِإمْكانِه.

ولو كان القوَدُ لحي

(1)

في طَرَفِه؛ لم يتعرَّضْ لِمَنْ هي عليه.

فإنْ أقام كفيلاً بنفسه لِيُخَلَّى سبيلُه؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّ الكفالةَ لا تَصِحُّ في القِصاص؛ كالحَدِّ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا أَبٌ؛ فَهَلْ لَهُ اسْتِيفَاؤُهُ لَهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ

(2)

:

الأصحُّ: أنَّه لَيسَ له ذلك؛ لأِنَّ مقصودَ شرعيَّةِ القِصاص مَفْقودٌ في الأب، وكوصيٍّ وحاكِمٍ.

والثَّانيةُ: بَلَى؛ لأِنَّ له

(3)

وِلايَةً كامِلةً، بدليلِ أنَّه يَملِكُ أنْ يَبِيعَ مِنْ نَفْسِه لنفسه، بخِلافِ غَيرِه.

(فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إِلَى النَّفَقَةِ؛ فَهَلْ لِوَلِيِّهِمَا العَفْوُ

(4)

عَلَى الدِّيَةِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ)، وحَكاهُما في «الفروع» رِوايَتينِ:

أحدهما

(5)

: يَجُوزُ، صحَّحه القاضي والمؤلِّفُ، وقدَّمه في «الرِّعاية» .

والثَّاني: المَنْعُ؛ لأِنَّه لا

(6)

يَمْلِكُ إسْقَاطَ قِصاصِه، ونَفَقَتُه في بيتِ المال، وكما لو كانَا مُوسِرَينِ.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ وُجوبَ نَفَقَتِه في بيتِ المال

(7)

لا يغنيه

(8)

إذا لم

(1)

في (م): يحيي.

(2)

في (م): وجهين.

(3)

قوله: (لأن له) سقط من (م).

(4)

في (ظ): للعفو.

(5)

في (م): إحداهما.

(6)

قوله: (لا) سقط من (م).

(7)

قوله: (وكما لو كانا موسرين

) إلى هنا سقط من (ن).

(8)

في (م): لا لغيبة. وفي (ن): تغنيه.

ص: 125

يَحصُلْ، ولا يَجُوزُ عَفْوُه مَجَّانًا.

ولِوَلِيِّ الفقيرِ المجنونِ العَفْوُ على مالٍ؛ لأِنَّه ليست

(1)

له حالةٌ مُعْتادَةٌ يُنتَظَرُ فيها إفاقَتُه ورُجوعُ عَقْلِه، بخِلافِ الصَّبيِّ، وهذا هو المنصوصُ

(2)

، وجَزَمَ به في «الوجيز» .

وعَنهُ: لأِبٍ. وعَنْهُ: ووصيٍّ وحاكمٍ اسْتِيفاؤه لهما في نَفْسٍ ودونها

(3)

فيَعْفُو إلى الدِّيَة، نَصَّ عليه

(4)

.

(وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا، أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا قَهْرًا؛ احْتَمَلَ أَنْ يَسْقُطَ حَقُّهُمَا

(5)

، هذا وجْهٌ قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه أتْلَفَ عَينَ حقِّه، فسَقَطَ الحقُّ، أشْبَهَ ما لو كانَتْ لهما وديعةٌ عِنْدَ شَخْصٍ فأخذاها

(6)

منه قَهْرًا، وكما لو اقتصَّا

(7)

ممَّن لا تَحمِلُ العاقِلةُ دِيَتَه.

(وَاحْتَمَلَ: أَنْ تَجِبَ لَهُمَا دِيَةُ أَبِيهِمَا فِي مَالِ الْجَانِي، وَتَجِبُ دِيَةُ الْجَانِي عَلَى عَاقِلَتِهِمَا)، جَزَمَ به في «التَّرغيب» و «عيون المسائل» ؛ لأِنَّه لَيسَ من أهْلِ الاِسْتِيفاء، فلا يَكُونُ مُستَوْفِيًا لِحَقِّه، فيَجِبُ لهما دِيَةُ أبِيهِما في مالِ الجانِي؛ لأِنَّ عَمْدَ الصَّبيِّ والمجنونِ خطأٌ، وعلى عاقِلَتِهما ديةُ القاتِلِ؛ كما لو أتْلَفَ أجنبيًّا، بخلافِ الوديعة، فإنَّها

(8)

لو تَلِفَتْ بغيرِ تَعَدٍّ؛ بَرِئَ منها المُودَعُ.

(1)

في (ظ): ليس.

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 408.

(3)

في (ظ): أو دونها.

(4)

ينظر: الفروع 9/ 399.

(5)

كتب في هامش (ظ): (أي الصغير والمجنون إذا ثبت لهما قصاصٌ على إنسان، فقتلاه فهذا - أي مبادرته بلا إذن ممن له ذلك -، يُسقط حقَّهما من القصاص؛ لأنه استيفاء لما وجب لهما، فيسقط حقهما).

(6)

في (م): فأخذاهما.

(7)

في (م): اقتضا.

(8)

في (م): فإنهما.

ص: 126

ولو هَلَكَ الجاني مِنْ غَيرِ فِعْلٍ؛ لم يَبرَأْ مِنْ الجناية، فلو مات قَبْلَ تكليفه؛ فحقُّه من القَوَدِ إرْثٌ.

وقيل

(1)

: يَسقُطُ إلى الدِّيَة؛ كما لو مات المسْتَحِقُّ الغائبُ وجُهِلَ عَفْوُه، قاله

(2)

في «الرِّعاية» .

(وَإِنِ اقْتَصَّا مِمَّنْ لَا تَحْمِلُ دِيَتَهُ

(3)

الْعَاقِلَةُ) كالعبد؛ (سَقَطَ حَقُّهُمَا

(4)

وَجْهًا وَاحِدًا)؛ لأِنَّه لا

(5)

يُمكِنُ إِيجابُ دِيَته على العاقلة، فلم يكُنْ إلاَّ سقوطه

(6)

.

(1)

في (ظ): قيل ..

(2)

في (م): فما له.

(3)

في (م): لا يحمل دية.

(4)

قوله: (حقهما) سقط من (م).

(5)

قوله: (لا) سقط من (م).

(6)

في (م): بسقوطه.

ص: 127

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي

(1)

: اتِّفَاقُ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى اسْتِيفَائِهِ)؛ لأِنَّ الاِسْتِيفاءَ حقٌّ مُشتَرَكٌ لا يُمكِنُ تَشْقيصُه

(2)

، فلم يَجُزْ لأِحَدٍ التَّصرُّفُ فيه

(3)

بغيرِ إذْنِ شريكه؛ لأِنَّه لا وِلايَةَ له عليه، أشْبَهَ الدَّينَ.

(وَلَيْسَ لِبَعْضِهِمُ اسْتِيفَاؤُهُ دُونَ بَعْضٍ)؛ لأِنَّ اتِّفاقَ الكلِّ شَرْطٌ، ولم يوجد

(4)

، (فَإِنْ فَعَلَ) مَنْ مَنَعْناهُ مِنْهُ غير زَوجٍ؛ (فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه قَتَلَ نفسًا يَستَحِقُّ بعضَها، فلم يَجِبْ قَتْلُه بها؛ لأِنَّ النَّفسَ لا تُؤخَذُ ببعضِ نَفْسٍ، ولأِنَّه مُشارِكٌ في اسْتِحْقاقِ القَتْل، فلم يَجِبْ عليه قَوَدٌ؛ كما لو كان مُشارِكًا في ملْكِ الجارية وَوَطِئَها.

ويُفارِقُ إذا قَتَلَ الجماعةُ واحدًا؛ فإنَّا لم نُوجِب

(5)

القِصاصَ بقَتْلِ بعضِ النَّفس

(6)

، وإنَّما يُجعل

(7)

كلُّ واحِدٍ منهم قاتِلاً لجميعها، ولو سُلِّم فَمِنْ شَرْطِه المشارَكةُ.

(وَعَلَيْهِ لِشُرَكَائِهِ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ)؛ أيْ: للذي لم يَقتل

(8)

قِسْطه من الدِّية؛ لأنَّ

(9)

حقَّه من القَوَد سَقَطَ بغَيرِ اخْتِيارِه، أشْبَهَ ما لو مات القاتِلُ، أوْ عَفَا

(1)

قوله: (الثاني) سقط من (م).

(2)

في (ظ): تنقيصه.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(4)

في (ن): ولم توجد.

(5)

في (م): فإن لم توجب.

(6)

قوله: (لم نوجب القصاص بقتل بعض النفس) هو في (ن): لم نوجب بقتل بعض النفس القصاص.

(7)

في (ن): نجعل.

(8)

قوله: (للذي لم يقتل) في (ظ): للذي يقتل. وفي (م): الذي.

(9)

في (ظ): لأنه.

ص: 128

بعضُ الأولياء.

وهل يَجِبُ ذلك على قاتِلِ الجاني، أوْ في تَرِكةِ الجاني؟ فيه وَجْهانِ.

وأشار إلَيهما بقوله: (وَيَسْقُطُ عَنِ الْجَانِي فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ المقْتَصَّ قد وجَبَ عليه، فيَجِبُ على قاتِلِ الجاني؛ لأِنَّه أتْلَفَ محلَّ حقِّه، فكان له الرُّجوعُ عليه بِعِوَضِ نصيبه؛ كما لو كانَتْ له وديعةٌ فأتْلَفَها.

(وَفِي الآْخَرِ: لَهُمْ ذَلِكَ)؛ أيْ: حقُّهم من الدِّيَة، (فِي تَرِكَةِ الْجَانِي، وَيَرْجِعُ

(1)

وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزم به في «الوجيز»؛ أيْ: يجب

(2)

في تَرِكةِ الجاني كما لو أتْلَفَه أجنبيٌّ، أوْ عَفا شريكُه عن القصاص؛ أي: ويأخُذ وارثُه من المقتصِّ

(3)

الزَّائدَ عن حقِّه؛ لأِنَّه أتْلَفَ ذلك بغير حقٍّ.

وقَولُنا: أتْلَفَ محلَّ حقِّه؛ يَبطُل بما إذا أتْلَفَ مستأجِرُه أو غريمُه، ويُفارِقُ الوديعةَ، فإنَّها مملوكةٌ لهما، فَوَجَبَ عِوَضُ ملْكه، والجاني ليس بمملوكِ المجنيِّ عليه، إنَّما عليه

(4)

حقٌّ، وهذا أقْيَسُ.

وقال الحُلْوانيُّ: والأوَّلُ أَوْلَى.

فلو

(5)

قَتلَت امرأةٌ رجلاً له ابنانِ، فَقَتَلَها أحدُهما؛ فللآخَر نصفُ ديةِ أبيه في تَرِكةِ المرأة التي قَتَلَتْه، ويرجعُ

(6)

وَرَثَتُها على قاتلها بنصفِ ديتها.

وعلى الأوَّل: يَرجِعُ الاِبنُ الذي لم يَقتُلْ على أخيه بنصفِ ديةِ المرأة؛

(1)

في (ظ) و (م): وترجع.

(2)

في (م): تجب.

(3)

في (م): المقبض.

(4)

قوله: (إنما عليه) سقط من (ن).

(5)

في (ن): لو.

(6)

في (ظ) و (م): وترجع.

ص: 129

لأِنَّه لم

(1)

يفوِّت على أخيه إلاَّ نصفَ ديةِ المرأة، ولا يُمكِنُ أنْ يَرجِعَ على ورثةِ المرأة بشيءٍ؛ لأِنَّ أخاه الذي قتلَها أتْلَفَ جميعَ الحقِّ.

قال في «الشرح» : وهذا يدلُّ على ضعف هذا الوجْهِ.

وفي «الواضح» احْتِمالٌ: يَسقُطُ حقُّهم على روايةِ وُجوبِ القَوَدِ عَينًا.

وقال ابنُ حَمدانَ: إنْ قُلْنا: يَجِبُ القَودُ عينًا؛ غَرِمَ الدِّيةَ قاتِلُ الجاني، وإنْ قُلْنا: يَجِبُ أحدُ أمْرَينِ؛ أُخِذتْ من تَرِكةِ الجاني.

(وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ؛ سَقَطَ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّ القتلَ عبارةٌ عن زُهوق الرُّوح بآلةٍ صالحةٍ له

(2)

، وذلك لا يتبعَّض

(3)

.

(وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً)، إشارةً منه

(4)

إلى أنَّهما من مُستحِقِّي الدَّمِ؛ كبقيَّةِ ذَوِي الفروض، وهو قولُ أكثرهم.

وقال الحسَنُ وقَتادَةُ: لَيس للنِّساء عَفْوٌ.

وعن أحمدَ: هو مَورُوثٌ للعصبات

(5)

خاصَّةً، ذَكَرَها ابنُ البَنَّاء، واختاره الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

؛ لأِنَّه ثَبتَ لدَفْع العار، فاختصَّ به العصبةُ؛ كوِلاية النِّكاح.

وفيه وجهٌ: أنَّه يَختَصُّ بذوي الأنساب فقط.

وقال قومٌ: لا يسقط بعفو

(7)

بعض الشُّركاء؛ لأِنَّ حقَّ غيرِ العافي لم يَرْضَ

(1)

في (م): لا.

(2)

قوله: (له) سقط من (م).

(3)

في (ن): لا تتبعض.

(4)

في (ن): فيه.

(5)

في (م): بالعصبات.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 423، الفروع 9/ 400.

(7)

في (م): بعتق.

ص: 130

بإسْقاطه.

والأوَّلُ هو المشهور

(1)

؛ لِمَا رَوَى أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، عن عمرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قضى أنْ يَعقِلَ عن المرأة عَصَبتُها مَنْ كانوا، ولا يَرِثُوا منها إلاَّ ما فَضَلَ عن وَرَثَتِها، وإنْ قُتِلت

(2)

بَينَ وَرَثَتِها، وهم يَقتُلون قاتِلَها»

(3)

، ولحديثِ عائشةَ

(4)

، وقَولِ عمرَ، رواه سعيدٌ، وأبو داودَ

(5)

، وعُمومِ قولِه عليه السلام:«فأهْلُه بَينَ خِيَرَتَينِ»

(6)

، وهو عامٌّ في جميعِ

(1)

في (م): الأشهر.

(2)

قوله: (عن ورثتها وإن قتلت) سقط من (م).

(3)

أخرجه أحمد (7092)، وأبو داود (4564)، والنسائي في المجتبى (4801)، وفي الكبرى (6976)، وابن ماجه (2647)، وفي سنده: محمد بن راشد المكحولي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وتكلم فيه آخرون، قال النسائي:(هذا حديث منكر، وسليمان بن موسى ليس بالقوي في الحديث، ولا محمد بن راشد)، وأما سليمان بن موسى الأشدق فهو صدوق فقيه، تُكلم في حفظه، وقال الذهبي:(روى أحاديث ينفرد بها، لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت، صدوق)، وأخرج له مسلم، وحسن الحديث الألباني. ينظر: السير 5/ 435، تهذيب التهذيب 2/ 378، الإرواء 7/ 332.

(4)

أخرجه أبو داود (4538)، والنسائي (4788)، والبيهقي في الكبرى (16070)، ولفظه:«على المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول، وإن كانت امرأة» ، وفي سنده: حصن بن عبد الرحمن الدمشقي، قال الدارقطني:(يعتبر به)، وقال ابن القطان:(لا يعرف حاله) ولم يرو عنه غير الأوزاعي، وضعف الحديث الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 2/ 378، الضعيفة (3874).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (18190)، والبيهقي في الكبرى (16072)، عن زيد بن وهب، قال:«وجد رجل عند امرأته رجلاً فقتلها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجد عليها بعض إخوتها فتصدق عليه بنصيبه، فأمر عمر رضي الله عنه لسائرهم بالدية» ، وصححه ابن الملقن والألباني، وروي من وجه آخر عن عمر لكنه منقطع. ولم نقف عليه عند أبي داود في مظانه. ينظر: البدر المنير 8/ 397، الإرواء 7/ 279.

(6)

أخرجه أحمد (27160)، وأبو داود (4504)، والترمذي (1406)، وصححه الترمذي والألباني، وهو في البخاري (2434)، ومسلم (1355)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:«ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين، إما أن يفدى وإما أن يقيد» . ينظر: الإرواء 7/ 276.

ص: 131

أهله، والمرأة

(1)

منهم، وكسائر حقوقه، وإذا سَقَطَ بعضُه سَقَطَ كلُّه؛ لأِنَّه لا يتبعَّض؛ كالطَّلاق والعِتاق، والمرأةُ مُستَحِقَّةٌ، فسقط

(2)

بإسقاطها كالرَّجل، وزوال الزوجية

(3)

لا يَمنَعُ اسْتِحْقاقَ القَوَد؛ كما لم يَمنَع اسْتِحقاقَ الدِّية، وكذا لو شَهِدَ أحدُهم، ولو مع فِسْقه

(4)

بعَفْوِ بعضهم.

(وَلِلْبَاقِينَ

(5)

حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي)، سواءٌ عفا مُطلَقًا أوْ إلى الدِّية

(6)

، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(7)

؛ لأِنَّ حقَّه من القصاص سَقَطَ بغَيرِ رضاه، فثبت

(8)

له البَدَل، كما لو وَرِثَ القاتِلُ بعضَ دمه

(9)

أوْ ماتَ.

وفي «التَّبصرة» : إنْ عَفَا أحدُهم؛ فللبقيَّة الدِّيةُ.

وهل يَلزمُهم حقُّهم من الدِّية؟ فيه رِوايَتانِ.

(فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ وَسُقُوطِ القِصَاصِ بِهِ

(10)

؛ فَعَلَيْهِمُ الْقَوَدُ)؛ لأِنَّه قَتْلُ عمدٍ

(11)

عُدْوان، أشْبَهَ ما لو قَتَلوه ابْتِداءً، سواءٌ حَكَمَ به حاكِمٌ أو

(12)

لا.

(1)

قوله: (والمرأة) سقط من (م).

(2)

في (ن): سقط.

(3)

في (م): الزوجة.

(4)

في (م): فسقهم.

(5)

في (م): والباقين.

(6)

في (م): الجاني.

(7)

ينظر: المغني 8/ 354.

(8)

في (م): فيثبت.

(9)

في (م): دية.

(10)

قوله: (به) سقط من (م).

(11)

قوله: (عمد) سقط من (م).

(12)

في (م): أم.

ص: 132

(وَإِلاَّ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِمْ)؛ أي

(1)

: إذا قَتَلَه غَيرُ عالِمٍ بالعفو، أو غير

(2)

عالِمٍ بأنَّ العَفْوَ مُسقِطٌ للقَوَد؛ لم يَجِبْ قَوَدٌ؛ لأِنَّ ذلك شبهةٌ قد درأت

(3)

القَوَدَ؛ كالوكيل إذا قَتَلَه بعدَ العَفْو وقبلَ العلم.

ولا فَرْقَ بَينَ أنْ يكونَ الحاكِمُ قد حكم بالعفو أوْ لا؛ لأِنَّ الشُّبهةَ موجودةٌ تمنع

(4)

انتفاءِ العلم، معدومةٌ عندَ وجوده.

(وَعَلَيْهِمْ دِيَتُهُ) في كلِّ مَوضِعٍ لا قَوَدَ فيه؛ لأِنَّ القتلَ قد تعذَّر

(5)

، والدِّيةُ بَدَلُه، وهي مُتعيِّنةٌ عندَ تعذُّره، أمَّا العَفْوُ عن القِصاصِ فإنَّه يَسقُط عنه منها ما قابَلَ حقَّه على القاتل قصاصًا، ويَجِبُ عليه الباقي.

فإنْ كان الوليُّ عفا إلى غير مالٍ؛ فالواجِبُ لورثة القاتل، ولا شيء

(6)

عليهم.

وإنْ كان عفا إلى الدِّية؛ فالواجبُ لورثة القاتل، وعليهم نصيبُ العافي من الدِّية.

وقِيلَ: حقُّ العافي من الدِّية على القاتل

(7)

، وفيه نظرٌ؛ لأِنَّ الحقَّ لم يَبقَ متعلِّقًا

(8)

بعينه، وإنَّما الدِّيةُ واجبةٌ في ذمَّته؛ كما لو

(9)

قَتَلَ غريمَه.

(وَسَوَاءٌ كَانَ

(10)

الْجَمِيعُ حَاضِرِينَ، أَوْ بَعْضُهُمْ غَائِبًا)؛ لاِسْتِوائهما معنًى،

(1)

قوله: (أي) سقط من (م).

(2)

في (م): وغير.

(3)

قوله: (قد درأت) في (م): فدرأت.

(4)

في (م): مع.

(5)

في (ن): يعذر.

(6)

في (ن): ولا مبني.

(7)

قوله: (ولا شيء عليه وإن كان عفا إلى الدية

) إلى هنا سقط من (م).

(8)

في (م): معلقًا.

(9)

قوله: (لو) سقط من (م).

(10)

قوله: (كان) سقط من (م).

ص: 133

فكذا يَجِبُ أنْ يكونَ حكمًا، فإنْ كان القاتِلُ هو العافي؛ فعَلَيهِ القَودُ في قَولِ الجمهور، ولو ادَّعى نسيانَه، أوْ جوازَه.

(فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا، أَوْ مَجْنُونًا)، أوْ غائبًا؛ (فَلَيْسَ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ الاِسْتِيفَاءُ حَتَّى يَصِيرَا مُكَلَّفَيْنِ)، ويَقدَمَ الغائبُ، (فِي الْمَشْهُورِ)، وهو الأصحُّ، نَصَرَه في

(1)

«المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه حقٌّ مُشترَكٌ بَينَهما، أشْبَهَ ما لو كانا بالغَينِ عاقِلين

(2)

؛ وكدِيَةٍ، وكعبدٍ مُشترَكٍ، بخلافِ محارَبَةٍ

(3)

؛ لتحتُّمه، وحَدِّ قذفٍ؛ لوجوبه لكلِّ واحدٍ كامِلاً.

(وَعَنْهُ: لَهُ ذَلِكَ)، وقاله الأوزاعيُّ واللَّيثُ؛ لأِنَّ الحسنَ بنَ عليٍّ قَتَلَ ابنَ مُلجَمٍ قصاصًا، وفي الورثة صغارٌ، فلم يُنكِرْ ذلك أحدٌ

(4)

.

فإنْ ماتا أو أحدُهما؛ فوارِثُهما كهما، وعند ابن أبي موسى: تتعيَّنُ

(5)

الدِّيةُ.

والأوَّلُ المذهبُ؛ لأِنَّه قصاصٌ غيرُ مُتحتِّمٍ، فلم يَجُزْ لأِحدهما استيفاؤه استقلالاً؛ كما لو كان لحاضرٍ وغائبٍ، قال الأصحابُ: وإنَّما قَتَلَ الحسنُ

(1)

قوله: (في) سقط من (م).

(2)

قوله: (عاقلين) سقط من (م).

(3)

في (م): محارمة.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (27777)، من طريق ابن مهدي، عن حسن، عن زيد القباني، عن بعض أهله: أن الحسن بن علي: «قتل ابن ملجم الذي قتل عليًّا، وله ولد صغار» ، وفي الإسناد مبهم. وأخرجه الطبراني في الكبير (168)، بنحوه في خبر طويل، وقال الهيثمي:(وهو مرسل، وإسناده حسن). وأخرج الشافعي في الأم (4/ 229)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (16759)، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، أن عليًّا رضي الله عنه قال في ابن ملجم بعد ما ضربه:«أطعموه واسقوه وأحسنوا إساره، إن عشت فأنا ولي دمي، أعفو إن شئت وإن شئت استقدت، وإن مت فقتلتموه فلا تمثلوا» ، قال ابن الملقن:(إسناده صحيح). ينظر: البدر المنير 8/ 560، مجمع الزوائد 9/ 145.

(5)

في (ظ): تتعين.

ص: 134

ابنَ مُلجَمٍ حَدًّا لكُفْره؛ لأِنَّ مَنْ اعتقد إباحةَ ما حرَّم الله؛ كافِرٌ، وقيل

(1)

: لِسَعْيِهِ في الأرض بالفساد

(2)

، ولذلك لم يَنتظِر الحسنُ غائبًا من الورثة، فيكون كقاطع الطَّريق، وقتْلُه مُتحتِّمٌ، وهو إلى الإمام، والحسنُ هو الإمامُ، ولأِنَّ استيفاءَ الإمام بحكم الولاية لا بحُكْمِ الأدب

(3)

.

(وَكُلُّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ؛ وَرِثَ الْقِصَاصَ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِ مِنَ الْمَالِ، حَتَّى الزَّوْجَيْنِ وَذَوِي الْأَرْحَامِ)؛ لأِنَّه حقٌّ

(4)

يَستَحِقُّه الوارثُ

(5)

من جهة مُورِّثه، أشْبَهَ المالَ.

وعنه: يَختصُّ العصبةُ.

وهل يَستحِقُّه الوارثُ

(6)

ابتداء أم ينتقل عن مُورِّثه؟ فيه روايتانِ.

فائدةٌ: الأحسنُ أنْ يكونَ «الزَّوجان» مرفوعًا بالألف عطفًا على «كلُّ مَنْ ورِث» ، ووُجِدَ بخطِّ المؤلِّف مجرورًا، وتكون «حتَّى» حرفُ جرٍّ بمعنى انتهاء الغاية؛ أيْ: وكلُّ مَنْ وَرِث المالَ وَرِثَ القِصاصَ، ينتهي ذلك إلى الزَّوجَينِ وذَوِي الأرحام.

(وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ؛ وَلِيُّهُ الْإِمَامُ)؛ لأِنَّه وليُّ مَنْ لا وليَّ له، (إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ)، وفي «الانتصار» و «عيون المسائل»: مَنْعٌ وتسليم

(7)

؛ لأنَّ بِنا

(8)

حاجةً

(1)

في (م): وقتل.

(2)

قوله: (بالفساد) سقط من (م).

(3)

كذا في (ظ) و (ن)، وفي (م): الأب. ولعل صوابها كما في شرح المنتهى 3/ 272: بحكم الإرث.

(4)

قوله: (حق) سقط من (م).

(5)

في (م): الورثة.

(6)

قوله: (الوارث) سقط من (ظ) و (ن).

(7)

قوله: (منع وتسليم) سقط من (م).

(8)

في (م): هنا.

ص: 135

إلى عِصْمة الدِّماء، فلو لم يُقتَلْ؛ لقُتِلَ كلُّ مَنْ لا وارِثَ له، قالا: ولا

(1)

روايةَ فيه، وفي «الواضح» وغيره: وجْهانِ؛ كوالد

(2)

.

(وَإِنْ شَاءَ عَفَا)؛ لأِنَّه يَفعَلُ ما يرى

(3)

فيه المصلحةَ للمسلمين، من القصاص أو العَفْوِ على مالٍ، وهو الدِّيةُ، لا أقلَّ، ولا مَجَّانًا، ذَكَرَه في «المحرَّر» ، و «الوجيز» .

فلو عفا إلى غَيرِ مالٍ؛ لم يَملِكْه، وإنْ كان هو ظاهِرَ المتن؛ لأِنَّ ذلك للمسلمين، ولا حظ

(4)

لهم فيه، ذَكَرَه في «المغني» و «الشَّرح» .

وقِيلَ: له أنْ يَعفُوَ مَجَّانًا؛ لِقِصَّةِ عُثْمانَ

(5)

، وهو ظاهِرٌ هنا

(6)

، لكنَّ الأوَّلَ أَوْلَى.

(1)

قوله: (قالا: ولا) في (م): والأولى.

(2)

في (م): وجهًا كولد.

(3)

في (م): لأنه يقتل ما روى.

(4)

في (م): والأحظ، وفي (ن): ولا خطأ. والمثبت موافق للمغني 8/ 363، والشرح 25/ 161.

(5)

مراده كما في الكافي 3/ 280: ما أخرجه عبد الرزاق (9775)، والطحاوي في معاني الآثار (5044)، والبيهقي في الكبرى (16083)، وغيرهم في قصة مقتل عمر رضي الله عنه، وقَتْل عبيد الله بن عمر الهرمزان، وفيه: قال عثمان رضي الله عنه: ومن ولي الهرمزان؟ قالوا: أنت يا أمير المؤمنين، فقال: فقد عفوت عن عبيد الله بن عمر. وهذا لفظ البيهقي.

(6)

في (م): هناك.

ص: 136

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ

(1)

: أَنْ يُؤْمَنَ فِي الاِسْتِيفَاءِ التَّعَدِّي

(2)

إِلَى غَيْرِ الْقَاتِلِ)؛ لقَولِه تعالى: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسرَاء: 33]، والقَتْلُ المفْضِي إلى التَّعدِّي، فيه إسْرافٌ، وفي «المحرَّر» ، و «الوجيز» ، و «الفروع»: الجانِي، وهو أحْسَنُ.

(فَلَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَى حَامِلٍ، أَوْ حَمَلَتْ بَعْدَ وُجُوبِهِ؛ لَمْ تُقْتَلْ

(3)

، وحُبِستْ، فإذا وَلَدَتْ؛ جُلِدَتْ وأُقِيدَ منها في الطَّرَف، (حَتَّى تَضَعَ الْوَلَدَ، وَتَسْقِيَهُ اللِّبَأَ)، بغَيرِ خلاف نعلمه

(4)

؛ لِمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ بإسْنادِه، عن عبدِ الرَّحمن بنِ غَنْمٍ، قال: حدثنا معاذُ بن جبَلٍ، وأبو عُبَيدةَ بن الجراح

(5)

، وعُبادةُ بن الصَّامِت، وشَدَّاد بن أوْسٍ، قالوا: إنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: «إذا قَتَلَت المرأةُ عَمْدًا؛ فلا تُقتَلُ حتَّى تَضَعَ ما في بطنها

(6)

إنْ كانَتْ حامِلاً، وحتَّى تكفل

(7)

ولدَها، وإنْ زَنَتْ لم تُرجَمْ حتَّى تَضَعَ ما في بطنها، وحتَّى تكفل

(8)

ولدَها»

(9)

، ولأِنَّه يُخافُ على ولدها، وقَتْلُه حرامٌ، والولدُ يتضرَّر

(1)

قوله: (الثالث) سقط من (م).

(2)

في (م): الفداء.

(3)

في (م): لم يقتل.

(4)

قوله: (نعلمه) سقط من (ظ). وينظر: الاستذكار 8/ 79، المغني 9/ 46.

(5)

قوله: (ابن الجراح) سقط من (م).

(6)

زيد في (م): وحتى.

(7)

في (ن): يكفل.

(8)

في (ن): يكفل.

(9)

أخرجه ابن ماجه (2694)، والطبراني في الكبير (7138)، وفي سنده ثلاثة ضعفاء وهم: عبد الله بن صالح كاتب الليث، وابن لهيعة، وعبد الرحمن الإفريقي، وضعفه البوصيري والألباني، ويشهد له ما أخرجه مسلم (1695)، في خبر الغامدية، وفيه أنها قالت: لعلك أن تردني كما رددت ماعزًا، فوالله إني لحبلى، قال:«إمَّا لا فاذهبي حتى تلدي» ، فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال:«اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه» . ينظر: مصباح الزجاجة 3/ 138، الإرواء 7/ 282.

ص: 137

بترك اللِّبَأ ضررًا كثيرًا، وقال في «الكافي»: لا يَعِيشُ إلاَّ به.

(ثُمَّ إِنْ وُجِدَ مَنْ يُرْضِعُهُ

(1)

؛ قُتِلَتْ؛ لأِنَّ تأخيرَ قَتْلِها إنَّما كان للخوفِ على ولدها، وقد زال ذلك، وفي «الترغيب»: يلزم

(2)

برضاعه بأُجْرةٍ.

(وَإلاَّ)؛ أي

(3)

: إذا لم يُوجَدْ مَنْ يُرضِعُه؛ (تُرِكَتْ حَتَّى تَفْطِمَهُ) لحَولَينِ؛ للخبر، والمعْنَى: إلاَّ أنْ يكونَ فيما دُونَ النَّفس، والغالِبُ عَدَمُ ضَرَرِ الاِسْتِيفاء منها، ولأِنَّ القتلَ إذا أُخِّر من أجْلِ سَقْط الحمل؛ فلأن يُؤخَّرَ من أجل حفظ الولد بطريقِ الأولى

(4)

.

وظاهِرُه: أنَّه

(5)

إذا أمْكَنَ سَقْيُه لَبَنَ شاةٍ؛ فإنَّها تُترَكُ، وصرَّح في «المغْنِي» و «الشَّرح»: بأنَّها تُقتَلُ؛ لأِنَّ

(6)

له ما يَقومُ به.

وظاهره

(7)

: أنَّها لا تؤخَّر

(8)

لمرَضٍ وحرٍّ وبَرْدٍ، وقيل: بلى

(9)

؛ كمَنْ خِيفَ تَلَفُها؛ لحديث عليٍّ

(10)

، رواهُ مُسْلِمٌ

(11)

.

(1)

في (ظ): ترضعه.

(2)

في (م): فلزم. وفي الفروع 9/ 401: تلزم.

(3)

قوله: (أي) سقط من (م).

(4)

قوله: (ولأن القتل إذا أخر من أجل سقط الحمل

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(6)

في (ن): لأنه.

(7)

في (م): فظاهره.

(8)

في (ن): أنه لا يؤخر.

(9)

في (ن): هي.

(10)

قوله: (علي) سقط من (م).

(11)

أخرجه مسلم (1705)، عن علي رضي الله عنه: أن أمةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أحسنت» .

ص: 138

(وَلَا يُقْتَصُّ مِنْهَا فِي الطَّرَفِ حَالَ حَمْلِهَا)؛ لأِنَّ القِصاصَ في الطَّرَف لا يُؤمَنُ معه التَّعدِّي إلى تَلَفِ الولد، أشْبَهَ الاِقْتِصاصَ في النَّفس، بل يُقادُ منها فيه بمُجرَّدِ الوضع، صرَّح به في «الفروع» وغيره

(1)

، وفي «المغني»: وسَقْيِ اللِّبأ

(2)

، وهو ظاهِرٌ، وفي «المستوعب» وغيره: ويَفرُغُ نِفاسُها، وفي «البلغة»: هي فيه كمريضٍ.

(وَحُكْمُ الْحَدِّ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الْقِصَاصِ)؛ لأِنَّه في معناه، وللخبر السَّابق.

واسْتَحَبَّ القاضي تأخيرَ الرَّجم مع وجود مُرضِعةٍ؛ لتُرْضِعَه بنفسها، وقيل: يَجِبُ، نَقَلَ الجماعةُ: تُترَك

(3)

حتَّى تَفطِمَه

(4)

.

ولا تُحبَسُ لحدٍّ، قاله في «التَّرغيب» و «الرِّعاية» ، بل لِقَوَدٍ

(5)

، ولو مع غيبة

(6)

وليِّ مقتولٍ، لا في مالٍ غائبٍ.

(فَإِنِ ادَّعَتِ الْحَمْلَ؛ احْتَمَلَ أَنْ يُقْبَلَ مِنْهَا، فَتُحْبَسُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهَا)، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ للحمل أماراتٍ خفيَّةً تعلمها

(7)

مِنْ نَفْسِها دُونَ غيرها، فوجَبَ أنْ يُحتاطَ له كالحيض.

وعليه في «التَّرغيب» : لا قَوَدَ من منكوحةٍ مُخالِطةٍ لزوجها، وهو ممنوعٌ مِنْ وَطْئِها لأِجْلِ الظِّهار؛ ففيه احْتِمالانِ.

(1)

قوله: (وغيره) سقط من (م).

(2)

قوله: (اللبأ) سقط من (م).

(3)

في (ن): يترك.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3523.

(5)

في (م): بقود.

(6)

في (م): غيبته.

(7)

في (م) تعلم.

ص: 139

(وَاحْتَمَلَ أَلاَّ يُقْبَلَ

(1)

إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)، ولو امرأةً، ذَكَر في «الفروع» ، وفي «المحرَّر» و «الشَّرح»: أنَّها تُرَى أهلَ الخِبْرة، فإنْ شَهِدتْ بحَمْلها؛ أُخِّرَتْ، وإنْ شهدت

(2)

ببراءتها لم تُؤخَّرْ؛ لأِنَّ الحقَّ حالٌّ عليها، فلا تؤخر

(3)

بمجرَّد دَعْواها، فإنْ أشْكَلَ على القَوابِل، أوْ لم يُوجَدْ مَنْ يَعرِفُ ذلك؛ أُخِّرتْ حتَّى يَتَبَيَّنَ أمْرُها؛ لأِنَّه إذا أسْقَطْنا القِصاصَ مِنْ خَوفِ الزِّيادة؛ فتأخيرُه أَوْلَى.

(وَإِنِ اقْتَصَّ مِنْ حَامِلٍ)؛ حَرُمَ، وأخْطَأَ السلطانُ

(4)

الذي مكَّنه من الاستيفاء، وعليهما

(5)

الإثمُ إنْ كانا عالِمَينِ، أوْ كان منهما تفريطٌ، وإلاَّ فالإثمُ على العالم والمفرِّط.

و (وَجَبَ

(6)

ضَمَانُ جَنِينِهَا عَلَى قَاتِلِهَا

(7)

؛ لأِنَّه المباشِرُ، فلو انْفَصَلَ ميتًا، أوْ حيًّا لوقتٍ لا يَعِيشُ في مِثْلِه؛ ففيه غُرَّةٌ، وإنِ انفصَلَ حيًّا لوقتٍ يعِيشُ مِثْلُه فيه، ثمَّ مات من الجناية؛ ففيه الدِّيَةُ.

ويُنظَرُ، فإنْ كان الإمامُ والوليُّ عالِمَينِ بالحَمْل وتحريمِ الاِسْتِيفاءِ، أوْ جاهِلَينِ بالأمْرَينِ، أوْ أحدِهما، أوْ كان الوليُّ عالِمًا بذلك دُونَ المُمَكِّنِ له من الاستيفاء

(8)

؛ فالضَّمانُ عليه وحدَه؛ لأِنَّه مُباشِرٌ، والحاكِمُ الذي مكَّنَه

(9)

صاحِبُ سببٍ.

(1)

في (م): تقبل.

(2)

في (م): شهد.

(3)

في (ن): فلا يؤخر.

(4)

في (م): لسلطان.

(5)

في (م): وعليها.

(6)

في (م): وجب.

(7)

في (ظ): عاقلتها.

(8)

قوله: (أو جاهلين بالأمرين أو أحدهما

إلخ) سقط من (م).

(9)

في (م): يمكنه.

ص: 140

وإنْ عَلِمَ الحاكِمُ دُونَ الوليِّ؛ فالضَّمانُ على الحاكِم وحْدَه؛ كالسَّيِّد إذا أمَرَ عبدَه الأعْجَمِيَّ الذي لا يَعرِفُ تحريمَ القَتْل به.

وإنْ كانا عالِمَينِ؛ ضَمِنَ الحاكِمُ فقطْ.

وإنْ كانا جاهِلَينِ؛ فقِيلَ: الضَّمانُ على الحاكم، وقِيلَ: على الوليِّ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ، وقِيلَ: يَضْمَنُه السلطان

(1)

، إلاَّ أنْ يَعلَمَ المقتَصُّ وحدَه بالحمل

(2)

فيَضمَنُ.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَجِبُ عَلَى السُّلْطَانِ الذِي مَكَّنَهُ

(3)

مِنْ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه مكَّنَه من الإتْلاف، فاختَصَّ الضَّمانُ به؛ كما لو أمر

(4)

عبدَه الجاهِلَ بتحريمِ القَتْل

(5)

، فعلى هذا: هل الغُرَّةُ في بَيتِ المال، أوْ ماله

(6)

؟ فيه رِوايَتانِ.

فرعٌ: قال في

(7)

«الرِّعاية» : فإنْ قَتَلَها، فتلف

(8)

جنينُها؛ ضَمِنَه السُّلطانُ الممَكِّنُ منها بغُرَّة

(9)

، وعنه: في بَيتِ المال.

فإنْ رَمَتْه حيًّا، فمات بذلك؛ وَجَبَتْ دِيَتُه، أوْ قِيمتُه إنْ كان قِيمِيًّا من بَيتِ المال، وعنه: من عاقِلَتِه، وقِيلَ: يَضمَنُه قاتِلُها، وقِيلَ: إنْ عَلِمَ وحدَه بالحمل.

(1)

قوله: (السلطان) سقط من (م).

(2)

في (م): بالحمل وحده.

(3)

في (م): يمكنه.

(4)

قوله: (أمر) مكانه بياض في (م).

(5)

زاد في (ظ): به.

(6)

في (ن): مما له.

(7)

قوله: (قال في) سقط من (م) و (ن).

(8)

في (م): وتلف.

(9)

في (م): بغير.

ص: 141

(فَصْلٌ)

(وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ السُّلْطَانِ) أوْ نائبِه؛ لأِنَّه يَفتَقِرُ إلى اجْتِهاده، ولا

(1)

يُؤمَنُ فيه الحَيفُ مع قَصْدِ التَّشفِّي، فلو خَالَفَ؛ وَقَعَ المُوقَعُ؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى حقَّه، وفي «المغني» و «الشَّرح»: يُعزِّرُه؛ لاِفْتِياته على السُّلطان، وفي «عيون المسائل»: لا يُعزِّره؛ لأِنَّه حقٌّ له كالمال.

ويَحتَمِلُ: جَوازه بغَيرِ حضرته إذا كان القِصاصُ في النَّفس؛ لأِنَّه عليه السلام أتاه رجلٌ يَقُودُ آخَرَ، فقال: إنَّ هذا قَتَلَ أخِي، فاعْتَرَفَ بقتله

(2)

، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«اذْهَبْ فَاقْتُلْه» رواه مُسلِمٌ

(3)

، ولأِنَّ اشتراط

(4)

حُضورِه لا يَثبُتُ إلاَّ بدليلٍ، ولم يُوجَدْ.

ويُستَحَبُّ حضورُ شاهِدَينِ؛ لِئلاَّ يُنكِرَ المقْتَصُّ الاِسْتِيفاءَ.

(وَعَلَيْهِ تَفَقُّدُ

(5)

الآْلَةِ التِي يَسْتَوْفِي بِهَا الْقِصَاصَ)؛ لأِنَّ منها ما لا يَجُوزُ الاِسْتِيفاءُ به، (فَإِنْ كَانَتْ كَالَّةً)، أوْ مَسمومةً؛ (مَنَعَهُ الاِسْتِيفَاءُ بِهَا)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«إذا قَتَلْتُم فأحْسِنُوا القِتْلةَ» رواه مُسلِمٌ مِنْ حديثِ شدَّادٍ

(6)

، ولِئَلاَّ يُعذَّبَ المقتولُ، ولأِنَّ المسمومةَ تُفسِدُ البَدَنَ، وربما مَنَعَتْ غَسْلَه، وإنْ عجَّلَ فاسْتَوْفَى بذلك؛ عُزِّرَ؛ لِفِعْلِه ما لا يَجُوزُ.

(وَيَنْظُرُ فِي الْوَلِيِّ؛ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الاِسْتِيفَاءَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ) بالقوة

(7)

(1)

في (م): فلا.

(2)

قوله: (بقتله) سقط من (م).

(3)

أخرجه مسلم (1680)، من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه.

(4)

قوله: (ولأن اشتراط) في (م): ولاشتراط.

(5)

في (ظ): يفقد.

(6)

أخرجه مسلم (1955).

(7)

في (م): بالقدرة.

ص: 142

والمعرفة؛ (أَمْكَنَهُ مِنْهُ)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الإسرَاء: 33]، وللخبر، وكسائرِ حقوقه، ولأِنَّ المقصودَ التَّشفِّي، وتمكينُه منه

(1)

أبلغ من

(2)

ذلك.

فإن ادَّعى المعرفةَ بالاستيفاء، فأمْكَنَه السُّلطانُ منه بضرب

(3)

عنقه، فأبانه؛ فقد اسْتَوْفَى حقَّه، وإنْ أصاب غَيرَه، وأقرَّ بتعمُّدِ ذلك؛ عُزِّرَ، فإنْ قال: أخْطَأْتُ، وكانت الضَّربةُ في مَوضِعٍ قريبٍ من العنق؛ قُبِلَ قَولُه مع يَمِينِه.

ثُمَّ إنْ أرادَ العود

(4)

؛ فقيلَ: لا يُمكَّنُ؛ لأِنَّه ظَهَرَ منه أنَّه

(5)

لا يُحسِنُ.

وقِيلَ: بلى، واختاره

(6)

القاضِي؛ لأِنَّ الظاهِرَ أنَّه يَحتَرِزُ عن مثل ذلك ثانيًا.

(وَإِلاَّ أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ)؛ لأِنَّه عاجِزٌ عن استيفائه، فيُوكِّلُ فيه مَنْ يُحْسِنُه؛ لأِنَّه قائمٌ مَقامَه.

(فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ؛ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي)؛ كالحدِّ، ولأنَّها

(7)

أُجْرةٌ لإيفاء

(8)

ما عليه من الحقِّ، فكانَتْ لازِمةً له؛ كأُجْرةِ الكَيَّال.

وقال أبو بكرٍ: يكون

(9)

من الفَيء، فإنْ لم يكُن فمِن الجاني.

(1)

في (م): من.

(2)

في (ظ): في.

(3)

في (م): فضرب.

(4)

في (ن): القود.

(5)

في (ظ): أن.

(6)

في (م): اختار.

(7)

في (ن): ولأنه.

(8)

في (ظ) و (م): لاتقاء.

(9)

في (ن): تكون.

ص: 143

وذَكَرَ المؤلف

(1)

في «الكافي» : أنَّ بَذْلَ العِوَض مِنْ بَيتِ المال، فإنْ لم يكُنْ فمِن الجاني.

والذي ذَكَرَه أبو بكرٍ، والقاضي في «خِلافَيهِما»: أنَّ الأُجْرةَ على الجاني.

قال في «الشَّرح» : وذَهَبَ بعضُ أصْحابِنا: أنَّه يُرزَقُ مِنْ بَيتِ المال رَجُلٌ يَستوفي

(2)

الحدود والقِصاصَ؛ لأِنَّ هذا من المصالح العامَّة، فإنْ لم يَحصُلْ فَعَلَى الجاني؛ لأِنَّ الحقَّ عَلَيهِ فيَلزَمُه أُجرةُ الاِسْتِيفاءِ؛ كأجْرةِ الوَزَّان.

ويَتَوجَّهُ لو قال: أنا أقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي، ولا أؤدِّي أُجْرةً، هل يُقبَلُ منه أمْ لا؟

وقِيلَ: على المقتَصِّ؛ لأِنَّه وكيلُه، فكانتِ الأُجْرةُ على مُوكِّله كسائر المواضع، والذي على الجاني التَّمكينُ دُونَ الفعل، ولو كانَتْ عليه أُجرةُ الوكيل؛ لَلَزِمَه أُجْرةُ الوليِّ إذا اسْتَوْفَى بنفسه.

(وَالْوَلَيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الاِسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ، وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ)، هذا المذهَبُ؛ لأِنَّ التَّوكيلَ حقٌّ له، فكان له الخِيَرةُ فيه؛ كسائر حقوقه

(3)

.

(وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الطَّرَفَ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ)، قدَّمه في «الكافي» ؛ لأِنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يَجْنِي عليه بما لا يُمكِنُ تلافيه

(4)

.

وقيل: يُمنَعُ منها فيهما؛ كجَهْله، واخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ.

والأوَّلُ أَوْلَى، قال القاضي: ظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه يُمكَّنُ منه؛ لأِنَّه أحدُ نَوعَيِ القِصاصِ، فيُمكَّنُ منه؛ كالقصاص في النَّفس.

(1)

في (م): الولي.

(2)

زيد في (م): في.

(3)

في (م): الحقوق.

(4)

في (م): إتلافه.

ص: 144

(وَإِنْ تَشَاحَّ أَوْلِيَاءُ المَقْتُولِ

(1)

فِي الاسْتِيفَاءِ؛ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ)؛ لأِنَّه لا يَجوزُ اجْتِماعُهم على القَتْلِ؛ لِمَا فيه من تعذيبِ الجاني وتعدُّدِ أفْعالهم، ولا مَزِيَّةَ لأِحدِهم؛ فَوَجَبَ التَّقديمُ (بِالْقُرْعَةِ)؛ كما لو تَشاحُّوا في تزويجِ مَولِيَّتِهم، فمَنْ خَرَجَتْ له القُرْعةُ اسْتَأْذَنَ شركاءَه في الاِسْتِيفاء، ولا يَجُوزُ بغَيرِ إذْنِهم؛ لأِنَّ الحقَّ لهم.

فإنْ لم يَتَّفِقُوا على تَوكِيلِ أحدٍ؛ لم يُسْتَوْفَ حتَّى يُوَكِّلُوا.

وقال ابنُ أبي موسى: إذا تَشاحُّوا؛ أَمَرَ الإمامُ مَنْ شاء باسْتِيفائه.

تنبيهٌ: إذا اقْتَصَّ جانٍ من نَفْسه بِرِضَا وليٍّ؛ جاز، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وفي «المغني»

(2)

و «الشَّرح» خِلافُه، وأطْلَقَهما في «الفروع» .

وصحَّح في «التَّرغيب» : لا يَقَعُ قَوَدًا، وفي «البُلْغة»: يَقَعُ.

قال في «الرِّعاية» : ولو أقامَ حدَّ زِنًى أوْ قَذْفٍ على نفسه بإذْنٍ؛ لم يَسقُطْ، بخِلافِ قَطْعِ سَرِقةٍ.

وله أنْ يَختِنَ نفسَه إنْ قَوِيَ عليه وأحْسَنَه، نَصَّ عليه

(3)

؛ لأِنَّه يسيرٌ، لا قَطْعٌ في سَرِقةٍ؛ لِفَواتِ الرَّدْع.

وقال القاضي: على أنَّه لا يَمتَنِعُ القَطْعُ بنفسه، وإنْ مَنَعْناهُ؛ فلأِنَّه ربَّما اضْطَرَبَتْ يدُه فجَنَى على نفسه، ولم يَعتَبِرْ على جَوازه إذْنًا، قال في «الفروع»: ويَتوجَّهُ اعْتِبارُه.

وهل يَقَعُ المُوقَعُ؟ يتوجَّه على الوجْهَينِ في القَوَد

(4)

، ويَتوجَّهُ احْتِمالٌ في

(1)

في (م): مقتول.

(2)

قوله: (وفي «المغني») سقط من (م).

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 151.

(4)

قوله: (ويتوجه اعتباره هل يقع الموقع

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 145

حدِّ زِنًى، وقَذْفٍ، وشُرْبٍ؛ كحدِّ سَرِقةٍ، وبَينَهما فرقٌ؛ لِحُصولِ المقصود في القَطْعِ في السَّرِقة، وهو قَطْعُ العُضْوِ الواجِبِ قَطْعُه، وعَدَمِ حُصولِ الرَّدْع والزَّجْر بجَلْدِه نَفْسَه.

ص: 146

(فَصْلٌ)

(وَلَا يُسْتَوْفَى الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ إِلاَّ بِالسَّيْفِ) في العُنُق، وإنْ كان القَتْلُ بغَيرِه، (فِي إِحْدَى

(1)

الرِّوَايَتَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، واخْتارَه الأصْحابُ؛ لِمَا رَوَى النُّعمانُ بنُ بَشِيرٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَا قَوَدَ إلاَّ بالسَّيف» رواهُ ابنُ ماجَهْ، والدَّارَقُطْنِيُّ، والبيهقي

(2)

مِنْ غَيرِ طريقٍ، وقال أحمدُ: لَيسَ إسْنادُه بجيد

(3)

، ولأِنَّ القِصاصَ أحدُ بَدَلِ النَّفس، فَدَخَلَ الطَّرَفُ في حُكْم الجملة؛ كالدِّية، ونَهَى عن المُثْلَة، ولأِنَّ فيه زيادةَ تعذيبٍ، وكما لو قَتَلَه بالسَّيف.

قال في «الاِنْتِصار» وغَيره في قَوَدٍ: وحقُّ الله لا يَجُوزُ في النَّفس إلاَّ بسَيفٍ؛ لأِنَّه أوْحَى

(4)

، لا بِسِكِّينٍ، ولا في طَرَفٍ إلاَّ بها؛ لِئَلاَّ يَحِيفَ،

(1)

في (م): أحد.

(2)

قوله: (والبيهقي) سقط من (م).

(3)

أخرجه ابن ماجه (2667)، والبيهقي في الكبرى (16088)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، وفي سنده: جابر الجعفي وهو ضعيف، وأخرجه ابن ماجه (2668)، والبزار (3663)، والدارقطني (3174)، من طريق مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن أبي بكرة رضي الله عنه، والمبارك مدلس وقد عنعنه، وقال أبو حاتم:(حديث منكر)، وأعله البزار بالإرسال، وله طرق أخرى من حديث علي وابن مسعود وأبي سعيد رضي الله عنهم، وكلها ضعيفة، وضعف الحديث جماعة منهم أحمد وأبو حاتم وابن رجب وابن الملقن وابن حجر، قال ابن القيم:(وحديث «لا قود إلا بالسيف» قال الإمام أحمد: ليس إسناده بجيد، والثابت عن الصحابة أنه يفعل به كما فعل، فقد اتفق على ذلك الكتاب والسنة والقياس وآثار الصحابة). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 228، إعلام الموقعين 1/ 247، جامع العلوم والحكم 1/ 438، البدر المنير 8/ 390، التلخيص الحبير 4/ 61.

(4)

في (م): أرجى.

ص: 147

وأنَّ

(1)

الرَّجمَ بحجرٍ

(2)

، لا يَجُوزُ بسَيفٍ.

(وَالْأُخْرَى: يُفْعَلُ بِهِ كَمَا فَعَلَ

(3)

، وقَتْلُه بسيف

(4)

، وقاله الأكثرُ، واخْتارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(5)

؛ لقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النّحل: 126]، ولقوله تعالى:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البَقَرَة: 194]، ولأِنَّه «عليه السلام رضَّ رأسَ يهوديٍّ

» الخبرَ

(6)

، ولقوله صلى الله عليه وسلم:«مَنْ حرَّقَ حرَّقْناهُ، ومَن غرَّق غرَّقناه» رواه البَيهَقيُّ مِنْ حديثِ البَرَاءِ بنِ عازِبٍ، وفي إسْنادِه مَقالٌ

(7)

، ولأِنَّ القِصاصَ موضُوعٌ على المُماثَلَةِ، ولَفْظَه مُشْعِرٌ به

(8)

، فيجب

(9)

أنْ يَسْتَوْفِيَ منه ما فَعَلَ؛ كما لو ضَرَبَ العُنُقَ آخَرُ غَيرُه.

وعَلَيها: إنْ ماتَ وإلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُه، وفي «الاِنْتِصار» احْتِمالٌ، أو الدِّيَةُ بغَيرِ رِضاهُ.

(فَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ، ثُمَّ قَتَلَهُ؛ فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ) لِمَا عَرَفْتَ.

(وَإِنْ قَتَلَهُ بِحَجَرٍ، أَوْ غَرَّقَهُ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ) مِنْ أنواع القتل غَيرَ ما اسْتُثْنِيَ؛ (فُعِلَ بِهِ ذَلِكَ

(10)

؛ لِمَا ذَكَرْنا، واختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ.

(1)

في (ن): لأن.

(2)

قوله: (بحجر) سقط من (م).

(3)

في (م): يفعل.

(4)

أي: يجوز أن يفعل به كما فعل، ويجوز قتله بسيف. ينظر: الفروع 9/ 404.

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 20/ 351، الفروع 9/ 404.

(6)

أخرجه البخاري (2413)، ومسلم (1672).

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (15993)، وفي المعرفة (17185)، وفي إسناده مجاهيل، قاله البيهقي، وابن عبد الهادي. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 494، البدر المنير 8/ 389.

(8)

قوله: (به) سقط من (م).

(9)

في (م): فوجب، وفي (ن): فيجوز.

(10)

قوله: (لما عرفت ذلك، وإن قتله بحجر

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 148

وعَنْهُ: يُفعَلُ به كفِعْلِه إنْ كان فِعْلُه مُوحِيًا

(1)

.

وعَنْهُ: أوْ مُوجِبًا لِقَوَدِ طَرَفِه لو انْفَرَدَ.

فعلى

(2)

المذهب: لو فَعَلَ لم يَضمَنْ، وأنَّه لو قَطَعَ طَرَفَه، ثُمَّ قَتَلَه قبلَ البُرْء

(3)

؛ ففي دخولِ قَوَدِ طَرَفِه في قَوَدِ نفسه لدخوله في الدِّيَة؛ رِوايَتانِ، قال في «التَّرغيب»: فائدتُه: لو عَفَا عن النَّفس؛ سَقَطَ القَوَدُ في الطَّرَف؛ لأِنَّ قَطْعَ السِّراية كانْدِمالِه، ومتى

(4)

فَعَلَ به الولي

(5)

كما فَعَلَ؛ لم يَضمَنْه بشَيءٍ وإنْ حرَّمْناهُ، وإنْ زاد أوْ تَعدَّى بقَطْعِ طَرَفِه؛ فلا قَوَدَ، ويَضْمَنُه بِدِيَتِه، عَفَا عنه أوْ لا، وقِيلَ: إنْ لم يَسْرِ القَطْعُ.

(وَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ مَفْصِلٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ أَوْضَحَهُ فَمَاتَ؛ فُعِلَ بِهِ كَفِعْلِهِ)؛ للكتاب والسُّنَّةِ، واعْتِبارِ المماثَلة، (فَإِنْ مَاتَ وَإِلاَّ ضُرِبَتْ عُنُقُهُ)؛ لأِنَّ ذلك مُستَحَقٌّ لكَونه تَرتَّبَ على فعله

(6)

القَتْلُ، فإذا لم يَحصُلْ بمِثْلِ ما فَعَلَ؛ تعيَّن ضَرْبُ العُنُق؛ لكَونه وسيلةً إلى اسْتِيفاء القَتْل المسْتَحَقِّ عليه.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْتَلُ)؛ لأِنَّ القِصاصَ أحدُ بَدَلَي

(7)

النَّفس، فدَخَلَ القَطْعُ وغَيرُه في القتل؛ كالدِّية.

(وَلَا يُزَادُ عَلَى ذَلِكَ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ أيْ: لا يُقتَصُّ منه في الطَّرَف روايةً واحدةً؛ لِإفْضائه إلى الزِّيادة، قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ تخريجُه على الرِّوايتَينِ، ولَيسَ هذا بزيادةٍ؛ لأِنَّ فَواتَ النَّفس بسِرايةِ فِعْله، وهو كفعله،

(1)

في (م): موجبًا.

(2)

في (م): وعلى.

(3)

في (م): البراءة.

(4)

في (م): ومن.

(5)

في (م): والولي.

(6)

في (م): عليه فعل.

(7)

في (ن): بدل.

ص: 149

أشْبَهَ ما لو قَطَعه

(1)

، ثمَّ قَتَلَه.

(وَإِنْ قَتَلَهُ بِمُحَرَّمٍ فِي نَفْسِهِ؛ كَتَجْرِيعِ

(2)

الْخَمْرِ، وَاللِّوَاطِ، وَنَحْوِهِ)؛ كالسِّحر؛ لم يَقتُله بمثله، وِفاقًا

(3)

؛ (قُتِلَ بِالسَّيْفِ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ هذا مُحرَّمٌ لِعَينه، فوجَبَ العُدولُ عنه إلى القتل بالسَّيف؛ لأِنَّ قَتْلَه بمثلِ فِعْله غَيرُ مُمْكِنٍ.

وإن

(4)

حرَّقَه؛ فقال بعضُ أصحابنا: لا يُحرَّقُ؛ للنَّهيِ عنه

(5)

، وقال القاضي: الصَّحيحُ أنَّ فيه روايتَينِ؛ كالتغريق

(6)

.

والثَّانية: يُحرَّقُ، وقاله مسروق وقتادةُ، وحَمَلوا النَّهْيَ على غَيرِ القِصاص.

(وَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا أَتَى بِهِ رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ الزِّيادةَ على فِعْله تَعَدٍّ عليه، فلم يَجُزْ؛ كما لو لم يكن قاتِلاً، (وَلَا قَطْعُ شَيْءٍ مِنْ أَطْرَافِهِ)؛ لأِنَّ ذلك زيادةٌ على ما أتى به، (فَإِنْ فَعَلَ؛ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ)؛ لأِنَّ القِصاصَ عقوبةٌ تُدْرَأُ بالشُّبهة، وهي هنا مُتحَقِّقةٌ؛ لأِنَّه مُستَحِقٌّ لإتلافِ الطَّرَف ضِمْنًا لاِسْتِحْقاقه إتلافَ الجملة.

(1)

في (م): أقطعه.

(2)

في (م): كتحريم، وفي (ن): لتجريع.

(3)

ينظر: بدائع الصنائع 7/ 245، التاج والإكليل لمختصر خليل 8/ 330، الحاوي 12/ 140، الفروع 9/ 404.

(4)

في (م): فإن.

(5)

قوله: (عنه) سقط من (م).

والحديث أخرجه أحمد (16034)، وأبو داود (2673)، من حديث حمزة الأسلمي رضي الله عنه، وفيه:«فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار» ، وصححه الألباني في الصحيحة (487).

(6)

في (م): كالتعريف.

ص: 150

(وَتَجِبُ

(1)

فِيهِ)؛ أيْ: في الزائد

(2)

(دِيَتُهُ)؛ لأِنَّ ذلك حصل

(3)

بالتَّعَدِّي، أشْبَهَ ما لو لم يكن المقطوعُ مُكافِئًا، (سَوَاءٌ عَفَا عَنْهُ أَوْ قَتَلَهُ

(4)

؛ لأِنَّ اسْتِحْقاقَ إتْلافِ الطَّرَف مَوجودٌ في حالتي العَفْو والقتل.

لَواحِقُ:

إذا كان الجاني قطَع يدَه، فقطع المستوفي رجلَه؛ فقيل: كقطعِ يده؛ لاستوائهما، وقيل: دِيَة رِجْله؛ لأِنَّ الجانيَ لم يَقْطَعْها.

وإن استحقَّ قَطْعَ إصبعٍ، فقَطَعَ ثنتين؛ فحكمُه حكمُ القطع ابتداءً.

وإنْ ظنَّ وليُّ دمٍ

(5)

أنَّه اقتصَّ في النَّفس، فلم يكن، وداوَاه أهله حتَّى بَرِئَ؛ فإنْ شاء الوليُّ دَفَعَ إليه ديةَ فِعْله وقَتَلَه، وإلاَّ تَرَكَه، هذا رأيُ عمرَ، وعلي

(6)

، ويَعْلَى بن أميَّةَ، ذَكَرَه أحمدُ

(7)

.

(1)

في (م): ويجب.

(2)

قوله: (في الزائد) في (م): الزيادة.

(3)

في (م): يصله.

(4)

قوله: (أو قتله) في (م): أقتله.

(5)

في (م): دمه.

(6)

قوله: (وعلي) سقط من (م).

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 429.

والأثر: أخرجه عبد الرزاق (17910)، وابن أبي شيبة (27892)، عن ابن جريج قال: أخبرني عمر بن الحسن، أن حُييَ بن يعلى أخبره، أنه سمع يعلى يخبر: أن رجلاً أتى يعلى، فقال: قاتل أخي، فدفعه إليه يعلى، فجدعه بالسيف، حتى رأى أنه قد قتله وبه رمق، فأخذه أهله، فداووه حتى برء فجاء يعلى، فقال: قاتل أخي، فقال:«أو ليس قد دفعته إليك؟!» ، فأخبره خبره فدعاه يعلى، فإذا به قد سلك، فحشيت جروحه فوجد فيه الدية، فقال له يعلى:«إن شئت فادفع إليه ديته واقتله، وإلا فدعه» ، فلحق بعمر فاستأدى على يعلى فكتب عمر إلى يعلى، أن اقْدَمْ عليَّ، فقدم عليه فأخبره الخبر، فاستشار عمر علي بن أبي طالب، فأشار عليه بما قضى به يعلى، فاتفق عمر وعلي على قضاء يعلى، أن يدفع إليه الدية ويقتله، أو يدعه فلا يقتله وقال عمر ليعلى:«إنك لقاض» ، ثم رده على عمله. وشيخ ابن جريج ذكره البخاري في التاريخ (7/ 88)، فقال:(يحدث عن حيي بن يعلى، روى عنه ابن جريج)، ولم نقف له على ترجمة تبين حاله.

ص: 151

وإذا اقتصَّ بآلةٍ كالَّةٍ أو

(1)

مسمومةٍ، فسَرَى، فقال القاضي: عليه نصفُ الدِّية؛ لأِنَّه تَلِفَ بفعلٍ

(2)

جائزٍ ومُحرَّمٍ؛ كما لو جَرَحَه في ردَّته وإسلامه فمات منهما.

ويَحتَمِلُ: يَلزَمه ضمانُ السِّرايَة كلِّها؛ لأِنَّ هذا الفِعْلَ كلَّه مُحرَّمٌ.

(1)

قوله: (أو) سقط من (م).

(2)

في (م): بتعد.

ص: 152

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ قَتَلَ) أوْ قَطَعَ (وَاحِدٌ جَمَاعَةً)، في وَقْتٍ أوْ أكثرَ؛ لم تتداخل

(1)

حقوقُهم؛ لأِنَّها حقوقٌ مقصودةٌ لآِدَمِيِّينَ، فلم تتداخل

(2)

؛ كالدُّيون، لكِنْ إنْ رَضِيَ الكلُّ بقَتْله؛ جاز، وقد أشار إليه بقوله:(فَرَضُوا بِقَتْلِهِ؛ قُتِلَ لَهُمْ)؛ لأِنَّ الحقَّ لهم؛ كما لو قَتَلَ عبدٌ عبيدًا خطأً فرَضُوا بأخْذِه؛ لأِنَّهم رَضُوا ببعض حقِّهم؛ كما لو رَضِيَ صاحِبُ اليد الصَّحيحة بالشَّلاَّء، (وَلَا شَيْءَ لَهُمْ سِوَاهُ)؛ أيْ: سِوَى القتل؛ لأِنَّهم رَضُوا بقَتْلِه

(3)

، فلم يكُنْ لهم

(4)

سِواهُ، وإنْ طَلَبَ أحدُهم القصاص والباقون الدِّيةَ؛ فلهم ذلك.

(وَإِنْ تَشَاحُّوا فِيمَنْ يَقْتُلُهُ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ؛ أُقِيدَ لِلْأَوَّلِ)، وذَكَرَه في «الفروع» قولاً؛ لأِنَّ حقَّه أسبقُ، ولأِنَّ المحلَّ صار مستحَقًّا له بالقتل، فعلى هذا: إذا كان الوليُّ غائبًا أوْ صَغِيرًا انتُظِرَ؛ لأِنَّ الحقَّ له.

وقِيلَ: يُقادُ لِمَنْ بعدَه.

وقال ابنُ حَمْدانَ: مع السَّبق يُقادُ بالسَّابق، ومع

(5)

المعيَّة؛ هل يُقادُ بواحدٍ بقُرعةٍ، أوْ بالكلِّ، أوْ يَرجِعُ كلُّ واحِدٍ ببقيَّة حقِّه؟ فيه أوْجُهٌ.

وقدَّم في «المحرَّر» : أنَّه

(6)

يُقدَّمُ أحدُهم بالقرعة، وحكاهما

(7)

في «الفروع» مِنْ غَيرِ ترجيحٍ.

(1)

في (م): لم يتداخل.

(2)

في (م): فلم يتداخل.

(3)

في (م): بقتل.

(4)

في (م): له.

(5)

في (م): مع.

(6)

في (م): وأنه.

(7)

في (م): حكاهما.

ص: 153

(وَلِلْبَاقِينَ دِيَةُ قَتِيلِهِمْ

(1)

؛ لأِنَّ القَتْلَ إذا فات تعيَّنت الدِّيةُ؛ كما لو بادر بعضُهم فاقْتَصَّ بجِنايَته.

وفي «الانتصار» : إذا طَلَبوا القَوَدَ؛ فقد رَضِيَ كلُّ واحدٍ بجُزءٍ منه

(2)

، وأنَّه قَولُ أحمدَ، قال

(3)

: ويتوجَّه أن

(4)

يُجبَرَ له باقي حقِّه بالدِّية، ويتخرَّج

(5)

: يُقتَلُ بهم فقط على روايةِ يَجِبُ بقَتْلِ العَمْد القَوَدُ.

فرعٌ: إذا بادَرَ أحدُهم فاقْتَصَّ بجنايته؛ فلِمَنْ بَقِيَ الدِّيةُ على جانٍ، وفي «كتاب الأَدَمي»: ويَرْجِعُ وَرَثَتُه على المقتصِّ، وقدَّم في «التَّبصرة» ، وابنُ رَزِينٍ: على قاتِلِه، وكما لو قَتَلَ مُرتَدًّا كان مُستَوْفِيًا لِقَتْلِ الرِّدَّة، وإنْ أساء في الاِفْتِيات على الإمام.

(فَإِنْ رَضِيَ الْأَوَّلُ بِالدِّيَةِ؛ أُعْطِيَهَا)؛ لأِنَّه رَضِيَ بدُونِ حقِّه، (وَقُتِلَ

(6)

لِلثَّانِي

(7)

؛ لأِنَّ الأوَّلَ إنَّما قُدِّمَ عليه لِسَبْقه، وقد سقط

(8)

حقُّه لِرضاهُ بالدِّية.

(وَإِنْ قَتَلَ وَقَطَعَ طَرَفًا؛ قُطِعَ طَرَفُهُ) أوَّلاً؛ لأِنَّه لو بَدَأَ بالقَتْل لَفَاتَ القَطْعُ، وفيه تفويتٌ لحقِّ المقطوع، فَوَجَبَ تقديمُ القَطْع؛ لِمَا فيه من الجمع بَينَ حقَّي القَطْع والقَتْلِ، (ثُمَّ قُتِلَ لِوَلِيِّ

(9)

المَقْتُولِ)؛ لأِنَّه لا

(10)

مُعارِضَ له، تَقدَّمَ القَتْلُ

(1)

في (م): قتلهم.

(2)

قوله: (بجزء منه) في (ن): بجرمته.

(3)

قوله: (قال) سقط من (م).

(4)

في (م): أنه.

(5)

في (م): ويخرج.

(6)

في (ن): وقيل.

(7)

في (م): الثاني. والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.

(8)

في (م): سبق.

(9)

في (م): الولي.

(10)

قوله: (لا) سقط من (م).

ص: 154

أوْ تأخر

(1)

؛ لأِنَّهما جِنايَتانِ على رَجُلَينِ، فلم يَتداخَلا؛ كقَطْعِ يدِ رَجُلَينِ، ولأِنَّه أمْكَنَ الجَمْعُ بَينَ الحَقَّينِ، فلم يَجُزْ إسْقاطُ أحدِهما.

(وَإِنْ قَطَعَ أَيْدِيَ جَمَاعَةٍ؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْقَتْلِ)؛ لأِنَّ القَطْعَ كالقتل، فَعَلَى هذا: إنْ رَضِيَ الجماعةُ بقَطْعِ يَدِه؛ قُطِعت

(2)

لهم، ولا

(3)

شَيْءَ لهم سِواهُ، وإنْ تَشَاحُّوا؛ فعلى الخلاف، وإنْ رَضِيَ الأوَّلُ بالدِّية؛ أُعْطِيَها، وقُطِعَ للباقين

(4)

.

مسألة: إذا قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ، ثُمَّ قَتَلَ آخَرَ، ثُمَّ سَرَى القَطْعُ إلى النَّفس وماتَ، وتشاحَّا؛ قُتِل بالذي قتَلَه؛ لِسَبْقِه وتأخُّر السِّرايَة، وأمَّا الْقَطْع؛ فإنْ قُلْنا: إنَّه يَسْتَوْفِي منه مِثْلَ ما فعل

(5)

؛ قُطِعَ له أوَّلاً، ثُمَّ قُتِلَ للَّذي

(6)

قَتَلَه، ويَجِبُ للأوَّل نصفُ الدِّية.

وإنْ قُلْنا: لا يَستَوْفِي القَطعَ؛ وجَبَتْ له الدِّيةُ كامِلةً، ولم يُقطَعْ طَرَفُه.

وقِيلَ: يجب

(7)

القَطع بكلِّ حالٍ.

وإنْ قَطَعَ يدَ واحِدٍ وإصبعَ آخَرَ؛ قُدِّمَ ربُّ اليد إنْ كان أوَّلاً

(8)

وللآخَرِ ديةُ إصْبعه، ومع أوَّلِيَّته؛ تُقطَعُ إصبعُه، ثُمَّ يَقْتَصُّ ربُّ اليد بلا أرْشٍ، وفيه وَجْهٌ.

وهذا بخِلافِ النَّفس، فإنَّها لا تَنْقُصُ بقَطْع الطَّرَف، بدليلِ أخْذِ صحيحِ الأطراف بمَقطوعِها.

(1)

في (م): تأخره.

(2)

في (م): وقطعت.

(3)

في (م): فلا.

(4)

في (م): الباقين.

(5)

قوله: (ما فعل) في (م): فعله.

(6)

في (م): الذي.

(7)

زيد في (م): له.

(8)

في (م): الأول.

ص: 155

(بَابُ الْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ)

أجْمَعوا على جوازِ العَفْو عن القصاص

(1)

، وهو أفْضَلُ، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 178]، والعَفْوُ: المحْوُ والتَّجاوُزُ، والهاءُ في {لَهُ} ول {مِنْ} ، وهو القاتِلُ، ويكون

(2)

القتيلُ أو الوليُّ على هذا أخًا للقاتِلِ مِنْ حَيثُ الدِّين والصحبة

(3)

، وإنْ لم يكُنْ بَينَهما نَسَبٌ.

ونكَّر «شَيئًا» للإيذان بأنَّه إذا عُفِيَ له عن بعضِ الدَّم، أوْ عَفا بعضُ الوَرَثة؛ سَقَطَ القِصاصُ، ووجبت

(4)

الدِّيةُ، فيكونُ العَفْوُ على هذا بمعنى الإسْقاطِ.

{ذَلِكَ} أي: المذكورُ من العَفْو وأخْذِ الدِّيةِ، {تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178]؛ لأِنَّ القِصاصَ كان حَتْمًا على اليهود، وحُرِّمَ عليهم العفوُ والدِّيةُ، وكانت الدِّيةُ حَتْمًا على النَّصارى، وحُرِّمَ عليهم القِصاصُ، فخُيِّرتْ هذه الأمَّةُ بَينَ القِصاص وأخْذِ الدِّية والعَفْوِ؛ تخفيفًا ورحمةً، و «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُرفَعُ إليه أمْرٌ فيه القِصاصُ إلاَّ أَمَرَ فيه بالعَفْوِ» رواه الخمسةُ، إلاَّ التِّرمذيُّ، من حديثِ أنَسٍ

(5)

، والقِياسُ يَقتَضيهِ؛ لأِنَّ القِصاصَ حقٌّ له، فجاز تَرْكُه؛

(1)

ينظر: المغني 8/ 352.

(2)

في (م): أو يكون.

(3)

في (م): أو الصحبة.

(4)

زيد في (م): له.

(5)

أخرجه أحمد (13220)، وأبو داود (4497)، والنسائي (4497)، وابن ماجه (2692)، وفي إسناده: عطاء بن أبي ميمونة، وثقه أبو زرعة وابن معين والنسائي، وقال أبو حاتم:(صالح لا يحتج بحديثه)، قال العقيلي:(لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به)، وضعف الحديث ابن القطان. ينظر: الضعفاء للعقيلي 3/ 403، بيان الوهم 5/ 795، تهذيب التهذيب 7/ 216.

ص: 156

كسائرِ الحُقوق.

(وَالوَاجِبُ

(1)

بِقَتْلِ الْعَمْدِ أَحَدُ شَيْئَيْنِ: الْقِصَاصُ أَوِ الدِّيَةُ، فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، هذا قَولُ الجماعة؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البَقَرَة: 178]، أَوْجَبَ الاِتِّباعَ بمجرَّدِ العَفْوِ، ولو وَجَبَ بالعمد القصاصُ عَينًا؛ لم تَجِب الدِّيةُ عِنْدَ العَفْوِ المطلَقِ.

(وَالْخِيَرَةُ فِيهِ إِلَى الْوَلِيِّ، إِنْ شَاءَ اقْتَصَّ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الدِّيَةَ، وَإِنْ شَاءَ عَفَا إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ)، وإنْ شاء قَتَلَ البعضَ إذا كان القاتِلونَ جماعةً، ولا يَسقُطُ القِصاصُ عن البعض بالعفو عن البعض.

فمَتَى اخْتار الأولياءُ الدِّيةَ من القاتل، أوْ مِنْ بعضِ القَتَلة؛ كان لهم ذلك مِنْ غَيرِ رِضَا الجاني؛ لقول ابنِ عبَّاسٍ: «كان في بني إسْرائيلَ القِصاصُ، ولم يكُنْ فيهم الدِّيةُ، فأنزل الله تعالى هذه الآية: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى

} [البَقَرَة: 178]» رواه البخاريُّ

(2)

، وعن أبي هُرَيرةَ مرفوعًا:«مَنْ قُتِلَ له قتيلٌ؛ فهو بخَيرِ النَّظَرَينِ، إمَّا أنْ يُفْدَى وإمَّا أنْ يُقتَلَ» متَّفَقٌ عليه

(3)

، وعن أبي شُرَيحٍ الخُزاعيِّ قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ أصيبَ بدَمٍ أوْ خَبْلٍ - والخَبْلُ: الجِراحُ

(4)

-؛ فهُو بالخِيارِ بَينَ إحْدَى ثلاثٍ: إمَّا أنْ يَقتَصَّ، أوْ يَأخُذَ العقل

(5)

، أَوْ يعفو

(6)

، فإنْ أراد رابعةً؛ فخُذُوا على يَدَيهِ»

(1)

في (م): الواجب.

(2)

أخرجه البخاري (4498).

(3)

أخرجه البخاري (2434)، ومسلم (1355).

(4)

قال السندي في حاشيته على مسند أحمد 26/ 297: (الخَبْل، بفتح الخاء المعجمة وسكون الباء: فساد الأعضاء).

(5)

قوله: (العقل) سقط من (م).

(6)

في (م): العفو.

ص: 157

رواه أحمد، وأبو داودَ، وابنُ ماجَهْ، من روايةِ سُفيانَ بنِ أبي العوجاء

(1)

، وفيه ضعفٌ

(2)

، ولأِنَّ له أنْ يَختارَ أيَّهما شاء، فكان الواجِبُ أحدَهما؛ كالهَدْيِ والطعام

(3)

في

(4)

جزاءِ الصَّيد.

(وَالْعَفْوُ) مَجَّانًا (أَفْضَلُ)؛ لقوله تعالى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المَائدة: 45]، ولقوله تعالى:{فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشّورى: 40]، وكان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يأمُرُ به

(5)

، ثُمَّ لا عُقوبةَ على جانٍ؛ لأِنَّه إنَّما عليه حقٌّ واحِدٌ، وقد سَقَطَ؛ كعفوٍ

(6)

عن ديةِ قاتلِ خطأ

(7)

، ذَكَرَه المؤلِّفُ وغيرُه.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (العَدْلُ نَوعانِ:

أحدُهما: هو الغايةُ، وهو العدلُ بَينَ النَّاس.

والثَّاني: ما

(8)

يكونُ الإحسانُ أفضلَ منه، وهو عدلُ الإنسان بَينَه وبَينَ خَصمه؛ من الدَّم والمال والعِرْضِ، فإنَّ اسْتِيفاءَ حقِّه عَدْلٌ، والعفو إحسانٌ، والإحسانُ هنا

(9)

أفضلُ، لكِنَّ هذا الإحسانَ لا يكونُ إحسانًا إلاَّ بعدَ العَدْل،

(1)

في (ن): العرجاء.

(2)

أخرجه أحمد (16375)، وأبو داود (4496)، وابن ماجه (2692)، وابن الجارود (774)، من طريق سفيان بن أبي العوجاء، عن أبي شريح الخزاعي رضي الله عنه، وفي سنده: ابن أبي العوجاء وهو ضعيف، وقال البخاري عن حديثه هذا:(في حديثه نظر)، وقال الذهبي:(ولا يُعرف بغير هذا الحديث، وهو حديث منكر)، وله طرق أخرى، وصححه ابن الجارود والألباني، وقال الشوكاني:(وإسناده لا بأس به). ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 169، نيل الأوطار 7/ 39، الإرواء 7/ 276.

(3)

في (م): والإطعام.

(4)

في (ظ): من.

(5)

قوله: (به) سقط من (م). والحديث سبق تخريجه 9/ 156 حاشية (5).

(6)

في (م) و (ن): العفو.

(7)

قوله: (خطأ) سقط من (م).

(8)

في (م): إنما.

(9)

قوله: (هنا) سقط من (م).

ص: 158

وهو ألاَّ يَحصُلَ بالعفو ضررٌ، فإذا حصل منه ضررٌ؛ كان ظُلْمًا من العافي؛ إمَّا لنفسه وإمَّا لغَيرِه، فلا يُشرع

(1)

(2)

.

ومحلُّه: ما لم يكُنْ لمجنون

(3)

، أو صغير، فإنَّه لا يَصِحُّ العَفْوُ إلى غيرِ مالٍ؛ لأِنَّه لا يَملِكُ إسقاطَ حقِّه.

فرعٌ: يصحُّ

(4)

بلَفظِ الصَّدقة، والإسقاطِ؛ كالعفو؛ لأِنَّه إسقاطٌ للحقِّ بكلِّ لفظٍ يؤدِّي معناه.

(فَإِنِ اخْتَارَ الْقِصَاصَ؛ فَلَهُ الْعَفْوُ عَلَى

(5)

الدِّيَةِ)؛ لِمَا فيه من المصلحة له وللجاني، أمَّا أوَّلاً؛ فلما

(6)

في العفو عن القصاص من الفضيلة، وأمَّا ثانيًا؛ فلِمَا فيه من سقوط القصاص عنه.

وله الصُّلح

(7)

على أكثرَ من الدِّية في الأصحِّ، وخرَّج

(8)

ابنُ عَقِيلٍ في غَيرِ الصُّلح: لا يَجِبُ شيءٌ؛ كطَلاقِ مَنْ أسْلَمَ وتحتَه فَوقَ أربعٍ.

قيل

(9)

له في «الانتصار» : لو كان المالُ بدَلَ النَّفس في العمد؛ لم يَجُز الصُّلحُ على أكثرَ من الدَّية، فقال: كذا نقول

(10)

على روايةٍ؛ يَجِبُ أحد

(11)

(1)

في (م): فلا يسوغ.

(2)

ينظر: جامع المسائل - المجموعة السادسة ص 39.

(3)

في (ظ): كمجنون.

(4)

قوله: (يصح) سقط من (م).

(5)

في (ن): إلى.

(6)

في (ن): فلا.

(7)

في (م): المصلحة.

(8)

في (ن): وصرح.

(9)

في (م): فقيل.

(10)

في (م): يقول.

(11)

في (م): تحت إحدى.

ص: 159

شَيئَينِ، اختاره بعضُ المتأخِّرينَ.

(وَإِنِ اخْتَارَ الدِّيَةَ)؛ تعيَّنَتْ، و (سَقَطَ الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّ مَنْ وجب

(1)

له أحدُ شيئَينِ؛ يتعيَّنُ حقُّه باخْتِيارِ أحدهما، قال أحمدُ: إذا أَخَذَ الدِّيةَ فقد عفا عن الدَّم

(2)

، (وَلَمْ

(3)

يَمْلِكْ طَلَبَهُ)؛ لأِنَّ القِصاصَ إذا سَقَطَ لا يَعُودُ، فلو قتَلَه بعدَ أخْذِ الدِّية؛ قُتِلَ به.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْوَاجِبَ الْقِصَاصُ عَيْنًا)؛ لقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البَقَرَة: 178]، والمكتوبُ لا يَتخيَّرُ فيه، ولقوله عليه السلام:«مَنْ قَتَلَ عَمْدًا فهو قَوَدٌ»

(4)

، ولأِنَّه بَدَلُ مُتلَفٍ، فكان مُعَيَّنًا؛ كسائرِ المتلَفات.

وجَوابُه: بأنَّ قولَه: «فهو قَوَدٌ» المرادُ به: وجوب

(5)

القَوَد، وهو محلُّ وفاقٍ، والفَرْقُ بَينَه وبَينَ المتْلَفاتِ مُتحقِّقٌ؛ لأِنَّ بَدَلَها لا يَختلِفُ بالقصد وعدمه

(6)

، بخلاف القتل.

(وَلَهُ الْعَفْوُ إِلَى الدِّيَةِ وَإِنْ سَخَطَ الْجَانِي)؛ لأِنَّ الدِّيةَ أقلُّ منه، فكان له أنْ

(1)

قوله: (وجب) سقط من (م).

(2)

ينظر: الفروع 9/ 411.

(3)

في (م): لم.

(4)

أخرجه أبو داود (4539)، وابن ماجه (2635)، والنسائي (4790)، والبيهقي في الكبرى (15884)، من طريق عمرو بن دينار، عن طاوس، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وتمام لفظه:«من قتل في عمية أو عصبية بحجر أو سوط أو عصا فعليه عقل الخطأ، ومن قتل عمدًا فهو قود، ومن حال بينه وبينه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل» ، وهذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، ورجح الدارقطني إرساله، وقال ابن عبد الهادي:(وإسناده جيد، لكن قد روي مرسلاً)، قوَّاه ابن الملقن وابن حجر، وقال ابن الملقن:(وإسناد رواية ابن ماجه على شرط الشيخين). ينظر: علل الدارقطني 11/ 35، تنقيح التحقيق 4/ 481، البدر المنير 8/ 409، بلوغ المرام (1171).

(5)

قوله: (وجوب) سقط من (م).

(6)

في (م): بالعقد وعدم.

ص: 160

يَنتَقِلَ إلَيها؛ لأِنَّها أقلُّ من حقِّه.

وعنه: مُوجَبُه القَوَدُ عَينًا، مع التَّخيير بَينَه وبَينَ الدِّيَة.

وعَنْهُ: مُوجَبُه القَوَدُ عَينًا، ولَيسَ له العَفْوُ على الدِّية بدونِ رضا الجاني، فيكونُ قَوَدُه بحاله، وله الصُّلحُ بأكثرَ.

(فَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا، وَقُلْنَا: الْوَاجِبُ أَحَدُ شَيْئَينِ؛ فَلَهُ الدِّيَةُ) على الأُولى خاصَّةً؛ لأِنَّ الواجِبَ أحدُهما، فإذا تَرَكَ أحدَهما تعيَّنَ الآخَرُ.

وإنْ هَلَكَ الجاني؛ تعيَّنتْ في ماله؛ كتعذُّره في طَرَفِه، وقِيلَ: تسقط

(1)

بمَوتِه.

وعنه: يَنتَقِلُ الحقُّ إذا قَتَلَ إلى

(2)

القاتل الثاني

(3)

، فيخيَّر

(4)

أولياء القتيلِ الأوَّل بين

(5)

قَتْلِه والعَفْوِ.

واختار

(6)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أنَّه لا يَصِحُّ العَفْوُ في قَتْلِ الغِيلة

(7)

؛ لتعذر

(8)

الاحْتِراز؛ كالقتل مُكابَرةً.

وذَكَرَ القاضي وجهًا في قاتل الأئمة

(9)

: يُقتَلُ حَدًّا؛ لأِنَّ فسادَه عامٌّ أعظمُ مِنْ مُحارِبٍ.

(وَإِنْ قُلْنَا: الْوَاجِبُ القِصَاصُ عَيْنًا؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ)؛ لأِنَّ الدِّيةَ غَيرُ واجبةٍ،

(1)

في (ن): يسقط.

(2)

في (م): أي.

(3)

قوله: (الثاني) سقط من (م).

(4)

في (م): فتخير.

(5)

قوله: (الأول بين) في (م): من.

(6)

في (م): واختاره.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 147.

(8)

في (ن): كتعذر.

(9)

في (ن): الأمة.

ص: 161

فإذا سَقَطَ الدَّمُ؛ لم يَبقَ له شيءٌ.

وإنِ اختارَ القَوَدَ تعيَّنَ، قال القاضي: وله الرُّجوعُ إلى المال؛ لأِنَّ الدِّيةَ أدْنَى، ولهذا قُلنا: له المطالَبةُ بها وإنْ كان القَوَدُ واجبًا عَينًا.

وقيل

(1)

: ليس له ذلك؛ لأِنَّه ترَكَها؛ كما لو عَفَا عنها.

(وَإِنْ مَاتَ الْقَاتِلُ)، أَوْ قُتِلَ؛ (وَجَبَتِ الدِّيَةُ فِي تَرِكَتِهِ)؛ لأِنَّه تعذَّر اسْتِيفاءُ القَوَد من غيرِ إسْقاطٍ، فوَجَبَت الدِّيةُ في تَرِكَته؛ كقَتْلِ غَيرِ المكافِئِ.

وقِيلَ: إنْ قُلْنا: الواجبُ

(2)

أحدُ شَيئَينِ؛ فكذلك، وإنْ قُلْنا: الواجِبُ القَوَدُ؛ فوجْهانِ.

فرعٌ: إذا جَنَى عبدٌ على حرٍّ بما يُوجِبُ قَوَدًا، فاشتراه بأرْشها المقدَّر بذهبٍ أو فِضَّةٍ؛ صحَّ، وسَقَطَ القَوَدُ؛ لأِنَّ شِراءَه بالأرْش اختيارٌ للمال، وإنْ قُدِّر بإبلٍ فلا؛ لأِنَّ صفتها

(3)

مجهولةٌ.

أصلٌ: يَصِحُّ عفوُ السَّفيه والمفْلِس عن القَوَد؛ لأِنَّه لَيسَ بمالٍ، فإنْ عَفَا إلى مالٍ؛ ثَبَتَ، وإنْ كان إلى غيرِ مالٍ، وقُلْنا: الواجبُ أحدُ شيئَينِ؛ ثَبَتَ المالُ؛ لأِنَّه واجِبٌ، ولَيسَ لهما إسْقاطُه، وإنْ قُلْنا: الواجبُ القَوَدُ عَينًا؛ صحَّ عَفْوُهما؛ لأِنَّه لم يَجِبْ إلاَّ القَوَدُ، وقد أسْقَطاه، ذكَرَه في «الكافي» .

ولو رَمَى مَنْ له قَتْلُه قَوَدًا، ثمَّ عَفَا عنه، فأصابه السَّهمُ؛ فهَدرٌ، قاله في «الرعاية» .

(وَإِذَا قَطَعَ إِصْبَعًا عَمْدًا، فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ إِلَى الْكَفِّ، أَوِ النَّفْسِ، وَكَانَ

(4)

الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ؛ فَلَهُ تَمَامُ الدِّيَةِ)؛ أيْ: ديةُ ما سَرَتْ إليه،

(1)

زيد في (م): له.

(2)

قوله: (الواجب) سقط من (ن).

(3)

في (م): منفعتها.

(4)

في (م): فإن كان.

ص: 162

(وَإِنْ

(1)

عَفَا عَلَى غَيْرِ مَالٍ؛ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ).

نقولُ: إذا جَنَى جِنايَةً تُوجِب

(2)

قَوَدًا فيما دُونَ النَّفس؛ كالإصبع، فعُفِيَ عنها، ثُمَّ سَرَتِ إلى النَّفس؛ فلا قَوَدَ فيها، وقاله الأكثرُ؛ لأِنَّ القَوَدَ لا يَتبعَّضُ، وقد سَقَطَ في البعض، فسَقَطَ في الكلِّ.

وإنْ كانَتْ لا تُوجِبُ قَوَدًا؛ كالجائفة؛ وجَبَ القَوَدُ في النَّفس؛ لأِنَّه عَفَا عن القَوَد فيما لا قَودَ فيه، فلم يُؤثِّر عَفْوُه.

فإنْ كان عَفْوُه على مالٍ؛ فله الدِّيةُ كاملةً في المَوضِعَينِ؛ لأِنَّ كلَّ مَوضِعٍ تعذَّر فيه القِصاصُ؛ تعيَّنت الدِّيةُ.

وإن

(3)

عَفَا على غَيرِ مالٍ؛ فلا شَيءَ له؛ لأِنَّ العَفْوَ حَصَلَ عن الإصبع، فَوَجَبَ أنْ يَحصُلَ عن الذي سَرَى إليه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنَّ لَهُ تَمَامَ الدِّيَةِ)، وصحَّحه بعضُهم؛ لأِنَّ المجْنِيَّ عليه إنَّما عفا عن دية

(4)

الإصبع، فَوَجَبَ أنْ يَثبُتَ له تمامُ الدِّية؛ ضرورةَ كَونِه غَيرَ مَعْفُوٍّ عنه.

فرعٌ: إذا عفا عن دِيَة الجُرْح؛ صحَّ عفوُه

(5)

؛ لأِنَّ دِيَتَه تَجِبُ بالجناية، فعلى هذا: تَجِبُ ديةُ النَّفس، لا دِيَةُ الجرح

(6)

.

وقال القاضِي: ظاهِرُ كلامه

(7)

أنَّه لا يَجِبُ شيءٌ؛ لأِنَّ القَطْعَ غَيرُ مَضمونٍ، فكذا سِرايَتُه.

(1)

في (م): فإن.

(2)

في (م): فوجب.

(3)

في (م): فإن.

(4)

قوله: (دية) سقط من (م).

(5)

في (م): غيره.

(6)

قوله: (لأن ديته تجب بالجناية

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (م): كلام.

ص: 163

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ القَطْعَ مُوجِبٌ، وإنَّما سَقَطَ الوُجوبُ بالعفو

(1)

، فيَختَصُّ السُّقوطُ بمحلِّ العَفْو.

(وَإِنْ عَفَا مُطْلَقًا؛ انْبَنَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي مُوجِبِ الْعَمْدِ)، فإنْ قُلْنا: الواجِبُ أحدُ شيئَينِ؛ فهو كما لو عَفَا على مالٍ، وإنْ قُلْنا: الواجِبُ القِصاصُ عَمْدًا؛ فهو كما لو عفا على غيرِ مالٍ.

(وَإِنْ قَالَ الْجَانِي: عَفَوْتَ مُطْلَقًا، أَوْ عَفَوْتَ عَنْهَا وَعَنْ سِرَايَتِهَا، قَالَ: بَلْ عَفَوْتُ عَلَى مَالٍ، أَوْ

(2)

عَفَوْتُ عَنْهَا دُونَ سِرَايَتِهَا؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ)؛ لأِنَّ الأصلَ معه.

وفي «الرِّعاية» : إذا قال: لم أعْفُ عن السِّراية ولا الدِّية، بل عليها؛ قُبِلَ قَولُه مع يمينه، ولو دِيَةَ كفِّه.

وقِيلَ: دُونَ إصبعٍ.

وقِيلَ: تُهدَرُ

(3)

كفُّه بعفوه

(4)

وإنْ سَرَتْ إلى نفسه.

(وَإِنْ قَتَلَ الْجَانِي الْعَافِيَ) قَبْلَ البُرْءِ؛ (فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ) في النَّفس؛ لأنَّ

(5)

قَتْلَه انفردَ عن قطعه، أشْبَهَ ما لو كان القاطِعُ غَيرَه، (أَوِ الدِّيَةُ كَامِلَةً)، قاله أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ؛ لأِنَّ القَتْلَ مُنفَرِدٌ عن القطع، فلم يَدخُلْ حكمُ أحدهما في الآخَر، ولأنَّ

(6)

القَتْلَ مُوجِبٌ له، فأوْجَبَ الدِّيةَ كامِلةً، كما لو لم يَتقدَّمْه عَفْوٌ.

(1)

في (م): لعفو.

(2)

قوله: (عفوت على مال أو) سقط من (م).

(3)

في (م) و (ن): يهدر.

(4)

في (م): لعفو.

(5)

في (م): لأنه.

(6)

في (م): لأن.

ص: 164

(وَقَالَ الْقَاضِي: لَهُ

(1)

الْقِصَاصُ، أَوْ تَمَامُ الدِّيَةِ)؛ لأِنَّ القَتْلَ إذا تعقَّبَ الجنايةَ قَبْلَ الاندِمَال

(2)

؛ صار بمنزلةِ سرايَته، ولو سَرَى لم يَجِبْ إلاَّ تمامُ الدِّية

(3)

، فكذا فيما هو بمنزلته، وهذا إن نقَصَ مالُ العفو عنها

(4)

، وإلاَّ فلا شَيءَ له سِواهُ، ذَكَرَه في «المحرَّر» .

(وَإِذَا وَكَّلَ رَجُلاً فِي الْقِصَاصِ)؛ صحَّ، نَصَّ عليه

(5)

، فلو وكَّله، ثمَّ غاب، وعَفَا الموكِّلُ عن القصاص، واسْتَوْفَى الوكيلُ؛ فإنْ كان عَفْوُه بَعْدَ القَتْل؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّ حقَّه قد اسْتُوفِيَ، وإنْ كان قَبْلَه، وقد عَلِمَ الوكيلُ به

(6)

؛ فقد قَتَلَه ظلمًا، فعليه القَوَدُ؛ كما لو قَتَلَه ابْتِداءً.

وإنْ كان قَبْلَ العلم بعَفْوِ الموكِّل، وهو المرادُ بقوله:(ثُمَّ عَفَا، وَلَمْ يَعْلَمِ الْوَكِيلُ حَتَّى اقْتَصَّ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، قاله أبو بكرٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا تفريطَ منه؛ كما لو عفا بَعْدَما رَماهُ.

(وَهَلْ يَضْمَنُ

(7)

الْعَافِي)، وهو الموكِّلُ؟ (يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: لا ضمانَ عليه، جَزَمَ به في «الوجيز»

(8)

، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لأِنَّ عَفْوَه لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه عفا في حالٍ لا يُمكِنُه تلافِي ما وكَّلَ فيه؛ كالعَفْوِ بَعْدَ رَمْيِ الحربةِ إلى الجاني، ولأِنَّ العَفْوَ إحْسانٌ، فلا يَقتَضِي وُجوبَ الضَّمان.

(1)

قوله: (له) سقط من (م).

(2)

في (م): اندمال.

(3)

قوله: (الدية) سقط من (م).

(4)

قوله: (عنها) سقط من (م).

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4372.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

في (ن): يضمنه.

(8)

قوله: (لأنه لا تفريط منه

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 165

والثَّاني: بلى؛ لأِنَّه حَصَلَ بأمره على وجهٍ لا ذَنْبَ للمُباشِر فيه؛ كما لو أمر عبدَه الأعْجَمِيَّ بقتل

(1)

معصومٍ.

وقِيلَ: للمُستَحِقِّ تضمينُ مَنْ شاء منهما، والقَرارُ على العافي.

وقال جماعةٌ: يُخرَّجُ في صحَّةِ العفو وجْهانِ، بِناءً على الرِّوَايتَينِ في الوكيل، هل يَنعزِلُ بعَزْلِ الموكِّل قبلَ علمه؟

فعلى الأوَّل: لا ضَمانَ على أحدٍ؛ لأِنَّه قَتَلَ مَنْ يَجِبُ قَتْلُه بأمْرٍ يَستَحِقُّه.

وعلى الثَّاني، وهو صحَّةُ العَفْو: لا قِصاصَ فيه؛ لأِنَّ الوكيلَ قَتَلَ مَنْ يَعتَقِدُ إباحةَ قتله كالحربيِّ، ولكِنْ تَجِبُ الدِّيةُ عليه.

وقد نبَّه على ذلك بقوله: (وَيَتَخَرَّجُ: أَنْ يَضْمَنَ الْوَكِيلُ)؛ لأِنَّه قَتَلَ معصومًا

(2)

، (وَيَرْجِعُ بِهِ

(3)

عَلَى الْمُوَكِّلِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهُ غَرَّهُ)، أشْبَهَ المغرورَ بحرِّيَّةِ أمَةٍ وتزويجِ مَعيبة

(4)

.

(وَالآْخَرُ: لَا يَرْجِعُ بِهِ)، اختاره القاضي؛ لأِنَّه مُحسِنٌ بالعفو، بخلاف الغارِّ بالحرِّيَّة، وذلك لا يَقتَضِي الرُّجوعَ عليه، (وَيَكُونُ الْوَاجِبُ حَالًّا فِي مَالِهِ)؛ أي: الوكيل؛ لأِنَّه مُتعمِّدٌ للقتل، وإنَّما سَقَطَ القَوَدُ عنه لمعنًى آخَرَ، فهو كقتل

(5)

الأب.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: عَلَى عَاقِلَتِهِ)، وهو ظاهر

(6)

«الخِرَقيِّ» ، واختْارَهُ

(1)

في (م): فقتل.

(2)

قوله: (لأنه قتل معصومًا) ذكر في (ن) بعد قوله: (ويرجع به على الموكل في أحد الوجهين؛ لأنه غره).

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

(4)

قوله: (أشبه المغرور بحرية أمة وتزويج معيبة) سقط من (ن).

(5)

في (م): كقتيل.

(6)

زيد في (م): كلام.

ص: 166

المؤلِّفُ، قال

(1)

الحُلْوانيُّ: وهو الأظهر

(2)

؛ لأِنَّه لَيسَ بعمدٍ محضٍ، ولهذا لم يَجِبْ به قَوَدٌ، فيكونُ عمدَ الخطأ، أشْبَهَ مَنْ رَمَى صَيدًا فبان آدَمِيًّا.

فعلى قَولِ القاضي: إنْ كان الموكِّلُ عفا إلى الدِّية؛ فله الدِّية في تَرِكةِ الجاني، ولِوَرثةِ الجاني مُطالَبةُ الوكيل بدِيَتِه، ولَيسَ للمُوكِّل مُطالَبةُ الوكيل بشيءٍ، وإنْ كان عَفْوُه بعدَ القَتْلِ؛ لم يَصِحَّ، وإنْ عَلِمَ الوكيلُ بالعفو؛ فَعَلَيهِ القَوَد

(3)

.

فائدةٌ: إذا استحقَّ قَتْلَه وقَطْعَه، فعفا عن أحدهما؛ بَقِيَ الآخَرُ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إن

(4)

عَفَا عن القتل؛ لم يكن له القَطْعُ، وإنْ عَفَا عنه؛ فله القَتْلُ في الأصحِّ.

ولو تصالَحَا عن القَوَدِ بمائتَيْ بعيرٍ، وقُلْنا: يَجِبُ القَوَدُ أوْ دِيَةٌ؛ بَطَلَ وإلاَّ فَلَا.

(وَإَنْ عَفَا عَنْ قَاتِلِهِ بَعْدَ الْجُرْحِ؛ صَحَّ)؛ لأِنَّه أسْقَطَ حقَّه بعدَ انْعِقادِ سببِه، فسَقَطَ؛ كما لو أسقط

(5)

الشُّفعةَ بعدَ البيع، وكعفو

(6)

وارِثِه بعْدَ موته

(7)

.

وسَواءٌ كان عَمْدًا أوْ خطأً، أوْ كان العَفْوُ بلَفْظه أو الوصيَّةِ؛ لأِنَّ الحقَّ له، فَصَحَّ عَفْوُه عنه؛ كماله.

(1)

في (م): قاله.

(2)

في (م): أظهر.

(3)

قوله: (فعلى قول القاضي إن كان الموكل

) إلى هنا هو في (ن): (وعلى هذين الوجهين إن كان العفو من الجاني وجبت للعافي في تركة المقتول؛ لأنه حقه لم يسقط بالقتل بكونه غير مضمون، وإنما الضمان على غيره، فلا يسقط حقه بذلك). والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 25/ 220.

(4)

قوله: (إن) مكانه بياض في (م).

(5)

قوله: (فسقط كما لو أسقط) في (م): مسقط الواسطة.

(6)

في (م): كعفو.

(7)

قوله: (بعد موته) سقط من (م).

ص: 167

وعَنْه: في القَوَد إنْ كان الجُرحُ لا قَوَدَ فيه لو بَرِئَ.

وعَنْهُ: لا يَصِحُّ عن الدِّية

(1)

.

وفي «الترغيب» : وجهٌ يَصِحُّ بلَفْظِ الإبراء

(2)

لا الوصيَّةِ.

وفيه تخريجٌ في السِّراية في النَّفس روايات: الصِّحَّةُ وعَدَمُها، وثالِثُها: يَجِبُ النِّصفُ؛ بِناءً على أنَّ صحَّةَ العَفْو لَيسَ بوصيَّةٍ، ويَبقَى ما قابَلَ السِّراية لا يَصِحُّ الإبراءُ منه، واختار

(3)

ابنُ أبي موسى: صحَّتَه في العمد، وفي الخطأ من ثُلُثه.

فعلى الأوَّل: إنْ قال عَفَوْتُ عن الجناية وما

(4)

يَحدُثُ منها؛ فلا قِصاصَ في سِرايَتِها، ولا دِيَةَ؛ لأِنَّه إسْقاطٌ للحقِّ بعدَ انْعِقادِ سببِه.

وعنه: إنْ ماتَ مِنْ سِرايَتها؛ لم يَصِحَّ العَفْوُ؛ لأِنَّها وصيَّةٌ لقاتلٍ.

ولا يُعتَبَر خروجُ ذلك

(5)

من الثُّلث، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّ الواجِبَ القَوَدُ عَينًا، أوْ أحدُ شيئَينِ، فما تعيَّن

(7)

إسْقاط أحدهما.

وعنه: يصحُّ ويُعتبَر من الثُّلث؛ كبقيَّةِ ماله.

(وَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنَ الدِّيَةِ، أَوْ وَصَّى

(8)

لَهُ بِهَا؛ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ؛ هَلْ تَصِحُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْن):

(1)

زيد في (م): بلفظه الوصية؛ لأن الحق له، وعنه: لا يصح عن الدية.

(2)

قوله: (بلفظ الإبراء) في (م): بلفظه، وقوله:(الإبراء) سقط من (ن).

(3)

في (م): فيه اختاره.

(4)

في (م): أو ما.

(5)

قوله: (ذلك) سقط من (م).

(6)

ينظر: الكافي 3/ 281.

(7)

في (م) و (ن): يعين. وعبارة الكشاف: فلم يتعين.

(8)

في (م): أوصى.

ص: 168

(إِحْدَاهُمَا: تَصِحُّ)؛ لأِنَّها بَدَلٌ عنه، (وَتُعْتَبَرُ

(1)

مِنَ الثُّلُثِ)؛ كبقيَّة مالِه.

(وَيَحْتَمِلُ) - هذا وجْهٌ -: (أَلاَّ يَصِحَّ عَفْوُه

(2)

عَنِ الْمَالِ، وَلَا وَصِيَّتُهُ

(3)

بِهِ لِقَاتِلٍ وَلَا غَيْرِهِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّهَا

(4)

تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِ

(5)

الْوَرَثَةِ)؛ لأِنَّه يكون

(6)

مالَ غَيرِه، فلم يَكُنْ له التَّصرُّفُ فيه؛ كسائرِ أمْوالِ الوَرَثةِ.

وفي

(7)

«الفروع» وغيرِه: مَنْ صحَّ عَفْوُه مَجَّانًا؛ فإنْ أوْجَبَ الجرح

(8)

مالاً عَينًا؛ فكوصيَّةٍ، وإلاَّ فمِن رأسِ المال، لا مِنْ ثُلُثِه على الأصحِّ؛ لأِنَّ الدِّيةَ لم تتعيَّنْ.

مسألةٌ: إذا صُولِحَ عن الجراحة بمالٍ، أوْ قالَ في العمد: عَفَوتُ عن قَوَدِها على دِيَتِها، أو لم يَقُلْ: على ديتها

(9)

، وقُلْنا له دِيَتُها؛ ضُمِنَتْ سِرايَتُها بقِسطِها من الدِّية روايةً واحدةً.

ولو

(10)

قال: عَفَوتُ عن قَوَدِ هذه الشَّجَّةِ، وهي ممَّا لا قَوَدَ فيه؛ ككَسْرِ العِظام؛ فعَفْوُه باطلٌ، ولِولِيِّه مع سِرايَتها القَوَدُ أو الدِّيةُ.

(وَإِنْ أَبْرَأَ الْقَاتِلَ مِنَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ عَلَى عَاقِلَتِهِ، أَوْ الْعَبْدَ مِنْ جِنَايَتِهِ التِي يَتَعَلَّقُ

(11)

أَرْشُهَا بِرَقَبَتِهِ؛ لَمْ يَصِحَّ)؛

(1)

في (م) و (ن): ويعتبر.

(2)

في (م): غيره.

(3)

في (م) و (ن): ولا وصية.

(4)

قوله: (إنها) سقط من (ن).

(5)

في (ن): مال.

(6)

زيد في (م): من.

(7)

في (م): في.

(8)

في (م): الجرع.

(9)

قوله: (أو لم يقل: على ديتها) سقط من (ن).

(10)

قوله: (لو) مكانه بياض في (م).

(11)

في (م): تتعلق بها.

ص: 169

لأنَّه

(1)

أبرأه مِنْ حقٍّ على غَيرِه؛ لأِنَّ الدِّيةَ الواجبةَ على العاقلةِ غيرُ واجبةٍ على القاتل، والجِنايَةَ المتعلق

(2)

أرْشُها برقبة

(3)

العبدِ غيرُ واجبةٍ عليه، بل مُتعلِّقةٌ بملكِ السَّيِّد.

(وَإِنْ أَبْرَأَ الْعَاقِلَةَ وَالسَّيِّدَ؛ صَحَّ)؛ لأنَّه

(4)

أبْرَأَهما من حقٍّ

(5)

عليهما؛ كالدَّين الواجِبِ عَلَيهِما، وفي «الرِّعاية» وَجْهٌ، وفي «الفروع» وغيره

(6)

: يَصِحُّ إبْراءُ عاقِلةٍ إنْ وجَبَت الدِّيةُ للمَقتولِ؛ كإبراء سيدٍ

(7)

؛ كعَفْوِه عنها، ولم يُسَمِّ المُبْرَأَ.

تنبيهٌ: إذا قال المجْروحُ لِمَنْ عليه

(8)

قَوَدٌ في نَفْسٍ، أوْ طَرَفٍ، أوْ جرحٍ

(9)

: أبْرَأْتُكَ وحلَّلْتُك

(10)

مِنْ دَمِي، أوْ قتلي

(11)

، أوْ وَهَبْتُكَ ذلك، ونحوَه مُعلَّقًا بموته؛ صحَّ

(12)

، فلو بَرِئَ بَقِيَ حقُّه، بخِلافِ عَفَوْتُ عنك.

ولو قال لِمَنْ عليه قَوَدٌ: عَفَوْتُ عن جِنايَتِكَ، أوْ عَنْكَ؛ بَرِئَ مِنْ قَوَدٍ ودِيةٍ، نَصَّ عليه

(13)

.

(1)

في (م): لأن.

(2)

في (م): المتعلقة.

(3)

في (م): برقبته.

(4)

في (م): لأن.

(5)

قوله: (من حق) في (م): مما.

(6)

قوله: («الفروع» وغيره) في (م): غيره.

(7)

في (م): السيد.

(8)

في (م): له.

(9)

قوله: (أو جرح) سقط من (م).

(10)

في (ن): أو حللتك.

(11)

في (ن): قتل.

(12)

قوله: (صح) سقط من (م).

(13)

ينظر: الفروع 9/ 411.

ص: 170

(وَإِنْ وَجَبَ لِعَبْدٍ قِصَاصٌ، أَوْ تَعْزِيرُ قَذْفٍ؛ فَلَهُ طَلَبُهُ وَالْعَفْوُ عَنْهُ)؛ لأِنَّه مُختَصٌّ به، والقَصْدُ منه التَّشفِّي، (وَلَيْسَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ)؛ لأِنَّه لَيسَ بحقٍّ له، (إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ)، فيَنتَقِلُ إليه، وحينئذ

(1)

فله طَلَبُه وإسْقاطُه؛ كالوارِث.

فرعٌ: إذا عَفَا مَنْ حُجِرَ عليه لِسَفَهٍ، أوْ فَلَسٍ، أوْ مرضٍ عن قَوَدٍ مَجَّانًا، أوْ عفا الوارثُ لذلك مع دَينٍ مُستغْرِقٍ؛ ففي بَقاءِ دِيَته وجْهانِ، ولا يَصِحُّ عَفْوُهم عن الدِّية في الأصحِّ.

ويَصِحُّ عَفْوُ المريض بعْدَ البُرْءِ في قَدْرِ ثُلُثِه، والوارِثِ في الزَّائد عن قَدْرِ الدَّين.

وقِيلَ: للمُفلِسِ القَوَدُ والعفو

(2)

مَجَّانًا، نَصَّ عليه

(3)

.

وقِيلَ: المبذِّرُ كالصَّبِيِّ

(4)

.

(1)

في (م): أو حينئذ.

(2)

قوله: (القود والعفو) في (م): العفو.

(3)

ينظر: المحرر 2/ 135.

(4)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 171

(بَابُ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ)

(كُلُّ مَنْ أُقِيدَ بِغَيْرِهِ فِي النَّفْسِ؛ أُقِيدَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا)؛ لأِنَّ مَنْ أُقِيدَ به في النَّفْسِ إنَّما أُقِيدَ به لحصولِ المساواةِ المعتبَرة للقَوَد، فَوَجَبَ أنْ يُقادَ به فيما دُونَها.

فعلى هذا: لو قَطَعَ مُسْلِمٌ يَدَ مُسلِمٍ؛ قُطِعَتْ يَدُه؛ لأنَّه

(1)

يُقادُ به في النَّفس.

(وَمَنْ لَا فَلَا)؛ أيْ: مَنْ لا يُقادُ بغيره في النَّفس؛ فلا يُقادُ به فيما دُونَها، فلو قَطَعَ مسلِمٌ يَدَ كافِرٍ؛ لم تُقطَعْ يَدُه؛ لأِنَّه لا يُقادُ به في النَّفس.

وعنه: لا قَوَدَ بَينَ العبيد في الأطراف؛ لأِنَّها أمْوالٌ.

وعنه: دُونَ النَّفْس.

وعنه: في النَّفس والطَّرَف حتَّى تَستَوِيَ القِيمةُ، ذَكَرَه في «الانتصار» . والمذهَبُ ما ذَكَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ ما دُونَ النَّفسِ كالنفس

(2)

في وُجوبِ القَوَد، فكان كالنَّفس فِيما نَذكُرُه، وهو قَولُ الأكثر.

(وَلَا يَجِبُ إِلاَّ بِمِثْلِ الْمُوجِبِ فِي النَّفْسِ، وَهُوَ الْعَمْدُ الْمَحْضُ)؛ لقوله تعالى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المَائدة: 45]، وحديثِ أنسٍ في قضيَّة

(3)

الرُّبَيِّعِ: فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «كِتابُ الله القِصاصُ» متَّفقٌ عليه

(4)

، وأجْمَعُوا على جَرَيانِ القِصاص فِيما دُونَ النَّفس إذا أمْكَنَ

(5)

؛ لأِنَّ ما دُونَ النَّفس كالنَّفس في

(1)

زيد في (م): لا.

(2)

قوله: (وعنه: في النفس .... ) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (م): قصة.

(4)

أخرجه البخاري (2703)، ومسلم (1675).

(5)

ينظر: المغني 8/ 317.

ص: 172

الحاجة إلى

(1)

حِفْظه بالقصاص، فكان

(2)

كالنَّفس في وُجوبِه.

وظاهره

(3)

: أنَّه لا يَجِبُ في الخطأ، وهو كذلك إجْماعًا

(4)

، ولا في شِبْهِ العمد، وقاله السَّامَرِّيُّ، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

وعَنْهُ: يَجِبُ فيه، اختارها أبو بكرٍ وابن أبي موسى؛ لِعُمومِ الآية، ولأِنَّ العضوَ

(5)

يَتلَفُ بأيْسَرِ ممَّا تتلفُ

(6)

به النَّفسُ.

وجَوابُه: بأنَّ الآيةَ مخصوصةٌ بالخطأ، فكذا هذا

(7)

.

(وَهُوَ نَوْعَانِ):

(أَحَدُهُمَا: فِي الْأَطْرَافِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، (فَتُؤْخَذُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ، وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ، وَالسِّنُّ بِالسِّنِّ)؛ للنَّصِّ والخَبَرِ، (وَالْجَفْنُ بِالْجَفْنِ)؛ لأِنَّه في مَعْنَى المنصوص عليه، فَوَجَبَ أنْ يَلْحَقَ به، ويُؤخَذُ جَفْنُ كلِّ واحِدٍ من البَصير والضَّرير بالآخَر.

فائدةٌ: الجَفْنُ: بفَتْحِ الجيم، وحَكَى ابنُ سِيدَهْ كَسْرَها

(8)

.

(وَالشَّفَةُ بِالشَّفَةِ)، وهو ما جاوَزَ الذَّقَنَ والخَدَّينِ، عُلْوًا وسُفْلاً، (وَالْيَدُ بِالْيَدِ، وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، وظاهِرُه: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يَقْوَى بَطشُها

(9)

أوْ يَضعُفَ.

(1)

قوله: (إلى) سقط من (م).

(2)

في (ن): وكان.

(3)

في (م): فظاهره.

(4)

ينظر: المحلى 11/ 14، بداية المجتهد 4/ 179.

(5)

في (م): العفو.

(6)

في (ن): ما يتلف.

(7)

في (ن): هي.

(8)

ينظر: المخصص 2/ 19.

(9)

قوله: (بطشها) مكانه بياض في (م).

ص: 173

(وَيُؤْخَذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَصَابِعِ، وَالْكَفِّ، وَالْمِرْفَقِ، وَالذَّكَرِ، وَالأُنْثَيَيْنِ

(1)

بِمِثْلِهِ)؛ لأِنَّ المماثَلة موجُودةٌ، والقِصاصَ مُمْكِنٌ، فَوَجَبَ؛ كالعين بمِثْلِها.

(وَهَلْ يَجْرِي فِي الْأَلْيَةِ، وَالشُّفْرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدُهما: يَجِبُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لظاهِرِ الآية؛ لأِنَّ الألية

(2)

متَّصلةُ باللَّحم، والشُّفرُ: لحمٌ لا مفصل

(3)

له.

والثَّاني: لا قَوَدَ فِيهِما، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ كلَحْمِ الفَخِذِ.

فائدةٌ: الشُّفرُ، بضَمِّ الشِّينِ: أحدُ شُفْرَي المرأةِ، فأمَّا شُفْرُ العَينِ؛ فهو مَنبِتُ الهُدْب، وقد حُكِيَ فيه الفَتْحُ.

(1)

في (م): الأنثين.

(2)

قوله: (لأن الألية) سقط من (ن).

(3)

في (م): لا منفصل.

ص: 174

(فَصْلٌ)

(وَيُشْتَرَطُ لِلْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ):

(أَحَدُهَا: الْأَمْنُ مِنَ الحَيْفِ)، إذْ هو جَورٌ وظُلْمٌ، وإذا لم يُمكِن

(1)

القِصاصُ إلاَّ به لم يَجِبْ فِعْلُه، (بِأَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ)؛ لأِنَّ المُماثَلةَ في غَيرِ ذلك غيرُ مُمْكِنةٍ، ولا يُؤمَنُ أنْ يَسْتَوْفِيَ أكثرَ من الحقِّ.

(أَوْ لَهُ حَدٌّ يَنْتَهِي إِلَيْهِ؛ كَمَارِنِ الْأَنْفِ، وَهُوَ مَا لَانَ مِنْهُ)، دُونَ القَصَبةِ؛ لأِنَّ ذلك حَدٌّ يَنتَهِي إليه، فهو كاليد.

ويُؤخَذُ البعضُ بالبعض، فيُقدَّرُ ما قَطَعَه بالأجزاء؛ كالنِّصف والثُّلث، ولا يُؤخَذُ بالمساحة؛ لأِنَّه يُفضِي إلى أخْذِ جميعِ أنفِ الجاني لصِغَرِه ببعضِ أنْفِ المجنيِّ عليه لكِبَرِه، وكذا في الأُذُن واللِّسان والشَّفة.

وقِيلَ: لا يُؤخَذُ بعضُ اللِّسان بِبَعْضٍ.

(فَإِنْ قَطَعَ الْقَصَبَةَ)؛ أيْ: قَصَبَةَ أنفه

(2)

، (أَوْ قَطَعَ مِنْ

(3)

نِصْفِ السَّاعِدِ أَوِ السَّاقِ؛ فَلَا قِصَاصَ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، وهو المنصوصُ عن أحمدَ

(4)

، وفي الخبر: أنَّ رجلاً ضَرَبَ آخَرَ على ساعِدِه بالسَّيف، فقطعها

(5)

من غَيرِ مَفْصِلٍ، فاسْتَعْدَى عليه النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، فأَمَرَ له بالدِّية، فقال: إنِّي أُريدُ القِصاصَ، قال

(6)

: «خُذِ الدِّيَةَ بَارَكَ الله

(7)

لك فيها»

(1)

في (م): لم يكن.

(2)

في (م): الأنف.

(3)

قوله: (من) سقط من (م).

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 432، المغني 8/ 457.

(5)

في (م): وقطعها.

(6)

في (ن): فقال.

(7)

قوله: (الله) ليس في (م).

ص: 175

رواه ابنُ ماجَهْ

(1)

، ولأِنَّ القَطْعَ لَيسَ مِنْ مَفْصِلٍ، فلا يُؤمَن فيه الحَيفُ.

فلو قَطَعَ يَدَه من الكُوعِ، ثُمَّ تآكَلَتْ إلى نِصْفِ الذِّراع؛ فلا قَوَدَ؛ اعْتِبارًا بالاستقرار

(2)

، قاله القاضي، قال في «المحرَّر»: وعندي

(3)

يُقتَصُّ ههُنا من الكُوع.

(وَفِي الآْخَرِ يُقْتَصُّ مِنْ حَدِّ الْمَارِنِ، وَمِنَ

(4)

الْكُوعِ وَالْكَعْبِ)؛ لأِنَّه دُونَ حقِّه؛ لعَجْزِه عن اسْتِيفاءِ حقِّه، أشْبَهَ ما لو شَجَّه هاشِمَةً واسْتَوْفَى مُوضِحةً.

وكذا الخِلافُ ما لو قَطَعَ مِنْ عَضُدٍ أوْ وَرِكٍ.

(وَهَلْ يَجِبُ لَهُ أَرْشُ الْبَاقِي) عليهما

(5)

ولو خَطَأً؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «الفروع»:

أحدُهما: لَيسَ له ذلك، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه يَجمَعُ في عُضْوٍ واحِدٍ بَينَ قِصاصٍ ودِيَةٍ.

والثَّاني: بَلَى؛ لأِنَّه حقٌّ له تعذَّرَ اسْتِيفاؤه، فَوَجَبَ أرْشُه كغَيرِه.

(وَيُقْتَصُّ مِنَ الْمَنْكِبِ إِذَا لَمْ يَخَفْ جَائِفَةً)؛ لأِنَّه مَفصِلٌ يُؤمَنُ فيه الحيف، فَوَجَبَ؛ كالقَطْع من الكُوع، ويَرجِعُ في الخَوفِ في

(6)

هذا إلى أهلِ الخِبْرة، فإنْ خِيفَ؛ فله أنْ يَقتَصَّ مِنْ مِرْفَقِه.

(1)

أخرجه ابن ماجه (2636)، والبزار (3792)، والبيهقي في الكبرى (16102)، من طريق دهثم بن قران قال: حدثني نمران بن جارية، عن أبيه به، إسناده ضعيف جدًّا، دهثم بن قران العكلي متروك، قال ابن عبد البر:(ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد، ودهثم بن قران العكلي ضعيفٌ أعرابيٌّ ليس حديثه مما يحتج به، ونمران بن جارية أعرابي أيضًا، وأبوه جارية بن ظفر مذكور في الصحابة). ينظر: الاستذكار 8/ 186، الإرواء 7/ 295.

(2)

في (م): في الاستقرار.

(3)

قوله: (وعندي) سقط من (م).

(4)

في (م): من.

(5)

في (م): عليها.

(6)

في (م): الجوف من.

ص: 176

ومتى خالَفَ واقْتَصَّ مع خَشْيةِ الحيف، أوْ مِنْ مأمومةٍ، أوْ جائفةٍ، أوْ نصفِ ذراعٍ، ونحوِه؛ أجْزَأَ، وإن اخْتارَ الدِّية؛ فله دِيَة اليد وحكومةٌ لِمَا زاد.

فإنْ قَطَعَ مِنْ نصف

(1)

الذِّراع؛ ففي جواز قَطْع الأصابع وجْهانِ، فإنْ قَطَعَ منها

(2)

؛ لم يكُنْ له حكومةٌ في الكفِّ؛ لأِنَّه أمكنه

(3)

أخْذُه قِصاصًا؛ كما لو

(4)

كانت الجنايةُ من الكوع.

وإنْ قُطِعَتْ من العَضُد؛ لم يَملِكْ قَطْعَها من الكُوع؛ لأِنَّه أمْكَنَه اسْتِيفاءُ الذِّراع قِصاصًا؛ كما لو قُطِعَ من المِرفَق، وفي «الشَّرح» وَجْهانِ.

مسألةٌ: إذا قَطَعَ بعضَ أُذُنِه، فالتصق

(5)

؛ فله أرْشُ الجُرْح، ولا

(6)

قَوَدَ فيه.

وإنْ شقَّها فألْصَقَها صاحِبُها، فالْتَصَقَتْ؛ فكذلك.

وإنْ قَطَعَها فأبانَها، فألْصَقَها صاحِبُها، فالْتَصَقَتْ؛ فله القَوَدُ في قَولِ القاضي؛ لأِنَّه وَجَبَ بالإبانة.

وقال أبو بكرٍ: لا قَوَدَ فيها؛ لأِنَّها لم تبقَ

(7)

على الدَّوام، أشبه الشَّقَّ، وعلى هذا: له أرْشُ الجُرح، فإنْ سَقَطَتْ بَعْدَ ذلك قريبًا أوْ بعيدًا؛ ردَّ الأَرْشَ ومَلَكَ القَوَدَ، أوِ الدِّيةَ إن

(8)

اختارها على القَولَينِ.

(وَإِذَا أَوْضَحَ إِنْسَانًا)، أوْ شجَّه دُونَ مُوضِحَةٍ، أوْ لَطَمَه، (فَذَهَبَ ضَوْءُ

(1)

في (م): قصب.

(2)

زيد في (م): ما.

(3)

في (م): أمكن.

(4)

زيد في (م): قطع من المرفق.

(5)

في (م): فالنصف.

(6)

في (م): فلا.

(7)

في (ن): لم يبق.

(8)

في (م): وإن.

ص: 177

عَيْنِهِ، أَوْ سَمْعُهُ، أَوْ شَمُّهُ؛ فَإِنَّهُ يُوضِحُهُ)؛ أي

(1)

: فُعِلَ به

(2)

كما فَعَلَ؛ لأنَّه

(3)

يُمكِنُ القَوَدُ منه من غير حيفٍ؛ لأنَّ له

(4)

حَدًّا يَنتَهِي إليه.

(فَإنْ ذَهَبَ ذَلِكَ وَإِلاَّ اسْتَعْمَلَ فِيهِ

(5)

مَا يُذْهِبُهُ)؛ أيْ: ما

(6)

يُذهِبُ ضَوءَ عَينِه، إلى آخِرِهِ، (مِنْ غَيْرِ أَنْ يَجْنِيَ عَلَى حَدَقَتِهِ، أَوْ أُذُنِهِ، أَوْ أَنْفِهِ

(7)

؛ لأِنَّه يَستَوفِي حقَّه مِنْ غَيرِ زيادةٍ، فيَطرَحُ في العَين كافورًا، أوْ يُقرِّبُ منه مرآة

(8)

، أوْ يُحمِّي له حديدةً أوْ مرآة

(9)

، ثُمَّ يُقطِّرُ عليها ماء

(10)

، ثُمَّ يُقطِّرُ منه في العين ليَذهَبَ بَصَرُها.

ولا يَقتَصُّ منه مِثْلَ شجَّته، بغيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(11)

، ولا يَقتَصُّ منه باللَّطْمة؛ لأِنَّ المماثَلةَ فيها غَيرُ مُمْكِنَةٍ، ويعالجه

(12)

بما

(13)

يُذهِبُ بَصَرَه مِنْ غَيرِ أنْ يقلع

(14)

عَينَه.

وقال القاضي: له أنْ يَلطُمَه مِثْلَ لَطْمَته، فإنْ ذَهَبَ ضَوْءُ عَينِه؛ وإلاَّ أذْهَبَه بما ذُكِرَ.

(1)

في (م): أو.

(2)

قوله: (به) سقط من (م).

(3)

زيد في (م): لا.

(4)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(5)

قوله: (فيه) سقط من (م) و (ن).

(6)

قوله: (أي: ما) في (م): أو.

(7)

في (م): أو أنفه أو أذنه.

(8)

في (م): مرارة.

(9)

في (م): امرأة.

(10)

قوله: (ثم يقطر عليها ماء) سقط من (م).

(11)

ينظر: المغني 8/ 330.

(12)

في (م): ومعالجته، وفي (ن): ومعالجة.

(13)

في (ن): ما.

(14)

في (م): تقلع.

ص: 178

ولا يَصِحُّ؛ لأِنَّ اللَّطْمةَ لا يُقتَصُّ منها مُنفرِدةً، فكذا إذا سَرَتْ إلى العَينِ؛ كالشَّجَّة دُونَ المُوضِحة.

ولا قَوَدَ إلاَّ أنْ تكونَ اللَّطْمةُ تَذهَبُ بالبصر غالِبًا، قاله القاضِي.

وقال أبو بكرٍ: يَجِبُ القَوَدُ بكلِّ حالٍ.

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ

(1)

إِلاَّ بِالْجِنَايَةِ عَلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ؛ سَقَطَ) القَوَدُ؛ لِتعذُّرِ المُماثَلةِ، ولأِنَّ تَوهُّمَ الزِّيادة يُسقط

(2)

القَوَدَ، فحَقيقَتُه أَوْلَى، وتَتَعَيَّنُ الدِّيةُ.

(1)

في (م): لم تكن.

(2)

في (ظ): تسقط.

ص: 179

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: الْمُمَاثَلَةُ فِي الْمَوْضِعِ وَالاِسْمِ)؛ قِياسًا على النَّفس، (فَتُؤْخَذُ

(1)

كُلُّ وَاحِدَةٍ

(2)

مِنَ الْيُمْنَى، وَالْيُسْرَى، وَالْعُلْيَا، وَالسُّفْلَى مِنَ الشَّفَتَيْنِ، وَالْأَجْفَانِ بِمِثْلِهَا)، في قَولِ أكثرِ أهلِ العِلْمِ؛ لأِنَّ القِصاصَ يَعتَمِدُ المُماثَلَةَ، ولأِنَّها جَوارِحُ مُختلِفةُ المنافِعِ والأَماكِنِ، فلَم يُؤخَذْ بعضُها ببعضٍ؛ كالعَينِ بالأنف، وكذا كلُّ ما انْقَسَمَ إلى يمينٍ ويَسارٍ، وأعْلَى وأسفل

(3)

.

(وَالْإِصْبَعُ، وَالسِّنُّ، وَالْأَنْمَلَةُ بِمِثْلِهَا فِي الْمَوْضِعِ وَالاِسْمِ)؛ لأِنَّ الشَّرطَ المُماثَلةُ، فيُؤخذ

(4)

الإبهامُ، والسَّبَّابةُ، والوُسْطَى بمِثْلِها، وكذا البِنصرُ، والخنصرُ

(5)

، والثَّنيةُ

(6)

، والضَّاحِكُ، والنَّابُ، والأنْمَلةُ العُلْيا مِنْ الإصبع بمِثْلِه؛ لأِنَّ المُماثَلةَ مَوجُودةٌ في ذلك كلِّه.

(وَلَوَ قَطَعَ أَنْمَلَةَ رَجُلٍ الْعُلْيَا، وَقَطَعَ الْوُسْطَى مِنْ تِلْكَ

(7)

الْأُصْبُعِ مِنْ آخَرَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُلْيَا؛ فَصَاحِبُ الْوُسْطَى مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَخْذِ عَقْلِ أَنْمَلَتِهِ

(8)

وَبَيْنَ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يَقْطَعَ الْعُلْيَا، ثُمَّ يَقْتَصَّ مِنَ الْوُسْطَى)؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ القِصاصُ في الحال؛ لِمَا فيه

(9)

من الحَيفِ وأخْذِ الزِّيادة على الواجِبِ، ولا سبيلَ إلى

(1)

في (م) و (ن): فيؤخذ.

(2)

قوله: (كل واحدة) سقط من (م).

(3)

في (م): وسفل.

(4)

في (ظ): فتؤخذ.

(5)

قوله: (والخنصر) سقط من (م).

(6)

في (ن): والبقية.

(7)

في (م): ذلك.

(8)

في (م): أنملة.

(9)

قوله: (لما فيه) في (م): لجائفة.

ص: 180

تأخيرِ حقِّه حتَّى يُمَكَّنَ

(1)

من القِصاص؛ لِمَا فيه من الضَّرَرِ، فَوَجَبَت الخِيَرةُ بَيْنَ الأَمْرَينِ.

فإنْ قَطَعَ من ثالِثٍ السُّفْلَى؛ فلِلأوَّل أنْ يَقتَصَّ من العليا، ثُمَّ الثَّاني أنْ يَقتَصَّ من الوُسْطَى، ثُمَّ الثَّالثِ أنْ يَقتَصَّ من السُّفْلى، سَواءٌ جاؤوا جميعًا أوْ واحِدًا بعد

(2)

واحِدٍ.

(وَلَا يُؤْخَذُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِمَا يُخَالِفُهُ

(3)

؛ لأِنَّ المُماثَلةَ شَرْطٌ، ولم

(4)

تُوجَدْ، فلا تُؤخَذُ يمينٌ بِيَسَارٍ، ولا عَكْسُه، ولا العُلْيا مِنْ الشَّفَتَينِ والأجْفانِ بالأسْفَلِ، ولا عَكْسُه، ولا الإبهامُ بالسَّبَّابة، ولا الوُسْطَى والخِنْصرُ والبِنْصرُ بغَيرِها، وعلى هذا فَقِسْ.

(وَلَا تُؤْخَذُ أَصْلِيَّةٌ بِزَائِدَةٍ)؛ لأِنَّ الزَّائدةَ دُونَها، (وَلَا زَائِدَةٌ بِأَصْلِيَّةٍ

(5)

؛ لأِنَّها لا تُماثِلُها، ويُؤخَذُ زائدٌ بمِثْلِه مَوضِعًا وخِلْقةً، ولو تفاوتا قَدْرًا.

(وَإِنْ

(6)

تَرَاضَيَا عَلَيْهِ؛ لَمْ يَجُزْ)؛ لأِنَّ ما لا يَجُوزُ أخْذُه قِصاصًا؛ لا يَجُوزُ بتَراضِيهما؛ لأِنَّ الدِّماءَ لا تستباحُ

(7)

بالإباحة.

(فَإِنْ فَعَلَا) ذلك بلا تَعَدٍّ، مِثْلَ أنْ يأخُذَ باخْتِيارِ الجاني؛ فيُجزِئُ ويَسقُطُ القود

(8)

؛ لأِنَّ القَوَدَ سَقَطَ في الأولى بإسْقاطِ صاحِبِها، وفي الثَّانية بإذن

(9)

(1)

قوله: (حتى يمكن) سقط من (م).

(2)

قوله: (بعد) سقط من (م).

(3)

قوله: (بما يخالفه) في (م): مخالفة.

(4)

في (م): فلم.

(5)

في (م): بأصلها.

(6)

في (م): ولو.

(7)

في (ظ): لا يستباح.

(8)

في (م): القولان.

(9)

في (ن): يأذن.

ص: 181

صاحِبِها في قَطْعِها، ودِيَتُهما مُتَساوِيةٌ، قاله أبو بكرٍ.

(أَوْ قَطَعَهَا

(1)

تَعَدِّيًا)؛ لأِنَّهما مُتَساوِيانِ في الدِّية، والأَلَم

(2)

، والاِسْم، فتساقطا

(3)

، ولأِنَّ إيجابَ القَوَدِ يُفضِي إلى قَطْعِ يد

(4)

كلٍّ منهما، وإذْهابِ مَنفَعةِ الجنس، وكلٌّ مِنْ القَطْعَينِ مضمونةٌ سِرَايَتُه؛ لأِنَّه عُدوانٌ.

وقال ابنُ حامِدٍ: إنْ كان أخذها

(5)

عُدْوانًا؛ فلكلٍّ منهما القَوَدُ على صاحبه، وإنْ كان

(6)

بِتَراضِيهِما؛ فلا قَوَدَ في الثَّانية؛ لِرِضَا صاحبها ببَدَلِها

(7)

، وفي وُجوبِه في الأُولى وَجْهَانِ:

أحدُهما: لا يَسقُطُ

(8)

؛ لأِنَّه رَضِيَ بتَرْكِه بِعِوَضٍ لم يَثبُتْ له؛ كما لو باعه سِلْعةً بخَمْرٍ وقبَّضَه

(9)

إيَّاه، فعلى هذا: له القَوَدُ بَعْدَ انْدِمالِ الأخرى وللجاني دِيَةُ يَدِه.

(أَوْ قَالَ: أَخْرِجْ يَمِينَكَ، فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ، فَقَطَعَهَا؛ أَجْزَأَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَسَقَطَ الْقِصَاصُ)، سَواءٌ قَطَعَها عالِمًا بها أوْ جاهِلاً، وكما لو قَطَعَ يَسارَ السَّارِقِ بَدَلَ يمينه.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: إِنْ أَخْرَجَهَا عَمْدًا؛ لَمْ يَجْزِ

(10)

؛ لأِنَّه تَعمَّدَ تَرْكَ

(1)

في (م): وقطعها.

(2)

في (م): للأم.

(3)

في (ن): فيساقطا.

(4)

في (ن): يدي.

(5)

في (م): أخذهما.

(6)

قوله: (كان) سقط من (ن).

(7)

في (م): ببذلها.

(8)

كذا في النسخ ذكر وجهًا واحدًا، والوجه الثاني: يسقط. ينظر: المغني 8/ 336، الشرح الكبير 25/ 259.

(9)

في (م): وأقبضه.

(10)

في (م): لم يجزئه.

ص: 182

الواجِبِ عليه من القَطْعِ، فلم يُعذَرْ في اسْتِيفاءِ الواجِبِ عليه، ولا يَصِحُّ القِياسُ على السَّارِقِ لوجوه

(1)

؛ لأِنَّ الحدَّ مَبنِيٌّ على الإسْقاط، ويَسارُه تُقطع

(2)

إذا عُدِمَتْ يمينُه، ولو سَقَطَتْ يَدُه بآكِلةٍ، أوْ قصاص

(3)

؛ سَقَطَ القَطْعُ، بخِلافِ القِصاص فإنَّه لا يَسقُطُ، (وَيُسْتَوْفَى مِنْ يَمِينِهِ

(4)

؛ لأِنَّ قَطْعَ اليَسَار كَلَا قَطْعٍ، فيُوجِبُ ذلك قَطْعَ اليمين ضرورةَ استيفاء

(5)

الواجِبِ عليه.

وذلك مشروطٌ: (بَعْدَ انْدِمَالِ الْيَسَارِ)؛ لأِنَّه لو قطعها

(6)

قَبْلَ ذلك؛ أدَّى إلى هَلاكه، وهو منفيٌّ شرعًا، بخِلافِ ما إذا قَطَعَ يمينَ رجلٍ ويسارَ آخَرَ، فإنَّه لا يُؤخَّرُ أحدُهما إلى انِدِمالِ الآخَرِ؛ لأِنَّ القَطْعَينِ مُستحَقان

(7)

قصاصًا، فلهذا جُمِعَ بَينَهما، وفي هذه أحدُهما غَيرُ مُستَحَقٍّ.

تَتِمَّةٌ: فإنْ أخْرَجَها عمدًا عالِمًا أنَّها يَسَارُه، وأنَّها لا تُجزِئُ؛ فَهَدرٌ، ويُفارِقُ هذا: ما إذا قَطَعَ يَدَ إنْسانٍ وهو ساكِتٌ؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ منه البَدَلُ، فإنْ سَرَى قَطْعُ يَسارِه إلى نَفْسِه؛ فَهَدرٌ، ويَجِبُ في تَرِكته دِيَةُ اليُمْنَى؛ لِتعذُّرِ الاِسْتِيفاء.

(وَإِنْ أَخْرَجَهَا دَهْشَةً، أَوْ ظَنًّا أَنَّهَا تُجْزِئُ؛ فَعَلَى الْقَاطِعِ دِيَتُهَا) إنْ عَلِمَ أنَّها يسارٌ، وأنَّها لا تُجزِئُ، ويُعزَّرُ، وعليه الضَّمانُ بالدِّية؛ لأِنَّه لو كان عالِمًا بها كانت مضمونةً عليه، وما وَجَبَ ضَمانُه في العمد وَجَبَ في الخطأ؛ كإتْلافِ المال، والقِصاصُ باقٍ في اليَمِين، ولا يَقتَصُّ حتَّى تَندَمِلَ اليَسارُ، فإنْ عَفَا؛

(1)

في (م): لو خيره.

(2)

في (م): يقطع.

(3)

في (م): وقصاص.

(4)

في (ن): ثمنه.

(5)

في (م): واستيفاء.

(6)

في (م): قطع.

(7)

في (م): مستخلفان.

ص: 183

وَجَبَ بَدَلُها، ويَتقاصَّانِ.

وإنْ سَرَت اليَسارُ إلى نفسه؛ فلِوَرَثَةِ الجاني نصفُ الدِّية؛ لأِنَّ اليسارَ مَضْمونةٌ، وتَسَاقَطَا به، ويُقبَلُ قَولُ الجاني في العِلْم وعَدَمِ إباحَتِها؛ لأِنَّه أعْلَمُ بنيته

(1)

.

(وَإِنْ

(2)

كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ مَجْنُونًا)، مِثْلَ أنْ يُجَنَّ

(3)

بَعْدَ وُجوبِ القِصاصِ عليه؛ (فَعَلَى الْقَاطِعِ الْقِصَاصُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِهَا، وَأَنَّهَا لَا تُجْزِئُ)؛ لأنَّه

(4)

قَطَعَها تَعدِّيًا، (وَإِنْ جَهِلَ أَحَدُهُمَا؛ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ)؛ لأنَّ

(5)

بَذْلَ المجنون

(6)

لَيسَ بشُبْهةٍ.

(وَإِنْ كَانَ الْمُقْتَصُّ مَجْنُونًا، وَالآْخَرُ عَاقِلاً؛ ذَهَبَتْ هَدَرًا)؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ منه الاِسْتِيفاءُ، ولا يَجُوزُ البَذْلُ

(7)

له، ولا ضَمانَ عليه؛ لأِنَّه أتلفها

(8)

ببذلِ صاحِبِها، لكِنْ إنْ كان المقطوعُ اليمنى

(9)

؛ فقد تعذَّرَ اسْتِيفاءُ القَوَدِ فيها

(10)

لِتَلَفِها، فيكونُ للمجنون دِيَتُها.

وإن

(11)

وثب المجنونُ فقطع

(12)

يمينَه قَهْرًا؛ سَقَطَ حقُّه؛ كما لو اقْتَصَّ

(1)

في (م): ببقيته.

(2)

في (م): فإن.

(3)

في (م): يجني.

(4)

في (ظ) و (م): لأن.

(5)

في (م) و (ن): لأنه.

(6)

في (م): الجنون.

(7)

في (ن): البدل.

(8)

في (م): أبلغها.

(9)

في (م): اليمين.

(10)

في (م): بها.

(11)

في (م): فإن.

(12)

في (م): قطع.

ص: 184

ممَّن

(1)

لا

(2)

تَحمِلُه العاقِلةُ.

وقِيلَ: لا تسقط

(3)

، قال في «الرِّعاية»: وهو أظْهَرُ، ودِيَةُ يَدِه على الجاني، وعلى عاقِلَتِه ديةُ

(4)

الجانِي.

(1)

في (م) و (ن): مما.

(2)

قوله: (لا) سقط من (م).

(3)

في (م): لا يسقط.

(4)

في (م): يد، وفي (ن): دية يد.

ص: 185

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: اسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالْكَمَالِ)؛ لأِنَّ القِصاصَ يَعتَمِدُ المُماثَلَةَ، (فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلاَّءَ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه إلاَّ ما حُكِيَ عن داودَ

(1)

؛ لاِشْتِراكهما في الاِسْم كالآدَمِيَّينِ

(2)

.

وجوابُه: أنَّ الشَّلاَّءَ لا نفع

(3)

فيها سِوَى الجَمال، فلا تؤخذ

(4)

بما فيه نفع، وإذا لم يُؤخذ

(5)

القَوَدُ في العَينَينِ لأِجْلِ تَفاوُتِهما في الصِّحَّة والعَمَى؛ فَلَأَنْ لا يُوجَبَ ذلك فيما لا نَصَّ فيه أَوْلَى.

(وَلَا كَامِلَةُ الْأَصَابِعِ بِنَاقِصَةٍ)؛ لأِنَّها جنايةٌ زائدةٌ على ما جُنِيَ عليه، فلو قَطَعَ مَنْ له خمسُ أصابِعَ يَدَ مَنْ له أقلُّ مِنْ ذلك؛ لم يَجُز القِصاصُ؛ لأِنَّها فَوقَ حقِّه، وهل له أنْ يَقطَعَ مِنْ أصابِعِ الجاني بعَدَدِ أصابعِه

(6)

؟ فيه وَجْهانِ.

وإنْ قَطَعَ ذو اليَدِ الكامِلةِ يدًا فيها إصْبَعٌ شَلاَّءُ وباقِيها صِحاحٌ؛ لم يَجُزْ أخْذُ الصَّحيحة بها، وفي القَوَد مِنْ الأصابِعِ الصِّحاحِ وَجْهانِ.

فإن

(7)

قُلْنا: له القَوَدُ؛ فله الحكومةُ في الشَّلاَّء، وأرْشُ ما تَحتَها من الكفِّ، وهل يَدخُلُ ما

(8)

تحت الأصابع الصَّحيحة في قِصاصها، أوْ تجب

(9)

(1)

ينظر: المغني 8/ 334.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 25/ 265: كالأذنين.

(3)

في (م): لا يقع.

(4)

في (ظ) و (ن): فلا يؤخذ.

(5)

في (م): لم يوجب.

(6)

قوله: (بعدد أصابعه) سقط من (م).

(7)

في (ن): وإن.

(8)

قوله: (ما) سقط من (م).

(9)

في (م): يجب.

ص: 186

فيه حُكومةٌ؟ على وَجْهَينِ.

فإنْ كانت الزَّائدةُ مِنْ أصابع الجاني زائدةً في الخِلْقة؛ لم يَمنَع القَوَدَ عِنْدَ ابنِ حامِدٍ؛ لأِنَّها عَيبٌ ونَقْصٌ في المعْنَى؛ كالسِّلعة.

واخْتارَ القاضي: أنَّها تَمنَعُ؛ كالأصليَّة.

ولا تُؤخَذُ ذاتُ أظْفارٍ بما لا أظْفارَ لها.

(وَلَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِقَائِمَةٍ)، وهي صحيحةٌ في مَوضِعها، وإنَّما ذَهَبَ نُورُها وإبصارها

(1)

؛ لاِنْتِفاءِ اسْتِوائهما في الصِّحَّة.

وتُؤخَذُ القائمةُ بالصَّحيحة؛ لأِنَّها دُونَ حقِّه، ولا أرْشَ له معها؛ لأِنَّ التَّفاوُتَ في الصِّفة.

(وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ)؛ لأِنَّه لَيسَ بمُماثِلٍ لها، ولأِنَّه يَأخُذُ أكثرَ مِنْ حقِّه، أشبهت اليدَ الصَّحيحة بالشَّلاَّءِ.

(وَلَا ذَكَرُ فَحْلٍ بِذَكَرِ خَصِيٍّ، وَلَا عِنِّينٍ) على المذهَبِ؛ لأِنَّه لا منفعةَ فيهما؛ لأِنَّ الخَصِيَّ لا يُولَدُ له

(2)

، ولا يُنزِلُ، ولا يكادُ العِنِّينُ أنْ يَقدِرَ على الوطء؛ فهما

(3)

كالأشلِّ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُؤْخَذَ بِهِمَا)، هذا روايةٌ عن أحمدَ، واختارَها أبو بكرٍ، وأبو الخَطَّاب؛ لأِنَّهما عُضْوانِ يَنْقبِضان ويتسلطان

(4)

فيُؤخَذُ بهما؛ كذَكَرِ الفَحْلِ.

(1)

في (ن): نورهما وإبصارهما.

(2)

قوله: (له) سقط من (م).

(3)

في (م): فيهما.

(4)

في (ظ) و (ن): ينقصان ويتسلطان. وفي المغني 8/ 327، والشرح الكبير 25/ 268: ينقبضان وينبسطان.

ص: 187

وعنه: يؤخذ

(1)

بذَكَرِ العِنِّينِ، لا الخَصِيِّ

(2)

، اخْتارَه ابنُ حامِدٍ؛ لتحقُّقِ نَقْصِه، والإياس

(3)

من برئه

(4)

، بخِلافِ العِنِّينِ، فإنَّ العُنَّةَ عِلَّةٌ في الظَّهْر، فلم تمنع

(5)

القصاصَ

(6)

؛ كأُذُنِ الأصمِّ، ومارِنِ الأَخْشَمِ.

وقال القاضِي: لا يُؤخَذُ بخَصِيٍّ، وفي أخذه

(7)

بعِنِّينٍ وَجْهانِ:

أحدُهما: يُؤخَذُ به الصَّحيحُ؛ لأِنَّه غَيرُ مَأْيُوسٍ مِنْ زَوالِ عُنَّتِه

(8)

، ولذلك يؤجَّل

(9)

سنةً.

وصحَّحَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» الأوَّلَ؛ لأِنَّه إذا تردَّد

(10)

الحالُ بَينَ كَونِه مُساوِيًا لِلآخَرِ وعَدَمِه؛ لم يَجِبْ قِصاصٌ؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُه.

(إِلاَّ مَارِنَ الْأَشَمِّ الصَّحِيحِ يُؤْخَذُ بِمَارِنِ الْأَخْشَمِ)، وهو الذي لا يَجِدُ رائحةَ شيءٍ، وهذا اسْتِثْناءٌ من اسْتِوائهما في الصحة

(11)

والكَمالِ، ولَيسَ هو عائدًا إلى الاِحْتِمال، وإنْ قَرُبَ منه؛ إذ الاِسْتِثْناءُ من

(12)

الإثبات نَفْيٌ، فقوله

(13)

: (يُؤخَذُ بهما

(14)

إثباتٌ، والمسْتَثْنَى نَفْيٌ، فيكونُ المعْنَى:

(1)

في (م): تؤخذ.

(2)

في (م): يؤخذ بذكر الخصي. والمثبت موافق لما في شرح الزركشي 6/ 99.

(3)

في (م): ولا ييأس.

(4)

في (م): برائه.

(5)

في (ظ) و (م): فلم يمنع.

(6)

قوله: (القصاص) سقط من (م).

(7)

في (م): أخذ.

(8)

في (م): علته.

(9)

في (م): يوجد، وفي (ن): يؤكل.

(10)

في (م): ترد.

(11)

قوله: (في الصحة) سقط من (م).

(12)

في (م): مع.

(13)

في (ن): بقوله.

(14)

في (م): بها.

ص: 188

اسْتِواؤهما شَرطٌ إلاَّ في أشْياءَ؛ لأِنَّ عَدَمَ الشَّمِّ عِلَّةٌ في الدِّماغ، ونَفْسُ الأنف صحيحٌ، فوجب

(1)

أخْذُ الأخْشَمِ به؛ لأِنَّه مِثْلُه، وإذا كان كذلك؛ فلا يَحتاجُ إلى الاِسْتِثْناء، قِيلَ: هو بالنَّظَر إلى فَواتِ الشَّمِّ غَيرُه.

والثَّاني: لا يُؤخَذُ به؛ لأِنَّ منفعةَ الشَّمِّ قد زالت، فهو بالنِّسبة إلى الاسم؛ كاليد الصَّحيحة مع الشَّلاَّء.

(وَ) يُؤخَذُ الصَّحيح (بِالْمَخْرُومِ)، وهو المقطوعُ وتَرُ أنفِه، (وَالْمُسْتَحْشِفِ)، وهو الرَّديءُ؛ لأِنَّ ذلك مرضٌ

(2)

، ولأِنَّه يَقُومُ مَقامَ الصَّحيح.

والثَّاني: لا يُؤخَذُ بذلك؛ لأِنَّه مَعِيبٌ، ذَكَرَه في «الكافي» ، واقْتَصَرَ عليه في «الشَّرح» .

(وَأُذُنُ السَّمِيعِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ الشَّلاَّءِ فِي أَحَدِ

(3)

الْوَجْهَيْنِ)، وكذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» ، و «الفروع»:

أحدُهما، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ نقل

(4)

المؤلِّفِ: يُؤخَذُ به؛ لأِنَّ العُضْوَ صحيحٌ، ومقصوده

(5)

الجَمالُ لا

(6)

السَّمْعُ، وذَهابُ السَّمْع لِنَقْصٍ في الرَّأس؛ لأِنَّه محلُّه، ولَيسَ بِنَقْصٍ في الأُذن.

والثَّاني: لا يُؤخَذُ به؛ لأِنَّه عُضْوٌ ذَهَبَ نَفْعُه، فهو كاليد الشَّلاَّء.

وتُؤخَذُ الأذُنُ الصَّحيحةُ بالمثْقوبَة.

(وَيُؤْخَذُ الْمَعِيبُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالصَّحِيحِ)؛ لأِنَّه رَضِيَ بِدُونِ حقِّه؛ كما لو

(1)

في (م): فيوجب.

(2)

في (م): فرض.

(3)

في (م): إحدى.

(4)

في (م): ونقل.

(5)

في (م): الصحيح ومقصود.

(6)

في (ن): لأن.

ص: 189

رَضِيَ المسلِمُ بالقَوَد مِنْ الذِّمِّيِّ، والحرُّ من العبد.

(وَبِمِثْلِهِ)؛ لأِنَّ المانِعَ من القِصاص عَدَمُ الاِسْتِواء، وهو مُنْتَفٍ هنا بشرطٍ

(1)

، وهو:(إِذَا أُمِنَ مِنْ قَطْعِ الشَّلاَّءِ التَّلَفُ).

وحاصله: أنَّ القاطِعَ

(2)

إذا كان أشلَّ، والمقطوعةُ سالِمةً؛ فإنْ شاء المجْنِيُّ عليه أخَذَ الدِّيةَ؛ فله ذلك بغير خِلافٍ نَعلَمُه

(3)

؛ لِعجْزِه عن اسْتِيفاءِ حقِّه على الكمال.

وإنِ اخْتارَ القِصاصَ؛ سُئِلَ أهلُ الخِبرة، فإنْ قالوا: إنَّه

(4)

إذا قُطِعَ لم تفسد

(5)

العُروقُ، ولم يَدخُلِ الهواءُ؛ أُجِيبَ إلى ذلك، وإنْ قالوا: يَدخُلُ الهواء

(6)

في البدن فيُفسِدُه؛ سَقَطَ القِصاصُ.

(وَلَا يَجِبُ لَهُ مَعَ الْقِصَاصِ أَرْشٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الشَّلاَّءَ كالصَّحيحة في الخِلْقة، وإنَّما نَقَصَتْ في الصِّفة، ولأِنَّ الفِعْلَ الواحِدَ لا يُوجِبُ مالاً وقَوَدًا.

(وَفِي الآْخَرِ: لَهُ دِيَةُ الْأَصَابِعِ النَّاقِصَةِ)، قاله القاضي وشَيخُه، (وَلَا أَرْشَ لَهُ

(7)

مِنْ أَجْلِ

(8)

الشَّلَلِ)؛ لأِنَّ الجَمالَ يَنقُصُ بِنُقصانِ الأصابع، بخِلافِ الشَّلاَّءِ، فإنَّها كامِلةٌ صُورةً، وعليه مَبْنَى القِصاصِ؛ لأِنَّ المُماثَلةَ في المعاني لا تُعتَبَرُ؛ لأِنَّه كان يُفْضِي إلى سُقوطِ القِصاص.

(1)

في (م): بشروط.

(2)

في (م): القطع.

(3)

ينظر: المغني 8/ 346.

(4)

في (م): بأنه.

(5)

في (ظ): لم يفسد.

(6)

قوله: (أجيب إلى ذلك، وإن قالوا: يدخل الهواء) سقط من (م).

(7)

قوله: (ولا أرش له) في (م): ولا شيء.

(8)

في (ن): أصل.

ص: 190

(وَاخْتَارَ أَبُو الْخَطَّابِ: أنَّ

(1)

لَهُ أَرْشَهُ)؛ أي

(2)

: له دِيَةَ الأصابع وأرْشَ الشَّلَل، على قِياسِ قَولِه في عَينِ الأعور إذا قُلِعَتْ، وإنَّما كان كذلك تكميلاً لحقِّه؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى بالقصاص بعضَ حقِّه، فيَأخُذُ دِيَةَ باقِيهِ؛ كما لو قَطَعُ الأقْطَعُ يَدَ الصَّحيح، فإنَّه يَأخُذُ دِيَةَ اليد؛ لِفَواتِ حقِّه منها، وهذا أشْبَهُ بكلامِ أحمدَ.

وقِيلَ: الشَّلَلُ موت

(3)

، وذَكَرَ في «الفنون»: أنَّه

(4)

سَمِعَه مِنْ جماعةٍ من البُلْهِ المدَّعِينَ

(5)

للفقه، قال: وهو بعيدٌ، وإلاَّ لَأَنْتَنَ واسْتَحالَ؛ كالحَيَوان.

وفي «الواضح» : إنْ ثبت

(6)

فلا قَوَدَ في مَيِّتٍ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي شَلَل العُضْوِ وَصِحَّتِهِ؛ فَأَيُّهُمَا

(7)

يُقْبَلُ قَوْلُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ)؛ أي

(8)

: إذا ادَّعى الجاني نَقْصَ العُضْو بشَلَلٍ أوْ غَيرِه، فأنْكَرَه وليُّ الجناية؛ قُبِلَ قَولُه، نَصَّ عليه

(9)

، واخْتارَه الخَلاَّلُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ السَّلامةُ.

والثَّاني، واخْتارَه ابنُ حامِدٍ: يُقبَلُ قَولُ الجاني؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّته مِنْ دِيَةِ عُضْوٍ سالِمٍ، ولأِنَّه لو كان سَالِمًا لم يَخْفَ؛ لأِنَّه يَظهَرُ فيراه

(10)

النَّاسُ.

(1)

في (م): أنه.

(2)

في (ظ): لأن.

(3)

قوله: (فإنه يأخذ دية اليد

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (م): أن.

(5)

في (ظ) و (ن): المدعيين.

(6)

في (م): ثبتت.

(7)

في (ن): وأيهما.

(8)

قوله: (أي) سقط من (م).

(9)

ينظر: المحرر 2/ 127، الفروع 9/ 386.

(10)

في (ن): ببراءة.

ص: 191

واخْتارَ في «الترغيب» عَكْسَه في أعْضاءٍ باطِنةٍ؛ لِتَعَذُّرِ البيِّنة.

وقِيلَ: قَولُ الوليِّ إنِ اتَّفَقا على سابِقَةِ السلامة

(1)

، وإلاَّ فَقَولُ الجاني.

مسألةٌ: إذا قَطَع

(2)

ذَكَرَ خُنْثَى مُشكِلٍ وأُنْثَيَيْهِ وشُفْرِه؛ فلا قَوَدَ له حتَّى يتبيَّنَ؛ لأِنَّا لا نَعلَمُ أنَّ المقطوعَ فرجٌ أصلي

(3)

.

وإنْ طَلَبَ الدِّيةَ، وكان يُرجَى انْكِشافُ حاله؛ أُعْطِيَ اليقينَ، وهو دِيَةُ شُفْرَي امرأةٍ، وحُكومةٌ في الذَّكَر والأُنثَيَينِ.

وإنْ كان مَأْيُوسًا من انْكِشافِ حالِه؛ أُعْطِيَ نصفَ ديةِ ذلك كلِّه، وحُكومةً في نصفه الباقي.

وعلى قَولِ ابنِ حامِدٍ: لا حُكومةَ فيه؛ لأِنَّه نَقْصٌ.

(1)

في (م): الإسلام.

(2)

قوله: (قطع) سقط من (م).

(3)

في (ن): أصل.

ص: 192

(فَصْلٌ)

(1)

(وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ لِسَانِهِ، أَوْ مَارِنِهِ، أَوْ شَفَتِهِ، أَوْ حَشَفَتِهِ

(2)

، أَوْ أُذُنِهِ؛ أُخِذَ مِثْلُهُ، يُقَدَّرُ بِالأَجْزَاءِ؛ كَالنِّصْفِ، وَالثُّلُثِ، وَالرُّبُعِ)؛ للنَّصِّ.

وقال أبو الخَطَّاب، وصحَّحه في «المحرَّر»: لا يُؤخَذُ بعضُ اللِّسان ببعضٍ.

والمذهَبُ عِنْدَ المؤلِّف، وصاحِبِ «الوجيز»: بلى؛ كالأُذن، ولأنَّه

(3)

يُؤخَذُ جميعُه بجميعه، فأُخِذَ

(4)

بعضه ببعضٍ؛ كالأنف، ويُقدَّر بالأجزاء؛ كالنِّصْف، ولا يُؤخَذُ بالمساحة؛ لِئَلاَّ يُفْضِيَ إلى أخْذِ جميعِ عضوِ الجاني ببعضِ عُضْوِ المَجْنِيِّ عليه.

(وَإِنْ كُسِرَ بَعْضُ سِنِّهِ؛ بُرِدَ مِنْ سِنِّ الْجَانِي مِثْلُهَا)؛ لِحديثِ الرُّبَيِّع

(5)

، ويُقدَّرُ بما ذكرنا

(6)

، ويتعيَّنُ القَوَدُ بالمِبْرَد؛ لِتُؤمَنَ الزِّيادةُ؛ لأِنَّه لو أُخِذَ بالكَسْر؛ لَأدَّى إلى الصُّداع أو القَلْع أو الكسر

(7)

مِنْ غَيرِ مَوضِعِ القِصاص.

وشَرْطُه: (إِذَا أُمِنَ مِنْ

(8)

قَلْعِهَا)؛ أيْ: لا يُقتَصُّ حتَّى يقول

(9)

أهلُ الخِبرة: إنَّه يُؤمَنُ انقِلاعُها؛ لأنَّ

(10)

تَوهُّمَ الزِّيادة يَمنَعُ القَوَدَ؛ كما لو قُطِعَتْ

(1)

قوله: (فصل) سقط من (م).

(2)

قوله: (أو حشفته) سقط من (م).

(3)

في (م): وأنه.

(4)

في (م): يأخذ.

(5)

أخرجه البخاري (2703)، ومسلم (1675).

(6)

في (م): ذكرناه.

(7)

في (م): والقطع والكسر.

(8)

قوله: (من) سقط من (م).

(9)

في (م) و (ن): تقول.

(10)

في (م): لأنه.

ص: 193

يَدُه من غَيرِ مَفْصِلٍ.

لا يُقالُ: قد أجَزْتُم

(1)

القِصاصَ في الأطراف مع تَوَهُّمِ سِرايَتها إلى النَّفس، فَلِمَ مَنَعْتُمْ منه لِتَوهُّمِ السِّرايَة إلى بعضِ العُضْو؟

لأِنَّ تَوَهُّمَ السِّراية إلى النَّفْس لا سبيلَ إلى التَّحرُّز منه، فلو اعْتُبِر سَقَطَ القِصاصُ في الطَّرَف، فَسَقَطَ اعْتِبارُه، وأمَّا

(2)

السِّرايَةُ إلى بعضِ العُضْوِ؛ فتارةً نَقولُ بمَنْعِ القِصاص إذا احْتَمَلَ الزِّيادةَ في الفِعْلِ، لا في السِّراية؛ كما إذا اسْتَوْفَى مِنْ بعض

(3)

الذِّراع، فإنَّه يَحتَمِلُ أنْ يَفعَلَ أكثرَ مِمَّا فُعِل به

(4)

.

فلو قَلَعَ سِنًّا زائدةً، وكان للجاني مِثلُها في موضعها

(5)

؛ فللمَجْنِيِّ عليه القَوَدُ، أوْ حُكومةٌ في سِنِّه، وإنْ لم يَكُنْ له مِثْلُها في مَحلِّها؛ فلَيسَ له إلاَّ الحكومة

(6)

.

وإنْ كانَتْ إحداهما أكبرَ من الأخرى؛ فالأشْهَرُ أنَّه يُؤخَذُ به؛ لأِنَّهما سِنَّانِ مُتَساوِيَتانِ في الموضِع؛ كالأصْليَّتَينِ، ولِعُمومِ النَّصِّ.

(وَلَا يُقْتَصُّ مِنَ السِّنِّ حَتَّى يَيْأَسَ

(7)

مِنْ عَوْدِهَا)، وهي سِنُّ مَنْ قد ثُغِرَ؛ أيْ: سَقَطَتْ رَواضِعُه، ثُمَّ نبتت

(8)

؛ لأِنَّ سِنَّ مَنْ لم يُثْغِرْ تعود

(9)

عادةً، فلم يُضمَنْ كالشَّعْر.

(1)

في (ن): أخرتم.

(2)

في (م): وإنما.

(3)

قوله: (بعض) سقط من (م).

(4)

قوله: (به) سقط من (ن).

(5)

في (م): موضع.

(6)

في (م): حكومة.

(7)

قوله: (ييأس) سقط من (م).

(8)

في (ظ) و (م): ثبتت.

(9)

في (م): يعود.

ص: 194

فإنْ عادَ بَدَلُ السِّنِّ على صِفَتِها في مَوضِعِها؛ فلا شَيءَ على الجاني.

(وَإِنِ

(1)

اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ؛ رُجِعَ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ)؛ أي

(2)

: إذا مَضَى زمانُ عَودِها، ولم تَعُدْ؛ سُئلَ أهلُ الخِبْرة، فإنْ قالوا: قد يئس

(3)

مِنْ عَودِها؛ خُيِّرَ المجْنِيُّ عليه

(4)

بَينَ القِصاصِ وبَينَ دِيَةِ السِّنِّ.

(فَإِنْ مَاتَ) المجْنِيُّ عليه (قَبْلَ الْإِيَاسِ مِنْ عَوْدِهَا

(5)

؛ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا)؛ لأِنَّ القَلْعَ مَوجُودٌ، والعَودُ مَشْكوكٌ فيه.

وقِيلَ: لا يَجِبُ شَيءٌ؛ كحَلْقِ شَعْرِه ومَوتِه قَبْلَ نَباتِه.

(وَلَا قِصَاصَ فِيهَا)؛ لأِنَّ الاِسْتِحْقاقَ غَيرُ مُتحَقِّقٍ، فيكونُ ذلك شُبهةً في دَرْءِ القَوَد.

(وَإِنِ اقْتَصَّ مِنْ سِنٍّ، فَعَادَتْ؛ غَرِمَ سِنَّ الْجَانِي)؛ لأِنَّه لم يَجِب القِصاصُ، ويَضمَنُها بالدِّية فَقَطْ؛ لأِنَّه لم يَقصِد التَّعَدِّيَ.

(ثُمَّ إِنْ عَادَتْ سِنُّ الْجَانِي؛ رَدَّ مَا أَخَذَ)، ولم تُقلَع

(6)

في

(7)

وَجْهٍ؛ لِئَلاَّ يَأخُذَ سِنَّينِ بِسنٍّ.

وقِيلَ: تُقلَع

(8)

وإنْ بَرِئَتْ؛ لأِنَّه أعْدَمَ سِنَّه بالقَلْع؛ فكان له إعدامُ سِنِّه به.

وفي «المُذهَبِ» فِيمَنْ قَلَعَ سِنَّ كبيرٍ، ثُمَّ نَبَتَتْ؛ لم يردَّ

(9)

ما أخَذَ، ذَكَرَه

(1)

في (م): فإن.

(2)

قوله: (أي) سقط من (م).

(3)

في (ظ): ييأس.

(4)

قوله: (عليه) مكانه بياض في (م).

(5)

زيد في (ن): هي.

(6)

في (ظ) و (م): ولم يقلع.

(7)

في (م): من.

(8)

في (م): يقلع.

(9)

في (م): لم يرى، وفي (ن): لم ترد.

ص: 195

أبو بكرٍ.

(وَإِنْ عَادَتْ سِنُّ

(1)

الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ قَصِيرَةً، أَوْ مَعِيبَةً؛ فَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ نَقْصِهَا) بالحساب، ففي نصفِها نصفُ دِيَتها، وإنْ عادَتْ والدَّمُ يَسِيلُ منها، أوْ مائلةً عن مَحلِّها؛ ففيها حُكومةٌ.

وإنْ قَلَعَ سنَّ كبيرٍ؛ فله القَوَدُ في الحال؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ عَودِها.

وإنْ قَلَعَ سِنًّا فاقْتُصَّ منه، ثُمَّ عادَتْ سِنُّ

(2)

المجْنِيِّ عليه، فَقَلَعَها الجاني ثانيةً؛ فلا شَيءَ عليه؛ لأِنَّ سِنَّ المجْنيِّ عليه لَمَّا عادَتْ وَجَبَ للجاني عليه دِيةُ سنِّه، فلمَّا قَلَعَها وَجَبَ على الجاني دِيَتُها للمَجْنِيِّ عليه، فقد وَجَبَ لكلٍّ منهما دِيَةُ سِنٍّ، فيَتقاصَّانِ.

مسألةٌ: تُؤخذ

(3)

المكسورةُ بالصَّحيحة، وهل له أرْشُ الباقي؟ فيه وَجْهانِ.

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): من.

(3)

في (ن): يؤخذ.

ص: 196

(فَصْلٌ)

(النَّوْعُ الثَّانِي: الْجُرُوحُ)؛ للآية والخبرِ، (فَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي كُلِّ جُرْحٍ يَنْتَهِي إِلَى عَظْمٍ كَالْمُوضِحَةِ)؛ لأِنَّه يُمكِنُ اسْتِيفاؤه مِنْ غَيرِ حَيفٍ ولا زِيادةٍ؛ لاِنْتِهائه إلى عَظْمٍ، أشْبَهَ قَطْعَ الكفِّ مِنْ الكُوع، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(1)

، ولأِنَّ اللهَ نَصَّ على القِصاص، فلو لم يَجِبْ في كلِّ جُرْحٍ يَنتَهِي إلى عَظْمٍ؛ لَسقَطَ حُكْمُ الآية.

(وَجُرْحِ الْعَضُدِ، وَالسَّاعِدِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ

(2)

، وَالْقَدَمِ)، في قَولِ أكثرِ العلماء، كالمُوضِحة

(3)

.

ولا يَستَوْفِي ذلك إلاَّ مَنْ له عِلْمٌ وخِبرةٌ؛ كالجرائحيِّ، ونحوِه، فإنْ لم يكُنْ للولِيِّ عِلْمٌ بذلك؛ أمَرَه بالاِسْتِنابَة، وإنْ كان له عِلْمٌ به؛ فظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّه يُمكَّنُ منه

(4)

؛ لأِنَّه أحدُ نَوعَي القِصاص؛ كالنَّفس.

(وَلَا يَجِبُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشِّجَاجِ وَالْجُرُوحِ، كَمَا دُونَ الْمُوضِحَةِ، أَوْ أَعْظَمَ

(5)

مِنْهَا)؛ لأِنَّها جِراحةٌ لا

(6)

تَنتَهِي إلى عَظْمٍ، ولا يُؤمَنُ فيها الزِّيادةُ، أشْبَهَ الجائفةَ وكَسْرَ العِظامِ.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَعْظَمَ مِنَ الْمُوضِحَةِ؛ كَالْهَاشِمَةِ، وَالمُنَقِّلَةِ

(7)

، وَالْمَأْمُومَةِ)؛ لأِنَّه لَيسَ له حدٌّ يَنتَهِي إليه، ولا يُمكِنُ الاِسْتِيفاءُ مِنْ غَيرِ حَيفٍ، وذلك شَرْطٌ

(1)

ينظر: الأم 6/ 53، مجموع الفتاوى 28/ 379.

(2)

في (م): والساق والساعد والفخذ.

(3)

في (ظ) و (ن): وكالموضحة.

(4)

ينظر: المغني 8/ 318.

(5)

في (م): وأعظم.

(6)

قوله: (لا) سقط من (ن).

(7)

في (م): والمتلفة.

ص: 197

في وُجوبِ القِصاصِ، (فَلَهُ أَنْ يَقْتَصَّ مُوضِحَةً)، بغَيرِ خِلافٍ بَينَ أصحابنا؛ لأِنَّه يَقتَصِرُ على بعضِ حقِّه ويَقتَصُّ مِنْ مَحَلِّ جِنايَته، فإنَّه إنَّما وَضَعَ السِّكِّينَ في مَوضِعٍ وَضَعها

(1)

الجاني؛ لأِنَّ سِكِّينَ الجاني وَصَلَتِ العَظْمَ ثُمَّ تَجاوَزَتْه، بخِلافِ قاطع

(2)

السَّاعِدِ، فإنَّه لم يَضَعْ سِكِّينَه في الكُوعِ.

(وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ)؛ لأِنَّه جُرْحٌ واحِدٌ فلم يُجمَعُ فيه بَينَ قِصاصٍ وأرْشٍ؛ كالشَّلاَّء بالصَّحيحة.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ)، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: (لَهُ مَا بَيْنَ

(3)

دِيَةِ مُوضِحَةٍ وَدِيَةِ تِلْكَ الشَّجَّةِ)؛ لأِنَّه تعذَّر فيه القِصاصُ، فَوَجَبَ الأرْشُ؛ كما لو تعذَّرَ في جميعها، وفارَقَ الشَّلاَّء بالصَّحيحة، فإنَّ الزِّيادةَ ثَمَّ مِنْ حَيثُ المعنى، ولَيسَتْ مُتمَيِّزةً، بخِلافِ مسألَتِنا.

(فَيَأْخُذُ فِي الْهَاشِمَةِ: خَمْسًا مِنَ الْإِبِلِ، وَفِي الْمُنَقِّلَةِ: عَشْرًا)؛ لأِنَّ التَّفاوُتَ في الأُولَى خمسٌ، وفي الثَّانية عشرٌ، وفي المأمومة ثمانيةٌ وعِشْرونَ بعيرًا وثُلُثُ بعيرٍ؛ لأِنَّ الواجِبَ فيها ثُلُثُ الدِّية، فإذا ذَهَبَ منها دِيَةُ مُوضِحةٍ؛ بقي

(4)

ذلك.

(وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ الْجُرْحِ بِالْمِسَاحَةِ)، دُونَ كَثَافَةِ اللَّحْم؛ ليُعَلَّمَ

(5)

حتَّى يُقتص

(6)

من الجاني مِثْلُه، (فَلَوْ أَوْضَحَ إِنْسَانًا فِي بَعْضِ رَأْسِهِ، مِقْدَارُ ذَلِكَ الْبَعْضِ جَمِيعُ رَأْسِ

(7)

الشَّاجِّ وَزِيَادَةٌ؛ كَانَ لَهُ أَنْ يُوضِحَهُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ).

(1)

في (ن): وصفها.

(2)

في (م): قطع.

(3)

في (ن): بيت.

(4)

في (م): ففي.

(5)

قوله: (ليعلم) سقط من (م).

(6)

في (م): يقتضي.

(7)

في (م): أرش.

ص: 198

وحاصله

(1)

: أنَّه يَجِبُ في المُوضِحَة قَدْرُها طُولاً وعَرْضًا؛ لأِنَّ القِصاصَ المُماثَلَةُ، ولا يُراعَى

(2)

العُمْقُ؛ لأِنَّ حدَّه العَظْمُ، ولو رُوعِيَ لَتَعَذَّرَ الاِسْتِيفاءُ؛ لأِنَّ النَّاسَ يَختَلِفونَ في قلَّة اللَّحْم وكَثْرَته.

فإذا كانَتْ في الرَّأس؛ حُلِقَ مَوضِعُها مِنْ رأس الجاني، وعُلِّمَ القَدْرُ المسْتَحَقُّ بسَوادٍ أو غَيرِه، ثُمَّ اقْتُصَّ، فإنْ كانَتْ في مُقدَّمِ الرَّأس، أوْ مُؤخَّرِه، أوْ وَسَطِه، فأمْكَنَ أنْ يَسْتَوْفِيَ قَدْرَها مِنْ مَوضِعِها؛ لم يَجُزْ مِنْ غَيرِه.

وإنْ زاد قَدْرُها على مَوضِعِها مِنْ رأسِ الجاني؛ اسْتَوْفَى بقَدْرِها وإنْ جاوَزَ المَوضِعَ الذي شجَّه

(3)

في مِثْلِه؛ لأِنَّ الجميعَ رأسٌ.

وإنْ زاد قَدْرُها على رأس الجاني كلِّه؛ لم يَجُزْ أنْ يُنزِله

(4)

إلى الوَجْه والقَفَا؛ لأِنَّه قِصاصٌ في

(5)

غَيرِ العُضْو المجروحِ، فيُقْتَصُّ مِنْ رأسِ الجاني كلِّه.

(وَفِي الأَرْشِ

(6)

لِلزَّائِدِ وَجْهَانِ):

أحدُهما: لا أرش

(7)

له فيما بَقِيَ

(8)

، وقاله أبو بكرٍ، وهو الأَشْهَرُ؛ لِئَلاَّ يجمَعَ في

(9)

عُضْوٍ واحِدٍ: قِصاصٌ ودِيَةٌ.

والثَّاني، وهو قَولُ ابنِ حامِدٍ: له أرْشُ مُوضِحةِ

(10)

ما بَقِيَ، وهو تفاوُتُ

(1)

في (م): حاصله.

(2)

في (ن): ولا تراعى.

(3)

في (ن): شجته.

(4)

في (م) و (ن): ينزل.

(5)

في (م): من.

(6)

في (م): الإرشاد.

(7)

قوله: (لا أرش) في (م): الأرش.

(8)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(9)

في (ظ): من.

(10)

قوله: (موضحة) سقط من (م).

ص: 199

ما بَينَ جِنايَتِه والمُوضِحَةِ كما سبق.

فإن

(1)

كانَتْ بقَدْرِ ثُلُثِها؛ فله أرشُ

(2)

ثُلثِ مُوضِحة

(3)

، وإنْ زادت على هذا أوْ نَقَصَتْ؛ فَبِالحساب مَنْ أرْشِ المُوضِحة، ولا يَجِبُ له أرْشُ مُوضِحةٍ كامِلةٍ.

تنبيهٌ: إذا أوْضَحَ كلَّ الرَّأس، ورأسُ الجاني أكبرُ؛ فللمَجْنِيِّ عليه قَدْرُ شَجَّتِه من أيِّ جانِبٍ شاءَ؛ لأِنَّ الجميعَ مَحَلُّ الجِنايَة، وله أنْ يَستَوْفِيَ بعضَ حقِّه مِنْ مُقدَّمِ الرَّأس وبعضَه مِنْ مُؤخَّره، إلاَّ أنْ يكونَ في ذلك زيادةُ ضَرَرٍ أوْ شَيْنٍ، فيُمنَع

(4)

لذلك؛ لأِنَّه لم يُجاوِزْ مَوضِعَ الجناية، ولا قَدْرَها.

وقِيلَ: بالمَنْع؛ لأِنَّه يَأخُذُ مُوضِحَتَينِ بِمُوضِحةٍ، قدَّمه في «الشَّرح» .

وإنْ أَوْضَحَه مُوضِحَتَينِ، قَدْرُهما جميعُ رأسِ الجاني؛ فللمَجْنِيِّ عليه الخِيارُ بَينَ أنْ يُوضِحَه في جميعِ رأسِه مُوضِحةً واحدةً، وبَينَ أنْ يُوضِحَه مُوضِحَتَينِ يَقتصر

(5)

فيهما عن قَدْرِ الواجِبِ، ولا أَرْشَ له في الباقي وجْهًا واحدًا؛ لأِنَّه تَرَك الاِسْتِيفاءَ مع إمكانه.

ويُقبَلُ قَولُ المقْتَصِّ مع يمينه في أنَّه أخْطَأَ في الزِّيادة، فإنْ قال: هذه الزِّيادةُ حَصَلَتْ باضْطِرابه، فأنْكَرَه الجاني؛ فوَجْهانِ.

(1)

في (ظ): وإن.

(2)

زيد في (م): ما بقي وهو.

(3)

في (م): والموضحة.

(4)

في (ظ) و (ن): فيمتنع.

(5)

في (م): فيقتصر.

ص: 200

(فَصْلٌ)

(وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي قَطْعِ طَرَفٍ أَوْ جُرْحٍ) مُوجِبٍ للقِصاص، (وَتَسَاوَتْ أَفْعَالُهُمْ، مِثْلَ أَنْ يَضَعُوا الْحَدِيدَةَ عَلَى يَدِهِ

(1)

وَيَتَحَامَلُوا عَلَيْهَا جَمِيعًا حَتَّى تَبِينَ

(2)

، أوْ يَدْفَعُوا حائطًا ونَحوَه على شخصٍ، قالَهُ في «الوجيز» ؛ (فَعَلَى جَمِيعِهِمُ الْقِصَاصُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ)، اخْتارَها الخرقي

(3)

، وقدَّمها في «الكافي» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز»؛ لقولِ عليٍّ للشَّاهِدَينِ:«لو علمتُ أنَّكما تعمَّدتُما؛ لَقَطَعْتُكُما»

(4)

، فأخْبَرَ أنَّ القِصاصَ على كلٍّ منهما لو تَعمَّدَ، ولأِنَّه أحدُ نَوعَي القِصاصِ، فيؤخذ

(5)

الجماعةُ بالواحد؛ كالنَّفْس.

وفي «الانتصار» : لو حَلَفَ كلٌّ منهما لا يَقطَعُ يَدًا؛ حَنِثَ بذلك.

والثَّانيةُ: لا قَوَدَ عليهم؛ لأِنَّ الأطرافَ يُعتَبَرُ التَّساوِي فيها، فإنَّه لا تُؤخَذُ صحيحةٌ بشَلاَّءَ، ولا كامِلةُ الأصابع بناقصتها

(6)

، ولا تَساوِيَ بين الطَّرَف

(7)

(1)

في (م): يديه.

(2)

في (م) و (ن): يتبين.

(3)

في (م): واختارها لخرقي.

(4)

أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (9/ 8)، ووصله البيهقي في الكبرى (21192)، عن مطرف، عن الشعبي: أن رجلين شهدا عند علي رضي الله عنه على رجل بالسرقة، فقطع علي يده، ثم جاءا بآخر فقالا: هذا هو السارق لا الأول، فأغرم علي رضي الله عنه الشاهدين دية يد المقطوع الأول، وقال: لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما»، ولم يقطع الثاني. وصحح ابن حجر إسناده. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 63.

(5)

في (م): فتؤخذ.

(6)

في (م): في (ن): بناقصها.

(7)

في (م): ولا يُساوى بين الطرفين. وفي (ن): ولا يساوى من الطرف.

ص: 201

والأطْرافِ، ولا يُعتَبَرُ التَّساوِي في النَّفس، وكما لو تميَّزتْ أفْعالُهم.

وفي «الرِّعاية» بعدَ ذِكْرِ الخِلاف: وعلى كلِّ واحِدٍ دِيَةُ الطَّرَف والجرح؛ كما لو قطع كلُّ إنسانٍ مِنْ جانِبٍ، أوْ في وَقْتٍ.

قال ابنُ حَمْدانَ: ويَحتَمِلُ أنْ يَشتَرِكوا في دِيَتِه.

(فَإِنْ

(1)

تَفَرَّقَتْ أَفْعَالُهُمْ، أَوْ قَطَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ جَانِبٍ؛ فَلَا قِصَاصَ، رِوَايَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهم لم يَقطَعِ اليَدَ، ولم يُشارِكْ في قَطْعِ جَمِيعِها.

(وَسِرَايَةُ الْجِنَايَةِ مَضْمُونَةٌ)، بغَيرِ خِلافٍ

(2)

؛ لأِنَّها أَثَرُ الجِنايَة، والجِنايَةُ مَضمونةٌ، فكذا

(3)

أَثَرُها، (بِالْقِصَاصِ أَوِ الدِّيَةِ)، وهو مَبْنِيٌّ على أنَّ مُوجَبَ العَمْدِ أحدُ أمْرَينِ.

ثُمَّ إنْ سَرَتْ إلى النَّفْس وما

(4)

لا تُمكِن

(5)

مُباشَرَتُه بالإتْلافِ، مِثْلَ أنْ يَهشِمَه في رأسه فيَذهَبَ ضَوءُ عَينِه؛ وَجَبَ القَوَدُ فيه، ولا خِلافَ في ذلك في النَّفس، وفي ضَوءِ العَينِ خِلافٌ.

وإنْ سَرَتْ إلى ما تُمكِن

(6)

مُباشَرَتُه بالإتلاف

(7)

، ونبَّه عليه بقوله: (فَلَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا فَتَآكَلَتْ إِلَى جَانِبِهَا أُخْرَى

(8)

، وَسَقَطَتْ

(9)

مِنْ مَفْصِلٍ، أَوْ تَآكَلَتِ

(1)

في (م): وإن.

(2)

ينظر: المغني 8/ 339.

(3)

في (م): فكذلك.

(4)

في (م): وإلى ما.

(5)

في (م) و (ن): لا يمكن.

(6)

في (م): يمكن.

(7)

قوله: (مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينه

) إلى هنا سقط من (م).

(8)

في (م) و (ن): فتآكلت أخرى في ذلك إلى جانبها.

(9)

في (م): وسقط.

ص: 202

الْيَدُ وَسَقَطَتْ مِنَ الْكُوعِ؛ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي ذَلِكَ

(1)

في قَولِ إمامنِا

(2)

؛ لأِنَّ ما وَجَبَ فيه القَوَدُ بالجناية؛ وَجَبَ بالسِّرايَة كالنَّفس.

وقال أكثرُ الفقهاء: لا قَوَدَ في الثَّانية، وتَجِبُ دِيَتُها؛ لأِنَّ ما أمْكَنَ مباشرته بالجِنايَة لا يَجِبُ القَوَدُ فيه بالسِّراية؛ كما لو رَمَى سهمًا

(3)

إلى شَخْصٍ، فمرق

(4)

منه إلى آخَرَ.

وجَوابُه: ما سَبَقَ، وبأنَّه أحدُ نَوعَي القِصاص، وفارَقَ ما ذَكَرُوه؛ لأِنَّ ذلك فِعْلٌ، ولَيسَ بِسِرايَةٍ، ولو قَصَدَ قَطْعَ إبْهامِه فَقَطَعَ سبَّابَتَه وَجَبَ القِصاصُ.

(وَإِنْ شَلَّ

(5)

بفَتْحِ الشِّين، وقِيلَ: بضَمِّها؛ (فَفِيهِ دِيَتُهُ دُونَ القِصَاصِ)؛ أي

(6)

: إذا شلَّ

(7)

وَجَبَ القَوَدُ في الأولى، والأَرْشُ في الثَّانية؛ لأِنَّ الشَّلَلَ حَصَلَ بالسِّرايَة، وحُكْمُها حُكْمُ المُباشَرَة، ولأِنَّها جِنايَةٌ مُوجِبَةٌ للقَوَد؛ كما لو لم

(8)

تَسْرِ، وكما لو قَطَعَ يَدَ حُبْلَى فَسَرَى إلى جَنِينِها.

وقال ابنُ أبي مُوسَى: لا قَوَدَ بنقصه بَعْدَ بُرئِه، ويَجِبُ الأَرْشُ في ماله، فلا تَحمِلُه

(9)

العاقِلَةُ؛ لأِنَّه جِنايَةُ عَمْدٍ.

وإذا قَطَعَ له إصْبَعًا فشلَّت

(10)

أصابِعُه الباقِيَةُ وكفُّه؛ وَجَبَ له نصفُ الدِّيَة،

(1)

قوله: (في ذلك) سقط من (م) و (ن).

(2)

ينظر: المغني 8/ 339.

(3)

في (م): بينهما.

(4)

في (م): فخرق.

(5)

في (م): شك.

(6)

قوله: (أي) سقط من (ظ).

(7)

في (م): شك.

(8)

قوله: (لم) سقط من (م).

(9)

في (م): فلا تحمل.

(10)

في (م) و (ن): فسلمت.

ص: 203

وإن اقْتَصَّ من الإصْبَع؛ فله في الباقية

(1)

أربعونَ من الإبل، ويَتبَعُها ما حاذَى الكَفَّ، وهو أربعةُ أخْماسٍ، فيَدخُلُ أرْشُه فيها، ويَبْقَى خُمُسٌ منها للكَفِّ، وفيه وَجْهانِ.

(وَسِرَايَةُ الْقَوَدِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ) في قَولِ الجُمْهور؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ: أنَّ عمرَ وعليَّ بنَ أبي طالِبٍ، قالا:«مَنْ ماتَ مِنْ حَدٍّ أوْ قِصاصٍ؛ لا دِيَةَ له، الحقُّ قَتَلَه»

(2)

، ولأِنَّه قَطْعٌ مُستَحَقٌّ مُقدَّرٌ، فلا تُضمن

(3)

سِرايَتُه؛ كقَطْعِ السَّارِق.

ولا فَرْقَ بَينَ سِرَايَتِه إلى النَّفس، أوْ إلى ما دُونَها.

(فَلَوْ قَطَعَ الْيَدَ قِصَاصًا، فَسَرَى إِلَى النَّفْسِ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ)؛ لأِنَّه مُستَحِقٌّ له، بخِلافِ قسمِ الخطأ، واحتجَّ الأصحابُ بمسألة

(4)

: اقْتُلْنِي، أو اجْرَحْنِي، مع تحريمِ الإذْنِ والقَطْعِ، فهُنا أَوْلَى.

(1)

في (م): الباقي.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (27674)، والبيهقي في المعرفة (15975)، من طريق مطر، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، أن عمر وعليًّا رضي الله عنهما قالا:«من قتله قصاص فلا دية له» ، ومطر هو ابن طهمان الوراق وهو صدوق كثير الخطأ وحديثه عن عطاء ضعيف، كما نص على ذلك الأئمة وهذا منه، لكن يقوِّيه أنه جاء من وجه آخر، فقد أخرجه مسدد كما في إتحاف الخيرة (3431/ 1)، وابن حزم في المحلى (11/ 22)، من طريق سعيد بن أبي عروبة، حدثنا قتادة، أن سعيد بن المسيب حدثهم أن عمر رضي الله عنه كان يقول في الذي يقتص منه ثم يموت:«قتله حقٌّ، لا دية له» ، قال البوصيري:(إسناد رجاله ثقات)، وأخرج ابن أبي شيبة (27670)، بإسناد فيه مبهم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما، قالا:«من قتله حد، فلا عقل له» ، ويشهد له ما أخرجه البخاري (6778)، ومسلم (1707)، عن علي رضي الله عنه أنه قال:«ما كنت لأقيم حدًّا على أحد فيموت، فأجد في نفسي، إلا صاحب الخمر، فإنه لو مات وَدَيته، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسنه» ، ولم نقف عليه عند سعيد بن منصور. ينظر: الإرواء 7/ 297.

(3)

في (ن): فلا يضمن.

(4)

في (م): بمثله.

ص: 204

ويُستَثْنَى مِنْ ذلك: ما إذا استوفاه

(1)

قَهْرًا مع الخَوف منها؛ كحَرٍّ

(2)

أوْ بَرْدٍ، أوْ كُلُولِ آلةٍ، أوْ مَسمومةٍ، فإنَّه يَضمَنُ بقيَّةَ الدِّيَة.

وقال القاضي: يَضمَنُ نِصفَها.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: مَنْ له قَوَدٌ في نَفْسٍ أوْ طَرَفٍ، فَقَطَعَ طَرَفَه، فَسَرَى أوْ صالَ مَنْ عليه الدِّيَةُ فدفعه دَفْعًا جائزًا فقَتَلَه؛ هل يكُونُ مُستَوفِيًا لِحَقِّه، كما يُجزِئُ إطْعامُ مضطرٍّ

(3)

مِنْ كفَّارةٍ قد وَجَبَ عليه بَذْلُه له

(4)

، وكذا مَنْ دَخَلَ مسجدًا فصلَّى قَضاءً ونَوَى كفَّارةً عن تحيَّةِ المسجد؟ فيه احْتِمالانِ.

(وَلَا يَقْتَصُّ مِنَ الطَّرَفِ إِلاَّ بَعْدَ بُرْئِهِ) في قَولِ الأكثرِ، وهو الأصحُّ؛ لِمَا رَوَى عمرو

(5)

بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رجلاً طَعَنَ رجلاً بِقَرْنٍ في رُكْبَتِهِ، فجاءَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: أَقِدْنِي، فقال:«حتَّى تَبْرَأَ» ، ثُمَّ جاء إليه فقال: أَقِدْني، فأَقَادَه، ثُمَّ جاء إليه، فقال: يا رسولَ الله عَرِجْتُ، فقال: «قد نَهَيتُكَ فعَصَيتَنِي، فأبعدَكَ

(6)

اللهُ وبَطَلَ عرجُكَ»، ثُمَّ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُقتَصَّ

(7)

مِنْ جُرْحٍ حتَّى يبرأ

(8)

، رواه أحمدُ والدَّارَقُطْنِيُّ

(9)

، ولأِنَّ الجُرْحَ لا

(1)

في (م): استوفى.

(2)

في (ن): لحر.

(3)

في (م): الطعام مفطر.

(4)

قوله: (له) سقط من (م).

(5)

في (م): عمر.

(6)

في (ن): فأتعبك.

(7)

في (م): نقتص.

(8)

في (ن): برئ.

(9)

أخرجه أحمد (7033)، من طريق ابن إسحاق، وأخرجه الدارقطني (3114)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (16115)، من طريق ابن جريج، كلاهما عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ورواية أحمد فيها:(عن ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب)، قال ابن عبد الهادي:(وليس فيه ذكر سماع ابن إسحاق من عمرو، فالظاهر أنه لم يسمعه منه)، وذكر البخاري أن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، وأعله الدارقطني بالإرسال، وأخرجه عبد الرزاق (17991)، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره مرسلاً، وروي من أوجه أخرى مرسلة، وصححه الألباني بشواهده. ينظر: سنن الدارقطني 4/ 72، تنقيح التحقيق 4/ 492، جامع التحصيل ص 229، الإرواء 7/ 298.

ص: 205

يُدْرَى أيُؤدِّي إلى القَتْلِ أمْ لا؟ فيَجِبُ أنْ يُنتَظَرَ لِيُعلَمَ حُكْمُه.

وفي ثانيةٍ، وحكاها في «الشَّرح» تخريجًا: يَجِبُ قبل

(1)

البُرْء؛ بناءً

(2)

على قَولنا: إنَّه إذا سَرَى إلى النَّفس يُفعَلُ به كما فَعَلَ؛ لأِنَّ القِصاصَ في الطَّرَف لا يَسقُطُ بالسِّراية، فَوَجَبَ أنْ يَملِكَه في الحال؛ كما لو بَرِئَ، لكِنَّ الأَوْلى

(3)

تَرْكُه، قاله في «المحرَّر» .

وفي «الرَّوضة» : لو قَطَعَ كلٌّ منهما يَدًا؛ فله أخْذُ دِيَةِ كلٍّ منهما في الحال قَبْلَ الاِنْدِمال وبَعدَه، لا القَوَد

(4)

قَبْلَه.

(فَإِنِ اقْتَصَّ قَبْلَ ذَلِكَ؛ بَطَلَ حَقُّهُ مِنْ سِرَايَةِ جُرْحِهِ)؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: «لَيسَ لكَ

(5)

شَيءٌ، إنَّكَ عَجِلْتَ» رواه سعيدٌ مُرسَلاً

(6)

،

(1)

في (م): قتل.

(2)

في (م) و (ن): وبناء.

(3)

قوله: (لكن الأولى تركه) في (م): لكف للأولى وتركه.

(4)

في (م): قود.

(5)

في (م): ذلك.

(6)

أخرجه الدارقطني (3117)، والبيهقي في الكبرى (16107)، من طريق أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة، حدثنا ابن علية، عن أيوب، عن عمرو بن دينار، عن جابر رضي الله عنه: أن رجلاً طعن رجلاً بقَرْنٍ في ركبته، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستقيد، فقيل له: حتى تبرأ، فأبى وعجل فاستقاد، قال: فعنتت رجله وبرئت رجل المستقاد منه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:«ليس لك شيء إنك أبيت» ، ورجح أبو حاتم والدارقطني إرساله، قال:(أخطأ فيه ابنا أبي شيبة، وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره، عن ابن علية، عن أيوب، عن عمرو مرسلاً، وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه، وهو المحفوظ مرسلاً). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 237.

ص: 206

ولأِنَّه اسْتَعْجَلَ حقَّه؛ فَبَطَلَ حقُّه

(1)

؛ كقَتْلِ مَورُوثِه.

(وَإِنْ سَرَى إِلَى نَفْسِهِ كَانَ هَدَرًا)؛ أيْ: سِرايَةُ الجُرْح إلى نَفْسِ المجْنِيِّ عليه هَدرٌ، إذا اقْتَصَّ من الجاني قَبْلَ بُرْءِ جُرْحِه؛ لأِنَّ حقَّه بَطَلَ باسْتِعْجاله، ومع بُطْلانه يَتعيَّنُ كَونُ السِّرايَة إلى نَفْسِه هَدرًا.

(وَإِنْ سَرَى الْقِصَاصُ إِلَى نَفْسِ الْجَانِي؛ كَانَ هَدَرًا أَيْضًا)، قال أحمدُ: قد دَخَلَه العَفْوُ بالقصاص

(2)

، واحتجَّ الأصحابُ بخَبَرٍ رواه الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، ولأِنَّ سِرايَةَ القَوَدِ غَيرُ مَضْمونَةٍ.

فرعٌ: إذا اقْتَصَّ بَعْدَ الاِنْدِمال، ثُمَّ انْتقَضَ جُرْحُ الْجِنايَة، فَسَرَى إلى النَّفس؛ وَجَبَ القَوَدُ به، ولأِنَّه

(4)

اقْتَصَّ بَعْدَ جَوازِ الاقتصاص.

فإن اخْتارَ الدِّيَةَ؛ فله ديةٌ، إلا ديةَ

(5)

الطَّرَف المأْخُوذ في القصاص، فإنْ كان دِيَةُ الطَّرَف كدِيَةِ النَّفس؛ فَلَيسَ له

(6)

العَفْوُ على مالٍ كذلك.

وإن

(7)

كان الجانِي ذِمِّيًّا قَطَعَ أَنْفَ

(8)

مُسلِمٍ، فاقْتصَّ منه

(9)

بَعْدَ البُرْءِ، ثُمَّ سَرَى إلى نَفْس المسلِمِ؛ فلوليِّه قَتْلُ الذِّمِّيِّ.

وهل له أنْ يَعفُوَ على نصف

(10)

دِيَةِ المسلِمِ؟ فيه وَجْهان:

(1)

قوله: (فبطل حقه) سقط من (م).

(2)

ينظر: مسائل عبد الله ص 408، الفروع 9/ 397.

(3)

مراده الخبر الذي سبق تخريج 0 هـ قريبًا 9/ 206 حاشية (6) من حديث جابر رضي الله عنه.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في الكافي 3/ 273:(لأنه) بدون الواو.

(5)

قوله: (إلا دية) ضرب عليه في (ظ). والمثبت موافق لما في الكافي 3/ 273.

(6)

قوله: (فليس له) في (م): فله ذلك.

(7)

في (ظ): فإن.

(8)

في (ظ): فقطع أنفه.

(9)

قوله: (منه) سقط من (م).

(10)

قوله: (نصف) سقط من (ن).

ص: 207

أحدُهما: له ذلك؛ لأِنَّ دِيَةَ اليهوديِّ نِصفُ دِيَةِ المسلِمِ، فيبقى

(1)

له النِّصْفُ.

والثَّاني: لَيسَ له ذلك؛ لأِنَّه اسْتَوفَى بَدَلَ أنْفِه، أشْبَهَ ما لو كان الجانِي مسلمًا.

(1)

في (م): فبقي.

ص: 208

(كِتَابُ الدِّيَاتِ)

الدِّيَاتُ واحدَتُها دِيَةٌ، مُخفَّفةٌ، وأصْلُها: وَدِيَ

(1)

، والهاء

(2)

بَدَلٌ من الواو؛ كالعدة

(3)

من الوَعْد، والزِّنَةُ من الوزن، يقال

(4)

: وديتُ

(5)

القتيلَ أَدِيهِ دِيَةً: إذا أعْطَيْتَ دِيَتَه، واتَّديت

(6)

: إذا أخَذْتَ الدِّيَةَ.

وهي في الأصل: مَصدَرٌ سُمِّيَ به المالُ المؤدَّى إلى المجْنِيِّ عليه، أو أوليائه

(7)

؛ كالخَلْق بمَعْنى المخْلوقِ.

وهي ثابِتَةٌ بالإجماع

(8)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّسَاء: 92]، وفي الخبر:«في النَّفس مِائَةٌ مِنْ الإبل»

(9)

.

(كُلُّ مَنْ أَتْلَفَ إِنْسَانًا، أوْ جُزْءًا مِنْهُ، بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ؛ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُ)؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّدًا

(93)} الآيةَ [النِّسَاء: 93]، وقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَتَبَ إلى أهلِ اليمن كتابًا في الفرائض والسُّنَن والدِّيات:«في النَّفس مِائَةٌ من الإبل» رواه مالِكٌ والنَّسائيُّ، مِنْ حديثِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، قال

(1)

هكذا في النسخ الخطية، وفي تحرير ألفاظ التنبيه ص 303:(أصلها: ودية، مُشْتَقَّة من الودي)، وفي المطلع ص 443:(أصلها: ودية).

(2)

قوله: (والهاء) سقط من (م).

(3)

في (ن): كالعهدة.

(4)

قوله: (يقال) سقط من (م).

(5)

في (م): رديت، وفي (ن): وزنت.

(6)

في (ظ) و (ن): وائتديت. والمثبت موافق لما في الصحاح 6/ 2521، وتحرير ألفاظ التنبيه ص 303.

(7)

في (ن): لأوليائه.

(8)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 122، مراتب الإجماع ص 140.

(9)

هو الحديث الآتي بعده.

ص: 209

ابنُ عبدِ البَرِّ: (هو كِتابٌ مشهورٌ عندَ أهْلِ السِّيَر، ومعروفٌ عِنْدَ أهلِ العِلْم مَعرِفةً يُسْتَغْنَى بشُهرَتِها عن الإسناد، أشْبَهَ المتواتِرَ)

(1)

.

وسَواءٌ كان مُسْلِمًا أوْ ذِمِّيًّا، مُسْتَأْمِنًا أوْ مُهادِنًا.

فقوله: (أوْ جُزْءًا منه) هذه

(2)

الزِّيادةُ انْفَرَدَ بها المؤلِّف عن «المحرر» ، و «الوجيز» ، و «الفروع» ؛ لأِنَّ ما ضُمِنَتْ جملتُه ضُمِنَتْ أجْزاؤه.

وقَولُه: (بمُباشَرة

(3)

؛ لأِنَّه أتْلَفَه بها، فوجَبَتْ دِيَتُه؛ كالنَّفس إذا أُتلِفتْ

(4)

بها.

وقَولُه: (أو سببٍ)؛ لأِنَّه مُؤَدٍّ إلى تَلَفِه، أشْبَهَ المُباشَرَةَ.

(فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا؛ فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي) بالإجماع

(5)

؛ لأنَّ بَدَل المتلَف

(6)

يَجِبُ على المتْلِفِ، وأرْشَ الجناية على الجاني، ولأِنَّ العامِدَ لا

(1)

أخرجه مالك (2/ 849)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 347)، والنسائي (4857)، والبيهقي في الكبرى (16145)، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول، فذكره هكذا مرسلاً، وروي موصولاً ولا يصح، وأخرجه النسائي (4853)، وابن حبان (6559)، والحاكم (1447)، من طريق سليمان بن داود، حدثني الزهري، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، عن أبيه، عن جده، وأُعِل بأن سليمان بن داود هو ابن أرقم وهو متروك، وأن الصواب عن الزهري مرسلاً، وكتاب عمرو بن حزم كتاب ثابت مشهور قاله الأئمة الزهري والشافعي وأحمد والعقيلي وابن عبد البر وغيرهم، قال شيخ الإسلام:(هو صحيح بإجماعهم). ينظر: علل ابن أبي حاتم 2/ 619، التمهيد 17/ 338، شرح العمدة 4/ 23، البدر المنير 8/ 377، التلخيص الحبير 4/ 24، الإرواء 1/ 158.

(2)

في (م): بعده.

(3)

في (م): مباشرة.

(4)

في (م): تلفت.

(5)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 126، المغني 8/ 373.

(6)

في (م): التلف.

ص: 210

عُذْرَ له، فلا يَستَحِقُّ التّخفيفَ، ولا يوجد

(1)

فيه المعْنَى المقْتَضِي للمُواساة في الخَطَأ.

(حَالَّةً)؛ لأنَّ

(2)

ما وَجَبَ بالعمد

(3)

المحْضِ كان حالًّا؛ كأرش

(4)

أطرافِ العبد

(5)

، ودِيَةُ شِبْهِ العَمْدِ القاتِلُ فيها مَعذُورٌ؛ لكونه

(6)

لم يَقصِد القَتْلَ.

(وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ

(7)

؛ فعلى عاقِلَته في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لما رَوَى أبو هُرَيرةَ قال: «اقْتَتَلَت امْرَأتانِ مِنْ هُذَيلٍ، فَرَمَتْ إحداهما الأخرى

(8)

بحَجَرٍ، فقَتَلَتْها وما في بطنها، فَقَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بدِيَةِ المرأة على عاقِلَتِها» مُتَّفَقٌ عليه

(9)

، ولأِنَّه نَوعُ قتل

(10)

لا يُوجِبُ قِصاصًا، فأوجب الدِّيَةَ على العاقِلة؛ كالخطأ.

فعلى هذا: تَجِبُ مُؤجَّلةً، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(11)

، وروي عن

(12)

عمرَ

(13)

(1)

في (م): ولا يوجه، وفي (ن): ولا يؤخذ.

(2)

في (ن): لأنه.

(3)

في (م): كالعمد.

(4)

قوله: (حالاً كأرش) في (م): كالأرش.

(5)

زاد في (ظ) و (ن): ودية شبه العامد. والمثبت موافق لما في المغني 8/ 373 والشرح الكبير 25/ 311.

(6)

في (م): ولكونه.

(7)

قوله: (عمد) سقط من (م).

(8)

قوله: (الأخرى) سقطت من (ظ) و (ن).

(9)

أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

(10)

في (ن): قيل.

(11)

ينظر: المغني 8/ 375.

(12)

قوله: (عن) سقط من (م).

(13)

أخرجه عبد الرزاق (17858)، وابن أبي شيبة (27438)، والبيهقي في الكبرى (16390)، من طريق أشعث بن سوار، عن الشعبي:«أن عمر رضي الله عنه جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف، والثُّلثين في سنتين، والثُّلث في سنة، وما دون الثُّلث فهو من عامه» ، وهو منقطع الشعبي لم يدرك عمر، وأشعث بن سوار ضعيف.

وأخرجه عبد الرزاق (17857)، عن ابن جريج قال: أُخبرت عن أبي وائل: «أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين» ، وأخرجه (17859) أيضًا من طريق مكحول عن عمر نحوه.

ص: 211

وعليٍّ

(1)

، ولا مُخالفَ لهما في عَصْرِهما، ولأِنَّ الدِّيَةَ تُخالِفُ سائِرَ المتْلَفاتِ؛ لأِنَّها تَجِبُ على غَيرِ الجاني على سبيلِ المُواساة، فاقْتَضَت الحِكْمةُ تخفيفَها عنهم.

وقال جماعةٌ: هي على القاتِلِ في ماله، اختاره

(2)

أبو بكرٍ؛ لأِنَّ شِبْهَ العَمد كالعمد

(3)

.

(أَوْ خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَاهُ؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا، حكاهُ ابنُ المنذِرِ

(4)

، إذ الحكمة فيه: أنَّ جناياتِ الخطأ تَكثُرُ، ودِيَةَ الآدَمِيِّ كثيرةٌ، فإيجابُها على الجاني في ماله تُجْحِفُ به، فاقْتَضَت الحِكمةُ إيجابَها على العاقِلَة على سبيل المُواساةِ للقاتِل، والإعانةِ له تخفيفًا؛ لأِنَّه معذورٌ في فِعْلِه، فعلى هذا: لا يَلزَمُ القاتِلَ شَيءٌ مِنْ دِيَةِ الخطأ، لا أنَّه واحِدٌ من العاقلة

(5)

.

وما أُجْرِيَ مُجْرَى الخطأ؛ يُعطَى حُكْمَه كالخطأ.

(وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعًى

(6)

، وهو حيَّةٌ معروفةٌ، والأكثرُ على صَرْفها

(1)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16391)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب:«أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين» ، وفي إسناده ابن لهيعة وهو ضعيف، ويزيد بن أبي حبيب من صغار التابعين فهو معضل بينه وبين علي. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 95، الإرواء 7/ 337.

(2)

في (م): اختارها.

(3)

قوله: (كالعمد) سقط من (ن).

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 126، المغني 8/ 373.

(5)

قوله: (على سبيل المواساة للقاتل

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

كتب في هامش (ظ): (قال في القاموس: الأفعى حية خبيثة).

ص: 212

كعصًا، وقِيلَ: بالمنع؛ لوزن

(1)

الفعل وشِبْهها بالمشْتَقِّ، وهو تَصوُّرُ أذاها، (أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ)؛ فعَلَيه ضَمانُه؛ لأِنَّه تَلِفَ بعُدوانه، أشْبَهَ ما لو جَنَى عليه، ولأِنَّه تَلِفَ بالسَّبب؛ فَوَجَبَ الضَّمانُ كالمباشَرَة.

وفي «الرِّعاية» وغَيرِها: أنَّه شِبْهُ عَمْدٍ.

(أَوْ طَلَبَ إِنْسَانًا بِسَيْفٍ مُجَرَّدٍ، فَهَرَبَ مِنْهُ، فَوَقَعَ فِي شَيْءٍ تَلِفَ بِهِ، بَصِيرًا كَان أَوْ

(2)

ضَرِيرًا)، عاقِلاً كان أوْ مجنونًا، سَواءٌ سَقَطَ مِنْ شاهِقٍ، أو انْخَرَقَ به سَقْفٌ، أوْ خَرَّ في بئرٍ؛ لأِنَّه هَلَكَ بسببِ عُدْوانه، فضمنه

(3)

كما لو نَصَبَ له سِكِّينًا.

قال

(4)

في «التَّرغيب» : وعِنْدِي ما لم يَتعمَّدْ إلْقاءَ نفْسِه مع القَطْع بتَلَفِه؛ لأِنَّه كمُباشِرٍ.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه أنَّه مُرادُ غَيرِه.

فلو طَلَبَه بشيءٍ يُخوِّفه؛ كاللُّتِّ، فهو كما لو طَلَبَه بسَيفٍ مشهورٍ.

فلو شَهَرَ سيفًا

(5)

في وجهه، أوْ دَلاَّهُ مِنْ شاهِقٍ فمات مِنْ رَوعتِه، أوْ ذَهَبَ عَقْلُه؛ فعليه دِيتُه.

(أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي فِنَائِهِ) حَيثُ يَحرُمُ، فتَلِفَ به إنْسانٌ؛ فعَلَيهِ ديَتُه، رُوِيَ عن عليٍّ

(6)

، وقَضَى به شُرَيحٌ؛ لأِنَّه تَلِفَ بعُدْوانِه، أشْبَهَ ما لو تَلِفَ بجنايته.

(1)

في (ن): كوزن.

(2)

في (ظ): أو كان.

(3)

في (م): ضمنه.

(4)

زيد في (م): في «الفروع» في «الترغيب» ؛ أي: أنه قال.

(5)

في (م): سبعًا.

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (27875)، والبيهقي في الكبرى (16400)، وابن حزم من طريقه في المحلى (11/ 161)، من طريق سعيد، عن قتادة، عن خلاس، قال:«استأجر رجلٌ أربعة رجال ليحفروا له بئرًا، فحفروها، فانخسفت بهم البئر، فمات أحدهم، فرُفع ذلك إلى علي رضي الله عنه، فضمِن الثلاثة ثلاثة أرباع الدية، وطرح عنهم ربع الدية» ، ورواية خلاس عن علي منقطعة، فإنه لم يسمع منه، قال أحمد:(روايته عن عليٍّ من كتاب). ينظر: تهذيب التهذيب 3/ 176.

ص: 213

وكذا لو حَفَرَها في مُشتَرَكٍ بَينَه وبَينَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه، فإنَّه يَضمَنُ الجميعَ؛ لتَعدِّيهِ بالحَفْر.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَضمَنُ إذا حَفَرَها في ملْكِه؛ لأِنَّه لا يُعَدُّ متعدِّيًا.

(أَوْ وَضَعَ حَجَرًا، أَوْ صَبَّ مَاءً فِي طَرِيقٍ)؛ ضَمِنَه؛ لأِنَّه هَلَكَ بسببه.

(أَوْ بَالَتْ فِيهَا دَابَّتُهُ وَيَدُهُ عَلَيْهَا)، فزَلِقَ به حيوانٌ فماتَتْ به؛ فعلى صاحب الدَّابَّة الضَّمانُ إذا كان راكبًا، أوْ قائدًا، أوْ سائقًا؛ كما لو جَنَتْ بيدها أوْ فَمِها، قاله الأصحابُ.

وفي «الشرح» : قياسُ المذهَبِ: أنَّه لا يَضمَنُ ما تَلِفَ بذلك، وكما لو سلَّم على غيرِه، أو أمْسَكَ يَدَه حتَّى مات؛ لِعدَمِ تأثيره، ولأِنَّه لا يُمكِنُ التَّحرُّزُ منه؛ كما لو أتْلَفَتْ بِرِجْلِها، ويُفارِقُ ما إذا أتْلَفَتْ بيدها، أوْ فَمِها؛ لأِنَّه يُمكِنُه حِفْظُها.

(أَوْ رَمَى قِشْرَ بِطِّيخٍ فِيهَا، فَتَلِفَ بِهِ إِنْسَانٌ؛ وَجَبَتِ الدِّيَةُ)؛ لأِنَّ التَّلَفَ منسوبٌ إلى فاعِلِه، فوجبت

(1)

عليه الدِّيَةُ؛ كالمتسبِّب إلى القَتْلِ بغَيرِ ذلك.

وفي «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ، و «الوجيز»: إذا قَصَدَه فهو

(2)

شِبْهُ عمْدٍ، وإلاَّ فهو خَطَأٌ.

(وَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا، وَوَضَعَ آخَرُ

(3)

حَجَرًا، فَعَثَرَ بِهِ إِنْسَانٌ، فَوَقَعَ فِي الْبِئْرِ؛

(1)

في (م): فوجب.

(2)

قوله: (فهو) سقط من (م).

(3)

قوله: (ووضع آخر) في (م): أو وضع.

ص: 214

فَالضَّمَانُ عَلَى وَاضِعِ الْحَجَرِ) في روايةٍ، وهي الأشْهَرُ؛ لأِنَّه كالدافِع

(1)

؛ لأِنَّه لم يقصد

(2)

القَتْلَ عادةً لمُعيَّنٍ

(3)

، بخلافِ مُكرَهٍ، واقتضى

(4)

ذلك: أنَّه لا ضَمانَ على الحافِرِ؛ لأِنَّ المباشِرَ قُطِعَ بسبَبِه.

وعنه: عَلَيهما الضَّمانُ؛ لأِنَّه اجْتَمَعَ سببانِ مختلِفانِ، فيُخرَّجُ منه: ضَمانُ المتسبِّب، اختاره ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه، وجَعَلَه أبو بكرٍ كقاتِلٍ ومُمْسِكٍ، وإنْ تعدّى

(5)

أحدُهما؛ اختصَّ به الضَّمانُ.

وإنْ وَضَعَ حَجَرًا، ثُمَّ حَفَر آخَرُ عندَه بئرًا، أوْ نَصَبَ سِكِّينًا، فعَثَرَ بالحجر

(6)

، فسقَطَ عليهما

(7)

فهَلَكَ؛ احْتَمَلَ: أنْ يَضمَنَ الحافِرُ وناصِبُ السِّكِّين؛ لأِنَّ فِعْلَهما مُتأخِّرٌ عن فِعْلِه، واحْتَمَلَ: أنْ يكونَ الضَّمانُ على واضِعِ الحَجَرِ.

تنبيهٌ: إذا أعْمَقَ بئرًا قصيرًا؛ ضَمِنَ هو وحافِرٌ ما تَلِفَ بها، نَصَّ عليه.

وإنْ دعا

(8)

مَنْ يَحفِرُ له بداره بئرًا أوْ مَعدِنًا، فمات بِهَدْمٍ لم يُلْقِه أحدٌ؛ فهَدَرٌ، نَقَلَه حَرْبٌ

(9)

.

وإنْ حَفَرَ ببَيتِه بئرًا

(10)

، وسَتَرَه لِيَقَعَ فيها أحدٌ، فمَنْ دَخَلَ بإذنه؛ فالقَوَد

(11)

(1)

في (م): كالواقع.

(2)

في (م): لم يستفد.

(3)

في (ظ): عادة كمعين. وفي (م): عاد بمعين.

(4)

في (ن): واقتصر.

(5)

في (ظ) و (ن): تعذر.

(6)

في (م): في الحجر.

(7)

في (م): عليها.

(8)

في (م): ادعى.

(9)

ينظر: الفروع 9/ 420.

(10)

قوله: (أو معدنًا فمات بهدم

) إلى هنا سقط من (م).

(11)

في (م): بالقود.

ص: 215

في الأصحِّ، وإلاَّ فلا؛ كمَكشوفةٍ بحَيثُ يراها، ويُقبَلُ قَولُه في عَدَمِ إذْنِه في الأشْهَر.

ولو وَضَعَ فيها آخَرُ سِكِّينًا، فَوَقَعَ في البئر عليها

(1)

فمات؛ فقال ابنُ حامِدٍ، وجَزَمَ به السَّامَريُّ: الضَّمانُ على الحافِر، ونَصَّ أحمدُ: أنَّ الضَّمانَ عَلَيهِما

(2)

، فيُخرَّجُ مِنْ هذا: أن

(3)

يجب الضَّمانُ على جميع

(4)

المتسبِّبينَ.

(وَإِنْ غَصَبَ صَغِيرًا فَنَهَشَتْهُ حَيَّةٌ

(5)

، أَوْ أَصَابَتْهُ صَاعِقَةٌ)، قال الجَوهَريُّ: هي نارٌ تَنزِلُ من السَّماء في رعدٍ شديدٍ

(6)

، (فَفِيهِ الدِّيَةُ)؛ لأِنَّه تَلِفَ في يَدِه العادِيَة

(7)

.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَضمَنُ إذا لم تُعرف

(8)

الأرضُ بذلك

(9)

.

(وَإِنْ مَاتَ بِمَرَضٍ)، أوْ فُجاءةٍ؛ (فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «الفروع» رِوايَتانِ:

أحدهما: يَضمَنُ، نَصَرَه أبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَقَلَه ابنُ منصورٍ

(10)

؛ كالعبد الصَّغير.

والثَّاني: لا، ونقَلَه أبو الصَّقْر

(11)

؛ لأِنَّه حرٌّ لا تثبت اليدُ عليه في

(1)

قوله: (عليها) سقط من (م).

(2)

ينظر: الفروع 9/ 420.

(3)

في (م): أنه.

(4)

قوله: (جميع) سقط من (م).

(5)

قوله: (حية) سقط من (ظ) و (م).

(6)

ينظر: الصحاح 4/ 1506.

(7)

في (م): عادية.

(8)

في (ن): لم يعرف.

(9)

كتب في هامش (ظ): (الذي قاله ابن عقيل هو المذهب).

(10)

ينظر: المحرر 2/ 137.

(11)

ينظر: المحرر 2/ 137.

ص: 216

الغَصب، أشْبَهَ الكبيرَ.

وإنْ قَرَّبه مِنْ هدفٍ

(1)

فأصابه سهمٌ؛ ضمنه

(2)

المقرِّبُ، وإنْ أرْسَلَه في حاجةٍ فأتْلَفَ مالاً أوْ نَفْسًا؛ فهو كجنايةِ الخطأ من مُرسِلِه.

ومُقتَضاه: أنَّه إذا قيَّد حرًّا مُكلَّفًا وغلَّه

(3)

، فتَلِفَ بصاعِقةٍ أوْ حيَّةٍ؛ وَجَبَت الدِّيةُ في الأشْهَرِ، وإنْ جَنَى عليه أحدٌ ضَمِنَه مُرسِلُه، قال ابنْ حَمْدانَ: إنْ تعذَّر تضمينُ الجاني.

(وَإِنِ اصْطَدَمَ نَفْسَانِ)، راجِلانِ أوْ راكِبانِ، أوْ ماشٍ وراكبٌ، قال في «الرَّوضة»: بصيرانِ، أوْ ضَرِيرانِ، أوْ أحدُهما، (فَمَاتَا؛ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دِيَةُ الآْخَرِ)، رُوِيَ عن عليٍّ

(4)

؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مات مِنْ صَدْمةِ صاحبه، وذلك قَتْلُ خطأٍ، فكانَتْ دِيَةُ كلِّ واحدٍ منهما على عاقِلةِ الآخَرِ.

وقِيلَ: بل نِصفُها.

وجَزَمَ في «التَّرغيب» ، وقدَّمه في «الرِّعاية»: إن

(5)

غلَبَت الدَّابَّةُ راكِبَها

(6)

(1)

في (م): وإن قرنه من يعرف.

(2)

في (م): ضمن.

(3)

في (ن): وعليه.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (18328)، عن أشعث، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه:«أن رجلين صدم أحدهما صاحبه فضمَّن كل واحد منهما صاحبه» ، يعني الدية، وأخرجه ابن أبي شيبة (27634)، من طريق أبي خالد الأحمر، عن أشعث، عن الحكم، عن علي رضي الله عنه في الفارسين يصطدمان، قال:«يضمن الحي دية الميت» ، وإسناده ضعيف، فيه أشعث بن سوار وهو ضعيف، والحكم لم يدرك عليًّا، وأخرجه ابن أبي شيبة (27632)، من طريق أشعث، عن حماد، عن إبراهيم، عن علي رضي الله عنه:«في فارسين اصطدما فمات أحدهما، فضمن الحي الميت» ، وهو منقطع أيضًا. ينظر: نصب الراية 4/ 386.

(5)

في (م): إذا.

(6)

قوله: (راكبها) سقط من (م).

ص: 217

بلا تفريطٍ؛ فلا ضَمانَ.

وعلى كلٍّ منهما كفارةٌ في تَرِكَتِه.

وقِيلَ: بل كفَّارَتانِ في الخطأ، وشَبَّهَهُ بشِبْه

(1)

العمد.

وخُرِّج: أنَّ

(2)

على عاقلة كلِّ قتيلٍ نصفَ الدِّيَة لِوَرَثَتِه، وعلى عاقِلَةِ الآخَر النِّصف لهم

(3)

.

وفي «الكافي» ، و «الفروع»: إن تصادما

(4)

عَمْدًا، وذلك ممَّا

(5)

يَقتُلُ غالِبًا؛ فَهَدرٌ، وإلاَّ شِبْهُ عمدٍ.

(وَإِنْ كَانَا رَاكِبَيْنِ، فَمَاتَتِ الدَّابَّتَانِ؛ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيمَةُ دَابَّةِ الآخَرِ) في تَرِكتِه، نَصَّ عليه

(6)

؛ لأِنَّ كلًّا منهما تَلِفَ بصدْمةِ الآخَرِ.

وقِيلَ: بل نصفُها.

(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَسِيرُ، وَالآْخَرُ وَاقِفًا؛ فَعَلَى السَّائِرِ ضَمَانُ الْوَاقِفِ) والقاعدِ، (وَدَابَّتِهِ)؛ لأِنَّهما تَلِفَا بصدمةِ السَّائر مِنْ غيرِ تعدٍّ

(7)

في الوقوف، وضَمانُ النَّفس على العاقِلة؛ لأِنَّه قَتْلُ خطأٍ، وضمانُ المال على المتلِفِ؛ لأِنَّ العاقلة

(8)

لا تَحمِلُه، صرَّح به في «النهاية» ، وعلى هذا يُحمَلُ كلامُ المؤلِّف.

(1)

في (م): يشبه، وفي (ن): نسبة.

(2)

قوله: (أن) سقط من (م).

(3)

من قوله: (وعلى كل منهما كفارة في تركته) إلى هنا، غير مذكورة في كتب المذهب التي وقفنا عليها.

(4)

في (م): قصد.

(5)

في (م): بما.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3507.

(7)

في (م): تعذر.

(8)

قوله: (لأنه قتل خطأ

) إلى هنا سقط من (ن).

ص: 218

هذا إذا وَقَفَ أوْ قَعَدَ في طريقٍ واسِعٍ، وما تَلِفَ للسائر فهَدرٌ، نَصَّ عليه

(1)

.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ

(2)

فِي طَرِيقٍ ضَيِّقٍ قَاعِدًا أَوْ وَاقِفًا؛ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ)؛ لأِنَّ السَّائرَ لم يتعدَّ عليه، بل الواقِفُ والقاعِدُ هو المتعدِّي.

ومحلُّه: ما لم يكن الطَّريقُ مملوكًا له

(3)

، فإن كان مملوكًا له؛ لم يكن متعدِّيًا بوقوفه، بل السَّائرُ هو المتعدِّي بسُلوكِه مِلْكَ غَيرِه بغيرِ إذْنِه.

(وَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) من السَّائر، وماله

(4)

؛ لأِنَّه تعدَّى بالوقوف فيه، أشْبَهَ واضِعَ الحَجَرِ، وفيه وَجْهٌ: لا ضَمانَ.

فرعٌ: إذا اصْطدَمَ عَبْدانِ ماشِيانِ فماتا؛ فهَدرٌ.

وإنْ مات أحدُهما؛ فقيمتُه في رقبة الآخَر؛ كسائر جِنايَته.

وإنْ كانا حرًّا وعبدًا وماتا، ضُمِنَتْ قِيمةُ العبد في تَرِكَةِ الحرِّ، ووجَبَتْ دِيَةُ الحرِّ كامِلةً في تلك القيمة.

ولو تَجاذَبَ حرَّانِ حبْلاً ونحوَه، فانقطع

(5)

وسَقَطَا وماتا؛ فكمُتصادِمَينِ مُطلَقًا، لكِنَّ نصفَ دِيَة المنكَبِّ مُغلَّظةٌ، والمسْتَلْقِي مُخفَّفةٌ.

(وَإِنْ أَرْكَبَ صَبِيَّيْنِ)، وعبارةُ غَيرِه: صغيرَينِ، (لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِمَا)؛ أي

(6)

: لَيسَ وليَّهما، (فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُمَا)؛ لأِنَّه تعدَّى بركوبهما، وتصادُمهما أثَرُ ركوبهما، وفِعْلُهما غَيرُ معتبَرٍ، فوَجَبَ إضافةُ القَتْل

(1)

ينظر: المحرر 2/ 136، الفروع 9/ 422.

(2)

في (م): تكون.

(3)

قوله: (له) سقط من (م).

(4)

في (ن): وقاله.

(5)

في (م): فانطلق.

(6)

في (م): أو.

ص: 219

إلى مَنْ أرْكَبَهما، وهو خطأٌ تَحمِلُه عاقِلتُه، وكذا قاله

(1)

في «التَّرغيب» .

والأَشْهرُ: أنَّه يَضمَن ذلك في ماله.

وفي «الوجيز» : عليه ما تَلِفَ بصَدْمَتهما إنْ كان مالاً، وإلاَّ فعلى عاقِلَتِه.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان له وِلايةٌ عَلَيهما؛ أنَّه لا ضَمانَ عليه ولا على عاقِلَتِه؛ لأِنَّه إركابٌ مأذونٌ فيه، فلم يَترتَّبْ عليه ما يَترتَّبُ على المتَعَدِّي.

وقيَّده

(2)

في «الفروع» : بما

(3)

إذا كان فيه مصلحةٌ، وهو ظاهِرٌ.

قال ابن عقيل: ويَثبُتانِ بأنْفُسِهما.

وفي «التَّرغيب» : إنْ صَلَحا للرُّكوب وأرْكَبَهما ما يَصلُحُ لركوبِ مِثْلِهما، وإلاَّ ضَمِنَ.

وإنْ رَكِباهُ بأنفسهما

(4)

فكبالِغينِ مُخطِئَينِ، قال في «الرِّعاية»: وكذا المجنونُ، وإنْ كانا عَبْدَينِ؛ ضَمِنَهما مَنْ أرْكَبَهما.

فرعٌ: يَضمَنُ كبيرٌ صَدَمَ صَغِيرًا، وإنْ مات الكبيرُ ضَمِنَه الذي أركب

(5)

الصَّغيرَ، نَقَلَ حَرْبٌ: إنْ حَمَلَ رجلٌ صبِيًّا على دابَّةٍ فَسَقَطَ؛ ضَمِنَ، إلاَّ أنْ يأمُرَه أهلُه بحمله

(6)

.

(وَإِنْ رَمَى ثَلَاثَةٌ بِمَنْجَنِيقٍ، فَقَتَلَ الْحَجَرُ إِنْسَانًا) رابِعًا؛ (فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ دِيَتِهِ) إنْ لم يَقصِدوه، كذا ذَكَرَه معظمُ الأصْحابِ؛ لأِنَّ العاقِلةَ تَحمِلُ الثُّلُثَ فما زاد، ولا قَوَدَ؛ لعدم

(7)

إمكانِ القَصْد غالِبًا.

(1)

في (م): قال.

(2)

في (م): وقيد.

(3)

في (م): ما.

(4)

قوله: (وفي الترغيب: إن صلحا للركوب

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

في (م): أركبه.

(6)

قوله: (أهله بحمله) في (م): لعله.

(7)

في (م): بعد.

ص: 220

وفي «الفصول» احْتِمالٌ: كرَمْيَةٍ عن قَوسٍ ومِقْلاعٍ وحَجَرٍ عن يدٍ.

ونَقَلَ المرُّوذِيُّ: تَجِبُ الدِّيَةُ في بَيتِ المال، فإنْ تعذَّرَ؛ فعلى عَواقِلِهم

(1)

، وهو قَتْلُ خَطَأٍ.

(وَإِنْ قُتِلَ أَحَدُهُمْ)؛ فعلى كلِّ واحدٍ كفَّارةٌ؛ كما لو شارك في قَتْلِ غَيرِه، (فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ):

(أَحَدُهَا

(2)

: يُلْغَى فِعْلُ نَفْسِه)؛ قياسًا على المتصادِمَينِ، (وَعَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِهِ

(3)

ثُلُثَا الدِّيَةِ)؛ كما لو مات مِنْ جراحتهم وجراحة نفسه، وكما لو شارَك في قَتْلِ بهيمةٍ، ولأِنَّه شارَك في القَتْل، فلم تَكمُل الدِّيَةُ على شَرِكَتِه؛ كما لو قَتَلُوا واحدًا مِنْ غَيرِهم، اقْتَصَر عليه في «المجرَّد» ، وهو أحسنُ وأصحُّ

(4)

في النَّظر، قاله المؤلِّفُ.

ورُوِيَ عن عليٍّ في مسألة القارِصة، والقامِصة

(5)

، والواقِصة، قال الشَّعْبيُّ: «وذلك أنَّ ثلاثَ جَوارٍ اجتمعْنَ

(6)

، فرَكبَتْ إحداهنَّ على عُنُقِ الأخرى، وقَرَصَت الثَّالِثةُ المركوبةَ، فقَمصَت، فَسَقَطَت الرَّاكِبةُ، فَوُقِصَتْ عُنُقُها فماتَتْ، فرُفِعَ ذلك إلى عليٍّ، فَقَضَى بالدِّية أثلاثًا على عَواقِلِهِنَّ، وألْغَى الثُّلثَ الذي قابَلَ فِعْلَ الواقِصةِ؛ لأِنَّها أعانَتْ على قَتْلِ نَفْسِها»

(7)

، وهذه شبيهة بمسألَتِنا.

(1)

في (م): عاقلتهم. ذكرها في الروايتين والوجهين 2/ 278 من رواية يعقوب بن بختان.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب). وفي هامش (ظ): (وهذا هو الصحيح من المذهب).

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي نسخ المقنع الخطية: صاحبيه.

(4)

في (م): وأوضح.

(5)

في (م): العارضة والقامعة.

(6)

في (م): اجتمعت.

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16401)، من طريق مجالد بن سعيد، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه:«أنه قضى في القارصة والقامصة والواقصة بالدية أثلاثًا» ، قال ابن أبي زائدة: وتفسيره: أن ثلاث جوار كنَّ يلعبنَ، وذكر القصة، ومجالد بن سعيد الهمداني ضعيف عند أكثر الأئمة.

وأخرج عبد الرزاق (17872)، عن ابن مجاهد، عن أبيه، قال:«رَكِبَتْ جاريةٌ جاريةً فنخست بها أخرى، فوقعت، فماتت، فضمَّن عليٌ الناخسةَ والمنخوسة» ، وابن مجاهد هو عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر المكي وهو متروك. ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 160.

ص: 221

(وَالثَّانِي: عَلَيْهِمَا كَمَالُ الدِّيَةِ)، قال أبو الخَطَّاب: هذا قِياسُ المذهَبِ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كالمتصادِمَينِ.

(وَالثَّالِثُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ لِوَرَثَتِهِ، وَثُلُثَاهَا عَلَى عَاقِلَةِ الآْخَرَيْنِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهم

(1)

شارَكَ في قتل

(2)

نفسٍ معصومةٍ مُؤْمِنةٍ خطأً، فلَزِمَه دِيَتُها كالأجانب، وهذا يَنبَنِي على أنَّ

(3)

جنايةَ المرء على نفسه أو أهله

(4)

خطأٌ يتحمَّل عَقْلَها العاقلة

(5)

.

(وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ فَالدِّيَةُ

(6)

حَالَّةٌ فِي أَمْوَالِهِمْ)؛ أي: إذا كانوا أربعةً فقَتَلُوا أحدَهم، أوْ غيرَهم؛ فالدية

(7)

عليهم؛ كالخمسة في الأصحِّ؛ لأِنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ ما دُونَ الثُّلث؛ لأِنَّ المقتولَ يُلغي فِعْلُ نفسه، ويكونُ هَدَرًا؛ لأِنَّه لا يجب عليه لنفسه شيءٌ، ويكونُ باقي الدِّيَة في أمْوالهم حالَّةً؛ لأِنَّ التَّأجيلَ في الدِّيات إنَّما يكونُ فيما تَحمِلُه العاقلةُ، وهذا دُونَ الثُّلث، ولكن

(1)

قوله: (منهم) سقط من (م).

(2)

قوله: (قتل) سقط من (م).

(3)

قوله: (أن) سقط من (م).

(4)

في (م): وأهله.

(5)

قوله: (عقلها العاقلة) في (م): عليها.

(6)

في (م): كالدية.

(7)

قوله: (غيرهم فالدية) في (م): غير الدية.

ص: 222

هذا على الثَّاني والثَّالِثِ ظاهِرٌ، وعلى الأوَّل فلا؛ لأِنَّ الرَّمْيَ لو كان من أربعةٍ وجُعِلَ فِعْلُ المقتول هَدَرًا؛ بَقِيَتْ الدِّيَةُ على الثَّلاثة الباقية أثلاثًا.

وعنه: على عَواقِلهم؛ لاتحاد

(1)

فِعْلِهم.

والأصحُّ الأوَّلُ؛ لأِنَّ حَمْلَ العاقلة إنَّما شُرِعَ للتَّخفيف عن الجاني فيما

(2)

يَشُقُّ ويَكثُرُ، وما دُونَ الثُّلث يسيرٌ، وفِعْلُ كلِّ واحِدٍ غَيرُ فِعْلِ الآخَر، وإنَّما مُوجَبُ الجميع واحدٌ، أشْبَهَ ما لو جَرَحَه كلُّ واحدٍ جُرْحًا فاتَت النَّفس بجميعها.

وإذا ثبت هذا؛ فالضَّمانُ يتعلَّقُ بمَن مَدَّ الحبلَ ورَمَى الحَجَرَ، دُونَ مَنْ وَضَعَه في الكفَّة؛ اعتبارًا بالمباشِر؛ كَمَنْ وَضَعَ سَهْمًا في قَوسٍ أوْ قَرَّبه ورَمَى به صاحِبُه.

وقال القاضِي وابنُ عَقِيلٍ: يَتوجَّهُ روايَتا مُمْسِكٍ.

(وَإِنْ

(3)

جَنَى إِنْسَانٌ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ طَرَفِهِ خَطَأً؛ فَلَا دِيَةَ لَهُ)، بل هو هَدرٌ؛ كالعمد

(4)

، وهذا هو الأصحُّ، قال السَّامَرِيُّ: وهو الأَقْيَسُ؛ لِحديثِ عامِرِ بنِ الأكْوَع حين رَجَعَ سَيفُه عليه يومَ خَيبرَ، فماتَ، ولو وَجَبَت عليه؛ لَبيَّنها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم

(5)

؛ ولنقل

(6)

ظاهِرًا.

(وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ، وَدِيَةُ طَرَفِهِ لِنَفْسِهِ)، اختارَها الخِرَقيُّ، وأبو بكرٍ، والقاضي، وذَكَرَ أنَّها أظْهَرُ عنه

(7)

؛

(1)

في (ن): لأن إيجاد.

(2)

في (م): مما.

(3)

في (ظ): وإذا.

(4)

في (م): وكالعمد.

(5)

أخرجه البخاري (4196)، من حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه.

(6)

في (م): ولقتل.

(7)

زيد في (ن): وأصحابه.

ص: 223

لقول عمرَ

(1)

، ولم يعرف

(2)

له مُخالِفٌ في عصره، ولأنَّه

(3)

قتلُ خطأٍ، فكانَتْ دِيَتُه على عاقِلَته؛ كما لو قَتَلَ غَيرَه.

فعليها

(4)

: إنْ كانت الجنايةُ قَتْلاً نَظرْتَ

(5)

، فإنْ كانت العاقِلةُ غَيرَ الورثة؛ وجبت دِيَةُ النَّفس عليهم لورثة الجاني، وإنْ كانوا هم الورثةَ؛ فلا شَيءَ عليهم؛ لأنَّه

(6)

لا يجب على الإنسان شَيءٌ لنفسه، وإنْ كانت الجنايةُ على غير النَّفس؛ وجبت دِيَةُ ذلك على العاقلة للجاني، وإنْ كان بعضُهم وارِثًا؛ سقط عن الورثة ما يُقابِلُ مِيراثَه، ولا يَحمله دُونَ الثُّلث في الأصحِّ، قاله في «التَّرغيب». ونقل حَرْبٌ: مَنْ قَتَلَ نفسَه لا يُودَى من بيت المال

(7)

.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (27704)، من طريق ليث، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: كان رجل يسوق حمارًا وكان راكبًا عليه، فضربه بعصًا معه، فطارت منها شظية، فأصابت عينه، ففقأها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، فقال:«هي يد من أيدي المسلمين، لم يصبها اعتداء على أحد، فجعل دية عينه على عاقلته» ، وليث هو ابن أبي سليم وهو ضعيف، وأخرجه عبد الزراق (17837)، من طريق عطاء قال: كتب عمرو بن العاص إلى عمر فذكره نحوه. وعطاء لم يسمع من عمر ولا عمرو بن العاص.

وأخرجه عبد الرزاق (17826)، عن معمر، عن الزهري وقتادة، في الرجل يصيب نفسه، قالا عن عمر:«يد من أيدي المسلمين» ، وأخرجه أيضًا (17827)، عن معمر، عن قتادة:«أن رجلاً فقأ عين نفسه، خطأ فقضى له عمر بديتها على عاقلته» ، وذكره ابن عبد البر وابن حزم. ينظر: الاستذكار 8/ 129، المحلى 11/ 275.

(2)

في (م): ولم نعرف.

(3)

في (م): لأنه.

(4)

في (م) و (ن): فعلها.

(5)

قوله: (نظرت) سقط من (ن).

(6)

في (ن): ولأنه.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 461، الروايتين والوجهين 2/ 289.

ص: 224

والأوَّلُ أصحُّ في القياس، ويُفارِقُ ما

(1)

إذا كانت الجناية

(2)

على غيره، فإنَّه لو لم تَحمِلْه العاقلةُ لَأجْحَفَ به وجوبُ الدِّيَة؛ لكثرتها.

فرعٌ: إذا كانت الجنايةُ على نفسه شِبْهَ عَمْدٍ؛ فوَجْهانِ.

(وَإِنْ نَزَلَ رَجُلٌ بِئْرًا فَخَرَّ عَلَيْهِ آخَرُ، فَمَاتَ الْأَوَّلُ مِنْ سَقْطَتِه؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ)؛ أي: لأِنَّ الأوَّلَ مات من سَقْطَتِه، فيكُونُ هو قاتِلَه، فَوَجَبَت الدِّيَةُ على عاقِلَتِه؛ كما لو باشره بالقَتْل خطأً.

وإنْ كان رَمَى بنفسه عليه عمْدًا، وهو ممَّا يَقتُلُ غالِبًا؛ فعليه القِصاصُ، وإلاَّ فهو شِبْهُ عمد.

(وَإِنْ سَقَطَ ثَالِثٌ، فَمَاتَ الثَّانِي بِهِ؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَتُهُ)؛ لأِنَّه تَلِفَ مِنْ سَقْطَته.

فإنْ مات الثَّاني بوقوعه على الأوَّل؛ فدَمُه هَدرٌ؛ لأِنَّه مات بفِعْلِه، وقد رَوَى عليُّ بن رباحٍ اللَّخمي: أنَّ رجلاً كان يَقُودُ أعمى، فَوَقَعا في بئرٍ، وقع الأعمى فوقَ البصير فقَتَلَه، فقضى عمرُ بعَقْل البصير على الأعمى، فكان الأعمى يُنشِدُ في الموسم

(3)

في خلافةِ عمرَ:

يا

(4)

أيها النَّاسُ رأيتُ

(5)

مُنكَرَا

هل يَعقِلُ الأعمى الصَّحيحَ المبصِرا

خَرَّا معًا كلاهما

(6)

تكسَّرَا

(7)

(1)

قوله: (ما) سقط من (ن).

(2)

قوله: (على غير النفس وجبت دية ذلك

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (ن): في الموسم ينشد.

(4)

قوله: (يا) سقط من (م).

(5)

في (م): لقيت.

(6)

في (م): لكن هما.

(7)

في (ن): مكسرا.

ص: 225

رواه الدَّارَقُطْنيُّ

(1)

، وقاله الزبير

(2)

، وشُرَيحٌ، والنَّخَعِيُّ.

قال

(3)

في «المغني» : لو قال قائلٌ: لَيسَ على الأعمى ضَمانُ البصير؛ لأِنَّه الذي قاده إلى المكان الذي

(4)

وقعا فيه

(5)

، وكان سببَ وقوعه عليه، ولذلك

(6)

لو فعله قصدًا؛ لم يَضمَنْه بغير خلافٍ

(7)

، وكان عليه ضمانُ الأعمى، إلاَّ أنْ يكونَ مُجمَعًا عليه

(8)

.

(وَإِنْ كَانَ الأَوَّلُ جَذَبَ الثَّانِيَ، وَجَذَبَ الثَّانِي الثَّالِثَ؛ فَلَا شَيْءَ عَلَى الثَّالِثِ)؛ لأِنَّه لا فِعْلَ له، (وَدِيَتُهُ عَلَى الثَّانِي فِي أَحَدِ الوَجْهَيْنِ)، وهو المذهب

(9)

، قدَّمه في «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه هو جَذَبهُ وباشَرَه بذلك، والمباشَرةُ تَقطَعُ حكمَ المتسبِّب؛ كالحافر مع الدَّافع.

(وَفِي) الوجه (الثَّانِي: عَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّ الأوَّل جَذَبَ الثَّانيَ الجالِب

(10)

للثَّالث، فصار مُشارِكًا للثَّاني في إتْلافِه.

وقِيلَ: بل عَلَيهِما ثُلُثاها، وبقيَّتُها تُقاِبل

(11)

جَذْبَتَه؛ فتَسقُطُ، أو

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (27878)، والدارقطني (3154)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16402)، ورجاله ثقات لكنه منقطع، علي بن رباح اللخمي لم يدرك عمر. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 102.

(2)

قوله: (وقاله الزبير) سقط من (م). وفي المغني 8/ 421، والشرح الكبير 25/ 341: ابن الزبير. ولم نقف على من رواه مسندًا.

(3)

في (ن): وقال.

(4)

قوله: (الذي) مكانه بياض في (م).

(5)

في (م): به.

(6)

في (ن): وكذلك. وقوله: (عليه ولذلك) في (م): وليس.

(7)

ينظر: المغني 8/ 421.

(8)

زيد في (م): وإن مات الأول من سقطته فديته على عاقلتهما.

(9)

قوله: (وهو المذهب) سقط من (ظ) و (ن).

(10)

قوله: (الجالب) مكانه بياض في (م).

(11)

في (م): يقابل.

ص: 226

تجب

(1)

على عاقِلَتِه.

وقِيلَ: دَمُه كلُّه هَدرٌ، اختاره في «المحرَّر» .

(وَدِيَةُ الثَّانِي عَلَى الْأَوَّلِ)؛ لأِنَّه هَلَكَ بجَذْبَتِه.

وقدَّم في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّها على الأوَّل والثَّالث لمشارَكته إيَّاه.

وقيل: بل عَلَيهما ثُلثاها، والباقي يُقابِل نفسه، وفيه الوجْهانِ.

قال المجْدُ: وعِنْدي لا شَيءَ منها على الأوَّل

(2)

، بل على الثَّالث كلُّها، أوْ نِصفُها، والباقي يُقابِلُ فِعْلَ نفسه.

وقال بعضُ أصحابنا: يَجِبُ على الأوَّل نصفُ دِيَتِه، ويُهدَرُ نِصفُها في مُقابَلةِ فِعْلِ نفسه.

ويتخرَّج وجهٌ، وهو: وُجوب نصفِ دِيَته على عاقِلَتِه لِوَرثَته، كما إذا رمى ثلاثةٌ بمنجنيقٍ فقَتَلَ الحَجَرُ أحدَهم.

وإنْ كان الثَّالِثُ جذَبَ رابِعًا؛ فدِيَتُه على الثَّالث فقطْ، وقِيلَ: على الثَّلاثة.

فرعٌ: إذا

(3)

لم يَسقُطْ بعضُهم على بعضٍ، بل ماتوا بسقوطهم، وفي «المغني»: أو وَقَعَ وشكَّ

(4)

في تأثيره، أو قَتَلهم

(5)

في الحفرة

(6)

أسدٌ

(7)

، ولم يَتجاذَبُوا؛ فدِماؤهم مُهدَرَةٌ.

(1)

في (م): فيسقط وتجب.

(2)

قوله: (والثالث لمشاركته إياه

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (ظ): وإذا.

(4)

في (م): شك.

(5)

قوله: (أو قتلهم) سقط من (م).

(6)

في (م) الحضرة.

(7)

في (م) و (ن): أشد.

ص: 227

(وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هَلَكَ مِنْ وَقْعَةِ

(1)

الثَّالِثِ؛ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ ضَمَانُهُ عَلَى الثَّانِي)؛ لأِنَّ هلاكَه حَصَلَ بجَذْبه وجَذْب الثَّاني، وفِعْلُه مُلْغًى؛ كالمتصادِمَينِ، وهو المذهب

(2)

، فتعيَّنَ إضافةُ التَّلَف إلى الثَّاني.

(وَاحْتَمَلَ: أَنْ يَكُونَ نِصْفُهَا عَلَى الثَّانِي)؛ لأِنَّ الهلاكَ حصَلَ بفِعْلِه وفِعْلِ غَيرِه، (وَفِي نِصْفِهَا الآْخَرِ وَجْهَانِ)؛ لأِنَّه مُتسبِّبٌ على جِنايَتِه على نفسه، وفي جناية الإنسان على نفسه الرِّوايَتانِ.

(وَإِنْ خَرَّ رَجُلٌ فِي زُبْيَةِ

(3)

أَسَدٍ، فَجَذَبَ آخَرَ، وَجَذَبَ الثَّانِي ثَالِثًا، وَجَذَبَ الثَّالِثُ رَابِعًا، فَقَتَلَهُمُ الْأَسَدُ؛ فَالقِيَاسُ) وهو المذهب

(4)

: (أَنَّ دَمَ الْأَوَّلِ هَدَرٌ)، ذَكَرَه في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» و «الفروع» ؛ لأِنَّه لا صُنْعَ لأِحَدٍ في إلْقائه، (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ الثَّانِي)؛ لأِنَّه تسبَّب في قَتْلِه، (وَعَلَى

(5)

عَاقِلَةِ الثَّانِي دِيَةُ الثَّالِثِ)؛ لِمَا ذَكرْنا، (وَعَلَى عَاقِلَةِ الثَّالِثِ دِيَةُ الرَّابِعِ) كذلك، ولا شَيءَ على الرَّابع؛ لأِنَّه لم يَفعَل شَيئًا.

(وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ: أَنَّ دِيَةَ الثَّالِثِ عَلَى عَاقِلَةِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي نِصْفَيْنِ)؛ لأِنَّ جَذْبَ الأوَّل للثاني

(6)

سببٌ في جَذْبِ الثَّالث؛ كما لو قتلاه

(7)

خطأً، (وَدِيَةَ الرَّابِعِ عَلَى عَاقِلَةِ الثَّلَاثَةِ أَثْلَاثًا)؛ لأِنَّ جَذْبَ الثَّلاثة سببُ إتْلافه.

(1)

في (م): دفعة.

(2)

قوله: (وهو المذهب) سقط من (ظ) و (ن).

(3)

قال في المطلع ص 435: (الزبية، بوزن غرفة: الرابية لا يعلوها الماء، وحفرة تحفر للأسد شبه البئر؛ سميت بذلك لكونها تحفر في مكان عال، وحفرة تحفرها النمل في مكان عالٍ).

(4)

قوله: (وهو المذهب) سقط من (ظ) و (ن).

(5)

قوله: (وعلى) في (ظ): وهل على.

(6)

في (م): الثاني للأول.

(7)

قوله: (لو قتلاه) في (م): وقتلاه.

ص: 228

وكذا لو تدافع

(1)

وتزاحَمَ عِنْدَ الحُفْرة

(2)

جماعةٌ، فَسَقَطَ منهم أربعةُ مُتجاذِبِينَ، وتُسمَّى هذه المسألةُ: مسألة

(3)

الزُّبْيَةِ

(4)

.

(وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّهُ قَضَى لِلْأَوَّلِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ، وَلِلثَّانِي بِثُلُثِهَا، وَلِلثَّالِثِ بِنِصْفِهَا، وَلِلرَّابِعِ بِكَمَالِهَا عَلَى مَنْ حَضَرَهُمْ)، رَوَى حَنَش

(5)

الصَّنْعانيُّ: أنَّ قَومًا من أهل اليمن حفروا زُبْيةً للأسد، فاجْتَمَعَ النَّاسُ على رأسها، فَهَوَى فيها واحدٌ، فَجَذَبَ ثانيًا، وجَذَبَ الثَّاني ثالِثًا، وجَذَبَ الثَّالِثُ رابعًا، فَقَتَلَهم الأسدُ، فرُفِع

(6)

ذلك إلى عليٍّ رضي الله عنه، فَقَضَى فيها بما ذُكِر

(7)

، وقال: «فإنِّي أجعل

(8)

الدِّيَةَ على مَنْ حَضَرَ رأسَ البئر»، (ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ

(9)

إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَجَازَ قَضَاءَهُ)، رواه

(10)

سعيدُ بنُ منصورٍ، حدثنا أبو عَوانَةَ وأبو الأحْوَص، عن سماك بن حربٍ، عن حنش

(11)

نحوِ هذا المعنى، ورواه

(12)

أحمدُ أيضًا

(13)

، (فَذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ تَوْقِيفًا)، وفي روايةٍ لأِحمدَ: «وجَعَلَ الدِّيَة على

(1)

في (م): تدافعا.

(2)

في (م): الحفر.

(3)

في (م) و (ن): بمسألة.

(4)

في (م): الزريبة.

(5)

في (ظ): خنس. (م): فروي عن.

(6)

في (م): نرفع.

(7)

في (ن): ذكرنا.

(8)

في (م): فأدنى جعل.

(9)

قوله: (ذلك) سقط من (م) و (ن).

(10)

في (ن): روى.

(11)

في (ن): حبس.

(12)

في (م): وروى.

(13)

أخرجه الطيالسي (116)، وأحمد (573)، والبيهقي في الكبرى (16397)، وغيرهم من طريق سماك بن حرب، عن حنش بن المعتمر، حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فذكره، ومداره على حنش بن المعتمر الكوفي، وثقه أبو داود، وقال البخاري:(يتكلمون فيه)، وقال النسائي:(ليس بالقوي)، قال ابن حجر:(صدوق له أوهام ومراسيل)، وحديثه هذا من أوهامه، قال البزار:(حدث عنه سماك بحديث منكر)، قال الذهبي:(وأورد له البخاري في الضعفاء هذا الحديث)، والحديث ليس في المطبوع من سنن سعيد بن منصور. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 619، تهذيب التهذيب 3/ 58.

ص: 229

قبائلِ

(1)

الذين

(2)

ازْدَحَموا»؛ أي: على عَواقِلِهم، وهو ظاهِرٌ في الثُّلث والنِّصف، وأمَّا الرُّبع فلا يتوجَّه حمْلُ العاقِلَة لها.

لكِنْ ذَكَرَ بعضُ أهلِ العلم: أنَّ هذا الحديثَ لا يُثبِتُه أهلُ النَّقل، وأنَّه ضعيفٌ، والقِياسُ ما قُلْناهُ، فلا يُنقَلُ عنه إلى ما لا يُدْرَى ثبوتُه ولا معناه، قاله في «المغني» و «الشَّرح» .

تنبيهٌ: نقل

(3)

جماعةٌ: أنَّ ستَّةً تغاطوا

(4)

في الفرات

(5)

، فمات واحِدٌ، فرُفِعَ إلى عليٍّ، فشَهِدَ رجُلانِ على ثلاثةٍ، وثلاثةٌ على اثْنَينِ؛ فَقَضَى بخُمُسَيْ الدِّيَة على الثَّلاثة، وثَلاثةُ أخْماسِ الدِّيَة على الاِثْنَينِ، ذَكَرَه الخَلاَّلُ وصاحِبُه

(6)

.

وذَكرَ ابنُ عَقِيلٍ: إنْ نامَ على سطحه، فهَوَى سَقْفُه مِنْ تحتِه على قومٍ؛ لَزِمَه المُكْثُ، كما قاله المحقِّقونَ فِيمَن أُلْقِيَ في مَركَبِه نارٌ، ولا يَضمَنُ ما

(1)

في (م): عاقلة.

(2)

في (ظ) و (ن): الذي.

(3)

في (م): نقله.

(4)

قوله: (تغاطوا) سقط من (م).

(5)

في (ن): الفوات.

(6)

أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله (1578)، عن إبراهيم به، وإبراهيم عن علي منقطع، لكن أخرجه الشافعي في الأم (7/ 186)، وابن أبي شيبة (27873)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (8/ 513)، من طريق عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن عامر، عن مسروق:«أن ستة غلمة ذهبوا يسبحون، فغرق أحدهم، فشهد ثلاثة على اثنين أنهما غرقاه، وشهد اثنان على ثلاثة أنهم غرقوه، فقضى على الثلاثة خمسي الدية، وعلى الاثنين ثلاثة أخماس الدية» ، وإسناده صحيح.

ص: 230

تَلِفَ بسُقوطه؛ لأِنَّه مُلجَأٌ لم يَتَسبَّبْ، وإنْ تَلِفَ شَيءٌ بدوامِ مُكْثِه، أوْ بانتقاله

(1)

؛ ضَمِنَه.

واختار في التَّائب العاجز عن مُفارَقةِ المعصية في الحال، أو العاجِزِ عن إزالةِ أَثَرِها؛ كمُتوسِّطِ المكان المغصوب، ومتوسِّط

(2)

الجرحى

(3)

: تصحُّ تَوبَتُه مع العزم والنَّدم

(4)

، وأنَّه ليس عاصِيًا بخروجه من الغَصْب.

(وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى طَعَامِ إِنْسَانٍ، أَوْ شَرَابِهِ، وَلَيْسَ بِهِ مِثْلُ ضَرُورَتِهِ، فَمَنَعَهُ حَتَّى مَاتَ؛ ضَمِنَهُ، نَصَّ عَلَيْهِ)؛ لِمَا رُوِي: أنَّ رجلاً أتى أهلَ أبْياتٍ فاسْتَسْقاهم، فلم يَسْقُوه حتَّى مات، فأغْرَمَهم عمرُ رضي الله عنه الدِّيَةَ

(5)

، حكاه أحمدُ في رِوايةِ ابنِ مَنصورٍ، وقال:(أَقُولُ به)

(6)

، قال القاضي وأبو الخَطَّاب في «رؤوس مسائله»: ولم يُعرَفْ له مُخالِفٌ، ولأِنَّه تسبَّبَ إلى هلاكه بمَنْعِه ما يَسْتَحِقُّه، فضَمِنَه، كما لو مَنَعَه طعامَه حتَّى هلك

(7)

، وكأخْذِه ذلك لغيره وهو عاجِزٌ، فيَتلَفُ، أوْ دابَّتُه.

وظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ على مانِعِ الطَّعامِ؛ لأِنَّه تعمَّدَ الفِعْل الذي يَقتُلُ مِثْلُه غالِبًا.

(1)

في (ن): وانتقاله.

(2)

في (م) و (ن): ويتوسط.

(3)

في (م): الخرقي.

(4)

قوله: (والندم) سقط من (م).

(5)

أخرجه يحيى بن آدم في الخراج (352)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (11851)، عن حماد بن زيد، عن يونس بن عبيد وهشام بن حسان، عن الحسن مرسلاً. وأخرجه عبد الرزاق (18318)، وابن أبي شيبة (27899)، من طرق عن الحسن أيضًا، والحسن لم يسمع من عمر رضي الله عنه.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3600.

(7)

قوله: (بمنعه ما يستحقه فضمنه، كما لو منعه طعامه حتى هلك) سقط من (م).

ص: 231

وقال القاضي: هو على عاقِلَته؛ لأِنَّه قَتْلٌ لا يُوجِبُ القِصاصَ، فيكُونُ شِبْهَ عَمْدٍ.

وشَرْطُه: الطَّلب

(1)

مِنْ مالِكه، صرَّح به في «الفروع» وغيرُه، فعلى

(2)

هذا: إنْ لم

(3)

يَطلُبْه فلا ضَمانَ عليه؛ لأِنَّه لم يَتَسَبَّبْ إلى هَلاكِه.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان به مِثْلُ ضَرورَتِه، فطَلَبَ منه، فمَنَعَه فمات؛ لم يَضمَنْه؛ لأِنَّه لا يَجِبُ عليه بَذْلُ طعامه

(4)

في هذا الحالِ.

ومِثْلُ الأول

(5)

: لو أخَذَ منه تُرْسًا يَدفَعُ به عن نفسه ضَرْبًا، ذَكَرَه في «الاِنْتِصار» .

(وَخَرَّجَ عَلَيْهِ أَبُو الْخَطَّابِ)، وحكاه في

(6)

«المستوعب» عن الأصْحاب: (كُلَّ مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْجَاءُ إِنْسَانٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ، فَلَمْ يَفْعَلْ) حتَّى هَلَكَ؛ أنَّه يَلزَمُه دِيَتُه؛ لاِشْتِراكهما في القُدْرة على سَلامَتِه، وخَلاصِه من الموت، قال في «الفروع»: وخرَّج

(7)

الأصْحابُ ضَمانَه على المسألة الأُولى، فدلَّ أنَّه مع الطَّلَب.

وفرَّقَ المؤلِّفُ فقال: (وَلَيْسَ ذَلِكَ مِثْلَهُ)؛ لأِنَّه هنا لم يَتَسَبَّبْ إلى هلاكه، فلم يَضمَنْه

(8)

، بخِلافِ التي قَبْلَها، فلا يَصِحُّ القِياسُ، فَدَلَّ أنَّ كلامهم

(9)

عِنْدَه: ولو لم يَطْلُبْه، فإنْ كان مُرادَهم؛ فالفَرْقُ ظاهِرٌ.

(1)

قوله: (الطلب) سقط من (م).

(2)

في (ن): نقل.

(3)

في (م): علم.

(4)

في (م): الطعام.

(5)

في (م): الأولى.

(6)

قوله: (في) مكانه بياض في (م).

(7)

في (ن): وصرح. والمثبت موافق للفروع.

(8)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(9)

في (م) و (ن): كلًّا منهم. والمثبت موافق لما في الفروع 9/ 432، والإنصاف 25/ 354.

ص: 232

نَقَلَ محمَّدُ بنُ يحيى فِيمَنْ مات

(1)

فَرَسُه في غَزاةٍ: لم يَلزَمْ مَنْ معه فَضْلُ حَمْله، نَقَلَ أبو طالِبٍ: يُذكِّرُ النَّاسَ، فإنْ حَمَلوه وإلاَّ مَضَى معهم

(2)

.

(وَمَنْ أَفْزَعَ إِنْسَانًا)، أوْ ضَرَبَه، (فَأَحْدَثَ بِغَائِطٍ؛ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ دِيَتِهِ)، قَضَى بذلك عثمانُ

(3)

، قال أحمدُ: لا أعْلَمُ شَيئًا يَدفَعُه

(4)

، وهو قَولُ إسْحاقَ؛ لأِنَّه فِعْلٌ تعدَّى فيه، اقْتَضَى خُروجَ الحَدَثِ، فتعلَّق به

(5)

الضَّمانُ؛ كما لو اسْتَكْرَه امرأةً فأفْضاها، فاسْتَطْلَقَ الحَدَثُ، قال ابنُ عَقِيلٍ: إنَّما ذهب

(6)

إلى قَضِيَّةِ عُثْمانَ بذلك، ولم يُخالِفْه أحدٌ، فدلَّ على

(7)

التَّوقِيف؛ لأِنَّه لا يَقتَضِيهِ القِياسُ.

وظاهِرُه: أنَّه إذا أحْدَثَ بغَيرِ الغائط لا شَيءَ فيه، والمذهَبُ أنَّ البول

(8)

كذلك، وصرَّح بهما، وزاد القاضي: والرِّيح، وفرَّق في «الشَّرح» بَينَ الرِّيح

(1)

في (م): ماتت.

(2)

ينظر: الفروع 9/ 432.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18244)، عن الثوري، عن يحيى بن سعيد، عن ابن المسيب، أن عثمان رضي الله عنه:«قضى في الذي يضرب حتى يحدث بثلث الدية» قال سفيان: وليس على العاقلة، وإسناده صحيح.

وأخرجه عبد الرزاق (18245)، عن عبد الرحمن بن حرملة، وابن أبي شيبة (27656)، وابن حزم من طريقه في المحلى (11/ 94) عن يحيى بن سعيد الأنصاري: أن رجلاً ضرب رجلاً حتى سلح، فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز، فأرسل عمر إلى ابن المسيب يسأله عن ذلك، هل كان في هذا سنة ماضية؟ فقال ابن المسيب:«أَخبِرْه أن ذلك قد كان في زمان عثمان فأغرمه عثمان أربعين قلوصًا» ، وإسناده صحيح. ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 165.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3376.

(5)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(6)

في (م): أذهب.

(7)

قوله: (على) سقط من (م).

(8)

في (م): القود.

ص: 233

وغيره

(1)

، فإنَّهما أفْحَشُ منه.

(وَعَنْهُ

(2)

: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» وغيرِه، وهو قَولُ أكثرِ العلماء؛ لأنَّ

(3)

الدِّيَةَ تَجِبُ لِإزالةِ منفعةٍ أوْ عُضْوٍ أوْ آلةِ جَمَالٍ، ولَيسَ هنا شَيءٌ مِنْ ذلك، قال في «الشرح»: وهذا هو القِياسُ.

والمرادُ ما لم يَدُمْ، قال ابنُ عَقِيلٍ وغَيرُه: إنْ دامَ فثُلُثُ دِيَةٍ.

فرعٌ: إذا وَطِئَ أجْنَبيَّةً كبيرةً مُطاوِعةً ولا شُبْهةَ، أو امْرأتَه ومِثْلُها توطأ

(4)

لِمِثْلِه، فأفضاها

(5)

بَينَ مَخرَجِ البَول والمنيِّ، أوْ بَينَ السَّبيلَينِ؛ فهَدرٌ؛ لِعَدَمِ تصوُّرِ الزِّيادة، وهو حقٌّ له؛ أي: له

(6)

طَلَبُهُ عِنْدَ الحاكِمِ، بخِلافِ أجِيرٍ مُشتَرَكٍ.

(1)

قوله: (وغيره) سقط من (ن).

(2)

في (م): وعليه.

(3)

في (م): لأنه.

(4)

في (م): يوطأ.

(5)

في (م): فأفضى ما.

(6)

قوله: (له) سقط من (ن).

ص: 234

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ أَدَّبَ وَلَدَهُ، أَوِ امْرَأَتَهُ فِي النُّشُوزِ، أَوِ الْمُعَلِّمُ صَبِيَّهُ، أَوِ السُّلْطَانُ رَعِيَّتَهُ، وَلَمْ يُسْرِفْ)؛ أي: فَوقَ الضَّرْب المُعْتادِ، (فَأَفْضَى إِلَى تَلَفِهِ

(1)

؛ لَمْ يَضْمَنْهُ)؛ لأِنَّه أَدَبٌ مأذون

(2)

فيه شَرْعًا، فلم يَضمَنْ ما تَلِفَ به؛ كالحدِّ.

فعلى هذا: إنْ أسْرَفَ، أوْ زاد على المقصود، أوْ ضَرَبَ مَنْ لا عَقْلَ له مِنْ صبِيٍّ وغَيرِه؛ ضَمِنَ.

(وَيَتَخَرَّجُ

(3)

: وُجُوبُ الضَّمَانِ)، وهو قَولٌ في المذهب، قال ابنُ حَمْدانَ: ولا يَسقُطُ بإذِنْ أبيه، وهل يَسقُطُ بإذْنِ سيِّده؟ على وَجْهَينِ.

وقِيلَ: إنْ أدَّبَ وَلَدَه فَقَلَعَ عَينَه؛ فَفِي ضَمانِها وَجْهانِ.

(عَلَى مَا قَالَهُ)؛ أي: الإمامُ أحمدُ

(4)

(فِيمَا إِذَا أَرْسَلَ السُّلْطَانُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيُحْضِرَهَا، فَأَجْهَضَتْ)، قال أهلُ اللُّغة

(5)

: أجْهَضَتِ النَّاقةُ: ألْقَتْ ولدَها قَبْلَ تمامِه، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ الإجْهاضُ في غير

(6)

النَّاقة، (جَنِينًا

(7)

، أَوْ مَاتَتْ؛ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ).

أمَّا ضمانُ الجَنِينِ: فلِمَا رُوِيَ: أنَّ

(8)

عمرَ بَعَثَ إلى امرأةٍ مُغِيبَةٍ

(9)

كان

(1)

قوله: (إلى تلفه) في (م): أي: أتلفه.

(2)

في (م): كمأذون.

(3)

في (م): ويخرج.

(4)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 342.

(5)

ينظر: الصحاح 3/ 1069، المطلع ص 444.

(6)

قوله (غير) سقط من (م).

(7)

في (م): حملها.

(8)

قوله: (فلما روي أن) في (م): فيما روى ابن.

(9)

في (م): مغيب.

ص: 235

يُدخَلُ عليها، فقالت: يا وَيْلَها ما لَها ولِعُمَرَ؟! فبينا

(1)

هي في الطَّريق إذ فَزِعَتْ، فَضَرَبَها الطَّلْقُ، فألْقَت وَلَدًا، فصاح الصَّبِيُّ صَيحتَينِ، ثُمَّ مات، فاسْتَشارَ عمرُ الصَّحابةَ، فأشار بعضُهم أنْ لَيسَ عَلَيكَ شَيءٌ، إنَّما أنتَ والٍ ومُؤدِّبٌ، وصَمَتَ عليٌّ، فأقْبَلَ عليه عمرُ، فقال: ما تَقولُ يا أبا الحَسَن؟ فقال: «إنْ كانوا قالوا برأْيِهم، فقد أخطأ رأيُهم

(2)

، وإن كانوا قالوا في هَواكَ، فلم يَنصَحُوا لك، إنَّ دِيَتَه عَلَيكَ؛ لأِنَّك أفْزَعْتَها فألْقَتْه»، فقال عمرُ:«أقْسَمْتُ عَلَيكَ ألاَّ تَبرَحَ حتَّى تَقسِمَها على قَومِكَ»

(3)

.

وأمَّا المرأةُ: فلأِنَّها نفْسٌ هَلَكَتْ بإرسال السُّلطان إليها، فضَمِنَها كجنينها، أوْ نَفْسٌ هلَكَتْ بسببه، فَوَجَبَ أنْ تُضمَنَ

(4)

؛ كما لو ضَرَبَها فماتَتْ.

وقِيلَ: هَدرٌ؛ لأِنَّه لَيسَ بسببٍ عادةً

(5)

.

وجوابُه: بأنَّه سببٌ عادي

(6)

، بخِلافِ الضَّرْبة والضَّربتَينِ، فإنَّه لَيسَ سببًا

(7)

للهلاك في العادة.

تنبيهٌ: إذا أدَّب حامِلاً، فأسْقَطَتْ جنينًا

(8)

؛ ضَمِنَ، وكذا إنْ شَرِبَت

(1)

في (م): فبينما.

(2)

قوله: (أخطأ رأيهم) في (م): أخطؤوا.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18010)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (11/ 227)، عن معمر، عن مطر الوراق وغيره، عن الحسن، عن عمر، وأخرجه البيهقي في الكبرى (11673)، من وجه آخر عن الحسن أيضًا، قال ابن حجر:(وهذا منقطع بين الحسن وعمر).

وأخرجه عبد الرزاق (18011)، مختصرًا عن ابن جريج قال: سمعت الأعمش «يحدث بمشورة عليٍّ عليه وإسقاطها وأمره إياه، أن يضرب الدية على قريش» . ينظر: التلخيص الحبير 4/ 102، التكميل ص 162.

(4)

في (ن): يضمن.

(5)

في (م): عاد.

(6)

قوله: (وجوابه بأنَّه سبب عادي) سقط من (م).

(7)

في (م): شيئًا.

(8)

في (ن): جنينها.

ص: 236

الحامِلُ دواءً لمرضٍ فأسْقَطَته.

فأمَّا إنْ طَلَب السُّلْطانُ امرأةً لكَشْفِ حقِّ الله

(1)

مِنْ حَدٍّ أوْ تعزيرٍ، أوِ استعدى

(2)

عليها رجل بالشُّرطة في دَعْوى له، فأسْقَطَتْ؛ ضَمِنَه السُّلْطانُ في الأُولَى، والمسْتَعْدِي في الثَّانية، نَصَّ عليهما

(3)

؛ كقَطْعٍ لم يَأذَنْ سيِّدٌ فيها، وإنْ ماتَتْ فَزَعًا؛ فَوجْهانِ.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : إنِ اسْتَعْدَى إنسانٌ على امرأةٍ، فألْقَتْ جنينَها، أوْ ماتَتْ فَزَعًا؛ فَعَلَى عاقِلةِ المسْتَعْدِي الضَّمان إن

(4)

كان ظالِمًا لها، وإنْ كانَتْ هي الظَّالِمةَ، فأحْضَرَها عِنْدَ الحاكم؛ فيَنبَغِي ألاَّ يَضمَنَها.

وإنْ زَنَى بامرأةٍ مُكرَهةٍ فأحْبَلَها، وماتَتْ مِنْ الولادة؛ ضَمِنَها؛ لأِنَّها تَلِفَتْ بسببِ تَعَدِّيهِ.

فائدةٌ: قال في «الفنون» : إنْ شمَّتْ حامِلٌ رِيحَ طَبِيخٍ، فاضْطَرَبَ جنينُها فماتَتْ، أوْ مات

(5)

، فقال حنبليٌّ وشافِعِيَّانِ: إنْ لم يَعلَمُوا بها؛ فلا إثْمَ ولا ضَمانَ، وإنْ عَلِمُوا، وكان عادةً مستمرَّةً الرَّائحةُ تَقتُلُ؛ احْتَمَلَ الضَّمانَ؛ للإضْرار، واحتمل: لا

(6)

؛ لعدَمِ تضرُّرِ بعضِ النِّساء، وكَرِيحِ

(7)

الدُّخان يتضرَّرُ

(8)

بها صاحِبُ السُّعال وضِيقِ نَفَسٍ، قال في «الفروع»: والفَرْقُ واضِحٌ.

(1)

في (ظ): لله.

(2)

في (م): وتعزير واستعدى.

(3)

ينظر: المحرر 2/ 138.

(4)

في (م): إذا.

(5)

في (م): فمات أو ماتت.

(6)

قوله: (لا) سقط من (م). وفي (ن): أن لا.

(7)

في (م): والريح.

(8)

في (م): ويتضرر.

ص: 237

(وَإِنْ سَلَّمَ وَلَدَهُ

(1)

إِلَى السَّابِحِ) الحاذِقِ (لِيُعَلِّمَهُ، فَغَرِقَ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ) في الأصحِّ، قال القاضي: هو قياسُ المذهَبِ؛ لأنَّه

(2)

فَعَل ما جرَت العادةُ به لمصلحته؛ كضَرْبِ المعلِّم الصَّبِيَّ الضَّرْبَ المعتادَ، وكذا لو سَلَّمَ بالِغٌ عاقلٌ

(3)

نفسَه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَضْمَنَهُ الْعَاقِلَةُ)، قدَّمه في «الشَّرح» وغيرُه؛ لأِنَّه سلَّمَه

(4)

إليه ليَحتاطَ في حِفْظه، فإذا

(5)

غَرِقَ؛ فقد نُسِبَ إلى التَّفريط في حِفْظه.

فرعٌ: إذا قال له: سَبِّحْ عَبْدِي هذا، فسبَّحَه، ثُمَّ رَقَّاهُ، ثُمَّ عاد وحدَه فسبَحَ

(6)

، فغَرِقَ فهَدرٌ.

وإنِ اسْتُؤجِرَ ليُسبِّحه

(7)

ويعلِّمه، ومِثلُه لا يَغرَقُ غالِبًا، وإنِ اسْتُؤْجِرَ لحِفْظه

(8)

؛ ضَمِنَه إن غفل

(9)

عنه، أوْ لم يَشُدَّ ما يُسبِّحُه عليه شدًّا جيِّدًا، أوْ جَعَلَه في ماءٍ كثيرٍ جارٍّ، أوْ واقف

(10)

لا يَحمِلُه، أوْ عميقٍ معروفٍ بالغَرَق، قاله

(11)

في «الرِّعاية» .

(وَإِنْ أَمَرَ عَاقِلاً يَنْزِلُ بِئْرًا، أَوْ يَصْعَدُ شَجَرَةً، فَهَلَكَ بِذَلِكَ؛ لَمْ يَضْمَنْهُ)؛

(1)

قوله: (ولده) مكانه بياض في (م).

(2)

في (م): أنه.

(3)

في (ن): عاقل بالغ.

(4)

في (م): لو سلَّم.

(5)

في (م): وإذا.

(6)

في (ظ): يسبح.

(7)

في (م): يسبحه.

(8)

قوله: (وإنِ اسْتُؤْجِرَ لحِفْظه) كذا في النسخ الخطية، وهي غير موجودة في كشاف القناع مع أنه نقل الفرع كاملاً.

(9)

في (ن): عقل.

(10)

قوله: (جار أو واقف) في (م): جازا ودافق.

(11)

في (م): قال.

ص: 238

لأِنَّه لم يَجْنِ ولم يَتعَدَّ، أشْبَه ما لو أذِنَ له ولم يأمُرْه، وكاسْتِئْجاره، قَبَّضَه

(1)

الأجرةَ أو لا.

(إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الآْمِرُ السُّلْطَانَ، فَهَلْ يَضْمَنُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما: لا ضَمانَ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو ظاهِرُ ما قدَّموه كغَيرِه.

والثَّاني: يَضمَنُه، واختاره القاضي في «المجرد» ، وهو من خطأِ الإمام، ولأِنَّه يَخافُ منه

(2)

إذا خالَفَه، وهو مأمورٌ بطاعته.

وظاهِرُه: أنَّه إذا كان المأمورُ صغيرًا لا يُميِّزُ، قاله في «المغني» و «الشَّرح» ، وذَكَرَ الأكثرُ منهم صاحِبُ «التَّرغيب» و «الرِّعاية»: غَيرَ مُكلَّفٍ؛ ضَمِنَه؛ لأِنَّه تسبَّبَ إلى إتْلافِه.

قال في «الفروع» : ولعلَّ مرادَ الشَّيخ ما جَرَى به عُرْفٌ وعادَةٌ؛ كقَرابةٍ وصحبةٍ وتعليمٍ ونحوِه، فهذا متَّجِهٌ وإلاَّ ضَمِنَه.

وقد «كان ابنُ عبَّاسٍ يَلعَبُ مع الصِّبيان، فبعَثَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى مُعاوِيَةَ» رواهُ مسلِمٌ

(3)

.

قال في «شرحه» : لا يُقالُ: هذا تصرُّفٌ في منفعةِ الصَّبيِّ؛ لأِنَّه قدرٌ يسيرٌ، وَرَدَ الشَّرعُ بالمسامَحة به للحاجة، واطَّرد

(4)

به العُرْفُ وعمَلُ المسلمين

(5)

.

(وَإِنْ وَضَعَ جَرَّةً عَلَى سَطْحِهِ)، أوْ حائطٍ، وعبارةُ «الفروع»: وإنْ وَضَعَ شيئًا على عُلْوٍ فهي

(6)

أجْوَدُ. وفيه شَيءٌ، (فَرَمَتْهَا الرِّيحُ عَلَى إِنْسَانٍ، فَتَلِفَ؛

(1)

في (م): فبصره.

(2)

قوله: (منه) سقط من (م).

(3)

أخرجه مسلم (2604).

(4)

في (م): واطرق.

(5)

ينظر: شرح النووي على مسلم 16/ 156.

(6)

في (م): فهو.

ص: 239

لَمْ يَضْمَنْهُ) على المذهَبِ؛ لأِنَّ ذلك بغير

(1)

فِعْلِه، وَوَضْعُه لذلك كان في ملْكِه.

وقيلَ: يَضمَنُ إذا وَضَعَها مُتطرِّفةً، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه تسبَّبَ إلى إلْقائها وتعدَّى بِوَضْعِها

(2)

، أشْبَهَ ما لو بَنَى حائِطًا مائلاً، ولو تَدحْرَجَ فدَفعَه عن نفسه؛ لم يَضمَنْ، ذَكَرَه في «الانتصار» .

وفي «التَّرغيب» وجْهانِ، وأنَّهما في بهيمةٍ حالَتْ

(3)

بَينَ مُضطَرٍّ وطَعامِه لا تَندفِع إلاَّ بِقَتْلِها، مع أنَّه يَجُوزُ.

مسألةٌ: مَنْ نَزَلَ بئرًا في محلٍّ عُدْوانًا، أوْ سَقَطَ فيه فسَقَطَ فَوقَه آخَرُ، فماتا؛ ضَمِنَهما عاقِلَةُ الحافِرِ. وقِيلَ: بل هو. وقِيلَ: على عاقِلةِ الثَّاني نِصفُ دِيَةِ الأوَّل، ويَرجِعُ به على عاقِلَة الحافِرِ، والله أعلم.

(1)

في (م): يعتبر.

(2)

في (ن): موضعها.

(3)

في (ن): صالت.

ص: 240

‌(بَابُ مَقَادِيرِ دِيَاتِ النَّفْسِ

(1)

المقادير: واحِدُها مِقدارٌ، وهو مَبلَغُ الشَّيء وقَدْرُه.

(دِيَةُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ

(2)

مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ، أَوْ مَائِتَا

(3)

بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، أَوْ أَلْفَ مِثْقَالٍ) ذَهَبًا، (أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ)، قال القاضي: لا يَختَلِفُ المذهَبُ أنَّ أُصولَ الدِّيَةِ: الإبلُ، والبقرُ، والغَنَمُ، والذَّهَبُ، والوَرِقُ، وهو قَولُ الفُقَهاء السَّبْعة وغيرِهم؛ لِمَا في كتابِ عمرو بنِ حَزْمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كتَبَ إلى أهلِ اليمن: «وإنَّ في النَّفس المؤمنةِ مائةً من الإبل، وعلى أهْلِ الوَرِقِ ألْفَ دِينارٍ» رواه النَّسائيُّ

(4)

، وعن عكرمة، عن ابن

(5)

عبَّاسٍ: «أنَّ رجلاً قُتِل، فجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم دِيَتَه اثْنَيْ عَشَرَ ألْفًا» رواه أبو داودَ، والتِّرمذِيُّ، ورُوِيَ عن عِكْرَمَةَ مُرسَلاً، وهو أصحُّ وأشْهَرُ

(6)

، وعن عَطاءٍ، عن جابِرٍ، قال:«فَرَضَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في الدِّيَة على أهلِ الإبل: مائةً من الإبل، وعلى أهل البقر: مِائَتَيْ بقرةٍ، وعلى أهل الشَّاء: ألْفَيْ شاةٍ» رواه أبو داودَ

(7)

، وعن

(1)

في (م): الديات للنفس.

(2)

كتب في هامش (ظ): (أي: الذكر، صغيرًا أو كبيرًا، غير الجنين).

(3)

في (م): مائة.

(4)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(5)

قوله: (عن ابن) في (م): وابن.

(6)

أخرجه أبو داود (4546)، والترمذي (1388)، والنسائي (4803)، وفي الكبرى (6978)، وابن ماجه (2629)، من طريق محمد بن مسلم، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد بن مسلم هو الطائفي، وثقه ابن معين وأبو داود والعجلي، وتكلم فيه غيره، قال ابن حجر:(صدوق يخطئ من حفظه)، وخالفه ابن عيينة فرواه مرسلاً كما عند الترمذي (1389)، ورجح أبو حاتم والبخاري والنسائي إرساله. ينظر: العلل الكبير للترمذي (ص 218)، علل ابن أبي حاتم 4/ 233، التلخيص الحبير 4/ 73.

(7)

أخرجه أبو داود (4544)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16176)، من طريق محمد بن إسحاق، قال: ذكر عطاء، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما. وأخرجه أبو داود (4543)، عن عطاء مرسلاً، وابن إسحاق مدلس ولم يذكر من حدثه به، واختلف في إسناده وصلاً وإرسالاً، وضعفه الألباني، لكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب الآتي بعده. ينظر: الإرواء 7/ 303.

ص: 241

عمرو

(1)

بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، قال: «قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: أنَّ مَنْ كان عَقْلُه في البقر: مِائَتَيْ بقرةٍ، ومَنْ كان

(2)

عَقْلُه في الشَّاء: ألْفَيْ شاةٍ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ

(3)

.

(فَهَذِهِ الْخَمْسُ أُصُولٌ فِي الدِّيَةِ، إِذَا أَحْضَرَ

(4)

مَنْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ شَيْئًا

(5)

مِنْهَا؛ لَزِمَ قَبُولُهُ)، بغَيرِ خِلافٍ

(6)

، سَواءٌ كان من أهل ذلك النَّوع أوْ لم يكُنْ؛ لأِنَّها أصولٌ في قضاءِ الواجب، يُجزِئُ واحِدٌ منها، فكانَت الخِيَرةُ إلى مَنْ وَجَبَتْ عليه؛ كخصال

(7)

الكفَّارة.

(وَفِي الْحُلَلِ رِوَايَتَانِ):

(1)

في (م): عن عمر.

(2)

قوله: (كان) سقط من (م).

(3)

أخرجه أبو داود (4564)، والنسائي (4801)، وفي الكبرى (6976)، وابن ماجه (2630)، من طريق محمد بن راشد، عن سليمان بن موسى، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده به، وأخرجه أحمد (7033)، من طريق ابن إسحاق عن عمرو بن شعيب به، وهو حديث مختلف فيه، وقد سبق تخريجه 9/ 131 حاشية (3).

(4)

في (م) و (ن): حضر.

(5)

في (م): شاة.

(6)

لعل مراده: بغير خلاف في المذهب، كما نقله في المغني عن القاضي:(قال القاضي: لا يختلف المذهب أن أصول الدية: الإبل، والذهب، والورق، والبقر، والغنم، فهذه خمسة لا يختلف المذهب فيها)، أو أن مراده بلا خلاف بين القائلين أن أصول الدية هذه الخمسة، وإلا فالخلاف في كون هذه الخمسة جميعها أصول الدية معروف بين أهل العلم. ينظر: الهداية ص 523، المغني 8/ 367.

(7)

في (م): الخصال.

ص: 242

(إِحْدَاهُمَا: لَيْسَتْ أَصْلاً فِي الدِّيَةِ

(1)

، وهو ظاهِرُ كلامِ الأصحاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ للأخبار، ولأِنَّها تَختَلِفُ ولا تَنضَبِطُ.

(وَفِي الْأُخْرَى: أَنَّهَا أَصْلٌ)، نَصَرَها القاضي وأصحابُه، وقدَّمها في «الرِّعاية» ، وصحَّحها السَّامَرِّيُّ؛ لحديثِ عمرَ:«وعلى أهل الحُلَل مِائَتا حُلَّةٍ» رواه أبو داود

(2)

، فَعَلَى هذا

(3)

: تكون الأصولُ ستَّةً.

(وَقَدْرُهَا مِائَتَا حُلَّةٍ

(4)

مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ)؛ لأِنَّها تُنسب

(5)

إليه، (كُلُّ حُلَّةٍ بُرْدَانِ)؛ لأِنَّ ذلك هو المتعارَفُ؛ إزارٌ ورِداءٌ، وفي «المُذهب»: جديدان

(6)

مِنْ جِنْسٍ.

قال الخَطَّابيُّ: الحُلَّةُ: ثَوبانِ؛ إزارٌ ورِداءٌ، ولا تُسمَّى حُلَّةً حتَّى تكونَ

(1)

في (م): للدية.

(2)

أخرجه أبو داود (4542)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16171)، من طريق عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وذكر حديثًا مرفوعًا، ثم قال:«فكان ذلك كذلك حتى استُخلِف عمر رحمه الله تعالى، فقام خطيبًا فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفًا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل الشاء ألفي شاة، وعلى أهل الحلل مائتي حلة» ، وفي سنده: عبد الرحمن بن عثمان البكراوي وهو ضعيف.

وأخرجه موقوفًا عبد الرزاق (17263)، وابن أبي شيبة (26727)، من طريق ابن أبي ليلى، عن الشعبي، عن عَبيدة السلماني، عن عمر رضي الله عنه، وفي سنده ابن أبي ليلى وهو سيئ الحفظ، وسقط عَبيدة من إسناد عبد الرزاق، وأيضًا عند عبد الرزاق (17859)، من طريق مكحول عن عمر، وهو منقطع بين مكحول وعمر، ويشهد له ما ورد في مرسل عطاء، وقد سبق تخريجه وفيه:«وعلى أهل الحلل مائتي حلة» .

(3)

في (ظ): هذه.

(4)

قوله: (وقدرها مائتا حلة) في (م): وقدر ما يتداخله.

(5)

في (ن): نسبت.

(6)

في (م): جديدًا.

ص: 243

جديدةً تُحَلُّ عن طَيِّها

(1)

، ولم يَقُلْ من جِنْسٍ.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْإِبِلَ هِيَ الأَصْلُ

(2)

خَاصَّةً)؛ لقولِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم: «في قتيلِ السَّوط والعصا: مائةٌ مِنْ الإبل»

(3)

، ولأنه

(4)

فَرَّق بين

(5)

دِيَةِ العَمْد والخَطَأ؛ فغلَّظ بعضَها وخفَّف بعضَها، ولا

(6)

يتحقَّق هذا في غير الإبل.

(وَ) على (هَذِهِ): بقيَّةُ ما ذُكِرَ (أَبْدَالٌ عَنْهَا)، أشْبَهَ المتيمِّمَ إذا عَدِمَ الماءَ؛ لأِنَّ ذلك أقل

(7)

ما تُحمَلُ الأحاديثُ عليه، فعلى مَنْ عليه الدِّيَةُ تسليمُها إلى مُستَحِقِّها سليمةً مِنْ العيوب، ومَن أراد العُدولَ عنها إلى غيرها؛ فللآخَرِ مَنْعُه؛ لأِنَّ الحقَّ مُتعيِّنٌ فيها فاسْتُحِقَّتْ؛ كالمِثْل في المِثْلِيَّات المتْلَفَة، فإنْ تعذَّرتْ، قال جماعةٌ: أوْ زاد

(8)

ثَمَنُها؛ انْتَقَلَ إلى الباقي.

(فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الْإِبِلِ)؛ لَزِمَه إخْراجُها؛ لأِنَّ الحقَّ مُتعيِّنٌ فيها

(9)

، (وَإِلاَّ انْتَقَلَ إِلَيْهَا)، وهذه الرِّوايةُ اقْتَصَر عليها الخِرَقيُّ، وهي أصحُّ مِنْ حَيثُ الدَّليل.

(فَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا، أَوْ شِبْهَ

(10)

عَمْدٍ؛ وَجَبَتْ

(11)

أَرْبَاعًا: خَمْسٌ

(1)

ينظر: غريب الحديث للخطابي 1/ 498.

(2)

في (م): وعن الإبل هي الإبل.

(3)

سبق تخريجه 9/ 70 حاشية (3).

(4)

زيد في (ن): لا.

(5)

في (م): يبين.

(6)

في (م): ولن.

(7)

قوله: (أقل) سقط من (م).

(8)

في (م): ردا.

(9)

قوله: (متعين فيها) في (م): متغير.

(10)

في (م): وشبه.

(11)

في (م): وجب.

ص: 244

وَعِشْرُونَ بِنْتَ

(1)

مَخَاضٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ جَذَعَةً)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفُروعِ» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»

(2)

، وذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وهو

(3)

قَولُ أكثر

(4)

العلماء، رواه سعيدٌ عن أبي عَوانةَ، عن منصورٍ، عن إبراهيمَ، عن ابنِ مسعودٍ

(5)

، ورواهُ الزُّهْريُّ عن السائب بنِ يزيدَ مرفوعًا

(6)

، ولأِنَّه حقٌّ يتعلَّقُ بجنسِ الحَيَوان، فلا يُعتَبَرُ فيه

(7)

الحَملُ؛ كالزَّكاة والأضْحِيَّة.

(وَعَنْهُ: أَنَّهَا ثَلاُثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ

(8)

جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً)، نَصَرَه في «الانتصار» ، (فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا)؛ لِمَا رَوَى عمرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن

(1)

قوله: (بنت) سقط من (م).

(2)

قوله: (في «الوجيز») سقط من (م).

(3)

في (ظ): وهي.

(4)

في (م): لكثير.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (26755)، من طريق أبي الأحوص، عن أبي إسحاق، عن علقمة والأسود، عن عبد الله، قال:«شبه العمد أرباعًا خمس وعشرون حقة، وخمس وعشرون جذعة، وخمس وعشرون بنات مخاض، وخمس وعشرون بنات لبون» ، وأبو إسحاق السبيعي لم يسمع من علقمة، واختلف في سماعه من الأسود، لكن يشهد له ما أخرجه عبد الرزاق (17223)، من طريق إبراهيم عن عبد الله، وأخرجه (17224)، من طريق أبي عبيدة عن عبد الله. وإبراهيم النخعي وأبو عبيدة من أعلم الناس بمذهب ابن مسعود، على أنه وقع اختلاف في الرواية عن ابن مسعود في ذلك، وروي مرفوعًا وسيأتي تخريجه 9/ 248 حاشية (11)، ووقفه أصح. ينظر: سنن الدارقطني 4/ 222، السنن الكبرى للبيهقي 8/ 131.

(6)

أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في المطالب العالية (1909)، والطبراني في الكبير (6664)، ولفظه: عن السائب بن يزيد قال: «كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الإبل: أربعة أسنان، خمسة وعشرين حقة، وخمسة وعشرين جذعة، وخمسة وعشرين بنات لبون، وخمسة وعشرين بنات مخاض» ، وإسناده ضعيف، فيه: أبو معشر نجيح السندي وصالح بن أبي الأخضر وهما ضعيفان. ينظر: مجمع الزوائد 6/ 296.

(7)

في (م): قيد.

(8)

قوله: (حقة وثلاثون) سقط من (م).

ص: 245

جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ قَتَلَ مُتعمِّدًا رُفِعَ إلى أوْلِياء المقْتول، فإنْ شاؤوا قَتَلُوا، وإنْ شاؤوا

(1)

أخَذُوا الدِّيةُ، وهِيَ ثلاثونَ حقَّةً، وثلاثون جذَعةً، وأرْبَعونَ خَلِفةً، وما صُولِحُوا عليه فهو لهم» رواه التِّرمذِيُّ، وقال: حسنٌ غريبٌ

(2)

، ورواه سعيدٌ، عن هشيم، أنا إسماعيلُ بنُ أبي خالِدٍ، عن الشَّعبيِّ، عن زيدِ بن ثابِتٍ

(3)

، ورواه أيضًا عن هُشَيمٍ، أنا المغيرةُ، عن الشَّعبيِّ، عن أبي موسى الأشْعَرِيِّ والمغيرة بن شعبة

(4)

(1)

في (م): وإن شاء.

(2)

أخرجه أحمد (6717)، والترمذي (1387)، وابن ماجه (2626)، والدارقطني (3375)، من طريق محمد بن راشد، حدثنا سليمان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وقد سبق نحو هذا الإسناد، فإن فيه: محمد بن راشد المكحولي وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وتكلم فيه آخرون، وأما سليمان بن موسى الأشدق فهو صدوق فقيه، تُكلم في حفظه، وقال الذهبي:(روى أحاديث ينفرد بها، لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت، صدوق)، وأخرج له مسلم، وأخرج أحمد (7033)، مثله من طريق ابن إسحاق قال: وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، فذكره، وأخرجه عبد الرزاق (17218)، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب مرسلاً مثله، والحديث قال عنه الترمذي:(حسن غريب)، وحسنه الألباني. ينظر: السير 5/ 435، تهذيب التهذيب 2/ 378، الإرواء 7/ 259.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (17220)، وسعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16122)، من طريق الشعبي، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، أنه كان يقول:«في المغلظة ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون ثنية خلفة إلى بازل عامها» ، والشعبي لم يسمع من زيد بن ثابت كما قاله ابن المديني والحاكم.

وأخرجه ابن أبي شيبة (26753)، وأبو داود (4554)، والبيهقي في الكبرى (16124)، من طريق عبد ربه، عن أبي عياض، عن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما:«في المغلظة أربعون جذعة خلفة، وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون، وفي الخطإ ثلاثون حقة، وثلاثون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور، وعشرون بنات مخاض» ، وعبد ربه هو ابن أبي يزيد وهو مستور، وأبو عياض قال ابن حجر عنه في التهذيب (12/ 194):(مدني لا يعرف). لكن يقويه ما أخرجه أبو داود (4555)، بعده من طريق سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت مثله، وهو إسناد صحيح. وأخرج كلا الطريقين الدارقطني (3370).

(4)

قوله: (والمغيرة بن شعبة) سقط من (م).

ص: 246

أنَّها كذلك

(1)

، ورواه مالِكٌ عن عمرَ

(2)

، وفي حديثِ عبد الله بن عمرَ مرفوعًا:«منها أربعون خَلِفةً في بطونها أولادُها» رواه أحمدُ، وأبو داود

(3)

.

ويتوجَّه تخريجٌ مِنْ حَمْلِ العاقِلةِ كخطأٍ

(4)

.

وفي «الروضة» روايةٌ: العمد أثلاثًا، وشِبْهه أرباعًا.

(وَهَلْ يُعْتَبَرُ) في الخَلِفات (كَوْنُهَا ثَنَايَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:

أحدُهما: لا يُعتَبَرُ، ذَكَرَه القاضي، وهو الأشْهَرُ؛ لأِنَّه عليه السلام أطْلَقَ الخَلِفات، ولم يُقيِّدْها، فاعْتبارُ السِّنِّ تقييدٌ، لا يصار

(5)

إليه إلاَّ بدليلٍ.

والثَّاني: يُعتَبَرُ؛ لقوله في الحديث: «مِنْ ثَنِيَّةٍ إلى بازِلِ عامِها» رواه أحمدُ، وأبو داودَ

(6)

، ولأِنَّ سائرَ الأنواع مقدَّرةٌ بالسنِّ

(7)

، فكذا الخَلِفات.

وقِيلَ: إنَّما يُجزِئُ منها ما بَينَ ثَنِيَّةٍ - وهي ما لها خمسُ سنينَ - وبازِلِ

(1)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16123)، وابن أبي شيبة (26760)، من طريق الشعبي، قال: كان أبو موسى والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، يقولان:«في المغلظة من الدية ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها، كلها خلفة» ، وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (17217)، وسعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16121)، وأحمد (348)، وأبو داود (4550)، من طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال:«قضى عمر في شبه العمد: ثلاثين حقة، وثلاثين جذعة، وأربعين خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها» ، هذا لفظ أبي داود، وعند البيهقي:«الدية المغلظة ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة، وأربعون خلفة، وهي شبه العمد» ، ومجاهد عن عمر منقطع فإنه لم يدركه. ولم نقف عليه عند مالك. ينظر: المحلى 10/ 276.

(3)

قوله: (أحمد وأبو داود) في (ن): أبو داود.

وسبق تخريجه 9/ 70 حاشية (3).

(4)

في (م): الخطأ. والمثبت كالفروع.

(5)

في (م): لا تصار.

(6)

سبق تخريجه قريبًا وهو قول عمر رضي الله عنه.

(7)

في (م): بالشيء.

ص: 247

عام، وهو

(1)

ما له سبعُ سِنِينَ، وقيل: ما تَحمِل إلا ثنية

(2)

.

لاحقةٌ: لو أحْضَرها خَلِفةً، فأسْقَطَتْ قبلَ وَضْعِها

(3)

؛ فعليه بدلها

(4)

، فإن اختلفا في

(5)

حَمْلِها؛ رُجِع إلى أهل الخبرة، فإنْ تسلَّمها الوليُّ بقولهم

(6)

، ثُمَّ قال: لم تكن

(7)

حامِلاً؛ قُبِلَ قَولُ الجاني.

(وَإِنْ كَانَ

(8)

خَطَأً؛ وَجَبَتْ أَخْمَاسًا: عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ، وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ، وَعِشْرُونَ حِقَّةً، وَعِشْرُونَ جَذَعَةً)، لا يَختلِفُ المذهب في ذلك، وقاله جمهورُ العُلَماء؛ لِمَا رَوَى الحَجَّاجُ بنُ أرطاةَ، عن زَيدِ بنِ جُبَيرٍ، عن خِشْف

(9)

بنِ مالِكٍ الطَّائيِّ، عن ابن مسعودٍ مرفوعًا كذلك، رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، وابنُ ماجهْ، وقال

(10)

في إسناده: عن الحجَّاج، حدثنا زيدُ بنُ جُبَيرٍ، والتِّرْمذيُّ، وقال: لا نَعرِفُه مرفوعًا إلاَّ مِنْ هذا الوَجْهِ، ورواه الدَّارَقُطْنيُّ، وقال: هذا حديثٌ غَيرُ ثابِتٍ

(11)

.

(1)

في (ن): وهي.

(2)

في (م) و (ن): الأبنية.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 374 والشرح الكبير 25/ 377: قبضها.

(4)

في (م): بذلها.

(5)

في (م): من.

(6)

في (م): فقولهم.

(7)

في (م): لم يكن.

(8)

في (م) و (ن): كان.

(9)

في (ظ): حسن.

(10)

في (م): قال.

(11)

أخرجه أحمد (3635، 4303)، وأبو داود (4545)، والترمذي (1386)، والنسائي (4802)، وابن ماجه (2631)، والدارقطني (3364)، والبيهقي في الكبرى (16160)، وفي سنده: حجاج بن أرطاة هو صدوق كثير الخطأ والتدليس، والحديث ضعفه جمع من الأئمة، ورجحوا وقفه على ابن مسعود رضي الله عنه، وسبق تخريج الموقوف 9/ 245 حاشية (5)، قال الدارقطني:(هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث من وجوه عدة)، وكذا ضعفه ابن عبد البر وابن الجوزي، قال ابن عبد الهادي:(وكلام الدارقطني والمؤلف على هذا الحديث لا يخلو كل منهما من ميل). ينظر: الاستذكار 8/ 54، تنقيح التحقيق 4/ 498.

ص: 248

(وَيُؤْخَذُ مِنَ

(1)

الْبَقَرِ: النِّصْفُ مُسِنَّاتٍ

(2)

، وَالنِّصْفُ أَتْبِعَةً)؛ لأِنَّ ذلك هو العَدْلُ؛ لأِنَّه لو أخذ الكلَّ مُسِنَّاتٍ لكان فيه إجْحافٌ على الجاني، وبالعكس فيه تحاملٌ

(3)

على المجنيِّ عليه، وفي الخطأ يُؤخَذُ معهما

(4)

سنٌّ ثالِثٌ من أسْنانِ الزكاة

(5)

على وَجْهِ التَّخفيف، وسنٌّ

(6)

خامِسٌ لا يُؤخَذُ في الزَّكاة، وهو ابنُ مخاضٍ، ويَجِبُ أنْ يكونَ ذكرًا من أسْنان الزَّكاة المذكورةِ، كما جُعِلَ ابنُ مخاضٍ عِوَضَ بنتِ مخاضٍ.

(وَفِي الْغَنَمِ النِّصْفُ

(7)

ثَنَايَا، وَالنِّصْفُ أَجْذِعَةً)؛ لِمَا ذَكَرْنا، ولأنَّ

(8)

دِيَةَ الإبل من الأَسْنانِ المقدَّرة

(9)

في الزَّكاة، فكذلك البقرُ والغنمُ.

قال في «الفروع» : ويتوجَّهُ ألاَّ يكونا

(10)

مُناصَفةً.

(وَلَا تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِذَا كَانَ سَلِيمًا مِنَ الْعُيُوبِ)، المذهَبُ: أنَّه

(11)

لا تُعتَبَرُ قيمةُ الإبل، بل متى وُجِدت

(12)

الصِّفةُ المشروطة

(1)

في (م) و (ن): في.

(2)

في (م): ثنايا.

(3)

في (م): محاميل.

(4)

في (م): معها.

(5)

في (م): الذكور.

(6)

قوله: (التخفيف وسن) في (م): التحقيق به سن.

(7)

قوله: (النصف) سقط من (ن).

(8)

في (م): لما ذكر وكانت.

(9)

في (م): المبررة.

(10)

في (م): أن يكون.

(11)

في (ن): أن.

(12)

زيد في (ن): على.

ص: 249

وَجَبَ أخْذُها، سواءٌ قلَّت قيمتُها أوْ كثُرَتْ، نَصَرَه في «المغني» و «الشَّرح» ، وقدَّمه مُعظَمُ الأصحاب؛ لأِنَّه عليه السلام أطْلَقَها، فتقييدُها بالقيمة يُخالِفُ ظاهِرَ الخبر، ولأِنَّه خالَفَ بَينَ أسْنانِ دية العمد والخطأ تخفيفًا كدية

(1)

الخطأ عن دية العمد

(2)

، واعتبارها بقيمةٍ واحدةٍ تسويةٌ بينهما

(3)

، وإزالة التَّخفيف المشروع.

وفي «الرِّعاية» : لا يُجزِئُ مريضٌ، ولا عجيفٌ، ولا مَعِيبٌ، ولا دُونَ ديةِ الأثمان

(4)

على الأصحِّ فيها من إبلٍ وبقرٍ وغنمٍ وحُلَلٍ.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ

(5)

قِيمَةُ كُلِّ بَعِيرٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا)، ذَكَرَه بعضُ أصحابنا مذهبَ أحمدَ؛ لأِنَّ «عمرَ قوَّمَ الإبلَ على أهل الذَّهب بألْفِ مِثْقالٍ، وعلى أهل الوَرِق باثْنَيْ عَشَرَ ألْفَ دِرْهَمٍ» رواه

(6)

سعيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، أنا يُونُسُ، عن الحسن، عنه

(7)

، ولأِنَّها أبدالُ محلٍّ واحدٍ، فَوَجَبَ أنْ تستويَ قيمتُها كالمثليِّ والقيمي

(8)

في

(9)

المُتْلَفات.

(فَظَاهِرُ هَذَا: أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأُصُولِ كُلِّهَا أَنْ تَبْلُغَ

(10)

دِيَةَ الْأَثْمَانِ)، واختاره القاضي وأصحابُه؛ لأِنَّه إذا اعتُبرت القيمةُ في الإبل، وهي أصلٌ روايةً واحدةً؛ فكذلك تُعتَبَر القيمةُ في غيرها.

(1)

كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 4/ 13: لدية.

(2)

قوله: (والخطأ تخفيفًا كدية الخطأ عن دية العمد) سقط من (م).

(3)

في (ن): بينها.

(4)

في (م): الإتمام.

(5)

في (م): يكون.

(6)

في (م): روى.

(7)

في (م): وعنه. وسبق تخريجه 9/ 243 حاشية (2).

(8)

في (م): كالمثل والقيم.

(9)

في (ظ): من.

(10)

في (م): يبلغ.

ص: 250

(وَالْأَوَّلُ أَوْلَى)؛ لأِنَّ تقويمَ عمرَ لأِجْلِ أخْذِ الدَّراهِم عِوضًا عن الإبل، وذلك لا نِزاعَ فيه؛ لأِنَّ الإبلَ كانَتْ تُؤخَذُ على عَهْده عليه السلام وقِيمتُها ثمانيةُ آلاف

(1)

، ثُمَّ قوَّمها عمرُ لغَلائها باثْنَيْ عَشَرَ ألفًا، وهو

(2)

يَدُلُّ على أنَّها في حال رُخْصها أقلُّ قيمةً مِنْ ذلك، فكانت

(3)

تُؤخَذُ على عهده عليه السلام وأبي بكرٍ وصَدْرًا مِنْ خِلافةِ عمرَ مع رُخْصها

(4)

، وقِلَّةِ قيمتها ونَقْصِها عن مائةٍ وعشرينَ، وإذا لم تُعتبَر القيمةُ في الإبل؛ فلا تُعتبَرُ فيما سواها؛ قياسًا عليها.

ولا يُعتَبَرُ فيها أنْ تكونَ مِنْ جِنْسِ إبِلِه.

وقال القاضي: الواجِبُ عليه

(5)

أنْ تكونَ من جِنسِ إبله، سواءٌ كان القاتِلَ أو العاقِلةَ، فإنْ لم تكن

(6)

له إبلٌ؛ فمِن غالِبِ إبل بلده، فإنْ لم يكن فيها إبلٌ؛ وَجَبَ مِنْ غالِبِ إبِلِ أقربِ البلاد إليه، فإنْ كانَتْ إبلُه عِجافًا، أوْ مِراضًا؛ كُلِّف

(7)

تحصيلَ صِحاحٍ من جِنْسِ ما عِندَه؛ لأِنَّها بَدَلُ مُتْلَفٍ، فلا يُؤخَذُ فيها مَعِيبٌ؛ كقِيمةِ المتْلَف، والبقرُ والغنمُ كذلك.

(وَيُؤْخَذُ فِي

(8)

الْحُلَلِ المُتَعَارَفُ

(9)

؛ لأِنَّ ما لم يكُنْ له

(10)

حَدٌّ في الشَّرع؛ فيرجع فيه

(11)

إلى العُرْف؛ كالقَبْض والحرز.

(1)

في (م): الألف.

(2)

في (م): أو هو.

(3)

في (ن): وكانت.

(4)

قوله: (أقل قيمة من ذلك

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

قوله: (عليه) سقط من (ن).

(6)

في (ن): لم يكن.

(7)

في (م): مراضعًا كل.

(8)

في (ن): من.

(9)

في (م): المعارف.

(10)

قوله: (له) سقط من (م).

(11)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

ص: 251

(فَإِنْ تَنَازَعَا فِيهَا؛ جُعِلَتْ قِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ سِتِّينَ دِرْهَمًا)؛ لأِنَّ الأصلَ تسَاوِي الأبْدالِ، ولِتَبْلُغَ قِيمةُ الجميع: اثْنَيْ عَشرَ ألْفَ دِرهَمٍ.

فرعٌ: تُغلَّظُ دِيَةُ طَرَفٍ كقَتْلٍ، ولا تُغلَّظُ في غَيرِ إبِلٍ.

ص: 252

(فَصْلٌ)

(وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ)، إجْماعًا حكاه ابنُ المنذر، وابنُ عبد البرِّ

(1)

؛ لِما رَوَى عمرو بنُ حَزْمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في كتابه: «دِيَةُ المرأة نصفُ دِيَةِ الرَّجُل»

(2)

.

لكِنْ حُكِيَ عن ابن عُليَّةَ، والأصمِّ: أنَّ دِيَتَها كَدِيَةِ الرَّجُل؛ لقوله عليه السلام: «في النَّفس المؤمنةِ مِائَةٌ من الإبل»

(3)

، وهو قَولٌ شاذٌّ يُخالِفُ إجْماعَ الصَّحابة، مع أنَّهما في كتابٍ واحدٍ، فيكونُ الأوَّلُ مفسِّرًا

(4)

ومخصِّصًا له.

(وَيُسَاوِي جِرَاحُهَا جِرَاحَهُ إِلَى ثُلُثِ

(5)

الدِّيَةِ)؛ لِمَا رَوَى عمرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «عَقْلُ المرأة مِثْلُ عَقْلِ الرَّجل حتَّى تبلغ

(6)

الثُّلثَ مِنْ دِيَتِها» رواه النَّسائيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ روايةِ إسْماعيلِ بنِ عيَّاشٍ، عن ابن جُرَيجٍ

(7)

.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 122، الاستذكار 8/ 67.

(2)

حديث عمرو بن حزم سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1)، لكن هذه الجملة ليست فيه، بل أخرجها البيهقي في الكبرى (16305)، من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«دية المرأة على النصف من دية الرجل» ، وفي سنده: بكر بن خنيس وهو صدوق له أغلاط، وضعف الحديث البيهقي والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 74، الإرواء 7/ 306.

(3)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(4)

في (م): فيكون الأمر معسرًا.

(5)

في (م): الثلث.

(6)

في (ن): يبلغ.

(7)

أخرجه النسائي (4805)، والدارقطني (3128) من طريق إسماعيل بن عياش، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من ديتها» ، هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج وروايته عن الحجازيين ضعيفة، وأيضًا ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب، وهو مدلس وقد عنعنه، وأخرجه عبد الرزاق (17756)، من طريق ابن جريج، عن عمرو بن شعيب مرسلاً، وأخرجه أيضًا (17757)، عن معمر، عن رجل، عن عكرمة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 519، الإرواء 7/ 309.

ص: 253

(فَإذَا زَادَتْ صَارَتْ عَلَى النِّصْفِ) وهو قَولُ عمرَ

(1)

، ورواه سعيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، أنا

(2)

الشَّيبانيُّ وابن أبي

(3)

لَيلَى وزكريَّا، عن الشَّعْبيِّ، عن زَيدٍ

(4)

؛ لِمَا رَوَى ربيعةُ، قلت لسعيدِ بنِ المسيِّب: كم في إصبَعِ المرأة؟ قال: عشرٌ

(5)

من الإبل، قلتُ: ففي إصبَعَينِ؟ قال: عِشرونَ، قلتُ: ففي

(6)

ثلاثِ أصابِعَ؟ قال: ثلاثون، قلتُ: ففي أربعِ أصابِعَ؟ قال: عشرونَ، قلتُ: لمَّا عَظُمَتْ مُصيبتُها قلَّ

(7)

عَقْلُها؟!، قال: هكذا السُّنَّةُ يا ابن أخي، رواه مالكٌ، عن ربيعةَ

(8)

.

(1)

أخرجه البخاري معلقًا (9/ 7)، ووصله سعيد بن منصور (1962)، وابن أبي شيبة (27496)، والبيهقي من طريق سعيد في الكبرى (16314)، عن إبراهيم، قال: كان فيما جاء به عروة البارقي إلى شريح من عند عمر رضي الله عنه: «أن الأصابع سواء، الخنصر والإبهام سواء، وأن جروح الرجال والنساء سواء في السن والموضحة، فما خلا فعلى النصف» ، وصححه إسناده ابن حجر والألباني، وله طرق أخرى عن عمر. ينظر: الفتح 12/ 214، الإرواء 7/ 307.

(2)

في (م) و (ن): ثنا.

(3)

قوله: (وابن أبي) في (م): وأبي.

(4)

أخرجه علي بن الجعد كما في المسند (224) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16310) من طريق شعبة، عن الحكم، عن الشعبي، عن زيد رضي الله عنه قال:«جراحات الرجال والنساء سواء إلى الثلث، فما زاد فعلى النصف» ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه:«إلا السن والموضحة فإنهما سواء، وما زاد فعلى النصف» ، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«على النصف في كل شيء» قال: وكان قول علي أعجبها إلى الشعبي. والشعبي لم يسمع من زيد بن ثابت قاله ابن المديني. ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 68.

(5)

في (م): عشرين

(6)

في (ظ) و (ن): في.

(7)

في (م): قال.

(8)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 860)، والبيهقي في الكبرى (16311)، وإسناده صحيح.

ينظر: الإرواء 7/ 309.

ص: 254

وعن أحمدَ: أنَّها على النِّصف فيما قلَّ أوْ كثُرَ، رواه سعيدٌ عن عليٍّ

(1)

؛ كالزَّائد.

فلو بلغ جراحُها الثُّلثَ؛ ففيه رِوايَتانِ:

إحداهما، وهي الأظْهَرُ، قاله ابنُ هُبَيرةَ، وقدَّمها السَّامَريُّ: أنَّهما يَستَوِيانِ فيه؛ لأِنَّه لم يَعبُرْ

(2)

حدَّ القلة، ولهذا صحَّت الوصيَّةُ به

(3)

.

والثَّانيةُ، وقدَّمها في «الرِّعاية» وصحَّحها في «المغني» ، و «الشَّرح»: يَختَلِفانِ فيه؛ لقوله: «حتَّى تبلغ

(4)

الثُّلثَ»، و «حتَّى» للغاية، فيَجِبُ أنْ يكون

(5)

مُخالِفًا لِمَا قَبْلَها، والثُّلثُ في حدِّ الكثير؛ لقوله:«والثُّلثُ كثيرٌ»

(6)

، ولأِنَّ العاقِلةَ تَحمِلُه، فدلَّ على أنَّه يُخالِفُ ما دُونَه.

فأمَّا دية

(7)

نِساءِ سائرِ الأديان؛ فتُساوِي دِياتُهنَّ دياتِ

(8)

رجالِهم إلى الثُّلث.

(1)

أخرجه محمد بن الحسن في الحجة (4/ 278)، وعبد الرزاق (17760)، ومن طريق محمد بن الحسن أخرجه الشافعي في الأم (7/ 329)، والبيهقي في الكبرى (16309)، عن إبراهيم، عن علي رضي الله عنه قال:«جراحات المرأة على النصف من جراحات الرجل» ، هذا لفظ عبد الرزاق، وفي الحجة لمحمد بن الحسن:«عقل المرأة على النصف من عقل الرجل في النفس، وفيما دونها» ، وهذا منقطع بين إبراهيم وعلي، ويقويه ما أخرجه البيهقي في الكبرى (16308)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، عن الشيباني، وابن أبي ليلى، وزكريا، عن الشعبي، أن عليًّا رضي الله عنه كان يقول:«جراحات النساء على النصف من دية الرجل فيما قل وكثر» ، وفي سماع الشعبي من علي خلاف، والأقرب أنه أدركه، وسمع منه حديثًا أخرجه البخاري (6812). ينظر: التابعون الثقات للهاجري 2/ 463.

(2)

في (ظ) و (ن): يغير. والمثبت موافق لما في الشرح الكبير 25/ 391.

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

(4)

في (ظ): يبلغ.

(5)

قوله: (يكون) سقط من (م).

(6)

أخرجه البخاري (2742)، ومسلم (1628)، من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(7)

قوله: (فأما دية) سقط من (م).

(8)

قوله: (ديات) سقط من (م).

ص: 255

ويَحتَمِلُ: أنْ تُساوِيَ المرأةُ الرَّجُلَ إلى ثُلثِ دية الرَّجل المسلِمِ؛ لأِنَّه القدرُ الكثير

(1)

الَّذي ثبت له التَّنصيفُ في الأصل

(2)

، وهو دية

(3)

المسلمين.

(وَدِيَةُ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ نِصْفُ دِيَةِ ذَكَرٍ، وَنِصِفُ دِيَةِ أُنْثَى)؛ لأِنَّ مِيراثَه كذلك، فكذا دِيَتُه، لا يُقالُ: الواجِبُ دِيَةُ أنثى لتيقُّنِها

(4)

؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ الذُّكوريَّةَ والأنوثِيَّةَ احِتْمالاً وَاحِدًا، فيَجِبُ التَّوسُّطُ بَينَهما، والعَمَلُ بكلا

(5)

الاِحْتِمالَينِ.

(وَكَذَلِكَ فِي أَرْشِ جِرَاحِهِ)؛ لأِنَّ الجِراحَ كالتَّابِع للقتل

(6)

، فإذا كان في القتل نصفُ دِيَةِ ذَكَرٍ ونصفُ دِيَةِ أُنْثى؛ فلأن

(7)

يَجِبَ أرْشُ الجراح كذلك بطريق الأَوْلى.

لكِنْ إن كان دُونَ الثُّلث؛ فيَسْتَوِي الذّكَر والخُنْثى؛ لأِنَّ أدْنَى حالاتِه أنْ يكونَ امرأةً، وهي تُساوِيهِ، وفيما

(8)

زاد ثلاثةُ أرْباعِ جُرْحِ ذَكَرٍ.

(1)

في (ن): الكبير.

(2)

في (م): إلى الأجل.

(3)

في (م) و (ن): ذمة.

(4)

في (ن): لتبقيتها.

(5)

في (م): بكل.

(6)

في (م): للفعل.

(7)

في (م): فالآن.

(8)

في (ن): فيما.

ص: 256

(فَصْلٌ)

(وَدِيَةُ الْكِتَابِيِّ

(1)

نِصْفُ دِيَةِ الْمُسْلِمِ) في ظاهِرِ المذهب، وقدَّمه ونَصَرَه الأكثرُ؛ لحديثِ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه مرفوعًا، قال:«دِيَةُ الكتابيِّ نصفُ دِيَة المسْلِمِ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمذيُّ وحسَّنه

(2)

.

(وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ)، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لِمَا رَوَى عبادةُ بنُ الصَّامِت مرفوعًا قال:«دِيَةُ اليهوديِّ والنَّصرانيِّ أربعةُ آلافٍ» ، ورواه

(3)

الشَّافِعِيُّ بإسْنادٍ جيِّدٍ عن عمرَ

(4)

.

والأوَّلُ أصحُّ، وقد رَجَعَ أحمدُ عن الثَّانية، وحديثُ عُبادةَ لم يَذكُرْهُ أصحابُ الحديث، فالظَّاهِرُ أنَّه لَيسَ بصحيحٍ، وحديثُ عمرَ إنَّما كان ذلك

(1)

كتب في هامش (ظ): (تنبيه: ولا فرق في ذلك بين الذمي منهم والمستأمن؛ لاشتراكهم في الكتاب مع حقن الدم، والله أعلم).

(2)

أخرجه أحمد (6716)، وأبو داود (4583)، والترمذي (1413)، والنسائي (4806، 4807)، وابن ماجه (2644)، ولفظ أحمد وابن ماجه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى» ، وعند أبي داود:«دية المعاهد نصف دية الحر» ، وعند الترمذي:«دية عقل الكافر نصف دية عقل المؤمن» ، وحسنه الترمذي والألباني. ينظر: الإرواء 7/ 307.

(3)

في (م): رواه.

(4)

هذا الحديث قال ابن حجر: (لم أجده من حديث عبادة إلا فيما ذكر أبو إسحاق الإسفراييني في كتاب أدب الجدل له؛ فإنه قال: رواه موسى بن عقبة عن إسحاق بن يحيى بن عبادة به)، ثم ذكر أنه ورد عن عمر رضي الله عنه كما أخرجه الشافعي في الأم (4/ 308)، وعبد الرزاق (10221)، وابن أبي شيبة (27454)، والطبري في التفسير (7/ 332)، والدارقطني (3248)، والبيهقي في المعرفة (16217)، عن سعيد بن المسيب:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في اليهودي والنصراني أربعة آلاف وفي المجوسي ثمانمائة درهم» ، وصححه البيهقي وابن الملقن. ينظر: المعرفة للبيهقي 12/ 142، خلاصة البدر 2/ 281.

ص: 257

حِينَ كانت الدِّيَةُ ثمانيةَ آلافِ درهم

(1)

، فأوجب

(2)

فيها نصفَها.

(وَكَذَلِكَ جِرَاحُهُمْ

(3)

من

(4)

دياتِهم

(5)

كجِراحِ المسلمين مِنْ دِياتهم، وهو الثُّلثُ، أو النصف

(6)

على الخِلافِ.

(وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَاتِهِمْ)، بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه، قاله

(7)

ابنُ المنذر

(8)

؛ كنِساءِ المسلمين.

(وَدِيَةُ الْمَجُوسِيِّ، وَالْوَثَنِيِّ: ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ).

أمَّا الأوَّلُ: فهو قَولُ عمرَ

(9)

، وعُثْمانَ

(10)

، وابنِ مسعودٍ

(11)

، والأكثرِ؛

(1)

قوله: (درهم) سقط من (م).

(2)

في (ن): وأوجب.

(3)

في (م): جراحتهم.

(4)

في (ظ): في.

(5)

في (م): دمائهم.

(6)

في (م): والنصف.

(7)

في (م): قال.

(8)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 122.

(9)

أثر عمر سبق قريبًا ورُوي من أوجه أخرى، منها: ما أخرجه عبد الرزاق (10219)، من طريق سليمان بن يسار:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جعل دية المجوسي ثمانمائة درهم» ، وهو من رواية إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي وهو متروك، وسليمان لم يسمع من عمر، وأخرجه مالك (2/ 864)، بإسناد صحيح من قول سليمان بن يسار، ليس فيه عمر، ورُوي عنه أيضًا من طرق أخرى عند عبد الرزاق (10215)، والدارقطني (3242).

(10)

أخرجه ابن حزم كما في الإيصال وذكره عنه ابن حجر في التلخيص (4/ 98)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «دية المجوسي ثمانمائة درهم» ، قال عقبة:«وقتل رجل في خلافة عثمان كلبًا لصيد، لا يعرف مثله في الكلاب، فقوِّم بثمانمائة درهم، فألزمه عثمان تلك القيمة، فصارت دية المجوسي دية الكلب» ، قال ابن حجر:(وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة).

(11)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16343)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شهاب، أن عليًّا وابن مسعود رضي الله عنهما كانا يقولان في دية المجوسي:«ثمانمائة درهم» ، وإسناده ضعيف لأجل ابن لهيعة قاله ابن حجر في التلخيص 4/ 98.

ص: 258

لِمَا رَوَى عُقْبةُ بنُ عامِرٍ مرفوعًا، قال:«دِيَةُ المجوسيِّ ثَمانُمائةِ درهَمٍ» رواه ابن عَدِيٍّ

(1)

، وطَعَنَ فيه بَعضُهم مع

(2)

قوله عليه السلام: «سُنُّوا بهم

(3)

سُنَّةَ أهلِ الكتاب»

(4)

، فَوَجَبَ أنْ تكون

(5)

دِيَتُه كدِيَةِ الكتابي، لكنَّه محمولٌ على أخْذِ الجِزية وحَقْنِ الدَّم، لا في كلِّ شَيءٍ، بدليلِ أنَّ ذبائحَهم ونِساءَهم لا تَحِلُّ لنا.

وأمَّا

(6)

الثَّاني: فَلأِنَّه كافِرٌ لا تَحِلُّ ذبيحتُه، أشْبَهَ المجوسيَّ.

وكذا كلُّ مَنْ لا يجوزُ قتله؛ كالذِّمِّيِّ، والمسْتَأْمَنِ، والمعاهَدِ، ونساؤهم على النِّصف مِنْ دِياتهم، وجِراحُ كلِّ أحدٍ مُعتَبَرٌ من دِيَتِه؛ كالمسلم

(7)

.

فرعٌ: عَبَدَةُ الأوثان وسائِرُ مَنْ لا كِتابَ له؛ لا ذِمَّةَ لهم، وإنَّما تُحقَنُ

(1)

أخرجه ابن عدي في الكامل (5/ 347)، والبيهقي في الكبرى (16344)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الله بن لهيعة، والراوي عنه أبو صالح كاتب الليث، وهو صدوق كثير الغلط، وذكره ابن عدي في جملة مروياته، وضعف الحديث البيهقي وابن حجر. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 99.

(2)

زيد في (م): أن.

(3)

في (م): سنوهم.

(4)

سبق تخريجه 4/ 591 حاشية (7).

(5)

في (م): يكون.

(6)

زيد في (م): في.

(7)

كتب في هامش (ظ): (تنبيه: قوله في الفروع: "ودية مجوسي ووثني، ذمي ومعاهد أو مستأمن بدارنا ثمانمائة درهم" انتهى، الظاهر أن قوله: "ذمي" عائد إلى المجوسي، وقوله: "معاهد" عائد إلى الوثني، لكن لا فرق بين الوثني وغيره فيما إذا عاهد، وإن أعدنا لفظة "ذمي" إلى المجوسي والوثني، ففيه نظر؛ لأن الوثني لا يكون ذميًّا إلا على قول ضعيف، وليس القول مخصوصًا به، بل به وبغيره، والله أعلم).

ص: 259

دماؤهم بالأمان، فإذا قُتِلَ مَنْ له أمانٌ منهم؛ فدِيَتُه دِيَةُ مجوسيٍّ؛ لأِنَّها أقلُّ الدِّيات، فلا تنقص

(1)

عنها.

(وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ؛ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ)؛ لأِنَّه لا عَهْدَ له ولا أمانَ، أشْبَهَ الحربيَّ، لكِنْ لا يَجوزُ قَتْلُه حتَّى يُدْعَى.

(وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: إِنْ كَانَ ذَا دِينٍ؛ فَفِيهِ دِيَةُ أَهْلِ دِينِهِ)؛ لأِنَّه مَحْقونُ الدَّم، أشْبَهَ مَنْ له أمانٌ.

وقال أبو الفَرَج: كَدِيَةِ مُسلِمٍ؛ لأِنَّه لَيسَ له من

(2)

يَتبَعُه.

والأول

(3)

أَوْلَى، فإنَّ هذا يَنتَقِضُ بصِبْيانِ أهلِ الحَرْب ومَجانِينِهم؛ لأِنَّه كافِرٌ لا عَهْدَ له.

فإنْ كان له عهد

(4)

؛ ففيه دِيَةُ أهلِ دِينِه.

فإنْ لم يُعرَفْ دِينُه؛ فدِيَةُ مُجوسِيٍّ؛ لأِنَّه اليَقِينُ، والزيادة

(5)

مشكوكٌ فيها.

مسألةٌ: نِساءُ أهلِ الحرب، وذرِّيَّتُهم، وراهِبٌ؛ يَتْبَعونَ أهلَ الدَّار أو الآباء

(6)

.

(1)

في (م): فلا ينقص.

(2)

في (م): دين. والمثبت موافق للفروع 9/ 440.

(3)

في (م): الأولى.

(4)

قوله: (فإن كان له عهد) سقط من (م).

(5)

في (م): والديانة.

(6)

في (م): والآباء.

ص: 260

(فَصْلٌ)

(وَدِيَةُ

(1)

الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ قِيمَتُهُمَا، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ)؛ أيْ: يُضمَنُ الرَّقيقُ في العمد والخَطَأ بقيمتِه مِنْ نَقْدِ البلد، وإنْ كَثُرتْ في المشهور عنه، وهو قَولُ سعيدٍ، والحَسَنِ، وعمرَ بنِ عبد العزيز؛ لأِنَّه مالٌ

(2)

متقوِّمٌ

(3)

، فيُضمَنُ بكمال

(4)

قِيمتِه بالِغةً ما بلغت

(5)

؛ كالفَرَس.

ويُخالِف

(6)

الحرَّ، فإنَّه يُضمَنُ بما قدَّره الشَّارِعُ، فلم يَتجاوَزْه، ولأِنَّه لَيسَ بضمانِ مال

(7)

، بدليلِ أنَّه لم يَختَلِفْ باخْتِلافِ صفاتِه، وهذا ضمانُ مالٍ يَزيدُ بزيادةِ الملكيَّة، ويَنقُص بنقصانها

(8)

، فاخْتَلَفَا.

وحُكْمُ المدبَّر، وأمِّ الوَلَد، والمكاتَبِ، والمعلَّقِ عِتْقُه بصفةٍ؛ كذلك، قال الخَطَّابِيُّ

(9)

: أجْمَعَ الفُقهاء على أنَّ المكاتَبَ عَبْدٌ ما بَقِيَ عليه دِرْهَمٌ إلاَّ النَّخَعيَّ، فإنَّه قال: يُودَى بِقَدْرِ ما أدَّى مِنْ كِتابَتِه دِيَةَ حُرٍّ، وما بَقِيَ دِيَةَ عَبْدٍ.

(وَعَنْهُ: لَا يُبْلَغُ بِهَا دِيَةُ الْحُرِّ)؛ لأِنَّ الحرَّ أشْرَفُ منه، ولأِنَّه يقال: لَمَّا أوْجَبَ في الحرِّ دِيَةً لا تَزِيدُ، وهو أشْرَفُ لِخُلُوِّه مِنْ نَقْصِ الرِّقِّ؛ كان تنبيهًا على أنَّ العبدَ المنقوصَ لا يُزاد

(10)

عليها.

(1)

قوله: (ودية) سقط من (م).

(2)

في (م): ولأنه قال.

(3)

في (ن): يتقوم.

(4)

في (م): بكماله.

(5)

قوله: (ما بلغت) سقط من (م).

(6)

في (ن): وتخالف.

(7)

قوله: (مال) سقط من (م).

(8)

في (م): نقصانها.

(9)

ينظر: معالم السنن 4/ 37.

(10)

في (م): لا يزيد.

ص: 261

(وَفِي جِرَاحِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا مِنَ الْحُرِّ)؛ كالعُصْعُصِ، وخَرَزَة الصُّلْب؛ (مَا

(1)

نَقَصَهُ) بعدَ البُرْء، بغيرِ خلافٍ نَعلَمُه

(2)

؛ لأِنَّ حقَّ المجنيِّ عليه يَنجَبِرُ، فلا تَجِبُ الزِّيادةُ.

(وَإِنْ كَانَ مُقَدَّرًا فِي الحُرِّ

(3)

؛ كاليد، والرِّجْل، والموضِحة؛ (فَهُوَ مُقَدَّرٌ

(4)

فِي

(5)

الْعَبْدِ مِنْ قِيمَتِهِ)، قدَّمها

(6)

في «المستوعب» و «الكافي» ، ورُوِيَ عن عليٍّ

(7)

،

(1)

في (م): مما.

(2)

ينظر: المغني 8/ 485.

(3)

قوله: (لأن الحر أشرف منه

) إلى هنا سقط من (ن).

(4)

قوله: (مقدر) ضرب عليه في (ن).

(5)

في (ظ): من.

(6)

من هنا بدأ السقط من (م).

(7)

لعل مراده ما أخرجه ابن أبي شيبة (27861)، والنسائي في الكبرى (5004)، عن أيوب، عن عكرمة، عن علي رضي الله عنه:«يُودَى المكاتب بقدر ما أدى» ، وعكرمة عن علي منقطع، وأخرج عبد الرزاق (15721)، وابن أبي شيبة (20584)، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه، قال:«يعتق من المكاتب بقدر ما أدى» ، والشعبي اختلف في سماعه من علي، والأقرب أنه سمع منه، وأخرجه عبد الرزاق من وجه آخر منقطع (15734)، بلفظ:«يورث بقدر ما أدى، ويجلد الحد بقدر ما أدى، ويعتق بقدر ما أدى، وتكون ديته بقدر ما أدى» ، واختلف فيه وقفًا ورفعًا، واختلف في صحابيه، فأخرجه أحمد (723)، والبيهقي في الكبرى (21654)، من طريق عكرمة، عن علي بن أبي طالب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«يودى المكاتب بقدر ما أدى» ، وروي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: فأخرجه أبو داود (4582)، والترمذي (1259)، والنسائي في الكبرى (5002)، والحاكم (2866)، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أصاب المكاتب حدًّا، أو ورث ميراثًا يرث على قدر ما عتق منه» ، قال ابن عبد الهادي:(هذا الحديث روي موقوفًا ومرسلاً، وفي إسناده اختلاف)، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم وابن التركماني، قال ابن حجر:(ورجال إسناده ثقات)، والموقوف أخرجه عبد الرزاق (15718)، عن ابن عباس بلفظ:«إذا بقي على المكاتب خمس أواق، أو خمس ذود، أو خمس أوسق، فهو غريم» ، وهذا الاختلاف في الحديث مرجعه واحد، قال البيهقي:(حديث عكرمة إذا وقع فيه الاختلاف وجب التوقف فيه، وهذا المذهب إنما يروى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو: «أنه يعتق بقدر ما أدى»، وفي ثبوته عن النبي صلى الله عليه وسلم نظر). ينظر: السنن الكبرى 10/ 549، الجوهر النقي 10/ 326، تنقيح التحقيق 4/ 278، الفتح 5/ 195.

ص: 262

قال أحمدُ: هذا قَولُ سعيدِ بنِ المسيِّب

(1)

؛ لأِنَّ قِيمتَه كدِيَةِ الحرِّ.

(فَفِي يَدِهِ: نِصْفُ قِيمَتِهِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ من الحرِّ نصفُ الدِّيَة، (وَفِي مُوضِحَتِهِ: نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ فيها من الحرِّ: خَمسٌ من الإبل، (نَقَصَتْهُ الْجِنَايَةُ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ)؛ لأِنَّه ساوَى الحرَّ في ضَمانِ الجناية بالقصاص والكفَّارة، فساواه في اعْتِبارِ ما دُونَ النَّفس ببدلِ النَّفس؛ كالرَّجل والمرأة.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُضْمَنُ بِمَا نَقَصَ، اخْتَارَهُ الْخَلاَّلُ)، قدَّمها في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، قال أحمدُ: إنَّما يَأخُذُ قيمةَ

(2)

ما نَقَصَ منه على قَولِ ابنِ عبَّاسٍ

(3)

؛ لأِنَّ ضمانَه ضمانُ الأموال فيَجِبُ فيه ما نَقَصَ كالبهائم، وذَكَرَ في «المغني» و «الشَّرح»: أنَّ هذه الرِّوايةَ أقْيَسُ وأَوْلَى؛ لأِنَّ القِياسَ على الحرِّ غيرُ صحيحٍ؛ لِعَدَمِ المُساواة بَينَهما.

فعلى الأُولى: إنْ بَلَغَت الجنايةُ ثُلثَ قِيمتِها؛ احْتَمَل أنْ تُرَدَّ إلى النِّصف، فيكون في ثلاثةِ أصابِعَ؛ ثلاثةُ أعْشارِ قِيمتها، وفي أربعةِ أصابِعَ؛ خُمُسُها؛ كالحرَّة.

واحْتَمَلَ ألاَّ تُرَدَّ

(4)

؛ لأِنَّ ذلك في الحرَّة على خلاف الأصل؛ لكَونِ الأصل زيادةَ الأَرْش بزيادة الجناية، وأنَّ كلَّما زاد نَقْصُها وضَرَرُها زاد في

(1)

ينظر: المغني 8/ 485.

(2)

في (ظ): قيمته.

(3)

ينظر: المغني 8/ 485. والأثر سبق تخريجه قريبًا مع أثر عليٍّ رضي الله عنه.

(4)

في (ن): ألا يرد.

ص: 263

ضَمانها، فإذا خُولِفَ في الحرَّة؛ بقينا

(1)

في الأَمَة على وَفْق الأصل.

(وَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ)؛ فَلا قَوَدَ عليه؛ لأِنَّه ناقِصٌ بالرِّقِّ، أشْبَهَ ما لو كان كلُّه رقيقًا، وإنْ كان قاتِلُه عبدًا أُقِيدَ به

(2)

؛ لأِنَّه أكْمَلُ من الجاني، وإنْ كان القاتِلُ نصفُه حرٌّ؛ أوْجَبَ القَوَدَ لِتَساوِيهما، وإنْ كانت الحريةُ في

(3)

القاتِلِ أكثرَ؛ لم يَجِب القَوَدِ؛ لِعَدَمِ التَّساوِي.

(فَفِيهِ نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ، وَنِصْفُ قيمَتِهِ)؛ أيْ: إذا قَتَلَه حرٌّ

(4)

عَمْدًا؛ ضَمِنَ نصفَ دِيَةِ حرٍّ ونصفَ قِيمَتِه، وإنْ قَتَلَه خطأً؛ فعَلَيهِ نصفُ قِيمتِه، وعلى عاقِلَتِه نصفُ دِيَتِه؛ لأِنَّها دِيَةُ حرٍّ في الخطأ.

(وَهَكَذَا فِي جِرَاحِهِ)؛ أيْ: إذا كان قَدْرُ الدِّيَة مِنْ أَرْشِها بَلَغَ ثُلثَ الدِّيَة، مِثْلَ أنْ يَقطَعَ أنْفَه أوْ يَدَيهِ، فإنْ قَطَعَ إحدى يَدَيهِ؛ فالجميعُ على الجاني؛ لأِنَّ نصفَ دِيَةِ اليَدِ ربعُ دِيَتِه، فلا تَحمِلُها العاقلة

(5)

لِنَقْصِها عن الثُّلث، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

(وَإِنْ قَطَعَ خُصْيَتَيْ عَبْدٍ، أَوْ أَنْفَهُ، أَوْ أُذُنَيْهِ؛ لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ)؛ أيْ: قيمةُ العبد؛ لأِنَّ القيمةَ بَدَلٌ عن الدِّيَة، (لِلسَّيِّدِ)؛ لأِنَّها بَدَلٌ عن الأعْضاءِ المملوكةِ للسَّيِّدِ، (وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ عَنْهُ)؛ لأِنَّه لم يُوجَدْ سببٌ يَقتَضِي الزَّوالَ، فوَجَبَ بقاؤه على ملْكه؛ عملاً باسْتِصْحابِ الحال؛ لأِنَّ قَطْعَ يَدِ العبد مُنزَّلٌ مَنزِلةَ تَلَفِ بعضِ مالِه.

(وَإِنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ، ثُمَّ خَصَاهُ؛ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ لِقَطْعِ الذَّكَرِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ في

(1)

في (ن): يقينًا.

(2)

في (ظ): منه.

(3)

في (ظ): الجزية من.

(4)

قوله: (حر) سقط من (ن).

(5)

قوله: (العاقلة) سقط من (ن).

ص: 264

ذلك مِنْ الحرِّ دِيَةٌ كامِلةٌ، (وَقِيمَتُهُ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ في قَطْعِ الخُصيتين

(1)

من الحرِّ بعدَ الذكر

(2)

دِيَةٌ كاملة

(3)

.

لا يُقالُ: القِيمةُ هنا نَقَصَتْ؛ لأِنَّ المؤلِّفَ قيَّدها بقَطْعِ الذَّكَر، بخِلافِ الحرِّ، فإنَّهما سَواءٌ. لأِنَّ القيمةَ في مُقابِله، لكنَّها

(4)

تزيدُ وتَنقُصُ، بخِلافِ الدِّيَة.

(وَمِلْكُ سَيِّدِهِ بَاقٍ عَلَيْهِ)؛ لِمَا مرَّ، وفي ذلك اخْتِلافٌ يَلزَمُه ما نَقَصَ مِنْ قِيمتِه.

وفي سَمْعِه وبَصَرِه، أوْ أنْفِه، أوْ أذْنَيهِ قِيمَتاهُ مع بَقاءِ ملْكِ السَّيِّد.

قال ابنُ حمْدانَ: فإنْ أذْهَبَ إحْداهما أوَّلاً؛ غَرِمَ قيمتَه كامِلاً، ثمَّ قِيمَتَه ناقِصًا.

فرعٌ: إذا جَرَحَ اثْنانِ في وقتَينِ عبدًا، أوْ حَيَوانًا، ولم يُوحياهُ

(5)

، ثُمَّ سَرَى الجُرْحانِ، فقال القاضِي: يَلزَمُ كلَّ واحِدٍ منهما ما نَقَصَه بجُرْحه مِنْ قِيمته، ويَتَساوَيانِ في بقيَّتها.

قال المجْدُ: وعِنْدِي يَلزَمُ الثَّانيَ نصفُ قِيمتِه مَجروحًا بالجُرْح الأوَّلِ، ويَلزَمُ الأوَّلَ تَتِمَّةُ قيمتِه سليمًا.

(1)

قوله: (قطع الخصيتين) في (ن): ذلك.

(2)

قوله: (بعد الذكر) سقط من (ن).

(3)

قوله: (كاملة) سقط من (ن).

(4)

في (ن): لأنها.

(5)

في (ن): يوجباه.

ص: 265

(فَصْلٌ)

(وَدِيَةُ الْجَنِينِ)، وهو اسمٌ للولد في البطن، مأخوذٌ من الإجْنان، وهو السَّتْرُ؛ لأِنَّه أجنَّهُ بطنُ أمِّه، أيْ: سَتَرَه؛ لقوله تعالى: {وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ} [النّجْم: 32]، (الْحُرِّ الْمُسْلِمِ إِذَا سَقَطَ)، فلو ظَهَرَ بعضُه، ولم يَخرُجْ باقِيه؛ ففيه الغُرَّةُ؛ كما لو سَقَطَ جميعُه، (مَيِّتًا؛ غُرَّةٌ) في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ عمرَ اسْتَشارَ النَّاسَ في إمْلاصِ المرأة، فقال المُغيرةُ بنُ شُعْبةَ: شَهِدتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى فيه بغُرَّةٍ عبدٍ

(1)

أوْ أَمَةٍ، قال: لَتَأْتِيَنِّي بِمَنْ يَشهَدُ مَعَك، فشَهِدَ له محمَّدُ بنُ مَسلَمةَ» متَّفَقٌ عليه

(2)

، ولِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ قال:«اقْتَتَلت امرأتانِ مِنْ هُذَيلٍ، فرَمَتْ إحداهما بحَجَرٍ، فَقَتَلتْها وما في بَطْنها، فاخْتَصما إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى أنَّ دِيَةَ جنينها غُرَّةٌ عبدٌ أوْ أَمَةٌ، وقَضَى أنَّ دِيَةَ المرأة على عاقِلَتِها» رواه البخاريُّ، ومسلمٌ وزاد: وَوَرَّثَها ولدَها ومَن مَعَه، فقامَ حَمَلُ بنُ النَّابِغةِ الهُذَليِّ، فقال: يا رسولَ الله كيفَ أَغْرَمُ مَنْ لا شَرِبَ ولا أَكَلَ، ولا نَطَقَ ولا اسْتَهَلَّ قَبْلَ

(3)

ذلك يُطَلُّ؟! فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «إنَّما هو من إخوانِ الكُهَّانِ» ، مِنْ أجْلِ سَجْعِه الذي سَجَعَ

(4)

.

فإذا ألْقَتْهُ ميتًا؛ فقد تحقَّق أنَّه من الضَّرْبة، فَوَجَبَ ضَمانُه، سَواءٌ ألْقَتْه في حياتها أو بعدَ موتها؛ لأِنَّه تَلِفَ بالجناية عليه، أشْبَهَ ما لو سَقَطَ في حياتها، وظاهِرُه: بجنايةٍ عمدًا أوْ خطأً.

(1)

قوله: (عبد) سقط من (ن).

(2)

أخرجه البخاري (6905)، ومسلم (1689).

(3)

كذا في النسخ الخطية، ولفظ الحديث: فمثل.

(4)

أخرجه البخاري (6904)، ومسلم (1681).

ص: 266

(غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ)، الْأَحْسَنُ تَنوينُ غُرَّةٍ، وعبدٌ بَدَلٌ منه، وتَجُوزُ الإضافةُ على تأويلِ إضافةِ الجنس إلى النَّوع، وسُمِّيَا بذلك؛ لأِنَّهما من أنْفَسِ الأموال، والأصلُ في الغُرَّة: الخِيارُ، وأصْلُها: البياضُ في وَجْه الفَرَس.

وقال أبو عمرو

(1)

بن العَلَاء: الغُرَّةُ: عبدٌ أبْيَضُ، أوْ أَمَةٌ بَيضاءُ

(2)

، قُلْتُ: ولَيسَ البياضُ شرطًا عِنْدَ الفُقهاء.

وإنَّما تَجِبُ إذا سَقَطَ من الضَّربة، ويُعلَمُ ذلك: بأنْ يَسقُطَ عُقَيبَ الضَّربة، أو تبقَى متألِّمةً منها إلى أنْ يَسقُطَ، أوْ يكونَ منها كشُرْبِ دواءٍ، ونحوه، فلو قَتَلَ حامِلاً، ولم يَسقُطْ جنينُها؛ فلا؛ لأِنَّه لا يَثبُتُ حكمُ الولد إلاَّ بخروجه، فلا يَجِبُ الضَّمانُ بالشَّكِّ.

والغُرَّةُ هي: عبدٌ أوْ أَمَةٌ، في قَولِ الأكثرِ، وما رُوِيَ عن عروةَ، ومُجاهِدٍ، وطاوُسٍ: أوْ فَرَسٌ، فجوابُه: أنَّه وَهَمٌ، انفرَد به عيسى بن يونس

(3)

عن الرُّواة، وهو متروكٌ في النَّقل

(4)

.

وجعل ابنُ سِيرِينَ مكانَ الفَرَس: مائةَ شاةٍ؛ لِمَا رَوَى أبو داودَ: «أنَّه عليه السلام

(1)

في (ظ): عمر.

(2)

ينظر: تهذيب اللغة 8/ 16، النهاية في غريب الحديث 3/ 353.

(3)

في (ظ): موسى.

(4)

أخرجه أبو داود (4579)، من طريق عيسى بن يونس، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة، أو فرس، أو بغل» ، وأشار أبو داود إلى تفرد عيسى بن يونس بذكر الفرس والبغل، وقال الخطابي:(يقال: إن عيسى بن يونس قد وهم فيه، وهو يغلط أحيانًا فيما يرويه)، قال ابن حجر:(وأشار البيهقي إلى أن ذكر الفرس في المرفوع وهم، وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة)، تنبيه: عيسى بن يونس هو ابن أبي إسحاق السبيعي وهو ثقة أحد الأئمة الأعلام، وليس بمتروك في النقل. ينظر: معالم السنن 4/ 36، شرح النووي على مسلم 11/ 176، الفتح 12/ 249.

ص: 267

جَعَلَ في ولدها مائةَ شاةٍ»

(1)

.

وظاهِرُه: أنَّه لا تَجِبُ في مُضْغَةٍ، ولا عَلَقَةٍ.

وقال قَتادةُ: إذا كان عَلَقةً: فثُلُثُ عُشْرِه، وإنْ كان مُضغةً: فثُلُثَا عُشُرِه.

فإنْ ألْقَتْ مُضغةً، فشَهِدَ ثِقاتٌ من النِّساء القَوابِل: أنَّ فيه صورةً خفيَّةً؛ ففيه غُرَّةٌ، وإنْ شَهِدْنَ أنَّه مُبتَدَأُ خلقِ آدَمِيٍّ، ولو بَقِيَ تَصَوَّرَ؛ فوَجْهانِ:

أصحُّهما: لا شَيءَ فيه؛ كالعَلَقَة.

والثَّاني، وقدَّمه في «الرِّعاية»: فيه غُرَّةٌ، أشْبَهَ ما لو تصوَّرَ.

فلو ألْقَتْ رَأسينِ؛ فغُرَّةٌ؛ لأِنَّه يَجوزُ أنْ يكونَ مِنْ جنينٍ وأكثرَ، فلم تَجِبْ بالشَّكِّ.

(قِيمَتُهَا: خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ)، وذلك نصفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، رُوِيَ عن عمرَ وزَيدٍ

(2)

، وهو قَولُ الجماعة؛ لأِنَّ ذلك أقلُّ ما قدَّره الشَّرعُ في الجناية، وهو أرْشُ المُوضِحة، فردَدْناه إليه.

لا يُقالُ: قد وَجَبَ في الأَنْمَلة ثلاثةُ أبْعِرةٍ وثُلُثٌ، وهو دُونَ ذلك؛ لأِنَّ الشَّارِعَ أوْجَبَها في أرْشِ المُوضِحة والسِّنِّ، وأمَّا الأَنْمَلةُ فيَجِبُ فيها ما ذُكِرَ بالحساب من دِيَةِ الأصبع.

فرعٌ: إذا اخْتلَفَ قيمةُ الإبل ونصفُ عُشر الدِّية مِنْ غيرها؛ فظاهِرُ

(1)

أخرجه أبو داود (4578)، والنسائي في الكبرى (6988، 6989)، ومن طريق أبي داود البيهقي في الكبرى (16419)، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، أن امرأة خذفت امرأة فأسقطت، فرُفع ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فجعل في ولدها خمسمائة شاة» ، وذكر أبو داود والنسائي أن هذا وهم، والصواب مائة شاة.

(2)

لم نقف على من ذكره مسندًا، وقال ابن حجر:(لم أجده عنهما)، وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قوَّم الغُرَّة بخمسين دينارًا، أخرجه ابن أبي شيبة (27285)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16428)، عن إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم عنه، قال البيهقي:(إسناده منقطع)، ورواية إسماعيل عن الحجازيين ضعيفة. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 104.

ص: 268

الخِرَقِيِّ: أنَّها تُقوَّمُ بالإبل؛ لأِنَّها الأصلُ.

وقال غَيرُه: تُقوَّمُ بالذَّهَب أو الوَرِق، فيُجعَلُ قِيمتُها خمسين دينارًا، أوْ ستَّمائةِ درهمٍ.

ويتفرَّع عليهما: إذا لم يَجِدْ غَيرَه.

وذَكَرَ في «الكافي» : وإنْ أُعْوِزَتْ؛ وَجَبَتْ قِيمتُها من أحدِ الأصول في الدِّيَة.

(مَوْرُوثَةٌ عَنْهُ كَأنَّهُ سَقَطَ حَيًّا)؛ لأِنَّها دِيَةٌ له وبَدَلٌ عنه فَوَرِثَها وَرَثَتُه، كما لو قُتِلَ بعدَ الوِلادة.

وقال اللَّيثُ: هي لأِمِّه.

وجَوابُه: أنَّها دِيَةُ آدَمِيٍّ حرٍّ، فَوَجَبَ أنْ تكونَ مَوروثةً عنه كما لو وَلَدَتْه حيًّا، ثُمَّ مات

(1)

.

(ذَكَرًا كَانَ) الولدُ (أَوْ أُنْثَى)؛ لأِنَّه عليه السلام قَضَى في الجنين بغُرَّةٍ

(2)

، وهو يُطلَقُ على الذَّكَر والأنثى، ولأِنَّ المرأةَ تُساوِي الذَّكَرَ فيما دُونَ الثُّلث.

(وَلَا يُقْبَلُ فِي الْغُرَّةِ خُنْثَى، وَلَا مَعِيبٌ) يُرَدُّ به في البَيعِ، ولا خَصِيٌّ، ولا هَرِمَةٌ، وإنْ كثُرتْ قِيمتُه؛ لأِنَّه حَيَوانٌ يجب

(3)

بالشَّرع، فلم يُقبَلْ فيه ذلك، بخلاف الكفَّارة، فإنَّ الغُرَّة بَدَلٌ فاعْتُبِرتْ فيها السَّلامةُ كإبِلِ الصَّدقة، وهي خِيارٌ.

(وَلَا مَنْ لَهُ دُونَ سَبْعِ سِنِينَ) في الأشْهَر، فإنَّه

(4)

مُحتاجٌ إلى مَنْ يَكفُلُه، ولَيسَ من الخِيار، وقِيلَ: أوْ أقلَّ لإطلاقِ الخَبَرِ.

(1)

قوله: (موروثة عنه كأنه سقط حيًا؛ لأنها دية له

) إلى هنا سقط من (ن).

(2)

أخرجه البخاري (6905)، ومسلم (1689).

(3)

زيد في (ن): رده.

(4)

في (ن): لأنه.

ص: 269

وظاهِرُه: أنَّ مَنْ جاوَزَ السَّبعَ أنَّه مَقْبولٌ، وهو كذلك، وقال ابنُ حمدانَ: الغُرَّة مَنْ له سَبْعُ سنينَ إلى عَشر، وظاهِرُ الخِرقيِّ: أنَّ سِنَّها غَيرُ مُقدَّر.

وبالجملة: البالِغُ أكملُ من الصَّغير، وأقْدَرُ على التَّصرُّف، وأنْفَعُ في الخدمة.

(وَإِنْ كَانَ الْجَنِينُ مَمْلُوكًا؛ فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ)، هذا هو المذْهَبُ؛ لأِنَّه جنينُ آدَمِيَّةٍ، فَوجَبَ فيه عُشُرُ دِيَةِ أمِّه؛ كجنينِ الحرَّة، ولأِنَّه جزءٌ منها، فَقُدِّرَ بَدَلُه من قيمتها كسائر أعْضائها.

ونَقَلَ حربٌ: الواجِبُ فيه نصفُ عُشْرِ قيمةِ أمِّه

(1)

.

ولا يُحمَلُ عليه الواجِبُ هنا؛ لأِنَّ الرَّقيقَ الواجِبَ قيمتُه، بخِلافِ الحرِّ.

وتُعتَبَرُ القيمةُ نَقْدًا يَومَ الجِناية؛ كمُوضِحَتِها إذا ساوتها

(2)

حريَّةً ورِقًّا، وإلاَّ فبالحساب، إلاَّ أنْ يكونَ دَيْنَ

(3)

أبيه، أو هو أعْلَى منها دِيَةً؛ فيَجِبُ عُشْرُ دِيَتها لو كانت على ذلك الدَّين.

(ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى)؛ لأِنَّ حكمَه كذلك إذا كان حُرًّا، فكذا إذا كان رقيقًا.

ونَصُّ المؤلِّفِ على ذلك؛ إشارةٌ منه إلى خلافِ أبي حنيفةَ

(4)

، فإنَّه قال: يَجِبُ فيه نصفُ عُشْرِ قَيمته إنْ كان ذَكَرًا، أوْ عُشر قيمته إنْ كان أنثى؛ لأِنَّه مُتلَفٌ، فاعْتِبارُه بنفسه أَوْلى من اعتباره بأمِّه.

وجَوابُه: أنَّه

(5)

جنينٌ خالَفَ سائرَ المتلَفات في عَدَمِ اعتبارِ قيمةِ جميعه، فَوَجَبَ اعتباره بأمِّه، ولأِنَّه مات من الجناية في بطنِ أمِّه، فلم يَختَلِفْ ضَمانُه

(1)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 291.

(2)

في (ن): ساوتهما.

(3)

في (ن): تكون دية.

(4)

ينظر: التجريد للقدوري 11/ 5779، المبسوط 26/ 88.

(5)

في (ن): بأنه.

ص: 270

بهما؛ كجنينِ الحُرَّة.

فرعٌ: جنينُ المعتَقِ بعضُها يجب

(1)

بالحساب، فإذا كان نصفُها حرًّا؛ فنصفه

(2)

حرٌّ، فيه نصفُ غُرَّةٍ لوَرَثَتِه، وفي النِّصف الباقي نصفُ عُشْرِ قيمةِ أمِّه لسيِّده.

(وَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ فَعَتَقَتْ)، أوْ أُعْتِقَ جنينَها قبلَ الجناية أوْ بعدَها، (ثُمَّ أَسْقَطَتِ الْجَنِينَ؛ فَفِيهِ غُرَّةٌ)، قدَّمه في «المحرَّر» ، وجَزَم به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه سَقَطَ حرًّا، والعِبرةُ بحالِ السُّقوط؛ لأِنَّ قبلَ ذلك لا يُحكَم فيه بشيءٍ.

وعنه: بضمانِ جنينٍ مملوكٍ، نَقَلَها حَرْبٌ، وابنُ منصورٍ

(3)

.

وعَنه: إنْ سَبَقَ العِتْقُ الجنايةَ؛ ضَمِنَ بالغُرَّة، وإلاَّ فبِضمانِ الرَّقيق.

ونَقَلَ حربٌ: التَّوقُّفَ

(4)

.

وحَكَى في «الفروع» الخلافَ، ولم يُرجِّحْ شيئًا.

فإنْ ألْقَتْه حيًّا؛ فالدِّيَةُ كامِلةٌ مع سَبْق العتق الجنايةَ، وإلاَّ ففيه الرِّوايَتانِ في الرَّقيق يُجرَحُ، ثُمَّ يُعتَقُ.

(وَإِنْ كَانَ

(5)

الْجَنِينُ مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ؛ فَفِيهِ) غُرَّةٌ، قِيمَتُها (عُشْرُ

(6)

دِيَةِ أُمِّهِ)؛ لأِنَّ جنينَ الحرَّة المسلِمةِ مَضْمونٌ بعُشرِ ديةِ أمِّه، فكذا جنينُ الكافِرة.

(وَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيًّا، وَالآْخَرُ مَجُوسِيًّا؛ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا)؛ أيْ: أكثرُ الأمْرَينِ من عُشْرِ دِيَةِ أمِّه، أوْ نصفُ عُشْرِ دِيَةِ أبيهِ؛ لأِنَّ ذلك ضمانُ مُتلَف

(7)

،

(1)

في (ن): يجبر.

(2)

في (ن): نصفه.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3602، المحرر 2/ 147.

(4)

ينظر: الفروع 9/ 444.

(5)

هنا انتهى السقط من (م).

(6)

في (م): عشرة.

(7)

في (م): متعلق.

ص: 271

فغُلِّب

(1)

فيه

(2)

الأكثرُ؛ تغليظًا على الجاني، ولأِنَّه لو

(3)

اجْتَمَعَ في المتلَفِ ما يَجِبُ ضمانُه وعَكْسُه؛ غُلِّبَ الوجوبُ؛ كالمُحْرِم إذا قَتَلَ مُتولِّدًا بَينَ وحشيٍّ وأهليٍّ.

والحاصِلُ: أنَّها تؤخذ

(4)

غُرَّةٌ قيمتُها عُشْرُ الدِّيَة، ولا

(5)

فَرْقَ فيها

(6)

بَينَ الذَّكر والأنثى؛ لأِنَّ السُّنَّةَ لم تُفرِّقْ بَينَهما.

فلو كان بَينَ كتابِيَّينِ، فأسْلَمَ أحدُهما بعد الضَّرْب قَبْلَ الوضع؛ ففيه غُرَّة

(7)

في ظاهر كلامه، وقاله ابنُ حامد

(8)

والقاضي؛ اعتبارًا بحالِ اسْتِقْرارِ الجناية.

وقال أبو بكرٍ، وأبو الخَطَّابِ: فيه

(9)

عُشْرُ دِيَةِ كِتابِيَّةٍ؛ اعتبارًا بحالِ الجناية.

(وَإِنْ سَقَطَ الْجَنِينُ حَيًّا، ثُمَّ مَاتَ؛ فَفِيهِ

(10)

دِيَةُ حُرٍّ إِنْ كَانَ حُرًّا)؛ لأِنَّه حرٌّ مات بجنايةٍ، أشْبَهَ ما لو باشَرَه بالقتل، وقد حكاه ابنُ المنذر إجماعًا

(11)

.

وعن أحمدَ: لا يَثبُتُ هذا الحكمُ إلاَّ إذا اسْتَهَلَّ، رُوِيَ عن عمرَ

(12)

،

(1)

في (ن): يغلب.

(2)

زيد في (ن): حكم.

(3)

قوله: (لو) مكانه بياض في (م).

(4)

في (م): أنه يؤخذ.

(5)

في (م): لا.

(6)

في (م): فيهما.

(7)

في (ن): عُشْره.

(8)

في (م): وقال ابن حمدان.

(9)

في (ظ) و (ن): ففيه.

(10)

في (ظ): فيه.

(11)

ينظر: الإشراف 8/ 19.

(12)

أخرجه عبد الرزاق (6607)، والبيهقي في الكبرى (12975)، عن سعيد بن المسيب قال:«كان عمر رضي الله عنه يفرض للصبي إذا استهل» ، قال ابن كثير في مسند عمر (2/ 317):(إسناد صحيح).

ص: 272

وابنِ عبَّاسٍ

(1)

، والحَسَنِ بنِ عليٍّ

(2)

.

والأوَّلُ نَصَرَه في «المغْنِي» ، و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الاِرْتِضاعَ ونحوَه أدلُّ

(3)

على الحياة من الاِسْتِهْلال، فأما بمجرَّد

(4)

الحركة فلا.

(أَوْ قِيمَتُهُ إِنْ كَانَ عَبْدًا)؛ لأِنَّ القيمةَ في العبد بمنزلة الدِّيَة في الحرِّ، (إِذَا

(5)

كَانَ سُقُوطُهُ لِوَقْتٍ يَعِيشُ فِي مِثْلِهِ)؛ لأِنَّه إذا لم يكُنْ كذلك؛ لا يُعلم

(6)

(1)

أخرجه ابن المنذر في الأوسط (3089)، من طريق شريك، عن أبي إسحاق، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«الصبي إذا استهلَّ ورث وصلي عليه» ، وشريك هو النخعي وهو صدوق يخطئ كثيرًا، لكنه من كبار أصحاب أبي إسحاق السبيعي قال أحمد:(سمع شريك من أبي إسحاق قديمًا، وشريك في أبي إسحاق أثبت من زهير وإسرائيل وزكريا). ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 336.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (6606)، وأبو عبيد في الأموال (331، 582)، وابن أبي شيبة (32892)، وأحمد كما في مسائل إسحاق بن منصور (8/ 4223) ط. الجامعة الإسلامية، وابن زنجويه في الأموال (512، 851)، والبيهقي في الكبرى (12976)، من طريق عبد الله بن شريك، عن بشر بن غالب الأسدي قال: قال ابن الزبير لحسين بن علي رضي الله عنهم: «على من فكاك الأسير؟» قال: «على الأرض التي نقاتل عنها قال: وسألته عن المولود: متى يجب سهمه؟» قال: «إذا استهل وجب سهمه» ، كذا عند عبد الرزاق وأحمد والموضع الثاني في الأموال لأبي عبيد وابن زنجويه:(الحسين بن علي)، وكذا ساقه بإسناده ابن عبد البر في الاستيعاب (1/ 398)، وذكره في ترجمة الحسين، وعند ابن أبي شيبة والموضع الثاني عند أبي عبيد والبيهقي: «سأل ابن الزبير الحسن بن علي

»، وفي سنده: بشر بن غالب الأسدي، قال الأزدي:(مجهول)، وذكر النسائي في الكنى أنه روى حديثًا باطلاً منكرًا. ينظر: لسان الميزان 2/ 305.

(3)

في (ن): أدى.

(4)

في (ن): مجرد.

(5)

في (م): إن.

(6)

في (ن): لا نعلم.

ص: 273

فيه حياةٌ يَجوزُ بقاؤها، فلم تجب

(1)

فيه دِيَةٌ ولا قيمةٌ؛ كما لو سَقَطَ ميتًا.

(وَهُوَ أَنْ تَضَعَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا)؛ لأِنَّ مَنْ وُلِدَ قبلَ ذلك؛ لم تَجْرِ العادةُ ببقائه، وفيه شيءٌ، فإنَّ من

(2)

وُلِدَ لثمانيةِ أشْهُرٍ لم يَعِشْ، إلاَّ ما كان مِنْ مريمَ وابْنِها عليهما السلام

(3)

.

(وَإِلاَّ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ)، قال في «الرَّوضة» وغيرها: كحياةِ مذبوحٍ، فإنَّه لا حكمَ لها، وحِينَئِذٍ يجب

(4)

فيه غُرَّةٌ؛ لأِنَّه لم

(5)

تُعلَمْ حياتُه.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي حَيَاتِهِ، وَلَا بَيِّنَةَ؛ فَفِي أَيِّهِمَا يُقَدَّمُ قَوْلُهُ؟ وَجْهَانِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر» ، و «الفروع»: أحدهما، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: يُقدَّمُ قَولُ الجاني

(6)

؛ لأِنَّ الأصلَ براءةُ ذِمَّتِه.

والثَّاني: يُقدَّمُ قَولُ الولي

(7)

؛ لأِنَّ الأصلَ حياتُه؛ كحياته

(8)

في بَطْنِ أُمِّه، والأصلُ بقاؤه.

ومُقتَضاهُ: أنَّه إذا كان ثَمَّ بينة

(9)

عُمِلَ بها؛ لأِنَّها تُظهِر

(10)

الحقَّ وتُثبته

(11)

.

(1)

في (م): فلم يجب.

(2)

قوله: (من) سقط من (م).

(3)

ذكره ابن عساكر في تاريخه 70/ 92 عن ابن عباس رضي الله عنهما.

(4)

في (م): تجب.

(5)

في (م): لا.

(6)

في (م): الثاني.

(7)

في (م): إلي.

(8)

في (م): لجناية.

(9)

في (م): ببينة، وفي (ن): نية.

(10)

في (م): لأن ما يظهر.

(11)

في (م): تثبته، وفي (ن): وتبينه.

ص: 274

أصلٌ: الغُرَّةُ والدِّيَةُ يَرِثُهما مَنْ يَرِثُه كأنَّه سَقَطَ حيًّا، ولا يَرِثُ قاتِلٌ ولا رقيقٌ، فترثُ عصبةُ سيدٍ

(1)

قاتِلٍ جنينَ أمَتِه، وفي «الرَّوضة» هنا: إنْ شَرَطَ زوجُ الأَمَة حُرِّيَّةَ الولد كان حُرًّا، وإلاَّ عبدًا.

وعلى

(2)

المذهب: لو

(3)

شَرِبَت الحامِلُ دواءً، فألْقَتْ جنينًا ميتًا؛ فعليها غُرَّةٌ، هو

(4)

لِوَرَثَتِها دُونَها؛ لأِنَّها قاتِلةٌ، وعَلَيها عِتْقُ رَقَبَةٍ.

فرعٌ: يَجِبُ في جنينِ دابَّةٍ ما نَقَصَ، نَصَّ عليه

(5)

، وهو قَولُ عامَّةِ العلماء.

وقال أبو بكرٍ: كجنينِ أمَةٍ؛ أيْ: عُشْر قيمةِ أمِّه.

وجوابُه: أنَّ البهيمةَ إنَّما تَجِبُ بالجناية عليها قَدْرُ نَقْصِها، فكذا في جَنِينِها.

(1)

في (ن): سيده.

(2)

في (م): وعلم.

(3)

في (م): أو.

(4)

قوله: (هو) سقط من (م).

(5)

ينظر: الفروع 9/ 446.

ص: 275

(فَصْلٌ)

(ذَكَرَ أَصْحَابُنَا: أَنَّ الْقَتْلَ) إذا كان خطأً، وقال القاضي: قياسُ المذهب: أوْ عمدًا، جزم

(1)

به جماعةٌ، قال

(2)

في «الانتصار» : كما يَجِبُ بوطءِ صائمةٍ مُحرِمَةٍ كفَّارَتانِ، ثُمَّ قال

(3)

: تُغلَّظُ إذا كان مُوجِبُه الدِّيَةَ، وفي «المفردات»: تُغلَّظُ عِندَنا في الجميع، ثُمَّ دِيَةُ الخطأ لا تَغْلِيظَ فيها، وفي «المغْنِي» و «التَّرغيب»: وطَرَف

(4)

.

(تُغَلَّظُ دِيَتُهُ

(5)

بِالْحَرَمِ، وَالْإِحْرَامِ، وَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ)، نَقَلَه فيها

(6)

الجماعةُ

(7)

، (وَرَحِمٍ مَحْرَمٍ

(8)

، اختاره أبو بكرٍ، والقاضي وأصحابُه، ولم يُقيِّدْه في «التَّبصرة» و «الطَّريق الأقْرَب» وغيرُهما الرَّحِمَ بالمَحْرَمِ؛ كالعتق.

وظاهِرُ كلامِ أحمدَ: أنَّها لا تُغلَّظُ بالرَّحِم، وقدَّمه في «المحرَّر» .

(فَيُزَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ)؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ امرأةً وُطِئَتْ في طَوافٍ، فَقَضَى عُثْمانُ فيها بستَّةِ آلافٍ وألْفَينِ»

(9)

؛ تغليظًا للحَرَم، وعن ابن عمرَ أنَّه

(1)

في (م): وجزم.

(2)

في (م): وقال.

(3)

قوله: (ثم قال) سقط من (م).

(4)

في (م): وطرفه.

(5)

في (ظ): دية.

(6)

في (م): فيهما.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3712، مسائل عبد الله ص 423، مسائل صالح 3/ 145.

(8)

كذا في النسخ الخطية، والذي في نسخ المقنع الخطية: والرحم المحرم.

(9)

أخرجه عبد الرزاق (17282)، وابن أبي شيبة (27609)، والبيهقي في الكبرى (16134)، من طريق ابن أبي نجيح، عن أبيه قال:«أوطأ رجل امرأة فرسًا في الموسم فكسر ضلعًا من أضلاعها، فماتت، فقضى عثمان فيها بثمانية آلاف درهم؛ لأنها كانت في الحرم، جعلها الدية وثلث الدية» وإسناده صحيح. ينظر: الإرواء 7/ 310.

ص: 276

قال: «مَنْ قَتَلَ في الحَرَم، أو ذا

(1)

رَحِمٍ، أو في

(2)

الشَّهر الحرام؛ فعليه دِيَةٌ وثُلُثٌ»

(3)

، وعن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ رجلاً قَتَلَ رجلاً في الشَّهر الحرام، وفي البلد الحرام، فقال: «دِيَتُه اثْنا عَشَرَ ألْفًا، وللشَّهر الحرام أربعةُ آلافٍ، وللبَلَدِ الحرامِ أربعةُ آلافٍ

(4)

»

(5)

، وهو قَولُ التَّابعين القائلين بالتَّغليظ، واحتجُّوا بقولِ ابنِ عمرَ.

(فَإِذَا اجْتَمَعَتِ الْحُرُمَاتُ الْأَرْبَعُ؛ وَجَبَ

(6)

دِيَتَانِ وَثُلُثٌ)؛ لأِنَّ القتلَ تَجِبَ به دِيَةٌ، وقد تكرَّرَ التَّغليظُ أربعَ مرَّاتٍ، فكان كذلك.

فائدةٌ: قال بعضُ أصحابنا: حَرَمُ المدينة كمكَّةَ، وفي «التَّرغيب» يُخرَّجُ رِوايَتانِ، وقِيلَ: التَّغليظُ بِدِيَةِ عمدٍ، وقِيلَ: بِدِيَتَينِ، وفي «المبهج»: إنْ لم يُقتَلْ بأبَوَيهِ ففي

(7)

لزومه دِيَتانِ أمْ دِيَةٌ وثلثٌ؛ رِوايَتانِ.

(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ)، واختاره المؤلِّفُ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وذكره

(8)

ابنُ رَزِينٍ الأظْهَرَ، وهو قَولُ الفُقَهَاء السَّبعةِ، وعمرَ بنِ عبد العزيز: (أَنَّهَا

(9)

لَا

(1)

في (م): وذا.

(2)

في (ظ) و (م): وفي.

(3)

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2188)، من طريق ليث، عن مجاهد عنه، وأخرجه عبد الرزاق (17294)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16135)، عن ليث، عن مجاهد، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليث بن أبي سليم ضعيف، ومجاهد لم يسمع من عمر. ينظر: الإرواء 7/ 310، التكميل لصالح آل الشيخ ص 164.

(4)

قوله: (وللبد الحرام أربعة آلاف) سقط من (ن).

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (27607)، والبيهقي في المعرفة (16010)، وإسناده ضعيف، فيه عبد الرحمن ابن البيلماني وهو ضعيف. ينظر: الإرواء 7/ 311.

(6)

في (ن): وجبت.

(7)

قوله: (ففي) مكانه بياض في (م).

(8)

في (م): وذكر.

(9)

في (م): لأنها.

ص: 277

تُغَلَّظُ بِذَلِكَ)؛ كجنينٍ

(1)

وعبدٍ

(2)

، (وَهُوَ ظَاهِرُ الآْيَةِ)، وهو قَولُه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّسَاء: 92]، وهذا يَقتَضِي أنْ تكونَ الدِّيَةُ واحِدةً في كلِّ مكانٍ، وعلى كلِّ حالٍ، (وَالأَخْبَارِ)، منها قَولُه عليه السلام:«في النَّفس المؤمنةِ مِائَةٌ من الإبل، وعلى أهل الذَّهَب ألْفُ مِثْقالٍ»

(3)

، وروى الجُوزَجانيُّ عن أبي الزِّناد: أنَّ عمرَ بنَ عبد العزيز كان يَجمَعُ الفُقَهاء، فكان ممَّا أحْيا من تلك السُّننِ؛ أي

(4)

: أنَّه لا تغليظَ، قال ابن المنذر:(لَيسَ بثابِتٍ ما رُوِيَ عن الصَّحابة في هذا)

(5)

، ولو صحَّ فَفِعْلُ

(6)

عمرَ في حديثِ قتادةَ أَوْلَى، فيُقدَّم

(7)

على مَنْ خالَفَه، وهو أصحُّ في الرِّواية مع مُوافَقَة الكتاب، والسُّنَّة، والقياسِ.

(وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ)، وقدَّم في «الانتصار»: أو كافرٌ، وجَعَلَه ظاهِرَ كلامه، (كَافِرًا)، سواءٌ كان كتابيًّا أوْ غَيرَه حَيثُ حُقِنَ دَمُه، (عَمْدًا؛ أُضْعِفَتِ

(8)

الدِّيَةُ)، نَصَّ عليه

(9)

؛ (لِإِزَالَةِ الْقَوَدِ)؛ لأِنَّ المسلمَ لا يُقتَلُ بكافر

(10)

، ولأِنَّ القَوَدَ شُرِعَ زجرًا عن تَعاطِيهِ، (كَمَا حَكَمَ عُثْمَانُ رضي الله عنه، رواه أحمدُ، عن عبد الرَّزَّاق، عن مَعْمَرٍ، عن الزُّهريِّ، عن سالم، عن أبيه: «أنَّ رجلاً قَتَلَ رجلاً من أهل الذِّمَّة، فرُفِعَ إلى عُثْمانَ، فلم يَقتُلْه، وغلَّظ الدِّيَةَ ألفَ

(1)

قوله: (كجنين) مكانه بياض في (م).

(2)

في (م): وعمد.

(3)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(4)

قوله: (السنن أي) في (م): النفر.

(5)

ينظر: الإشراف 7/ 395.

(6)

في (ن): بفعل.

(7)

في (م): فتقدم.

(8)

في (م): ضعفت.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3540، مسائل ابن هانئ 2/ 86، أحكام أهل الملل ص 314.

(10)

في (م): الكافر.

ص: 278

دِينارٍ»

(1)

، فَذَهَبَ إليه أحمدُ، وله نظائر:

مِنْها: الأعْوَرُ إذا قَلَعَ عَينَ صحيحٍ

(2)

؛ تَجِبُ دِيَةٌ كامِلةٌ حَيثُ لا قِصاصَ.

ومِنْها: أنَّ سارِقَ الثَّمَر يَلزَمُه مِثْلَا قيمتِه

(3)

حَيثُ لا قَطْعَ.

ومَذهَبُ الجماهير من العُلَماء: أنَّ دِيَةَ الذِّمِّيِّ في العمد والخطأِ واحِدٌ؛ للعُموم، وكما لو قَتَلَ حرٌّ عبدًا عمدًا

(4)

؛ لأِنَّه بَدَلُ متلفٍ

(5)

، فلم تَتضاعَفْ

(6)

؛ كسائرِ الأموال.

وعلى الأوَّل: يُودَى المجوسيُّ بألْفٍ وستِّمِائَةٍ، والكتابيُّ بثُلُثَيْ دِيَةِ المسلم إنْ قُلْنا: ديته

(7)

ثُلُثُها، نَصَّ عليه

(8)

.

ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: أنَّها تُغلَّظُ بثُلُثٍ

(9)

.

(1)

سبق تخريجه 9/ 105 حاشية (5).

(2)

في (م): الصحيح.

(3)

قوله: (قيمته) سقط من (م).

(4)

قوله: (عمدًا) سقط من (م).

(5)

في (م): تعلق.

(6)

في (م): فلم يضاعف، وفي (ن): فلم يتضاعف.

(7)

في (م): دية.

(8)

ينظر: المحرر 2/ 145.

(9)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 86.

ص: 279

(فَصْلٌ)

(وَإِنْ جَنَى الْعَبْدُ خَطَأً؛ فَسَيِّدُهُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ فِدَائِهِ

(1)

بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ، أَوْ أَرْشِ جِنَايَتِهِ، أَوْ تَسْلِيمِهِ لِيُبَاعَ

(2)

فِي الْجِنَايَةِ)، إذا جَنَى رقيقٌ خطأً، أوْ عمدًا لا قَوَدَ فيه، أو فيه قَوَدٌ واخْتِيرَ فيه المالُ، أوْ أتْلَفَ مالاً؛ وَجَبَ اعْتِبارُ جنايتِه؛ لأِنَّ جِنايَةَ الصَّغيرِ والمجنونِ غَيرُ ملغاة

(3)

مع عُذْره وعَدَم تكليفه، فالعبد

(4)

أَوْلَى.

ولا يُمكِنُ تعليقُها بذمَّته؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى إلْغائها، أوْ تأخيرِ حقِّ المجنيِّ عليه إلى غَيرِ غايَةٍ، ولا بِذِمَّةِ السَّيِّد؛ لأِنَّه لم يَجْنِ، فتعَيَّنَ تعليقُها برقبة العبد؛ كالقِصاص.

والمذْهَبُ: أنَّ سيِّدَه بالخيار بَينَ فِدائه؛ لأِنَّه إذا فَدَى عبدَه بقيمته فقد أدَّى عِوَضَ المحلِّ الذي تَعلَّقت

(5)

به الجنايةُ، أوْ بَيعِه في الجناية؛ لأِنَّه دَفَعَ المحلَّ الذي تعلَّقتْ به الجناية

(6)

.

والمذهب

(7)

: أنَّه يَلزَمُه في الفداء الأقلُّ مِنْ قيمته أوْ أرْشِ جنايته؛ لأِنَّه إذا فَدَاه بقيمته أدَّى قَدْرَ الواجب؛ لأِنَّ حقَّ المجنيِّ عليه لا يتعلَّق بغَيرِ رقبةِ الجاني، وإذا فَدَاهُ بأرش

(8)

جنايته فهو الذي وجَبَ للمَجْنِيِّ عليه، فلم يَملِكْ

(1)

في (م): فدية.

(2)

في (ن): يباع.

(3)

في (م): ملقاة.

(4)

في (م): بالعبد.

(5)

في (م): تلفت.

(6)

قوله: (أو بيعه في الجناية

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

قوله: (والمذهب) سقط من (ن).

(8)

في (ن): أرش.

ص: 280

مُطالَبَتَه بأكثرَ منها

(1)

.

وعَلَيهِ: لو أعْتَقَه بعدَ عِلْمِه بالجناية؛ لَزِمَه جميعُ أرْشِها، بخلافِ ما إذا لم يَعلَمْ، نَقَلَه ابنُ منصورٍ

(2)

.

وعنه: يَفدِيهِ، أوْ يُسلِّمه

(3)

فيها.

وعنه: يُخيَّرُ بينهن

(4)

.

وعنه: فيما فيه القَوَدُ خاصَّةً، يَلزَمُه فداؤه بجميعِ قيمته.

(وَعَنْهُ: إِنْ أَبَى تَسْلِيمَهُ؛ فَعَلَيْهِ فِدَاؤُهُ بِأَرْشِ الْجِنَايَةِ كُلِّهِ)؛ لأِنَّه إذا عُرِضَ للبيع ربَّما رَغِب فيه راغِبٌ بأكثرَ من قيمته، فإذا أمْسَكَه فوَّت على المجنيِّ عليه

(5)

ذلك.

(وَإِنْ سَلَّمَهُ فَأَبَى

(6)

وَلِيُّ الْجِنَايَةِ قَبُولَهُ، وَقَالَ: بِعْهُ أَنْتَ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ

(7)

ذَلِكَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما: لا يلزمه

(8)

، قاله ابنُ هُبَيرةَ، وقاله أكثرُ العُلَماء؛ لأِنَّ حقَّ المجنيِّ عليه لا يتعلَّقُ بأكثرَ من الرَّقبة، وقد سلَّمَها، ويَبِيعُه الحاكِمُ إذَنْ، وله التَّصرُّفُ فيه بعِتْقٍ وغيره

(9)

، وقِيلَ: بإذْنٍ.

(1)

كتب في هامش (ن): (ونقل حرب: أنه لا يفديه إلا بالأقل، سواء علمه أو لم يعلم، وهو المذهب).

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3234.

(3)

في (م): يسلم.

(4)

في (م): بينهما.

(5)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(6)

في (م): وأبى.

(7)

في (م) و (ن): يلزم.

(8)

في (م): لا يلزم.

(9)

في (م): أو غيره.

ص: 281

والثَّانيةُ: يَلزَمُه، صححها

(1)

في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ الجنايةَ تقتضي

(2)

وجوبَ أرْشِها، وأرْشُها هو قيمةُ العبد.

فرعٌ: إذا مات العبدُ الجاني، أوْ هَرَبَ قبلَ مُطالَبةِ سيِّده بتسليمه، أوْ بعدَه، ولم يَمنَعْ منه؛ فلا شَيءَ عليه.

فلو جَنَى فَفَداهُ، ثمَّ جَنَى؛ فحُكمُها كالأُولى، ولا يَرجِعُ الثَّاني على الأوَّل بشيءٍ.

ومَحلُّه: ما لم يكُنْ بإذْنِ سيِّده أوْ أمْرِه، فإنْ كان؛ فضَمانُها عليه بالِغةً ما بَلَغَتْ روايةً واحدةً.

(وَإِنْ جَنَى عَمْدًا، فَعَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ عَلَى رَقَبَتِهِ؛ فَهَلْ يَمْلِكَهُ

(3)

بِغَيْرِ رِضَا السَّيِّدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما عنه: لا يملكه

(4)

؛ لأِنَّه إذا لم يَملِكْه بالجناية فَلَأَنْ لا

(5)

يَملِكُه بالعَفْو أَوْلى، ولأِنَّه إذا عفا عن القصاص انتقل حقُّه إلى المال، فصار كالجناية المُوجِبَة للمال.

والثَّانيةُ: يَملِكُه، قدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه مَمْلوكٌ اسْتَحَقَّ إتْلافَه، فاسْتَحَقَّ إبقاءَه على ملْكِه؛ كعَبْدِه الجاني عليه.

فعلى هذه: إنْ عَفَا عنه على رَقَبَتِه، وقِيمَتُه فَوقَ الأرْشِ، وقُلنا: يَجِبُ أحد

(6)

شَيئَينِ؛ تعيَّنَ الأرْشُ، ولو قال

(7)

: عَفَوتُ عنه، وهو حرٌّ؛ عَتَقَ، ولا

(1)

قوله: (صححها) مكانه بياض في (م).

(2)

في (م): تفضي إلى.

(3)

في (م): تملك.

(4)

في (م): لا تملك.

(5)

قوله: (فلأن لا) في (م): فالآن.

(6)

في (م): أخذ.

(7)

قوله: (قال) سقط من (ظ) و (ن).

ص: 282

دِيَةَ، وإنْ قُلْنا: لا يَملِكُ؛ فلا قَوَدَ ولا دِيَةَ، وهو ملكُ سيِّده.

وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ و «الوسيلة» روايةً: يَملكه

(1)

بجناية عمدٍ، وله قتلُه ورِقُّه وعِتقُه، وينبني

(2)

عليه: لو وَطِئَ الأَمَةَ، ونَقَلَ مُهَنَّى: لا شَيءَ عليه، وهي له وولدُها

(3)

.

(وَإِنْ جَنَى عَلى اثْنَيْنِ خَطَأً؛ اشْتَرَكَا

(4)

فِيهِ بِالْحِصَصِ)، نَصَّ عليه

(5)

، سواءٌ جَنَى عليهم في وقتٍ أوْ أوقات؛ لأِنَّهم تَساوَوْا في سببٍ تعلَّق به الحقُّ، فتَساوَوْا في الاِسْتِحْقاق؛ كما لو جَنَى عليهم دفعةً واحدةً، بل لو قدَّم بعضَهم كان الأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ حقَّه أسْبَقُ.

وقال ابنُ حَمْدانَ: يُقادُ بالكلِّ اكْتِفاءً؛ كما لو جَنَى عليهم معًا.

ويَحتَمِلُ: أنْ يُقادَ بالأوَّل، أوْ يُؤخَذَ

(6)

بالقُرعة مُطلَقًا، ويَدخُلُ بالقتل حقُّ مَنْ بَقِيَ؛ لفوت

(7)

مَحلِّه إنْ عُلِّق بالعين.

(فَإِنْ عَفَا أَحَدُهُمَا، أَوْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَعَفَا بَعْضُ وَرَثَتِهِ

(8)

؛ فَهَلْ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْبَاقِينَ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ أَوْ بِحِصَّتِهِمْ

(9)

فِيهِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ): أحدهما: يتعلق بجميع

(10)

العبد، قدَّمه في «المحرَّر» ، و «الرِّعاية» ،

(1)

في (م): يملك.

(2)

في (ن): ويبنى.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 446.

(4)

في (ظ): اشترط.

(5)

ينظر: الفروع 9/ 448.

(6)

زيد في (ظ): (حقُّه). وأشار إلى أنها في نسخة.

(7)

في (م): لقوة.

(8)

في (م): ورثة.

(9)

في (م): بحصصهم.

(10)

في (م): جميع.

ص: 283

و «الفروع» ؛ لأِنَّ سببَ اسْتِحقاقِه مَوجُودٌ، وإنَّما امْتَنَعَ ذلك لِمزاحَمَةِ الآخَرِ، وقد زال المزاحِمُ، أشْبَهَ ما لو جَنَى على إنسانٍ فَفَداهُ سيِّدُه، ثُمَّ جَنَى عَلى آخَرَ.

والثَّاني: يتعلَّق بحصَّتِهم منه لا غَيرُ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ تعلَّقَ بقِسْطٍ مِنْ رَقَبَته، فلا يتعلَّقُ بزِيادةٍ عليه

(1)

؛ كما لو

(2)

لم يُوجَدْ عَفْوٌ أصْلاً.

فرعٌ: قَتَل عبدانِ عبدًا عمدًا

(3)

، فقَتَلَ الولي

(4)

أحدَهما وعفا عن الآخَر؛ تعلَّق برقبته

(5)

نصفُ الدِّيَة، وبَناهُ السَّامَرِّيُّ على قَتْلِ الجماعة بالواحد.

(فَإِنْ

(6)

جَرَحَ حُرًّا

(7)

فَعَفَا عَنْهُ، ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجِرَاحَةِ وَلَا مَالَ لَهُ، وَقِيمَةُ الْعَبْدِ عُشْرُ دِيَتِهِ، فَاخْتَارَ السَّيِّدُ فِدَاءَهُ، وَقُلْنَا: يَفْدِيهِ

(8)

بِقِيمَتِهِ؛ صَحَّ الْعَفْوُ فِي ثُلُثِهِ)؛ لأِنَّه ثُلُثُ ما مات

(9)

عنه، ويَبقَى الثُّلُثانِ للوَرَثة.

(وَإِنْ قُلْنَا: يَفْدِيهِ بِالدِّيَةِ؛ صَحَّ العَفْوُ فِي خَمْسَةِ أَسْدَاسِهِ، وَلِلْوَرَثَةِ سُدُسُهُ؛ لِأَنَّ الْعَفْوَ صَحَّ فِي شَيْءٍ مِنْ قِيمَتِهِ)، فسقَطَ، (وَلَهُ بِزِيَادَةِ

(10)

الْفِدَاءِ تِسْعَةُ

(11)

أَشْيَاءَ، بَقِيَ لِلْوَرَثَةِ أَلْفٌ إِلاَّ عَشَرَةَ أَشْيَاءَ

(12)

تَعْدِلُ شَيْئَيْنِ، اجْبُرْ، وَقَابِلْ)،

(1)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(2)

قوله: (لو) سقط من (م).

(3)

قوله: (عمدًا) سقط من (م).

(4)

قوله: (الولي) مكانه بياض في (م).

(5)

في (م): برقبة.

(6)

في (م): وإن.

(7)

في (م): جراحة.

(8)

قوله: (وقلنا: يفديه) سقط من (م).

(9)

في (ظ): فات.

(10)

في (ن): زيادة.

(11)

في (م): سبعة.

(12)

قوله: (أشياء) سقط من (م).

ص: 284

تصيرُ ألْفًا تعدل

(1)

اثْنَيْ عَشَرَ شَيْئًا، فالشَّيءُ إذًا يَعدِلُ نصفَ سُدُس

(2)

الدِّيَة، (يَخْرُجُ

(3)

الشَّيْءُ نِصْفَ سُدُسِ الدِّيَةِ، وَلِلْوَرَثَةِ شَيْئَانِ، فَيَعْدِلُ

(4)

السُّدُسَ)؛ لأِنَّ الشَّيءَ إذا عَدَل نصفَ سُدُسٍ كان الشيء

(5)

يَعدِلُ السُّدسَ ضرورةً، فعلى هذا: لو كان قيمةُ العبد ثُلثَ الدِّيَة؛ صحَّ العَفْوُ على القول بأنَّ الفِداءَ يكون بالدِّيَة في ثلاثةِ أخماسِه، ولو كان قيمةُ العبد الرُّبُعَ؛ صحَّ في ثلثه

(6)

، ولو كانت قيمتُه الخُمسَ؛ صحَّ في خمسةِ أسْباعِه.

وطريقُ الباب في هذه المسائلِ: أنْ تزيدَ قيمةَ العبد على نصفِ دِيَة المجنيِّ عليه، وتَنسُبَ قيمةَ العبد ممَّا بَلَغَا

(7)

فما كان؛ فهو الذي

(8)

يَفدِيهِ به

(9)

سيِّدُه.

تنبيهٌ: إذا قَتَلَ عبدٌ عَبدَينِ لآِخَرَ؛ فله قَتْلُه والعَفْو عنه، فإنْ قَتَلَه؛ سَقَطَ حقُّه، وإنْ عَفَا على مالٍ؛ تعلَّقَتْ قيمةُ العَبدَينِ بِرَقَبَتِه.

وإنْ كانا لاِثْنَينِ فكذلك، إلاَّ أنَّ القاتِلَ يُقتَلُ بالأوَّل منهما، فإنْ عَفَا؛ قُتِل

(10)

للثَّاني.

وإنْ قَتَلَهما معًا أُقرِعَ بَينَ العبدَينِ، فمَنْ وَقَعَتْ له القُرْعة؛ اقْتَصَّ وسَقَطَ حقُّ الآخَر، فإنْ عَفَا عن القصاص، وعلى سيِّد الأوَّل مالٌ؛ تعلَّق برقبة العبد،

(1)

في (م): يعدل، وفي (ن): بعد.

(2)

قوله: (نصف سدس) في (م): ثلث.

(3)

زيد في (م): في.

(4)

في (ظ): فتعدل.

(5)

قوله: (إذا عدل نصف سدس كان الشيء) سقط من (م).

(6)

في (م): ثلثيه.

(7)

في (م): يبقى.

(8)

في (ظ): هو الدين.

(9)

قوله: (به) سقط من (م).

(10)

قوله: (قتل) مكانه بياض في (م).

ص: 285

وللثَّاني القِصاصُ، فإنْ قَتَلَه سَقَطَ حقُّ الأوَّل من القيمة.

وإنْ عَفَا الثَّاني تعلَّقتْ قيمةُ القتيل الثَّاني برَقَبَته، ويُباع فيهما، ويُقسَم

(1)

ثَمنُه

(2)

على قدر القِيمتَينِ.

لا يُقالُ: حقُّ الأوَّل أسْبَقُ فيُقدَّمُ؛ لأِنَّه لا يُراعَى، بدليلِ ما لو أُتلِفت

(3)

أموالٌ لجماعةِ على التَّرتيب.

ولو قَتَلَ عبدٌ عبدًا

(4)

لاِثنَينِ؛ كان لهما القِصاصُ والعَفْوُ، فإنْ عفا أحدُهما؛ سَقَطَ القِصاصُ

(5)

.

(1)

في (م): وينقسم.

(2)

في (م) و (ن): منه. والمثبت موافق للمغني والشرح.

(3)

في (م): تعلقت.

(4)

في (م): عمدًا.

(5)

كتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 286

(بَابُ دِيَاتِ الْأَعْضَاءِ وَمَنَافِعِهَا)

المنافِعُ: واحدُه مَنفَعةٌ، وهي اسمُ مَصدَرٍ مِنْ نفعني

(1)

كذا نفعًا.

وهي نَوعانِ:

أحدهما

(2)

: الشِّجَاجُ، وهي في الرَّأس والوجْهِ.

والثَّاني: في سائر البَدَن.

وهو قِسْمانِ:

أحدُهما: قَطْعُ عُضْوٍ.

والآخَرُ: قَطْعُ لَحْمٍ.

وذلك كلُّه مَضْمونٌ من الآدَمِيِّ، ويُضافُ إليه تَفْويتُ المنفعة؛ كالسَّمْع، والبَصَر، ونحوِهما.

(وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الْإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْءٌ وَاحِدٌ؛ فَفِيهِ الدِّيَةُ)؛ أيْ: دِيَةُ نَفْسِه، نَصَّ عليه

(3)

، (وَهُوَ الذَّكَرُ)، إجْماعًا

(4)

؛ لِمَا رَوَى عمرو

(5)

بنُ حَزْمٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «وفي الذَّكر الدِّيَةُ، وفي الأنف إذا أُوعبَ

(6)

جَدْعًا الدِّيَةُ، وفي اللِّسان الدِّيَةُ» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ ولَفظُه له، وقال: رَوَى يُونُسُ هذا الحديثَ عن الزُّهْرِيِّ مُرسَلاً

(7)

.

(1)

في (م): نفع.

(2)

في (م): أحدها.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 422، زاد المسافر 4/ 437.

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 125.

(5)

في (م): عمر.

(6)

في (م): وعب.

(7)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

ص: 287

وظاهِرُه: ولو من صغيرٍ، نَصَّ عليه

(1)

، وشَيخٍ فانٍ، ذَكَرَه جماعةٌ، وقيَّد ابنُ حَزْمٍ الإجماعَ بأنْ يَنتَشِرَ

(2)

، وهذا إذا أبقى

(3)

الأنثَيَينِ سالِمَتَينِ.

أصلٌ: وفي حَشَفة الذَّكَر الدِّيَةُ، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه

(4)

؛ لأِنَّ منفعتَه تَكمُلُ بالحَشَفَة، كما تَكمُل مَنافِعُ اليَدِ بالأصابع، فلو قَطَعَها وبعض القَصَبة؛ لم تجب

(5)

أكثرُ مِنْ دِيَةٍ، كما لو قَطَعَ الأصابِعَ وبعضَ الكفِّ.

(وَالْأَنْفُ)، وظاهِرُه: ولو مع عِوَجِه، وصرَّح به في «التَّرغيب» ، ويَجِبُ إذا قُطِعَ مع مارِنِه، وهو ما لانَ منه.

(وَاللِّسَانُ النَّاطِقُ) السَّليمُ إذا اسْتُوعِبَ كلُّه خطأً

(6)

من المسلم الحرِّ، إجماعًا

(7)

، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ

(8)

، وذَكَرَ المؤلِّفُ أنَّهم أجْمَعُوا على وُجوبِ الدِّيَة فيه؛ لأِنَّه أعْظَمُ الأعضاء نَفْعًا، وأتمُّها جمالاً.

وإنْ قَطع

(9)

لسانَ كبيرٍ، وادَّعى أنَّه كان أخرسَ؛ فكما إذا اختلفا

(10)

في شلل

(11)

العُضْو.

(1)

ينظر: الفروع 9/ 449.

(2)

لم نقف عليه. وقال في المحلى 11/ 80: (لا يصح في الدِّية في الذَّكر والأنثيين شيء، لا نص ولا إجماع، فالواجب ألاَّ يجب في ذلك شيء في الخطأ، وأن يجب في ذلك القود في العمد أو المفاداة؛ لأنه جرح).

(3)

في (م): بقي.

(4)

ينظر: الأم 6/ 130، الاستذكار 8/ 85.

(5)

في (ظ): لم يجب.

(6)

في (ظ): محطًا. وفي (ن): محتطًا.

(7)

في (م): ما.

(8)

ينظر: مراتب الإجماع ص 144.

(9)

في (م): قلع.

(10)

في (م) اختلف.

(11)

في (م): تلك.

ص: 288

(وَلِسَانُ الصَّبِيِّ الذِي يُحَرِّكُهُ بِالْبُكَاءِ)؛ لأِنَّ في إتْلافِه إذهابَ

(1)

منفعة الجنس، وإتْلافُها كإذهاب

(2)

النَّفس في الكلِّ.

وظاهِرُه: ولو لم يَبلُغْ حدَّ النُّطْق، فلو بلغه

(3)

ولم يَتكلَّمْ؛ لم تَجِبْ فيه الدِّيَةُ؛ كلِسانِ الأخرس.

وإن كَبِرَ فنَطَقَ ببعض الحروف؛ وَجَبَ فيه بقدْرِ ما ذهب من الحروف؛ لأِنَّا تبيَّنَّا أنَّه كان ناطقًا

(4)

.

(وَمَا فِيهِ مِنْهُ شَيْئَانِ؛ فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا)، نَصَّ عَلَيه

(5)

؛ (كَالعَيْنَيْنِ

(6)

إذا

(7)

أذهَبَهُما من المسلم خطأً؛ لحديث عمْرِو بنِ حَزْمٍ، ويَستَوِي فيه

(8)

الصَّغِيرَتانِ، والصَّحيحتانِ، وضدُّهما، فإنْ كان فيها

(9)

بَياضٌ يَنقُصُ البَصَرَ؛ نَقَصَ من الدِّيَةِ بقدْرِه، وإلاَّ فلا.

وعنه: تَجِبُ دِيةٌ كامِلةٌ، جَزَمَ به في «التَّرغيب» ؛ كحَوْلاءَ وعَمْشَاء

(10)

مع ردِّ المعيب بهما.

(وَالأْذُنَيْنِ)، وِفاقًا

(11)

، قَضَى به عمرُ

(12)

،

(1)

في (م): ذهاب.

(2)

في (م): كذهاب.

(3)

قوله: (ولو لم يبلغ حد النطق، فلو بلغه) سقط من (م).

(4)

في (م): تالفًا.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 422، زاد المسافر 4/ 437.

(6)

في (ظ): العنِّين.

(7)

في (م): أو.

(8)

قوله: (ويستوي فيه) في (ن): ويستوفي.

(9)

في (م): فيهما.

(10)

في (م): لحول وعمش.

(11)

ينظر: المبسوط 26/ 70، بداية المجتهد 4/ 204، الأم 6/ 133، المغني 8/ 441.

(12)

أخرجه عبد الرزاق (17395)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قضى في الأذن إذا استؤصلت نصف الدية» ، وأخرجه عبد الرزاق (17396)، والبيهقي في الكبرى (16222)، من طريق عمرو بن مسلم، عن طاوس، وعكرمة:«أن عمر قضى به» ، وطاوس وعكرمة لم يسمعا من عمر، قال ابن حجر:(وفي الطريق عن عمر انقطاع). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 99.

ص: 289

وعليٌّ

(1)

، وما رُوِيَ: «أنَّ أبا بكرٍ قَضَى في الأُذُن

(2)

بخمسةَ عَشَرَ بعيرًا» رواه سعيدٌ؛ فمنقطع

(3)

، وذَكَرَ ابنُ المنذر: أنَّه لا يَثبُتُ

(4)

.

وفي «الوسيلة» : وأشرافهما

(5)

، وهو جِلْدٌ بَينَ العِذار

(6)

والبياض الذي حولَهما، نَصَّ عليه

(7)

.

وفي «الواضح» : وأصدافِ

(8)

الأذنَينِ.

(وَالشَّفَتَينِ)؛ أي: إذا استُوعِبتا

(9)

(1)

أخرجه عبد الرزاق (17389)، وأحمد كما في مسائل عبد الله (1526)، وابن أبي شيبة (26835)، والبيهقي في الكبرى (16223)، من طريق أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:«في الأذن نصف الدية» ، وإسناده حسن، عاصم بن ضمرة السلولي صدوق لا بأس به.

(2)

قوله: (وما روي أن أبا بكر قضى في الأذن) سقط من (م).

(3)

في (م): فيقطع.

وأثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه سعيد بن منصور كما عند ابن حزم في المحلى (11/ 75)، وأخرجه عبد الرزاق (17391)، من طريق ابن طاوس، عن أبيه، أنه قال: قال أبو بكر: «في الأذن خمسة عشر بعيرًا يغيبها الشعر والعمامة» ، وأخرجه عبد الرزاق (17392)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال:«أول من قضى في الأذن أبو بكر خمسة عشر من الإبل لا يضر سمعًا، ولا ينقص قوة يغيبها الشعر والعمامة» ، وهو منقطع، فإن طاوسًا لم يسمع من عمر، قاله أبو زرعة. ينظر: المراسيل لابن أبي حاتم ص 100.

(4)

لم نقف عليه في كتب ابن المنذر المطبوعة، وينظر: المغني 8/ 441.

(5)

في (م): وأشرفهما.

(6)

في (م): العذارين.

(7)

ينظر: الفروع 9/ 449.

(8)

في (م): وأطراف.

(9)

في (م): استوعب، وفي (ظ): استوعبنا.

ص: 290

من المسلِمِ خطأ

(1)

إجماعًا

(2)

، وفي إحداهما

(3)

نصفها.

(وَاللَّحْيَيْنِ)، وهما العَظْمانِ اللَّذانِ فيهما الأسنانُ؛ لأِنَّ فيهما نَفْعًا وجمالاً، ولَيسَ في البَدَنِ مثلهما

(4)

.

(وَثَدْيَيِ الْمَرْأَةِ)؛ أيْ: فيهما الدِّيَةُ، وفي أحدهما

(5)

نصفُها بالإجماع

(6)

، وفي قَطْعِ حَلَمَتَي الثَّدْيَينِ دِيَتُهما، نَصَّ عليه

(7)

؛ لأِنَّه ذَهَبَ منهما

(8)

ما يُذهِبُ المنفعةَ بذَهابِه؛ كحشفة

(9)

الذَّكَرِ، وإنْ حَصَلَ مع قَطْعِهما جائفةٌ؛ وجَبَ فيها ثُلُثُ الدِّيَة مع ديتهما

(10)

، وإنْ ضَربَهُما فأشَلَّهُما؛ فالدِّيَةُ.

(وَثَنْدُوَتَيِ الرَّجُلِ)، نَصَّ عليه

(11)

، وهي مَغرز

(12)

الثَّدْي، والواحدةُ: ثندوة، بفتح الثَّاء بلا همزةٍ، وبضمِّها مع الهمز، وقال الجَوهريُّ: الثَّدْيُ للمرأة والرَّجلِ

(13)

، وهو

(14)

أصحُّ في اللُّغة، ومِنهم مَنْ أنْكَرَه، ولأِنَّه يَحصُل بهما الجَمالُ، وليس في البدن غيرُهما من جنسهما

(15)

.

(1)

قوله: (خطأ) سقط من (م).

(2)

في (م): ما.

(3)

في (م): إحداهما.

(4)

قوله: (واللحيين وهما العظمان

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

في (ظ) و (ن): أحدهما.

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 124.

(7)

ينظر: المغني 8/ 459.

(8)

في (م): منها.

(9)

قوله: (بذهابه كحشفة) في (م): كذهاب حشفة.

(10)

في (م): ديتها.

(11)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3354، زاد المسافر 4/ 439.

(12)

في (م): مغمور.

(13)

ينظر: الصحاح 6/ 2291.

(14)

في (م): وهي.

(15)

قوله: (من جنسهما) سقط من (م).

ص: 291

(وَالْيَدَيْنِ)؛ أيْ: فِيهِما الدِّيَةُ، وفي أحدهما نصفُها؛ للأخبار، حتَّى يدِ مُرتَعِشٍ، ويَدِ أعْسمَ

(1)

، وهو عوج

(2)

في الرُّصغ

(3)

.

(وَالرِّجْلَيْنِ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، حتَّى قَدَمِ أعْرَجَ، وقال أبو بكرٍ: حكومة.

مسألة: إذا كان له كفان على ذراع، أو يدان أو ذراعان على عضد، وتساويا في غير البطش؛ فحكومة، وفي البطش أيضًا؛ دية، وللزيادة حكومة، وفي أحدهما؛ نصف دية وحكومة، وفي إصبع إحداهما؛ خمسة أبعرة

(4)

.

(وَالْأَلْيَتَيْنِ)، وهما ما علا وأشْرَفَ على الظَّهر وعن اسْتِواء الفَخِذَينِ، وإنْ لم يَصِلْ إلى العَظْم؛ الدِّيَةُ، ذَكرَه جماعةٌ.

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: فيهما الدِّيَةُ إذا قُطِعَتا حتَّى تصل

(5)

إلى العَظْمِ

(6)

.

(وَالْأُنْثَيَيْنِ)، ففيهما الدِّيَةُ؛ لخبرِ عمرو

(7)

بنِ حَزْمٍ

(8)

، وفي أحدهما نصفُها في قَولِ أكثرِهم.

فرعٌ: إذا رَضَّ أُنثَيَيْهِ، أوْ أشَلَّهما؛ كَمُلَتْ دِيَتُهما؛ كما لو أَشَلَّ يَدَيهِ، أوْ ذَكَرَه.

(1)

في (ظ) و (ن): أعشم. قال في الصحاح 5/ 1985: (العسم في الكف والقدم: أن ييبس مفصل الرسغ حتى يعوج الكف والقدم).

(2)

في (م): عرج.

(3)

في (م): الوضع، وفي (ن): الرضع. قال الليث: الرُّصغ لغة في الرسغ معروفة. ينظر: تهذيب اللغة 8/ 60.

(4)

قوله: (مسألة) إلى هنا سقط من (ظ) و (م)، وهي مذكورة في منتهى الإرادات في هذا الموضع، وسيأتي قريبًا نحو هذه المسألة في كلام المؤلف رحمه الله تعالى.

(5)

في (ن): يصل.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3389.

(7)

في (م): عمر.

(8)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

ص: 292

وإنْ قَطَعَ إحداهما، فذَهَبَ النَّسْلُ؛ لم يَجِبْ أكثرُ من نصفِ الدِّيَة.

(وَإسْكَتَيِ الْمَرْأَةِ)، بكسر الهمزة وفتحها، وهما شُفْراها، وقال أهلُ اللُّغة: الشُّفْرانِ حاشيتا

(1)

الإسْكَتَينِ، وفيهما الدِّيَةُ؛ لأِنَّ فيهما منفعةً وجمالاً، وليس في البدن غيرهما من جنسهما

(2)

.

وإنْ أشَلَّهما؛ ففيهما الدِّيَةُ؛ كما لو جَنَى على شَفَته فأشلَّها

(3)

.

ولا فَرْقَ بَينَ الرَّتْقاء وغَيرِها.

وفي عانة

(4)

الرَّجُل والمرأةِ حكومةٌ.

(وَعَنْهُ: فِي الشَّفَةِ السُّفْلَى ثُلُثَا

(5)

الدِّيَةِ، وَفِي الْعُلْيَا ثُلُثُهَا)، رُوِيَ عن زَيدٍ

(6)

؛ لأِنَّ نَفْعَ السُّفْلَى أعظمُ؛ لأِنَّها هي التي تدورُ وتتحرَّك وتَحفَظُ الرِّيقَ والطَّعامَ.

والأول

(7)

أصحُّ، وقَولُ زَيدٍ مُعارَضٌ بقَولِ أبي بكرٍ

(8)

وعليٍّ

(9)

.

(وَفِي الْمَنْخِرَيْنِ: ثُلُثَا الدِّيَةِ، وَفِي الحَاجِزِ

(10)

ثُلُثُهَا) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ

(1)

في (م): جانبا.

(2)

في (م): جنسه.

(3)

في (م): شفتيه فأشلهما.

(4)

في (ن): إعاية.

(5)

قوله: (ثلثا) سقط من (م).

(6)

أخرجه ابن أبي شيبة (26912)، عن مكحول، عن زيد رضي الله عنه:«في الشفة السفلى ثُلُثا الدية؛ لأنها تحبس الطعام والشراب، وفي العليا ثُلث الدية» ، ومكحول لم يسمع من زيد.

(7)

في (م): الأولى.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (17482)، وابن أبي شيبة (26919)، عن عمرو بن شعيب قال:«قضى أبو بكر في الشفتين بالدية، مائة من الإبل» ، وهو منقطع بين عمرو بن شعيب وأبي بكر رضي الله عنه.

(9)

أخرجه عبد الرزاق (17484)، عن إسرائيل قال: أخبرني أبو إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:«في الشفتين الدية» ، وسنده لا بأس به، فإن عاصم بن ضمرة صدوق، وروي مرفوعًا كما في خبر عمرو بن حزم رضي الله عنه عند النسائي (4853)، وغيره وقد سبق.

(10)

في (م): الحاجب.

ص: 293

المارِنَ يَشمَلُ ثلاثةَ أشْياءَ: مَنخرانِ وحاجِزٌ، فَوَجَبَ تَوزيعُ الدِّيَة على عددها؛ كسائر ما فيه عددٌ من الأصابع.

(وَعَنْهُ: فِي الْمَنْخِرَينِ الدِّيَةُ، وَفِي الحَاجِزِ

(1)

حُكُومَةٌ)، حكاها أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ المنخرَينِ لَيسَ في البدن لهما ثالِثٌ، ولأِنَّه بقَطْعِهما يَذهَبُ الجَمالُ كلُّه والمنفعةُ، أشْبَهَ قطع

(2)

اليدَينِ.

والأوَّلُ أظْهَرُ، وقدَّمه

(3)

الأكثرُ، فلو

(4)

قُطِعَ أحدُ المَنخرَينِ ونصفُ الحاجز

(5)

؛ وَجَبَ نصفُ الدِّيَة، وإنْ شقَّ الحاجِزَ بَينَهما؛ ففيه حُكومةٌ، وإنْ بَقِيَ مُنفَرِجًا؛ فالحكومةُ فيه أكثرُ.

(وَفِي الْأَجْفَانِ الْأَرْبَعَةِ: الدِّيَةُ، وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ

(6)

رُبُعُهَا)، وعليه الأئمَّةُ؛ لأِنَّها أعضاء

(7)

فيها جمالٌ ظاهِرٌ ونَفْعٌ كامِلٌ، فإنَّها تُكِنُّ العَينَ، وتَحفَظُها من الحرِّ والبَرْد، ولولاها لَقَبُح مَنظَرُها.

ويَجِبُ

(8)

في أشْفارِ عين

(9)

الأعمى وهي الأَجْفانُ؛ لأِنَّ ذَهابَ البَصَرِ عَيبٌ في غَيرِ الأجْفانِ.

(وَفِي أَصَابِعِ الْيَدَيْنِ: الدِّيَةُ)، إذا كانَتْ سليمةً، (وَفِي أَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ: الدِّيَةُ)؛ لِمَا رَوَى التِّرْمذِيُّ، وصحَّحه عن ابن عبَّاسٍ مَرفوعًا: «دِيَةُ أَصَابِعِ

(1)

قوله: (ثلثها على المذهب؛ لأن المارن

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): كقطع.

(3)

في (ن): قدمه.

(4)

في (م): ولو.

(5)

في (م): الحاجب.

(6)

قوله: (كل واحد) في (م): أصبع.

(7)

في (م): لأنه أعطى.

(8)

أي: الدية، كما في المغني 8/ 440، والشرح الكبير 25/ 469.

(9)

في (م): عيني.

ص: 294

اليَدَينِ والرِّجْلَينِ عَشْرٌ من الإبل لكلِّ إصبعٍ»، وفي البخاريِّ عنه مرفوعًا، قال:«هذه وهذه سواءٌ» ؛ يَعْنِي: الخِنْصرَ والإبهامَ

(1)

.

(وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ: عُشْرُهَا)، وفيه خلافٌ شاذٌّ.

(وَفِي كُلِّ

(2)

أَنْمَلَةٍ: ثُلُثُ عَقْلِهَا)؛ لأِنَّ دِيَةَ الأصبع تُقسَمُ عليها؛ كما قُسمت

(3)

دِيَةُ اليَدِ على الأصابع بالسَّوِيَّة، (إِلاَّ الْإِبْهَامَ، فَإِنَّهَا مَفْصِلَانِ، فَفِي كُلِّ مَفْصِلٍ نِصْفُ عَقْلِهَا)؛ أيْ: نصفُ عُشر

(4)

الدِّيَةِ.

(وَفِي الظُّفْرِ: خُمُسُ دِيَةِ الْإِصْبَعِ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لقول زَيدٍ

(6)

، ورواه

(7)

ابنُ عبَّاسٍ

(8)

، ومَعْناهُ: إذا قَلَعَه ولم يَعُدْ، وفي

(9)

«الرِّعاية» : وكذا إنِ اسْوَدَّ ودامَ.

والتقديرات يُرجَعُ فيها إلى التَّوقِيفِ، فإنْ لم يكُنْ فيها تَوقِيفٌ؛ فالقِياسُ أنَّ فيه حكومةً؛ كسائرِ الجِراح التي لَيس فيها مُقدَّرٌ.

(1)

أخرجه البخاري (6895)، والترمذي (1391).

(2)

قوله: (كل) سقط من (م).

(3)

في (م): تقسم.

(4)

في (م): عن.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3358، مسائل عبد الله ص 416، زاد المسافر 4/ 439.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (17745)، وابن أبي شيبة (27120)، عن حجاج، عن مكحول، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:«في الظفر يُقلع إن خرج أسود، أو لم يخرج؛ ففيه عشرة دنانير، وإن خرج أبيض؛ ففيه خمسة دنانير» ، ومكحول لم يسمع من زيد، وحجاج هو ابن أرطاة صدوق كثير الخطأ والتدليس.

(7)

كذا في النسخ الخطية، وفي كشاف القناع 13/ 422: وروي عن.

(8)

أخرج عبد الرزاق (17744)، وابن أبي شيبة (27121)، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«في الظفر إذا اعور خمس دية الإصبع» ، وإسناده صحيح. ينظر: الإرواء 7/ 319.

(9)

في (م): في.

ص: 295

وفي «الكافي» : أن ما

(1)

لا تَوقِيفَ فيه

(2)

من سائرِ الجراح؛ تَجِبُ فيه الحُكومةُ.

(وَفِي كُلِّ سِنٍّ

(3)

قُلِعَ بِسِنْخِها

(4)

، أو الظَّاهِرُ فقطْ:(خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ)، رُوِيَ عن عمرَ

(5)

، وابنِ عبَّاسٍ

(6)

، ولخبرِ عمرِو بنِ حَزْمٍ، وعَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، وهي

(7)

اثْنا عَشَرَ سنًّا: أرْبَعٌ ثَنَايَا، وأربعٌ

(8)

رَبَاعِيَّاتٌ، وأربعةٌ أنْيابٌ، قالَهُ ابنُ حَزْمٍ

(9)

وغَيرُه، وفَوق: ضاحِكانِ، وناجِذانِ، وسِتُّ طَواحِينَ، وأسْفَلُ مثلُها

(10)

، فعلى هذا: يَجِبُ في جميعها مائةٌ وسِتُّونَ بعيرًا؛ لأِنَّها اثْنانِ وثلاثُونَ، فإنْ كانَتْ إحْدَى ثنيَّتِه

(11)

قصيرةً؛ نُقِصَ مِنْ دِيَتها بقَدْرِ نَقْصِها، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغَيرِه.

وشَرْطُه: (إِذَا قُلِعَتْ مِمَّنْ قَدْ

(12)

ثُغِرَ)، بضمِّ الثَّاء؛ أي: إذا سَقَطَتْ رواضِعُه، يُقالُ: ثُغِرَ وأثْغَرَ، يُحتَرزُ بذلك من الصَّغير الذي لم يُثغِرْ، فإنَّه لا

(1)

قوله: (ما) سقط من (ن).

(2)

في (م): فيها.

(3)

في (م): من.

(4)

قال في الصحاح 1/ 423: (السنخ: الأصل، وأسناخ الأسنان: أصولها).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (17497)، عن معمر، عن ابن شبرمة:«أن عمر بن الخطاب، جعل في كل ضرس خمسًا من الإبل» ، وهو منقطع بين عبد الله بن شبرمة وعمر رضي الله عنه.

(6)

أخرجه مالك (2/ 862)، وعنه الشافعي كما في مسنده (ص 343)، وعبد الرزاق (17495)، من طريق داود بن الحصين، عن أبي غطفان، أن مروان أرسله إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله ماذا جعل في الضرس؟ فقال:«فيه خَمسٌ من الإبل» ، وإسناده صحيح.

(7)

في (ظ): وهو.

(8)

قوله: (ثنايا وأربع) سقط من (م).

(9)

ينظر: مراتب الإجماع ص 142.

(10)

في (م): منها.

(11)

كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 25/ 486: ثَنِيَّتيه.

(12)

قوله: (ممن قد) في (م): من.

ص: 296

يَجِبُ بقَلْعِها شَيءٌ في الحال، بغَيرِ خلافٍ نَعلَمُه

(1)

؛ لأِنَّ العادةَ عَودُ سنِّه، فيُنتَظَرُ، فإنْ مَضَتْ مدَّةٌ يُيأَسُ مِنْ عَودِها؛ وَجَبَتْ دِيَتُها، قال أحمدُ: يُتوقَّفُ سَنَةً

(2)

؛ لأِنَّه غالِبٌ في نَباتِها.

(وَالْأَضْرَاسُ، وَالْأَنْيَابُ؛ كَالْأَسْنَانِ)، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ

(3)

، ومُعاوِيَةَ

(4)

، والأكثرِ؛ لِمَا رَوَى أبو داودَ عن ابن عبَّاسٍ مرفوعًا قال: «الأسنانُ سَوَاءٌ، الثَّنِيَّةُ والضرس

(5)

سواءٌ»

(6)

، وهذا نَصٌّ، ولأِنَّ كلَّ دِيَةٍ وجَبَتْ في جملةٍ كانَتْ مَقْسومةً على العدد دُونَ المنافِعِ؛ كالأصابع والأجْفان.

وعَنْهُ: إنْ لم يكُنْ ثُغِرَ فحُكومةٌ، اختارَه القاضي، وقال: إذا سَقَطَتْ أخَواتُها ولم تَعُدْ؛ أُخِذَتْ دِيَتُها؛ لأِنَّ الغالِبَ أنَّها لا تَعُودُ بَعْدَ ذلك.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَجِبَ فِي جَمِيعِهَا دِيَةٌ وَاحِدَةٌ)، هذا روايةٌ، حكاهُ في «المغْنِي» و «الفُروعِ» ؛ لأِنَّ في كلِّ ضِرْسٍ بَعِيرَينِ؛ لقَولِ سعيدِ بنِ المسيِّبِ، رواه مالِكٌ

(7)

،

(1)

ينظر: المغني 8/ 453.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3402، المغني 8/ 453.

(3)

سبق تخريج 9/ 296 حاشية (6).

(4)

أخرجه مالك (2/ 861)، والشافعي في الأم (7/ 248)، وعبد الرزاق (17507)، وابن أبي شيبة (26981)، عن سعيد بن المسيب يقول:«قضى عمر بن الخطاب في الأضراس ببعير بعير، وقضى معاوية بن أبي سفيان في الأضراس بخمسة أبعرة خمسة أبعرة» ، وإسناده صحيح، وسعيد بن المسيب عن عمر محمول على الاتصال.

(5)

قوله: (الثنية والضرس) في (م): السنة والعرس.

(6)

أخرجه أحمد (2624)، وأبو داود (4560)، وابن ماجه (2650)، وابن حبان (6014)، وإسناده صحيح، صححه ابن حبان وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 8/ 457، الإرواء 7/ 316.

(7)

أخرجه مالك (2/ 861).

ص: 297

وعن

(1)

عَطاءٍ نَحوُه، وللإجماع

(2)

أنَّ في كلِّ سنٍّ خمسًا

(3)

؛ لأِنَّها مَنفَعةُ جِنْسٍ، فلم تَزِدْ دِيتها على الدِّيَة؛ كسائرِ منفعةِ الجنس.

وفي «المحرَّر» : وقِيلَ: إنْ قُلِعَ الكلُّ، أوْ فَوق العشرين دَفْعةً؛ لم يَجِبْ سِوَى الدِّيَة.

وقال أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ: إنْ قَلَعَ أسنانَه دَفْعةً واحدةً؛ فالدِّيَةُ.

فرعٌ: إذا قَلَعَ سِنًّا مُضطَرِبَةً؛ لِكِبَرٍ أوْ مَرَضٍ، وكانَتْ مَنافِعُها أوْ بَعضُها باقيةً؛ وَجَبَتْ دِيَتُها، وإنْ ذَهَبَتْ مَنافِعُها؛ فهي كيَدٍ شَلاَّءَ.

وإنْ قَلَعَ سِنًّا فيها داء

(4)

، أوْ آكِلَةٌ، فإن

(5)

لم يَذهَبْ شَيءٌ مِنْ أجزائها؛ ففيها دِيَةُ سِنٍّ صحيحٍ، وإنْ ذَهَبَ سَقَطَ مِنْ دِيَتِها بقدر

(6)

الذَّاهِب، وَوَجَبَ للباقي

(7)

.

(وَتَجِبُ دِيَةُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فِي قَطْعِهِمَا

(8)

مِنَ الْكُوعِ وَالْكَعْبِ)؛ لأِنَّ اليَدَ في الشَّرع محمولةٌ على ذلك، بدليلِ قَطْعِ السَّارِق، والمسح

(9)

في التَّيمُّم، والكعب بمنزلةِ الكُوعِ؛ بدليلِ ما لو سَرَقَ ثانيًا؛ قُطِعَتْ رِجْلُه مِنْ كَعْبِها.

(وَإِنْ

(10)

قَطَعَهُمَا مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ؛ لَمْ يَزِدْ عَلَى الدِّيَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)،

(1)

في (م): عن.

(2)

في (ظ): والإجماع.

(3)

ينظر: المغني 8/ 452.

(4)

في (م): دواء.

(5)

في (ن): وإن.

(6)

في (ن): تعذر.

(7)

في (ظ) و (م): الباقي.

(8)

في (ن): قطعها.

(9)

في (ن): والمبيح.

(10)

في (ظ): فإن.

ص: 298

ونَصَّ عليه في روايةِ أبي طالِبٍ

(1)

، وقالَه قَتادةُ، وعَطاءٌ، وهو المنصورُ عِنْدَ معظم

(2)

أصْحابِنا؛ لأِنَّ اليَدَ اسْمٌ للجميع

(3)

، للمَنكِب

(4)

؛ لأنَّه

(5)

لِمَّا نَزَلَتْ آيةُ التَّيمُّم؛ مَسَحَ الصَّحابةُ إلى المناكِب.

لا يُقالُ: يَجِبُ أنْ لا يَجِبَ بقَطْعهما مِنْ فَوقِ الكُوع والكعب الدِّيَةُ؛ لأِنَّه لا يَلزَمُ مِنْ وُجوبِ الدِّيَة في شَيءٍ عدمُ وجوبها فيما دُونَه، بدليلِ: أنَّ الدِّيَة تَجِبُ في اليدَينِ من الكُوع، ويجب في

(6)

قَطْعِ الأصابع دُونَ الكفِّ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: فِي الزَّائِدِ حُكُومَةٌ)؛ لأِنَّ المنفعةَ المقصودةَ في اليد من البطش والأخْذ والدفع

(7)

بالكفِّ، وما زاد تابِعٌ له، والدِّيَةُ تجب

(8)

في قَطْعِها من الكُوعِ والكَعْب، فيَجِبُ في الزَّائد حكومة

(9)

، ولأِنَّ اسمَ اليَدِ والرِّجْل إلى الكُوعِ والكَعْب.

وعلى الأوَّل: لو قَطَعَ من الكُوع، ثُمَّ قَطَعَها مِنْ فَوقِ ذلك؛ ففيه

(10)

حكومةٌ؛ لأِنَّها وجَبَتْ عليه الدِّيَةُ بالقَطع الأوَّل؛ كما لو قَطَعَ الأصابعَ، ثُمَّ قَطَعَ الكفَّ.

(1)

ينظر: المغني 8/ 457.

(2)

في (م): بعض.

(3)

في (م): لجميع.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 457، والشرح الكبير 25/ 488: للجميع إلى المنكب.

(5)

في (م): لأنها.

(6)

قوله: (في) سقط من (م).

(7)

في (ظ) و (م): الرفع.

(8)

قوله: (تجب) سقط من (ن).

(9)

قوله: (لأن المنفعة المقصودة في اليد

) إلى هنا سقط من (م).

(10)

في (م): فيه.

ص: 299

فرعٌ: إذا كان له كَفَّانِ على ذِراعٍ، أوْ يَدَانِ وذِراعانِ على عَضُدٍ، وإحداهما

(1)

باطِشَةٌ أوْ أكثرَ بَطْشًا، أوْ في سَمْتِ الذِّراع والأخرى مُنحرِفةٌ أوْ تامة

(2)

، والأخرى ناقِصةٌ؛ فالأُولَى هي الأصليَّةُ، ففيها دِيَتُها، والقصاصُ بقَطْعها عَمْدًا، وفي الأخرى حكومةٌ؛ لأِنَّها زائدةٌ، سواءٌ قطَعَها مُنفرِدةً أوْ مع الأصليَّة.

وقال ابنُ حامِدٍ: لا شيءَ فيها؛ لأِنَّها عَيبٌ.

فلو اسْتَوَيَا، وكانا غَيرَ باطِشَينِ؛ ففيهما ثُلُثُ دِيَةِ اليد، أو حكومةٌ.

وإنْ كانا باطِشَينِ

(3)

؛ ففيهما دِيَةُ اليد، وهل تَجِبُ الحُكومةُ؟ فيه وجْهانِ.

(وَفِي مَارِنِ الْأَنْفِ)، وهو ما لَانَ منه

(4)

، (وَحَشَفَةِ الذَّكَرِ، وَحَلَمَتَيِ الثَّدْيَيْنِ، وَكَسْرِ ظَاهِرِ السِّنِّ

(5)

: دِيَةُ الْعُضْوِ كَامِلَةً)؛ لأِنَّ قَطْعَ المارِن يُذهِبُ الجَمالَ، أشْبَهَ الأنفَ كلَّه، وحَشَفَةِ الذَّكَر؛ لأِنَّ مَنفَعَتَه كمنفعةِ اليَدِ بالأصابع، وحلمتي

(6)

الثَّدْيَينِ؛ لأِنَّه ذَهَبَ من الثَّدْيَينِ ما تذهب

(7)

المنفعةُ بذَهابه، فَوَجَبَ دِيَةٌ كامِلةٌ، وفي كَسْرِ ظاهِر السِّنِّ دِيَتُه، وهو ما ظَهَرَ من اللِّثَةِ؛ لأِنَّ ذلك هو المسمَّى سِنًّا، فيَدخُلُ في عُمومِ النَّصِّ، وما في اللِّثَةِ يُسَمَّى سِنْخًا

(8)

، فإذا كَسَرَ السِّنَّ، ثُمَّ قَلَعَ هو أو غيره

(9)

السِّنْخَ؛ ففي السِّنِّ دِيَتُها، وفي السِّنْخ

(1)

في (ظ): أو إحداهما.

(2)

قوله: (والأخرى منحرفة أو تامة) سقط من (م).

(3)

في (ظ): باطشتين.

(4)

في (م): فيه.

(5)

في (م): الظفر.

(6)

في (م): وحلمة.

(7)

في (م) و (ن): يذهب.

(8)

السنخ بالكسر، الأصل من كل شيء، وأسناخ الأسنان أصولها. ينظر: الصحاح 1/ 423، تاج العروس 7/ 274.

(9)

في (م): وغيره.

ص: 300

حكومةٌ، والدِّيَةُ في قَدْرِ الظَّاهِرِ عادةً.

وإن اخْتَلَفا في قَدْرِ الظَّاهِر؛ اعتُبِر بأخواتها، فإنْ لم يكُن، ولم يُمكِنْ أنْ يَعرِفَ ذلك أهلُ الخِبْرةِ؛ قُبِلَ قَولُ الجاني.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَلْزَمَ مَنِ اسْتَوْعَبَ الْأَنْفَ جَدْعًا: دِيَةٌ، وَحُكُومَةٌ فِي القَصَبَةِ

(1)

؛ لِمَا رَوَى طاوُسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «في الأَنْف إذا أُوعِبَ جَدْعًا: الدِّيَةُ» رواه الشَّافِعيُّ

(2)

، والحُكومةُ في القَصَبَة؛ لما

(3)

مرَّ في قطع اليد

(4)

مِنْ فَوقِ الكُوعِ.

فإنْ قَطَعَ الأنْفَ وما تَحتَه من اللَّحم؛ ففي اللَّحم حُكومةٌ؛ لأِنَّه لَيسَ من الأنف، أشْبَهَ ما لو قَطَعَ الذَّكَرَ واللَّحم الذي تَحتَه.

(وَفِي قَطْعِ بَعْضِ الْمَارِنِ، وَالْأُذُنِ، وَالْحَلَمَةِ، وَاللِّسَانِ

(5)

، وَالشَّفَةِ، وَالْحَشَفَةِ، وَالأُنْمَلَةِ، وَالسِّنِّ، وَشَقِّ الْحَشَفَةِ طُولاً: بِالحِسَابِ

(6)

مِنْ دِيَتِهِ يُقَدَّرُ

(7)

بِالْأَجْزَاءِ)؛ كالثُّلث والرُّبع، ثُمَّ يُؤخَذُ مِثْلُه من الدِّيَة؛ لأِنَّ ما وَجَبَتِ الدِّيَةُ في جميعه وجَبَتْ في بعضه، وكما تُقسَّط

(8)

دِيَةُ اليد على الأصابِع.

(1)

في (م): العصبة.

(2)

أخرجه معلقًا الشافعي (6/ 127)، قال: روي عن ابن طاوس، عن أبيه قال: عند أبي كتاب عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه: «وفي الأنف إذا قطع المارن مائة من الإبل» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (16240)، أن الشافعي قال: فذكره، وأخرجه عبد الرزاق (17464)، عن ابن جريج قال: أخبرني ابن طاوس قال: «في الكتاب الذي عندهم عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأنف إذا قطع المارن مائة» .

(3)

في (م): العصبة كما.

(4)

في (م): اليدين.

(5)

في (م): والدمان.

(6)

زيد في (ن): مقدرًا.

(7)

في (ظ): تقدر، وفي (ن): مقدر.

(8)

في (م): تسقط، وفي (ن): يسقط.

ص: 301

وفي «التَّرغيب» روايةٌ: تجب

(1)

ثلثُ دِيَةٍ؛ كشحمة

(2)

أُذُنٍ.

وفي «الواضح» : فيما بَقِيَ مِنْ أُذنٍ بلا نفعٍ

(3)

الدِّيَةُ، وإلاَّ حُكومةٌ.

(وَفِي شَلَلِ الْعُضْوِ، أَوْ إِذْهَابِ

(4)

نَفْعِهِ، وَالْجِنَايَةِ عَلَى الشَّفَتَيْنِ بِحَيْثُ لَا يَنْطَبِقَانِ

(5)

عَلَى الأَسْنَانِ

(6)

: الدِّيَةُ)؛ لأِنَّه عَطَّلَ نَفعَهما، أشْبَهَ ما لو أشلَّ

(7)

يَدَهُ، أوْ لسانَه، أوْ شَفَتَه وسائرَ الأعضاء، إلاَّ الأذُنَ والأنفَ، قال في «المغْنِي» ، و «الشَّرح»: وكذا إذا اسْتَرْخَيَا فصارا لا يَنفَصِلانِ عن الأسنان؛ لأِنَّه عَطَّلَ جمالَها.

وفي «التَّبصرة» ، و «التَّرغيب»: في التَّقلُّص حُكومةٌ.

(وَتَسْوِيدُ السِّنِّ وَالظُّفْرِ بِحَيْثُ لَا يَزُولُ) عنه: (دِيَتُهُ)، روي عن

(8)

زَيدِ بنِ ثابِتٍ

(9)

، وقالَهُ ابنُ سِيرِينَ، وابنُ المسيِّب، والحَسَن، وهو ظاهِرُ الخِرَقيِّ.

(وَعَنْهُ: فِي تَسْوِيدِ السِّنِّ ثُلُثُ دِيَتِهَا

(10)

، وهو قَولُ بعض الصَّحابة

(11)

؛

(1)

في (م): يجب.

(2)

في (م): بشحمة.

(3)

في (ن): فلا تقع.

(4)

في (م): ذهاب.

(5)

في (م): لا ينطلقان.

(6)

في (م): اللسان.

(7)

في (ظ): أمسك.

(8)

قوله: (عن) سقط من (ن).

(9)

أخرجه عبد الرزاق (17509)، وابن أبي شيبة (27036)، عن حجاج بن أرطاة، عن مكحول، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال في السن:«يستأنى بها سنة، فإن اسودَّتْ ففيها العقل كاملاً، وإلا فما اسودَّ منها فبحساب ذلك» ، ومكحول لم يسمع من زيد وحجاج صدوق كثير الخطأ والتدليس وقد تكرر نحو هذا الإسناد مرارًا.

(10)

في (ن): ديتهما.

(11)

أخرجه عبد الرزاق (17521، 17522)، وسعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16270)، عن ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، أنه قال:«في العين القائمة، والسن السوداء، واليد الشلاء: ثلث ديتها» ، وصححه ابن حزم في المحلى (11/ 28).

ص: 302

لأِنَّ التَّقديرَ لا يَثبُتُ إلاَّ بالتَّوقيف، وكتسويد

(1)

أنْفِه مع بقاء نَفْعِه، قاله في «الواضح» .

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهَا

(2)

حُكُومَةٌ

(3)

، وهو روايةٌ عن أحمدَ؛ لأِنَّه لم يُذْهِبْها بمَنفَعَتِها، فلم تَكمُلْ دِيَتُها؛ كما لو احمرَّت، أو اصفرَّت، أوْ كلَّت.

وعَنْهُ: إنْ ذَهَبَتْ مَنفَعَتُها من المضْغِ عليها؛ ففيها دِيَتُها، وإلاَّ فحكومةٌ، قاله القاضي.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّه قَولُ زَيدٍ، ولم يُعرَفْ له مُخالِفٌ من الصَّحابة، فكان كالإجماع، ولأِنَّه أذْهَبَ الجَمالَ على الكمال، فكمُلَتْ دِيَتُها، كما لو قَطَعَ أُذنَ الأصمِّ.

فرعٌ: إذا جَنَى على سِنِّهِ فاخْضَرَّتْ؛ فعنه: كتسويدِها، جَزَمَ به في «المنتخب» ، وعَنْهُ: حُكومةٌ، قال في «الفروع»: وهي أشهر

(4)

، وذكرهما

(5)

في «الشَّرح» احْتِمالَينِ.

(وَفِي الْعُضْوِ الْأَشَلِّ مِنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، وَالذَّكَرِ، وَالثَّدْيِ، وَلِسَانِ الْأَخْرَسِ، وَالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ) في

(6)

مَوضِعِها صحيحةً غَيرَ أنَّه ذهب

(7)

نَظَرُها، (وَشَحْمَةِ الْأُذُنِ، وَذَكَرِ الخَصِيِّ

(8)

، وَالْعِنِّينِ، وَالسِّنِّ السَّوْدَاءِ، وَالثَّدْيِ دُونَ

(1)

في (م): والتسويد.

(2)

في (م): فيه.

(3)

قوله: (حكومة) مكانه بياض في (م).

(4)

في (م): وهو الأشهر.

(5)

في (م): وذكرها.

(6)

في (ن): أو.

(7)

في (ظ): أذهب.

(8)

في (م): الخنثى.

ص: 303

حَلَمَتِهِ، وَالذَّكَرِ دُونَ حَشَفَتِهِ، وَقَصَبَةِ الْأَنْفِ، وَالْيَدِ وَالْأَصْبُعِ الزَّائِدَتَيْنِ: حُكُومَةٌ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا يُمكِنُ إيجابُ دِيَةٍ كامِلةٍ؛ لكَونها قد ذَهَبَتْ مَنفَعَتُها، ولا مُقدَّرَ فيها، فتَجِبُ الحُكومةُ.

(وَعَنْهُ: ثُلُثُ دِيَتِهِ)؛ لِمَا رَوَى النسائي ورجالُه ثِقاتٌ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه، قال:«قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العَينِ العَوراء السَّادَّةِ لمكانها بثُلُثِ الدِّيَةِ، وفي اليد الشَّلاَّء إذا قُطِعَتْ بثُلثِ دِيَتِها، وفي السِّنِّ السَّوداء إذا قُلِعَتْ بثُلُثِ دِيَتِها» ، وعن عمرَ مَعْنَى ذلك، رواه سعيدٌ

(1)

.

وحُكمُ الرِّجْل الشَّلاَّءِ كاليَدِ الشَّلاَّء، رجَّحه المؤلِّفُ، وقال: قَولُهم لا يُمكِنُ إيجابُ مُقدَّرٍ؛ مَمْنوعٌ، فإنَّا قد ذَكَرْنا التقدير

(2)

وبينَّاه

(3)

.

فأمَّا اليَدُ، والرِّجْلُ، والإصْبَعُ، والسِّنُّ الزَّوائدُ؛ فَفِيها حكومةٌ، ولا يَصِحُّ قِياسُ هذا على العُضْوِ الذي ذَهَبَتْ مَنفَعتُه وبَقِيَ جمالُه؛ لأِنَّ هذه الزَّوائدَ لا جَمالَ فيها، إنَّما هي شَينٌ في الخِلْقة، وعَيبٌ يُرَدُّ به المبيعُ، وتَنقُصُ به القِيمةُ.

وقِيلَ: لا يَجِبُ فيها شَيءٌ، قال

(4)

القاضي: هو في مَعْنَى اليَدِ الشَّلاَّءِ، فيُخرَّجُ على الرِّوايَتَينِ.

وكذا كلُّ عُضْوٍ ذَهَبَتْ مَنفَعَتُه وبَقِيَتْ صُورَتُهُ، والكفُّ الذي لا أصابِعَ عليه، وساقٌ لا قَدَمَ فيه، وذِراعٌ لا كفَّ عليه، وذَكَرٌ لا حَشَفَةَ له

(5)

.

(1)

أخرجه النسائي (4840)، والطبراني في مسند الشاميين (1521)، والدارقطني (3241)، وإسناده حسن، وسبق تخريجه عن عمر رضي الله عنه 9/ 302 حاشية (11). ينظر: الإرواء 7/ 324.

(2)

قوله: (فإنا قد ذكرنا التقدير) في (م): فإذا قدر ذكر لتقدير.

(3)

في (ن): ثبتاه.

(4)

في (م): وقال.

(5)

قوله: (له) مكانه بياض في (م).

ص: 304

(وَعَنْهُ: فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ: كَمَالُ دِيَتِهِ)، ذهب

(1)

الأكثرُ إلى وُجوبِ الدِّيَة في ذَكَرِ العِنِّينِ؛ لخبرِ عمرِو بن حَزْمٍ: «وفي الذَّكَرِ الدِّيَةُ»

(2)

، ولأنَّه

(3)

غَيرُ مَأْيُوسٍ من جِماعِه، وهو عُضْوٌ سليمٌ في نفسه، أشْبَهَ ذَكَرَ الشَّيخ.

وعنه: لا تَكمُلُ دِيَتُه؛ لأِنَّ مَنفَعتَه الإنزالُ والإحْبالُ بالجماع، وقد عُدِمَ ذلك منه في حالِ الكمال، أشْبَهَ الأشلَّ، وبهذا فارق ذَكَر

(4)

الشَّيخ.

وأمَّا ذَكَرُ الخَصِيِّ؛ فعنه

(5)

: دِيَةٌ كامِلةٌ؛ لظاهِرِ الخبر

(6)

، ولأِنَّ مَنفَعَتَه - وهي الجِماعُ - باقِيَةٌ فيه

(7)

.

وعَنْهُ: لا؛ لأِنَّ المقصودَ منه تحصيلُ النَّسل، ولا يُوجَدُ ذلك منه، فلم تَكمُلْ دِيَتُه.

وعنه: تَكميلُها

(8)

كذَكَر

(9)

العِنِّين دُونَ الخَصِيِّ، وخرَّج منه في «الانتصار» في لسانِ أخْرَسَ.

وقدَّم في «الرَّوضة» : في ذَكَرِ الخَصِيِّ إنْ لم يُجامَعْ بمِثْلِه فثُلُثُ دِيَةٍ، وإلاَّ دِيَةٌ، قال: في عَينٍ قائمةٍ نصفُ

(10)

دِيَةٍ.

فرعٌ: إذا نَبَتَتْ

(11)

أسْنانُ صبيٍّ سَوداءَ، ثُمَّ ثُغِرَ، ثُمَّ عادَتْ سَوداءَ؛ فِدِيَتُها

(1)

في (م): وذهب.

(2)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(3)

في (ن): لأنه.

(4)

قوله: (ذكر) سقط من (م).

(5)

في (م): ففيه.

(6)

قوله: (لظاهر الخبر) في (م): للخبر.

(7)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(8)

في (م): يكملها.

(9)

في (م): الذكر، وفي (ظ): لذكر.

(10)

في (ن): ثلث.

(11)

في (ظ): نبت.

ص: 305

تامَّةٌ؛ كمَنْ خُلِقَ أسْوَدَ الوجه والجِسْم جميعًا.

وإنْ نَبَتَتْ أوَّلاً بَيضاءَ، ثُمَّ ثُغِرَ، ثُمَّ عادَتْ سَوداءَ؛ فإنْ قال أهلُ الخِبْرةِ: لَيسَ السَّوادُ لِمَرضٍ ولا عِلَّةٍ؛ ففيها كمالُ دِيَتِها، وإلاَّ فثُلُثُ دِيَةٍ أو حُكومةٌ.

(فَلَوْ قَطَعَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ مَعًا)؛ أيْ: دَفْعةً واحِدةً، (أَوِ الذَّكَرَ ثُمَّ الْأُنْثَيَيْنِ؛ لَزِمَهُ دِيَتَانِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحد

(1)

منهما لو انفرد

(2)

لَوَجَبَ في قَطْعِه الدِّيَةُ، فكذا إذا

(3)

اجْتَمَعَ.

(وَلَوْ قَطَعَ

(4)

الْأُنْثَيَيْنِ، ثُمَّ قَطَعَ الذَّكَرَ؛ وَجَبَتْ

(5)

دِيَةُ الْأُنْثَيَيْنِ)؛ لأِنَّ قَطْعَهُمَا لم يُصادِفْ ما يُوجِبُ نَقْصَهما عن دِيَتِهما، (وَفِي الذَّكَرِ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر»:

(إِحْدَاهُمَا: دِيَةٌ)؛ لقوله عليه السلام: «وفي الذَّكَر الدِّيَةُ»

(6)

.

(وَالأُخْرَى

(7)

وهي أشْهَرُ: (حُكُومَةٌ، أَوْ ثُلُثُ دِيَتِهِ)؛ لأِنَّه ذَكَرُ خَصِيٍّ.

فرعٌ: إذا قُطِع نصفُ الذَّكَر طُولاً، فقال أصحابُنا: يَجبُ نصفُ الدِّيَة.

ونَصَرَ في «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنْ تَجِبَ الدِّيَةُ كامِلةً؛ لأِنَّه ذَهَبَ مَنفعةُ الجِماع به، أشْبَهَ ما لو أشَلَّه.

وإنْ قَطَعَ منه قِطْعةً فما دُونَ الحَشَفة، وخَرَجَ البَولُ على عادته؛ وَجَبَ بقَدْرِ القطعة من جميعِ الذَّكَرِ من الدِّيَةِ.

(1)

في (م): واحدة.

(2)

في (م): انفردت.

(3)

في (ظ): لو.

(4)

في (م): قلع.

(5)

في (م): وجب.

(6)

سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(7)

في (م): وفي الأخرى.

ص: 306

وإنْ خَرَجَ مِنْ مَوضِعِ القَطْعِ؛ وَجَبَ الأكثرُ من الدِّيَة أوِ الحكومةُ.

(وَإِنْ أَشَلَّ الْأَنْفَ، أَوِ الْأُذُنَ، أَوْ عَوَّجَهُمَا

(1)

: فَفِيهِ حُكُومَةٌ)؛ لأِنَّ نَفْعَ الأنف والأُذن باقٍ مع الشَّلَل، بخِلافِ اليد والرجل

(2)

، فإنَّ نَفْعَهما

(3)

قد زال، وإنَّما قُلْنا بِبَقاءِ نَفْعِ الأُذن؛ كَونَها تَجمَعُ الصَّوتَ وتَمنَعُ دُخولَ الهواء في الصِّماخ، وهذا باقٍ مع الشَّلَل.

وكذلك الأنفُ، فنَفْعُه جَمْعُ الرَّائحة ومَنْعُ وُصولِ شَيءٍ إلى دماغه.

قال المؤلِّفُ: أوْ تَغيير

(4)

لونِهما

(5)

.

وقِيلَ: الدِّيَةُ؛ كشَلَلِ يَدٍ ومَثانَةٍ ونَحوِهما.

(وَفِي قَطْعِ الْأَشَلِّ مِنْهُمَا: كَمَالُ دِيَتِهِ)؛ لأِنَّه قَطَعَ أُذنًا فيها جَمالُها ونَفْعُها كالصَّحيحة، وكما لو قَلَعَ عَينًا عمياء

(6)

أوْ حَوْلاءَ.

فرعٌ: إذا قَطَعَ الأنفَ إلاَّ جِلْدةً بَقِيَ مُعلَّقًا بها، فلم يَلتَحِمْ، واحْتِيجَ إلى قَطْعِ الجِلْدة؛ ففيه دِيته

(7)

، وإنْ ردَّه فالْتَحَمَ؛ فحُكومةٌ، وإن

(8)

أبانه، فردَّه فالْتَحَم؛ فقال أبو بكرٍ: فيه حُكومةٌ، وقال القاضي: فيه دِيته

(9)

؛ كما لو لم يَلتَحِمْ.

(وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي أَنْفِ الْأَخْشَمِ)؛ لأِنَّه لا عَيبَ فيه، وإنَّما العَيبُ في

(1)

في (م): عوجها.

(2)

قوله: (والرجل) سقط من (ظ) و (ن).

(3)

في (ظ): نفعها.

(4)

في (ن): يعتبر.

(5)

في (م): كونهما.

(6)

في (م): عمشاء.

(7)

في (م): دية.

(8)

في (م): فإن.

(9)

قوله: (وإن رده فالتحم فحكومة

) إلى هنا سقط من (ن).

ص: 307

غَيرِه، (وَالْمَخْرُومِ)؛ لأِنَّ أنفه

(1)

كامِلٌ غَيرَ أنَّه مَعِيبٌ؛ كالعُضْو المريضِ، (وَأُذُنَيِ الْأَصَمِّ)؛ لأِنَّ الصَّمَمَ نَقْصٌ في غَيرِ الأذن.

وفي «الرِّعاية» و «المحرَّر» : إذا قُلْنا: يُؤخَذُ به السَّالِمُ من ذلك في العَمْدِ، وإلاَّ ففيه حُكومةٌ.

(وَإِنْ قَطَعَ أَنْفَهُ، فَذَهَبَ شَمُّهُ)؛ لَزِمَه دِيَتانِ؛ لأِنَّ الشَّمَّ مِنْ غَيرِ الأنف، فلا تدخل

(2)

دِيَةُ أَحَدِهما في الآخَرِ.

(أَوْ أُذُنَيْهِ، فَذَهَبَ سَمْعُهُ؛ وَجَبَتْ دِيَتَانِ)؛ لأِنَّ السَّمْعَ من غَيرِ الأُذن، فهو كالبصر مع الأجْفان، والنُّطقِ مع الشَّفَتَينِ، فلو ذَهَبَ شمُّ أحدِهما

(3)

؛ فنصفُ الدِّيَة، وفي بعضه

(4)

حُكومةٌ.

(وَسَائِرُ الْأَعْضَاءِ)؛ كالعَينَينِ، ونحوِهما، (إِذَا

(5)

أَذْهَبَهَا

(6)

بِمَنَافِعِهَا؛ لَمْ تَجِبْ

(7)

إِلاَّ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لأِنَّ نَفْعَها فيها

(8)

، وهو تابِعٌ لها يذهب

(9)

بذَهابِه، فَوَجَبَتْ دِيَةُ العُضْو دُونَ المنفعةِ؛ كما لو قَتَلَهُ لم تجب

(10)

إلاَّ دِيَتُه.

(1)

في (م): لأنه أنف.

(2)

في (ن): فلا يدخل.

(3)

قوله: (شم أحدهما) في (م): شمه.

(4)

في (م): العصبة.

(5)

في (ن): أو.

(6)

في (ظ) و (م): أذهبهما.

(7)

في (م): بمنافعهما لم يجب.

(8)

في (م): فيه.

(9)

في (م): فذهب.

(10)

في (م): لم يجب.

ص: 308

(فَصْلٌ فِي دِيَةِ الْمَنَافِعِ)

لَمَّا تمَّمَ الكلامَ على دِياتِ الأعضاء؛ كالعَينَينِ ونحوِهما، شَرَعَ يَتكلَّمُ في دِيَةِ المنافع، وهي السَّمْعُ والبَصَرُ ونحوُهما.

(وَفِي كُلِّ حَاسَّةٍ: دِيَةٌ كَامِلَةٌ)، كذا عِبارَةُ الأصحاب، يقال: حسَّ وأحسَّ؛ أيْ: عَلِمَ وأيْقَنَ، وبألفٍ أفْصَحُ، وبها جاء القرآنُ، وإنَّما يَصِحُّ قَولُهم: الحاسَّةُ، والحَواسُّ الخَمْسُ على اللُّغةِ القليلة، والأشهر

(1)

في حسَّ بلا ألفٍ بمَعْنَى قتل

(2)

.

وقال الجَوهَريُّ في الحواس

(3)

: المشاعِرُ الخَمْسُ: السَّمْعُ، والبَصَرُ، والشَّمُّ، والذَّوقُ، واللَّمْسُ

(4)

.

(وَهِيَ

(5)

السَّمْعُ)، بغَيرِ خِلافٍ

(6)

، وسَنَدُه قَولُه صلى الله عليه وسلم:«وفي السَّمْع الدِّيَةُ»

(7)

، ورُوِيَ:«أنَّ عمرَ قَضَى في رَجُلٍ رَمَى آخَرَ بحَجَرٍ في رأسه، فذَهَبَ سَمْعُه، وعَقْلُه، ولِسانُه، ونكاحُه، بأرْبَعِ دِياتٍ، والرَّجُلُ حَيٌّ» رواه أبو المهلب

(8)

، ولأِنَّها حاسَّة تَختَصُّ بنَفْعٍ، فكان فيها الدِّيَةُ كالبصر.

(1)

في (م): العليا والأحسن.

(2)

في (ظ): قبل.

(3)

قوله: (في الحواس) سقط من (ن). وهي في (م): الحواس.

(4)

ينظر: الصحاح 3/ 917.

(5)

في (ظ) و (ن): وهو.

(6)

ينظر: الإشراف 7/ 407.

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16224)، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«وفي السمع مائة من الإبل» ، وفي سنده: عبد الرحمن بن زياد الإفريقي وهو ضعيف. ينظر: البدر المنير 8/ 461، الإرواء 7/ 321.

(8)

في (م): المطلب. أي: رواه أبو المهلب عن أبي قلابة، وذكر الخبر. ينظر: المغني 8/ 442.

والأثر أخرجه ابن أبي شيبة (26892)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16228)، عن عوف، قال: سمعت شيخًا قبل فتنة ابن الأشعث فنعت نعته، قالوا: ذاك أبو المهلب عم أبي قلابة، قال:«رمى رجل رجلاً بحجر في رأسه، فذهب سمعه ولسانه وعقله وذكره فلم يقرب النساء، فقضى فيه عمر بأربع ديات» ، وضعفه ابن حزم، وحسنه الألباني. ينظر: المحلى 11/ 74، الإرواء 7/ 322.

ص: 309

فإنْ ذَهَبَ من أحدهما فقط؛ وجَبَ نصفُها كالبصر.

(وَالْبَصَرُ) من العَينَينِ المبصِرَتَينِ من المسلم؛ دِيَةٌ كامِلةٌ إجْماعًا

(1)

.

(وَالشَّمُّ)؛ لأِنَّ ذلك في كتابِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، قال القاضي: ولأِنَّه حاسَّةٌ تَختَصُّ بمنفعةٍ؛ كسائرِ الحَيوانِ.

(وَالذَّوْقُ)، ذَكَرَه أبو الخَطَّاب والمعْظَمُ؛ لأِنَّ الذَّوقَ حاسَّةٌ، أشْبَهَ الشَّمَّ.

وقِياسُ المذهَب: أنَّه لا دِيَةَ فيه، وإنَّما تَجِبُ الحُكومةُ، صحَّحه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ لِسانَ الأَخْرَسِ لا دِيَةَ فيه إجْماعًا

(2)

، على أنَّها لا تَكمُلُ في ذَهابِ الذَّوْق بمُفْرَدِه؛ لأِنَّ كلَّ عُضْوٍ لا تَكمُلُ الدِّيَةُ فيه بمفرده

(3)

؛ لا تَكمُلُ في

(4)

مَنفَعَتِه؛ كسائر الأعضاء، قال في «الشَّرح»: ولا تفريعَ على هذا القَولِ.

(وَكَذَلِكَ تَجِبُ فِي الْكَلَامِ)؛ لأِنَّ كلَّ ما تعلَّقت الدِّيَةُ بإتْلافِه؛ تَعلَّقَتْ بإتْلافِ منفعته؛ كاليد

(5)

.

(وَالْعَقْلِ)، بالإجماع

(6)

، وسَنَدُه ما في كتابِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ؛ لأِنَّه أكثرُ المعاني قَدْرًا، وأعْظَمُ الحَواسِّ نَفْعًا، فإنَّه يتميَّز به عن

(7)

البهيمة، ويُعرف

(8)

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 143.

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 124.

(3)

قوله: (لأن كل عضو لا تكمل الدية فيه بمفرده) سقط من (م).

(4)

قوله: (في) سقط من (م).

(5)

قوله: (كاليد) سقط من (م).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 123.

(7)

قوله: (عن) سقط من (م).

(8)

في (م): وتعرف.

ص: 310

به صحَّة

(1)

حقائقِ المعلومات، ويَهتَدي به إلى المصالِح، ويَدخُلُ به في التَّكليف، وهو شرطٌ في ثُبوتِ الوِلاياتِ، وصِحَّةِ التَّصرُّفات، وأداءِ العبادات، فكان أَوْلَى مِنْ بَقِيَّةِ الحَواسِّ.

فرعٌ: إذا نَقَصَ نَقْصًا مَعلُومًا؛ وَجَبَ بقَدْره، وإن

(2)

لم يُعرف

(3)

قدره

(4)

؛ فحكومةٌ، وإنْ كانت الجِنايَةُ المذْهِبةُ للعَقل أوْ لها

(5)

أَرْشٌ كالمُوضِحةِ؛ وَجَبَت الدِّيَةُ وأرْشُ الجُرح، ولا يدخل

(6)

أرش الجناية المذْهِبة له في دِيَته، نَصَّ عليه، كما لو أوْضَحَه فذَهَبَ بَصَرُه، وقِيلَ: بلى، ويَدخُلُ الأقلُّ في الأكثر.

(وَالْمَشْيِ)؛ لأِنَّ مَنفَعَتَه مَقُصودةٌ، أشبه

(7)

الكلامَ.

(وَالْأَكْلِ)؛ لأِنَّه نَفْعُ مَقْصودٌ؛ كالشَّمِّ.

(وَالنِّكَاحِ)؛ أي

(8)

: إذا كَسَرَ صُلْبَه فَذَهَبَ نكاحُه؛ ففيه الدِّيَةُ، رُوِيَ عن عليٍّ

(9)

؛ لأِنَّه نَفْعٌ مَقْصودٌ، أشْبَهَ ذَهابَ المشْيِ.

(وَيَجِبُ فِي الْحَدَبِ)، بفَتْحِ الحاء والدَّال، مَصدَرُ حَدِبَ، بكَسْرِ الدَّالِ، إذا صار أحْدَبَ؛ لأِنَّ بذلك تذهب المنفعةُ والجَمالُ؛ لأِنَّ انْتِصابَ القامة

(10)

(1)

في (ن): صفة. والمثبت موافق للممتع والكشاف.

(2)

في (م): وإذا.

(3)

في (ن): لم نعرف.

(4)

في (م): بقدره.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي الكافي 4/ 29: للعقل لها أرش.

(6)

في (ظ): ولا تدخل.

(7)

قوله: (مقصودة أشبه) في (م): مقصود.

(8)

قوله: (أي) سقط من (م).

(9)

أخرجه ابن أبي شيبة (27169)، عن يزيد الضخم، عن علي رضي الله عنه، قال:«إذا كسر الصلب ومنع الجماع، ففيه الدية» ، ويزيد لم نقف له على ترجمة.

(10)

في (م): الانتصاب التام.

ص: 311

من الكمال والجَمال، وبه يَشرُفُ الآدَمِيُّ على سائِرِ الحيوانات.

وهذا الذي ذَكَرَه المؤلِّفُ في الكلام وما بعدَه هو روايةٌ عن أحمدَ، واختاره المجدُ، وجَزَمَ به

(1)

في «الوجيز» ، وخالَفَ فيه القاضي وغيرُه، وهو ظاهِرُ المذهب، قاله ابن الجَوزيِّ.

(وَالصَّعَرِ، وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ فَيَصِيرَ الوَجْهُ

(2)

فِي جَانِبٍ)، نَصَّ عليه

(3)

، وأصْلُ الصَّعَر: داءٌ يَأخُذُ البعيرَ في عُنُقِه، فيَلتَوِي منه عُنُقُه، قال الله تعالى:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمَان: 18]؛ أيْ: لا تُعرِضْ عنهم بوجهك تكبُّرًا، وهو قَولُ زَيدٍ، رواه مكحولٌ

(4)

، ولم يُعرَفْ له مُخالَفٌ، فكان كالإجماع، ولأِنَّه أذْهَبَ الجَمالَ والمنفعةَ، فَوَجَبَ فيه دِيَتُه؛ كسائر المنافع.

وقال في «المغْنِي» و «الشَّرح» و «التَّرغيب» : أو لا يَبلعُ رِيقَه؛ ففيه الدِّيَةُ؛ لأِنَّه تفويت

(5)

منفعةٍ لَيسَ لها مِثْلٌ في البَدَنِ.

(وَفِي تَسْوِيدِ الْوَجْهِ إِذَا لَمْ يَزُلْ)؛ لأِنَّه

(6)

فَوَّتَ الجَمالَ على الكمال، فضَمِنَه بدِيَته؛ كما لو قَطَعَ أُذُنَي الأصم

(7)

.

وظاهِرُه: أنَّه

(8)

إذا صفَّر

(9)

وجْهَه، أوْ حمَّرَه؛ تَجِبُ حكومة

(10)

؛ لأِنَّه لم

(1)

قوله: (به) سقط من (م).

(2)

في (م): وجهه.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 440، الفروع 9/ 455.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (17565)، وابن أبي شيبة (26907)، عن حجاج، عن مكحول، عن زيد:«في الصعر، إذا لم يلتفت الدية كاملة» ، وهو منقطع، مكحول لم يسمع من زيد رضي الله عنه.

(5)

في (ن): يفويت.

(6)

في (ظ): لأن.

(7)

في (م): أصم.

(8)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(9)

في (ظ): صعر.

(10)

قوله: (تجب حكومة) في (ن): لم تجب به دية.

ص: 312

يذهب الجمال على الكمال

(1)

.

وفي «المبهج» ، و «التَّرغيب»: إذا أزال

(2)

لَونَه إلى غَيرِه؛ ففيه الدِّيَةُ.

(وَإِذَا لَمْ يَسْتَمْسِكِ الْغَائِطُ أَوِ البَوْلُ

(3)

؛ بأنْ ضَرَبَ بَطْنَه، فلم يَستَمْسِك الغائِطُ، أو المثانة

(4)

فلم يَستَمْسِكِ

(5)

البَولُ؛ (فَفِي كُلِّ وَاحِدٍ

(6)

مِنْ ذَلِكَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(7)

، إلاَّ أنَّ

(8)

أبا موسى ذَكَرَ في المثانة روايةً: ثُلُثُ الدِّيَة؛ كإفْضاءِ المرأة.

والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ كلَّ واحدٍ مِنْ هذَينِ المحلَّينِ عُضْوٌ فيه مَنفَعةٌ كثيرةٌ، ليس

(9)

في البدن مثلها

(10)

، فإنَّ نَفْعَ المثانَة حَبْسُ البَول، وحَبْسُ البَطْن الغائط، والضَّرَرُ بفواتهما

(11)

عظيمٌ، فكان في كلِّ واحدٍ منهما الدِّيَةُ؛ كالسَّمع والبَصَر، فإنْ فاتَت المنفعتان بجنايةٍ واحدةٍ؛ وجبت

(12)

دِيَتانِ.

فرعٌ: إذا جُنِي عليه، فذَهَبَ عَقْلُه، وسَمْعُه، وبَصَرُه، ولِسانُه؛ وَجَبَ أرْبعُ دِياتٍ؛ لقضاءِ عمرَ

(13)

، ذَكَرَه أحمدُ في روايةِ ولده عبدِ الله

(14)

؛ كما لو جُنِي

(1)

في (م): الكمال على الجمال.

(2)

في (م): زال.

(3)

في (م): والبول.

(4)

في (م): والمثانة.

(5)

في (ظ): تستمسك.

(6)

في (م): واحدة.

(7)

ينظر: المغني 8/ 464.

(8)

قوله: (إلا أن) في (ن): لأن.

(9)

في (م): وليس.

(10)

في (م): مثلهما.

(11)

في (م): يقوى بهما.

(12)

في (ظ) و (م): وجب.

(13)

سبق تخريجه 9/ 309 حاشية (8).

(14)

ينظر: مسائل عبد الله ص 417.

ص: 313

عليه جِناياتٌ فأذهبها

(1)

، ويَجِبُ مع ذلك أرْشُ الجِراح، فإنْ ماتَ من الجِنايَة؛ لم تجب

(2)

إلاَّ دِيَةٌ واحدةٌ؛ لأِنَّ دِياتِ المنافِع تَدخُلُ في دِيَةِ النَّفْس؛ كدِياتِ الأعضاء.

(وَفِي نَقْصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِنْ عُلِمَ بِقَدْرِهِ)؛ لأنَّ

(3)

ما وَجَبَ في جميع الشَّيء؛ وَجَبَ في بعضه بقدره

(4)

؛ كإتْلافِ المال، (مِثْلَ: نَقْصِ الْعَقْلِ، بِأَنْ يُجَنَّ يَوْمًا وَيُفِيقَ يَوْمًا، أَوْ ذَهَابِ بَصَرِ إِحْدَى

(5)

الْعَيْنَيْنِ، أَوْ سَمْعِ إِحْدَى

(6)

الْأُذُنَيْنِ)؛ لِمَا ذَكَرْناه، وهو أنَّ ما وجبت

(7)

فيه الدِّيَةُ؛ وَجَبَ بَعضُها في بَعضِه؛ كالأصابع والقدمين

(8)

.

مسألةٌ: قال في «التَّرغيب» وغيرُه: ومَنفَعةُ الصَّوت، ومَنفَعةُ البَطْش؛ فلكلِّ واحد

(9)

الدِّيَةُ.

وفي «الفنون» : لو

(10)

سَقَاهُ ذَرَقَ حَمَامٍ، فَذَهَبَ صَوتُه؛ لَزِمَه حُكومةٌ.

(وَفِي بَعْضِ الْكَلَامِ بِالحِسَابِ

(11)

، يُقْسَمُ عَلَى ثَمَانِيَةٍ

(12)

وَعِشْرِينَ حَرْفًا)، سِوَى «لا» ، فإنَّ مَخْرَجَها مَخرَجُ اللاَّم والألف، فمَهْما نَقَصَ من الحروف

(1)

في (م): فأذهبهما.

(2)

في (م): لم يجب.

(3)

في (ن): لكن.

(4)

في (م): فقدره.

(5)

في (م) و (ن): أحد.

(6)

في (م): أحد.

(7)

في (م): وجب.

(8)

في (م): واليدين.

(9)

في (م): واحدة.

(10)

في (م): أو.

(11)

في (م): بالخاء.

(12)

في (ن): مائة.

ص: 314

نَقَصَ من الدِّيَة بقَدْره؛ لأنَّ

(1)

الكلامَ يَتِمُّ بجميعِها، فالذَّاهِبُ يَجِبُ أنْ يكونَ عِوَضُه من الدِّيَة كقدرِه من الكلام، ففي الحرف الواحِدِ: رُبُعُ سُبُعِ الدِّيَة، وفي الحَرفَينِ: نصفُ سُبُعِها

(2)

.

ولا فرق بَينَ ما خفَّ على اللِّسان أوْ ثَقُلَ؛ لأِنَّ كلَّ ما وَجَبَ فيه المقدَّر؛ لم

(3)

يَختَلِفْ لاِخْتِلافِ قَدْرِه؛ كالأصابع.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُقْسَمَ

(4)

عَلَى الْحُرُوفِ التِي لِلِّسَانِ فِيهَا عَمَلٌ، دُونَ الشَّفَوِيَّةِ؛ كَالْبَاءِ، وَالْفَاءِ، والمِيمِ)، والواوُ، دُونَ

(5)

حروف الحلق

(6)

السِّتَّة، وهي: الهمزةُ، والهاء، والحاء، والخاء، والعَين، والغَين، فهذه عشرةٌ، بَقِيَ ثمانيةَ عَشَرَ.

فاللِّسانُ تُقسَمُ دِيَتُه عَلَيها؛ لأِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بقَطْعِ اللِّسان وذَهابِ هذه الحروفِ وحْدَها مع بقائه

(7)

، فإذا وَجَبَت الدِّيَةُ فيها بمُفْرَدِها؛ وجب

(8)

في بعضها بقِسْطه منها.

وفي «الكافي» : أنَّ اللِّسانَ لا عَمَلَ له فيها.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ هذه الحروفَ يَنْطِقُ بها اللِّسانُ أيضًا، بدليلِ أنَّ الأخْرَسَ لا يَنْطِقُ بشَيءٍ منها.

(1)

في (م): ولأن.

(2)

في (ظ) و (ن): (تسعها). والمثبت موافق للمغني 8/ 448، والشرح 25/ 525.

(3)

في (م): ثم.

(4)

في (ظ): يقسم.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وصوابها كما في المغني 8/ 448، والشرح 25/ 525: ودون.

(6)

قوله: (حروف الحلق) في (م): الحروف.

(7)

في (م): بقائها.

(8)

في (ظ): وجبت.

ص: 315

(وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَدْرُهُ، مِثْلَ أَنْ صَارَ مَدْهُوشًا)، يَفزَعُ ممَّا لا يُفزَعُ منه، ويَستَوْحِشُ إذا خَلَا، (أَوْ نَقَصَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ)، وذَكَر جماعةٌ في نَقْصِ بصر

(1)

: نَزِنُه بالمسافة، فلو نظر

(2)

الشَّخْصَ على مِائَتَيْ ذِراعٍ، فنَظَرهُ على مِائَةٍ؛ فنِصْفُ الدِّيَة.

وفي «الوسيلة» : لو لَطَمَه فَذَهَبَ بَعْضُ بَصَرِه؛ فالدِّيَةُ في ظاهِرِ كلامه.

(أَوْ شَمُّهُ، أَوْ حَصَلَ فِي كَلَامِهِ تَمْتَمَةٌ، أَوْ عَجَلَةٌ)، أوْ صار ألْثَغَ، (أَوْ نَقَصَ مَشْيُهُ، أَوِ انْحَنَى قَلِيلاً، أَوْ تَقَلَّصَتْ

(3)

شَفَتُهُ بَعْضَ التَّقَلُّصِ

(4)

، أَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ، أَوْ ذَهَبَ اللَّبَنُ مِنْ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ: فَفِيهِ حُكُومَةٌ)؛ لِمَا حَصَلَ من النَّقْص والشَّينِ، ولم تَجِب الدِّيَةُ؛ لأِنَّ المنفَعةَ باقِيَةٌ.

وقِيلَ: إنْ ذَهَبَ اللَّبَنُ فالدِّيَةُ.

وإنْ جَنَى عليه جانٍ آخَرُ، فأذْهَبَ كلامَه؛ فالدِّيَةُ كامِلةٌ؛ كما لو جَنَى على عَينه جانٍ فَعَمِشَتْ، ثُمَّ جَنَى عليه آخِرُ فأذْهَبَ بَصرَها.

فرعٌ: إذا أذْهَبَ كلامَ الألثغ

(5)

، فإنْ كان مَأْيُوسًا مِنْ ذَهابِ لُثْغَتِه؛ ففيه بقسط

(6)

ما ذَهَبَ من الحروف، وغيرُ المأْيُوس؛ كصغيرٍ

(7)

فيه الدِّيَةُ، وكذا كبيرٌ إذا أمْكَنَ إزالةُ لُثْغَتِه بالتعليم

(8)

.

(1)

في (م): بصره.

(2)

في (م): قصر.

(3)

في (ظ) و (ن): تقلست.

(4)

في (ظ): التقلس، وفي (ن): التقليس. قال في الصحاح 3/ 1053: (قلصت شفته، أي: انزوت)، وفي المطلع ص 447:(أما بالسين فلم أقف عليه).

(5)

في (ن): ألثغ.

(6)

في (م): يسقط.

(7)

في (م): لصغر.

(8)

قوله: (بالتعليم) سقط من (ن).

ص: 316

أصلٌ: إذا نَقَصَ ذَوقُه نَقْصًا غَيرَ مُقدَّرٍ؛ بأنْ يُحسِنَ المَذاقَ الخَمْسَ، وهي الحَلاوةُ، والحُموضة، والمَرَارة، والمُلُوحةُ، والعُذوبةُ، إلاَّ أنَّه لا يُدرِكُه على الكمال؛ ففيه حكومةٌ؛ كنَقْصِ بَصَرِه نَقْصًا لا يتقدَّر

(1)

.

وإنْ لم يُدرِكْ أحدَها، وأدرك

(2)

الباقيَ؛ ففيه: خُمُسُ الدِّيَة، وفي اثْنَينِ: خُمُساها، وفي ثلاثةٍ: ثلاثةُ أخماسها

(3)

، وإنْ لم يُدرِكْ واحدةً؛ فعليه الدِّيَةُ إنْ

(4)

قُلْنا بوجوبها فيه

(5)

، وإلاَّ فحُكومةٌ.

(وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ اللِّسَانِ، فَذَهَبَ بَعْضُ الْكَلَامِ؛ اعْتُبِرَ أَكْثَرُهُمَا)؛ أيْ: تجب

(6)

دِيَةُ الأكْثَرِ، فإن اسْتَوَيا؛ مِثْلَ أنْ يَقطَعَ رُبُعَ لِسانِه، فيَذهَبَ رُبُعُ كلامِه؛ وَجَبَ رُبُعُ الدِّيَة بقَدْرِ الذَّاهِبِ منهما

(7)

؛ كما لو قلع

(8)

إحْدَى عَينَيهِ، فذَهَبَ بَصرُها.

(فَلَوْ ذَهَبَ رُبُعُ اللِّسَانِ وَنِصْفُ الْكَلَامِ، أَوْ رُبُعُ الْكَلَامِ وَنِصْفُ اللِّسَانِ؛ وَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ منهما مَضمُونٌ بالدِّيَة مُنفَرِدًا، فإذا انْفَرَدَ نصفُه بالذَّهاب؛ وَجَبَ النِّصْفُ؛ لأِنَّه لو ذَهَبَ نِصفُ اللِّسان فَقَطْ؛ وَجَبَ نصفُ الدِّيَةِ، وكذا عَكْسُه.

(فَإِنْ قَطَعَ رُبُعَ اللِّسَانِ، فَذَهَبَ نِصْفُ الْكَلَامِ، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقِيَّتَهُ؛ فَعَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لأِنَّه أذْهَبَ بجِنايَته نصفَ الكلام، (وَعَلَى الثَّانِي

(1)

في (م): لا يقدر.

(2)

في (م): أحدهما وأراد.

(3)

قوله: (وفي ثلاثة ثلاثة أخماسها) سقط من (م).

(4)

في (ظ): وإن.

(5)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(6)

في (ظ): لم تجب. وفي (م): يجب.

(7)

في (م): منها.

(8)

في (ظ): قطع، ومكانه بياض في (م).

ص: 317

نِصْفُهَا)، وهو قَولُ القاضي، وقدَّمه

(1)

في «الفروع» ؛ لأِنَّ السَّالِمَ نصفُ اللِّسان، وباقِيهِ أشلُّ، بدليلِ ذهابِ نصفِ الكلام.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على الثَّاني: (نِصْفُ الدِّيَةِ، وَحُكُومَةٌ لِرُبُعِ اللِّسَانِ)، هذا وَجْهٌ، جَزَمَ به في «الكافي» و «المستوعب» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، قال في «الفروع»: وهو الأَشْهَرُ؛ لأِنَّه لو كان جميعُه أشلَّ؛ كان فيه حكومةٌ، فكذا في بعضه.

وقِيلَ: عليه ثلاثةُ أرباعِ الدِّيَة؛ كما لو قطعه

(2)

أوَّلاً، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ولا يَصِحُّ القَولُ بأنَّ بعضَه أشلُّ؛ لأِنَّ العُضْوَ شَيءٌ كان فيه منفعةٌ، فلم يكُنْ بعضُه أشلَّ؛ كضَعْفِ بصرِ العَينِ وبَطْشِ اليَدِ.

فلو

(3)

قَطَعَ نصفَ لسانه، فذَهَبَ رُبُعُ كلامه؛ فعليه نصفُ الدِّيَة، فإنْ قَطَعَ آخَرُ بقيَّتَه؛ فعليه ثلاثةُ أرباعِ الدِّيَة، اقْتَصَرَ عليه في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه ذَهَبَ بثلاثةِ أرْباعِ الكلام، فلو ذَهَبَ ثلاثةُ أرْباعِ كلامِه مِنْ غَيرِ قَطْعٍ؛ وَجَبَ ثلاثةُ أرْباعِ الدِّيَة، فَمَعَ قَطْعِ نصفِه أَوْلَى، وقِيلَ: النِّصْفُ فَقَطْ.

فرعٌ: إذا جَنَى على لسانِه

(4)

فاقْتُصَّ منه مِثْلُ جِنايَتِه، فَذَهَبَ مِنْ كلامِ الجاني مِثْلُ جِنايَته، وذَهَبَ مِنْ كلامِ الجاني كذلك، أوْ أكثرُ

(5)

؛ لم يَجِبْ شَيءٌ؛ لأِنَّه اسْتَوْفَى حقَّه، وسِرايَةُ القَوَدِ غَيرُ مَضمُونَةٍ، وإنْ ذَهَبَ أقلُّ؛ فلِلمُقْتَصِّ دية

(6)

ما بَقِيَ؛ لأِنَّه لم يَستَوفِ بَدَلَه.

(1)

في (م): قدمه.

(2)

في (م): قلعه.

(3)

قوله: (فلو) مكانه بياض في (م).

(4)

في (ظ): نسائه.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 450، والشرح الكبير 25/ 532: فذهب مِنْ كلام الجاني مثلُ ما ذهبَ مِنْ كلام المجنيِّ عليه أو أكثرُ.

(6)

في (م): الدية.

ص: 318

وَلَوْ كان اللِّسانُ ذا طَرَفَينِ، فَقَطَع أحدَهما، ولم يَذهَبْ من الكلام شَيءٌ، وكانا مُتَساوِيَينِ في الخِلْقة؛ فهما كلِسانٍ مَشْقُوقٍ، فيهما الدِّيَةُ، وفي أحدهما نصفُها.

وإنْ كان أحدُهما تامَّ الخِلْقة، والآخَرُ ناقِصٌ؛ فالتَّام فيه الدِّيَةُ، والنَّاقِصُ زائدٌ فيه حُكومةٌ.

(وَإِنْ قَطَعَ لِسَانَهُ، فَذَهَبَ نُطْقُهُ وَذَوْقُهُ)، أوْ كان أخرسَ، قاله في «الوجيز» و «الفروع» ؛ (لَمْ تَجِبْ

(1)

إِلاَّ دِيَةٌ) واحِدةٌ؛ لأِنَّهما ذَهَبَا تَبَعًا، فَوَجَبَ دِيَتُه دُونَ دِيَتِهِما؛ كما لو قَتَلَ إنسانًا.

فلو عاد، أو أحدُهما؛ لم تجب؛ لأنَّه لم يَذهَبْ، ولو

(2)

ذَهَبَ لم يَعُدْ، وإنْ كان

(3)

قَبَضَها رَدَّها

(4)

.

وإنْ قَطَعَ لِسَانَه، ثُمَّ عاد؛ فلا شَيءَ عليه، قاله أبو بكرٍ، وقِيلَ: حكومةٌ، وفي «المستوعب»: يَجِبُ أرْشُ القَطْع.

فإنْ قَطَعَه قاطِعٌ؛ فالقِصاصُ أو الدِّيَةُ، بخِلافِ ما لو أوْضَحَه فانْدَمَلَتْ، ثُمَّ أوْضَحَه آخِرُ؛ فلا قِصاصَ ولا دِيَةَ، بل تَجِبُ حُكومةٌ؛ لأِنَّ الجِلْدَ لا يَعودُ، بخِلافِ اللِّسان، فإنْ نَقَصَ صُورةً أوْ مَعْنًى؛ وَجَبَ أرْشُه.

(وَإِنْ ذَهَبَا

(5)

مَعَ بَقَاءِ اللِّسَانِ؛ فَفِيهِ دِيَتَانِ) على الأصحِّ؛ كما لو ذَهَبَتْ مَنافِعُ الإنسان مع بقائه.

(1)

في (م): لم يجب.

(2)

في (م): ولم.

(3)

قوله: (كان) سقط من (م).

(4)

في (م): وردها.

(5)

في (م): وأذهب.

ص: 319

فعلى هذا: في

(1)

كلِّ منفعةٍ دِيَةٌ. وعَنْهُ: تَجِبُ دِيَةٌ واحِدةٌ.

فرعٌ: إذا قَطَعَ نصفَ لسانِه، فَذَهَبَ كلامُه، ثُمَّ قَطَعَ آخَرُ بَقيَّتَه، فعاد كلامُه؛ لم يَجِبْ ردُّ الدِّيَة؛ لأِنَّ الكلامَ الذي كان باللِّسان قد ذهب

(2)

، ولم يَعُدْ إلى اللِّسان، وإنَّما عاد إلى مَحَلٍّ آخَرَ.

(وَإِنْ كَسَرَ صُلْبَهُ، فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ؛ فَفِيهِ دِيَتَانِ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ في كلِّ منهما دِيَةً مُنفَرِدًا، فكذا إذا اجْتَمَعا، وكذَهابِ شَمٍّ أوْ سمعٍ

(3)

بقطعِ

(4)

أَنْفِه أوْ أُذُنِه.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَجِبَ

(5)

دِيَةٌ وَاحِدَةٌ)، هذا روايةٌ؛ لأنَّهما

(6)

مَنفَعةُ عُضْوٍ؛ كبقيَّةِ الأعْضاءِ الذَّاهِبةِ بِنَفْعِها.

فلو ضَعُفَ المشْيُ والجِماعُ، أوْ نَقَصَ؛ فحُكومةٌ.

فرعٌ: إذا كَسَرَ صُلْبه، فجُبِرَ

(7)

وعاد إلى حاله؛ فحكومةٌ للكَسْر، وإنِ احْدَوْدَبَ؛ فحُكومةٌ لهما، وإنْ ذَهَبَ ماؤه، أوْ إحْبالُه؛ فالدِّيَةُ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، وكذا في «الرَّوضة»: إن

(8)

ذَهَبَ نَسْلُه فالدِّيَةُ، وفي «المغني»: في ذَهابِ مائه احْتِمالانِ.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي نَقْصِ بَصَرِهِ أَوْ سَمْعِهِ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) مَعَ يَمينه؛ لأِنَّه لا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَتِهِ، ولا سَبِيلَ إلى إقامةِ البيِّنة عليه؛ كقَبولِ

(1)

في (م): عن.

(2)

قوله: (ثم قطع آخر بقيته

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (م): وسمع.

(4)

في (ن): فقطع.

(5)

في (ظ): يجب.

(6)

في (م): لأنها.

(7)

في (م): فجبره.

(8)

في (م): إذا.

ص: 320

قَولِ المرأة في الحَيض.

وتَجِبُ بقَدْرِ نَقْصِه، وقِيلَ: حُكومةٌ؛ كما لو جَهِلَ قَدْرَ نَقْصِه.

فإنْ قال أهلُ الخِبْرة: إنَّه يُرجَى عَودُه إلى مُدَّةٍ؛ انتُظِرَ إليها

(1)

.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ بَصَرِهِ؛ أُرِيَ أَهْلَ الْخِبْرَةِ بِهِ

(2)

؛ بأنْ يُمتَحَنَ في ذلك، (وَقُرِّبَ إِلَى عَيْنِهِ

(3)

فِي وَقْتِ غَفْلَتِهِ)؛ لأِنَّ ذلك يُمكِنُ مَعرِفَتُه منهم فيما يُخبِرُونَ به؛ كالبيِّنة.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ

(4)

سَمْعِهِ، أَوْ شَمِّهِ، أَوْ ذَوْقِهِ؛ صِيحَ

(5)

بِهِ فِي أَوْقَاتِ غَفْلَتِهِ، وَيُتْبَعُ بِالرَّائِحَةِ

(6)

المُنْتِنَةِ، وَأُطْعِمَ الْأَشْيَاءَ المُرَّةَ، فَإِنْ فَزِعَ مِمَّا يَدْنُو مِنْ بَصَرِهِ، أَوْ انْزَعَجَ لِلصَّوْتِ، أَوْ عَبَسَ لِلرَّائِحَةِ أَوِ الطَّعْمِ

(7)

المُرِّ؛ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ)؛ لأِنَّ ذلك دليلٌ على كذبه

(8)

.

وقِيلَ: يُقبَلُ قَولُ الجاني؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ معه، ويَحلِفُ؛ لِئَلاَّ يكونَ ما ظَهَرَ مِنْ أمَاراتِ

(9)

ذلك اتِّفاقًا.

(وَإِلاَّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ)؛ أيْ: قَولُ المجْنِيِّ عليه؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ معه، (مَعَ يَمِينِهِ)؛ لِئَلاَّ يكونَ ذلك بجَودةِ تَحفُّظه.

ومتى حُكِمَ له بالدِّيَة، ثُمَّ انزعج عِنْدَ صوتٍ، أو غطَّى

(10)

أنْفَه عِنْدَ رائحةٍ

(1)

قوله: (وإن اختلفا في نقص بصره

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

قوله: (به) سقط من (ن).

(3)

في (م): عينيه.

(4)

زيد في (م): بصره.

(5)

في (ن): صحَّ.

(6)

في (م): أو يتبع إلى الرائحة.

(7)

في (م): للطعم.

(8)

في (ن): كونه.

(9)

في (م): أمارة.

(10)

في (ن): عطر.

ص: 321

مُنتَنَةٍ، فطُولِبَ بالدِّيَة، فادَّعى أنَّه فَعَلَ ذلك اتِّفاقًا؛ قُبِلَ قَولُه؛ لأِنَّه مُحتَمَلٌ، فلا يُنقَضُ الحُكْمُ بالاِحْتِمال.

وإنْ تكرَّر ذلك مِنْ حَيثُ يُعلم

(1)

صحَّةُ سَمْعِه وشَمِّه؛ ردَّ ما أخَذَ؛ لأِنَّا تَبَيَّنَّا كَذِبَه.

فإن ادَّعى الجاني أنَّه وُلِدَ أبْكَمَ، ولا بَيِّنَةَ تُكذِّبُه؛ قُبِلَ قَولُه مع يَمِينِه.

وقِيلَ: تُرَدُّ؛ كما لو وُلِدَ ناطِقًا ثُمَّ خَرِسَ.

(1)

في (ن): تعلم.

ص: 322

‌(فَصْلٌ

(1)

(وَلَا تَجِبُ دِيَةُ الْجُرْحِ حَتَّى يَنْدَمِلَ)؛ لأِنَّه لا يُدْرَى أَقَتْلٌ

(2)

هو أمْ لَيسَ بقَتْلٍ، فينتظر

(3)

لِيُعْلَمَ حُكمُه، وما الواجِبُ فيه، ولهذا لا يَجوزُ الاِسْتِيفاءُ في العمد قَبْلَ الاِنْدِمالِ، فكذا في الخطأ.

(وَلَا) تَجِبُ (دِيَةُ سِنٍّ، وَلَا ظُفُرٍ، وَلَا مَنْفَعَةٍ حَتَّى يُيْأَسَ مِنْ

(4)

عَوْدِهَا)؛ لأِنَّه مِمَّا يَحتَمِلُ العَودَ، فلا يَجِبُ شَيءٌ مع الاِحْتِمالِ؛ كالشَّعر، وإنَّما يُعرَفُ ذلك بقَولِ عَدْلَينِ مِنْ أهْلِ الخِبْرة: إنَّها لا تَعُودُ أبَدًا، لكِنْ إنْ ماتَ قَبلَه؛ وجبت

(5)

.

(وَلَوَ قَلَعَ سِنَّ كَبِيرٍ، أَوْ ظُفُرَهُ، ثُمَّ نَبَتَتْ، أَوْ رَدَّهُ

(6)

فَالْتَحَمَ)؛ لم تَجِبْ دِيَةٌ، نَصَّ عليه في السِّنِّ في رِوايةِ جعفرِ بنِ محمَّدٍ

(7)

، وهو قَولُ أبي بكرٍ، والظُّفُرُ في مَعْناهُ.

وقال القاضي

(8)

: تَجِبُ دِيَتُها.

وعلى الأوَّل: فيها حُكومةٌ إنْ نقصت

(9)

أوْ ضَعُفَتْ، وإنْ قَلَعَها بَعْدَ ذلك

(10)

؛ وَجَبَتْ ديتها.

(1)

قوله: (فصل) سقط من (م).

(2)

في (م): أيقتل.

(3)

في (م): يقتل فينظر.

(4)

في (م): يؤمن.

(5)

في (م): وجب.

(6)

في (م): أو ردها.

(7)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 519، المغني 8/ 455.

(8)

قوله: (القاضي) سقط من (م).

(9)

قوله: (نقصت) مكانه بياض في (م)، وزيد فيها: به.

(10)

قوله: (بعد ذلك) في (م): بذلك.

ص: 323

وعلى الثَّاني: يَنْبَنِي حُكمُها على وُجوبِ قَلْعِها، فإذا قيل

(1)

به؛ فلا شَيءَ على قالِعها، وإنْ قُلْنا بِعدَمِه؛ فاحْتِمالانِ.

فإنْ جَعَلَ مَكانَها سِنًّا أخرى، أوْ عَظْمًا فَنَبَتَ؛ وَجَبَتْ دِيَتُها وَجْهًا واحدًا؛ كما لو لم يَجعَلْ مَكانَها سنًّا

(2)

، وإنْ قُلِعَت الثَّانيةُ؛ فحُكومةٌ في الأَشْهَرِ.

(أَوْ ذَهَبَ سَمْعُهُ، أَوْ بَصَرُهُ، أَوْ شَمُّهُ، أَوْ ذَوْقُهُ، أَوْ عَقْلُهُ، ثُمَّ عَادَ؛ سَقَطَتْ دِيَتُهُ)؛ لِزَوالِ سَبَبِها، (وَإِنْ كَانَ قَدْ أَخَذَهَا رَدَّهَا)؛ لأِنَّه تبينَّا

(3)

أنَّه أَخَذَها بغَيرِ حقٍّ، (وَإِنْ عَادَ نَاقِصًا، أَوْ عَادَتِ السِّنُّ، أَوِ الظُّفُرُ قَصِيرًا، أَوْ مُتَغَيِّرًا؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ نَقْصِهِ) خاصَّةً، نَصَّ عليه؛ لأِنَّه نَقْصٌ حَصَلَ بجِنايَتِه؛ كما لو نَقَصَه مع بقائه.

(وَإِنْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ وَيُئِسَ مِنْ عَوْدِهَا)، وَحدُّ الإيَاسِ: سَنَةٌ، نَصَّ عليه

(4)

؛ لأِنَّه هو الغالِبُ في نَباتِها

(5)

، وقال القاضي: إذا سَقَطَتْ أخَواتُها، ولم تَنبُتْ؛ (وَجَبَتْ دِيَتُهَا)؛ لأِنَّه أذْهَبَها بجِنايَتِه إذْهابًا مُستَمِرًّا؛ كَسِنِّ الكبير.

(وَقَالَ الْقَاضِي: فِيهَا حُكُومَةٌ)؛ لأِنَّ العادةَ عَوْدُها، فلم

(6)

تَكمُلْ دِيَتُها كالشَّعْر.

والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لأِنَّ الشَّعْرَ لو لم يَعُدْ؛ وَجَبَ دِيَتُه، مع أنَّ العادةَ عَودُه.

(وَعَنْهُ فِي قَلْعِ الظُّفُرِ: إِذَا نَبَتَ عَلَى صِفَتِهِ، فَفِيهِ

(7)

خَمْسَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ

(1)

في (م): قتل.

(2)

في (ظ): شيئًا.

(3)

في (م): تبين.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3402، المغني 8/ 453.

(5)

في (ن): بيانها.

(6)

زيد في (م): لم.

(7)

قوله: (ففيه) سقط من (م).

ص: 324

نَبَتَ

(1)

أَسْوَدَ؛ فَفِيهِ عَشَرَةٌ)، إذ التَّقْدِيراتُ بابها

(2)

التَّوقِيفُ، ولا نَعلَمُ فيه تَوقِيفًا.

والقِياسُ: أنَّه لا شَيءَ فيه إذا عاد على صِفَته، وإن نبت

(3)

مُتغَيِّرًا ففيه حكومةٌ؛ لأنَّ

(4)

القِياسَ يَقتَضِيها في كلِّ الجُروحِ، خُولِفَ ذلك فيما وَرَدَ الشَّرْعُ بتقديره، فيَبقَى ما عَداهُ على مُقتَضَى القياس

(5)

.

(وَإِنْ مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَادَّعَى الْجَانِي عَوْدَ مَا أَذْهَبَهُ) في نَقْصِ بَصَرِه وسَمْعِه، (فَأَنْكَرَهُ

(6)

الْوَلِيُّ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَلِيِّ)؛ لأِنَّ الأصلَ عَدَمُ العَودِ.

(وَإِنْ جَنَى عَلَى سِنِّهِ اثْنَانِ، وَاخْتَلَفَا

(7)

؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ

(8)

كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ ذلك لا يُعرَفُ إلاَّ مِنْ جِهَتِه، أشْبَهَ ما لو ادَّعَى نَقْصَ سَمْعِه.

(1)

في (ن): ثبت.

(2)

في (م): إن أبانها.

(3)

في (ن): ثبت.

(4)

في (م): لأنه.

(5)

قوله: (يقتضيها في كل الجروح

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

في (م): فأنكر.

(7)

قوله: (واختلفا) سقط من (م).

(8)

في (ن): تلف.

ص: 325

(فَصْلٌ)

(وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ: الدِّيَةُ، وَهِيَ: شَعْرُ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ، وَالْحَاجِبَيْنِ، وَأَهْدَابِ الْعَيْنَيْنِ)، نَصَّ عليه

(1)

، رُوِيَ عن عليٍّ وزَيدٍ أنَّهما قالا:«في الشَّعْر الدِّيَةُ» رواهُ سعيدٌ بإسْنادَينِ ضَعِيفَينِ

(2)

.

وعَنْهُ: فيه حُكُومةٌ؛ كالشَّارِب، وقاله أكثرُهم؛ لأِنَّه إتْلافُ جَمالٍ مِنْ غَيرِ مَنفَعةٍ؛ كاليَدِ الشَّلاَّء والعَينِ القائمةِ.

وجَوابُه: أنَّه أذْهَبَ الجَمالَ على الكمال، فَوَجَبَ فيه

(3)

دِيَةٌ؛ كأُذُنِ الأصمِّ وأنف

(4)

الأَخْشَمِ، والحاجِبُ يَرُدُّ العَرَقَ عن العَينِ ويُفرِّقه

(5)

، وهُدْبُ العَيْنِ يَرُدُّ عنها ويَصُونُها فجَرَتْ مَجْرَى أجْفانِها، واليَدُ الشَّلاَّءُ لَيسَ جَمالُها كامِلاً.

وظاهِرُه: لا فَرْقَ فيها بَينَ كَونها كثيفةً أو

(6)

خفيفةً، جميلةً أوْ قبيحةً، مِنْ

(1)

قوله: (نص عليه) سقط من (م). وينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3335 - 3745، مسائل عبد الله ص 414 - 421، الفروع 9/ 461.

(2)

أثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (17374)، وابن أبي شيبة (26875)، عن سلمة بن تمام قال:«أفرغ رجل على رأس رجل قدرًا فذهب شعره، فذهب إلى عليٍّ فقضى عليه بالدية كاملة» ، وإسناده ضعيف.

وأثر زيد رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (26876)، وسعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16330) من طريق حجاج، عن مكحول، عن زيد بن ثابت، قال:«في الشعر إذا لم ينبت الدية» ، قال البيهقي: (هذا منقطع

روينا عن علي وزيد بن ثابت رضي الله عنهما أنهما قالا: فيه الدية، قال: ولا يثبت عن علي وزيد ما روي عنهما). ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 167.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(4)

في (م): والأنف.

(5)

في (ن): وتفرقه.

(6)

قوله: (كثيفة أو) سقط من (م).

ص: 326

صَغِيرٍ أو كبيرٍ؛ لأِنَّ سائِرَ ما فيه

(1)

الدِّيَةُ مِنْ الأعضاء لا يفرقُ الحالُ فيه بذلك، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

(وَفِي كُلِّ حَاجِبٍ نِصْفُهَا)؛ كاليَدَينِ.

(وَفِي كُلِّ هُدْبٍ رُبُعُهَا)؛ كالأجْفان، ونَقَلَ حنبلٌ: كلُّ شَيءٍ من الإنسان

(2)

فيه

(3)

أربعةٌ؛ ففي كلِّ واحِدٍ رُبُعُ الدِّيَة، وطَرَدَه القاضي في جِلْدَةِ وَجْهٍ.

(وَفِي بَعْضِ ذَلِكَ بِقِسْطِهِ

(4)

مِنَ الدِّيَةِ)، يُقدَّرُ بالمساحة

(5)

؛ كالأذُنَينِ، ومارِنِ الأَنْفِ.

وذَكَرَ أبو الخَطَّاب احْتِمالاً: تَجِبُ حُكُومَةٌ.

(وَإِنَّمَا تَجِبُ

(6)

دِيَتُهُ إِذَا أَزَالَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعُودُ)؛ لأِنَّ احْتِمالَ العَودَ يَمنَعُ من الوُجوبِ؛ كالسِّنِّ الصَّغِيرِ، (فَإِنْ عَادَ) بِصِفَتِه؛ (سَقَطَتِ الدِّيَةُ)، نَصَّ عليه

(7)

؛ كالسِّنِّ.

(وَإِذَا أَبْقَى

(8)

مِنْ لِحْيَتِهِ) أَوْ مِنْ غَيرِها من الشُّعور

(9)

(مَا لَا جَمَالَ فِيهِ؛ احْتَمَلَ أَنْ يَلْزَمَهُ بِقِسْطِهِ)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كما لو أبقى

(10)

مِنْ أُذنِه يَسِيرًا.

(1)

في (م): في.

(2)

في (م): الأسنان.

(3)

في (ن): ففيه.

(4)

في (م): قسطه.

(5)

في (م): بالمسامحة.

(6)

في (م): يجب.

(7)

قوله: (إذا أزاله على وجه لا يعود

) إلى هنا سقط من (م). وينظر: مسائل عبد الله ص 414.

(8)

في (م): بقي.

(9)

في (م): الثغور.

(10)

في (م): بقي.

ص: 327

(وَاحْتَمَلَ: أَنْ

(1)

يَلْزَمَهُ كَمَالُ الدِّيَةِ)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» ؛ لأِنَّه أذْهَبَ المقصودَ، أشْبَهَ ما لو أذْهَبَ ضَوْءَ العَينِ، ولأِنَّ جِنايَتَه ربَّما أحوجت

(2)

إلى ذَهابِ الباقي؛ كزِيادَتِه في القُبْحِ على ذَهابِ الكُلِّ، فتَكونُ جِنايَتُه سَبَبًا لِذَهابِ الكلِّ.

وقِيلَ: تَجِبُ حُكومةٌ؛ لأِنَّه لا مقدَّر

(3)

فيها.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا قِصاصَ في شَيءٍ من الشُّعور؛ لأِنَّ إتْلافَها إنَّما يكون

(4)

بالجناية على مَحلِّها، وهو غَيرُ مَعْلومِ المقْدارِ، ولا يُمكِنُ المساواةُ فيها، فلا تَجِبُ.

(وَإِنْ قَلَعَ

(5)

الْجَفْنَ بِهُدْبِهِ؛ لَمْ تَجِبْ

(6)

إِلاَّ دِيَةُ الْجَفْنِ)؛ لأِنَّ الشُّعورَ تَزُولُ تَبَعًا؛ كالأصابِع إذا قُطِعَ الكَفُّ وهي عَلَيهِ.

(وَإِنْ قَلَعَ اللَّحْيَيْنِ بِمَا عَلَيْهِمَا مِنَ الْأَسْنَانِ؛ فَعَلَيْهِ دِيَتُهُمَا وَدِيَةُ الْأَسْنَانِ)؛ أيْ: عليه دِيَةُ الكلِّ، ولم تَدخُلْ دِيَةُ الأسْنانِ في اللَّحْيَيْنِ، كما تَدخُلُ دِيَةُ الأصابِعِ في اليد لِوُجُوهٍ:

أوَّلُها: أنَّ الأَسْنانَ لَيسَتْ مُتَّصِلةً باللَّحْيَينِ، وإنَّما هي مُفردةٌ

(7)

فيها، بخِلافِ الأصابِعِ.

(1)

زيد في (م): لا.

(2)

في (ظ): أخرجت.

(3)

في (م): لا يقدر.

(4)

في (ن): تكون.

(5)

في (ن): قطع.

(6)

في (ظ): لم يجب.

(7)

في (م): وإنما بقي مفرد.

ص: 328

ثانِيهَا: أنَّ أحدَهما يَنفَرِدُ باسْمِه عن الآخَرِ، بخِلافِ الأصابِعِ.

ثالِثُها: أنَّ اللَّحْيَينِ يُوجَدانِ مُنفردَينِ

(1)

عن الأسْنانِ؛ لِوُجُودِهِما قَبْلَ وُجودِ الأَسْنانِ، ويَبْقَيان

(2)

بَعْدَ قلعها

(3)

، بخِلافِ الكَفِّ مَع الأصابع.

(وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ؛ لَمْ تَجِبْ

(4)

إِلاَّ دِيَةُ الْأَصَابِعِ)؛ لِدُخولِ الجميع في مُسمَّى اليَدِ، وكما لو

(5)

قَطَعَ ذَكَرًا بحَشَفَتِه لم تَجِبْ دِيَةُ الحَشَفَةِ؛ لِدُخولها في

(6)

مُسَمَّى الذَّكَرِ.

وظاهِرُه يَقتَضِي سُقُوطَ ما يَجِبُ في مُقابَلةِ الكفِّ، وهو غَيرُ مُرَادٍ، والْأَوْلَى أنْ نَقُولَ: لم تجب

(7)

إِلاَّ دِيَةُ اليَدِ.

(وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَصَابِعِ؛ دَخَلَ مَا حَاذَى الْأَصَابِعَ فَي دِيَتِهَا)؛ لأِنَّ حُصولَ الكلِّ في الكلِّ يَقتَضِي دُخولَ البعض في البعض

(8)

.

(وَعَلَيْهِ أَرْشُ بَاقِي

(9)

الْكَفِّ)؛ لأِنَّ الأصابِعَ لو كانت سالِمةً كلُّها؛ لدخل

(10)

أرْشُ الكَفِّ كلِّه في دِيَةِ الأصابع، وكذا ما حَاذَى الأصابِعَ السَّالِمةَ يدخل

(11)

في دِيَتِها، وما حَاذَى المقْطوعاتِ لَيسَ بِداخِلٍ في دِيَتِه، فَوَجَبَ أرْشُه؛ كما لو كانَت الأصابِعُ كلُّها مَقطُوعةً.

(1)

في (ن): منفردًا.

(2)

في (ظ): وينبتان. وفي (ن): وينتفيان. والمثبت موافق للمغني والشرح الكبير.

(3)

في (ظ) و (ن): قلعهما.

(4)

في (م): وإن قطع كفًا عليه بعض أصابعه لم يجب.

(5)

قوله: (لو) سقط من (م).

(6)

قوله: (في) سقط من (م).

(7)

في (م): لا يجب.

(8)

قوله: (في البعض) سقط من (ظ).

(9)

في (ن): ما في.

(10)

في (ن): لدخول.

(11)

في (ن): تدخل.

ص: 329

وذَكَرَ ابنُ أبي مُوسَى: يَلزَمُه دِيَةُ اليَدِ كامِلةً، ينقص

(1)

مِنها ديةُ الأصابِعِ المعْدومةِ.

(وَإِنْ قَطَعَ أَنْمَلَةً بِظُفُرِهَا؛ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ

(2)

دِيَتُهَا)؛ كما لو قَطَعَ كفًّا بأصابِعِه.

فرعٌ: إذا قَطَعَ كَفًّا بلا أصابِعَ، وذِراعًا بلا كَفٍّ؛ فثُلُثُ دِيَتِه، قال أحمدُ: كَعَينٍ قائمةٍ

(3)

.

وعَنْهُ: حُكومةٌ، ذَكَرَهُما في «المنتخب» وغَيره.

وكذا العَضُد وتفصيل

(4)

الرِّجل.

(1)

في (م): ينقص.

(2)

قوله: (دية اليد كاملة ينقص

) إلى هنا سقط من (ن).

(3)

ينظر: الفروع 9/ 461.

(4)

في (م): وتفصل.

ص: 330

(فَصْلٌ)

(وَفِي عَيْنِ الْأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ، نَصَّ عَلَيْهِ

(1)

، وهو قَولُ الزُّهْرِيِّ واللَّيث وجماعةٍ.

وقِيلَ: فيها نصفُ الدِّيَةِ، وقاله الأكثرُ؛ لقوله عليه السلام:«وفي العَينِ: خَمْسونَ من الإبل، وفي العَينَينِ: الدِّيَةُ»

(2)

، يَقتَضِي أنَّه لا يَجِبُ فيها أكثرُ مِنْ ذلك؛ لأِنَّ ما ضُمِنَ بنِصْفِ الدِّيَةِ مَعَ نَظِيرِه؛ ضُمِنَ مع ذهابه؛ كالأُذنِ.

وجَوابُه: أنَّ عمرَ، وعُثْمانَ، وعَلِيًّا، وابنَ عُمَرَ نصُّوا

(3)

في عَينِ الأعْوَرِ بالدِّيَةِ

(4)

،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3349، مسائل عبد الله ص 420.

(2)

كما في خبر عمرو بن حزم رضي الله عنه وقد سبق 9/ 210 حاشية (1).

(3)

في (م): قضوا.

(4)

أثر عمر رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (27009)، والبيهقي في الكبرى (16301)، عن أبي مجلز: أن رجلاً سأل ابن عمر عن الأعور تفقأ عينه، فقال عبد الله بن صفوان:«قضى عمر فيها بالدية» .

وأخرجه عبد الرزاق (17431)، عن أبي مجلز، عن عبد الله بن صفوان:«أن عمر بن الخطاب قضى في عين أعور فُقئت عينه الصحيحة بالدية كاملة» ، وإسناده صحيح.

وأثر عثمان رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (27010)، والبيهقي في الكبرى (16300)، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض:«أن عثمان قضى في أعور أصيبت عينه الصحيحة الدية كاملة» ، وأبو عياض مجهول.

وأثر عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (27011)، عن قتادة، عن خلاس، عن علي في الرجل الأعور إذا أُصيبت عينه الصحيحة، قال:«إن شاء تفقأ عين مكان عين، ويأخذ النصف، وإن شاء أخذ الدية كاملة» ، وإسناده صحيح. وأخرجه البيهقي في الكبرى (16294)، عن الحسن عن علي بنحوه. وأخرجه (16295)، عن عطاء عن علي نحوه أيضًا.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه ابن أبي شيبة (27012)، عن سالم، عن ابن عمر، قال:«إذا فقئت عين الأعور ففيها الدية كاملة» ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ينظر: الإرواء 7/ 315.

ص: 331

ولم يُعلَمْ لهم مخالف

(1)

في

(2)

الصَّحابة، رَوَى ذلك أحمدُ، وأخَذَ به

(3)

، ذَكَرَه ابنُ الزَّاغُونيِّ، ولأِنَّه يَحصُلُ بها ما

(4)

يَحصُلُ بالعَينَينِ مِنْ رُؤيةِ الأشياءِ البعيدةِ، وإدْراكِ الأشْياءِ اللَّطيفةِ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ قاضِيًا، وتُجزئ في الكَفَّارة، وككمال قيمةِ صَيدِ الحرَمِ الأعورِ.

لا يُقالُ: يَنبَغِي أنْ لا يَجِبَ في ذَهابِ أحد

(5)

العَينَينِ نصفُ الدِّيَة؛ لِعَدَمِ نُقْصانِه؛ لأِنَّه لا

(6)

يَلزَمُ مِنْ وُجوبِ شَيءٍ في

(7)

دِيَة العَينَينِ نَقْصُ دِيَةِ الباقي، بدليلِ ما لو جَنَى عَلَيهِما فَعَمِشَا، فإنَّه يَجِبُ أرْشُ النَّقْص، ولا تَنقصُ

(8)

دِيَتُها بذلك.

فإنْ قَلَعَها صحيحٌ عَمْدًا؛ فله قَلْعُ نَظِيرَتِها منه، وأخْذُ نصفِ الدِّيَة في المنصوص

(9)

.

وقِيلَ: لا شَيءَ له مع القَلْع.

وفي «الرَّوضة» : إنْ قَلَعَها خطَأً؛ فنِصفُ الدِّيَة.

(وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ مُمَاثِلَةً لِعَيْنِهِ الصَّحِيحَةِ عَمْدًا؛ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ

(1)

في (م): مخالف لهم.

(2)

في (ن): من.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 420.

(4)

قوله: (يحصل بها ما) سقط من (ن).

(5)

في (م): إحدى.

(6)

قوله: (لا) سقط من (م).

(7)

في (ن): من.

(8)

في (ظ) و (ن): ولا ينقص.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3539.

ص: 332

كَامِلَةٌ، وَلَا قِصَاصَ

(1)

، قاله ابنُ المسيِّبِ، وعَطاءٌ، نَقَلَ مُهَنَّى: (عمرُ، وعُثْمانُ، وعليٌّ قالوا: الأعْوَرُ إذا فُقئت

(2)

عَينُه له دِيَةٌ كامِلةٌ، ولا يُقتَصُّ منه إذا فقأ عَينَ صحيحٍ، ولا أعْلَمُ أحَدًا قال بخِلافِه إلاَّ إبْراهِيمَ)

(3)

، ولأِنَّه منعناه

(4)

مِنْ إتْلافِ ضَوءٍ يُضمَنُ بديةٍ

(5)

كامِلةٍ، وكما لو قَلع

(6)

عَينَيْ سَلِيمٍ، ثُمَّ عَمِيَ، ولأِنَّه مُنِعَ القِصاصُ مَعَ وُجودِ سَبَبِه، فأُضْعِفَتِ الدِّيَةُ؛ كقاتِلِ الذِّمِّيِّ عَمْدًا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُقْلَعَ عَيْنُهُ)؛ لأِثَرٍ رُوي

(7)

في ذلك

(8)

، وكقَتْلِ الرَّجُل

(1)

قوله: (ولا قصاص) سقط من (ن).

(2)

في (ن): بقيت.

(3)

ينظر: الفروع 9/ 462. وتقدم تخريج الآثار قريبًا.

(4)

في (م): معناه.

(5)

في (م): بديته.

(6)

في (ن): قطع.

(7)

في (ن): لا يروى.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (17440)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 82)، وابن حزم في المحلى (11/ 33)، أخبرنا ابن جريج، عن محمد بن أبي عياض:«أن عمر وعثمان رضي الله عنهما اجتمعا على أن الأعور إن فقأ عين آخرٍ فعليه مثل دية عينه» ، وذكر أن عليًّا رضي الله عنه قال:«أقام الله القصاص في كتابه: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}، وقد علم هذا فعليه القصاص، فإن الله لم يكن نسيًّا» ، وعند ابن عبد البر:(ابن جريج، عن محمد، عن أبي عياض)، ولعل الإسناد هكذا كما عند ابن عبد البر، وعلى هذا فيحتمل أن أبا عياض هو قيس بن ثعلبة وهو مجهول، ويحتمل أنه غيره، وأما محمد بن أبي عياض فلم يظهر من هو، وأخرجه ابن أبي شيبة (27010)، والبيهقي في الكبرى (16300)، عن قتادة، عن عبد ربه، عن أبي عياض بذكر أوله دون قول علي، قال الألباني:(وهذا إسناد ضعيف من أجل أبي عياض، فإنه مجهول). ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 194، الإرواء 7/ 316.

وأخرج البيهقي في الكبرى (16293)، من طريق سعيد بن منصور، حدثنا هشيم، أنبأنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي الضحى، عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه في أعور فقأ عين صحيح، قال:«العين بالعين» ، وذكره ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 88) معلَّقًا فقال: وروى ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي، عن عبد الله بن مغفل أنه قال في الأعور يفقأ عين الصحيح قال: تفقأ عين الذي فقأ عينه. وكذا علقه البيهقي في المعرفة (16168).

ص: 333

بامْرأةٍ، (وَ) الأَشْهَرُ:(يُعْطَى نِصْفَ الدِّيَةِ)؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ عليًّا قَضَى في رجلٍ قَتَلَ امرأته

(1)

: يُقتَلُ بها، ويُعطَى نِصفَ الدَّية

(2)

»

(3)

، وخرَّجه

(4)

في «التَّعليق» و «الاِنْتِصار» : مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ بامْرأةٍ.

(وَإِنْ قَلَعَهَا خَطَأً؛ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ)؛ لأِنَّ الأصلَ يَجِبُ في إحْداهُما نصفُ الدِّيَة، تُرِكَ العَمَلُ به فيما تقدَّم؛ لِقَضاءِ الصَّحابة، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقتَضَى الدَّليل؛ كما

(5)

لو قَلَعَ الأعورُ عَينًا لا تُماثِلُ عَينَه الصَّحيحةَ.

(وَإِنْ قَلَعَ عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا؛ خُيِّرَ بَيْنَ قَلْعِ

(6)

عَيْنِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُهَا، وَبَيْنَ الدِّيَةِ)، هذا هو المجْزُومُ به؛ لأِنَّ هذا مَبنِيٌّ على قَضاءِ الصَّحابة

(7)

؛ لأِنَّه أذْهَبَ بصرَه كلَّه، فلم يَكُنْ له أكثرُ من إذْهابِ بَصَرِه، وأنَّ عَينَ الأعورِ تَقوم

(8)

مَقامَ العَينَينِ.

وذَهَبَ جماعةٌ من العلماء: على أنَّ له القِصاصَ ونِصفَ الدية

(9)

.

وذَكَرَ القاضي: قِياسُ المذهَبِ وُجوبُ دِيَتَينِ: إحداهما: في العَينِ التي اسْتَحَقَّ بها قَلْعَ عَينِ الأعْوَرِ، والأخرى في الأُخْرَى؛ عَينُ أعور

(10)

.

(1)

في (م): امرأة، وزيد في (ن): أنه.

(2)

في (ن): الراحل.

(3)

سبق تخريجه 9/ 104 حاشية (1).

(4)

في (م): خرجه.

(5)

في (م): وكما.

(6)

في (م): قطع.

(7)

سبق تخريجه قريبًا.

(8)

في (ظ): يقوم.

(9)

قوله: (الدية) سقط من (م).

(10)

في (ظ): الأعور. وفي المغني 8/ 439، والشرح 25/ 557: لأنها عين أعور.

ص: 334

وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «وفي العَينَينِ الدِّيَة»

(1)

، وكما

(2)

لو كان القالِعُ صحيحًا.

وظاهِرُه: أنَّه إذا فَعَلَ ذلك خطأً؛ فَلَيسَ عَلَيهِ إلاَّ الدِّيَةُ؛ كما لو قلعهما

(3)

صحيحُ العَينَينِ.

(وَفِي يَدِ الْأَقْطَعِ: نِصْفُ الدِّيَةِ، وَكَذَلِكَ فِي رِجْلِهِ) إذا أُزِيلَتْ عَمْدًا؛ لأِنَّ فيهما دِيَةً واحِدةً، ففي كلِّ واحدٍ منهما نصفُها، وكما

(4)

لو قَلَعَ أُذنَ مَنْ له أُذنٌ واحِدةٌ؛ لأِنَّ هذا أحدُ العُضوَينِ

(5)

الذي يَحصُلُ بهما مَنفَعةُ الجِنْس، لا يَقومُ مَقامَ العُضوَينِ

(6)

، وكسائرِ الأعضاء.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا اخْتارَ القَوَدَ؛ فله ذلك؛ لأِنَّه عُضْوٌ أمْكَنَ القود

(7)

في مِثْلِه، فكان الواجِبُ فيه القِصاصَ.

(وَعَنْهُ: فِيهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ)؛ قِياسًا على عَينِ الأعور.

وعَنْهُ: إن

(8)

ذَهَبَت الأُولى هَدرًا؛ ففي الثَّانية دِيَةٌ كامِلةٌ، وإلاَّ فنِصْفُها؛ لأِنَّه عَطَّلَ مَنافِعَه مِنْ العُضْوَينِ جملةً، أشْبَهَ ما لو قَلَعَ عَينَ أعْوَرَ.

وفي «الرَّوضة» : إنْ ذَهَبَتْ بحَدٍّ؛ فنصفُ الدِّيَة، وإنْ كانَتْ ذهبت

(9)

بجِهادٍ؛ فرِوايَتانِ.

(1)

كما في خبر عمرو بن حزم 9/ 210 حاشية (1).

(2)

في (ظ): كما.

(3)

في (م): قلعها.

(4)

في (ظ): كما.

(5)

في (م): العوضين.

(6)

في (م): العوضين.

(7)

قوله: (لأنه عضو أمكن القود) سقط من (ن).

(8)

في (م): إذا.

(9)

قوله: (بحد فنصف الدية، وإن كانت ذهبت) سقط من (ن).

ص: 335

والأُولى

(1)

أصحُّ؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ القِياسُ على عَينِ الأعورِ؛ لأِنَّه يَحصُلُ بها ما يَحصُلُ بالعَينَينِ، ولم يَختَلِفا في الحقيقة والأحكامِ إلاَّ اخْتِلافًا يسيرًا، بخِلافِ أقطع

(2)

اليد والرِّجْل، ولأِنَّ التَّقديرَ لا يُصارُ إليه إلاَّ بتَوقِيفٍ، ولم يُوجَدْ هنا، فلو قَطَعَ يَدَ صحيحٍ؛ قُطِعَتْ يَدُه.

(1)

في (م) و (ن): والأول.

(2)

في (ن): قطع.

ص: 336

(بَابُ الشِّجَاجِ وَكَسْرِ الْعِظَامِ)

(الشَّجَّةُ) واحِدَةُ الشِّجَاجِ، قالَهُ الجَوْهَرِيُّ

(1)

، وهي:(اسْمٌ لِجُرْحِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ خَاصَّةً)، وقد يُستَعْمَلُ في غَيرِ ذلك من الأعضاء، قاله ابنُ أبي الفَتْحِ

(2)

.

(وَهِيَ عَشْرٌ، خَمْسٌ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا)؛ لأِنَّ التَّقْديرَ مِنْ الشَّرْع، ولم يَرِدْ فيها.

(أَوَّلُهَا: الْحَارِصَةُ)، بالحاء والصَّاد المهمَلَتَينِ، (التِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ؛ أَيْ: تَشُقُّهُ

(3)

قَلِيلاً وَلَا تُدْمِيهِ

(4)

، ومنه

(5)

: حَرَصَ القصَّار

(6)

الثَّوبَ، إذا شَقَّه قليلاً، وهي القاشِرَةُ والقِشرَة

(7)

، قال ابنُ هُبَيرةَ تَبَعًا للقاضي: وتُسَمَّى المِلْطَاء

(8)

.

(ثُمَّ الْبَازِلَةُ، وَهِيَ التِي يَسِيلُ مِنْهَا الدَّمُ)، وتُسَمَّى الدَّامِيةَ والدامِعَة

(9)

؛ لِقِلَّةِ سَيَلانِ دَمِها، تَشْبِيهًا لها

(10)

بخُروجِ الدَّمْع من العَينِ.

وقدَّم في «الرعاية» : أنَّ البازِلةَ: ما سال دَمُها؛ لأِنَّها تَنضَحُ

(11)

اللَّحم

(1)

ينظر: الصحاح 1/ 323.

(2)

ينظر: المطلع ص 447.

(3)

في (ن): يشقه.

(4)

في (ن): ولا يدميه.

(5)

في (م): ومن.

(6)

في (م): القار.

(7)

في (ظ): والمقشرة. وفي (ن): القاسرة والمقسرة. والمثبت موافق لكتب المذهب.

(8)

قال في تاج العروس 20/ 119: (الملطاء، عن الليث، ويقصر، نقله الواقدي، من الشجاج: السمحاق، بلغة الحجاز).

(9)

في (ظ) و (م): والدامغة.

(10)

في (ظ) و (ن): له.

(11)

في (ظ): تنضج.

ص: 337

وتَقطَعُ فيه عُروقًا.

وقِيلَ: هي التي تدْمِي ولا تشقُّ

(1)

اللَّحم.

(ثُمَّ الْبَاضِعَةُ)، وقدَّمها السَّامَرِّيُّ وابنُ هُبَيرةَ على البازِلةِ، (وَهِيَ التِي تَبْضَعُ اللَّحْمَ

(2)

؛ أي: تَشُقُّ اللَّحْمَ بَعْدَ الجِلْد، وقِيلَ: ولم يَسُلْ

(3)

دَمُها.

(ثُمَّ الْمَتَلَاحِمَةُ، وَهِيَ الَّتِي أَخَذَتْ فِي اللَّحْمِ

(4)

؛ أيْ: دَخَلَتْ فيه دُخولاً كثيرًا، تَزِيدُ على الباضِعة.

(ثُمَّ السِّمْحَاقُ، التِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ رَقِيقَةٌ) فَوقَ العَظْم، تُسَمَّى تلك القِشْرةُ: سِمْحاقًا، فسمِّيت

(5)

الجِراحُ الواصِلةُ إلَيها بها، وتُسمِّيها أهلُ المدينة: المِلْطاء والمَلْطاةَ.

(فَهَذِهِ الْخَمْسُ فِيهَا حُكُومَةٌ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، في

(6)

قَولِ أكثرِ الفقهاء، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّها المنصورةُ عِنْدَ الأصحاب؛ لأِنَّها جِراحاتٌ لم يَرِد فيها توقيتٌ

(7)

من الشَّرع، أشْبَهَ جِراحاتِ البَدَن، وكالحارِصة.

وذَكَرَ القاضي: أنَّه متى أمْكَنَ اعْتِبارُ هذه الجِراحاتِ من المُوضِحةِ، مِثْلَ أنْ تكون

(8)

في رأسِ المجنيِّ عليه مُوضِحةٌ إلى جانِبِها؛ قُدِّرَتْ هذه الجِراحاتُ منها، فإنْ كانَتْ بقدر

(9)

النِّصْف؛ وَجَبَ نصفُ أرْشِ المُوضِحةِ، إلاَّ أنْ تَزِيدَ

(1)

في (م): ولا تنشق.

(2)

زيد في (م): في اللحم.

(3)

في (م): ولم تسل.

(4)

قوله: (في اللحم) سقط من (م).

(5)

في (م): سميت.

(6)

في (م): وفي، وفي (ن): وهي.

(7)

في (م): توقيف.

(8)

في (م): يكون.

(9)

في (ظ) و (ن): تقدر.

ص: 338

الحُكومةُ على قَدْرِ ذلك؛ لأِنَّ هذا اللَّحْمَ فيه مُقدَّرٌ، فكان في بعضه بقَدْرِه مِنْ دِيَتِه؛ كالمارِنِ والحَشَفَة.

وردَّه المؤلِّفُ، وقال: لا نَعلَمُه مَذْهَبًا لأِحْمَدَ، ولا يَقتَضِيهِ مَذهَبُه، ولا يَصِحُّ؛ لأِنَّ هذه جِراحةٌ تجب

(1)

فيها الحُكومةُ؛ كجِراحَةِ البَدَنِ، ولا يَصِحُّ قِياسُ هذا على ما ذَكَرُوهُ، فإنَّه لا تَجِبُ فيه الحُكومةُ، ولا نَعلَمُ لِمَا ذكروه

(2)

نَظِيرًا.

(وَعَنْهُ: فِي البَازِلَةِ

(3)

: بَعِيرٌ، وَفِي الْبَاضِعَةِ: بَعِيرَانِ، وَفِي المُتَلَاحِمَةِ: ثَلَاثَةٌ، وَفِي السِّمْحَاقِ: أَرْبَعَةٌ)، رواه سعيدٌ عن زَيدٍ

(4)

، وهذه نَقَلَها أبو طالِبٍ عنه، وقال: أنا أذْهَبُ إلى قَولِ زَيدٍ

(5)

، واخْتارَهُ أبو بكرٍ في «التَّنبيه»

(6)

، وقد اعْتَمَدَ أصحابُنا على قَولِ زَيدٍ في تَقْديرِ أرْشِ الهاشِمة بعَشْرٍ من الإبل، ولم يَعتَمِدُوا عليه هُنا.

(1)

قوله: (تجب) سقط من (م).

(2)

في (ن): ذكرناه.

(3)

في (م): النازلة.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (17342)، والدارقطني (3460)، والبيهقي في الكبرى (16214)، عن محمد بن راشد، عن مكحول، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:«في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاث، وفي السمحاق أربع، وفي الموضحة خَمسٌ» ، وفي سنده: محمد بن راشد المكحولي، وثقه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهم، وتكلم فيه آخرون، وقال البيهقي:(ليس بالقوي)، وهو صدوق يهم، وأخرجه من طريق سعيد بن منصور الخطابي في غريب الحديث (2/ 369)، عن مكحول، عن زيد، بدون ذكر قبيصة.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 273.

(6)

في (م): «التشبيه» .

ص: 339

(فَصْلٌ)

(وَخَمْسٌ فِيهَا مُقَدَّرٌ) مِنْ الشَّرع، فَوَجَبَ المصيرُ إليه.

(أَوَّلُهَا: الْمُوضِحَةُ) والجَمْعُ: المَواضِح، وهي

(1)

: (التِي تُوضِحُ الْعَظْمَ؛ أَيْ: تُبْرِزُهُ)، ولو بِقَدْرِ إبْرةٍ، ذَكَرَه ابنُ القاسِمِ والقاضِي، والوَضَحُ: البَياضُ؛ يَعْنِي: أنَّها أبْدَتْ وضحَ

(2)

العَظَم؛ أيْ: بَياضَه، (وَفِيهَا خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ)، أيْ: أجْمَعُوا على أنَّ

(3)

أرْشَها مُقدَّرٌ، قالَهُ ابنُ المنذر

(4)

، وفي كتاب النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لعَمْرِو بنِ حَزْمٍ:«وفي المُوضِحةِ خَمْسٌ من الإبل» رواه الشَّافِعِيُّ والنسائي

(5)

، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، قال: «وفي المواضح

(6)

خَمْسٌ خَمْسٌ

(7)

مِنْ الإبلِ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ وقال

(8)

: حديثٌ حَسَنٌ، والعَمَلُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العلم، وقال غَيرُه: إسْنادُه ثِقاتٌ

(9)

.

وقد تَقدَّمَ مُوضِحةُ المرأة والعبد.

(1)

قوله: (وهي) سقطت من (ظ) و (ن).

(2)

في (م): وهي.

(3)

قوله: (أن) سقط من (م).

(4)

ينظر: الإجماع ص 122.

(5)

قوله: (والنسائي) سقط من (م). وقد سبق تخريجه 9/ 210 حاشية (1).

(6)

في (م): الموضحة.

(7)

قوله: (خمس) سقط من (م).

(8)

في (ن): من.

(9)

أخرجه أحمد (6681)، وأبو داود (4566)، والترمذي (1390)، والنسائي (4852)، وابن ماجه (2655)، وابن الجارود (785)، وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة وابن الجارود والألباني. ينظر: بلوغ المرام (1185)، الإرواء 7/ 326.

ص: 340

وظاهِرُه: أنَّ مُوضِحةَ الرَّأس والوَجْه سَواءٌ، وهو كذلك في ظاهر المذهب؛ للعموم، ويشملُ

(1)

: الصَّغيرةَ والكبيرةَ

(2)

؛ لأِنَّ اسْمَ المُوضِحةِ يشمل

(3)

الجميع.

(وَعَنْهُ: فِي مُوضِحَةِ الْوَجْهِ عَشَرَةٌ) من الإبل، وهي قَولُ سعيدِ بنِ المسيِّب؛ لأِنَّ شَينَها أكثرُ، ومُوضِحةُ الرَّأس يَستُرُها الشَّعرُ والعِمامةُ.

(وَالْأَوَّلُ المَذْهَبُ)؛ لأِنَّه قَولُ أبي بكرٍ وعمرَ

(4)

، ولأِنَّ مُوضِحةَ الوَجْه مُوضِحةٌ، فكان أرْشُها خمسةَ أبعرةٍ

(5)

كغَيرِها، وكثرة

(6)

السِّتْر لا عِبْرةَ به، بدليلِ التَّسويةِ بَينَ الصَّغيرة والكبيرة

(7)

.

وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّه لا شَيءَ مُقدَّرٌ في مُوضِحةِ غَيرِ الوَجْه والرَّأس، وهو قَولُ الأكثرِ؛ لأِنَّ اسْمَ المُوضِحة إنَّما يُطلق

(8)

على الجِراحة المخصوصة في الوَجْه والرَّأس، وقول

(9)

الخَلِيفَتَينِ: «الموضحة

(10)

في الوَجْه والرَّأس سَواءٌ»؛ لأِنَّ الشَّيْنَ

(11)

فيهما أكثرُ وأخْطَرُ، فلا يَلحَقُ بهما غَيرُهما.

(1)

في (ن): وتشمل.

(2)

قوله: (الصغيرة والكبيرة) في (م): الصغير والكبير والعارية والمستترة بالشعر.

(3)

في (ن): تشمل.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (26823)، والبيهقي في الكبرى (16198)، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده: أن أبا بكر، وعمر رضي الله عنهم قالا:«الموضحة في الوجه والرأس سواء» ، وإسناده جيد.

(5)

قوله: (أبعرة) سقط من (م).

(6)

في (م): وكثر.

(7)

في (م): الصغير والكبير.

(8)

في (ظ) و (ن): تطلق.

(9)

قوله: (وقول) في (ظ): وهو قول.

(10)

زيد في (م): إنما تطلق على الجراحة المخصوصة.

(11)

في (ظ) و (ن): السنن.

ص: 341

(فَإِنْ عَمَّتِ الرَّأْسَ، وَنَزَلَتْ إِلَى الْوَجْهِ؛ فَهَلْ هِيَ مُوضِحَةٌ أَوْ مُوضِحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا أطْلَقَهما في «المحرَّر»: أحدهما: واحدةٌ، قدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ الوَجْهَ والرَّأسَ سَواءٌ في المُوضِحة، فصارا

(1)

كالعُضْوِ الواحد.

والثَّاني: مُوضِحَتانِ، قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه أوْضَحَه في عُضْوَينِ، فكان لكلٍّ منهما حُكْمُ نفسه، كما لو أوْضَحَه في الرَّأس ونَزَلَ إلى القَفَا.

وأطْلَقَ في «المغْنِي» و «الكافي» : إذا كان بعضُها في الرَّأس وبعضُها في الوَجْه، وإنْ لم تعمَّ

(2)

الرَّأْسَ؛ فيها الوَجْهانِ، وهو الذي يَقتَضِيهِ الدَّليلُ.

(وَإِنْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَينِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ؛ فَعَلَيْهِ عَشَرَةٌ) من الإبل؛ لأِنَّهما مُوضِحَتانِ.

(فَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا)؛ صارا

(3)

مُوضِحَةً واحِدةً؛ كما لو أوْضَحَ الكلَّ مِنْ غَيرِ حاجِزٍ يَبقَى بَينَهما.

(أَوْ ذَهَبَ بِالسِّرَايَةِ) قَبْلَ الاِنْدِمالِ؛ (صَارَا مُوضِحَةً وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ سِرايَةَ الجِنايَة لها حُكْمُ أصْلِ الجِنايَةِ، بدليلِ ما لو أتْلَفَ مَا بَينَهُما بنفسه

(4)

.

(وَإِنْ خَرَقَهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ)؛ أي: المجروحُ، (أَوْ أَجْنَبِيٌّ؛ فَهِيَ

(5)

ثَلَاثُ مَوَاضِحَ)؛ لأِنَّه استقرَّ

(6)

عليه أرْش الأوليين

(7)

بالاِنْدِمال، ثُمَّ لَزِمَتْه الثَّالِثةُ بالخَرْقِ.

(1)

في (ظ) و (م): فصار.

(2)

في (ظ) و (ن): لم يعم.

(3)

زيد في (م): قبل.

(4)

في (م): بنفيه.

(5)

في (م): فهو.

(6)

في (م): استتر.

(7)

في (ظ) و (م): الأولتين.

ص: 342

فإنِ انْدَمَلَتْ إحداهما، وزال الحاجِزُ بفعله، أوْ سِرايَةِ الأخرى؛ فعَلَيهِ أرْشُ مُوضِحَتَينِ؛ لأِنَّ سِرايَةَ فِعْلِه كالفعل.

وأمَّا إذا خَرَقَه أجْنَبِيٌّ؛ فَعَلَى الأوَّلِ أرْشُ مُوضِحَتَينِ، وعلى الثَّاني أرْشُ مُوضِحةٍ؛ لأِنَّ فِعْلَ أحدِهما لا ينبني

(1)

على فِعْلِ الآخَرِ، فانْفَرَدَ كلٌّ واحِدٍ منهما بجِنايَتِه.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِيمَنْ خَرَقَهُ؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ سببَ أرْشِ مُوضِحَتَينِ قد وُجِدَ، والجاني يَدَّعِي زَوالَه والمجْنِيُّ عَلَيهِ يُنكِرُه، والقَولُ قَولُ المنكِرِ.

وفي «التَّرغيب» : يُصدَّقُ مَنْ يُصدِّقُه الظَّاهِرُ بقُرْبِ زَمَنٍ وبُعدِه، فإنْ تَساوَيَا؛ فالمجروحُ، قال: وله أرْشانِ، وفي ثالِثٍ وَجْهانِ.

(وَمِثْلُهُ)؛ أي: مِثْلُ ما إذا أوْضَحَه مُوضِحَتَينِ بَينَهما حاجِزٌ، ثُمَّ خَرَقَ ما

(2)

بَينَهما: (لَوْ

(3)

قَطَعَ ثَلَاثَةَ أَصَابِعِ امْرَأَةٍ؛ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ مِنَ الْإِبِلِ، فَإِنْ قَطَعَ الرَّابِعَةَ؛ عَادَ إِلَى عِشْرِينَ)؛ لأِنَّ جِراحَ المرأة يُساوِي جِراحَ الرَّجل إلى الثُّلث، فإذا

(4)

زادت؛ صارَتْ على النِّصف.

(وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي قَاطِعِهَا

(5)

؛ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ)؛ أيْ: في بَقاءِ الثُّلَثَينِ عليه.

(وَإِنْ خَرَقَ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ فِي البَاطِنِ؛ فَهَلْ

(6)

هِيَ

(7)

مُوضِحَةٌ أَوْ

(1)

في (م): لا ينبغي.

(2)

قوله: (ما) سقط من (م).

(3)

في (م): أو.

(4)

في (ن): فإن.

(5)

في (ن): قاطعهما.

(6)

في (ن): قيل.

(7)

في (م): هو.

ص: 343

مُوضِحَتَانِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما

(1)

: يَلزَمُه أرْشُ مُوضِحَتَينِ؛ لاِنْفِصالهما في الظَّاهِر.

والثَّاني

(2)

: يَلزَمُه أرْشُ واحِدةٍ، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لاِتِّصالهما في الباطن.

فإنْ أَوْضَحَه جماعةٌ مُوضِحةً؛ فهل يُوضَحُ مِنْ كلِّ واحِدٍ بِقَدْرِها أوْ يُوزَّع

(3)

؟ فيه الخِلافُ.

فرعٌ: لو أَوْضَحَ رَأْسَه، ومَدَّ السِّكِّينَ إلى قَفاهُ؛ فَدِيَةُ مُوضِحَةٍ وحُكومةٌ؛ كجرح

(4)

القَفَا، ويُراعِي نسبة المُوضِحة في العبد والذِّمِّيِّ، ويتعدَّد الأرْشُ بتعدُّدِ المُوضِحَةِ.

(وَإِنْ شَجَّ جَمِيعَ رَأْسِهِ سِمْحَاقًا إِلاَّ مَوْضِعًا مِنْهُ أَوْضَحَهُ؛ فَعَلَيْهِ أَرْشُ مُوضِحَةٍ)؛ لأنَّه لو

(5)

أَوْضَحَ الجميعَ؛ لم يَلزَمْهُ أكثرُ مِنْ أرْشِ مُوضِحَةٍ، فَلَأَنْ لَا يَلْزَمُهُ فِي الْإِيضَاحِ في البعض وشجِّ الباقِي أكثرُ مِنْ ذلك بطريقِ الأَوْلَى.

وكذا لو شجَّه شجةً

(6)

بعضُها هاشِمةً وباقِيهِ دُونَها؛ لم يَلزَمْهُ أكثرُ من

(7)

ذلك.

(ثُمَّ الْهَاشِمَةُ، وَهي

(8)

الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ وَتَهْشِمُهُ)، سُمِّيَتْ به لِهَشْمِها العَظْمَ، (فَفِيهَا عَشْرٌ مِنَ الإِبِلِ)، وهو قَولُ زَيدٍ

(9)

، ومِثْلُ ذلك الظَّاهِرُ أنَّه

(1)

في (م): إحداهما.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(3)

في (م): يودع.

(4)

في (ن): لجرح.

(5)

قوله: (لو) سقط من (ظ).

(6)

قوله: (شجة) سقط من (م).

(7)

في (م): في.

(8)

قوله: (وهي) سقط من (م) و (ن). وهي مثبتة في نسخ المقنع الخطية.

(9)

أخرجه عبد الرزاق (17321، 17348)، ومن طريقه الدارقطني (3460)، والبيهقي في الكبرى (16203)، من طريق مكحول، عن قبيصة بن ذؤيب، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال:«في الدامية بعير، وفي الباضعة بعيران، وفي المتلاحمة ثلاث من الإبل، وفي السمحاق أربع، وفي الموضحة خمس، وفي الهاشمة عشر، وفي المنقولة خمس عشرة» ، وفي سنده محمد بن راشد المكحولي وهو صدوق يهم.

ص: 344

توقيفٌ، ولا يُعرَفُ له مُخالِفٌ في عَصْرِه، ولأنَّه

(1)

شَجَّةٌ فَوقَ المُوضِحَةِ يختصُّ

(2)

باسْمٍ، فكان فيها مُقدَّرٌ؛ كالمأْمومة.

(فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمُثَقَّلٍ فَهَشَمَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُوضِحَهُ؛ فَفِيهِ حُكُومَةٌ)، قدَّمه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه كَسْرُ عَظْمٍ لا جُرْحَ معه، أشْبَهَ قَصَبَةَ الأنف.

(وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ خَمْسٌ مِنَ الْإِبِلِ)؛ لأِنَّه لو أَوْضَحَ وَهَشَمَ؛ لَوَجَبَ عَشْرٌ، فإذا وُجِدَ أحدهما؛ وجَبَ خَمْسٌ؛ كالإيضاح وحدَه، وكما لو هَشَمَه على مُوضِحَةٍ.

وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّه لا يَجِبُ أرْشُ الهاشِمَة بغَيرِ خِلافٍ

(3)

؛ لأِنَّ الأَرْشَ المقدَّرَ وَجَبَ في هاشِمَةٍ معها مُوضِحةٌ.

أصلٌ: إذا هَشَمَه هاشِمةً لها مَخرجانِ؛ فثنتان

(4)

، فلو أوْضَح إنسانًا في رأسه، ثُمَّ أخرج رأسَ السِّكِّينِ من

(5)

مَوضِعٍ آخَرَ؛ فمُوضِحتانِ.

وكذا إذا أوْضَحَه مُوضِحَتَينِ، هَشَمَ العَظْمَ في كلٍّ منهما، واتَّصَلَ الهَشْمُ في الباطن؛ فهما هاشِمَتانِ؛ لأِنَّ الهَشْمَ يكونُ تَبَعًا للإيضاح، فإذا كانا مُوضِحَتَينِ؛

(1)

في (م): ولأن.

(2)

في (م): تختص.

(3)

ينظر: المغني 8/ 472.

(4)

في (م): فديتان.

(5)

في (ن): في.

ص: 345

كان الهَشْمُ هاشِمَتَينِ، بخلاف

(1)

المُوضِحة، فإنَّها لَيسَتْ تَبَعًا لغيرها.

(ثُمَّ الْمُنَقِّلَةُ، وَهِيَ التِي تُوضِحُ، وَتَهْشِمُ، وَتَنْقُلُ عِظَامَهَا)، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأِنَّها تَنقُلُ عِظامَهَا، وهي زائدةٌ على الهاشِمَة، وقِيلَ: تَنقُلُ مِنْ حالٍ إلى حالٍ، (فَفِيهَا خَمْسَ عَشَرَةَ مِنَ الْإِبِلِ)، بالإجْماع، حكاهُ ابنُ المنذِرِ

(2)

، وسَنَدُه: ما رواه سعيدٌ عن عليٍّ، بإسنادٍ حَسَنٍ

(3)

، وحديثُ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ، وحديثُ عمرو

(4)

بن شُعَيبٍ عن أبيه

(5)

.

(ثُمَّ الْمَأْمُومَةُ، وَهِيَ التِي تَصِلُ إِلَى جِلْدَةِ الدِّمَاغِ، وَتُسَمَّى: أُمَّ الدِّمَاغِ

(6)

؛ لأِنَّها تَحُوطُهُ وَتَجْمَعُه، (وَتُسَمَّى الْمَأْمُومَةُ: آمَّةً

(7)

، قال ابنُ عبدِ البَرِّ:(أهلُ العراق يَقُولونَ لها: الآمَّة، وأهلُ الحِجاز: المَأْمُومة)

(8)

، وهِيَ: الجِراحةُ الواصِلةُ إلى أمِّ الدِّماغ، وهي جِلْدةٌ فيها الدِّماغُ، يُقالُ: أمَّ الرَّجُلَ آمَّةً ومَأْمُومةً، (وَفِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ) في قَولِ أكثرِهم؛ لِمَا في كتابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عَمْرِو بنِ حَزْمٍ:«في المأْمُومة ثُلُثُ الدِّيَة» ، ورواه

(9)

سعيدٌ عن عليٍّ بإسْنادٍ حسَنٍ.

ووَافَقَ مَكحولٌ على ذلك إذا كانَتْ خَطَأً، فإنْ كانَتْ عَمْدًا؛ ففيها ثُلُثَاها.

(1)

في (م): خلاف.

(2)

ينظر: الإجماع ص 122.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16205)، من طريق أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه، أنه قال:«في المنقلة خمس عشرة» ، وإسناده حسن، وأخرجه ابن أبي شيبة (26811)، عن أشعث، عن عامر، عن علي رضي الله عنه نحوه، وأشعب بن سوار ضعيف، وعامر هو الشعبي.

(4)

في (ن): عمر.

(5)

سبق تخريج حديث عمرو بن حزم 9/ 210 حاشية (1) وحديث عمرو بن شعيب 9/ 340 حاشية (9).

(6)

قوله: (وتسمى أم الدماغ) سقط من (ظ).

(7)

قوله: (آمة) سقط من (م).

(8)

ينظر: التمهيد 17/ 341.

(9)

في (م): رواه.

ص: 346

وجَوابُه: أنَّها شَجَّةٌ، فلا يَختَلِفُ أرشها

(1)

بالعَمْدِ والخَطَأ؛ كسائِرِ الشِّجَاجِ.

(ثُمَّ الدَّامِغَةُ

(2)

، وَهِيَ التِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ)؛ أيْ: جِلْدَةَ الدِّماغ؛ (فَفِيهَا مَا فِي الْمَأْمُومَةِ)، قال القاضِي: لم يَذكُرْ أصْحابُنا الدامِغة

(3)

؛ لِمُساوَاتِها المأْمُومةَ في أرْشِها، ويَحتَمِلُ أنَّهم تَرَكُوا ذِكْرَها؛ لكَونِها لا يَسلَمُ صاحِبُها في الغالِبِ، ولهذا قال ابنُ حَمْدانَ: بَلْ يَجِبُ فيها كلُّ الدِّيَة؛ لأِنَّه لا يَعِيشُ، وقِيلَ: فيها مع

(4)

ما

(5)

ذُكِرَ: حُكومةٌ؛ لِخَرْقِ جِلْدَة الدِّماغ.

مسألةٌ: أوْضَحَه رجلٌ، ثُمَّ هَشَمَه آخر

(6)

، ثُمَّ جعلها

(7)

ثالِثٌ مُنَقِّلَةً، ثُمَّ جَعَلَها رابِعٌ مأمومة؛ فَعَلَى الأوَّل أرْشُ مُوضِحَةٍ، وعلى الثَّاني خَمْسٌ تمام

(8)

أرْشِ الهاشِمَة، وعلى الثَّالث خَمْسٌ تَمامَ أرْشِ المنقِّلَة، وعلى الرَّابِع ثَمانِيَةَ عَشَرَ وثُلُثٌ تمامَ أرْشِ المأْمُومةِ، ذَكَرَه في الشَّرح وغَيرِه.

وفي

(9)

«الرِّعايَة الكُبْرى» : على كلِّ واحِدٍ خَمْسٌ من الإبل. وقِيلَ: على مَنْ هَشَمَ خَمْسٌ أخرى، وعلى مَنْ نَقَّلَه عَشْرٌ أخْرَى، وعلى مَنْ أمَّه ثمانيةَ عشر بعيرًا وثُلُثُ بَعِيرٍ، وكمَنْ أوْضَحَه إيضاحَةً فَقَطْ.

(1)

في (م): أرشًا.

(2)

قوله: (الدامغة) هو في (م): الرابعة. وفي (ظ): الدامعة بالعين المهملة. والدامعة تقدم ذكرها في الشجاج غير المقدرة. وقد ذُكرت في ذلك الموطن في النسخة (ظ) و (م) بالغين المعجمة.

(3)

في (م): الرامعة، وفي (ظ): الدامعة.

(4)

قوله: (مع) سقط من (م).

(5)

قوله: (ما) سقط من (ن).

(6)

قوله: (آخر) سقط من (م).

(7)

في (م): جعله.

(8)

في (ن): قام.

(9)

في (م): في.

ص: 347

(فَصْلٌ)

(وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ) في قَولِ عامَّتِهم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في كتابِ عَمْرِو بنِ حَزْمٍ: «وفي الجائفة ثُلُثُ الدِّيَةِ» ، ولحديثِ عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبِيهِ، عن جَدِّه

(1)

، ولأِنَّها جِراحةٌ فيها

(2)

مُقدَّرٌ، فلم يَختَلِفْ أرْشُها بالعَمْد والخَطَأ؛ كالمُوضِحَةِ، ولا نَعلَمُ في جِراحِ البَدَن الخالِيَةِ عن قَطْعِ الأعْضاءِ وكَسْرِ العِظام مُقدَّرًا غَيرَ الجائفة.

(وَهِيَ التِي تَصِلُ إِلَى بَاطِنِ الْجَوْفِ)، ولو لم تخرق

(3)

الأمْعاءَ، (مِنْ بَطْنٍ، أَوْ ظَهْرٍ، أَوْ صَدْرٍ، أَوْ نَحْرٍ)، قال في «الفروع»: وحَلْقٍ، ومَثانَةٍ، وبَينَ خُصْيَتَينِ، ودُبُرٍ، وفي «الرِّعاية»: وهِيَ ما وَصَلَ جَوفًا فيه قُوَّةٌ مُحيلة

(4)

للغِذاء مِنْ ظَهْرٍ أوْ بَطْنٍ وإنْ لم تخرق

(5)

الأمعاءَ، أوْ صَدْرٍ، أوْ نَحْرٍ، أوْ دِماغٍ وإنْ لم تخرق

(6)

الخَرِيطةَ، أوْ مَثانَةٍ، أوْ ما بَينَ وِعاءِ الخُصْيَتَينِ والدُّبُر.

فرعٌ: إذا أجافَه جائفَتَينِ بَينَهما حاجِزٌ؛ فثُلُثَا الدِّيَة، وإنْ خَرَقَ الجاني ما بَينَهما، أو ذَهَبَ بالسِّرايَة؛ فجائفةٌ، فيها ثُلُثُ الدِّية

(7)

لا غَيرُ.

فإنْ خرق

(8)

ما بَينَهما أجْنَبِيٌّ، أو المجنيُّ عليه؛ فعلى الأوَّل ثُلُثَا الدِّيَة،

(1)

وقد سبق تخريجهما.

(2)

قوله: (فيها) سقط من (ن).

(3)

في (ظ) و (ن): لم يخرق.

(4)

في (ن): مخيلة.

(5)

في (ن): لم يخرق.

(6)

في (ظ) و (ن): لم يخرق.

(7)

قوله: (الدية) سقط من (م).

(8)

في (م): جوف.

ص: 348

وعلى الأجنبيِّ الثَّاني ثُلُثُها، ويَسقُطُ ما قابَلَ فعل

(1)

المجنيِّ عليه.

وإن احْتاجَ إلى خَرْقِ ما بَينَهما للمُداواةِ، فخَرَقَها المجْنِيُّ عليه، أوْ غَيرُه بأمْرِه، أوْ خَرَقَها وليُّ المجْنِيِّ عليه، أو الطَّبِيبُ بأمْرِه؛ فلا شَيءَ في خَرْقِ الحاجِز، وعلى الأوَّلِ ثُلُثُ الدِّيَة.

(فَإِنْ

(2)

خَرَقَ مِنْ جَانِبِ، فَخَرَجَ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ؛ فَهِيَ جَائِفَتَانِ) في قَولِ الأكْثَرِ؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، حدثنا هُشَيمٌ، أنا حَجَّاجٌ، قال: أخبرني عَمْرُو بنِ شُعَيبٍ، عن سعيدِ بنِ المسيِّبِ:«أنَّ أبا بكرٍ قَضَى في جائِفةٍ نَفَذَت: بثُلُثَيِ الدِّيَة»

(3)

، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه:«أنَّ عمرَ قَضَى في الجائفةِ إذا نَفَذَت: بأرْشِ جائِفَتَينِ»

(4)

، وكما لو طَعَنَه من جانِبَينِ فالْتَقَيَا، ولأِنَّه أنْفَذَه مِنْ مَوضِعَينِ، كما لو أنْفَذَه بضَرْبَتَينِ.

وقِيلَ: واحدةٌ؛ لأِنَّ الجائفة هي الَّتي

(5)

تَنفُذُ مِنْ ظاهِرِ البَدَن إلى الجَوفِ،

(1)

في (م): فعلى.

(2)

في (ن): وإن.

(3)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (16219)، عن عمرو بن شعيب، عن سعيد بن المسيب:«أن أبا بكر رضي الله عنه قضى في الجائفة نفذت بثلثي الدية» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (27077)، عن سعيد بن المسيب:«أن قومًا كانوا يرمون، فرمى رجل منهم بسهم خطأ، فأصاب بطن رجل فأنفذه إلى ظهره، فدُووي، فبرأ، فرُفع إلى أبي بكر، فقضى فيه بجائفتين» ، وفي سنده: حجاج بن أرطاة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وسعيد لم يدرك أبا بكر فهو منقطع، قاله ابن حجر، وأخرجه عبد الرزاق (17623)، وأخرجه من وجه آخر (17628)، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب قال: «قضى أبو بكر في الجائفة

»، فذكره، وهي طرق تتقوى بمجموعها. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 99، الإرواء 7/ 330.

(4)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج ابن أبي شيبة (27081)، عن إبراهيم، عن عمر رضي الله عنه، قال:«في الجائفة ثلث الدية» ، وإبراهيم النخعي لم يسمع من عمر.

(5)

قوله: (هي التي) هو في (ظ): (التي)، وفي (م): التي هي.

ص: 349

وهذه - أي

(1)

: الثَّانيةُ - إنَّما نَفَذَتْ من الباطِنِ إلى الظَّاهر.

وجَوابُه: أنَّ الاِعْتِبارَ بوصولِ الجُرْح إلى الجَوف، لا بكَيفِيَّةِ إيصاله

(2)

؛ إذْ لا أثَرَ لصورةِ الفِعل مع التَّساوِي في المعْنَى.

(وَإِنْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ، فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى فَمِهِ)، أوْ نَفَذَ أنْفًا، أوْ ذَكَرًا، أوْ جَفْنًا إلى بَيضَةِ العَينِ؛ (فَفِيهِ حُكُومَةٌ) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّ باطِنَ الفَمِ حُكْمُه حُكْمُ الظَّاهِرِ لا الباطِنِ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَكُونَ

(3)

جَائِفَةً)؛ لأِنَّه وَصَلَ إلى جَوفٍ مجوَّف

(4)

، أشْبَهَ ما لو وصلت

(5)

إلى الباطن.

فرعٌ: إذا وَطِئَ زَوجةً صغيرةً أوْ نَحِيفةً لا يُوطَأُ مِثْلُها، فخَرَقَ ما بَينَ مخرجِ

(6)

بَولٍ ومَنِيٍّ، أوْ ما بَينَ السَّبِيلَينِ؛ فالدِّيَةُ إنْ لم يَستَمْسِكْ بَولٌ، وإلاَّ فجائفةٌ.

وإنْ كانَتْ يُوطَأُ مِثْلُها لِمِثْلِه، أوْ أجْنَبِيَّةً كبيرةً مُطاوِعةً، ولا شُبْهةَ، فَفَعَلَ ذلك؛ فهَدرٌ؛ لِعَدَمِ تصوُّر

(7)

الزِّيادة، وهو حقٌّ له؛ أيْ: له طَلَبُه عِنْدَ الحاكم، بخلافِ أجيرٍ مُشتَرَكٍ، ولها مع الشُّبهة والإكراهِ؛ الدِّيَةُ إنْ لم يَستَمْسِكْ بَولٌ، وإلاَّ ثُلُثُها، ويجب

(8)

أرْشُ بَكارَةٍ مع الفَتْقِ، ولا يَندَرِجُ في ديةِ

(9)

إفْضاءٍ على الأصحِّ.

(1)

قوله: (أي) سقط من (ن).

(2)

في (ن): لا يكفيه اتصاله.

(3)

في (ظ): تكون.

(4)

في (ظ) و (ن): مخوف. والمثبت موافق للشرح الكبير 26/ 28.

(5)

في (م): دخلت.

(6)

في (ن): مجرح.

(7)

في (ن): تضرر. والمثبت موافق للفروع 9/ 460.

(8)

في (م): وتجب.

(9)

في (م): ديته.

ص: 350

(فَإِنْ

(1)

جَرَحَهُ فِي وَرِكِهِ، فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى جَوْفِهِ، أَوْ

(2)

أَوْضَحَهُ، فَوَصَلَ الْجُرْحُ إِلَى قَفَاهُ؛ فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ، وَحُكُومَةٌ لِجُرْحِ الْقَفَا وَالْوَرِكِ)؛ لأِنَّ الجراح

(3)

في غَيرِ مَوضِعِ الجائفة، فانْفَرَدَ فِيهِ بالضمان

(4)

؛ كما لو لم يكُنْ معها جائفةٌ، وأمَّا الحُكومةُ؛ فَلأِنَّه لا تَوقِيتَ فيه، وقد جُرِحَ قَفاهُ، وكما لو انفَرَدَ.

(وَإِنْ أَجَافَهُ، وَوَسَّعَ آخَرُ الْجُرْحَ؛ فَهِيَ جَائِفَتَانِ)؛ لأِنَّ فِعْلَ كلٍّ

(5)

منهما لو انْفَرَدَ كان جائفةً، فلا يَسقُطُ حُكمُه بانْضِمامه إلى فِعْلِ غَيرِه.

(وَإِنْ وَسَّعَ ظَاهِرَهُ دُونَ بَاطِنِهِ، أَوْ بَاطِنَهُ دُونَ ظَاهِرِهِ؛ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ)؛ لِتَوسِيعِه، لأِنَّ جِنايَتَه لم تَبلُغ الجائفةَ.

وفي «التَّرغيب» وجهٌ: عَلَيه حقُّ

(6)

جائفةٍ.

(وَإِنِ الْتَحَمَتِ

(7)

الْجَائِفَةُ، فَفَتَحَهَا آخَرُ؛ فَهِيَ جَائِفَةٌ أُخْرَى)، عَلَيهِ أرْشُها؛ لأِنَّه عاد إلى الصِّحَّة، فصار كالذي لم يجرح

(8)

، وحاصِلُه: إنْ فَتَقَ مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُها؛ فجائفةٌ، وإلاَّ حُكومةٌ.

(1)

في (ظ): وإن.

(2)

قوله: (أو) سقط من (م).

(3)

في (ن): الجائفة.

(4)

في (ن): الضمان.

(5)

زيد في (م): واحد.

(6)

في (ن): حر.

(7)

في (م): انفتحت، وفي (ن): ألحمت.

(8)

في (م): لم يخرج.

ص: 351

وفي «التَّرغيب» : إن انْدَمَلَتْ فأوْضَحَها آخَرُ؛ فَقِيلَ: مُوضِحَةٌ، وقِيلَ: حُكومةٌ.

وذَكَرَ الخَلاَّلُ وغَيرُه روايةَ ابنِ منصورٍ: إن

(1)

أوْضَحَه، فبَرِئَ ولم

(2)

يَنبُت الشَّعرُ، ثُمَّ أوْضَحَه آخَرُ؛ فَحُكومةٌ

(3)

.

وإنِ الْتَحَم ما أرْشُه مُقدَّرٌ؛ لم يَسقُطْ.

مسألةٌ: إذا أدْخَلَ خَشَبَةً في دُبُرِه، وفَتَحَ جِلْدَه في الباطن؛ فوجْهانِ.

(1)

في (م) و (ن): وإن.

(2)

في (م): فسرى أو لم.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3600.

ص: 352

(فَصْلٌ)

(وَفِي الضِّلَعِ)، قال في «المحرَّر» ، و «الوجيز» ، و «النَّظْم» ، و «الحاوي» ، و «الفروع» ، وغيرهم

(1)

: إنْ جُبِرَ مُستَقِيمًا؛ (بَعِيرٌ

(2)

، وإلاَّ فحكومةٌ.

(وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ)، واحِدُهما تَرقُوَةٌ، وهو العَظْمُ المسْتَديرُ حَولَ العُنُق من النَّحْر إلى الكَتِفِ؛ (بَعِيرَانِ) وفي كلِّ واحدةٍ منهما بعيرٌ، نَصَّ عليه في روايةِ أبي طالِبٍ

(3)

؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، عن سُفْيانَ، عن زَيدِ بنِ أسْلَمَ، عن سالم

(4)

ابنِ جُندَبٍ، عن أسْلَمَ بنِ أبي عمرَ، قال عمرُ: «في الضِّلَع: جَمَلٌ، والترقوة

(5)

جَمَلٌ»

(6)

.

وظاهِرُ الخِرَقيِّ، وجَزَمَ به في «الإرشاد»: أنَّ في الواحدة بَعِيرَينِ، فيكون فيهما أربعةُ أبْعِرَةٍ، ورُوِيَ عن زَيدٍ

(7)

، لكِنْ قال القاضي: المرادُ بقَولِ

(1)

قوله: (وغيرهم) سقط من (م) و (ن).

(2)

قوله: (بعير) سقط من (م).

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 443.

(4)

في (م): سليم. وفي (ن): سلم. وصوابه كما في المصادر الحديثية: مسلم.

(5)

في (م): وفي الترقوة.

(6)

أخرجه مالك (2/ 861)، وعبد الرزاق (17578، 17607)، والشافعي كما في المسند (ص 225)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (16333)، عن أسلم مولى عمر:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قضى في الضرس بجمل، وفي الترقوة بجمل، وفي الضلع بجمل» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (27135)، بذكر الضلع فقط، وإسناده صحيح، قال ابن حزم في المحلى (11/ 83):(هذا إسناد في غاية الصحة عن عمر بن الخطاب).

(7)

ذكره ابن المنذر في الإشراف (7/ 424)، وقال ابن حزم في المحلى (11/ 84):(رويناه من طريق الحجاج بن المنهال، حدثنا الحجاج، عن مكحول، عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال: «في الترقوة أربعة أبعرة»)، ومكحول لم يسمع من زيد بن ثابت.

ص: 353

الخرقي

(1)

التَّرْقُوَتَانِ معًا، وإنَّما اكتفى

(2)

بلَفْظِ الواحد؛ لِإدْخالِ الألف واللاَّم المقْتَضِيَةِ للاسْتِغْراق، فيكونُ في كلِّ تَرقُوَةٍ بعيرٌ.

(وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الذِّرَاعِ، وَالزَّنْدِ، وَالْعَضُدِ، وَالْفَخِذِ، وَالسَّاقِ: بَعِيرَانِ)، في رِوايةٍ نَقَلَها أبو طالِبٍ

(3)

؛ لِمَا رَوَى سعيدٌ، حدثنا هاشِمٌ، أنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ: أنَّ عَمْرَو بنَ العاص كَتَبَ إلى عمر في

(4)

أحَدِ الزَّنْدَينِ إذا كُسِرَ، فكَتَبَ إليه

(5)

عمرُ: «أنَّ فيه بَعِيرَينِ، وإذا كَسَر

(6)

الزَّندَينِ ففيهما أربعةُ أبْعِرَةٍ»

(7)

، ولم يَظهَرْ له مُخالِفٌ في

(8)

الصَّحابة، فكان كالإجماع.

(1)

زيد في (م): في.

(2)

في (م): النفي.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 443.

(4)

في (ن): من.

(5)

في (م): فيه.

(6)

في (م): كسرا.

(7)

ذكر إسناده هنا كما ذكره ابن قدامة في المغني (8/ 374) والزركشي في شرحه (6/ 177)، وهو منقطع، لأن عمرو بن شعيب لم يدرك جده.

وأخرج عبد الرزاق (17470)، وابن أبي شيبة (26860)، عن عمر بن عبد العزيز قال: وجدت في كتابٍ لعمر بن الخطاب: «أيما عظم كسر، ثم جبر كما كان ففيه حقتان» ، وهي وجادة.

وأخرج عبد الرزاق (17727)، عن الثوري، عن ابن أبي ليلى، عن عكرمة بن خالد، عن رجل، عن عمر، أنه قال:«في الساق أو الذراع إذا انكسرت، ثم جبرت فاستوت في غير عثم عشرون دينارًا، أو حقتان» ، وفيه راوٍ مبهم، وأخرج نحوه عبد الرزاق (17731)، وأخرج ابن أبي شيبة (27779)، من طريق حجاج، عن ابن أبي مليكة، عن نافع بن عبد الحارث، قال: كتبت إلى عمر أسأله عن رجل كسر أحد زنديه، فكتب إلى عمر:«أن فيه حقتين بكرتين» ، وحجاج صدوق كثير الخطأ والتدليس وقد عنعنه هنا، لكن مجموع الطرق تدل على أن له أصل. ينظر: الإرواء 7/ 328.

(8)

في (ن): من.

ص: 354

والثَّانيةُ: وقدَّمها في «المحرَّر» ، وجَزَمَ بها في «الوجيز»: أنَّ الواجِبَ بعيرٌ، نَصَّ عليها في رواية صالِحٍ

(1)

، ورواه عن عمر

(2)

.

وعن أحمدَ: في الزَّنْد الواحد

(3)

أربعةُ أبْعِرَةٍ؛ لأنَّهما

(4)

عَظْمانِ، وفيما سِواهُ بَعِيرانِ، وزاد أبو الخَطَّاب: فجَعَلَ في عَظْمِ القَدَمِ بَعِيرَينِ.

قال في «المستوعب» : والزَّنْدُ هو

(5)

الذِّراعُ، ويُسمَّى السَّاعِدَ أيضًا.

قال في «الرِّعاية» : وهو بعيدٌ.

قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ: أنَّه لا تقديرَ في غَيرِ الضِّلَع والتَّرْقُوَتَينِ والزَّندَينِ، ومُقتَضَى الدَّليلِ وُجوبُ الحُكومة في هذه الأعضاءِ الباطِنَةِ كلِّها، وإنَّما خالَفْناهُ في هذه العِظامِ لِقَضاءِ عمرَ، ففيما عداها

(6)

يَبْقَى على مُقْتَضَى الدَّليلِ.

وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ: فيها وفي ضِلَعٍ حُكومَةٌ.

ونَقَلَ حنبل فِيمَنْ كُسِرَتْ يَدُه أوْ رِجْلُه: فيها حُكومةٌ وإنِ انْجَبَرَتْ

(7)

.

(وَمَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْجُرُوحِ، وَكَسْرِ الْعِظَامِ؛ مِثْلَ خَرَزَةِ

(8)

الصُّلْبِ،

(1)

لم نجده في المطبوع من مسائل صالح، وينظر: زاد المسافر 4/ 442.

(2)

أخرجه أحمد كما في الروايتين والوجهين لأبي يعلى (2/ 281)، حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا همام، حدثنا قتادة، عن سليمان بن يسار: أن عمر قضى في الذراع والعضد والفخذ والساق والورك إذا كسر واحد منهما فجبر فلم يكن فيه دحور جرح ببعير وإن كان فيهما دحور فحساب ذلك»، رجاله ثقات، وسليمان بن يسار عن عمر رضي الله عنه مرسل كما قال أبو زرعة وغيره. ينظر: جامع التحصيل ص 190.

(3)

في (م): الواحدة.

(4)

في (م): لأنها.

(5)

في (م): وهو.

(6)

في (م): عداه.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 449.

(8)

في (م): خرق.

ص: 355

وَالعُصْعُصِ)، والعانَةِ؛ (فَفِيهِ حُكُومَةٌ)؛ لأِنَّ الجِنايَةَ على ذلك لا تَوقِيتَ فيها، أشْبَهَ الجِراحَ التي لا توقيت فيها، ولا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(1)

، وإنْ خالَفَ فيه أحدٌ فهو قَولٌ شاذٌّ لا

(2)

يُصارُ إلَيهِ.

فائدةٌ: خَرزةُ الصُّلْبِ: فَقارُه، إنْ أُرِيدُ بها كَسْرُ الصُّلْب؛ ففيه الدِّيَةُ، وقال القاضي: فيه حُكومةٌ.

والعُصْعُص، بضَمِّ العَينِ: عُجْبُ الذَّنَبِ، وهو العَظْمُ الذي في أسْفَلِ الصُّلْبِ.

(وَالْحُكُومَةُ: أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ عَبْدٌ لَا جِنَايَةَ بِهِ، ثُمَّ يُقَوَّمَ وَهِيَ بِهِ قَدْ بَرِئَتْ، فَمَا نَقَصَ

(3)

مِنْ الْقِيمَةِ فَلَهُ مِثْلُهُ مِنَ الدِّيَةِ)، هذا هو قولُ الجُمْهور؛ لأِنَّ جملته

(4)

مضمونةٌ بالدِّيَة، فأجزاؤه

(5)

مضمونةٌ منها، كما أنَّ المَبِيعَ لِمَّا كان مضمونًا على البائع بالثَّمَن؛ كان أرْشُ عيبه

(6)

مُقدَّرًا من الثَّمن.

ولا تُقبل

(7)

الحكومة إلاَّ مِنْ عَدْلَينِ، خَبِيرَينِ بالقيمة، ولا تقويمَ إلاَّ بَعْدَ البُرْءِ؛ لأِنَّ أرْشَ الجُرْح المقدَّرِ لا يَستَقِرُّ إلاَّ بَعْدَ بُرْئِه.

(كَأنْ قِيمَتُهُ وَهُوَ صَحِيحٌ عِشْرِينَ، وَقِيمَتُهُ وَبِهِ الْجِنَايَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ؛ فَفِيهِ نِصْفُ عُشُرِ دِيَتِهِ)؛ لأِنَّ النَّاقِصَ بالتَّقْويمِ دِرْهَمٌ مِنْ عِشْرِينَ، وهو نصفُ عُشْرِها، فيكونُ فيه هنا نصفُ عُشْر الدِّيَة؛ ضَرورةَ أنَّ الواجِبَ مِثْلُ ذلك من الدِّيَةِ.

(1)

ينظر: المغني 8/ 480.

(2)

في (م): ولا.

(3)

في (م): فما تنقص.

(4)

في (ن): جمله.

(5)

في (ن): وأجزاؤه.

(6)

في (ن): عينه.

(7)

في (ظ): ولا يقبل.

ص: 356

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْحُكُومَةُ فِي شَيْءٍ فِيهِ مُقَدَّرٌ، فَلَا

(1)

يُبْلَغُ بِهَا

(2)

أَرْشُ الْمُقَدَّرِ)، هذا اسْتِثْناءٌ ممَّا تقدَّم، وحاصِلُه: أنَّ الحكومةَ إنَّما تَجِبُ فيه على نَوعَينِ:

أحدهما: أنْ يكون

(3)

في شَيءٍ مُقدَّرٍ، وحُكْمُه سَبَقَ.

الثَّاني: أنْ يكونَ في شَيءٍ هو بعضُ المقَدَّر، فهذا لا بُدَّ أنْ يُلحَظ فيه عَدَمُ مُجاوَزَةِ أرْشِ المؤقَّتِ، مِثْلَ أنْ يَشُجَّه سِمْحاقًا، وهو دُونَ المُوضِحَةِ، فإنْ بَلَغَ بالتَّقويم أرْشُها أكْثَر مِنْ مُوضِحَةٍ، مِثْلَ أنْ تَنقُص الجناية

(4)

أكثرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ قِيمَتِه، لم يجب

(5)

الزَّائد؛ لأِنَّه لو وَجَبَ ذلك لكان قد وَجَبَ في شَيءٍ لا يَبلُغُ مُوضِحةً أكثرَ مِنْ أرْشِ المُوضِحَةِ، وهو غَيرُ جائز

(6)

؛ لأِنَّ المُوضِحَةَ أكثرُ مِنْ ذلك، والشَّينَ بها أعْظَمُ، والمحلُّ واحِدٌ.

(وَإِذَا كَانَتْ فِي الشِّجَاجِ التِي دُونَ الْمُوضِحَةِ؛ لَمْ يُبْلَغْ بِهَا أَرْشُ الْمُوضِحَةِ)، وهل يُبلَغُ بها أرْشُ المؤقت

(7)

؟ على رِوايَتَينِ: ظاهِرُ المذْهَب: أنَّه لا يُبلَغُ به أرْشُ المؤقَّت

(8)

، قالَهُ ابنُ هُبَيرةَ، والنقص

(9)

على حَسَبِ اجْتِهادِ الحاكم، ولا تزاد

(10)

بحُكومةٍ في مقدَّر

(11)

على دِيَتِه، وفي جَوازِ

(1)

في (م): ولا.

(2)

في (م): به.

(3)

في (م): تكون.

(4)

زيد في (م): أكثر من نصف الجناية.

(5)

في (ظ) و (م): لم تجب.

(6)

في (ن): عاجز.

(7)

في (م): التوقت.

(8)

في (م): الوقت.

(9)

في (م): والنص.

(10)

في (ن): ولا يزاد.

(11)

في (م): مقدرة.

ص: 357

مُساواته وَجْهانِ، وعلى المنْعِ؛ يَنقُصُ الحاكِمُ ما شاء.

لا يُقالُ: قد وَجَبَ في بعض البَدَن أكثرُ مِمَّا وَجَبَ في جميعِه، ووجب

(1)

في مَنافِعِ الإنسان أكثرُ من الواجب فيه؛ لأِنَّه إنَّما وَجَبَ دِيَةُ النَّفْس دِيَةً عن الرُّوح

(2)

، ولَيسَت الأطْرافُ بعضَها، بخِلافِ مَسْأَلَتِنا، ذَكَرَه القاضي.

(وَإِنْ كَانَتْ فِي أُصْبُعٍ

(3)

؛ لَمْ يُبْلَغْ بِهَا دِيَةُ الْأُصْبُعِ)؛ لأِنه إذا جَرَحَ أصْبُعًا، فبَلَغَ أرْشُه أكثرَ من عُشْرِ الدِّيَة؛ لا

(4)

يَجِبُ أكثرُ من

(5)

عُشْرِها.

(وَإِنْ كَانَتْ فِي أَنْمَلَةٍ؛ لَمْ يُبْلَغْ بِهَا دِيَتُهَا)؛ أي: إذا كانت الجراح

(6)

في أنْمَلَةٍ، فبلغ

(7)

أرْشُه أكثرَ مِنْ ثلاثةٍ وثُلُثٍ من الأوَّل؛ لا يجب

(8)

أكثرُ مِنْ ثلاثةٍ وثُلُثٍ؛ لأِنَّه دِيَةُ الأَنْمُلةِ.

(وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا لَا

(9)

يَنْقُصُ شَيْئًا بَعْدَ الاِنْدِمَالِ؛ قُوِّمَتْ حَالَ جَرَيَانِ الدَّمِ)؛ لأِنَّه لا بُدَّ من نَقْصٍ لأِجَلِ الجِنايَةِ، فإذا كان التَّقْويمُ بَعْدَ الاِنْدِمال ينفي

(10)

ذلك؛ وَجَبَ أنْ يُقوَّمَ في حالِ انْدِمالِ جَرَيَانِ

(11)

الدَّمِ؛ لِيَحْصُل النقص

(12)

.

(1)

في (ظ): وجب.

(2)

في (ن): الجروح. والمثبت موافق للمغني والشرح.

(3)

في (م): الأصبع.

(4)

في (ن): لم.

(5)

قوله: (أكثر من) سقط من (م).

(6)

في (م): الجراحة.

(7)

في (م) و (ن): تبلغ.

(8)

في (ن): لا تجب.

(9)

قوله: (لا) سقط من (م).

(10)

في (ظ) و (ن): يبقى.

(11)

هكذا في النسخ الخطية، وعبارة الممتع 4/ 179، والكشاف 3/ 442:(في حال جريان) بدون كلمة: (اندمال).

(12)

في (م): النفس.

ص: 358

(فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا بِحَالٍ، أَوْ زَادَتْهُ حُسْنًا؛ فَلَا شَيْءَ فِيهَا)، إذا لم يحصل

(1)

بالجناية نقصٌ في جَمالٍ، ولا نفعٌ؛ كقَطْعِ أصْبُعٍ زائدةٍ، أوْ قَلْعِ سنٍّ

(2)

زائدة

(3)

، أوْ لِحْيَةِ امرأةٍ، فانْدَمَلَ المَوضِعُ مِنْ غَيرِ نَقْصٍ، أوْ زاد جمالاً أوْ قيمة

(4)

؛ فوَجْهانِ:

أصحُّهما: لا يَجِبُ شَيْءٌ؛ لأِنَّه لم

(5)

يَحصُلْ بفعله

(6)

نَقْصٌ، فلم يَجِبْ شَيءٌ؛ كما لو لَكَمَه فلم يُؤثِّرْ.

والثَّاني: يَجِبُ ضَمانُه؛ لأِنَّه جُزْءٌ من مضمونٍ، فَوَجَبَ ضَمانُه كغَيرِه.

وقال أبو الخَطَّاب: إذا قَطَعَ لِحْيَةَ امْرأةٍ، فإنَّها تُقَوَّمُ كأنَّها رَجُلٌ له لِحْيَةٌ، ثُمَّ يُقوَّم

(7)

رجلٌ قد ذَهَبَتْ، فما نَقَصَ وَجَبَ بِقِسْطِه، وفيه نَظَرٌ؛ لأِنَّ لِحْيَةَ الرَّجُلِ زَينٌ له وعَيبٌ في المرأةِ، وتقديرُ العَيبِ بالزَّينِ لا يَصِحُّ.

فرعٌ: إذا جَنَى عليه جِنايَةً لها أرْشٌ، ثُمَّ قَتَلَه قَبْلَ انْدِمالِ الجُرْحِ؛ دَخَل أرْشُه في دِيَةِ النَّفس؛ كما لو مات مِنْ سِرايَةِ الجُرْحِ.

وإنْ قَتَلَه غَيرُه؛ وَجَبَ أرْشُ الجُرْحِ؛ كما لو انْدَمَلَ.

وإنْ لَطَمَه على وَجْهِه، فلم يُؤثِّرْ فيه؛ فلا ضَمانَ؛ كما لو شَتَمَه.

(1)

في (ن): لم تحصل.

(2)

في (م): ضرس.

(3)

في (ن): زائد.

(4)

في (م): قسمة.

(5)

في (م): لا.

(6)

في (م): بقلعه.

(7)

في (ن): تقوم.

ص: 359

‌(بَابُ الْعَاقِلَةِ

(1)

)

العاقِلَةُ: جَمْعُ عاقِلٍ، وهو المؤدِّي للدِّيَة، يُقالُ: عَقَلْتُ فُلانًا، إذا أعطيتَه

(2)

دِيَتَه، وعَقَلَتُ عن

(3)

فُلانٍ إذا غَرِمْتَ عنه دِيَتَه.

وأصْلُه مِنْ عَقْلِ الإبل بالعَقْلِ، وهي الحِبالُ التي تُثْنَى بها أيْدِيها إلى ركبها.

وقِيلَ: اشْتِقاقُه مِنْ العَقْلِ، وهو المنْعُ؛ لأِنَّهم يمنَعُونَ عن القاتِل، والعَقْلُ المنْعُ، ويُسَمَّى بعضُ العُلُوم عَقْلاً؛ لأِنَّه يَمنَعُ من الإقدام على

(4)

المضارِّ.

وقِيلَ: لأِنَّهم يَتحمَّلونَ العَقْلَ، وهو الدِّيَةُ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأِنَّها تَعقِلُ لِسانَ وَلِيِّ المقْتولِ.

وهي: مَنْ غَرِمَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فأكثرَ، بسببِ جِنايَةِ غَيرِه.

(وَمَا تَحْمِلُهُ)؛ أي

(5)

: ما تَحمِلُه العاقِلةُ، هل يَجِبُ عَلَيها ابْتِداءً، أوْ على القاتِلِ ثُمَّ تَحمله عنه؟ فيه قَولانِ؛ كما قِيلَ في فِطْرةِ الزَّوجة والوَلَد ونحوِهما ممن

(6)

يُخرِجُ عنه غيره

(7)

، هل تَجِبُ عليه ابْتِداءً، أوْ على المخرِجِ؟

ومَن لا عاقِلَةَ له هل تَجِبُ في ذِمَّتِه الدِّية

(8)

أوْ لا

(9)

؟ عَلَى قَولَينِ.

(1)

زاد في (ظ) و (ن): (وما تحمله).

(2)

في (م): يقال: عقلت إذا أديته عطيته.

(3)

في (م): من.

(4)

في (م): إلى.

(5)

قوله: (أي) سقط من (م).

(6)

في (ظ): مما.

(7)

في (م): غير.

(8)

في (م) و (ن): ألبتة.

(9)

قوله: (أو لا) سقط من (م).

ص: 360

(عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ: عَصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ، قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ، مِنَ النَّسَبِ وَالْوَلَاءِ)، وهم: الأحرارُ، العاقِلُونَ، البُلَّغُ، الأغْنِياءُ على المشهور؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه، قال: «قَضَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أنَّ عَقْلَ المرأة على عَصَبَتِها مَنْ كانوا، لا يَرِثُونَ منها شَيئًا إلاَّ ما فَضَلَ عن وَرَثَتِها، وإنْ قتلت

(1)

فَعَقْلُها بين

(2)

وَرَثَتِها» رواه أبو داودَ

(3)

، ولأِنَّهم عَصَبَةٌ أشْبَهُوا سائرَ العَصَباتِ.

يُحقِّقُه

(4)

: أنَّ العَقْلَ مَوضُوعٌ على التَّناصُرِ، وهم مِنْ أهْلِه، ولأِنَّ العَصَبةَ في تَحمُّلِ العَقْلِ في

(5)

الميراث في تقديمِ الأقْرَبِ فالأقْرَبِ، وكَونُ البعيدِ عَصَبةً لأِنَّه يَرِثُ المالَ إذا لم يكُنْ وَارِثٌ أقربَ منه، فهو كالقَرِيب، وكَونُ عَصَباتِ الإنسان في

(6)

الوَلاء مِنْ العاقِلةِ؛ لِعُمومِ قَولِه عليه السلام: «الوَلاءُ لُحْمَةٌ كلُحْمَةِ النَّسَبِ» .

(7)

(إِلاَّ عَمُودَيْ نَسَبِهِ، آبَاءَهُ وَأَبْنَاءَهُ)، اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز»

(8)

، قال ابنُ المنَجَّى: وهو المذْهَبُ؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ امْرأتَينِ مِنْ هُذَيلٍ قَتَلَتْ إحداهما الأخرى، ولكلِّ واحدة منهما زَوجٌ وَوَلَدٌ، فَجَعَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِيَةَ المقتولة

(9)

على عاقِلَةِ القاتِلَة

(10)

، وبرَّأَ زَوجَها وَوَلَدَها،

(1)

في (م): قلت.

(2)

في (م) و (ن): من.

(3)

تقدم تخريجه 9/ 131 حاشية (3).

(4)

في (م): تحققه، وفي (ن): محققة.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 8/ 391 والشرح الكبير 26/ 52: كهم في.

(6)

في (م) و (ن): من.

(7)

سبق تخريجه 7/ 9 حاشية (1).

(8)

قوله: (في «الوجيز») سقط من (م).

(9)

في (م): المقتول.

(10)

في (م): القاتل.

ص: 361

فقال عاقِلَةُ المقتولة

(1)

: ميراثها لنا، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«لَا، مِيراثُها لِزَوجِها وَوَلَدِها» رواه أبو داودَ

(2)

، وهذا يَقتَضِي أنَّ الأوْلادَ لَيسُوا من العاقِلَةِ، وكذا الآباءُ؛ قِياسًا لِإحْدَى العَمُودَينِ على الآخَرِ، ولأِنَّ مالَ وَلَدِه وولده

(3)

كَمالِه، وخرج منه

(4)

الإخْوةُ بدليلٍ؛ لأنَّ

(5)

الخِرَقِيَّ خَصَّ العاقِلَةَ بالعمومة

(6)

وأوْلادِهم.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُمْ مِنَ الْعَاقِلَةِ أَيْضًا)، قدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» ، واخْتارَه أبو بكرٍ والشَّريفُ، بَلْ والأكثرُ؛ لأِنَّهم أحقُّ من العَصَباتِ بمِيراثِه، فكانوا أَوْلَى بتَحَمُّلِ عَقْلِه.

وعنه: هم عَصَبَتُه إلاَّ أبْناءَه إذا كان امرأةً، قال في «المحرَّر»: وهو الأصح

(7)

، نَقَلَ حَرْبٌ: الابن لا يَعقِلُ عن

(8)

أمِّه

(9)

؛ لأِنَّه مِنْ قَومٍ آخَرِينَ.

وفي «المستوعب» : إلاَّ أنْ يكونَ الاِبنُ من عَصَبَةِ أُمِّه، فيكونُ مِنْ

(1)

في (ن): المقتول.

(2)

أخرجه أبو داود (4575)، وابن ماجه (2648)، وأبو يعلى الموصلي (1823)، والبيهقي في الكبرى (16373)، وإسناده ضعيف، فيه: مجالد بن سعيد، قال ابن حجر:(وصححه النووي في الروضة بهذا اللفظ، وفيه ما فيه، لأن مجالدًا ضعيف لا يحتج بما ينفرد به)، ولفظ البخاري (6910)، ومسلم (1681)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«فقضى أن دية جنينها غرة، عبد أو وليدة، وقضى أن دية المرأة على عاقلتها» . ينظر: التلخيص الحبير 4/ 91.

(3)

في (م): وولد. وفي المغني 8/ 391، والشرح الكبير 26/ 53: ووالده.

(4)

قوله: (منه) سقط من (ظ).

(5)

في (م): أن.

(6)

في (م): بالعموم.

(7)

في (م): الأوضح.

(8)

قوله: (عن) سقط من (م).

(9)

ينظر: الفروع 10/ 6.

ص: 362

عاقِلَتِها، وكذا في «البُلْغَةِ» .

وعُلِمَ منه

(1)

: أنَّ العَصَباتِ مِنْ الإخْوَةِ مِنْ الأمِّ وذَوِي الأرْحامِ والنِّساء لَيسُوا مِنْ العاقِلةِ بغَيرِ خِلافٍ

(2)

؛ لأِنَّهم لَيسُوا من أهْلِ النُّصرة، وعُمْدَةُ العَقْلِ النُّصْرة، ولَيسُوا منها؛ كأهل

(3)

المحَلَّةِ وَالدِّيوَانِ.

(وَلَيْسَ عَلَى فَقِيرٍ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّ حَمْلَ العاقِلة مُوَاسَاةٌ، فلا يَلزَمُ الفقيرَ كالزَّكاة، ولأِنَّه وَجَبَ على العاقِلة تخفيفًا عن القاتِلِ، فلا يَجوزُ التَّثْقِيلُ عليه؛ لأِنَّه كُلْفَةٌ ومَشقَّةٌ.

(وَلَا صَبِيٍّ، وَلَا زَائِلِ الْعَقْلِ) حَمْلُ شَيْءٍ منها؛ لأِنَّ الحَمْلَ للتَّناصُر، وهما

(4)

لَيسَا مِنْ أهلها.

وقِيلَ: يَحمِلُ الممَيِّزُ؛ لأِنَّه قارَبَ البُلوغَ.

(وَلَا امْرَأَةٍ)؛ لِمَا ذَكَرْنا، (وَلَا خُنْثَى مُشْكِلٍ)؛ لاِحْتِمالِ كَونِه امرأةً، فيَحمل

(5)

جِنايَةَ عَتِيقِهما مَنْ يَحمل

(6)

جنايتهما

(7)

.

وعَنْهُ: تَعقِلُ امْرأةٌ وخنثى بولاءٍ.

(وَلَا رَقِيقٍ)؛ لأِنَّه أسْوأُ حالاً من الفقير.

(وَلَا مُخَالِفٍ لِدِينِ الْجَانِي حَمْلُ

(8)

شَيْءٍ)؛ لأِنَّ حَمْلَها للنُّصْرة، ولا نُصْرَةَ لِمُخالِفٍ له في دِينِه.

(1)

زيد في (م) و (ن): غير.

(2)

ينظر: المغني 8/ 390.

(3)

في (م): كل هل.

(4)

قوله: (وهما) سقط من (م).

(5)

في (ظ) و (ن): فتحمل.

(6)

في (ن): تحمل.

(7)

في (م): جنايتيهما.

(8)

في (م): يحمل.

ص: 363

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْفَقِيرَ) المُعتَمِل؛ أي: المحْتَرِفَ، (يَحْمِلُ مِنَ الْعَقْلِ)، حكاها أبو الخَطَّاب، وهي

(1)

قَولُ أكثرِ العُلَماء؛ لأنَّه من أهلِ النُّصْرة، فكان من العاقِلةِ كالغَنِيِّ.

وظاهِرُه: أنَّ المريضَ والشَّيخَ يَحمِلُونَ، وصرَّح به في «الرِّعاية» .

وفي هَرِمٍ، وزَمِنٍ، وأعْمَى؛ وَجْهانِ.

فلو عُرفَ نَسَبُ قاتِلٍ مِنْ قَبيلةٍ

(2)

، ولم يُعلَمْ مِنْ أيِّ بُطونِها؛ لم يَعقِلُوا عنه، ذَكَرَه في «المُذهب» .

(وَيَحْمِلُ الْغَائِبُ كَمَا يَحْمِلُ الْحَاضِرُ)؛ للخبر، ولأِنَّهم اسْتَوَوْا في التَّعصيب والإرْثِ، فاسْتَوَوْا في تَحمُّلِ العَقْلِ؛ كالحاضِرينَ.

(وَخَطَأُ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ فِي أَحْكَامِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ؛ لأنَّ

(3)

خَطَأَه يَكثُرُ، فيُجْحِفُ بهم، ولأِنَّه نائبٌ عن الله، فكان أرْشُ جِنايَتِه في مالِ الله، وكخطأ

(4)

وكيلٍ.

وعليها

(5)

: للإمام عَزْلُ نَفْسِه، ذَكَرَه القاضِي وغَيرُه.

(وَعَنْهُ: عَلَى عَاقِلَتِهِ)؛ أيْ: على

(6)

عاقِلَتِهما، قدَّمه السامَرِّي؛ لِقَولِ عليٍّ لِعُمَرَ:«دِيَتُه عليكَ؛ لأِنَّك أفْزَعْتَها»

(7)

، ولأِنَّه جانٍ، فكان خَطَؤُه على

(1)

في (ن): وهو.

(2)

في (ظ): قتيله. والمثبت موافق للفروع 10/ 6.

(3)

في (م): ولأن.

(4)

في (م): وخطأ.

(5)

في (ظ) و (ن): وعليهما. والمراد: على هذه الرواية.

(6)

قوله: (على) سقط من (م) و (ن).

(7)

أخرجه عبد الرزاق (18010)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (11/ 227)، عن الحسن البصري قال: «أرسل عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى امرأة مغيبة كان يدخل عليها، فأنكر ذلك، فأرسل إليها، فقيل لها: أجيبي عمر، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر، قال: فبينا هي في الطريق فزعت فضربها الطلق فدخلت دارًا، فألقت ولدها، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات، فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

فذكره»، قال ابن كثير:(هذا مشهور متداول، وهو منقطع، فإنَّ الحسن البصري لم يُدرك عمر)، وعلقه الشافعي في الأم (6/ 187)، وعنه البيهقي في الكبرى (11672). ينظر: مسند عمر 2/ 265، التلخيص الحبير 4/ 102.

ص: 364

العاقِلة؛ كغيره، وكخَطَئِهما في غَيرِ حُكْمٍ.

وكذا الخِلافُ: إنْ زاد سَوطًا؛ كخَطَأٍ في حدٍّ أوْ تعزيرٍ، أوْ جَهِلا حملاً

(1)

، أوْ بانَ مَنْ حُكِمَ بشَهادَتِه غَيرَ أهْلٍ.

(وَهَلْ يَتَعَاقَلُ أَهْلُ الذِّمَّةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

الأصحُّ: أنَّهم يَتعاقَلُونَ؛ لأِنَّ قَرابَتَهم تقتضي

(2)

التَّوريثَ، فاقْتَضَت التَّعاقُلَ، ولأِنَّهم مِنْ أهْلِ النُّصرة؛ كالمسلمين.

والثَّانيةُ: لَا؛ لأِنَّ حَمْلَ العاقِلَةِ يَثْبُتُ على خِلافِ الأصل؛ لِحُرْمَةِ قَرابَةِ المسلمين، فلا يُقاسُ عليهم غَيرُهم؛ لِعَدَمِ المساواة في الحُرْمَة.

فإنِ اخْتَلَفَت الملَّةُ؛ كاليهود والنَّصارى؛ فَوَجْهانِ، وفي «التَّرغِيبِ» رِوايَتانِ، بِناءً على تَورِيثِهم وعَدَمِه.

(وَلَا يَعْقِلُ ذِمِّيٌّ عَنْ حَرْبِيٍّ، وَلَا حَرْبِيٌّ عَنْ ذِمِّيٍّ)؛ لِعَدَمِ التَّوارُث، وكمُسْلِمٍ وكافِرٍ.

وقِيلَ: بلى إنْ تَوَارَثا.

وقال ابنُ حَمْدانَ: يَعقِلُ المعاهَدُ إنْ بَقِيَ عَهْدُه إلى أصْلِ الواجِبِ، وإلاَّ فلا.

تذنيبٌ: المرتَدُّ لا يُعقَلُ عنه

(3)

؛ لأِنَّه لَيسَ بمُسلِمٍ فيَعقِلَ عنه المسلمونَ، ولا ذِمِّيٍّ فيَعقِلَ عنه

(4)

أهلُ الذِّمَّة، فتكون جنايَتُه في ماله، وفيه وَجْهٌ.

(1)

في (م): أو حمل حملٍ، وفي (ن): أو جهلا جهلاً.

(2)

في (ظ) و (ن): يقتضي.

(3)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(4)

قوله: (المسلمون ولا ذمي فيعقل عنه) سقط من (م).

ص: 365

(وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ

(1)

لَهُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ

(2)

الْجَمِيعَ؛ فَالدِّيَةُ أَوْ بَاقِيهَا عَلَيْهِ إِنْ كَانَ ذِمِّيًّا)، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأنَّ

(3)

بَيتَ المال لا يَعقِلُ عنه، وكمن

(4)

رَمَى سَهْمًا ثُمَّ أسْلَمَ أوْ كَفَرَ قَبْلَ إصابتِه في الأصحِّ.

وقدَّم في «المحرَّر» : أنَّه

(5)

يكونُ في بَيتِ المال؛ كمسلمٍ

(6)

.

ولم يُرجِّحْ في «الفروع» شَيئًا.

(وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا؛ أُخِذَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) على الأصحِّ؛ لأِنَّ المسلمينَ يَرثون مَنْ لا وارِثَ له، فيَعقِلُونَ عنه

(7)

عند

(8)

عَدَمِ عاقِلَتِه؛ كعَصَباتِه.

والثَّانيةُ: لا تَحمل العَقْلَ بحالٍ

(9)

، رجَّحها في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ بَيتَ المال فيه

(10)

حقٌّ للصِّبْيان والنِّساء والمجانِينِ ومَن لا عقل

(11)

عليه، فلا يَجوزُ صَرْفُه فيما لا يَجِبُ عليهم.

فعلى الأوَّل: تكون

(12)

حالَّةً

(13)

، تُؤخذ

(14)

دَفْعةً واحدةً؛ لأِنَّه عليه السلام أدَّى

(1)

في (م) و (ن): لم يكن.

(2)

في (ظ) و (ن): يحمل.

(3)

في (م): لأنه.

(4)

في (م): كمن.

(5)

في (م): رواية.

(6)

قوله: (كمسلم) سقط من (م).

(7)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(8)

قوله: (عند) سقط من (ن).

(9)

قوله: (العقل بحال) في (م): العاقلة.

(10)

في (م): في. وسقطت من (ظ).

(11)

في (م) و (ظ): لا يعقل.

(12)

في (ن): يكون.

(13)

في (م): حالته.

(14)

في (ن): يوجد.

ص: 366

دِيَةَ الأنصاريِّ دَفْعةً واحِدةً

(1)

، وكذا عمرُ

(2)

، ولأِنَّ الدِّيَةَ بَدَلُ مُتلَفٍ، وإنَّما أُجِّلَ على العاقِلة تَخفِيفًا، ولا حاجةَ إلى ذلك في بَيتِ المَالِ.

وقيل

(3)

: تؤخذ

(4)

في ثَلاثِ سِنِينَ؛ كالعاقِلةِ.

(فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ

(5)

؛ أيْ: فإذا تعذَّرَ؛ سَقَطَتْ، نَقَلَه الجَماعةُ

(6)

، وهو المرادُ بقوله: (فَلَا شَيْءَ عَلَى القَاتِلِ

(7)

؛ لأِنَّ الدِّيَةَ لَزِمَت العاقِلةَ ابْتِداءً، بدليلِ أنَّها لا يُطالَب

(8)

بها غَيرُهم، ولا يُعتَبَرُ تَحمُّلُهم ولا رِضاهُم بها، فلا تَجِبُ على غَيرِ مَنْ وَجَبَتْ عليه؛ كما لو عُدِمَ القاتِلُ، فإنَّ الدِّيَةَ لا تَجِبُ على أحدٍ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تَجِبَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ)؛ لِعُمومِ قَولِه تعالى: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النِّسَاء: 92]، ولأِنَّ مُقتَضَى الدليل وُجوبُها على الجاني جَبْرًا للمَحَلِّ الذي

(9)

فَوَّتَه، وإنَّما سَقَطَ عنه؛ لِقِيامِ العاقِلةِ مَقامَه في جَبْرِ المحَلِّ، فإذا لم يُوجَدْ ذلك؛ بَقِيَ واجِبًا عليه بمقتضى

(10)

الدَّليل، ولأِنَّ الأمْرَ تَرَدَّدَ بَينَ

(1)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (18317)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 154)، وابن حزم في المحلى (11/ 107)، عن الثوري، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، أن رجلاً قتل في الكعبة فسأل عمر عليًّا رضي الله عنهما فقال:«من بيت المال» .

(3)

في (م): وليس.

(4)

في (ن): يوجد.

(5)

في (ن): لم يكن.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3345، زاد المسافر 4/ 318.

(7)

في (م): العاقل.

(8)

في (ن): لا تطالب.

(9)

في (ظ): بالذي.

(10)

في (ن): مقتضى.

ص: 367

إبْطالِ دَمِ المقْتُولِ وبَينَ إيجابِ دِيَتِه على المتْلِفِ، ولا يجوز الأوَّلُ؛ لِمُخالَفَة الكتاب والسُّنَّة وأُصُولِ الشَّرِيعةِ، فيتعيَّن

(1)

الثَّاني، ولأِنَّ إهْدارَ الدَّمِ المضْمُونِ لا نَظِيرَ له، وإِيجابَ الدِّيَة على قاتل

(2)

الخَطَأِ له نَظائِرُ، (وَهُوَ أَوْلَى) مِنْ إهْدارِ دَمِ الأحرار في أغْلَبِ الأحوال، فإنَّه لا يَكادُ توجد

(3)

عاقِلةٌ تَحمِلُ الدِّيَة كلَّها، ولا سَبِيلَ إلى الأخْذِ مِنْ بَيتِ المال، فتَضِيعَ الدِّماءُ، والدِّيَةُ تَجِبُ على القاتِلِ، ثُمَّ تَتَحمَّلُها العاقِلَةُ، وإنْ سَلَّمْنا وُجُوبها عَلَيهِم ابْتِداءً، لكِنْ مع وُجودهم، (كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ)؛ لأِنَّه لا عاقِلَةَ له تَحمِلُها

(4)

.

(وَلَوْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَلَمْ يُصِبِ السَّهْمُ حَتَّى ارْتَدَّ؛ كَانَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوْ رَمَى الْكَافِرُ سَهْمًا ثُمَّ أَسْلَمَ، ثُمَّ قَتَلَ

(5)

السَّهْمُ إِنْسَانًا؛ فَدِيَتُهُ

(6)

فِي مَالِهِ)؛ أيْ: إذا تَغَيَّرَ دِينُ جارِحٍ حالَتَيْ جَرْحِ وزُهُوقٍ، فالمذْهَبُ: تَحمِلُه العاقِلَةُ حالَ الجَرْحِ.

وقِيلَ: أرْش الجُرْحِ والزِّيادةِ بالسِّرايَة في مالِه.

وقِيلَ: الكلُّ في ماله، وهو المرجَّحُ هُنا؛ لأنَّه

(7)

قتيلٌ

(8)

قُتِلَ في دارِ الإسلام، مَعْصومٌ، تَعذَّر

(9)

حَمْلُ عاقِلَتِه عَقْلَه، فَوَجَبَ على قاتله

(10)

.

(1)

في (ظ): فتعين.

(2)

في (م): القاتل.

(3)

في (ن): يوجد.

(4)

في (ن): بحملها.

(5)

قوله: (ثم قتل) في (م): قبل.

(6)

في (م): فدمه.

(7)

في (ن): لأن.

(8)

في (م): قبل.

(9)

في (ن): فعذر.

(10)

في (م): عاقلته.

ص: 368

(وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ، ثُمَّ انْجَرَّ وَلَاؤُهُ، ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ؛ فَأَرْشُ الْجِنَايَةِ فِي مَالِهِ؛ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ، فَكَذَا هَذَا

(1)

، وصُورَتُها: إذا رَمَى مَنْ عَلَيْهِ ولَاءٌ لموالي

(2)

أمِّه، فانْجَرَّ وَلاؤه إلى مَوالِي أبيه، ثُمَّ وَقَعَ سَهْمُه في شَخْصٍ؛ فالدِّيَة في ماله، ولهذا قال في «المحرَّر» و «الفروع»: فهو كمُتغيِّرِ

(3)

دِينٍ.

(1)

في (م): هنا.

(2)

في (م): لمولى.

(3)

في (م): وهو كتغير.

ص: 369

(فَصْلٌ)

(وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا)، سَواءٌ كان مِمَّا يَجِبُ فيه القِصاصُ أوْ لَا؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ مرفوعًا قال:«لا تَحمِلُ العاقِلةُ عَمْدًا، ولا عَبْدًا، ولا صُلْحًا، ولا اعْتِرافًا» ، ورُوِيَ عن ابنِ عبَّاسٍ موقوفًا

(1)

، ولم يُعرَفْ له في الصَّحابة مُخالِفٌ، فيكونُ كالإجْماع، وعن عمرَ، قال: «العَمْدُ، والعَبْدُ، والصُّلْحُ، والاِعْتِرافُ: لا تَعقِلُه العاقلة

(2)

» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، وحَكَى أحمدُ عن ابنِ عبَّاسٍ نَحوَه

(4)

قال الزُّهْرِيُّ: (مَضَتِ السُّنَّةُ أنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ شَيئًا مِنْ دِيَةِ العَمْدِ إلاَّ أنْ يَشاؤُوا) رواهُ مالِكٌ

(5)

، ولأِنَّ حَمْلَ العاقِلةِ إنما ثبت

(6)

(1)

في (م): مرفوعًا.

والمرفوع لم نقف عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وأخرجه الطبراني في مسند الشاميين (2124)، والدارقطني (3378)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعًا:«لا تجعلوا على العاقلة من قول معترف شيئًا» ، قال ابن حجر:(وإسناده واهٍ، فيه محمد بن سعيد المصلوب؛ وهو كذاب، وفيه الحارث بن نبهان، وهو منكر الحديث)، والموقوف أخرجه مالك في الموطأ رواية الشيباني (1/ 228)، والبيهقي في الكبرى (16361)، وابن عبد البر من طريق سعيد بن منصور كما في الاستذكار (8/ 101)، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«لا تعقل العاقلة عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا، ولا ما جنى المملوك» قال الألباني: (وإسناده محتمل للتحسين). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 93، الإرواء 7/ 336.

(2)

قوله: (العاقلة) سقط من (م).

(3)

أخرجه الدارقطني (3376)، والبيهقي في الكبرى (16359)، وقال:(وهو عن عمر منقطع، والمحفوظ عن عامر الشعبي من قوله).

(4)

وهو ما سبق تخريجه قريبًا.

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 865)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16363).

(6)

في (م): يثبت.

ص: 370

في الخطأ؛ لكَونِ الجاني معذورًا، تخفيفًا عنه

(1)

ومُواساةً له، والعامِدُ غَيرُ مَعذُورٍ، ثُمَّ يَبطُلُ بقَتْلِ الأبِ ابْنَه، فإنَّه لا قِصاصَ فيه، ولا تَحمِلُه العاقِلةُ.

فلو قَتَلَه بحديدةٍ

(2)

مسمومةٍ، فسَرَى إلى النَّفْس، فَوَجْهانِ:

أحدهما: تَحمِلُه العاقِلةُ؛ لأِنَّه لَيسَ بعَمْدٍ.

والثَّاني: لَا؛ لأِنَّه قَتْلٌ بما لم يَقتُلْ مِثْلُها غالِبًا، أشْبَهَ مَنْ له القِصاصُ.

(وَلَا عَبْدًا)، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ

(3)

، وجَماعةٍ مِنْ التَّابِعينَ، ومَعْناهُ: إذا قَتَلَ العبدَ

(4)

قاتِلٌ وَجَبَتْ قِيمَتُه في مالِ القاتِلِ، ولا شَيءَ على عاقلتِه

(5)

، خطأً كان أو عَمْدًا.

(وَلَا صُلْحًا)؛ لأِنَّه لو حَمَلَتْه العاقِلةُ أدَّى إلى أنْ يُصالِحَ بمالِ غَيرِه، ويوجب

(6)

عليه حقًّا بقَولِه، ومَعْناهُ: أنْ يَدَّعِيَ عليه القَتْلَ، فيُنكِرَه، ويُصالِحَ المدَّعِيَ

(7)

على مالٍ؛ فلا تَحمِلُه العاقِلةُ؛ لأِنَّه مالٌ ثَبَتَ بمصالحته

(8)

واخْتِيارِه؛ كالذي

(9)

ثَبَتَ باعْتِرافِه.

وفسَّره القاضي وغَيرُه: بأنْ يُصالِحَ الأوْلِياء عن دَمِ العَمْدِ إلى الدِّيَةِ.

والأوَّلُ أَوْلَى، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ هذا

(10)

يُسْتَغْنَى عنه

(1)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(2)

زيد في (م): لا.

(3)

سبق تخريجه 9/ 370 حاشية (1).

(4)

قوله: (العبد) سقط من (م).

(5)

في (م): قافلته.

(6)

في (ن): وتوجب.

(7)

في (ن): ومصالح الدعوى.

(8)

في (ن): بمصالحة.

(9)

في (م): كما لو.

(10)

في (ن): هنا.

ص: 371

بذِكْرِ العَمْد، بل

(1)

مَعْناهُ صَالَحَ عنه صُلْحَ إنْكارٍ، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» .

(وَلَا اعْتِرَافًا)؛ أيْ: لم يُصدِّقْه به، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(2)

؛ لأِنَّه مُتَّهَمٌ في أنْ يُواطِئَ من يقرُّ له

(3)

بذلك؛ لِيَأخُذَ الدِّيَة مِنْ عاقِلَتِه فيُقاسِمَه إيَّاها، ولأِنَّه لا يُقبَلُ إقْرارُ شَخْصٍ على غَيرِه، وحِينَئِذٍ يَلزَمُه ما اعترف به

(4)

.

ومَعْناهُ: بأنْ يُقِرَّ على نفسه بجنايةِ خَطأٍ أوْ شِبْهِ عَمْدٍ توجب

(5)

ثُلُثَ الدِّيَةِ فأكثرَ إنْ لم تُصدِّقه

(6)

العاقِلةُ.

(وَلَا مَا دُونَ ثُلُثِ الدِّيَةِ)؛ كأرْشِ المُوضِحَةِ، نَصَّ على ذلك

(7)

؛ لِقَضاءِ عُمَرَ: «أنَّها لا تَحمِلُ شَيئًا حتَّى يَبلُغَ عَقْلَ المأْمُومة»

(8)

، ولأِنَّ الأصْلَ وُجوبُ الضَّمان على الجاني؛ لأِنَّه هو المتْلِفُ، فكان عليه؛ كسائر المتْلَفات، لكِنْ

(1)

قوله: (بل) سقط من (م).

(2)

ينظر: المغني 8/ 384.

(3)

قوله: (يقر له) في (م): بقوله.

(4)

قوله: (به) سقط من (ظ) و (ن).

(5)

في (ن): فوجب.

(6)

في (ن): لم يصدقه.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3508، زاد المسافر 4/ 319.

(8)

ذكره ابن حزم في المحلى (11/ 269)، عن ابن وهب، أخبرني ابن سمعان قال: سمعت رجالاً من علمائنا يقولون: «قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الدية أنْ لا يحمل منها شيء على العاقلة حتى تبلغ ثلث الدية فإنها على العاقلة - عقل المأمومة والجائفة - فإذا بلغت ذلك فصاعدًا حملت على العاقلة» ، وابن سمعان هو عبد الله بن زياد بن سمعان وهو متروك الحديث، واتهمه غير واحد بالكذب.

وأخرج البيهقي في الكبرى (16384)، من طريق أيوب بن سويد، حدثني يونس بن يزيد، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، أن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال:«لا تعقل العاقلة، ولا يعمها العقل إلا في ثلث الدية فصاعدًا» ، قال البيهقي:(كذا رواه أيوب، والمحفوظ أنه من قول سعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار)، ثم أخرجه البيهقي عنهما (16385)، ويونس بن يزيد ثقة إلا أن في روايته عن الزهري يخطئ وفيها أوهام قاله أحمد وغيره.

ص: 372

خولف في

(1)

الثُّلث؛ لِإجْحافِه بالجاني لكَثْرَتِه، فَمَا عَدَاه يبقى

(2)

على الأصْلِ، والثُّلُثُ حدُّ الكثيرِ؛ للخَبَرِ

(3)

.

(وَيَكُونُ ذَلِكَ)؛ أيْ: دِيَةُ العَمْد وما بَعدَه، (فِي مَالِ الْجَانِي)؛ لِمَا ذَكَرْنا أنَّ مُقْتَضَى الأصْلِ وُجوبُ الجِنايَةِ على الجاني، (حَالًّا)؛ لأِنَّه بَدَلُ مُتْلَفٍ، فكان حالًّا؛ كقِيمَةِ المتْلَفِ مِنْ المتاعِ.

(إِلاَّ غُرَّةَ الْجَنِينِ إِذَا مَاتَ مَعَ أُمِّهِ، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهَا مَعَ دِيَةِ أُمِّهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ لأِنَّ ديتهما

(5)

وَجَبَتْ في حالٍ واحدةٍ بجِنايَةٍ واحدةٍ، مع زيادتها على الثُّلُث.

وظاهِرُه: سَواءٌ سَبَقَتْه بالزُّهوقِ أوْ سَبَقَها به

(6)

؛ لأِنَّ الجِنايَةَ واحدةٌ، وإنَّما تأخَّر بعض

(7)

أثَرِها عن بعضِ، وذلك لا يَضُرُّ.

وقال أحمدُ: هذا مِنْ قِبَلِ أنَّها نَفْسٌ واحِدةٌ، وقال: الجِنايَةُ عَلَيهما واحدةٌ، فَقِيلَ له: النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم قد جَعَلَ في كلٍّ منهما دِيَةٌ، فَقَدْ فصل

(8)

بَينَهما، فلم يُجِبْ بشيء

(9)

.

وفي «عُيونِ المسائل» : خَبَرُ المرأة التي قَتَلَت المرأةَ وجَنِينَها

(10)

، قال:

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): يقتضي.

(3)

مرداه حديث سعد رضي الله عنه: «الثلث والثلث كثير» ، أخرجه البخاري (1295)، ومسلم (1628).

(4)

ينظر: المغني 8/ 385.

(5)

في (م): ديتها.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

في (ن): نقص.

(8)

في (ن): فضل.

(9)

في (م): شيء. وينظر: الفروع 10/ 9.

(10)

أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

ص: 373

فَوَجْهُ الدَّليل: أنَّه قَضَى بدِيَةِ الجَنِينِ على الجانِيَةِ حَيثُ لم تبلغ

(1)

الثُّلُثَ.

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: إذا شَرِبَتْ دَواءً عَمْدًا، فأسْقَطَتْ جنينها

(2)

؛ فالدِّيَةُ على العاقِلة

(3)

، قال في «الفروع»: فيتوجَّه منه احْتِمالٌ: تَحمِلُ القليل.

وقد يُقالُ: هذا مُختَصٌّ بالجَنِينِ؛ لكَونِ دِيَته دِيَةَ نَفْسٍ، فيَكونُ مُنزَّلاً مَنزِلَةَ الدِّيَة الكامِلَةِ وإنْ كان دُونَ الثُّلُث؛ لكَونِه دِيَةَ نفسٍ

(4)

.

(وَإِنْ مَاتَا مُنْفَرِدَيْنِ) بِجِنايَتَينِ، صرَّح به في «الوجيز» ؛ (لَمْ تَحْمِلْهَا الْعَاقِلَةُ)؛ نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ (لِنَقْصِهَا عَنِ الثُّلُثِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ في ذلك غُرَّةٌ قِيمَتُها خَمْسٌ من الإبل، وهي دُونَ ثُلُثِ الدِّيَة.

(وَتَحْمِلُ جِنَايَةَ الْخَطَأِ عَلَى الحُرِّ إِذَا بَلَغَتِ الثُّلُثَ)؛ لحديثِ أبي هُرَيرةَ

(6)

، وفي تَقْيِيدِه بالخَطَأ والحرِّ وبلوغ

(7)

الثُّلث؛ احْتِرازٌ عن العمد، والعبد، وما دُونَ الثُّلث.

(وَقَالَ

(8)

أَبُو بَكْرٍ: وَلَا تَحْمِلُ شِبْهَ الْعَمْدِ)، هذا روايةٌ، وصحَّحه ابنُ حَمْدانَ، وقاله ابنُ شُبْرُمةَ، والزُّهْرِيُّ، وقَتادَةُ؛ لأِنَّها مُوجَبُ فِعْلٍ قَصَدَه، فلم تَحمِلْه العاقِلةُ؛ كالعَمْد المَحْضِ، وهي دِيَةٌ مُغلَّظَةٌ، أشْبَهَتْ دِيَةَ العَمْدِ.

(1)

في (م) و (ن): لم يبلغ.

(2)

في (ظ) و (ن): جنينًا.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3378.

(4)

قوله: (وقال أحمد: هذا من قبل

) إلى هنا ذكر في (ن) بعد قوله: (قيمتها خمس من الإبل، وهي دون ثلث الدية).

(5)

ينظر: الفروع 10/ 9.

(6)

مراده حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المرأتين اللتين اقتتلتا من هذيل، أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

(7)

في (ن): وبلوغه.

(8)

في (م): قال.

ص: 374

(وَتَكُونُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ)، قال في «الشَّرح»: ولا نَعلَمُ خِلافًا في أنَّها تَجِبُ مُؤجَّلةً، رُوِيَ عن عمرَ

(1)

، وعليٍّ

(2)

، وابنِ عبَّاسٍ

(3)

.

وقال أبو بكرٍ مَرَّةً: هو في مالِ الجاني حالًّا، وحَكاهُ في «الشَّرح» عَنْ قَومٍ؛ لأِنَّها بَدَلُ مُتْلَفٍ.

وجَوابُه: بأنَّها تُخالِفُ سائرَ المُتْلَفاتِ، واقْتَضَى تَغليظَها مِنْ وَجْهٍ، وهو الأسنان، وتخفيفَها من وَجْهٍ، وهو حَمْلُ العاقِلةِ لها وتأجِيلُها.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ

(4)

، هذا ظاهِرُ المذْهَبِ، في ثَلاثِ سِنِينَ، نَصَّ عليه

(5)

، قدَّمه في «الكافي»؛ لحديثِ أبي هُرَيرةَ: «اقْتَتَلَت امْرأتانِ مِنْ هُذَيلٍ

» الحديثَ

(6)

؛ لأِنَّه لا يُوجِبُ قِصاصًا؛ كالخطأ.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (17857)، عن ابن جريج، أُخبرت عن أبي وائل، أن عمر رضي الله عنه:«جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين، وجعل نصف الدية في سنتين، وما دون النصف في سنة» ، قال ابن جريج:«وجعل عمر الثلثين في سنتين» .

وأخرجه عبد الرزاق (17858)، وابن أبي شيبة (27438)، والبيهقي في الكبرى (16390)، من طريق أشعث، عن الشعبي، أن عمر رضي الله عنه:«جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف، والثلثين في سنتين، والثلث في سنة، وما دون الثلث فهو من عامه» ، الشعبي لم يسمع من عمر، وأشعث بن سوار ضعيف، وعند ابن أبي شيبة:(عن إبراهيم النخعي عن عمر) ولم يسمع منه.

وأخرجه عبد الرزاق (17859)، من طريق مكحول، عن عمر رضي الله عنه نحوه، ولم يسمع منه.

(2)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16391)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، أن عليًّا رضي الله عنه:«قضى بالعقل في قتل الخطأ في ثلاث سنين» ، وعن يحيى بن سعيد:«أن من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين» ، قال ابن حجر في التلخيص 4/ 96:(وهو منقطع وفيه ابن لهيعة).

(3)

لم نقف عليه من قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقال ابن حجر:(وأما الرواية بذلك عن ابن عباس فلم أقف عليها). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 96.

(4)

كتب في هامش (ن): (أي: شبه العمد، وهو المذهب).

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 407، زاد المسافر 4/ 320.

(6)

أخرجه البخاري (6910)، ومسلم (1681).

ص: 375

وعَنْهُ: يَجِبُ مُؤجَّلاً كذلك في مالِ الجاني.

وقِيلَ: حالًّا، قدَّمه في «التَّبصرة» و «الرِّعاية» ؛ كغَيرِه.

وذَكَرَ أبو الفَرَج: تَحمِلُه العاقِلةُ حالًّا.

وفي «التَّبصرة» : لا تَحمِلُ عَمْدًا، ولا صُلْحًا، ولا اعْتِرافًا، ولا ما دُونَ الثُّلث، وجميعُ ذلك في مالِ جانٍ في ثلاثِ سِنِينَ.

وفي «الرَّوضة» : دِيَةُ الخَطَأ في خَمْسِ سِنِينَ، في كلِّ سنةٍ خُمُسُها.

(وَمَا يَحْمِلُهُ

(1)

كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِلَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ)؛ لأِنَّ التَّقْديرَ مِنْ الشَّرْع، ولم يَرِدْ به، (وَلَكِنْ

(2)

يُرْجَعُ فِيهِ

(3)

إِلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ)؛ لأِنَّه لا نَصَّ فيه، فَوَجَبَ الرُّجوعُ في تَقديرِه إلى اجْتِهادِ الحاكِمِ؛ كتَقْدِيرِ النفقات

(4)

.

(فَيُحَمِّلُ كُلَّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ مَا يَسْهُلُ وَلَا يَشُقُّ)، نَصَّ عليه

(5)

؛ لأِنَّ التَّحمُّلَ على سبيل

(6)

المُواساة للقاتِلِ والتَّخفيفِ عنه، ولا يُخفَّفُ عن

(7)

الجاني ما يثقل

(8)

على

(9)

غَيرِه ويُجحِف

(10)

به؛ كالزَّكاة، ولأِنَّ الإجْحافَ لو كان مَشْروعًا كان الجانِي أحقَّ به، فإذا لم يُشرَعْ في حقِّه؛ فغَيرُه أَوْلَى.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَجْعَلُ

(11)

عَلَى الْمُوسِرِ)، وهو مالِكُ نِصابٍ عِنْدَ حُلولِ

(1)

في (ن): وما تحمله.

(2)

في (م): لكن.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (م)، وفي (ن): فيها.

(4)

في (م): التفاوت.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3344.

(6)

في (م): سبب.

(7)

في (م): ولا تخفيف على.

(8)

في (م) و (ن): ينقل.

(9)

قوله: (على) سقط من (م).

(10)

في (م): وتجحف.

(11)

في (م): تجعل.

ص: 376

الحَولِ فاضِلاً؛ عنه، كحجٍّ وكفَّارةِ ظهارٍ

(1)

، (نِصْفَ دِينَارٍ)؛ لأِنَّه أقلُّ مالٍ

(2)

يَتقدَّرُ في الزَّكاة، (وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ رُبُعًا)، قَولُه روايةٌ عن أحمدَ؛ لأِنَّ ما دُونَ ذلك تافِهٌ لا تُقطَعُ اليَدُ فيه.

(وَهَلْ يَتَكَرَّرُ

(3)

ذَلِكَ فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ أَوْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفروع»:

أحدهما: يتكرَّر؛ لأنَّه

(4)

حقٌّ يتعلَّق بالحَول على سبيل المواساة، فيتكرَّر بتكرُّر الحَول كالزكاة

(5)

.

والثَّاني: لَا؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى إِيجابِ أكثرَ من أقلِّ الزَّكاة، فيَكُونُ مُضِرًّا.

فعلى الأوَّل: يَجِبُ على المُوسِر: دِينارٌ ونصفٌ، وعلى المتوسِّط: ثلاثةُ أرْباعٍ لِتكرُّرِه، وعلى الثَّاني: نصفٌ على

(6)

المُوسِرِ، ورُبُعٌ على المتوسِّط؛ لأِنَّه لا يتكرَّرُ.

(وَيَبْدَأُ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ)؛ كالمِيراث سَواءً، (فَمَتَى

(7)

اتَّسَعَتْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لَهَا

(8)

، لَمْ يَتَجَاوَزْهُمْ

(9)

؛ لأِنَّه حقٌّ يُستَحَقُّ بالتَّعصيب، فقُدِّمَ الأقْرَبُ فالأقربُ

(10)

.

(1)

في (م): عن الحج أو كفارة ظهاره.

(2)

في (م): ما.

(3)

في (م): كرر.

(4)

في (م) و (ن): ولأنه.

(5)

في (م): كالمذكور.

(6)

في (ن): وعلى.

(7)

في (م): فما.

(8)

في (م): لأنها.

(9)

في (م): لم تتجاوزهم، وفي (ن): لم يتجاوزوهم.

(10)

قوله: (فالأقرب) سقط من (م).

ص: 377

ويُقدَّمُ مَنْ يُدْلِي بأَبَوَينِ على مَنْ يُدْلِي بأبٍ في الأشْهَرِ؛ كالميراث.

وفي الآخَرِ: سَواءٌ؛ لأِنَّه يُستَفادُ بالتَّعصيب.

وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ في مُساواةِ أخٍ لأبٍ

(1)

لأبوين

(2)

رِوَايَتَينِ، وخُرِّجَ منها: مُساواةُ بعيدٍ لقريب

(3)

.

ويُؤخَذُ مِنْ بعيدٍ لِغَيبةِ قريبٍ، وقِيلَ: يَكتُبُ الإمامُ إلى قاضِي بَلَدِ الأقْرَبِ الغائبِ ليُطالِبه

(4)

بها.

(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم تتسع

(5)

أمْوالُ الأقْرَبِينَ لها؛ (انْتَقَلَ إِلىَ مَنْ يَلِيهِمْ)؛ لأِنَّ الأقربين

(6)

لم يكونوا مَوجُودِينَ، فعُلِّقت

(7)

الدِّيَةُ بمَنْ يَلِيهِم، وكذا إذا تحمَّلَ الأقْرَبونَ ما وَجَبَ عَلَيهِم وبَقِيَتْ بقيةٌ

(8)

.

(وَإِنْ تَسَاوَى

(9)

جَمَاعَةٌ فِي الْقُرْبِ؛ وُزِّعَ الْقَدْرُ الذِي يَلْزَمُهُمْ بَيْنَهُمْ)، نَصَّ عليه

(10)

؛ لأِنَّهم اسْتَوَوْا في القَرابة، فكانوا سواءً كما لو قَتَلُوا، وكالميراث.

وقال ابنُ حَمْدانَ: ويَحتَمِلُ أنْ يَأخُذَ الإمامُ مِمَّنْ شاء.

(1)

قوله: (أخ لأب) في (م): في الأب.

(2)

زيد في (م): على.

(3)

في (م): بقريب.

(4)

في (ن): فيطالبه.

(5)

في (ظ) و (ن): لم يتسع.

(6)

زيد في (م): لو.

(7)

في (م): تعلقت.

(8)

في (ن): تقية.

(9)

في (ظ) و (ن): تساووا.

(10)

ينظر: الفروع 10/ 13.

ص: 378

(فَصْلٌ)

(وَمَا تَحْمِلُهُ

(1)

الْعَاقِلَةُ يَجِبُ

(2)

مُؤَجَّلاً فِي ثَلَاثِ سِنِينَ)، لَا خِلافَ في وُجوبِ دِيَةِ الخَطَأ على العاقِلة في ثلاثِ سِنِينَ

(3)

؛ لقَولِ عمرَ، وعليٍّ

(4)

، ولم يُعرَفْ لهما

(5)

في الصحابة

(6)

مُخالِفٌ، (إِنْ كَانَ

(7)

دِيَةً كَامِلَةً)؛ لأِنَّه لا

(8)

مُرجِّحَ لبعض السِّنينَ على بعضٍ، ولأِنَّه مال

(9)

يَجِبُ على سبيلِ المواساة، فلم يَجِبْ حالًّا؛ كالزكاة.

وحِينَئِذٍ يجب

(10)

في آخِرِ كلِّ حَولٍ ثُلُثُها، ويُعتَبَرُ ابْتِداءُ السَّنَةِ مِنْ حِينِ وُجوبِ الدِّيَة.

(وَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ ثُلُثَ الدِّيَةِ؛ كَأَرْشِ الْجَائِفَةِ؛ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ)؛ أيْ: في آخِرِ السَّنَة الأُولَى، ولم يَجِبْ منه شَيءٌ حالًّا؛ لأِنَّ العاقِلةَ لا تَحمِلُ حالًّا.

(وَإِنْ كَانَ نِصْفَهَا؛ كَدِيَةِ الْيَدِ؛ وَجَبَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ الثُّلُثُ)؛ لأِنَّه قَدْرُ ما يُؤدَّى من الدِّيَة الكامِلةِ، فَوَجَبَ؛ لِتَساوِيهِما في وَقْتِ الوُجوبِ،

(1)

في (م): وما تحمل.

(2)

في (ن): تجب.

(3)

ينظر: المغني 8/ 375.

(4)

سبق تخريجهما 9/ 375.

(5)

في (م): لهم.

(6)

قوله: (في الصحابة) سقط من (م) و (ن).

(7)

في (م): كانت.

(8)

قوله: (لا) سقط من (م).

(9)

في (م): مما.

(10)

في (م): تجب.

ص: 379

(وَبَاقِيهِ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ الثَّانِي)؛ لأِنَّ ذلك محلُّ القِسْطِ الثَّاني مِنْ الكامِلةِ.

(وَإِنْ كَانَ دِيَةَ امْرَأَةٍ أَوْ كِتَابِيٍّ)؛ لم يُقْتَلْ

(1)

عَمْدًا، قاله في «الوجيز» ، وفيه شَيءٌ، (فَكَذَلِكَ)؛ لأِنَّ هذا يَنقُصُ عن دِيَةٍ كامِلةٍ، أشبهت أرْشَ الطَّرَف.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ تُقَسَّمَ

(2)

فِي ثَلَاثِ سِنِينَ)؛ لأِنَّ ذلك دِيَةُ نَفْسٍ كامِلةٍ، أشْبَهَ دِيَةَ المسْلِمِ.

(وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ دِيَةٍ؛ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ، فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ؛ لَمْ يَزِدْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عَلَى الثُّلُثِ)؛ لأِنَّ الواجِبَ لو كان دُونَ الدِّيَة؛ لم ينقص

(3)

في السَّنَة عن الثُّلُث، فكذا لا يَزِيدُ عليه إذا زاد على الثُّلُث.

وكذا

(4)

إذا قُتِلت المرأةُ وجنينُها بضربةٍ بعْدَ ما اسْتَهَلَّ، لم يزد

(5)

في كلِّ حَولٍ على قَدْرِ الثُّلث.

وقال القاضي وأصحابُه: دِيَةُ نَفْسٍ في ثَلاثِ سِنِينَ، وقِيلَ: الكلُّ.

فلو قَتَلَ اثْنَيْن؛ فدِيَتُهما في ثلاثٍ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ له دِيَةٌ، فيَستَحِقُّ ثُلُثَها؛ كما لو انْفَرَدَ حقُّه، وقِيلَ: في ستِّ سِنِينَ.

فأمَّا إذا كان الواجِبُ دُونَ الثُّلث؛ كدِيَةِ الأصْبُع؛ لم تَحمِلْها العاقِلةُ، وتَجِبُ حالًّا؛ لأِنَّها بَدَلُ مُتلَفٍ.

(وَابْتِدَاءُ الحَوْلِ فِي الْجُرْحِ مِنَ الاِنْدِمَالِ)؛ لأِنَّ الأرْشَ لا يستقر

(6)

إلاَّ بالبُرْء، (وَفِي القَتْلِ

(7)

مِنَ حِينِ الْمَوْتِ)؛ لأِنَّه حالَةُ الوُجوب، سواءٌ كان قَتْلاً

(1)

في (ظ) و (ن): لم يقبل.

(2)

في (م): أن يقسم.

(3)

في (م): لم تنقص.

(4)

قوله: (وكذا) سقط من (م).

(5)

في (ظ): لم تزد.

(6)

في (م): لا يستوي.

(7)

في (م): القتيل.

ص: 380

مُوحيًا

(1)

، أوْ عن سِرايَةِ جُرْحٍ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: إِنْ لَمْ يَسْرِ

(2)

الْجُرْحُ إِلَى شَيْءٍ؛ فَحَوْلُهُ

(3)

مِنْ حِينِ الْقَطْعِ)؛ لأِنَّ تلك حالةُ الوُجوب، ولهذا لو قَطَعَ يَدَهُ وهو ذِمِّيٌّ، فأسْلَمَ، ثُمَّ انْدَمَلَتْ؛ وَجَبَ نصفُ دِيَةِ ذِمِّيٍّ.

وحاصِلُه: أنَّ عندَه أنَّ ابتداءَه في القتل المُوحِي والجُرح الذي لم يَسْر عن مَحلِّه من حِينِ الجِنايَةِ.

وقِيلَ: في

(4)

الكلِّ عِنْدَ الترافع

(5)

إلى الحاكم.

(وَمَنْ مَاتَ مِنَ الْعَاقِلَةِ، أَوِ افْتَقَرَ) قَبْلَ تمامِ الحَول؛ (سَقَطَ مَا عَلَيْهِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

؛ لأِنَّه مالٌ يَجِبُ في آخِرِ الحَول على سبيلِ المُواساةِ، أشْبَهَ الزَّكاة.

(وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْحَوْلِ؛ لَمْ يَسْقُطْ مَا عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه حقٌّ تَدخُلُه النِّيابَةُ، لا يَملِكُ إسْقاطَه في حياته

(7)

، أشْبَه الدَّينَ، ولأِنَّه وَجَبَ عَلَيهِ لِحَوَلانِ الحَوْلِ، فلم يَسقُطْ؛ كالزَّكاةِ.

(وَعَمْدُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ؛ خَطَأٌ)، نَصَّ عليه في روايةِ ابنِ منصورٍ

(8)

؛ لأِنَّه لا يُتحقَّقُ منهما كمالُ القَصْد، فَوَجَبَ أنْ يكونَ كخَطَأِ البالغ، (تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ)؛ لأِنَّه لا يُوجِبُ القَوَدَ، فحملته

(9)

كغَيرِه.

(1)

في (م): موجبًا.

(2)

في (م): موجبًا.

(3)

في (م): لم يبرأ.

(4)

قوله: (في) سقط من (م).

(5)

في (ن): الرافع.

(6)

ينظر: المغني 8/ 396.

(7)

في (ن): جنايته.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3612.

(9)

في (ن): فحمله.

ص: 381

(وَعَنْهُ فِي الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ: أَنَّ عَمْدَهُ فِي مَالِهِ)؛ لأِنَّه عَمْدٌ يَجُوزُ تأديبه

(1)

عليه، أشْبَهَ البالِغَ العاقِلَ، والمرادُ به المميِّزُ، لكِنْ قال ابنُ عَقِيلٍ والحُلْوانِيُّ: تَجِبُ مُغلَّظَةً.

وفي «الواضح» رِوايَةٌ: في ماله بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ.

ونَقَلَ أبو طالِبٍ

(2)

: ما أصاب الصَّبِيُّ من شَيءٍ؛ فَعَلَى الأب إلى قَدْرِ ثُلُثِ الدِّيَة، فإذا جاوَزَ ثُلُثَ الدِّيَة؛ فعلى العاقلة، فهذا رِوايَةُ لا تحمِلُ الثُّلُثَ.

والأوَّلُ أَوْلَى، وما ذَكَروهُ يَنتَقِضُ بشِبْهِ العَمْدِ.

(1)

قوله: (يجوز تأديبه) في (ن): نحو زيادته.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 316.

ص: 382

(بَابُ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ)

الكفَّارةُ مَأخُوذةٌ من الكَفْرِ، وهو: السَّتْرُ؛ لأِنَّها تُغَطِّي الذَّنْبَ وتَسْتُره.

والأصْلُ فيها الإجْماعُ

(1)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92]، فذَكَرَ في الآية ثلاثَ كفَّاراتٍ:

إحْداهُنَّ: يَقتُلُ المسلِمَ في دارِ الإسْلامِ خَطَأً.

الثَّاني: يَقتُلُه في دارِ الحرب وهو لا يَعرِفُ إيمانَه، بقوله

(2)

: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92].

الثَّالِثُ: يَقتُلُ المعاهَدَ، وهو: الذِّمِّيُّ في دارِ الإسلام؛ لقوله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النِّسَاء: 92].

فأوْجَبَ الكفَّارةَ بالقَتْلِ في الجملة، وسَواءٌ كان المقتولُ ذكرًا أوْ أنْثَى، صغيرًا كان أوْ كبيرًا.

(وَمَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُحَرَّمَةً خَطَأً)؛ للآية الكريمةِ، سواءٌ قَتَلَها بمُباشَرَةٍ أوْ سببٍ

(3)

بعدَ مَوتِه، نَصَّ عليه

(4)

، بغَيرِ حقٍّ، ولو مُسْتَأْمِنًا.

وظاهِرُه: ولو قَتَلَ نَفْسَه.

(أَوْ مَا أُجْرِيَ مُجْرَاهُ)؛ لأِنَّه أُجْرِيَ مُجْراهُ في عَدَمِ القِصاصِ، فكذا يجِبُ أنْ يُجْرَى مُجْراهُ في الكفَّارة.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 127.

(2)

في (م): لقوله.

(3)

في (ن): تسبب.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 14.

ص: 383

(أَوْ شَارَكَ فِيهَا)؛ أي

(1)

: على كلِّ واحِدٍ من المشتركين

(2)

كفَّارةٌ، في قَولِ الأكثرِ؛ لأِنَّ الكفَّارةَ مُوجَبُ

(3)

قَتْلِ الآدَمِيِّ، فَوَجَبَ تَكْميلُها على كلِّ واحِدٍ من الشُّرَكاء؛ كالقِصاصِ.

(أَوْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ، فَأَلْقَتْ جَنِينًا

(4)

مَيْتًا، أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ؛ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ)؛ لأِنَّه قَتَلَ نَفْسًا مُحرَّمةً، أشْبَهَ قَتْلَ الآدَمِيِّ بالمباشَرة.

وفي «الإرشاد» : إنْ جَنَى عليها، فألْقَتْ جَنِينَينِ فأكثرَ؛ فقِيلَ: كفَّارةٌ، وقِيلَ: تَتعَدَّدُ، قال في «الفروع»: فيُخرَّجُ مِثْلُه في جَنِينٍ وأُمِّه.

والمذْهَبُ: أنَّه لا بُدَّ مِنْ إلقاءِ جنينٍ

(5)

كامِلٍ؛ لأِنَّه قَتَلَ نَفْسًا بغَيرِ حقٍّ، فكان فيه الكفَّارةُ كالمولود.

وقِيلَ: تَجِبُ ولو بإلْقاءِ مُضغَةٍ لم تتصوَّر

(6)

.

(مُسْلِمًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ كَافِرًا)؛ لأِنَّ الكافِرَ آدَمِيٌّ مَقْتولٌ ظُلْمًا، فَوَجَبَت الكفَّارةُ بقَتْلِه؛ كالمسْلِمِ.

(حُرًّا أَوْ عَبْدًا)، في قَولِ أكْثرِهم؛ لِعُمومِ قَولِه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النِّسَاء: 92]، ولأِنَّه يَجِبُ بِقَتْلِه القِصاصُ في الجملة، فَوَجَبَ بقَتْلِه الكَفَّارةُ كالحرِّ، ولأِنَّه مُؤمِنٌ أشْبَهَ الحرَّ.

(وَسَوَاءٌ

(7)

كَانَ الْقَاتِلُ كَبِيرًا عَاقِلاً، أَوْ صَبِيًّا

(8)

، أَوْ مَجْنُونًا، حُرًّا أَوْ

(1)

في (م): روي.

(2)

في (م): المسلمين.

(3)

في (م) و (ن): توجب.

(4)

في (م): جنينها.

(5)

في (م): حيين.

(6)

في (ظ) و (ن): لم يتصور.

(7)

في (م): سواء.

(8)

في (م): أو صغيرًا.

ص: 384

عَبْدًا)، مُسْلِمًا أوْ كافِرًا؛ لأِنَّه حقٌّ ماليٌّ

(1)

يَتعلَّقُ بالقَتْلِ، فتعلَّقت

(2)

بهم كالدِّيَة، والصَّلاةُ والصَّومُ عِبادَتانِ بَدَنِيَّتانِ، وهذه مالِيَّةٌ أشْبَهَتْ نَفَقَةَ الأقارِبِ، وكفَّارةُ اليمين تتعلَّق بالقَول، ولا قَولَ لهما، وهذه تتعلَّق بالفعل، وفِعْلُهما مُتحَقِّقٌ، ويتعلَّق بالفِعْل ما لا يَتعلَّقُ بالقول، بدليلِ إحْبالِهما، وأمَّا الكافِرُ فتكون

(3)

عقوبةً له؛ كالحُدود.

وعَنْهُ: لا تَجِبُ عليه، نَقَلَها بكرُ بنُ مُحمَّدٍ، وزاد أبو حَنِيفةَ عليه: الصَّبِيَّ والمجنون

(4)

؛ لأِنَّها عبادةٌ مَحضَةٌ تَجِبُ بالشَّرع، فلم تَجِبْ عليهم؛ كالصَّوم وكفَّارةِ اليمين.

وجَوابُه ما سَبَقَ.

(وَيُكَفِّرُ الْعَبْدُ بِالصِّيَامِ)؛ لأِنَّه لا مالَ له.

(وَعَنْهُ: عَلَى الْمُشْتَرِكِينَ كَفَّارِةٌ وَاحِدَةٌ)؛ لِعُمومِ قَولِه تعالى: الآيةَ {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً

} الآية [النِّسَاء: 92]، و «مَنْ» تتناول

(5)

الواحِدَ والجَماعةَ، ولأِنَّ الدِّيَةَ لا تَتعدَّدُ، فكذا الكَفَّارةُ، ولأِنَّها كَفَّارةُ قَتْلٍ، فلم تَتعدَّدْ بتعدد

(6)

القاتِلينَ مع اتحاد المقتول؛ ككفارة الصَّيد الحَرَمِيِّ.

(فَأَمَّا

(7)

الْقَتْلُ الْمُبَاحُ؛ كَالْقِصَاصِ، وَالْحَدِّ، وَقَتْلِ

(8)

الْبَاغِي وَالصَّائِلِ؛

(1)

في (م): مال.

(2)

في (م): فعلقت.

(3)

في (ظ): فيكون.

(4)

قوله: (والمجنون) سقط من (م). وينظر: التجريد للقدوري 11/ 5812، بدائع الصنائع 7/ 252.

(5)

في (م): يتناول.

(6)

قوله: (فلم تتعدد بتعدد) في (م): على تعدد بتعد.

(7)

في (ن): وأما.

(8)

في (ن): وقتال.

ص: 385

فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ)؛ لأِنَّه قَتْلٌ مَأْمُورٌ به، والكفَّارةُ لا تَجِبُ لِمَحْوِ المأمور به، والخَطَأُ لا يُوصَفُ بتحريمٍ ولا إباحةٍ؛ لأِنَّه كقَتْلِ المجنون، لكِنَّ النَّفْسَ الذَّاهِبةَ به مَعصُومةٌ مُحرَّمةٌ، فلذلك

(1)

وَجَبَت الكفَّارةُ فيها.

وقال قَومٌ: الخَطَأُ مُحرَّمٌ ولا إثمَ

(2)

فيه.

وقِيلَ: لَيسَ بمُحرَّمٍ؛ لأِنَّ المحرَّمَ ما أثِمَ فاعِلُه، والاِسْتِثْناءُ في الآية مُنقَطِعٌ، و «إلاَّ» في مَوضِع «لكِنْ» .

وقِيلَ: في مَوضِع «لا»

(3)

؛ أيْ: ولا خَطَأً، وهو بعيدٌ؛ لأِنَّ الخَطَأَ لا يَتَوَجَّهُ إليه النَّهْيُ؛ لِعَدَمِ إمْكانِ التَّحَرُّزِ منه.

(1)

في (ن): فكذلك.

(2)

قوله: (ولا إثم) في (م): والإثم.

(3)

في (م): إلا.

ص: 386

‌فَصْلٌ

لا يَلزَمُ قاتِلاً حَربِيًّا، قاله في «التَّرغيب» وغَيره، ولا قاتِلاً نِساءَ حَرْبٍ وذُرِّيَّتَهم، ومَن لم تَبلُغْه الدَّعْوةُ.

قال الخَطَّابيُّ: مَنْ لم تَبلُغْه الدَّعْوةُ تَجِبُ فيه الكفَّارةُ والدِّيَةُ، وفي وُجوبِ الدِّيَة خِلافٌ بَينَ العلماء

(1)

.

وجَوابُه: بأنَّه لا أيْمانَ لهم ولا أمانَ، وإنَّما مُنِعَ مِنْ قَتْلِهم؛ لاِنْتِفاعِ المسلمين بهم بصيرورتهم

(2)

أرِقَّاءَ.

(وَفِي قَتْلِ الْعَمْدِ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ؛ رِوَايَتَانِ):

(إِحْدَاهُمَا: لَا كَفَّارَةَ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرِ وَالْقَاضِي).

(وَالأُخْرَى: فِيهِ الْكَفَّارَةُ).

أَمَّا العَمْدُ؛ فالمشْهورُ في المذْهَبِ: أنَّه لا كَفَّارَةَ فيه، قدَّمه في «الكافي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح»؛ لِمُفهومِ قَولِه تعالى:{وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} [النِّسَاء: 92]، واحْتَجَّ جماعةٌ بقَولِه تعالى:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النِّسَاء: 93]، فَمَنْ زَعَمَ أنَّ ذلك يَسقُطُ بالتَّكفير؛ احْتاجَ دَليلاً يَثْبُتُ بمِثْلِه نَسْخُ القرآن، زاد في «عيون المسائل»: وأين

(3)

الدَّليلُ القاطِعُ على أنَّه إذا تاب

(4)

أو كَفَّرَ قد شاء الله أنْ يَغفِرَ له، ولا فَرْقَ في العَمْد المُوجِبِ للقِصاص وغَيرِه.

والثَّانيةُ: تجب

(5)

، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ وأبو محمَّدٍ الجَوزيُّ؛ لِمَا رَوَى واثلة

(1)

ينظر: معالم السنن 2/ 262.

(2)

في (م): وصيرورتهم.

(3)

في (ن): وإن.

(4)

في (ن): مات.

(5)

في (م): يجب.

ص: 387

ابنُ الأسْقَعِ، قال: أتَيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بصاحِبٍ لنا قد أوْجَبَ القَتْلَ، فقال:«أعْتِقُوا عنه رَقبةً، يُعتِقِ اللهُ بكلِّ عُضْوٍ منه عُضْوًا منه مِنْ النَّارِ» رواه أبو داودَ بإسْنادٍ ضعيفٍ

(1)

، ولأِنَّها إذا وَجَبَتْ في قَتْلِ الخطأ؛ فلأن تَجِبَ في العَمْد بطَرِيقِ الأَوْلَى.

والأُولى

(2)

أصحُّ؛ لأِنَّه تعالى

(3)

ذَكَرَ قَتْلَ الخطأ وأَوْجَبَ فيه الكفَّارةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ العَمْد مِنْ غَيرِ ذِكْرِ كفَّارةٍ فيه، مع أنَّ سُوَيدَ بنَ الصَّامِتِ قَتَلَ رجلاً، فأوْجَبَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم القَوَدَ، ولم يُوجِبْ كفَّارةً.

وحديثُ واثلة يَحتَمِلُ أنَّه كان خَطَأً، وسَمَّاه مُوجِبًا؛ لأِنَّه فوت

(4)

النَّفسَ بالقَتْل، ويَحتَمِلُ أنَّه كان شِبْهَ عَمْدٍ، ويَحتَمِلُ أنَّه أمَرَهم به تَبرُّعًا.

وأمَّا شبه

(5)

العَمْد: فالأصحُّ أنَّها تَجِبُ فيه، جَزَمَ به في «الكافي» و «المستوعب» وغيرُهما، وفي «المغْنِي»: تَجِبُ فيه الكفَّارةُ، ولا أعْلَم لأِصْحابِنا فيه قَولاً؛ لأِنَّه أُجرِيَ مُجْرَى الخطأ في نَفْسِ القصاص، وحَمْلِ العاقِلةِ دِيَتَه، وتأجيلِها في ثلاثِ سِنِينَ، فَجَرَى مَجراهُ في وُجوبِ الكفَّارة.

(1)

أخرجه أحمد (16012)، وأبو داود (3964)، والنسائي في الكبرى (4871)، وابن حبان (4307)، والبيهقي في الكبرى (16480)، من طريق إبراهيم بن أبي عبلة، عن الغريف بن الديلمي، عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه به، والغريف بن عياش الديلمي مجهول لم يرو عنه إلا إبراهيم، وضعف الحديث الألباني، وصححه ابن حبان والحاكم وابن الملقن، وله شاهد عند البخاري (2517)، ومسلم (1509)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ينظر: البدر المنير 8/ 503، الإرواء 7/ 339.

(2)

في (م): والأول.

(3)

في (ظ) و (ن): يقال.

(4)

في (م): موت، وفي (ن): قوت.

(5)

قوله: (عمد ويحتمل أنه أمرهم به تبرعًا وأما شبه) سقط من (م).

ص: 388

والثَّانيةُ: لا تَجِبُ، وبعَّدها ابنُ المنجى

(1)

، واختارها أبو بكرٍ؛ لأِنَّ دِيَتَه مُغَلَّظَةٌ.

تذنيبٌ: مَنْ لَزِمَتْه؛ ففي ماله، وقِيلَ: ما حَمَلَه بَيتُ المال مِنْ خَطَأِ إمامٍ وحاكِمٍ؛ ففيه

(2)

.

ويُكفِّرُ عن

(3)

غَيرِ مكلفٍ

(4)

وَلِيُّه، نَقَلَ مُهَنَّى: القَتْلُ له كفَّارةٌ، وكذا الزِّنى، ونَقَلَ الميمونيُّ: لَيسَ بَعْدَ القَتْل شَيءٌ أشدَّ من الزِّنى

(5)

.

(1)

في (ن): منجى.

(2)

قوله: (ففيه) سقط من (ن).

(3)

في (م): من.

(4)

في (م): مكان.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 15. وكتب في هامش (ظ): (بلغ بأصله رحمه الله تعالى).

ص: 389

(بَابُ الْقَسَامَةِ)

بَابُ الْقَسَامَةِ

الْقَسامَةُ: اسْمٌ للقَسَمِ، أُقِيمَ مُقامَ المصدَر، مِنْ أقْسَمَ إقْسامًا وقَسَامَةً.

وهي: الحَلِفُ، قال الأزْهَرِيُّ

(1)

: هم القَومُ الذين يُقْسِمُونَ في دَعْواهم على رَجُلٍ أنَّه قَتَلَ صاحِبَهم، سُمُّوا قَسامَةً باسْمِ المصْدَر؛ كعَدْلٍ ورِضًا، وإنَّما هي الأَيْمانُ إذا كَثُرَتْ على وَجْهِ المُبالَغَةِ.

(وَهِيَ الْأَيْمَانُ الْمُكَرَّرَةُ فِي دَعْوَى الْقَتْلِ)؛ أيْ: في دَعْوَى قَتْلِ مَعْصومٍ، وكلامُ الخِرَقِيِّ مُوجِبٌ للقود

(2)

.

والأصْلُ فيها: ما رُوِيَ عن سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ ورافِعِ بنِ خَدِيجٍ: أنَّ

(3)

مُحَيِّصةَ بنَ مسعودٍ وعبدَ الله بنَ سَهْلٍ انْطَلَقا إلى خيبر

(4)

، فتفرَّقا في النَّخل، فَقُتِلَ عَبدُ الله بنُ سهل، فاتَّهَمُوا اليهودَ به، فجاءه أخوهُ عبدُ الرَّحمنِ وابْنَا عمِّه حُوَيِّصَة ومُحَيِّصَةُ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فتكلَّم عبدُ الرَّحمن في أمر أخيه، وهو أصْغَرُهم، فقال:«كَبِّرْ كَبِّرْ» ، فتكلَّما في أمْرِ صاحِبِهما، فقال: «أتحلفون

(5)

وتَستَحِقُّونَ دمَ

(6)

قاتلِكم»، قالوا: كيف نَحلِفُ ولم نَشْهَدْ ولم نَرَ؟ قال: «فتُبْرِئُكُم يهودُ بخَمْسينَ يمينًا» ، قالوا: كَيفَ نأخُذُ أيْمانَ قَومٍ كُفَّارٍ، قال: فَعَقَلَه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم من عِندِه، رواه الجماعةُ

(7)

.

(1)

ينظر: الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي ص 245.

(2)

في (م): للقوم.

(3)

في (م): ابن.

(4)

في (م): جبير.

(5)

في (م): تحلفون.

(6)

قوله: (دم) سقط من (ن).

(7)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669)، وأبو داود (4520)، والترمذي (1422)، والنسائي (4712)، وابن ماجه (2677).

ص: 390

وعن أبي سَلَمةَ بنِ عبدِ الرَّحْمن وسليمان

(1)

بنِ يَسَارٍ، عن رجلٍ من أصحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم من الأنصار:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أقرَّ القَسامةَ على ما كانَتْ عليه في الجاهِلِيَّة» رواه أحمدُ ومسلمٌ

(2)

.

قال ابنُ قُتَيبةَ في «المعارف» : أوَّل مَنْ قَضَى بالقَسامة في الجاهِليَّة الوليدُ ابنُ المغِيرةِ، فأقرَّها النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في الإسلام

(3)

.

(وَلَا تَثْبُتُ إِلاَّ بِشُرُوطٍ أَرْبَعَةٍ):

(أَحَدُهَا: دَعْوَى الْقَتْلِ)، عَمْدًا كان أوْ خَطَأً، نَصَّ عليه في رِوايَةِ حَنبَلٍ

(4)

؛ لأِنَّ كلَّ حقٍّ لآِدَمِيٍّ لا يَثبُتُ لِشَخْصٍ إلاَّ بَعْدَ دَعْواهُ أنَّه له، والقَتْلُ من الحقوق، فيَندَرِجُ تَحتَ ذلك.

وقِيلَ: لا قَسامَةَ في خَطَأٍ.

(ذَكَرًا كَانَ الْمَقْتُولُ أَوْ أُنْثَى)؛ للخبر السَّابق، ولأِنَّ القِصاصَ يَجْرِي فيها

(5)

، فشُرعت

(6)

القَسامَةُ فيها

(7)

كذلك.

(حُرًّا أَوْ عَبْدًا، مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا)؛ لأنَّ

(8)

العبدَ والذِّمِّيَّ يُوجِبُ القِصاصَ في المُماثِلِ له، فأوْجَبَ القَسامةَ في ذلك؛ كالحرِّ والمسْلِم.

أمَّا المقتولُ إذا كان حُرًّا مُسلِمًا؛ فلا خِلافَ فيه

(9)

، سَواءٌ كان المدَّعَى

(1)

في (م): وسلمان.

(2)

أخرجه أحمد (16598)، ومسلم (1670).

(3)

ينظر: المعارف ص 551.

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 311.

(5)

في (م): فيه.

(6)

قوله: (فشرعت) مكانه بياض في (م).

(7)

قوله: (فيها) سقط من (م).

(8)

في (ظ): ولأن.

(9)

ينظر: المغني 8/ 507.

ص: 391

عليه مُسلِمًا أوْ كافِرًا؛ لِقِصَّةِ عبدِ الله بنِ سَهْلٍ

(1)

، والمدبَّرُ، والمُكاتَبُ، وأمُّ الوَلَد، والمعلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ؛ كالْقِنِّ.

وإنْ قَتَلَ مُسلِمٌ كافِرًا، أوْ حُرٌّ عبدًا؛ فظاهِرُ الخِرَقِيِّ: لا تَجِبُ القَسامَة، وحكاه في «الفروع» قَولاً؛ لأِنَّ القَسامَةَ إنَّما تكون فيما

(2)

يُوجِبُ القَوَدَ، وكقَتْلِ البهيمة.

وقال القاضِي، وهو ظاهِرُ المتْنِ، وكلامُ الأكْثَرِ: تُشرع

(3)

؛ لأِنَّه قَتْلُ آدَمِيٍّ يوجب

(4)

الكفَّارةَ؛ فشُرِعَت القَسامةُ فيه كالحرِّ المسْلِمِ، ولأنَّ

(5)

ما كان حُجَّةً في قَتْلِ المسْلِمِ الحرِّ

(6)

كان حُجَّةً في قَتْلِ العَبْدِ والذمي

(7)

.

(وَأَمَّا الْجِرَاحُ؛ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(8)

؛ لأِنَّ القَسامَةَ ثبتت

(9)

في النَّفس لحُرْمَتها، فاخْتَصَّتْ بها كالكفارة

(10)

، وكالأطْراف، نَصَّ عليه

(11)

، والدَّعْوَى فيه كالدَّعْوَى في سائِرِ الحُقوقِ: البيِّنةُ على المدَّعِي، واليمينُ على مَنْ أنْكَرَ يمينًا واحِدةً؛ لأِنَّها دَعْوَى لا قَسامَةَ فيها، فلا تُغلَّظُ بالعدد؛ كالدعوى

(12)

في المال.

(1)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(2)

في (م): مما.

(3)

في (م) و (ن): يشرع.

(4)

في (ن): فوجب.

(5)

في (م): ولا.

(6)

في (م): العدو والذمي الحر المسلم، وفي (ن): الحر المسلم.

(7)

قوله: (العبد والذمي) مكانه بياض في (م).

(8)

ينظر: المغني 8/ 509.

(9)

في (م): تثبت.

(10)

في (م): الكفارة.

(11)

ينظر: الفروع 10/ 16.

(12)

في (ن): وكالدعوى.

ص: 392

(الثَّانِي: اللَّوْثُ، وَهُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ)، ولو مع سيِّدِ عَبْدٍ، قال في «الرِّعاية»: وعَصَبَةِ مَقتُولٍ، (كَنَحْوِ

(1)

مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ، وَكَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ التِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ)، وكما بَينَ البُغاة وأهْلِ العَدْلِ، وما

(2)

بَينَ الشُّرْطةِ واللُّصوص على الأشْهَر؛ لأِنَّ مُقتَضَى الدَّليل أنْ لا تُشرَعَ القَسامَةُ، تُرِك

(3)

العَمَلُ به في العداوةِ الظَّاهِرةِ، ونَقَلَ عليُّ بنُ سعيدٍ: أوْ عصبية

(4)

؛ للخبر

(5)

.

وظاهِرُه: أنَّه

(6)

لا يُشتَرَطُ مع العداوة ألا

(7)

يكون

(8)

في الموضع الذي به القَتْلُ غَيرُ العَدَوِّ، نصَّ

(9)

عليه

(10)

، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَسأل الأنصارَ: هل كان بخَيبرَ غيرُ اليهود أم لا

(11)

؟ مع أنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيرِهم فيها؛ لأِنَّها كانَتْ أمْلاكًا للمسلمين يَقصِدونَها لأخذ

(12)

غِلالِ أمْلاكِهم.

وشَرَطه

(13)

القاضي؛ لأِنَّ الأنصاريَّ قُتِلَ في خَيبَرَ، ولم يكُنْ بها إلاَّ

(1)

في (م): نحو.

(2)

في (م): ولا.

(3)

في (م): فترك.

(4)

في (م) و (ن): عصبته. ينظر: الفروع 10/ 16.

(5)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669)، من حديث عبد الله بن سهل رضي الله عنه، وتقدم.

(6)

في (ن): أن.

(7)

في (م): وألا.

(8)

في (م): تكون.

(9)

في (م): ونص.

(10)

ينظر: المغني 8/ 492.

(11)

قوله: (لا) سقط من (م).

(12)

في (م): لأجل أخذ.

(13)

في (م): لأن شرطه.

ص: 393

اليهودُ، وهم أعْداءٌ، ثُمَّ ناقَضَ قَولَه بأنْ قال: في قَومٍ ازْدَحَمُوا في مَضِيقٍ وتَفرَّقُوا عن قتيل

(1)

، فقال: إنْ كان في القوم مَنْ بَينَه وبَينَه عَداوَةٌ، وأمْكَنَ أنْ يكونَ هو قَتَلَه؛ فهو لَوثٌ، فجَعَلَ العَداوةَ لَوثًا مع وُجودِ غَيرِ العدو

(2)

.

(وَعَنْهُ: مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى، كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ، وَوُجُودِ قَتِيلٍ عِنْدَ مَنْ مَعَهُ سَيْفٌ مُلَطَّخٌ بِدَمٍ، وَشَهَادَةِ جَمَاعَةٍ مِمَّنْ لَا يَثْبُتُ الْقَتْلُ بِشَهَادَتِهِمْ؛ كَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ)، ويُعتَبَرُ مَجيئُهم مُتفَرِّقِينَ؛ لِئَلاَّ يَتطرَّقَ إلَيهم التواطؤ

(3)

على الكَذِبِ، (وَنَحْوِ ذَلِكَ)؛ كشَهادَةِ عَدْلٍ واحد، اختاره أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، وابنُ رَزِينٍ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(4)

؛ لأِنَّه يَغلِبُ على الظَّنِّ صِدْقُ المدَّعِي، أشْبَهَت العَداوةَ.

وَرُدَّ: بأنَّ هذا لَيسَ بِلَوثٍ؛ لِقَولِه في الذي قُتِلَ في الزِّحام يَومَ الجُمعة: دِيَتُه في بَيتِ المالِ

(5)

، وقال فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتولاً في المسجدِ الحرامِ: يُنظَرُ مَنْ كان بَينَه وبَينَه في حياته عَداوةٌ

(6)

؛ لأنَّ

(7)

اللَّوثَ إنَّما يَثبُتُ بالعداوة؛ لقصة

(8)

الأنصاريِّ، ولا يَجُوزُ القِياسُ عليها؛ لأِنَّ الحُكْمَ يَثبُتُ بالمَظِنَّة، ولا يُقاسُ في المظانِّ

(9)

؛ لأِنَّ الحُكْمَ إنَّما يَتعَدَّى بتَعَدِّي سببِه، والقِياسُ في المظان

(10)

(1)

في (ن): قتل.

(2)

في (م): العدواة.

(3)

في (م): النظر.

(4)

ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 154، الفروع 10/ 16.

(5)

من كلام الإمام أحمد. ينظر: المغني 8/ 493.

(6)

ينظر: المغني 8/ 492.

(7)

في (م): ولأن.

(8)

في (ظ): لقضية.

(9)

في (م): الظان.

(10)

في (م): الظان.

ص: 394

جَمْعٌ بمجرَّد

(1)

الحِكْمَة وغلبة

(2)

الظُّنون.

فرعٌ: إذا شهد

(3)

أنَّه قَتَلَ أحدَ هذَينِ القتيلين

(4)

؛ لم تَثبُت الشَّهادةُ، ولم يكُنْ لَوثًا بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناه

(5)

.

وإنْ شهدا

(6)

أنَّ هذا القتيلَ قَتَلَه أحدُ هذَينِ، أوْ شَهِدَ أحدُهما أنَّ هذا قَتَلَه وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه أقرَّ بقَتْلِه، أوْ شَهِدَ أحدُهما أنَّه قتله

(7)

بِسَيفٍ وشَهِدَ الآخَرُ أنَّه قَتَلَه بسِكِّينٍ؛ لم تَكمُل الشَّهادةُ ولم يكُنْ لَوثًا، اختاره القاضي.

لكِنَّ المنصوصَ: أنَّه إذا شَهِدَ أحدُهما بقَتْلِه والآخر

(8)

بالإقرار بقتله

(9)

؛ أنَّه يَثبُتُ القَتْلُ

(10)

، واختاره أبو بكرٍ هنا، وفيما إذا شَهِدَ أحدُهما أنَّه قَتَلَه بسَيفٍ والآخَرُ بسِكِّينٍ؛ لأِنَّهما اتَّفَقا على القتل، واخْتَلَفَا في صيغته

(11)

.

(فَأَمَّا قَوْلُ الْقَتِيلِ: فُلَانٌ قَتَلَنِي؛ فَلَيْسَ بِلَوْثٍ)، في قَولِ أكْثَرِهم؛ لِقَولِه عليه السلام: «لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْواهم

» الخبرَ

(12)

، وكالوَلِيِّ.

(1)

في (م): مجرد.

(2)

في (ظ) و (ن): وعليه.

(3)

في (ظ): شهدا. والمثبت موافق للمغني 8/ 494، والشرح الكبير 26/ 124.

(4)

في (ن): القبيلتين.

(5)

ينظر: المغني 8/ 494.

(6)

في (م): شهد.

(7)

في (م): أقر بقتله.

(8)

في (ن): وللآخر.

(9)

قوله: (بقتله) سقط من (م).

(10)

ينظر: المغني 8/ 493.

(11)

في (م): صفته.

(12)

أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 395

وقال م

(1)

: هو لَوثٌ؛ لأِنَّ قتيل

(2)

بَنِي إسْرائيلَ قال: فُلانٌ قَتَلَنِي؛ فكان حُجَّةً.

وجَوابُه: أنَّه لا قَسامَةَ فيه، فإنَّ ذلك كان من آياتِ الله تعالى، ومُعْجِزاتِ نَبِيِّه موسى عليه السلام، ثمَّ ذاك

(3)

في تبرئة

(4)

المتَّهَمِينَ، فلا يَجُوزُ تَعْدِيَتُه إلى تُهمةِ البَرِيئِينَ، لكِنْ نَقَلَ الميمونيُّ: أذْهَبُ إلى القَسامَة إذا كان ثَمَّ لَطْخٌ، إذا كان سببٌ بَيِّنٌ، إذا كان ثَمَّ عَداوةٌ، إذا كان مِثْلُ المدَّعَى عليه يَفعَلُ ذلك

(5)

.

تنبيهٌ: إذا وُجِدَ قتيلٌ في مَوضِعٍ، فادَّعى أوْلِياؤه على رجلٍ أوْ جماعةٍ، ولَيسَ بَينَهم عَداوَةٌ ولا لَوثٌ؛ فهي كسائرِ الدَّعاوَى، وإن

(6)

كان لهم بَيِّنةٌ؛ حُكِمَ بها، وإلاَّ قُبِلَ قَولُ المنكِرِ.

وقال الحَنَفِيَّةُ

(7)

: إذا ادَّعى أوْلِياؤه قَتْلَه على أهْلِ المَحَلَّة، أوْ على مُعَيَّنٍ؛ فللوليِّ أنْ يَختارَ مِنْ الموضِعِ خَمْسينَ رجُلاً يَحلِفونَ خمسينَ يمينًا: واللهِ ما قتلناه

(8)

، ولا عَلِمْنا قاتله

(9)

، فإنْ نَقَصُوا عن الخَمْسينَ؛ كُرِّرت

(10)

الأَيْمانُ عَلَيهِم حتَّى تَتِمَّ، فإنْ حلفوا

(11)

؛ وَجَبَتِ الدِّيَةُ على باني

(12)

الخطة، فإنْ لم

(1)

قوله: (م) سقط من (ن). وينظر: النوادر والزيادات 14/ 163، بداية المجتهد 4/ 214.

(2)

في (م): قتل.

(3)

في (م): ذلك.

(4)

في (ن): تنزيه.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 310.

(6)

في (م): فإن.

(7)

ينظر: التجريد للقدوري 11/ 5800، بدائع الصنائع 7/ 286.

(8)

في (م): ما قتلنا، وفي (ن): ما قلناه.

(9)

في (ن): ناقله.

(10)

في (م): ردت.

(11)

في (ن): طفوا.

(12)

في (ظ): ثاني. وفي المغني 8/ 489، والشرح الكبير 26/ 128: باقي.

ص: 396

يكُنْ؛ وجَبَتْ على سُكَّانِ المَوضِعِ، فإنْ لم يَحلِفُوا؛ حُبِسُوا حتَّى يُقِرُّوا أوْ يَحلِفُوا؛ لأِثَرٍ عن عمر

(1)

على أنَّه مُحتَمِلٌ.

قال ابنُ المنْذِرِ: سَنَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم البَيِّنةَ على المدَّعِي، واليمينَ على المدَّعَى عَلَيهِ

(2)

، وسَنَّ القَسامَةَ في القَتِيلِ الذي وُجِدَ بخيبر

(3)

.

وعُلِمَ ممَّا سَبَقَ: أنَّه لا تُسمع

(4)

الدَّعْوَى على غَيرِ مُعَيَّنٍ؛ كسائِرِ الدَّعاوَى، وأنَّه لا يُشتَرَطُ أنْ يكونَ بالقتيل

(5)

أَثَرٌ في قَولِ الجماعة؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَسأَلِ الأنصار هل بقَتِيلِهم أثَرٌ أمْ لا؟ مع أنَّ القَتْلَ يَحصُلُ بما لا أَثَرَ له؛ كغَمِّ الوَجْهِ.

وعنه: يُشْتَرَطُ ذلك، اختاره أبو بكرٍ؛ لأِنَّه إذا لم يكُنْ به

(6)

أَثَرٌ؛ احْتَمَلَ أنَّه

(7)

مات حَتْفَ أنْفِه.

فعلى هذه: إنْ خَرَجَ دَمٌ من أُذنِه فهو لَوثٌ، وكذا إنْ خَرَجَ مِنْ أنْفِه في وَجْهٍ، وقِيلَ: أوْ شَفَتِه، وجَوابُه ما تَقَدَّمَ.

(1)

قوله: (عن عمر) مكانه بياض في (م).

والأثر أخرجه البيهقي في الكبرى (16449)، عن الشعبي:«أن قتيلاً وجد في خربة وادعة همدان، فرفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فأحلفهم خمسين يمينًا: ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً، ثم غرمهم الدية، ثم قال: يا معشر همدان حقنتم دماءكم بأيمانكم، فما يبطل دم هذا الرجل المسلم» ، وهو منقطع بين الشعبي وعمر.

(2)

أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وعند البيهقي في الكبرى (21201):«واليمين على من أنكر» ، وحسن هذا اللفظ النووي، وقال ابن حجر:(إسناده صحيح). ينظر: جامع العلوم والحكم 2/ 226، بلوغ المرام (1408).

(3)

في (م): بخبر. وينظر: الإشراف 8/ 44. والخبر حديث عبد الله بن سهل، أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(4)

في (ظ) و (ن): لا يسمع.

(5)

في (م): بالقتل.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

في (م): أن من، وفي (ن): أن.

ص: 397

(وَمَتَى ادَّعَى الْقَتْلَ مَعَ عَدَمِ اللَّوْثِ عَمْدًا

(1)

، فَقَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُحْكَمُ

(2)

لَهُ بِيَمِينٍ وَلَا غَيْرِهَا)، هذا روايةٌ، قال في «الفروع»: وهي أشْهَرُ، سَواءٌ كانَت الدَّعْوَى خَطَأً أوْ عَمْدًا؛ لأنَّها

(3)

دَعْوى فِيما لا يَجوزُ بَذْلُه، أشْبَهَ الحُدودَ، ولا يُحكَمُ له بالقَسامَةِ؛ لأِنَّ مِنْ شَرْطِها المرتَّب عَلَيها القتل

(4)

أو الدِّيَة؛ وُجودَ اللَّوْثِ، وهو مُنْتَفٍ هُنا.

(وَعَنْ أَحْمَدَ: يَحْلِفُ يَمِينًا وَاحِدَةً)، قدَّمه في «المحرَّر» ،

(5)

وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لقَولِه عليه السلام: «ولكِنَّ اليمينَ على المدَّعَى عَلَيهِ» رواه مُسلِمٌ

(6)

، وكَدَعْوَى المالِ، (وَهِيَ الْأَوْلَى)، والأصحُّ، فَعَلَى هذه: إنْ حَلَفَ المدَّعَى عليه؛ فظاهِرٌ، وإن امْتَنَعَ لم يُقْضَ عليه بِقَوَدٍ، بَلْ بِدِيَة

(7)

.

وقِيلَ: لا تَجِبُ ويُخَلَّى سَبيلُه.

وعنه: يَحلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا؛ لأِنَّه دَعْوى في

(8)

قَتْلٍ، أشْبَهَ ما لو كان بَينَهم لَوثٌ.

(وَإِنْ كَانَ خَطَأً؛ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً)؛ لأِنَّ النُّكولَ هنا يُقضى به؛ لأِنَّ مُوجِبَه مالٌ، بخِلافِ القِصاصِ.

(الثَّالِثُ

(9)

: اتِّفَاقُ الْأَوْلِيَاءِ عَلَى الدَّعْوَى)؛ لأِنَّها دَعْوَى قَتْلٍ، فاشْتُرِط

(1)

قوله: (عمدًا) سقط من (ن).

(2)

في (م): لا حكم.

(3)

في (م): ولأنها.

(4)

قوله: (المرتب عليها القتل) في (م): بقتل.

(5)

كتب في هامش (ظ): (والهداية والمُذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاوي والفروع وغيرهم، واختاره المصنف وغيره).

(6)

أخرجه البخاري (4552)، ومسلم (1711).

(7)

في (م): بديته.

(8)

في (ن): من.

(9)

في (م): الثالثة.

ص: 398

اتِّفاقُ جميعِهم فيها؛ كالقِصاص.

(فَإِنِ ادَّعَى بَعْضُهُمْ وَأَنْكَرَ بَعْضٌ)؛ بأنْ قال: قَتَلَه هذا، وقال الآخَرُ: لم يَقتُلْه هذا، أوْ قال

(1)

: بَلْ قَتَلَه هذا الآخَرُ؛ (لَمْ تَثْبُتِ الْقَسَامَةُ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، سواءٌ كان المكذِّبُ عَدْلاً أوْ فاسِقًا؛ لأِنَّه مُقِرٌّ على نَفْسِه بتبرئة مَنْ ادَّعى عَلَيه بقَتْلٍ، كما لو ادَّعَيَا دَينًا

(3)

لهما.

(الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْمُدَّعِينَ

(4)

رِجَالٌ عُقَلَاءُ)؛ لقَولِه عليه السلام: «يُقسِمُ خَمْسونَ رَجُلاً منكم»

(5)

، ولأِنَّ القَسامَةَ حُجَّةٌ يَثبُتُ بها قَتْلُ العَمْد، فاعْتُبِرَ كَونُها مِنْ رجالٍ عُقَلاءَ؛ كالشَّهادة.

ويُستَثْنَى منه: المرتَدُّ وَقْتَ مَوتِ مورِّثه

(6)

الحرِّ؛ لِعَدَمِ إرْثِه، ولو أَسْلَمَ، بل

(7)

بَعْدَ مَوتِه.

(وَلَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ) في القَسامَةِ؛ أي: لم

(8)

يُستحلفْنَ

(9)

؛ لِمَا ذَكَرْناهُ، ولأِنَّ الجِنايَةَ المدَّعاةَ التي تَجِبُ القَسامةُ عليها

(10)

هي القَتْلُ، ولا مَدخَلَ لَهُنَّ في إثْباتِه.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: يُقسم

(11)

في الخطأ.

(1)

في (م): وقال.

(2)

ينظر: المغني 8/ 495.

(3)

قوله: (دينًا) سقط من (م).

(4)

في (ظ) و (ن): المدعيين.

(5)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(6)

في (م): يقربه.

(7)

قوله: (بل) سقط من (م).

(8)

في (م): إن.

(9)

قوله: (يستحلفن) مكانه بياض في (م)، وفي (ن): يستخلفن.

(10)

قوله: (القسامة عليها) في (م): بها القسامة.

(11)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 19: تقسم.

ص: 399

فلو كان جميعُ الورثة

(1)

نِساءً؛ فاحْتِمالانِ.

وفي الخُنْثَى وَجْهانِ:

أحدهما: يُقسِمُ؛ لأِنَّ سببَ

(2)

الاِسْتِحْقاق وُجِدَ في حَقِّه، وهو الاِسْتِحْقاقُ من الدِّيَة، ولم يُتحقَّق المانِعُ مِنْ يَمِينِه.

والثَّاني: لا يُقسِمُ؛ كالمرأة.

(وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فِي الْقَسَامَةِ)؛ لأِنَّ قَولَهما لَيسَ بحُجَّةٍ، بدليلِ أنَّهما لو أقرَّا على أنْفُسِهما لم يُقبَلْ، فكذا لا يُقبَلُ قَولُهما في حقِّ غَيرِهما بطَرِيقِ الأَوْلَى.

(عَمْدًا كَانَ القَتْلُ

(3)

أَوْ خَطَأً)؛ لأِنَّ الخَطَأَ أحَدُ القَتْلَينِ، أشْبَهَ الآخر

(4)

، لا يُقالُ: الخَطَأُ يُثبِتُ المالَ وللنِّساء مَدْخلٌ

(5)

فيه؛ لأِنَّ المالَ يَثبُتُ ضِمْنًا لِثُبوتِ القَتْلِ، ومِثْلُه لا يَثبُتُ بالنِّساء، بدليلِ ما لو ادَّعَى زَوجِيَّةَ امرأةٍ بَعْدَ مَوتِها لِيَرِثَها، وأقام رَجُلاً وامْرَأتَينِ؛ أنَّه لا يُقبَلُ.

(فَإِنْ كَانَا اثْنَيْنِ) أوْ أكثرَ، (أَحَدُهُمَا غَائِبٌ أَوْ غَيْرُ مُكَلَّفٍ)، أوْ ناكِلٌ عن اليمين، قالَه في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ (فَلِلْحَاضِرِ المُكَلَّفِ

(6)

أَنْ يَحْلِفُ، وَيَسْتَحِقَّ) نصيبَه من الدِّيَة؛ لأِنَّ القَسامَةَ حقٌّ له ولغَيرِه، فقيام

(7)

المانِعِ بصاحِبِه لا يَمنَعُ مِنْ حَلِفِه واسْتحقاقِه نصيبَه؛ كالمال المشْتَرَكِ بَينَهما.

(وَهَلْ يَحْلِفُ خَمْسِينَ يَمِينًا، أَوْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ)، كذا في

(1)

في (ظ): الذرية.

(2)

في (م): سببه.

(3)

قوله: (القتل) سقط من (م).

(4)

في (ن): بالآخر.

(5)

قوله: (وللنساء مدخل) في (م): والقسامة تدخل.

(6)

قوله: (المكلف) سقط من (ظ) و (ن).

(7)

في (ن): بقيام.

ص: 400

«المحرَّر» و «الفروع» :

أحدُهما: يَحلِفُ خَمْسِينَ؛ لأِنَّ الحُكْمَ لا يَثبُتُ إلاَّ بالبينة

(1)

الكاملة، والبيِّنةُ هُنا هي الأَيْمانُ، بدليلِ ما لو ادَّعى أحدُهما دَينًا لأبيهما

(2)

.

الثَّاني: يَحلِفُ بقِسْطِه، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو أشْهَرُ؛ لأِنَّه لو كان الجميعُ حاضِرِينَ؛ لم يَلزَمْه أكثرُ مِنْ قِسْطِه مِنْ الأَيْمانِ، فكذا مع المانِعِ.

لكِنْ لا قَسامَةَ حتى

(3)

يَحضُرَ الغائبُ ويَبلُغَ الصَّبِيُّ؛ لأِنَّ الحقَّ لا يَثبُتُ إلاَّ بالبَيِّنةِ، وهي الأَيْمانُ هُنا، ولأِنَّ الحقَّ إنْ كان قِصاصًا فلا يُمكِنُ تبعيضه

(4)

، وغَيرُه لا يَثبُتُ إلاَّ بواسِطَةِ ثُبوتِ القَتْلِ.

وقال القاضِي: إنْ كان القَتْلُ عَمْدًا فكذلك، وإنْ كان مُوجِبًا للمال؛ فللحاضِرِ المكلَّفِ أنْ يَحلِفَ ويَستَحِقَّ نصيبه

(5)

من الدِّيَةِ، وهذا قَولُ أبي بكرٍ وابنِ حامدٍ، ونَصَرَه المؤلِّفُ وغَيرُه.

وقال ابْنُ حامدٍ: يُقسِمُ بقِسْطِه من الأَيْمان؛ لأِنَّه لا يَستَحِقُّ أكثرَ مِنْ قِسْطِه مِنْ الدِّيَةِ، كما لو كان الجميعُ حاضِرِينَ.

(وَإِذَا قَدِمَ الْغَائِبُ، أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ؛ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ)، وَجْهًا واحِدًا، (وَلَهُ بَقِيَّتُهَا)؛ لأنَّه

(6)

يَبْني على أيْمانِ صاحِبِهِ المتقدِّمةِ.

وقال أبو بكرٍ والقاضِي: يَحلِفُ خَمْسِينَ؛ كصاحبه، فكذا هو.

فلو قَدِمَ ثالِثٌ أوْ بَلَغَ؛ فعلى قَولِهما: يَحلِفُ سَبْعَةَ عَشَرَ يمينًا، وعَلَى

(1)

في (ن): بالنية.

(2)

في (م): بأيهما.

(3)

في (ن): حين.

(4)

نقطت في (ن): نتغيصه.

(5)

قوله: (ثبوت القتل، وقال القاضي

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

زيد في (م): لا.

ص: 401

الآخَرِ خَمْسِينَ

(1)

.

وإذا

(2)

قَدِمَ رابِعٌ؛ فهَلْ يَحْلِفُ ثَلاثَةَ عشر

(3)

يمينًا، أوْ خَمْسِينَ؟ فيه الخِلافُ.

(وَالْأَوْلَى عِنْدِي: أَلاَّ

(4)

يَسْتَحِقَّ شَيْئًا حَتَّى يَحْلِفَ الآْخَرُ)؛ لأِنَّ ذلك مُوجَب

(5)

أيْمانه.

(وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ مِنْ شُرُوطِ الْقَسَامَةِ: أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَمْدًا

(6)

؛ لأِنَّ اللَّوثَ من شُروطِها وِفاقًا

(7)

، ولا يَتحقَّقُ إلاَّ في العمد؛ لأِنَّ الخَطَأَ يَصدُرُ عن غَيرِ قَصْدٍ، فيَسْتَوِي فيه العَدُوُّ وغَيرُه، وإذا كان كذلك صار الخَطَأُ في المعنى كالعمد الذي لا لَوثَ فيه ولا قَسامَةَ، (تُوجِبُ

(8)

الْقِصَاصَ إِذَا ثَبَتَ

(9)

الْقَتْلُ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ من القَسامة في العَمْد القِصاصُ، فإذا لم تكن

(10)

مُوجِبَةً له؛ كدَعْوَى قَتْلِ المسْلِم بالكافِرِ؛ لم يُوجَد الغَرَضُ.

(وَأَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ)، لا يَختلِفُ المذهب فيه؛ لقوله عليه السلام:

(1)

زيد في (م): لا.

(2)

في (م): لصاحبه، فكذا هو، فلو.

(3)

في (م): عين.

(4)

في (م): أنه لا.

(5)

في (م): يوجب.

(6)

قوله: (عمدًا) سقط من (م).

(7)

ينظر: المبسوط 26/ 108، بداية المجتهد 4/ 213، الحاوي 13/ 4، المغني 8/ 488.

(8)

في (ن): فوجب.

(9)

في (م): يثبت.

(10)

في (م): لم يكن.

ص: 402

«فيحلف

(1)

خَمْسُونَ منكم على رجلٍ منهم، فيُدفَعُ بِرُمَّتِه»

(2)

، ولأِنَّها بيِّنةٌ

(3)

ضعيفةٌ، خُولِفَ بها الأصلُ مِنْ قتل

(4)

الواحِدِ، فيقتصر

(5)

عليه ويَبْقَى على الأصل ما عَداهُ.

ويُشتَرَطُ في القاتل أنْ يكونَ مُكلَّفًا؛ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى، وإمْكانُ القَتْل، وصِفَةُ القَتْل، فلو اسْتَحْلَفَه الحاكِمُ قَبْلَ تفصيله؛ لم يُعتَدَّ به؛ لِعَدَمِ تحريرِ الدَّعوى وطَلَبِ الوَرَثةِ.

(وَقَالَ غَيْرُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ)؛ لأِنَّ القَسامَةَ حجَّةٌ، فَوَجَبَ أنْ يَثبُتَ بها الخَطَأُ؛ كالعَمْدِ، (لَكِنْ إِنْ كَانَتِ

(6)

الدَّعْوَى عَمْدًا مَحْضًا؛ لَمْ يُقْسِمُوا إِلاَّ عَلَى وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، وَيَسْتَحِقُّونَ دَمَهُ

(7)

؛ لخَبَرِ سَهْلٍ

(8)

.

(وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً، أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ؛ فَلَهُمُ الْقَسَامَةُ عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ، وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ)؛ لأِنَّها حُجَّةٌ يَثبُتُ بها العَمْدُ المُوجِبُ للقِصاص، فيَثْبُتُ بها غَيرُه، وهو المالُ؛ كالبيِّنة.

(1)

في (م): ويحلف.

(2)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(3)

في (م): ولا ببينة.

(4)

في (م) و (ن): قبل.

(5)

في (ن): فيقصر.

(6)

في (م): كان.

(7)

في (ظ): ديته.

(8)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

ص: 403

(فَصْلٌ)

(وَيُبْدَأُ فِي الْقَسَامَةِ بِأَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ)؛ أيْ: ذُكور العَصَبة العُدول أوَّلاً، نَصَّ عليه

(1)

؛ لقوله عليه السلام: «فيَحلِفُ خَمْسونَ منكم»

(2)

.

(فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا)، أيْمانُ القَسامَةِ خَمْسونَ بالإجماع

(3)

، على المدَّعَى عليه أنَّه قتله، فإذا حَلَفَ ثَبَتَ الحقُّ في قِبَلِه

(4)

؛ لحديثِ سَهْلٍ، ولِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه مرفوعًا، قال:«البيِّنةُ على المدَّعِي، واليَمينُ على مَنْ أنْكَرَ، إلاَّ في القَسامَةِ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، مِنْ رِوايِةِ مُسلِمِ بنِ خالِدٍ الزِّنْجِيِّ، وذَكَرَ أنَّه مرسلٌ

(5)

، ورُوِي أيضًا بإسْنادٍ فيه ضعفٌ عن أبي هُرَيرَةَ مرفوعًا كذلك

(6)

، وهذه الزِّيادةُ يتعيَّنُ العَمَلُ بها؛ لأِنَّ الزِّيادةَ

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 310.

(2)

أخرجه البخاري (3173)، ومسلم (1669).

(3)

ينظر: المغني 8/ 499.

(4)

في (م): قتله.

(5)

في (ن): روي مرسلاً.

والأثر: أخرجه الدارقطني (3191)، والبيهقي في الكبرى (16445)، من طريق مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن جريج، عن عمرو بن شعيب به. ومسلم بن خالد صدوق كثير الأوهام، وضعف الحديث ابن عبد البر، وقال ابن عبد الهادي:(وزيادة الاستثناء فيه منكرة، ومسلم بن خالد الزنجي: تكلَّم فيه غير واحد من الأئمة)، وخالفه عبد الرزاق وحجاج فروياه عن ابن جريج، عن عمرو مرسلاً، قال ابن حجر:(وعبد الرزاق أحفظ من مسلم بن خالد وأوثق). ينظر: التمهيد 23/ 205، تنقيح التحقيق 5/ 74، التلخيص الحبير 4/ 108.

(6)

أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 9)، والدارقطني (3190)، وفيه: مسلم بن خالد الزنجي، وقد سبق أنه كثير الأوهام، فرواه على هذين الوجهين والحديثان مما استُنكرا عليه، قال ابن عدي:(وهذان الإسنادان يعرفان بمسلم، عن ابن جريج وفي المتن زيادة قوله: إلا في القسامة).

ص: 404

من الثِّقة مقبولة

(1)

، ولأِنَّها أيْمانٌ مُكرَّرةٌ، فيُبْدَأُ فيها بأيْمانِ المدَّعِينَ

(2)

؛ كاللِّعان.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُشتَرَطُ اتِّفاقُ المجلس من

(3)

جميعِهم، وفيه قَولٌ حكاهُ في «الرِّعاية» .

(وَيَخْتَصُّ ذَلِكَ بِالْوَارِثِ) في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لأِنَّها أيْمانٌ في دعوى

(4)

، فلم تُشرع

(5)

في حقِّ غَيرِ الوارث؛ كسائر الأَيْمان.

(فَتُقْسَمُ

(6)

الْأَيْمَانُ بَيْنَ الرِّجَالِ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ)؛ أيْ: يُقسَمُ بَينَ الرِّجال من ذَوِي الفُروضِ والعَصَباتِ على قَدْرِ إرْثِهم إنْ كانوا جماعةً.

(فَإِنْ كَانَ الْوَارِثُ وَاحِدًا؛ حَلَفَهَا)؛ لأِنَّه قائمٌ مَقامَ الجَماعةِ في اسْتِحْقاقِ الدِّيَة، فكذا في الأَيْمان.

ونَقَلَ الميموني

(7)

: لا أجترئ

(8)

عليه، النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يقول

(9)

: «يَحلِفُ منكم خَمْسونَ» ، فمَن احْتَجَّ للأوَّل

(10)

؟ قال: يَحتَجُّ بحديثِ مُعاوِيَةَ

(11)

،

(1)

قوله: (مقبولة) سقط من (م).

(2)

في (ظ) و (ن): المدعيين.

(3)

في (م): في.

(4)

قوله: (لأنها أيمان في دعوى) سقط من (م).

(5)

في (م): فلم يشرع.

(6)

في (م) و (ن): فيقسم.

(7)

في (م): المسوي.

(8)

في (م): لأجترئ.

(9)

قوله: (يقول) سقط من (م) و (ن).

(10)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 20: فمن احتج بالواحد.

(11)

أخرجه عبد الرزاق (18261)، وابن شبة كما في التغليق (5/ 255)، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب: أن القسامة في الدم لم تزل على خمسين رجلاً، فإن نقصت قسامتهم أو نكل منهم رجل واحد رُدَّت قسامتهم، حتى حجَّ معاويةُ، فاتهمت بنو أسد بن عبد العزى مصعب بن عبد الرحمن بن عوف الزهري، ومعاذ بن عبد الله بن معمر التيمي، وعقبة بن معاوية بن شعوب الليثي بقتل إسماعيل بن هبار، فاختصموا إلى معاوية إذ حج، ولم يقم عبد الله بن الزبير بينة إلا بالتهمة، فقضى معاوية بالقسامة على المدعى عليهم وعلى أوليائهم، فأبوا - بنو زهرة وبنو تميم وبنو الليث - أن يحلفوا عنهم، فقال معاوية لبني أسد: احلفوا. فقال ابن الزبير: «نحن نحلف على الثلاثة جميعًا فنستحق» ، فأبى معاوية، وقال:«أقسموا على رجل واحد» ، فأبى ابن الزبير إلا أن يقسموا على الثلاثة، فأبى معاوية أن يقسموا إلا على واحد، فقضى معاوية بالقسامة، فردَّها على الثلاثة الذين ادُّعي عليهم، فحلفوا خمسين يمينًا بين الركن والمقام. وإسناده صحيح.

ص: 405

فردَّها

(1)

على الثَّلاثة الذي ادُّعِيَ عليهم، فحَلَفُوا خَمْسينَ يمينًا

(2)

.

وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يَحلِفُ وليٌّ يمينًا.

(وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً؛ قُسِمَتْ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِمْ)؛ لأِنَّ مُوجَبَها الدِّيَةُ، وهي تُقسَمُ كذلك، فكذا يَجِبُ أنْ تُقسَمَ هي، فإنْ كانوا أكثرَ من خمسينَ حَلَفَ خَمْسونَ، كلُّ واحِدٍ يمينًا.

(وَإِنْ كَانَ فِيهَا كَسْرٌ؛ جُبِرَ عَلَيْهِمْ، مِثْلَ زَوْجٍ وَابْنٍ

(3)

، يَحْلِفُ الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَالاِبْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ)؛ لأِنَّ تكميلَ الخَمْسينَ واجِبٌ، ولا يُمكِنُ تبعيضُها، والجبر

(4)

في كلِّ واحِدٍ لِعَدَمِ المَزِيَّةِ، فالزَّوجُ له الرُّبُعُ؛ اثْنا عَشَرَ ونِصفٌ، فيُكمَّلُ، والاِبْنُ له الباقي، وهو سَبْعٌ وثَلاثُونَ ونِصْفٌ، فيُكمَّلُ، فيَصيرُ كما ذَكَرَه فيهما، فإنْ كان معهما

(5)

بنتٌ؛ حَلَفَ الزَّوجُ سبعةَ عَشَرَ يمينًا، والاِبْنُ أرْبَعةً وثَلَاثِينَ.

(1)

في (ظ) و (ن): فرددها.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 312، الفروع 10/ 20. وعبارة زاد المسافر:(قال في رواية الميموني: والنبي صلى الله عليه وسلم قد وجدته يقول: «خمسون»، فمن أقام الواحد مقام الخمسين رُدَّت عليه الأيمان، ومعاوية يُصيِّرها على ثلاثة، وابن الزبير في مثل هذا أيضًا).

(3)

في (م): وأب.

(4)

في (ظ) و (ن): والخبر.

(5)

في (م): فيهما.

ص: 406

(وَلَوْ خَلَّفَ ثَلَاثَةَ بَنِينَ؛ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا)؛ لأِنَّ لِكلِّ ابنٍ ثُلُثَ الأَيْمان: سِتَّةَ عَشَرَ يَمِينًا وثُلُثَينِ، ثُمَّ تُكمَّلُ.

(وَعَنْهُ: يَحْلِفُ مِنَ الْعَصَبَةِ الْوَارِثُ وَغَيْرُ الْوَارِثِ، خَمْسُونَ رَجُلاً، كُلُّ

(1)

وَاحِدٍ يَمِينًا)؛ لقولِه عليه السلام: «يَحلِفُ خَمْسونَ منكُمْ» ، مع عِلْمِه أنَّه لم يكُنْ لعبدِ الله بنِ سَهْل خَمْسونَ رجلاً وارِثًا؛ لأِنَّه لا يَرِثُه إلاَّ أخوهُ، أوْ مَنْ هو في درجته، أو أقْرَبُ منه نسَبًا، ولأِنَّه خاطَبَ ابني

(2)

عمِّه، وهما غَيرُ وارِثَينِ، لكن

(3)

يَحلِفُ الوارِثُ منهم الذين يَستحِقُّونَ دَمَه، فإنْ لم يَبلُغُوا؛ يُؤخَذُ الأقْرَبُ فالأقْرَبُ مِنْ قبيلته التي يُنسَبُ إلَيها، ويَعرِفُ لنفسه

(4)

نَسَبَه من المقْتولِ، فأمَّا مَنْ عُرِفَ أنَّه من القبيلة، ولم يُعرفْ وَجْهُ النَّسَبِ؛ لم يُقْسِمْ، ذَكَرَه جماعةٌ، وسَأَلَه الميمونيُّ: إنْ لم يَكُنْ له

(5)

أوْلِياءُ؟ قال: فقبيلته

(6)

التي هو فيها وأقْرَبُهم منه

(7)

.

فرعٌ: إذا مات المسْتَحِقُّ؛ فَوارِثُه كَهُوَ، ويَستَأْنِفُ وارِثُه الأَيْمانَ، سَواءٌ حَلَفَ قَبْلَ مَوتِه شَيئًا أوْ لا؛ لأِنَّه لا يَجوزُ أنْ يَأخُذَ شَيئًا بيَمِينِ غَيرِه.

ولو حَلَفَ المسْتَحِقُّ بعضَ الأَيْمانِ، ثُمَّ جُنَّ، ثُمَّ أفَاقَ، أوْ عُزِلَ الحاكِمُ، فإنَّه يَبْنِي.

(فَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا

(8)

؛ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَبَرِئَ

(9)

في ظاهِرِ

(1)

في (م): لكل.

(2)

في (م): ابن.

(3)

قوله: (وارثين لكن) في (م): أن.

(4)

قوله: (لنفسه) سقط من (م).

(5)

قوله: (له) سقط من (م).

(6)

في (ن): قبيلته.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 19.

(8)

في (م): لم يحلف.

(9)

قوله: (يمينًا وبرئ) في (م): وترك.

ص: 407

المذْهَبِ، وهو قَولُ الأكثرِ؛ لقوله عليه السلام:«فتبرئكم يهودُ بأيْمانِ خَمْسينَ مِنهُم» ؛ أيْ: يبرؤون منكم، وقد ثَبَتَ أنَّ النَّبيَّ عليه السلام لم يُغرِّم اليهودَ، وأنَّه أدَّاها

(1)

مِنْ عِنْدِه، ولأِنَّها أيْمانٌ مَشروعةٌ في حقِّ المدَّعَى عَلَيهِ، فتبرأ بها

(2)

؛ كسائر الأَيمانِ.

وعنه: أنَّهم يَحلِفُونَ ويَغرَمُون الدِّيَةَ؛ لِقَضاءِ عمرَ بالدِّيَةِ مع اليَمِينِ

(3)

.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ عمرَ إنَّما قَضَى بها على أهلِ المحلَّة، ولَيسَ ذلك مَذْهَبًا لأِحْمَدَ.

ويُعْتَبَرُ حُضورُ المدَّعَى عليه وَقْتَ يَمِينِه؛ كالبيِّنة وحُضُور المدَّعِي، ذَكَرَه المؤلِّفُ.

(وَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ

(4)

الْمُدَّعُونَ، وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ فَدَاهُ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)؛ أيْ: أدَّى ديته

(5)

مِنْ بَيتِ المال؛ لقضية

(6)

عبدِ الله بنِ سَهْلٍ، ولم يَجِبْ على المدَّعَى عَلَيهم شَيءٌ.

(وَإِنْ طَلَبُوا أَيْمَانَهُمْ)؛ أيْ: أيْمانَ المدَّعَى عليهم، (فَنَكَلُوا؛ لَمْ يُحْبَسُوا) في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّها يمين

(7)

مشروعةٌ في حقِّ المدَّعَى عليه، فلم يُحبَسْ عليه؛ كسائر الأَيْمانِ.

وعَنْهُ: يُحْبَسُ حتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحلِفَ؛ لأِنَّها دَعْوى، فيُحبَس

(8)

فيها بالنُّكول؛ كالمال.

(1)

في (م): ادعى.

(2)

في (م): فتبرأها.

(3)

تقدم تخريجه 9/ 397 حاشية (1).

(4)

في (م): لم يحلفوا.

(5)

قوله: (أدى ديته) في (م): إذا أديته.

(6)

في (م) و (ن): لقصة.

(7)

في (م): عين.

(8)

في (ن): فحبس.

ص: 408

وعلى الأُولَى: لا يَجِبُ قَوَدٌ بِنُكُولٍ؛ لأِنَّه حُجَّةٌ ضعيفةٌ؛ كشاهِدٍ ويمينٍ، ذَكَرَه في «المُغْنِي» .

(وَهَلْ تَلْزَمُهُمُ

(1)

الدِّيَةُ، أَوْ تَكُونُ

(2)

فِي بَيْتِ الْمَالِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما: تَلزَمُه الدِّيَةُ، اختارها أبو بكرٍ، وقدَّمها في «الرِّعاية» ، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّه حُكْمٌ ثَبَتَ بالنُّكول، فيثبت في حقِّهم كسائِرِ الدَّعاوَى، ولو لم يَجِبْ على المدَّعَى عليه مالٌ بِنُكولِه، ولم يُجبَرْ على اليمين؛ لخلا

(3)

مِنْ وُجوبِ شَيءٍ عليه بالكُلِّيَّةِ.

والثَّانيةُ: في بَيتِ المال؛ لأِنَّهم امْتَنَعوا عن اليمين، أشْبَهَ امْتِناعَ المُدَّعِينَ

(4)

إذا لم يَرْضَوْا بِيَمِينِ المدَّعَى عليه.

فائدةٌ: يَقُولُ: تاللهِ، وبالله

(5)

، وَوَاللهِ، بالجرِّ

(6)

، فإنْ قالَه مَضْمُومًا أوْ مَنصُوبًا؛ فقد لَحَنَ، قال القاضي

(7)

: ويُجزِئُه إنْ تَعمَّدَ أوْ لم يَتعَمَّدْ؛ لأِنَّه لَحْنٌ لا يُحِيلُ المعْنَى، ويُستَحَبُّ أنْ يَستَظْهِرَ في ألْفاظِ اليَمِينِ في القَسامَة تأْكِيدًا.

فرعٌ: سَأَلَه ابنُ مَنصُورٍ عن قَتِيلٍ بَينَ قَرْيَتَينِ، قال: هذا قَسامَةٌ

(8)

، قال المَرُّوذِيُّ: احتجَّ أحمدُ بأنَّ عمرَ جعل

(9)

الدِّيَةَ على أهْلِ القَرْيةِ

(10)

، ونَقَلَ

(1)

في (ظ) و (م): يلزمهم.

(2)

في (م): وتكون.

(3)

في (ظ): فخلا.

(4)

في (ظ): المدعيين.

(5)

في (م): بالله وتالله.

(6)

في (م): بالخبر، وقوله:(بالجر) سقط من (ن).

(7)

قوله: (قال القاضي) سقط من (م).

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3505.

(9)

في (ن): يجعل.

(10)

ينظر: الفروع 10/ 25.

ص: 409

حَنْبَلٌ

(1)

: أذْهَبُ إلى حديثِ عمرَ: «قِيسُوا ما بَينَ الحَيَّيْنِ فإلى

(2)

أيهما

(3)

كان أقربَ فَخُذْهُمْ به»

(4)

، وعن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قال: «وُجِدَ قَتِيلٌ بَينَ قَريَتَينِ، فأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم فذُرِع

(5)

ما بَينَهُما، فَوُجِدَ إلى أحدهما

(6)

أقْرَبَ، فَكَأنِّي أَنْظُرُ إلى شِبْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأَلْقاهُ على أقْرَبِهِما» - والله أعلم

(7)

- رواه أحمدُ في «مُسْنَدِه»

(8)

.

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 313.

(2)

في (ن): قال.

(3)

قوله: (فإلى أيهما) في (م): فأيهما.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (27851)، ومن طريقه ابن عبد البر في الاستذكار (8/ 152)، من طريق أشعث، عن الشعبي، قال: وجد قتيل بين حيين من همدان بين وادعة وخيوان فبعث معهم عمر المغيرة بن شعبة رضي الله عنهما، فقال:«انطلق معهم، فقس ما بين القريتين، فأيهما كانت أقرب فألحق بهم القتيل» ، وأشعث هو ابن سوار وهو ضعيف، والشعبي لم يسمع من عمر.

وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 14)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16450)، عن ابن عيينة، عن منصور، عن الشعبي، عن عمر نحوه. وهو سند صحيح إلى الشعبي، قاله ابن حجر في الفتح (12/ 238).

وأخرجه ابن أبي شيبة (27852)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (11/ 513)، من طريق أبي إسحاق، عن الحارث بن الأزمع به نحوه. وضعفه الشافعي؛ لأن أبا إسحاق لم يسمعه من الحارث بل من مجالد بن سعيد.

وأخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (5053)، من طريق وهب بن جرير، حدثنا شعبة، عن الحكم، عن الحارث بن الأزمع أنه قال لعمر: أما تدفع أموالنا أيماننا ولا أيماننا عن أموالنا قال: «لا» ، وعقله. وهو إسناد قوي ورجاله ثقات، والحارث بن الأزمع تابعي مخضرم، وثقه العجلي وابن حزم، وله طرق أخرى. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 109.

(5)

في (ن): بذرع.

(6)

في (م): إحداهما.

(7)

في (م): علم.

(8)

أخرجه أحمد (11341)، والبيهقي في الكبرى (16453)، من طريق أبي إسرائيل إسماعيل الملائي، عن عطية، عن أبي سعيد به، وهو حديث ضعيف، فإن الملائي وعطية - وهو العوفي - كلاهما ضعيف، وقال العقيلي عن الحديث:(ليس له أصل)، وضعفه البزار والبيهقي وغيرهم. ينظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 76، كشف الأستار 2/ 209، التلخيص الحبير 4/ 108.

ص: 410

(كِتَابُ الْحُدُودِ)

وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ، وهو المنْعُ، وحُدودُ الله تعالى: مَحارِمُه؛ لقوله تعالى: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البَقَرَة: 187]، وهِي: ما حَدَّه وقدَّره، فلا يَجوزُ أنْ يُتعَدَّى

(1)

؛ كتَزْويجِ الأَرْبَعِ ونحوِه، وما حَدَّه الشَّرْعُ؛ فلا يَجُوزُ فيه الزِّيادةُ والنُّقْصانُ.

والحُدودُ: العُقوباتُ

(2)

المقدَّرةُ، يَجُوزُ أنْ تكُونَ سُمِّيَتْ بذلك من المنْعِ؛ لأِنَّها تَمنَعُ من الوُقوع في مِثْلِ ذلك

(3)

الذَّنْب، وأنْ تكُونَ سُمِّيَت الحُدودُ التي هي

(4)

المحارِمُ؛ لكَونها

(5)

زَوَاجِرَ عنها، أوْ بالحُدود التي هي المقدَّراتُ.

وشَرْعًا: عُقُوبَةٌ مُقدَّرةٌ؛ لِتَمْنَعَ من الوُقوع في مِثْلِه.

(لَا يَجِبُ الحَدُّ إِلاَّ

(6)

عَلَى بَالِغٍ عَاقِلٍ)، ولا خِلافَ في اعْتِبارِهما

(7)

؛ للنُّصوص، ولأِنَّه إذا سَقَطَ عنه التَّكليفُ في العبادات

(8)

، والإثْمُ في المعاصي؛ فالحدُّ المَبْنِيُّ على الدَّرْءِ بالشُّبُهاتِ أَوْلَى.

فإنْ كان يُفِيقُ في وَقْتٍ، فأقرَّ فيه أنَّه زَنَى وهو مُفِيقٌ؛ فعَلَيهِ الحدُّ

(9)

بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(10)

.

(1)

في (م): ينفذ.

(2)

في (م) و (ن): والعقوبات.

(3)

زيد في (م): من.

(4)

في (م): بين.

(5)

في (م): لأنها.

(6)

قوله: (لا يجب الحد إلا) في (ن): لا يجب إلا. وقوله: (إلا) سقط من (م).

(7)

ينظر: المغني 9/ 66.

(8)

في (م): العبادة.

(9)

قوله: (الحد) سقط من (م).

(10)

ينظر: المغني 9/ 66.

ص: 411

لكِنْ لو أقرَّ في إفاقَتِه أنَّه زَنَى، ولم يُضِفْه

(1)

إلى حالٍ، أوْ شَهِدَتْ عَلَيهِ بَيِّنَةٌ به، ولم تُضفه

(2)

إلى حالِ إفاقَتِه؛ فلا حدَّ؛ لِلاِحْتِمالِ.

ولا يَجِبُ على نائمٍ ولا نائمةٍ.

(عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ)؛ لِعُمومِ النُّصوصِ، وقاله الأئمَّةُ، سَواءٌ جَهِلَ تحريم الزِّنى، أوْ تحريمَ عَينِ المرأة.

زاد في «الوجيز» : مُلْتَزمٍ، وهو مُرادٌ.

(وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ إِلاَّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ)؛ لأِنَّه حقٌّ لله

(3)

تعالى، ويفتقر

(4)

إلى اجْتِهادٍ، ولا يُؤمَنُ معه الحَيفُ، فَوَجَبَ تَفْوِيضُه إلى نائبِ الله في خَلْقِه، ولأِنَّه عليه السلام كان يُقِيمُ الحُدودَ في حياته، وخلفاؤه مِنْ بَعدِه.

واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إلاَّ لِقَرينةٍ؛ كتَطلُّبِ الإمامِ لَه لِيَقْتُلَه

(5)

.

وعلى الأوَّل: لو أقامَه غَيرُه؛ لم يَضمَنْه، نَصَّ عليه

(6)

، لكنَّه تَعَدَّى على الإمام، وذلك لا يُوجِبُ ضَمانًا؛ كالمرتد.

ولا يَلزَمُ الإمامَ حُضورُ إقامته

(7)

؛ لقوله: «واغْدُ يَا أُنَيْسُ إلى امْرأةِ هذا فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها»

(8)

، وكغَيرِه.

(1)

في (ن): ولم يصفه.

(2)

في (م): ولم يضفه. وفي (ن): ولم يصفه.

(3)

في (م): الله.

(4)

في (م): ويفترق.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 29.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 29.

(7)

في (ظ): إفاقته.

(8)

أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697)، من حديث زيد بن خالد وأبي هريرة رضي الله عنهما.

ص: 412

فرعٌ: مَنْ أقامَ على نَفْسِه ما

(1)

لَزِمَه مِنْ حدِّ زِنًى أوْ قَذْفٍ، بإِذْنِ إمامٍ أوْ نائبِه؛ لم يَسقُطْ عنه، قالَهُ ابنُ حَمْدانَ.

(إِلاَّ السَّيِّدَ) الحُرَّ المكلَّفَ العالِمَ، (فَإِنَّ لَهُ إِقَامَةَ الْحَدَّ بِالْجَلْدِ خَاصَّةً عَلَى رَقِيقِهِ الْقِنِّ)؛ أي: الكامِلِ رِقُّه في قَولِ عامَّتِهم؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا زَنَتْ أَمَةُ أحدِكم؛ فلْيَجْلِدْها الحَدَّ، ولا يُثرِّبْ عَلَيها» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(2)

، وعن عليٍّ مرفوعًا:«أقِيمُوا الحُدودَ على ما مَلَكَتْ أيْمانُكم» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، ولأِنَّ للسَّيِّدِ تأديبَ أَمَتِه بتَزويجِها، فملك

(4)

إقامةَ الحدِّ

(5)

عَلَيها كالسُّلْطان، وبهذا

(6)

فارَقَ الصَّبِيَّ.

وعنه: لَيسَ له ذلك؛ لأِنَّه يفتقر

(7)

إلى اجْتِهادٍ، فلم يَملِكْه؛ كالقَطْعِ، وحَدِّ الحُرِّ.

(1)

في (ن): من.

(2)

أخرجه البخاري (2234)، ومسلم (1703).

(3)

أخرجه أحمد (736)، وأبو داود (4473)، والنسائي في الكبرى (7229)، والدارقطني (3326)، من طريق عبد الأعلى الثعلبي، عن أبي جميلة، عن علي رضي الله عنه مرفوعًا، وأبو جميلة هو ميسرة بن يعقوب، وهو مقبول، والراوي عنه: عبد الأعلى بن عامر الثعلبي، ضعفه أحمد وأبو زرعة وغيرهما، وقال أبو زرعة:(ربما رفع الحديث وربما وقفه)، وقوَّاه آخرون، وقال ابن حجر:(صدوق يهم)، وأخرجه مسلم (1705)، موقوفًا من طريق أبي عبد الرحمن، قال: خطب علي رضي الله عنه، فقال:«يا أيها الناس، أقيموا على أرقائكم الحد، من أحصن منهم ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها» الحديث، ورجح ابن حجر وقفه، وضعف الرفع الألباني. ينظر: الفتح 12/ 161، الإرواء 7/ 359.

(4)

في (م): وتزويجها وكذا.

(5)

قوله: (الحد) سقط من (م).

(6)

في (م): ولهذا.

(7)

في (م): يفترق.

ص: 413

وعلى الأوَّل: له سَماعُ بَيِّنةٍ تَقتَضِي العُقوبةَ، والعَمَلُ بها إنْ عَرَفَ شروطها

(1)

، وإلاَّ سَمِعَها الحاكِمُ أوْ سَيِّدُه بإذْنِه، وقِيلَ: لا يَسمَعُها غَيرُ حاكِمٍ، قدَّمه في «الكافي» و «الشَّرح» .

(وَهَلْ لَهُ الْقَتْلُ فِي الرِّدَّةِ، وَالْقَطْعُ فِي السَّرِقَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما

(2)

: لا يَملِكُه، قدَّمه في «الكافي» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وذكر

(3)

أنَّه قَولُ أكثرِ أهلِ العِلْم؛ لأِنَّه عليه السلام إنَّما أَمَرَ بالجَلْد، فلا

(4)

يَثبُتُ في غَيرِه، ولأِنَّ في الجَلْد سَتْرًا على رقيقه؛ لِئَلاَّ يَفتَضِحَ بإقامَةِ الإمام له

(5)

، فتنقص

(6)

قِيمَتُه، وذلك مُنْتَفٍ فيهما.

والثَّانيةُ: له ذلك؛ لأِنَّ «عُمَرَ قَطَعَ عَبْدًا له سَرَقَ»

(7)

، و «حفصة

(8)

قَتَلَتْ أَمَةً لها سحرتها»

(9)

.

(1)

في (م): شروطه.

(2)

في (م): أحدهما.

(3)

زيد في (م): قول.

(4)

في (م): ولا.

(5)

قوله: (له) سقط من (ن).

(6)

في (م): تنقص.

(7)

لم نقف عليه عن عمر، ولكن عن ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه عبد الرزاق (18979)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (12/ 74)، عن معمر، عن أيوب، عن نافع:«أن ابن عمر رضي الله عنهما قطع يد غلام له سرق، وجلد عبدًا له زنى، من غير أن يرفعهما» ، وإسناده صحيح. وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 274)، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن عبدًا له سرق وهو آبق، فأبى سعيد بن العاص أن يقطعه، فأمر به ابن عمر فقطعت يده» ، وإسناده صحيح.

(8)

قوله: (وحفصة) سقط من (م).

(9)

أخرجه مالك (2/ 781)، عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة، أنه بلغه:«أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قتلت جارية لها سحرتها، وقد كانت دبرتها، فأمرت بها فقتلت» إسناده منقطع، لكن أخرجه بسند صحيح عبد الرزاق (18747)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (12/ 74)، من وجه آخر:«أن جارية لحفصة سحرتها واعترفت بذلك، فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد فقتلها، فأنكر ذلك عليها عثمان» ، فقال ابن عمر:«ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرت واعترفت» فسكت عثمان. وكذا أخرجه عبد الله بن أحمد في مسائله عن أبيه (1543).

ص: 414

(وَلَا يَمْلِكُ إِقَامَتَهُ عَلَى مُكَاتَبِهِ)، قَطَعَ به

(1)

في «المغْنِي» ، و «الوجيز» ، وابنُ رَزين

(2)

، والأدَمِيُّ، وابنُ عَبْدُوسٍ، وغَيرُهم؛ لأِنَّه معه

(3)

كالأجنبيِّ.

وفيه وَجْهٌ، وذَكَره

(4)

بعضُهم المذْهَبَ؛ لأِنَّه عَبْدٌ.

(وَلَا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ)؛ لأِنَّه لَيسَ له وِلايَةٌ على كُلِّه، والحَدُّ تصرفٌ

(5)

في الكُلِّ.

(وَلَا أَمَتِهِ الْمَزَوَّجَةِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

؛ لِقَولِ ابنِ عمرَ

(7)

، ولا مُخالِفَ له في الصَّحابة؛ لأِنَّه لم يَكمُلْ، أشْبَهَ مَنْ بَعضُه حرٌّ.

وفيها وَجْهٌ، صحَّحَه الحُلْوانِيُّ.

ونَقَلَ مُهَنَّى: إنْ كانَتْ ثَيِّبًا

(8)

.

ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ: إنْ كانَتْ مُحْصَنَةً؛ فالسُّلْطانُ

(9)

، وأنَّه لا يَبِيعُها حتَّى تُحَدَّ.

(1)

قوله: (به) سقط من (م).

(2)

قوله: (وابن رزين) سقط من (م) و (ن).

(3)

في (م): معهم.

(4)

في (م): ذكره.

(5)

في (ن): يصرف.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 329.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (13610)، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال في الأمة:«إذا كانت ليست بذات زوج فزنت؛ جُلدت نصف ما على المحصنات من العذاب، يجلدها سيدها، فإن كانت من ذوات الأزواج رفع أمرها إلى السلطان» ، وإسناده صحيح.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 29.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1631.

ص: 415

ويُخرَّجُ في

(1)

مَرْهُونةٍ ومُستَأْجَرةٍ؛ وَجْهانِ، وجَعَلَ في «الانتصار» وغَيرُه: مَرهُونَةً ومُكاتَبةً أَصْلاً؛ كمزوَّجة

(2)

.

(وَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ فَاسِقًا، أَوِ امْرَأَةً؛ فَلَهُ إِقَامَتُهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ)؛ لأِنَّها وِلَايَةٌ ثبتت

(3)

بالملْك أشْبَهَتْ وِلايَةَ التَّأْديبِ، والمرأةُ تامَّةُ الملْك من أهْلِ التَّصرُّفات أشْبَهَت الرَّجُلَ، ولأِنَّ «فاطِمَةَ جَلَدَتْ أَمَةً لها»

(4)

، و «عائِشةُ قَطَعَتْ أَمَةً لها سَرَقَتْ»

(5)

.

(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَمْلِكَهُ

(6)

؛ لأِنَّها وِلايَةٌ، وليسا

(7)

من أهلها.

فعلى هذا: يَختَصُّ بالذَّكَر العَدْلِ.

وقِيلَ: يُقيمُه وليُّ امرأةٍ.

وهل للوصيِّ حدُّ رقيقِ مَوْليِّهِ؟ فيه وَجْهانِ.

(وَلَا يَمْلِكُهُ المُكَاتَبُ)، صحَّحه في «المستوعب» وغَيرُه؛ لأنَّه

(8)

لَيسَ مِنْ

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): لخروجه.

(3)

في (ن): تثبت.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (13602)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (12/ 74)، عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار، أن حسن بن محمد ابن الحنفية أخبره:«أن فاطمة ابنة محمد صلى الله عليه وسلم جلدت أمة لها» ، رجاله ثقات.

(5)

أخرجه مالك (2/ 832)، وعنه الشافعي كما في المسند (ص 335)، والبيهقي في الكبرى (17280)، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أنها قالت: خرجت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة ومعها مولاتان لها .... فذكرت قصةً فيها: أن غلامًا سرق بردة، فسئل العبد عن ذلك، فاعترف، فأمرت به عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم:«فقطعت يده» ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

(6)

في (م): تملكه.

(7)

في (م): والنساء.

(8)

في (م): ولأنه.

ص: 416

أهْلِ الوِلايَةِ، وملْكُه على عبده

(1)

ناقِصٌ، بدليلِ أنَّه لا تَجِبُ عَلَيهِ الزَّكاةُ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَمْلِكَهُ)؛ لأِنَّه يُستَفادُ بالملْك، أشْبَهَ تَصرُّفاتِه.

(وَسَوَاءٌ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ) إنْ كانَ يَعلَمُ شُروطَه؛ لأِنَّ كلَّ واحدٍ منهما حُجَّةٌ في ثُبوتِه، فَوَجَبَ ألاَّ يَختَلِفَ حالُ السَّيِّدِ فيه.

فعلى هذا: للسَّيِّد أنْ يَسمَعَ إقْرارَه، ويُقِيمَ الحَدَّ عَلَيهِ، ويُقدِّم

(2)

سَماعَ البيِّنة.

(وَإِنْ ثَبَتَ

(3)

بِعِلْمِهِ؛ فَلَهُ إِقَامَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ

(4)

، لأِنَّه قد ثَبَتَ عِندَه، فَمَلَكَ إقامتَه؛ كما لو أقرَّ به، ولأِنَّه يَملِكُ تَأْدِيبَه بعِلْمِه

(5)

، فكذا هُنا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يَمْلِكَهُ؛ كَالْإِمَامِ)، هذا

(6)

رِوايَةٌ، واخْتارَها القاضِي؛ لأِنَّ وِلايَةَ الإمامِ للحَدِّ أقْوَى مِنْ وِلايَةِ السَّيِّد؛ لكونها

(7)

مُتَّفَقًا عليها، فإذا لم يَثْبُت الحَدُّ بالعِلْم فهُنا أَوْلَى، ولأِنَّ الحاكِمَ متَّهم

(8)

.

(وَلَا يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ بِعِلْمِهِ)؛ لقوله تعالى: {فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 15]، ثُمَّ قال: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ

(1)

في (م): غيره.

(2)

كذا في النسخ الخطية، ولعل صوابها: ويَلِي. ينظر: الممتع 4/ 218، وشرح المنتهى 3/ 336.

(3)

في (م): يثبت.

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 329.

(5)

في (م): لعلمه.

(6)

قوله: (هنا، ويحتمل ألا يملكه كالإمام هذا) ضرب عليه في (م).

(7)

في (م): لكونه.

(8)

في (م) و (ن): منهم. وفي المغني 9/ 53، والشرح الكبير 26/ 182 جعلا قوله:(لأن الحاكم متهم) تابع للرواية الأولى في أن السيد له أن يقيمه بعلمه، فقالا عن السيد:(ويفارق الحاكم؛ لأن الحاكم متهم، ولا يملك محل إقامته، وهذا بخلافه). أو تكون عبارة (لأن الحاكم متهم) زائدة لأنها سوف تذكر في المسألة التي بعدها.

ص: 417

الْكَاذِبُونَ} [النُّور: 13]، ولأِنَّه متهم

(1)

في حُكمِه بِعِلْمِه، وذلك شِبْهةٌ يُدْرَأُ بها

(2)

الحَدُّ.

مسألةٌ: نَقَلَ المَيمُونِيُّ: وُجوبَ بَيعَ رقيقٍ زَنَى في رابعة

(3)

.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(4)

: إنْ عَصَى الرَّقيقُ عَلانِيَةً أقام السَّيِّدُ عَلَيهِ الحَدَّ، وإنْ عَصَى سِرًّا فيَنبَغِي ألاَّ يَجِبَ عليه إقامتُه، بل يتخيَّر

(5)

بَينَ سَتْرِه واستتابته بحَسَبِ المصلحة في ذلك، كما تُخيَّرُ الشُّهودُ على إقامةِ الحَدِّ بَينَ إقامَتِها عِنْدَ الإمامِ وبَينَ السَّتْر على المشْهودِ عَلَيهِ واسْتِتَابَتِه بحَسَبِ المصلحة

(6)

، فإنْ تَرجَّحَ عِندَه أنَّه يَتُوبُ؛ ستروه

(7)

، وإنْ كان في ترك

(8)

إقامةِ الحَدِّ عَلَيهِ ضَرَرٌ للنَّاس؛ كان الرَّاجِحُ رَفْعَه إلى الإمام.

(وَلَا تُقَامُ

(9)

الْحُدُودُ فِي الْمسَاجِدِ)، جَلْدًا كان أوْ غَيرَه؛ لِمَا رَوَى حَكِيمُ ابنُ حِزامٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أنْ تُقامَ الحُدودُ في المساجِدِ»

(10)

، رُوِيَ: أنَّ

(1)

في (م): منهم.

(2)

في (م): يدرأها.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 329.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 31.

(5)

في (م): يجير.

(6)

قوله: (في ذلك، كما تخير الشهود

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (م): نهروه.

(8)

قوله: (ترك) سقط من (م).

(9)

في (م): ولا تقاد.

(10)

أخرجه أحمد (15580)، وأبو داود (4490)، والطبراني في الكبير (3130)، والدارقطني (3101)، من طريق زفر بن وثيمة، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعًا، وهو منقطع، فإن زُفَرَ لم يدرك حكيمًا.

وأخرجه أحمد (15579)، والدارقطني (3103)، من طريق العباس بن عبد الرحمن المكي، عن حكيم بن حزام رضي الله عنه مرفوعًا، والعباس مجهول، وقال ابن حجر:(لا بأس بإسناده)، وحسنه الألباني، وله شواهد أخرى منها: ما أخرجه الترمذي (1401)، وابن ماجه (2599)، وفيه إسماعيل بن مسلم المكي، وهو ضعيف، وما أخرجه البزار (3453)، من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، وفيه الواقدي وهو متروك، وقال البزار:(وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في إسناد متصل عنه من وجه صحيح الإسناد). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 212، الإرواء 7/ 361.

ص: 418

عمرَ أُتي برجل

(1)

زَنَى، فقال:«أخْرِجُوهُ من المسجِدِ، واضْرِبُوهُ»

(2)

، وعن عليٍّ:«أنَّه أُتِيَ بِسارِقٍ، فأخْرَجَه من المسْجِدِ، وقَطَعَ يَدَه»

(3)

، ولأِنَّه لا يُؤمَنُ أنْ يُحدِثَ فيه، فينجِّسه

(4)

ويُؤْذِيَه.

وفي «المذهب» : يَنبَغِي تَنزِيهُ المسْجِدِ عنه.

ورُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ: أنَّه أقامَ الحدَّ على ذِمِّيٍّ في المسْجِدِ.

(وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الْحَدِّ قَائِمًا)، في الأَشْهَرِ، وقاله

(5)

عليٌّ

(6)

، ونَصَرَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّ قيامَه وسيلةٌ إلى إعْطاءِ كلِّ عُضْوٍ حَظَّه من الضَّرْب.

ونَقَلَ حنبل

(7)

: قاعِدًا

(8)

؛ لأِنَّه أسْتَرُ له.

(1)

في (ن): رجل.

(2)

أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (9/ 68)، ووصله عبد الرزاق (1706)، وابن أبي شيبة (28646)، عن طارق بن شهاب: أن عمر رضي الله عنه أُتي برجل في شيء، فقال:«أخرجاه من المسجد فاضرباه» ، وإسناده صحيح، وصححه ابن حزم وابن حجر. ينظر: المحلى 12/ 11، الفتح 13/ 157.

(3)

أخرجه البخاري معلقًا بصيغة التمريض (9/ 68)، ووصله ابن أبي شيبة (28645)، عن ابن معقل: أن رجلاً جاء إلى علي رضي الله عنه فسارَّه، فقال:«يا قنبر أخرجه من المسجد، فأقم عليه الحد» ، وفي سنده: أشعث بن سوار الكندي وهو ضعيف، وابن معقل وهو زهير بن معقل الخثعمي وهو مجهول، وأشار إلى ضعف الأثر ابن حجر بقوله:(وفي سنده من فيه مقال). ينظر: الفتح 13/ 157.

(4)

في (ن): قبيحة.

(5)

في (ن): قاله.

(6)

يأتي لفظه قريبًا.

(7)

قوله: (حنبل) سقط من (م).

(8)

ينظر: الهداية لأبي الخطاب ص 532.

ص: 419

(بِسَوْطٍ)، قال في «شرح المهذَّب»

(1)

للحنفيَّة: السَّوط فَوقَ القَضِيبِ ودُونَ العَصَا، وفي

(2)

«المختار» لهم

(3)

: بسَوطٍ لا ثمرةَ

(4)

له، فتعيَّنَ أنْ يكونَ من غَيرِ الجِلْدِ.

(لَا جَدِيدٍ وَلَا خَلَقٍ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، بفَتْحِ اللاَّم، وهو البالِي؛ لخبرٍ رواه مالِكٌ عن زيدِ بنِ أسْلَمَ مُرسَلاً

(6)

، ورُوِيَ عن أبي هُرَيرةَ مُسْنَدًا

(7)

، ورُوِيَ عن عليٍّ

(8)

، ولأِنَّ الغَرَضَ الإيلامُ دُونَ الجَرْح؛ إذ

(9)

الجديدُ يَجرَحُ، والبالِي لا يُؤلِمُ.

فلو كان السَّوطُ مَغْصوبًا؛ أَجْزَأَ، على خِلافِ مقتضى

(10)

النَّهْي؛

(1)

في (م): الشرح المذهب.

(2)

في (م): ومن.

(3)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 4/ 85.

(4)

في (م): ثمر.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 32.

(6)

أخرجه مالك (2/ 825)، والشافعي في الأم (6/ 157)، وابن أبي شيبة (28685)، والبيهقي في الكبرى (17574)، عن زيد بن أسلم، أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط، فأُتي بسوط مكسور فقال:«فوق هذا» ، فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته، فقال:«دون هذا» ، فأتي بسوط قد ركب به ولان. وضعفه الشافعي بالانقطاع، لكن له شواهد تقويه، منها عند عبد الرزاق (13515)، عن يحيى بن أبي كثير مرسلاً نحوه، وآخر أخرجه ابن حزم في المحلى (12/ 84)، من طريق كريبٍ مولى ابن عباس بمعناه مرسلاً، قال ابن حجر:(فهذه المراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضًا). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 211.

(7)

لم نقف عليه مسندًا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(8)

ذكر ابن قدامة لفظه: «ضربٌ بين ضربين، وسوطٌ بين سوطين» ، ولم نقف عليه، وذكر ابن حجر والألباني أنهم لم يقفا عليه. ينظر: المغني 9/ 168، التلخيص الحبير 4/ 211، الإرواء 7/ 364.

(9)

في (ن): لأن.

(10)

في (م): في.

ص: 420

للإجْماعِ، ذَكَرَه في «التَّمْهيدِ»

(1)

.

(وَلَا يُمَدُّ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

؛ لأِنَّه محدَثٌ

(3)

، (وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُجَرَّدُ)؛ لأِنَّه لم يُنقل

(4)

، قال ابنُ مَسْعودٍ:«لَيسَ في دِينِنا مَدٌّ، ولا قَيدٌ، ولا تَجْريدٌ»

(5)

.

(بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ)؛ صِيانَةً له عن التَّجْريد، مع أنَّ ذلك لا يَرُدُّ أَلَمَ الضَّرْب، ولا يَضُرُّ بَقاؤهما عليه، نَقَلَ أبو الحارِثِ والفضل

(6)

: عَلَيهِ ثِيابُه

(7)

.

وعنه: يَجُوزُ تَجرِيدُه؛ لأِنَّه أبْلَغُ.

فلو كان عَلَيهِ فَرْوٌ، أو

(8)

جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ؛ نُزِعَتْ؛ لأِنَّه لو تُرِكَ عَلَيهِ ذلك لم يبال

(9)

بالضَّرْب.

(وَلَا يُبَالَغُ فِي ضَرْبِهِ بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ)؛ لأِنَّ الغَرَضَ تأْدِيبُه وزَجْرُه عن المعصية، لا قَتْلُه، والمبالَغَةُ تُؤدِّي إلى ذلك.

(وَيُفَرَّقُ الضَّرْبُ عَلَى أَعْضَائِهِ)؛ لأِنَّ تَوَالِيَ الضَّرْبِ على عُضْوٍ واحِدٍ يُؤَدِّي إلى القَتْلِ، وأَوْجَبَه القاضي.

(1)

ينظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 1/ 377.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3456، زاد المسافر 4/ 327.

(3)

في (م): يحدث.

(4)

في (م): لم يفعل.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (13522)، والبيهقي في الكبرى (17577)، من طريق جويبر، عن الضحاك بن مزاحم، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وجويبر بن سعيد ضعيف جدًّا، والضحاك لم يدرك ابن مسعود رضي الله عنه.

(6)

في (م): والرجل.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 32.

(8)

في (م): أن.

(9)

في (ن): لم ينال.

ص: 421

ولا يُبْدِي إبْطَه في رَفْعِ يَدِه، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

(إِلاَّ الرَّأْسَ وَالْوَجْهَ)؛ لِقَولِ عليٍّ للجَلاَّد: «اضْرِبْ، وأَوْجِعْ، واتَّقِ الرَّأْسَ والوَجْهَ»

(2)

، ولأِنَّهما أجْمَلُ ما في الإنسان، وفي إصابَةِ الضَّرْب لهما خَطَرٌ؛ لأِنَّه ربَّما عَمِيَ أوْ ذهب

(3)

عَقْلُه، أوْ قَتَلَه.

(وَالْفَرْجَ وَمَوْضِعَ

(4)

المَقْتَلِ)؛ لأِنَّ ضَرْبَ ذلك يُؤَدِّي إلى القَتْل، وهو غَيرُ مَأْمورٍ به، بل مأمورٌ بِعَدَمِه.

ويُكْثِر

(5)

منه في مَواضِعِ اللَّحْم؛ كالْأَلْيَتَينِ والفَخِذَينِ.

ولا تُعتَبَرُ الموالاة في الحدِّ

(6)

، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه في مُوَالاةِ العُضْوِ

(7)

؛ لزيادةِ العُقوبة، ولسُقوطِه بالشُّبهة، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: فيه نَظَرٌ

(8)

.

ولم

(9)

يَعتَبِرُوا نية

(10)

مَنْ يُقِيمُه أنَّه حَدٌّ، مع أنَّ ظاهِرَ كلامِهم يُقِيمُه الإمامُ أوْ نائِبُه، بدليلِ: أنَّ الإمامَ لو أَمَرَ عَبْدًا أعجميًّا

(11)

يَضرِبُ، لا عِلْمَ له بالنِّيَّةِ؛ أجْزَأَتْ نِيَّتُه، والعَبْدُ كالآلة.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 33.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (13517)، وابن أبي شيبة (28675)، والبيهقي في الكبرى (17581) بنحوه، وفي سنده محمد بن أبي ليلى وهو صدوق سيئ الحفظ.

(3)

في (م): أعمي أو أذهب.

(4)

في (ن): وهو موضع.

(5)

في (ن): ويكن.

(6)

في (م): الجلد.

(7)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 33 والإنصاف 26/ 188: الوضوء.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 33.

(9)

في (م): ولا.

(10)

في (ن): فيه.

(11)

قوله: (أعجميًا) سقط من (م).

ص: 422

ويَحتَمِلُ: أنْ تُعتَبَرَ نِيَّتُهما، كما نقول

(1)

في غَسْلِ الميت: تُعتبر

(2)

نِيَّةُ غاسِلِه، واحتجَّ في «مُنتَهَى الغاية» في اعْتِبارِ نِيَّةِ الزَّكاة: بأنَّ الصَّرفَ إلى الفقير له جِهاتٌ، فلا بُدَّ من نِيَّةِ التَّمييز؛ كالجَلْدِ في الحُدودِ.

(وَالْمَرْأَةُ كَذَلِكَ)؛ أي: المرأة كالرَّجُل فِيما ذَكَرْنا؛ عَمَلاً بالأصل السَّالِمِ عنِ المُعارِض، (إِلاَّ أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً، وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا)، نَصَّ عَلَيهِما

(3)

، (وَتُمْسَكُ يَدَاهَا؛ لِئَلاَّ تَنْكَشِفَ)؛ لقَولِ عليٍّ:«تُضرَبُ المرأةُ جالِسَةً، والرَّجُلُ قائمًا»

(4)

، ولأِنَّ المرأةَ عَورةٌ، وهذا أسْتَرُ لها

(5)

، وهو مَطْلوبٌ في نَظَرِ الشَّرْعِ، بدليلِ أنَّه يُشرَعُ لها في الصَّلاة أنْ تَجمَعَ نَفْسَها في الرُّكوع والسُّجود.

(وَالْجَلْدُ فِي الزِّنَى أَشَدُّ الْجَلْدِ، ثُمَّ جَلْدُ الْقَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

، (ثُمَّ التَّعْزِيرِ).

قال مالِكٌ: كلُّها واحِدٌ

(7)

؛ لأِنَّ المقصودَ بها الزَّجْرُ، فيَجِبُ تَساوِيها في الصِّفَة.

وقال أبو حَنِيفةَ

(8)

: أشَدُّها التَّعزيرُ، ثُمَّ الزِّنى، ثُمَّ شُرْبُ الخمر، ثُمَّ القَذْف، قال في «الكشاف»: لأِنَّ سَبَبَ عُقُوبَتِه مُحتَمِلٌ للصدق

(9)

والكَذِب،

(1)

في (م): يقول.

(2)

في (م) و (ن): يعتبر.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3456، زاد المسافر 4/ 327.

(4)

أخرجه عبد الرزاق (13532)، والبيهقي في الكبرى (17582)، من طريق يحيى الجزار، عن علي رضي الله عنه، وهو منقطع بين يحيى وعلي رضي الله عنه. ينظر: الإرواء 7/ 365.

(5)

في (م): لهما.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3632، زاد المسافر 4/ 327.

(7)

ينظر: التلقين 2/ 199.

(8)

ينظر: الاختيار لتعليل المختار 4/ 92.

(9)

في (ن): الصدق.

ص: 423

إلاَّ أنَّه عُوقِبَ صِيانَةً لِلأْعْراضِ، ورَدْعًا بمن

(1)

هَتَكَها

(2)

.

وجَوابُه: أنَّ اللهَ تعالى خَصَّ الزِّنى بمَزيِدِ التَّأْكيدِ، بقوله تعالى:{وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأَفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} [النُّور: 2]، ولأِنَّ ما دُونَه أخفُّ منه عَدَدًا، فلا يَجُوزُ أنْ يَزِيدَ في

(3)

إيلامه

(4)

وَوَجَعِه، ولأِنَّ ما خَفَّ في عَدَدِه كان أخفَّ في صِفَتِه، وحدُّ القَذْفِ حقُّ آدمي

(5)

، وحَدُّ الشُّرْب مَحْضُ حقِّ الله تعالى، والتَّعْزيرُ لا يُبلَغُ به الحَدُّ.

وقِيلَ: أخَفُّها حَدُّ الشُّرب إنْ قُلْنا: هو أرْبَعونَ جَلْدة، ثُمَّ حد

(6)

القَذْفِ.

(وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ) أوْ نائبُه (الضَّرْبَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّه عليه السلام أُتِيَ بِشارِبٍ، فقال:«اضْرِبُوهُ» ، فضُرِبَ

(7)

بالأَيْدِي والنِّعال وأطْرافِ الثِّيابِ وحَثوا عَلَيهِ التُّرابَ

(8)

.

(1)

في (م): عن.

(2)

ينظر: الكشاف للزمخشري 3/ 213.

(3)

قوله: (في) سقط من (م).

(4)

في (ظ): إتلافه.

(5)

في (م): الآدمي.

(6)

قوله: (حد) سقط من (ن).

(7)

قوله: (فضرب) سقط من (ظ).

(8)

أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 285)، وأبو داود (4487)، والطبراني في الكبير (1003)، والدارقطني (3325)، والبيهقي في الكبرى (17537)، من طريق الزهري، عن عبد الرحمن بن أزهر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين سأل عن رحل خالد بن الوليد، فجريت بين يديه أسأل عن رحل خالد بن الوليد، حتى أتاه جريحًا، وأُتي النبي صلى الله عليه وسلم بشارب فقال:«اضربوه» ، فضربوه بالأيدي والنعال وأطراف الثياب وحثوا عليه من التراب. وهو منقطع، قال أبو زرعة وأبو حاتم:(إن الزهري لم يسمع من عبد الرحمن)، ويشهد له ما أخرجه البخاري (6776)، ومسلم (1706)، من حديث أنس رضي الله عنه:«جلد النبي صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين» . ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 172، البدر المنير 8/ 715.

ص: 424

وفي «المُذهب» و «البلغة» : وأيْدٍ

(1)

؛ للخبر.

وفي «الوسيلة» : يستوفى بالسَّوط في ظاهر

(2)

كلامِ أحمدَ والخِرَقِيِّ.

وفي «الموجز»

(3)

: لا يُجزِئُ بِيَدٍ وَطَرَفِ ثَوبٍ.

وفي «التبصرة» : لا يُجزِئُ بطَرَفِ ثَوبٍ ونَعْلٍ.

ويُؤخَّرُ سَكْرانُ حتَّى يَصْحُوَ، نَصَّ عليه، فلو خالَفَ وفَعَلَ؛ احْتَمَلَ السُّقوطَ، وهو أَوْلَى، واحْتَمَلَ عَدَمَه.

فرعٌ: يحرم

(4)

حبسه

(5)

بَعْدَ حَدٍّ، نَصَّ عليه

(6)

، وأذاه بكلامٍ؛ كالتَّعْيير على كلامِ القاضي وابنِ الجَوزِيِّ؛ لِنَسْخِه بِشَرْعِ

(7)

الحدِّ

(8)

؛ كنَسْخِ حَبْسِ المرأة.

(قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَا يُؤَخَّرُ الْحَدُّ لِلْمَرَضِ)، وقالَهُ في «الوجيز» وزاد: والضَّعف؛ لأِنَّه لا فائدةَ فيه إذا كان قَتْلُه مُتَحَتِّمًا، وكذا إنْ كان

(9)

جَلْدًا عِنْدَ أكثر

(10)

الأصْحابِ، وقالَهُ إسْحاقُ وأبو ثَورٍ؛ لأِنَّ «عُمَرَ أقام الحَدَّ على قدامة

(11)

بنِ مَظْعونٍ في مَرَضِه ولم يُؤخِّرْه»

(12)

، وانتشر ذلك في الصَّحابة ولم

(1)

في (م): زائد.

(2)

قوله: (في ظاهر) في (ن): وظاهر.

(3)

في (ن): «الوجيز» .

(4)

في (ن): ويحرم.

(5)

في (م): حسبه.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 35.

(7)

في (م): نسخه يتشرع.

(8)

قوله: (الحد) سقط من (م) و (ن).

(9)

قوله: (وكذا إن كان) في (م): وكان.

(10)

قوله: (أكثر) سقط من (م).

(11)

في (ن): قرابة.

(12)

أخرجه عبد الرزاق (17076)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 842)، ومن طريق عبد الرزاق أخرجه البيهقي في الكبرى (17516)، في خبر طويل، قال ابن حجر في الفتح 13/ 141:(سندها صحيح).

ص: 425

يُنكَرْ، فكان كالإجماع، ولأِنَّ الحَدَّ واجِبٌ على الفَور، ولا يُؤخَّرُ ما أوْجَبَه اللهُ تعالى بغَيرِ حُجَّةٍ.

وقال القاضي: ظاهِرُ قَولِ الخِرَقِيِّ له تأخيرُه، وهو قَولُ الأَكْثَرِ؛ لحديثِ عليٍّ في التي هي حديثةُ عَهْدٍ بنِفاسٍ

(1)

، ولأِنَّ في تأخيره

(2)

إقامة الحَدِّ على الكمال مِنْ غَيرِ إتْلافٍ، فكان أَوْلَى، ومَرَضُ قُدامَةَ؛ يَحتَمِلُ أنَّه كان خفيفًا لا يَمنَعُ مِنْ إقامةِ الحَدِّ على الكمال، ثُمَّ إنَّ فِعْلَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يُقدَّم على فِعْلِ عمرَ، مع أنَّه اخْتِيارُ عليٍّ وفِعْلُهُ.

وكذا الحكم في تأخيره لِحَرٍّ أوْ بَرْدٍ مُفرِطٍ.

(فَإِنْ

(3)

كَانَ جَلْدًا، وَخُشِيَ

(4)

عَلَيْهِ مِنَ السَّوْطِ)؛ لم يتعيَّنْ على الأصحِّ؛ (أُقِيمَ بِأَطْرَافِ الثِّيَابِ وَالْعُثْكُولِ

(5)

؛ لِمَا رَوَى أبو أمامةَ بنُ سَهْلٍ، عن سعد

(6)

ابنِ عُبادةَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أمَرَهُم أنْ يَأخُذُوا شِمْراخًا

(7)

، فيضربوه

(8)

بها

(1)

أخرجه مسلم (1705)، عن علي رضي الله عنه: أن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديث عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«أحسنت» .

(2)

في (م): خيره.

(3)

في (م): وإن.

(4)

في (م): أو خشي.

(5)

قال في المطلع ص 452: (العثكول بوزن عصفور، والعثكال بوزن مفتاح: كلاهما: الشمراخ، وهو في النخل بمنزلة العنقود في الكرم).

(6)

قوله: (عن سعد) سقط من (م).

(7)

كتب في هامش (ن): (لعله عثكالاً، فيه مائة).

(8)

في (ن): فتضربوه.

ص: 426

ضَرْبَةً» رواه أحمدُ وابنُ ماجَهْ، ورواه أبو داودَ والنَّسائيُّ بإسْنادٍ حَسَنٍ عن أبي

(1)

أمامةَ، عن بعضِ الصَّحابة من الأنصار، ورواه سعيدٌ، عن سُفيانَ، عن أبي الزِّناد ويحيى بن سعيدٍ سَمِعَا أبا أُمامَةَ مُرسَلاً، قال

(2)

ابنُ المنذِر: في إسْنادِهِ مَقالٌ

(3)

، ولأِنَّه لا يَجُوزُ تَرْكُه بالكُلِّيَّة؛ لأِنَّه يُخالِفُ الكتابَ والسُّنَّةَ، ولا جَلْدُه تامًّا؛ لأِنَّه يُفْضِي إلى إتْلافِه، فتعيَّن ما ذَكَرْنا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُؤَخَّرَ فِي الْمَرَضِ الْمَرْجُوِّ زَوَالُهُ)؛ لأِنَّ في تأخيرِه اسْتِيفاءَ الحدِّ على وجْهِ الكمال مِنْ غَيرِ خوف

(4)

فَواتِه، وبه فارَقَ المريضَ الذي لا يُرجَى زوالُه؛ لأِنَّه يُخافُ فَواتُ الحَدِّ.

فرعٌ: ذَكَرَ الخرَقِيُّ أنَّ العبد

(5)

يُضرَبُ بدونِ سَوطِ الحُرِّ؛ لأِنَّ حَدَّه أقلُّ عددًا، فيكونُ أخفَّ سَوطًا.

والظَّاهِرُ التَّسْوِيَةُ بَينَهما فيه؛ لقوله تعالى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25]، ولا يُتحقَّقُ التَّنصيف

(6)

إذا نَصَّفْنا العددَ إلاَّ مع

(1)

قوله: (أبي) سقط من (م).

(2)

في (ن): فقال.

(3)

أخرجه أحمد (21935)، وابن ماجه (2574)، من طريق أبي أمامة بن سهل بن حنيف، عن سعيد بن سعد بن عبادة قال: كان بين أبياتنا رجل مخدج ضعيف، فلم يرع إلا وهو على أمة من إماء الدار يخبث بها، فرفع شأنه سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:«اجلدوه ضرب مائة سوط» قالوا: يا نبي الله، هو أضعف من ذلك، لو ضربناه مائة سوط مات، قال «فخذوا له عثكالاً فيه مائة شمراخ فاضربوه ضربة واحدة» . وأخرجه أبو داود (4472)، والنسائي في الكبرى (7267)، وابن الجارود (817)، وهذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، ورجح إرساله الدارقطني والبيهقي، وقواه ابن القطان وقال:(الخلاف لا يضر) وكذا قال ابن الملقن، وحسن إسناده ابن حجر. ينظر: بيان الوهم 5/ 460، البدر المنير 8/ 626، البلوغ (1215)، الصحيحة (2986).

(4)

في (م): فوت.

(5)

في (م): السيد.

(6)

في (م): التنقيص.

ص: 427

تَساوِي السَّوطين

(1)

.

(وَإِذَا مَاتَ الْمَحْدُودُ فِي الْجَلْدِ)، ولو حدَّ خمرٍ، نَصَّ عليه

(2)

، أوْ تأديبٍ أوْ تعزيرٍ، ولم يَلزَمْ تأخيرُه؛ (فَالْحَقُّ قَتَلَهُ)، ولا ضَمانَ على أحدٍ، جَلْدًا كان أوْ غيره

(3)

؛ لأِنَّه حدٌّ وجب

(4)

لله تعالى، فلم يَجِبْ فيه شَيءٌ؛ كالقَطْع في السَّرِقة.

وهذا إذا أَتَى به

(5)

على الوَجْه المَشْروعِ مِنْ غَيرِ زيادةٍ؛ لأِنَّه نائِبٌ عن الله تعالى، فكان التَّلَفُ مَنسوبًا إليه.

وقِيلَ: يَضمَنُ المؤدِّبُ.

(وَإِنْ زَادَ سَوْطًا)، أَوْ في السَّوط، (أَوْ أَكْثَرَ، فَتَلِفَ؛ ضَمِنَهُ

(6)

، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(7)

؛ لأِنَّه تَلِفَ بِعُدْوانِه، أشْبَهَ ما لو ضربه

(8)

في غَيرِ الحَدِّ.

(وَهَلْ يَضْمَنُ جَمِيعَهُ، أَوْ نِصْفَ الدِّيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما، وهُو رِوايَةٌ: أنَّه تجب الدِّيَةُ كلُّها، ذَكَرَ القاضِي في الخِلاف: أنَّه أشْبَهُ بالمذْهَبِ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه قَتْلٌ حَصَلَ من جِهَةِ الله تعالى وعُدْوانِ الضَّارِب، فكان الضَّمان على القادر

(9)

؛ كما لو ضَرَبَ مريضًا سَوطًا فَقَتَلَه، وكما لو ضَرَبَه بسَوطٍ لا يَحتَمِلُه.

(1)

في (ظ): الشرطين.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3498.

(3)

قوله: (كان أو غيره) في (م): وغيره.

(4)

في (م): واجب.

(5)

قوله: (أتى به) في (ن): ضربه.

(6)

قوله: (فتلف ضمنه) ضرب عليه في (م).

(7)

ينظر: المغني 9/ 165.

(8)

قوله: (ضربه) في (ظ): رضي به.

(9)

قوله: (القادر) مكانه بياض في (م). وفي المغني 9/ 165 والشرح الكبير 26/ 201: العادي، وفي الكشاف: الضارب.

ص: 428

والثَّاني: نصفُ الدِّيَة، وقاله الأكْثَرُ؛ لأِنَّه تَلِفَ بفِعْلٍ مَضْمونٍ وغَيرِه، فَوَجَبَ نصفُها، كما لو جَرَحَ نفسه

(1)

، أوْ جَرَحَه غَيرُه فمات، وسَواءٌ زاد خَطَأً أوْ عَمْدًا؛ لأِنَّه يَضمَنُ كالعمد.

وكذا إنْ قال له الإمامُ: اضْرِبْ ما شِئْتَ.

وقِيلَ: دِيَتُه على الأَسْواطِ إنْ زاد على الأربعين.

وفي «واضِحِ ابنِ عَقِيلٍ» : إنْ وَضَعَ في سفينةٍ كذا

(2)

، فلم تغرق

(3)

، ثُمَّ وَضَعَ قَفِيزًا فغَرِقَتْ؛ فغَرَقُها بهما

(4)

في أقْوَى الوَجْهَينِ. والثَّاني: بالقَفِيز.

وكذا الشِّبَعُ والرِّيُّ، والسَّيرُ

(5)

بالدَّابَّة فَراسِخَ، والسُّكر

(6)

بالقَدَح أو الأَقْداح، كما يَنْشَأُ

(7)

الغَضَبُ بكَلِمةٍ بَعْدَ أخرى، ويمتلئ

(8)

الإناءُ بقطْرةٍ بعْدَ قطْرةٍ، ويَحصُلُ العلمُ

(9)

بواحدٍ بَعْدَ واحِدٍ.

فرعٌ: إذا أُمِرَ بزيادةٍ، فزاد جَهْلاً؛ ضَمِنَه الآمِرُ، وإلاَّ فَوجْهانِ، وإنْ تعمَّده العادُّ فقط أوْ أخْطَأَ، وادَّعى الضَّارِبُ الجَهْلَ؛ ضَمِنَه العادُّ.

وتَعمُّدُ الإمامِ الزِّيادة؛ شِبْهُ عمدٍ تَحمِلُه العاقِلة، وقِيلَ: كخطأ

(10)

، فيه الرِّوايَتانِ.

(1)

في (م): نصفه.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وسقط من (م)، والذي في الفروع 10/ 37: كُرًّا.

(3)

في (م): فلم يغرق.

(4)

في (م): بينهما.

(5)

قوله: (والسير) سقط من (ن).

(6)

في (م): والمنكر.

(7)

في (م): يبنى، وفي (ن): ينبني.

(8)

في (ن): ويمثل.

(9)

قوله: (العلم) سقط من (م).

(10)

في (م): خطأ.

ص: 429

(وَإِنْ

(1)

كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا؛ لَمْ يُحْفَرْ لَهُ، رَجُلاً كَانَ أَوِ امْرَأَةً، فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، نَصَّ عليه

(2)

؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَحفِرْ لِمَاعِزٍ، قال أبو سعيدٍ:«لمَّا أَمَرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بِرَجْمِ ماعِزٍ خرجْنا به إلى البقيع، فواللهِ ما حفرنا له، ولا أَوْثَقْناهُ، ولكِنْ قامَ لنا» رواه أحمدُ ومُسلِمٌ

(3)

.

والمرأةُ كذلك، نَصَرَه في «المغْنِي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ أكثرَ الأحاديثِ على تَرْكِ الحَفْرِ.

(وَفِي الآْخَرِ: إِنْ ثَبَتَ عَلَى الْمَرْأَةِ بِإِقْرَارِهَا؛ لَمْ يُحْفَرْ لَهَا، وَإِنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ؛ حُفِرَ لَهَا إِلَى الصَّدْرِ

(4)

، اختاره في «الهداية»

(5)

و «الفصول» و «التَّبصرة» ، وصحَّحه أبو الخَطَّاب؛ لِمَا رَوَى أبو بكرٍ

(6)

: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رَجَمَ امرأةً، فَحَفَرَ لها إلى الصَّدر» رواهُ أبو داودَ

(7)

، ولأِنَّ الحَفْرَ أسْتَرُ لها، ولا حاجةَ إلى تَمْكينِها من الهَرَب، بخِلافِ مَنْ أقرَّتْ؛ لأِنَّ رُجوعَها عن الإقرار مَقْبولٌ، والحفرُ يَمنَعُها من الهَرَبِ الذي هو

(8)

في مَعْنَى الرُّجوعِ قَولاً.

(1)

في (م): وإذا، وفي (ظ): فإن.

(2)

ينظر: مسائل أبي داود ص 304.

(3)

أخرجه أحمد (11589)، ومسلم (1694)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولفظ المصنف عند أحمد.

(4)

قوله: (وفي الآخر .... ) إلى هنا هو في (م): وفي الآخر إن ثبت ببينة لها إلى الصدر.

(5)

في (م): «الهدي» .

(6)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه أبو بكرة كما في المصادر الحديثية وتحفة الأشراف 9/ 51.

(7)

أخرجه أحمد (20378)، وأبو داود (4443)، والنسائي في الكبرى (7158)، ومن طريق أبي داود أخرجه البيهقي في الكبرى (16967)، من طريق زكريا أبي عمران، قال: سمعت شيخًا يحدث عن ابن أبي بكرة، عن أبيه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم رجم امرأة، فحفر لها إلى الثندوة» ، وشيخ زكريا مبهم، وزكريا هو ابن سليم وهو مقبول، لكن للحديث شاهد عند مسلم (1695) من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، في قصة الغامدية وفيه:«ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها» .

(8)

قوله: (هو) سقط من (ن).

ص: 430

وأطْلَقَ في «عُيونِ المسائل» وابنُ رَزينٍ: يُحفَرُ لها، فهو سِتْرٌ، بخِلافِ الرَّجُل.

وإذا ثَبَتَ ذلك؛ شُدَّ عَلَيها ثِيابُها؛ لِئَلاَّ تنكشف

(1)

؛ لأِمْرِه صلى الله عليه وسلم بذلك، رواهُ أبو داودَ مِنْ حديثِ عِمْرانَ بنِ حُصَينٍ

(2)

.

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ

(3)

الشُّهُودُ بِالرَّجْمِ)؛ أيْ: إذا ثَبَتَ بها.

ويَجِبُ حضورُ الإمام أوْ نائبِه.

وقال أبو بكرٍ عن قَولِ ماعِزٍ: «رُدُّونِي إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ قَومِي غَرُّونِي

(4)

»

(5)

: يَدُلُّ على أنَّه عليه السلام لم يَحضُرْ رجمَه

(6)

، فبهذا أَقُولُ.

وحُضورُ طائِفةٍ، ولو واحِدًا، ذَكَرَه أصْحابُنا، وهو قَولُ ابنِ عبَّاسٍ، رواهُ ابنُ أبي طَلْحةَ، وهو مُنقَطِعٌ

(7)

.

(1)

في (ن): ينكشف.

(2)

أخرجه مسلم (1696)، وأبو داود (4440)، وفيه:«أحسن إليها، فإذا وضعت فأتني بها» ، ففعل، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم، فشكت عليها ثيابها، ثم أمر بها فرجمت. الحديث.

(3)

في (ن): تبدأ.

(4)

في (م): عيروني.

(5)

أخرج هذه اللفظة أحمد (15089)، وأبو داود (4420)، من طريق ابن إسحاق، عن عاصم بن عمر بن قتادة، عن الحسن بن محمد بن علي، عن جابر رضي الله عنه، وصرح ابن إسحاق بسماعه عند أبي داود، قال الألباني:(وهذا إسناد جيد)، وأخرجه النسائي في الكبرى (7168)، من طريق ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم، عن أبي عثمان بن نصر بن دهر الأسلمي، عن أبيه، وأبو عثمان مقبول. ينظر: الإرواء 7/ 354.

(6)

قوله: (لم يحضر رجمه) في (م): لم ويحضر رحله، وقوله:(رجمه) في (ن): وجه.

(7)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (14109)، من طريق معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:{وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} قال: «الطائفة الرجل فما فوق» ، وعلقه ابن المنذر في الإشراف (7/ 259)، وابن حزم في المحلى (12/ 217)، وعلي بن طلحة لم يسمع من ابن عباس، إلا أن روايته عنه صحيفة معتبرة عند جماعة من أهل العلم؛ لكونه أخذها عن مجاهد وعكرمة. ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحاس ص 75، المراسيل لابن أبي حاتم ص 140.

ص: 431

واختار في «البلغة» : اثْنانِ؛ لأِنَّ الطَّائفةَ الجَماعةُ، وأقَلُّها اثنانِ، نَقَلَ أبو داودَ: تجيء

(1)

النَّاسُ صُفوفًا لا يَختَلِطونَ، ثُمَّ يَمْضُونَ صفًّا صفًّا

(2)

.

وذكَرَ أبو المعالي: أنَّ الطَّائفةَ تُطلَقُ على الأربعة؛ لقوله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النُّور: 2] لأنَّه أوَّلُ شهود الزِّنى.

وإنْ ثَبَتَ بإقْرارٍ؛ سُنَّ بَدْأَةُ إمامٍ

(3)

به، أوْ مَنْ يُقِيمُه.

(وَمَتَى رَجَعَ الْمُقِرُّ بِالْحَدِّ)؛ أيْ: بحَدِّ زِنًى أوْ سَرِقَةٍ أوْ شُرْبٍ، (عَنْ إِقْرَارِهِ؛ قُبِلَ مِنْهُ)؛ أيْ: يُشتَرَطُ لإقامةِ الحَدِّ بالإقرار: البقاءُ عليه إلى تمامِ الحَدِّ، فإنْ رَجَعَ قَبْلَه؛ كُفَّ عنه، وهو قَولُ أكثرِ العلماء، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: (ثَبَتَ مِنْ حديثِ أبي هُرَيرةَ، وجابِرٍ، ونُعَيمٍ، ونَصْرِ بنِ دارهم

(4)

، وغيرِهم: أنَّ ماعِزًا لَمَّا هَرَبَ وقال لهم: رُدُّونِي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال:«فهلاَّ تَرَكْتُموهُ يَتُوبُ فيَتُوبَ اللهُ عَلَيهِ»

(5)

(6)

؛ ولأِنَّ رُجوعَه شبهة

(7)

، وكالبينة

(8)

إذا

(1)

في (م): يجيء.

(2)

في (م): ثم يصفوا صفًا. وينظر: مسائل أبي داود ص 304.

(3)

في (ن): الإمام.

(4)

في (م): دراهم. والصواب كما في المصادر الحديثية: دهر.

(5)

سبق تخريج أحاديثهم، إلا من حديث نعيم بن هَزَّال رضي الله عنه فأخرجه ابن أبي شيبة (28767)، وأحمد (21890)، وأبو داود (4419)، من طريق هشام بن سعد، أخبرني يزيد بن نعيم بن هزال، عن أبيه

الحديث، قال ابن عبد الهادي: (هذا الإسناد صالح، وهشام بن سعد: روى له مسلم، وقد تكلم فيه من قبل حفظه

وأبوه: نعيم بن هزال مختلف في صحبته، فإن لم تثبت صحبته فآخر هذا الحديث مرسل)، وأخرجه النسائي في الكبرى (7239)، من أوجه أخر وفيها اختلاف حكاه، وحسن إسناده ابن حجر والألباني. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 535، التلخيص الحبير 4/ 164، الإرواء 7/ 358.

(6)

ينظر: التمهيد 12/ 113.

(7)

في (م): شبه.

(8)

في (م): كالبيت، وفي (ن): كالبينة.

ص: 432

رَجَعَتْ قَبْلَ إقامةِ الحَدِّ عليه

(1)

.

وقِيلَ: يُقبَلُ رُجوعُه في الزِّنى فَقْطَ، وقِيلَ: يُقبَلُ رُجوعُ مُقِرٍّ بمالٍ.

وعلى الأوَّل: إذا تمَّم

(2)

؛ ضَمِنَ الرَّاجِعَ بالمال لا الهارِبَ، ولا قَوَدَ؛ للاخْتِلاف في صحَّةِ الرُّجوع، فكان شُبهةً.

(وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَاءِ الْحَدِّ؛ لَمْ يُتَمَّمْ)؛ لأِنَّ جميعَه يَسقُطُ بالرُّجوع، فلأن

(3)

يسقُط تمامُه بطَريقِ الأولى

(4)

.

(وَإِنْ رُجِمَ بِبَيِّنَةٍ، فَهَرَبَ؛ لَمْ يُتْرَكْ)؛ لأِنَّه ثَبَتَ على وَجْهٍ لا يَبطُلُ برُجوعه، أشْبَهَ سائرَ الأحكام.

(وَإِنْ كَانَ بِإِقْرَارٍ؛ تُرِكَ

(5)

؛ لقوله عليه السلام: «هلاَّ

(6)

تَرَكْتُمُوهُ»، فإنْ لَمْ يُترَكْ، وقُتِل

(7)

؛ فلا ضَمانَ؛ لِقِصَّةِ ماعِزٍ، ولأِنَّ ذلك لَيسَ بصريحٍ في رُجوعِه.

فإنْ قال: ردُّوني إلى

(8)

الحاكِمِ؛ وَجَبَ ردُّه، ولم يَجُزْ إتمامُ الحدِّ، فإنْ أُتِمَّ؛ فلا ضَمانَ؛ لِمَا ذُكِر

(9)

في هَرَبِه.

مسائلُ:

إذا أَتَى حَدًّا؛ سَتَرَ نَفْسَه، نَقَلَ مُهَنَّى: رجلٌ زَنَى يَذهَبُ يُقِرُّ؟ قال: بل

(10)

(1)

في (م): علة.

(2)

زيد في (م): رجع.

(3)

في (م): فالآن.

(4)

في (م): أولى.

(5)

قله: (بإقرار ترك) في (م): باق أو ترك.

(6)

في (م): لا.

(7)

في (ظ): وقيل.

(8)

قوله: (إلى) سقط من (ن).

(9)

في (م): ذكره.

(10)

قوله: (بل) سقط من (ظ) و (م).

ص: 433

يَستُرُ نَفْسَه

(1)

، واسْتَحَبَّ القاضي - إن شاع

(2)

-؛ رَفْعَه إلى حاكمٍ

(3)

لِيُقِيمَه عليه.

وقال ابنُ حامِدٍ: إن تعلَّقت التَّوبةُ بظاهرٍ

(4)

؛ كصلاةٍ وزكاةٍ، أظْهَرَها، وإلاَّ أسرَّ

(5)

.

وإنْ قال لإمامٍ

(6)

: أصبتُ حَدًّا؛ لم يَلزَمْه شَيءٌ ما لم يبيِّنه

(7)

، نَقَلَه الأثْرَمُ

(8)

.

ويُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلاً، ولو بعد

(9)

سِمَنِه، كذا عقوبةُ الآخِرة؛ كَمَنْ قُطعت

(10)

يَدُهُ ثُمَّ زَنَى، أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثه وعُوقِبَ، ذَكَرَه في «الفنون» ، فالحدُّ

(11)

كفَّارةٌ لذلك الذَّنْب؛ للخبر

(12)

، نَصَّ عليه

(13)

.

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 347.

(2)

في (ظ) و (م): ساغ. والمثبت موافق للفروع 10/ 40.

(3)

في (م): الحاكم.

(4)

في (م): به بظاهره.

(5)

في (م): استتر.

(6)

في (م): للإمام، وفي (ظ): الإمام.

(7)

في (م): ما لم يعينه، وفي (ن): ما لم يثبته.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 40.

(9)

في (م): نور.

(10)

في (م): قطع.

(11)

في (م): والحد.

(12)

قوله: (للخبر) سقط من (م). والمراد بالخبر: ما أخرجه البخاري (4894)، ومسلم (1709)، عن عبادة رضي الله عنه مرفوعًا:«ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب فهو كفارة له» .

(13)

ينظر: زاد المسافر 4/ 346، الفروع 10/ 40.

ص: 434

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لله تَعَالَى فِيهَا قَتْلٌ؛ اسْتُوفِيَ الْقَتْلُ، وَسَقَطَ سَائِرُهَا)، قال في «المغْنِي»: لا يُشرَعُ غَيرُه؛ لقَولِ ابنِ مَسْعُودٍ، رواهُ سعيدٌ مِنْ رِوايَةِ مُجالِدٍ، وقد ضعَّفَه الأكثرُ

(1)

، ولم يُعْرَفْ له في الصَّحابة مُخالِفٌ، وكالمُحارِبِ إذا قَتَلَ وأَخَذَ المالَ، فإنَّه يُكتَفَى بقَتْلِه، ولأنَّ

(2)

هذه الحدودَ لمجرَّد

(3)

الزَّجْر، وقَتْلُه كافٍ، بخِلافِ القِصاص، فإنَّ فيه غَرَضَ التَّشَفِّي والاِنْتِقامِ.

(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ؛ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ؛ مِثْلَ إِنْ زَنَى، أَوْ سَرَقَ

(4)

، أَوْ شَرِبَ مِرارًا؛ أَجْزَأَ حَدٌّ وَاحِدٌ)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ، قال ابنُ المنْذِر: أجْمَعَ عَلَيهِ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه

(5)

، قال أحمدُ: يُقام

(6)

عليه الحدُّ مرَّةً

(7)

؛ لأِنَّ الغَرَضَ الزَّجْرُ عن إتْيانِ مثل

(8)

ذلك في المسْتَقْبَلِ، وهو حَاصِلٌ بالحَدِّ الواحدِ

(9)

؛ لأِنَّ الواجِبَ هنا مِنْ جِنْسٍ واحدٍ، فَوَجَبَ التداخُلُ

(10)

؛ كالكفَّارات.

(1)

أخرجه سعيد كما ساق سنده ابن قدامة في المغني (9/ 154)، وابن أبي شيبة (28126)، من طريق مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قال عبد الله رضي الله عنه: «إذا اجتمع حدان أحدهما القتل؛ أتى القتل على الآخر» ، ومجالد بن سعيد الهمداني ضعيف.

(2)

في (ن): وإن.

(3)

في (ظ) و (م): بمجرد.

(4)

في (م): وشرب.

(5)

ينظر: الإجماع ص 116.

(6)

في (م): يقال.

(7)

ينظر: مسائل أبي داود ص 305، الفروع 10/ 41.

(8)

في (ن): فعل.

(9)

قوله: (الواحد) سقط من (ن).

(10)

في (م): الداخل.

ص: 435

وذَكَرَ ابنُ عَقِيلٍ روايةً: لا تَداخُلَ في السَّرِقة.

وفي «البلغة» : فَقَطْعٌ واحِدٌ على الأصحِّ.

وفي «المستوعب» روايةٌ: إنْ طالبوا

(1)

مُتفَرِّقِينَ؛ قطع

(2)

لكلِّ واحدٍ، قال أبو بكرِ: العَمَلُ على خِلافِها.

ثُمَّ قال شَيخُنا

(3)

: قَولُ الفقهاء: تتداخل

(4)

دليلٌ على أنَّ الثابت

(5)

أحكامٌ، وإلاَّ فالشَّيءُ الواحِدُ لا يُعقَلُ فيه تَداخُلٌ، فالصَّوابُ: أنَّها أحكامٌ، وعلى ذلك نصَّ

(6)

الأئمَّةُ، قال أحمدُ في لحمِ خِنزِيرٍ ميِّت

(7)

: فأثْبَتَ فيه تَحرِيمَينِ

(8)

.

(وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَجْنَاسٍ؛ اسْتُوفِيَتْ كُلُّهَا)، بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(9)

؛ لأنَّ التَّداخُلَ إنَّما هو في الجنسِ الواحِدِ، فلو سَرَقَ وأخَذَ المالَ في المحارَبَة؛ قُطِعَ لذلك، ويَدخُلُ فيه القَطْعُ في السَّرِقة؛ لأِنَّ محلَّ القَطْعَينِ واحِدٌ.

(وَيُبْدَأُ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ)، وُجوبًا، قاله في «الفروع» ، فعلى هذا: يُبدَأ بالحدِّ للشُّرب، ثُمَّ للسَّرِقة، ثُمَّ للزِّنى؛ لأِنَّ الأوَّلَ أخَفُّ، ولا يُوَالَى بَينَ هذه

(1)

في (م): طلبوا.

(2)

في (م): فقطع.

(3)

أي: شيخ الإسلام، والكلام لصاحب الفروع 10/ 42. وينظر: جامع المسائل - المجموعة السادسة ص 94.

(4)

في (م) و (ن): يتداخل.

(5)

في (ن): الباب.

(6)

في (م): مضى.

(7)

قوله: (ميت) سقط من (م)، وفي (ن): ثبت.

(8)

قوله: (قال أحمدُ في لحمِ خِنزِيرٍ ميِّت)، كذا في النسخ الخطية، وعبارته في جامع المسائل - المجموعة السادسة ص 91، وفي الفروع 10/ 42:(كما قال أحمد في بعض ما ذكره: هذا مثل لحم خنزير ميت). وينظر قول أحمد في الإرشاد ص 393.

(9)

ينظر: المغني 9/ 155.

ص: 436

الحدودِ؛ لأنَّه ربَّما يُفْضِي إلى التَّلَف.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» : أنَّه على سبيلِ الاسْتِحباب، فلو بَدَأَ بغَيرِ الأَخَفِّ؛ جاز.

(أَمَّا حُقُوقُ الآْدَمِيِّينَ؛ فَتُسْتَوْفَى

(1)

كُلُّهَا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ)؛ لأِنَّها حُقوقُ آدَمِيِّينَ، أمْكنَ اسْتِيفاؤها، فَوَجَبَ؛ كسائِرِ حُقوقِهم، لا يُقالُ: يُكتَفَى بالقتل؛ كما

(2)

في حقوقِ الله تعالى؛ لأِنَّها مَبْنِيَّةٌ على السُّهولة، بخِلافِ حقِّ

(3)

الآدَمِيِّ، فإنَّه مَبنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيقِ.

(وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ)؛ لأِنَّ البَداءةَ به

(4)

يُفوِّتُ

(5)

اسْتِيفاءَ باقِي الحُقوقِ.

(وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَعَ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى؛ بُدِئَ بِهَا)؛ أيْ: إذا اجْتَمَعَتْ حُقوقُ الله وحُقوقُ الآدَمِيِّينَ فهي أنْواعٌ:

أحدُها: ألاَّ يكونَ فيها قَتْلٌ؛ فهَذهِ تُستَوفَى كلُّها في قَولِ الأكْثَرِ، فيُبدَأُ بحَدِّ القَذْفِ، إلاَّ إذا قُلْنا: حَدُّ الشُّرْب أرْبَعُونَ، فإنَّه يبدأ به

(6)

لِخِفَّتِه ثُمَّ حدُّ القَذْف، وأيُّهما قُدِّمَ فالآخَرُ يَلِيهِ، ثُمَّ الزنى

(7)

، ثُمَّ القَطْعِ.

وقال أبو الخَطَّاب: يُبدَأُ بالقَطْعِ قِصاصًا، ثُمَّ بالقذف، ثُمَّ للشُّرْب، ثُمَّ للزنى

(8)

.

الثَّاني: إذا كان فيها قَتْلٌ؛ فإنَّها تدخل

(9)

حُقوق الله تعالى في القَتل،

(1)

في (ظ): فيستوفى.

(2)

قوله: (كما) سقط (ظ) و (ن).

(3)

قوله: (حق) سقط من (م).

(4)

في (م): لأنه البدء.

(5)

في (ن): تفوت.

(6)

قوله: (به) سقط من (ن).

(7)

في (ظ) و (ن): للزنى.

(8)

في (م): ثم الشرب ثم الزنى.

(9)

قوله: (تدخل) سقط من (م).

ص: 437

سواءٌ كان من حُدودِ الله؛ كالرَّجْم في الزِّنى، أوْ لِحَقِّ الآدَمِيِّ كالقِصاص، وأمَّا حُقوقُ الآدَمِيِّينَ؛ فتُستَوفَى كلُّها.

وإنْ كان القَتْلُ حَقًّا لله تعالى؛ اسْتُوفِيَت الحُقوقُ كلُّها مُتوالِيَةً؛ لأِنَّه لا بُدَّ من فَواتِ نَفْسِه، فلا فائدةَ في التَّأخير.

وإنْ كان القَتْلُ حقًّا لآِدَمِيٍّ؛ انتظرنا

(1)

باسْتِيفاءِ الثَّاني بُرْأَهُ من الأوَّل؛ لأِنَّ المُوالاةَ بَينَهما يَحتَمِلُ أنْ تُفَوِّتَ نَفْسَه قَبْلَ القِصاص، فيَفُوتُ حقُّ الآدَمِيِّ، ولأِنَّ العَفْوَ جائِزٌ، فيَحتَمِلُ بتأخِيرِه أنْ يَعْفُوَ الوليُّ فيَحْيَا.

الثالث: أنْ يَتَّفِقَ الحَقَّانِ في مَحَلٍّ واحِدٍ؛ كالقتل والقطع

(2)

قصاصًا؛ قُدِّمَ القِصاصُ على الرَّجْم في الزِّنى، ويُبدَأُ بالأَسْبَقِ من القتل في المحارَبة والقِصاص؛ لأِنَّ كلًّا مِنهُما حقُّ آدَمِيٍّ، وإنْ سَبَقَ القِصاصُ؛ قُتِلَ قِصاصًا ولم يُصْلَبْ، كما لَوْ ماتَ، ويَجِبُ لوليِّ المقْتولِ في المحارَبة دِيَتُه.

وإنْ مات القاتِلُ في المحارَبة

(3)

؛ وَجَبَت الدِّيَةُ في تَرِكَتِه، وقُدِّمَ القِصاصُ على الحدِّ المتمَحِّضِ في القَطْع، ولو تأخَّرَ سبَبُه، فإنْ عَفَا وليُّ الجِنايَة؛ اسْتُوفِيَ الحَدّ.

والقَطْعُ في المحارَبَة حَدٌّ مَحْضٌ، ولَيس بقِصاصٍ، والقَتْلُ يَتضمَّنُ القِصاصَ، ولهذا لو فاتَ القَتْلُ في المحارَبَة؛ وَجَبَت الدية

(4)

، ولو فات القَطْعُ؛ لم يَجِبْ له بدل

(5)

.

(فَإِذَا

(6)

زَنَى، وَشَرِبَ، وَقَذَفَ، وَقَطَعَ يَدًا؛ قُطِعَتْ يَدُهُ أَوَّلاً)؛ لأِنَّه

(1)

في (ن): انتظر.

(2)

في (م): كالقطع والقتل.

(3)

قوله: (في المحاربة) سقط من (م).

(4)

قوله: (في تركته وقدم القصاص على الحد المتمحض

) إلى هنا سقط من (ن).

(5)

في (م): بدله.

(6)

في (ن): وإذا.

ص: 438

محض

(1)

حقِّ آدَمِيٍّ، بدليلِ سُقوطِه بإسْقاطِه، (ثُمَّ حُدَّ لِلْقَذْفِ)؛ لأِنَّه مُختَلَفٌ في كَونِه لآِدَمِيٍّ، (ثُمَّ لِلشُّرْبِ)؛ لأِنَّه أَخَفُّ، (ثُمَّ لِلزِّنَى)؛ لأِنَّه أشدُّ الحُدودِ.

وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : إذا اجْتَمَعَ عليه قَتْلانِ بِرِدَّةٍ وقَوَدٍ، وقَطْعانِ بسرقة

(2)

وقَوَدٍ؛ قُطِعَ وقتل

(3)

لهما، وقِيلَ: للقود

(4)

خاصَّةً.

وفي «الشَّرح» : إذا سَرَقَ وقَتَلَ في المحارَبة، ولم يَأخُذِ المالَ؛ قُتِلَ حَتْمًا، ولم يُصلب

(5)

ولم تُقْطَعْ يَدُه.

(وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ

(6)

حَتَّى يَبْرَأَ مِنَ الذِي قَبْلَهُ)؛ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إلى تَلَفِه بتَوالِي الحُدودِ عليه

(7)

.

(1)

في (ظ): متمحض، وفي (ن): ممحض.

(2)

في (ن): فسرقة.

(3)

في (ن): وقيل.

(4)

في (م): القود.

(5)

في (م): ولم يغلب.

(6)

قوله: (حد) سقط من (م).

(7)

قوله: (عليه) سقط من (م)، وقوله: (ولا يستوفى حد

) إلى هنا سقط من (ن).

ص: 439

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ قَتَلَ)، أوْ جَرَحَ، (أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ

(1)

الْحَرَمِ)؛ أيْ: حَرَمِ مكَّةَ المشرَّفةِ؛ للنَّصِّ، وفي «التَّعليق» وَجْهٌ: أنَّ حَرَمَ المدينةِ كمَكَّةَ؛ لِمَا رَوَى مسلم

(2)

عن أبي سعيدٍ مرفوعًا، قال: «إنِّي حَرَّمْتُ المدينةَ ما بَينَ مَأْزِمَيها، ألاَّ يُهراق

(3)

فيها دَمٌ، ولا يُحمَلَ فيها سِلاحٌ لقتال»

(4)

، (ثُمَّ لَجَأَ إِلَيْهِ

(5)

؛ أي: إلى

(6)

الحَرَمِ؛ (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِيهِ) في ظاهِرِ المذْهَبِ، قال أبو بكرٍ: والعَمَلُ عليه.

وعَنْهُ: يُسْتَوفَى فيه

(7)

كلُّ شَيءٍ إلاَّ القَتْلَ؛ لقوله عليه السلام: «لا يُسفَكُ فيها دَمٌ»

(8)

، ولا شَكَّ أنَّ حُرمَةَ النَّفس أعْظَمُ، فلا يُقاسُ عليها غيرُها.

وقال بعضُ الأئمَّة: يُستَوفَى منه

(9)

الكلُّ؛ للعُمُومات، ولأِنَّه صلى الله عليه وسلم قَتَلَ ابنَ خَطَلٍ وهو مُتعلِّقٌ بأسْتارِ الكعبة

(10)

، ولأنَّه

(11)

حَيَوانٌ أُبِيحَ قَتْلُه لِعِصْيانه، أشْبَهَ الكَلْبَ العَقورَ.

(1)

في (ن): خرج.

(2)

قوله: (مسلم) سقط من (ن).

(3)

في (م): أن يهرق.

(4)

أخرجه مسلم (1374).

(5)

قوله: (إليه) سقط من (م).

(6)

قوله: (إلى) سقط من (ن).

(7)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(8)

أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354)، من حديث أبي شريح العدوي رضي الله عنه.

(9)

في (م): فيه.

(10)

سبق تخريجه 5/ 40 حاشية (1).

(11)

في (ن): لأنه.

ص: 440

وجَوابُه: قَولُه تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} [آل عِمرَان: 97]؛ أيْ: فأمِّنوه

(1)

؛ لأِنَّه خبرٌ أريد

(2)

به الأمْرُ، ولأِنَّه صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ سَفْكَ الدَّمِ بها، وقَولُه صلى الله عليه وسلم: «فإنْ

(3)

أحدٌ

(4)

تَرخَّص

(5)

بقتالِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم»

(6)

، يَدفَعُ ما احْتَجُّوا به مِنْ قَتْلِ ابنِ خَطَلٍ، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ أعْدَى النَّاسِ على الله؛ مَنْ قَتَلَ في الحَرَمِ» رواه أحمدُ مِنْ حديثِ عبدِ الله بن عمروٍ

(7)

وأبي شُرَيحٍ

(8)

، وقال ابنُ عمرَ: «لو وَجَدتُ قاتِلَ عمرَ في الحَرَم ما هِجْتُه

(9)

» رواه أحمدُ

(10)

.

وكذا إذا لجأ

(11)

إليه حربيٌّ أوْ مُرتَدٌّ؛ لم يَجُزْ أخْذُه به فيه؛ كحيوان

(12)

(1)

في (ن): أمنوه.

(2)

قوله: (أريد) سقط من (م).

(3)

في (ن): فأي.

(4)

في (م): أخذ.

(5)

في (ن): يرخص.

(6)

أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354).

(7)

في (م): عمر.

أخرجه ابن أبي شيبة (36904)، وأحمد (6681)، من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، وإسناده لا بأس به، فإن حسينًا المعلم ثقة ربما وهم، وسلسلة عمرو بن شعيب سلسلة حسنة مشهورة، وقال الهيثمي:(رواه أحمد، ورجاله ثقات).

(8)

أخرجه البخاري (104)، ومسلم (1354).

(9)

في (م): ما سحته.

(10)

أخرجه الطبري في التفسير (5/ 604)، والطحاوي في شرح المشكل (9/ 378)، من طريق حجاج، عن عطاء، عن ابن عمر رضي الله عنهما، وحجاج هو ابن أرطاة وهو كثير الخطأ والتدليس، وأخرجه عبد الرزاق (9229)، والأزرقي في أخبار مكة (2/ 139)، وابن حزم في المحلى (5/ 301)، عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير: قال ابن عمر: «لو وجدت فيه قاتل عمر ما ندهته» ، وإسناده قوي، ونفى ابن معين سماع أبي الزبير عن ابن عمر، وهو في صحيح مسلم (1471). ينظر: زاد المسافر 4/ 424، جامع التحصيل ص 269، تهذيب التهذيب 9/ 441.

(11)

في (م): جاء.

(12)

في (م): لحيوان.

ص: 441

صائلٍ، ذَكَرَه المؤلِّفُ.

(وَلَكِنْ لَا يُبَايَعُ، وَلَا

(1)

يُشَارَى)؛ لقولِ ابنِ عبَّاسٍ

(2)

، وفي «المستوعب» و «الرِّعاية»: ولا يُكلَّمُ، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(3)

، زاد في «الرّوضة»: ولا يُؤاكل

(4)

ولا يُشارَبُ؛ لأِنَّه لو أُطْعِمَ أوْ أُووِيَ

(5)

؛ لَتَمَكَّنَ من الإقامة دائمًا، فيضيع

(6)

الحقُّ.

(حَتَّى يَخْرُجَ، فَيُقَامَ

(7)

عَلَيْهِ)؛ لقولِ ابنِ عبَّاسٍ في الذي يُصِيبُ حَدًّا ثُمَّ يَلجَأُ إلى الحَرَمِ: «يُقام

(8)

عليه الحدُّ

(9)

إذا خَرَجَ من الحَرَم»، حكاهُ أحمدُ، نقله

(10)

الأثْرَمُ

(11)

، ورُوِيَ عن عمرَ

(12)

(1)

قوله: (يبايع ولا) سقط من (م).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (9226، 17306)، ومن طريقه ابن المنذر في التفسير (1/ 305)، والبيهقي في الكبرى (18787)، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«من قتل أو سرق في الحل، ثم دخل في الحرم، فإنه لا يجالس، ولا يكلم، ولا يؤوى، ولكنه يناشد حتى يخرج، فيقام عليه ما أصاب .... وإن قتل في الحرم أو سرق؛ أقيم عليه في الحرم» ، وإسناده صحيح.

(3)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 271.

(4)

في (ن): ولا يؤكل.

(5)

في (م): وأوي.

(6)

في (ن): فيضع.

(7)

في (م): فتقام.

(8)

في (م): تقام.

(9)

في (م): الحدود.

(10)

في (م): نقل.

(11)

ينظر: زاد المسافر 4/ 424. وتقدم قريبًا أثر ابن عباس رضي الله عنهما.

(12)

أخرجه عبد الرزاق (9228)، ومن طريقه ابن المنذر في التفسير (1/ 304)، وابن حزم في المحلى (11/ 144)، عن ابن جريج قال: سمعت ابن أبي حسين يحدث عن عكرمة بن خالد قال: قال عمر رضي الله عنه: «لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه» ، وعكرمة بن خالد لم يسمع عمر، قاله أحمد، قال ابن التركماني:(ورجال هذا السند على شرط الصحيح وفي اتصاله نظر). ينظر: الجوهر النقي 9/ 214، جامع التحصيل ص 239.

ص: 442

وابنِ الزُّبَيرِ

(1)

، قال الزهري

(2)

: (مَنْ قَتَلَ في الحِلِّ ثُمَّ دخل

(3)

الحرَمَ؛ أُخْرِجَ إلى الحِلِّ فيُقتَلُ فيه، ومَنْ قَتَلَ في الحَرَم قُتِلَ فيه، وهذا هو السُّنَّةُ)

(4)

، والآدَمِيُّ حُرْمَتُه عظيمةٌ، وإنَّما أُبِيحَ قَتْلُه لِعارِضٍ، أشْبَهَ الصَّائلَ من الحيوانات المباحةِ، فإنَّ الحَرَمَ لا يَعصِمُها.

فلو اسْتَوْفَى مَنْ له الحقُّ فيه؛ أساء ولا شَيءَ عليه.

فرعٌ: ذَكَرَ جماعةٌ أنَّ مَنْ أتى حَدًّا، ثُمَّ لَجَأَ إلى داره؛ فهو كالحَرَم، وحِينَئِذٍ لا يُخرَجُ منها

(5)

، بل يُضَيَّقُ عليه حتَّى يَخرُجَ، فيُقامُ عليه.

(وَإِنْ

(6)

فَعَلَ ذَلِكَ فِي الْحَرَمِ؛ اسْتُوفِيَ مِنْهُ فِيهِ)، بغيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(7)

، رَوَى الأَثْرَمُ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه

(8)

قال: «مَنْ أحْدَثَ حَدَثًا في الحَرَم؛ أُقِيمَ عليه ما أحْدَثَ فيه»

(9)

، ولقوله تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ

} الآية

(1)

أخرجه الفاكهي في أخبار مكة (2208)، من طريق اليمان بن المغيرة، عن عطاء بن أبي رباح، قال:«شهدت ابن الزبير رضي الله عنهما أُتي بسبعة أُخذوا في لواط، فقامت عليهم البينة، أربعة منهم أن قد أحصنوا بالنساء، فأمر رضي الله عنه بالثلاثة فجلدوا، وأمر بالأربعة فأخرجوا من الحرم فرضخوا بالحجارة، وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم في المسجد» ، وسنده ضعيف فيه: اليمان بن المغيرة العنزي البصري وهو ضعيف منكر الحديث، قال ابن حبان:(يروي عن عطاء أشياء لا يتابع عليها). ينظر: تهذيب التهذيب 11/ 407.

(2)

في (ن): ابن الزبير.

(3)

زيد في (م): في.

(4)

أخرجه عبد الرزاق 9/ 303.

(5)

قوله: (منها) سقط من (م).

(6)

زيد في (م): حل.

(7)

ينظر: الاستذكار 8/ 256، المغني 9/ 103.

(8)

قوله: (أنه) سقط من (ن).

(9)

أخرجه الطبري في التفسير (5/ 604)، من طريق حجاج، عن عطاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ:«ومن أحدث في الحرم حدثًا أُقيم عليه الحد» ، وحجاج بن أرطاة صدوق كثير الأوهام والتدليس لكنه جاء من وجه آخر يتقوى به، وأخرجه سعيد بن منصور كما عند الطحاوي في المشكل (9/ 377)، من طريق عبد الملك، عن عطاء به، وعبد الملك هو العرزمي وهو صدوق له أوهام، وتقدم تخريج نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما، فالأثر جيد.

ص: 443

[البَقَرَة: 191]، فأباح

(1)

قَتْلَهم عِنْدَ قتالهم في الحرم، ولأِنَّ أهلَ الحَرَم يَحتاجُونَ إلى الزَّجْر عن ارتكابِ المعاصي؛ حِفْظًا لأِنفسهم وأموالِهم وأعْراضِهم، ولو لم يُشرَع الحَدُّ فيه؛ لَتَعَطَّلَت الحدودُ في حقِّهم، وفاتت المصالِحُ التي لا بُدَّ منها.

تذنيبٌ: إذا قُوتِلُوا في الحَرَم؛ دَفَعُوا عن أنفسهم فقطْ؛ لقوله تعالى: (ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام)، قُرِئَ بهما

(2)

، واسْتِدْلالُهم بالخبرِ المشْهُورِ، صحَّحه ابن الجَوزِيِّ في «تفسيره»

(3)

، وقالَهُ الماوَرْدِيُّ

(4)

، وذكر

(5)

ابن الجَوزِيِّ أنَّ مُجاهِدًا وغَيرَه قالوا: الآيةُ مُحْكَمَةٌ.

وفي «التَّمهيد»

(6)

: أنَّها نُسِخَتْ بقوله تعالى: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التّوبَة: 5]، وفي «الأحْكام السُّلْطانيَّة»

(7)

: تُقاتَلُ البُغاة

(8)

إذا لم

(1)

في (م): حتى أنه لا يباح.

(2)

قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: {ولا تقتلوهم} بالألف، وقرأ حمزة والكسائي:(ولا تقتلوهم). ينظر: السبعة في القراءات ص 179، الحجة للقراء السبعة 2/ 284.

(3)

ينظر: زاد المسير 1/ 155. والمراد بالخبر حديث أبي هريرة رضي الله عنه: «وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولم تحل لأحد بعدي، ألا وإنها حلت لي ساعة من نهار»، أخرجه البخاري (112)، ومسلم (1355).

(4)

ينظر: تفسير الماوردي 1/ 252.

(5)

قوله: (وقاله الماوردي وذكر) في (م): وقال.

(6)

ينظر: التمهيد في أصول الفقه لأبي الخطاب 2/ 381.

(7)

ينظر: الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 193.

(8)

في (ن): يقاتل العصاة.

ص: 444

يَنْدَفِعْ بَغْيُهم إلاَّ به؛ لأِنَّه مِنْ حقوقِ الله، وحِفْظُها في حَرَمِه أَوْلى مِنْ إِضاعَتِها، وذَكَرَ الماوردي عن جمهور الفقهاء

(1)

، ونَصَّ عليه الشَّافِعِيِّ

(2)

، وحَمَلَ الخَبَرَ على ما يعمُّ

(3)

إتْلافُه كالمنجنيق

(4)

إذا أمْكَنَ إصْلاحٌ بِدُونِ ذلك.

وذَكَرَ أبو بكرِ ابنُ العربي

(5)

: لو تَغلَّب

(6)

فيها كفَّارٌ أوْ بُغاةٌ؛ وجب

(7)

قِتالُهم بالإجْماع

(8)

.

وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إنْ تَعَدَّى أهلُ مكَّةَ على الرَّكْب؛ دَفَعَ الرَّكْبُ؛ كما يُدفَعُ الصَّائلُ، وللإنسان أنْ يَدفَعَ مع الرَّكْب، بل يَجِبُ إنِ احْتِيجَ إلَيهِ

(9)

.

(وَمَنْ أَتَى حَدًّا فِي الغَزْوِ

(10)

، وفي «المُغْنِي» و «الشَّرح»: أوْ ما يُوجِبُ قِصاصًا؛ (لَمْ يُسْتَوْفَ مِنْهُ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ)؛ لأِنَّه ربَّما يحمِلُه

(11)

الغَضَبُ على أنْ يَدخُلَ - والعِياذُ بالله تَعَالَى - في الكُفْر، (حَتَّى يَرْجِعَ إِلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، فَيُقَامَ عَلَيْهِ)، وقاله

(12)

الأَوْزاعِيُّ وإسْحاقُ، قال أحمدُ: لا تُقامُ الحُدودُ

(1)

ينظر: الأحكام السلطانية للماوردي ص 251.

(2)

ينظر: الأم 4/ 309.

(3)

في (م): وحمل الجد على ما يقيم.

(4)

في (م): كالمنجف.

(5)

في (م): وذكر أبو رزين العراقي.

(6)

في (ن): يغلب.

(7)

في (م): وجلب.

(8)

عزاه القاضي عياض في الشفا 1/ 377 لابن العربي في العارضة، ولم نقف عليه في المطبوع منه، وممن نقل الإجماع أيضًا: الطحاوي في معاني الآثار 2/ 261، وابن حزم في المحلى 11/ 331.

(9)

ينظر: الفروع 10/ 46.

(10)

في (م): العدو.

(11)

في (ن): تحمله.

(12)

في (م): وقال.

ص: 445

بأرْضِ العَدُوِّ

(1)

، ونقل

(2)

صالِحٌ وابنُ مَنصورٍ: إن

(3)

زَنَى الأسيرُ، أوْ قَتَلَ مُسلِمًا؛ ما أعْلَمُه إلاَّ أنْ يُقامَ عَلَيهِ الحَدُّ إذا رَجَعَ

(4)

؛ لِمَا رَوَى بُسْرُ

(5)

بنُ أرْطَاة: أنَّه أُتِيَ برجلٍ في

(6)

الغَزاةِ قد سَرَقَ، فقال: لولا أنِّي سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول

(7)

: «لا تُقْطَعُ الأَيْدِي في الغَزاةِ» ؛ لَقَطَعْتُكَ، رواه أبو داودَ وغَيرُه

(8)

، وهو

(9)

إجماعُ الصَّحابة، وأنَّه

(10)

إذا رَجَعَ أُقِيمَ عليه الحَدُّ في دارنا؛ لِعُمومِ الآيات والأخبار، فإنَّ

(11)

تأخيرَه لِعارِضٍ من

(12)

مَرَضٍ أوْ شُغْلٍ جائزٌ، فإذا زال؛ أُقِيمَ عليه لوُجودِ المُقْتَضِي السَّالِمِ عن المُعارِضِ.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 48.

(2)

قوله: (ونقل) في (ظ): في نقل.

(3)

في (م): وإن.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 3858، الفروع 10/ 48.

(5)

في (ن): بشر. قال ابن حجر في تبصير المنتبه 1/ 85: (بالمهملة وضم أوله).

(6)

في (ن): من.

(7)

قوله: (يقول) مكانه بياض في (م).

(8)

أخرجه أبو داود (4408)، والنسائي (4979)، والبيهقي في الكبرى (18223)، بإسناد رجاله ثقات، وبسر بن أرطاة - ورجح البخاريُّ وابن حبان أنه ابن أبي أرطاة -مختلف في صحبته، أثبت صحبته ابن يونس والدارقطني، ونفاه غيرهما، ونقل البيهقي عن ابن معين أنه قال:(أهل المدينة ينكرون سماعه)، وأخرجه من وجه آخر أحمد (17626)، والترمذي (1450)، وفيه ابن لهيعة، لكن يقويه ما قبله، وقال الترمذي:(حديث غريب)، وقال ابن عدي:(ولا أرى بإسناد هذين بأسًا)، وقوَّى إسناده ابن حجر. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 233، الكامل لابن عدي 2/ 155، تهذيب التهذيب 1/ 435، الإصابة 1/ 422.

(9)

في (م): وهما.

(10)

في (ظ) و (م): ولأنه.

(11)

زيد في (م): كان.

(12)

في (م): أو.

ص: 446

مسألةٌ: تُقامُ الحُدودُ في الثُّغور بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه

(1)

؛ لأِنَّها مِنْ بلادِ الإسلام، والحاجةُ داعِيَةٌ إلى زَجْرِ أهلها كالحاجة إلى زَجْرِ غَيرِهم، وقد كَتَبَ عمرُ رضي الله عنه إلى أبي عُبَيدةَ: أنْ يَجْلِدَ مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ ثَمانِينَ، وهو بالشَّام بالثُّغور

(2)

. واللهُ أعلم

(3)

.

(1)

ينظر: المغني 9/ 310.

(2)

أخرجه الطبري في التاريخ (4/ 96)، وابن عساكر في التاريخ (24/ 389)، في خبر طويل، أن أبا عبيدة رضي الله عنه كتب إلى عمر رضي الله عنه: إن نفرًا من المسلمين أصابوا الشراب، منهم ضرار وأبو جندل، فسألناهم، فتأولوا. وفيه: فكتب عمر إلى أبي عبيدة: «أن ادعهم، فإن زعموا أنها حلال فاقتلهم، وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين» . وفي سنده سيف بن عمر الإخباري، وهو ضعيف جدًّا.

(3)

قوله: (والله أعلم) سقط من (م).

ص: 447

(بَابُ حَدِّ الزِّنَى)

وهو: فِعْلُ الفاحشة في

(1)

قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ، وهو من أكبرِ الكبائر؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وسَاءَ سَبِيلاً (32)} [الإسرَاء: 32]

(2)

، {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ

(68)} الآيةَ [الفُرقان: 68]، ولِمَا رَوَى ابنُ مسعود

(3)

قال: سألتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ؟ قال: «أنْ تَجعَلَ لله نِدًّا وهو خَلَقَكَ» ، قال

(4)

: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تَقتُلَ وَلَدَكَ مَخافَةَ أنْ يَطْعَمَ مَعَكَ» ، قال

(5)

: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: «أنْ تُزانِيَ حليلةَ جارِكَ» مُتَّفِقٌ عَلَيهِ

(6)

.

وكان حَدُّه في ابتداء

(7)

الإسلام: الحَبْس في البيت، والأَذَى بالكلام؛ لقوله تعالى: {وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ

(15)} الآية [النِّسَاء: 15]، والمراد به

(8)

: الثيب

(9)

؛ لأِنَّ قَولَه تعالى: {مِنْ نِسَائِكُمْ} إضافةُ زَوجِيَّةٍ؛ لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]، ولا فائدةَ في الإضافة هنا إلا اعتبار الثُّيُوبَة، وقد ذَكَرَ عُقُوبَتَينِ، إحْداهُما أغْلَظُ من الأخرى، فأثْبَتَ الأغْلَظَ للثَّيِّب والأخرى للبِكْر، ثُمَّ نُسِخَ بما رواهُ مُسلِمٌ مِنْ حديثِ عُبادَةَ مَرفوعًا: «خُذُوا عنِّي، خُذُوا عني

(10)

:

(1)

في (م): من.

(2)

زيد في جميع النسخ الخطية في الآية: ومقتًا.

(3)

في (م): عباس.

(4)

في (م): قلت، وقوله:(قال) سقط من (ن).

(5)

في (م): قلت.

(6)

أخرجه البخاري (4477)، ومسلم (86).

(7)

قوله: (ابتداء) سقط من (م).

(8)

قوله: (به) سقط من (ظ).

(9)

في (ن): البيت.

(10)

قوله: (خذوا عني) سقط من (م).

ص: 448

البِكْرُ بالبكر

(1)

جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْريبُ عامٍ، والثِّيِّبُ بالثيب

(2)

جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجم»

(3)

.

ونَسْخُ القُرآنِ بالسُّنَّة جائزٌ، ومَنَ مَنَعَ قال: لَيسَ هذا نَسْخًا، إنَّما هو تفسيرٌ وتَبْيِينٌ له.

ويُمكِنُ أنْ يُقالَ: نَسْخُه حَصَلَ بالقرآن، فإنَّ الجَلْدَ في كِتابِ الله، والرَّجْمَ كان فيه، فنُسِخَ رَسْمُه وبَقِيَ حُكمُه، قاله في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(إِذَا زَنَى الْحُرُّ الْمَحْصَنُ)، فإنَّه

(4)

لا يَجِبُ الرَّجْمُ إلا

(5)

عَلَيهِ باتفاق

(6)

؛ (فَحَدُّهُ الرَّجْمُ حَتَّى يَمُوتَ)، وهو قَولُ عامَّتِهم، وحَكاهُ ابنُ حَزْمٍ إجْماعًا، وقد ثَبَتَ أنَّه صلى الله عليه وسلم رَجَمَ بقَولِه وفعله

(7)

في أخبار تُشبه

(8)

التَّواتُرَ

(9)

.

وقد أنزله

(10)

الله تعالى في كتابه، ثُمَّ نُسِخَ رَسْمُه وبَقِيَ حُكْمُه؛ لقَولِ عمرَ: «كان فيما أنْزَلَ اللهُ: آيةُ الرَّجم

» الخبر، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(11)

.

فإنْ قِيلَ: لو كانَتْ في المُصْحَف لَاجْتَمَعَ العَمَلُ بحُكْمِها وثَوابِ تِلاوَتِها.

قال ابنُ الجَوزِيِّ: أجابَ ابنُ عَقِيلٍ، فقال: إنَّما كان ذلك ليظهر

(12)

به

(1)

قوله: (بالبكر) سقط من (م).

(2)

قوله: (الثيب) مكانه بياض في (م).

(3)

أخرجه مسلم (1690).

(4)

في (ظ) و (ن): وأنه.

(5)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 118، مراتب الإجماع ص 129.

(7)

في (م): وفي.

(8)

في (م): يشبه.

(9)

كما في حديث ماعز والغامدية وغيرهما وقد سبقت مرارًا.

(10)

في (م): أنزل.

(11)

أخرجه البخاري (6830)، ومسلم (1691).

(12)

في (ن): لتظهر.

ص: 449

مِقْدارُ طاعةِ هذه الأمَّة في المسارَعةِ إلى بَذْلِ النُّفوس بطَريقِ الظَّنِّ من

(1)

غَيرِ استقصاءٍ لطلبِ

(2)

طريقٍ مقطوع به؛ كما سارَعَ الخَلِيلُ عليه السلام إلى

(3)

ذَبْحِ وَلَدِه بمَنامٍ، وهو أدْنَى طُرُقِ الوَحْيِ وأقَلُّها.

قَولُه: (فحَدُّه الرَّجْمُ حتَّى يَمُوتَ)؛ أيْ: يُرجَمُ بالحجارة وغيرِها، قال في «البلغة»: ولْتَكُن الحِجارةُ مُتَوَسِّطةً كالكفَّية، قال ابنُ المنْذِر: أجْمَعَ أهلُ العلم على أنَّ المرْجُومَ يُدامُ عَلَيهِ الرَّجْمُ حتَّى يَمُوتَ

(4)

.

(وَهَلْ يُجْلَدُ قَبْلَ الرَّجْمِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحْداهُما: يُجلَدُ ثُمَّ يُرْجَمُ، قال ابنُ هُبَيرَةَ: هي أظْهَرُ وأثْبَتُ، اخْتارَها الخِرَقِيُّ والقاضِي وجماعةٌ، قال أبو يَعْلَى الصَّغيرُ: اختارها شُيُوخُ المذْهَبِ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وهي قَولُ ابنِ عبَّاسٍ

(5)

وأُبَيِّ بنِ كَعْبِ

(6)

؛ لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي

(2)} الآيةَ [النُّور: 2]، ولهذا قال عليٌّ: «جلدتُها

(7)

بكتابِ الله، ورجمتُها

(8)

بسُنَّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم» رواه البُخارِيُّ، ولحديثِ

(1)

في (م): في.

(2)

في (ظ) و (م): استقضاء الطلب.

(3)

في (م): أرى.

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 118.

(5)

أخرجه الطبري في التفسير (6/ 494)، عن محمد بن سعد، حدثني أبي، حدثني عمي، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله:{أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} : «فقد جعل الله لهن، وهو الجلد والرجم» ، وإسناده ضعيف، محمد بن سعد هو العوفي، وهي نسخة مشهورة مسلسلة بالضعفاء.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (13356)، عن ابن التيمي، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عامر الشعبي قال: قال علي رضي الله عنه في الثيب: «أجلدها بالقرآن، وأرجمها بالسنة» . قال: وقال أبي بن كعب رضي الله عنه مثل ذلك.

(7)

في (م): جلدها.

(8)

في (م): ورجمها.

ص: 450

عُبادَةَ

(1)

، وهذا صريحٌ، فلا يُترَكُ إلاَّ بِمِثْلِه، وله أنْ يُوالِيَ بَينَ الجَلْد والرَّجْم.

والثَّانيةُ: يُرجم

(2)

فقطْ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، ونقله

(3)

الأكثرُ

(4)

، واختاره

(5)

الأثْرَمُ، والجُوزَجانيُّ، وابنُ حامِدٍ، وأبو الخَطَّاب، وهو وِفاقٌ

(6)

، ورُوِيَ عن عمرَ

(7)

وعُثْمانَ

(8)

؛ لأِنَّه عليه السلام رَجَمَ ماعِزًا والغامِدِيَّةَ

(1)

حديث عليٍّ رضي الله عنه: أخرجه البخاري (6812)، عن علي رضي الله عنه حين رجم المرأة يوم الجمعة، وقال:«قد رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم» ، ولم يذكر الجلد، وأخرجه بهذا اللفظ أحمد (1185)، وحديث عبادة رضي الله عنه أخرجه مسلم (1690).

(2)

في (ظ): ترجم.

(3)

في (ن): وفعله.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3462، مسائل صالح 3/ 119.

(5)

في (ن): اختاره.

(6)

ينظر: الأصل للشيباني 7/ 145، المعونة 1/ 1273، البيان 12/ 349، المغني 9/ 35.

(7)

لعل المراد ما أخرجه مالك (2/ 823)، ومن طريقه الطحاوي في شرح المعاني (4855)، عن أبي واقد الليثي:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أتاه رجل وهو بالشام فذكر له أنه وجد مع امرأته رجلاً، فبعث عمر بن الخطاب أبا واقد الليثي إلى امرأته يسألها عن ذلك، فأتاها وعندها نسوة حولها، فذكر لها الذي قال زوجها لعمر بن الخطاب، وأخبرها أنها لا تؤخذ بقوله، وجعل يلقنها أشباه ذلك لتنزع، فأبت أن تنزع، وتمت على الاعتراف، فأمر بها عمر فرجمت» ، وإسناده صحيح.

وقال ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 150: (ولم أره عن عمر صريحًا، وقد يجوز أن يكون عنى به حديث عمر المتقدم؛ فإنه لم يذكر فيه إلا الرجم)، وحديث عمر هو ما أخرجه البخاري (6829):«ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف» .

(8)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 825)، والبيهقي من طريقه في الكبرى (16961)، أنه بلغه أن عثمان بن عفان رضي الله عنه:«أُتي بامرأة قد ولدت في ستة أشهر فأمر بها أن ترجم. فقال له علي بن أبي طالب: ليس ذلك عليها، إن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، فالحمل يكون ستة أشهر فلا رجم عليها، فبعث عثمان بن عفان في أثرها فوجدها قد رجمت» ، وهذا بلاغ، لكن وصله ابن أبي حاتم في التفسير (18566)، والطبري في التفسير (20/ 657)، بإسناد صحيح.

ص: 451

ولم يَجلِدْهُما، وقال:«واغْدُ يا أُنَيْسُ إلى امْرأةِ هذا، فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها» ، ولم يأمُرْه بجَلْدِها

(1)

، وكان هذا آخِرَ الأَمْرَينِ مِنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يَقُولُ في حديثِ عُبادَةَ: (إنَّه أوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ، وإنَّ حديثَ ماعِزٍ بَعدَه، ولَيسَ فيه الجَلْدُ)

(2)

، ولأِنَّه حَدٌّ فيه قَتْلٌ، فلم يَجتَمِعْ معه

(3)

كالرِّدَّةِ.

(وَالْمُحْصَنُ: مَنْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي قُبُلِهَا، فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، وَهُمَا بَالِغَانِ، عَاقِلَانِ، حُرَّانِ)، أَقُولُ: يُشتَرَطُ للإحْصانِ شُرُوطٌ:

أحدُها: الوَطْءُ في القُبُلِ، ولا

(4)

بُدَّ مِنْ تَغْيِيبِ الحَشَفَةِ في الفرج، فلو وُجِدَ النِّكاحُ مِنْ غَيرِ وَطْءٍ، أوْ وَطِئَ دُونَ الفَرْج، أوْ في الدُّبر

(5)

؛ لم يَحصُلْ ذلك

(6)

؛ لأِنَّها لا

(7)

تَصِيرُ ثَيِّبًا، ولا تخرج

(8)

عن حَدِّ الأَبْكارِ.

الثاني

(9)

: أنْ يكون

(10)

في نكاحٍ؛ لأِنَّ النِّكاحَ يُسَمَّى إحْصانًا؛ لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النِّسَاء: 24]؛ يَعْنِي: المُزَوَّجات.

ولا خِلافَ

(11)

أنَّ وَطْءَ الزِّنى والشُّبْهة لا يَصِيرُ به الواطئ

(12)

مُحصَنًا،

(1)

أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697).

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 330.

(3)

في (ظ): فيه.

(4)

في (م): فلا.

(5)

في (ن): دبر.

(6)

في (م): لك.

(7)

قوله: (لا) سقط من (م).

(8)

في (ظ) و (م): ولا يخرج.

(9)

في (م): والثاني.

(10)

في (ظ) و (م): تكون.

(11)

ينظر: المحلى 12/ 179، المغني 9/ 38.

(12)

في (م): الوطء.

ص: 452

وأنَّ التَّسَرِّيَ لا يَحصُلُ به الإحْصانُ لِواحِدٍ منهما؛ لأِنَّه لَيسَ بنِكاحٍ، ولا يثبت

(1)

له أحْكامه.

الثَّالِثُ: أنْ يكُونَ صحيحًا، وهو قَولُ أكْثرِهم.

الرَّابِعُ: البُلوغُ والعَقْلُ في قَولِ الجَماهِيرِ، فلو وَطِئَ وهو صبيٌّ أوْ مَجْنونٌ، ثُمَّ بَلَغَ أوْ عَقَلَ؛ لم يكُنْ مُحصنًا؛ لقوله عليه السلام:«الثَّيِّبُ بالثَّيِّب جَلْدُ مِائَةٍ»

(2)

، فاعْتَبَرَ الثيوبة

(3)

خاصَّةً، ولو كانَتْ تَحصُلُ قَبْلَه؛ لَكَانَ عَلَيهِ الرَّجْمُ قَبْلَ بُلوغه وعَقْلِه، وهو خِلافُ الإجْماع.

الخامِسُ: الحُرِّيَّةُ في قَولِ الجميع، إلاَّ أبا ثَورٍ؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النِّسَاء: 25]، والرَّجْمُ لا يَتَنَصَّفُ، وإيجابه

(4)

كلِّه يُخالِفُ النَّصَّ مع مُخالَفَةِ الإجْماع.

وعلى كلِّ حالٍ؛ فلا بُدَّ أنْ يُوجَدَ الكَمالُ فيهما

(5)

جميعًا حالَ الوَطْءِ، فَيَطَأُ الرَّجُلُ البالِغُ العاقِلُ الحُرُّ امرأةً عاقِلةً حُرَّةً، وهو قَولُ عطاء

(6)

، والحَسَنِ، وابنِ سِيرِينَ.

وذَكَرَ القاضي: أنَّ أحمدَ نَصَّ أنَّه لا يَحصُلُ إحْصانٌ بِوَطْئِه في حَيضٍ، وصَومٍ، وإحْرامٍ، ونَحوِه.

وفي «الإرشاد» ، وهو وَجْهٌ في «المحرَّر»: يُحصِّنُ

(7)

مُراهِقٌ بالغةً

(8)

،

(1)

في (م): ولا تثبت.

(2)

أخرجه مسلم (1690).

(3)

في (م): التسوية.

(4)

في (م): لا يتعين وإيجاده.

(5)

في (م): منهما.

(6)

في (م): علي.

(7)

في (م): يخص.

(8)

في (م): بالغ.

ص: 453

ومُراهِقَةٌ بالغًا

(1)

، وذكره

(2)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين رِوايَةً

(3)

.

وفي «التَّرغيب» : إنْ كان أحدُهما صَبِيًّا، أوْ مَجْنونًا، أوْ رقيقًا؛ فلا إحْصانَ لواحِدٍ منهما على الأصحِّ، ونَقَلَه الجماعةُ

(4)

.

وجَوابُه: أنَّه وَطْءٌ لم يُحصِنْ أحدَ المتَواطِئَينِ، فلم يُحصِن الآخَرَ؛ كالتَّسَرِّي.

(فَإِنِ اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا

(5)

؛ فَلَا إِحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا)؛ لأِنَّ ما كان معلقًّا

(6)

على شُرُوطٍ لا يُوجَدُ بِدُونِها.

(وَلَا يَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِالْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ)، وهو التَّسَرِّي.

(وَلَا فِي

(7)

نِكَاحٍ فَاسِدٍ)، خِلافًا لْأَبِي ثَورٍ، وهو مَرْوِيٌّ عن اللَّيث والأَوْزاعِيِّ.

وجَوابُه: أنَّه وَطْءٌ في غَيرِ ملْكٍ، أشْبَهَ وَطْءَ الشُّبهةِ.

(وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ لِلْذِمِّيِّينَ

(8)

؛ لأِنَّ «اليهودَ جاؤُوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأةٍ ورَجُلٍ منهم قد زَنَيَا، فأَمَرَ بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرُجِمَا» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(9)

، ولأِنَّ الجِنايَةَ بالزِّنى اسْتَوَتْ بَينَ المسلِمِ والذِّمِّيِّ، فَوَجَبَ أنْ يَسْتَوِيَا في الحدِّ.

وكذا يثبت لمستأمِنينِ

(10)

.

(1)

في (م): بالغة.

(2)

في (ظ): وذكر.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 51.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 51.

(5)

قوله: (في أحدهما) سقط من (ظ).

(6)

قوله: (معلقًا) سقط من (ن).

(7)

في (م): من.

(8)

في (م): بالذميين.

(9)

أخرجه البخاري (1329)، ومسلم (1699)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما

(10)

في (م): بمستأمنين.

ص: 454

(وَهَلْ تُحْصِنُ الذِّمِّيَّةُ مُسْلِمًا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: تُحصِّنُه

(1)

، ولا يُشتَرَطُ الإسْلامُ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لحديثِ ابنِ عمرَ السَّابِقِ المتَّفَقِ عَلَيهِ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» .

والثَّانيةُ: لا تُحصِنُه؛ لأِنَّ الإحْصانَ مِنْ شَرْطِه الحُرِّيَّةُ، فكان مِنْ شَرْطِه الإسلامُ؛ كإحْصانِ القَذْفِ.

وجَوابُه: أنَّه لا يَصِحُّ القِياسُ بإحْصانِ القَذْفِ؛ لأِنَّ مِنْ شَرْطِه العِفَّةَ، ولَيسَتْ شَرْطًا هنا.

(وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ وَلَدٌ

(2)

مِنِ امْرَأَتِهِ، فَقَالَ: مَا وَطِئْتُهَا؛ لَمْ يَثْبُتْ إِحْصَانُهُ)، ولا يُرجَمُ إذا زَنَى؛ لأِنَّ الوَلَدَ يَلحَقُ بإمْكانِ الوَطْءِ واحْتِمالِه، والإحْصانُ لا يَثبُتُ إلاَّ بحقيقةِ الوَطْءِ، فلا يَلزَمُ مِنْ ثُبوتِ ما يُكتَفَى فيه بالإمْكانِ؛ وُجودُ ما تعتبر

(3)

فيه الحقيقةُ.

ويَثْبُتُ بقَولِه: وَطِئْتُها، أوْ جامعتها

(4)

، والأَشْهَرُ: أوْ دَخَلْتُ بها.

فرعٌ: إذا زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ؛ فلكلٍّ حَدُّه، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

.

(وَلَوْ زَنَى الحُرُّ غَيْرُ الْمُحْصَنِ؛ جُلِدَ مِائَةَ جَلْدَةٍ)، ولا يَجِبُ غَيرُه، نَقَلَه أبو الحارِث والميمُونيُّ

(6)

، قاله في «الانتصار» ؛ لقوله

(7)

تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي

(2)} الآية [النُّور: 2]، ولقوله عليه السلام: «البِكْرُ بالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وتَغْرِيبُ

(1)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(2)

قوله: (ولد) مكانه بياض في (م).

(3)

في (م) و (ن): يعتبر.

(4)

في (ن): وجامعتها.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 349.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 325، الفروع 10/ 51.

(7)

في (م): ولقوله.

ص: 455

عامٍ»

(1)

، وذلك وإنْ كان عامًّا فيَخرُجُ منه الرَّقِيقُ كما يَأْتِي، والمُحْصَنُ؛ كما

(2)

سَبَقَ، فيبقى

(3)

ما عَداهُ على مُقتَضاهُ، ولأِنَّ الخلفاء الرَّاشِدِينَ فَعَلُوا ذلك بالحُرِّ

(4)

غَيرِ المُحْصَنِ، وانْتَشَرَ ولم يُعرَفْ لهم مُخالِفٌ، فكان كالإجْماعِ

(5)

.

(وَيُغَرَّبُ

(6)

عَامًا) في قَولِ الجُمهور، (إِلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ)؛ لأِنَّ ما دُونَ ذلك في حُكْمِ الحَضَر، فإنْ عاد قَبْلَ الحَولِ؛ أُعِيدَ تَغْرِيبُه، ويُبنَى

(7)

على ما مَضَى.

ونَقَلَ الأَثْرَمُ

(8)

: أنَّه لا تشترط

(9)

مسافةُ القَصْر، بَلْ يُنْفَى مِنْ عَمَلِه إلى عَمَلِ غَيرِه.

فإن

(10)

زَنَى في البلد الذي غُرِّبَ إلَيهِ؛ غُرِّبَ منه إلى بلدٍ آخَرَ.

وظاهِرُه: أنَّ المرأةَ تُغرَّبُ إلى مَسافَةِ القَصْرِ؛ لِوُجُوبِه؛ كالدَّعْوَى.

(وَعَنْهُ: أَنَّ الْمَرْأَةَ تُنْفَى إِلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ)، قدَّمه في «المحرَّر» ،

(1)

أخرجه مسلم (1690).

(2)

في (ظ): لما.

(3)

في (م): ويبقى.

(4)

في (م): في الحر.

(5)

من ذلك ما أخرجه الترمذي (1438)، والنسائي في الكبرى (7302)، والبيهقي في الكبرى (16977)، من طريق عبد الله بن إدريس، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب وغرب، وأن أبا بكر ضرب وغرب، وأن عمر ضرب وغرب» ، واختلف فيه رفعًا ووقفًا، ووصلاً وإرسالاً، ورجح الترمذي والدارقطني وقفه، وصححه مرفوعًا ابن القطان والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 171، الإرواء 8/ 11.

(6)

في (ن): وتغريب.

(7)

في (م): وينبني.

(8)

ينظر: المغني 9/ 44.

(9)

في (ظ) و (م): لا يشترط.

(10)

في (ظ): وإن.

ص: 456

وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لِتَقْرُبَ مِنْ أهْلِها فيحفظونها

(1)

.

وعَنْهُ: تُغَرَّبُ إلى مَسافَةِ قَصْرٍ مع مَحرَمِها، ومع تعذُّرِه

(2)

إلى دُونِها.

(وَيَخْرُجُ مَعَهَا مَحْرَمُهَا)، وُجوبًا إِنْ تَيَسَّرَ؛ لأِنَّه سَفَرٌ واجبٌ

(3)

، أشْبَهَ سَفَرَ الْحَجِّ، والمرادُ: إذا

(4)

كان باذِلاً.

(فَإِنْ أَرَادَ أُجْرَةً؛ بَذَلَتْ مِنْ مَالِهَا)؛ لأِنَّ ذلك مِنْ مُؤْنَةِ سَفَرِها، أشْبَهَ الركوب

(5)

والنَّفَقةَ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ؛ فَمِنْ بَيْتِ

(6)

الْمَالِ)؛ لأِنَّ فيه مَصلَحةً، أشْبَهَ نَفَقَةَ نَفْسِها، وهذا قَولٌ

(7)

، ويُقَيَّدُ: بما إذا أمْكَنَ.

(فَإِنْ أَبَى الْخُرُوجَ مَعَهَا؛ اسْتُؤْجِرَتِ امْرأَةٌ ثِقَةٌ)، اخْتارَهُ جماعةٌ؛ لأِنَّه لا بُدَّ من شَخْصٍ يكُونُ مَعَهَا لأجل

(8)

حِفْظِها، وحِينَئِذٍ لم يكُنْ بُدٌّ مِنْ امرأةٍ ثِقَةٍ؛ لِيَحصُلَ المقْصودُ من الحِفْظ، وأُجْرَتُها على الخِلافِ.

(فَإِنْ تَعَذَّرَ؛ نُفِيَتْ

(9)

بِغَيْرِ مَحْرَمٍ)، قالَهُ إمامُنا والشَّافِعيُّ

(10)

؛ كسَفَرِ الهجرة والحجِّ إذا مات المحرَمُ في الطَّريق.

وفي «التَّرغيب» وغَيرِه: مع الأمْن.

(1)

في (م): فيقطعونها.

(2)

في (م): تغريبها.

(3)

في (م): وجب.

(4)

في (م): إن.

(5)

في (ظ): المركوب.

(6)

قوله: (فمن بيت) في (م): يثبت.

(7)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(8)

في (م): رجل لأن.

(9)

في (م): غربت.

(10)

ينظر: الأم 6/ 145، مسائل ابن منصور 7/ 3730.

ص: 457

وعَنْهُ: بِلا مَحرَمٍ، تعذَّر أوْ لا؛ لأِنَّه عُقوبةٌ، ذَكَرَه ابنُ شِهابٍ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ

(1)

يَسْقُطَ النَّفْيُ) عنها إذَنْ؛ كسُقوطِ سَفَرِ الحجِّ عنها، فكذا هُنا، قال المؤلِّفُ: وهذا الاِحْتِمالُ هو اللائقُ بالشَّريعة، فإنَّ نَفْيَها بغَيرِ مَحرَمٍ إغْراءٌ لها بالفُجور، وتعريضٌ لها بالفتنة.

لا يُقالُ: حديثُ التَّغريب عامٌّ؛ لأِنَّه يُخَصُّ بقَولِه عليه السلام: «لا يَحِلُّ لاِمرأةٍ تُؤمِنُ بالله واليومِ الآخِرِ أن

(2)

تُسافِرَ إلاَّ مَع ذِي مَحرْمٍ»

(3)

.

(وَإِنْ كَانَ الزَّانِي رَقِيقًا؛ فَحَدُّهُ خَمْسُونَ جَلْدَةً)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ وزَيدُ ابنُ خالِدٍ، قالا

(4)

: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الأَمَة إذا زَنَتْ ولم تُحصِنْ، فقال: «إذا زَنَتْ فاجْلِدُوها

» الخبرَ، مُتَّفَقٌ عليه

(5)

، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: «إذا تَعالَتْ مِنْ نِفاسِها فاجلِدْها

(6)

خَمْسِينَ» رواهُ عبدُ الله بنُ أحمدَ

(7)

، ورواهُ مالِكٌ عن عُمَرَ

(8)

.

(بِكُلِّ حَالٍ)، سَواءٌ كان مُزَوَّجًا أوْ غَيرَ مُزَوَّجٍ؛ للعُمومِ، وخَرَقَ أبو ثَورٍ

(1)

قوله: (ويحتمل أن) في (م): وقيل: إنه.

(2)

قوله: (أن) سقط من (م).

(3)

أخرجه البخاري (1088)، ومسلم (1339).

(4)

في (م): قال.

(5)

أخرجه البخاري (2153)، ومسلم (1704).

(6)

في (م): فاجلدوها.

(7)

أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائده (1142)، بهذا اللفظ، وسبق تخريجه 9/ 413 حاشية (3). بلفظ:«أقِيمُوا الحُدودَ على ما مَلَكَتْ» .

(8)

أخرجه مالك (2/ 827)، وعبد الرزاق (13608)، والبيهقي في الكبرى (17089)، عن يحيى بن سعيد، أن سليمان بن يسار أخبره، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال:«أمَّرني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة، خمسين خمسين في الزنى» ، إسناده قوي، ورجاله ثقات، وعبد الله بن عياش من كبار التابعين، وثقه العجلي، وذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلاً، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 12.

ص: 458

الإجْماعَ في إيجابِ الرَّجْم على المحْصَناتِ، كما خَرَقَ داودُ الإجْماعَ في تكميلِ الحَدِّ على العبد، وتَضْعيفِ حدِّ الأبْكارِ على المحْصَناتِ.

(وَلَا

(1)

يُغَرَّبُ

(2)

، ولا يُعَيَّرُ، نَصَّ عَلَيهِما

(3)

، وهو المشهورُ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَذكُرْهُ، ولو كان واجِبًا لَبَيَّنَه كغَيرِه؛ لأِنَّ تأخِيرَ البيان عن وَقْتِ الحاجة لا يَجُوزُ، ولأِنَّه مَشْغولٌ بخِدْمَةِ السَّيد

(4)

، وفي تَغرِيبِه

(5)

ضَياعٌ لها مِنْ غَيرِ جِنايَةٍ منه، بدليلِ سُقوطِ الجُمُعةِ.

ويَتَوَجَّهُ احْتِمالٌ: بالنَّفْيِ؛ لأِنَّ عمرَ نَفاهُ، رواه البُخارِيُّ

(6)

، قال في «كَشْفِ المُشْكِل»: يَحتَمِلُ قَولُه: نفاه؛ أيْ: أبْعَدَه مِنْ صُحْبَتِه

(7)

.

(وَإِنْ كَانَ

(8)

نِصْفُهُ حُرًّا؛ فَحَدُّهُ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ جَلْدَةً)؛ لأِنَّ أرْشَ جِراحِه على النِّصف من الحرِّ والنِّصف من العبد، فكذا حَدُّه، وفي الأوَّل خَمْسونَ، وفي الثَّانِي خَمْسٌ وعِشْرونَ، وفي «الفُروعِ» وغَيرِه: والمعْتَقُ بَعضُه بالحِسابِ، وهو أَوْلَى.

(وَتَغْرِيبُ نِصْفِ عَامٍ

(9)

، في المنصوص

(10)

؛ لأِنَّ الحرَّ تَغْريبُه عامٌ،

(1)

في (ظ): فلا.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3525، زاد المسافر 4/ 328

(4)

قوله: (السيد) سقط من (م).

(5)

زاد في (ظ) و (م): (لها).

(6)

أخرجه البخاري (6949)، من طريق نافع، أن صفية بنت أبي عبيد، أخبرته:«أن عبدًا من رقيق الإمارة وقع على وليدة من الخُمُس، فاستكرهها حتى اقتضها، فجلده عمر الحد ونفاه، ولم يجلد الوليدة من أجل أنه استكرهها» .

(7)

ينظر: كشف المشكل 1/ 128.

(8)

قوله: (كان) مكانه بياض في (م).

(9)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(10)

ينظر: المغني 9/ 45.

ص: 459

والعبدُ لا تَغرِيبَ عليه، فنصف الواجِب مِنْ التَّغْريب: نصفُ عامٍ، وإنْ كان بعضُه؛ فبالحساب كالحدِّ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ يُغَرَّبَ)؛ لأِنَّ حقَّ السَّيِّد بعضُه، فيقتضي

(1)

بَقاءَه في بلدٍ؛ لِيَتَمَكَّنَ من الاِنْتِفاعِ بحِصَّتِه، فغُلِّبَ حقُّه على التَّغريب؛ لِمَا في حقِّ السَّيِّد مِنْ التَّأكيدِ.

فرعٌ: إذا زَنَى عبدٌ ثُمَّ عَتَقَ؛ فعَلَيهِ حدُّ الرَّقيق.

وإنْ كانَ أحدُ الزَّانِيَيْنِ حُرًّا وَالآخَرُ رقيقًا؛ فعلى كلٍّ منهما حدُّه.

وإنْ زَنَى بَعْدَ العِتْقِ وقَبْلَ العِلْمِ به؛ فَعَلَيهِ حدُّ حُرٍّ.

وإنْ عَفَا السَّيِّدُ عنه؛ لم يَسقُطْ حَدُّه في قَولِ عامَّتِهم.

(وَحَدُّ اللُّوطِيِّ كَحَدِّ الزَّانِي سَوَاءً)، قدَّمه في «المحرَّر» و «المستوعب» و «الرعاية»

(2)

، وجزم به في «الوجيز»؛ لقوله عليه السلام:«إذا أتى الرَّجُلُ الرَّجُلَ؛ فهما زانِيانِ»

(3)

، ولأِنَّه زَنَى، فكان فاحِشةً؛ كالإيلاج في فَرْج المرأة.

فعلى هذا: إنْ كان مُحصَنًا؛ رُجِمَ، وإنْ كان غَيرَ مُحصَنٍ؛ جُلِدَ مِائَةً وغُرِّبَ عامًا، وإنْ كان عبدًا؛ جُلِدَ خمسينَ مِنْ غَيرِ تغريبٍ.

(وَعَنْهُ: حَدُّهُ

(4)

الرَّجْمُ بِكُلِّ حَالٍ)، بِكْرًا كان أوْ ثَيِّبًا، محصنًا

(5)

أوْ غَيرَه،

(1)

في (م): فيفضي.

(2)

قوله: («والرعاية») سقط من (م).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (4157)، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه مرفوعًا، وفيه: بشر بن الفضل البجلي؛ قال ابن حجر: (وهو مجهول)، وأخرجه البيهقي في الكبرى (17033)، من وجه آخر، لكن فيه: محمد بن عبد الرحمن القشيري، كذبه أبو حاتم وغيره، وقال البيهقي:(منكر بهذا الإسناد). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 159، الإرواء 8/ 16.

(4)

في (م): وجلده.

(5)

قوله: (محصنًا) سقط من (م).

ص: 460

وهي قَولُ عليٍّ

(1)

وابنِ عبَّاسٍ

(2)

وغَيرِهما، قال بعضُهم: وهي أظهر

(3)

الرِّوايَتَينِ، وصحَّحه ابنُ هُبَيرَةَ؛ لِمَا روى

(4)

ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَجَدْتُموهُ يَعمَلُ عَمَلَ قَومَ لُوطٍ؛ فَاقْتُلُوا الفاعِلَ وَالمفعول به

(5)

» رواه أحمدُ، وأبو داود، والتِّرمذِيٌّ، وإسْنادُه ثِقاتٌ

(6)

، وعن ابنِ عبَّاسٍ في البِكْر:«يُرجَمُ» رواه أبو داود

(7)

بإسْنادٍ جَيِّدٍ، واحْتَجَّ به أحمدُ

(8)

.

(1)

أخرجه البيهقي في الكبرى (17025)، من طريق شريك، وأخرجه ابن أبي شيبة (28339)، والبيهقي (17026)، من طريق ابن أبي ليلى، وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 193)، والبيهقي في الكبرى (17027) من طريق ابن أبي ذئب، ثلاثتهم عن القاسم بن الوليد، عن بعض قومه:«أن عليًّا رضي الله عنه رجم لوطيًّا» ، وهذه طرق يقوي بعضها بعضًا، والقاسم بن الوليد الهمداني وثقه ابن سعد وابن معين والعجلي، وقال الذهبي:(ثقة)، وهو يرويه عن يزيد بن قيس، كذا وقع مصرحًا به في طريق ابن أبي ليلى عند ابن أبي شيبة، وهو يزيد بن قيس الأرحبي وهو من ولاة علي رضي الله عنه وعماله قال ابن سعد في الطبقات 6/ 235:(كان قليل الحديث).

(2)

أخرجه عبد الرزاق (13491)، وابن أبي شيبة (28338)، وأبو داود (4463)، والنسائي في الكبرى (7298)، والبيهقي في الكبرى (17023)، أنَّ سعيد بن جبير ومجاهدًا، يحدثان عن ابن عباس، في البكر يوجد على اللوطية، قال:«يرجم» ، وإسناده صحيح.

(3)

في (م): أشهر.

(4)

زيد في (م): عن.

(5)

قوله: (به): سقط من (ن).

(6)

أخرجه أحمد (2732)، وأبو داود (4462)، والترمذي (1456)، وابن ماجه (2561)، وابن الجارود (820)، والدارقطني (3234)، والحاكم (8049)، من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا، وهذا الحديث رجاله موثقون إلا أنه اختلف فيه، وفي سنده: عمرو بن أبي عمرو، وهو ثقة ربما وهم، وروايته عن عكرمة فيها اضطراب وهذه منها، وهذا الحديث مما استنكره عليه الأئمة، منهم البخاري وابن معين وغيرهما، وصحح الحديث ابن الجارود والحاكم وابن عبد الهادي والألباني. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 236، المحرر (1148)، والإرواء 8/ 16.

(7)

قوله: (والترمذي وإسناده ثقات

) إلى هنا سقط من (ن).

(8)

سبق تخريجه قريبًا.

ص: 461

وبالجُملةِ: فالإجماعُ مُنعَقِدٌ على تحريمه، وقد عاب

(1)

اللهُ في كتابه وذَمَّ فاعِلَه، ولهذا قال أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ:«يُحرَقُ اللُّوطِيُّ» ، وهو قَولُ ابنِ الزُّبَيرِ

(2)

، وقال أبو بكرٍ: لو قُتِلَ بلا اسْتِتابَةٍ؛ لَمْ أرَ به بأْسًا، وأنَّه لمَّا كان مَقِيسًا على الزَّاني في الغُسْل؛ كذلك الحدُّ، وأنَّ الغسل قد يَجِبُ ولا حَدَّ؛ لأِنَّه يُدْرَأُ بالشُّبهات، بخِلافِ الغُسْلِ، فدلَّ أنَّه يَلزَمُ مِنْ نَفْيِ الغُسْلِ نفيُ

(3)

الحَدِّ وأولى

(4)

، ونَصَرَه ابنُ عَقِيلٍ؛ لأِنَّه أبعدُ مِنْ أحدِ فَرْجَي الخُنْثَى المُشْكِلِ؛ لِخُروجِه عن هَيئَة الفروج وأحْكامِها

(5)

.

(1)

في (م): عابه.

(2)

أثر أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أخرجه البيهقي في الكبرى (17028)، من طريق صفوان بن سليم: «أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنهما في خلافته، يذكر له أنه وجد رجلاً في بعض نواحي العرب يُنكح كما تنكح المرأة، وأن أبا بكر رضي الله عنه جمع الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن ذلك، فكان من أشدهم يومئذ قولاً علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: إن هذا ذنب لم تعص به أُمَّةٌ من الأمم إلا أمة واحدة، صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار، فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يحرقه بالنار، فكتب أبو بكر رضي الله عنه إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار

»، قال البيهقي:(هذا مرسل).

وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذم الملاهي (140)، والآجري في ذم اللواط (29)، والبيهقي في الشعب (5005) من طريق ابن المنكدر، عن خالد بن الوليد، فذكره وفي آخره، قال:«وقد حرَّقه ابن الزبير وهشام بن عبد الملك» . وأخرجه ابن حزم في المحلى (12/ 389) من طريق محمد بن المنكدر، وموسى بن عقبة وصفوان بن سليم: أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق فذكر نحوه، وذكر أثر ابن الزبير بعده. وهذه الطرق كلها منقطعة، قال ابن حزم لما ذكر طرقه:(فهذه كلها منقطعة ليس منهم أحد أدرك أبا بكر).

(3)

في (م): ففي.

(4)

في (م): أولى.

(5)

في (م): القروح.

ص: 462

مسائلُ:

يُعزَّرُ غَيرُ البالِغِ مِنْهُما.

ولا حَدَّ على مَنْ وَطِئَ زَوجَتَه أوْ مَمْلوكَتَه في دُبُرِها، بل يُعزَّرُ.

قال في «الفُروع» : ومملوكه

(1)

كأجنبيٍّ.

وفي «التَّرغيب» : ودُبُرِ أجْنَبِيَّةٍ كلوَاطِ، وقِيلَ: كزِنًى.

وزانٍ

(2)

بِذاتِ مَحرَمٍ كلواطٍ، ونَقَلَ جَماعةٌ: ويُؤخَذُ مالُه

(3)

؛ لِخَبَرِ البَراءِ

(4)

، وأوَّله

(5)

الأكثرُ على عَدَمِ وارِثٍ، وأوَّلَ جماعةٌ ضَرْبَ العُنُقِ فيه على ظنِّ الرَّاوِي، قال أحمدُ: يُقتَلُ ويُؤخَذُ مالُه على خَبَرِ البرَاءِ، إلاَّ رجلاً يَراهُ مُباحًا فيُجْلَدُ، قُلْتُ: فالمرأةُ؟ قال: كِلاهُما في

(6)

مَعْنًى واحِدٍ، يُقتَلُ

(7)

.

(1)

في (م): ومملوكته.

(2)

في (م): وزاد.

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 1/ 122، مسائل صالح 2/ 108، مسائل عبد الله ص 351.

(4)

أخرجه أحمد (18557)، وأبو داود (4457)، والترمذي (1362)، والنسائي (3332) وابن ماجه (2607)، وابن الجارود (681)، وابن حبان (4112)، والحاكم (2776)، من طريق عدي بن ثابت، عن البراء، قال: لقيت خالي ومعه الراية، فقلت: أين تريد؟ قال: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، أن أضرب عنقه، أو أقتله، وآخذ ماله» ، وفي سنده اختلاف كثير، قال الترمذي:(حسن غريب)، وله طريق صحيح أخرجه أحمد (18608)، وأبو داود (4456)، والدارقطني (3441)، من طريق أبي الجهم، عن البراء رضي الله عنه، وله شاهد عند ابن ماجه (2608)، من حديث معاوية بن قرة، عن أبيه، صححه البوصيري، وصحح الحديث أيضًا ابن الجارود وابن حبان والحاكم وابن حزم والألباني، وقال ابن القيم:(حديث محفوظ). ينظر: علل ابن أبي حاتم 3/ 718، المحلى 12/ 199، تهذيب السنن مع عون المعبود 12/ 95، زوائد ابن ماجه 3/ 116، الإرواء 8/ 18.

(5)

في (م): وله.

(6)

قوله: (في) سقط من (م).

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3673.

ص: 463

وقال أبو بكرٍ: هو مَحْمولٌ عِنْدَ أحمدَ على المسْتَحِلِّ، وإنَّ غَيرَ المسْتَحِلِّ؛ كَزَانٍ.

(وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً

(1)

، ولو سَمَكَةً؛ (فَعَلَيْهِ حَدُّ اللُّوطِي

(2)

عِنْدَ الْقَاضِي)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ وَقَعَ على بهيمةٍ فاقْتُلُوهُ، واقْتُلُوا البَهِيمةَ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ

(3)

.

(وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ)، والأكثرُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وهو

(4)

قَولُ ابنِ عبَّاسٍ

(5)

وعَطاءٍ: (أَنَّهُ يُعَزَّرُ

(6)

، وهو المشهورُ؛ لأِنَّه لم يَصِحَّ فيه نَصٌّ، ولا

(7)

يُمكِنُ قِياسُه على الوَطْءِ في فَرْجِ الآدَمِيِّ؛ لأِنَّه لا حُرمةَ له

(8)

، والنُّفوسُ تَعافُه، ويُبالَغُ في تَعْزيرِه؛ لِعَدَمِ الشُّبهةِ له فيه؛ كَوَطْءِ الميتة، وقال

(1)

في (م): البهيمة.

(2)

في (م): اللواطي.

(3)

أخرجه أحمد (2420)، وأبو داود (4464)، والترمذي (1455)، والنسائي في الكبرى (7300)، والحاكم (8049)، من طريق عمرو بن أبي عمرو، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا:«من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه» ، فقيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال: «ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئًا، ولكن أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم كره أن يؤكل من لحمها، أو ينتفع بها، وقد عمل بها ذلك العمل» ، والكلام على هذا الإسناد سبق قريبًا، وأن الأئمة استنكروا على عمرو روايته عن عكرمة، قال أبو داود بعد أن أخرجه:(ليس هذا بالقوي)، وأعله الترمذي بالوقف، وروى بعده عن ابن عباس، أنه قال:«من أتى بهيمة فلا حد عليه» ، وقال:(وهذا أصح من الحديث الأول)، وله طريق آخر أخرجه ابن ماجه (2564)، عن داود بن الحصين، عن عكرمة به نحوه، لكنه من رواية إبراهيم بن أبي حبيبة وهو ضعيف، وداود أيضًا روايته عن عكرمة منكرة، قال أبو حاتم:(هذا حديث منكر، لم يروه غير ابن أبي حبيبة). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 204، تهذيب التهذيب 3/ 182.

(4)

في (ظ): وهي.

(5)

سيأتي ذكره قريبًا.

(6)

كتب في هامش (ن): (وهي المذهب).

(7)

في (ن): ولم.

(8)

قوله: (له) سقط من (ظ) و (م).

ص: 464

التِّرمذِيُّ: لا نَعرف

(1)

الحديثَ الأوَّلَ إلاَّ مِنْ رِوايَةِ عمرو

(2)

بن أبي عَمْرٍو، وهو مُخرَّجٌ عنه في «الصَّحِيحَينِ» ، وقال الطَّحاوِيُّ: هو ضعيفٌ، وقد صحَّ عن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه قال:«مَنْ أَتَى بهيمةً؛ فلا حدَّ عليه»

(3)

، وقال إسْماعيلُ بنُ سَعِيدٍ: سألتُ أحمدَ عن الرَّجُل يأْتِي البهيمةَ، فَوَقَفَ عندها

(4)

، ولم يُثْبِتْ حديثَ عمرٍو، ولأنَّ

(5)

الحدَّ يُدْرَأُ بالشُّبهة.

(وَتُقْتَلُ الْبَهِيمَةُ) عَلَيهما، مأكولةً كانَتْ أوْ غَيرَ مأكولة، له أوْ لغَيرِه؛ للخَبَرِ.

وذَكَرَ ابنُ أبي موسى في

(6)

قَتْلِها على الثَّاني روايَتَينِ، قال أبو بكرٍ: والاختيار

(7)

قَتْلُها، وإنْ تُرِكَتْ فلا بَأْسَ.

ولا يَجُوزُ قَتْلُها حتَّى يَتَبَيَّنَ ذلك، إمَّا بالشَّهادة على فِعْلِه بها، أوْ بإقْرارِه إنْ كانَتْ ملْكَه، فإنْ كانَتْ لِغَيرِه؛ لم يَجُزْ قَتْلُها بحال

(8)

؛ لأِنَّه إقْرارٌ على ملْكِ غَيرِه، فلم يُقبَلْ، كما لو أقرَّ لِغَيرِ مالِكِها.

وقِيلَ: إنْ كانَتْ تُؤكَلُ؛ ذُبِحَتْ وحَلَّتْ مع الكراهة.

(وَكَرِهَ أَحْمَدُ أَكْلَ لَحْمِهَا)؛ لاِخْتِلافِ النَّاس في حِلِّ الأكْلِ.

(1)

في (ظ) و (م): لا يعرف.

(2)

في (م): عمر.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (13497)، وسعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (17038)، عن عاصم، عن أبي رزين، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الذي يقع على البهيمة قال:«ليس عليه حد» وعاصم هو ابن أبي النجود صدوق له أوهام، وبقية رواته ثقات، وسبقت الإشارة إليه قريبًا في كلام الترمذي.

(4)

في (ظ): عندهما. وينظر: المغني 9/ 62.

(5)

في (م): عمر لأن.

(6)

في (ن): من.

(7)

في (م): والأخبار.

(8)

قوله: (بحال) سقط من (م).

ص: 465

(وَهَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: يَحرُمُ

(1)

، قدَّمه في «الفروع» وغَيرُه، روي عن ابنِ عبَّاسٍ

(2)

، ولأِنَّه لَحْمُ حَيَوانٍ وَجَبَ قَتْلُه لِحَقِّ الله تعالى؛ فحَرُمَ أكْلُه؛ كسائِرِ المقْتُولاتِ.

فعلى هذا: يَضمَنُ الواطِئُ كَمالَ قِيمَتِها، وفي «الانتصار»: احْتِمالٌ.

والثَّاني: يَحِلُّ أكْلُها؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المَائدة: 1]، ولأِنَّه حَيَوانٌ ذَبَحَه ذابِحٌ من أهْلِ الذَّكاةِ، فجاز أكْلُه؛ كما لو لم يُفْعَلْ به

(3)

ذلك، لكِنْ يُكرَهُ للشُّبهة.

فَعَلَيها: يَضمَنُ نَقْصَها.

(1)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(2)

سبق تخريجه مع الحديث المرفوع 9/ 464 حاشية (3).

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

ص: 466

(فَصْلٌ)

(وَلَا يَجِبُ الْحَدُّ إِلاَّ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ)؛ لِمَا يَأْتِي.

(أَحَدُهَا

(1)

: أَنْ يَطَأَ فِي الْفَرْجِ)؛ أيْ: فَرْجٍ أصليٍّ

(2)

، (سَوَاءٌ كَانَ قُبُلاً أَوْ دُبُرًا) أصْلِيَّيْنِ؛ لأِنَّ الدُّبُرَ فَرْجٌ مَقْصودٌ أشْبَهَ القُبُلَ، ولأِنَّه إذا وَجَبَ بالوطء في الفَرْجِ، وهو ممَّا يُسْتبَاحُ فهذا أَوْلَى.

ويُقالُ: إنَّ أوَّلَ ما بَدَأَ قَومُ لُوطٍ بِوَطْءِ النِّساء في أدْبارِهِنَّ، ثُمَّ انْتَقَلُوا بَعْدَ ذلك إلى الرِّجال.

(وَأَقَلُّ ذَلِكَ تَغْيِيبُ الْحَشَفَةِ) الأَصْلِيَّةِ، مِنْ خَصِيٍّ أوْ فَحْلٍ

(3)

، أوْ قَدْرِها لعدم

(4)

، (فِي الْفَرْجِ)؛ لأِنَّ أحْكامَ الوَطْءِ تَتعَلَّقُ به.

(فَإِنْ وَطِئَ دُونَ الْفَرْجِ)؛ فلا حَدَّ عَلَيهِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ مَسْعودٍ قال: جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنِّي وجدت

(5)

امرأةً فأَصَبْتُ مِنْها كلَّ شَيءٍ إلاَّ النِّكاحَ، فقال:«اسْتَغْفِرِ اللهَ» رواهُ النَّسائيُّ

(6)

، فلم يُوجِبْ عَلَيهِ حَدًّا.

وظاهِرُه: أنَّه لا يُعزَّرُ إذا جاء تائبًا.

(أَوْ أَتَتِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا)؛ أي

(7)

: إذا تَساحَقَت امْرأتانِ

(1)

في (م): أحدهما.

(2)

زيد في (ن): (بحشفة أصلية من خصي أو فحل، أو قدرها لعدم)، ويأتي ذكرها.

(3)

قوله: (الأصلية من خصي أو فحل) سقط من (ن).

(4)

قوله: (لعدم) سقط من (ن).

(5)

في (م): أصبت.

(6)

أخرجه النسائي في الكبرى (7282)، وأخرجه البخاري (526)، ومسلم (2763)، بلفظ: أن رجلاً أصاب من امرأة قبلة، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فأنزلت عليه:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} .

(7)

قوله: (أي) سقط من (م).

ص: 467

فهما مَلْعُونَتانِ، قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إذا أتَتِ المرأةُ المرأةَ؛ فهما زانِيَتانِ» رواهُ مُسلِمٌ

(1)

، ذَكَرَه في «الشَّرح» .

وأمَّا كَونُه لا حدَّ عَلَيهِما؛ لأِنَّه لا يَتَضَمَّنُ إِيلاجًا، أشْبَهَ المُباشَرَةَ دُونَ الفَرْجِ، وعَلَيهِما التَّعزِيرُ؛ لأِنَّه زِنًى لا حَدَّ فيه، أشْبَهَ مُباشَرَةَ الرَّجُلِ الأَجْنَبِيَّةَ مِنْ غَيرِ جِماعٍ.

وكذا لو جامَعَ الخُنثَى المشْكِلُ بذَكَرِه، أوْ جُومِعَ في قُبُلِه؛ فلا حَدَّ.

فرعٌ: إذا وُجِدَ رَجُلٌ مع امْرأَةٍ، كلٌّ منهما يُقبِّلُ الآخَرَ، ولم يُعلَمْ أنَّه وَطِئَها؛ فلا حَدَّ، فإن قالا: نَحْنُ زَوجانِ؛ قُبِلَ قَولُهما، في قَولِ الأَكْثَرِ.

فإنْ شُهِدَ عَلَيهِما بالزِّنى، فقالا: نَحْنُ زَوجانِ؛ فقِيلَ: عَلَيهِما الحَدُّ إنْ لم يكُنْ بَيِّنَةٌ بالنِّكاح.

وقِيلَ: لا إذا لم يعلم أنَّها أجْنَبِيَّةٌ منه؛ لأِنَّ ذلك شُبْهَةٌ؛ كما لو شُهِدَ عَلَيهِ بالسَّرِقَةِ، فادَّعى أنَّ المسْروقَ ملْكُه.

(1)

لم يخرجه مسلم، وقد سبق تخريجه 9/ 460 حاشية (3).

ص: 468

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ)؛ لقوله عليه السلام: «ادْرَؤُوا الحدودَ بالشُّبُهات ما اسْتَطَعْتُم»

(1)

.

(فَإِنْ وَطِئَ جَارِيَةَ وَلَدِهِ)؛ فلا حدَّ عَلَيهِ في قَولِ أكْثَرِهم؛ لأِنَّه وَطْءٌ تمكّنَت الشُّبهةُ منه؛ كَوَطْءِ الجاريَة المشْتَرَكةِ، يَدُلُّ عَلَيهِ قَولُه عليه السلام:«أنْتَ ومَالُكَ لأبيك»

(2)

، أضافَ مالَ وَلَدِه إلَيهِ، وجَعَلَه له، فإذا لم يَثبُتْ حقيقةُ الملك؛ فلا أقلَّ مِنْ جَعْلِه شُبْهةً دارِئةً للحدِّ الذي يُدرأ بالشُّبهة.

وفي «الرِّعاية» : مَنْ وَطِئَ أَمَةَ وَلَدِه ولم يَنْوِ تَملُّكَها به، ولم يكُن ابنُه وَطِئَها، وقِيلَ: أوْ كان؛ عُزِّرَ في الأَشْهَر بمائة

(3)

سَوطٍ، وقِيلَ: إنْ حَمَلَتْ منه مَلَكَها، وإلاَّ عُزِّرَ، وإنْ كان ابْنُه وَطِئَها؛ حُدَّ الأب

(4)

مع عِلْمِه به

(5)

.

(أَوْ جَارِيَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ)؛ فكذلك؛ لأِنَّه فَرْجٌ له فيه ملْكٌ، أَشْبَه المكاتَبةَ والمَرْهُونةَ، وظاهِرُه: ولو لِبَيتِ المالِ، صَرَّح به في «الرِّعاية» ، إذا كان له

(6)

فيه حقٌّ.

(1)

أخرجه الترمذي (1424)، والدارقطني (3097)، والحاكم (8163)، والبيهقي في الكبرى (17057)، عن عائشة رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه، وفي سنده يزيد بن زياد الدمشقي وهو متروك، وأعله الترمذي والبيهقي بالوقف، وأخرجه ابن ماجه (2545)، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا بلفظ:«ادفعوا الحدود ما وجدتم له مدفعًا» ، وروي عن جماعة من الصحابة، قاله الترمذي، وروي عن عمر بإسناد صحيح. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 160.

(2)

سبق تخريجه 3/ 389 حاشية (3).

(3)

في (م) و (ن): مائة.

(4)

في (م): إلا.

(5)

قوله: (به) سقط من (م).

(6)

قوله: (له) سقط من (م).

ص: 469

(أَوْ لِوَلَدِهِ)؛ لأِنَّ الشِّرْكَ في إسْقاطِ الحَدِّ؛ كملك

(1)

الكلّ.

(أَوْ وَجَدَ

(2)

امْرَأَةً عَلَى فِرَاشِهِ ظَنَّهَا امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ)، فَوَطِئَها؛ فلا حدَّ عليه؛ لأِنَّه وَطْءٌ اعْتَقَدَ إباحَتَه بما يُعذر

(3)

مِثْلُه فيه، أشْبَهَ ما لو قِيلَ له: هذه زَوجَتُك، بغَيرِ خِلافٍ نعلمه

(4)

، لكِنْ عَلَيها الحَدُّ إنْ عَلِمَتْ أنَّه أجْنَبِيٌّ.

(أَوْ دَعَا الضَّرِيرُ امْرَأَتَهُ أَوْ جَارِيَتَهُ، فَأَجَابَهُ

(5)

غَيْرُهَا

(6)

، فَوَطِئَهَا) وظَنَّها المَدْعُوَّةَ؛ كما لو زُفَّتْ إلَيهِ غَيرُ زَوجَتِه وقِيلَ له: هذه زَوجَتُك، بخِلافِ ما لو دعا مُحرَّمةً عَلَيهِ، فأجابَه غَيرُها، فَوَطِئَها يَظنُّها المَدْعُوَّةَ؛ فعَلَيهِ الحَدُّ، سَواءٌ كانت المَدْعُوَّةُ مِمَّنْ له فِيهَا شبهة

(7)

، كالجارِيَة المشْتَرَكةِ، أوْ لم يكُنْ؛ لأِنَّه لا يُعذر

(8)

بهذا، أشبه

(9)

ما لو قَتَل

(10)

رَجُلاً يَظُنُّه ابْنَهُ فَبَانَ أجْنَبِيًّا.

(أَوْ وَطِئَ فِي نِكَاحٍ) أوْ ملْكٍ (مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ)، يَعتَقِدُ تحريمَه؛ كمُتْعةٍ، وبلا وَلِيٍّ، وشراءٍ فاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِه، وقِيلَ: أوْ قَبْلَه؛ لأِنَّ الوَطْء فيه شِبْهةٌ.

وعَنْهُ: يُحَدُّ، اخْتارَه الأكثرُ في وَطْءِ بائعٍ بشَرْطِ خِيارٍ، ولو لم يُحَدَّ

(11)

، ذَكَرَه أبو الحُسَينِ وغَيرُه، فلو حُكِمَ بصِحَّته؛ تَوَجَّهَ خِلافٌ.

وكذا وَطْؤُه بعَقْدِ فُضُولِيٍّ، وفي ثالِثٍ: إنْ وَطِئَ قَبْلَ الإجازة؛ حُدَّ، وإلاَّ

(1)

في (م): يملك.

(2)

في (ن): وطئ.

(3)

في (ن): تعذر.

(4)

قوله: (خلاف نعلمه) مكانه بياض في (م). وينظر: المغني 9/ 57.

(5)

في (ن): فأجابته.

(6)

في (م): غيرهما.

(7)

في (م): شبه.

(8)

في (ظ) و (ن): لا تعذر.

(9)

في (م): شبيه.

(10)

في (م): قبَّل.

(11)

كذا في (ظ)، وفي (ن): ولو لم يجد. وعبارة الفروع 10/ 58: ويفرق بينهما ولو لم يحد.

ص: 470

عُزِّرَ، واخْتارَ في «المحرَّر»: يُحَدُّ قَبْلَها إن اعْتَقَدَ أنَّه لا يَنفُذُ بها، وحُكِيَ رِوايَةً.

(أَوْ وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي دُبُرِهَا، أَوْ حَيْضِهَا، أَوْ نِفَاسِهَا)؛ لأِنَّ الوَطْءَ قد صادَفَ ملْكًا، فكان شُبْهةً، وقد حكَاهُ ابنُ المنذر إجْماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه أنَّه يُدْرَأُ بالشُّبهة

(1)

.

(أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْرِيمِ؛ لِحَدَاثَةِ عَهْدِهِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نُشُوئِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ)؛ قُبِلَ منه؛ لأنَّه

(2)

يَجُوزُ أنْ يكُونَ صادِقًا، وظاهِرُه: أنَّه

(3)

إذا لم يكُنْ كذلك، أوْ نَشَأَ بَيْنَ المسْلِمِينَ؛ أنَّه لا يُقبَلُ منه

(4)

؛ لأِنَّه لم يَخْفَ عَلَيهِ.

(أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الزِّنَى؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ)، نَقُولُ: لا حدَّ على مكرهةٍ

(5)

على الزِّنى في قَولِ عامَّتهم؛ لقول النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «رُفِعَ عن أُمَّتِي الخَطَأُ والنِّسْيانُ وما اسْتُكْرِهُوا عَلَيهِ» رواه النَّسائيُّ

(6)

، وعن عبد الجبَّار بنِ وائِلٍ، عن أبيه:«أنَّ امرأةً اسْتُكْرِهَتْ على عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ فَدَرَأَ عنها الحَدَّ» رواه الأَثْرَمُ

(7)

، ورواهُ سعيدٌ عن عمرَ

(8)

، ولأِنَّ هذا شُبْهةٌ والحَدُّ يُدْرأُ بها.

(1)

ينظر: الإشراف 7/ 291.

(2)

زيد في (ن): لا.

(3)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(4)

قوله: (منه) سقط من (ن).

(5)

قوله: (فلا حد عليه، نقول: لا حد على مكرهة) في (م): فلا حد نقول مكره.

(6)

سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).

(7)

أخرجه أحمد (18872)، والترمذي (1453)، وابن ماجه (2598)، والدارقطني (1453)، والبيهقي في الكبرى (17046)، من طريق الحجاج بن أرطاة، عن عبد الجبار بن وائل بن حجر، عن أبيه، وإسناده ضعيف، حجاج بن أرطاة مدلس ورواه بالعنعنة ولم يسمع من عبد الجبار بن وائل، وعبد الجبار لم يسمع من أبيه، قاله البخاري وغيره، وضعفه الترمذي والبيهقي والألباني. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 235، الإرواء 7/ 341.

(8)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (17047)، من طريق شعبة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، قال:«أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة من أهل اليمن، قالوا: بَغَت، قالت: إني كنت نائمة، فلم أستيقظ إلا برجل رمى فيَّ مثل الشهاب، فقال عمر رضي الله عنه: يمانية نؤومة شابة فخلى عنها ومتَّعها» ، وإسناده لا بأس به فإن عاصم بن كليب وأباه فيهما كلام يسير لا يحطهما عن مرتبة الاحتجاج، وعاصم وثقه ابن معين وقال أحمد:(لا بأس بحديثه)، وأبوه وثقه ابن سعد وأبو زرعة. ينظر: تهذيب التهذيب 5/ 56، 8/ 446.

ص: 471

ولا فَرْقَ في الإكْراه بإلجاءٍ

(1)

، وهو: أنْ يَغْلِبَها على نفسها، أوْ بالتَّهديد بالقَتْلِ ونحوه

(2)

، نَصَّ عَلَيه في راعٍ

(3)

، أوْ مَنْعِ طَعامٍ مع اضْطِرارٍ، وكذا المفعولُ به لِواطًا قَهْرًا.

(وَقَالَ أَصْحَابُنَا: إِنْ أُكْرِهَ الرَّجُلُ فَزَنَى؛ حُدَّ)، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

، وقدَّمه في «الفروع» ، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّ الوَطْءَ لا يكُونُ إلاَّ بالاِنْتِشار الحادِثِ والاِخْتِيارِ، بخِلافِ الإكراهِ.

وعَنْهُ: لا حَدَّ عَلَيهِ، صحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لِعُمومِ الخَبَرِ، ولأِنَّ الإكْراهَ شُبْهَةٌ، وكما لو اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَه وهو نائمٌ.

وعَنْهُ فِيهِما: لا حَدَّ، لا

(5)

بتهديدٍ ونحوِه

(6)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: بِناءً على أنَّه لا يُباحُ بالإكراه الفِعْل لا

(7)

القول

(8)

.

(1)

في (ظ): بالإلجاء.

(2)

قوله: (ونحوه) سقط من (م).

(3)

قال أحمد في راع جاءته امرأة قد عطشت، فسألته أن يسقيها، فقال لها: أمكنيني من نفسك، قال: هذه مضطرة. ينظر: المغني 9/ 60.

(4)

ينظر: الإرشاد ص 400.

(5)

قوله: (لا) في (م): عليه صححه.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 10/ 61: وعنه فيهما: لا بتهديد ونحوه. وعبارة الإنصاف 26/ 291: وعنه فيهما: لا حد بتهديد ونحوه.

(7)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 61، والإنصاف 26/ 291: بل.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 61.

ص: 472

قال القاضِي وغَيرُه: إنْ خافَتْ على نفسها القَتْلَ؛ سَقَطَ عنها الدَّفع

(1)

؛ كسُقوطِ الأمْرِ بالمعروف بالخَوف.

(وَإِنْ وَطِئَ مَيْتَةً، أَوْ مَلَكَ أُمَّهُ

(2)

أَوْ أُخْتَهُ مِنَ الرَّضَاعِ، فَوَطِئَهَا

(3)

، فَهَلْ يُحَدُّ، أَوْ يُعَزَّرُ؟ عِلَى وَجْهَيْنِ)، وهُما رِوايَتانِ:

إحداهما: يُحَدُّ بِوَطْءِ مَيْتَةٍ، قدَّمها في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه إيلاجٌ في فَرْجٍ مُحرَّمٍ، لا شُبْهةَ له فيه

(4)

، أشْبَهَ الحَيَّةَ، ولأِنَّه أعْظَمُ ذَنْبًا.

والثَّانيةُ: لا يُحَدُّ

(5)

، اخْتارَها أبو بكرٍ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّه لا يُقصَدُ، فلا حاجَةَ إلى الزَّجْر عنه، فعَلَيها: يُعزَّرُ.

ونَقَلَ عبدُ الله: بعضُ النَّاس يقولُ

(6)

: عليه

(7)

حَدَّانِ، فظننته

(8)

يَعْنِي نَفْسَه

(9)

، قال أبو بكرٍ: وهو قَولُ الأَوْزاعِيِّ.

وهذا بخِلافِ طَرَفِ مَيِّتٍ؛ لِعَدَمِ ضَمانِ الجُمْلة؛ لِعَدَمِ وُجودِ قتل

(10)

، بخِلافِ الوَطْءِ.

وأمَّا مَنْ تَحرُمُ

(11)

عَلَيهِ بالرّضاع إذا وَطِئَها؛ فَعَنْهُ: يُحَدُّ، وذَكَرَه القاضِي

(1)

في (ظ): الرفع.

(2)

قوله: (أو ملك أمه) سقط من (م).

(3)

قوله: (فوطئها) سقط من (ظ) و (ن).

(4)

قوله: (فيه) سقط من (ن).

(5)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(6)

في (ن): تقول.

(7)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(8)

في (م): فظننت أنه.

(9)

ينظر: مسائل عبد الله ص 426.

(10)

في (م): قتيل.

(11)

في (ظ): يحرم.

ص: 473

عن أصحابنا

(1)

؛ لأِنَّه لا يُسْتَباحُ

(2)

بحالٍ؛ كالمحرَّمة بالنَّسَب، وكَفَرْجِ الغُلامِ.

وعَنْهُ: لا، وجزم

(3)

بها في «الوجيز» ؛ لأِنَّها مملوكةٌ، أشْبَهَتْ مُكاتَبَتَه، ولأِنَّه وَطْءٌ اجْتَمَعَ فيه

(4)

مُوجِبٌ ومُسقِطٌ، والْحَدُّ مبنيٌّ

(5)

على الدَّرْء والإسقاط

(6)

، فإذا لم يُحَدَّ؛ عُزِّرَ.

وعَنْهُ: مِائَةُ سَوطٍ.

وكذا إذا وَطِئَ أَمَتَه المُزَوَّجَةَ، أو المُعْتَدَّةَ، أو المُرتَدَّةَ، والمجوسِيَّةَ.

(وَإِنْ

(7)

وَطِئَ فِي نِكَاحٍ مُجْمَعٍ عَلَى بُطْلَانِهِ)، والمنصوصُ: مع عِلْمِه

(8)

؛ (كَنِكَاحٍ المُزَوَّجَةِ

(9)

؛ لأِنَّه وَطْءٌ لم يُصادِفْ ملْكًا ولا شُبْهةَ ملْكٍ، فأوْجَبَ الحَدَّ؛ عملاً

(10)

بالمقْتَضِي، وقد رُوِيَ عن عمرَ: أنَّه رُفِعَ إلَيهِ امْرأةٌ تَزَوَّجَتْ في عِدَّتِها، فقال:«هَلْ علمتما؟»

(11)

فقالا: لا. فقال: «لو عَلِمْتُما لرجمتكما

(12)

» رواه أبو نصر المروزي

(13)

، ولأِنَّه إذا وجب الحَدُّ بوَطْءِ

(1)

في (م): أصحابه.

(2)

في (ظ): تستباح.

(3)

في (م): جزم.

(4)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(5)

في (ظ): يبنى.

(6)

في (م): أو الإسقاط.

(7)

في (م): فإن.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 62.

(9)

في (م): بنكاح الزوجة.

(10)

في (م): عمدًا.

(11)

في (م): علمتهما، وقوله:(فقال: هل علمتما) سقط من (ن).

(12)

في (م): لو علمتها لرجمتها.

(13)

أخرجه البيهقي في الكبرى (15543)، وابن حزم في المحلى (9/ 71)، عن عبيد بن نضلة، أو نضيلة، وذكره عن عمر رضي الله عنه. وإسناده صحيح.

ص: 474

المعْتَدَّةِ؛ فلأن يَجِبَ بوَطْءِ المزَوَّجةِ بطَرِيقِ الأَوْلَى.

(وَالْمُعْتَدَّةِ)، فلو قال: جهلت

(1)

فراغَ العِدَّة، وأمْكَنَ صِدْقُه؛ صُدِّقَ.

(وَالْخَامِسَةِ)؛ لِعَدَمِ إباحَتِها.

(وَذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنَ النَّسَبِ وَالرَّضَاعِ)؛ للعُمومِ.

وعَنْهُ فيمن

(2)

وَطِئَ ذَواتِ مَحارِمِه: يُقتَل

(3)

بكلِّ حالٍ، رَجَّحَه في «الشَّرح» ؛ لأخبارٍ

(4)

.

وعَنْهُ: ويُؤخَذُ مالُه لِبَيتِ المال؛ لِمَا رَوَى البَرَاءُ، قال: «لَقِيتُ عمِّي

(5)

ومَعَهُ الرَّايَةُ، فَقُلْتُ: إلى أيْنَ تُرِيدُ؟ فقال: بَعَثَنِي النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى رَجُلٍ نَكَحَ امْرأةَ أبِيهِ مِنْ بَعْدِه، أنْ أضْرِبَ عُنُقَه، وآخُذَ مالَه» رواه أبو داودَ والجُوزَجانِيُّ

(6)

.

مسألةٌ: حُكْمُ

(7)

مَنْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُستَأْمَنَةٍ، أوْ نَكَحَ بِنْتَه مِنْ الزِّنى كذلك

(8)

، نَصَّ عَلَيهِ

(9)

، وحَمَلَه جَماعةٌ: على أنَّه لم يَبلُغْه الخِلافُ.

(أَوِ اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً لِلزِّنَى أَوْ لِغَيْرِهِ

(10)

، وَزَنَى بِهَا)؛ لِعُمومِ الآيَةِ والأخْبارِ، وَوُجودِ الإجارةِ كعَدَمِها، ولأِنَّه وَطْءٌ في غَيرِ ملْكٍ، أشبه

(11)

ما لو كان له

(1)

في (م): فلو خالف جملة.

(2)

في (ن): ممن.

(3)

في (ن): يقبل.

(4)

في (م): للأخبار.

(5)

في (م) و (ن): عمر.

(6)

سبق تخريجه 9/ 463 حاشية (4).

(7)

قوله: (حكم) سقط من (م).

(8)

في (م): فكذلك.

(9)

ينظر: الفروع 10/ 62.

(10)

في (ظ) و (ن): ولغيره.

(11)

قوله: (أشبه) سقط من (م).

ص: 475

عَلَيهَا دَينٌ

(1)

.

وتَغَيُّر الحال لا يُسقِطُ الحَدَّ؛ كما لَو مَاتَ

(2)

.

(أَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَهُ

(3)

عَلَيْهَا الْقِصَاصُ)؛ لأِنَّ اسْتِحْقاقَ قتلها

(4)

لا يُوجِبُ إباحةَ وَطْئِها، فلا يُؤثِّرُ فيه شبهة

(5)

، فَوَجَبَ أنْ يَجِبَ الحَدُّ؛ عَمَلاً بالنُّصوص.

وقِيلَ: مَنْ وَطِئَ أَمَةً له عَلَيها قَوَدٌ؛ لم يُحَدَّ إنْ قُلْنا: إنَّه يَمْلِكُها به، وسئل

(6)

أحمدُ: هل عَلَيه عَقْرُها؟ قال: لا شَيءَ عَلَيهِ، هي له

(7)

.

(أَوْ بِصَغِيرَةٍ) يُوطَأُ مِثْلُها، نَقَلَه الجماعةُ

(8)

، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّها كالكبيرةِ في ذلك

(9)

.

وقِيلَ: أوْ لَا، وهو ظاهِرُ كَلامِه هُنا.

وقال القاضي

(10)

: لا حَدَّ على مَنْ وَطِئَ صغيرةً لم تبلغ تِسْعًا؛ لأِنَّه لا

(1)

قوله: (ولأِنَّه وَطْء في غَيرِ ملْكٍ، أشبه ما لو كان له عَلَيهَا دَينٌ) كذا في النسخ الخطية، ولعل فيه سقطًا، فقد ذكر هذا التعليل في المغني 9/ 80 والشرح الكبير 26/ 300 للمسألة التي بعدها، وهي: ما إذا زنى بامرأة له عليها القصاص.

(2)

قوله: (وتَغَيُّر الحال لا يُسقِطُ الحَدَّ؛ كما لَو مَاتَ) كذا في النسخ الخطية، ولعل فيه سقطًا أيضًا، فقد ذكر هذا التعليل في المغني 9/ 80 والشرح الكبير 26/ 300 في مسألة أخرى، وهي ما لو زنى بامرأة ثم تزوجها، أو بأمة ثم اشتراها؛ قال في الشرح:(فإنه ما وجب عليه الحد بوطء مملوكته ولا زوجته، وإنما وجب بوطء أجنبية، فتغيُّر حالِها لا يُسقِطه؛ كما لو ماتت).

(3)

قوله: (له) سقط من (ن).

(4)

في (ن): قتلهما.

(5)

في (م): بشبهة.

(6)

في (م): ويسأل.

(7)

قوله: (هي له) في (م): في ذلك. وينظر: الروايتين والوجهين 2/ 251.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3635، مسائل صالح 1/ 346، مسائل عبد الله ص 355.

(9)

قوله: (في ذلك) سقط من (م).

(10)

كتب في هامش (ظ): (قول القاضي هو المذهب).

ص: 476

يُشْتَهَى مِثْلُها، وكما لو اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ صَبِيٍّ لم يَبلُغْ عَشْرًا.

وردَّه المؤلِّفُ؛ لِعَدَمِ التَّوقِيفِ فِيهِ.

(أَوْ مَجْنُونَةٍ)؛ لأِنَّ الواطِئَ مِنْ أهْلِ وُجوبِ الحَدِّ، وقد فَعَلَ ما يُوجِبُه، فَوَجَبَ أنْ يَتَرتَّبَ عَلَيهِ مُقْتَضاهُ.

(أَوْ بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا، أَوْ بِأَمَةٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا)؛ لأِنَّ النِّكاحَ والملْكَ وُجِدَا بَعْدَ وُجوبِ الحَدِّ، فلم يَسقُطْ، كما لو سَرَقَ نِصابًا ثُمَّ مَلَكَه.

أوْ أقرَّ عَلَيها فَجَحَدَتْ؛ كسكوتِها

(1)

.

(أَوْ أَمْكَنَتِ الْعَاقِلَةُ)؛ أي: المكلَّفةُ (مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ صَغِيرًا)، وقِيلَ: ابنَ عَشْرٍ، (فَوَطِئَهَا؛ فَعَلَيْهِمُ

(2)

الْحَدُّ)؛ أيْ: عَلَيها الحَدُّ؛ لأِنَّ سقوطَه عن أحَدِ المتَواطِئَينِ لِمَعْنًى يَخُصُّه لا يُوجِبُ سُقُوطَه عن الآخَر، كما لو زَنَى الْمُسْتَأْمَنُ بِمُسْلِمَةٍ.

(1)

في (م): كسوتها.

(2)

في (م): فعليها.

ص: 477

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أنْ يَثْبُتَ الزِّنَى، وَلَا يَثْبُتُ) زناه

(1)

، ولا يَلزَمُه الحد

(2)

(إِلاَّ بِشَيْئَيْنِ

(3)

:

(أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَجَالِسَ)، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ، قال: أتى رجلٌ من المسلمين

(5)

إلى

(6)

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو في المسجد، فقال: إنِّي زَنَيْتُ، فأعْرَضَ عنه، فلما شَهِدَ على نَفْسِه أرْبَعَ شَهاداتٍ؛ دَعاهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، فقال:«أَبِكَ جُنونٌ؟» قال: لا، قال:«هَلْ أَحْصَنْتَ؟» قال: نَعَمْ، قال:«اذْهَبُوا به فارْجُموهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(7)

.

وفي «مُختَصَر ابنِ رَزِينٍ» : بمجلسٍ

(8)

، سَأَلَه الأَثْرَمُ: بمَجْلِسٍ أوْ مَجالِسَ؟ قال: الأحاديثُ لَيسَتْ تَدُلُّ إلا

(9)

على مَجلِسٍ، إلاَّ عَنْ ذاكَ الشَّيخ بَشِيرِ بنِ المهاجر

(10)

، عن ابن بُرَيدةَ، عن أبيهِ، وذاك مُنكَرُ الحديث

(11)

.

(1)

في (م): زنا.

(2)

قوله: (الحد) سقط من (م).

(3)

في (م): لشيئين.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3265، مسائل أبي داود ص 304، مسائل صالح 3/ 145، مسائل ابن هانئ 1/ 92.

(5)

في (ظ) و (ن): الأسلميين. والمثبت موافق لما في صحيح مسلم، وهي غير مذكورة في البخاري.

(6)

قوله: (إلى) مكانه بياض في (م)، وهو سقط من (ن).

(7)

أخرجه البخاري (6815)، ومسلم (1691).

(8)

قوله: (بمجلس) سقط من (م).

(9)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(10)

في (م): الهاجر.

(11)

ينظر: المغني 9/ 65.

والحديث أخرجه أحمد (22942)، ومسلم (1695)، وأبو داود (4442)، والنسائي في الكبرى (7164)، من طريق بشير بن المهاجر، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن ماعز بن مالك الأسلمي، أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إني قد ظلمت نفسي، وزنيت، وإني أريد أن تطهرني، فرده، فلما كان من الغد أتاه، فقال: يا رسول الله، إني قد زنيت

الحديث، وهذا اللفظ تفرد بذكره بشير بن المهاجر الغنوي، وثقه ابن معين، وقال النسائي:(ليس به بأس)، وقال أحمد:(منكر الحديث، قد اعتبرت أحاديثه، فإذا هو يجيء بالعجب)، وقال البخاري:(يخالف في بعض حديثه)، وبه أعله أحمد، وفي الحديث وهمٌ آخر وهو ذكر الحفر لماعز، قال ابن القيم:(وهي غلط من رواية بشير بن المهاجر، وإن كان مسلم قد روى له في الصحيح، فالثقة قد يغلط، على أن أحمد وأبا حاتم الرازي قد تكلما فيه). ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 536، إعلام الموقعين 4/ 281، تهذيب السنن 6/ 251 ط. دار المعرفة.

ص: 478

وقال الحَكَمُ، وابنُ أبي لَيلَى: يَكْفِي الإقْرارُ مرَّةً؛ لقوله عليه السلام: «واغْدُ يا أنيس إلى

(1)

امرأةِ هذا، فإنِ اعْتَرَفَتْ فارْجُمْها»

(2)

، وغيرِه من الأحاديث المطْلَقةِ.

وجَوابُه: ما سَبَقَ، وبأنَّه لو وَجَبَ الحَدُّ بمَرَّةٍ لم يُعرِضْ عنه النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّه لا

(3)

يَجُوزُ تَرْكُ حَدٍّ وَجَبَ لله تعالى، ورَوَى نُعَيمُ بنُ هزَّال: قال له النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «قُلْتَها أرْبعَ مَرَّاتٍ» قال: نَعَمْ، رواهُ أبو داودَ

(4)

.

(وَهُوَ

(5)

بَالِغٌ عَاقِلٌ)، حُرٌّ وعَبْدٌ، مَحدودٌ في قَذْفٍ أوْ لا

(6)

.

ولا نعلم خِلافًا أنَّ المكْرَه

(7)

لا يَجِبُ عَلَيهِ حَدٌّ

(8)

.

(1)

في (ظ) و (ن): على.

(2)

أخرجه البخاري (2314)، ومسلم (1697).

(3)

قوله: (لا) مكانه بياض في (م).

(4)

سبق تخريجه 9/ 432 حاشية (5).

(5)

قوله: (وهو) سقط من (م).

(6)

قوله: (أو لا) سقط من (ن).

(7)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 68: أن إقرار المكره.

(8)

ينظر: المغني 9/ 67.

ص: 479

وكذا النَّائمُ؛ لِرَفْعِ القَلَمِ عنه.

والسَّكرانُ سَبَقَ حُكْمُه.

وفي «الكافي» و «الشَّرح» : لا يَصِحُّ إقراره به

(1)

، لكِنْ عَلَيهِ حَدُّ الزِّنى والسَّرِقةِ والشُّرْب والقَذْفِ، إذا فَعَلَه حالَ سُكْرِه؛ لِفِعْلِ الصَّحابة

(2)

.

فأمَّا الأَخْرَسُ إنْ لم تُفهم

(3)

إشارتُه فلا يتصوَّرُ منه إقْرارٌ، وإنْ فُهِمَتْ إشارتُه؛ فإنَّه يُؤاخَذُ بها.

فإنْ أقرَّ العاقِلُ أنَّه زنى بامرأةٍ، فكذَّبَتْه؛ فَعَلَيهِ الحَدُّ دُونَها؛ لحديثِ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ، رواهُ أحمدُ وأبو داودَ، ورجالُه ثِقاتٌ

(4)

.

(1)

قوله: (به) سقط من (م).

(2)

مراده كما في المغني (9/ 66): ما أخرجه مالك (2/ 842)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 286)، والبيهقي في المعرفة (17423)، عن ثور بن زيد الديلي، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، استشار في الخمر يشربها الرجل فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه:«نرى أن تجلده ثمانين، فإنه إذا شرب سكر» ، قال ابن حجر:(وهو منقطع؛ لأن ثورًا لم يلحق عمر بلا خلاف).

وأخرجه عبد الرزاق (13542)، عن معمر، عن أيوب، عن عكرمة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه شاور الناس في جلد الخمر، وقال:«إن الناس قد شربوها واجترؤا عليها» ، فقال له علي:«إن السكران إذا سكر هذى، وإذا هذى افترى» ، فاجعله حد الفرية، فجعله عمر حد الفرية ثمانين. رجاله ثقات لكن عكرمة لم يسمع من عمر.

وأخرجه النسائي في الكبرى (5269)، والدارقطني (3344)، والبيهقي في الكبرى (17543)، عن ثور بن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وفي سنده: يحيى بن فليح بن سليمان، قال ابن حزم:(مجهول)، وقال مرة:(ليس بالقوي)، وأخرجه الدارقطني (3321)، والحاكم (8131)، من وجه آخر وفي سنده راوٍ ضعيف. ينظر: لسان الميزان 8/ 471، التلخيص الحبير 4/ 208، الإرواء 8/ 46.

(3)

في (ظ) و (ن): لم يفهم.

(4)

أخرجه أبو داود (4437)، والطبراني في الكبير (5924)، والبيهقي في الكبرى (17002)، عن سهل بن سعد رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم:«أن رجلاً أتاه فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة، فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها» ، وإسناده صحيح رجاله ثقات.

ص: 480

(وَيُصَرِّحَ بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ)؛ لِتَزُولَ التُّهَمةُ، ولقوله عليه السلام لِمَاعِزٍ:«لَعلَّكَ قَبَّلْتَ، أوْ غَمَزْتَ» قال: لا، قال:«أَفَنِكْتَها؟» لا يكني

(1)

، قال: نَعَمْ، فعِنْدَ ذلك أَمَرَ بِرَجْمِه، رواهُ البخاريُّ

(2)

.

وعَنْهُ: وبِمَنْ زَنَى بها، وفي «الرِّعاية»: وهي أظْهَرُ.

وأطْلَقَ في «التَّرغيبِ» وغَيرِه الخِلافَ.

(وَلَا يَنْزِعَ عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ الْحَدُّ)؛ لأِنَّ مِنْ شرط

(3)

إقامة الحَدِّ بالإقرار: البقاءَ عَلَيهِ إلى تمامِ الحَدِّ، فإنْ رَجَعَ عن إقراره، أوْ هرَبَ؛ كُفَّ عنه

(4)

في قَولِ الجمهور؛ لقصة

(5)

ماعِزٍ.

فرعٌ: إذا شَهِدَ أرْبعةٌ على إقْرارِه به أرْبعًا، فأنْكَرَ، أوْ صدَّقَهم دُونَ أرْبعٍ؛ فلا حَدَّ عَلَيهِ في الأظْهَرِ، ولا على الشُّهود، وهما في «التَّرغيب»: إنْ أنْكَرَ، وأنَّه لو صدَّقَهم؛ لم يُقْبَلْ رُجوعُه.

(الثَّانِي: أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على فِعْلِه، (أَرْبَعَةٌ)، إجْماعًا

(6)

؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ

(4)} [النُّور: 4]، ولقوله عليه السلام لِسَعْدِ بنِ عُبادةَ حِينَ قال له: أرأيتَ لو وَجَدْتُ مع امْرأتِي رجلاً، أُمْهِلُه حتَّى آتِيَ بأربعةِ شُهَداءَ؟ فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«نعم»

(7)

رواه مالِكٌ

(8)

.

(1)

قوله: (أفنكتها لا يكني) في (م): أفنكحتها.

(2)

أخرجه البخاري (6824).

(3)

في (ن): شرطه.

(4)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(5)

في (م): ولقصة.

(6)

ينظر: الأم 7/ 87، الإجماع لابن المنذر ص 119.

(7)

قوله: (نعم) مكانه بياض في (م).

(8)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 737)، ومن طريقه مسلم (1498).

ص: 481

(رِجَالٌ)، فلا يقبل

(1)

فيه شهادةُ النِّساء، إلاَّ ما رُوِيَ عن عَطاءٍ وحمَّاد: أنَّه يُقبَلُ فيه ثلاثةٌ وامْرأتانِ، وهو خِلافُ النَّصِّ؛ لأِنَّ في شهادةِ النِّساء شُبْهةً؛ لِمَا في قَبولِها من الاِخْتِلافِ، والحُدود تُدْرَأُ بالشبهات.

(أَحْرَارٌ) في الأَشْهَرِ، وقاله

(2)

الأكثرُ.

وعَنْهُ: يُقبَلُ العَبْدُ؛ لِعُمومِ النَّصِّ، وهو عَدْلٌ مُسلِمٌ ذَكَرٌ، فقُبِل

(3)

كالحرِّ.

وجَوابُه: أنَّه مُختَلَفٌ في قَبولِ شهادَتِه، وذلك شُبهةٌ، فلا يُقبَل

(4)

فيما يُدْرَأُ بالشُّبهة.

(عُدُولٌ)، ولا خِلافَ في اشْتِراطِها

(5)

؛ كسائرِ الشَّهادات، فلا تُقبَلُ فيه

(6)

شهادةُ فاسِقٍ، ولا مَسْتُورِ الحال؛ لِجَوازِ أنْ يكونَ فاسِقًا.

واكْتَفَى بذلك عن ذِكْرِ الإسلام؛ لأِنَّ أهْلَ الذِّمَّةِ كُفَّارٌ لا تَتَحَقَّقُ العَدالةُ فِيهِم، فلا تُقبَلُ رِوايَتُهم ولا خَبَرُهُم الدِّينيُّ؛ كعَبَدَةِ الأَوْثانِ، وسَواءٌ كانَت الشَّهادةُ على مُسلِمٍ أوْ ذَمِّيٍ.

(يَصِفُونَ الزِّنَى)؛ أيْ: زِنًى واحِدٌ يَصِفُونَه، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(7)

، فيَقولونَ: رَأَيْنَا ذَكَرَه في فَرجِها كالمِيلِ في المُكْحُلَة، ولأِنَّه إذا اعْتُبِرَ التَّصْريحُ في الإقرار؛ كان اعْتِبارُه في الشَّهادة أَوْلَى.

وقال طائفةٌ: يَجُوزُ أنْ يَنظُرُوا إلى ذلك مِنْهُما؛ لِإقامَةِ الشَّهادةِ عَلَيهِما؛

(1)

في (ن): فلا تقبل.

(2)

في (م): وقال.

(3)

في (م): فقيل، وفي (ن): يقبل.

(4)

في (ن): فلا تقبل.

(5)

ينظر: المغني 10/ 130.

(6)

في (م): فلا يقبل فيها.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 64.

ص: 482

لِيَحصُلَ الرَّدع بالحدِّ، فإنْ شَهِدُوا أنَّهم رَأَوْا ذَكَرَه قد غَيَّبَه في فَرجِها؛ كفى

(1)

.

(وَيَجِيئُونَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ)، على الأصحِّ؛ لأِنَّ عمرَ شَهِدَ عِندَه أبو بكرة

(2)

، ونافِعٌ، وشبلُ بنُ معبدٍ

(3)

، على

(4)

المغيرةِ بنِ شُعْبةَ، ولم يَشْهَدْ زِيادٌ، فحدَّ

(5)

الثّلاثةَ

(6)

، ولو كان المجْلِسُ غَيرَ مُشْتَرَطٍ؛ لم يجز

(7)

أنْ يَحدَّهم؛ لِجَوازِ أنْ يَكمُلُوا بِرابِعٍ في مَجلِسٍ آخَرَ، ولأِنَّه لو شَهِدَ ثلاثةٌ فحدَّهم، ثُمَّ جاء رابعٌ

(8)

فَشَهِدَ؛ لم تُقبَلْ شَهادَتُه، ولَولا اشْتِراطُ المجْلِس؛ لَكَمُلَتْ شَهادَتُهم، وبهذا يُفارِقُ سائرَ الشَّهادات.

والثَّانِيَةُ: لَيسَ بشَرْطٍ؛ لقوله تعالى: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النُّور: 13]، ولم يَذكُر المجْلِسَ، ولأِنَّ كلَّ شهادةٍ مقبولةٌ إذا افْتَرَقَتْ؛ كغيرها

(9)

.

وجَوابُه: أنَّ

(10)

الآيةَ لم تتعرَّض

(11)

للشُّروط.

(1)

قوله: (كفى) سقط من (م).

(2)

في (م): بكر.

(3)

في (م): معين.

(4)

في (ظ) و (م): عن.

(5)

قوله: (زياد فحد) في (م): زيادة بحد.

(6)

علقه البخاري بصيغة الجزم (3/ 170)، ووصله عبد الرزاق (13564)، (13565)، وابن أبي شيبة (28824)، والطبري في التفسير (17/ 163)، والبيهقي في الكبرى (17042)، وابن حزم في المحلى (8/ 530)، من طرق عن عمر رضي الله عنه، وصححه ابن كثير وابن حجر والألباني. ينظر: مسند عمر 2/ 465 ط. الفلاح، الفتح 5/ 256، الإرواء 8/ 28.

(7)

في (م): غير مشروط لم يجد.

(8)

في (م): جاؤوا برابع.

(9)

في (ن): فرقت لغيرها.

(10)

قوله: (أن) سقط من (م).

(11)

في (م): لم يتعرض.

ص: 483

(سَوَاءٌ جَاؤُوا مُفْتَرِقِينَ

(1)

؛ أيْ: واحِدًا بَعْدَ آخَرَ؛ لِقِصَّةِ المُغِيرةِ، فإنَّهم جاؤوا مُفترِقين

(2)

، وسُمِعَتْ شَهادَتُهم، وإنَّما حُدُّوا لِعَدَمِ كمالِها، وفي الحديثِ: أنَّ أبا بَكْرَةَ قال لعمر: «أرأيتَ

(3)

لو جاءَ آخَرُ فَشَهِدَ؛ أكنتَ

(4)

تَرجُمُه؟» فقال عمرُ: «إِي والذي نَفْسِي بِيَدِه»

(5)

، ولأِنَّهم اجْتَمَعُوا في مَجْلِسٍ واحِدٍ، أشْبَهَ ما لو جاؤُوا (مُجْتَمِعِينَ

(6)

، ولأِنَّ المجْلِسَ كلَّه بمَنزلةِ ابْتِدائه، ولهذا يُجزِئُ فيه القَبْضُ فِيما هو شَرْطٌ فيه.

(فَإِنْ

(7)

جَاءَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ أَنْ قَامَ الْحَاكِمُ) من

(8)

مَجْلِسِه؛ فهم قَذَفَةٌ؛ لأِنَّ شهادته

(9)

غيرُ مَقْبولَةٍ ولا صحيحةٍ، أشْبَهَ ما لو لم يَشْهَدْ أَصْلاً، وعَلَيهم الحَدُّ.

(أَوْ شَهِدَ ثَلَاثَةٌ وَامْتَنَعَ الرَّابِعُ مِنَ الشَّهَادَةِ، أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا؛ فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) في قَولِ أكثرِ العلماء؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، وهذا يُوجِبُ الحَدَّ على كلِّ رامٍ لم يَشهَدْ بما قاله أرْبَعَةٌ، ولأِنَّ عمرَ جَلَدَ أبا بَكْرَةَ وأصْحابَه، حَيثُ لم يُكمِل

(1)

في (م) و (ن): متفرقين.

(2)

في (م): متفرقين.

(3)

في (ن): لو رأيت.

(4)

في (م): كنت.

(5)

قصة أبي بكرة مع المغيرة تقدم تخريجها 9/ 483 حاشية (6)، ولم نقف عليه بهذا اللفظ مسندًا، وذكر ابن قدامة في المغني 9/ 99، أن الأثرم قد رواه بإسناده.

(6)

كذا في النسخ الخطية، والذي في نسخ المقنع الخطية: أو مجتمعين.

(7)

في (م): وإن.

(8)

في (ن): في.

(9)

في (م): شهادتهم.

ص: 484

الرَّابِعُ شهادتَه، بمَحضَرٍ من الصَّحابة، ولم يُنكِرْهُ أحدٌ، فكان كالإجماع.

وحَكَى أبو الخَطَّاب رِوايَةً: أنَّه

(1)

لا حَدَّ عَلَيهِم؛ لأِنَّهم شهودٌ، فلم يَجِبْ علَيهِم الحَدُّ؛ كما لو كانوا أربعةً، أحَدُهُم فاسِقٌ.

فرعٌ: كلُّ زِنًى يُوجِبُ الحَدَّ؛ لا يُقبَلُ فيه إلاَّ أربعةُ شُهُودٍ بالاِتِّفاق

(2)

، ويَدخُلُ فيه: اللِّواطُ، وَوَطْءُ المرأة في دُبُرِها، وَوَطْءُ البهيمة إنْ قُلْنا: يَجِبُ الحَدُّ به

(3)

، وإنْ قُلْنا: يُعزَّرُ؛ فيُقبل

(4)

بِشاهِدَينِ، وقِيلَ: بأربعةٍ، وعلى قِياسِ هذا: كلُّ وَطْءٍ يُوجِبُ التَّعزيرَ فقطْ.

فإنْ لم يكُنْ وَطْئًا؛ كمُباشَرَةٍ دُونَ الفَرْج؛ ثبت

(5)

بشاهِدَينِ وَجْهًا واحِدًا.

(وَلَوْ كَانُوا فُسَّاقًا، أَوْ عُمْيَانًا، أَوْ بَعْضُهُمْ)، أوْ بانَ فِيهِمْ صبِيٌّ مُمَيِّزٌ، أو امرأةٌ، أوْ عَبْدٌ ولم يقبله

(6)

؛ (فَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ) على المذْهَبِ، وصحّحه القاضي؛ كما لو لم يَكمُل العددُ، وكما لو كان المشهودُ عليه

(7)

مَجْبوبًا أوْ رَتْقاءَ.

(وَعَنْهُ: لَا حَدَّ عَلَيْهِمْ)، وهو قَولُ الحَسَنِ والشَّعْبِيِّ، لأِنَّهم أربعةٌ، فَدَخَلُوا في عُمومِ الآية، وكما لو شَهِدَ أرْبَعةٌ مَسْتُورُونَ، ذَكَرَه في «المغْنِي» و «الشّرح» ، أو موت أحدِهم قَبْلَ وَصْفِه الزِّنى، وأنْ مشهودًا

(8)

عَلَيها عَذْراءُ، نَصَّ

(1)

قوله: (أنه) مكانه بياض في (م).

(2)

ينظر: الأم 7/ 87، الإجماع لابن المنذر ص 119.

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

(4)

في (م): فقيل، وفي (ن): فتقبل.

(5)

في (ظ) و (ن): يثبت.

(6)

في (م): لم نقبلهم.

(7)

في (م): عليهم.

(8)

في (ظ): شهدوا. وعبارة الإنصاف 26/ 324: وإن شهدوا عليها فثبت أنها عذراء.

ص: 485

عَلَيهِ

(1)

، وفي «الواضح»: تَزُولُ حضانتها

(2)

بهذه الشّهادةِ.

والثَّالِثةُ: يُحَدُّ الْعُمْيانُ خاصَّةً، وقاله

(3)

الثوري

(4)

وإسْحاقُ؛ لأِنَّه مَعْلُومٌ كَذِبُهم، والباقي يَجُوزُ صِدْقُهم، وقد كَمُلَ عَدَدُهم، أشْبَهَ مستوري

(5)

الحال.

(وَإِنْ

(6)

كَانَ أَحَدُهُمْ زَوْجًا؛ حُدَّ الثَّلَاثَةُ

(7)

؛ لأنَّهم

(8)

قَذَفَةٌ، حَيثُ لم تَكمُل البيِّنةُ؛ لأِنَّ شهادةَ الزَّوج غَيرُ مَسْمُوعةٍ، (وَلَاعَنَ الزَّوْجُ إِنْ شَاءَ)؛ لأِنَّ الزَّوجَ إذا قَذَفَ زَوجَتَه له الخِيَرةُ بَينَ اللِّعان وتَرْكِه.

وعلى الثَّانِيَةِ: لا حَدَّ ولا لِعانَ بِحالٍ.

(وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ، وَاثْنَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ أَوْ بَلَدٍ آخَرَ)، أو اخْتلَفا في اليوم؛ (فَهُمْ قَذَفَةٌ، وَعَلَيْهِمُ الْحَدُّ)، اخْتارَه الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «الفروع» ؛ لأِنَّه لم يَكمُل

(9)

أربعةٌ على زِنًى واحِدٍ، فَوَجَبَ عَلَيهِم الحَدُّ؛ كما لو انْفَرَدَ بالشَّهادة اثْنانِ.

(وَعَنْهُ: يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) فقطْ، اختاره أبو بكرٍ، وفي «التَّبصرة» و «المستوعب»: وظاهِرُها أنَّه لا تعتبر

(10)

شهادة الأَرْبَعِ على فِعْلٍ واحِدٍ،

(1)

ينظر: الفروع 10/ 64.

(2)

في (م): يزول حكمها. وفي الفروع 10/ 64، والإنصاف 26/ 324: حصانتها، وفي نسخة مخطوطة من الفروع: حضانتها.

(3)

في (م): وقال.

(4)

في (ن): النووي.

(5)

في (م): مستور.

(6)

في (م): فإن.

(7)

كتب في هامش (ظ): (لأن شهادته على زوجته بالزنى لا تقبل، فيكون قاذفًا لها).

(8)

في (م): لأن.

(9)

في (ن): لم تكمل.

(10)

في (م): لا يعتبر.

ص: 486

وإنَّما يُعتَبَرُ عددُ الشُّهود في كَونها زانيةً.

(وَهُوَ بَعِيدٌ)؛ لأِنَّه لم يَثبُتْ زِنًى واحِدٌ بشهادةِ أربعةٍ، فلم يَجِب الحَدُّ، ولأنَّ

(1)

جميعَ ما يُعتَبَرُ له البيِّنةُ يُعتَبَرُ كمالُها في حقِّ واحِدٍ، فالواجب

(2)

للحَدِّ أَوْلَى، ولأنَّه

(3)

مِمَّا يُحتاطُ له ويندرئ

(4)

بالشُّبُهات.

قال أبو بكرٍ: لو شَهِدَ اثْنانِ أنَّه زَنَى بامرأةٍ بَيضاءَ، وآخران بامرأة

(5)

سَوداءَ؛ فهم قَذَفَةٌ، ذَكَرَه القاضي.

وهذا يُناقِضُ قَولَه: (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَةِ بَيْتٍ) صغيرٍ، (وَشَهِدَ الآْخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي زَاوِيَتِهِ الْأُخْرَى)؛ كَمُلَتْ شَهادتُهم إنْ كانت الزاويتان

(6)

مُتقارِبَتَينِ، وحُدَّ المشهودُ عَلَيهِ على المذهب؛ لأِنَّ التَّصديقَ مُمْكِنٌ، فلم يجز التَّكذِيبُ.

لا يُقالُ: يُمكِنُ أنْ يكُونَ المشهودُ به فِعْلَينِ، فَلِمَ أوجبتم الحَدَّ مع الاِحْتِمال، وهو يُدْرَأُ بالشُّبهة؛ لأِنَّه لا

(7)

شُبْهةَ فِيهِ، بدليلِ ما لو اتَّفَقا على مَوضِعٍ واحِدٍ، فإنَّه يُمكِنُ أنْ تكونَ الشَّهادةُ على فِعْلَينِ، بأنْ يكونَ قد فَعَلَ ذلك مرَّتَينِ.

أمَّا لو كانت الزَّاوِيَتانِ متباعدتين

(8)

؛ فالقَولُ فيهما كالقَولِ في البَيْتَيْن.

وعلى قَولِ أبي بَكْرٍ: تَكمُلُ الشَّهادةُ، سواءٌ تَقارَبَتَا أوْ تَباعَدَتا.

(1)

في (م): ولا.

(2)

في (م): فالموجب.

(3)

في (م): ولا.

(4)

في (م): ويدار.

(5)

قوله: (بامرأة) سقط من (ظ).

(6)

في (ظ): الروايتان.

(7)

قوله: (لا) سقط من (م).

(8)

في (م): متساعدتين.

ص: 487

(أَوْ شَهِدَا

(1)

أَنَّه زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَبْيضَ، وَشَهِدَ الآْخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي قَمِيصٍ أَحْمَرَ؛ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ) على المذْهَبِ؛ لأِنَّه لا تَنافِيَ بَينَهما، فإنَّه يُمكِنُ أنْ يكونَ عليها

(2)

قَمِيصانِ، فَذَكَرَ كلُّ اثنَينِ واحِدًا منهما، كما لو شَهِدَ اثْنانِ أنَّه زَنَى بها

(3)

في قميصِ كَتَّانٍ، وآخَرَانِ في قَمِيصِ خَزٍّ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَلاَّ تَكْمُلَ؛ كَالتِي قَبْلَهَا)، وقاله أبو الخَطَّابِ؛ لأِنَّ شهادتَهم مُختَلِفَةٌ، أشْبَهَ ما لو اخْتَلَفُوا في البَيتَينِ، فعلى هذا: هل

(4)

يُحَدُّونَ للقذف؟ على وَجْهَينِ.

(وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً، وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا مُكْرَهَةً؛ لَمْ تَكْمُلْ شَهَادَتُهُمْ) على الأَشْهَرِ؛ لأِنَّ فِعْلَ المُطاوِعةِ غَيرُ المكرهة

(5)

، فَعَلى هذا: لا يُحَدُّ الرَّجُلُ، اختاره أبو بكرٍ والقاضي، وأكثرُ الأصْحابِ، ولا المرأةُ بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

؛ لأِنَّ الشَّهادةَ لم تَكمُلْ على فِعْلٍ مُوجِبٍ للحَدِّ عَلَيهِما.

(وَهَلْ يُحَدُّ الْجَمِيعُ)؛ أي: الأربعةُ؛ لقَذْفِهم الرَّجُلَ، (أَوْ شَاهِدَا

(7)

الْمُطَاوَعَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: يَجِبُ الْحَدُّ على شاهِدَي المُطاوَعَةِ، اختاره أبو بَكْرٍ؛ لأِنَّهما قَذَفَا المرأةَ بالزِّنى، ولم تَكمُلْ شهادتُهم عَلَيها، ولا يَجِبُ على شاهِدَي الإكْراهِ؛ لأِنَّهما لم يَقذِفا المرأةَ، وقد كمُلَتْ شهادتُهم على الرَّجُلِ، وإنَّما

(1)

في (ظ): شهد.

(2)

في (م): عليهما.

(3)

قوله: (بها) سقط من (م).

(4)

قوله: (هل) سقط من (ن).

(5)

قوله: (لأن فعل المطاوعة غير المكرهة) في (م): (فعلى المطاوعة غير الكراهة).

(6)

ينظر: المغني 9/ 75.

(7)

في (م): شهد، وفي (ن): شهدا.

ص: 488

انْتَفَى الحدُّ للشُّبهة.

والثَّاني: يُحَدُّ الجميعُ؛ لأِنَّهم شَهِدُوا بالزِّنى، فَلَزِمَهم الحَدُّ؛ كما لو لم يَكمُلْ عددُهم.

(وَعِنْدَ أَبِي

(1)

الْخَطَّابِ: يُحَدُّ الزَّانِي الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ)، واخْتارَهُ في «التَّبصرة» ؛ لأِنَّ الشَّهادةَ كَمُلَتْ على وُجودِ الزِّنى منه، واخْتِلافُها إنَّما هو في فِعْلِها، فلا يمنع

(2)

كمال الشَّهادة عَلَيهَا، (دُونَ الْمَرْأَةِ)؛ لأِنَّه لم يَشهَدْ عَلَيها أربعةٌ بِزِنًى يوجب

(3)

الحَدَّ؛ لأِنَّه لا حَدَّ مع الإكْراه، (وَالشُّهُودِ)؛ لأِنَّ المقْتَضِيَ له

(4)

لم يُوجَدْ.

وفي «الواضح» : لا حَدَّ على أحدٍ منهم.

فرعٌ: إذا شَهِدَ اثْنانِ أنَّها بَيضاءُ، وآخَرانِ غَيرَه؛ لم يُقبل

(5)

؛ لأِنَّ الشَّهادةَ لم تَجتَمِعْ على عَينٍ واحِدةٍ، وكما

(6)

لو اخْتَلَفُوا في تعدُّدِ المكان أو الزَّمان، بخِلافِ السَّرِقةِ، وحُدُّوا للقَذْفِ.

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ، فَرَجَعَ أَحَدُهُمْ

(7)

قَبْلَ الحَدِّ

(8)

فَلَا شَيْءَ عَلَى الرَّاجِعِ، وَيُحَدُّ

(9)

الثَّلَاثَةُ)، اختاره أبو بَكْرٍ وابنُ حامِدٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الرَّاجِعَ كالتائب

(10)

قَبْلَ تَنفيذِ الحُكْم بقَولِه، ولأِنَّ في دَرْءِ الحَدِّ عنه تَمَكُّنًا له

(1)

قوله: (أبي) مكانه بياض في (م).

(2)

في (ن): فلا تمنع.

(3)

في (م): فوجب.

(4)

قوله: (له) سقط من (م).

(5)

في (م): لم تقبل.

(6)

في (م): كما.

(7)

في (م): واحد منهم.

(8)

قوله: (الحد) سقط من (م).

(9)

في (ن): وتحد.

(10)

قوله: (الراجع كالتائب) في (م): الثالث.

ص: 489

من الرُّجوع الذي تَحصُل

(1)

به مَصلَحَةُ المشْهودِ عليه

(2)

، وإنَّما حُدَّ الثَّلاثَةُ؛ لأِنَّ برجوع

(3)

الرَّاجِعِ نَقَصَ عددُ الشُّهود، فَوَجَبَ أنْ يُحَدُّوا؛ كما لو كانُوا في الاِبْتِداء كذلك.

والثَّانِيَةُ: يُحَدُّ الجميعُ، قدَّمها في «المحرَّر» ؛ لِنَقْصِ العدد؛ كما لو كانوا ثلاثةً.

قال في «المحرَّر» : ويَتخرَّجُ ألاَّ يُحَدَّ سِوَى الرَّاجِع إذا رَجَعَ بَعْدَ الحُكْمِ وقَبْلَ الحَدِّ.

ولو رَجَعَ الكلُّ؛ فهل يُحَدُّونَ؟ على الرِّوايَتَينِ في الواحد.

(وَإِنْ كَانَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الحُكْمِ؛ فَلَا حَدَّ عَلَى الثَّلَاثَةِ)؛ لأِنَّ الشَّهادةَ كَمُلَتْ، واتَّصَلَ بها الحُكْمُ، فلم يَجِبْ عَلَيْهِم شيء

(4)

؛ لِعَدَمِ كونِهم

(5)

قَذَفَةً، (وَيَغْرَمُ الرَّاجِعُ رُبُعَ مَا أَتْلَفُوهُ)؛ لأِنَّه أقرَّ على نفسه بِرُجوعِه أنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بفِعْلِه وفِعْلِ غَيرِه، فيُقبَلُ على نفسه فقطْ.

وظاهِرُه: أنَّه لا حدَّ على الرَّاجِع أيْضًا، ونَقَلَه أبو النَّصْرِ

(6)

؛ لأِنَّه تائب

(7)

.

والمذْهَبُ: أنَّه يُحَدُّ وَحْدَه إنْ وَرِثَ حدَّ القَذْفِ، فإنْ كان رَجْمًا؛ ضَمِنَ رُبُعَ المتْلَفِ بديةٍ

(8)

أوْ غَيرِها إن صرَّح بالخطأ، وإنْ قال: عَمَدْنا الكَذِبَ

(1)

في (م) و (ن): يحصل.

(2)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(3)

في (م): برجع.

(4)

في (م): عليها بشيء.

(5)

في (م): لقولهم.

(6)

في (ظ): أبو النضر. ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4109، الفروع 10/ 68.

(7)

في (م): غائب.

(8)

في (م): يده.

ص: 490

لِيُقْتَلَ؛ قُتل وَحْدَه، وإنْ قال: عَمَدْتُ ذلك وَحْدِي؛ فهل يَلزَمُه قَوَدٌ؟ على الروايتين

(1)

في مُشارَكةِ العامِدِ للمُخْطِئِ.

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِالزِّنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ ثِقَاتٌ مِنَ النِّسَاءِ أَنَّهَا عَذْرَاءُ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْها)؛ لأِنَّ البَكارةَ تَثْبُتُ بِشهادةِ النِّساء، وَوُجُودُها يَمنَعُ مِنْ الزِّنى ظاهِرًا، والشُّهودُ صِدْقُهم مُحتَمِلٌ، فإنَّه يَحتَمِلُ أنَّه وَطِئَها، ثُمَّ عادِتْ عُذْرَتُها.

لكِنْ ذَكَرَ في «الشَّرح» : أنَّه يُكتَفَى بشهادةِ واحدةٍ؛ لأِنَّ شهادتَها مَقْبولةٌ فِيما لا يَطَّلِعُ عَلَيهِ الرِّجالُ.

ونَقَلَ أبو النَّصْر في مسألةِ المَجْبوبِ: أنَّ الشُّهودَ قَذَفَةٌ، وقد أحْرَزُوا ظُهورَهم، فذُكِرَ له قَولُ الشَّعبِيِّ: الْعَذْراء، قال: عنه اختلاف

(2)

، فإنْ رَجَمَه القاضِي؛ فالخَطَأُ منه، قلت: أفترى

(3)

في

(4)

هذا أوْ فيمَنْ شَهِدَ عَلَيهِ بالزِّنى، فلم يسأل

(5)

القاضي عن إحْصانِه حتى

(6)

رَجَمَه، أنَّ الدِّيَةَ في بَيتِ المالِ، لأِنَّ الحاكِمَ ليس

(7)

عَلَيهِ غُرْمٌ؟ قال: نعم

(8)

.

وأطْلَقَ ابنُ رَزِينٍ في مَجْبوبٍ ونحوِه قَولَينِ، بخِلافِ العَذْراء. وفي «الشَّرح»: إنْ شَهِدَ بأنَّها رَتْقاءُ، أوْ ثَبَتَ أنَّ الرَّجُلَ مجبوبٌ

(9)

؛ فينبغي

(10)

أنْ يَجِبَ الحَدُّ على الشُّهود؛ لأِنَّه مُتيقَّنٌ كَذِبُهم.

(1)

في (م): روايتين.

(2)

زيد في (ن): عنه.

(3)

في (ظ): فترى. وفي (ن): فرأى.

(4)

قوله: (في) سقط من (م).

(5)

قوله: (فلم يسأل) في (م): فسأل.

(6)

زيد في (م): رجع.

(7)

قوله: (ليس) سقط من (م).

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 338، الفروع 10/ 68.

(9)

قوله: (ونحوه قولين بخلاف العذراء

) إلى هنا سقط من (م).

(10)

في (م): ينبغي.

ص: 491

(وَلَا عَلَى الشُّهُودِ، نَصَّ عَلَيْهِ

(1)

؛ لأِنَّ صِدْقَهم مُحتَملٌ، وفي «الرِّعاية»: ولا على الرَّجُل.

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ

(2)

أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ، فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ هُمُ الزُّنَاةُ بِهَا؛ لَمْ يُحَدَّ المَشْهُودُ

(3)

عَلَيْهِ)؛ لأِنَّ شهادةَ الآخَرِينَ تَضَمَّنتْ جَرْحَ الأوَّلِينَ، وشَهادةَ الآخَرِينَ تتطرَّقُ إليها

(4)

التُّهمةُ.

(وَهَلْ يُحَدُّ الشُّهُودُ الْأَوَّلُونَ حَدَّ الزِّنَى؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفُروع»:

إحْداهما: لا يَجِبُ الحَدُّ عَلَيهم؛ لأِنَّ الأوَّلِينَ قد جَرَحَهم الآخَرونَ بشهادتهم عَلَيهِم، والآخَرُونَ تتطرق

(5)

إليهم التُّهمة.

والثَّانِيَةُ: يُحَدُّونَ له، اخْتارَها أبو الخَطَّاب؛ لأِنَّ شهادةَ الآخرين صحيحةٌ، فيَجِبُ الحُكْمُ بها.

وعلى كلتيهما: في حدِّهم للقَذْفِ رِوايَتانِ: أشْهَرُهما: بأنَّهم يُحَدُّونَ.

(وَإِنْ حَمَلَتِ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا وَلَا سَيِّدَ؛ لَمْ تُحَدَّ

(6)

بِذَلِكَ

(7)

بِمُجَرَّدِهِ)، نَقَلَه الجماعةُ

(8)

، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّها الأَظْهَرُ، لكنَّها تُسْأَلُ، فإنِ ادَّعَتْ أنَّها أُكْرِهَتْ، أوْ وُطِئَتْ بشُبْهةٍ، أوْ لم تعترف

(9)

بالزِّنى؛ لم تُحَدَّ، وهو قَولُ الأكثرِ

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 425، زاد المسافر 4/ 338.

(2)

في (م): على الرجل أربعة.

(3)

في (م): لم يحدا الشهود.

(4)

في (ن): إليهم.

(5)

في (ن): يتطرق.

(6)

قوله: (تحد) مكانه بياض في (م).

(7)

في (م): لذلك.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3524، الفروع 10/ 69.

(9)

قوله: (أو لم تعترف) في (م): إن لم تعرف.

ص: 492

من العلماء.

وعن أحمدَ: بلى إنْ لم تَدَّعِ شبهة

(1)

.

وفي «الوسيلة» و «المجموع» روايةٌ: ولو ادَّعَتْ شبهة

(2)

.

وأقْوالُ الصَّحابة مُختَلِفَةٌ في ذلك

(3)

، حتَّى بالَغَ بَعْضُ العلماء، وقال: إنَّ المرأةَ تَحمِلُ مِنْ غَيرِ وَطْءٍ، بأنْ تُدخِلَ ماءَ الرُّجُل في فَرْجِها، ولهذا تُصُوِّرَ

(1)

في (م): الشبهة.

(2)

قوله: (وفي «الوسيلة» و «المجموع» رواية: ولو ادعت شبهة) سقط من (م).

(3)

مراده كما في المغني (9/ 79)، ما أخرجه البخاري (6829)، عن عمر رضي الله عنه:«ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن، إذا قامت البينة، أو كان الحبل أو الاعتراف» .

وأخرج عبد الرزاق (13443)، من طريق قتادة قال:«رفع إلى عمر رضي الله عنه امرأة ولدت لستة أشهر فسأل عنها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال علي رضي الله عنه: ألا ترى أنه يقول: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} فكان الحمل ههنا ستة أشهر فتركها، ثم قال: «بلغنا أنها ولدت آخر لستة أشهر» ، وأخرج نحوه سعيد بن منصور (2074)، من طريق يونس، عن الحسن عن عمر رضي الله عنه، وكلاهما منقطع.

وأخرج عبد الرزاق (13666)، والبيهقي في الكبرى (17047)، من طريق عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن أبي موسى الأشعري، قال:«أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة من أهل اليمن، قالوا: بغت، قالت: إني كنت نائمة، فلم أستيقظ إلا برجل رمى في مثل الشهاب، فقال عمر رضي الله عنه: يمانية نؤومة شابة» فخلى عنها ومتعها، قال الألباني:(إسناد صحيح رجاله ثقات).

وأخرج عبد الرزاق (13446)، ومن طريقه ابن جرير في التفسير (4/ 202)، من طريق أبي عبيد مولى عبد الرحمن بن عوف قال:«رفعت إلى عثمان امرأة ولدت لستة أشهر فقال: إنها رفعت إليَّ امرأة لا أراه إلا قال: وقد جاءت بشر أو نحو هذا ولدت لستة أشهر فقال له ابن عباس: إذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة أشهر قال: وتلا ابن عباس: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} فإذا أتمت الرضاع كان الحمل ستة أشهر» ، وقال ابن حجر:(سنده صحيح). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 472، الإرواء 8/ 30.

ص: 493

حَمْلُ البِكْر ووُجِدَ

(1)

.

مسألةٌ: إذا شُهِدَ عَلَيهِ بِزِنًى قَديمٍ، أوْ أقرَّ به؛ وَجَبَ عَلَيهِ الحَدُّ؛ لِعُمومِ الآية، وكسائر الحُقوق.

وقال ابنُ حامِدٍ: لا أقْبَلُ بيِّنةً على زِنًى قَديمٍ، وأحُدُّه بالإقْرار به، وذَكَرَه ابنُ أبي موسى مَذْهَبًا لأِحمدَ، وهو مَرْوِيّ عن عمر

(2)

؛ لأِنَّ تأخيرَ الشَّهادة إلى هذا الوَقْتِ يَدُلُّ على التُّهمة.

وتُقْبَلُ الشَّهادةُ به

(3)

مِنْ غَيرِ مدعٍ

(4)

، نَصَّ عليه

(5)

؛ لِقَضِيَّةِ أبي بكرة

(6)

.

(1)

في (م): ووجه.

(2)

في (ظ): غيرهم.

والأثر: أخرجه عبد الرزاق (13760)، وابن حزم في المحلى (12/ 43)، من طريق مسعر، عن أبي عون قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أيما رجل شهد على حدٍّ، لم يكن بحضرته، فإنما ذلك عن ضغن» ، ورجاله ثقات إلا أن أبا عون وهو محمد بن عبيد الله الثقفي لم يدرك عمر رضي الله عنه.

(3)

قوله: (به) سقط من (م).

(4)

في (م): مدح.

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4681،

(6)

في (م): لقصة أبي بكر. وقد سبق تخريجها 9/ 483 حاشية (6). وكتب في هامش (ظ): (بلغ بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 494

(بَابُ الْقَذْفِ)

وهو مُحرَّمٌ بالإجماع

(1)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (23)} [النُّور: 23]، وقَولُه عليه السلام:«اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ» ، قالوا: وما هي يا رسولَ الله؟ قال: «الشِّرْكُ بالله

(2)

، والسِّحرُ، وقَتْلُ النَّفس التي حرَّم الله، وأكْلُ الرِّبا، وأكلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّولِّي يَومَ الزَّحْف، وقَذْفُ المُحْصَناتِ الغافِلاتِ المؤمِناتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(3)

.

(وَهُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَى

(4)

، فبَيانٌ لِمَعْنى القَذْف، وكذا: رَمْيُه بلواطٍ، أوْ شهادةٌ عَلَيهِ به ولم تَكمُل

(5)

البيِّنةُ، وأصْلُه: الرَّمْيُ بالحَجَرِ، بخِلافِ الخَذْف - بالخاء المعجمةِ - فإنَّه الرَّمْيُ بالحَصَى، وهو في

(6)

الأصْلِ: رَمْيُ الشَّيء بقُوَّةٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ في الرَّمْيِ بالزِّنى ونحوِه من المكروهات، يُقالُ: قَذَفَ يَقذِفُ قَذْفًا، فهو قاذِفٌ، وجَمْعُه: قُذَّافٌ، وقَذَفَةٌ؛ كفاسِقٍ وفَسَقَةٍ، وكافِرٍ وكَفَرةٍ.

(وَمَنْ قَذَفَ)، وهو مُكلَّفٌ مختارٌ

(7)

، (مُحْصَنًا؛ فَعَلَيْهِ جَلْدُ

(8)

ثَمَانِينَ جَلْدَةً إِنْ كَانَ الْقَاذِفُ حُرًّا، وَأَرْبَعِينَ إِنْ كَانَ عَبْدًا)، أجْمَعُوا على وُجُوبِ الحَدِّ على

(1)

ينظر: المغني 9/ 83.

(2)

قوله: (بالله) ليس في (م).

(3)

أخرجه البخاري (2766)، ومسلم (89).

(4)

قوله: (وهو الرمي بالزنى) سقط من (م).

(5)

في (ن): ولم يكمل.

(6)

في (ن): من.

(7)

زيد في (م): حر.

(8)

قوله: (جلد) سقط من (ن).

ص: 495

مَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا

(1)

، حُرًّا كان القاذِفُ أوْ عَبْدًا، وأنَّ حَدَّه ثَمانُونَ إنْ كانَ حُرًّا؛ لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [النُّور: 4]، والرَّقيقُ على النِّصف مِنْ ذلك في قَولِ أكثرِ العلماء.

ويرْوَى: أنَّ أبا بكرِ بنَ محمَّدِ بنِ عمرو بنِ حَزْمٍ جَلَدَ عَبْدًا قَذَفَ حُرًّا ثمانِينَ

(2)

، وبه قال قَبِيصةُ وعمرُ

(3)

بنُ عبد العزيز؛ لِعُمومِ الآية.

والصَّحيحُ الأوَّلُ؛ لإجْماعِ الصَّحابة، قال عبدُ الله بنُ عامِرِ بنِ رَبِيعةَ: «أدْرَكْتُ أبا بكرٍ، وعُمَرَ، وعُثْمانَ، والخلفاءَ، وهلمَّ

(4)

جَرًّا، ما رَأيتُ أحَدًا جَلَدَ عبدًا في فرية أكثرَ مِنْ أربعينَ» رواهُ مالِكٍ

(5)

، وكحدِّ

(6)

الزِّنى، والآيةُ وإنْ كانَتْ عامَّةً؛ فَدَلِيلُنا خاصٌّ، والخَاصُّ مُقدَّمٌ، وتَقَدَّمَ قَولُ الخِرَقِيِّ: يكونُ بِدُونِ سَوطِ الحُرِّ.

وظاهِرُه

(7)

: ولو ذاتَ مَحرَمٍ، أوْ مجبوبًا

(8)

، سِوَى وَلَدِه وإنْ نَزَلَ، نَصَّ على الثَّلاثة

(9)

، ولو عَتَقَ قَبْل حَدٍّ.

ومُعتَقٌ بعضُه بالحساب، وقِيلَ: كعبدٍ

(10)

.

(1)

ينظر: مراتب الإجماع ص 134.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (28233).

(3)

قوله: (قبيصة وعمر) في (ن): شعبة وعمرو.

(4)

في (ظ): هلم.

(5)

أخرجه مالك في الموطأ (2/ 828)، ومن طريقه عبد الرزاق (13794)، والبيهقي في الكبرى (17139)، وإسناده صحيح.

(6)

في (م): ولحد.

(7)

قوله: (وإن كانت عامة فدليلنا خاص

) إلى هنا ذكر في (ن) بعد قوله: (نص على الثلاثة).

(8)

في (م): مجنونًا.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3657 - 3667، زاد المسافر 4/ 368.

(10)

في (م): بعبد.

ص: 496

(وَهَلْ حَدُّ الْقَذْفِ حَقُّ للهِ تَعَالَى، أَوْ لِلآْدَمِيِّ

(1)

؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحْداهُما، وهي الأظْهَرُ والأشهر

(2)

، وقالَهُ الجُمْهورُ: هو حَقٌّ لآدمي

(3)

، فَعَلَيهِ: يَسقُطُ بِعَفْوِه عنه، قال القاضي وأصحابُه: لا عَفْوِه عن بَعْضِه.

والثَّانِيَةُ: هو حقٌّ لله تعالى، قدَّمها في «الرِّعاية» ، وعَلَيهَا: لا يَسقُطُ بالعَفْوِ أو الإبراء

(4)

، ولا يَستَوفِيهِ إلا

(5)

الإمامُ أوْ نائبُه.

وعليهما

(6)

: لا يُحَدُّ ولا يَجُوزُ أنْ يُعرَضَ له إلاَّ بطلَبٍ، وذَكرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين إجْماعًا

(7)

، ويَتَوَجَّهُ على الثَّانية: وبِدُونِه.

ولا يَسْتَوفِيهِ بنفسه

(8)

، خِلافًا لأِبِي الخَطَّاب، وأنَّه لو فَعَلَ لم يُعْتَدَّ به، وعلَّله القاضي: بأنَّه تُعتبر

(9)

نيةُ

(10)

الإمامِ أنَّه حَدٌّ.

وفي «البُلْغة» : لا يَستَوفِيهِ بِدُونِه، فإنْ فَعَلَ؛ فَوَجْهانِ، وأنَّ هذا في القَذْف الصَّرِيح، وأنَّ

(11)

غيره يَبرَأُ به

(12)

سواءٌ

(13)

، على خِلافٍ في المذْهَبِ؛ كاعْتِبارِ المُوالاةِ أو النية

(14)

.

(1)

في (ظ): للآدميين.

(2)

قوله: (والأشهر) سقط من (م).

(3)

في (م): الآدمي. وكتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(4)

في (م): والإبراء.

(5)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(6)

في (م): وعليها.

(7)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 382.

(8)

قوله: (بنفسه) سقط من (م).

(9)

في (م): بغير.

(10)

في (م): يعتبر فيه.

(11)

في (م): لأن.

(12)

قوله: (يبرأ به) في (ن): برأيه.

(13)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 86، والإنصاف 26/ 350: سرًّا.

(14)

في (م): والنية.

ص: 497

(وَقَذْفُ غَيْرِ المُحْصَنِ)؛ كمن

(1)

قَذَفَ مُشرِكًا، أوْ عَبْدًا، أوْ مُسلِمًا له

(2)

دُونَ عَشْرِ سِنِينَ، أوْ مُسْلِمَةً لها دُونَ تِسْعِ سِنِينَ، أوْ مَنْ لَيسَ بعَفِيفٍ؛ (يُوجِبُ

(3)

التَّعْزِيرَ)؛ رَدْعًا له عن أعْراضِ المَعْصُومِينَ، وكَفًّا لَه عن أَذاهم.

وقِيلَ: سِوَى سيدٍ

(4)

لعبده.

فرعٌ: لا

(5)

يُحَدُّ أَبَواهُ - وإنْ عَلَوْا - بقَذْفِه وإنْ نَزَلَ؛ كقَوَدٍ، فلا يَرِثُه عَلَيهِما، وإنْ وَرِثَه أخوهُ لأُمِّه، وحُدَّ له؛ لتَبْعيضِه

(6)

.

وفي «التّرغيب» : لا يُحَدُّ أبٌ، وفي أمٍّ

(7)

وَجْهانِ.

(وَالمُحْصَنُ) هنا: (هُوَ

(8)

الْحُرُّ، الْمُسْلِمُ، الْعَاقِلُ، الْعَفِيفُ، الذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ)، هذه صِفَةُ المحْصَن الذي يُحَدُّ بقَذْفِه.

(1)

في (م): المحصنة فمن.

(2)

قوله: (له) سقط من (ن).

(3)

في (ن): فوجب.

(4)

في (ظ) و (ن): سيده.

(5)

قوله: (لا) سقط من (ظ). وإسقاطها موافق للنسخ الخطية من الفروع، والمثبت موافق لما في الإنصاف 26/ 358، والإقناع 4/ 259.

(6)

كتب في هامش (ظ): (يشير إلى الفرق بين القذف والقود في هذه الصورة؛ فإن القود إذا ورثه الابن أو شيئًا منه سقط؛ لأن الابن إن ورثه كله فظاهر، وإن ورث بعضه سقط أيضًا؛ لأنه لا يتبعض، بخلاف حد القذف، فإنه يتبعض؛ لأنه يمكن استيفاء القدر الواجب من غير زيادة، بخلاف القود فإنه لا يمكن استيفاء البعض فيه، وظاهر كلام المصنف أنه لا يحد للأخ من الأم كاملاً، وإنما يُحد له بقسطه).

وكتب أيضًا: (أي: أخو ولد القاذف، مثل أن تكون المرأة المقذوفة لها ولد من غير القاذف، فإنه يرث حصَّته من حد القذف؛ لأن أخاه إنما يرث لكونه ولدًا للقاذف، وهو لا يملك إقامة الحد على أبيه، بخلاف أخيه لأمه، فإنه يرث لعدم المانع من الإرث في حقه).

(7)

قوله: (أب وفي أم) في (م): إن دام.

(8)

قوله: (هو) سقط من (م).

ص: 498

أمَّا الحُرِّيَّةُ والإسلامُ؛ فَلِأَنَّ العبدَ والكافِرَ حُرْمَتُهما ناقِصةٌ، فلم تنتهض

(1)

لِإيجابِ الحَدِّ، والآيَةُ الكريمةُ وَرَدَتْ في الحُرَّة المسْلِمَة، وغَيرُهما لَيسَ في مَعْناهُما.

وأمَّا العَقْلُ؛ فَلِأَنَّ المجْنونَ لا يُعَيَّرُ بالزِّنى؛ لِعَدَمِ تَكْليفِه، وغَيرُ العاقِلِ لا يَلحَقُه شينٌ بإضافةِ الزِّنى إليه؛ لكَونِه غَيرَ مكلَّفٍ

(2)

.

وأمَّا العِفَّةُ عن الزِّنى؛ فَلِأَنَّ غير

(3)

العَفِيفِ لا

(4)

يَشِينُه القَذْفُ، والحَدُّ إنَّما وَجَبَ مِنْ أجل

(5)

ذلك، وقد أسْقَطَ اللهُ الحَدَّ عن القاذِف إذا كان له بيِّنةٌ بما قال.

وأمَّا كَونُه يُجامِعُ مِثْلُه؛ فَلِأَنَّ غَيرَ ذلك لا يُعَيَّرُ بالقَذْف؛ لِتَحَقُّقِ كَذِبِ القاذِفِ، وأقلُّه: أنْ يكُونَ له عَشْرُ سِنِينَ إنْ كان ذَكَرًا، أوْ تِسْعُ سِنِينَ إنْ كانَتْ أُنْثى.

وظاهِرُه: أنَّه لا تشترط

(6)

فيه العدالةُ، بل لو كان المقذوفُ فاسِقًا؛ كشربه

(7)

الخمرَ أو لبدعةٍ، ولم يُعرَفْ بالزِّنى؛ أنَّه يَجِبُ الحَدُّ بقَذْفِه.

وقال الشِّيرازِيُّ: لا يَجِبُ الحَدُّ بقَذْفِ مُبتَدِعٍ ولا مُبتَدِعةٍ.

وقال ابنُ أبي موسى: إذا قَذَفَ أمَّ وَلَدِ رَجُلٍ، وله منها ولدٌ؛ حُدَّ.

وإذا قَذَفَ مُسلِمٌ ذِمِّيَّةً تَحْتَ مُسلِمٍ، أوْ لها منه ولدٌ؛ حُدَّ في روايةٍ.

(1)

في (ظ) و (ن): ينتهض.

(2)

في (ظ) و (ن): مكاف.

(3)

قوله: (غير) سقط من (م).

(4)

قوله: (لا) سقط من (ن).

(5)

في (ن): في أصل.

(6)

في (م) و (ن): لا يشترط.

(7)

في (م): بشربه، وفي (ن): كشرب.

ص: 499

وإن

(1)

قَذَفَ عبدٌ عبدًا؛ جُلِدَ أرْبَعِينَ، قاله في «الرِّعاية» .

(وَهَلْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: يُشتَرَطُ، قِيلَ: إنَّها مُخرَّجَةٌ، ولَيستْ بمنصوصةٍ؛ لأِنَّ غَيرَ البالِغِ غَيرُ مُكلَّفٍ، أشْبَهَ المجنونَ.

والثَّانِيَةُ: لَيسَ بشَرْطٍ

(2)

، وهو مُقتَضَى كلامِ الخِرَقِيِّ، وقَطَعَ بها القاضي، والشَّريفُ، وأبو الخَطَّاب، وصاحِبُ «الوجيز» ؛ لأِنَّ ابنَ عَشْرِ سِنينَ ونحوِه يَلحَقُه الشَّينُ بإضافةِ الزنى

(3)

إليه، ويُعيَّرُ بذلك، ولهذا جُعِلَ عَيبًا في الرقيق

(4)

، أشْبَهَ البالِغَ.

وفي اشْتِراطِ سلامته من وَطْءِ الشُّبهة؛ وَجْهانِ، ولعلَّه مَبنِيٌّ على أنَّ وَطْءَ الشبهة

(5)

هل يُوصَفُ بالتَّحريم أمْ لَا؟ فذُكر عن

(6)

القاضي: أنَّه وَصَفَه به، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: عَدَمُ وَصْفِه بذلك، وظاهِرُ كلام

(7)

آخَرِينَ: أنَّه لا يُشتَرَطُ السَّلامةُ من ذلك.

فرعٌ: إذا وَجَبَ الحَدُّ بقَذْفِ من لم يَبلُغْ؛ لم يُقَمْ

(8)

حتَّى يَبلُغَ ويُطالِبَ؛ لِعَدَمِ اعتبارِ كلامه قَبْلَ البلوغ، ولَيسَ لوليِّه المطالَبةُ؛ حِذارًا مِنْ فَواتِ التَّشَفِّي.

ولو قَذَفَ غائبًا؛ اعْتُبِرَ قُدومُه وطَلَبُه، إلاَّ أنْ يَثبُتَ أنَّه طالَبَ في غَيبتِه،

(1)

في (م): إن.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(3)

في (ن): الشين.

(4)

قوله: (في الرقيق) في (ن): والرقيق. وزاد في (ظ): البالغ.

(5)

قوله: (وجهان ولعله مبني على أن وطء الشبهة) سقط من (ن).

(6)

قوله: (عن) سقط من (ن).

(7)

قوله: (ولعله مبني على أن وطء الشبهة

) إلى هنا سقط من (م).

(8)

زاد في (ظ): عليه.

ص: 500

فيُقامُ على المذهب.

وقِيلَ: لَا؛ لاِحْتِمالِ عَفْوِه.

ولو قَذَفَ عاقلاً فجُنَّ أوْ أُغْمِيَ عَلَيهِ قَبْلَ الطَّلَب؛ لم يُقَم حتَّى يُفِيقَ ويُطالِبَ، وإنْ كان بَعْدَ الطَّلَب؛ جازَتْ إقامَتُه.

مسألةٌ: يُشترَطُ لِإقامةِ الحَدِّ على القاذِفِ أمْرانِ:

أحدهما: مُطالَبةُ المقْذوف؛ لأِنَّه حقٌّ له كسائر حُقوقِه.

الثَّاني: ألاَّ يأتيَ ببيِّنةٍ.

فإنْ كان القاذِفُ زَوجًا اعْتُبِرَ آخَرُ، وهو: امْتِناعُه من اللِّعان.

ويُعتَبَرُ: اسْتِدامَةُ الطَّلَب إلى إقامته، فلو طَلَب ثُمَّ عَفَا؛ سَقَطَ.

ويُحَدُّ بقَذْفٍ على جِهَةِ الغَيرَةِ - بفَتْحِ الغَينِ -، ويَتوجَّه احْتِمالٌ وأنَّها عُذْرٌ في غِيبةٍ ونحوِها.

(وَإِنْ قَالَ) لِمُحْصَنَةٍ: (زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ، وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعِ سِنِينَ؛ لَمْ يُحَدَّ)؛ لأِنَّ حدَّ القَذْفِ إنَّما وَجَبَ لِمَا يَلحَقُ بالمقْذوفِ من العار، وهو مُنتَفٍ للصِّغَر، بل

(1)

يُعزَّرُ، زاد في «المغْنِي»: إنْ رآه الإمامُ، وأنَّه لا يَحتاجُ إلى طَلَبٍ؛ لأِنَّه لِتَأْدِيبِه.

(وَإِلاَّ خُرِّجَ

(2)

عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ)، وكذا في «الفروع» في اشْتِراطِ البُلُوغ، جَزَمَ في «الوجيز» بالحَدِّ.

(وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ، أَوْ أَمَةٌ، وَلَمْ تَكُنْ

(3)

كَذَلِكَ؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ)؛ لأِنَّه يُعلَمُ كَذِبُه، وإنْ لم يثبت

(4)

ذلك على الأصحِّ، فإنْ

(1)

في (م): لم.

(2)

قوله: (وإلا خرج) في (م): والأخرى.

(3)

في (ن): ولم يكن.

(4)

في (م): لم تثبت.

ص: 501

ثَبَتَ؛ فلا حَدَّ على الأصحِّ.

(وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ)؛ لم يُحَدَّ على الأَشْهَرِ، (وَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي فِي الْحَالِ، فَأَنْكَرَهَا)؛ فهل يُحَدُّ أوْ يُعزَّرُ؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):

الأصحُّ: أنَّه لا حدَّ

(1)

عَلَيهِ؛ لأِنَّ ظاهِرَ لَفْظِه يَقتَضِي تعليقَ (وأنتِ نَصْرانِيَّةٌ أوْ أَمَةٌ) بقَولِه: (زَنَيتِ)، فيَصِيرُ كأنَّه قال لها: زَنَيتِ حالَ النَّصْرانيَّة أو الرِّق

(2)

، ولا حَدَّ مع ذلك؛ لأِنَّ ارْتِباطَ الكلام بعضِه ببعضٍ أَوْلَى مِنْ عَدَمِ ارتباطه

(3)

.

قال في «الفروع» : ويتوجَّه مثله إن

(4)

أضافه إلى جنون.

وفي «التَّرغيب» : إنْ كان ممَّن يُجَنُّ؛ لم يَقذِفْه.

وفي «المغْنِي» : إن ادَّعَى أنَّه كان مجنونًا حِينَ قَذْفِه، فأنْكَرَتْ، وعُرِفَتْ له حالة

(5)

جُنونٍ وإفاقةٍ؛ فوَجْهانِ.

وإن ادَّعَى رِقَّ مَجْهولةٍ؛ فرِوايَتانِ.

وإن ادَّعَى أنَّ قَذْفًا مُتقدِّمًا كان في صغَرٍ

(6)

، أو قال: زَنَيتِ مُكرَهةً، أوْ قال: يا زانيةُ، ثُمَّ ثبت

(7)

زناها في كُفْرٍ؛ لم يُحدَّ

(8)

؛ كثُبوتِه في إسلامٍ.

وفي «المبهج» : إن

(9)

قَذَفَه بما أتى في الكفرِ؛ حُدَّ؛ لحُرْمةِ الإسلام.

(1)

في (م): لا يحد.

(2)

في (م): والرق.

(3)

في (م): ارتباط.

(4)

في (م): إذا.

(5)

في (م): حال.

(6)

قوله: (في صغر) في (م): صغير.

(7)

في (ن): فثبت.

(8)

في (ن): لم تحد.

(9)

قوله: (وفي «المبهج» إن) في (ن): وإن.

ص: 502

وسَأَلَه ابنُ منصورٍ: رجلٌ رَمَى امرأةً بما فَعَلَتْ في الجاهِلِيَّةِ؟ قال: يحدُّ

(1)

.

وذَكَرَ القاضي: لو قال ابنُ عِشْرينَ لابن

(2)

خَمْسِينَ: زَنَيتَ مِنْ ثلاثِينَ سنةً؛ لم يُحَدَّ، وهو سَهْوٌ.

(وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا، فَزَالَ إِحْصَانُهُ قَبْلَ إِقَامَةِ الْحَدِّ؛ لَمْ يَسْقُطِ الْحَدُّ عَنِ الْقَاذِفِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، حَكَمَ حاكمٌ

(4)

بوُجوبه أمْ لَا؛ لأِنَّ الحَدَّ يُعتَبَرُ بوَقْتِ وُجوبه، وكما لا يَسقُطُ بِرِدَّتِه وجُنُونِه، وبخلاف

(5)

فِسْقِ الشُّهود قَبْلَ الحُكْم؛ لضِيقِ الشَّهادة، وعلَّله المؤلِّفُ: بأنَّه حقُّ آدَمِيٍّ، وبأنَّ الزِّنى نوع

(6)

فِسْقٍ، واحْتِمالُ وُجودِ الجنس أكثرُ من النَّوع، إلاَّ أنْ يَتقدَّمَ مُزيلُه على القَذْفِ بإقْرارٍ أوْ بيِّنةٍ.

(1)

في (ن): تحد. وينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1981.

(2)

في (م): لا ابن.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3666.

(4)

في (ن): الحاكم.

(5)

في (م): بخلاف.

(6)

في (م): فرع.

ص: 503

(فَصْلٌ)

(وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ):

(أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي

(1)

فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ)، زاد في «التَّرغيب» و «الرِّعاية»: ولو دُونَ الفَرْج، وفي «المُغْنِي»: أوْ تُقرُّ به

(2)

فيُصدِّقُها، (فَيَعْتَزِلَهَا، وَتَأْتِيَ بِوَلَدٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ

(3)

مِنْهُ)؛ أيْ: من الزَّاني، زاد في «المحرَّر» و «الرِّعاية»: وكذا لو وَطِئَها في طُهْرٍ زَنَتْ فيه، وظنَّ الولدَ مِنْ الزَّانِي، (فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا)؛ لأِنَّ نَفْيَ الولدِ واجِبٌ، ولا يُمكِنُ إلاَّ بالقذف؛ لأِنَّ ما لا يَتِمُّ الواجِبُ إلا

(4)

به واجِبٌ، (وَنَفْيُ وَلَدِهَا)؛ لأِنَّ ذلك يَجْرِي مَجْرَى اليقينِ في أنَّ الولدَ من الزَّانِي؛ لكَونِها أتَتْ به

(5)

لِستَّةِ أشْهُرٍ مِنْ حِينِ الوَطْء، وفي «سنن أبي داودَ»: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أيُّما امْرأةٍ أدْخَلَتْ عَلَى قَومٍ مَنْ لَيسَ منهم؛ فلَيسَتْ مِنْ الله في شَيءٍ، ولَنْ يُدْخِلَها اللهُ جنَّتَه»

(6)

،

(1)

قوله: (يرى امرأته تزني) في (ظ): أن تزني امرأته.

(2)

في (ظ): بقربه.

(3)

قوله: (أن يكون) في (ظ): كونه.

(4)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(5)

في (م): بولد.

(6)

أخرجه أبو داود (2263)، والنسائي (3481)، وابن حبان (4108)، من طريق عبد الله بن يونس، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، وعبد الله بن يونس مجهول الحال، وتابعه موسى بن عبيدة عند ابن ماجه (2743)، لكنها متابعة ضعيفة، وضعف الحديث ابن القطان والألباني وصححه ابن حبان وابن الملقن، وقال ابن حجر:(وصححه الدارقطني في العلل مع اعترافه بتفرد عبد الله بن يونس به عن سعيد المقبري)، وله شواهد أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: علل الدارقطني 10/ 375، بيان الوهم 5/ 767، البدر المنير 8/ 184، التلخيص الحبير 3/ 486، الإرواء 8/ 34.

ص: 504

ولا شكَّ أنَّ الرَّجُلَ مثلُها

(1)

.

وكذا لَوْ أقرَّتْ بالزِّنى، وَوَقَعَ في نَفْسِه صِدْقُها.

(الثَّانِي: أَلاَّ تَأْتِيَ بِوَلَدٍ يَجِبُ نَفْيُهُ)؛ لأِنَّ بالزَّوج حاجةً إلى فَسْخِ النِّكاح لِيتخلَّصَ مِنْ زَوجةٍ شَأْنُها كذلك؛ لحديثِ عُويمِرٍ العَجْلانِيِّ

(2)

وهِلالِ بنِ أُمَيَّةَ

(3)

.

(أَوِ اسْتَفَاضَ فِي النَّاسِ زِنَاهَا)، وقدَّم في «المُغْنِي» و «الشَّرح»: لا تكفي

(4)

اسْتِفاضَةٌ بلا قرينةٍ.

(أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ ثِقَةٌ)، فلو كان بِخَبَرِ مَنْ لا يُوثَقُ به؛ لم يَجُزْ؛ لأِنَّه غَيرُ مَأْمُونٍ على الكَذِب عَلَيها.

(أَوْ رَأَى رَجُلاً يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إِلَيْهَا)، زاد في «التَّرغيب»: خَلْوةً؛ (فَيُبَاحُ قَذْفُهَا)؛ لأِنَّه يَغلِبُ على ظنِّه فُجورُها، (وَلَا يَجِبُ)؛ لأِنَّه يُمكِنُه فِراقُها، والسُّكوتُ هُنا أَوْلَى؛ لأِنَّه أسْتَرُ، ولأِنَّ قَذْفَها يَلزَمُ منه أنْ يَحلِفَ أحدُهما كاذِبًا، أوْ يُقِرَّ فيَفتَضِحَ.

فرعٌ: قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: إذا قال: أخْبَرَتْنِي أنَّها زَنَتْ، فكَذَّبَتْه؛ ففي كَونِه قاذِفًا نِزاعٌ في مذهب

(5)

أحمدَ وغَيرِه، فإنْ جُعِلَ قَذْفًا، أوْ قَذَفَها صريحًا؛ فله اللِّعانُ، ولو حَلَفَ بالطَّلاق أنَّها قالَتْ له، فأنْكَرَتْهُ؛ لم تَطلُقْ باتفاق الأئمَّةِ

(6)

.

(1)

قوله: (مثلها) سقط من (ن).

(2)

أخرجه البخاري (5308)، ومسلم (1492) من حديث سهل رضي الله عنه.

(3)

أخرجه البخاري (4747)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ومسلم (1496)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(4)

في (م): لا يكفي.

(5)

قوله: (في مذهب) في (م): ومذهب.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 78.

ص: 505

ولو أسْقَطَتْ جنينًا بسببِ القَذْفِ؛ لم يَضمَنْه.

واخْتارَ أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ: المباحُ

(1)

: أن

(2)

يَراها تَزْنِي، أوْ يَظُنُّه ولا وَلدَ.

(وَإِنْ أَتَتْ بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا)؛ كأبْيَضَ بَينَ أسْوَدَينِ، أوْ بالعكس؛ (لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ

(3)

، اختاره ابنُ حامِدٍ؛ لخَبَرِ أبي هُرَيرَةَ، وهو مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وقال:«لَعلَّه نَزَعَه عِرْقٌ»

(4)

، ولأِنَّ دلالة

(5)

الشَّبه

(6)

ضعيفةٌ، ودَلالَةُ الفِراش قَوِيَّةٌ، بدليلِ قضية

(7)

سَعْدٍ وعَبْدِ بنِ زَمْعَةَ

(8)

.

(وَقَالَ) القاضي، و (أَبُو الخَطَّابِ

(9)

: ظَاهِرُ كَلَامِهِ إِبَاحَتُهُ)؛ لقَولِه عليه السلام: «إنْ جاءَتْ به جَعْدًا

» الخبرَ

(10)

، فَجَعَلَ الشَّبَهَ دليلاً على نَفْيِه عنه

(11)

.

والأوَّلُ أصح

(12)

، وهذا

(13)

الحديثُ إنَّما يَدُلُّ على نَفْيِه عنه مع ما تقدَّم من لِعانه ونفيِه إيَّاه عن نفسه، فجَعَلَ الشَّبَهَ مرجِّحًا

(14)

.

(1)

قوله: (المباح) سقطت من (ن).

(2)

في (ظ): أنه.

(3)

في (م): لذلك.

(4)

أخرجه البخاري (5305)، ومسلم (1500).

(5)

في (ن): ذلك.

(6)

في (م): الشبهة.

(7)

في (م): قصة.

(8)

أخرجه البخاري (2421)، ومسلم (1457)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(9)

قوله: (القاضي وأبو الخطاب) في (م): أبو الخطاب.

(10)

أخرجه مسلم (1496)، من حديث أنس رضي الله عنه، وأخرجه البخاري (4747)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(11)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(12)

في (ن): والأصح الأول.

(13)

في (م): وهو.

(14)

في (م): يرجح.

ص: 506

والمذْهَبُ: أنَّ له نَفْيَه بقرينةٍ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» .

وإنِ اسْتَبْرَأَها بحَيضةٍ؛ جاز النَّفْيُ في الأَشْهَرِ، وإنْ كان يَعزِلُ عنها فلا؛ لخبرِ أبي سعيدٍ

(1)

.

(1)

مراده كما في الشرح الكبير 26/ 373: ما أخرجه البخاري (5210)، ومسلم (1438)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: أصبنا سبايا، فكنا نعزل، ثم سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال لنا:«وإنكم لتفعلون؟ وإنكم لتفعلون؟ وإنكم لتفعلون؟ ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة» .

ص: 507

(فَصْلٌ)

(وَأَلْفَاظُ الْقَذْفِ تَنْقسِمُ إِلَى: صَرِيحٍ، وَكِنَايَةٍ)؛ لأِنَّها ألْفاظٌ تَرتَّبَ عَلَيها حُكْمٌ شَرعِيٌّ، فانْقَسَمَتْ إلى ذلك؛ كالطَّلاق.

(فَالصَّرِيحُ

(1)

: قَوْلُهُ: يَا زَاني، يَا عَاهِرُ، زَنَى فَرْجُكَ، وَنَحْوُهُ)؛ كزَنَيتَ، ويا مَنْيُوكُ، (مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَ الْقَذْفِ، فَلَا

(2)

يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِمَا يُحِيلُهُ)؛ لأِنَّه صريحٌ فيه، أشْبَهَ صريحَ الطَّلاقِ.

(وَإِنْ قَالَ: يَا لُوطِيُّ، يَا مَعْفُوجُ)، هو مَفْعولٌ مِنْ: عَفَجَ؛ بمعنى

(3)

: نَكَحَ، فكأنَّه بمَعْنَى مَنكُوحٍ؛ أيْ: موطوء

(4)

؛ (فَهُوَ صَرِيحٌ) في المنصوص

(5)

.

وعليه الحَدُّ فيهما إذا قَذَفَه بعَمَلِ قَومِ لُوطٍ، فاعِلاً أوْ مَفْعولاً، اخْتارَهُ الأَكْثَرُ؛ لأِنَّ اللُّوطِيَّ: الزَّانِي بالذُّكور، أشْبَهَ ما لو قال: يا زَانِي، وحِينَئِذٍ لا يُسمَعُ تَفْسيرُه بما يحيل

(6)

القَذْفَ.

وعَنْهُ: مع غَضَبٍ؛ لأِنَّ قرينةَ الغَضَب تَدُلُّ على إرادةِ القَذْفِ، بخِلافِ حالةِ الرضا.

(وَقَالَ الْخِرَقِيُّ: إِذَا قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ مِنْ قَوْمِ لُوطٍ؛ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ)، وهذا روايةٌ نَقَلَها المَرُّوذِيُّ

(7)

؛ لأِنَّه فَسَّرَ كلامَه بما لا يُوجِبُ الحَدَّ؛

(1)

قوله: (فالصريح) سقط من (م).

(2)

في (م): ولا.

(3)

في (ظ): يعني.

(4)

في (م): موطوءة.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 372.

(6)

في (م): يحصل، وقوله:(بما يحيل) في (ن): بالحبل.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 372.

ص: 508

كما لو

(1)

فسَّرَه به مُتَّصِلاً بكلامِه.

(وَهُوَ بَعِيدٌ)؛ لأِنَّ إطْلاقَ لَفْظِه وإرادةَ مِثْلِ ذلك فيه بُعْدٌ، مع أنَّ قَومَ لُوطٍ لم يَبْقَ منهم أحدٌ.

ولو قَذَفَ امرأةً أنَّها وُطِئَتْ في دُبُرِها، أوْ قَذَفَ رجُلاً بِوطْءِ امرأةٍ في دبرها

(2)

؛ فعَلَيهِ الحَدُّ. وقِيلَ: لا. ومَبْنَى الخِلافِ هُنا على الخلاف

(3)

في وُجوبِ حدِّ الزِّنى على مَنْ فَعَلَ ذلك.

(وَإِنْ قَالَ: أَرَدْتُ أَنَّكَ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، غَيْرَ إِتْيَانِ الرِّجَالِ؛ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ):

أشْهَرُهُما: أنَّه لا يُقبَلُ

(4)

؛ لأِنَّه فسَّر اللَّفْظَ بما لا يَحتَمِلُه غالِبًا، أشْبَهَ ما لو قال: يا زَانِي.

والثَّاني: أنَّه لا يُحَدُّ؛ لأِنَّ ما فسَّرَ به كلامَه مُحتَمِلٌ الإرادة، والحَدُّ يُدْرَأُ بالشُّبُهاتِ.

فرعٌ: إذا فسَّرَ (يا مَنْيُوكَةُ) بِفِعْلِ زَوجٍ؛ فلَيسَ قَذْفًا، ذَكَرَه في «الرِّعاية» و «التَّبصرة» ، وزَادَ: إنْ أرادَ بزَانِي العَين، أوْ يا عاهِرَ اليَد؛ لم يُقْبَلْ مع سبقه

(5)

ما يَدُلُّ على قَذْفٍ صَريحٍ.

(وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ؛ فَقَدْ قَذَفَ أُمَّهُ) في المنصوص

(6)

، إلا

(7)

(1)

قوله: (لو) سقط من (ظ).

(2)

قوله: (بوطء امرأة في دبرها) سقط من (م).

(3)

في (م): الحد.

(4)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(5)

في (م): شبهة.

(6)

ينظر: الشرح الكبير 26/ 378.

(7)

في (ن): لا.

ص: 509

مَنفِيًّا بِلِعانٍ لم يَستلحِقْه أبوهُ، ولم يُفَسِّرْه بِزِنَى أمِّه؛ لأِنَّ ذلك يَقتَضِي أنَّ أمَّه أتَتْ به مِنْ غَيرِ أبِيهِ، وذلك قَذْفٌ لها.

وكذا إنْ نفاه عن قبيلتِه

(1)

، وقال المؤلِّفُ: القِياسُ يَقتَضِي أنَّه لا يَجِبُ الحدُّ لنفي

(2)

الرَّجُل عن قَبِيلتِه؛ لأِنَّ ذلك لا يتعيَّن فيه الرمي

(3)

بالزِّنى، أشْبَهَ ما لو قال لأعجمي

(4)

: إنَّك عربيٌّ.

(وَإِنْ قَالَ: لَسْتَ بِوَلَدِي؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أظهرهما

(5)

: أنَّه كِنايَةٌ في قَذْفِها

(6)

، نَصَّ عليه

(7)

؛ لأِنَّ للرجل

(8)

أن يُغلِظَ في القول والفِعْلِ لِوَلَدِه.

والثَّاني: هو صريحٌ؛ لأِنَّه نَفاهُ عن نَفْسِه، أشْبَهَ نَفْيَ وَلَدِ غَيرِه عن أبِيهِ.

فرعٌ: إذا قال: إنْ لم تفعل

(9)

كذا فَلَسْتَ ابنَ فُلانٍ؛ فلا حَدَّ؛ لأِنَّ القَذْفَ لا يتعلَّقُ بالشَّرط، وإنْ قال: لَسْتَ ابنَ فلانة

(10)

؛ عُزِّرَ، نَصَّ عليه

(11)

؛ لأِنَّه لم يَقذِفْ أحَدًا بالزِّنى.

(وَإِنْ قَالَ: أَنْتَ أَزْنَى النَّاسِ)؛ فهو قاذِفٌ في قَولِ أبي بَكْرٍ، وقدَّمه في

(1)

في (م): قبيلة.

(2)

في (م): كنفي.

(3)

في (م): الرضا.

(4)

في (م): لعجمي.

(5)

في (ن): أشهرهما.

(6)

كتب في هامش (ن): (أي: في قذف أمه، وهو المذهب).

(7)

ينظر: المحرر 2/ 95.

(8)

في (م): الرجل.

(9)

في (ظ): لم يفعل.

(10)

في (م): فلان.

(11)

ينظر: المحرر 2/ 96.

ص: 510

«الرِّعاية» ؛ لأِنَّه أضافَ إلَيهِ الزِّنى بصِيغةِ المُبالَغةِ.

(أَوْ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ)؛ فكذلك في قَولِ القاضي؛ لأِنَّ أزْنَى مَعْناهُ المبالَغة، ففِيهِ الزِّنى وزِيادةٌ.

وقَدَّم في «الكافي» : لَا؛ لأِنَّ لَفْظةَ (أفْعَل) تُستَعْمَلُ للمُنفَرِد بالفعل.

وقال ابنُ حامِدٍ: لَيسَ بقَذْفٍ إلاَّ أنْ يُريدَه؛ لأِنَّ مَوضُوعَ اللَّفْظِ يَقتَضِي ذلك.

مسألةٌ: إذا قال: أنت أزْنَى مِنْ زَيدٍ؛ فقد قَذَفَهما صريحًا، وقِيلَ: كناية

(1)

، وقِيلَ: لَيسَ بقَذْفٍ لِزَيدٍ، وهو أقْيَسُ.

(وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ: يَا زَانِيَةُ، أَوْ لاِمْرَأَةٍ: يَا زَانِي)؛ فصريحٌ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لأِنَّ اللَّفظَ صريحٌ في الزِّنى، وزِيادةُ الهاء وحَذْفُها خَطَأٌ لا يغيِّر

(2)

المعْنَى كاللَّحْن، وكفَتْحِ التّاء وكَسْرِها لهما؛ خِلافًا ل «الرِّعاية» في عالِمٍ بعَرَبِيَّةٍ.

واخْتارَ ابنُ حامِدٍ - كما

(3)

يأتي -: أنَّه لَيسَ بصريحٍ إلاَّ أنْ يُفَسِّرَه به؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يُريدَ بذلك أنَّه عَلاَّمةٌ في الزِّنى، كما يُقالُ للعالِمِ: عَلاَّمَةٌ.

(أَوْ

(4)

قَالَ: زَنَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ

(5)

؛ فَهُوَ صَرِيحٌ فِي الْقَذْفِ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ)؛ لأِنَّ ذلك يُطلَقُ ويُرادُ به زِنَى الفَرْجِ.

(وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ عِنْدَ ابْنِ حَامِدٍ

(6)

، في ظاهِرِ المذهب في الأخِيرة، لأنَّ

(7)

(1)

قوله: (وقيل: كناية) سقط من (م).

(2)

في (ن): لا تغير.

(3)

في (ن): لا.

(4)

في (ن): وإن.

(5)

في (م): أو رجلاك.

(6)

كتب في هامش (ن): (أي: فهي كناية، وهو المذهب).

(7)

في (ظ): أن.

ص: 511

زِنَى هذه الأعْضاءِ لا يوجب

(1)

الحَدَّ؛ لقوله عليه السلام: «العَينانِ تَزنِيان

(2)

وزِناهما النَّظَرُ»

(3)

.

قال في «الشَّرح» : والأَوْلَى أنْ يُرجَعَ إلى تَفْسيرِه، انتهى.

وكذا الخِلافُ لو أفْرَدَ، فلو قال: زَنَتْ يدُكَ

(4)

فَقَذْفٌ، قاله في «الرِّعاية» ، وكذا العَينُ في «التَّرغيب» ، وفي «المغْنِي» وغَيرِه: لا.

مسألةٌ: إذا قال: يا زانِي ابنَ الزَّانِيَةِ؛ لَزِمَه حدَّان

(5)

، فإنْ تَشاحَّا؛ قُدِّمَ حَدُّ الاِبنِ.

وعَنْهُ: حَدٌّ واحِدٌ.

وقِيلَ: إنْ كانَتْ أُمُّه حَيَّةً؛ فقد قَذَفَها معه، وإنْ كانتْ ميتةً

(6)

؛ فقد قَذَفَه وحْدَه.

(وَإِنْ قَالَ: زَنَأْتَ فِي الْجَبَلِ - مَهْمُوزًا -؛ فَهُوَ صَرِيحٌ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ

(7)

، وأبي

(8)

الخَطَّاب، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ عامَّة النَّاس لا يَفْهَمونَ مِنْ ذلك إلاَّ القَذْفَ.

(وَقَالَ ابْنُ

(9)

حَامِدٍ: إِنْ كَانَ

(10)

يَعْرِفُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا)؛ لأِنَّ

(1)

في (ظ): لا توجب.

(2)

في (م) و (ن): يزنيان.

(3)

أخرجه مسلم (2657)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

في (ظ) و (ن): يداك.

(5)

في (م): كحدان.

(6)

قوله: (فقد قذفها معه، وإن كانت ميتة) سقط من (م).

(7)

كتب في هامش (ن): (المذهب أنه صريح مطلقًا، أي: سواء كان عارفًا أو غيره).

(8)

في (م): وابن.

(9)

قوله: (وقال ابن) في (م): وابن.

(10)

زيد في (م): قال.

ص: 512

مَعْناهُ في العربيَّة: طَلَعْتَ، وعليهما

(1)

إنْ قال: أردتُ الصُّعودَ في الجَبَل؛ قُبِلَ.

(وَإِنْ لَمْ يَقُلْ: فِي الْجَبَلِ)؛ أيْ: زَنَأْتَ؛ (فَهَلْ هُوَ

(2)

صَرِيحٌ، أَوْ كَالتِي قَبْلَهَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما: أنَّه صريحٌ

(3)

، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ مع عَدَمِ القَولِ في الجَبَلِ يَتمَحَّضُ القَذْفُ.

وقيل: هو

(4)

كالتي

(5)

قبلها.

أحدُهما: يكُونُ صريحًا في حقِّ

(6)

العامِّيِّ والعالِمِ بالعربيَّة.

والثَّانِي: الفرقُ بَينَهما.

وقِيلَ: لا قَذْفَ.

قال في «الفروع» : (ويَتَوَجَّهُ مثلُها لفظةُ: عِلْقٌ، وذَكَرَها شَيخُنا صريحةً

(7)

، ومَعْناهُ قَولُ ابنِ رَزِينٍ: كلُّ ما يَدُلُّ عليه عُرْفًا).

(وَالْكِنَايَةُ نَحْوُ قَوْلِهِ لاِمْرَأَتِهِ: قَدْ فَضَحْتِيهِ)؛ أيْ: بشَكْواكِ، (وَغَطَّيْتِ

(1)

في (م): وعليها.

(2)

قوله: (فهل هو) هو في (ظ): فهو.

(3)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(4)

قوله: (هو) سقط من (ظ).

(5)

قوله: (وقيل: هو كالتي) في (ن): وتلك هي التي.

(6)

قوله: (حق) سقط من (ن).

(7)

أي: شيخ الإسلام. ينظر: مجموع الفتاوى 34/ 185، الفروع 10/ 81.

قال المرداوي في تصحيح الفروع 10/ 84: (قوله: ويتوجه مثلها لفظة "علق"، وذكرها شيخنا صريحة. انتهى، وقال بعد ذلك بقرب من عشرين سطرًا أو أكثر: وقال شيخنا: إن "علق" تعريض. انتهى، فلعله قال هذا أولاً، ثم اطلع على نقل بأنها صريح، أو له قولان).

ص: 513

وَنَكَّسْتِ

(1)

رَأْسَهُ)؛ أيْ: حَياءً من النَّاس من ذلك، (وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا)؛ أيْ: أنَّه مُسخَّرٌ لك مُطِيعٌ مُنقادٌ كالثَّور، (وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ)؛ أيْ: مِنْ زَوجٍ آخَرَ، أوْ وطء

(2)

شُبهةٍ، (وَأَفْسَدْتِ فِرَاشَهُ)؛ أيْ: بالنُّشوز؛ أيْ: بالشِّقاق وبمنع

(3)

الوَطْء.

(أَوْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ

(4)

: يَا حَلَالُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ)؛ أنَّه كذلك حقيقةً، (مَا يَعْرِفُكَ النَّاسُ بِالزِّنَى)، حقيقةُ النَّفْي؛ أيْ: ما أنْتَ بِزانٍ ولا أُمُّكَ زانية

(5)

.

(يَا عَفِيفُ)، كَونُه كذلك حقيقةً، وكذا: يا نظيفُ، يا خَنِيثُ - بالنُّون -، وذَكَرَه بعضُهم بالباء، (أَوْ يَا فَاجِرَةُ)، أيْ: كَونُها مُخالِفةً لزَوجِها فِيما تَجِبُ طاعَتُها فيه، (يَا قَحْبَةُ)، قال السَّعْدِيُّ

(6)

: قَحَبَ البعيرُ والكَلْبُ: سَعَلَ، وهي في زماننا: المُعدَّةُ للزِّنى، (يَا خَبِيثَةُ

(7)

، وهي صِفَةٌ مُشَبَّهةٌ مِنْ خَبُثَ الشَّيءُ، فهو خَبِيثٌ.

(أَوْ يَقُولَ لِعَرَبِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ)، مَنسوبٌ إلى النَّبَطِ، وهم: قَومٌ يَنزِلُونَ بالبطائح بَينَ العِراقَينِ، (يَا فَارِسِيُّ)، مَنسوبٌ إلى فارِسَ، وهي بِلادٌ معروفةٌ، وأهْلُها الفُرْسُ، وفارِسُ أبوهم

(8)

، (يَا رُومِيُّ)، نسبة

(9)

إلى الرُّوم، وهو في

(1)

في (م): أو نكست.

(2)

في (م): ووطء.

(3)

في (م) و (ن): ويمنع.

(4)

في (ن): تقول لمن تخاصمه.

(5)

في (ن): بزانية.

(6)

هو ابن القَطَّاع الصقلي، وتقدمت ترجمته. وينظر: الأفعال له 3/ 34.

(7)

في (م): يا خنيثة.

(8)

في (ن): إبراهيم.

(9)

في (م): شبه.

ص: 514

الأصل الرُّومُ بنُ عيصو بنِ إسْحاقَ بنِ إبراهيمَ.

(أَوْ يَسْمَعَ رَجُلاً يَقْذِفُ رَجُلاً، فَيَقُولَ: صَدَقْتَ)؛ أيْ: في

(1)

غَيرِ الإخْبارِ المذكور

(2)

.

(أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْتَ، وَكَذَّبَهُ الآْخَرُ)؛ أيْ: مُوافِقٌ للكذب

(3)

، أوْ ما أنا بِزَانٍ، أوْ ما أُمِّي بِزانِيَةٍ.

(فَهَذَا كِنَايَةٌ إِنْ

(4)

فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ)، وعنه: بِقَرِينةٍ ظاهِرَةٍ؛ (قُبِلَ قَوْلُهُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)، قدَّمه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ غَيرَ الزِّنى كما ذكرناه

(5)

، فهو إِذَنْ فسَّرَ الكلامَ بما يَحتَمِلُه، وعَلَيهِ يُعزَّرُ.

(وَفِي الآْخَرِ: جَمِيعُهُ صَرِيحٌ)، فيُحَدُّ به، اختاره القاضي وجماعةٌ، وذَكَره في «التَّبصرة» عن الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ من حاله أنَّه لم يُرِدْ شَيئًا، فَوَجَبَ حَمْلُها عليه بظاهِرِ الحال وللاستعمال

(6)

.

فعلى هذا: إذا قال: أردتُ هذه الاِحْتِمالاتِ؛ لم يُقبَلْ كالزَّاني.

وعَنْهُ: لا يحدُّ

(7)

إلاَّ بنيَّةٍ، اختارها أبو بكرٍ وغيرُه.

والقَرِينةُ ككِنايَةِ طلاقٍ.

وفي «التَّرغيب» : هو قَذْفٌ بنيَّة

(8)

، ولا يَحلِفُ مُنكِرُها، ويَلزَمُه الحَدُّ

(1)

في (ن): من.

(2)

في (م): المذكورة.

(3)

في (م): الكذب.

(4)

في (ن): أي.

(5)

في (م): ذكرنا.

(6)

في (ظ): والاستعمال.

(7)

قوله: (يحد) سقط من (م).

(8)

في (م): بينًا.

ص: 515

باطِنًا، وفي لُزُومِ إظْهارِها وَجْهانِ

(1)

.

تنبيهٌ: لا حدَّ بالتَّعريض، كقَولِه: يا حَلالُ ابنَ الحَلالِ، نَصَّ عَلَيهِ في رِوايَةِ حَنبَلٍ

(2)

، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، واختاره أبو بكرٍ، وقاله أكثرُ العلماء؛ لأِنَّ رجلاً أتى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ امْرأَتِي وَلَدَتْ غُلامًا أسْوَدَ، يُعرِّضُ بنفيه، فلم يَلزَمْه بذلك حَدٌّ

(3)

، ولأِنَّ اللهَ تعالى أباحَ التَّعريضَ بالخطبة

(4)

دُونَ التَّصريح بها.

ونَقَلَ الأَثْرَمُ: عَلَيهِ الحَدُّ

(5)

، رُوِيَ عن عمرَ

(6)

وعُثْمانَ

(7)

، وهي أظْهَرُهما، قاله ابنُ هُبَيرةَ.

فأمَّا في غَيرِ حالةِ خُصومةٍ، ولا وُجِدَتْ قَرِينةٌ؛ فلا يكُونُ قَذْفًا.

(1)

قال في تصحيح الفروع 10/ 82 عن قوله: «ويلزمه الحد باطنًا بالنية

»: (لعله من تتمة كلامه في «الترغيب»، وهو الظاهر، والذي يظهر أنه يلزمه إظهار النية إذا سئل عما أراد).

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 206، المغني 9/ 89.

(3)

اخرجه البخاري (6847)، ومسلم (1500).

(4)

في (ن): بالخطيئة.

(5)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 206.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (13703)، والدارقطني (3477)، والبيهقي في الكبرى (17146)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن عمر كان يحد في التعريض بالفاحشة» ، وإسناده صحيح.

وأخرج مالك في الموطأ (2/ 829)، وابن أبي شيبة (28376)، والدارقطني (3479)، والبيهقي في الكبرى (17147)، عن أبي الرجال، عن أمه عمرة، قالت: استب رجلان، قال أحدهما: ما أمي بزانية وما أبي بزان، فشاور عمر القوم، فقالوا: مدح أباه وأمه، فقال:«لقد كان لهما من المدح غير هذا» فضربه. هذا لفظ ابن أبي شيبة، وعند مالك بأطول منه وفيه:«فجلده عمر الحد ثمانين» . وإسناده صحيح.

(7)

أخرجه ابن أبي شيبة (28377)، ومن طريقه الدارقطني (3478)، عن معاوية بن قرة: أن رجلاً قال لرجل: يا ابن شامة الوذر، فاستعدى عليه عثمان بن عفان، فقال:«إنما عنيت كذا وكذا، فأمر به عثمان فجلد الحد» ، وفي إسناده: الجلد بن أيوب وهو ضعيف جدًّا، قال أحمد بن حنبل:(ضعيف، ليس يساوى حديثه شيئًا)، وقال الدارقطني:(متروك). ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 420.

ص: 516

(وَإِنْ قَذَفَ

(1)

أَهْلَ بَلْدَةٍ أَوْ جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَى مِنْ جَمِيعِهِمْ) عادةً وعُرْفًا؛ (عُزِّرَ وَلَمْ يُحَدَّ)؛ لأِنَّه لا عارَ على المقْذُوف بذلك للقَطْعِ بكَذِبِ القاذف، ويُعزَّرُ على ما

(2)

أتى به من المعصية والزُّور؛ كما لو سبَّهم بغَيرِ القَذْفِ.

وظاهِرُه: أنَّه يُعزَّرُ، ولو لم يَطْلُبْهُ أحَدٌ.

وفي «المغْنِي» : لا يَحتاجُ التَّعزيرُ إلى مُطالَبَةٍ.

وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يُعزَّرُ حَيثُ لا حَدَّ.

مسائلُ:

يعزَّر في: يا كافِرُ، يا فاجِرُ، يا حمارُ، يا تَيسُ، يا رافضي

(3)

، يا خَبِيثَ البَطْن، أو الفرج

(4)

، يا عَدُوَّ الله، يا ظالِمُ، يا كَذَّابُ، يا خائنُ، يا شارِبَ الخَمْر، يا مخنث

(5)

، نَصَّ على ذلك

(6)

.

وقِيلَ: فاسِقٌ كِنايَةٌ، ومُخنَّثٌ تعريضٌ.

ويُعزَّرُ في: قَرْنانٍ، وقَوَّادٍ، وسَأَلَه حَرْبٌ: عن دَيُّوثٍ، فقال: يُعزَّرُ

(7)

.

وفي «المُبْهِج» : دَيُّوثٌ قَذْفٌ لاِمْرأتِه، ومِثْلُه: كَشْخَانُ

(8)

، وقَرْطَبانُ

(9)

،

(1)

في (م): قذفه.

(2)

في (م): بما.

(3)

قوله: (يا رافضي) سقط من (م).

(4)

في (م): والفرج.

(5)

في (م): يا خبيث يا رافضي.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3654، زاد المسافر 4/ 374، الفروع 10/ 83.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 374، الفروع 10/ 83.

(8)

قال في العين 4/ 155: (الكشخان: الديوث، وهو دخيل؛ لأنه ليس في كلام العرب رباعية مختلفة الحروف على فعلال، ولا يكون إلا بكسر الصدر غير كشخان، فإنه يفتح).

(9)

قال ثعلب: القرطبان الذي يرضى أن يدخل على نسائه الرجال، ويقال: قرطبه، إذا ألقاه. ينظر: زاد المسافر 4/ 375.

ص: 517

ويَتوجَّهُ في مَأْبُونٍ

(1)

؛ كمخنث.

وفي «الرِّعاية» : لم أجِدْكِ عَذْراءَ؛ كِنايَةٌ، وأنَّ مَنْ قال لِظالِمٍ ابنِ ظالِمٍ: جَبَرَكَ اللهُ ورَحِمَ سَلَفَكَ؛ يُعزَّرُ، قاله في «الفروع» .

(وَإِنْ

(2)

قَالَ لِرَجُلٍ: اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ، فَهَلْ يُحَدُّ أَوْ يُعَزَّرُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: يُعزَّرُ

(3)

، جزم

(4)

به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ المقذوفَ رَضِيَ بقَذْفِهِ، أشْبَهَ ما لو قَذَفَ نَفْسَه.

والثَّاني: يُحَدُّ؛ لأِنَّ المُوجِبَ له القَذْفُ، وقد وجد

(5)

، وقَولُه لا أَثَرَ له؛ لأِنَّ القَذْفَ لا يُباحُ بالإباحة.

وفي «النِّهاية» و «الشَّرح» : هما مَبْنِيَّانِ على الاِخْتِلاف في حَدِّ القَذْفِ؛ هل

(6)

هو حقٌّ

(7)

لله تعالى فلا

(8)

يَسقُطُ بالإذْنِ فيه كالزِّنى، أوْ لآدميٍّ

(9)

فيَسقُطُ؛ كما لو أَذِنَ في إتْلافِ مالِه، ويُعزَّرُ؛ لأِنَّه فَعَلَ مُحرَّمًا لا حَدَّ فيه؟

(وَإِنْ قَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا زَانِيَةُ، فَقَالَتْ

(10)

: بِكَ زَنَيْتُ، لَمْ تَكُنْ

(11)

قَاذِفَةً)؛ لأِنَّها صدَّقَتْه فِيما قال، فلم يَجِبْ حَدٌّ؛ كما لو قالَتْ: صَدَقْتَ.

(1)

المأبون: الذي يعاب ويتهم بالشر، ومنه أخذ: المأبون الذي تفعل به الفاحشة. ينظر تاج العروس 34/ 149.

(2)

زيد في (ن): من.

(3)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(4)

في (م): وجزم.

(5)

قوله: (وقد وجد) في (م): ولو.

(6)

في (ظ): وهل.

(7)

قوله: (حق) سقط من (م).

(8)

قوله: (فلا) سقط من (م).

(9)

في (م): والآدمي.

(10)

في (م) و (ن): قالت.

(11)

في (ظ): لم يكن.

ص: 518

(وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ بِتَصْدِيقِهَا)؛ لأِنَّه يُمكِنُ الزِّنى مِنْها به مِنْ غَيرِ أنْ يكونَ زانِيًا، بأنْ يكونَ قَدْ وَطِئَها بشُبْهةٍ، ولا يَجِبُ عَلَيها حَدٌّ؛ لأِنَّها لم تُقِرَّ أرْبَعَ مَرَّاتٍ.

وإنْ قال: زَنَى بِكِ فُلانٌ؛ فقد قذفهما

(1)

، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وخُرِّجَ فِيها رِوايَتانِ.

فَعَلَى أنَّها لم تَقْذِفْه يَتخَرَّجُ: لو أقرَّ بأنَّه زَنَى بامرأةٍ؛ لم يَقذِفْها؛ لاِحْتِمالِ أنَّها مُكرَهَةٌ أو نائمةٌ، وجَزَمَ به في «التَّرغيب» في الزَّوجة.

ولو كان قَولُها: أنْتَ أزْنَى مِنِّي، أوْ زَنَيتُ وأنْتَ

(3)

أزْنَى مِنِّي؛ فَقَدْ قَذَفَتْهُ، وفي «الرِّعاية» وَجْهٌ.

وإنْ قال: يا زانِيَةُ، قالت

(4)

: بل أنْتَ زانٍ؛ حُدَّا.

وعَنْهُ: لا لِعانَ، وتُحَدُّ هي فقط، وهي

(5)

سَهْوٌ عِنْدَ القاضي.

(وَإِذَا قُذِفَتِ الْمَرْأَةُ؛ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا الْمُطَالَبَةُ إِذَا كَانَتِ الْأُمُّ فِي الْحَيَاةِ)؛ لأِنَّه حقٌّ ثَبَتَ للتَّشَفِّي، فلا يَقُومُ فيه غَيرُ المسْتَحِقِّ مَقامَه؛ كالقِصاص.

وظاهِرُه: أنَّها إذا ماتَتْ ووُرِثَتْ

(6)

حدُّ القَذْف؛ فلِوارِثِه المطالبة

(7)

إِذَنْ.

(وَإِنْ قُذِفَتْ وهِيَ مَيْتَةٌ، مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ

(8)

كَافِرَةً، حُرَّةً أَوْ أَمَةً؛ حُدَّ

(1)

في (م): قذفها.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 85.

(3)

في (ظ): أنتِ.

(4)

في (ظ) و (ن): قال.

(5)

في (م): وهو.

(6)

في (ظ): وورث.

(7)

قوله: (في الحياة؛ لأنه حق ثبت للتشفي

) إلى هنا سقط من (م).

(8)

في (م): أو كانت.

ص: 519

الْقَاذِفُ إِذَا طَالَبَ الاِبْنُ، وَكَانَ حُرًّا مُسْلِمًا

(1)

، ذَكَرَهُ الْخِرَقِيُّ)؛ لأِنَّه قدحٌ

(2)

في نَسَبِ الحيِّ؛ لأِنَّه بقذف

(3)

أُمِّه بِنَسبِه

(4)

إلى أنَّه مِنْ زِنًى، ولا يَستَحِقُّ ذلك بطريقِ الإرْث، فلذلك

(5)

يُعتَبَرُ الإحْصانُ فيه، ولا يُعتَبَرُ في أمِّه

(6)

؛ لأِنَّ القَذْفَ له.

وشُرِطَ

(7)

فيه الطَّلَب؛ لأِنَّه حقٌّ من الحُقوق، فلا يُسْتَوْفَى بغَيرِ طَلَبِ مُسْتَحِقِّه؛ كسائِرِ الحُقوقِ، وإسْلامِه، وحُرِّيَّتِه؛ لأِنَّ الحَدَّ وَجَبَ للقَدْح في نَسَبِه.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِ مَيْتَةٍ)، وَذَكَرَه المؤلِّفُ ظاهِرَ المذْهَب في غَيرِ أمَّهاتِه، وقَطَعَ به في «المبْهِج» ؛ لأِنَّه قَذْفٌ لِمَنْ لا يَصِحُّ منه المطالَبةُ، أشْبَهَ قَذْفَ المجْنونِ، أوْ يُقالُ: المَيْتةُ لا تُعَيَّرُ، والحَيُّ لم يُقدَحْ فيه، وذلك شُبْهةٌ يُدرَأُ بها

(8)

الحَدُّ.

والمذْهَبُ الأوَّلُ، أنَّه إذا قُذِفَ

(9)

مَيْتٌ مُحصنٌ

(10)

أوْ لا؛ حُدَّ القاذِفُ إذا طالَبَ وارِثٌ محصَنٌ

(11)

خاصَّةً

(12)

.

(1)

كتب في هامش (ن): (أي: محصنًا، وهو المذهب).

(2)

في (م): قذف.

(3)

في (م): يقذف.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي الشرح الكبير 26/ 397: ينسبه.

(5)

في (م): وكذلك.

(6)

في (ن): أبيه.

(7)

في (م): ويشترط.

(8)

في (م): فيها.

(9)

في (م): قذفه.

(10)

في (م): محض.

(11)

في (م): محض.

(12)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

ص: 520

فَعَلَى هذا: لو كان الوارِثُ عَبْدًا أوْ مُشرِكًا

(1)

؛ فلا حَدَّ.

وإنْ قُذِفَتْ جَدَّتُه؛ فَقِياسُ قَولِ الخِرَقِيِّ: أنَّه كَقَذْفِ أُمِّه إنْ كانَتْ حَيَّةً، فيُعتَبَرُ إحْصانُها، ولَيسَ لِغَيرِها المُطالَبةُ، وإنْ كانَتْ مَيْتةً؛ فله المطالَبةُ إذا كان مُحْصَنًا؛ لأِنَّه قَدْحٌ في نَسَبِه.

وإنْ قَذَفَ أباهُ، أوْ أحَدًا مِنْ أقارِبِه - غَيرَ أُمَّهاتِه - بَعْدَ موتِه

(2)

؛ لم يَجِب الحَدُّ.

(وَإِنْ مَاتَ الْمَقْذُوفُ؛ سَقَطَ الْحَدُّ) عن القاذِف إذا كان قَبْلَ المطالَبة بالحدِّ، فإنْ كان بَعْدَها؛ قام وارِثُهُ مَقامَه؛ لأِنَّه حقٌّ له، يَجِبُ بالمطالَبة؛ كالرُّجوع فِيما وَهَبَ ولدَه

(3)

، وكالشَّفيع.

فعلى هذا: هو حقٌّ للوَرَثَة، نَصَّ عليه

(4)

، وقِيلَ: سِوَى الزَّوجَينِ، وفي «المغْنِي»: للعَصَبَةِ، وإنْ عَفا بعضُهم حَدَّه الباقِي كامِلاً، وقِيلَ: يَسقُطْ.

(وَمَنْ قَذَفَ أُمَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ قُتِلَ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا)؛ يَعْنِي: أنَّ حدَّه القَتْلُ، ولا تُقبَلُ تَوبَتُه، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لِمَا في ذلك من التَّعرُّض للقَدْحِ

(6)

في النُّبُوَّة الموجِبِ للكُفْرِ.

وعَنْهُ: إنْ تابَ لم يُقتَلْ، وقالَهُ أكثرُ العلماء، مُسلِمًا كان أوْ كافِرًا؛ لأِنَّ هذا منه رِدَّةٌ، والمرتَدُّ تَصِحُّ توبته

(7)

.

(1)

في (م): مشتركًا.

(2)

قوله: (بعد موته) سقط من (م).

(3)

في (م): لولده.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 88.

(5)

ينظر: المغني 9/ 97.

(6)

في (ن): في القدح.

(7)

قوله: (في النبوة الموجب للكفر

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 521

وجَوابُه: أنَّ هذا حَدُّ قَذْفٍ، فلا يسقط

(1)

بالتَّوبةِ؛ كقذف

(2)

غَيرِ أمِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولأِنَّه لو قُبِلَتْ تَوبَتُه وسَقَطَ حدُّه؛ لكان أخفَّ حُكْمًا مِنْ قَذْفِ آحادِ النّاس.

قال في «المنثور» : وهذا كافِرٌ قُتِلَ مِنْ سَبِّه، فيُعايَا بها.

فلو كان كافِرًا فأسْلَمَ؛ فأشْهَرُ الرِّوايَتَينِ عَنْهُ: أنَّه لا يَسقُطُ بإسْلامه؛ كقَذْفِ غَيرِها.

وعنه: بلى؛ لأِنَّه لو سبَّ اللهَ

(3)

في كُفْرِه ثُمَّ أسْلَمَ؛ سَقَطَ عَنْهُ القَتْلُ، ولأِنَّ الإسْلامَ يَجُبُّ ما قَبْلَه.

والخِلافُ إنَّما هو في سُقُوطِ القتل، فأمَّا فِيمَا بَيْنَه وبَينَ اللهِ تعالَى؛ فمَقْبُولةٌ، وقَذْفُه عليه السلام كقَذْفِ أُمِّه، ويَسقُطُ سبُّه بالإسلام كَسَبِّ الله تعالى.

فرعٌ: قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: قَذْفُ نسائِه كَقَدْحِه

(4)

في دِينِه، وإنَّما لم يقتلهم

(5)

؛ لأِنَّهم تكلَّمُوا قَبْلَ عِلْمِه ببراءتِها

(6)

، وأنَّها مِنْ أُمَّهاتِ المؤمِنِينَ؛ لِإمْكانِ المُفارَقَةِ، فيخرُجُ بها مِنْهُنَّ، وتحلُّ

(7)

لغَيرِه، وقِيلَ: لا، وقيلَ: في

(8)

غَيرِ مَدخُولٍ بها

(9)

.

(1)

في (ظ): فلا تسقط.

(2)

في (م): لمقذوف.

(3)

في (ن): أبيه.

(4)

في (م): كقذفه.

(5)

في (ظ): لم نقتلهم.

(6)

في (ظ): براءتها. وفي (م): براءته.

(7)

في (م): ويحل.

(8)

في (ن): من.

(9)

كذا في النسخ الخطية، والذي في مجموع الفتاوى 32/ 119:(من قذف نساءه يقتل؛ لأنه قدحٌ في دينه، وإنما لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم تكلموا بذلك قبل أن يعلم براءتها، وأنها من أمهات المؤمنين اللاتي لم يفارقهن عليه [ .... ] إذ كان يُمكِن أن يطلِّقها فتخرج بذلك من هذه الأمومة في أظهر قولي العلماء؛ فإنَّ فيمن طلَّقها النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره. أحدها: أنها ليست من أمهات المؤمنين. والثاني: أنها من أمهات المؤمنين. والثالث: يفرق بين المدخول بها وغير المدخول بها. والأول أصح).

ص: 522

وسَأَلَه حَرْبٌ: رَجُلٌ افْترَى على رَجُلٍ، فقال: يا ابْنَ كذا وكذا إلى آدَمَ وحَوَّاءَ!، فعَظَّمَه جِدًّا، وقال عن الحَدِّ: لم يَبلُغْنِي فيه شَيءٌ، وذَهَبَ إلى حَدٍّ واحِدٍ

(1)

.

(وَإِنْ قَذَفَ الْجَمَاعَةَ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ)، يُتصَوَّرُ منهم الزِّنى؛ (فَحَدٌّ وَاحِدٌ إِذَا طَالَبُوا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ)، ثُمَّ لا حَدَّ، نَقَلَه الجماعةُ

(2)

، وهو المشهورُ؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ

(4)} الآيةَ [النُّور: 4]، لم يُفرِّقْ بَينَ قَذْفِ واحِدٍ أوْ جَماعةٍ، ولأنَّ

(3)

الحدَّ إنَّما وَجَبَ بإدْخالِ المعرَّةِ على المقْذُوفِ بقَذْفِه، وبحدٍّ

(4)

واحِدٍ يَظهَرُ كَذِبُ هذا القاذِفِ، وتَزُولُ المعرَّةُ، فَوَجَبَ أنْ يُكتَفَى

(5)

به، بخِلافِ ما إذا قَذَفَ كلَّ واحِدٍ قَذْفًا مُفْرَدًا، فإنَّ كَذِبَه في قَذْفٍ لا يلزم

(6)

منه كَذِبُه في الآخَر، ولا تَزُولُ المعرَّةُ.

فإنْ طَلَبوهُ، أوْ واحِدٌ مِنهُمْ؛ أُقِيمَ الحَدُّ؛ لأِنَّ الحقَّ ثابِتٌ لهم على سبيلِ البَدَل، فأيُّهم طَلَبَ واسْتَوْفَى؛ سَقَطَ، ولم يكُنْ لغَيرِه الطَّلَبُ به؛ كحقِّ المرأة على أوليائها

(7)

في تَزْويجِها، وإنْ أسقطه

(8)

أحدُهم؛ فلِغَيرِه المُطالَبةُ به.

(1)

ينظر: المغني 9/ 91.

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3528، مسائل أبي داود ص 306، زاد المسافر 4/ 371.

(3)

في (ن): لأن.

(4)

في (م) و (ن): ويحد.

(5)

في (م): يكفى.

(6)

في (م): قذفه لم يلزمه.

(7)

في (م): أولياء.

(8)

في (م): أسقطها.

ص: 523

(وَعَنْهُ: إِنْ طَالَبُوا مُتَفَرِّقِينَ

(1)

؛ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا)؛ لأِنَّه إذا طالب

(2)

واحِدٌ أوَّلاً

(3)

؛ لَزِمَ إقامةُ الحدِّ مِنْ أجله

(4)

، ثمَّ

(5)

إذا طلب

(6)

الآخَرُ؛ لزم

(7)

أيضًا.

وعَنْهُ: لِكُلِّ واحِدٍ حَدٌّ، وقالَهُ أبو ثَورٍ وابنُ المنْذِرِ؛ لأِنَّه قَذَفَ كلَّ واحِدٍ منهم، فَلَزِمَه له حدٌّ كامِلٌ.

وعَنْهُ: إنْ قَذَفَ امْرأتَه وأجْنَبِيَّةً؛ تَعدَّدَ الواجِبُ هنا، اخْتارَهُ القاضي وغَيرُه، كما لو لَاعَنَ امْرأتَه.

فإن قال

(8)

: يا ناكِحَ أُمِّه؛ الرِّواياتُ.

ونَصَّ فِيمَنْ قال لرجُلٍ: يا ابْنَ الزَّانِيَةِ: يُطالِبُه، قِيلَ: إنَّما أراد أُمَّه؛ قال ألَيْسَ قد قال له؟ هذا قصدٌ

(9)

له

(10)

.

(وَإِنْ قَذَفَهُمْ بِكَلِمَاتٍ؛ حُدَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَدًّا) على الأصحِّ؛ كالدُّيون والقِصاص.

وعَنْهُ: إنْ طالبوا

(11)

مُجْتَمِعِين فَحَدٌّ واحِدٌ، وإلاَّ تَعَدَّدَ.

(1)

في (م): طلبوا مفرقين.

(2)

في (م) و (ن): طلب.

(3)

في (ظ) و (ن): واحدًا وإلا.

(4)

في (م): إجابة.

(5)

قوله: (ثم) سقط من (ن).

(6)

قوله: (طلب) سقط من (م).

(7)

قوله: (لزم) سقط من (م).

(8)

في (م): فقال.

(9)

زيد في (م): إلا.

(10)

ينظر: زاد المسافر 4/ 369، الفروع 10/ 91.

(11)

في (م): طلبوا.

ص: 524

وعنه: حَدٌّ واحد

(1)

مُطلَقًا؛ كما لو

(2)

سَرَقَ مِنْ جماعةٍ، أوْ زَنَى بِنِساءٍ، أوْ شَرِبَ أنَواعًا من المسْكِرِ.

فلو قال: يا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ؛ فهو قَذْفٌ لهما بكلمةٍ واحدةٍ، فإنْ كانا مَيِّتَينِ؛ ثَبَتَ الحقُّ لِولَدِهما، ولم يَجبْ إلاَّ حَدٌّ واحِدٌ.

وإنْ قال: يا زَانِي ابْنَ الزَّانِي؛ فهو قَذْفٌ لهما بكَلِمَتَينِ، فإنْ كان أبوهُ حيًّا؛ فلِكُلٍّ منهما حَدٌّ، وإنْ كان مَيتًا؛ فالظَّاهِرُ في المذْهَبِ: أنَّه لا يَجِبُ الحَدُّ بقَذْفِه.

(وَإِنْ حُدَّ لِلْقَذْفِ، فَأَعَادَهُ؛ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِ الْحَدُّ)، في قَولِ عامَّتهم؛ لأِنَّه حُدَّ به مرة

(3)

، فلم يُحَدَّ به ثانيةً، بخِلافِ السَّرِقةِ.

وعُلِمَ منه: أنَّه

(4)

إذا تعدَّدَ قَذْفُه ولم يُحَدَّ؛ فَحَدٌّ واحِدٌ، رِوايَةً واحدةً، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

.

وقِيلَ: يَتعدَّدُ.

وإنْ أعادَهُ بَعْدَ لِعانِه؛ فنَقَلَ حَنبَلٌ: يُحَدُّ

(6)

، اخْتارَهُ أبو بكرٍ، والمذْهَبُ: يُعزَّرُ، وعَلَيهِما: لا لِعانَ.

وقدَّم في «التَّرغيب» : يُلاعَنُ، إلاَّ أنْ يَقذِفَها بِزِنًى لَاعَنَ عليه مرَّةً، واعْتَرَفَ أوْ قامت البيِّنةُ.

واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ: يُلاعَنُ؛ لِنَفْيِ تعزيرٍ.

(1)

قوله: (وإلا تعدد، وعنه: حد واحد) سقط من (ن).

(2)

قوله: (لو) سقط من (م).

(3)

في (م): مرات.

(4)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(5)

ينظر: الفروع 10/ 91.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 92.

ص: 525

ولو قَذَفَها بِزِنًى آخَرَ بَعْدَ حدِّه؛ فرِوايات

(1)

، ثالِثُها: يُحَدُّ مع طُولِ الفَصْلِ.

فرعٌ: إذا تاب مِنْ زِنًى؛ حُدَّ قاذِفُه، وقِيلَ: يُعزَّرُ، واختار في «التَّرغيب»: يُحَدُّ بِزِنًى جديدٍ؛ لِكَذِبِه يقينًا، بخِلافِ مَنْ سَرَقَ عَينًا ثانيةً، فإنَّه وُجِدَ منه ما وُجِدَ في الأَوَّلَة.

وإنْ قَذَفَ مَنْ أقرَّتْ به مرَّةً، وفي «المبهج»: أرْبَعًا، أوْ شَهِدَ به اثْنانِ، أوْ شَهِدَ به أربعةٌ بالزِّنى؛ فلا لِعانَ ويُعزَّرُ، وفي «المستوعب»: لَا.

مسألةٌ: لا يُشترَطُ

(2)

لصحَّةِ توبةٍ

(3)

مِنْ قَذْفٍ وغِيبةٍ ونحوِهما: إعْلامُه والتَّحلُّلُ منه، وحرَّمه القاضِي والشَّيخُ عبدُ القادِرِ، ونَقَلَ مُهَنَّى: لا يَنبَغِي أنْ يُعْلِمَه، قال الشَّيخُ تقيُّ الدين

(4)

: والأَشْبَهُ أنَّه يَختَلِفُ

(5)

.

وعَنْهُ: يُشتَرَطُ.

وقِيلَ: إنْ عَلِمَ به المظلومُ، وإلاَّ دَعا له واسْتَغْفَرَ، ولم يُعْلِمْه.

وظاهِرُه: أنَّه لو أصْبَحَ، وتصدَّقَ بِعِرْضِه على النَّاس؛ لم يَمْلِكْه، ولم يُبَحْ، ولا يَصِحُّ إسْقاطُ الحقِّ قَبْلَ وُجودِ سَبَبِه، وإذْنُه في عِرْضِه؛ كإِذْنِه في قذفه

(6)

، وهي كإذْنِه في دَمِهِ ومالِهِ.

(1)

في (م): فروايتان.

(2)

في (ن): لا تشترط.

(3)

في (م): توبته.

(4)

قوله: (تقي الدين) سقط من (م).

(5)

ينظر: الاختيارات ص 398، الفروع 10/ 93.

(6)

في (ن): عرضه.

ص: 526

(بَابُ حَدِّ المُسْكِرِ)

المسْكِرُ اسْمُ فاعِلٍ مِنْ: أسْكَرَ الشَّرابُ فهو مُسكِرٌ، إذا جَعَلَ صاحِبَه سَكْرانَ، أو كان

(1)

فيه قُوَّةٌ تفعَلُ ذلك

(2)

.

قال الجَوهَرِيُّ: السَّكْرانُ خِلافُ الصَّاحِي، والجَمْعُ: سَكْرَى، وسكارى؛ بضمِّ السِّين وفَتْحِها، والمرأةُ: سَكْرَى، ولُغَة بَنِي أَسَدٍ: سَكْرانَةٌ

(3)

.

وهو مُحرَّمٌ بالإجماع

(4)

، وما نُقِلَ عن

(5)

قُدامَةَ بنِ مَظْعونٍ وعمرو

(6)

بن مَعْدِي كَرِبَ، وأبي جَنْدَلِ بنِ سهيل

(7)

أنَّها حلالٌ فمَرْجوعٌ عنه

(8)

، نَقَلَه المؤلِّفُ.

(1)

في (م): وكان.

(2)

قوله: (ذلك) سقط من (م).

(3)

ينظر: الصحاح 2/ 687.

(4)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 117.

(5)

قوله: (عن) سقط من (م).

(6)

في (م): وعمر.

(7)

في (م): سهل.

(8)

أخرجه البخاري (4011)، مختصرًا، وأخرجه مطولاً عبد الرزاق (17076)، والبيهقي (17516)، وغيرهما، وأخرج النسائي في الكبرى (5270)، من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن قدامة بن مظعون، شرب الخمر بالبحرين فشهد عليه ثم سئل فأقر أنه شربه، فقال له عمر بن الخطاب: ما حملك على ذلك، فقال: لأن الله يقول: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} وفي إسناده: يحيى بن فليح بن سليمان، نقل ابن حجر عن ابن حزم قوله فيه:(مجهول)، وقال مرة:(ليس بالقوي).

وأخرج عبد الرزاق (17078) عن ابن جريج قال: أُخبرت أن أبا عبيدة بالشام وجد أبا جندل بن سهيل بن عمرو وضرار بن الخطاب المحاربي وأبا الأزور وهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد شربوا، فقال أبو جندل:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا}

الخبر، ووصله البيهقي في الكبرى (18227)، وفي سنده: عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة وهو صدوق له أوهام. ينظر: لسان الميزان 8/ 471.

ص: 527

وسَنَدُه: قَولُه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ

(90)} الآيات [المَائدة: 90]، وقَولُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حديثِ ابنِ عمرَ:«كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» ، وفي لفظٍ: «كلُّ مُسكِرٍ خمر

(1)

، وكلُّ خَمْرٍ حرامٌ» رواهما مُسلِمٌ

(2)

.

(كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ما أسْكَرَ كثيرُه فقليلُه حرامٌ» رواه أبو داود، وابنُ ماجَهْ، والتِّرمذِيُّ وحسَّنه

(3)

.

(مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ عمرَ قال على منبر

(4)

النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «أمَّا بعدُ، أيُّها النَّاسُ! إنَّه

(5)

نَزَلَ تحريمُ الخمر، وهي مِنْ خمسةٍ: مِنْ العِنَب، والتَّمر، والعَسَل، والحِنْطَة، والشَّعِير، والخمرُ ما خامَرَ العَقْلَ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

.

وأباحَ إبراهيمُ الحَرْبِيُّ مِنْ نَقِيعِ التَّمْر إذا طُبِخَ ما دُونَ السُّكْر، قال الخَلاَّلُ: فُتياه على قَولِ أبي حَنِيفَةَ

(7)

، قال الإمامُ أحمدُ: (ليس

(8)

في

(1)

قوله: (وفي لفظ: كل مسكر خمر) سقط من (ن).

(2)

أخرجه مسلم (2003)، وأخرج البخاري (242)، ومسلم (2001)، عن عائشة رضي الله عنها:«كل شراب أسكر فهو حرام» .

(3)

أخرجه أحمد (14703)، وأبو داود (3681)، والترمذي (1865)، وابن ماجه (3393)، وابن الجارود (860)، وفي سنده: داود بن بكر بن أبي الفرات، وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم:(شيخ، لا بأس به، ليس بالمتين)، لكن تابعه موسى بن عقبة كما عند ابن حبان (5382)، وصححه ابن الجارود وابن حبان والجوزجاني، وقال ابن حجر:(رجاله ثقات). ينظر: الأباطيل 2/ 287، تنقيح التحقيق 5/ 16، التلخيص الحبير 4/ 201.

(4)

في (م): المنبر.

(5)

زاد في (م): لما.

(6)

أخرجه البخاري (4619)، ومسلم (3032).

(7)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 6/ 355، التجريد للقدوري 12/ 6093.

(8)

في (م): من.

ص: 528

الرُّخْصة حديثٌ صحيحٌ)

(1)

، وقال ابنُ المنْذِر:(جاء أهلُ الكُوفَة بأحاديثَ مَعْلُولةٍ)

(2)

.

وقيلَ: إنَّ خَبَرَ ابنِ عبَّاسٍ، أنَّه عليه السلام قال

(3)

: «حُرِّمَتِ الخَمْرُ لِعَينِها، والسُّكْرُ مِنْ كلِّ شَرابِه» ؛ مَوقُوفٌ عَلَيهِ

(4)

، مع أنَّه يَحتَمِلُ أنَّه أراد بالسُّكْر المُسْكِر مِنْ كلِّ شَرابٍ.

(وَيُسَمَّى

(5)

خَمْرًا)؛ لقوله عليه السلام: «كلُّ مُسكِرٍ خَمْرٌ»

(6)

؛ لأِنَّ الخمرَ ما خامَرَ العَقْلَ؛ أيْ: غَطَّاهُ وسَتَرَهُ، وهذا مَوجُودٌ في كلِّ مُسكِرٍ.

وحُكْمُ عصيرِ غَيرِ العِنَب كحُكْمِه، رُوِيَ عن عمرَ، وعليٍّ، وابنِ مَسْعودٍ، وابنِ عمرَ، وأبي هُرَيرَةَ، وسَعْدٍ، وأُبَيٍّ، وأَنَسٍ، وعائشةَ

(7)

، وهو قَولُ الأكْثَرِ.

(1)

ينظر: المغني 9/ 160.

(2)

ينظر: الإشراف 8/ 210.

(3)

زيد في (ن): ما.

(4)

اختُلف في رفعه ووقفه: فأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة (24067)، والنسائي (5686)، والدارقطني (4666)، والبيهقي في الكبرى (17404)، ولفظه عند ابن أبي شيبة «حرمت الخمر بعينها، قليلها وكثيرها، والسكر من كل شراب» ، كذا، وعند غيره «والمسكر» ، ورجح أحمد وغيره أن الرواية فيه بلفظ:«والمُسكر» بضم الميم وسكون السين لا «السكر» بضم ثم سكون أو بفتحتين، قاله ابن حجر، وعلق أبو نعيم في الحلية رواية الرفع (7/ 224)، قال الألباني عن رواية أبي نعيم:(وهي رواية شاذة مخالفة لرواية الجماعة الموقوفة)، وإسناد الموقوف صححه ابن حزم وغيره، وأخرجه مرفوعًا العقيلي في الضعفاء 2/ 324، 4/ 123، من وجهين عن علي رضي الله عنه، وقال عن الطريق الأول:(غير محفوظ)، وفي الثاني: محمد بن الفرات، وقال:(لا يتابع عليه). ينظر: المحلى 6/ 180، الفتح 10/ 43، الضعيفة (1220).

(5)

في (م): وسمي.

(6)

أخرجه مسلم (2003).

(7)

أثر عمر رضي الله عنه سبق قريبًا 9/ 528 حاشية (6).

وأثر علي رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (23770)، عن علي بن زيد، عن ربيعة بن النابغة، عن أبيه، عن علي، عن النبي عليه السلام قال:«كنت نهيتكم عن هذه الأوعية، فاشربوا فيها، واجتنبوا ما أسكر» ، وعلي بن زيد بن جدعان ضعيف.

وأثر ابن مسعود رضي الله عنه: أخرجه الدارقطني (4634)، من طريق الحجاج، عن حماد، عن إبراهيم، عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال:«كل مسكر حرام: هي الشربة التي تسكرك» حجاج ابن أرطاة ضعيف.

وأثر ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الشافعي كما في المسند (ص 284)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17376)، أنه قال:«كل مسكر خمر، وكل مسكر حرام» ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأثر عائشة رضي الله عنها: لعل المراد قولها: «ما أسكر الفرق فالحسوة منه حرام» ، أخرجه الدارقطني (4662)، وروي مرفوعًا سيأتي قريبًا، وأخرج الدارقطني (4669) من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها:«يا بُني إن الله لم يحرم الخمر لاسمها، وإنما حرمها لعاقبتها، وكل شراب يكون عاقبته كعاقبة الخمر فهو حرام كتحريم الخمر» ، وفي سنده راوٍ مبهم.

وأثر أنس رضي الله عنه: أخرجه البخاري (5583)، ومسلم (1980)، عن أنس رضي الله عنه: كنت قائمًا على الحي أسقيهم، عمومتي وأنا أصغرهم، الفضيخ، فقيل: حرمت الخمر، فقالوا: أكفئها، فكفأتها، قلت لأنس: ما شرابهم؟ قال: «رطب وبسر» ، فقال أبو بكر بن أنس: وكانت خمرهم، فلم ينكر أنس، وحدثني بعض أصحابي: أنه سمع أنس بن مالك يقول: «كانت خمرهم يومئذ» ، وفي لفظ: لمسلم: «لقد حرمت الخمر، وكانت عامة خمورهم يومئذ خليط البسر والتمر» .

وأثر أبي بن كعب رضي الله عنه: أخرجه ابن أبي شيبة (23760)، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، قال: سألت أبي بن كعب عن النبيذ؟ فقال: «عليك بالماء، عليك بالسويق، عليك بالعسل، عليك باللبن الذي نجعت به» ، قال: فعاودته فقال: «الخمر تريد؟» ، وإسناده صحيح.

وأخرج مسلم (1980)، عن أنس رضي الله عنه: كنت أَسقي أبا عبيدة بن الجراح، وأبا طلحة، وأبي بن كعب شرابًا من فضيخ وتمر، فأتاهم آت، فقال:«إن الخمر قد حرمت» ، فقال أبو طلحة: يا أنس، قم إلى هذه الجرة فاكسرها، فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت، قال ابن حزم المحلى (6/ 210):(فيهرق الصحابة رضي الله عنهم كل شراب عندهم من تمر أو بسر. فصح أنه عند جميعهم خمر ولم يخصوا نيئًا من مطبوخ).

ولم نقف على أثر أبي هريرة وسعدٍ رضي الله عنهما.

ص: 529

وقال أبو حَنِيفَةَ: عَصِيرُ العِنَب إذا طُبِخَ وذهب

(1)

ثُلُثاه، ونَقِيعُ التَّمْر والزَّبِيب إذا طُبِخَ ولم يَذْهَبْ ثُلُثاهُ، ونَبِيذُ الحِنطة والشَّعير نَقِيعًا كان أوْ غَيرَه حلالٌ، إلاَّ ما بَلَغَ السُّكْرَ

(2)

.

وجَوابُه: ما رَوَتْ عائشةُ مرفوعًا: «ما أسْكَرَ الفَرَقُ مِنهُ؛ فملء

(3)

الكفِّ منه حرامٌ» رواه أحمدُ، وسعيدٌ، وأبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وحسَّنَه، وإسْنادُه ثِقاتٌ

(4)

.

وظاهِرُه: يقتضي

(5)

أنَّ الحَشِيشةَ لا تُسكِرُ، لكِنْ قَولُه:«كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» يَقتَضِي أنَّها تُسْكِرُ، قال في «الفَتاوَى المِصْرِيَّة»: (الحَشِيشَةُ المسكرة

(6)

حرامٌ، وإنَّما

(7)

توقَّفَ بعضُ الفُقهاء في الحدِّ؛ لأِنَّه ظَنَّ أنَّها تُغَطِّي العَقْلَ كالبَنْجِ، والصَّحيحُ أنَّها تُسْكِرُ، وإنَّما كانَتْ نَجِسَةً بخِلافِ البَنْج وجَوزَةِ الطِّيب؛ لأِنَّها تُسْكِرُ بالاِسْتِحالةِ، كالخمر يُسْكِرُ بالاِسْتِحالة، والبَنْجُ يُغَيِّبُ العَقْلَ ويسكر

(8)

(1)

في (م): ذهب.

(2)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي للجصاص 6/ 358، المبسوط 24/ 19.

(3)

في (م): فمك.

(4)

أخرجه أحمد (24423)، وأبو داود (3687)، والترمذي (1866)، وابن الجارود (861)، وابن حبان (5383)، من طريق أبي عثمان الأنصاري، عن القاسم بن محمد، عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا، وأبو عثمان الأنصاري قاضي مرو وثقه أبو داود، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي:(ثقة)، وتكلم فيه ابن القطان فقال:(وأبو عثمان هذا لا تعرف حاله وإن كان قاضيًا بمرو)، واختلف في رفعه ووقفه، ورجح الدارقطني وقفه، وصححه مرفوعًا ابن الجارود وابن حبان وابن الملقن. ينظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 606، تنقيح التحقيق 5/ 14، البدر المنير 8/ 703.

(5)

قوله: (يقتضي) سقط من (م).

(6)

قوله: (المسكرة) سقط من (م).

(7)

في (م): إنما.

(8)

في (م): والسكر.

ص: 531

بغَيرِ

(1)

الاِسْتِحالة، كجَوزَةِ الطِّيب)

(2)

.

(وَلَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلَّذَةِ)؛ فلِعُمومِ «ما أسْكَرَ كثيره

(3)

فقليلُه حَرَامٌ»

(4)

.

(وَلَا لِلتَّدَاوِي)؛ لِمَا رَوَى وائلُ بنُ حُجْرٍ: أنَّ طارِقَ بنَ سويد

(5)

الجُعْفِيَّ سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الخَمْر، فنَهاهُ، أوْ كَرِهَ له أنْ يَصْنَعَها، فقال: إنَّما أصْنَعُها للدواء

(6)

، فقال:«إنَّه لَيسَ بدَواءٍ، ولكِنَّه داءٌ» رواه مُسلِمٌ

(7)

، وقال ابن مسعودٍ: «إنَّ اللهَ لم

(8)

يَجعَلْ شفاءَكم

(9)

فيما حرَّم عَليكُم

(10)

» رواه البخاريُّ

(11)

، ورواه أحمدُ مِنْ حديثِ حَسَّانَ بنِ مُخارِقٍ، عن أمِّ سَلَمَةَ مرفوعًا، وصحَّحه ابنُ حِبَّانَ

(12)

، ولأِنَّه يَحرُمُ لِعَينِه، فلم يَحِلَّ شُرْبُه للتَّداوِي؛ كلَحْمِ الخِنزيرِ.

(1)

في المطبوع من مختصر الفتاوى المصرية: بعد.

(2)

ينظر: مختصر الفتاوى المصرية 2/ 319.

(3)

في (م): كثير.

(4)

سبق تخريجه 9/ 528 حاشية (3).

(5)

في (م): الأسود.

(6)

في (م): للتداوي.

(7)

أخرجه مسلم (1984).

(8)

في (م): لا.

(9)

في (م): شفاء أمتي.

(10)

في (م): عليهم.

(11)

أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (7/ 110)، ووصله عبد الرزاق (17097)، وابن أبي شيبة (23492)، والطبراني في الكبير (9714)، عن أبي وائل، أن رجلاً أصابه الصفر، فنُعِت له السكر، فسأل عبد الله عن ذلك، فقال:«إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم» ، وصحح إسناده ابن حجر. ينظر: الفتح 10/ 79.

(12)

أخرجه إسحاق بن راهويه (1912)، وابن حبان (1391)، والطبراني في الكبير (749)، والبيهقي في الكبرى (19679)، وفي سنده: حسان بن مخارِق مستور الحال، وصحح الحديث ابن حبان، وقال الألباني:(إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون غير حسان بن مخارِق، فهو مستور لم يوثقه أحد غير ابن حبان)، وقوَّاه بشواهده. ينظر: الصحيحة (1633).

ص: 532

(وَلَا لِعَطَشٍ

(1)

؛ لأِنَّه لا يُذهِبُه، ولا

(2)

يُزِيلُه، ولا يَدفَعُ مَحْذورَه، فَوَجَبَ بقاؤه على تحريمه؛ عملاً

(3)

بالأدلَّة المقْتَضِيَةِ لذلك، مع سَلامَتِه من المعارِضِ.

(إِلاَّ لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا، فَيَجُوزُ) تَناوُلُه إذا لم يَجِدْ غَيرَه وخافَ التَّلَفَ؛ لقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البَقَرَة: 173]، ولأِنَّ حِفْظَ النَّفس مَطلُوبٌ، بدليلِ أنَّه تباح

(4)

الميتة عِنْدَ الاِضْطِرارِ إلَيهَا، وهو مَوجُودٌ هُنا، فَوَجَبَ جَوازُه؛ تحصيلاً لحفظ

(5)

النَّفْس المطْلُوبِ حِفْظُها.

ويُقدِّمُ عَلَيهِ بَولاً، ويُقدِّمُ عَلَيهِما ماءً نَجِسًا.

(وَمَنْ شَرِبَهُ) وهو مُكلَّفٌ، (مُخْتَارًا، عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ)، وظاهِره: أنَّه إذا لم يَعلَمْ فلا حَدَّ عليه، وهو قَولُ عامَّتِهم، وكذا إذا ادَّعَى الجَهالةَ بإسْكارِ غَيرِ الخَمْرِ، أوْ تَحريمِه، أوْ بِوُجُودِ الحدِّ به

(6)

، ومِثْلُه يجهل

(7)

؛ صُدِّقَ ولم يُحَدَّ.

وكذا إذا شَرِبَها مُكْرَهًا؛ لِحِلِّه له.

وعَنْهُ: لا تَحِلُّ له، اختاره أبو بكرٍ.

وفي حدِّه رِوايَتانِ، والظَّاهِرُ أنَّهما مَبْنِيَّانِ على حِلِّه له

(8)

وعَدَمِه.

والصَّبْرُ أفْضَلُ، نَصَّ عَلَيهِ

(9)

، وكذا كلُّ ما جاز فِعْلُه للمُكرَهِ، ذَكَرَه القاضي وغَيرُه.

(1)

في (م): ولا لعش.

(2)

في (م): ولأنا.

(3)

قوله: (عملاً) سقط من (ن).

(4)

في (ظ) و (م): يباح.

(5)

قوله: (لحفظ) سقط من (ن).

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

في (ظ): يجهله.

(8)

قوله: (وعنه: لا تحل له، اختاره أبو بكر

) إلى هنا سقط من (م).

(9)

ينظر: الفروع 10/ 97.

ص: 533

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: يرخِّص

(1)

أكثرُ العُلَماء فِيمَا يُكرَهُ عَلَيهِ من المحرَّمات لِحَقِّ الله تعالَى؛ كأكْلِ الميْتَةِ، وشُرْبِ الخمر، وهو ظاهِرُ مَذْهَبِ أحمدَ

(2)

.

(قَلِيلاً كَانَ) ما شَرِبَه (أَوْ كَثِيرًا؛ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ شَرِبَ الخَمْرَ فاجْلِدُوهُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ

(3)

، وقد ثَبَتَ أنَّ أبا بكرٍ وعمرَ وعَلِيًّا جَلَدُوا شارِبَها

(4)

، ولأِنَّ القليلَ خمرٌ، فيَدخُلُ في العُموم، ولأنَّه

(5)

شَرابٌ فيه شِدَّةٌ مُطْرِبةٌ

(6)

، فَوَجَبَ الحَدُّ به كالكثير.

(1)

في (ظ): رخص.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 97.

(3)

أخرجه أحمد (7762، 10547)، وأبو داود (4484)، والنسائي (5662)، وابن ماجه (2572)، وابن الجارود (831)، والحاكم (8115)، من طرق عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا، ولفظ أبي داود والنسائي:«إذا سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، ثم إن سكر فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه» ، وإسناده صحيح، صححه ابن الجارود والحاكم وقال الدارقطني:(حديث محفوظ)، وقد رود من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنه. ينظر: العلل 9/ 307، نصب الراية 3/ 346.

(4)

أثر أبي بكر رضي الله عنه: أخرجه البخاري (6773)، ومسلم (1706)، عن أنس رضي الله عنه:«أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بالجريد والنعال، وجلد أبو بكر أربعين» ، وعند مسلم: فلما كان عمر استشار الناس، فقال عبد الرحمن:«أخف الحدود ثمانين» ، فأمر به عمر.

وأثر عمر رضي الله عنه له طريق أخرى: أخرجه البخاري (6779)، عن السائب بن يزيد، قال:«كنا نؤتى بالشارب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وإمرة أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر، فنقوم إليه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا، حتى كان آخر إمرة عمر، فجلد أربعين، حتى إذا عتوا وفسقوا جلد ثمانين» ، وعند البيهقي في الكبرى (17497)، عن السائب بن يزيد، يقول: سمعت عمر رضي الله عنه يقول: «ذكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحابًا له شربوا شرابًا، وأنا سائل عنه، فإن كان يسكر حددتهم

فرأيته يحدهم».

وسيأتي أثر عليٍّ رضي الله عنه قريبًا.

(5)

في (م) و (ن): ولا.

(6)

في (م): مضطربة.

ص: 534

ويَلحَقُ بذلك: ما لو احْتَقَنَ بها

(1)

في المنصوص

(2)

، كما لو اسْتَعط، أوْ عَجَنَ به دقيقًا فأكله

(3)

، ونَقَلَ حنبلٌ: أوْ تَمَضْمَضَ؛ حُدَّ

(4)

، وذكره

(5)

في «الرِّعاية» قَولاً، وهو غَرِيبٌ.

وفي «المستوعب» : إنْ وَصَلَ جَوفَه؛ حُدَّ.

وفي «عُيونِ المسائل» : يَثبُتُ بعَدْلَينِ يَشهَدانِ أنَّه شرب

(6)

مُسْكِرًا، ولا يستفسرهما

(7)

الحاكم عمَّا شَرِبَ؛ لأِنَّ كلَّ مُسْكِرٍ

(8)

يُوجِبُ الحَدَّ، فدلَّ أنَّه إن

(9)

لم يَرَهُ الحاكِمُ مُوجِبًا؛ استفسرهما

(10)

.

(فَعَلَيْهِ الْحَدُّ ثَمَانُونَ جَلْدَةً)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لِإجماعِ الصَّحابة؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ عمرَ اسْتَشارَ النَّاس في حَدِّ الخمر

(11)

، فقال عبدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلْه كأَخَفِّ الحُدودِ ثَمانِينَ، فَضَرَبَه عمر ثمانِينَ، وكتَبَ به إلى خالد بن الوليد

(12)

وأبي عُبَيدةَ بالشَّام»

(13)

، ورُوِيَ أنَّ

(1)

في (م): به.

(2)

ينظر: المحرر 2/ 163.

(3)

في (ن): وأكله.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 100.

(5)

في (م): وذكر.

(6)

قوله: (يشهدان أنه شرب) في (م): يشهدانه يشرب.

(7)

في (ن): ولا يستقرهما.

(8)

في (ظ): مسلم.

(9)

قوله: (إن) سقط من (ن).

(10)

في (م): استسرهما.

(11)

في (م): الحي.

(12)

قوله: (بن الوليد) سقط من (ظ) و (ن).

(13)

أخرجه مسلم (1706). وليس فيه أنه كتب به إلى خالد وأبي عبيدة. وسبق تخريج كتابته إلى أبي عبيدة 9/ 447 حاشية (2)، وأما كتابته إلى خالدٍ فلم نقف عليه.

ص: 535

عَلِيًّا قال في

(1)

المَشُورَةِ: «إذا سَكِرَ هذى، وإذا هذى افْتَرَى، وعلى المفْتَرِي ثَمانُونَ» رواهُ الجُوزَجانِيُّ، والدَّارَقُطْنِيُّ

(2)

.

وجوَّزها

(3)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين للمَصْلَحَة، وأنَّه الرِّوايَةُ الثانية

(4)

.

(وَعَنْهُ: أَرْبَعُونَ إِنْ كَانَ حُرًّا)، اختاره أبو بكرٍ والمؤلِّفُ وغَيرُهما؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ جَلَدَ الوليدَ بنَ عقبة

(5)

أرْبَعِينَ، ثُمَّ قال: «جَلَدَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أرْبَعِينَ، وأبو بكرٍ أرْبَعِينَ، وعمر

(6)

ثَمانِينَ، وكلٌّ سُنَّةٌ، وهذا أحبُّ إليَّ» رواه مُسلِمٌ

(7)

.

لا يُقالُ: فِعْلُ عمرَ كان بمَحضَرٍ من الصَّحابة، فيكونُ إجْماعًا؛ لأنَّ

(8)

فِعْلَه عليه السلام حُجَّةٌ لا يَجُوزُ تَرْكُه لِفِعْلِ غَيرِه، ولا يَنعَقِدُ الإجماعُ مع مُخالَفَةِ أبي بكرٍ وعليٍّ، بل يَحتَمِلُ أنَّ عمرَ فَعَلَ الزِّيادةَ على أنَّها تعزيرٌ، يَجُوزُ فِعْلُها إذا رآها الإمامُ، و «ضَرَبَ عليٌّ النجَاشِيَّ بشربه

(9)

في رَمَضانَ ثمانِينَ، ثُمَّ حَبَسَه، ثُمَّ عِشْرينَ من الغَدِ»

(10)

،

(1)

قوله: (في) سقط من (م).

(2)

سبق تخريجه 9/ 480 حاشية (2).

(3)

في (ظ) و (ن): وجوزهما. والمثبت موافق للفروع.

(4)

في (م): لنا ديته. ينظر: الفروع 10/ 99.

(5)

في (م) و (ن): عتبة.

(6)

في (م): وعثمان.

(7)

أخرجه مسلم (1707).

(8)

في (ظ): ولأن.

(9)

في (م): لشربه.

(10)

أخرجه عبد الرزاق (13556، 17042)، وابن أبي شيبة (28624)، والطحاوي في شرح المعاني (4895)، والبيهقي في الكبرى (17546)، عن عطاء بن أبي مروان، عن أبيه: أن عليًّا ضرب النجاشي الحارثي الشاعر، شرب الخمر في رمضان فضربه ثمانين، ثم حبسه، فأخرجه الغد، فضربه عشرين، ثم قال له:«إنما جلدتك هذه العشرين لجرأتك على الله، وإفطارك في رمضان» ، وإسناده قوي، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 57.

ص: 536

نَقَلَ صالِحٌ: أذْهَبُ إلَيهِ

(1)

.

ونَقَلَ حنبلٌ: يُغلَّظُ عليه

(2)

؛ كَمَنْ قَتَلَ في الحَرَم.

واختار

(3)

أبو بكرٍ: يُعزَّر بعشرةٍ فأقلَّ.

وفي

(4)

«المغْنِي» : عزَّرَه بعِشْرينَ لِفِطْره.

(وَالرَّقِيقُ) عبدًا كان أوْ أَمَةً؛ (عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ)؛ كالزِّنى والقَذْفِ، فكذا من

(5)

شَرِبَ الخمر مِنْ بابِ أَوْلَى، فعَلَى الأولى

(6)

: يُحَدُّ أربعينَ، وعلى الثانية

(7)

: عِشْرينَ، صرَّح به في «المغْنِي» و «الشَّرح» .

(إِلاَّ الذِّمِّيَّ، فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ بِشُرْبِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ)؛ لأِنَّه يَعتَقِدُ حِلَّه، فلم يَجِبْ بفِعْلِه؛ كنِكاحِ المجوس

(8)

ذواتِ محارمِهم

(9)

.

والثَّانيةُ: بَلَى، لأِنَّه شَرِبَ مُسكِرًا عالِمًا به مُخْتارًا، أشْبَهَ شارِبَ النَّبيذ إذا اعْتَقَدَ حِلَّه

(10)

، قال في «المحرَّر»: وعِنْدِي يُحَدُّ إنْ سكر

(11)

، وإلاَّ فَلَا.

والمذْهَبُ خِلافُه، قال في «البُلْغة»: ولو رَضِيَ بحُكْمِنا؛ لأِنَّه لم يَلتَزِم الاِنْقِيادَ في مُخالَفَةِ دِينِه.

(1)

ينظر: مسائل صالح 2/ 323.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 99.

(3)

في (م): واختاره.

(4)

في (م): وقال في.

(5)

في (ن): في.

(6)

في (م): الأول.

(7)

في (م): الثاني.

(8)

في (م): المجوسي.

(9)

في (م): محارمه.

(10)

في (م): فعله.

(11)

قوله: (سكر) سقط من (م).

ص: 537

(وَهَلْ يَجِبُ الحَدُّ

(1)

بِوُجُودِ الرَّائِحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما: لا يَجِبُ، وقدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية» و «الفروع» ، وهو قَولُ أكثرِ العُلَماء، فعلى هذا: يُعزَّرُ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، واخْتارَهُ الخَلاَّلُ، كحاضِرٍ مع مَنْ يَشربُها

(3)

، نَقَلَه أبو طالِبٍ

(4)

.

والثَّانِيَةُ: أنَّه يُحَدُّ، قال ابنُ أبي موسى في «الإرشاد»: وهي الأظْهَرُ عنه، رُوِيَ عن عمرَ

(5)

وابنِ مَسْعودٍ

(6)

؛ لأِنَّ الرَّائحةَ تَدُلُّ على شُرْبِه لها، فجَرَى مَجْرَى الإقرارِ.

قال في «الشَّرح» : والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّ الرَّائحةَ يَحتَمِلُ أنَّه تَمَضْمَضَ بها، أوْ ظَنَّها ماءً، أوْ أَكَلَ نَبِقًا تالفًا

(7)

، أوْ شَرِبَ شَرابَ تُفَّاحٍ؛ فإنَّه يكُونُ منه كرائحة الخمر، والحَدُّ يُدرَأ بالشُّبهة.

فائدةٌ: يُستَعْمَلُ لقَطْعِ رائحة الخَمْر: الكُسْفُرةُ، وعِرْقُ البَنَفْسَجِ، والثُّوم، وما أشْبَهَ ذلك ممَّا له رائحةٌ قَوِيَّةٌ.

(1)

زيد في (م): في.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 70.

(3)

في (ن): شربها.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 70.

(5)

أخرجه ابن أبي شيبة (28628)، والدارقطني (3346)، عن السائب بن يزيد:«أن عمر رضي الله عنه كان يضرب في الريح» ، ولفظ الدارقطني:«أنه جلد رجلاً وجد منه ريح الخمر الحد تامًّا» ، وإسناده صحيح.

(6)

أخرجه البخاري (5001)، ومسلم (801)، عن علقمة، قال: كنا بحمص فقرأ ابن مسعود رضي الله عنه سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا أنزلت، قال: قرأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أحسنت» ، ووجد منه ريح الخمر، فقال: أتجمع أن تُكذِّب بكتاب الله وتشرب الخمر، فضربه الحد.

(7)

في (م): نبقًا بالقاف، وفي (ن): شفاء بالفاء.

ص: 538

فرعٌ: إذا وُجِدَ سَكْرانَ أوْ تَقَيَّأَ الخمرَ؛ فعَنْهُ: لا حَدَّ، قال بعضُهم: وهي الأظهر

(1)

.

وعَنْهُ: بَلَى على الثَّانية التي يحدَّ

(2)

بالرَّائحة؛ لِفِعْلِ عُثْمانَ، وهو بمَحْضَرٍ من الصَّحابة، رواهُ مُسْلِمٌ

(3)

.

تنبيهٌ: لا يَثبُتُ الحَدُّ إلاَّ بأَحَدِ شَيئَينِ: إمَّا البيِّنةُ العادِلَةُ، أو الإقْرارُ، ويَكْفِي مرَّةً؛ كحَدِّ القَذْفِ.

وعَنْهُ: مرَّتَينِ، نَصَرَه القاضي وأصحابُه، وجَعَلَ أبو الخَطَّاب بقيَّةَ الحُدودِ بمرَّتَينِ.

وفي «عُيونِ المسائل» في حَدِّ الخَمْر: بمَرَّتَينِ، وإنْ سلَّمْنا؛ فَلأِنَّه لا يَتضَمَّنُ إتْلافًا، بخِلافِ حدِّ السَّرِقة.

ولم يُفرِّقُوا بَينَ حَدِّ القَذْف وغَيرِه إلاَّ بأنَّه حقُّ آدَمِيٍّ كالقَوَد، فدلَّ على روايةٍ فيه، وهذا مُتَّجِهٌ، قالَهُ في «الفروع» .

(وَالْعَصِيرُ إِذَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ)، زاد بعضُهم: بلياليها

(4)

؛ (حَرُمَ)؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَشرَبُه إلى مساءِ ثالِثَةٍ، ثُمَّ يأمُرُ به فيُسقَى

(5)

الخَدَم أوْ يهراق

(6)

» رواهُ مُسْلِمٌ

(7)

.

وحَكَى أحمدُ عن ابنِ عُمَرَ أنَّه قال في

(8)

العصيرِ: «أَشْرَبُه ما لم يَأخُذْه

(1)

في (م): أظهر.

(2)

في (م): تحد.

(3)

أخرجه مسلم (1707).

(4)

في (ن): بلياليهن.

(5)

في (م): فيستقي.

(6)

في (م): يهرق.

(7)

أخرجه مسلم (2004)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(8)

قوله: (في) سقط من (ظ).

ص: 539

شيطانه

(1)

»

(2)

، قال: وفي أَخْذِهِ له في

(3)

ثلاثٍ، قال أحمدُ: فإذا أتى عَلَيهِ ثَلاثَةُ أيَّامٍ فلا تَشْرَبْه

(4)

، ولأِنَّ الشِّدَّةَ تَحصُلُ في ثَلاثٍ غَالِبًا.

(إِلاَّ أَنْ يُغْلَى قَبْلَ ذَلِكَ فَيَحْرُمُ

(5)

، نَصَّ عَلَيْهِ

(6)

، إذا غَلَى العَصيرُ وقَذَفَ بَزَبَدِه؛ فلا خِلافَ في تحريمه؛ لصحَّة إطْلاقِ الخَمْر عَلَيهِ.

وعَنْهُ: إذا غَلَى أَكْرَهُه وإن

(7)

لم يُسكِرْ، فإذا أسْكَرَ فحرامٌ.

وعنه: الوَقْفُ فِيمَا نَشَّ.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: أَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى عَصِيرٍ يَتَخَمَّرُ فِي ثَلَاثٍ غَالِبًا)؛ لقوله عليه السلام: «اشْرَبُوا في كلِّ وِعاءٍ، ولا تَشْرَبُوا مُسكِرًا»

(8)

، ولأِنَّ علَّة

(9)

التَّحريم: الشِّدَّةُ المُطْرِبَةُ، وذلك في المسْكِر لا غَيرِه، وأجاب عن إطْلاقِ أحمدَ: بأنَّ المرادَ عَصِيرٌ يَتَخَمَّرُ في ثلاثٍ غالِبًا.

فرعٌ: إذا طُبِخَ منه قَبْلَ التَّحريم؛ حلَّ إنْ ذَهَبَ ثُلُثاهُ وبَقِيَ ثُلُثُه، نَقَلَه الجماعةُ

(10)

، وذَكَرَه أبو بكرٍ إجماعَ المسلمين.

قال أبو داودَ: سَأَلْتُ أحمدَ عن شُرْبِ الطِّلَاء، فقال: إذا ذَهَبَ ثُلُثاهُ وبَقِيَ

(1)

في (م): شيطان.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (16990)، وابن أبي شيبة (23863)، من طريق الأعمش، عن عبد الله بن مرة، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سئل عن العصير، قال:«اشربه ما لم يأخذه شيطانه» ، قيل: وفي كم يأخذه شيطانه؟ قال: «في ثلاث» ، وإسناده صحيح.

(3)

قوله: (في) سقط من (ظ).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4066، الورع ص 173.

(5)

قوله: (فيحرم) سقط من (ظ).

(6)

ينظر: الورع ص 173.

(7)

في (م): فإن.

(8)

أخرجه مسلم (1999)، من حديث بريدة رضي الله عنه.

(9)

في (م): عادة.

(10)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4062، مسائل أبي داود ص 347.

ص: 540

ثلثه

(1)

، فقال: لا بَأْسَ، قال: يقولون

(2)

: إنَّه يُسكِرُ، فقال

(3)

: لا، لو كان يُسكِرُ ما أحلَّه عمرُ

(4)

.

وجعل أحمد

(5)

وَضْعَ زبيبٍ في خَرْدَلٍ كعصيرٍ، وأنَّه إنْ صُبَّ فيه خَلٌّ أُكِلَ

(6)

.

(وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ فِي الْمَاءِ تَمْرًا

(7)

أوْ زَبِيبًا وَنَحْوَه لِيَأْخُذَ مُلُوحَتَهُ)؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّه عليه السلام كان يُنبَذُ له الزَّبِيبُ فيَشْرَبُه»

(8)

، (مَا لَمْ يَشْتَدَّ أَوْ تَأْتِ

(9)

عَلَيْهِ

(1)

قوله: (نقله الجماعة وذكره أبو بكر

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): يقول.

(3)

في (ن): قال.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 347.

والأثر أخرجه مالك (2/ 847)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 284)، والبيهقي في الكبرى (17425)، من طريق محمود بن لبيد الأنصاري:«أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قدم الشام فشكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا: لا يصلحنا إلا هذا الشراب، فقال عمر: اشربوا العسل، فقالوا: لا يصلحنا العسل، فقال رجال من أهل الأرض: هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئًا لا يسكر؟ فقال: نعم، فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث، فأتوا به عمر رضي الله عنه، فأدخل عمر فيه أصبعه ثم رفع يده فتبعها فتمطط، فقال: هذا الطلاء، هذا مثل طلاء الإبل، فأمرهم أن يشربوه، فقال له عبادة بن الصامت: أحللتها لهم والله، فقال عمر: كلا والله، اللهم إني لا أحل لهم شيئًا حرمته عليهم، ولا أحرم عليهم شيئًا أحللته لهم» .

وأخرج النسائي (5717)، والبيهقي في الكبرى (17426)، من طريق ابن سيرين، أن عبد الله بن يزيد الخطمي، قال: كتب إلينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «أما بعد، فاطبخوا شرابكم حتى يذهب منه نصيب الشيطان، فإن له اثنين ولكم واحد» ، وله عن عمر رضي الله عنه طرق أخرى، ذكر ابن حجر بعضها في الفتح (10/ 63) ثم قال:(وهذه أسانيد صحيحة).

(5)

في (م): وجعله، وقوله:(أحمد) سقط من (ظ).

(6)

ينظر: الورع ص 173.

(7)

في (م): ثمرًا.

(8)

أخرجه مسلم (2004)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(9)

في (ظ): يأت.

ص: 541

ثَلَاثٌ) تمامٌ، نَصَّ عليه

(1)

، ولأِنَّه إذا بَلَغَ ذلك صار مُسْكِرًا.

ونَقَلَ ابنُ الحَكَم: إذا نَقَعَ زبيبًا

(2)

أوْ تمرًا

(3)

هِندِيًّا أوْ عِنَّابًا ونحوَه لدواءٍ

(4)

غَدْوةً ويَشْرَبُه عَشِيَّةً، وبالعكس: هذا نبيذٌ أكْرَهُه، ولكِنْ يَطبُخُه ويَشْرَبُه على المكان

(5)

، فهذا لَيسَ بِنَبِيذٍ.

فإنْ غَلَى العِنَبُ وهو عِنَبٌ؛ فلا بأْسَ به، نَقَلَه أبو داودَ

(6)

.

فرعٌ: إذا سَكِرَ مِنْ النَّبِيذ؛ فَسَقَ، وكذا إنْ شَرِبَ قليلَه

(7)

على الأصحِّ.

(وَلَا يُكْرَهُ الاِنْتِبَاذُ فِي الدُّبَّاءِ)، وهي القَرْعَةُ اليابِسةُ المَجْعُولةُ وِعاءً، (وَالْحَنْتَمِ)، وهي جِرارٌ مَدْهونَةٌ، واحِدَتُها: حَنْتَمةٌ، (وَالنَّقِيرِ

(8)

، وهو أصْلُ النَّخلة يُنقَرُ، ثُمَّ يُنبَذُ فيه التَّمرُ، فَعِيل

(9)

بمَعْنى مَفعُولٍ، (وَالمُزَفَّتِ)، وهو الوِعاءُ المَطْلِيُّ بالزفت

(10)

، نَوعٌ من القَارِ؛ لِمَا رَوَى بُرَيدةُ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «اشْرَبُوا في كلِّ وِعاءٍ، غَيرَ أنْ لا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا» رواهُ مسلم

(11)

.

(وَعَنْهُ: يُكْرَهُ)، قال الخَلاَّلُ: وعَلَيها العَمَلُ؛ لِمَا في «الصَّحيحَينِ» : «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن الاِنْتِباذِ فيها»

(12)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 138.

(2)

قوله: (ونقل ابن الحكم: إذا نقع زبيبًا) سقط من (ن).

(3)

في (م): ثمرًا.

(4)

في (ن): كدواء.

(5)

ينظر: المغني 9/ 172.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 347.

(7)

في (م): قليلاً.

(8)

قوله: (وهي القرعة اليابسة

) إلى هنا سقط من (م).

(9)

في (م): فقيل.

(10)

في (م): بالرفث.

(11)

قوله: (رواه مسلم) سقط من (ن). والحديث أخرجه مسلم (1999).

(12)

أخرجه البخاري (53)، ومسلم (17) في حديث وفد عبد القيس وفيه:«ونهاهم عن أربع: عن الحنتم والدباء والنقير والمزفت» ، وربما قال:«المقير» ، وروي من حديث جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيره.

ص: 542

وعَنهُ: يَحرُمُ، ذَكَرَها في «الهَدْي»

(1)

.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ دليلَه ناسِخٌ.

وعَنْهُ: وغَيرِه من الأوعيةِ، إلاَّ سِقاءً يُوكَى حَيثُ بَلَغَ الشَّرابَ.

(وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ، وَهُوَ أَنْ يَنْبِذَ

(2)

شَيْئَيْنِ؛ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ)، أوْ المُذنِّب

(3)

وحْدَه، نَقَلَه الجماعةُ

(4)

؛ لِمَا رَوَتْ عائشةُ قالت: «كنَّا نَنْبذُ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنَأخُذُ قَبْضةً من تمرٍ، وقَبْضةً مِنْ زبيبٍ، فنَطْرَحُها فيه، ثُمَّ نَصُبُّ عَلَيهِ الماءَ، فنَنبذُه غُدْوةً، فيَشرَبُهُ عَشِيَّة، ونَنبذُه عَشِيَّةً، فيَشْرَبُه غُدْوةً» رواه أبو داودَ وابنُ ماجَهْ

(5)

.

فلمَّا كانَتْ مُدَّةُ الانتباذ

(6)

قريبةً، وهي يومٌ أوْ لَيلةٌ، لا يُتَوَهَّمُ الإسْكارُ فيها، فعلى هذا: لا يُكرَه، ويُكرَه إذا كان في مدَّةٍ يَحتَمِلُ إفْضاؤه إلى الإسْكار؛ لأِنَّه عليه السلام نَهَى عن الخَلِيطَينِ

(7)

، وأدنى

(8)

أحْوالِ النَّهي الكراهةُ.

(1)

ينظر: زاد المعاد 3/ 531.

(2)

في (م): ينتبذ.

(3)

المذنب: بتشديد النون وكسرها، هو البسر الذي ذُنِّب أي: بدأ الإرطاب فيه من قبل ذنبه. ينظر: طلبة الطلبة ص 70.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4075.

(5)

أخرجه أحمد (24198)، وأبو داود (3708)، وابن ماجه (3398)، وفي سند أحمد وابن ماجه: بنانة بنت يزيد العبشمية، قال ابن حجر:(لا تعرف)، وفي إسناده أبي داود أيضًا: عتاب بن عبد العزيز الحماني، وهو مقبول، ويروي عن جدته صفية بنت عطية وهي لا تعرف، ولكن أخرج مسلم (2005)، عن عائشة رضي الله عنه ولفظه:«كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكى أعلاه وله عزلاء، ننبذه غدوة فيشربه عشاء، وننبذه عشاء فيشربه غدوة» .

(6)

في (ظ): الانباذ.

(7)

وهو الحديث الآتي بعده.

(8)

في (م): وأدى.

ص: 543

وعَنْهُ: يَحرُمُ، اختاره في «التَّنبيه» ؛ لِمَا رَوَى أبو قَتادةَ، قال:«نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنْ يُجمَعَ بَينَ التَّمْر والزَّهْو، والتَّمر والزَّبيب، ولْيُنْبَذْ كلُّ واحِدٍ منهما على حِدَةٍ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

.

وعَنْهُ: لا يُكرَه، اختاره في «التَّرغيب» ، واخْتارَه في «المغْنِي» ما لم يَحتَمِلْ إسْكارُه، قال القاضِي: هو

(2)

حرامٌ إذا اشْتَدَّ وأسْكَرَ، وإذا لم يُسكِرْ لم يَحرُمْ، وهذا هو الصَّحيحُ إنْ شاءَ اللهُ تَعالَى.

(وَلَا بَأْسَ بِالفُقَّاعِ

(3)

؛ أيْ: يُباحُ، ولا أعْلَمُ فيه خِلافًا

(4)

؛ لأِنَّه لا يُسكِرُ، ويَفسُدُ إذا بَقِيَ، ولَيسَ المقصودُ منه الإسْكارَ، وإنَّما يُتَّخَذُ لِهَضْمِ الطَّعام، وصدق الشهوة

(5)

.

وعَنْهُ: يُكرَه.

وعَنْهُ: يَحرُمُ، ذَكَرَها في «الوسيلة» .

والمذْهَبُ الأوَّلُ.

وسُئِلَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين عن شُرْبِ الأقسماء

(6)

، فأجاب: بأنَّها إذا كانَتْ مِنْ زبيبٍ فقطْ؛ فإنَّه يُباح شُرْبُها ثلاثةَ أيَّامٍ ما لم تشتدَّ

(7)

باتِّفاق العلماء، أمَّا ما كان من خَلِيطَينِ يُفْسِدُ أحدُهما الآخَرَ؛ فهذا فيه نِزاعٌ، فلو وَضَعَ فيه ما

(8)

(1)

أخرجه البخاري (5602)، ومسلم (1988).

(2)

في (م): وهو.

(3)

في (م): في الفقاع. قال في المطلع ص 457: (قال ابن فارس: الفقاع: الذي يشرب، قال ابن سيده: الفقاع: شراب يتخذ من الشعير، سمي بذلك لما يعلوه من الزبد).

(4)

ينظر: المغني 9/ 171.

(5)

زيد في (م): الأقسماء.

(6)

قوله: (الأقسماء) سقط من (م).

(7)

في (ظ): ما لم يشتد.

(8)

في (م): ماء.

ص: 544

يُحَمِّضُه؛ كالخَلِّ واللَّيمون، كما يُوضَعُ في الفُقَّاع المُشذَّب

(1)

؛ فهذا يَجوزُ شُرْبُه مُطلَقًا، فإن حُموضَتَه تَمنَعُه أنْ يَشْتَدَّ

(2)

. واللهُ أعلم

(3)

.

(1)

في (م): النبيذ. وفي (ن): المسذب.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 210.

(3)

قوله: (والله أعلم) سقط من (م) و (ن).

ص: 545

(بَابُ التَّعْزِيرِ)

التَّعزيرُ في اللُّغة: المَنْعُ، يُقال: عَزَّرْتُه؛ أيْ: مَنَعْتُه، ومنه سُمي

(1)

التَّأديبُ، ولأِنَّه يَمنَعُ مِنْ تَعاطِي القَبِيحِ، ومِنْهُ: التَّعزيرُ بمَعْنَى النُّصرة؛ لأِنَّه مَنْعٌ لِعَدُوِّه مِنْ أَذاهُ.

وقال السَّعْدِيُّ: يُقالُ: عَزَّرْتُه وَوَقَّرْتُه، وأيْضًا: أدبته

(2)

، وهو من الأضْداد

(3)

، وهو طريقُ إلى التَّوقير؛ لأِنَّه إذا امْتَنَعَ به وصُرِفَ عن الدَّناءة حَصَلَ له الوَقارُ والنَّزاهةُ.

(وَهُوَ التَّأْدِيبُ)، فبَيانٌ لِمَعْنَى التَّعزير، وفَسَّرَه في «المغني»: بالعقوبة

(4)

المشروعة على جِنايَةٍ لا حَدَّ فيها، وهو

(5)

قريبٌ مِمَّا ذَكَرَه هُنا، قالهُ ابنُ المنَجَّى، وفيه نَظَرٌ.

(وَهُوَ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ)، وكذا ذَكَرَه في «المحرَّر» و «الوجيز» وغَيرِهما من كُتُب الأصْحاب، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

: إنْ عَنَى به فِعْلَ المحرَّماتِ وتَرْكَ الواجِبات فاللَّفْظُ جامِعٌ، وإنْ عَنَى فِعْلَ المحرَّمات فَقَطْ، فغَيرُ جامِعٍ، بل التَّعْزيرُ على تَرْكِ الواجبات

(7)

أيْضًا، ولأِنَّ المعصيَةَ تَفْتَقِرُ إلى ما يَمنَعُ من فِعْلِها، فإذا لم

(8)

يَجِبْ فيها حَدٌّ ولا كفَّارةٌ؛

(1)

في (ن): يسمى.

(2)

قوله: (وأيضًا أدبته) في (م) و (ن): وإيصال دينه.

(3)

ينظر: كتاب الأفعال 2/ 364.

(4)

في (م): بأن العقوبة.

(5)

قوله: (وهو) سقط من (م).

(6)

ينظر: الاختيارات ص 433.

(7)

قوله: (فاللفظ جامع، وإن عنى

) إلى هنا سقط من (ن).

(8)

قوله: (فإذا لم) في (م): فإذن.

ص: 546

وَجَبَ أنْ يُشرَعَ فيها التَّعْزيرُ؛ لتَحَقُّقِ المانِعِ مِنْ فِعْلِها.

وفي «الشَّرح» : هو واجِبٌ إذا رآهُ الإمامُ فِيمَا شُرِعَ فيه التعزير

(1)

.

وعَنْهُ: يُعزَّرُ المكلَّفُ نَدْبًا، نَصَّ عليه في

(2)

تعزيرِ رقيقه على معصيةٍ وشاهِدِ زُورٍ

(3)

.

وفي «الواضِحِ» : في وُجوبِ التَّعزِيرِ رِوايَتانِ، والأَشْهَرُ كما ذكره

(4)

المؤلِّفُ ونَصَّ عَلَيهِ

(5)

الإمامُ في سبِّ صحابي

(6)

؛ كحدٍّ، وكحقِّ

(7)

آدَمِيٍّ طَلَبَه.

وقَولُنا: (ولا كفَّارةَ فيه

(8)

فائدتُه في الظِّهار وشِبْهِ العَمْد، لكِنْ يُقالُ: يَجِبُ التَّعزيرُ فيه؛ لأِنَّ الكفَّارةَ حقُّ الله تعالَى بمنزلةِ الكَفَّارةِ في الخَطَأ، لَيسَتْ لأِجْلِ الفِعْل، بل

(9)

بَدَلَ النَّفْس الفائتة

(10)

، فأمَّا

(11)

نَفْسُ الفِعْل المحرَّمِ الذي هو الجِنايَةُ؛ فلا كفَّارةَ فيه.

ويَظهَرُ هذا: بما لو جَنَى عَلَيهِ فلم يُتلِفْ شَيئًا؛ اسْتَحَقَّ التَّعْزِيرَ، ولا كَفَّارةَ، ولو أتْلَفَ بلا جِنايَةٍ مُحرَّمةٍ؛ لَوَجَبَت الكَفَّارةُ بلا تَعْزيرٍ، وإنَّما الكفَّارةُ في شِبْهِ العَمْدِ بمَنزِلَةِ الكَفَّارة على المُجامِع في الصِّيام والإحرام، لا في

(1)

قوله: (لتحقق المانع من فعلها

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): وفي.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3394، الفروع 10/ 104.

(4)

في (م): ذكر.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 104.

(6)

في (م): الصحابي.

(7)

في (م): وحق.

(8)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(9)

قوله: (بل) سقط من (م).

(10)

في (م): الزانية، وفي (ن): الذاتية.

(11)

في (م): وأما.

ص: 547

اليمينِ الغَمُوس إنْ وَجَبَت الكفَّارةُ؛ لاِخْتِلافِ سَبَبِها؛ لأِنَّ سَبَبَ الكَفَّارة الحِنْثُ، ويَمِينُ الغَموسِ كَذْبَةٌ نُزِّلَ مَنزِلَةِ الحِنْثِ، وسَبَبُ التَّعزير شَيءٌ آخَرُ، وهو إقْدامُه على الحَلِف كَذِبًا.

وحاصِلُه: أنَّ ما كان من التَّعزير مَنصوصًا عَلَيهِ؛ وَجَبَ، وما لم يَكُنْ، ورَأَى الإمامُ المصلحةَ فيه؛ وجب

(1)

كالحدِّ، وإنْ رَأَى العَفْوَ؛ جاز للأخبار، وإنْ كان لِحَقِّ آدَمِيٍّ فَطَلَبَه؛ لَزِمَه إجابَتُه.

وفي «الكافي» : يَجِبُ التَّعزِيرُ في مَوضِعَينِ وَرَدَ الخَبَرُ فيهما

(2)

، وما عَداهُما إلى اجْتِهادِ الإمامِ.

فإنْ جاء تائبًا معترفًا

(3)

، قد

(4)

أظْهَرَ النَّدَمَ والإقْلاعَ؛ جاز تَرْكُ تَعْزِيرِه، وإلاَّ وَجَبَ، وقال القاضِي ومَن تَبِعَه: إلاَّ

(5)

إذا شَتَمَ نَفْسَه أوْ سَبَّها، ولا يَحتاجُ إلى مُطالَبَةٍ.

(كَالاِسْتِمْتَاعِ الذِي لَا يُوجِبُ الْحَدَّ)؛ لأِنَّه عليه السلام جَعَلَه سَيِّئةً.

(وَإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ)؛ لِقَولِه عليه السلام: «إذا أَتَت المرأةُ المرأةَ؛ فهُما زَانِيَتانِ»

(6)

.

(وَسَرِقَةِ مَا لَا يُوجِبُ الْقَطْعَ)؛ لِدُخُولِه في قَولِه عليه السلام: «لا يَحِلُّ مالُ امْرِئٍ مُسلِمٍ إلاَّ عَنْ طِيبِ نَفْسِه»

(7)

.

(1)

في (م): وجبت.

(2)

في (م): فيها. وهما إذا وطئ جارية بإذنها، وإذا وطئ جارية مشتركة، وستأتي الأخبار فيها.

(3)

قوله: (تائبًا معترفًا) في (م): ثانيًا مفترقًا.

(4)

قوله: (قد) مكانه بياض في (م).

(5)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(6)

سبق تخريجه 9/ 460 حاشية (3).

(7)

سبق تخريجه 5/ 11 حاشية (2).

ص: 548

(وَالْجِنَايَةِ عَلَى النَّاسِ بِمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ)؛ لأِنَّه تعدٍّ على الغَيرِ

(1)

، أشْبَهَ التي فيها القِصاصُ.

لا يُقال: القِياسُ يَقتَضِي مَشْروعِيَّةَ القِصاص في ذلك أيضًا، والتَّقديرُ خِلافُه؛ لأنَّه

(2)

تعذَّر القِصاصُ لِمَعْنًى يختصُّ

(3)

به، وهو لا يَمنَعُ من ثُبوتِ الحُرْمة؛ لأِنَّ الجِنايَةَ تَقتَضِي الإيجابَ مُطلَقًا، تُرِك

(4)

العَمَلُ به لِمَا ذَكَرْنا، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقْتَضاهُ.

(وَالْقَذْفِ بِغَيْرِ الزِّنَى)؛ بأنْ يَرْمِيَه بالكَذِبِ أوْ بالفِسْقِ.

فَعَلَى هذا: إنْ تَشاتَمَ اثْنانِ؛ عُزِّرا، ويَحتَمِلُ عَدَمَه، فَدَلَّ أنَّ ما رآه تعيَّن

(5)

، فلا يُبطِلُه غَيرُه، وأنَّه يَتعَيَّنُ قَدْرُ تَعْزِير عينه.

(وَنَحْوِهِ)، رُوِيَ عن عليٍّ أنَّه سُئِلَ عن قَولِ الرجل

(6)

لآِخَرَ: يا خَبِيثُ، قال

(7)

: «هو فاسِقٌ، فيه تعزيرٌ»

(8)

.

وهذا كلُّه مَعصِيَةٌ لله تعالى؛ لأِنَّه إمَّا جِنايَةٌ على الشَّرع، أو على آدَمِيٍّ،

(1)

زاد في: (ظ) التي.

(2)

زيد في (ن): إذا.

(3)

في (ن): مختص.

(4)

في (ن): وكذا.

(5)

في (ن): يعين.

(6)

في (ن): النبي صلى الله عليه وسلم.

(7)

قوله: (قال) سقط من (م).

(8)

أخرجه ابن أبي شيبة (28964)، عن شريك، عن عبد الملك بن عمير، قال: قال علي رضي الله عنه في قول الرجل للرجل: يا خبيث يا فاسق، قال:«هن فواحش، وفيهنَّ عقوبة، ولا تقولهنَّ فتعودهن» وأخرجه البيهقي في الكبرى (17150)، من طريق أبي عوانة، عن عبد الملك بن عمير، عن شيخ من أهل الكوفة قال: سمعت عليًّا رضي الله عنه يقول: «إنكم سألتموني عن الرجل يقول للرجل: يا كافر، يا فاسق، يا حمار، وليس فيه حدٌّ، وإنما فيه عقوبة من السلطان، فلا تعودوا فتقولوا» ، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 54.

ص: 549

والجِنايَةُ على الآدَمِيِّ عَمْدًا محرَّمة

(1)

، وفاعِلُها مُقْدِمٌ على مُخالَفةِ الله تَعَالَى بأذى

(2)

المسْلِمِينَ، فيَكُونُ واجِبًا كالحدِّ.

(وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ فَعَلَيْهِ الْحدُّ)؛ لحديثِ النُّعمانِ بنِ بشير وهو أميرٌ على الكوفة

(3)

، ولأِنَّه وَطْءٌ في فرجٍ

(4)

في غَيرِ عَقْدٍ ولا ملْكٍ، فَوَجَبَ عَلَيهِ الحَدُّ؛ كوَطْءِ أَمَةِ غَيرِ زَوجَتِه، (إِلاَّ أَنْ تَكُونَ قَدْ أَحَلَّتْهَا لَهُ، فَيُجْلَدُ مِائَةً)، ولا رَجْمَ ولا تَغْرِيبَ؛ لِمَا رَوَى أحمدُ وأبو داودَ وغَيرُهما عن حبيبِ بنِ سالِمٍ: أنَّ رجلاً يُقالُ له: عبدُ الرَّحمن بنُ حُنَينٍ وَقَعَ على جارِيَةِ امْرَأَتِه، فَرُفِعَ إلى النُّعمان بنِ بَشِيرٍ، وهو أميرٌ على الكُوفَةِ، فقال:«لأقضينَّ فِيكَ بقَضاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، إنْ كانَتْ أحلَّتْها لك جَلَدْتُك مِائَةً، وإنْ لم تكُنْ أحَلَّتْها لَكَ؛ رَجَمْتُكَ» ، قال الترمذي

(5)

: سألتُ مُحمَّدًا عنه، فقال: أنا أتَّقي

(6)

هذا الحديثَ

(7)

، وقال الخَطَّابِيُّ: لَيسَ بمُتَّصِلٍ

(8)

، وقال غَيرُه: رجالُه ثِقاتٌ، إلاَّ حبيبَ بنَ سالِمٍ، قال البخاريُّ: فيه نَظَرٌ، وقد رَوَى له مُسلِمٌ، وَوَثَّقَه أبو حاتِمٍ

(9)

.

(1)

في (ن): محرمة عمدًا.

(2)

في (م): بأذاء.

(3)

قوله: (وهو أمير على الكوفة) سقط من (ظ) و (ن).

(4)

قوله: (في فرج) سقط من (م).

(5)

قوله: (الترمذي) سقط من (م).

(6)

قوله: (أنا أتقي) في (م): يا ابني.

(7)

ينظر: علل الترمذي الكبير ص 234.

(8)

ينظر: معالم السنن 3/ 330.

(9)

أخرجه أحمد (18397)، وأبو داود (4458)، والترمذي (1451، 1452)، والنسائي (3361)، والبزار (3239)، والبيهقي في الكبرى (17069)، من طرق عن حبيب بن سالم به، وهو حديث وقع فيه اضطراب، وأُعلَّ بالانقطاع، فهو من رواية قتادة، حدثني خالد بن عرفطة، عن حبيب بن سالم، وفي آخره: قال قتادة: كتبت إلى حبيب بن سالم، فكتب إليَّ بهذا، وروي من طريق آخر عن أبي بشر عن حبيب به، قال الترمذي:(حديث النعمان في إسناده اضطراب، سمعت محمدًا يقول: لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة، وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا أيضًا، إنما رواه عن خالد بن عرفطة)، وخالد بن عرفطة مقبول، وحبيب بن سالم مولى النعمان وثقه أبو حاتم وأبو داود، وقال البخاري:(فيه نظر)، قال ابن حجر:(لابأس به)، وأعل الحديث كذلك البزار والإشبيلي، وحسنه وقواه ابن القيم وابن عبد الهادي. ينظر: الأحكام الوسطى 4/ 86، تنقيح التحقيق 4/ 530، زاد المعاد 5/ 35، تهذيب التهذيب 2/ 184.

ص: 550

وعَنْهُ: يُعزَّرُ مِائَةً إلاَّ سَوطًا.

وعَنْهُ: يُعزَّرُ بِعَشْرٍ.

(وَهَلْ يَلْحَقُهُ نَسَبُ وَلَدِهَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما

(1)

: يَلحَقُه، جَزَمَ بها

(2)

في «الوجيز» ؛ كوَطْءِ الجارِيَةِ المشْتَرَكَةِ.

والثَّانِيَةُ: لا يَلْحَقُه الولدُ، نَقَلَه الجماعةُ

(3)

، قال أبو بكرٍ: العَمَلُ عَلَيهِ، لأِنَّه وَطْءٌ لا في ملك

(4)

ولا شُبهةِ ملْكٍ، أشْبَهَ الزِّنى المحْضَ.

وقال الشّيخُ تقيُّ الدِّين: إنْ ظنَّ

(5)

جَوازَه لَحِقَه، وإلاَّ فروايتان فيه وفي

(6)

حَدِّه

(7)

.

وعنه: يَحَدُّ، فلا يَلحَقُه؛ لعدم

(8)

حِلِّها، ولو ظَنَّ حِلَّها، نَقَلَه مُهَنَّى

(9)

.

(وَلَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالْإِبَاحَةِ)؛ لِعمُومِ النُّصوص الدَّالَّةِ على وُجوبِ الحَدِّ

(1)

في (م): أحدهما.

(2)

في (م): به.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 61.

(4)

في (م): ملكه.

(5)

في (م): جن.

(6)

في (م): في.

(7)

ينظر: الاختيارات ص 401، الفروع 10/ 61.

(8)

في (ن): كعدم.

(9)

ينظر: الفروع 10/ 61.

ص: 551

على الزَّانِي، (فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ)، وهو إباحةُ الزوجة أمتَها

(1)

لِزَوْجِها، وإنَّما سَقَطَ الحَدُّ هنا؛ لحديثِ النُّعمانِ.

تنبيهٌ: نَقَلَ المَيمُونِيُّ فِيمَنْ زَنَى صغيرًا؛ لم يَرَ عَلَيهِ شَيئًا

(2)

، ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ في صَبِيٍّ قال لِرَجُلٍ: يا زَانِي: لَيسَ قَولُه شَيئًا

(3)

، وكذا في «التَّبصرة» أنَّه لا يُعزَّرُ.

وذَكَرَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ: أنَّ غَيرَ المكلَّفِ كالصَّبِيِّ المُمَيِّزِ، يُعاقَبُ على الفاحِشَةِ تَعزِيرًا بَلِيغًا، وكذا المجْنونُ يُضرَبُ على ما فَعَل لينزجر

(4)

، لكِنْ لا عُقوبَةَ بقَتْلٍ أوْ قَطْعٍ

(5)

.

وفي «الواضح» : مَنْ بَلَغَ عَشْرًا صلَحَ

(6)

تأديبُه

(7)

في

(8)

تَعزيِرٍ على طَهارةٍ وصلاة

(9)

، ومِثْلُه زِنًى، وهو ظاهِرُ كلامِ القاضي، وظاهِرُ ما نَقَلَه الشَّالَنْجِيُّ في الغِلْمان يَتَمَرَّدُونَ: لا بَأْسَ بضَرْبِهم

(10)

.

وأمَّا القِصاصُ؛ مِثْلَ أنْ يَظْلِمَ صَبِيٌّ صَبِيًّا، أوْ مَجْنونٌ مَجْنونًا، أوْ بهيمةٌ بهيمةً

(11)

؛ فيُقْتَصُّ للمَظْلومِ من الظَّالِمِ وإنْ لم يكُنْ في ذلك زَجْرٌ عن

(1)

في (م): بأمتها. مكان: (الزوجة أمتها).

(2)

ينظر: الفروع 10/ 106.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3648.

(4)

قوله: (على ما فعل لينزجر) في (م): على فعل كبير حر.

(5)

ينظر: منهاج السنة 6/ 50.

(6)

قوله: (صلح) سقط من (ن).

(7)

في (م): قاربه، وفي (ن): تأدبه.

(8)

في (م): وفي.

(9)

في (ظ): صلاته. وفي (م): على صلاة وطهارة.

(10)

ينظر: الفروع 10/ 107.

(11)

زيد في (ن): لا بأس ضربهم.

ص: 552

المسْتَقْبَلِ، لكِن لاشتفاء

(1)

المظْلُومِ وأخْذِ حقِّه.

قال في «الفروع» : فيتوجَّه أنْ يُقالَ: يُفعَلُ ذلك، ولا يَخْلُو عَنْ رَدْعٍ وزَجْرٍ، وأمَّا في الآخرة فإنَّ اللهَ تعالَى يَقُولُ ذلك للعَدْلِ بَينَ خَلْقه، قال

(2)

ابنُ حامِدٍ: القِصاصُ بَينَ البهائم والشَّجَرِ والعِيدانِ؛ جائزٌ شَرْعًا بإيقاعِ مِثْلِ ما كان في الدُّنيا

(3)

، وكما قال أبو محمَّدٍ البربهاري

(4)

في القِصاص من الحَجَرِ: لِمَ نَكَبَ

(5)

إصبع الرّجل؟

(6)

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: القِصاصُ مُوافِقٌ لِأُصولِ الشَّريعة

(7)

.

(وَلَا يُزَادُ فِي التَّعْزِيرِ عَلَى عَشْرِ جَلَدَاتٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ لقَولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ، إِلاَّ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى») مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حديثِ أبِي بُرْدَةَ

(8)

، ونَصَّ عَلَيهِ أحمد

(9)

في مَواضِعَ

(10)

، وجَزَمَ به في «الوجيز» .

(1)

في (م): لإشفاء.

(2)

في (م): وقال.

(3)

في (م): الدين.

(4)

هو: الحسن بن علي بن خلف أبو محمد البربهاري، صحب جماعة من أصحاب أحمد، منهم المروذي، من مصنفاته:«شرح السنة» ، مات سنة 329 هـ. ينظر: طبقات الحنابلة 2/ 18.

(5)

في (ن): لم يكف.

(6)

يشير إلى ما أخرجه أسد بن موسى في الزهد (103)، عن أبي ذر رضي الله عنه أنه كان يقول:«والذي نفسي بيده لتسألنَّ الشاة فيما نطحت صاحبتها، وليسألن الحجر فيما نكب أصبع الرجل» ، وفيه ابن لهيعة.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 108.

(8)

أخرجه البخاري (6848)، ومسلم (1708).

(9)

قوله: (أحمد) سقط من (ن).

(10)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3394.

ص: 553

والمرادُ عِنْدَ الشَّيخ تقيِّ الدِّين: إلاَّ في مُحرَّمٍ لِحَقِّ الله تعالى

(1)

.

وعَنْهُ: بتسعٍ

(2)

، قال بعضُهم: ولا وَجْهَ له.

وعَنْهُ: لا يُبلَغُ به الحَدُّ، جَزَمَ به الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «المذْهَبِ» و «المحرَّر» ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أَدْنَى حدٍّ مَشْروعٍ، وهو قَولُ الأكثرِ، ويَحتَمِلُ أنْ لا يَبلُغَ بكلِّ جِنايَةٍ حَدًّا مَشْروعًا في جِنْسِها، ويَجُوزُ أنْ يَزِيدَ على حَدِّ غَيرِ جِنْسِها.

(وَعَنْهُ: مَا كَانَ سَبَبُهُ الْوَطْءَ؛ كَوَطْءِ جَارِيَتِهِ الْمُشْتَرَكَةِ وَالْمُزَوَّجَةِ وَنَحْوِهِمَا

(3)

؛ كجارِيةِ ولده

(4)

، أوْ أَحَدِ أبَوَيهِ، والمحرَّمةِ بِرضاعٍ، ومَيْتةٍ عالِمًا بتحريمه؛ (ضُرِبَ مِائَةً)؛ لِمَا سَبَقَ مِنْ حديثِ النُّعمان في وَطْءِ جارِيَةِ امْرأتِه بإذنها

(5)

، فيتعدَّى إلى وَطْءِ أمتِه المشْتَرَكةِ والمزوَّجةِ؛ لأنَّهما

(6)

في مَعْناهَا، وعن سعيدِ بنِ المسيِّبِ: أنَّ عمرَ قال في أَمَةٍ بين رَجُلَينِ وَطِئَها أحدُهما: «يُجلَدُ الحدَّ إلاَّ سَوطًا» رواه الأَثْرَمُ، واحتجَّ به أحمدُ

(7)

.

والمذهب

(8)

كما قاله

(9)

القاضي؛ أنَّه لا يُزادُ على عشرٍ

(10)

فأقلَّ، إلاَّ في

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 108 - 348.

(2)

في (ظ): يتبع.

(3)

في (م) و (ن): ونحوها.

(4)

قوله: (كجارية ولده) سقط من (م).

(5)

في (م): بإذنه.

(6)

في (م): لأنها.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (13466)، عن ابن جريج قال: رُفع إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلاً وقع على جارية له فيها شرك، فأصابها:«فجلده عمر مائة سوط إلا سوطًا» ، وهو منقطع، ولم نقف على رواية سعيد.

(8)

قوله: (والمذهب) سقط من (م).

(9)

في (م): قال.

(10)

في (م): عشرة.

ص: 554

وَطْءِ أَمَةٍ مُشتَرَكةٍ، فيُعزَّرُ حرٌّ

(1)

بمِائَةٍ إلاَّ سَوطًا، نَقَلَه الجماعةُ

(2)

، وما عَداهُ مُبْقًى على العُمومِ؛ لحديثِ أبي بردةَ، قال في «المغْنِي» و «الشَّرح»: وهذا قَولٌ حَسَنٌ.

(وَيَسْقُطُ عَنْهُ النَّفْيُ)؛ أيْ: يُضرَبُ مِائَةَ جَلْدَةٍ بلا

(3)

نَفْيٍ.

وله نَقْصُه، ويُرجَعُ في أقله

(4)

إلى اجْتِهادِ الإمام.

مع أنَّه اخْتارَ طائفةٌ من أصحابنا: أنَّه يُقتَلُ للحاجة، وأنَّه يُقتَلُ مبتدِعٌ

(5)

داعِيَةٌ، ونَقَلَه إبراهيمُ بن سعيد

(6)

الأَطْرُوشُ

(7)

في الدُّعاة من الجَهْميَّةِ

(8)

.

وعن أحمدَ: وكذا كل وَطْءٍ في فَرْجٍ، وهي أشْهَرُ عِنْدَ جَماعةٍ.

وعنه

(9)

: أوْ دُونَه، نَقَلَه يعقوبُ

(10)

، جَزَمَ به في «المُذهب» و «المحرَّر» وغيرُهما، واحْتَجَّ بأنَّ عَلِيًّا وَجَدَ رجلاً مع امرأةٍ في لِحافِها، فضَرَبَه مِائَةً

(11)

، والعبدُ بخَمْسِينَ إلاَّ سَوطًا.

(وَكَذَلِكَ يُخَرَّجُ فِيمَنْ أَتَى بَهِيمَةً) إذا قُلْنا: إنَّه لا يُحَدُّ، بل يُعزَّرُ؛ لأِنَّه وَطْءٌ في فَرْجٍ، أشْبَهَ وَطْءَ أَمَةِ امْرأتِه.

(1)

قوله: (حر) سقط من (م).

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 344.

(3)

في (ن): لما.

(4)

في (م): أقل.

(5)

زيد في (م): لا.

(6)

في (م): سعد.

(7)

ذكره ابن أبى يعلى في طبقات الحنابلة 1/ 95، وقال: روى عن إمامنا أشياء.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 111.

(9)

في (م): وعده.

(10)

ينظر: الفروع 10/ 109.

(11)

أخرجه عبد الرزاق (13635)، عن ابن جريج قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه:«أنه كان إذا وجد الرجل والمرأة في ثوب واحد جلدهما مائة، كل إنسان منهما» ، وإسناده صحيح.

ص: 555

(وَغَيْرُ الوَطْءِ

(1)

لَا يُبْلَغُ بِهِ أَدْنَى الحُدُودِ

(2)

؛ لِمَا رُوِيَ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ بَلَغَ حَدًّا في غَيرِ حَدٍّ؛ فهو من المعْتَدِينَ»

(3)

، وكَتَبَ عمرُ إلى أبي مُوسَى:«لا يُبلَغُ بالتَّعزير أدْنَى الحدود»

(4)

.

تنبيهٌ: التَّعزيرُ يكُونُ بضَرْبٍ، وحَبْسٍ، وتَوْبِيخٍ، وقِيلَ: في حقِّ

(5)

الله تعالى وحدَه، ولا يَقطَعُ عضوًا

(6)

، ولا يَجرَحُه، ولا يَأخُذُ مالَه، وإنْ عَفَا عنه مُسْتَحِقُّ الحَدِّ؛ سَقَطَ معه التَّعزيرُ، وإنْ عَفَا مُسْتَحِقُّ التَّعْزير؛ لم يَسقُطْ.

فائدةٌ: مَنْ عُرِف بأذَى النَّاس حتَّى بعَيْنِه؛ حُبس

(7)

حتَّى يَمُوتَ أوْ يَتُوبَ، قالَهُ ابنُ حَمْدانَ، قال القاضي: للوالي فِعْلُه، وفي «التَّرغيب»: للإمام حَبْسُ العائنِ، قال بعضُهم: ولا يَبعُدُ أنْ يُقْتَل

(8)

إذا كان يَقتُلُ بها غالِبًا، وفِيهِ نَظَرٌ.

(وَمَنِ اسْتَمْنَى

(9)

بِيَدِهِ لِغَيْرِ

(10)

حَاجَةٍ)؛ حَرُمَ، و (عُزِّرَ)؛ لأِنَّه مَعصِيَةٌ،

(1)

في (م): الحد.

(2)

في (م): لحد.

(3)

أخرجه البيهقي في الكبرى (17584)، من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من ضرب - وفي رواية: من بلغ - حدًّا في غير حد فهو من المعتدين» ، قال البيهقي:(والمحفوظ هذا الحديث مرسل)، وأخرجه بعده (17585)، من مرسل الضحاك بن مزاحم. ينظر: الضعيفة (4568).

(4)

أخرجه عبد الرزاق (13674) وابن حزم في المحلى (12/ 423)، عن الثوري، عن حميد الأعرج، عن يحيى بن عبد الله بن صيفي: أن عمر كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنهما: «ولا يبلغ بنكال فوق عشرين سوطًا» ، وإسناده رجاله ثقات، وحميد هو ابن قيس المكي.

(5)

في (م): حد.

(6)

قوله: (عضوًا) سقط من (م).

(7)

قوله: (حتى بعينه حبس) سقط من (م).

(8)

زيد في (ن): العائن.

(9)

في (م): اشتهى.

(10)

في (م): بغير.

ص: 556

ولقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5)} [المؤمنون: 5]، ولحديثٍ رواهُ الحَسَنُ بنُ عَرَفَةَ في «جُزْئِه»

(1)

.

وعَنْهُ: يُكرَهُ تنزيهًا، نَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ: لا يُعجِبُنِي بلا

(2)

ضرورةٍ

(3)

، قال مُجاهِدٌ: «كانُوا يأمرون

(4)

فِتْيانَهم يَسْتِعِفُّونَ به»

(5)

.

وعَنْهُ: يَحرُمُ مُطلَقًا، ونَقَلَه البَغَوِيُّ في «تفسيره» عن أكثرِ العلماء

(6)

.

(وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنَ الزِّنَى؛ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)؛ لأِنَّه لو فَعَلَ ذلك خَوفًا على بَدَنِه لم يَلزَمْه شَيءٌ، فَفِعْلُه خَوفًا على دِينِه أَوْلَى، ويَجُوزُ في هذه الحال

(7)

.

وهذا

(8)

إذا لم يَقْدِرْ على نِكاحٍ ولو أَمَةً، نَصَّ عليه.

وعنه: يُكرَهُ.

والمرأةُ كالرَّجُل، فتستعمل

(9)

شَيئًا مِثْلَ الذَّكَرِ.

ويَحتَمِلُ المنْعَ وعَدَمَ القِياسِ، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ.

(1)

أخرجه ابن عرفة في جزئه (41)، ومن طريقه البيهقي في الشعب (5087)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 144)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سبعة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولا يجمعهم مع العالمين، يدخلون النار أول الداخلين، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا، إلا أن يتوبوا ممن تاب الله عليه: الناكح يده، والفاعل والمفعول به

» الحديث، وفي إسناده مجاهيل، وضعفه ابن الجوزي وابن كثير وابن الملقن وابن حجر وغيرهم. ينظر: تفسير ابن كثير 5/ 463، البدر المنير 7/ 662، التلخيص الحبير 3/ 339.

(2)

في (م) و (ن): فلا.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 126.

(4)

في (م): يأمرونهم.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (13593).

(6)

ينظر: تفسير البغوي 5/ 410.

(7)

في (م): الحالة.

(8)

في (ن): هذا.

(9)

في (ظ): فيستعمل.

ص: 557

فرعٌ: لو اضْطُرَّ إلى جِماعٍ، ولَيسَ مَنْ يُباحُ وَطْؤُها؛ حَرُمَ الْوَطْءُ اتِّفَاقًا

(1)

.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 126.

ص: 558

(بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ)

وهو ثابِتٌ بالإجماع

(1)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} [المَائدة: 38]، ولقوله عليه السلام في حديثِ عائشةَ:«تُقْطَعُ اليَدُ في رُبُعِ دِينارٍ فَصَاعِدًا»

(2)

، إلى غَيرِه من النصوص

(3)

.

(وَلَا يَجِبُ) القَطْعُ (إِلاَّ بِسَبْعَةِ أَشْيَاءَ)، يَأْتِي حُكْمُها.

(أَحَدُهَا: السَّرِقة)؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى أوْجَبَ القَطْعَ على السَّارِق، فإذا لم تُوجَدِ السَّرِقةُ؛ لم يَكُنْ الفاعل

(4)

سارِقًا.

(وَهِيَ: أَخْذُ الْمَالُ)؛ أي: المحتَرَمِ، (عَلَى وَجْهِ الاِخْتِفَاءِ)، هذا بَيانٌ لمعْنَى السرقة

(5)

، ومنه: اسْتِراقُ السَّمْع، ومسارَقَةُ النظر

(6)

، إذا كان يستخفي

(7)

بذلك.

وشَرْطُه: أنْ يكونَ عالِمًا به

(8)

وبتحريمه، من مالِكِه أوْ نائِبِه، نَصَّ عَلَيهِ

(9)

، وفي «الانتصار»: ولو بكَونِه في يَدِه ولم يَعلَمْ أنَّه ملْكُه، والأصحُّ: ولو من

(10)

غَلَّةِ وَقْفٍ، ولَيسَ مِنْ مُسْتَحِقِّه، وهو مُكلَّفٌ مُختارٌ، وعَنْهُ: أو مُكرَهٌ.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 116، مراتب الإجماع ص 135.

(2)

أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684).

(3)

في (ن): المنصوص.

(4)

في (ن): الفاعلي.

(5)

قوله: (فإذا لم توجد السرقة لم يكن الفاعل

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

قوله: (النظر) سقط من (م).

(7)

في (م) و (ن): يستحق.

(8)

قوله: (به) سقط من (ن).

(9)

ينظر: الفروع 10/ 128.

(10)

قوله: (من) سقط من (م).

ص: 559

(وَلَا قَطْعَ عَلَى مُنْتَهِبٍ)؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ مرفوعًا قال: «لَيسَ على المُنْتَهِبِ قَطْعٌ» رواهُ أبو داودَ

(1)

.

(وَلَا مُخْتَلِسٍ، وَلَا غَاصِبٍ، وَلَا خَائِنٍ)؛ لقَولِه عليه السلام: «لَيسَ عَلَى المختلس والخَائِنِ

(2)

قَطْعٌ» رواهُ أبو داودَ والتِّرْمذِيُّ، وقال: لم يَسمَعْهُ ابنُ جُرَيجٍ من أبي الزُّبَيرِ

(3)

، ولأِنَّ الاِخْتِلاسَ نَوعٌ من النَّهب، وإذا لم يَجِبْ على الخائنِ والمخْتَلِسِ؛ فالغاصب أَوْلَى.

وقال إيَّاسُ بنُ مُعاوِيَةَ: يُقطَعُ؛ لأِنَّه يستخفي

(4)

بأخْذِه، فيَكونُ سارِقًا.

والمنقولُ عن عُلَماء الأمصار

(5)

خِلافُه؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لَيسَ على خائِنٍ، ولا مُنتَهِبٍ، ولا مُختَلِسٍ قَطْعٌ» رواه أحمدُ، والنَّسائيُّ،

(1)

أخرجه أحمد (15070)، وأبو داود (4391)، والترمذي (1448)، والنسائي في الكبرى (7420، 7421)، وابن ماجه (2591)، وابن حبان (4456)، والدارقطني (3411)، من طريق ابن جريج، قال: قال أبو الزبير: قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مرفوعًا: «ليس على المنتهب قطع، ومن انتهب نهبة مشهورة فليس منا» ، وأخرجه أبو داود بالإسناد نفسه (4392، 4393)، ولفظ الأول:«ليس على الخائن قطع» ، ولفظ الثاني:«ولا على المختلس قطع» ، وأَعلَّ بعض الحفاظ الحديث بالانقطاع وأن ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير، منهم أحمد وأبو حاتم والنسائي وغيرهم، وأن بينهما ياسين بن معاذ الزيات، وهو ضعيف جدًّا، قال البخاري:(منكر الحديث)، وقال النسائي:(متروك)، وقوَّاه آخرون، فقد صححه الترمذي وابن حبان وأبو عوانة، وقال ابن حجر (حديث قوي)، ووقع تصريح ابن جريج عن أبي الزبير في بعض طرق الحديث، وذُكرت له شواهد تقويه منها: حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بلفظ: «ليس على المختلس قطع» ، أخرجه ابن ماجه (2592)، وقال ابن حجر:(إسناده صحيح). ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 188، الفتح 12/ 91، التلخيص الحبير 4/ 184.

(2)

في (ظ): الخائن والمختلس.

(3)

تقدم تخريجه في الحديث السابق.

(4)

في (م): مستحق.

(5)

في (ن): الأنصار.

ص: 560

والتِّرمذِيُّ وصحَّحَه، والدارقطني

(1)

، وإسْنادُه ثِقاتٌ، وقال

(2)

أبو داودَ: بَلَغَنِي عن أحمدَ بنِ حَنبَلٍ: أنَّ ابنَ جُرَيجٍ إنَّما

(3)

سَمِعَه مِنْ ياسِينَ الزَّيَّاتِ

(4)

.

(وَلَا جَاحِدِ وَدِيعَةٍ)، وِفاقًا

(5)

؛ لِعُمومِ قَولِه: «لا قَطْعَ على خائنٍ» ؛ لأِنَّه لَيسَ بسارِقٍ، (وَلَا عَارِيَةٍ)، ولا غَيرِها من الأمانات، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

.

(وَعَنْهُ: يُقْطَعُ جَاحِدُ الْعَارِيَةِ

(7)

، نصَّ عَلَيهِ في رِوايَةِ صالِحٍ، وعبدِ الله، والكَوْسَجِ، والخُوارَزْمِيِّ

(8)

، وأبي طالِبٍ، وابنِ مَنصورٍ

(9)

، وجَزَمَ بها ابنُ هُبَيرةَ وصاحِبُ «الوجيز» ، ونَصرَها القاضي في «الخلاف»؛ لِمَا رَوتْ عائشةُ:«أنَّ امرأةً كانَتْ تَسْتَعِيرُ المتاع وتَجْحَدُه، فأَمَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بقَطْعِ يَدِها» رواه مُسلِمٌ

(10)

، قال أحمدُ: لا أعرف

(11)

شَيئًا يَدفَعُه

(12)

، وقال

(13)

في رِوايَةِ

(1)

في (م): الدارقطني.

(2)

في (ن): قال.

(3)

في (م): أنه.

(4)

تقدم تخريجه في الحديث السابق.

(5)

ينظر: شرح مختصر الطحاوي 6/ 270، المعونة 1/ 1417، منهاج الطالبين 1/ 300، المغني 9/ 105.

(6)

ينظر: المغني 9/ 105.

(7)

كتب في هامش (ظ): (هذه الرواية هي المذهب).

(8)

لعله: الحارث بن شريح أبو عمر البقال، فإنه خوارزمي الأصل، حدث عن حماد بن سلمة، وحماد بن زيد، وسفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، مات سنة 236 هـ. ينظر: المقصد الأرشد 1/ 361.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3373، مسائل عبد الله ص 429، زاد المسافر 4/ 385.

تنبيه: الكوسج وابن منصور شخص واحد، وفي النسخ الخطية جعلهما اثنين؛ كالمثبت.

(10)

أخرجه مسلم (1688).

(11)

في (م): لا أعرفه.

(12)

ينظر: مسائل عبد الله ص 429.

(13)

في (ن): قال.

ص: 561

المَيمُونِيِّ: هو حُكْمٌ من النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لَيسَ يَدفَعُه شَيءٌ.

والأُولى

(1)

أصحُّ، والمرأةُ إنَّما قُطِعَتْ يَدُها لِسَرِقَتِها، لا لِجُحودِها، بدليل قَولِه عليه السلام:«إذا سَرَقَ فيهم الشَّريفُ تَرَكوهُ، وإذا سَرَقَ فيهم الضَّعيفُ أقامُوا عَلَيهِ الحَدَّ، والذي نفسي بِيَدِه لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سَرَقَتْ؛ لَقَطَعْتُ يَدَهَا»

(2)

، وإنَّما عرَّفَتْها عائشةُ بجَحْدِها العاريةَ؛ لِشُهْرَتِها بذلك، وفِيمَا ذكرناه

(3)

مُوافَقةٌ لِظَاهِرِ الأحاديث

(4)

، والقِياسِ، وفقهاء

(5)

الأمصار

(6)

، فيكونُ أَوْلَى.

(وَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ، وَهُوَ الذِي يَبُطُّ الْجَيْبَ) أوْ غيره

(7)

، (وَيَأْخُذُ مِنْهُ)، هذا هو الأشهر

(8)

، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه أكثرُ الأصحاب؛ لأنَّه

(9)

أخْذُ مالِ غَيرِه على وَجْهِ الاِخْتِفاء، أشْبَهَ السارق

(10)

، وسَواءٌ بَطَّ ما أخَذَ منه، أوْ قَطَعَه فأَخَذَه، فعلى

(11)

هذا: لو بطَّ جَيبَه، فسَقَطَ منه نِصَابٌ، فَأَخَذَه؛ قُطِعَ، نَصَّ عَلَيهِ

(12)

.

(وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ) لأِنَّه لا يُسَمَّى: سارِقًا؛ كالمختلِس.

(1)

في (م): والأول.

(2)

أخرجه مسلم (1688).

(3)

في (م): ذكرنا.

(4)

في (م): الحديث.

(5)

في (م): ولقياس فقهاء.

(6)

في (ن): الأنصار.

(7)

في (م): وغيره.

(8)

في (م): المشهور.

(9)

في (ظ): لأن.

(10)

في (م): إن بط.

(11)

في (م): على.

(12)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3687.

ص: 562

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمَسْرُوقُ مَالاً)؛ لأِنَّ ما لَيسَ بمالٍ لا حُرْمَةَ له، فلم يَجِبْ به قَطْعٌ، والأحاديثُ دالَّةٌ على ذلك، مع أنَّ غَيرَ المال لا يُساوِي المالَ، فلا يُلحَقُ به.

لا يُقالُ: الآيةُ مُطْلَقةٌ؛ لأِنَّ الأخبارَ مُقَيَّدةٌ به، فيُحمَلُ المطْلَقُ على المقيَّد.

فَعَلَى هذا: لا يُقطَعُ بسَرِقةِ كَلْبٍ وإنْ كان مُعلَّمًا؛ لأِنَّه لَيسَ بمالٍ، ولا بِحُرٍّ لِمَا يَأْتِي.

(مُحْتَرَمًا)؛ لأِنَّه إذا لم يكُنْ كذلك - كَمالِ الحَرْبِيِّ - تجوز

(1)

سَرِقَتُه بكلِّ طريقٍ، وجَوازُ الأخْذِ منه يَنفِي وُجوبَ القَطْعِ.

(سَوَاءٌ

(2)

كَانَ مِمَّا يُسْرِعُ

(3)

إِلَيْهِ الْفَسَادُ؛ كَالفَاكِهَةِ

(4)

وَالبِطِّيخِ

(5)

، أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ ثَمِينًا؛ كَالْمَتَاعِ وَالذَّهَبِ، أَوْ غَيْرَ ثَمِينِ؛ كَالْخَشَبِ وَالْقَصَبِ)؛ لِعُمومِ قَولِه تعالَى:{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيدِيَهُمَا} [المَائدة: 38]، ولقوله عليه السلام في الثَّمَر: «مَنْ سَرَقَ منه

(6)

شَيئًا فَبَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ فَفِيهِ القَطْعُ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ، مِنْ حديثِ عَمْرِو بنِ شعيب، عن أبيه، عن جدِّه

(7)

.

(1)

في (م): يجوز.

(2)

في (ن): وسواء.

(3)

في (ظ) و (ن): يشرع. والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.

(4)

في (ظ): كالفواكه.

(5)

في (ن): والطبيخ.

(6)

في (م): منها.

(7)

أخرجه أحمد (6683)، وأبو داود (1710)، والنسائي (4958)، وابن ماجه (2596)، وابن الجارود (827)، من طرق عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الثمر المعلق؟ فقال:«من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه، ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع» هذا تمام لفظه عند أبي داود وعند البقية نحوه، وهو حديث حسن، حسنه ابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 8/ 653، الإرواء 8/ 69

ص: 563

ورَوَى مالِكٌ، عن عبدِ الله

(1)

بنِ أبي بكر بنِ حَزْمٍ، عن أبيه، عن عَمْرةَ بنتِ عبدِ الرَّحمنِ:«أنَّ سارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً في زَمَنِ عُثْمانَ بنِ عَفَّانَ، فأمَرَ عُثْمانُ أنْ تُقَوَّمَ، فقُوِّمَتْ بثلاثةِ دَراهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ بدِينارٍ، فَقَطَعَ عُثْمانُ يَدَه» ، ورَواهُ الشَّافِعِيُّ عن مالِكٍ

(2)

، وقال: (هِيَ الأُتْرُجَّةُ التي يأكلُها

(3)

النَّاسُ)

(4)

، ولأِنَّ هذا مالٌ يُتَمَوَّلُ عادةً، ويُرغب

(5)

فيه، فيُقْطَعُ سارِقُه كالمجفَّف

(6)

.

وسَواءٌ كان أصْلُه الإباحةَ أوْ لا، حتَّى أحْجارٌ، ولَبِنٌ، ونَورةٌ، وفَخَّارٌ، وزُجاجٌ، ومِلْحٌ، وفيه وَجْهٌ، وسِرْجِينٌ طاهِرٌ، والأَظْهَرُ: وثَلْجٌ، وفي ماء

(7)

وَجْهانِ.

وفي «الواضح» : في

(8)

صَيدٍ مَمْلوكٍ مُحرَزٍ

(9)

رِوايَتانِ.

(1)

في (ظ): عبيد الله.

(2)

أخرجه مالك (2/ 823)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 334)، والبيهقي في الكبرى (17188)، وأخرجه ابن أبي شيبة (28096)، من وجه آخر، وإسناده صحيح وصححه ابن الملقن. ينظر: البدر المنير 8/ 678.

(3)

في (ن): تأكلها.

(4)

ينظر: الأم 6/ 140.

(5)

قوله: (ويرغب) سقط من (م).

(6)

في (م): كالمحن، وفي (ن): كالمجنف.

(7)

قوله: (وفي ماء) في (م): وفيما.

(8)

في (ظ): وفي.

(9)

في (م): بحرز.

ص: 564

ونَقَلَ ابنُ

(1)

منصُورٍ: لا

(2)

قَطْعَ في طيرٍ

(3)

؛ لِإباحَتِه أصْلاً.

قال في «الفُصولِ» : قال شَيخُنَا: لعلَّه أخَذَه مِنْ غَيرِ حِرْزٍ، وفِيهِ نَظَرٌ؛ إذ كل الأَمْوال كذلك، وعِنْدي أنَّ قَصْدَ الأشْياءِ المباحةِ في الأصل؛ كالصُّيود، وما شاكَلَها؛ لا قَطْعَ فِيهَا.

وفي «الرَّوضة» : إنْ لم يُتَمَوَّلْ عادةً؛ كماءٍ وكَلَأٍ مُحْرَزٍ؛ فلا قَطْعَ في إحدى

(4)

الرِّوايَتَينِ.

(وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الْعَبْدِ الصَّغِيرِ)، في قَولِ عامَّتِهم؛ لأِنَّه سَرَقَ مالاً مَمْلوكًا، تبلُغ

(5)

قِيمَتُه نِصابًا، أشْبَهَ سائرَ الحَيَواناتِ، والمرادُ به: غَيرُ المميِّز

(6)

؛ لأِنَّ مِثْلَ ذلك لا يَفهَمُ، ولا يُمَيِّزُ بَينَ سيِّده وغَيرِه.

فإنْ كان كبيرًا عاقِلاً؛ لم يُقْطَعْ بِسَرِقَتِه، إلاَّ أنْ يكونَ نائِمًا، أوْ مجنونًا لا يُمَيِّزُ بَينَ سيِّدِه وغَيرِه في الطَّاعة، فيُقطَعُ سارِقُه؛ كأعْجَمِيٍّ لا يُمَيِّزُ، ولو كان كبيرًا.

وفي «الشَّرح» : إنْ كان المسْروقُ في حالِ نَومِه، أوْ جُنونِه، أوْ أمَّ وَلَدٍ؛ فَوَجْهانِ.

وفي «الكافي» : لا يُقْطَعُ كبيرٌ؛ أكْرَهَهُ

(7)

.

وفي «التَّرغِيبِ» في عبدٍ نائمٍ وسَكْرانَ؛ وَجْهانِ.

(1)

قوله: (ابن) سقط من (م).

(2)

قوله: (لا) سقط من (م).

(3)

في (ن): حلي. وينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3484.

(4)

في (م): أحد.

(5)

في (م) و (ن): يبلغ.

(6)

في (م): المهر.

(7)

عبارة الفروع 10/ 133: وفي المغني والترغيب وغيرهما: لا قطع بسرقة عبد مميز. وفي الكافي: ولا كبير أَكْرَهه.

ص: 565

فرعٌ: إذا سَرَقَ المكاتَبَ؛ لم يُقْطَعْ، بخِلافِ مالِه، إلاَّ أنْ يكونَ سيِّدُه هو السَّارِقَ.

(وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ حُرٍّ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا)، في ظاهر المذهب، وهو قَولُ أكْثَرِهِمْ؛ لأِنَّه لَيسَ بمالٍ، أشْبَهَ الكبيرَ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ الصَّغِيرِ)؛ كالمجْنونِ؛ لأِنَّه مسروق

(1)

، أشْبَهَ المالَ والبهيمةَ.

وجَوابُه: أنَّه لَيسَ بمالٍ، فلا يُقطَعُ بسَرِقَتِه؛ كالكبير النَّائمِ.

(فَإِنْ قُلْنَا: لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ، وَعَلَيْهِ حَلْيٌ

(2)

، أوْ ثِيابٌ تَبلُغُ قِيمَتُها نِصابًا؛ (فَهَلْ يُقْطَعُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدهما، وقدَّمه في «الشَّرح»: لا

(3)

قَطْعَ؛ لأِنَّه تابِعٌ لِمَا لا قَطْعَ فيه، أشْبَهَ ثِيابَ الكبيرِ، ولأِنَّ يَدَ الصَّبِيِّ على ما عَلَيهِ، بدليل أنَّ

(4)

ما يُوجَدُ مع اللَّقِيطِ يكونُ له، وكذا

(5)

لو كان الكبيرُ نائمًا على مَتاعٍ فَسَرَقَه وثِيابَهُ، لم يُقْطَعْ؛ لأِنَّ يَدَهُ عَلَيهِ.

والثَّانِي: يُقطَعُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لظاهِرِ الآيَةِ، وكما

(6)

لو سَرَقَهُ مُفْرَدًا.

(وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ مُصْحَفٍ)، في قَولِ أبي بكرٍ والقاضي؛ لأِنَّ المقصودَ منه كلامُ الله تَعالَى، وهو مِمَّا لا يَجُوزُ أخْذُ العِوَضِ عنه.

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ)، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ، وجَزَمَ به في

(1)

قوله: (مسروق) سقط من (م).

(2)

في (م): حكي.

(3)

في (م): ولا.

(4)

قوله: (أن) سقط من (ظ).

(5)

في (م): وكذلك.

(6)

في (م): كما.

ص: 566

«الوجيز» ؛ لعُمومِ الآيةِ والأخبارِ، وككتب

(1)

التَّفسير والفِقْهِ.

وقِيلَ: إنْ سَرَقَه ذِمِّيٌّ قُطِعَ، وإنْ سَرَقَه مُسلِمٌ فَوَجْهانِ.

فإنْ قُلْنا: لا يُقْطَعُ، وعَلَيهِ حِلْيَةٌ تَبلُغُ نِصابًا؛ فوجهان

(2)

.

(وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سَائِرِ

(3)

كُتُبِ الْعِلْمِ) المُباحَةِ؛ لأِنَّ ذلك مالٌ حقيقةً وشَرْعًا.

وقِيلَ: إنْ سَرَقَ كِتابَ فِقْهٍ أوْ حديثٍ يَحتاجُهُ؛ لم يُقْطَعْ.

وذَكَرَ القاضي في «الخلاف» : أنَّه لا يُقطَعُ إلاَّ بِسَرِقَةِ دفاتِرِ الحِسابِ.

وعُلِمَ منه: أنَّه لا يُقطَعُ بِسَرِقَةِ كُتبِ البِدْعة والتَّصاوِيرِ، وهو كذلك.

(وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ آلَةِ لَهْوٍ)؛ كطُنْبورٍ ومِزْمارٍ ونحوه

(4)

، ولو بَلَغَتْ قيمتُه

(5)

مُفَصَّلاً نِصابًا؛ لأِنَّه مَعْصِيَةٌ، إجماعًا

(6)

، فلم

(7)

يُقطَعْ بِسَرِقَتِه؛ كالخَمْر.

وقِيلَ: إنْ سَرَقَه وكَسَرَه؛ لم يُقْطَعْ، وإلاَّ قُطِعَ.

فإن

(8)

كان عَلَيهِ حِلْيَةٌ تَبلُغُ نِصابًا؛ فَوَجْهانِ:

أحدُهُما، وهو قِياسُ قَولِ أبي بكرٍ: لا قَطْعَ؛ لأِنَّه مُتَّصِلٌ بما لا قَطْعَ فيه، أشْبَهَ الخَشَبَ والأوتار.

والثَّانِي، وقالَهُ القاضِي: يُقْطَعُ؛ لأِنَّه سَرَقَ نِصابًا مِنْ حِرْزٍ، أشْبَهَ المفْرَدَ.

(1)

في (ظ): وكتب.

(2)

قوله: (فإن قلنا: لا يقطع، وعليه حلية تبلغ نصابًا فوجهان) سقط من (ن).

(3)

قوله: (بسرقة سائر) في (م): بسائر.

(4)

قوله: (ونحوه) سقط من (م).

(5)

قوله: (قيمته) سقط من (م).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 117، فتح القدير لابن الهمام 5/ 368.

(7)

في (م): فلا.

(8)

في (م): وإن.

ص: 567

(وَلَا مُحَرَّمٍ

(1)

كَالْخَمْرِ)، والخِنْزيرِ، والميتة ونحوها

(2)

، سَواءٌ سَرَقَه مِنْ مُسْلِمٍ أوْ كافِرٍ؛ لأِنَّها عَينٌ محرَّمةٌ

(3)

، فلم يُقْطَعْ بسَرِقَتِها كالخنزير، ولأِنَّ ما لا يُقطع

(4)

بسَرِقَتِه مِنْ مالِ مُسْلِمٍ؛ لا يُقْطَعُ بسرقته

(5)

مِنْ الذِّمِّيِّ، كالدَّم.

وعَنْهُ: ولم يَقْصدْ سَرِقة

(6)

.

وفي «التَّرغيب» مِثْلُه في إناءِ نَقْدٍ.

وفي

(7)

«الفُصول» : في قُضْبانِ الخَيْزرانِ، ومَخادِّ الجُلود المُعَدَّةِ لتَغبير الصُّوفِيَّة

(8)

؛ يَحتَمِلُ كآلة

(9)

لَهْوٍ، ويَحتَمِلُ القَطْعَ.

(وَإِنْ سَرَقَ إِنَاءً فِيهِ خَمْرٌ)؛ لم يُقْطَعْ على المذهب؛ لأِنَّه مُتَّصِلٌ بما لا قَطْعَ فيه، أشْبَهَ ما لو سَرَقَ شَيئًا مُشْتَرَكًا بَيْنَه وبَينَ غَيرِه، بحَيثُ تَبْلُغُ قِيمَتُه بالشَّرِكة نِصابًا، قال في «المستوعب»: لو سَرَقَ إِناءً فيه ماءٌ أوْ خَمْرٌ؛ لم يُقطَعْ، على قَولِ أكثرِ أصْحابِنا.

(أَوْ صَلِيبًا، أَوْ صَنَمَ ذَهَبٍ) أوْ فِضَّةٍ، وعِبارةُ «الفُروعِ»: أوْ صَنَمَ نَقْدٍ، وهي أولى

(10)

؛ (لَمْ يُقْطَعْ)، وهو قَولُ القاضي، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» .

(وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ: يُقْطَعُ)، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ.

(1)

في (م): يحرم.

(2)

قوله: (ونحوها) سقط من (ن).

(3)

في (م): محرم.

(4)

في (ن): ما لا تقطع. وفي (م): ما يقطع.

(5)

قوله: (من مال مسلم لا يقطع بسرقته) سقط من (ن).

(6)

في (م): سرقته.

(7)

قوله: (نقد وفي) في (م): يقدر في.

(8)

قوله: (لتغبير الصوفية) في (م) و (ن): للصوفية.

(9)

في (م): كأنه.

(10)

قوله: (أولى) سقط من (م).

ص: 568

وَوَجْهُهما: ما سَبَقَ في سَرِقَةِ آلةِ لَهْوٍ، وهذا بخِلافِ ما لو كَسَرَ آلةَ النَّقْدَينِ بكلِّ وَجْهٍ، لم تنقص

(1)

قِيمتُه عن النِّصاب، ولأِنَّهما جَوْهَرانِ يَغْلِبانِ على الصَّنْعة، ولأِنَّه مُجمَع على تحريمِه.

وكذا يُقطَعُ بإناءِ نَقْدٍ بها تماثيلُ، وقِيلَ: إنْ لم يَقصِدْ إنْكارًا.

(1)

في (ن): لم ينقص.

ص: 569

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ يَسْرِقَ نِصَابًا)، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ دونِ النِّصاب في

(1)

قَولِهم، إلاَّ الحَسَنَ وابنَ بنتِ الشَّافِعيِّ، فإنَّه يُقطَعُ في القليل كالكثير؛ لِعُمومِ الآيةِ.

وجَوابُه: قَولُه عليه السلام: «لا تُقْطَعُ اليَدُ إلاَّ في رُبُعِ دِينارٍ فصاعِدًا» رواه أحمدُ ومُسلِمٌ

(2)

، وهو إجْماعُ الصَّحابة

(3)

.

وما رُوِيَ أنَّه عليه السلام قال: «لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الحَبْلَ فتُقطَعُ يَدُه، ويَسرِقُ البَيضَةَ فتُقْطَعُ يَدُه»

(4)

؛ محمولٌ على حَبْلٍ أوْ بَيضَةٍ تَبلُغُ قِيمةُ كلِّ واحِدٍ مِنهُما نِصابًا، أوْ أنَّ

(5)

المرادَ بالبَيضةِ: بَيضُ النَّعام؛ لِمَا فِيهِ من الجَمْع بَينَ الأَدِلَّة.

(وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ)؛ لأِنَّ غَيرَها يُقوَّمُ بها لِمَا يأْتِي، فلأن يُقطع

(6)

بها نَفْسُها بطريقِ الأولى

(7)

.

(أَوْ قِيمَةُ ذَلِكَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْعُرُوضِ)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ في مِجَنٍّ قِيمَتُه ثلاثةُ دَراهِمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(8)

، قال ابنُ عَبدِ البَرِّ: هذا أصحُّ حديثٍ رُوِيَ في هذا الباب

(9)

، وفيه دليل

(10)

على أنَّ العَرْضَ يُقَوَّمُ بالدَّراهِم؛

(1)

قوله: (في) مكانه بياض في (م).

(2)

أخرجه أحمد (24725)، ومسلم (1684)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

يأتي تخريجها قريبًا.

(4)

أخرجه البخاري (6783)، ومسلم (1687)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

في (م): وأن.

(6)

في (ن): يقوم.

(7)

في (م): أولى.

(8)

أخرجه البخاري (6795)، ومسلم (1686).

(9)

في (م): الكتاب. وينظر: الاستذكار 7/ 530.

(10)

قوله: (دليل) سقط من (ظ) و (ن).

ص: 570

لأِنَّ المِجَنَّ قُوِّمَ بها، وأمَّا كَونُه يُقوَّمُ بالذَّهَب؛ فَلِأَنَّ ما كان الوَرِق فيه أصْلاً؛ كان الذَّهَبُ فيه أصْلاً؛ كنُصُبِ الزَّكاة، والدِّيات

(1)

، وقِيَمِ المتْلَفاتِ.

وقد رَوَى أَنَسٌ: «أنَّ سارِقًا سَرَقَ مِجَنًّا يُساوِي ثلاثةَ دَراهِمَ، فَقَطَعَه أبو بكرٍ»

(2)

، و «أُتِيَ عُثْمانُ برَجُلٍ سَرَقَ أُتْرُجَّةً، فبَلَغَتْ قِيمَتُها رُبُعَ دِينارٍ، فقطع»

(3)

، وقال عليٌّ:«فما بَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ؛ ففيه القَطْعُ»

(4)

.

ويُعتَبَرُ في الدَّراهِمِ أنْ تكونَ خالِصةً، فلو كانَتْ مَغْشوشةً؛ فَلَا، خِلافًا للشَّيخ تقيِّ الدِّين فِيهَا

(5)

.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ، أَوْ رُبُعُ دِينَارٍ، أَوْ مَا يَبْلُغُ

(6)

قِيمَةَ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِهِمَا)، نَصَرَه القاضي في «الخلاف» ، وذَكَرَ في «الكافي» أنَّها أَوْلَى،

(1)

قوله: (كنصب الزكاة والديات) في (م): كنصف الديات والزكاة.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (28092)، عن حميد، قال: سئل أنس رضي الله عنه في كم يقطع يد السارق؟ قال: «قد قطع أبو بكر فيما لا يسرني أنه لي بخمسة دراهم أو ثلاثة دراهم» وفي لفظ آخر (28093) عنده: «أن رجلاً سرق مجنًّا على عهد أبي بكر فقطع» ، وأخرجه الشافعي في الأم (6/ 159)، والبيهقي في الكبرى (17181) عن حميد الطويل، قال: سمعت قتادة يسأل أنس بن مالك عن القطع، فقال: حضرت أبا بكر الصديق رضي الله عنه: «قطع سارقًا في شيء ما يسوى ثلاثة دراهم، وما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم» ، وقال ابن حجر في الفتح 12/ 106:(إسناده قوي). وأخرج البيهقي في الكبرى (17182)، من وجه آخر صحيح عن أنس رضي الله عنه، قال:«قطع أبو بكر رضي الله عنه في خمسة دراهم» .

(3)

سبق تخريجه 9/ 564 حاشية (2).

(4)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، لكن أخرجه عبد الرزاق (18952)، عن الحسن بن عمارة، عن الحكم بن عتيبة، عن يحيى بن الجزار، عن علي رضي الله عنه قال:«لا يقطع في أقل من دينار أو عشرة دراهم» ، وهو ضعيف؛ لأنه منقطع بين يحيى الجزار وعلي رضي الله عنه، لكن يشهد له حديث عمرو بن شعيب الذي سبق تخريجه فإن لفظه:« .. ومن سرق منه شيئًا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع» .

(5)

ينظر: الاختيارات ص 152.

(6)

قوله: (ما يبلغ) في (م): تبلغ.

ص: 571

وقدَّمَها في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ بها

(1)

في «الوجيز» ؛ لخبرِ عائشةَ، ولقوله:«اقْطَعُوا في رُبُعِ دِينارٍ، ولا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أدْنَى مِنْ ذلك» ، وكان رُبُعُ الدِّينارِ يَومَئِذٍ ثلاثةَ دَراهِمَ، والدِّينارُ اثْنَيْ عَشَرَ، رواه أحمدُ

(2)

، وهذا تقييدٌ؛ لإطْلاقِ الآيَةِ.

قَولُه: (يبلغ

) إلى آخره

(3)

؛ أيْ: يَسْرِقُ عَرْضًا قِيمَتُه كأَحَدِهما.

(وَعَنْهُ: لَا تُقَوَّمُ الْعُرُوضُ إِلاَّ بِالدَّرَاهِمِ)؛ لأِنَّ التَّقويمَ حَصَلَ بها لا بالذَّهَب.

واختُلِفَ في الذَّهَب هَلْ هُوَ أصْلٌ في القَطْعِ بنَفْسِه؟

فعنه

(4)

: نَعَمْ، وهو المذْهَبُ.

وعنه: لا، فَعَلَى هذه: يُقوَّم

(5)

بالدَّراهِمِ، فما ساوى

(6)

منه

(7)

ثلاثةَ دَراهِمَ قُطِعَ به وإنْ لم يَبلُغْ رُبُعَ دِينارٍ، وما لا يُساوِي ثلاثةَ دَراهِمَ؛ لم يُقطَعْ به وإنْ بَلَغَ رُبُعَ دِينارٍ.

وعلى المذْهَبِ: أقلُّه رُبُعُ دِينارٍ، فلو كان دُونَها، ويُساوِي ثَلاثَةَ دَراهِمَ؛ لم يُقْطَعْ، وعلى هذا: هو أصْلٌ في التَّقويم، وهو اخْتِيارُ ابنِ عَقِيلٍ والمؤلِّفِ؛

(1)

في (م): به.

(2)

أخرجه أحمد (24515)، وأبو يعلى في المعجم (116)، والبيهقي في الكبرى (17164)، وتفرد بهذا اللفظ محمد بن راشد المكحولي، وهو مختلف فيه، قال ابن حجر عنه:(صدوق يهم)، وصححه ابن القيم، وضعفه الألباني بهذا اللفظ، ورواه جماعة كما في البخاري (6789)، ومسلم (1684)، وغيرهما بلفظ:«تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا» . ينظر: زاد المعاد 5/ 45، الإرواء 8/ 68.

(3)

قوله: (إلى آخره) في (ن): انتهى.

(4)

قوله: (بنفسه فعنه) مكانه بياض في (م).

(5)

في (ن): تقوم.

(6)

في (ن): مما يساوي.

(7)

في (م): ثمنه.

ص: 572

لأِنَّه أحدُ النَّقْدَينِ، فكان التَّقْويمُ به كالآخَرِ.

وعلى الثَّانية: لَيسَ بأصل

(1)

، وإنَّما الأصْلُ الدَّراهِمُ.

وعلى الأوَّل: مَتَى بَلَغَتْ قِيمةُ المسروقِ أدْنَى النِّصابَينِ؛ قُطِعَ، وعلى الأخرى: الاِعْتِبارُ بالدَّراهِم فَقَطْ، وفي تكميلِه بضَمٍّ من

(2)

النَّقْدَينِ وَجْهانِ.

ويَكْفِي تِبْرٌ

(3)

في المنصوص

(4)

؛ أيْ: يَكْفِي وَزْنُ التِّبر، اقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ، وقِيلَ: تُعتبر

(5)

قِيمتُهُ بالمضروب

(6)

.

(وَإِذَا سَرَقَ نِصَابًا فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ)؛ أيْ: بَعْدَ الإخراج؛ لأِنَّ النُّقْصانَ وُجِدَ في العَينِ بَعْدَ استِحْقاقِها القَطْعَ، أشْبَهَ ما لو نَقَص

(7)

باستِعْمالِه، ولأِنَّه تعتبر

(8)

قِيمةُ النِّصاب حالَ إخْراجِه من الحِرْز، وهو مَوجُودٌ.

(أَوْ مَلَكَهُ

(9)

بِبَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِهِمَا

(10)

؛ لَمْ يَسْقُطِ الْقَطْعُ)؛ لِمَا رَوَى صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ: أنَّه نامَ على رِدائه في المسْجِدِ، فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِه، فَجَاءَ بِسَارِقِه إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فَأَمَرَ بِقَطْعِه، فقال صَفْوانُ: يا رسولَ الله، لِمَ؟ إنَّ

(11)

هذا رِدائِي عَلَيهِ صَدَقَةٌ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هلاَّ كان هذا قَبْلَ أنْ تأتيني

(12)

به»

(1)

في (م): بأهل.

(2)

قوله: (من) سقط من (م).

(3)

في (م): تبري.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 135.

(5)

في (م) و (ن): يعتبر.

(6)

في (م): بالمصروف.

(7)

في (م): ينقص.

(8)

في (ظ): يعتبر.

(9)

في (ظ): ماله.

(10)

في (ظ) و (م): غيرها.

(11)

قوله: (لم إن) في (م) و (ن): لم أرَ.

(12)

في (ظ): يأتيني.

ص: 573

رواه ابنُ ماجَهْ

(1)

، ولأِنَّ النِّصابَ شَرْطٌ، فلم تُعتَبَرْ اسْتِدامَتُه كالحِرْز، لكِنْ إنْ مَلَكَ العَينَ قَبْلَ رَفْعِه إلى الحاكِمِ، والمطالَبَةِ بها عنده

(2)

؛ لم يَجِب القَطْعُ بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(3)

.

قال أحمدُ: إذا رُفِع

(4)

إلَيهِ؛ لم يكُنْ لِرَافِعِه عَفْوٌ

(5)

، وظاهر

(6)

«الواضح» وغَيرِه: قَبْلَ الحُكْم

(7)

، قال أحمدُ: تُدْرَأُ الحُدودُ بالشُّبهات، فإذا صار إلى السُّلْطانِ، وصحَّ عِنْدَه الأمرُ بالبيِّنة أو الاعتراف

(8)

؛ وَجَبَ عليه

(9)

إقامَتُه عِنْدَ ذلك

(10)

.

وقال أبو بكرٍ وجَزَمَ به آخَرونَ: لو مَلَكَه سارِقُه؛ قُطِعَ، وجَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ.

(وَإِنْ دَخَلَ الْحِرْزَ، فَذَبَحَ شَاةً قِيمَتُهَا نِصَابٌ، فَنَقَصَتْ عَنِ النِّصَابِ، ثُمَّ أَخْرَجَهَا؛ لَمْ يُقْطَعْ)؛ لأِنَّ مِنْ شَرْطِ وُجوبِ القَطْع: أنْ يُخْرِجَ من الحِرْز العَينَ

(1)

أخرجه مالك (2/ 834)، والشافعي كما في المسند (ص 332)، وأحمد (15306)، والنسائي (4881)، وابن ماجه (2595)، وابن الجارود (828)، من طرق عن صفوان بن أمية رضي الله عنه، قال ابن كثير:(رُوي من طرق كثيرة متعددة يشد بعضها بعضًا)، وصححه ابن الجارود وابن الملقن والألباني. ينظر: تخريج مختصر ابن الحاجب ص 223، البدر المنير 8/ 652، الإرواء 7/ 345.

(2)

في (م): عندهما.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 135.

(4)

في (م): دفع.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 136.

(6)

في (م): فظاهر.

(7)

في (م): الحاكم.

(8)

في (م): والاعتراف.

(9)

في (م): له.

(10)

ينظر: زاد المسافر 4/ 380.

ص: 574

وهي نِصابٌ، ولم يُوجَدْ، وإنْ كانَتْ قِيمَتُها مَذْبُوحةً نِصابًا؛ قُطِعَ بإخْراجِها، وإنْ قُلْنَا: إنَّها مَيْتَةٌ؛ فلا.

(وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَتُهُ مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ، وَقِيمَتُهُ وَحْدَهُ مَعَ الآْخَرِ أَرْبَعَةٌ؛ لَمْ يُقْطَعْ)؛ لأِنَّه لم يَسْرِقْ نِصابًا، والمشْرُوطُ عَدِم

(1)

عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِه.

فلو كانَتْ قِيمةُ كلٍّ مِنهُما مُنفَرِدًا دِرْهمين

(2)

، ومَعًا عَشَرَةً؛ غَرِمَ ثَمانِيَةً؛ المتْلَفَ، ونَقْصَ التَّفْرِقَة. وقِيلَ: دِرْهَمينِ.

وكذا جزءًا من كتابٍ، ذَكَرَه في «التَّبصرة» .

فرعٌ: إذا أتْلَفَ وثيقةً

(3)

لغَيرِه بمالٍ لا يَثْبُتُ إلاَّ بها، ففي إلْزامِه ما تَضمَّنَته

(4)

احِتْمالانِ؛ أقواهما

(5)

: يَلزَمُه، ومِثْلُه يَتعَلَّقُ بالضَّمان في كِتْمانِ الشَّهادة.

ويُقطَعُ بِسَرِقَتِه مِندِيلاً بطَرَفِه دِينارٌ مَشْدُودٌ يَعلَمُه، وقِيلَ: أوْ يَجْهَلُه، صحَّحَه في «المُذهب» ؛ كجَهْلِه قِيمَتَه.

(وَإِنِ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي سَرِقَةِ نِصَابٍ؛ قُطِعُوا)، ذكره

(6)

الخِرَقِيُّ والأصحابُ؛ كهَتْكِ الحِرْز، وكالقِصاص، (سَوَاءٌ أَخْرَجُوهُ جُمْلَةً، أَوْ أَخْرَجَ كُلُّ وَاحِدٍ جُزْءًا)، نَصَّ عَلَيهِ

(7)

؛ لأِنَّهم اشْتَرَكُوا في هَتْكِ الحِرْز وإخْراجِ النِّصاب؛ فَلَزِمَهم القَطْعُ؛ كما لو كان ثَقِيلاً فَحَمَلُوهُ.

وفارَقَ القِصاصَ، فإنَّه يَعتَمِدُ المماثلة، ولا تُوجَدُ المُماثَلَةُ إلاَّ أنْ تُوجَدَ

(1)

في (م): عدمه.

(2)

في (ظ) و (م): درهمًا.

(3)

في (ن): وريقة.

(4)

في (ظ) و (م): ما تضمنه.

(5)

في (ن): إحداهما.

(6)

زيد في (م): في.

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3684.

ص: 575

أفْعالُهم في جميعِ أجْزاءِ اليَدِ، وهُنا القَصْدُ الزَّجْرُ مِنْ غَيرِ اعْتِبارِ مُمَاثَلَةٍ.

وعَنْهُ: يُقطَعُ مَنْ أَخْرَجَ نِصابًا، وهو قَولُ أكثرِهِم، قال في «المغْنِي»: وهذا أحبُّ إليَّ؛ لأنَّ

(1)

القَطْعَ هُنا لَيسَ هو

(2)

في مَعْنَى المُجْمَعِ عَلَيهِ، فلا يَجِبُ

(3)

، والاِحْتِياطُ في سُقوطِه أَوْلَى مِنْ الاِحْتِياط في إِيجابِه؛ لأِنَّه مَمَّا يُدْرَأُ بالشُّبهة.

وقِيلَ: إنْ لم يُقْطَعْ بعضُهم لِشُبْهةٍ؛ فلا قَطْعَ.

قال في «المستوعب» : والأوَّلُ أصحُّ، وعَلَيهِ التَّفْريعُ.

فإنْ كان أحدُهم لا يُقطَعُ بسرقته

(4)

منه؛ لولادةٍ

(5)

، أوْ سِيادَةٍ، أوْ عَدَمِ تكليفٍ؛ قُطِعَ غَيرُه في الأصحِّ إنْ أَخَذَ نصابًا، وقِيلَ: أوْ أقلَّ، ولم يَذكُرْ في «المستوعب» و «المحرَّر» ، إلاَّ

(6)

أنَّ أحدَهم إذا لم يُقطَعْ؛ قُطِعَ الأجنبيُّ.

فلو أقرَّ بمشاركةِ آخَرَ في سَرِقَةِ نِصابٍ، ولم يُقِرَّ الآخَرُ؛ ففي القَطْعِ وَجْهانِ.

فرعٌ: إذا سَرَقَ نصابًا لجماعةٍ مِنْ حِرْزٍ؛ قُطِعَ على الأصحِّ.

فلو سَرَقَ ما ظَنَّه فُلوسًا، فَبَانَ نِصابُ نَقْدٍ؛ لم يُقْطَعْ، ذَكَرَه في «المستوعب» و «الرِّعاية» .

(وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَاهُ

(7)

، فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا

(8)

نِصَابًا وَحْدَهُ)؛

(1)

في (ن): وهذا.

(2)

قوله: (هو) سقط من (م).

(3)

زاد في (ظ) و (م): (مهر)، والمثبت موافق للمغني 9/ 140، والشرح 26/ 501.

(4)

في (م): بسرقة.

(5)

في (م): لولاية.

(6)

قوله: (إلا) سقط من (م).

(7)

في (م): أو دخلاه.

(8)

قوله: (أحدهما) سقط من (م).

ص: 576

قُطِعَا، نَصَّ عَلَيهِ؛ لأِنَّ المُخْرِجَ أخْرَجَه بقُوَّةِ صاحِبِه ومَعُونَتِه.

(أَوْ دَخَلَ أَحَدُهُمَا، فَقَدَّمَهُ إِلَى بَابِ النَّقْبِ

(1)

، وَأَدْخَلَ الآْخَرُ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ؛ قُطِعَا)، وَجْهًا واحِدًا، قاله في «المستوعب» ؛ لأِنَّهما اشْتَرَكَا في هَتْكِ الحِرْز وإخْراجِ المتاع؛ كما لو حَمَلاهُ وأخْرَجاهُ.

وكذا إنْ وَضَعَه وَسَطَ النَّقْبِ، فأخذه

(2)

الخارِجُ، وفيه في

(3)

«التَّرغيب» وَجْهانِ.

وإنْ شَدَّه بحَبْلٍ، فأَدْخَلَ الآخَرُ يَدَه فأخذَه

(4)

، أوْ جَذَبَ الحَبْلَ، قال في «الرِّعاية»: أوْ أخَذَه الذي رَماهُ؛ قُطِعَا.

(وَإِنْ رَمَاهُ الدَّاخِلُ إِلَى خَارِجٍ، فَأَخَذَهُ الآْخَرُ) أَوْ لَا، أوْ أعادَهُ فيه أحدُهما؛ (فَالْقَطْعُ عَلَى الدَّاخِلِ وَحْدَهُ)، وإن اشْتَرَكا في النَّقْب؛ لأِنَّ الدَّاخْلَ أخْرَجَ المتاعَ وحدَه، فاخْتَصَّ القَطْعُ به.

لا يُقالُ: هما

(5)

اشْتَرَكا في الهتك

(6)

؛ لأِنَّ شَرْطَه الاِشْتِراكُ في الهَتْك والإخْراجِ، ولم يُوجَد الثَّاني، فانْتَفَى القَطْعُ لاِنْتِفاءِ شَرْطِه.

وفي «التَّرغِيبِ» وَجْهٌ: هما

(7)

.

(وَإِنْ نَقَبَ أَحَدُهُمَا، وَدَخَلَ الآْخَرُ فَأَخْرَجَهُ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا)؛ لأِنَّ الأوَّلَ لم يَسْرِقْ، والثَّانِيَ لم يَهْتِكِ الحِرْزَ.

(1)

في (ظ) و (ن): البيت. والمثبت موافق لنسخ المقنع الخطية.

(2)

في (م): نأخذه.

(3)

قوله: (وفيه في) في (ن): وفي.

(4)

قوله: (فأخذه) سقط من (م).

(5)

قوله: (هما) سقط من (م).

(6)

في (م): هتك الحز.

(7)

قوله: (وجه هما) في (م): وحدهما. والمراد: أنهما يقطعان. ينظر: الإنصاف 26/ 506.

ص: 577

وقِيلَ: بَلَى، إنْ تَوَاطَأا على السَّرِقة، قالَهُ في «الوجيز» و «المحرر»

(1)

، وهو ظاهِرٌ.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يُقْطَعَا)؛ لأِنَّ فِعْلَ كُلٍّ مِنْهُمَا وَقَعَ بقُوَّةِ الآخَرِ، أشْبَهَ ما لو اشْتَرَكا في النَّقْب والإخْراجِ.

(إِلاَّ أَنْ يَنْقُبَ أَحَدُهُمَا وَيَذْهَبَ، وَيَأْتِيَ الآْخَرُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ فَيَسْرِقُ؛ فَلَا قَطْعَ)، وجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّه لم يَهْتِكِ الحِرْزَ، ومِن شَرْطِ وُجوبِ القَطْعِ هَتكُه.

مسائلُ:

إذا أخْرَجَ نِصابًا إلى ساحةِ دارٍ بابُها مُغْلَقٌ مِنْ بَيتٍ منها؛ فرِوايَتانِ.

وإنْ فَتَحَ هو

(2)

بابها؛ فَوَجْهانِ، وإنْ كان وَحْدَه مفتوحًا؛ قُطِعَ، وإنْ كان

(3)

البَيتُ وحْدَه مفتوحًا؛ فلا.

وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّه

(4)

إنْ كان البَيتُ مُغلَقًا؛ فَفَتَحَه أوْ نَقَبَهُ، وإلاَّ فَلَا.

وكذا الخانُ في الأَقْيَسِ، قالَهُ ابنُ حَمْدانَ.

وإنْ تَطيَّبَ في الحِرْز بطِيبٍ، ثُمَّ خَرَجَ، ولو اجْتَمَعَ بلغ

(5)

نِصابًا؛ فاحْتِمالانِ، وإنْ لم يَبلُغْ نِصابًا؛ فلا قَطْعَ في الأَشْهَرِ؛ لأِنَّه حِينَ إخْراجِه ناقِصٌ عن نِصابٍ.

(1)

قوله: (والمحرر) سقط من (ظ) و (ن).

(2)

قوله: (هو) سقط من (م).

(3)

زيد في (م): في.

(4)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(5)

في (ن): فبلغ.

ص: 578

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَنْ يُخْرِجَهُ مِنَ الْحِرْزِ) في قَولِ أكثرِهم.

وعن عائشةَ والنَّخَعِيِّ فيمن

(1)

جَمَعَ المتاعَ ولم يَخرُجْ به

(2)

من الحِرْز: عليه

(3)

القطعُ.

قال سعيدٌ: ثنا هُشَيمٍ، أنا يحيى بنُ سعيدٍ، عن عبد الرَّحمن بنِ القاسِم، قال: ذُكِرَ لعائشةَ قَولُ مَنْ يَقولُ: لا قَطْعَ على السَّارِق حتَّى يُخرِجَ المتاعَ، فقالَتْ عائشةُ:«لو لم أجِدْ إلا شَفْرَةً؛ لَحَزَزْتُ بها يَدَه»

(4)

.

وعَنهُ: لا يُشتَرَطُ الحِرْزُ، قال ابنُ المنذِرِ: لَيسَ فيه خَبَرٌ ثابِتٌ

(5)

.

والأوَّلُ شَبِيهٌ بالإجماع؛ لِمَا روى

(6)

عَمْرو بن شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه: أنَّ رجلاً سَأَلَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عن الثِّمار، فقال:«ما أُخِذَ مِنْ غَيرِ أكْمامِه واحْتُمِلَ؛ ففيه قِيمتُه ومِثْلُه معه، وما كان من الحِرْز؛ ففيه القَطْعُ إذا بَلَغَ ثَمَنَ المِجَنِّ» رواه أبو داودَ وابنُ ماجَهْ

(7)

، وبهذا تُخصُّ

(8)

الآيةُ كما خصَّصْناها بالنِّصاب.

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): ولم يخرجه.

(3)

في (ن): علة.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة (28124)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (12/ 302)، من طريق يحيى بن سعيد به، ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن بن القاسم من صغار التابعين وليس له رواية عن الصحابة، قال الذهبي:(وما علِمت له رواية عن أحد من الصحابة، وعِداده في صغار التابعين). ينظر: السير 6/ 5.

(5)

ينظر: الإشراف 7/ 202.

(6)

قوله: (روى) في (ظ): روي عن.

(7)

سبق تخريجه 9/ 563 حاشية (7).

(8)

في (م): يختص، وفي (ظ): يخص.

ص: 579

(فَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ، أَوْ دَخَلَ الْحِرْزَ فَأَتْلَفَهُ فِيهِ) بأكْلٍ أوْ غيرِه

(1)

؛ (فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ)؛ لِفَواتِ شَرْطِه، لكِنْ يَلْزَمُه ضَمانُه؛ لأِنَّه أتْلَفَه.

ولا يُقْطَعُ حتَّى يُخرِجَه مِنْ الحِرْز، سَواءٌ حَمَلَه إلى مَنزِلِه، أوْ تَرَكَه خارِجًا من الحِرْزِ.

(وَإِنِ ابْتَلَعَ جَوْهَرًا أَوْ ذَهَبًا، وَخَرَجَ بِهِ) من الحِرْز؛ فَعَلَيهِ القطعُ

(2)

، أشْبَهَ ما لو أخْرَجَه في

(3)

كُمِّه.

وكلامُه شامِلٌ: ما إذا خرجا

(4)

منه أوْ لَا، لكِنْ إنْ لم يَخرُجْ ما ابْتَلَعَه؛ فلا قَطْعَ، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» ، وهو قَولُ القاضِي، وابنِ عَقِيلٍ.

وقِيلَ: يُقطَعُ، قدَّمه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» .

وإنْ خَرَجَ منه؛ فقِيلَ: يُقطَعُ؛ كما لو أخْرَجَه في

(5)

كُمِّه، وقِيلَ: لا؛ لأِنَّه ضَمِنَها بالبَلْعِ، فكان إتْلافًا لها لا سَرِقَةً.

(أَوْ نَقَبَ وَدَخَلَ، فَتَرَكَ الْمَتَاعَ عَلَى بَهِيمَةٍ، فَخَرَجَتْ بِهِ) مِنْ غَيرِ سَوقِها؛ لأِنَّ العادةَ مَشْيُ البهيمةِ بما وُضِعَ عَلَيهَا، (أَوْ فِي مَاءٍ جَارٍ)، وقِيلَ: وراكِدٍ، (فَأَخْرَجَهُ) المتاع إلى حائل

(6)

من الدَّار، فأطارَتْه الرِّيحُ؛ فهذا فيه وَجْهانِ:

أحدُهما: لا قَطْعَ؛ لأِنَّ ذلك لم يكُنْ آلةً للإخْراج، وإنَّما هو بسبَبٍ حادِثٍ مِنْ غَيرِ فِعْلِه.

والثَّاني: يُقطَعُ؛ لأِنَّ فِعْلَه سَبَبُ خُروجِه، أشْبَهَ ما لو ساقَ البَهِيمةَ.

(1)

قوله: (فيه بأكل أو غيره) سقط من (ن).

(2)

قوله: (فعليه القطع) سقط من (م).

(3)

في (م): من.

(4)

في (م): أخرجا.

(5)

في (ظ) و (م): من. والمثبت موافق للمغني 9/ 118.

(6)

في (م): حامل. وفي الشرح الكبير 26/ 510: حائط.

ص: 580

فرعٌ: إذا رَمَى المتاعَ، فأطارَتْهُ الرِّيحُ فأخْرَجَتْه، أَوْ فَتَحَ منه طاقًا فَسَقَطَ منه طَعامٌ أوْ غَيرُه قَدْرَ نِصابٍ، أوْ أخْرَجَه من الحِرْز ورَماهُ خارِجًا عنه، أوْ ردَّه إلَيهِ؛ قُطِعَ؛ لأِنَّه متى كان ابتداء

(1)

الفِعْل منه؛ لم يُؤثِّرْ فِعْلُ الرِّيح، كما لو رَمَى صَيْدًا، فأعانَت الرِّيحُ السَّهْمَ حتَّى قَتَلَ، فإنَّه يَحِلُّ، ولو

(2)

رَمَى الجِمارَ، فأعانَتْها الرِّيحُ حتَّى وَقَعَ في المرمى

(3)

؛ احْتَسَبَ به.

(أَوْ قَالَ لِصَغِيرٍ أَوْ مَعْتُوهٍ: ادْخُلْ فَأَخْرِجْهُ، فَفَعَلَ

(4)

؛ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ)؛ لأِنَّه لا اخْتِيارَ لهما، فهما كالآلة، ولو أَمَرَهُما شَخْصٌ بالقَتْلِ؛ قُتِلَ الآمِرُ.

تنبيهٌ: إذا أخْرَجَ خَشَبَةً أوْ بَعضَها من الحِرْز؛ لم يُقطَعْ؛ لأِنَّ بعضَها لا يَنفَرِدُ عن بعضٍ، وكذا لو أمْسَكَ عِمامةً وطرفها

(5)

في يَدِ صاحِبِها.

وإنْ أخْرَجَ بعضَ نصابٍ، ثُمَّ دخل فأخْرَجَ تمامَه، وقَرُبَ؛ قُطِعَ، وكذا إنْ بَعُدَ في وَجْهٍ، وقدَّمه

(6)

في «التَّرغيب» ، وقِيلَ: إنْ كان في لَيلةٍ؛ قُطِعَ، لا لَيلَتَينِ.

وإنْ عَلِمَ المالِكُ بهَتْكِه وأهْمَلَه؛ فلا قَطْعَ، قال القاضي: قِياسُ قَولِ أصْحابِنا: يُبْنَى فِعْلُه على فِعْلِ غَيرِه.

ولو فَتَحَ أسْفَلَ كُوَارَةٍ، فخَرَجَ العَسَلُ شَيئًا فشَيئًا؛ قُطِعَ.

فرعٌ: إذا عَلَّمَ قِرْدًا

(7)

السَّرِقةَ؛ فالغُرْمُ فقطْ، ذَكَرَه أبو الوفاء

(8)

(1)

في (ظ): متى ابتدأ.

(2)

في (ن): وكذا لو.

(3)

قوله: (في المرمى) في (م): الرمي.

(4)

قوله: (ففعل) سقط من (م).

(5)

في (م): وخرقها.

(6)

في (م): قدمه.

(7)

في (م): فرد.

(8)

في (م): البقاء.

ص: 581

وابنُ الزَّاغُونِيِّ.

(وَحِرْزُ الْمَالِ: مَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِحِفْظِهِ فِيهِ، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الأَمْوَالِ، وَعَدْلِ السُّلْطَانِ وَجَوْرِهِ، وَقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ)؛ لأِنَّه لمَّا لم

(1)

يَثْبُتْ في الشَّرع؛ عُلِمَ أنَّه ردَّ ذلك إلى العُرْفِ؛ لأِنَّه طريقٌ إلى معرفته، فرُجِعَ إلَيهِ كما رَجعْنا إلى مَعرِفَةِ القَبْضِ، والفُرْقَةِ في البَيعِ، وأشباه

(2)

ذلك إلَيهِ، هذا ظاهِرُ قول

(3)

أصْحابِنا.

(فَحِرْزُ الْأَثْمَانِ، وَالْجَوَاهِرِ، وَالْقُمَاشِ فِي الدُّورِ

(4)

وَالدَّكَاكِينِ فِي العُمْرانِ

(5)

: وَرَاءَ الْأَبْوَابِ وَالْأَغْلَاقِ الْوَثِيقَةِ)، وهو اسْمٌ للقُفْل

(6)

، خَشَبًا كان أوْ حديدًا، أوْ يكُونُ فِيهَا حافِظٌ؛ لأِنَّ العادةَ في حِرْزِ ذلك بذلِكَ.

وفي «التَّرغيب» وغَيرِه: في قُماشٍ غَلِيظٍ وَرَاءَ غَلَقٍ.

وفي «تفسيرِ ابنِ الجَوزِيِّ» : ما جُعِلَ للسُّكْنَى.

وعن أحمدَ في البيت الذي لَيسَ عَلَيهِ غَلَقٌ، فسُرِقَ

(7)

منه: أراهُ سارِقًا

(8)

، وهذا محمولٌ على أنَّ أهْلَه فيه.

فإنْ كانَت الأَبْوابُ مَفْتوحةً وفِيهَا خَزائنُ مُغلَقَةٌ؛ فالخزائنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا.

والبُيُوتُ التي في البَساتِينِ، أو الطُّرُق، أو الصَّحراء: إنْ لم يكُنْ فيها أحدٌ؛ فَلَيسَتْ حِرْزًا، وإنْ كانت مُغلَقَةً وفِيهَا حافِظٌ؛ فهِيَ حِرْزٌ وإنْ كان نائمًا،

(1)

قوله: (لم) سقط من (م).

(2)

في (ن): وإسناده.

(3)

قوله: (قول) سقط من (م).

(4)

في (م): السوق.

(5)

قوله: (في العمران) في (م): والعمران.

(6)

في (م): للفعل.

(7)

قوله: (فسرق) سقط من (م).

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3695، زاد المسافر 4/ 387.

ص: 582

وإنْ كانَتْ مفتوحةً فلا، إلاَّ أنْ يكونَ الحافِظُ يَقْظانَ.

تَتِمَّةٌ: الخَيمةُ والخَرْكاهُ

(1)

كذلك، سَواءٌ سَرَقَ مِنْ ذلك وهو مَفْتوحُ الباب، أوْ لا بابَ له إلاَّ أنَّه مُحجَّر

(2)

بالبناء.

فإنْ سَرَقَ صُندوقًا فيه مَتاعٌ، أوْ دابَّةً عَلَيهَا متاعٌ ولا حافِظَ؛ لم يُقطَعْ، وإنْ سَرَقَ المتاعَ الذي فيه

(3)

؛ قُطِعَ.

وعَنْهُ: أنَّ الصَّنادِيقَ التي في السُّوق، وإنْ

(4)

حُمِلَتْ كما هِيَ؛ قُطِعَ، وحَمَلَه القاضي وابنُ عَقِيلٍ على أنَّ مَعَها شَيئًا.

(وَحِرْزُ الْبَقْلِ، وَالْبَاقِلَاءِ، وَنَحْوِهِ، وَقُدُورِهِ

(5)

: وَرَاءَ الشَّرَائِجِ)، واحِدُها شَريجَةٌ، وهي

(6)

شَيءٌ يُعمَلُ مِنْ قَصَبٍ أوْ نحوِه، يُضَمُّ بعضُه إلى بَعْضٍ بحَبْلٍ أوْ غَيرِه، (إِذَا كَانَ فِي السُّوقِ حَارِسٌ)؛ لأِنَّ العادةَ جَرَتْ بإحْرازِها به.

(وَحِرْزُ الْخَشَبِ، وَالْحَطَبِ)، والقَصَبِ:(الْحَظَائِرُ)، واحِدَتُها: حظيرة

(7)

، وهِيَ: ما يُعمَلُ للإبِلِ والغَنَمِ مِنْ الشَّجَر، تَأْوِي إلَيهِ، وأصْلُ الحَظْر: المَنْعُ، فيُعبئ

(8)

بعضَه على بعضٍ، ويُقيِّدُه بقَيدٍ، بحَيثُ يَعْسُرُ أخْذُ شَيءٍ منه على ما جَرَتْ به العادَةُ، إلاَّ أنْ يكون

(9)

في فندق

(10)

مُغْلَقًا عَلَيهِ،

(1)

قال في المغرب ص 143: (الخركاه - بالفارسية -: القبة التركية، ويقال في تعريبها: خرقاهة).

(2)

في (م): يحجر.

(3)

في (م): منه.

(4)

في الأحكام السلطانية ص 267: فإن.

(5)

في (م): وقدروه.

(6)

في (ظ): وهو.

(7)

في (ظ) و (ن): حظير.

(8)

في (م) و (ن): فيعبر.

(9)

في (ظ): تكون.

(10)

في (م): صندوق.

ص: 583

فيكونُ محرزًا

(1)

وإنْ لم يُقَيَّدْ، ذَكَرَه في «الكافي» و «الشَّرح» .

وفي «التَّبصرة» : حِرْزُ حَطَبٍ: تعبئته ورَبْطُه بالحِبالِ، وكذا ذَكَرَه أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ.

فرعٌ: حِرْزُ السُّفُنِ في الشطِّ: بِرَبْطِها.

(وَحِرْزُ الْمَوَاشِي)، جَمْعُ ماشِيَةٍ:(الصِّيَرُ)، واحِدُها صِيرَةٌ، وهي حَظِيرةُ الغَنَمِ.

(وَحِرْزُهَا فِي المَرْعَى

(2)

: بِالرَّاعِي وَنَظَرِهِ إِلَيْهَا)؛ لأِنَّ العادةَ حِرْزُها بذلك، فما غاب عَنْ مُشاهَدَتِه؛ فقد خَرَجَ عن الحِرْزِ؛ لأِنَّ الرَّاعِيَةَ هكذا تُحْرَزُ.

(وَحِرْزُ حَمُولَةِ الْإِبِلِ: بِتَقْطِيرِهَا، وَقَائِدِهَا

(3)

، وَسَائِقِهَا إِذَا كَانَ يَرَاهَا)، وجُمْلَتُه: أنَّ الإبلَ تنقسم

(4)

إلى ثلاثةِ أقْسامٍ: بارِكَةٍ، وراعِيَةٍ، وسائِرةٍ.

فحِرْزُ البارِكَةِ المعَقَّلَةِ: بالحافِظ، يَقظانَ كان أوْ نائِمًا؛ لأِنَّ العادةَ أنَّ صاحِبَها يعقلها

(5)

إذا نامَ، فإنْ لم تكُنْ مَعْقُولةً؛ فحِرْزُها بحافِظٍ يَقْظانَ.

وحِرْزُ الرَّاعِيَة: بنظر

(6)

الرَّاعِي إلَيهَا، فما غابَ عن نَظَرِه، أوْ نامَ عَنْهَا؛ فَلَيسَ بمُحْرَزٍ؛ لأِنَّ الرَّاعِيَةَ إنَّما تُحرَزُ بالرَّاعِي ونَظَرِه إليها

(7)

.

وحِرْزُ السَّائِرةِ الحمولة

(8)

: بسائِقٍ يَراهَا، مُقَطَّرَةً كانَتْ أوْ غَيرَ مُقَطَّرَةٍ، أوْ

(1)

زيد في (م): عليه.

(2)

في (م): الرعي.

(3)

قوله: (وقائدها) سقط من (ظ) و (ن). وهي مثبتة في نسخ المقنع الخطية.

(4)

في (ن): ينقسم.

(5)

في (ن): يعلقها.

(6)

في (م): بقطر.

(7)

قوله: (فما غاب عن نظره .... ) إلى هنا سقط من (م).

(8)

في (م): المحمولة.

ص: 584

بتقطِيرها

(1)

مع قائِدٍ يَراهَا، وفي «التَّرغيب» و «الشَّرح»: يُكْثِر

(2)

الاِلْتِفاتَ إلَيهَا، ويَراها إذا الْتَفَتَ، وأمَّا الأوَّلُ منها؛ فهو مُحْرَزٌ بقَوْدِه

(3)

، والحافِظُ الرَّاكِبُ فِيمَا وراءه

(4)

كقائدٍ.

ولو سُرِقَ مَركُوبُه مِنْ تَحتِه؛ فلا قَطْعَ، وفِيهِ احْتِمالٌ.

وإنْ سرَقَه براكبه

(5)

الرَّقِيقِ، وهُمَا يُساوِيانِ نِصابًا؛ قُطِعَ، وإنْ كان حُرًّا ومعه ما يُساوِي نِصابًا؛ فوَجْهانِ.

(وَحِرْزُ الثِّيَابِ فِي الْحَمَّامِ: بِالْحَافِظِ)، جَزَمَ به

(6)

المؤلِّفُ، وفي «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفُروعِ» ؛ كما لو كان في البَيْتِ.

وعَنْهُ: لا قَطْعَ إلاَّ أنْ يكُونَ على المتاع قاعِدٌ، صحَّحَه المؤلِّفُ؛ لأِنَّه مَأْذُونٌ للنَّاس في دُخولِه، فجَرَى مَجْرَى سَرِقَةِ الضَّيف من البَيت المأْذُونِ في دُخُولِه، ولأِنَّه لا يُمكِنُ الحافِظَ من

(7)

حِفْظِه فيه.

وإنْ فرَّطَ في الحِفْظ، فَنَامَ أو اشْتَغَلَ؛ فلا قَطْعَ، ويَضمَنُ.

وفي «التَّرغيب» : إن اسْتَحْفَظَه ربُّه صريحًا

(8)

.

وفِيهِ: لا تَبطُلُ الملاحَظَةُ بفَتَراتٍ وإعْراضٍ يَسِيرةٍ، بل بتركه

(9)

وراءَه.

وظاهِرُه: أنَّه إذا سَرَقَ من الحمَّام، ولا حافِظَ فِيهِ؛ فلا قَطْعَ في قَولِ عامَّتِهم.

(1)

في (م): وبتقطيرها.

(2)

في (م): بكثرة.

(3)

في (ظ): يقوده.

(4)

زيد في (م): فقائد.

(5)

في (م): براكه.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

قوله: (من) سقط من (م).

(8)

قوله: (ربه صريحًا) في (م): مريحًا.

(9)

في (م): يتركه.

ص: 585

فرعٌ: وحِرْزُ الثِّياب في أعْدالٍ، أوْ غزلٍ

(1)

في سُوقٍ وخانٍ، وما كان مُشْتَرَكًا في الدُّخول إلَيهِ؛ بِحافِظٍ على الأصحِّ.

وقِيلَ: لَيسَ الحَمَّامِيُّ حافِظًا بجُلوسِه، ولا الذي يُدخِلُ الطَّاساتِ.

(وَحِرْزُ الْكَفَنِ فِي الْقَبْرِ عَلَى الْمَيِّتِ، فَلَوْ نَبَشَ قَبْرًا، وَأَخَذَ الْكَفَنَ؛ قُطِعَ)، رُوِيَ عن

(2)

ابنِ الزُّبَير

(3)

، وقاله الحَسَنُ، وعمر

(4)

بنُ عبدِ العزيز؛ لقول

(5)

عائشةَ: «سارِقُ أمواتنا

(6)

كسِارِقِ أحْيائِنا»

(7)

، ولأنَّه

(8)

سَرَقَ مالاً مُحتَرَمًا مِنْ حِرْزٍ، فَوَجَبَ القَطْعُ به كغَيرِه، ولأنه

(9)

يُوضَعُ فيه عادَةً، ولا يُعَدُّ واضِعُه مُفَرِّطًا.

وعَنْهُ: لا قَطْعَ.

وعَنْهُ: إلاَّ أنْ يُخرِجَ الميِّتَ من القبر، ويَأخُذَه منه، ذَكَرَها في «النِّهاية» .

وظاهِرُه: لا فَرْقَ في القبر أنْ يكونَ في حِرْزٍ أوْ لا؛ كالصَّحراء، قاله جماعةٌ.

(1)

في (م): غزال.

(2)

قوله: (عن) سقط من (م).

(3)

علقه البخاري في التاريخ الكبير (4/ 104)، قال: قال هشيم: حدثنا سهيل؛ «شهدت ابن الزبير رضي الله عنهما قطع نباشًا» . وأسنده البيهقي في الكبرى (17243)، إلى البخاري، وسهيل هو ابن ذكوان متهم بالكذب، وقال غير واحد:(متروك الحديث). ينظر: ميزان الاعتدال 2/ 242.

(4)

في (ن): وعمرو.

(5)

في (م): وكقول.

(6)

في (م): موتًا.

(7)

أخرجه البيهقي في المعرفة (17183)، وفي سنده: سويد بن عبد العزيز الدمشقي وهو ضعيف. ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 179.

(8)

زيد في (ن): لو.

(9)

في (ظ): ولا.

ص: 586

وفي «الواضح» : في

(1)

مَقْبَرةٍ مَصُونَةٍ بقُرْبِ البَلَدِ، ولم يَقُلْ في «التَّبصرة»: مَصونَةٍ.

ولا بدَّ أنْ يكُونَ الكفن

(2)

مَشْروعًا، وأنْ يُخرِجَه من القَبْر؛ لأِنَّه الحِرْزُ، فإنْ أخْرَجَه من اللَّحْد، وَوَضَعَه في القَبْر؛ فلا قَطْعَ.

وما زاد على الكَفَن المشروع

(3)

كاللِّفافة الرابعة

(4)

، أوْ ترك

(5)

معه طِيبًا؛ فلا قَطْعَ في شَيءٍ مِنْ ذلك.

وفي «الخلاف» : يُقطَعُ بسَرِقَةِ الطِّيبِ؛ لأِنَّه مِنْ السُّنَّة.

وفي كَونِه ملْكًا له

(6)

أوْ لِوارِثِه؛ فِيهِ وَجْهانِ، وعَلَيهِما: هو خَصْمُه، فإنْ عُدِمَ؛ فنائِبُ الإمام، ولو كفَّنَه أجْنَبِيٌّ، وقِيلَ: هو.

ويُسْتَثْنَى على المذْهَبِ: ما

(7)

إذا أكَلَهُ ضبعٌ، فإنَّ كَفَنَه إرْثٌ، ولا يُقطَعُ سارِقُه.

وهل يَفتَقِرُ في قَطْعِ النَّبَّاش إلى مُطالَبَةٍ؟ فِيهِ وَجْهانِ.

(وَحِرْزُ الْبَابِ: تَرْكِيبُهُ فِي مَوْضِعِهِ)، مَفْتوحًا كانَ أوْ مُغْلَقًا؛ لأنَّه

(8)

هكذا يُحفَظُ.

وفي «التَّرغيب» : حِرْزُ باب بيت

(9)

، أوْ خِزانَةٍ بغلقه

(10)

،

(1)

في (ظ): من.

(2)

قوله: (الكفن) سقط من (م).

(3)

قوله: (المشروع) سقط من (م).

(4)

في (ظ) و (م): والرابعة.

(5)

في (ن): نزل.

(6)

قوله: (له) سقط من (م).

(7)

قوله: (ما) سقط من (ن).

(8)

زيد في (ن): كان.

(9)

قوله: (باب بيت) هو في (ظ): (باب)، وفي (م): بيت. والمثبت موافق للفروع 10/ 143.

(10)

في (م): مغلقة.

ص: 587

أو غلق

(1)

بابِ الدَّارِ عَلَيهِ.

وحِرْزُ جِدارِ الدَّار: كَونُه مبنيًّا

(2)

فيه إذا كان في العُمْران، أوْ في الصَّحراء إذا كان ثَمَّ حافِظٌ، فإنْ أخَذَ شَيئًا من الجِدار، أوْ خَشَبَةً تَبلُغُ نِصابًا؛ قُطِعَ، وإنْ هَدَمَ الحائطَ ولم يَأخُذْهُ؛ فلا قَطْعَ.

وأبْوابُ الخَزائنِ في الدَّارِ إنْ كان بابُ الدَّار مُغلَقًا؛ فهِيَ مُحرَزَةٌ، وإنْ كان مفتوحًا فلا، إلاَّ أن

(3)

يكونَ فِيهَا حافِظٌ.

فرعٌ: حَلَقَةُ الباب

(4)

إنْ كانَتْ مُسَمَّرَةً؛ فهِي مُحْرَزَةٌ، وإلاَّ فَلَا.

(فَلَوْ سَرَقَ رِتَاجَ الْكَعْبَةِ)، وهُو: بابُها العظيمُ، ويُقالُ: أُرْتِجَ على

(5)

القارئ؛ إذا لم يَقدِرْ على القِراءَةِ، (أَوْ بَابَ مَسْجِدٍ، أَوْ تَأْزِيرَهُ)، وهو: ما جُعِلَ مِنْ أسْفَلِ حائطه مِنْ لُبَّادٍ أوْ دُفُوفٍ ونحوِه؛ (قُطِعَ)؛ كبابِ بَيتِ الآدَمِيِّ، والمُطالَبَةُ بذلك

(6)

للإمام، أوْ مَنْ يَقُومُ مَقامَه.

وقِيلَ: لا قَطْعَ؛ لأِنَّه يَنتَفِعُ بهما الناس

(7)

، فيكُونُ له فيه شُبْهَةٌ؛ كالسَّرِقة مِنْ بَيتِ المالِ.

وقِيلَ: لا يُقطَعُ مُسْلِمٌ بباب

(8)

مسجِدٍ، كحُصرِه

(9)

، ونحوِها في الأصحِّ.

(وَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ سِتَارَتِهَا)؛ أي: الخارِجَة منها

(10)

،

(1)

في (ظ): وغلق.

(2)

في (ن): منفيًا.

(3)

قوله: (فلا إلا أن) في (م): فلأن.

(4)

قوله: (الباب) سقط من (ن).

(5)

قوله: (على) سقط من (م).

(6)

في (ن): بدليل.

(7)

في (م): للناس.

(8)

في (م): لباب.

(9)

في (م): بحصره.

(10)

قوله: (منها) سقط من (م).

ص: 588

نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، وهو ظاهِرُ المذْهَبِ، قالَهُ ابنُ الجَوزيِّ؛ كغَيرِ المخِيطةِ، ولأنَّها

(2)

غَيرُ مُحْرَزَةٍ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ المَخِيطَةِ عَلَيْهَا)، وهو رِوايَةٌ، وقدَّمه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّ ذلك حِرْزُ مِثْلِها في العادَةِ، وحَمَلَ ابنُ حَمْدانَ النَّصَّ على غَيرِ المَخِيطَةِ.

(وَإِنْ سَرَقَ قَنَادِيلَ الْمَسْجِدِ، أَوْ حُصُرَهُ؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: يُقطَعُ؛ لأِنَّ المسْجِدَ حِرْزٌ لها، فقُطِع

(3)

؛ كالباب.

والثَّانِي: لا

(4)

، وهو الأصحُّ، جَزَمَ به في «الوجيز» ؛ كالسَّرِقة مِنْ بَيتِ المالِ، وذَكَرَه في «المغْنِي» وجْهًا واحِدًا، وَالأَشْهَرُ: أنَّه لا يُقْطَعُ إذا كان السَّارِقُ مُسْلِمًا.

وفي «الكافي» : أنَّه إذا سَرَقَ قَنادِيلَ مَسْجِدٍ، أوْ حُصُرَه ونحوَه مِمَّا جُعِلَ لِنَفْعِ المصَلِّينَ؛ فلا قَطْعَ.

(وَإِنْ نَامَ إِنْسَانٌ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ) أوْ غيره

(5)

، أوْ عَلَى مَجَرِّ فرسه

(6)

ولم يَزُلْ عَنْهُ، أوْ نَعْلُهُ في رِجْلِه، (فَسَرَقَهُ سَارِقٌ؛ قُطِعَ)؛ لِمَا رَوَى صَفْوانُ بنُ أُمَيَّةَ:«أنَّه نامَ في المسْجِدِ على رِدائِه، فأخَذَه مِنْ تَحْتِ رَأْسِه سارِقٌ، فأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقَطْعِه» رواهُ أبو داودَ

(7)

.

(1)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 89.

(2)

في (ن): لأنها.

(3)

في (م): فيقطع.

(4)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب إذا كان مسلمًا).

(5)

في (م): وغيره.

(6)

في (م): أو على نحو فرشه.

(7)

سبق تخريجه 9/ 574 حاشية (1).

ص: 589

وظاهِرُ كلامِهم: لا فَرْقَ بَينَ أنْ يكُونَ في البلد أوْ بَرِّيَّةٍ.

(وَإِنْ مَالَ رَأْسُهُ عَنْهُ؛ لَمْ يُقْطَعْ بِسَرِقَتِهِ)؛ لأِنَّه لم يَبْقَ مُحْرَزًا.

وفي «المستوعب» : أنَّه يَجِبُ القَطْعُ ما دَامَ عَلَيهِ شيء

(1)

مِنْ أعْضائِه حالَ نَومِه، فإنِ انْقَلَبَ عنه ولم يَبْقَ عَلَيهِ شيء

(2)

مِنْ أعْضائِه؛ فلا، وذكره

(3)

في «الرِّعايةِ» وَجْهًا.

(وَإِنْ سَرَقَ مِنَ السُّوقِ غَزْلاً وَثَمَّ حافِظٌ؛ قُطِعَ)؛ لأِنَّ حِرْزَه بحافِظِه، (وَإِلاَّ فَلَا)؛ أي

(4)

: إذا لم يكُنْ ثَمَّ حافِظٌ فلا قَطْعَ؛ لأِنَّه مالٌ غَيرُ مُحرَزٍ.

وفي «المحرر»

(5)

: هل حِرْزُه بحافِظٍ أم لا

(6)

؟ فِيهِ رِوايَتانِ.

(وَمَنْ سَرَقَ مِنَ

(7)

النَّخْلِ أَوِ الشَّجَرِ

(8)

مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ؛ فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِ)، وفاقًا

(9)

.

وقال أبو ثَورٍ: إن

(10)

كان من بُسْتانٍ مُحْرَزٍ؛ فَفِيهِ القَطْعُ، وقاله

(11)

ابنُ المنْذِرِ؛ لِظَاهِرِ الآيَةِ، وكسائِرِ المحْرَزات.

(1)

قوله: (شيء) سقط من (م).

(2)

قوله: (شيء) سقط من (م).

(3)

في (ن): ذكره.

(4)

قوله: (فلا؛ أي) سقط من (م).

(5)

في (م): الحرز.

(6)

قوله: (لا) سقط من (م).

(7)

قوله: (سرق من) سقط من (م).

(8)

في (م): والشجر.

(9)

قوله: (وفاقًا) سقط من (م). وينظر: الأصل للشيباني 7/ 242، المدونة 4/ 537، الحاوي 13/ 289، المغني 9/ 119.

(10)

في (م): وإن.

(11)

في (م): وقال.

ص: 590

وجَوابُه: ما رَوَى رافِعٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَر

(1)

» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ

(2)

، وظاهِرُه: ولو كان عَلَيهِ حائِطٌ وحافظ

(3)

، لكِنْ إنْ كانَت الشَّجَرةُ في داره، وهِيَ مُحرَزةٌ، فَسَرَقَ منها نِصابًا؛ قُطِعَ.

(وَيَضْمَنُ عِوَضَهَا مَرَّتَيْنِ)؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جَدِّه عبدِ الله، قال: سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن الثَّمَرِ المعلَّقِ، فقال: «مَنْ أصابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حاجَةٍ غَيرِ مُتَّخِذٍ خُبْنة

(4)

؛ فلا شَيءَ عَلَيهِ، ومَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ منه؛ فَعَلَيهِ غَرامَةُ مِثْلَيْهِ والعُقُوبةُ، ومَنْ سَرَقَ مِنْه شَيئًا بَعْدَ أنْ يُؤْوِيَه الجَرِينُ، فَبَلَغَ ثَمنَ

(5)

المِجَنِّ؛ فَعَلَيهِ القَطْعُ» رواه أحمدُ، والنَّسائِيُّ، وأبو داودَ ولَفْظُه له، قال أحمدُ: لا أعلم شَيئًا يَدْفَعُه

(6)

.

(1)

في (ن): ولا كرم.

(2)

أخرجه مالك (2/ 839)، وأحمد (15804)، وأبو داود (4388)، والترمذي (1449)، والنسائي (4961)، وابن ماجه (2593)، وابن الجارود (826)، وابن حبان (4466)، من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن رافع بن خديج رضي الله عنه مرفوعًا، ورجاله ثقات لكن محمد بن يحيى بن حبان لم يسمع من رافع، ووقع عند الترمذي وابن الجارود وابن حبان وغيرهم:(عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، أن رافع بن خديج)، وجاء ذكر الواسطة من طريق سفيان والليث بن سعد عن يحيى به، والأكثر من الرواة على عدم ذكرها، وصححه ابن الجارود وابن حبان وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 8/ 657، الإرواء 8/ 72.

(3)

قوله: (وحافظ) سقط من (م).

(4)

في (م): خبية.

(5)

في (م): ثمر.

(6)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3530، زاد المسافر 4/ 386، الشرح الكبير 26/ 534. وسبق تخريج الحديث 9/ 563 حاشية (7).

ص: 591

وقال أكثرُ العُلَماء: لا يَجِبُ أكثرُ مِنْ مثْلِه، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: لا أعْلَمُ أحَدًا قال بِوُجوبِ غَرامَةِ مِثْليه

(1)

، واحْتَجَّ أحمدُ

(2)

: بأنَّ «عمرَ أغرم

(3)

حاطِبَ ابنَ أبي بَلْتَعَةَ حِينَ نَحَرَ غِلْمانُه ناقةَ

(4)

رَجُلٍ مِنْ مُزَينَةَ مِثْلَيْ قيمتِها

(5)

» رواهُ الأثْرَمُ

(6)

، قال القاضِي في «الخلاف»: وفي هذا دَلالَةٌ على أنَّ السَّرِقةَ في عامِ المجاعة يُضاعَف

(7)

الغُرْمُ فيها على قَولِ أحمدَ، ولأِنَّ الثِّمارَ في العادة تَسبِقُ اليَدُ إلَيهَا، فجازَ أنْ يُغلَّظ

(8)

عليه

(9)

(1)

قوله: (مثليه) سقط من (م). ينظر: التمهيد 19/ 212.

(2)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 311.

(3)

في (ن): غرم.

(4)

في (ن): ناقته.

(5)

قوله: (رجل من مزينة مثلي قيمتها) مكانه بياض في (ن).

(6)

أخرجه مالك (2/ 748)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 224)، وعبد الرزاق (18978)، والطحاوي في شرح المشكل (13/ 365)، والبيهقي في الكبرى (17287)، وابن المنذر في الأوسط (6447)، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب: أن رقيقًا لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب، «فأمر عمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم» ، ثم قال عمر:«أراك تجيعهم» ، ثم قال عمر:«والله لأغرمنك غرمًا يشق عليك» ، ثم قال للمزني:«كم ثمن ناقتك؟» فقال المزني: قد كنت والله أمنعها من أربعمائة درهم، فقال عمر:«أعطه ثمانمائة درهم» .

وأخرجه عبد الرزاق (18977)، من طريق عروة، أن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، أخبره عن أبيه

فذكره. وأعلَّ أبو زرعة وابن معين وابن عبد البر ذكر أبيه، والصواب أنه منقطع، فإن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب لم يدرك عمر رضي الله عنه. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 190، تاريخ ابن معين رواية الدوري 3/ 99، الاستذكار 7/ 211، التوضيح لابن الملقن 31/ 103.

(7)

في (ن): تضاعف.

(8)

في (ظ): تغلظ.

(9)

قوله: (عليه) سقط من (م).

ص: 592

في القِيمة ردعًا له

(1)

وزَجْرًا، بخِلافِ بقيَّةِ المواضِعِ، فإنَّها في العادة

(2)

مَحْرُوزَةٌ، فاليَدُ لا تُسْرِعُ إلَيهَا.

ومُقتَضاهُ: وإنْ كان

(3)

المأخُوذُ دُونَ نِصابٍ ومِن غَيرِ حِرْزٍ، وقالَهُ القاضِي والزَّرْكَشِيُّ.

فرعٌ: لا قَطْعَ في

(4)

عامِ مَجاعةِ غَلاءٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، إذا لم يَجِدْ ما يَشْتَرِيهِ، أوْ يَشتري

(6)

به، قال جماعةٌ: ما لم يُبذَلْ له ولو بثَمَنٍ غالٍ

(7)

، وفي «التَّرغيب»: ما يُحْيِي به نَفْسَه.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا كَانَ حِرْزَ الْمَالِ؛ فَهُوَ حِرْزٌ لِمَالٍ آخَرَ)؛ لأِنَّ الشَّرعَ وَرَدَ مِنْ غَيرِ تَفْصِيلٍ، وحَمَلَه أبو الخَطَّاب على قُوَّةِ السُّلْطانِ وعَدْلِه، وبَسْطِ الأمن

(8)

.

والأصحُّ الأوَّلُ؛ لأِنَّه إنَّما رَجَعْنا في الحِرْزِ إلى العُرْف والعادَةِ، فالجَواهِرُ لا تُحرَزُ في الصِّيَرِ، فإنْ أحْرَزَها فيه؛ عُدَّ مُفَرِّطًا، فكان

(9)

العَمَلُ بالعُرْف أَوْلَى.

فرعٌ: قال أصْحابُنا: في الماشِيَةِ تُسرَق

(10)

من المرْعَى مِنْ غَيرِ أنْ تكُونَ

(1)

قوله: (له) سقط من (ظ).

(2)

قوله: (في العادة) سقط من (م).

(3)

قوله: (كان) سقط من (م).

(4)

في (م): من.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 400، المغني 9/ 136.

(6)

في (ن): يُشرى.

(7)

في (م): بحال.

(8)

في (م): الابن.

(9)

في (م): وكان.

(10)

في (م): يسترق.

ص: 593

مُحْرَزَةً؛ مِثْلَا قِيمَتِها؛ للخبر

(1)

، وما عَدا هَذَينِ المَوضِعَينِ لا يُضمَنُ بأكثرَ مِنْ قِيمَتِه، أوْ مِثْلِه إنْ كان مِثْلِيًّا؛ لأِنَّه الأصْلُ، خُولِفَ في هذَينِ؛ للأثَرِ.

وذَهَبَ أبو بَكْرٍ: إلى غَرامَةِ مَنْ سَرَقَ مِنْ غَيرِ حِرْزٍ بمثليه

(2)

، وهو رِوايَةٌ.

وقَدَّمَ في «المحرَّر» : أنَّها تُضاعَفُ عَلَيهِ القِيمةُ، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

.

(1)

قوله: (للخبر) سقط من (م).

(2)

في (م): بمثله.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 386، المحرر 2/ 160.

ص: 594

(فَصْلٌ)

(الْخَامِسُ: انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ)؛ لأِنَّ القَطْعَ حَدٌّ، فيُدْرَأُ بالشُّبهة.

(فَلَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ ابْنِهِ، وَإِنْ سَفَلَ)؛ لأِنَّ له فيه شُبْهةً؛ لقَولِه عليه السلام: «أنْتَ ومالُكَ لأبيك»

(1)

، ولأِنَّه أَخَذَ ما

(2)

له أخْذُه؛ لقَولِه: «إنَّ أطْيَبَ ما أكلتُم

(3)

مِنْ كَسْبِكُم، وإنَّ أوْلادَكم مِنْ كسبكم

(4)

»

(5)

، ولأِنَّه يُدْرَأُ بالشبهة

(6)

.

(وَلَا الْوَلَدُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ وَإِنْ عَلَا

(7)

؛ لأِنَّ بَينَهما قَرابَةٌ تَمنَعُ شهادَةَ أحدهما

(8)

لصاحِبِه، فلم يُقْطَعْ بالسَّرِقة مِنْهُ؛ كالأب، ولأِنَّ النَّفَقةَ تَجِبُ لِلاِبْنِ في مالِ أبيهِ حِفْظًا له، فلا يَجُوزُ إتْلافُه حِفْظًا للمال.

وعَنْهُ: يُقطَعُ، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لِظاهِرِ الآيَةِ، ولأِنَّه يُقادُ به ويُحَدُّ بالزِّنى بجارِيَتِه، فيُقْطَعُ بسَرِقَةِ مالِه؛ كالأجنَبِيِّ.

وجَوابُه ما سَبَقَ، والزِّنى بجارِيَتِه فَفِيهِ مَنْعٌ، وإنْ سُلِّمَ؛ فإنَّما وَجَبَ عَلَيهِ الحَدُّ؛ لأِنَّه لا شُبْهةَ له فيها

(9)

.

(1)

سبق تخريجه 3/ 389 حاشية (4).

(2)

قوله: (أخذ ما) في (م): مما.

(3)

في (ن): أخذتم.

(4)

قوله: (وإن أولادكم من كسبكم) سقط من (م).

(5)

سبق تخريجه 6/ 524 حاشية (7).

(6)

زيد في (م): فلا يقطع.

(7)

في (ن): غلا.

(8)

زيد في (م): على.

(9)

في (م): فيه.

ص: 595

(وَالْأَبُ وَالْأُمُّ فِي هَذَا سَوَاءٌ)؛ لأِنَّها أَوْلَى بالبِرِّ، وإذا لم يكن

(1)

فالمساواةُ.

والجَدُّ والجَدَّةُ مِنْ قِبَلِهِما سواءٌ.

(وَلَا يُقْطَعُ الْعَبْدُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ

(2)

سَيِّدِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

؛ لِمَا روى

(4)

سعيدٌ، عن سُفْيانَ، عن الزُّهْرِيِّ، عن السائب بنِ يَزِيدَ، عن عمرَ: أنَّه جاءه عبدُ الله بنُ عَمْرِو بنِ الحَضْرَمِيِّ بغُلامٍ له، فقال: إنَّ غُلامِي قد سَرَقَ، فأَقْطَعُ يَدَه؟ فقال عمرُ:«خادِمُكم أَخَذَ مالَكُم»

(5)

، وكان

(6)

ذلك بمَحْضَرٍ من الصَّحابة، ولم يُنكَرْ، فكان كالإجماع، وقال ابنُ مَسْعودٍ:«لا قَطْعَ، مالُكَ سَرَقَ مالَكَ»

(7)

.

والمكاتَبُ، وأمُّ الوَلَدِ، والمدَبَّرُ؛ كالقِنِّ.

(1)

في (ظ): لم تكن.

(2)

قوله: (مال) سقط من (م) و (ن).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3682، مسائل صالح 2/ 221.

(4)

زيد في (م): أبو.

(5)

أخرجه مالك (2/ 839)، ومن طريقه الشافعي كما في المسند (ص 225)، وعبد الرزاق (18866)، وابن أبي شيبة (28568)، والدارقطني (3412)، والبيهقي في الكبرى (17303)، وصححه ابن كثير والألباني. ينظر: مسند عمر 2/ 373، الإرواء 8/ 75.

(6)

في (م): وإن كان.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (18868)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (9740) من طريق حماد، عن إبراهيم، أن معقل بن مقرن سأل ابن مسعود رضي الله عنه، وذكره. وحماد بن أبي سليمان صدوق له أوهام، وقد رواه هكذا بهذا السياق، وتابعه معمر، فقد أخرج عبد الرزاق (18867)، عن معمر، عن الأعمش، عن إبراهيم، أن معقل بن مقرن، وذكره، وروي من وجه آخر أصح، فقد أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (773)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17093)، وابن أبي شيبة (28569)، من طريق إبراهيم، عن همام بن الحارث، عن عمرو بن شرحبيل، عن معقل بن مقرن به، وإسناده صحيح. وقال ابن عبد البر: (ثبت عن ابن مسعود

) فذكره، وصححه الألباني. ينظر: الاستذكار 7/ 558، الإرواء 8/ 76.

ص: 596

ولا يُقطَعُ سيِّدٌ بسَرِقَةِ مالِ مُكاتَبِه، فإنْ مَلَكَ وَفاءً؛ فيَتَوجَّهُ الخِلافُ.

وفي «الاِنْتِصار» فِيمَنْ وارِثُه حُرٌّ: يُقطَعُ، ولا يُقتَل

(1)

به.

وكلُّ مَنْ لا يُقطَعُ الإنسانُ بسَرِقَةِ مالِه لا يُقطَعُ عَبدُه بسَرِقَةِ مالِه.

(وَلَا مُسْلِمٌ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

؛ لِمَا رَوَى ابنُ ماجَهْ، عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ عَبْدًا مِنْ رقيقِ الخُمُس سَرَقَ مِنْ الخُمُس، فرُفِعَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فلم يَقْطَعْهُ، وقال: «مالُ الله

(3)

سَرَقَ بعضُه بَعْضًا»

(4)

، وقال عمرُ وابن

(5)

مَسْعودٍ: «مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيتِ المال

(6)

فلا قَطْعَ، ما مِنْ أحَدٍ إلاَّ ولَهُ في هذا المالِ حقٌّ»

(7)

، وقال سعيدٌ: ثَنَا هُشَيمٌ، أنا مُغِيرَةُ، عن الشَّعْبِيِّ، عن

(1)

قوله: (ولا يقتل) سقط من (م).

(2)

ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1562، مسائل عبد الله ص 428.

(3)

قوله: (مال الله) في (ن): إنه.

(4)

أخرجه ابن ماجه (2590)، والبيهقي في الكبرى (17307)، وفي سنده: جبارة بن المغلس وحجاج بن تميم وهما ضعيفان، وضعفه البيهقي والبوصيري والألباني، وأخرجه الشافعي في الأم (7/ 385)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17306)، عن أبي يوسف، أخبرنا بعض أشياخنا، عن ميمون بن مهران، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن عبدًا من رقيق الخُمس سرق من الخُمس فلم يقطعه، وقال:«مال الله بعضه في بعض» ، ولعل هذا المبهم هو ما وقع في رواية عبد الرزاق (18873)، عن عبد الله بن محرر، أخبرني ميمون بن مهران مرسلاً، وهو مع إرساله فيه ابن محرر وهو متروك. ينظر: زوائد ابن ماجه 3/ 112، الإرواء 8/ 78.

(5)

في (م): وافق ابن.

(6)

قوله: (المال) ضرب عليه في (م).

(7)

أخرجه عبد الرزاق (18874)، عن ابن جريج، أخبرني محرز بن القاسم، عن غير واحد من الثقة - كذا في المصنف ولعلها: الثقات -: أن رجلاً عدا على بيت مال الكوفة فسرقه، فأجمع ابن مسعود لقطعه، فكتب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فكتب عمر:«لا تقطعه؛ فإن له فيه حقًّا» وفي سنده إبهام، ولم نعرف شيخ ابن جريج.

وأخرج ابن أبي شيبة (28563)، وابن حزم في المحلى (12/ 311)، عن وكيع، عن المسعودي، عن القاسم: أن رجلاً سرق من بيت المال، فكتب فيه سعد إلى عمر، فكتب عمر إلى سعد:«ليس عليه قطع، له فيه نصيب» ، والمسعودي هو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة، وهو صدوق اختلط، وسماع وكيع منه قديم كما ذكر ذلك أحمد وغيره، لكنه منقطع بين القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وبين سعد وعمر، قال الألباني:(إسناد منقطع ضعيف). ينظر: الإرواء 8/ 76.

ص: 597

عليٍّ: «لَيسَ على مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيتِ المال قَطعٌ»

(1)

.

وكذا لا يُقطَعُ بالسَّرِقة مِنْ غَنيمةٍ لم تُخَمَّسْ، أوْ فَقِيرٌ مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ على الفُقَراء.

فلو سَرَقَ ذِمِّيٌّ، أوْ عَبْدٌ مُسْلِمٌ مِنْ بَيتِ المالِ؛ قُطِع

(2)

، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، قاله في «المحرَّر» ، والمذْهَبُ خِلافُه.

(وَلَا مِنْ مَالٍ لَهُ فِيهِ شِرْكَةٌ)؛ كالمال المشْتَرَكِ بَينَه وبَينَ شَريكِه؛ لأِنَّه إذا لم يُقْطَع الأبُ بسَرِقَةِ مالِ ابْنِه لكَونِ أنَّ له فيه شُبْهةً؛ فَلَأَنْ لا يُقطَعَ بالسَّرِقة مِنْ مالِ شَريكِه من بابِ أَوْلَى.

(أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ)؛ كمالٍ مُشتَرَكٍ لأبيه وابنِه؛ لأِنَّ له فيه شُبهَةً.

(وَمَنْ سَرَقَ مِنَ الْغَنِيمَةِ مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ)؛ أيْ: لم تُخمَّسْ

(4)

، (أَوْ لِوَلَدِهِ،

(1)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (17304)، من طريق هشيم، حدثنا مغيرة، عن الشعبي، عن علي رضي الله عنه، أنه كان يقول:«ليس على من سرق من بيت المال قطع» ، وإسناده قوي، والشعبي وقع خلاف في سماعه من عليٍّ، والأقرب أنه سمع منه.

وأخرج من وجه آخر ابن أبي شيبة (28567)، والبيهقي في الكبرى (17305)، من طريق سماك، عن ابن عبيد بن الأبرص: أن عليًّا كان يَقسِم سلاحًا في الرحبة، فأخذ رجل مغفرًا فالتحف عليه، فوجده رجل، فأتى به عليًّا فلم يقطعه، وقال:«له فيه شرك» ، وإسناده لا بأس، وابن عبيد هو يزيد بن دثار بن عبيد، سمع عليًّا، يروي عنه سماك، ذكره ابن حبان في الثقات وقال:(ربما أخطأ). ينظر: التاريخ الكبير للبخاري 3/ 250، ولسان الميزان 8/ 491.

(2)

قوله: (وكذا لا يقطع بالسرقة

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 428.

(4)

في (ظ) و (ن): يخمس.

ص: 598

أَوْ سَيِّدِهِ؛ لَمْ يُقْطَعْ)؛ لأِنَّ له في المال المسْرُوقِ حَقًّا، أوْ شبهة

(1)

حقٍّ، وكلٌّ منهما يَمنَعُ الحَدَّ.

وحَكَى ابنُ أبي مُوسى: أنَّه يُحرَقُ رَحْلُه كالغالِّ.

وإنْ أُخْرِجَ الخُمُسُ، فَسَرَقَ مِنْ الأَرْبَعةِ أخماسٍ؛ قُطِعَ.

(وَهَلْ يُقْطَعُ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الآْخَرِ الْمُحْرَزِ عَنْهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وكذا في «المحرَّر»:

إحداهما: لا قَطْعَ

(2)

، اختارها

(3)

الخِرَقِيُّ وأبو بكرٍ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وقدَّمها في «الفروع» ، وذَكَرَ أنَّها اخْتِيارُ الأَكْثَرِ، وهي

(4)

قَولُ عمرَ، رواهُ سعيدٌ بإسْنادٍ جَيِّدٍ

(5)

، ولأِنَّ كلًّا منهما يَرِثُ صاحِبَه بغَيرِ حَجْبٍ، ويَنبَسِطُ بمالِه، أشْبَهَ الوَلَدَ والوالِدَ، وكما لو مَنَعَها نَفَقَتَها، قاله في «التَّرغيب» .

والثَّانِيَةُ: يُقطَعُ؛ كحِرْزٍ مُفرَدٍ، قالَهُ في «التَّبصرة» ؛ كضَيفه، وصديقِه، وعَبْدِه من امرأتِه، مِنْ مالٍ مُحْرَزٍ عنه، ولم يَمنَع الضَّيف قِراهُ، قال

(6)

في «الشَّرح» : وهي ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لِعُمومِ الآيةِ، وكالأجنبي

(7)

.

وفرَّقَ قَومٌ، فقالوا: يُقطَعُ الزَّوجُ بسَرِقَةِ مالها؛ لأِنَّه لا حقَّ له فيه، بخِلافِها؛ لأِنَّ لها النَّفقةَ فيه.

فأمَّا إنْ لم يكُنْ مالُ أحدِهما مُحرَزًا عن الآخَرِ؛ فلا قَطْعَ، رِوايَةً واحِدةً.

(1)

في (م): شبه.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(3)

في (م): اختاره.

(4)

في (م): وهو.

(5)

مراده ما سبق 9/ 596 حاشية (5) في خبر عبد الله بن عمرو الحضرمي، وقول عمر له:«خادِمُكم أَخَذَ مالَكُم» ، كما ذكر ذلك في المغني 9/ 135.

(6)

في (ن): قاله.

(7)

في (م): كالأجنبي.

ص: 599

فرعٌ: لا تُقطَعُ الزَّوجةُ بسَرِقَةِ نَفَقَتِها أوْ نَفَقةِ ولدِها الواجِبةِ مع مَنْعِها منهما

(1)

، سواءٌ أَخَذَتْ قَدْرَ ذلك أوْ أكثرَ منه؛ لأِنَّها تَستَحِقُّ قَدْرَ ذلك، فالزَّائدُ يكُونُ مُشْتَرَكًا، بما

(2)

تستحقُّ

(3)

أخذه.

(وَيُقْطَعُ سَائِرُ الْأَقَارِبِ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ أَقَارِبِهِمْ)، نَصَرَه القاضِي والمؤلِّفُ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ القَرابَةَ هنا لا تَمنَعُ قَبُولَ الشَّهادة، فلا تَمنَعُ القَطْعَ، ولأِنَّ الآيَةَ والأخبارَ تَعُمُّ كلَّ سارِقٍ، خَرَجَ منه ما تقدَّم، فيَبْقَى ما عَداهُ على مُقتَضَى الأَصْلِ.

وقِيلَ: إلاَّ ذِي رَحِمٍ مَحرَمٍ.

وفي «الواضِحِ» : قَطْعُ غَيرِ أَبٍ.

(وَيُقْطَعُ الْمُسْلِمُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ مَالِ الذِّمِّيِّ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(4)

؛ لأِنَّ مالَه صار معصومًا بأداء

(5)

الجزية

(6)

، فوجب

(7)

القَطْعُ بسَرِقَتِه؛ كمالِ المسْلِمِ، (وَالمُسْتَأْمِنِ)؛ لأِنَّ مالَه مالُ الذِّمِّيِّ، بدليلِ: أنَّه يَجِبُ الضَّمانُ بإتْلافِه.

(وَيُقْطَعَانِ بِسَرِقَةِ مَالِهِ)؛ لأِنَّه إذا قُطِعَ المسلم

(8)

بسَرِقَةِ مالِهم؛ فلأن يُقْطَعُوا بسَرِقَةِ مالِه بطَريقِ الأَوْلَى، وكقَوَدٍ، وحَدِّ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيهِما

(9)

، وضَمانِ مُتْلَفٍ.

(1)

في (م): منها.

(2)

في (ظ): فما.

(3)

في (ظ) و (ن): يستحق.

(4)

ينظر: المغني 9/ 128.

(5)

في (ن): فأداء.

(6)

في (م): لجزية.

(7)

في (ن): يوجب.

(8)

قوله: (المسلم) سقط من (ن).

(9)

ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 333، الفروع 10/ 145.

ص: 600

وقال ابنُ حامِدٍ: لا يُقطَعُ مُسْتَأْمنٌ؛ كحَدِّ خَمْرٍ وزِنًى، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، بغَيرِ مُسلِمَةٍ، وسَوَّى في «المنتخب» بَينَهما في عَدَمِ الْقَطْعِ.

(وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا)، أوْ بَعضَها، (وَادَّعَى أَنَّهَا مِلْكُهُ؛ لَمْ يُقْطَعْ)، نَصَرَه القاضِي في «الخِلافِ» ، وذَكَرَ أنَّها أصحُّ، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرةَ أنَّها ظاهِرُ المذْهَبِ، وسَمَّاه الشَّافِعيُّ: السَّارِقَ الظَّريفَ

(2)

؛ لأنَّ ما ادَّعاه مُحتَمِلٌ، فيكُونُ شُبْهةً في دَرْءِ الحَدِّ.

(وَعَنْهُ: يُقْطَعُ)، قدَّمها في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ؛ لأنَّه

(3)

لو لم يكُنْ كذلك؛ لَأَدَّى إلى عَدَمِ وُجوبِ القَطْع، فتَفُوتُ المصلحةُ بالكُلِّيَّةِ، وذلك غَيرُ مُعتَبَرٍ.

(وَعَنْهُ: لَا يُقْطَعُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِالسَّرِقَةِ)، اخْتارَه في «التَّرغيب» ؛ للعِلْم بكَذِبِه.

وكذا إذا ادَّعى أنَّه أُذِنَ له في دُخولِ الدَّار.

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: لو شُهِدَ عَلَيهِ، فقال: أَمَرَنِي رَبُّ الدَّار أنْ أُخْرِجَه؛ لم يُقبَلْ منه

(4)

، قال في «الفروع»: ويَتَوَجَّهُ مِثْلُه حَدُّ زِنًى، وذَكَرَ القاضِي وغَيرُه: لا يُحدُّ.

(وَإِذَا سَرَقَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ مَالَ السَّارِقِ، أَوِ المَغْصُوبُ

(5)

مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ مِنَ الْحِرْزِ الذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوِ الْمَغْصُوبَةُ؛ لَمْ يُقْطَعْ)؛ لأِنَّ لكلِّ واحِدٍ مِنهُما شُبْهةً في هَتْكِ الحِرْز مِنْ أجْلِ أخْذِ ماله، فإذا هَتَكَ الحِرْزَ؛ صارَ كأنَّ

(1)

ينظر: الفروع 10/ 145.

(2)

ينظر: العزيز شرح الوجيز 11/ 181، كفاية النبيه 17/ 342.

(3)

في (ظ) و (م): ولأنه.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3696.

(5)

في (م): والمغصوب.

ص: 601

المالَ المسْروقَ منه أُخِذَ مِنْ غَيرِ حِرْزٍ.

وقِيلَ: بلى

(1)

إنْ تَميَّزَ؛ لأِنَّه لا شُبْهةَ له فيه؛ كما لا يَجُوزُ أخذُ

(2)

قَدْر مالِه إذا عَجَزَ عن أخْذِه.

(وَإِنْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْحِرْزِ، أَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَنْ

(3)

لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ؛ قُطِعَ)؛ لأِنَّه لا شُبْهَةَ له فيه

(4)

.

(إِلاَّ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ أَخْذِهِ مِنْهُ، فَيَسْرِقَ قَدْرَ حَقِّهِ؛ فَلَا يُقْطَعُ)، نَصَرَه المؤلِّفُ وغَيرُه، لأِنَّ بعضَ العُلَماء أباحَ له الأَخْذَ، فيكُونُ الاِخْتِلافُ في إباحَةِ الأخذِ

(5)

شُبْهَةً دارئة لِلْحَدِّ؛ كالوَطْءِ في نِكاحٍ مُختَلَفٍ في صِحَّتِه.

فإنْ سَرَقَ أكثرَ مِنْ حَقِّه؛ فَهَلْ يُقطَعُ هنا؟ فيه وَجْهانِ.

(وَقَالَ الْقَاضِي: يُقْطَعُ)، قَدَّمَه في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه لا يَجُوزُ له الأخْذُ، قال في «المغْنِي»

(6)

: لا تكفي

(7)

الشُّبْهةُ النَّاشِئَةُ عن الاِخْتلاِفِ.

ثُمَّ قال في «الرِّعاية» : وقِيلَ: إنْ أَخَذَه ولا بَيِّنةَ، أوْ عَجَزَ عنه؛ فلا.

وعلى كلِّ حالٍ: لا يَأخُذُ بِدُونِ إذْنِه، أوْ إذْنِ حاكِمٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(8)

.

(وَمَنْ قُطِعَ بِسَرِقَةِ عَيْنٍ، ثُمّ عَادَ فَسَرَقَهَا) مِنْ ذلك المنزلِ أوْ غَيرِه؛ (قُطِعَ)؛ لأِنَّه لم يَنزَجِرْ، أشْبَهَ ما لو سَرَقَ غَيرَها، بخِلافِ حدِّ القَذْفِ، فإنَّه لا يُعادُ مرَّةً أخرى؛ لأِنَّ الغَرَضَ إظْهارُ كذبه، وقد ظَهَرَ، وهنا المقْصودُ رَدْعُه وزَجْرُه عن

(1)

في (ن): بل.

(2)

قوله: (أخذ) سقط من (ن).

(3)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(4)

قوله: (كما لا يجوز أخذ قدر ماله

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

قوله: (الأخذ) سقط من (م).

(6)

زاد في (ظ) و (م): وهذا.

(7)

في (م): لا يكفي.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4726، مسائل صالح 2/ 113.

ص: 602

السَّرِقَة، ولم يُوجَدْ، فيُرْدَعُ بالثَّانِي؛ كما لو سَرَقَ عَيْنًا أخْرَى.

(وَمَنْ آجَرَ دَارَهُ أَوْ أَعَارَهَا، ثُمَّ سَرَقَ مِنْهَا مَالَ الْمُسْتَعِيرِ أَوِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ قُطِعَ)؛ لأِنَّه هَتَكَ حِرْزًا، وسَرَقَ مِنْه نِصابًا لا شُبْهَةَ فيه، فَقُطِعَ؛ كما لو سَرَقَ مِنْ مِلكِهما.

واخْتارَ ابنُ حَمْدانَ: لا قَطْعَ على المُعِيرِ.

لما

(1)

تقدَّم، ولأِنَّ هذا قد صار حِرْزًا لِملْكِ غَيرِه، فلا يَجُوزُ له الدُّخولُ إلَيهِ، وإنَّما يَجُوزُ له

(2)

الرُّجوعُ في العارية.

وفي «التَّرغيب» احْتِمالٌ: إنْ قَصَدَ بدُخولِه الرُّجوعَ.

قال في «الفُنونِ» : له الرُّجوعُ بقَولٍ، لا سَرِقَةٍ.

تنبيهٌ: إذا تكرَّر منه السَّرِقةُ قَبْلَ القَطْع؛ قُطع مرَّةً، قَدَّمَه في «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ القَطْعَ خالِصُ حقِّ اللهِ

(3)

تَعالَى، فتَداخَلَ؛ كحَدِّ الزِّنى والشُّرب.

وعَنْهُ: إنْ سَرَقَ مِنْ جماعةٍ وجاؤوا مُتفَرِّقِينَ؛ لم يتداخل

(4)

؛ كحدِّ القَذْفِ.

والفَرْقُ: أنَّ حَدَّ القَذْفِ حقٌّ لآِدَمِيٍّ.

(1)

في (ن): كما. كذا في النسخ الخطية، والظاهر وجود سقط في هذا الموضع، لأن ما بعده تعليل للقطع، لا لاختيار ابن حمدان، وتقدير السقط كما في الشرح الكبير 26/ 554: لا قطع على المعير؛ لأن المنفعة ملك له، فما هتك حرز غيره، ولأن له الرجوع متى شاء، وهذا يكون رجوعًا، ولنا ما تقدم

إلخ.

(2)

قوله: (له) سقط من (م).

(3)

في (ن): لله.

(4)

في (ظ): لم تتداخل.

ص: 603

(فَصْلٌ)

(السَّادِسُ: ثُبُوتُ السَّرِقَةِ)؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى أوْجَبَ القَطْعَ على السَّارِق، ولا يَتَحَقَّقُ ذلك إلاَّ بعد ثبوته

(1)

.

(بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ)، قال ابنُ المنْذِرُ: أجْمَعَ كلُّ مَنْ نَحفَظُ عنه مِنْ أهْل العِلْم على أنَّ قَطْعَ السَّارِق يَجِبُ إذا شَهِدَ بها

(2)

شاهِدانِ حُرَّانِ مُسلِمانِ

(3)

، بشَرْطِ أنْ يَصِفاها، ولا تسمع

(4)

قَبْلَ الدَّعْوَى في الأصحِّ.

فإنْ كان المسْروقُ منه غائبًا، فطالَبَ وكيلُه

(5)

؛ احْتاجَ الشَّاهِدانِ أنْ يرفعا

(6)

في نَسَبِه بحَيثُ يَتَمَيَّزُ عَنْ غَيرِه، فإنْ وَجَبَ القَطْعُ بشهادَتِهما؛ لم تسقط

(7)

بمَوتهما، ولا غَيبَتِهما.

فإنْ شَهِدَتْ في غَيبَتِه، ثُمَّ حَضَرَ؛ أُعِيدَتْ.

فإن اخْتَلَفا في الزَّمان والمكان والمسْرُوقِ؛ فلا قَطْعَ في قَولِهم جميعًا.

وإن

(8)

اخْتَلَفا في اللَّونِ، أوْ قَالَ أحدُهما: سَرَقَ هَرَويًّا، وقال الآخَرُ: مَرْوِيًّا؛ فوَجْهانِ.

(أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ)؛ لِمَا رُوِيَ عن أبي أمية

(9)

المخْزُوميِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِي

(1)

في (م): ثبوت.

(2)

في (م) و (ن): به.

(3)

ينظر: الإشراف 7/ 222.

(4)

في (م) و (ن): ولا يسمع.

(5)

في (ظ): وليه.

(6)

في (ن): يوقعا.

(7)

في (م): لم يسقط.

(8)

في (ن): فإن.

(9)

في (م): أمامة.

ص: 604

بِلِصٍّ قد اعْتَرَفَ، فقال: «إخالُك

(1)

سَرَقْتَ؟» قال

(2)

: بلى، فأعاد عليه مَرَّتَينِ، قال: بلى، فأَمَرَ به فقُطِعَ، رواهُ أبو داودَ

(3)

، ورُوِيَ عن عليٍّ أنَّه قال لِسارِقٍ:«سَرَقْتَ؟» ، مرتين

(4)

، قال: فشَهِدَ على نَفْسِه مَرَّتَينِ، فقُطِعَ، رواهُ الجُوزَجانِيُّ

(5)

، ولأِنَّه يَتضَمَّنُ إتْلافًا، فكان مِنْ شَرْطِه التَّكْرارُ؛ كحَدِّ الزِّنى، أوْ يُقالُ: أَحَدُ حُجَّتَيِ القَطْعِ، فيُعتَبَرُ فيها التَّكْرارُ؛ كالشَّهادة.

ويَصِفُها؛ بأن

(6)

يَذْكُرَ فِيهَا شُروطَ السَّرِقةِ، بخِلافِ إقْرارِه بِزِنًى، فإنَّ في اعْتِبارِ التَّفصيل وَجْهَينِ، قالَهُ في «التَّرغيب» ، بخلاف

(7)

القذف؛ لحصول

(8)

التَّعْيير

(9)

.

وعَنْهُ في إقْرارِ عَبْدٍ: أربعَ مرَّاتٍ، نَقَلَه مُهَنَّى

(10)

، لا يكُونُ المتاعُ

(1)

في (م): أما ذلك. وفي الحديث: ما إخالك.

(2)

في (م): فقال.

(3)

أخرجه أحمد (22508)، وأبو داود (4380)، والنسائي (4877)، وابن ماجه (2597)، وفي إسناده: أبو المنذر مولى أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، وهو مجهول، وأعله به الخطابي وعبد الحق. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 185.

(4)

قوله: (مرتين) سقط من (ظ).

(5)

أخرجه الشافعي في الأم (7/ 193)، وعبد الرزاق (18783، 18784)، والبيهقي في المعرفة (17223)، من طريق القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: إني سرقت، فرده، فقال: إني سرقت، فقال:«شهدت على نفسك مرتين» ، فقطعه، قال: فرأيت يده في عنقه معلقة. إسناد صحيح على شرط الشيخين قاله الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 78.

(6)

في (م): لأنه.

(7)

قوله: (فيها شروط السرقة

) إلى هنا سقط من (م).

(8)

في (ن): كحصول.

(9)

في (ظ): التغيير. وفي (ن): التعيين.

(10)

ينظر: المغني 9/ 138.

ص: 605

عنده

(1)

، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وصدَّقَه المقَرُّ له

(3)

على سَرِقَةِ نِصابٍ، وفي «المغني»: أوْ قال: فَقَدْتُه، ومَعْناهُ في «الاِنْتِصار» .

وطالَبَهُ هو، أوْ وَكِيلُه، أوْ وليه

(4)

بالسَّرِقة، لا بالقَطْعِ.

وَعَنْهُ: أوْ لم يطالبه

(5)

، اخْتارَهُ أبو بكرٍ وشَيخُنا

(6)

؛ كإقراره

(7)

بِزِنًى بأمةِ

(8)

غَيرِه، وَجَبَ قَطْعُه.

ولَيسَ لِحاكِمٍ حَبْسُه، قال في «عُيون المسائل»: لأِنَّه لا يتعلَّقُ به حُكْمُ حاكِمٍ، بخِلافِ السَّرِقةِ، فإنَّ للحاكم حَقًّا في القَطْعِ، فيُحْبَس.

وإن

(9)

كذَّب مدَّع

(10)

نفسَه؛ سقط

(11)

قَطْعُه.

(وَلَا يَنْزِعُ

(12)

عَنْ إِقْرَارِهِ حَتَّى يُقْطَعَ)، في قَولِ أكْثَرِهم؛ لقَولِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: «ما

(13)

إخَالُكَ سَرَقْتَ»

(14)

؛ عَرَّضَ له لِيَرْجِعَ، ولو لم يَسْقُطِ الحَدُّ بِرُجوعِه؛ لم يَكُنْ في ذلك فائدةٌ، ولأنَّ

(15)

قَطْعَ السَّارِقِ حَدٌّ ثَبَتَ بالاِعْتِرافِ؛ فَسَقَطَ

(1)

في (م): عنه.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 129.

(3)

قوله: (المقر له) في (م): المنزلة.

(4)

قوله: (أو وليه) سقط من (م).

(5)

في (م): لم نطالبه.

(6)

أي: شيخ الإسلام ابن تيمية، والكلام لصاحب الفروع. ينظر: الفروع 10/ 129.

(7)

في (م): إقراره.

(8)

في (م): أمة.

(9)

في (م): إن.

(10)

زيد في (م): على.

(11)

قوله: (سقط) سقط من (م).

(12)

في (م): ولا تنزع.

(13)

في (ظ) و (ن): يا.

(14)

سبق تخريجه 9/ 605 حاشية (3).

(15)

في (ن): لأن.

ص: 606

بالرُّجوع كحَدِّ الزِّنى، ولأِنَّ حُجَّةَ القَطْع زالَتْ قَبْلَ استيفائه

(1)

، فسقط

(2)

؛ كما لو رَجَعَ الشُّهودُ.

فائدةٌ: قال أحمدُ والأكْثَرُ: لا بأْسَ بتَلْقِينِ السَّارِق لِيَرْجِعَ عن إقْرارِه

(3)

؛ لِلآثارِ

(4)

.

(1)

في (ن): استثنائه.

(2)

قوله: (فسقط) سقط من (م).

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3479.

(4)

ورد ذلك عن أبي بكر وعمر وأبي مسعود وأبي الدرداء رضي الله عنهم:

أما أثر أبي بكر رضي الله عنه: فأخرجه عبد الرزاق (18919)، عن ابن جريج، سمعت عطاء يقول:«كان من مضى يؤتى أحدهم بالسارق فيقول: أسرقت؟ قل: لا، أسرقت؟ قل: لا» ، علمي أنه سمَّى أبا بكر وعمر. ورواية عطاء عن أبي بكر وعمر منقطعة.

أما أثر عمر رضي الله عنه: فكما سبق في رواية عطاء، وأخرج عبد الرزاق (18920)، من طريق عكرمة بن خالد، قال: أتي عمر بن الخطاب برجل فسأله: «أسرقت؟ قل: لا» فقال: لا، فتركه ولم يقطعه. وعكرمة بن خالد المخزومي، قال أحمد:(لم يسمع من عمر). ينظر: جامع التحصيل ص 239.

وأما أثر أبي مسعود رضي الله عنه: فأخرجه عبد الرزاق (18921)، والبيهقي في الكبرى (17279)، عن الثوري، عن حماد، عن إبراهيم، عن أبي مسعود الأنصاري، أنه أُتي بامرأة سرقت جملاً فقال:«أسرقت؟ قولي: لا» ، وأخرجه ابن أبي شيبة (28575)، عن جابر، عن مولًى لأبي مسعود، عن أبي مسعود رضي الله عنه: قال: أتي برجل سرق، فقال:«أسرقت؟ قل: وجدته، قال: وجدته، فخلى سبيله» ، وإبراهيم هو النخعي، قال ابن المديني: (لم يلق أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم. ينظر: جامع التحصيل ص 141.

وأما أثر أبي الدرداء: فأخرجه عبد الرزاق (18922)، وابن أبي شيبة (28574)، والبيهقي في الكبرى (17278)، من طريق يزيد بن أبي كبشة، عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه أتي بامرأة سرقت يقال لها: سلامة فقال لها: «يا سلامة أسرقت؟ قولي: لا» ، قالت:«لا» فدرأ عنها، ورجال إسناده ثقات عدا يزيد بن أبي كبشة الشامي فلم يوثقه إلا ابن حبان وقال ابن حجر في التقريب:(مقبول)، وذكره في الفتح فقال:(ثقة). ينظر: الفتح 6/ 136، تهذيب التهذيب 11/ 355.

ص: 607

(فَصْلٌ)

(السَّابِعُ: مُطَالَبَةُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِمَالِهِ)، اخْتارَه الخِرَقِيُّ، ونَصَرَه القاضي في «الخِلاف» ، والمؤلِّفُ في «المغْنِي» ، وذَكَرَ ابنُ هُبَيرَةَ: أنَّه أظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ؛ لأِنَّ المالَ يُباحُ بالبَذْل والإباحة، فيَحتَمِلُ أنْ يكُونَ مالِكُه أباحَهُ إيَّاهُ، أوْ وَقَفَه على طائفةِ المسْلِمِينَ، أوْ على جَماعَةٍ السَّارِقُ منهم

(1)

، أوْ أَذِنَ له في دُخُولِ حِرْزِه، فاعْتُبِرَت المطالَبةُ؛ لتزول

(2)

الشُّبْهةُ.

(وَقَالَ

(3)

أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ)، وهو

(4)

رِوايَةٌ، وصحَّحها

(5)

في «الرِّعاية» ؛ لِعُمومِ الآيَةِ، ولأِنَّ مُوجِبَ القَطْع السَّرِقةُ، وقد وُجِدَتْ، فَوَجَبَ القَطْعُ من غَيرِ مُطالَبَةٍ؛ كالزِّنى.

والفَرْقُ ظاهِرٌ؛ لأِنَّ الزِّنَى لا يُسْتَباحُ بالإباحة، بخِلافِ السرقة

(6)

، ولأِنَّ القَطْعَ أَوْسَعُ في الإسْقاطِ؛ لأنَّه لو سَرَقَ من

(7)

مالِ أبِيهِ؛ لم يُقْطَعْ، ولو زَنَى بجاريتِه

(8)

؛ حُدَّ، ولأِنَّ القَطْعَ شُرِعَ لِصِيانَةِ مالِ الآدَمِيِّ، فلهم به تَعلُّقٌ، فلم يُسْتَوْفَ مِنْ غَيرِ مُطالِبٍ به، والزِّنى حقٌّ لله

(9)

، فلم يَفتَقِرْ إلى المُطالِبِ به

(10)

.

(1)

قوله: (منهم) سقط من (ن).

(2)

في (ن): لزوال.

(3)

في (م): قال.

(4)

في (م): وهي.

(5)

في (م): صححها.

(6)

قوله: (وقد وجدت فوجب القطع

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

قوله: (من) سقط من (م).

(8)

في (ن): بجارية.

(9)

في (م): الله.

(10)

في (م): المطالبة.

ص: 608

فعلى هذا: لو قال المالِكُ: غَصبْتَني

(1)

ونحوَه؛ لم يُقطَعْ، ولو كان المالُ لاِثْنَينِ فتَخالَفا

(2)

في إقْرارِه؛ لم

(3)

يُقطَعْ، إلاَّ أنْ يكُونَ لِمَنْ وافَقَه نِصابٌ؛ فيُقْطَعُ.

(1)

في (م): غصبني.

(2)

في (م): فخالفا. والمثبت موافق للكافي 4/ 80.

(3)

في (م): ولم.

ص: 609

(فَصْلٌ)

(وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ؛ قُطِعَتْ يَدُهُ

(1)

الْيُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ الْكَفِّ)، بلا خِلافٍ

(2)

، وفي قراءة

(3)

ابنِ مَسْعُودٍ: «فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا»

(4)

، وروي

(5)

عن أبي بكرٍ وعمرَ أنَّهما قالا: «إذا سَرَقَ السَّارِقُ؛ فاقْطَعُوا يمينَه

(6)

من الكُوعِ»

(7)

، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابة، ولأِنَّ البَطْشَ بها أقْوَى، فكانَت البَداءَةُ بها أَرْدع

(8)

، ولأِنَّها آلَةُ السَّرِقَة غالِبًا، فنَاسَبَ عُقُوبَتَه بإعدام

(9)

آلتِها.

مِنْ مَفْصِلِ الكَفِّ؛ لأنَّ اليَدَ تُطْلَقُ عَلَيهَا إلى الكُوعِ، وإلى المِرْفَق، وإلى

(1)

قوله: (يده) سقط من (م).

(2)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 116، مراتب الإجماع ص 135.

(3)

قوله: (قراءة) مكانه بياض في (م).

(4)

أخرجه سعيد بن منصور في التفسير (737)، والطبري في التفسير (8/ 407)، من طريق ابن عون، عن إبراهيم، قال: في قراءتنا - وربما قال - في قراءة عبد الله رضي الله عنه: «والسارقون والسارقات فاقطعوا أيمانهما» ، وقال ابن حجر:(إسناده صحيح). ينظر: الفتح 12/ 99.

(5)

في (ظ): روي.

(6)

في (م): يمينيه.

(7)

قال ابن الملقن: (وهذا غريب عنهما)، وقال ابن حجر:(لم أجده عنهما، وفي كتاب الحدود لأبي الشيخ من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يقطعون السارق من المفصل»). وذكر ابن الملقن ما أخرجه البيهقي في الكبرى (17251)، من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار قال:«كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقطع السارق من المفصل» ، وهو منقطع، فإن عمرو بن دينار لم يدرك عمر رضي الله عنه، وأخرجه ابن أبي شيبة (28598) من طريق ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة: «أن عمر بن الخطاب

» فذكره. وفيه: محمد بن ميسر البلخي وهو راو متروك. ينظر: ميزان الاعتدال 4/ 52، البدر المنير 8/ 685، التلخيص الحبير 4/ 196، الإرواء 8/ 83.

(8)

في (ظ): أودع.

(9)

في (م): بإسلام.

ص: 610

المَنكِبِ، وإرادةُ الأوَّلِ متيقنةٌ، وما سِواهُ مَشْكُوكٌ فيه، ولا يَجِبُ القَطْعُ مع الشَّكِّ.

(وَحُسِمَتْ) وُجوبًا، وقال المؤلِّفُ: يُسْتَحَبُّ، (وَهُوَ أَنْ تُغْمَسَ

(1)

فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ)؛ لقَولِه عليه السلام في سارِقٍ: «اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ» ، قال ابنُ المنْذِرِ: في إسْنادِه مَقالٌ

(2)

.

والحِكْمَةُ في الحَسْمِ: أنَّ العُضْوَ إذا قُطِعَ فغُمِسَ في ذلك الزَّيْتِ المغْلِيِّ؛ اسْتَدتْ أفْواهُ العُروقِ، فيَنقَطِعُ الدَّم؛ إذْ لو تُرِكَ بلا حَسْمٍ أَنْزف

(3)

الدَّمُ، فأدَّى إلى مَوتِه.

ويُسَنُّ تَعْلِيقُ يَدِه في عُنُقِه، زاد في «البُلْغةِ» و «الرِّعايَة»: ثَلاثَةَ أيَّامٍ إنْ رآهُ الإمامُ.

(فَإِنْ عَادَ؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى)؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال في السَّارِق: «إنْ سَرَقَ فاقْطَعُوا يَدَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فاقطعوا

(4)

رِجْلَه»

(5)

،

(1)

في (ن): يغمس.

(2)

ينظر: الإشراف 7/ 215. أخرجه الدارقطني (3163)، والحاكم (8150)، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي بسارق سرق شملة، فقالوا: إن هذا قد سرق، فقال: «اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه، ثم ائتوني به»، وفيه الدراوردي وهو متكلم فيه، وصححه الحاكم وابن الملقن، وروي مرسلاً عند عبد الرزاق (13583)، وأبي داود في المراسيل (244)، ورجحه ابن المديني والدارقطني. ينظر: علل الدارقطني 10/ 266، البدر المنير 8/ 674.

(3)

في (ظ) و (ن): لزق.

(4)

قوله: (يده، ثمَّ إن سرق فاقطعوا) سقط من (م).

(5)

أخرجه الدارقطني (3392)، وفي إسناده الواقدي وهو متروك في الحديث، وأخرجه الشافعي كما في المعرفة للبيهقي (17187)، لكن قال الشافعي فيه: أخبرني الثقة من أصحابنا، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب، فهو منقطع.

وله شاهد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا: أخرجه أبو داود (4410)، والنسائي (4978)، ولفظه: جِيء بسارق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «اقتلوه» ، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، فقال:«اقطعوه» ، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية، فقال:«اقتلوه» ، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، فقال «اقطعوه» ، قال: فقطع، ثم جيء به الثالثة، فقال:«اقتلوه» ، فقالوا: يا رسول الله، إنما سرق، فقال:«اقطعوه» الحديث، قال النسائي:(حديث منكر)، وأخرجه الدارقطني (3389)، من وجه آخر في سنده: محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي وهو ضعيف، وله شواهد أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: الإرواء 8/ 85.

ص: 611

ولأِنَّه قَولُ أبي بكرٍ وعمرَ

(1)

، ولا مُخالِفَ لهما في الصَّحابة، فيكُونُ كالإجْماعِ.

وإنَّما قُطِعَتِ الرِّجْلُ اليُسْرَى؛ لقوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المَائدة: 33]، وإذا ثَبَتَ ذلك في المُحارَبَة؛ ثَبَتَ في هذا قِياسًا عَلَيهِ، ولأِنَّ قَطْعَ اليُسْرَى أرْفَقُ به؛ لأنَّ

(2)

المشي على

(3)

الرِّجْل اليُمْنَى أسهل

(4)

وأمْكَنُ له من اليُسْرَى، ويَبعُدُ في العادة مِنْ أنْ يَتمَكَّنَ من المشْيِ عَلَيها، فَوَجَبَ ذلك؛ لِئَلاَّ يَتعَطَّلَ به مَنفَعَتُه بلا ضَرورةٍ.

(1)

أما قول أبي بكر رضي الله عنه: فأخرجه عبد الرزاق (18770)، عن معمر، عن الزهري، عن سالم وغيره قال:«إنما قطع أبو بكر رضي الله عنه رجله، وكان مقطوع اليد» ، قال الزهري:«ولم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل، لا يزاد على ذلك» ، ومن طريقه أخرجه الدارقطني (3402)، وأخرجه أيضًا (18771)، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«إنما قطع أبو بكر رجل الذي قطع يعلى بن أمية وكان مقطوع اليد قبل ذلك» . إسناده صحيح على شرط الشيخين.

وأما قول عمر رضي الله عنه: فأخرجه عبد الرزاق (18768)، وابن أبي شيبة (28266)، ومن طريقه الدارقطني (3405)، عن معمر، عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«شهدت لرأيت عمر قطع رِجل رَجلٍ بعد يدٍ ورجل؛ سرق الثالثة» .

وأخرجه ابن أبي شيبة (28263)، والبيهقي في المعرفة (28263)، عن مكحول: أن عمر قال: «إذا سرق فاقطعوا يده، ثم إن عاد فاقطعوا رجله، ولا تقطعوا يده الأخرى وذروه يأكل بها الطعام، ويستنجي بها من الغائط، ولكن احبسوه عن المسلمين» .

(2)

في (ن): ولأن.

(3)

قوله: (المشي على) هو في (ظ): مشي.

(4)

زيد في (ن): عليه.

ص: 612

(مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ)؛ لأِنَّه أحدُ العُضْوَينِ المقْطُوعَينِ في السَّرِقة، فيقطع

(1)

من المفْصِل كاليَدِ، رَوَى سعيدٌ، ثنا حَمَّادُ بنُ زَيدٍ، عن عَمْرِو بنِ دِينارٍ، قال:«كان عمرُ يَقطَعُ السَّارِق مِنْ المَفْصِلِ»

(2)

، وعن عليٍّ:«أنَّه كان يَقطَعُ مِنْ شَطْرِ القَدَم، ويَترُكُ له عَقِبًا يَمْشِي عَلَيها»

(3)

، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الفروع» ، فقال: مِنْ مَفصِلِ كَعْبِه، يُترك

(4)

عَقِبُهُ، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

.

(وَحُسِمَتْ)، قال أحمدُ: قَطَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم، وأَمَرَ به فحُسِمَ

(6)

.

تذْنِيبٌ: يُقطَعُ السَّارِقُ بأسْهَلَ ما يُمكِنُه، فيُجْلَسُ، ويُضْبَطُ؛ لِئَلاَّ يَتحرَّك

(7)

فيَجْنِيَ على نَفْسِه، وتُشدُّ

(8)

يَدُهُ بحَبْلٍ، وتُجرُّ

(9)

حتَّى يتبيَّن

(10)

المَفْصِل، ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ وتُجرُّ

(11)

بقُوَّةٍ؛ ليُقطع

(12)

في مَرَّةٍ واحِدَةٍ.

(فَإِنْ عَادَ؛ حُبِسَ

(13)

حتَّى يَتُوبَ؛ كالمرَّة الخامِسة، وفي «الإيضاح»:

(1)

في (م): فتقطع.

(2)

سبق تخريجه 9/ 610 حاشية (7).

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (28593)، من طريق محمد بن إسحاق، عن حكم بن حكيم بن عباد بن حنيف، عن النعمان بن مرة الزرقي:«أن عليًّا قطع سارقًا من الحفر حفر القدم» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (17253)، عن الشعبي:«أن عليًّا رضي الله عنه كان يقطع الرجل ويدع العقب يعتمد عليها» ، وحسنه الألباني. ينظر: الإرواء 8/ 89.

(4)

في (م): بترك.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 305.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 389.

(7)

في (ن): يترك.

(8)

في (ن): ويشد.

(9)

في (ن): ويجر.

(10)

في (ظ) و (ن): يتيقن. والمثبت موافق للكشاف وغيره.

(11)

في (م) و (ن): ويجر.

(12)

في (ظ): لتقطع.

(13)

في (م): جلس.

ص: 613

ويُعذِّبُه، وفي «التَّبصِرَة»: أوْ يغرَّب

(1)

، وفي «البلغة»: يُعزَّرُ ويُحْبَسُ حتَّى يَتُوبَ، (وَلَمْ يُقْطَعْ)؛ أيْ: يَحْرُمُ قَطْعُه، قدَّمه في «الرِّعاية» ، ونَصَرَه في «الخلاف» وصحَّحه، وأنَّها اختِيارُ الخِرَقِيِّ وأبي بكرٍ، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وهو قَولُ عليٍّ، رواهُ سعيدٌ

(2)

، ولأِنَّ قَطْعَ الكلِّ يُفوِّتُ مَنفَعةَ الجنس، فلم يُشرَع كالقَتْلِ، فَعَلَى هذا: يُمنَعُ مِنْ تَعطِيلِ مَنفَعةِ الجِنْس.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ تُقْطَعُ يَدُهُ الْيُسْرَى فِي الثَّالِثَةِ، وَالرِّجْلُ الْيُمْنَى فِي الرَّابِعَةِ)، واخْتارَها أكثرُ العُلَمَاء؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرَةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في

(3)

السَّارِق: «إِنْ سَرَقَ فاقْطَعُوا يَدَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطعُوا يَدَه، ثُمَّ إنْ سَرَقَ فاقْطَعُوا رِجْلَه» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(4)

، ورواهُ سعيدٌ عن أبي بكرٍ وعمرَ بإسْنادٍ جيِّدٍ

(5)

.

(1)

في (م): ويغرب. والمثبت موافق للفروع 26/ 574.

(2)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (17268)، من طريق سماك بن حرب، عن عبد الرحمن بن عائذ، قال:«أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل أقطع اليد والرجل قد سرق، فأمر به عمر رضي الله عنه أن يقطع رجله، فقال علي رضي الله عنه: إنما قال الله عز وجل: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلى آخر الآية، فقد قطعت يد هذا ورجله، فلا ينبغي أن تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها، إما أن تعزره وإما أن تستودعه السجن، قال: فاستودعه السجن» ، واستنكرها البيهقي، وقال الألباني:(وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات رجال مسلم، غير عبد الرحمن بن عائذ وهو ثقة، وفي سماك كلام يسير لا يضر). ينظر: الإرواء 8/ 89.

(3)

قوله: (في) سقط من (م).

(4)

سبق تخريجه 9/ 611 حاشية (5).

(5)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (17265)، عن صفية بنت أبي عبيد: أن رجلاً سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه مقطوعة يده ورجله، فأراد أبو بكر رضي الله عنه أن يقطع رجله ويدع يده، يستطيب بها، ويتطهر بها وينتفع بها، فقال عمر رضي الله عنه:«لا والذي نفسي بيده، لتقطعنَّ يده الأخرى» ، فأمر به أبو بكر رضي الله عنه فقطعت يده. وحسن الألباني إسناده.

وأخرج ابن أبي شيبة (28265)، والدارقطني (3494)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17264)، من طريق سفيان، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه: أن أبا بكر رضي الله عنه أراد أن يقطع الرجل بعد اليد، قال عمر رضي الله عنه:«السنة اليد» ، ورجاله رجال الصحيح لكن القاسم بن محمد بن أبي بكر لم يسمع من جده وهو يتقوى بما قبله. ينظر: الإرواء 8/ 91.

ص: 614

والمذْهَبُ الأوَّلُ، ثُمَّ هو مُعارَضٌ بقَولِ عليٍّ، ورُوِيَ أنَّ عُمَرَ رَجَعَ إلى قَولِ عليٍّ، رواهُ سعيدٌ

(1)

.

تنبيهٌ: عُلِم مِمَّا سَبَقَ: أنَّه لا يَجُوزُ أنْ يَنتَهِيَ إلى القَتْلِ، وقد رُوِيَ عن عُثْمانَ، وعَمْرِو بنِ العاص

(2)

، وعُمَرَ بنِ عبدِ العزيز: أنَّه يُقتَلُ في الخامِسةِ، لِحديثٍ رواهُ مُصعَبُ بنُ ثابِتٍ، عن عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيرِ، عن محمَّد بنِ المنْكَدرِ، عن جابِرٍ قال:«جِيءَ بسارِقٍ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الخامِسةِ فأَمَرَ بقَتْلِه، فَقَتَلُوهُ» ، قال أحمدُ وابنُ مَعِينٍ: مُصعَبٌ ضعيفٌ، وقال أبو حاتِمٍ: لا يُحتَجُّ به، وقِيلَ: هو حَسَنٌ

(3)

، وقَتْلُه

(4)

لمصلحةٍ اقْتَضَتْهُ.

وقال أبو مصعب

(5)

المالكيُّ: يُقتَلُ في الخامسة

(6)

.

(1)

سبق تخريجه قريبًا في ذكر قول عليٍّ رضي الله عنه، وأخرج ابن أبي شيبة (28263)، عن مكحول: أن عمر قال: «إذا سرق فاقطعوا يده، ثم إن عاد فاقطعوا رجله، ولا تقطعوا يده الأخرى وذروه يأكل بها الطعام، ويستنجي بها من الغائط، ولكن احبسوه عن المسلمين» ، وهو منقطع، مكحول لم يدرك عمر رضي الله عنه.

(2)

حكاه أبو مصعب الزهري عن عثمان وعمر بن عبد العزيز، وقال ابن عبد البر لما ذكر أن حديث القتل في الخامسة لا أصل له:(وفي حديث مصعب بن ثابت قتل السارق بالحجارة في الخامسة، ولا أعلم أحدًا من أهل العلم قال به، إلا ما ذكره أبو مصعبٍ صاحب مالك في مختصره عن أهل المدينة)، ولم نقف عليه من قول عمرو بن العاص رضي الله عنه، وذكر الماوردي أنه قول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ولم نقف عليه أيضًا. ينظر: الاستذكار 7/ 549، الحاوي الكبير 13/ 325، سبل السلام 2/ 439.

(3)

سبق تخريجه قريبًا.

(4)

في (ظ) و (م): وقيل. والمثبت موافق للفروع 10/ 147.

(5)

في (ظ): المصعب، وفي (ن): الصعب.

(6)

ينظر: النوادر والزيادات 14/ 442.

وأبو مصعب: هو الإمام أحمد بن أبي بكر القاسم بن الحارث القرشي، الزهري، المدني، قاضي المدينة، لازم مالك بن أنس، وسمع منه الموطأ ورواه عنه، مات سنة 241 هـ. ينظر: سير أعلام النبلاء 11/ 436.

ص: 615

وقِياسُ قَولِ الشَّيخِ تقيِّ الدِّين: أنَّه كالشَّارِب في الرَّابعة، يُقتل

(1)

عِندَه إذا لم يَنْتَهِ بِدُونِه

(2)

.

وجَوابُه: بأنَّه يُحمَلُ في حقِّ رَجُلٍ اسْتَحَقَّ القَتْلَ، أوْ على

(3)

وَجْهِ التَّغْلِيظِ والمُثْلَةِ، ويُؤيِّدُه أنَّ الأُصولَ تَشهَدُ بنَفْيِ القَتْلِ؛ لأِنَّ كلَّ مَعصِيةٍ لا تُوجِبُ القَتْلَ في الاِبْتِداء؛ لا توجب

(4)

بَعْدَ ذلك؛ كسائر المعاصِي.

(وَمَنْ سَرَقَ وَلَيْسَ لَهُ يَدٌ يُمْنَى؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى)؛ لأِنَّ اليُمْنَى لِمَّا خَرَجَتْ عن كَونِها مَحَلًّا للقَطْعِ؛ انْتَقَلَ القَطْعُ إلى ما يَلِي ذلك، وهي

(5)

الرِّجل اليُسْرَى.

لكِن إنْ كانَتْ يُمْناهُ شَلاَّءَ:

فعَنْهُ: تُقطَعُ رِجْلُه اليُسْرَى.

وعَنْهُ: يُسأَلُ أهلُ الخِبْرةِ، فإنْ قالوا: إنَّها إذا قُطِعَتْ؛ ورَقَأ

(6)

دَمُها، وانْحَسَمَتْ عُروقُها؛ قُطِعَتْ، وإنْ قالوا: لا يَرْقَأُ دَمُها فلا، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ رِوايَتَينِ، ولم يَذكُرْ هذا.

فإِنْ كانَتْ أصابِعُ اليُمْنَى ذاهِبَةً؛ فَقِيلَ: لا تُقطَعُ وتُقطَعُ الرِّجْلُ، وقِيلَ: بَلَى.

وإنْ ذَهَبَ بعضُ الأصابع؛ كخِنْصرٍ وبِنصرٍ، أوْ واحِدةٍ سواهما؛ قُطِعَتْ،

(1)

في (م): فقتل.

(2)

ينظر: الاختيارات ص 432، الفروع 10/ 148.

(3)

في (م): وعلى.

(4)

في (ظ): لا يوجب.

(5)

في (ظ) و (ن): وهو.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 123، والشرح الكبير 26/ 575:(رقأ). بدون الواو.

ص: 616

وإنْ لم يَبْقَ إلاَّ واحدةٌ؛ فهي كالتي ذَهَبَ جميعُ أصابِعِها، وإنْ بَقِيَ اثْنانِ؛ فالأَوْلَى قَطْعُها، وفِيهِ وَجْهٌ.

وكذا حُكْمُ ما لو ذَهَبَ مُعظَمُ نَفْعِها؛ كقَطْعِ إبْهامٍ، أوْ إصْبَعَينِ فصاعِدًا، ذَكَرَه في «المحرَّر» .

(وَإِنْ سَرَقَ وَلَهُ يُمْنَى، فَذَهَبَتْ) هي، أوْ يُسْرَى يديه

(1)

، أوْ مَعَ رجليه

(2)

، أو أحدِهما؛ (سَقَطَ الْقَطْعُ)؛ لِتعَلُّقِ القَطْع بها لوجودها

(3)

؛ كجنايةٍ تعلَّقَتْ برَقَبَتِه، فماتَ.

(وَإِنْ ذَهَبَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى)، أوْ كانَتْ مَقْطوعةً أوْ شَلاَّءَ؛ (لَمْ تُقْطَعِ الْيُمْنَى عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى)، وهِي: أنّ السَّارِقَ يُحبَسُ في الثَّالثة، ولا يُقطَعُ؛ لأِنَّ قَطْعَها يَتضَمَّنُ تَفْويتَ مَنفَعةِ الجِنْس، وبقاءَهُ بلا يَدٍ يَبطِشُ بها، وهو غَيرُ جائزٍ.

(وَتُقْطَعُ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى)؛ لأِنَّ غايَتَه تَعطيلُ مَنفَعةِ الجِنْس، وبَقاؤُه بلا يَدٍ يَبطِشُ بها واقِعٌ على الرِّوايةِ المذكورةِ، بَلْ أَوْلَى؛ لأِنَّ اليمنى

(4)

تَعلَّقَ بها القَطْعُ وِفاقًا

(5)

، وإنَّما الخِلافُ في سُقوطِه.

تنبيهٌ: إذا ذَهَبَتْ يَدُه اليُسْرَى ورِجْلُه اليُمْنَى؛ لم يُقطَعْ؛ لتَعْطِيلِ مَنفَعةِ الجِنْس، وذَهابِ عُضْوَينِ مِنْ شِقٍّ.

وإنْ ذَهَبَتْ يَدُه اليُسْرى قَبْلَ سَرِقَتِه، أوْ يَدِه

(6)

؛ لم تُقطَعْ رِجْلُه اليُسْرَى.

وإنْ كان الذَّاهِبُ رِجْلَيهِ، أوْ يُمْناهما؛ قُطِعَتْ يَدُه اليُمْنَى في الأصحِّ.

(1)

في (م): يده.

(2)

في (م): رجله.

(3)

في (ن): لوجودهما.

(4)

في (م) و (ن): اليمين.

(5)

ينظر: بدائع الصنائع 7/ 86، التبصرة للخمي 13/ 6105، الحاوي 13/ 319، المغني 9/ 121.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 148: يداه.

ص: 617

(وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ، فَقَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ)، بلا إِذْنِه، (عَمْدًا؛ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ)؛ لأِنَّه قَطَعَ طَرفًا مَعْصومًا.

(وَإِنْ قَطَعَهَا خَطَأً؛ فَعَلَيْهِ دِيَتُهَا)؛ لأِنَّ ما أوْجَبَ عَمْدُه القَوَدَ؛ أوْجَبَ خَطَؤُهُ الدِّيَةَ، بدليلِ القَتْل.

واخْتارَ المؤلف

(1)

: يُجْزِئُ ولا ضَمانَ، وهو احْتِمالٌ في «الاِنْتِصار» ، وأنَّه يَحْتَمِلُ تضمينَه نصفَ الدِّيَة.

وذَكَرَ بعضُهم: إنْ قُطِعَ دَهْشَةً، أوْ ظَنَّها تُجزِئُ؛ كَفَتْ، ولا ضَمانَ.

(وَفِي قَطْعِ يُمْنَى السَّارِقِ وَجْهَانِ):

أحَدُهما: لا قَطْعَ؛ لأِنَّ قَطْعَها يُفْضِي إلى قَطْعِ يدي

(2)

السَّارِق وتَفْويتِ مَنفَعَةِ الجنس منه، فلم يُشرَعْ؛ كقَتْلِه.

والثَّاني: بَلَى، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ بِناءً على قَطْعِها في الثَّالِثَةِ.

فَعَلَى الأُولَى: في قَطْعِ رِجْلِه وَجْهانِ؛ أصحُّهما: لا

(3)

.

(وَيَجْتَمِعُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ)، نَقَلَه الجماعةُ

(4)

؛ لأِنَّهما حَقَّانِ يَجِبانِ لِمُسْتَحِقَّينِ، فَجَازَ اجْتِماعُهما؛ كالجزاء والقِيمة في الصَّيد الحَرَمِيِّ المَمْلوكِ، (فَتُرَدُّ

(5)

العَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ إِلَى مَالِكِهَا)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(6)

إنْ كانَتْ باقِيَةً.

(وَإِنْ كَانَتْ تَالِفَةً؛ غَرِمَ قِيمَتَهَا)، أوْ مِثْلَها إنْ كانَتْ مِثْلِيَّةً، (وَقُطِعَ)، مُوسِرًا كان أوْ مُعْسِرًا.

(1)

قوله: (واختار المؤلف) سقط من (م).

(2)

في (ظ) و (ن): يد.

(3)

قوله: (أحدهما: لا قطع؛ لأن قطعها

) إلى هنا سقط من (ن).

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3485، الفروع 10/ 152.

(5)

في (م): وترد.

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 123، مراتب الإجماع ص 136.

ص: 618

وفي «الانتصار» : يَحتَمِلُ لا يَغرَمُ شَيئًا، وهو قَولُ أبي يُوسُفَ

(1)

؛ لِمَا رَوَى عبدُ الرَّحمن بنُ عَوفٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أَقَمْتُم الحَدَّ على السَّارق؛ فلا غُرْمَ عَلَيهِ»

(2)

، ولأنَّ

(3)

التَّضْمينَ يَقتَضِي التَّمليكَ، والملْكُ يَمنَعُ القَطْعَ؛ فلا يُجمَعُ بَينَهما.

وجَوابُه: بأنَّهما حَقَّانِ لمُسْتَحِقَّينِ، وقال ابنُ عبد البَرِّ: الحديثُ لَيسَ بالقَوِيِّ

(4)

، وقال بعضُ المحدِّثِينَ: فيه سَعْدُ بنُ إبْراهِيمَ، وهو مَجهولٌ، ولو سُلِّمَ صِحَّتُه؛ فيَحتَمِلُ أنَّه لا غُرْمَ عَلَيهِ في أُجْرةِ القاطِعِ.

(وَهَلْ يَجِبُ

(5)

الزَّيْتُ الذِي يُحْسَمُ بِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ مِنْ مَالِ السَّارِقِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: أنَّه مِنْ بَيتِ المال؛ كأُجْرَةِ القاطِعِ؛ لأِنَّه من المصالح، لم يَذكُرْ في «الكافي» غَيرَه، فإنْ لم يُحسم

(6)

؛ فَذَكَرَ القاضِي: أنَّه لا شَيءَ عَلَيهِ؛ لأِنَّ عَلَيهِ القَطْعَ، لا مُداواةَ المحْدُودِ.

(1)

ينظر: تبيين الحقائق 3/ 231.

(2)

أخرجه النسائي (4984)، والطبراني في الأوسط (9274)، والبيهقي في الكبرى (17283)، من طريق المسور بن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد» ، وهو حديث ضعيف؛ لأن المسور بن إبراهيم لم يلق عبد الرحمن، وضعف الحديث جماعة، قال النسائي:(هذا مرسل وليس بثابت)، وقال أبو حاتم. (حديث منكر وهو مرسل)، وتكلم فيه البزار والطبراني وابن عبد البر وغيرهم. ينظر: علل ابن أبي حاتم 4/ 194، الاستذكار 7/ 555، الدراية 2/ 113.

(3)

في (ن): لأن.

(4)

ينظر: التمهيد 14/ 383.

(5)

قوله: (يجب) سقط من (ن).

(6)

في (ظ): لم تحسم.

ص: 619

والثَّانِي

(1)

: أنَّهما مِنْ مالِ السَّارِقِ، قَدَّمَه في «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه مُداواةٌ؛ كمُداواته في مَرَضِه.

ويُستَحَبُّ للمَقْطوعِ حَسْمُ نَفْسِه، فإنْ لم يَفعَلْ؛ لم يَأثَمْ؛ لأِنَّه تَرَكَ التَّداوِي في المرَضِ

(2)

.

(1)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(2)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 620

(بَابُ حَدِّ المُحَارِبِينَ)

المُحارِبونَ: واحِدُهم مُحارِبٌ، وهو اسْمُ فاعِلٍ مِنْ حارَبَ يُحارِبُ، وهو فاعِلٌ مِنْ الحَرْب، قال ابنُ فارِسٍ: الحَرْبُ اشْتِقاقُها من الحَرَبِ، بفَتْحِ الرَّاء، وهو مَصدَرُ حَرَبَ مالَه أيْ: سَلَبَه، والحَرِيبُ المحْرُوبُ

(1)

.

والأصْلُ فيهم

(2)

: قَولُه تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ

(33)} الآية [المَائدة: 33]، قال ابنُ عبَّاسٍ وأكثرُ العلماء:«نَزَلَتْ في قُطَّاعِ الطَّريق مِنْ المسْلِمين»

(3)

؛ لقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ} [المَائدة: 34]، والكُفَّارُ تُقبَلُ تَوبَتُهم بَعْدَ القُدْرة كما تُقبَلُ قَبْلَها، فلمَّا خَصَّه بما قَبْلَ القُدْرة، عُلِمَ أنَّه أراد المحارِبِينَ؛ لأِنَّ ذلك الحُكْمَ يَجِبُ عَلَيهم حَدًّا لا كُفْرًا، والحَدُّ لا يَسقُطُ بالتَّوبة.

وعن ابنِ عمرَ: «أنَّها نَزَلَتْ في المرْتَدِّينَ»

(4)

، وقاله الحَسَنُ وعَطاءٌ؛ لأِنَّ

(1)

في (م) و (ن): والحرب: المحروب. وينظر: مجمل اللغة 1/ 229.

(2)

في (م): فيه.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18544)، ومن طريقه الدارقطني (3266)، والبيهقي في الكبرى (17314)، عن إبراهيم، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«نزلت هذه الآية في المحارب: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إذا عدا فقطع الطريق فقتل وأخذ المال: صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالاً: قتل، وإن أخذ المال ولم يقتل: قطع من خلاف، فإن هرب وأعجزهم: فذلك نفيه» ، وإسناده ضعيف جدًّا، إبراهيم بن أبي يحيى الأسلمي متروك، ودواد بن الحصين روايته عن عكرمة منكرة.

(4)

أخرجه أبو داود (4369)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17309)، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن ناسًا أغاروا على إبل النبي صلى الله عليه وسلم، فاستاقوها، وارتدوا عن الإسلام، وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤمنًا، فبعث في آثارهم، فأخذوا، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم» ، قال: ونزلت فيهم آية المحاربة، وهم الذين أخبر عنهم أنس بن مالك الحجاج حين سأله، وفي سنده: عبد الله بن عبيد الله بن عمر بن الخطاب، وهو مقبول، لكن يقويه ويشهد له ما أخرجه مسلم في صحيحه (1671)، من حديث أنس رضي الله عنه في قصة العرنيين، وفيه:«وارتدوا عن الإسلام، وساقوا ذود رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

ص: 621

سَبَبَ نُزولِها قصة

(1)

العُرنيِّين، وحَكاهُ ابنُ أبي مُوسَى رِوايَةً، وأنَّها

(2)

منسوخةٌ؛ لأِنَّ قَضِيَّتَهم كانَتْ قَبْلَ أنْ تَنزِل

(3)

الحُدود، ثُمَّ قال: فحُكْمُ مَنْ خَرجَ لِقَطْعِ الطَّريقِ مُرَتَّبٌ على ما نَزَلَ من الحدود، ولولا قِيامُ الدَّليل على وُجوبِ قَطْعِ اليَدِ مع الرِّجْل للمُحارِب؛ لَقُلْنا: لا تُقطَع

(4)

إلاَّ يَدُه اليُمْنَى؛ كالسَّارِق.

قال

(5)

ابنُ أبي مُوسَى: فعلى هذا يَجيءُ أنْ يَصِحَّ عفوُ

(6)

وليِّ الدَّم عن المحارِب، ويكونُ الإمام

(7)

مُخيَّرًا فيه، وهو وَجْهٌ في «الرِّعاية» .

(وهُمْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ)، وهم كلُّ مُكلَّفٍ، مُلتَزِمٍ؛ لِيَخْرُجَ الحَرْبيُّ، ولو أنثى

(8)

، وقالَهُ الأكثرُ، والعَبْدُ والذِّمِّيُّ كضدِّهما.

وعَنْهُ: يَنتَقِضُ عهدُه

(9)

، فيَحِلُّ دَمُه ومالُه بكلِّ حالٍ.

(وَهُمُ الذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِالسِّلَاحِ)، هذا أحدُ الشُّروط فِيهِمْ، وظاهِرُه: أنَّه إذا لم يكُنْ معهم سلاحٌ فلَيسُوا مُحارِبِينَ؛ لأِنَّهم لا

(10)

يَمنَعُونَ مَنْ قَصَدَهُم، والأصحُّ: ولو كان بِعَصًا وحَجَرٍ؛ لأِنَّ ذلك من جُمْلةِ السِّلاح الذِي

(1)

في (ظ): قَضِيَّةُ.

(2)

في (م): أنها.

(3)

في (م): ينزل.

(4)

في (م): لا يقطع.

(5)

في (ن): وقال.

(6)

في (م): عضو.

(7)

قوله: (الإمام) سقط من (ن).

(8)

قوله: (ولو أنثى) في (م): والوثني.

(9)

في (ن): عمده.

(10)

في (م): لم.

ص: 622

يَأْتِي على النَّفس، أشْبَهَ المحدَّد

(1)

.

وفي «البُلْغة» وغَيرِها وَجْهٌ: ويَدٌ.

وفي «الشَّرح» : وإنْ قَتَلَ في المحارَبةِ بمُثَقَّلٍ؛ قُتِلَ؛ كما لو

(2)

قَتَل بمحدَّد

(3)

، وإنْ قَتَلَ بآلةٍ لا يَجِبُ القِصاصُ بالقَتْل به؛ فالظَّاهِرُ أنَّهم يُقتَلونَ أيضًا؛ لِدُخولِهم في العُمومِ.

فرعٌ: مَنْ قاتَلَ اللُّصوصَ وقُتِلَ

(4)

؛ قُتِلَ القاتِلُ مِنهُم دُونَ غيره

(5)

، ذَكَرَه ابنُ أبي مُوسَى.

(فِي الصَّحْرَاءِ)؛ لأِنَّ ذلك عادةُ المحارِبِينَ، (فَيَغْصِبُونَهُمُ

(6)

المَالَ) المحْتَرَمَ، (مُجَاهَرَةً)؛ أيْ: يأخُذُونَ المال

(7)

قَهْرًا؛ اخْتارَهُ الأكثرُ، ونَصَرَهُ القاضي في «الخِلاف» ، وذَكَرَه المذْهَبَ.

(فَأَمَّا مَنْ يَأْخُذُهُ سَرِقَةً

(8)

؛ فَلَيْسَ بِمُحَارِبٍ)؛ لأِنَّهم لا يَرجِعُونَ إلى مَنَعَةٍ وقُوَّةٍ، وإن اخْتَطَفُوهُ وهَرَبُوا؛ فهم مُنتَهِبُونَ، لا قَطْعَ عَلَيهم.

(وَإِنْ فَعَلُوا

(9)

ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ؛ لَمْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ فِي قَوْلِ الْخِرَقِيِّ)، قدَّمَه في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لأِنَّ الواجِبَ يُسَمَّى: حَدَّ قُطَّاعِ الطَّريق، وقَطْعُ الطَّريق إنَّما هو في الصَّحراء؛ لأِنَّ المِصْرَ يَلحَقُ فيه

(1)

في (م): المحدود.

(2)

قوله: (لو) سقط من (م).

(3)

في (م): بمحلى.

(4)

في (م): وقيل.

(5)

في (م): غيرهم.

(6)

في (م): فيقصر فيهم.

(7)

قوله: (المال) سقط من (م).

(8)

في (م): بسرقة.

(9)

في (م): قتلوا.

ص: 623

الغَوثُ غالِبًا، فتَذْهَبُ شَوْكَتُهم، ويكُونُونَ مُختَلِسِينَ، لا قُطَّاعَ طرِيقٍ.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: حُكْمُهُمْ فِي المِصْرِ وَالصَّحْرَاءِ وَاحِدٌ

(1)

، وهو قَولُ كثيرٍ من الأَصْحابِ؛ لِعُمومِ الآيَةِ فِيهِمْ، ولأِنَّ ضَرَرَهم في المِصْر أعْظَمُ، فكانوا بالحدِّ أَوْلَى.

وفي «الفروع» : قيل

(2)

: في صَحراءَ، وقِيلَ: ومِصْرٍ إنْ لم يُغَثْ.

وحَكَى في «الكافي» و «الشَّرح» عن القاضي أنَّه قال: إذا كَبَسُوا

(3)

دارًا في مِصْرٍ بحَيثُ يَلحَقُهم الغَوثُ عادةً؛ لم يكُونُوا مُحارِبِينَ، وإنْ حَصَرُوا قريةً

(4)

أوْ بلدًا لا يَلحَقُهم الغَوثُ عادةً؛ فهم قُطَّاعُ طَرِيقٍ.

ولم يَذكُرْ في «الرعاية» فيه

(5)

خِلافًا.

ويُعتَبَرُ ثُبوتُه ببيِّنةٍ، أوْ إقْرارٍ مرتين

(6)

؛ كسَرِقَةٍ، ذَكَرَه القاضي وغيره، والحِرزُ والنِّصابُ

(7)

، وفي سُقوطِه بشُبْهَةٍ كسرقةٍ

(8)

؛ وَجْهانِ، قاله في «المستوعب» وغَيره.

(وَإِذَا قُدِرَ عَلَيْهِمْ؛ فَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ قَدْ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ، وَأَخَذَ الْمَالَ؛ قُتِلَ حَتْمًا، وَصُلِبَ حَتَّى يَشْتَهِرَ)؛ لِمَا صحَّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحِلُّ دمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بإحْدَى ثَلاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفْسُ بالنَّفس، والتَّارِكُ لِدِينِه المُفارِقُ للجماعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(9)

.

(1)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(2)

في (م): وقيل.

(3)

في (م): كسبوا.

(4)

قوله: (قرية) سقط من (م).

(5)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

(6)

في (م): بمرتين.

(7)

قوله: (والحرز والنصاب) سقط من (ظ) و (م)، والمثبت موافق للفروع 10/ 155.

(8)

قوله: (كسرقة) سقط من (ن).

(9)

أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

ص: 624

وقال ابنُ عبَّاسٍ: «ما كان في القُرْآن ب (أو) فصاحِبُه بالخِيار»

(1)

.

وجَوابُه: بأنَّه قد عُرِفَ من القُرْآن أنَّ ما أُرِيدَ به التَّخْييرُ فيُبدَأُ بالأخَفِّ؛ ككفَّارةِ اليمين، وما أُريدُ به التَّرتِيبُ فيُبدَأُ بالأغْلَظِ؛ ككفَّارةِ الظَّهارِ والقَتْل، ولأِنَّ العُقوباتِ تختلف

(2)

باختلاف

(3)

الأجْرامِ، ولذلك اخْتَلَفَ حُكْمُ الزَّانِي، والقاذِفِ، والسَّارق

(4)

، ولأِنَّ القَتْلَ وَجَبَ لحقِّ

(5)

الله تعالَى، فلم يُخيَّر الإمامُ فيه؛ كقَطْعِ السَّارِق.

ورَوَى الشَّافِعِيُّ، عن إبراهيمَ بنِ يحيى

(6)

، عن صالِحٍ مَولَى التوأمة، عن ابنِ عبَّاسٍ:«إذا قَتَلُوا وأَخَذُوا المالَ؛ قُتِلُوا وصُلِبُوا، وإذا قَتَلُوا ولم يَأخُذُوا المالَ؛ قُتِلُوا ولم يُصْلَبُوا، وإذا أخَذُوا المالَ ولم يَقتُلُوا؛ قُطِعَتْ أيْدِيهم وأرْجُلُهم مِنْ خِلافٍ، وإذا أَخَافُوا السَّبِيلَ ولم يَأْخُذُوا مالاً؛ نُفُوا من الأرض» ، ورُوِيَ نحوُه مرفوعًا

(7)

.

وإذا

(8)

ثبت هذا: قُتِل وصُلِبَ في ظاهِرِ المذهب، قالَهُ في «المغْنِي»

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (6730)، وابن أبي شيبة (12458)، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وليث بن أبي سليم ضعيف.

(2)

في (ن): يختلف.

(3)

في (م): بخلاف.

(4)

في (م): وإن رق.

(5)

في (م): بحق.

(6)

هكذا في النسخ الخطية، وصوابه:(بن أبي يحيى) كما في مصادر التخريج.

(7)

أخرجه موقوفًا الشافعي في الأم (6/ 164)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (17313)، عن إبراهيم، عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، إسناد ضعيف جدًّا، صالح مولى التوأمة ضعيف، وإبراهيم هو ابن أبي يحيى الأسلمي متروك، وأخرجه الطبري في التفسير (8/ 373)، والبيهقي في الكبرى (17315)، من وجه آخر ضعيف. ولم نقف عليه مرفوعًا. ينظر: الإرواء 8/ 92.

(8)

في (م): إذا.

ص: 625

و «الشَّرح» ، وقَتْلُه مُتحَتِّمٌ لا يَدخُلُه عَفْوٌ، بالإجماع

(1)

.

والصَّلْبُ بَعْدَ القَتْلِ.

وقِيلَ: يُصلَبُ أوَّلاً، ثُمَّ يُقتَلُ.

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لأِنَّه تعالى قدَّمَ القَتْلَ على الصَّلْب؛ كقَولِه تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البَقَرَة: 158]، ولقَولِه عليه السلام:«إذا قَتَلْتُم فأحْسِنُوا القِتْلَةَ»

(2)

، ولأنَّه

(3)

شُرِعَ رَدْعًا لغَيرِه؛ لِيَشْتَهِرَ أمْرُه، ولو شُرِعَ لِرَدْعه فَقَطْ؛ لَسَقَطَ بقَتْلِه كما تسقط

(4)

سائرُ الحُدود مع القَتْل.

والصَّلْب حَتْمٌ في حقِّ مَنْ قَتَل وأَخَذَ المالَ، فلا يَسقُطُ بعَفْوٍ ولا غَيرِه، ويكُونُ حتَّى يَشْتَهِرَ، ذَكَرَه مُعْظَمُ الأَصْحاب؛ لأِنَّ المقْصودَ مِنْهُ زَجْرُ غَيرِه ولا يَحصُلُ إلاَّ به.

(وَقالَ أَبُو بَكْرٍ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلْبِ)، اقْتَصَرَ ابنُ هُبَيرةَ على حكايته

(5)

عن أحمدَ؛ لأِنَّ بذلك يَصْدُقُ اسْمُ الصَّلْبِ.

وقال ابنُ رَزِينٍ: يُصلَبُ ثَلَاثَةَ أيَّامٍ. وهذا تَوقِيتٌ بغَيرِ تَوقِيفٍ، مع أنَّه في الظَّاهِر يُفْضِي إلى تَغَيُّره ونَتَنِهِ

(6)

.

(وَعَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ)، اخْتارَهُ أبو محمَّدٍ الجْوزيُّ؛ لأِنَّ كلَّ واحِدٍ مِنهُما يُوجِبُ حَدًّا مُفرَدًا، فإذا اجْتَمَعَا؛ وَجَبَ حدُّهما؛ كما لو زَنَى وسَرَقَ.

(1)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 117، المغني 9/ 147.

(2)

أخرجه مسلم (1955)، من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه.

(3)

في (م): وأنه.

(4)

في (م) و (ن): يسقط.

(5)

في (ن): حكاية.

(6)

في (م) و (ن): ونيته.

ص: 626

فعلى هذا: يُقْطَعُ أوَّلاً، ثُمَّ يُقتَلُ، ثُمَّ بَعْدَ ذلك يُدفَعُ إلى أهْلِه، فيُغسَّلُ، ويُكفَّنُ، ويُصَلَّى عَلَيهِ، ويُدْفَنُ.

وإن

(1)

ماتَ قَبْلَ قَتْلِه؛ لم يُصلَبْ؛ لأِنَّه تابِعٌ للقَتْلِ، فسقط

(2)

بفَواتِه.

(وَإِنْ قَتَلَ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ)؛ كوَلَدِه، وعَبْدٍ، وذِمِّيٍّ؛ (فَهَلْ يُقْتَلُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما

(3)

: يُقتَلُ ويُصلَبُ

(4)

، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ للعُمومِ، ولأِنَّ القتل

(5)

حدٌّ لله

(6)

تعالى، فلا يُعتبر

(7)

فيه المكافَأَةُ؛ كالزِّنى والسَّرِقة.

والثَّانيةُ: لا، ذَكَرَ القاضي في «الخلاف»: أنَّ هذا ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ جماعة

(8)

؛ لقوله عليه السلام: «لا يُقتَلُ مُسلِمٌ بكافِرٍ»

(9)

.

فعلى هذا: إذا قَتَل مسلمٌ

(10)

ذِمِّيًّا أوْ حُرٌّ عبدًا، وأَخَذَ المالَ؛ قُطِعَتْ يَدُه ورِجْلُه من خِلافٍ؛ لأِخْذِ المالِ، وغَرِمَ ديةَ

(11)

ذِمِّيٍّ، وقيمةَ

(12)

عبدٍ، وإنْ

(1)

في (م): وإذا.

(2)

قوله: (فسقط) سقط من (م).

(3)

في (م): أحدهما.

(4)

كتب في هامش (ن): (هذا هو المذهب في القتل، وأما الصلب؛ إن كان مكافئًا صُلب وإلا فلا).

(5)

قوله: (القتل) سقط من (م).

(6)

في (م): الله.

(7)

في (ظ): فلا تعتبر.

(8)

في (م): الجماعة.

(9)

أخرجه البخاري (111)، من حديث عليٍّ رضي الله عنه.

(10)

قوله: (مسلم) سقط من (ظ).

(11)

قوله: (دية) سقط من (م).

(12)

في (م): قيمة.

ص: 627

قَتَلَه ولم يَأخُذْ مالاً؛ غَرِمَ دِيَتَه، ونُفِيَ.

وقيل

(1)

: إنْ قُلْنا: القَتْلُ حقٌّ لله؛ فلم يَقتُلْ مَنْ يُكافِئُه، وإلاَّ فلا

(2)

.

وفي «الشَّرح» عن القاضي أنَّه قال: إنَّما يَتَحَتَّمُ قَتْلُه إذا قَتَلَه لِيأخُذَ المالَ، فإنْ قَتَلَه لغَيرِ ذلك؛ كعَدَاوةٍ؛ فالواجِبُ قِصاصٌ مُتحَتِّمٌ.

(وَإِنْ

(3)

جَنَى عَلَيْهِ

(4)

جِنَايَةً مُوجِبَةً للقِصاصِ فِيمَا

(5)

دُونَ النَّفْسِ)؛ كالطَّرَف؛ (فَهَلْ يَتَحَتَّمُ اسْتِيفَاؤُهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، وكذا في «الفروع»:

إحداهما - قال في «الشَّرح» : وهي أَوْلَى -: لا يَتَحَتَّمُ

(6)

؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى لم يَذكُرْه، وحِينَئِذٍ لا يَجِبُ فيه أكثرُ مِنْ القصاص

(7)

.

والثَّانيةُ: يَتَحتَّمُ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه نَوعُ قَوَدٍ، فتَحَتَّمَ اسْتِيفاؤُهُ؛ كالقَوَدِ في النَّفْس، ولا يَسقُطُ مع تَحتُّمِ القَتْلِ على الرِّوايَتَينِ.

ويَحتَمِلُ سُقوطُه بتَحتُّمِ قَتْلِه، وذَكَرَه بعضُهم فقال: يَحتَمِلُ أنْ تَسقُطَ الجِنايَةُ إنْ قُلْنا: يَتَحَتَّمُ اسْتِيفاؤها، وذَكَرَه بعضُهم، فقال: يَحتَمِلُ أنْ يَسقُطَ تَحتُّمُ القتل

(8)

إنْ قُلْنا: يَتَحَتَّمُ في الطَّرَف، قال في «الفُروع»: وهذا وَهمٌ.

(1)

في (م): وقتل.

(2)

قوله: (وقيل: إن قلنا

) إلى هنا لم نقف عليه في شيء من كتب المذهب، ولعل صواب العبارة كما في «كفاية النبيه» عند الشافعية 15/ 325:(فإن قلنا: إنه حق لله تعالى؛ قتل بقتل من لا يكافئه، وإلا فلا يجب)، وينظر: نهاية المطلب 17/ 308.

(3)

في (م): وإذا.

(4)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(5)

في (م): بما.

(6)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(7)

قوله: (القصاص) مكانه بياض في (ن).

(8)

قوله: (إن قلنا: يتحتم استيفاؤها

) إلى هنا سقط من (م).

ص: 628

(وَحُكْمُ الرِّدْءِ)، والطَّليع

(1)

؛ (حُكْمُ الْمُبَاشِرِ)؛ لأِنَّ حدَّ المباشِر حُكْمٌ يتعلَّق بها، فاسْتَوَى فيها الرِّدْءُ والمباشِرُ؛ كالغَنِيمة، يحقِّقُه

(2)

: أنَّ المحارَبَةَ مبنيةٌ

(3)

على حُصُول المَنَعة

(4)

والمعاضَدَة، والمباشِرُ لا يَتَمَكَّنُ إلاَّ بالرِّدْءِ، فَوَجَبَ التَّساوِي في الحُكْم، وذَكَرَ أبو الفَرَجِ السَّرِقَةَ كذلك.

فلو قَتَلَ بعضُهم؛ ثَبَتَ حُكْمُ القَتْل في حقِّ الكلِّ، وإنْ قَتَلَ بعضُهم وأخَذَ المالَ بعضُهم؛ جاز قَتْلُهم وصلبُهم

(5)

، فرِدْءُ غَيرِ مكلَّفٍ

(6)

كهُوَ.

وقِيلَ: يَضمَنُ المالَ آخِذُه.

وقِيلَ: قرارُه عَلَيهِ.

وفي «الإرشاد» : مَنْ قاتَلَ اللُّصوصَ وقُتِلَ؛ قُتِلَ القاتِلُ فَقَطْ.

واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدين: أنَّ

(7)

الآمِرَ كرِدْءٍ، وأنَّه في السَّرِقة كذلك، وأنَّ المرأة التي تُحْضِرُ النساءَ

(8)

للقتل؛ تُقتَل

(9)

.

والمرادُ بالرِّدء: هو العَونُ للمباشِر

(10)

؛ كقوله تعالى: {رِدْءًا يُصَدِّقُنِي} [القَصَص: 34].

(1)

قوله: (الردء والطليع) في (م): الطليع. والطليع: من يبعث ليطلع طلع العدو. ينظر: الصحاح 3/ 1254.

(2)

في (م): تحقيقه، وفي (ن): تحققه.

(3)

في (ن): منفية.

(4)

في (م): المنفعة.

(5)

قوله: (وصلبهم) سقط من (م).

(6)

في (م): مكاف.

(7)

قوله: (أن) سقط من (ظ) و (م).

(8)

في (م): للناس، وفي (ن): للنساء.

(9)

ينظر: الاختيارات ص 427، الفروع 10/ 158.

(10)

في (م): للمباشرة.

ص: 629

(وَمَنْ قَتَلَ) مُكافِئَه، (وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ؛ قُتِلَ) حَتْمًا؛ لأِنَّه قاتِلٌ، فيَدخُلُ في عُمومِ النّصِّ، وحِينَئِذٍ: فلا أَثَرَ لعفوِ الوليِّ.

(وَهَلْ يُصْلَبُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحْداهما: لا يُصلَبُ

(1)

، قدَّمه في «المحرَّر» ، وصحَّحه في «الشَّرح» ، وجَزَمَ به في «الكافي» ؛ لأِنَّ جِنايَتَهم بأخْذِ المالِ مع القَتْلِ أعْظَمُ، فكانَتْ عُقُوبَتُهم أغْلَظَ.

والثَّانِيَةُ: بَلَى؛ لأِنَّه مُحارِبٌ يجب

(2)

قَتْلُه، فيُصلَبُ؛ كَمَنْ أَخَذَ المالَ.

(وَمَنْ أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ؛ قُطِعَتْ) حَتْمًا (يَدُهُ الْيُمْنَى، وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى)؛ لقوله تعالى: {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ} [المَائدة: 33]، وإنَّما قُطِعَتْ يَدُه اليمنى

(3)

للمَعْنَى الذي تقدَّم في السَّارِق؛ لأِنَّه سارِقٌ وزيادةٌ، ثُمَّ رِجْلُه اليُسْرَى لِتَحقُّقِ المخالَفَة، وليكون

(4)

أرْفَقَ به في مَكانِ

(5)

مَشْيِهِ، ولا يُنتَظَرُ انْدِمالُ اليَدِ، بَلْ يُقْطَعانِ.

(فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ)؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى أمَرَ بقَطْعِهما مِنْ غَيرِ تَعَرُّضٍ لتأخِيرِ شَيءٍ منهما.

فيبدأ

(6)

بيَمِينِه، فتُقطَعُ

(7)

وتُحْسَمُ، ثُمَّ بِرِجْلِه كذلك، وهذا التَّرتِيبُ واجِبٌ، ذَكَرَه ابنُ شِهابٍ وغَيرُه.

(1)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(2)

في (ن): تحت.

(3)

قوله: (اليمنى) سقط من (م).

(4)

في (ن): ولتكون.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 149، والشرح الكبير 27/ 23: إمكان.

(6)

في (م): فيبتدأ.

(7)

في (م): فيقطع.

ص: 630

(وَحُسِمَتَا)؛ لقوله: «اقطعوه

(1)

واحْسِمُوهُ»

(2)

؛ لأِنَّ الحَسْمَ يَسُدُّ أفْواهَ العُروق، ويَمنَعُ الدَّمَ مِنْ النَّزْف، ويكُونُ ذلك حَتْمًا.

(وَخُلِّيَ) بَعْدَ ذلك؛ لأِنَّ الحقَّ الذي عَلَيهِ قد اسْتُوفِيَ، أشْبَهَ المدِينَ إذا أدَّى دَينَه.

(وَلَا يُقْطَعُ مِنْهُمْ إِلاَّ مَنْ أَخَذَ مَا يُقْطَعُ السَّارِقُ فِي مِثْلِهِ)؛ لقوله عليه السلام: «لا قَطْعَ إلاَّ في رُبُعِ دِينارٍ»

(3)

، ولم يُفصِّلْ، ولأنَّها

(4)

جِنايَةٌ تعلَّقَتْ بها عُقوبَةٌ في حقِّ غَيرِ المُحارِبِ، فلا تُغلَّظ

(5)

في المحارِبِ بأكثرَ مِنْ وَجْهٍ واحِدٍ؛ كالقتل.

وظاهِرُه: أنَّه يُعتَبَرُ الحِرْزُ أيضًا، فإنْ أَخَذُوا مِنْ مالٍ لهم فيه شِرْكةٌ أوْ شبهةٌ - على ما ذَكَرْنا في المسْروقِ -؛ لم يُقَطَعْ، ذَكَرَه في «الشَّرح» وغَيرُه، وفي «المستوعب» وَجْهانِ.

(فَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ مَقْطُوعَةً)؛ بأن

(6)

قُطِعَتْ في سَرِقةٍ أوْ غيرِها، (أَوْ مُسْتَحَقَّةً فِي قِصَاصٍ، أَوْ شَلاَّءَ؛ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى)؛ كما لو كانَتْ يُمْناهُ مَوجُودةً؛ لأِنَّ ذلك واجِبٌ أمْكَنَ اسْتِيفاؤه، وكذا إنْ كانَت اليُمْنَى مَوجُودةً واليُسْرَى مَعْدُومةً، فإنَّا نَقطع

(7)

الموجودَ منهما حَسْب، ويَسقُطُ القَطْعُ في المعدوم؛ لأِنَّ ما تعلَّقَ به الفَرْضُ قد زال، فيَسقُطُ؛ كالغَسْلِ في الوضوء

(8)

.

وإنْ عَدِمَ يُسْرَى يَدَيهِ؛ قُطِعَتْ يُسْرَى رِجْلَيهِ، وإنْ عَدِمَ يُمْنَى يَدَيْهِ؛ لم تُقْطَعْ

(1)

في (م): اقطعوا.

(2)

تقدم تخريجه 9/ 611 حاشية (2).

(3)

أخرجه البخاري (6789)، ومسلم (1684)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(4)

في (ن): لأنها.

(5)

في (م): فلا يغلظ، وفي (ظ): فلا تغليظ.

(6)

في (م): فإن.

(7)

في (م): فإنها تقطع.

(8)

في (ن): من الفرض.

ص: 631

يُمْنىَ رِجْلَيهِ.

(وَهَلْ تُقْطَعُ يُسْرَى يَدَيْهِ؟) أي

(1)

: إذا قُطِعَ

(2)

للمُحارَبَة، ثم حارَبَ ثانيًا

(3)

، فهل تُقطع

(4)

بقيَّةُ أرْبَعَتِه؟ فيه وَجْهانِ.

وذلك (يَنْبَنِي عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي قَطْعِ يُسْرَى السَّارِقِ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ)، فإنْ قُلْنا: يُقطَعُ ثَمَّ؛ قُطِعَتْ ههُنا؛ لأِنَّها مُسْتَحَقَّةٌ القَطْعَ في الجملة؛ كما لو سَرَقَ ولا يُمْنَى له

(5)

، ولا رِجْلَ.

وإنْ قُلْنَا: لا تُقطَعُ، وهو الأَصَحُّ؛ سَقَطَ؛ لأِنَّ قَطْعَهَا يُفْضِي إلى تَفْويتِ مَنفَعَةِ البَطْشِ.

وتتعيَّن

(6)

دِيَةٌ لِقَوَدٍ لَزِمَه بَعْدَ مُحارَبَتِه؛ كتقديمها

(7)

بسبقها، وكذا لو مات قَبْلَ قَتْلِه للمُحارَبَة.

فرعٌ: إذا عَدِمَ يَدَه اليُسْرَى، أوْ بَطْشَهَا بشَلَلٍ، أوْ نقصٍ

(8)

؛ قُطِعَتْ رِجْلُه اليُسْرَى دُونَ يَدِه اليُمْنَى، وقِيلَ: يُقطَعانِ، ويَتخرَّجُ عَكْسُه.

فلو كان ما وَجَبَ قَطْعُه أشلَّ، فذَكَر أهلُ الطِّبِّ أنَّ قَطْعَه يُفْضِي إلى تَلَفِه؛ سَقَطَ، وبَقِيَ حُكْمُه كالمعدوم، وإنْ قالوا: لا يُفْضِي إلى تَلَفِه؛ فَفِي قَطْعِه رِوَايَتَانِ.

(وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ، وَلَا أَخَذَ المَالَ

(9)

؛ نُفِيَ وَشُرِّدَ)؛ أيْ: طُرِدَ، ولو عبدًا،

(1)

قوله: (أي): سقط من (م).

(2)

في (م): قطعت.

(3)

في (ظ): صارِتْ بائنًا ثم حارب ثانيًا.

(4)

في (م) و (ن): يقطع.

(5)

في (ن): ولا بمنزلة.

(6)

في (ظ) و (م): ويتعين.

(7)

في (م): بتقديمها.

(8)

في (م): بقص.

(9)

في (ظ): ماله.

ص: 632

(فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إِلَى بَلَدٍ)، ذَكَرَه الأصْحابُ ونَصَرُوه؛ لقوله تعالى:{أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ} [المَائدة: 33]، وظاهِرُه يَتناوَلُ نَفْيَه مِنْ جميعِها، وهو يَبطُلُ بنفي

(1)

الزَّاني إلى مكانٍ.

فعلى هذا: يُنفون

(2)

مدَّةً تظهر

(3)

فيها تَوبَتُهم، وتحسن

(4)

سِيرتُهم، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفُروع» .

وقِيلَ: يُنفَونَ عامًا؛ كالزَّاني.

(وَعَنْهُ: أَنَّ نَفْيَهُ تَعْزِيرُهُ بِمَا يَرْدَعُهُ

(5)

؛ مِنْ: ضَرْبٍ، وحَبْسٍ، ونَفْيٍ؛ لأِنَّ الغَرَضَ الرَّدْعُ، وهو حاصِلٌ بما ذُكِرَ.

وفي

(6)

«التبصرة» : بهما.

وعَنه: نَفْيُهم حَبْسُهم، اختاره ابنُ أبي موسى، حتَّى يُحْدِثُوا توبة.

وفي «الواضح» وغيرِه رِوايَةٌ: أنَّ نفيه

(7)

: طَلَبُ الإمام لهم؛ لِيُقِيمَ فيهم حدودَ الله تَعالَى، ورُوِيَ عن ابن عبَّاسٍ

(8)

.

(1)

في (م): نفي.

(2)

في (م): نفوا.

(3)

في (م) و (ن): يظهر.

(4)

في (ن): ويحسن.

(5)

قوله: (بما يردعه) سقط من (ن).

(6)

في (م): في.

(7)

في (ظ): نفيهم.

(8)

أخرجه الشافعي في الأم (6/ 164)، أخبرنا إبراهيم، عن صالح مولى التوأمة، عن ابن عباس في قطاع الطريق:«إذا قتلوا وأخذوا المال، قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال، قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا هربوا طلبوا حتى يوجدوا فتقام عليهم الحدود وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالاً نفوا من الأرض» ، وإبراهيم هو ابن أبي يحيى الأسلمي، وهو متروك، وتقدم تخريجه 9/ 625 حاشية (7).

ص: 633

فإنْ كانوا جماعةً؛ نُفُوا مُتَفَرِّقِينَ.

(وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ؛ سَقَطَتْ عَنْهُ حُدُودُ اللهِ تَعَالَى، مِنَ الصَّلْبِ، وَالْقَطْعِ، وَالنَّفْيِ، وَانْحِتَامِ الْقَتْلِ)، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمُه

(1)

، وسَنَدُه قَولُه تعالى:{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} [المَائدة: 34]، فَعَلَى هذا: يَسقُطُ عَنْهم جميعُ ما ذُكِرَ.

وأطْلَقَ في «المبهج» في حقِّ الله تعالَى رِوَايَتَينِ.

(وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الآْدَمِيِّينَ، مِنَ النَّفْسِ، وَالْمَالِ، وَالْجِرَاحِ، إِلاَّ أَنْ يُعْفَى لَهُمْ عَنْهَا)؛ لأِنَّها حُقوقٌ عَلَيهِم لم يُعْفَ عَنْها، فلم تَسقُطْ؛ كغَيرِ المحارِبِ.

لا يُقالُ: الآيَةُ عامَّةٌ، فما وَجْهُ التَّخصيص؟ لأِنَّ الأدِلَّةَ دالَّةٌ على أنَّ حقَّ الآدَمِيِّ لا يَسقُطُ إلاَّ بِرِضاهُ؛ لأِنَّه مَبْنِيٌّ على الضِّيقِ والشُّحِّ، بخِلافِ حقِّ الله تعالى، وذلك يَقتَضِي عَدَمَ التَّسْويَةِ بَينَهما.

وعُلِمَ منه: أنَّه إذا تاب بَعْدَ القُدْرة عَلَيهِ؛ لم يَسقُطْ عنه شَيءٌ؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى شَرَطَ في المغْفَرة لهم: كَونَ تَوبَتِهم قَبْلَ القُدْرةِ، فدلَّ على عدمها

(2)

بعدَها، ولأنَّه

(3)

إذا تاب قَبْلَ القُدْرةِ؛ فالظَّاهِرُ أنَّها تَوبةُ إخْلاصٍ، وبَعْدَها تَقِيَّةٌ مِنْ إقامةِ الحَدِّ، ولأنَّ

(4)

في إسْقاطِ الحَدِّ عَنْهُ قَبْلَ القدرة ترغيبًا

(5)

في تَوبَتِه، والرُّجوعِ عن مُحارَبَتِه، وبَعْدَ القُدْرةِ لا حاجةَ إلى ترغيبه؛ لأِنه قد عَجَزَ عن الفَسادِ والمحارَبَةِ.

وهذا كلُّه فيمن

(6)

هو تَحْتَ حُكْمِنا، وفي خارِجِيٍّ وباغٍ ومُرتَدٍّ مُحارِبٍ

(1)

ينظر: المحلى 12/ 16، مجموع الفتاوى 34/ 180.

(2)

في (م): عدم.

(3)

في (ن): ولأنها.

(4)

في (م): لأن.

(5)

في (م): وترغيبًا.

(6)

في (م): ممن.

ص: 634

الخِلافُ في

(1)

ظاهِرِ كلامِهم.

وقِيلَ: تُقبَلُ توبته

(2)

بِبيِّنةٍ، وقِيلَ: وقَرِينةٍ.

وأمَّا الحَرْبِيُّ الكافِرُ؛ فلا يُؤخَذُ بشَيءٍ في كفره

(3)

إجْماعًا

(4)

.

(وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ للهِ

(5)

تَعَالَى سِوَى ذَلِكَ)؛ كالزِّنى، والسَّرِقة، وشُرْبِ الخمر؛ (فَتَابَ قَبْلَ إِقَامَتِهِ؛ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ)، ذَكَرَه أبو بكرٍ المذْهَبَ، وقاله أكثرُ العُلَماء؛ لِعُمومِ آيةِ الزَّاني والسَّارِق، ولأِنَّه عليه السلام رَجَمَ ماعِزًا والغامِدِيَّة، وقد جاءا تائبين

(6)

، ولأِنَّ الحَدَّ كَفَّارةٌ، فلم يَسقُطْ بالتَّوبة؛ ككفَّارَةِ اليَمِينِ، ولأِنَّه مَقْدورٌ عَلَيهِ كالمُحارِب بَعْدَ القُدْرة عَلَيهِ.

(وَعَنْهُ: أَنَّهُ يَسْقُطُ

(7)

بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ)، نَصَرَه القاضي في «الخلاف» وصحَّحه، وقدَّمَه في «المحرَّر» و «الفروع» ، وقال: اخْتارَه الأكْثَرُ، وجَزَمَ به في «الوجيز»؛ لقوله تعالى:{فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا} [النِّسَاء: 16]، ولقوله:{فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} [المَائدة: 39] وفي الخَبَرِ: «التَّائبُ مِنْ الذَّنْب كمَنْ لا ذَنْبَ له»

(8)

، ولأِنَّه خالِصُ حقِّ اللهِ تعالى، فسَقَطَ بالتَّوبة كحَدِّ المُحارِبِ.

(1)

في (م): من.

(2)

في (م): توبتهم.

(3)

قوله: (في كفره) سقط من (م).

(4)

ينظر: الإقناع في مسائل الإجماع 2/ 269.

(5)

في (م): الله.

(6)

في (ن): جاء بائنين. أخرج قصة ماعز رضي الله عنه البخاري (6825) من حديث أبي هريرة، ومسلم (1695) من حديث بريدة رضي الله عنهما، وأخرج قصة الغامدية مسلم (1695)، من حديث بريدة رضي الله عنه.

(7)

في (م): أنها تسقط.

(8)

أخرجه ابن ماجه (4250)، والطبراني في الأوسط (10281)، والبيهقي في الكبرى (20561)، من حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، عن أبيه رضي الله عنه مرفوعًا. وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن حمل الأئمة روايته على الاتصال، وحسنه بشواهده ابن حجر والألباني، وقال السخاوي:(رجال إسناده ثقات). ينظر: المقاصد الحسنة ص 249، الضعيفة (615).

ص: 635

(قَبْلَ إِصْلَاحِ العَمَلِ

(1)

، وكذا في «الوجيز» ؛ لأِنَّ اللهَ تعالَى علَّقَ الحُكْمَ على شَرْطَينِ.

وأجاب القاضي: بأنَّ هذا على طريقِ التَّأكيد والمبالَغَةِ؛ لقَولِه تَعَالَى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ

(68)} الآياتِ [الفُرقان: 68]، ومَعْلومٌ أنَّه لا يُعتَبَرُ صلاحُ العَمَلِ في توبة المشْرِكِ، قال القاضي: لا يُعتَبَرُ صَلاحُ العَمَلِ، وهو ظاهِرُ كلامِ أحمدَ في رِوايَةِ الميْمُونِيِّ وأبي

(2)

الحارِثِ

(3)

؛ لأِنَّها تَوبَةٌ مُسقِطَةٌ للحَدِّ، أشْبهَتْ تَوبَةَ المُحارِبِ قَبْلَ القُدْرةِ عليه؛ كالإسلام.

فعلى هذا: فلا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ قَبْلَ ثبوته

(4)

، وقِيلَ: قَبْلَ القُدْرة، وقِيلَ: قَبْلَ إقامَتِه.

وفي بَحْثِ القاضي: التَّفْرِقةُ بَينَ عِلْمِ الإمام بهم أوْ لَا.

واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: ولو في الحَدِّ لا يُكمَّلُ، وأنَّ هَرَبَهُ

(5)

فيهِ تَوبَةٌ

(6)

.

وعنه: إنْ ثَبَتَ الحَدُّ ببينةٍ

(7)

لم يَسقُطْ، ذكرها

(8)

ابنُ حامِدٍ وغَيرُه.

(1)

قوله: (وفي الخبر: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): وإلى.

(3)

ينظر: زاد المسافر 4/ 393.

(4)

في (م): مدته.

(5)

في (م): هرب به.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 160.

(7)

في (ظ): بنفيه.

(8)

في (م): ذكر.

ص: 636

وعَلَيهِما: يسقط

(1)

في حقِّ مُحارِبٍ تاب قَبْلَ القُدرة عَلَيهِ، ويَحتَمِلُ: لا؛ كما قَبْلَ المُحارَبَةِ.

وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : لا يَسقُطُ بإسْلامِ ذِمِّيٍّ، ومُسْتَأْمِنٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وذكره

(3)

ابنُ أبي موسى في ذِمِّيٍّ، ونَقَلَه فيه أبو داودَ

(4)

، وظاهِرُ كلامِ جماعةٍ: أنَّ فيه الخِلافَ.

(وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ حَدٌّ؛ سَقَطَ عَنْهُ)؛ لِفَواتِ مَحَلِّه؛ كما يَسقُطُ غَسْلُ ما ذَهَبَ من أعْضاءِ الطَّهارةِ.

تذنيبٌ: إذا وَجَدَ رجلاً يَزْنِي مع امْرأَتِه فَقَتَلَه؛ فَلا قَوَدَ ولا دِيَةَ، رواهُ سعيدٌ، عن هُشيم

(5)

، عن مُغِيرَةَ، عن إبراهيمَ، عن عمرَ

(6)

.

فإنِ ادَّعَى ذلك

(7)

؛ لم يُقبَلْ في الحُكْم إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، وهي شاهِدانِ في رِوايَةٍ اخْتارَها أبو بكرٍ، وأربعةٌ؛ لِقَولِ عليٍّ

(8)

.

فإنْ كانَتْ مُكرَهَةً؛ ضمنها وأَثِمَ، وإنْ كانَتْ مُطاوِعَةً؛ فلا.

فائدةٌ: مَنْ عُرِفَ بأَذَى النَّاس وأمْوالِهم

(9)

، فإن

(10)

لم يَنزَجِرْ؛ حُبِسَ،

(1)

في (م): تسقط.

(2)

ينظر: المحرر 2/ 161.

(3)

في (ن): ذكره.

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 306.

(5)

في (م): هشام.

(6)

سبق تخريجه 9/ 120 حاشية (5).

(7)

قوله: (ذلك) سقط من (م).

(8)

مراده ما روي عن عليٍّ رضي الله عنه: أنه سئل عمن وجد مع امرأته رجلاً آخر فقتله، فقال:«إن لم يأْت بأربعة؛ فليعط برمته» وهو صحيح، وسبق تخريجه 9/ 120 حاشية (4).

(9)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 10/ 115 والإقناع 4/ 272: ما لهم. والمراد كما في الكشاف: أذى ما لهم.

(10)

في (م): وإن.

ص: 637

وأُطْعِمَ مِنْ بَيتِ المالِ حتَّى يَمُوتَ.

وكذا مَنْ ابْتَدَعَ بِبِدْعةٍ وحَمَلَ النَّاسَ عَلَيها؛ حُبِسَ حتى

(1)

يَكفَّ

(2)

المسلمين عن بِدْعَتِه، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

.

(1)

في (ن): من.

(2)

زيد في (م): عن.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 439.

ص: 638

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ، أَوْ حُرْمَتُهُ، أَوْ مَالُهُ) وإنْ قلَّ، كافَأَهُ أمْ لا؛ (فَلَهُ الدَّفْعُ عَنْ ذَلِكَ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ)، والمذْهَبُ: أنَّه يَدفَعُ عن ذلك بأسْهَلِ ما يَغلِبُ على ظنِّه، جَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ، (دَفْعَهُ بِهِ)؛ لأِنَّه لو مُنِعَ من ذلك لَأدَّى إلى تَلَفِه وأذاه في نَفْسِه وحُرمَتِه ومالِه، ولأِنَّه لو لم يَجُزْ ذلك لتسلَّط

(1)

النَّاس بعضُهم على بعضٍ، وأدَّى إلى الهَرْج والمَرْجِ، ولأِنَّ الزَّائدَ عَلَيهِ لا حاجةَ إلَيهِ؛ لحُصولِ الدَّفْع به.

وقِيلَ: إنْ لم يُمكِنْه هَرَبٌ، أو احْتِماءٌ، ونحوُه، جَزَمٌ به في «المستوعب» .

فَعَلَى ما ذَكَرْنا: مَتَى عَلِمَ أوْ ظَنَّ الدَّافِعُ أنَّ الصَّائلَ عَلَيهِ يَندَفِعُ بالقَول؛ لم يَجُزْ ضَرْبُه بشَيءٍ، قال أحمدُ: لا يُريدُ قَتْلَه وضَرْبَه، لكِن ادْفَعْه

(2)

.

وقال الميمونيُّ: رأيته يَعجَبُ مِمَّنْ يَقولُ: أُقاتِلُه، وأمْنَعُه

(3)

.

وإنْ عَلِمَ أنَّه يَندَفِعُ بِعَصًا؛ لَمْ يَضْرِبْه بحديدٍ

(4)

.

(وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ إِلاَّ بِالْقَتْلِ؛ فَلَهُ ذَلِكَ)؛ لأِنَّ ضَرَرَه إذا لم يَندَفِعْ إلاَّ به؛ تَعَيَّنَ طَريقًا إلى الدَّفْع المُحتاجِ إلَيهِ، (وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) بالقَتْل؛ لأِنَّه قَتْلٌ لِدَفْعِ شَرِّ الصَّائلِ؛ فلم يَجِبْ به شَيءٌ؛ كفِعْلِ الباغي، ورُوِيَ عن عُبَيدِ بنِ عُمَيرٍ: أنّ رجلاً ضاف

(5)

ناسًا مِنْ هُذَيلٍ، فأراد امرأةً على نَفْسِه

(6)

، فرَمَتْهُ

(7)

بحَجَرٍ،

(1)

في (م): تسلط.

(2)

ينظر: السنة للخلال 1/ 170.

(3)

ينظر: السنة للخلال 1/ 169.

(4)

في (م): بحديدة.

(5)

في (ظ) و (م): خاف. وكتب في هامش (ظ): (لعله: ضاف).

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي كتب المذهب ومصادر الحديث: نفسها.

(7)

في (م): ورمته.

ص: 639

فقال عمر

(1)

: «والله

(2)

لا يُودَى به أبدًا»

(3)

.

(وَإِنْ قُتِلَ كَانَ شَهِيدًا)؛ لِمَا رَوَى عبدُ اللهِ بنُ عمرو

(4)

بن العاص: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ أُرِيدَ مالُه بغَيرِ حقٍّ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فهو شَهِيدٌ» رواهُ أبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وصحَّحَه

(5)

، وعن

(6)

سعيدِ بنِ زَيدٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «مَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِه

(7)

فهو شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دُونَ ماله

(8)

فهو شهيدٌ، ومَن قُتِلَ دُونَ أهْلِه فهو شَهِيدٌ» رواهُ أبو داودَ، والتِّرمذِيُّ وصحَّحَه

(9)

، ولأِنَّه قَتْلٌ لِدَفْعِ ظُلْمٍ؛ فكان شهيدًا؛ كالعادِل إذا قَتَلَه الباغِي، وإنْ قَتَلَه فهدرٌ

(10)

.

ولا يَجوزُ في حالِ مَزْحٍ، ذَكَرَه في «الانتصار» ، ويُقادُ به، ذَكَرَه آخَرُونَ.

(وَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ)، كذا في «المحرَّر»:

(1)

قوله: (عمر) سقط من (ن).

(2)

قوله: (والله) ليس في (م).

(3)

أخرجه عبد الرزاق (17919)، وابن أبي شيبة (27793)، والبيهقي في الكبرى (17649)، قال ابن كثير:(وهو إسناد جيد، وفيه انقطاع)، وحسن إسناده ابن الملقن. ينظر: مسند عمر لابن كثير 2/ 279، البدر المنير 9/ 17.

(4)

في (ن): عمر.

(5)

أخرجه أبو داود (4771)، والترمذي (1420)، وهو في البخاري (2480)، ومسلم (141)، بلفظ:«من قتل دون ماله فهو شهيد» .

(6)

في (م): عن.

(7)

في (ظ): ماله.

(8)

في (ظ): دمه.

(9)

أخرجه أحمد (1652)، وأبو داود (4772)، والترمذي (1421)، والنسائي (4094)، ورجال سنده رجال الصحيح عدا أبي عبيد بن محمد بن عمار بن ياسر، وثقه ابن معين وأحمد، والحديث صححه الترمذي والألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 12/ 161، الإرواء 3/ 164

(10)

في (م): فهرب.

ص: 640

الأصح: أنَّه يَلزَمُه الدَّفْعُ عن نفسه؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البَقَرَة: 195]، وكما يَحرُمُ قَتْلُ نَفْسِه؛ يحرم

(1)

عَلَيهِ إباحةُ قَتْلِ نَفْسِه، ولأِنَّه قَدَرَ على إحْياءِ نَفْسِه؛ فَوَجَبَ عَلَيهِ فِعْلُ ما يَتَّقي

(2)

به؛ كالمضْطَرِّ إذا وَجَدَ الميتةَ، وكذا عن نَفْسِ غَيرِه، لا في فِتْنةٍ في الأصحِّ فِيهِما.

والثَّانِيَةُ: لا يَلزَمُه، قدَّمَها في «الرِّعاية» ، وصحَّحَها ابنُ المنَجَّى؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بن عمر

(3)

: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما يَمنَعُ أحدَكم إذا جاءَ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَه أنْ يكونَ مِثْلَ ابني

(4)

آدَمَ، القاتِلُ في النَّار، والمقْتُولُ في الجَنَّة» رواهُ أحمدُ

(5)

، وعن أبي موسى: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دَخَلَ أحدُكم بفتنةٍ

(6)

؛ فليكُنْ كخَيرِ ابنَيْ

(7)

آدَمَ» رواه أحمد

(8)

، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ

(9)

، ولأِنَّ

(1)

في (ظ): تحرم.

(2)

في (م): ما يبقى.

(3)

في (ظ) و (ن): عمرو.

(4)

في (ن): ابن.

(5)

أخرجه أحمد (5754)، وأبو داود (4260)، والبخاري في التاريخ معلقًا (5/ 291)، ولفظ المصنف لأحمد، وعند أبي داود نحوه، وفي سنده: عبد الرحمن بن سمير، ويقال: ابن سميرة، ويقال: ابن أبي سميرة، وقيل غير ذلك، ذكر أبو داود الخلاف في اسمه، وهو راوٍ مجهول لم يرو عنه إلا عون بن أبي جحيفة، وذكره ابن حبان في الثقات، قال ابن حجر:(مقبول)، وضعف الحديث الألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 191، الضعيفة (4664).

(6)

في (م): بيته.

(7)

في (ن): كخبر ابن.

(8)

قوله: (أحمد) سقط من (م).

(9)

أخرجه أحمد (19730)، وأبو داود (4259)، والترمذي (2204)، وابن ماجه (3961)، وابن حبان (5962)، ورجاله رجال الصحيح، وفيه: عبد الرحمن بن ثروان، وثَّقه جمع من الأئمة، وقال أحمد:(يخالف في أحاديثه)، قال ابن حجر:(صدوق ربما خالف)، والحديث صححه ابن حبان وابن دقيق العيد على شرط الشيخين، وقال الترمذي:(حسن غريب). ينظر: تهذيب التهذيب 6/ 153، التلخيص الحبير 4/ 228.

ص: 641

عُثْمانَ تَرَكَ القِتالَ على مَنْ بَغَى عَلَيهِ مع القُدْرةِ عَلَيهِ، ومَنَعَ غَيرَه مِنْ قِتالِهم، وصَبَرَ على ذلك

(1)

، ولو لم يَجُزْ؛ لَأنْكَرَ الصَّحابةُ عليه

(2)

ذلك.

وعلى اللُّزومِ: إنْ أمْكَنَه أنْ يَهرُبَ، أوْ يَحْتَمِيَ، أوْ يختفي

(3)

؛ ففي جَوازِ الدَّفْع وَجْهانِ.

وظاهِرُه: أنَّه لا يَجِبُ الدَّفْعُ عن حُرْمَتِه، ولَيسَ كذلك، بَلْ هو قويلٌ

(4)

،

(1)

من ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة (37082)، وابن سعد في الطبقات (3/ 70)، والخلال في السنة (2/ 333)، من طريق هشام بن حسان، عن ابن سيرين قال: جاء زيد بن ثابت إلى عثمان رضي الله عنهما فقال: «هذه الأنصار بالباب قالوا: إن شئت أن نكون أنصار الله مرتين، فقال: أما القتال فلا» ، ورجاله ثقات لكن في رواية ابن سيرين عن زيد كلام، قال ابن عبد الهادي:(ورواية ابن سيرين عن زيد كأنَّها مرسلة، وقد قال البخاريُّ إنَّه سمع منه، وقال يحيى بن معين: دخل على زيد بن ثابت وهو صغير).

وأخرج سعيد بن منصور (2936)، من طريق أبي معشر، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال:«كنت محصورًا مع عثمان بن عفان في الدار، فرمي رجل منا فقتل، فقلت لعثمان: يا أمير المؤمنين أما طاب الضراب؟ قتلوا رجلاً منا، فقال: عزمت عليك يا أبا هريرة إلا طرحت سيفك، فإنما تراد نفسي وسأقي المؤمنين اليوم بنفسي» ، وفيه أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي وهو ضعيف.

وأخرج أحمد (24253)، وابن ماجه (113)، وابن حبان (6918)، عن قيس بن أبي حازم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: «وددت أن عندي بعض أصحابي» قلنا: يا رسول الله، ألا ندعو لك أبا بكر

الحديث، وفيه: قال: قيس، فحدثني أبو سهلة مولى عثمان، أن عثمان بن عفان، قال يوم الدار:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليَّ عهدًا، فأنا صائر إليه» وفي لفظ: «وأنا صابر عليه» ، قال قيس: فكانوا يرونه ذلك اليوم. صححه ابن حبان والبوصيري. ينظر: تاريخ الطبري 4/ 365، البداية والنهاية 10/ 298، تنقيح التحقيق 3/ 428، زوائد ابن ماجه 1/ 19.

(2)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(3)

قوله: (أو يختفي) سقط من (م).

(4)

في (م): قوتك.

ص: 642

فإنَّه إذا رأى مع امْرَأتِه رَجُلاً، أو ابْنَتِه، أوْ أخْتِه يَزْنِي بها، أو تلوَّط

(1)

بابْنِه؛ فإنَّه يَجِبُ الدَّفْعُ عن ذلك في المنصوص

(2)

؛ لأِنَّه اجْتَمَعَ فيه حقُّ الله، وهو مَنْعُه من الفاحِشَةِ، وحقُّ نَفْسِه بالمنْعِ عن أهله، فلا يسعه

(3)

إضاعةُ هَذِه الحُقوقِ.

ولا عَنْ مالِه، وهو الأصحُّ؛ كما لا يَلزَمُه حِفْظُه من

(4)

الضَّياع والهلاك، ذَكَرَه القاضِي وغَيرُه.

وفي «التَّبصرة» في الثَّلاثة: يَلزَمُه في الأصحِّ.

وله بذله

(5)

، وذَكَرَ القاضي: أنَّه أفْضَلُ، ونَقَلَه حنبلٌ

(6)

، وفي «التَّرغِيبِ»: المنصوصُ عنه أنَّ تَرْكَ قِتالِه عنه

(7)

أفْضَلُ، وأطلق

(8)

رِوايَتَي الوُجوب في الكلِّ.

زاد في «نِهَايَة المبْتَدِئِ» على الثَّلاثة: وعِرضه

(9)

، وقِيلَ: يَجِبُ.

وأطْلَقَ في «التَّبصرةِ» ، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين: لُزومَه عن مالِ غَيرِه

(10)

.

(وَسَوَاءٌ كَانَ الصَّائِلُ آدَمِيًّا)، مُكلَّفًا أوْ غَيرَ مُكلَّفٍ، وفي «التَّرغيب»: وعِندِي يَنتَقِضُ عَهْدُ الذِّمِّيِّ، (أَوْ بَهِيمَةً)؛ لاِشْتِراكِهما في المُجَوِّزِ للدفع

(11)

،

(1)

في (م): ويلوط، وفي (ن): أو يلوط.

(2)

ينظر: السنة للخلال 1/ 165.

(3)

في (م): فلا يسبقه، وفي (ن): فلا تسعه.

(4)

في (م): عن.

(5)

في (م): بذلك.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 163.

(7)

قوله: (عنه) سقط من (م).

(8)

في (ن): وأظن.

(9)

في (م): وغرضه.

(10)

ينظر: الاختيارات ص 428، الفروع 10/ 164.

(11)

في (م): الدفع.

ص: 643

وهو الصَّولُ، ولأِنَّ البهيمةَ لا حُرْمَةَ لها، فيَجِبُ عَلَيهِ الدَّفْعُ إذا أمْكَنَه؛ كما لو خاف مِنْ سَيلٍ أوْ نارٍ وأمْكَنَهُ أنْ يتنحى

(1)

عنه.

(وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلاً)، إذا

(2)

ادَّعى صِيالَةً بلا بَيِّنةٍ ولَا إقْرارٍ؛ لم يُقبَلْ، (فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا)؛ أيْ: إذا دَخَلَ مَنزِلَ غَيرِه بغَيرِ إذْنِه؛ فلِصاحِبِ المنزِلِ أمْرُه بالخُروج مِنْ مَنزِلِه، سَواءٌ كان معه سلاحٌ أوْ لا.

فإنْ خَرَج بالأمر؛ لم يكُنْ له غَيرُه؛ لأِنَّ المقصودَ إخْراجُه، لكِنْ رُوِيَ عن ابن عمرَ:«أنَّه رَأَى لِصًّا فأصْلَتَ عَلَيهِ السَّيفَ» ، قال الرَّاوِي: فلو تَرَكْناهُ لَقَتَلَه

(3)

، وجاء رجلٌ إلى الحَسَن، فقال: رجلٌ دَخَلَ بَيتِي ومعه حديدة

(4)

، أقْتُلُه؟ قال:«نَعَمْ» .

وجَوابُه: أنَّه أمْكَنَ إزالةُ العُدْوان بغَيرِ القَتْل؛ فلم

(5)

يَجُز القَتْلُ، وكما لو

(6)

غَصَبَ منه شَيئًا وأمْكَنَ أَخْذُه بغَيرِ القَتْلِ، وفِعْلُ ابنِ عُمَرَ يُحمَلُ على قَصْدِ التَّرهيب.

فإنْ لم يَخرُجْ؛ فله ضَرْبُه بأسْهَلِ ما يَعلَمُ أوْ يَظُنُّ أنَّه يندفع

(7)

به، فإنْ خَرَجَ بالعصا؛ لم يكُنْ له ضَرْبُه بالحديد، وإنْ وَلَّى هارِبًا؛ لم يكُنْ له قَتْلُه ولا اتِّباعُه؛ كالبُغاة، وإنْ ضَرَبَه ضَرْبَةً عطَّلته

(8)

؛ لم يكُنْ له أرْشٌ

(9)

؛ لأِنَّه كُفِيَ شَرَّه.

(1)

في (ن): ينتحي.

(2)

في (ظ): أي إذا. وفي (م): أو.

(3)

أخرجه عبد الرزاق (18557، 18818)، وابن أبي شيبة (28041)، من طريق الزهري، عن سالم به. وإسناده صحيح.

(4)

زيد في (ن): فقال.

(5)

في (ظ): لم.

(6)

قوله: (وكما لو) في (م): وقالوا: إن.

(7)

في (م): يدفع.

(8)

قوله: (ضربة عطلته) في (م): غلظة. والمثبت موافق للمغني والشرح.

(9)

كذا في النسخ الخطية، وهو موافق لما في شرح المنتهى 3/ 385 ومطالب أولي النهى 6/ 258، والذي في المغني 9/ 182، والشرح الكبير 27/ 38، والإقناع 4/ 289: أن يُثَنِّيَ عليه.

ص: 644

وإنْ ضربه

(1)

فَقَطَعَ يمينَه، فوَلَّى مُدْبِرًا، فَقَطَعَ رِجْلَه؛ فالرِّجْلُ مَضمونةٌ بقِصاصٍ أوْ دِيَةٍ؛ لأِنَّه في حالٍ لا يَحِلُّ له ضَرْبُه، واليَدُ غَيرُ مَضْمونَةٍ، فإنْ مات

(2)

مِنْ سِرايَةِ القَطْع؛ فَعَلَيهِ نِصفُ الدِّيَة.

وإنْ عادَ إلَيهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِه، فَقَطَعَ يَدَه الأخْرَى؛ فاليَدانِ غَيرُ مَضْمونتَينِ، وإنْ ماتَ فعَلَيهِ ثلث

(3)

الدِّيَةِ؛ كما لو ماتَ مِنْ جراحةِ ثلاثةِ أنْفُسٍ.

وقِياسُ المذْهَبِ: أنْ يَضمَنَ نِصفَ الدِّيَة؛ كما لو جَرَحَه اثْنانِ، وماتَ منها.

وإنْ لم يُمْكِنْه إلاَّ بالقَتْل، أوْ خاف أنْ يَبدُرَه به؛ فله قَتْلُه، وهو هَدرٌ؛ كالباغي، وإنْ قُتِلَ صاحِبُ المنزل فهو شهيدٌ؛ للخبر، وكالعادِل، وعلى الصَّائل ضَمانُه.

وإنْ أمْكَنَ دَفْعُه بقَطْعِ عُضْوٍ فَقَتَلَه، أوْ قَطَعَ زيادةً على ما يَندَفِعُ به؛ ضَمِنَه.

(وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا) عَضًّا مُحرَّمًا، (فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ؛ ذَهَبَتْ هَدَرًا)؛ لِمَا رَوَى عِمْرانُ بنُ حُصَينٍ، قال

(4)

: قاتَلَ يَعْلَى

(5)

بنُ أُمَيَّةَ رَجُلاً، فَعَضَّ أحدُهما صاحِبَه، فانْتزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَه، وفي لفظ: بِثَنيَّتِه

(6)

، فاخْتَصَما إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «أيَعَضُّ أحدُكم كما يَعَضُّ الفَحْلُ، لا

(1)

في (م): هرب.

(2)

قوله: (مات) سقط من (م).

(3)

في (ن): نصف.

(4)

قوله: (قال) سقط من (م).

(5)

في (ن): معلى.

(6)

قوله: (وفي لفظ: بثنيته) سقط من (م).

ص: 645

دِيَةَ لك

(1)

» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، ولفظه

(2)

لمسلمٍ

(3)

، ولأِنَّه عُضْوٌ تَلِفَ ضَرورةَ شرِّ

(4)

صاحِبه فلم يُضمَنْ؛ كما لو صَالَ عَلَيهِ، فلم يمكن الدفع

(5)

إلاَّ بقَطْعِ يَدِه.

وسَواءٌ كان المعْضوضُ ظالِمًا أوْ مظلومًا؛ لأِنَّ العَضَّ مُحرَّمٌ، إلاَّ أنْ يكُونَ العَضُّ مُباحًا، كمَنْ لا يَقدِرُ على التَّخَلُّص إلاَّ بِعَضِّه.

وقال القاضي: تخليصُ

(6)

المعْضوض يَدَه بأسْهَلِ ما يُمكِنُه، فإنْ أمْكَنَه فكَّ لِحْيَتِه

(7)

، وإنْ لم يُمكِنْه لكَمَه

(8)

، وإنْ لم يُمكِنْه جَذَبَ يَدَه مِنْ فِيهِ، فإنْ لم يَخلُصْ؛ فله أنْ يَعصِرَ خصيتيه

(9)

، فإنْ لم يُمكِنْه؛ فله أنْ يَبعَجَ بَطْنَه، وإنْ أتى على نَفْسِه.

قال في «المغْنِي» : والصَّحيحُ أنَّ هذا التَّرتيبَ غَيرُ معتبر

(10)

، ويَنْبَغِي أنْ يَجذِبَ يده

(11)

أوَّلاً، فإنْ أمْكَنَه ذلك، فعَدَلَ إلى لَكْمِ فَكِّه، فأتْلَفَ شَيئًا؛ ضمنه؛ لِإمْكانِ التخلُّص

(12)

بما هو أَوْلَى منه.

(وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ مِنْ خَصَاصِ الْبَابِ)، وهو الفُروجُ الذِي فيه، (وَنَحْوِهِ)، وظاهِرُه: ولو لم يَتعَمَّدْ، لكِنْ ظنَّه مُتعَمِّدًا، قال في «التَّرغيب»: أوْ صادَفَ

(1)

في (ظ): إلي.

(2)

في (م): وفي لفظ.

(3)

أخرجه البخاري (6892)، ومسلم (1673).

(4)

في (ن): بشر. وفي المغني 9/ 185، والشرح الكبير 26/ 48: ضرورة دفع شرِّ.

(5)

في (ظ): فلم يكن الدافع، وفي (ن): فإن لم يمكن الدافع.

(6)

في (م): يتخلص.

(7)

في (ن): تل لحيته. وفي المغني 9/ 186: (فإن أمكنه فكَّ لحييه بيده الأخرى فعل).

(8)

قوله: (وإن لم يمكنه لكمه) سقط من (م).

(9)

في (م): خصيته.

(10)

في (م): مغني.

(11)

قوله: (يده) سقط من (م).

(12)

في (م): التخليص.

ص: 646

عَورةً مِنْ مَحارِمِه وأصرَّ، وفي «المغْنِي»: ولو خَلَتْ من نساءٍ، (فَخَذَفَ عَيْنَهُ، فَفَقَأَهَا)، وفي «الفروع»: فتَلِفَتْ؛ (فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» وغَيرِهما؛ لِمَا رَوَى أبو هُرَيرةَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لو أنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيكَ بغَيرِ إذْنٍ، فَخَذَفْتَه بحَصاةٍ، فَفَقَأْتَ عَينَه؛ لم يكُنْ عَلَيكَ جُناحٌ» متَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

.

وظاهِرُ كلامِ أحمد

(2)

: أنَّه لا يُعتَبَرُ أنَّه لا يُمكِنُه دَفْعُه إلاَّ بذلك؛ لظاهِرِ الخَبَرِ، ولا يَتْبَعُه.

وقال ابنُ حامِدٍ: يَدفَعُه بالأَسْهَلِ، فيُنْذِره

(3)

أوَّلاً، كمَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ لم يَقصِدْ أُذُنَه

(4)

بلا

(5)

إنْذارٍ، قالَهُ في «التَّرغيب» .

وقِيلَ: بابٌ مَفْتوحٌ كخَصاصَةٍ، وجَزَمَ به

(6)

بعضُهم، وعن أبي ذر

(7)

مرفوعًا: «وإنْ مَرَّ رجلٌ على بابٍ لا سِتْرَ له غَيرِ مُغلَقٍ، فنَظَر

(8)

؛ فلا

(9)

خَطِيئةَ عَلَيهِ، إنَّما الخَطِيئةُ على أهْلِ البَيتِ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، وفيه

(10)

ابنُ لَهِيعَةَ

(11)

.

(1)

أخرجه البخاري (6902)، ومسلم (2158).

(2)

قوله: (أحمد) سقط من (م). وينظر: الكافي 4/ 114.

(3)

في (م): فيبدره.

(4)

في (ن): أذية.

(5)

في (م): فلا.

(6)

قوله: (به) سقط من (م).

(7)

قوله: (ذر) مكانه بياض في (م).

(8)

في (ظ): فينظر.

(9)

في (م): ولا.

(10)

في (م): وعن.

(11)

أخرجه أحمد (21359)، والترمذي (2707)، وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، قال الذهبي:(العمل على تضعيف حديثه)، وقال الترمذي:(هذا حديث غريب، لا نعرفه مثل هذا إلا من حديث ابن لهيعة)، وقواه الألباني لأنه من رواية قتيبة بن سعيد عنه. تنبيه: لم يخرج أبو داود هذا الحديث. ينظر: تحفة الأشراف 9/ 177، الصحيحة (3463).

ص: 647

ولو كان إنسانٌ عُرْيانًا في طريقٍ؛ لم يكُنْ له رمي

(1)

مَنْ نَظَرَ إلَيهِ؛ لأِنَّه مُفرِّطٌ.

فرعٌ: إذا اطَّلَعَ فَرَمَاهُ، فقال المطَّلِعُ: ما تَعمَّدْتُه؛ لم يَضمَنْه على ظاهِرِ كلامه، وعلى

(2)

قَولِ ابنِ حامِدٍ: بَلَى.

وإن اطَّلَع أعْمَى؛ لم يَجُزْ رَمْيُه، وقال ابنُ عَقِيلٍ: بَلَى، إنْ كان سميعًا؛ كالبَصِيرِ.

وسَواءٌ كان النَّاظِرُ في مِلْكِه، أوْ غَيرِه. واللهُ أعْلَمُ.

(1)

في (م): رضا.

(2)

في (م): على.

ص: 648

(بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ)

البَغْيُ: مَصْدَرُ بَغَى يَبْغِي بَغْيًا، إذا اعْتَدَى.

والمرادُ هنا: هم الظَّلَمةُ الخارِجونَ عن

(1)

طاعةِ الإمامِ، المعْتَدُونَ عَلَيهِ، قال اللهُ تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} ، إلى قوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: 10]، وفِيهَا فَوائِدُ:

مِنْها: أنَّهم لم يَخرُجُوا بالبَغْيِ عن الإيمان.

ومِنْها: أنَّه

(2)

أوْجَبَ قِتالَهم.

ومِنْها: أنَّه أسْقَطَ قِتالَهم إذا رَجَعُوا إلى أمْرِ الله تَعالَى.

ومِنْها: أنَّه أسْقَطَ عنهم التَّبِعةَ فِيما أتْلَفُوهُ في قِتالِهم.

ومِنْها: أنَّها أجازَتْ قِتالَ كلِّ مَنْ مَنَعَ حَقًّا عَلَيهِ.

والأحاديثُ مشهورةٌ، منها

(3)

: ما رَوَى عُبادةُ بنُ الصَّامِت، قال: «بايَعْنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم على السَّمْع والطَّاعة، في المنْشَطِ والمكْرَه، وألاَّ نُنازِع

(4)

الأمرَ أهْلَه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(5)

، وأجْمَعَ الصَّحابةُ على قِتالِهم، فإنَّ

(6)

أبا بكرٍ قاتَلَ مانِعِي الزَّكاة

(7)

، وعَلِيًّا قاتَلَ أهلَ الجَمَلِ وأهْلَ صِفِّينَ.

(وَهُمُ الْقَوْمُ الذِينَ يَخْرُجُونَ عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ) العادِلِ، ذَكَرَه في «الرِّعاية» ، (بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ)، سَواءٌ كان صوابًا أوْ خَطَأً، وقِيلَ: بل خَطَأً فَقَطْ، ذَكَرَه في

(1)

في (م): من.

(2)

زيد في (م): إذ.

(3)

في (م): فيها.

(4)

في (ن): ألا ينازع.

(5)

أخرجه البخاري (7199)، ومسلم (1709).

(6)

في (م): ولأن.

(7)

أخرجه البخاري (1399)، ومسلم (20).

ص: 649

«الرِّعاية» ، (وَلَهُمْ مَنَعَةٌ وَشَوْكَةٌ)، لا جَمْعٌ يسيرٌ، خِلافًا لأِبي بكرٍ.

فإنْ فاتَ شَرْطٌ؛ فقُطَّاعُ طريقٍ، فَعَلَى هذا: لو امْتَنَعَ قَومٌ مِنْ طاعةِ الإمام وخَرَجُوا عن قَبْضَتِهِ بغَيرِ تأويلٍ، أوْ كان لهم تأويلٌ ولا مَنَعَةَ لهم كالعَشَرة؛ فقُطَّاعُ طريقٍ.

وفي «التَّرغيب» : لا تتم

(1)

الشَّوكةُ إلا وفِيهم واحِدٌ مُطاعٌ، وأنَّه يُعتَبَرُ كَونُهم في طرف

(2)

وِلايَتِه.

وفي «عُيونِ المسائل» : تدعو

(3)

إلى نَفْسها، أو إلى

(4)

إمامٍ غَيرِه، وإلاَّ فقُطَّاعُ طريقٍ.

أصلٌ: مَنْ كَفَّرَ أهلَ الحقِّ والصَّحابة، واسْتَحَلَّ دِماءَ المسلمين؛ فهم بُغاةٌ في قَولِ الجَماهِيرِ، يتعين

(5)

اسْتِتابَتُهم، فإنْ تابُوا وإلاَّ قُتِلُوا على إفسادهم

(6)

، لا على كُفْرِهم.

وقال طائفةٌ من المحدِّثِينَ: هم كُفَّارٌ، حُكْمُهم حُكْمُ المرْتَدِّينَ؛ للأخبار

(7)

، وهذا روايةٌ عن أحمدَ، وذكره

(8)

في «التَّرغيب» و «الرِّعاية» : أنَّها

(1)

في (م): لا يتم.

(2)

في (م): طريق.

(3)

في (م): يدعون.

(4)

في (م): وإلى.

(5)

في (ن): تتعين.

(6)

في (م): فسادهم.

(7)

منها: قوله صلى الله عليه وسلم في وصفهم: «يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد» ، وفي لفظ:«لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود» ، أخرجه البخاري (3344)، ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وعند مسلم (1067)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه:«إن بعدي من أمتي - أو سيكون بعدي من أمتي - قوم يقرؤون القرآن، لا يجاوز حلاقيمهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية، ثم لا يعودون فيه، هم شر الخلق والخليقة» .

(8)

في (ظ): ذكره.

ص: 650

أشْهَرُ، وذَكَرَ ابنُ حامِدٍ: أنَّه لا خِلافَ فيه.

وحَكَى ابنُ أبي مُوسَى عن أحمدَ: الخَوارِجُ كِلابُ النَّار، صَحَّ الحديثُ فيهم من عَشَرَةِ أوْجُهٍ

(1)

، قال: والحُكْمُ فِيهم على ما قال عليٌّ

(2)

، وفيما قال:«لا نَبْدَؤُكم بقِتالٍ»

(3)

.

(1)

ذكر جملة من أحاديث الخوارج: البخاري في كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم (6930)، (6931)، (6932)، ومسلم في كتاب الزكاة، (1063)، (1064)، (1066).

وما ورد أنهم كلاب النار: أخرجه أحمد (22151)، والترمذي (3000)، واللفظ له، والحاكم (2655)، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعًا:«كلاب النار شر قتلى تحت أديم السماء، خير قتلى من قتلوه» ، وحسنه الترمذي، وصححه الحاكم.

وأخرجه أحمد (19130)، وابن ماجه (173)، من طريق الأعمش، عن ابن أبي أوفى رضي الله عنه مرفوعًا:«الخوارج كلاب النار» ، والأعمش لم يسمع منه، وأخرجه أحمد (19415)، من طريق الحشرج بن نباتة العبسي، حدثني سعيد بن جمهان قال: أتيت عبد الله بن أبي أوفى

الحديث، وحشرج صدوق يهم، وابن جهمان صدوق له أفراد.

وظاهر مراد المؤلف هو ما أخرجه البخاري ومسلم من أحاديث الخوارج كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في توضيح عبارة الإمام أحمد: (وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث صحيحة في ذمهم والأمر بقتالهم، قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: صح فيهم الحديث من عشرة أوجه؛ ولهذا قد أخرجها مسلم في صحيحه وأفرد البخاري قطعة منها). ينظر: مجموع الفتاوى 13/ 31.

(2)

قوله: (علي) سقط من (م). وينظر: السنة للخلال 1/ 145، زاد المسافر 4/ 395، الإرشاد ص 518.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (37930)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (16763)، عن كثير بن نمر، قال: «بينا أنا في الجمعة، وعلي رضي الله عنه على المنبر، إذ قام رجل فقال: لا حكم إلا لله

وفيه أن عليًّا رضي الله عنه قال: ألا إن لكم عندي ثلاث خصال: ما كنتم معنا: لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله، ولا نمنعكم فيئًا ما كانت أيديكم مع أيدينا، ولا نقاتلكم حتى تقاتلوا»، وفي سنده: كثير بن نمر من أصحاب عليٍّ ذكره البخاري في التاريخ وابن أبي حاتم في الجرح ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وذكره ابن حبان في الثقات، قال الألباني:(فهو في حكم المجهولين)، وذكره الشافعي في الأم (4/ 229) بلاغًا. ينظر: التاريخ الكبير 7/ 207، الإرواء 8/ 118.

ص: 651

وقال

(1)

ابنُ المنْذِرِ: ولا

(2)

أعلم

(3)

أحدًا وافَقَ أهلَ الحديث على كُفْرِهم

(4)

، قال ابنُ عبدِ البَرِّ: في الحديث

(5)

الذي رُوِّيناهُ: «يَتَمادَى في الفرق

(6)

»

(7)

يدلُّ على أنَّه لم يُكفِّرْهم

(8)

.

قال المؤلِّفُ: والصَّحيحُ أنَّ الخوارجَ يَجُوزُ قَتْلُهم ابْتِداءً، والإجازةُ على جَريحِهم.

(وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُرَاسِلَهُمْ، وَيَسْأَلَهُمْ مَا يَنْقِمُونَ مِنْهُ

(9)

؛ للنَّصِّ؛ إذ المُراسَلَةُ والسُّؤالُ طريقٌ إلى الصُّلح؛ لأِنَّ ذلك وسيلةٌ إلى رجوعهم إلى الحقِّ، وقد رُوِيَ: «أنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ راسَلَ أهْلَ البصرة

(10)

قَبْلَ وَقْعَةِ الجَمَلِ»

(11)

، و «لمَّا اعْتَزَلَتْهُ الحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إلَيهِم عبدَ الله بنَ عبَّاسٍ، فَوَاضَعُوهُ

(1)

في (ن): قال.

(2)

في (م): لا.

(3)

في (ن): ولا نعلم.

(4)

ينظر: الإشراف 8/ 225.

(5)

قوله: (في الحديث) في (م): والحديث.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي مصادر التخريج:«يتمارى في الفوق» ، أي: يتشكك، هل بقي فيها شيء من الدم، والفوقة: موضع الوتر من السهم، قال ابن الأنباري: الفوق يذكر ويؤنث. ينظر فتح الباري 12/ 290.

(7)

أخرجه البخاري (5058)، ومسلم (1064)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه في صفة الخوارج وفيه:«يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ينظر في النصل فلا يرى شيئًا، وينظر في القدح فلا يرى شيئًا، وينظر في الريش فلا يرى شيئًا، ويتمارى في الفوق» ، وعند مسلم:«فيتمارى في الفوقة» وعند النسائي في الكبرى (8035): «ويتمادى في الفوق» .

(8)

ينظر: التمهيد 23/ 326.

(9)

قوله: (ويسألهم ما ينقمون منه) سقط من (ظ) و (م).

(10)

في (م): البقرة.

(11)

أخرجه البيهقي في الكبرى (16743)، وليس فيه التصريح بمراسلة أهل البصرة، وضعف الألباني سنده. ينظر: الإرواء 8/ 110.

ص: 652

كتاب اللهِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ، فَرَجَعَ منهم أربعةُ آلافٍ»

(1)

.

(وَيُزِيلُ مَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٍ)؛ لأِنَّ ذلك وجب

(2)

مع إفْضاءِ الأمر إلى القَتْلِ والهَرْج والمرْجِ، فَلَأَنْ يَجِبَ في حالٍ يُؤَدِّي إلى ذلك بطريقِ الأَوْلَى.

(وَيَكْشِفُ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ شُبْهَةٍ)؛ لأِنَّ كَشْفَها طريقٌ إلى رُجوعِهم إلى الحقِّ، وذلك مُطْلوبٌ، إلاَّ أنْ يَخافَ كَلَبَهم، فلا يُمكِنُ ذلك في حقِّهم.

فإنْ أبَوُا الرُّجوعَ؛ وَعَظَهُم، وخوَّفهم القِتالَ؛ لأِنَّ المقْصودَ دَفْعُ شَرِّهم، لا قَتْلُهم.

(فَإِنْ فَاؤُوا)؛ أيْ: رَجَعُوا إلى الطاعة

(3)

، (وَإِلاَّ قَاتَلَهُمْ)؛ أيْ: يَلزَمُ القادِرَ قِتالُهم؛ لإجْماعِ الصَّحابة على ذلك

(4)

.

وقال

(5)

الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(6)

: الأفْضَلُ تَرْكُه حتَّى يَبْدَؤوهُ، وهو ظاهِرُ اختيار

(7)

المؤلِّف.

وقالا في الخَوارِج: له قَتْلُهم ابْتِداءً، وتَتِمَّةُ الجَريح.

وفي «المغْنِي» و «الشَّرح» في الخَوارِج: ظاهِرُ قَولِ المتأخِّرِينَ مِنْ أصْحابنا: أنَّهم بُغاةٌ، لهم

(8)

حُكْمُهم.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (18678)، وأحمد (3187)، وأبو داود (4037)، وغيرهم مطولاً ومختصرًا، وصححه الحاكم وابن كثير وابن حجر والألباني. ينظر: الدراية 2/ 138، الإرواء 8/ 111.

(2)

في (م): واجب.

(3)

قوله: (إلى الطاعة) سقط من (م).

(4)

ينظر: الإشراف 8/ 219.

(5)

في (م): قال.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 56، الاختيارات ص 428.

(7)

في (م): كلام.

(8)

في (ظ): له.

ص: 653

وفرَّق جُمْهورُ العُلَماء بَينَ الخَوارِج والبُغاةِ المتأوِّلِينَ، وهو المعروفُ عن الصَّحابة وغَيرِهم.

(وَعَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ عَلَى حَرْبِهِمْ)؛ لقوله

(1)

تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} [النِّسَاء: 59]، ولقولِه عليه السلام:«مَنْ فارَقَ الجماعةَ شِبْرًا؛ فقد خَلَعَ ربقة الإسلامِ من عُنُقِه» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، مِنْ حديثِ أبي ذَرٍّ رضي الله عنه

(2)

.

(فَإِنِ

(3)

اسْتَنْظَرُوهُ مُدَّةً رَجَا رُجُوعَهُمْ فِيهَا؛ أَنْظَرَهُمْ) حكاهُ ابنُ المنذر إجْماعَ مَنْ يَحفَظُ عنه

(4)

، وفي «الرِّعاية»: ثلاثًا، ولأِنَّ الإنْظارَ المرْجُوَّ به رُجوعُهم أَوْلَى مِنْ معالجتهم

(5)

بالقِتال المؤدِّي إلى الهَرْج والمَرْجِ.

(فَإِنْ ظَنَّ أَنَّهَا مَكِيدَةٌ؛ لَمْ يُنْظِرْهُمْ)؛ لأِنَّ الإنْظارَ لا يُؤْمَنُ مِنْه أنْ يَصِيرَ طريقًا إلى قَهْرِ أهلِ الحقِّ، وذلك لا يَجُوزُ، وإنْ أَعْطَوْهُ عليه مالاً أوْ رَهْنًا؛ لأِنَّه يُخَلِّي سَبِيلَهم إذا انْقَضَت الحربُ، كما تُخلَّى

(6)

الأسارَى، ولا يَجُوزُ قَتْلُهم.

فإنْ سَأَلوهُ أنْ يُنظِرَهم أبدًا، ويَدَعَهم وما هُمْ عَلَيهِ، ويَكُفُّوا عن المسلمين، فإنْ قَوِيَ عَلَيهِم؛ لم يَجُزْ إقْرارُهم على ذلك، وإلاَّ جازَ.

(1)

في (ن): كقوله.

(2)

أخرجه أحمد (21561)، وأبو داود (4758)، وفي سنده خالد بن وهبان وهو مجهول، والحديث له شواهد تقويه وصححه بها ابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 8/ 527، السنة لابن أبي عاصم 2/ 434.

(3)

في (ظ): فلو.

(4)

ينظر: الإجماع ص 132.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وهي موافقة لما في كشاف القناع، وفي الممتع 4/ 329: معاجلتهم.

(6)

في (م): على.

ص: 654

(وَقَاتَلَهُمْ) حَيثُ قَوِيَ على ذلك، فإنْ ضَعُفَ عنه؛ أخَّرَه حتَّى يَقْوَى، فإنْ حَضَرَ معهم مَنْ لا يُقاتِلُ؛ لم يَجُزْ قَتْلُه، وإذا قاتَلَ معهم عَبِيدٌ أوْ نِساءٌ أوْ صِبْيانٌ؛ فهم كالرَّجُل البالِغِ الحُرِّ، وفي «التَّرغيب»: ومُراهِقٌ وعَبْدٌ؛ كخَيلٍ.

(وَلَا يُقَاتِلُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إِتْلَافُهُ؛ كَالمَنْجَنِيقِ وَالنَّارِ)؛ لأِنَّه يَعُمُّ مَنْ يَجُوزُ ومَنْ لا يَجُوزُ، (إِلاَّ لِضَرُورَةٍ)؛ كما في دَفْعِ الصَّائل، فإنْ رماهم البُغاةُ به؛ جاز رَمْيُهم.

(وَلَا يَسْتَعِينُ فِي حَرْبِهِمْ بِكَافِرٍ)؛ لأِنَّه لا يُستَعانُ في قِتالِ الكُفَّار به، فَلَأَنْ لا

(1)

يُستَعانَ به في قِتالِ مُسلِمٍ بطريقِ الأَوْلَى، ولأِنَّ القَصْدَ كَفُّهُم لا قَتْلُهم، وهو لا يَقصد قَتْلَهم

(2)

.

فإن احْتاجَ فَقَدَرَ على

(3)

كَفِّهم عن فِعْلِ ما لا يَجُوزُ؛ جازَت الاِسْتِعانةُ بهِم، وإلاَّ فَلَا.

(وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَعِينَ عَلَيْهِمْ بِسِلَاحِهِمْ وَكُرَاعِهِمْ

(4)

؛ أيْ: خيلهم

(5)

؟ (عَلَى وَجْهَيْنِ):

أحَدُهما: لا، جَزَمَ به ابنُ هُبَيرةَ عن أحمدَ، وحكاه القاضي والمؤلِّفُ عن أحمدَ، وصحَّحَه ابنُ حَمْدانَ؛ لأِنَّ الإسلامَ عَصَمَ أمْوالَهم، وإنَّما أُبِيحَ قِتالُهم لِرَدِّهم إلى

(6)

الطَّاعة، فيَبْقَى المالُ على العِصْمة؛ كمالِ قاطِعِ الطَّريق، إلاَّ أنْ

(1)

قوله: (لا يستعان في قتال الكفار به فلأن لا) سقط من (م).

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي كشاف القناع 14/ 216: إلا قتلهم. وعبارة الكافي 4/ 56: وهؤلاء يقصدون قتلهم.

(3)

في (ظ) و (ن): عن.

(4)

في (م): وكرعهم.

(5)

في (ن): حليهم.

(6)

قوله: (لردهم إلى) في (ن): إذ هم على.

ص: 655

تدعوَ

(1)

ضرورةٌ، فيَجُوزُ؛ كأكْلِ مالِ الغَيرِ في المخْمَصَةِ

(2)

.

والثاني

(3)

: يَجُوزُ، جَزَمَ به في «الوجيز» ، وذَكَرَ القاضي أنَّ أحمدَ أَوْمَأَ إلَيهِ؛ قِياسًا على أسْلِحَة الكُفَّار، وعَلَيهِ: لا يَجوزُ في غَيرِ قِتالِهم، ويَجِبُ رَدُّه بَعْدَ تَقضِّي

(4)

الحرب، كما يَرُدُّ سائرَ أمْوالِهم، ولا يَرُدُّه حالَ الحرب؛ لِئَلاَّ يقاتلونا

(5)

به.

(وَلَا يُتْبَعُ لَهُمْ مُدْبِرٌ، وَلَا يُجَازُ عَلَى جَرِيحٍ)، ولا يَجُوزُ قَتْلُهم إذا تَرَكُوا القِتالَ في قَولِ الأكْثَرِ؛ لِمَا رَوَى مَرْوانُ قال: صَرَخ صَارخٌ

(6)

لعليٍّ يَومَ الجَمَل: «لا يُقتَلَنَّ مُدْبِرٌ، ولا يُذَفَّف على جَريحٍ، ومَن أغْلَقَ عليه

(7)

بابَه فهو آمِنٌ، ومَن ألْقَى السِّلاحَ فهو آمِنٌ» رواهُ سَعِيدٌ

(8)

، وعن عَمَّارٍ نَحْوُه

(9)

،

(1)

في (ظ) و (م): يدعو.

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب، عند الضرورة).

(3)

في (م): وفي الثاني.

(4)

في (م) و (ن): أن تُقضَى.

(5)

في (م): يقاتلون.

(6)

في (ظ): خَرَجَ خارج.

(7)

قوله: (عليه) سقط من (م) و (ن).

(8)

أخرجه عبد الرزاق (18590)، وسعيد بن منصور (2947)، من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن حسين: أن مروان بن الحكم، قال له وهو أمير بالمدينة: ما رأيت أحدًا أحسن غلبة من أبيك علي بن أبي طالب، ألا أحدثك عن غلبته إيانا يوم الجمل؟ ثم ذكره، وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي في الكبرى (16746)، من وجه آخر ضعيف. ينظر: الإرواء 8/ 113، التكميل لصالح آل الشيخ ص 185.

(9)

أخرجه عبد الرزاق (18591)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (11/ 339)، عن جويبر، أخبرتني امرأة من بني أسد قالت: سمعت عمارًا رضي الله عنه بعدما فرغ عليٌّ من أصحاب الجمل ينادي: «لا تقتلوا مقبلاً، ولا مدبرًا، ولا تذففوا على جريحٍ، ولا تدخلوا دارًا، من ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن» ، وفي سنده جويبر الأزدي وهو ضعيف، وأخرج الحاكم (2661)، والبيهقي في الكبرى (16748)، من وجه آخر عن عمار رضي الله عنه، وفي سنده شريك النخعي وهو سيئ الحفظ. ينظر: الإرواء 8/ 114.

ص: 656

وكالصائل

(1)

.

وفي «التَّرغيب» : إنَّ المدْبِرَ من

(2)

انْكَسَرَتْ شَوكَتُه، لا المنحَرِفُ إلى مَوضِعٍ آخَرَ.

فعلى هذا: إذا قَتَلَ إنْسانًا مُنِعَ مَنْ قَتَلَه؛ ضمنه

(3)

، وهل يَلزَمُه القِصاصُ؟ فيه وجْهانِ.

(وَلَا يُغْنَمُ لَهُمْ مَالٌ)؛ لأِنَّهم لم يَكفُروا بِبَغْيِهم

(4)

وقتالِهم، وعِصْمةُ الأموال تابِعةٌ لِدِينِهم.

(وَلَا تُسْبَى لَهُمْ ذُرِّيَّةٌ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا لِأَحْمدَ

(5)

؛ لأنَّه

(6)

لم يَحصُلْ منهم سببٌ أصْلاً، بخِلافِ أهْلِ البَغْيِ، فإنَّه وُجِدَ مِنْهُم البَغْيُ والقِتالُ.

(وَمَنْ أُسِرَ

(7)

مِنْ رِجَالِهِمْ؛ حُبِسَ

(8)

حَتَّى تَنْقَضِيَ

(9)

الْحَرْبُ)؛ لأِنَّ في إطْلاقِهم ضَرَرًا على المسْلِمِينَ، (ثُمَّ يُرْسَلُ) بَعْدَ ذلك؛ لأِنَّ المانِعَ مِنْ إرسالِهم خَوفُ مُساعَدَةِ أصْحابِهم، وقد زَالَ.

وفي «التَّرغيب» : لا، مع بَقاءِ شَوْكَتِهم.

وقِيلَ: يُرسَلُ إنْ أُمِنَ ضَرَرُه.

(1)

في (م): كالصائل.

(2)

قوله: (من) مكانه بياض في (م).

(3)

قوله: (ضمنه) سقط من (م).

(4)

في (ن): بيعهم.

(5)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة الشرح الكبير 27/ 77: ولا نعلم في تحريمه بين أهل العلم خلافًا.

(6)

في (ظ): لأنهم.

(7)

في (م): جاء سر.

(8)

في (م): أسر.

(9)

في (م) و (ن): ينقضي.

ص: 657

فإنْ بَطَلَتْ، ويُتوقَّعُ اجْتِماعُهم في الحال؛ فَوَجْهانِ.

فرعٌ: إذا أَسَرَ رجلاً مُطاعًا؛ خُلِّيَ، زاد في «الرِّعاية»: إنْ أُمِنَ شَرُّه، فإنْ أبَى أنْ يَدخُلَ في الطَّاعة، وفي «الكافي» و «الشَّرح»: وكان رَجُلاً جَلْدًا؛ حُبِسَ، وأُطْلِقَ بَعْدَ الحَرْب، زاد في «الشَّرح»: وشُرِطَ عَلَيهِ ألاَّ يعودَ إلى القتال.

(وَإِنْ أُسِرَ صَبِيٌّ أَوِ امْرَأَةٌ؛ فَهَلْ يُفْعَلُ ذَلِكَ، أَوْ يُخَلَّى فِي الْحَالِ؟ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ):

أحدُهما: يُحبَسُونَ؛ لأِنَّ فيه كَسْرَ قُلوبِ البُغاة، وكالرَّجُل.

والثَّاني: يُخلَّون

(1)

في الحال، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وصحَّحه في «الكافي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّه لا يُخشَى مِنْ تَخْلِيَتِه.

فرعٌ: لا يُكرَه للعادِل قَتْلُ ذَوِي رَحِمِه الباغِينَ، ذَكَرَه القاضي؛ لأِنَّه قتلٌ

(2)

بحقٍّ، أشْبَهَ إقامةَ الحَدِّ عَلَيهِ.

والأصحُّ يُكرَهُ، وقدَّمه في «الفروع»؛ لقوله تعالى:{وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمَان: 15]، قال الشَّافِعِيُّ: كفَّ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم أبا حُذَيفةَ بنَ عُتْبةَ عن قَتْلِ أَبِيهِ

(3)

.

(1)

قوله: (والثاني يخلون) في (م): وفي الثاني.

(2)

في (م): فعل.

(3)

ينظر: الأم 4/ 235.

والأثر: أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 85)، والحاكم (4985)، والبيهقي في الكبرى (16774)، من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: شهد أبو حذيفة بدرًا، ودعا أباه عتبة إلى البراز، فمنعه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

، وهذا لفظ البيهقي، ولم يذكر الحاكم المنع، وفي سنده الواقدي وهو متروك، وهو مع ذلك مرسل؛ فإن أبا الزناد تابعي مشهور.

ص: 658

وقال بعضُهم: لا يَحِلُّ، وذَكَرَه في «الفُروع» احْتِمالاً؛ لأنَّه

(1)

يُقالُ

(2)

: أُمِرَ بمصاحبته

(3)

بالمعروف.

تنبيهٌ: يَجُوزُ فِداءُ أُسارَى أهْلِ العَدْلِ بأُسارَى البُغاة، فإنْ قَتَلَ أهلُ البَغْيِ أُسارَى أهلِ العَدْل؛ لم يَجُزْ لأِهْلِ العَدْلِ قَتْلُ أَسْراهم

(4)

.

فإن اقْتَتَلَتْ طائفتانِ من البُغاة، فَقَدَرَ الإمامُ على قَهْرِهما؛ لم يُعِنْ إحداهما على الأخرى، وإنْ عَجَزَ وخافَ اجْتِماعَهما على حَرْبه؛ ضمَّ إلَيهِ أقْرَبَهما إلى الحقِّ، فإن اسْتَوَيَا؛ اجْتَهَدَ في ضمِّ إحداهما

(5)

، ولا يَقصِدُ بذلك مَعُونَةَ إحداهما، بل الاِسْتِعانةَ على الأخرى، فإذا هَزَمَها؛ لم يُقاتِلْ مَنْ معه حتَّى يَدعُوَهُم إلى الطَّاعة.

(وَإِذَا انْقَضَى الْحَرْبُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ مَالَهُ فِي يَدِ إِنْسَانٍ؛ أَخَذَهُ)؛ لقَولِ عليٍّ: «مَنْ عَرَفَ شَيئًا أخَذَه»

(6)

، ولأِنَّه مالٌ مَعْصومٌ بالإسلام، أشْبَهَ مالَ غير

(7)

البُغاة.

(وَلَا يَضْمَنُ أَهْلُ الْعَدْلِ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَيْهِمْ حَالَ الْحَرْبِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ)؛

(1)

زيد في (م): لا.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني والشرح: تعالى.

(3)

في (م): بصاحبته.

(4)

في (م): أساراهم.

(5)

في (م): أحدهما.

(6)

أخرجه سعيد بن منصور (2952)، وابن أبي شيبة (37943)، والبيهقي في الكبرى (16757)، من طريق عرفجة، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه به، وعرفجة هو بن عبد الله الثقفي وقيل: ابن عبد الواحد وكلاهما قال عنهما ابن حجر: (مقبول)، وبقية رجاله ثقات. وأخرجه ابن أبي شيبة (37833)، من وجه آخر مطولاً، وفي سنده عمرو بن قيس وهو صدوق ربما وهم وبقية رواته ثقات. ينظر: الإرواء 8/ 115.

(7)

قوله: (غير) سقط من (م).

ص: 659

لأِنَّه إذا لم يمكن

(1)

دَفْعُ البُغاة إلاَّ بقَتلِهم؛ جاز، ولا شَيءَ على قاتِلِهم مِنْ إثْمٍ، ولا ضَمانٍ، ولا كفَّارةٍ؛ لأِنَّه فَعَلَ ما أُمِرَ به؛ كما لو قَتَلَ الصَّائلَ عَلَيهِ.

(وَهَلْ يَضْمَنُ

(2)

الْبُغَاةُ مَا أَتْلَفُوهُ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فِي

(3)

الْحَرْبِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما: لا ضَمانَ، قدَّمها في «الكافي» و «الفروع» ، ونَصَرَها في «الشَّرح» والقاضِي في «الخلاف» ، وصحَّحها؛ لقَولِ الزُّهْرِيِّ: (هاجَتِ الفتنةُ وأصْحابُ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم متوافرون

(4)

، فأجْمَعُوا أنْ لا يُقادَ أحدٌ، ولا يُؤخَذَ مالٌ، على تأويلِ القرآن إلاَّ ما وُجِدَ بِعَينِه)، ذَكَرَه أحمدُ في رِوايةِ الأثْرَمِ، واحتجَّ به، رَواهُ الخَلاَّلُ

(5)

، قال القاضي: وهذا إجْماعٌ منهم مَقطوعٌ به، ولأنَّ

(6)

تضمينهم

(7)

يُفْضِي إلى تَنفِيرهم من الرُّجوع إلى الطَّاعة، فسقط

(8)

؛ كأهْلِ الحَرْب، وكأهْلِ العَدْل.

والثَّانِيَةُ: يَضمَنُونَ، جَزَمَ بها في «الوجيز»؛ لقولِ أبي بكرٍ لأِهْلِ الرِّدَّة: «يُودُونَ قَتْلَانا، ولا نَدِي

(9)

قَتْلاكُم»

(10)

،

(1)

في (م): لم يكن.

(2)

في (م): تضمن.

(3)

في (ن): من.

(4)

في (م): متواترون.

(5)

ينظر: السنة للخلال 1/ 151، زاد المسافر 4/ 397.

(6)

في (م): ولا.

(7)

قوله: (تضمينهم) سقط من (م).

(8)

في (ن): يسقط.

(9)

في (ن): ولا تؤدي.

(10)

أخرجه سعيد بن منصور (2934)، وابن أبي شيبة (32731)، وأحمد في فضائل الصحابة (1698)، والطبراني في الأوسط (1953)، من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال:«جاء وفد أهل الردة من أسد وغطفان يسألون أبا بكر رضي الله عنه الصلح، فخيرهم، إما حرب مجلية، وإما سلم مخزية، قالوا: أما حرب مجلية فقد عرفناها، فما سلم مخزية؟ قال: تدون قتلانا، ولا نَدِي قتلاكم، وتشهدون على قتلاكم أنهم في النار وتردون إلينا من أخذتم منا، ولا نرد إليكم ما أخذنا منكم، وننزع منكم الحلقة والكراع، وتتركون تتبعون أذناب الإبل حتى يري الله خليفة رسول الله والمؤمنين رأيًا يعذرونكم عليه» فقال عمر: أما ما قد قلت فكما قلت، لكن قتلانا قتلوا في الله، أجورهم على الله لا دية لهم»، وإسناده صحيح، وأخرج البخاري طرفًا منه (7221)، وله طرق أخرى منها: ما أخرجه ابن ابن شيبة (28945)، والبيهقي في الكبرى (16762)، من طريق سفيان بن حسين، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: «لما ارتد من ارتد على عهد أبي بكر رضي الله عنه، أراد أبو بكر رضي الله عنه أن يجاهدهم

، وفيه: «تشهدون على قتلانا أنهم في الجنة وعلى قتلاكم أنهم في النار

»، وسفيان يخطئ في حديث الزهري.

وأخرج ابن أبي شيبة (32730)، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، قال: «ارتد علقمة بن علاثة عن دينه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتله المسلمون، قال: فأبى أن يجنح للسلم، فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا يقبل منك إلا سلم مخزية أو حرب مجلية

» فذكره نحوه، وعاصم بن ضمرة صدوق.

ص: 660

ولأِنَّها نفوسٌ

(1)

وأموالٌ مَعْصومةٌ، أُتْلِفَتْ بغَيرِ حقٍّ ولا ضرورةِ دَفْعٍ مُباحٍ، فَوَجَبَ ضَمانُه؛ كالذِي تَلِفَ في غَيرِ حالِ الحَرْب.

وجَوابُه: أنَّ أبا بكرٍ رَجَعَ عنه إلى قَولِ عمرَ

(2)

، ولم يُمضِه

(3)

، ثمَّ لو وَجَبَ التَّغريم

(4)

في حقِّ المرتَدِّينَ؛ لم يَلزَمْ مِثْلُه هُنا، فإنَّ هؤلاء طائفةٌ من المسلمين لهم تأويلٌ سائِغٌ، وأولئك كُفَّارٌ لا تَأْويلَ لهم.

وإذا ضُمِنَ المالُ، ففي القَوَدِ وجهان

(5)

، فإنْ أُهْدِرَ؛ فالقَوَدُ أَوْلَى.

(وَمَنْ أَتْلَفَ فِي غَيْرِ حَالِ الْحَرْبِ شَيْئًا

(6)

؛ ضَمِنَهُ)؛ أي: من

(7)

الفَريقَينِ،

(1)

في (ظ) و (ن): تقرير.

(2)

هو أثر أبي بكر رضي الله عنه السابق.

(3)

في (م): ولم يضمنه.

(4)

في (م): التقرير. وفي (ن): التعزير.

(5)

قوله: (وجهان) سقط من (م).

(6)

قوله: (شيئًا) سقط من (م).

(7)

قوله: (من) سقط من (ظ).

ص: 661

روايةً واحدةً، قاله في «المستوعب» ؛ لأِنَّ الأصلَ وُجوبُ الضَّمانِ، تُرِكَ العَمَلُ به في حالِ الحَرْب للضَّرورة، فيَبْقَى ما عَدَاهُ.

وهل يَتحتَّمُ قَتْلُ الباغِي إذا قَتَلَ أَحَدًا مِنْ أهْلِ العدل

(1)

في غَيرِ المعركة؟ فيه وجْهانِ، الأصحُّ

(2)

: أنَّه لا يتحتَّمُ.

فأمَّا الخَوارِجُ؛ فالصَّحيحُ إباحةُ قَتْلِهم، فلا

(3)

قِصاصَ على أحدٍ منهم، ولا ضَمانَ عَلَيهِ في ماله.

(وَمَا أَخَذُوا فِي حَالِ امْتِنَاعِهِمْ مِنْ زَكَاةٍ، أَوْ خَرَاجٍ، أَوْ جِزْيَةٍ؛ لَمْ يُعَدْ عَلَيْهِمْ، وَلَا عَلَى صَاحِبِهِ)، رُوِيَ عن عمرَ

(4)

، وسَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ

(5)

، وقاله أكثرُ العُلَماء؛ لِمَا رُوِيَ: «أنَّ عَلِيًّا لَمَّا ظَهَرَ على أهْلِ البَصْرة لم

(6)

يُطالِبْهم بشَيءٍ ممَّا جَبَوْه

(7)

»، ولأِنَّ في تَرْكِ الاِحْتِسابَ بها ضررًا عظيمًا، ومشَقَّةً

(1)

في (ن): القول.

(2)

في (م): والأصح.

(3)

في (م): ولا.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في المغني 8/ 537 والشرح الكبير 27/ 89: ابن عمر رضي الله عنهما.

أخرجه أبو عبيد في الأموال (ص 686)، عن ابن شهاب، في رجل زكَّت الحرورية ماله، هل عليه حرج؟ فقال:«كان ابن عمر رضي الله عنهما يرى أن ذلك يقضي عنه والله أعلم» ، وضعفه أبو عبيد فقال:(ليس يثبت عنه، إنما كان ابن شهاب يرسله عنه، ثم كأنه لم يكن على ثقة منه؛ ألا تراه قال في آخره: والله أعلم)، وفي سنده أيضًا: عبد الله بن صالح كاتب الليث وهو ضعيف.

(5)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 307)، وعبد الله بن أحمد في السنة (1526)، من طريق يزيد بن أبي عبيد، قال: لما ظهر نجدة الحروري أخذ الصدقات، قيل لسلمة: ألا تباعد منهم؟ قال: فقال: «والله لا أبايعه ولا اتبعه أبدًا» قال: «ودفع صدقته إليهم» ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين. ينظر: الإرواء 8/ 117.

(6)

في (م): ولم.

(7)

في (ن): جنوه.

والأثر: أخرجه الطبري في التاريخ (3/ 59)، من طريق شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة قالا: «لما فرغ عليٌّ من بيعة أهل البصرة، نظر في بيت المال، فإذا فيه ستمائه ألف وزيادة، فقسمها على من شهد معه الوقعة

»، وسيف هو ابن عمر التميمي وهو ضعيف جدًّا، وشعيب هو شعيب بن إبراهيم الكوفي، قال ابن عدي:(له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف)، وقال الذهبي:(رَاوِيةُ كُتب سيف عنه، فيه جهالة). ينظر: الكامل لابن عدي 5/ 7، الميزان 2/ 275.

ص: 662

كثيرةً، فإنَّهم قد يغلبون

(1)

على البلاد السِّنينَ الكثيرةَ، فلو لم يُحْتَسَبْ بما أَخَذُوا؛ لحَصَلَ الضَّرَرُ.

وظاهِرُه: لا

(2)

فرق فيه

(3)

بَينَ الخَوارِج وغَيرِهم.

وقال أبو عُبَيدٍ: يُجْزِئُ دَفْعُ الزَّكاة إلى بُغاةٍ وخَوارِجَ، ونَصَّ عَلَيهِ أحمدُ في الخَوارِجِ

(4)

، ويَقَعُ مَوقِعَه.

قال القاضي في «الشَّرح» : هذا محمولٌ على أنَّهم خَرَجُوا بتأويلٍ، وذَكَرَ في مَوضِعٍ آخَرَ: إنَّما يجوز أخْذُهم إذا نَصَبُوا لهم إمامًا.

وفي «الأحْكام السُّلْطانِيَّة» : أنَّه لا يُجزِئُ الدَّفْعُ إلَيهِم اختيارًا

(5)

.

وعن أحمدَ: الوقْفُ فيما أخَذُوهُ مِنْ زكاةٍ.

فلو صَرَفَه أهلُ البَغْيِ في جِهَتِه؛ صحَّ، قال ابنُ حَمْدانَ: ودَفْعُ سهم

(6)

المسْتَرْزِقَةِ إلى أجنادهم

(7)

يَحتَمِلُ وَجْهَينِ.

(وَمَنِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاتِهِ إِلَيْهِمْ؛ قُبِلَ بِغَيْرِ يَمِينٍ

(8)

؛ لأِنَّ الزَّكاةَ لا يُستَحْلَفُ

(1)

في (م): تغلبوا.

(2)

في (م): فلا.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

(4)

ينظر: مسائل أبي داود ص 117، مسائل ابن هانئ 1/ 115.

(5)

قوله: (اختيارًا) سقط من (م).

(6)

قوله: (سهم) سقط من (ن).

(7)

في (م): أجناده.

(8)

في (م): بينة.

ص: 663

فيها، قال أحمدُ: لا يُستحلف

(1)

النَّاسُ على صَدَقاتِهم.

(وَإِنِ ادَّعَى ذِمِّيٌّ دَفْعَ جِزْيَتِهِ إِلَيْهِمْ؛ لَمْ يُقْبَلْ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ)؛ لأِنَّهم غَيرُ مَأْمُونِينَ، ولأِنَّها عِوَضٌ

(2)

أشْبَهَت الأجْرةَ.

وقِيلَ: يُقْبَلُ قَولُهم إذا مَضَى الحَولُ؛ لأِنَّ الظَّاهِرَ أنَّ البُغاةَ لا يَدَعُونَ الجِزْيَةَ لهم.

(وَإِنِ ادَّعَى إِنْسَانٌ دَفْعَ خَرَاجِهِ إِلَيْهِمْ؛ فَهَلْ يُقْبَلُ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ؟ عَلَى وَجْهَينِ):

أشْهَرُهما: لا يقبل

(3)

إلاَّ بِبَيِّنَةٍ، قدَّمه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّه عِوَضٌ أشْبَهَ الجِزْيَةَ.

والثَّاني: يُقبَلُ؛ لأِنَّه حقٌّ على مُسلِمٍ، فقُبِل

(4)

قَوله؛ كالزَّكاة.

وقِيلَ: بَلَى، إنْ حَلَفَ.

(وَتَجُوزُ

(5)

شَهَادَتُهُمْ)؛ لأِنَّهم أخْطَؤُوا في فَرْعٍ من فُروعِ الإسلام باجْتِهادهم، أشْبَهَ المخْتَلِفِينَ من الفُقَهاء في الأحكام، وإذا

(6)

لم يَكُونُوا مِنْ أهْلِ البِدَع قُبِلَتْ شَهادَتُهم؛ كأهْلِ العَدْل، بغَيرِ خِلافٍ نَعلَمهُ

(7)

، قال ابنُ عَقِيلٍ: تُقبَلُ شهادتهم

(8)

، ويُؤخَذُ عنهم العلمُ، ما لم يَكُونُوا دُعاةً، انتهى.

فأمَّا الخَوارِجُ وأهْلُ البِدَع إذا خَرَجُوا على الإمام؛ فلا تقبل

(9)

لهم

(1)

في (ظ) و (ن): لا تستحلف.

(2)

في (ظ): عرض.

(3)

في (ن): لا تقبل.

(4)

في (ن): يقبل.

(5)

في (م): خاف وتجويز.

(6)

في (ن): زاد.

(7)

ينظر: المغني 8/ 536.

(8)

قوله: (كأهل العدل بغير خلاف

) إلى هنا سقط من (م).

(9)

في (م): فلا يقبل.

ص: 664

شهادةٌ؛ لأِنَّهم فُسَّاقٌ.

(وَلَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ حَاكِمِهِمْ إِلاَّ مَا يُنْقَضُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ)؛ لأِنَّ بَغيهم

(1)

في أمْرٍ يَسُوغُ فيه التَّأويلُ، أشبه

(2)

الاختلاف

(3)

في «الفروع» .

فَعَلَى هذا: إنْ خالَفَ حُكْمُ حاكِمِهم نصًّا

(4)

أوْ إجْماعًا، أوْ كان ممَّن يَستَحِلُّ دماء

(5)

أهْلِ العَدْلِ وأمْوالَهم؛ نُقِضَ حُكْمُه.

فرعٌ: إذا كَتَبَ قاضِيهِم إلى قاضِي أهْلِ العَدْل؛ جاز قَبولُ كتابه

(6)

؛ لأِنَّه قاضٍ ثابِتُ القَضاءِ.

وفي «المغْنِي» ، و «الشَّرح» ، و «التَّرغيب»: الأَوْلَى ردُّ كتابِه قَبْلَ حُكْمِه؛ كَسْرًا لِقُلوبِهم.

فأمَّا الخَوارِجُ إذا وَلَّوْا قاضِيًا؛ لم يَجُزْ قَضاؤه للفسق.

وفي «المغني» ، و «الشَّرح» احْتِمالٌ: يَصِحُّ قَضاؤه؛ دَفْعًا للضَّرَرِ؛ كما لو أقام الحَدَّ، أوْ أخَذَ جزيةً

(7)

وخَراجًا وزكاةً.

(وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ، فَأَعَانُوهُمْ) طَوْعًا، مع عِلْمِهم بأنَّ ذلك لا يَجُوزُ؛ (انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ)، قدَّمه في «الرِّعاية» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، وصحَّحه ابنُ أبي مُوسَى؛ كما لو انْفَرَدُوا بقِتالِهم، وحُكْمُهم حُكْمُ أهلِ الحَرْب.

(1)

في (ظ): نفيهم.

(2)

في (ظ): أشبهه.

(3)

في (م): الخلاف.

(4)

قوله: (نصًّا) مكانه بياض في (م).

(5)

قوله: (دماء) سقط من (م).

(6)

قوله: (كتابه) سقط من (م).

(7)

في (ظ) و (ن): جزيته.

ص: 665

وقِيلَ: لا يَنتَقِضُ؛ لأِنَّ أهلَ الذِّمَّةِ لا يَعرِفُونَ المُحِقَّ

(1)

من المُبطِل، فيكون ذلك شُبْهةً لهم

(2)

، فعلى هذا: حُكْمُهم حُكْمُ البُغاة في

(3)

قَتْلِ مُقْبِلِهم

(4)

، والكَفِّ عن أَسْرِهم

(5)

، ومُدْبِرِهم، وجَريحِهم.

والمُعاهَد كالذِّمِّيِّ، قالَهُ في «الرِّعاية» .

وفي «الكافي» و «الشَّرح» : أنَّ حُكْمَه حُكْمُ أهلِ الحَرب، إلاَّ أنْ يُقِيمَ بينة

(6)

على الإكراه؛ لأِنَّ عَقْدَ الذِّمَّة مؤبَّد

(7)

، ولا يَجُوزُ نَقْضُه لخوفِ الخيانة

(8)

منهم، ويَلزَمُ الدَّفْعُ عنهم، والمسْتَأْمَنونَ بخِلافِ هذا.

(إِلاَّ أَنْ يَدَّعُوا أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ مَعُونَةُ مَنِ اسْتَعَانَ بِهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَنَحْوَ

(9)

ذَلِكَ؛ فَلَا يَنْتَقِضُ عَهْدُهُم) وَجْهًا واحِدًا؛ لأِنَّ ما ادَّعَوهُ مُحتَمِلٌ، فلا يَنتَقِضُ عَهْدُهم مع الشُّبهة، وفي «الرِّعاية»: في الأصحِّ، وفي «التَّرغيب»: وَجْهانِ.

(وَيَغْرَمُونَ مَا أَتْلَفُوهُ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ) في الأصحِّ، حالَ الحَرْب وغَيرِه، بخِلافِ أهْلِ البَغْيِ؛ لأِنَّ هؤلاءَ لا تَأْويلَ لهم؛ لأِنَّ سُقوطَ الضَّمان عن المسلمين كَيْلَا يُؤَدِّيَ إلى تَنفِيرِهم عن الرُّجوع إلى الطَّاعة، وأهْلُ الذِّمَّة لا حاجَةَ بنا إلى ذلك فيهم.

(1)

في (م): المحقق.

(2)

قوله: (لهم) سقط من (م).

(3)

في (م): من.

(4)

في (ن): مقتلهم.

(5)

في (م): أسراهم.

(6)

في (م): ببينة.

(7)

في (ن): يزيد.

(8)

في (ظ) و (م): بخوف الجناية. وفي (م): لخوف الجناية.

(9)

في (ظ): ويجوز.

ص: 666

والثَّاني: لا يَضْمَنُونَ؛ كالمسْلِمِينَ.

(وَإِنِ اسْتَعَانُوا بِأَهْلِ الْحَرْبِ، وَأَمَّنُوهُمْ)، أوْ عَقَدُوا لهم ذِمَّةً؛ (لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُمْ)؛ لأنَّ

(1)

الأَمانَ مِنْ شَرْطِ صِحّتِه: إلزام

(2)

كفِّهم عن المسْلِمِينَ، ولأِهْلِ العَدْل قَتْلُهم لمَنْ لم

(3)

يُؤمِّنوهُ.

وحُكْمُ أسِيرِهم؛ حُكْمُ أَسِيرِ أهلِ الحَرب قَبْلَ الاِسْتِعانَةِ بهم.

فأمَّا البُغاةُ؛ فلا يَجُوزُ لهم

(4)

قَتْلُهم؛ لأِنَّهم أمَّنوهم

(5)

، فلا يَجُوزُ لهم الغدر بهم، قال في «الفروع»: إلاَّ أنَّهم في أمانٍ بالنِّسْبة إلى بُغاةٍ.

أصلٌ: إذا اسْتَعانُوا بمُسْتأْمَنِينَ فأعانُوهُم؛ انْتَقَضَ عَهْدُهم، وصارُوا كأهْلِ الحَرْب؛ لأِنَّهم تَرَكُوا كفَّهم عن قِتالِ المسلمين، فإنْ فَعَلُوا ذلك مُكْرَهِينَ؛ لم يَنتَقِضْ عَهدُهم، وإنِ ادَّعَوه؛ لم يُقبَلْ إلاَّ بِبَيِّنةٍ؛ لأِنَّ الأصْلَ عَدَمُه.

(فَإِنْ

(6)

أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ

(7)

الْخَوَارِجِ)؛ مِثْلَ تكفيرِ مَنْ ارْتَكَبَ كبيرةً، وتَرْكِ الجَماعةِ، (وَلَمْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبٍ)، ولم يَخْرُجُوا عن قَبْضةِ الإمام، ولم يَسْفِكُوا دَمًا حرامًا، فحَكَى القاضِي عن أبي بكرٍ: أنَّه لا يَحِلُّ بذلك قَتْلُهم ولا قِتالُهم، ولهذا قال: (لَمْ

(8)

يُتَعَرَّضْ لَهُمْ)، وهذا قَولُ جُمْهورِ الفُقَهاء؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ عليَّ بنَ أبي طالِبٍ كان يَخطُبُ، فقال رجلٌ ببابِ المسْجِدِ: لا حُكْمَ إلاَّ لله تعالى، فقال عليٌّ:«كَلِمَةُ حقٍّ أُرِيدَ بها باطِلٌ» ، ثُمَّ قال: «لكُمْ عَلَينَا ثَلاثٌ:

(1)

في (ن): ولأن.

(2)

في (م): صحة التزام.

(3)

قوله: (لم) سقط من (م).

(4)

قوله: (لهم) سقط من (م).

(5)

في (ن): أمنوه.

(6)

في (م): وإن.

(7)

في (م): زي.

(8)

في (م): ولم.

ص: 667

لا نمنعكم

(1)

مَساجِدَ الله أنْ تَذْكُرُوا فيها اسْمَ الله، ولا نمنعكم

(2)

الفَيءَ ما دامَتْ أيْديكُم مَعَنَا، ولا نبدؤكم

(3)

بقِتالٍ»

(4)

؛ لأِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لم يَتَعرَّضْ للمُنافِقِينَ الذين كانوا معه

(5)

في المدينة.

فعلى هذا: حُكْمُهم في ضِمانِ النَّفْس والمالِ؛ حُكْمُ المسْلِمِينَ.

وسَأَلهُ المَرُّوذِيُّ عن قَومٍ مِنْ أهْلِ البدع

(6)

يَتعرَّضُونَ ويُكَفِّرُونَ، قال: لا تَعرِضُوا لهم، قُلْتُ: وأيُّ شَيءٍ يُكرَهُ مِنْ أنْ يُحْبَسُوا، قال: لهم والِداتٌ وأخَوَاتٌ

(7)

.

وقال في رِوايَةِ ابنِ مَنصُورٍ: الحَرُورِيَّةُ إذا دَعَوْا إلى ما هُمْ عَلَيهِ إلى دِينِهِم؛ فَقَاتِلْهُم، وإلاَّ فلا تُقاتلُون

(8)

.

(وَإِنْ سَبُّوا الْإِمَامَ)، أوْ غَيرَه مِنْ أهْلِ العَدْل صَرِيحًا؛ (عَزَّرَهُمْ)؛ لأِنَّهم ارْتَكَبُوا مُحرَّمًا لا حَدَّ فيه ولا كَفَّارةَ، وإنْ عَرَّضُوا بالسَّبِّ؛ ففي تعزيرهم

(9)

وجْهانِ.

وقال

(10)

في الإباضية وسائِرِ أهْلِ البدع: يُسْتَتابُونَ، فإنْ تابُوا، وإلاَّ ضُرِبَتْ أعْناقُهم

(11)

.

(1)

في (ن): لا تمنعكم.

(2)

في (ن): ولا يمنعكم.

(3)

في (ن): ولا يبدؤكم.

(4)

سبق تخريجه 9/ 651 حاشية (3).

(5)

قوله: (معه) سقط من (م).

(6)

في (م): البدعة.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 178.

(8)

في (م): يقاتلون. وينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3371، زاد المسافر 4/ 396.

(9)

في (م): تقريرهم.

(10)

أي: الإمام مالك كما في المغني 8/ 350 والشرح الكبير 27/ 100. وينظر: المدونة 1/ 530.

(11)

ينظر: الفروع 10/ 178.

ص: 668

وأمَّا مَنْ رَأَى تَكْفِيرَهم؛ فمُقْتَضَى قَولِه: أنَّهم يُسْتَتابُونَ، فإنْ تابوا وإلاَّ قُتِلُوا لِكُفْرِهِم.

(وَإِنْ جَنَوْا جِنَايَةً، أَوْ أَتَوْا حَدًّا؛ أَقَامَهُ عَلَيْهِمْ)؛ لقَولِ عليٍّ في ابْنِ مُلْجَمٍ لِمَّا جَرَحَه: «أطْعِمُوه، واسْقُوهُ، واحْبِسوه

(1)

، فإنْ عِشْتُ؛ فَأَنَا وَلِيُّ دَمِي، وإنْ مِتُّ فاقْتُلُوهُ، ولا تُمَثِّلُوا به»

(2)

، ولأِنَّهم لَيْسُوا بِبُغاةٍ، فهم كأهْلِ العَدْلِ فيما لهم وعَلَيهِم، ولأِنَّ في إسْقاطِ ذلك عنهم تجرِّيَهم

(3)

على الفِعْل، وذلك مطْلُوبُ العَدَمِ.

أصلٌ: قال أحمدُ في مُبتَدِعٍ داعِيَةٍ له دُعاةٌ: أَرَى حَبْسَه

(4)

، وكذا في «التَّبصرة»: على الإمام مَنْعُهم وَرَدْعُهم، ولا يقاتلهم

(5)

إلاَّ أنْ يَجْتَمِعُوا لِحَرْبِه؛ فَكَبُغاةٍ.

وقال أحمدُ أيضًا في الحَرُورِيَّةِ الدَّاعِيَةُ: تُقاتَلُ كبُغاةٍ

(6)

.

ونَقَلَ ابنُ منصورٍ: يُقاتَل

(7)

مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ

(8)

.

وكلُّ مَنْ مَنَعَ فريضةً فعلى المسْلِمِينَ قِتالُه حتَّى يَأخُذُوها منه، اخْتارَه أبو الفَرَج، والشَّيخُ تقيُّ الدِّين، وقال: أجمعوا أنَّ كلَّ طائفة مُمْتَنِعَةٍ عن شَريعةٍ مُتَوَاتِرةٍ من شَرائعِ الإسلام يَجِبُ قِتالُها حتَّى يَكُونَ الدِّينُ كلُّه لله، كالمحارِبِينَ وأولى

(9)

.

(1)

في (م): واجلسوه.

(2)

سبق تخريجه 9/ 134 حاشية (4).

(3)

في (م): يحريهم.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 179.

(5)

في (ظ) و (ن): ولا تقاتلهم.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 180.

(7)

في (ظ): تقاتل.

(8)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3263.

(9)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 308، الاختيارات ص 430.

ص: 669

وذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ عَنْ الأصحاب: تكفيرَ مَنْ خالَفَ في أصْلٍ؛ كخَوارِجَ، ورافِضةٍ، ومُرْجِئَةٍ.

وذَكَرَه غَيرُه رِوايَتَينِ فِيمَنْ قال: لم يَخلُقِ اللهُ المعاصيَ

(1)

، أوْ وَقَفَ فِيمَنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وفِيمَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا غَيرَ مُسْتَحِلٍّ، وإنِ اسْتَحَلَّهُ؛ كَفَرَ.

وفي «المغْنِي» : يُخرَّجُ في كلِّ مُحرَّمٍ اسْتُحِلَّ بتأويلٍ؛ كخَوارِج.

وفي «نِهايَةِ المبْتَدِئِ» : مَنْ سَبَّ صَحابِيًّا مُسْتَحِلًّا؛ كفر

(2)

، وإلاَّ فسق.

وذَكَرَ ابنُ حامِدٍ: كُفْر الخَوارِجِ، والرَّافِضةِ، والقَدَرِيَّةِ، والمُرْجِئَةِ، ومَن لم يُكفِّرْ مَنْ كفَّرناه

(3)

؛ فُسِّقَ وهُجِرَ، وفي كُفْرِه وَجْهانِ.

والذِي ذَكَرَه هُو وغَيرُه من

(4)

روايةِ المَرُّوذِيِّ، وأبي طالِبٍ، ويَعقوبَ، وغَيرِهم: أنَّه لا يُكفَّرُ

(5)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: وهي ظاهِرُ نُصوصِه، بل صَرِيحةٌ فيه، وإنَّما كفَّرْنا الجَهْمِيَّةَ لا أعْيانَهم

(6)

.

(وَإنِ

(7)

اقْتَتَلَتْ طَائِفَتَانِ لِعَصَبِيَّةٍ

(8)

، أَوْ طَلَبِ رِئَاسَةٍ؛ فَهُمَا ظَالِمَتَانِ)؛ لأِنَّ كلَّ واحدةٍ باغِيَةٌ على صاحِبَتِها.

(وَتَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مَا أَتْلَفَتْ عَلَى الْأُخْرَى)؛ لأِنَّها أتْلَفَتْ نَفْسًا مَعْصُومَةً ومالاً مَعْصومًا، قال الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين: فأوْجَبُوا الضَّمانَ على مَجْموعِ الطَّائفة، وإن لم يُعلَمْ عَينُ المُتْلِفِ، قال: وإنْ تَقَابَلَا تَقاصَّا؛ لأِنَّ المباشِرَ

(1)

في (ن): العاصي.

(2)

قوله: (وفي «المغني» : يخرج في كل محرم

) إلى هنا سقط من (م).

(3)

في (م): كفرنا.

(4)

في (م) و (ن): في.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 183.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 7/ 507، الفروع 10/ 182.

(7)

في (م): وإذا.

(8)

في (م): لعصبة.

ص: 670

والمُعِينَ واحِدٌ عِنْدَ الجمهور، قال: وإنْ جُهِلَ قَدْرُ ما نَهَبَهُ كلُّ طائفةٍ مِنْ الأخْرَى؛ تَسَاوَيَا

(1)

.

ومَنْ دَخَلَ للإصْلاحِ، فقتلته

(2)

طائفةٌ؛ ضمنته

(3)

، وإنْ جُهِلَتْ؛ ضَمِنَتَاهُ، قال ابنُ عَقِيلٍ: ويخالف

(4)

المقْتُولَ في زِحامِ الجامِعِ والطَّوافِ؛ لأنَّ

(5)

الزِّحامَ هنا لَيسَ فيه تعدٍّ

(6)

، بخِلافِ الأوَّلِ.

(1)

ينظر: مجموع الفتاوى 30/ 327، الاختيارات ص 429.

(2)

في (م): قتله.

(3)

في (م): ضمنه.

(4)

في (ن): وتخالف.

(5)

في (ن): ولأن.

(6)

في (م): بعد.

ص: 671

(بَابُ حُكْمِ المُرْتَدِّ)

المرْتَدُّ لُغَةً: الرَّاجِعُ، يُقالُ: ارْتَدَّ فهو مُرتَدٌّ، إذا رَجَعَ.

وشَرْعًا: هو الرَّاجِعُ عن دِينِ الإسْلامِ إلى الكُفْر، إمَّا نُطْقًا، أوِ اعْتِقادًا، أوْ شَكًّا، وقد

(1)

يحصل بالفِعْلِ.

ولهذا قال: (وَهُوَ الذِي يَكْفُرُ بَعْدَ إِسْلَامِهِ)؛ لأِنَّه بَيانٌ له

(2)

، قال تعالى:{وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ} [البَقَرَة: 217].

ورَوَى ابنُ عبَّاسٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من

(3)

بَدَّلَ دِينَه فاقْتُلُوهُ» رواهُ الجَماعةُ إلاَّ مُسْلِمًا، قال التِّرمذِيُّ: (هو

(4)

حسَنٌ صحيحٌ والعَمَلُ عَلَيهِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ)

(5)

، وأجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِ قَتْلِ المرْتَدِّ

(6)

.

(فَمَنْ أَشْرَكَ بِاللهِ)؛ أيْ: إذا كَفَرَ طَوعًا، ولو هازلاً

(7)

، بَعْدَ إسْلامِه، وقِيلَ: وكَرْهًا، والأصحُّ: بحقٍّ، فإذا أَقَرَّ بالإسلام ثُمَّ أنْكَرَه، أوْ أنْكَرَ الشَّهادَتَينِ، أوْ إحْداهُما، كَفَرَ بغَيرِ خِلافٍ

(8)

، وحِينَئِذٍ لا يَجُوزُ أنْ يُهادنوا

(9)

(1)

قوله: (ارتد فهو مرتد إذا رجع

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

قوله: (له) سقط من (م).

(3)

قوله: ({دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ}

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (م): وهو.

(5)

أخرجه البخاري (3017)، وأبو داود (4351)، والترمذي (1458)، والنسائي (4059)، وابن ماجه (2535).

(6)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 128.

(7)

في (م): هزلاً.

(8)

ينظر: مراتب الإجماع ص 177.

(9)

في (م): يهاونوا.

ص: 672

على الموادَعةِ، ولا أنْ يُصالَحُوا بمالٍ يُقَرُّونَ به على رِدَّتِهم، بخِلافِ أهْلِ الحَرْبِ، ذَكَرَه القاضِي.

(أَوْ جَحَدَ رُبُوبِيَّتَهُ، أَوْ وَحْدَانِيَّتَهُ)؛ لأِنَّ جاحِدَ ذلك مشركٌ

(1)

بالله تَعَالَى.

(أَوْ) جَحَدَ (صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ) اللاَّزِمَةِ، قالَهُ في «الرِّعاية» ؛ لأِنَّه كجاحِدِ الوحْدانِيَّة، وفي «الفُصول»: شَرْطُه أنْ تكُونَ الصِّفَةُ مُتَّفَقًا على إثْباتِها.

(أَوْ اتَّخَذَ لِله

(2)

صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا)؛ لأِنَّه تعالى

(3)

نَزَّهَ نَفْسَه عن ذلك، ونَفاهُ عنه، فمتَّخِذُه

(4)

مُخالِفٌ له، غَير مُنزِّهٍ له عن ذلك.

(أَوْ جَحَدَ نَبِيًّا)؛ لأِنَّه مُكذِّبٌ لله، جاحِدٌ لِنُبُوَّةِ نَبِيٍّ مِنْ أنْبِيائه.

(أَوْ) جَحَدَ (كِتَابًا مِنْ كُتُبِ اللهِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهُ)؛ لأِنَّ جَحْدَ شَيءٍ منه كجحدِه

(5)

كلِّه؛ لاِشْتِراكِهِما في كَونِ الكُلِّ مِنْ عِنْدِ الله تعالَى.

(أَوْ سَبَّ اللهَ تَعَالَى، أَوْ رَسُولَهُ

(6)

؛ كَفَرَ)؛ لأِنَّه لا يَسُبُّ واحِدًا مِنْهُما إلاَّ وهو مُكذِّبٌ جاحِدٌ به.

وكذا إذا ادَّعَى النُّبُوَّةَ، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: أوْ كانَ مُبْغِضًا لرسولِه، ولِمَا جاء به اتِّفاقًا

(7)

.

فرعٌ: إذا كَذَبَ على نَبِيٍّ مِنْ الأنْبِياء، وقِيلَ: مُسْتحِلًّا، أوْ قَذَفَهُ؛ كَفَرَ، وإن اسْتَحَلَّ الكَذِبَ المحرَّمَ على غَيرِه؛ كَفَرَ.

(1)

في (م): شرك.

(2)

قوله: (لله) ليس في (م).

(3)

في (ن): يقال. وفي (ظ): لا يقال.

(4)

في (ظ): بمتخذه. وفي (ن): لمتخذه.

(5)

في (م): كجحد.

(6)

في (م): رسله.

(7)

ينظر: الاختيارات ص 443.

ص: 673

وإنْ كذَّبَه فِيمَا يَعلَمُ صِدْقَه فيه

(1)

، غَيرَ مُسْتَحِلٍّ؛ أَثِمَ، فإنِ اعْتَرَفَ به؛ عُزِّرَ.

فإنْ تابَ من الكذب عليه

(2)

عليه السلام؛ قُبِلَتْ في ظاهِرِ كلامِ الأصحاب وغَيرِهم.

وحَكَى ابنُ الصَّلاح عن أحمدَ وطائفةٍ: أَنَّها لا تُقْبَلُ

(3)

.

ونَقَلَ عبدُ اللهِ الحَلَبِيُّ

(4)

عن أحمدَ: تُقبَلُ فِيما بَينَه وبَينَ الله تعالَى، ولا يُكْتَبُ عَنْه حديثٌ، رواهُ الخَلاَّلُ

(5)

.

وإنْ كذَّب نَصْرانِيٌّ مُوسَى عليه السلام؛ خَرَجَ مِنْ دِينِه؛ لأِنَّ عِيسَى صدَّق به، لا العَكْسُ؛ لأِنَّه لم يُصدِّقْ بِعِيسَى، ولا بَشَّرَ به

(6)

.

(وَمَنْ

(7)

جَحَدَ وُجُوبَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ، أَوْ شَيْئًا مِنْهَا)، أو الطَّهارةِ لها، (أَوْ أَحَلَّ الزِّنَى، أَوِ الخَمْرَ

(8)

، أوْ شَكَّ فيه، (أَوْ شَيْئًا مِنَ المُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ المُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا)؛ كالدَّمِ، (لِجَهْلٍ؛ عُرِّفَ ذَلِكَ)؛ ليصير

(9)

عالمًا به.

(وَإِنْ

(10)

كَانَ مِمَّنْ لَا يَجْهَلُ ذَلِكَ)؛ كالنَّاشِئِ بَينَ المسْلِمِينَ في الأمْصارِ؛

(1)

قوله: (فيه) سقط من (م) و (ن).

(2)

قوله: (عليه) سقط من (ن).

(3)

ينظر: مقدمة ابن الصلاح ص 232.

(4)

هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن أحمد الحلبي، من أصحاب الإمام أحمد، سمع منه، ومن عبيد الله بن عمرو الرقي، كانت عنده مسائل كبار يغرب بها على أصحاب أحمد. ينظر: طبقات الحنابلة 1/ 197.

(5)

ينظر: العدة للقاضي أبي يعلى 3/ 928، المسودة ص 261.

(6)

في (ظ): ولا بشر له، وفي (ن): ولا بشركه.

(7)

في (م): وإن.

(8)

في (م): والخمر.

(9)

في (م): كبصير.

(10)

في (م): أو.

ص: 674

(كَفَرَ)؛ لأِنَّه مُكذِّبٌ لله تعالَى ولرسولِه، ولِسائِرِ الأُمَّة.

فرعٌ: قال جماعةٌ: أوْ سَجَدَ لِشَمْسٍ أوْ قَمَرٍ.

وفي «التَّرغيب» : أوْ أتَى بقَولٍ أوْ فِعْلٍ صريحٍ في الاستهزاء بالدِّين.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: (أوْ تَوَهَّمَ أنَّ مِنْ الصَّحابة، أو التَّابِعِينَ، أوْ تابِعِيهِمْ قاتَلَ مع الكفَّار، أوْ أجاز ذلك)

(1)

.

أوْ

(2)

أصرَّ في دارِنا على خَمْرٍ أوْ خِنزِيرٍ غَير مُسْتَحِلٍّ.

وذَكَرَ بعضُ أصْحابِنا: يَكفُرُ جاحِدُ تحريمِ النَّبِيذِ والمُسْكِر كلِّه؛ كالخمر.

(وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ تَهَاوُنًا؛ لَمْ يَكْفُرْ)، الظَّاهِرُ أنَّ المرادَ بها مباني

(3)

الإسلام، ولا شكَّ أنَّ تارِكَ الشَّهادَتَينِ تَهاوُنًا كافِرٌ بغَيرِ خِلافٍ نَعْلَمُه في المذْهَبِ، وأمَّا بقيَّةُ ذلك؛ فكَمَا ذَكَرَه، إلاَّ الصَّلاةَ فإنَّه يُدعَى إلَيها، فإنِ امْتنَعَ، فإنَّه يُسْتَتابُ كمُرْتَدٍّ، فإنْ أصرَّ؛ كَفَرَ بشَرْطِه.

وإذا تَرَكَ شَرْطًا أوْ ركنًا

(4)

مُجْمَعًا عَلَيهِ؛ كان كتَرْكِها.

وإنْ كانَ مُخْتَلَفًا فيه، وهو يعتقد

(5)

وُجوبَه؛ فقال ابنُ عَقِيلٍ: حُكْمُه حُكْمُ تارِكِ الصَّلاة.

وقال المؤلِّفُ: عَلَيْهِ الإعادةُ، ولا يَكفرُ من أجل ذلك بحالٍ.

وفي «المحرَّر» : إذا تَرَكَ تَهاوُنًا فَرْضَ الصَّلاة، أو الزَّكاة، أو الصَّوم، أو الحجِّ، بأن

(6)

عَزَمَ ألاَّ يَفْعَلَه أبدًا، أوْ أخرَّه إلى عامٍ يَغلِبُ على الظَّنِّ مَوتُه

(1)

ينظر: الفروع 10/ 188.

(2)

كذا في النسخ الخطية، وعبارة الفروع 10/ 188: وقيل: أو كذب على نبي أو أصر في دارنا على خمر وخنزير غير مستحل.

(3)

في (م): مباري.

(4)

في (ن): ركنًا أو شرطًا.

(5)

في (م): معتقد.

(6)

في (ن): فإن.

ص: 675

قَبْلَه؛ اسْتُتِيبَ كالمرْتَدِّ، فإنْ أصرَّ قُتِلَ حَدًّا.

وعَنْهُ: كُفْرًا، نَقَلَها أبو بكرٍ واخْتارَها

(1)

.

وعَنْهُ: يَختَصُّ الكُفْرُ بالصَّلاةِ.

وعَنْهُ: تَهاوُنًا؛ كزكاة

(2)

إذا قاتَلَ الإمامَ عَلَيها.

(وَعَنْهُ: يَكْفُرُ إِلاَّ الْحَجَّ لَا يَكْفُرُ بِتَأْخِيرِهِ بِحَالٍ)؛ لأِنَّ في وُجوبِه على الفور خِلافًا.

وعَنْهُ: لا كُفْرَ ولا قَتْلَ في الصَّوم والحجِّ خاصة

(3)

.

فرعٌ: مَنْ أَظْهَرَ الإسْلامَ، وأَسَرَّ الكُفْرَ؛ فمُنافِقٌ كافِرٌ؛ كعَبدِ اللهِ بنِ أُبَيِّ ابنِ سَلُولٍ.

فإنْ أظْهَرَ أنَّه قائمٌ

(4)

بالواجب، وفي قَلْبِه ألاَّ يَفْعَلَ؛ فنِفاقٌ؛ لقوله تعالى في ثعلبة

(5)

: {ومِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ

(75)} الآية

(6)

[التوبة: 75]، وهَلْ يَكفُرُ؟ على وَجْهَينِ.

(1)

ينظر: المحرر 2/ 167.

(2)

قوله: (تهاونًا كزكاة) في (م): بها وبالزكاة.

(3)

قوله: (في الصوم والحج خاصة) سقط من (م).

(4)

في (م): قام.

(5)

في (م): كتابه. وقد سقطت من (ن).

(6)

مراده ما أخرجه ابن أبي حاتم (6/ 1847)، والطبري في التفسير (11/ 578)، والطبراني في الكبير (7873)، والبيهقي في الشعب (4048)، في خبرٍ طويلٍ من طريق علي بن يزيد الألهاني، أنه أخبره عن القاسم بن عبد الرحمن، أنه أخبره عن أبي أمامة الباهلي، عن ثعلبة بن حاطب الأنصاري، أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادع الله أن يرزقني مالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ويحك يا ثعلبة، قليل تؤدي شكره، خير من كثير لا تطيقه» الحديث، وعلي الألهاني ضعيف، وقال البيهقي:(وفي إسناد هذا الحديث نظر، وهو مشهور فيما بين أهل التفسير)، وقال ابن حزم:(قد روينا أثرًا لا يصح، وفيه أنها نزلت في ثعلبة بن حاطب، وهذا باطل؛ لأن ثعلبة بدري معروف)، وضعفه العراقي، وقال ابن حجر والألباني:(إسناده ضعيف جدًّا). ينظر: المحلى 12/ 137، الضعيفة (1607).

ص: 676

(فَمَنِ ارْتَدَّ عَنِ الْإِسْلَامِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ)، رُوِيَ عن أبي بكرٍ

(1)

، وعليٍّ

(2)

، وقاله أكثرُ العلماء؛ لِعُمومِ قَولِه عليه السلام:«مَنْ بَدَّلَ دِينَه فاقْتُلوهُ»

(3)

، ولقوله عليه السلام: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، والنَّفس بالنَّفس، والتَّارِكُ لِدِينِه، المفارق

(4)

للجَماعَةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(5)

، ولأِنَّه فِعْلٌ يُوجِبُ الحَدَّ، فاسْتَوَى فيه الرَّجُلُ والمرأةُ؛ كالزِّنى.

وما رُوِيَ أنَّ أبا بكرٍ اسْتَرَقَّ نِساءَ بَنِي حَنِيفةَ

(6)

؛ فمحمولٌ

(7)

على أنَّه تَقدَّم لهم إسْلامٌ، وأمَّا نَهْيُه عن قَتْلِ المرأةِ، فالمرادُ به الأصليَّةُ، بدليلِ: أنَّه لا تُقتل

(8)

الشُّيوخُ ولا المكافيف

(9)

.

(وَهُوَ بَالِغٌ، عَاقِلٌ)، مُختارٌ؛ لأنَّ

(10)

الطِّفْلَ الذي لا يعقل

(11)

،

(1)

أخرجه الدارقطني (3202)، والبيهقي في الكبرى (16872، 16873)، من طريق سعيد بن عبد العزيز التنوخي ويزيد بن أبي مالك الدمشقي:«أن امرأة يقال لها: أم قرفة، كفرت بعد إسلامها، فاستتابها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فلم تتب، فقتلها» ، وضعفه البيهقي وابن رجب بالانقطاع. ينظر: جامع العلوم والحكم 1/ 439.

(2)

أخرجه الدارقطني (3222)، عن أبي جعفر عن عليٍّ رضي الله عنه قال:«كل مرتد عن الإسلام مقتول إذا لم يرجع، ذكرًا أو أنثى» ، وفيه انقطاع.

(3)

تقدم تخريجه 9/ 672 حاشية (5).

(4)

في (م): والمفارق.

(5)

أخرجه البخاري (6878)، ومسلم (1676)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (18728)، عن معمر، عن قتادة قال:«تسبى وتباع، وكذلك فعل أبو بكر بنساء أهل الردة، باعهم» ، وقتادة لم يسمع من أبي بكر رضي الله عنه. ينظر: جامع التحصيل ص 255.

(7)

في (م) و (ن): محمول.

(8)

في (م): لا يقتل.

(9)

قوله: (ولا المكافيف) في (م): والمكافيف.

(10)

في (م): ولأن.

(11)

في (م): لا يقتل.

ص: 677

والمجنونَ، ومَن زَالَ عَقْلُه بنومٍ أوْ إغْماءٍ أوْ شُرْبِ دواءٍ مُباحٍ؛ لا تصحُّ

(1)

رِدَّتُه، ولا حُكْمَ لكلامه، بغَيرِ خِلافٍ في المذْهَبِ.

(دُعِيَ إِلَيْهِ)؛ أيْ: لا يُقتَلُ حتَّى يُستَتابَ، وهو قَولُ أكثرِ العلماء

(2)

، وهي واجبةٌ، نَصَرَه القاضي والمؤلِّفُ؛ لأِنَّه «عليه السلام أَمَرَ باسْتِتابَتِه» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

(3)

، ولقولِ عمرَ، رواهُ مالِكٌ وغَيرُه

(4)

، ولا يَلزَمُ مِنْ تحريمِ القَتْل وُجوبُ الضَّمانِ، بدليلِ نساءِ الحَرْبِ.

(ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) في قَولِ الأَكْثَرِ؛ لِمَا رَوَى مُحمَّدُ بنُ عبدِ الله بنِ عبدٍ القاري

(5)

قال: «قَدِمَ رَجُلٌ على عمرَ مِنْ قِبَلِ أبي مُوسَى، فَسَأَلَه عن النَّاس، فأخْبَرَه، فقال: هل مِنْ مُغَرِّبةِ

(6)

خَبَرٍ؟ قال: نَعَمْ، رجلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلامِه، فقال: ما فَعَلْتُم به؟ قال: قرَّبْناهُ فضربنا

(7)

عُنُقَه، فقال عمرُ: فَهَلاَّ حَبَسْتُموهُ ثلاثًا، وأطْعَمْتُموهُ كلَّ يَومٍ رغيفًا، وأسقيتموه، لعلَّه يتوب ويُراجِعُ أمْرَ الله عز وجل، اللَّهُمَّ إنِّي لم أحْضُرْ، ولم أرض إذ بلغني» رواهُ مالِكٌ

(8)

، ولأِنَّه لو لم يَجِبْ لَمَا

(1)

في (م): لا يصح.

(2)

في (م): أهل العلم.

(3)

أخرجه الدارقطني (3215)، والبيهقي في الكبرى (16866)، وفي سنده: معمر بن بكار السعدي، قال العقيلي:(في حديثه وهم)، وأخرجه ابن عدي (5/ 358)، وفي سنده: عبد الله بن أذينة، قال ابن عدي عنه:(منكر الحديث)، وضعف الحديث البيهقي وابن عبد الهادي وابن حجر. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 570، التلخيص الحبير 4/ 136.

(4)

وهو الأثر الآتي بعده.

(5)

في (م): القادر.

(6)

في (م): مضربة.

(7)

في (ن): وضربناه.

(8)

أخرجه مالك (2/ 737)، وعنه الشافعي كما في المسند (ص 321)، وسعيد بن منصور (2585)، والبيهقي في المعرفة (16620)، من طريق عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري، عن أبيه، أنه قال: قدم على عمر بن الخطاب

فذكره، وظاهره الانقطاع؛ لأن محمد بن عبد الله لم يدرك عمر، وأيضًا هو مجهول لم يوثقه إلا ابن حبان، لكن له شاهد آخر يقويه أخرجه عبد الرزاق (18696)، وابن أبي شيبة (32737)، والبيهقي في الكبرى (16888)، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما نزلنا على تستر

فذكر نحوه، صحح إسناده ابن كثير. ينظر: مسند عمر 2/ 283، الإرواء 8/ 130.

ص: 678

بَرِئَ مِنْ فِعْلِهم، ولأِنَّه أمْكَنَ اسْتِصْلاحُه، فلم يَجُزْ إتْلافُه قَبْلَ استصلاحه

(1)

؛ كالثَّوب النَّجِس، ولأِنَّها مُدَّةٌ يَتكرَّرُ فيها الرَّأْيُ، ويتَقلَّبُ النَّظَرُ، فلا يَحتاجُ إلى أكَثْرَ منها.

وعَنْهُ: لا يَجُوزُ تأْجِيلُه، بل يَجِبُ قتله

(2)

في الحال، إلاَّ أنْ يَطْلُبَ الأَجَلَ؛ فيُؤجَّلُ ثلاثًا.

(وَضُيِّقَ عَلَيْهِ) بالحَبْس وغَيرِه؛ لِيَرْجِعَ إلى الحقِّ، (فَإِنْ لَمْ يَتُبْ؛ قُتِلَ

(3)

؛ لحديثِ ابنِ عبَّاسٍ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَه فاقْتُلُوهُ»

(4)

، ولا يَجُوزُ أخْذُ فِداءٍ عنه؛ لأِنَّ كُفْرَه أغْلَظُ.

(وَعَنْهُ: لَا تَجِبُ

(5)

اسْتِتَابَتُهُ)، رُوِيَ عن الحَسَنِ وطاوُسٍ؛ لأِنَّه عليه السلام لم يَذكُرْ ذلك، ولقَولِ مُعاذٍ:«لا أجْلِسُ حتَّى يُقتَلَ»

(6)

، ولأِنَّه يُقتَلُ لِكُفْرِه، فلم تجب

(7)

اسْتِتابَتُه كالأصلي، (بَلْ تُسْتَحَبُّ

(8)

؛ لِلاِخْتِلاف في وجوبها، وأقلُّها الاِسْتِحْبابُ، (وَيَجُوزُ قَتْلُهُ فِي الْحَالِ)؛ كالأصلي.

والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ الخبرَ مَحمُولٌ على القَتْل بَعْدَ الاِسْتِتابَةِ، والخَبَرُ

(1)

قوله: (فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه) سقط من (م).

(2)

في (ن): قبله.

(3)

في (ن): قبل.

(4)

أخرجه البخاري (3017).

(5)

في (م): لا يجب.

(6)

هو الأثر الآتي بعده.

(7)

في (ن): فلم يجب.

(8)

في (م): يستحب.

ص: 679

الآخَرُ روي

(1)

فيه: «أنَّ المرتَدَّ اسْتُتِيبَ قَبْلَ قُدُومِ مُعاذٍ» رواهُ أبو داودَ

(2)

.

وقال الزُّهْرِيُّ: يُدْعَى ثلاثَ مراتٍ

(3)

، فإنْ أَبَى ضُربت

(4)

عُنُقُه.

وقال النَّخَعِيُّ: يُستتاب

(5)

أبدًا، وهذا يُفْضِي إلى أنَّه لا يُقتَلُ أبدًا، وهو مُخالِفٌ للسُّنَّة والإجْماعِ.

(وَيُقْتَلُ بِالسَّيْفِ)؛ لقَولِه رضي الله عنه

(6)

: «قَرَّبْناهُ فضَرَبْنا عُنُقَه»

(7)

، ولأِنَّه إذا

(8)

أُطْلِقَ؛ انْصَرَف إلَيهِ؛ لأِنَّه أسْرَعُ لِزُهُوقِ النَّفْس، ولا يَجُوزُ حَرْقُه بالنَّار.

ورُوِيَ عن أبي بكرٍ رضي الله عنه: أنَّه

(9)

أَمَرَ بتَحْريقِهم

(10)

.

(1)

في (م): يروى، وفي (ن): وروي.

(2)

أخرجه البخاري (6923)، ومسلم (1733)، وأبو داود (4354)، في قصة بعث أبي موسى ومعاذ رضي الله عنهما إلى اليمن وفيه: «

ثم اتبعه معاذ بن جبل، فلما قدم عليه ألقى له وسادة، قال: انزل، وإذا رجل عنده موثق، قال: ما هذا؟ قال: كان يهوديًّا فأسلم ثم تهود، قال: اجلس، قال: لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله، ثلاث مرات. فأمر به فقتل

».

(3)

في (م): مرار.

(4)

في (م): ضرب.

(5)

في (ن): مستتاب.

(6)

في (م): لقول أبي موسى.

(7)

سبق تخريجه قريبًا في أثر عمر رضي الله عنه 9/ 678 حاشية (8).

(8)

في (ظ): إذ.

(9)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(10)

أخرجه البيهقي في الكبرى (18124)، من طريق ابن إسحاق، حدثني طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، قال: كان أبو بكر رضي الله عنه يأمر أمراءه حين كان يبعثهم في الردة: «إذا غشيتم دارًا» ، وفيه:«فشنوها غارة فاقتلوا، وأحرقوا» ، وطلحة بن عبد الله مقبول، وروايته عن جده منقطعة.

وأخرج عبد الرزاق (9412)، وابن أبي شيبة (33725)، من طريق هشام بن عروة، عن أبيه قال: حرق خالد بن الوليد ناسًا من أهل الردة، فقال عمر لأبي بكر:«أتدع هذا الذي يعذب بعذاب الله» ، فقال أبو بكر:«لا أشيم سيفًا سلَّه الله على المشركين» ، ورواية عروة عن أبي بكر وعمر مرسلة، قال أبو حاتم وأبو زرعة:(حديثه عن أبي بكر الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم مرسل). ينظر: جامع التحصيل ص 263.

ص: 680

والأوَّلُ أَوْلَى؛ لقوله عليه السلام: «مَنْ بَدَّلَ دِينَه فَاقْتُلوهُ، ولا تُعَذِّبُوا بِعَذابِ اللهِ» ؛ يَعْنِي: النَّارَ، رواه البُخارِيُّ

(1)

.

(وَلَا يَقْتُلُهُ إِلاَّ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ)، حُرًّا كان أوْ عبدًا، في قَولِ عامَّةِ العلماء، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه قَتْلٌ لِحَقِّ الله تعالى، فكان إلى الإمام أوْ نائبه؛ كقَتْلِ الحُرِّ، وقوله

(2)

عليه السلام: «أقيِمُوا الحُدودَ على ما مَلَكَتْ أيْمانُكم»

(3)

؛ لا يَتناوَلُ القَتْلَ في الرِّدَّة؛ لأِنَّه قَتْلٌ لِكُفْرِه، ولا حَدَّ في حقِّه، وخَبَرُ حَفَصةَ لمَّا بَلَغَ عُثْمانَ تغيَّظَ

(4)

عَلَيها، وشقَّ عَلَيهِ

(5)

، والجَلْدُ في الزِّنى تأديبُ عبدِه

(6)

، بخِلافِ القَتْلِ.

(فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ؛ أَسَاءَ وَعُزِّرَ)؛ لاِفْتِياته على الإمامِ أوْ نائبه، (وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ)؛ أيْ: على القاتِلِ؛ لأِنَّه مَحَلٌّ غَيرُ مَعْصومٍ، (سَوَاءٌ قَتَلَهُ قَبْلَ الاِسْتِتَابَةِ

(7)

أَوْ بَعْدَهَا)؛ لأِنَّه مُهْدَرُ الدَّمِ في الجُمْلة، ورِدَّتُه مُبِيحةٌ لِدَمِه، وهِيَ موجودة

(8)

قَبْلَ الاِسْتِتابَة كما هي موجودة

(9)

بعدَها.

فإنْ لَحِقَ بِدارِ الحَرْب؛ فلكلِّ أحدٍ

(10)

قَتْلُه بلا استتابة

(11)

، وأخْذُ ما مَعَه

(1)

أخرجه البخاري (3017)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(2)

في (ظ): ولقوله.

(3)

سبق تخريجه 9/ 413 حاشية (3).

(4)

في (ظ): فغيظ.

(5)

سبق تخريجه 9/ 414 حاشية (9).

(6)

في (ظ): عنده. والمثبت موافق للمغني 9/ 9، والشرح 27/ 122.

(7)

في (م): استتابته.

(8)

في (م): وهو موجود.

(9)

قوله: (قبل الاستتابة كما هي موجودة) سقط من (ن).

(10)

في (م): واحد.

(11)

في (ن): بالاستتابة.

ص: 681

مِنْ مالٍ، وما تَرَكَه بدارنا مَعْصومٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، وقِيلَ: يَصِيرُ فَيئًا في الحال، وصحَّحَه المجْدُ.

فرعٌ: رسولُ الكُفَّار لا يُقتَلُ، ولو كان مُرْتَدًّا، حَكاهُ في «الفروع» عن «الهَدْيِ»

(2)

، بدليلِ رسولَيْ

(3)

مُسَيلِمَةَ

(4)

.

وفي «الفنون» : في مَولُودٍ بِرَأْسَينِ، فبَلَغَ، نَطَقَ أحدُهما بالكُفْر، والآخَرُ بالإسلام: إنْ

(5)

نطقا معًا، ففي أيِّهما يُغلَّبُ احْتِمالانِ، قال: والصَّحيحُ إنْ تقدَّمَ الإسلامُ فمُرْتَدٌّ.

(وَإِذَا عَقَلَ الصَّبِيُّ الْإِسْلَامَ؛ صَحَّ إِسْلَامُهُ وَرِدَّتُهُ)، في ظاهِرِ المذْهَبِ؛ لِإسْلامِ عليِّ بنِ أبي طالِبٍ وهو صَبِيٌّ، وعُدَّ ذلك مِنْ مَناقِبِه وسَبْقِه، وقال

(6)

:

سَبَقْتُكُمُ إلى الإسْلامِ طُرًّا

صَبِيًّا ما بَلَغْتُ أَوَانَ حُلْمِي

(7)

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 3/ 1104، أحكام أهل الملل ص 449.

(2)

ينظر: زاد المعاد 3/ 536.

(3)

في (م): رسول.

(4)

أخرجه أحمد (15989)، وأبو داود (2761)، والحاكم (2632)، عن سلمة بن نعيم بن مسعود الأشجعي، عن أبيه نعيم، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حين قرأ كتاب مسيلمة الكذاب، قال للرسولين:«فما تقولان أنتما؟» قالا: نقول كما قال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما» ، فيه سلمة بن الفضل صدوق كثير الخطأ، قال البخاري:(عنده مناكير)، ولكن تابعه يونس بن بكير وهو ليس به بأس، وأخرج متابعته الطحاوي في شرح المشكل (2863)، والحاكم (4377)، والبيهقي في الكبرى (18776)، وصححه الحاكم والألباني. ينظر: تهذيب التهذيب 4/ 154، صحيح سنن أبي داود 8/ 104.

(5)

زاد في (ظ): كان.

(6)

في (م): قال.

(7)

أخرجه البيهقي في الكبرى (12159)، وضعف ابن حجر إسناده، وقال الحافظ:(أول الناس إسلامًا في قول كثير من أهل العلم، ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح). ينظر: التلخيص الحبير 3/ 177، الإصابة 4/ 464.

ص: 682

ويُقالُ: هو أوَّلُ مَنْ أسْلَم من الصِّبيان، ومن الرِّجال: أبو بكرٍ، ومِن النِّساء: خَدِيجةُ، ومن العبيد: بلالٌ، وقال عُرْوةُ:(أسْلَمَ عليٌّ والزُّبَيرُ، وهما ابْنا ثَمانِ سِنِينَ)

(1)

.

ولم يُرَدَّ

(2)

على أحدٍ

(3)

إسلامه، مِنْ صغيرٍ أوْ كبيرٍ؛ لقوله عليه السلام:«مَنْ قال: لا إلهَ إلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ»

(4)

، ولأنَّ

(5)

مَنْ صحَّ إسلامُه صحَّتْ رِدَّتُه؛ كالبالِغِ، وقَوله عليه السلام:«كلُّ مَولُودٍ يُولَدُ على الفِطْرةِ»

(6)

، و «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ

»

(7)

الخَبَرَينِ، والصَّبِيُّ داخِلٌ في ذلك، وإذا صحَّ إسلامُه؛ كُتِب

(8)

له لا عَلَيهِ، وتحصل

(9)

له سعادةُ الدَّارَينِ.

لا يُقالُ: الإسْلامُ يُوجِبُ عَلَيهِ الزَّكاةَ في مالِهِ، ونفقة

(10)

قريبِه المسْلِمِ،

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (162)، عن أبي الأسود، عن عروة بن الزبير، قال:«أسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن ثمان سنين» ، وأخرجه أيضًا بنفس الإسناد (238)، عن عروة:«أن الزبير رضي الله عنه أسلم وهو ابن ثمان سنين» ، وأخرجه الحاكم (5547)، والبيهقي في الكبرى (12171)، مثله في إسلام الزبير فقط، وقال ابن حجر:(إسناده صحيح)، وذُكر في إسلام علي والزبير رضي الله عنهما غير ذلك من الأقوال. ينظر: سيرة الخلفاء للذهبي ص 227، السير 1/ 41، الفتح 7/ 80.

(2)

في (ن): ولم يزد.

(3)

قوله: (أحد) سقط من (م).

(4)

أخرجه البخاري (5827)، ومسلم (94)، من حديث أبي ذر رضي الله عنه، ولفظه:«ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة» ، وعند أبي داود الطيالسي (445):«يا أبا ذر بشِّر الناس أنه من قال: لا إله إلا الله، دخل الجنة» .

(5)

في (ن): لأن.

(6)

أخرجه البخاري (1358)، ومسلم (2658)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

(8)

في (م): كنت.

(9)

في (م): ويحصل.

(10)

في (م): ونفقته.

ص: 683

وحُرْمَة ميراث قريبه الكافِرِ، وفَسْخِ نكاحه؛ لأِنَّ الزَّكاةَ نَفْعٌ مَحْضٌ؛ لأِنَّها سببُ النَّماء والزيادة

(1)

، محصِّنة

(2)

للمالِ، والمِيراثُ والنَّفقةُ أمْرٌ متوهَّمٌ

(3)

، وذَلك مجبورٌ بحُصولِ المِيراثِ للمُسْلِمِينَ، وسُقوطِ نَفَقَةِ أقارِبِه الكُفَّارِ، ثمَّ هو ضَرَرٌ مغمور

(4)

بالنِّسبة إلى ما يَحصُلُ له من سِعادةِ الآخِرَةِ، والخَلاصِ من الشَّقاء والخُلودِ في الجحيم

(5)

.

وشَرْطُه: أنْ يَعقِلَ الإسلامَ، ومَعْناهُ: أنْ يَعلَمَ أنَّ اللهَ ربُّه لا شَريكَ له، وأنَّ محمَّدًا عَبدُه ورسولُه، وهذا لا خِلافَ في اشْتِراطِه

(6)

، فإنَّ الطِّفْلَ الذي لا يعقل

(7)

، لا يُتحقَّقُ منه اعْتِقادُ الإسْلام، وإنَّما كلامه لَقْلَقَةٌ بِلِسانِه لا يَدُلُّ على شَيءٍ، ذَكَرَه في «المغْنِي» وغَيره.

وشَرَطَ الخِرَقِيُّ مع ذلك، وتَبِعَه في «الوجيز»: أنْ يكون

(8)

له عَشْرُ سِنِينَ؛ لأِنَّه «عليه السلام أَمَرَ بضَرْبِه على الصَّلاة لِعَشْرٍ»

(9)

.

وجَوابُه: بأنَّ أكثرَ المصحِّحين

(10)

لإسلامِه لم يَشتَرِطُوا ذلك، ولم يَحُدُّوا

(11)

له حَدًّا من السِّنينَ، وحَكاهُ ابنُ المنذِرِ عن أحمدَ

(12)

؛ لأِنَّ

(1)

قوله: (النماء والزيادة) في (ن): إلحاق الزيادة.

(2)

في (م): محضة.

(3)

في (ن): موهم.

(4)

في (م): مضمون.

(5)

قوله: (في الجحيم) سقط من (م).

(6)

ينظر: المغني 9/ 15.

(7)

قوله: (لا يعقل) سقط من (ن).

(8)

قوله: (يكون) مكانه بياض في (م).

(9)

سبق تخريجه 1/ 451 حاشية (2).

(10)

في (م): الصحيحين.

(11)

في (ن): يجدوا.

(12)

ينظر: المغني 9/ 15.

ص: 684

المقصودَ متى

(1)

حَصَلَ لا حاجةَ إلى زيادةٍ عَلَيهِ.

(وَعَنْهُ: يَصِحُّ إِسْلَامُهُ دُونَ رِدَّتِهِ)، قال في «الفروع»: وهي أظْهَرُ؛ لأِنَّ الإسلامَ مَحْضُ مَصلَحةٍ ونَفْعٍ، فصح

(2)

منه، بخِلافِ الرِّدَّة، فعلى هذا: حُكْمُه حُكْمُ مَنْ لم يَرتَدَّ، فإنْ بَلَغَ وأصرَّ على الكفر؛ كان مُرتَدًّا.

(وَعَنْهُ: لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُمَا حَتَّى يَبْلُغَ)؛ لقوله عليه السلام: «رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثلاثٍ

» الخَبَرَ

(3)

، ولأِنَّه قَولٌ يَثْبُتُ به الأحْكامُ، فلم يَصِحَّ من الصَّبيِّ؛ كالهِبة والعِتقِ، ولأِنَّه غَيرُ مُكلَّفٍ، أشْبَهَ الطِّفْلَ.

وعَنْهُ: يَصِحُّ مِنْ ابن سبعِ سِنِينَ؛ لأِمْرِه بالصَّلاة.

وقال ابنُ أبي شَيبةَ: يَصِحُّ من ابنِ خمسِ سِنِينَ، وأخَذَهُ مِنْ إسْلامِ عليٍّ

(4)

.

(وَالمَذْهَبُ الْأَوَّلُ)، نَصَرَه القاضِي في الخِلافِ، وعَلَيهِ فقهاءُ الأصْحاب.

وعَلَيهِنَّ يُحالُ بَينَه وبَينَ الكُفَّار، قال في «الانتصار»: يَتَوَلاَّه المسْلِمونَ، ويُدفَنُ بمَقابِرهم، وأنَّ فرضيَّته

(5)

مُتَرَتِّبةٌ على صحته

(6)

؛ كصحته

(7)

تَبَعًا، وكصَومِ مريضٍ ومُسافِرٍ رمضانَ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ) ثُمَّ رَجَعَ، (وَقَالَ: لَمْ أَدْرِ

(8)

مَا قُلْتُ؛ لَمْ يُلْتَفَتْ إِلَى قَوْلِهِ)؛ كالبالغ، (وَأُجْبِرَ عَلَى الْإِسْلَامِ)؛ لأِنَّه مَحْكومٌ بإسْلامِه؛ لِمَعْرِفَتِنا بعَقْلِه؛ لأِنَّه

(1)

زيد في (م): ما.

(2)

في (ن): وصح.

(3)

سبق تخريجه 1/ 448 حاشية (1).

(4)

تقدم تخريجه 9/ 683 حاشية (1).

(5)

في (م) و (ن): فريضته.

(6)

في (م): صحة.

(7)

في (ظ): لصحته.

(8)

في (م): لم أرد.

ص: 685

كفر بَعْدَ إسْلامِه، ولهذا: صحَّ إسْلامُه؛ لأِنَّه مَحْضُ مَصلَحةٍ، أشْبَهَ الوصِيَّةَ.

وعَنْهُ: يُقبل

(1)

منه، ولا يُجبَرُ على الإسلام؛ لأِنَّه في مَظِنَّةِ النَّقْصِ، وصِدْقُه جائزٌ

(2)

، ذَكَرَه أبو بكرٍ.

والعملُ

(3)

على الأوَّل؛ لأِنَّه قد ثَبَتَ عَقْلُه للإسلام، ومَعرِفَتُه به

(4)

، وفِعْلُه فِعْلُ العُقَلاءِ، وقد تكلَّمَ بكَلامِهم.

(وَلَا يُقْتَلُ حَتَّى يَبْلُغَ)؛ أي: الصَّبيُّ لا يُقتَلُ إذا ارْتَدَّ حتَّى يَبلُغَ، سواءٌ قُلْنا بصحَّةِ رِدَّتِه، أوْ لا؛ لأِنَّ الغُلامَ لا تجب

(5)

عَلَيهِ عُقوبةٌ، بدليلِ أنَّه لا يَتعَلَّقُ به حُكْمُ الزِّنى والقَتلِ، فكذا لا يَجِبُ أنْ يَتَعلَّقَ به حُكْمُ الرِّدَّةِ. (وَيُجَاوِزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ بُلُوغِهِ)؛ لأِجْلِ وُجُوبِ اسْتِتابَتِه ثلاثًا، (فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى كُفْرِهِ؛ قُتِلَ) لأِنَّه مُرتَدٌّ مُصِرٌّ على رِدَّتِه، فَوَجَبَ قَتْلُه، سواءٌ كان مُرتَدًّا قَبْلَ بُلوغِه أوْ لا، وسَواءٌ كان مُسلِمًا أصليًّا

(6)

فارْتَدَّ، أوْ كافِرًا فأسْلَمَ صَبِيًّا ثُمَّ ارْتَدَّ.

فرعٌ: مَنْ أسْلَمَ وقال: لم أَدْرِ ما قلتُ، أو لم أعْتَقِد الإسلامَ، وإنَّما أظْهَرتُ الشَّهادَتَينِ؛ صار مُرتَدًّا، نَصَّ عَلَيهِ في مَواضِعَ

(7)

.

وعَنْهُ: يُقبَلُ منه مع ظَنِّ صِدْقِه، نَقَلَها عنه محمَّدُ بنُ الحَكَمِ

(8)

.

(وَمَنِ ارْتَدَّ وَهُوَ سَكْرَانُ)؛ صحَّتْ رِدَّتُه في ظاهِرِ المذْهَبِ، وجَزَمَ به

(1)

في (ظ): ينتقل.

(2)

في (ن): جابر.

(3)

زيد في (م): عليه.

(4)

قوله: (به) سقط من (م).

(5)

في (م): لا يجب.

(6)

في (م): أو صبيًا.

(7)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 312.

(8)

ينظر: الروايتين والوجهين 2/ 312.

ص: 686

الأكثرُ، وصحَّحَه في «الرِّعاية»؛ كإسْلامِه؛ لِقَوْلِ عليٍّ: «إذا سَكِرَ هَذَى، وإذا

(1)

هَذَى افْتَرَى، وعلى المفْتَرِي ثَمانونَ»

(2)

، فأوْجَبُوا عَلَيهِ حدَّ الفِرْيَة التي يأتي بها في سُكْرِه، واعْتَبَرُوا مَظِنَّتَها، ولأِنَّه يَصِحُّ طَلاقُه، فصحَّتْ رِدَّتُه كالصَّاحِي، ولأِنَّه لا يَزُولُ عَقْلُه بالكُلِّيَّةِ، ولهذا: يَتَّقِي المَحْذُوراتِ، ويَفرَحُ بما يَسُرُّه، وينغمُّ

(3)

بما يَضُرُّه، ويَزُولُ سُكْرُه عن قُرْبٍ، أشْبَهَ النَّاعِسَ، بخِلافِ المجْنونِ.

(لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَصْحُوَ)، فَيكمُل

(4)

عَقْلُه، ويَفْهَمَ ما يُقال له، وتَزولَ شُبْهَتُه؛ لأِنَّ القَتْلَ جُعِلَ للزَّجْر، (وَتَتِمَّ

(5)

لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ وَقْتِ رِدَّتِهِ)؛ لأِنَّ زوالَ العَقْل حَصَلَ بتَعَدِّيهِ، بخِلافِ الصَّبِيِّ. فإن اسْتَمَرَّ سُكْرُه أكْثَرَ مِنْ ثلاثٍ؛ لم يُقتل

(6)

حتَّى يَصْحُوَ، ثُمَّ يُسْتَتابُ عَقِبَ صَحْوِه، فإنْ تَابَ، وإلاَّ قُتِلَ في الحال.

(فإِنْ مَاتَ) أوْ قُتِلَ (فِي سُكْرِهِ؛ مَاتَ كَافِرًا)؛ لأِنَّه هَلَكَ بَعْدَ ارْتِدادِه، ولم ترثه

(7)

وَرَثَتُه من المسلمين.

(وَعَنْهُ: لَا تَصِحُّ رِدَّتُهُ)؛ لأِنَّ ذلك متعلِّقٌ

(8)

بالاِعْتِقاد والقَصْد، والسَّكْرانُ لا يَصِحُّ عَقْدُه، أشْبَهَ الْمعْتُوهَ، ولأنَّه

(9)

زائلُ العَقْلِ غَيرُ مُكلَّفٍ، أشْبَهَ المجْنونَ.

(1)

في (م): وإلى.

(2)

سبق تخريجه 9/ 480 حاشية (2).

(3)

في (م): ويغتم.

(4)

في (م): بكل.

(5)

في (م): ويتم، وفي (ظ): وتم.

(6)

في (ن): لم يقبل.

(7)

في (م): ولم يرثه.

(8)

في (م): يتعلق.

(9)

في (م): لأنه.

ص: 687

وجَوابُه: المنْعُ بأنَّه

(1)

لَيسَ بمُكلَّفٍ؛ فإنَّ الصَّلاةَ واجِبَةٌ عَلَيهِ.

وعَنْهُ: يَصِحُّ إسْلامُه فقطْ، حكاها ابنُ البَنَّاء.

تنبيهٌ: عُلِمَ ممَّا سَبَقَ أنَّه لا تصح

(2)

رِدَّةُ مَجْنونٍ، ولا إسْلامُه؛ لأِنَّه لا قَولَ له، وإن

(3)

ارتدَّ في صِحَّتِه ثُمَّ جُنَّ؛ لم يُقتل

(4)

في حالِ جُنونِه؛ لأِنَّه يُقتَلْ بالإصْرارِ على الرِّدَّة، والمجْنونُ لا يُوصَفُ بالإصْرارِ.

فإنْ قُتِلَ أحَدُ هؤلاء؛ عُزِّرَ القاتِلُ، ولا ضَمانَ عَلَيهِ؛ لأِنَّه قَتَلَ كافِرًا لا عَهْدَ له، أشْبَهَ قَتْلَ نِساءِ أهْلِ الحَرْبِ.

(وَهَلْ تُقْبَلُ تَوْبَةُ الزِّنْدِيقِ)، وهو المنافِقُ الذِي يُظهِرُ الإسْلامَ، ويُخْفِي الكُفْرَ، (وَمَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، أَوْ مَنْ

(5)

سَبَّ اللهَ أَوْ رَسُولَهُ

(6)

، أَوِ السَّاحِرِ)؛ أيْ: مَنْ كَفَرَ بسَحْرِه؟ (عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

(إِحْدَاهُمَا

(7)

: لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ، وَيُقْتَلُ بِكُلِّ حَالٍ)، الأَشْهَرُ: أنَّها لا تُقْبَلُ تَوبَتُهم، جَزَمَ بها

(8)

في «الوجيز» ، وقدَّمها

(9)

في «الفُروع» ، وذَكَرَ ابنُ حَمْدانَ: أنَّها أظْهَرُ، واخْتارَهَا أبو بكرٍ؛ «لأِنَّ عَلِيًّا أُتي بِزنادِقَةٍ، فَسَأَلَهم، فجَحَدُوا، فَقَامَتْ عَلَيهِم البيِّنةُ، فَقَتَلَهم، ولم يَسْتَتِبْهم

(10)

» رواه أحمدُ في مَسائلِ

(1)

في (م): لأنه.

(2)

في (م): لا يصح.

(3)

في (م): وإن.

(4)

في (م): لم يقبل.

(5)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(6)

في (م) و (ن): ورسوله.

(7)

في (م): أحدهما.

(8)

في (ن): به.

(9)

في (ن): وقدمه.

(10)

في (ن): ولم يستفتهم.

ص: 688

عبدِ الله

(1)

، ولأِنَّ في قَبولِ تَوْبَتِه خَطَرًا؛ لأِنَّه لا سبيلَ إلى الثِّقة به، ولأِنَّ إبقاءَه يؤدي

(2)

إلى السُّلْطة

(3)

في الباطن على إفْسادِ عَقائِدِ المسلمين، وفيه ضَرَرٌ عظيمٌ.

فرعٌ: مَنْ أظْهرَ الخَيرَ وأبْطَنَ الفِسْقَ؛ فكالزِّنديق في تَوبَتِه في قِياسِ المذْهَب، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، وحَمَلَ رِوايَةَ قَبولِ تَوبَةِ السَّاحِر على المتَظاهِرِ، وعَكْسُه بعكسه

(4)

.

وكذا مَنْ تَكرَّرَتْ رِدَّتُه؛ لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً (137)} [النِّسَاء: 137]، ولِمَا رَوَى الأثْرَمُ بإسْنادِه، عن ظَبْيانَ بنِ عُمارةَ: «أنَّ ابنَ مَسْعودٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ، فقال له

(5)

: إنَّه قد أُتِيَ بك مرَّةً، فَزَعَمْتَ أنَّك تُبْتَ، وأراك

(6)

قد عُدْتَ، فَقَتَلَه»

(7)

.

(1)

أخرجه الخلال في أحكام الملل (1345)، عن عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه بإسناده، من طريق إسماعيل بن سالم، عن أبي إدريس قال:«أتي عليٌّ بأناس من الزنادقة ارتدوا عن الإسلام، فسألهم فجحدوا، وقامت عليهم البينة العدول، قال: فقتلهم، ولم يستتبهم» ، وإسناده لا بأس به، فيه: أبو إدريس وهو يزيد بن عبد الرحمن بن الأسود الأودي، قال أبو داود:(سئل أحمد كيف حديث أبي إدريس يزيد قال: هو من أصحاب علي)، ووثقه العجلي، وقال ابن حجر:(مقبول)، وبقية رواته ثقات. ينظر: سؤالات أبي داود للإمام أحمد (353)، الثقات للعجلي 2/ 371.

(2)

قوله: (يؤدي) سقط من (م).

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي الممتع 4/ 347: تسلطه.

(4)

قوله: (وعكسه بعكسه) في (ن): وعليه قوله.

(5)

قوله: (له) سقط من (م).

(6)

في (م): ورآك.

(7)

لم نقف عليه بهذا اللفظ، وأخرج عبد الرزاق (18708)، وابن أبي شيبة (32742)، والنسائي في الكبرى (8622)، والبيهقي في الكبرى (16886)، عن حارثة بن مضرب، قال: خرج رجل يطرق فرسًا له - يعني: يحمل عليها - فمر بمسجد بني حنيفة، وإمامهم يقرأ قراءة مسيلمة، فرفع ذلك إلى عبد الله - يعني ابن مسعود -، فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم، فاستتابهم، فتابوا إلا عبد الله بن النوَّاحة، وهو كان إمامهم، فقتل ابن النوَّاحة، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لولا أنك رسول لضربت عنقك» ، فأنت اليوم لست برسول، قم فاضرب عنقه، فقام إليه فضرب عنقه. وأخرجه أحمد (3642) مختصرًا، وإسناده صحيح.

ص: 689

وعَنْهُ: لا تقبل

(1)

إنْ تكرَّرَتْ ثلاثًا.

وَأَمَّا مَنْ سبَّ اللهَ أوْ رسولَه

(2)

، فالأصحُّ أنَّها لا تُقبَلُ تَوبَتُه؛ لأِنَّ ذَنْبَه عَظِيمٌ جِدًّا، أشْبَهَ الزِّنْديقَ، ونَقلَ حنبلٌ: أوْ تَنَقَّصَه

(3)

، وقِيلَ: ولو تَعْريضًا، نَقَلَ حنبل

(4)

: مَنْ عرَّضَ بشَيءٍ مِنْ ذِكْرِ الرَّبِّ فَعَلَيهِ القَتْل، مُسلِمًا كان أوْ كافِرًا

(5)

، وهو مَذهَبُ أهلِ المدينة.

وفي «الفُصولِ» عن أصْحابِنا: لا تُقبل

(6)

إنْ سَبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم؛ لأِنَّه حقُّ آدَمِيٍّ لم يُعلَمْ إسْقاطُه، وأنَّها تُقبَلُ إنْ سَبَّ اللهَ؛ لأِنَّه يَقبل

(7)

التَّوبةَ في خالِصِ حقِّه، وجَزَمَ به في «عيون المسائل» ؛ لأِنَّ الخالِقَ مُنزَّهٌ عن النَّقائص، فلا يَلحَقُ به، بخِلافِ المخلوقِ، فإنَّه مَحَلٌّ لها، فافْتَرَقَا.

وأمَّا السَّاحِرُ؛ فنَقَلَ ابنُ هُبَيرةَ: أنَّها لا تُقبَلُ تَوبَتُه في ظاهِرِ المذْهَبِ، وهو ظاهر

(8)

ما نُقِلَ عن الصَّحابة

(9)

، ولم يُنقَلْ عن أحدٍ منهم أنَّه اسْتَتابَ ساحِرًا،

(1)

في (م): لا يقبل.

(2)

في (م): ورسوله.

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 255.

(4)

قوله: (أو تنقصه، وقيل: ولو تعريضًا، نقل حنبل) سقط من (م).

(5)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 255.

(6)

في (م): لا يقتل.

(7)

في (م): تقبل.

(8)

قوله: (وهو ظاهر) سقط من (م).

(9)

مراده ما روي عن الصحابة في حد الساحر، وسيأتي.

ص: 690

وحديثُ عائشةَ في المرأة التي أتت

(1)

هَارُوتَ ومَارُوتَ يدلُّ

(2)

عَلَيهِ

(3)

، ولأنَّ

(4)

السِّحْرَ مَعْنًى في القلب لا يَزُولُ بالتَّوبة، أشْبَهَ الزِّنديقَ.

(وَالْأُخْرَى: تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ كَغَيْرِهِ)، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ، زِنْديقًا كان أوْ غَيرَه، رُوِيَ عن عليٍّ

(5)

، وابنِ مسعودٍ

(6)

، واخْتارَه الخَلاَّلُ، وقال: إنَّه أَوْلَى على مَذْهَبِ أبي عبدِ الله، وقدَّمه في «الكافي» و «الرِّعاية»؛ لقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفَال: 38]، ولقوله

(1)

في (م): أتتها.

(2)

في (م): تدل.

(3)

أخرجه الطبري في التفسير (2/ 350) وابن أبي حاتم (1/ 194)، والحاكم (7262)، والبيهقي في الكبرى (16505)، من طريق ابن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:«قدمت امرأة من أهل دومة الجندل علي جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك، تسأله عن شيء دخلت فيه من أمر السحرة لم تعمل به» الخبر، اختصره الطبري وساقه غيره مطولاً، وابن أبي الزناد صدوق لا بأس به، صحح الأثر الحاكم، وذكره ابن كثير في التفسير 1/ 361 وقال:(غريب)، أي: متنه لأنه قال بعد أن ساقه: (فهذا إسناد جيد إلى عائشة رضي الله عنها.

(4)

في (ن): لأن.

(5)

لعل مراده ما أخرجه عبد الرزاق (18712)، والبيهقي في الكبرى (16853)، من طريق سماك بن حرب، عن قابوس بن مخارق، أن محمد بن أبي بكر، كتب إلى علي رضي الله عنه يسأله عن مسلِمَينِ تَزَندقَا، فكتب إليه:«إن تابا، وإلا فاضرب أعناقهما» ، وعند البيهقي: أن عليًّا رضي الله عنه قال: «أما الزنادقة فيعرضون على الإسلام، فإن أسلموا وإلا قتلوا» ، وإسناده لا بأس به، سماك بن حرب روايته عن غير عكرمة مقبولة، وقابوس بن المخارق ذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر:(لا بأس به)، وروي من طرق عن علي رضي الله عنه أنه:«استتاب رجلاً كفر بعد إسلامه شهرًا، فأبى، فقتله» أخرجه عبد الرزاق (18691)، وينظر: أيضًا مصنف عبد الرزاق (18710، 18711).

(6)

تقدم تخريجه قريبًا.

ص: 691

(1)

عليه السلام: «لم أُومَرْ أنْ أُنَقِّبْ عن

(2)

قلوب النَّاس» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(3)

، ورجَّح هذا في «الشَّرح» ، وأجابَ عن قَتْلِ ابنِ النَّواحَةِ

(4)

: بأنَّه إنَّما قتله

(5)

؛ لظُهورِ كَذِبِه في تَوبَتِه؛ لأِنَّه أظْهَرَها، وما زال عمَّا كان عَلَيهِ من الكفر، ويَحتَمِلُ أنَّه قَتَلَه لغَيرِ ذلك.

وقال في رِوايَةِ أبي طالِبٍ: إنَّ أهْلَ المدينة يَقُولُونَ في الزِّنْدِيق: لا يُسْتَتابُ، قال أحمدُ: كنت

(6)

أقولُ ذلك أيضًا، ثُمَّ هِبْته

(7)

، قال القاضِي: وظاهِرُه أنَّه رَجَعَ.

فلو زَعَمَ أنَّ لله ولدًا؛ فقد سبَّ اللهَ، بدليلِ قَولِه عليه السلام، إخبارًا عن ربِّه:«يَشْتُمُنِي ابنُ آدَمَ، وما يَنبَغِي له أنْ يَشْتُمُنِي، أمَّا شَتْمُه إيَّايَ: فَزَعَمَ أنَّ لي ولدًا»

(8)

، ولا شَكَّ أنَّ تَوبَتَه مَقْبولةٌ بغَيرِ خِلافٍ

(9)

، فإذا قُبِلَتْ تَوبَةُ مَنْ سَبَّ اللهَ تعالى؛ فَمَنْ سَبَّ نَبِيَّه أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ.

والصَّحِيحُ الأُولَى؛ لأِنَّ أدِلَّتَها خاصَّةٌ، والثَّانِيَةِ عامَّةٌ، والخاصُّ مُقدَّمٌ على العامِّ.

فرعٌ: الخِلافُ في قَبولِ تَوبَتِهم إنَّما هو في الظَّاهِر في أحْكامِ الدُّنيا؛ مِنْ تَرْكِ قِتالِهم، وثُبوتِ أحْكامِ الإسلام في حقِّهم، وأمَّا قَبولُها في الباطن، فلا

(1)

في (م): لقوله.

(2)

في (م): على.

(3)

أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064)، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

(4)

تقدم تخريجه 9/ 689 حاشية (7) في أثر ابن مسعود رضي الله عنه.

(5)

في (م): قتل.

(6)

في (ن): ليت.

(7)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 461.

(8)

قوله: (فقد سب الله، بدليل قوله

) إلى هنا سقط من (م).

والحديث أخرجه البخاري (3193)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(9)

ينظر: الشرح الكبير 27/ 138.

ص: 692

خِلافَ فيه حَيثُ صَدَقَ

(1)

، ذَكَرَه ابنُ عَقِيلٍ، والمؤلِّفُ، وجماعةٌ.

وفي «إرْشادِ ابنِ عَقِيلٍ» رِوايَةٌ: لا تُقبَلُ تَوبَةُ زِندِيقٍ باطِنًا، وضعَّفَها، وقال: كَمَنْ تَظاهَرَ بالصَّلاح إذا أتَى مَعصِيَةً، فتَابَ منها، وأنَّ قَتْلَ عليٍّ

(2)

زِنْدِيقًا لا يَدُلُّ على عَدَمِ قَبولها؛ كتَوبَةِ قاطِعِ طَريقٍ بَعْدَ القُدْرة.

وذَكَرَ القاضِي وأصْحابُه رِوايَةً: لا تُقبَلُ تَوبَةُ داعِيَةٍ إلى بِدْعَةٍ مُضِلَّةٍ، اخْتارَها أبو إسْحاقَ بنِ شاقْلَا.

وفي «الرِّعاية» : مَنْ كَفَرَ بِبدْعةٍ قُبِلَتْ تَوبَتُه على الأصحِّ.

(وَتَوْبَةُ الْمُرْتَدِّ)، وكلِّ

(3)

كافِرٍ: (إِسْلَامُهُ، وَهُوَ أَنْ يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ)؛ لحديثِ ابنِ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وأنَّ مُحمَّدًا رسولُ اللهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤتُوا الزَّكاةَ، فإذا فَعَلُوا ذلك؛ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلاَّ بحَقِّ الإسْلامِ، وحِسابُهم على الله عز وجل» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(4)

، وهذا

(5)

يَثبُتُ به إسْلامُ الكافِرِ الأصْلِيِّ، فكذا المرتدُّ، ولا يَحتاجُ مع ثُبوتِ إسْلامِه إلى الكشف عن

(6)

صحَّةِ رِدَّتِه؛ لأنَّه

(7)

يُمكِنُ أنْ يكونَ يَجحَدُ الوحْدانيَّةَ، أو جَحَد

(8)

رسالةَ محمَّدٍ عليه السلام.

(1)

ينظر: المغني 9/ 8.

(2)

في (م): عليًا قتل.

(3)

قوله: (المرتد وكل) في (م): كل.

(4)

أخرجه البخاري (25)، ومسلم (22).

(5)

في (م): ولهذا.

(6)

في (م): في.

(7)

في (م): ولأنه.

(8)

في (ظ): حجة.

ص: 693

وظاهره: أنه

(1)

لا يُغْنِي قَولُه: وأشْهَدُ أنَّ مُحمَّدًا عَبدُه ورسولُه عن كلمةِ التَّوحيد.

وعَنْهُ: بلى، قدَّمها في «الرِّعاية»؛ لأِنَّ يهوديًّا قال للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم: أشْهَدُ أنَّكَ رسولُ الله، ثُمَّ ماتَ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«صَلُّوا على صاحِبِكُم»

(2)

، ذَكَرَه أحمدُ في رِوايَةِ مُهَنَّى مُحتَجًّا به

(3)

، ولأِنَّه لا يُقِرُّ برسالةِ مُحمَّدٍ إلاَّ وهو يقرُّ

(4)

بمَنْ أَرْسَلَه.

وعنه: مِنْ

(5)

مُقِرٍّ به، قال في «الشَّرح»: وبهذا جاءت الأخبارُ، وهو الصَّحيحُ؛ لأِنَّ مَنْ جَحَدَ شَيئَينِ؛ لا يَزُولُ جَحْدُه إلاَّ بإقْرارهما جميعًا.

قال في «الفروع» : ويَتوجَّهُ احْتِمالٌ: يكفي

(6)

التَّوحيدُ ممَّن لا يُقِرُّ به؛ كوَثنيٍّ؛ لظَاهِرِ الأخبار، ولِخَبَرِ أُسامَةَ، وقَتْلِه

(7)

الكافِرَ الحَرْبِيَّ بَعْدَ قَولِه: لا إلهَ إلاَّ اللهَ

(8)

؛ لأِنَّه مَصْحُوبٌ بما يَتَوَقَّفُ عَلَيهِ الإسلامُ، ومُسْتَلْزِمٌ له، وِفاقًا

(1)

قوله: (أنه) سقط من (ظ) و (ن).

(2)

أخرجه أحمد (12792)، والنسائي في الكبرى (7458)، والحاكم (1342)، من طريق شريك، عن عبد الله بن عيسى، عن عبد الله بن جبر، عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، فمرض فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:«قل أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله» فنظر الغلام إلى أبيه فقال: قل ما يقول لك محمد، فقال، فلما مات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«صلوا على أخيكم» أو قال: «صلوا عليه» ، وشريك بن عبد الله النخعي صدوق يخطئ كثيرًا، والحديث في البخاري (1356) من وجه آخر نحوه وليس فيه:«صلوا على صاحبكم» . ينظر: نصب الراية 4/ 271.

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 297.

(4)

في (ن): مقر.

(5)

قوله: (من) سقط من (ظ).

(6)

في (م): ويكفي.

(7)

في (ظ): وقتل.

(8)

أخرجه البخاري (4269)، ومسلم (96)، من حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما.

ص: 694

للشَّافِعِيَّة

(1)

وغَيرِهم.

فلو قال: أشْهَدُ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم رسولُ الله

(2)

؛ لم يُحكَمْ بإسْلامِه؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يُريدَ غَيرَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.

(إِلاَّ أَنْ تَكُونَ رِدَّتُهُ بِإِنْكَارِ فَرْضٍ، أَوْ إِحْلَالِ مُحَرَّمٍ، أَوْ جَحْدِ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ، أَوْ إِلَى دِينِ مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً؛ فَلَا يَصِحُّ إِسْلَامُهُ حَتَّى يُقِرَّ بِمَا جَحَدَهُ)؛ لأِنَّ رِدَّتَهُ بِجَحْده، فإذا لم يُقِرَّ بما جَحَدَه؛ بَقِيَ الأمْرُ على ما كان عَلَيهِ مِنْ الرِّدَّة المُوجِبَةِ لتَكْفِيرِه.

فإذا كانَتْ رِدَّتُه باعتقاد

(3)

أنَّ مُحمَّدًا بُعِثَ إلى العَرَب؛ فلا بُدَّ (وَ) أنْ (يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَالَمِينَ)، ولا بُدَّ أنْ يقُولَ مع ذلك كلمةَ الشَّهادَتَينِ، ولا يَكْفِي فيه مُجرَّدُ إقْرارِه بما جَحَدَه.

(أَوْ يَقُولَ: أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ

(4)

الْإِسْلَامَ)؛ لأِنَّه يَحتَمِلُ أنْ يُريدَ بالشَّهادة ما يَعتَقِدُه، ولأِنَّ الرُّجوعَ إلى الإسلام لا يكونُ إلاَّ بذلك.

فرعٌ: يَكْفِي جَحْدُه لِردَّتِه بَعْدَ إقْرارِه بها في الأصحِّ؛ كرُجوعِه عن حدٍّ، لا

(5)

بعدَ بَيِّنَةٍ، بل يُجدِّد

(6)

إسْلامَه، قال جماعةٌ: يأْتِي بالشّهادَتَينِ.

ونَقَلَ ابنُ الحَكَم فِيمَنْ أسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ أوْ تَنَصَّرَ، فَشَهِدَ عَلَيهِ عُدُولٌ، فقال: لم أفْعَلْ، وأنا مُسْلِمٌ؛ قُبِلَ قَولُه

(7)

.

(1)

ينظر: الحاوي الكبير 13/ 179، البيان 12/ 50.

(2)

قوله: (رسول الله) سقط من (ظ) و (ن). والمثبت موافق للمغني 9/ 21، والشرح الكبير 27/ 144.

(3)

في (ن): اعتقاد.

(4)

زيد في (م): دين.

(5)

قوله: (لا) سقط من (م).

(6)

في (ن): تجدد.

(7)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 423.

ص: 695

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: اتَّفقَ الأئمَّةُ أنَّ المرتَدَّ إذا أسْلَمَ عَصَمَ دَمَه ومالَه، وإنْ لم

(1)

يَحكم به

(2)

حاكِمٌ، ولا يَحتاجُ إلى أنْ يُقِرَّ بما شهد

(3)

عَلَيهِ به، فإذا لم يَشهَدْ عَلَيهِ عَدْلٌ؛ لم يَفتَقِر الحُكْمُ إلى إقرارِه، بل إخْراجُه إلى ذلك قد

(4)

يكون كَذِبًا، ولهذا لا يَجُوزُ بِناءُ حُكْمٍ على هذا الإقْرارِ؛ كالإقْرار الصَّحيحِ، فإنَّه قد عُلِمَ أنَّه لقَّنه

(5)

، وأنَّه فَعَلَه خَوفَ القَتْل، وهو إقْرارُ تَلْجِئَةٍ

(6)

.

تنبيهٌ: ظاهِرُ كلامه: أنَّه إذا قال: أنا مؤمِنٌ أوْ مُسلِمٌ؛ لم يُكْتَفَ بذلك، ونقل أبو طالِبٍ في اليهوديِّ إذا قال: قد أسْلَمْتُ، أوْ أنا مُسلِمٌ: يُجبَرُ عَلَيهِ، قد عَلِمَ ما يُرادُ منه

(7)

.

ونَصَرَ القاضي وابنُ البَنَّاء الاِكْتِفاءَ بذلك عن الشَّهادَتَينِ؛ لِمَا رَوَى المِقْدادُ أنَّه قال: يا رسولَ الله! أرأيتَ إنْ لَقِيتُ رجلاً من الكُفَّار، فَقاتَلَنِي، فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بالسَّيف، فَقَطَعَها، ثمَّ لَاذَ مِنِّي بشجرةٍ، فقال: أسْلَمْتُ، أفأقتُله يا رسولَ الله بَعْدَ أنْ قالَها؟ قال:«لا تَقْتُلْه» رواهُ مُسلِمٌ

(8)

، ولأِنَّ ذلك

(9)

اسمٌ لشَيءٍ، فإذا أَخْبَرَ به فقد أخْبَرَ بذلك الشَّيءِ.

وذَكَرَ المؤلِّفُ احْتِمالاً: أنَّ

(10)

هذا في الكافِرِ الأصْلِيِّ، أوْ جَحَدَ

(1)

في (ن): لا.

(2)

قوله: (به) سقط من (م).

(3)

قوله: (بما شهد) في (م): بأشهد.

(4)

في (م): وقد.

(5)

في (ظ) و (ن): لقيه. والمثبت موافق لمجموع الفتاوى 35/ 205.

(6)

ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 205.

(7)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 302.

(8)

أخرجه البخاري (4019)، ومسلم (95).

(9)

في (م): هذا.

(10)

في (م): احتمالان.

ص: 696

الوحْدانيَّةَ، أمَّا مَنْ كفر

(1)

بجَحْدِ نَبِيٍّ، أوْ كِتابٍ، أَوْ فريضةٍ، ونحوِه؛ فلا يَصِيرُ مُسلِمًا بهذا؛ لأنَّه

(2)

ربَّما اعْتَقَدَ أنَّ الإسلامَ ما هو عَلَيهِ، فإنَّ أهْلَ البِدَعِ كلَّهم يَعتَقِدُونَ أنَّهم مُسلِمُونَ، ومِنهم مَنْ هو كافِرٌ.

فرعٌ: إذا شُهِدَ عَلَيهِ بأنَّه كَفَرَ، وادَّعى الإكراهَ؛ قُبِلَ مع قَرِينةٍ، ولو شُهِدَ عَلَيهِ بكلمةِ كُفْرٍ فادَّعاهُ؛ قُبِلَ مُطْلَقًا في الأصحِّ؛ لأِنَّ تصديقَه لَيسَ فيه تكذيبٌ للبيِّنةِ، وإنْ أسْلَمَ على صَلاتَينِ؛ قُبِلَ منه، وأُمِر

(3)

بالخَمْس.

(وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ؛ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ)؛ لقَولِه عليه السلام: «مَنْ صَلَّى صَلاتَنا

» الخبرَ

(4)

، سواءٌ صلَّى في جماعةٍ أوْ مُنفَرِدًا، في دار الحرب أو الإسلامِ؛ لأِنَّها ركنٌ يَختَصُّ به

(5)

الإسلامُ، فحُكِمَ بإسْلامِه؛ كالشَّهادتَينِ، ولأِنَّ ما كان إسْلامًا في دارِ الحرب؛ كان إسْلامًا في دارِ الإسلامِ؛ كالشَّهادتَينِ.

ومُقتَضاهُ: أنَّها إذا شَهِدتْ بأنَّه أَتَى بغيرها

(6)

مِنْ زكاةٍ، أوْ صَومٍ، أوْ حجٍّ؛ لا يُحكَمُ بإسْلامِه.

ولا يَثبُتُ الإسلامُ حتَّى يأتي

(7)

بصلاةٍ تَتَميَّزُ عن صلاةِ الكُهَّان، ولا تحصل

(8)

بمجرَّدِ القيام

(9)

.

(1)

في (ن): أقر. والمثبت موافق للمغني.

(2)

في (م): لا أنه.

(3)

في (م): وكفر.

(4)

سبق تخريجه 1/ 449 حاشية (4).

(5)

في (م): بها.

(6)

في (م): بغيرهما.

(7)

قوله: (يأتي) سقط من (م).

(8)

في (ن): ولا يحصل.

(9)

في (ن): القسام.

ص: 697

وذَكَرَ ابنُ تميمٍ: أنَّ مَنْ حجَّ، أوْ صامَ يقصد

(1)

رمضان، أوْ آتَى مالَه على وَجْهِ الزَّكاة، أوْ أذَّن في غَيْرِ مَحَلِّ الأذانِ، قال ابنُ حَمْدانَ: أوْ غيرِ وَقْتِه؛ هل يُحكَمُ بإسْلامِه؟ على وجهَينِ.

واختار القاضي: أنَّه يُحكَمُ بإسْلامِه بالحجِّ

(2)

فَقَطْ.

(وَلَا يَبْطُلُ إِحْصَانُ المُسْلِمِ بِرِدَّتِهِ)؛ يَعْنِي: إذا كان مُحصَنًا فارْتَدَّ، ثُمَّ أسْلَمَ؛ لم يَزُلْ إحْصانُه، بل إذا زَنَى فإنَّه يُرجَمُ؛ لأِنَّه ثَبَتَ له حُكْمُ الإحْصانِ، والأَصْلُ بقاء

(3)

ما كان عليه

(4)

.

(وَلَا عِبَادَاتُهُ التِي فَعَلَهَا فِي إِسْلَامِهِ إِذَا عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ)؛ لأنَّه

(5)

فَعَلَها على وجْهِهَا، وبَرِئَتْ ذِمَّتُه منها، فلم تَعُدْ إلى ذِمَّتِه؛ كدَينِ الآدَمِيِّ.

وفي «الرِّعاية» : في الصَّوم وَجْهانِ في وُجوبِ القَضاءِ.

وقَدَّم فِيهَا وفي «المحرَّر» : أنَّه إذا صَلَّى، ثُمَّ كَفَرَ، ثُمَّ أسْلَمَ في وَقْتِها؛ لم يُعِدْها، وقِيلَ: بَلَى.

وإنْ حجَّ، ثُمَّ كَفَرَ، ثُمَّ أسْلَم؛ فرِوايَتانِ، أشْهَرُهما: لا يُعِيدُ.

(1)

في (م): بقصد.

(2)

قوله: (بالحج) سقط من (م).

(3)

قوله: (بقاء) سقط من (م).

(4)

قوله: (عليه) سقط من (م) و (ن).

(5)

في (م): لأن.

ص: 698

(فَصْلٌ)

(وَمَنِ ارْتَدَّ؛ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ)؛ أيْ: لا يُحكَمُ بزَوالِ ملكِه، قدَّمه في «الكافي» ، و «المحرَّر» ، و «المستوعب» ، ونَصَرَه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الرِّدَّةَ سببٌ يُبِيحُ دَمَه، فلَمْ يَزُلْ ملْكُه بها؛ كزِنَى المُحْصَنِ؛ لأِنَّ زوالَ العِصْمة لا يَلزَمُ منه زَوالُ الملْك؛ كالقاتِلِ في المحارَبَةِ، وأهْلِ الحَرْبِ.

(بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا، وَتَصَرُّفَاتُهُ) مِنْ البَيعِ والهِبَة والوَقْفِ ونحوه

(1)

(مَوْقُوفَةً) على المذْهَبِ، قالَهُ ابنُ المنَجَّى: لأِنَّه مالٌ

(2)

تَعلَّقَ به حقُّ الغَيرِ، فكان التَّصرُّفُ فيه مَوقُوفًا؛ كتبرُّع المريض.

ولكِنَّ المذْهَبَ: أنَّه يُمنَعُ من التَّصرُّف فِيهِ، قاله القاضي وأصحابُه، وفي «الوسيلة»: نَصَّ عَلَيهِ، ونَقَلَ ابنُ هانِئٍ: يُمنَعُ مِنْهُ

(3)

.

واخْتارَ المؤلِّفُ: أنَّه يُترَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ.

وَجَعَلَ في «التَّرغيب» كلامَ القاضِي والمؤلف

(4)

واحدًا، وكذا ذَكَرَه ابنُ البَنَّاء وغَيره، ونص

(5)

عليه أحمدُ

(6)

، ولم يَقُولُوا: يُتْرَكُ عِنْدَ ثِقَةٍ، بَلْ قالوا: يُمنَعُ منه.

(فَإِنْ

(7)

أَسْلَمَ؛ ثَبَتَ مِلْكُهُ وَتَصَرُّفَاتُهُ)، وكان ذلك صحيحًا، (وَإِلاَّ بَطَلَتْ)؛

(1)

قوله: (ونحوه) سقط من (م).

(2)

قوله: (مال) سقط من (م).

(3)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 94.

(4)

قوله: (أنه يترك عند ثقة

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

في (م): نص.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 204.

(7)

في (م): فإذا.

ص: 699

أيْ: إذا ماتَ أوْ قُتِلَ في رِدَّتِه؛ كان باطِلاً تغليظًا عَلَيهِ بقطع

(1)

ثَوابه، بخِلافِ المريض، ويَنتَقِلُ مالُه فَيئًا مِنْ حِين مَوته.

وفي «المحرَّر» : على ذلك تُنفَّذُ مُعاوَضَتُه، ويقرُّ

(2)

بِيَدِه، وتُوقَفُ تَبرُّعاتُه

(3)

، وتُرَدُّ بمَوتِه مَرتَدًّا.

(وَتُقْضَى دُيُونُهُ)، لا دَينٌ مُتجَدِّدٌ في الرِّدَّة، (وَأُرُوشُ جِنَايَاتِهِ

(4)

؛ لأِنَّ ذلك حقٌّ واجِبٌ عَلَيهِ، (وَيُنْفَقُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ)؛ لأِنَّ ذلك واجِبٌ بإيجابِ الشَّرْع، أشْبَهَ الدَّينَ، (وَمَا أَتْلَفَ مِنْ شَيْءٍ ضَمِنَهُ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، لأِنَّ الإتْلافَ يُوجِبُ الضَّمانَ على المسْلِمِ، فَلَأنْ يُوجِبَ على المرتَدِّ بطَرِيقِ الأَوْلَى.

وعَنْهُ: إنْ فَعَلَه بدارِ حَرْبٍ، أوْ فِي جماعةٍ مُرتَدَّةٍ مُمْتَنِعَةٍ؛ فَلَا، اخْتارَه الخَلاَّلُ، وصاحِبُه، والمؤلِّفُ؛ لِفِعْلِ الصَّحابة

(6)

، وكالكافِرِ الأصليِّ إجْماعًا.

وقِيلَ: هم كبُغاةٍ.

(1)

في (م): يقع.

(2)

في (م): وتقر.

(3)

في (ظ): وتوقف تبرعًا به.

(4)

في (ظ): جنايته.

(5)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 447.

(6)

أي: قياسًا على ما ورد عن الصحابة في أهل البغي، ومن ذلك: ما أخرجه عبد الرزاق (18584)، وابن أبي شيبة (27963)، والبيهقي في الكبرى (16723)، عن الزهري، قال:«فإن الفتنة الأولى ثارت وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن شهد بدرًا كثير، فاجتمع رأيهم على أن لا يقيموا على أحد حدًّا في فرج استحلوه بتأويل القرآن، ولا قصاص في قتل أصابوه على تأويل القرآن، ولا يرد ما أصابوه على تأويل القرآن إلا أن يوجد بعينه فيرد على صاحبه» ، وسنده صحيح إلى الزهري، واحتج به أحمد، إلا أن الزهري لم يدرك الفتنة، قال ابن حزم:(منقطع لأن الزهري رحمه الله تعالى لم يدرك تلك الفتنة ولا ولد إلا بعدها ببضع عشرة سنة). ينظر: السنة للخلال 1/ 151، الروايتين والوجهين، 2/ 306، المحلى 11/ 345، الإرواء 8/ 116.

ص: 700

قال

(1)

: وإنَّ المرتَدَّ تَحْتَ حُكْمِنا لَيسَ مُحارِبًا؛ يَضمن إجْماعًا.

فرعٌ: يُؤخَذُ بحَدٍّ فَعَلَه في رِدَّتِهِ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

؛ كقَبْلِها.

وظاهِرُ نَقْلِ مُهَنَّى

(3)

، واخْتارَه جماعةٌ: إنْ أسْلَمَ فلا، كعِبادَتِه.

(وَيَتَخَرَّجُ فِي الْجَمَاعَةِ الْمُمْتَنِعَةِ: أَلاَّ يُضْمَنَ

(4)

مَا أَتْلَفَتْهُ)؛ لأِنَّها في مَعْنَى البُغاةِ، ولأِنَّ الباغِيَ إنَّما لم

(5)

يَضمَنْ ما أتْلَفَهُ؛ لأِنَّ في تَضْمِينِه تَنفِيرًا له عن الرُّجوع إلى قَبْضَةِ الإمامِ، وهذا المعْنَى مَوجُودٌ في الجماعة المرْتَدَّةِ الممْتَنِعةِ.

وصحَّحَ في «الشَّرح» و «الرِّعاية» : أنَّه لا ضَمانَ عَلَيهِم فِيمَا أتْلَفُوهُ حالَ الحَرْبِ.

(وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ)، واختاره أبو إسْحاقَ، وصاحِبُ «التَّبصرة» ، و «الطَّريق الأقرب» ، وهو رِوايَةٌ؛ لأِنَّ عِصْمةَ نفسه وماله إنَّما تثبت

(6)

بإسْلامِه، فزَوالُ إسْلامِه مُزيلٌ عصمتَهما

(7)

؛ كما لو لَحِقَ بدارِ الحَرْبِ، ولأِنَّ المسْلِمِينَ مَلَكُوا إراقةَ دَمِه بِرِدَّتِه، فَوَجَبَ أنْ يَمْلِكُوا أمْوالَه بها.

وعَنْهُ: إنْ ماتَ أوْ قُتِلَ؛ تَبَيَّنَّا زَوالَه مِنْ حِينِ رِدَّتِه.

فَلَوْ باعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا؛ أُخِذَ بالشُّفْعة على الأُولَى، وعلى الثَّانية يُجعَلُ في بَيتِ المالِ.

(وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ)؛ لأِنَّ ملْكَه قد زالَ بِردَّتِه.

(1)

أي: شيخ الإسلام ابن تيمية. ينظر: مجموع الفتاوى 15/ 172، الفروع 10/ 204.

(2)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 447.

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 448.

(4)

كذا في النسخ الخطية، والذي في نسخ المقنع الخطية. (تضمن).

(5)

قوله: (إنما لم) في (ن): لا.

(6)

في (م): ثبتت، وفي (ظ): يثبت.

(7)

في (ن): عصمتها.

ص: 701

وجَوابُه: أنَّ ملْكَه قد تعلَّقَ به

(1)

حقُّ غَيرِه مع بَقاءِ ملْكِه فيه

(2)

، فكان تَصرُّفُه مَوقوفًا؛ كتَصرُّفِ المريضِ.

(وَإِنْ أَسْلَمَ؛ رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا)؛ أيْ: جديدًا؛ لِزَوالِه بِردَّتِه.

تذنيبٌ: إذا تَزوَّجَ؛ لم يَصِحَّ؛ لأِنَّه لا يُقَرُّ على النِّكاح؛ كنِكاحِ الكافِرِ مُسْلِمةً، وكذا لو زَوَّجَ مَوْلِيَّتَهُ؛ لأِنَّ النِّكاحَ لا يكُونُ مَوقوفًا.

فلَو وُجِدَ منه ما يَقتَضِي سببَ التمليكِ

(3)

؛ كالصَّيد، والاتِّهاب

(4)

، والشِّراء؛ ثبت

(5)

الملْكُ إن

(6)

بَقِيَ ملْكُه، وإلاَّ فَلَا، واحتجَّ به في «الفصول» على بقاءِ ملْكِه، وأنَّ الدَّوامَ أَوْلَى.

وعلى روايةٍ: يرثُه

(7)

مسلِمٌ، أوْ أهْلُ دِينِه الَّذي اخْتارَه؛ فكمسلمٍ فيه.

وفي «الانتصار» : لا

(8)

قَطْعَ بسرقَتِه

(9)

؛ لِعَدَمِ عصمتِهِ

(10)

.

(وَإِذَا أَسْلَمَ؛ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ العِبَادَاتِ

(11)

الْخَمْسِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحداهما

(12)

: يَقْضِي، صحَّحه في «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛

(1)

قوله: (به) سقط من (م).

(2)

قوله: (فيه) سقط من (م).

(3)

في (م): التملك.

(4)

في (م): والانتهاب.

(5)

في (ظ): يثبت.

(6)

في (م): إذا.

(7)

في (م): توبة.

(8)

في (م): ولا.

(9)

في (م): بسرقة.

(10)

في (م): عصمة.

(11)

زيد في (ن): في حال ردته.

(12)

في (م): أحدهما.

ص: 702

لأِنَّها عِبادةٌ واجِبةٌ الْتَزَمَ بِوُجوبِها، واعْتَرَفَ به في زَمَنِ إسلامه

(1)

فَلَزِمَه القَضاءُ؛ كغَيرِ المرْتَدِّ.

والثَّانية: لا يلزمه

(2)

، وهي الأَشْهَرُ؛ لقوله تعالى:{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفَال: 38]، وكالحَرْبيِّ، ولأِنَّ أبا بكرٍ رضي الله عنه لم يَأْمُر المرْتَدِّينَ بقَضاءِ ما فاتهم.

وقَدَّمَ المجْدُ وابنُ تميمٍ: أنَّه يَلزَمُه قَضاءُ ما تَرَكَه قَبْلَ الرِّدَّةِ من صلاةٍ، وصَومٍ، وزَكاةٍ.

وقِيلَ: يَقْضِي غَيرَ الحجِّ، روايةً واحدةً.

وذَكَرَ ابنُ تميمٍ، وابنُ حَمْدانَ: أنَّه لو جُنَّ بَعْدَ تَرْكِه؛ لم تَسقُطْ عَنْه الصلاة

(3)

، وإنْ حاضَتْ؛ سَقَطَتْ.

(وَإِذَا ارْتَدَّ الزَّوْجَانِ وَلَحِقَا بِدَارِ الْحَرْبِ، ثُمَّ قُدِرَ عَلَيْهِمَا؛ لَمْ يَجُزِ اسْتِرْقَاقُهُمَا)؛ لأِنَّه لا يُقَرُّ على الرِّدَّة، يَدُلُّ عَلَيهِ قَولُه عليه السلام:«مَنْ بَدَّلَ دِينَه فَاقْتُلوهُ»

(4)

، ولَمْ يُنقَلْ أنَّ الَّذينَ سَبَاهُم أبو بكرٍ كانوا أسْلَمُوا، ولا ثبَتَ

(5)

لهم حُكْمُ الرِّدَّةِ، وقَولُ عليٍّ: «تسبى

(6)

المرْتَدَّةُ» ضَعَّفَه أحمدُ

(7)

.

(1)

في (م): الإسلام.

(2)

في (ن): لا يلزم. وكتب في هامش (ظ) و (ن): (وهي المذهب).

(3)

قوله: (وقيل: يقضي غير الحج رواية واحدة

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

أخرجه البخاري (3017)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

(5)

في (ظ) و (ن): ولا يثبت.

(6)

قوله: (علي تسبى) في (م): بسبي.

(7)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 430. والأثر أخرجه ابن أبي شيبة (32772)، والدارقطني (3454)، من طريق خلاس بن عمرو، عن عليٍّ رضي الله عنه قال: «المرتدة تستأمن ولا تقتل». قال الدارقطني: (خلاس عن علي لا يحتج به لضعفه).

ص: 703

(وَلَا اسْتِرْقَاقُ أَوْلَادِهِمَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ)؛ لأِنَّه مَحْكومٌ بإسْلامِه بإسْلامِ والِدِه، وكَوَلَدِ مَنْ أُسِرَ من ذِمَّةٍ

(1)

.

(وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ؛ قُتِلَ)؛ للخَبَرِ، ويُعتَبَرُ فِيهِ بُلوغُهم.

(وَيَجُوزُ اسْتِرْقَاقُ مَنْ وُلِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ الرِّدَّةِ) في المنْصوصِ؛ لأِنَّه مَحْكومٌ بكُفْرِه؛ لأِنَّه وُلِدَ بَينَ أَبَوَينِ كافِرَينِ، ولَيسَ بمُرتَدٍّ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وهو ظاهِرُ كلامِ جماعةٍ؛ كوَلَدِ الحَرْبِيَّيْنِ.

وعَنْهُ: لا يَجُوزُ اسْتِرْقاقُهم.

فرعٌ: الحَمْلُ حالَ رِدَّته

(3)

؛ ظاهر كلام

(4)

الخِرَقِيِّ: أنَّه كالحادِثِ بعد

(5)

كُفْرِه، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الشَّرح» .

وفي «الكافي» : الحَمْلُ كالوَلَدِ الظَّاهِر؛ لأِنَّه مَوجُودٌ، ولهذا يَرِثُ.

(وَهَلْ يُقَرُّونَ)؛ أيْ: مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الرِّدَّة، (عَلَى كُفْرِهِمْ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

إحْداهُمَا

(6)

، وجَزَمَ بها في «الوجيز»: يُقَرُّ على كُفْرِه؛ كأوْلادِ أهْلِ الحَرْبِ، وكالكافِرِ الأصْلِيِّ، والجامِعُ بَينَهما: اشْتِراكُهُما في

(7)

جَوازِ الاِسْتِرْقاقِ.

والثَّانيةُ: لا يُقَرُّونَ، فإذا أسْلَمُوا رَقُّوا؛ لأِنَّهم أوْلادُ مَنْ لا يُقَرُّ على كُفْرٍ، فلا يُقَرُّونَ؛ كالموجُودِينَ قَبْلَ الرِّدَّةِ.

(1)

في (ن): ذمته.

(2)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 442.

(3)

في (م): ردة. وزاد في (ظ): هو.

(4)

قوله: (كلام) سقط من (ظ).

(5)

في (م): حال.

(6)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(7)

في (م): من.

ص: 704

قال في «الفروع» : وهَلْ يُقَرُّ بجِزْيَةٍ، أم

(1)

الإسلامِ ويُرَقُّ، أو القَتْلِ؟ فيه رِوايَتانِ.

فرعٌ: إذا لَحِقَ بدارِ حربٍ

(2)

؛ فهو ومَا

(3)

معه كحَرْبيٍّ، وما بِدارِنا فيءٌ

(4)

مِنْ حِينِ مَوتِه.

ولو ارْتَدَّ أهْلُ بَلَدٍ، وجَرَى فيه حُكْمُهم؛ فدارُ

(5)

حَرْبٍ يُغْنَمُ مالُهم وَوَلَدٌ حَدَثَ بَعْدَ الرِّدَّة، وعلى الإمام قِتالُهم.

(1)

قوله: (أم) سقط من (م).

(2)

في (م): الحرب.

(3)

في (م): ومن.

(4)

في (م): وما بدار باق.

(5)

في (م) و (ن): بدار.

ص: 705

(فَصْلٌ)

اعْلَمْ أنَّ السِّحْرَ عُقَدٌ، ورُقًى، وكَلامٌ يَتَكلَّم به

(1)

، أوْ يَعمَلُ شَيئًا، يُؤثِّرُ في بَدَن المسْحُورِ، أوْ قَلْبِه، أوْ عَقْلِه، مِنْ غَيرِ مُباشَرَةٍ له.

وله حقيقةٌ في قَولِ الأكْثَرِ؛ فمِنْهُ ما يَقتُلُ، ومِنْهُ ما يُمرِضُ، ومِنهُ ما يَمنَعُ الرَّجُلَ مِنْ وَطْءِ امْرأَتِه، ومِنْهُ ما يفرِّقُ بَينَهما.

وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: إنَّه

(2)

لا حقيقةَ له، وإنَّما هو تَخْيِيلٌ؛ لقوله تعالى:{يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66].

وجَوابُه: قَولُه تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4)} [الفَلَق: 1 - 4]؛ يَعْنِي: السَّواحِرَ اللاَّتِي يَعْقِدْنَ في سِحْرِهِنَّ، ولَوْلَا أنَّ له حقيقةً: لمَا أُمِرَ بالاِسْتِعاذَة مِنْهُ.

قال الأصحابُ: ويَكفُرُ السَّاحِرُ بتَعلُّمِه وتَعْلِيمِه؛ كاعْتِقادِ حِلِّه.

وعَنْهُ: لا، اخْتارَه ابنُ عَقِيلٍ، وجَزَمَ به في «التَّبصرة» .

وكفَّرَه أبو بكرٍ بعمَلِه

(3)

، قال في «التَّرغيب»: هو أشدُّ تحريمًا.

وحَمَلَ ابنُ عَقِيلٍ كَلامَ أحمدَ في كُفْرِه

(4)

: على مُعتَقِدِه، وأنَّ فاعِلَه يُفسَّقُ، ويُقتَلُ حَدًّا.

(وَ) هو (السَّاحِرُ الَّذِي يَرْكَبُ المِكْنَسَةَ، فَتَسِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ، وَنَحْوُهُ؛ يَكْفُرُ)؛ لقَولِه تعالَى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ

(1)

زيد في (ن): أو يعمل به.

(2)

في (م): لأنه.

(3)

في (م): بعلمه.

(4)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 466.

ص: 706

السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [البَقَرَة: 102].

(وَيُقْتَلُ) بالسَّيف؛ لمَا رَوَى جُندَبٌ مرفوعًا، قال:«حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبَةٌ بالسَّيف» رواهُ التَّرمذِيُّ، وقال: (الصَّحيح عن

(1)

جُندَبٍ مَوقُوفٌ)

(2)

، وعن بجالة بن عبدٍ، قال: كُنْتُ كاتِبًا لِجَزءِ

(3)

بنِ مُعاوِيَةَ عمِّ الأَحْنَفِ بنِ قَيسٍ، فأتَانَا كِتابُ عمرَ قَبْلَ مَوته بسَنَةٍ:«أنِ اقْتُلُوا كلَّ ساحِرٍ وساحِرَةٍ» رواهُ أحمدُ وسَعِيدٌ، وفي روايةٍ:«فقَتَلْنا ثَلاثَ سَواحِرَ في يَومٍ واحِدٍ»

(4)

، و «قَتَلَتْ حَفْصةُ جارِيَةً لها سَحَرَتْها» رواهُ مالِكٌ

(5)

، ورُوِيَ عن عُثْمانَ وابنِ عُمَرَ

(6)

.

وعن أحمدَ: لا يُقتَلُ بِه؛ لِحدِيثِ عائِشةَ في المدبَّرة التي سَحَرَتْها فباعَتْهَا

(7)

،

(1)

في (م): من.

(2)

أخرجه الترمذي (1460)، والطبراني في الكبير (1665)، والدارقطني (3204)، والحاكم (8073)، والبيهقي في الكبرى (16500)، وفي سنده: إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف الحديث، وضعفه البخاري والبيهقي وابن عبد البر، ورجح الترمذي وقفه. ينظر: العلل الكبير ص 237، الاستذكار 8/ 160، الفتح 10/ 236، الضعيفة (1446).

(3)

في (ن): لخبر.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور (2180)، وأحمد (1657)، وهو في البخاري (3156، 3157)، مختصر، وليس فيه قتل الساحر.

(5)

سبق تخريجه 9/ 414.

(6)

أخرجه عبد الرزاق (18747)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أن جارية لحفصة رضي الله عنها سحرتها، واعترفت بذلك، فأمرت بها عبد الرحمن بن زيد فقتلها، فأنكر ذلك عليها عثمان رضي الله عنه» ، فقال ابن عمر رضي الله عنهما:«ما تنكر على أم المؤمنين من امرأة سحرت واعترفت» ، فسكت عثمان رضي الله عنه. وقد سبق تخريجه في أثر حفصة وإسناده صحيح.

(7)

أخرجه عبد الرزاق (16667)، وأحمد (24126)، والدارقطني (4267)، والحاكم (7516)، عن عمرة قالت:«اشتكت عائشة رضي الله عنها فطال شكواها، فقدم إنسان المدينة يتطبب، فذهب بنو أخيها يسألونه عن وجعها، فقال: والله إنكم تنعتون نعت امرأةٍ مطبوبة، قال: هذه امرأة مسحورة، سحرتها جارية لها، قالت: نعم أردت أن تموتي فأعتق، قال: وكانت مدبرة، قالت: بيعوها في أشد العرب ملكة، واجعلوا ثمنها في مثلها» ، صححه الحاكم وابن حجر والألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 111، الإرواء 6/ 178.

ص: 707

ولقوله عليه السلام: «لا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ إِلاَّ بإحْدَى ثلاثٍ

» الخَبرَ

(1)

، فإنْ قَتَلَ به؛ قُتِلَ.

وعلى الأوَّل: هذا في السَّاحِرِ المسْلِمِ، فأمَّا ساحِرُ أهْلِ الكتاب؛ فلا يُقتَلُ بسِحْره على الأصحِّ، وفي «التَّبْصِرة»: إنِ اعْتَقَدَ جوازه

(2)

.

(فَأَمَّا الَّذِي يَسْحَرُ

(3)

بِالْأَدْوِيَةِ، وَالتَّدْخِينِ، وَسَقْيِ شَيْءٍ لَا

(4)

يَضُرُّ؛ فَلَا يَكفُرُ، وَلَا يُقْتَلُ)، ذَكَرَه الأصْحابُ؛ لأِنَّ اللهَ تعالى وَصَفَ السَّاحِرِينَ الكافِرِينَ بأنَّهم يفرِّقون

(5)

بَينَ المرْءِ وزَوجِه، فيَخْتَصُّ الكُفْرُ بهم، ويَبْقَى مَنْ سِواهمْ من السَّحَرة على أصْلِ العِصْمة.

(وَلَكِنْ يُعَزَّرُ) إذا ارْتَكَبَ مَعصِيَةً، وفي «عيون المسائل»: أنَّه يُعزَّرُ بما يَردَعُه.

وما قاله غَرِيبٌ، وَوَجْهُه: أنَّه يَقْصدُ الأذى بكلامه وعمله

(6)

على وجْهِ المكْرِ والحِيلة، أشْبَهَ السِّحْرَ، ولهذا يُعلَمُ بالعادة والعُرْف أنَّه يُؤثِّرُ، ويُنتِجُ ما يعمله

(7)

السِّحْر، أوْ أكْثَر، فيُعطَى حكمه

(8)

؛ تَسْوِيَةً بَينَ المتماثِلَين

(9)

أو

(1)

أخرجه البخاري (6878)، مسلم (1676)، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.

(2)

قوله: (جوازه) سقط من (م).

(3)

قوله: (يسحر) سقط من (م).

(4)

قوله: (لا) سقط من (م).

(5)

في (ن): يعرفون.

(6)

في (م): وعلمه.

(7)

في (م): ما يعلمه.

(8)

في (م): كلمة.

(9)

في (م): المماثلين.

ص: 708

المتقارِبَينِ، لا سِيَما إنْ قُلْنا: يُقتَل

(1)

الآمِرُ بالقَتْلِ على روايةٍ، فهُنا أَوْلَى.

(وَيُقْتَصُّ مِنْهُ إِنْ فَعَلَ مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ)؛ كما يُقتَصُّ مِنْ المسلم، وإلاَّ فَالدِّيَةُ.

(وَأَمَّا الَّذِي يَعْزِمُ عَلَى الْجِنِّ، وَيَزْعُمُ أَنَّهَا تُطِيعُهُ؛ فَلَا يَكْفُرُ وَلَا يُقْتَلُ)، وهو المُعَزِّمُ، وكذا من يَحُلُّ السِّحْرَ، وقد تَوقَّفَ أحمدُ عنها، قال الأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أبا عبدِ الله يُسأَلُ عَنْ رَجُلٍ يَزعُمُ أنَّه يَحُلُّ السِّحْرَ، فقال: رَخَّصَ فيه بعضُ النَّاس، ثُمَّ قال: ما أدْرِي ما هذا

(2)

، وفِيهِ وَجْهانِ.

وفي «الشَّرح» : إنْ كان يَحُلُّه بشَيءٍ من القُرآن أو الذِّكْر؛ فلا بَأْسَ به، وإنْ كان بِشَيءٍ من السِّحْر؛ فقد تَوقَّفَ أحمدُ.

(وَذَكَرَهُ أَبُو الْخَطَّابِ) تَبَعًا للقاضي، وقدَّمَه في «المحرَّر» (فِي

(3)

السَّحَرَةِ الَّذِينَ يُقْتَلُونَ)؛ كما ذَكَرْنا.

وذَكَرَ القاضِي في هذا تفصيلاً، فقال: السَّاحِرُ إن اعْتَقَدَ أنَّ الكواكِبَ فاعِلَةٌ، ويَدَّعِي بسِحْرِه مُعجِزاتٍ لا يَجُوزُ وُجُودُ مِثْلِها إلاَّ لِلأنبِياءِ، مِثْلَ أن

(4)

يَدَّعِيَ أنَّ الجِنَّ تخبره

(5)

بالمغَيَّبات، وأنَّه يَقدِرُ على تَغْييرِ صُوَرِ الأشياء، والطَّيَرانِ في الهَواءِ، والمشْيِ على الماء؛ فهُو كافِرٌ، وإن اعْتَقَدَ أنَّ اللهَ تعالَى هو الفاعِلُ المدَبِّرُ لذلك عِنْدَ وجودِ هذا الفِعْلِ مِنْ جِهَتِه؛ لم يُصدِّقْه.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَكفُرُ إلاَّ بالاِعْتِقاد؛ لأِنَّ السِّحْرَ صِناعةٌ يعود

(6)

بفَسادِ أحْوالٍ، وأخْذِ أمْوالٍ، وقَتْلِ نُفُوسٍ، وهذا القَدْرُ بالمباشَرَةِ لا يُوجِبُ التَّكفيرَ.

(1)

قوله: (يقتل) سقط من (م)، وفي (ن): يقبل.

(2)

ينظر: تهذيب الأجوبة ص 714، المغني 9/ 32.

(3)

في (م): وفي، وفي (ن): من.

(4)

قوله: (مثل أن) في (م): قيل.

(5)

في (م): يخبره.

(6)

في (م): تعود.

ص: 709

أصْلٌ: مُشعْبِذٌ

(1)

وقائِلٌ بزَجْرِ طَيْرٍ، وضارِبٌ بحَصًى وشَعِيرٍ وقِداحٍ؛ إنْ لم يَعتَقِدْ إباحتَه، وأنَّه لا يَعلَمُ به؛ عُزِّرَ، وكُفَّ عَنْهُ، وإلاَّ كَفَرَ.

ويَحرُم طِلَّسْمٌ، ورُقْيَةٌ بغَيرِ عَرَبِيَّةٍ، وقِيلَ: يُكرَهُ.

فرعٌ: مَنْ قُبِلَتْ تَوبَتُه؛ لم يَجِبْ تَعزِيرُه في ظاهِرِ كَلَامِهِمْ؛ لأِنَّه لم يَجِبْ غَيرُ القَتْلِ، وقد سَقَطَ، والحَدُّ إذا سَقَطَ بالتَّوبةِ، أو اسْتُوفِيَ؛ لم تَجُزِ الزِّيادةُ عَلَيهِ؛ كسائرِ الحُدودِ.

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين فِيمَنْ شُفِعَ عِندَه في شَخْصٍ، فقال: لو جاء النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يشفع فيه

(2)

ما قبل: إنْ تابَ بَعْدَ القُدْرَةِ عَلَيهِ قُتِلَ

(3)

، لا قَبْلَها في أظْهَرِ قَولَي العُلَماءِ، ويسوغ

(4)

تعزيرُه؛ أي

(5)

: بَعْدَ التَّوبة

(6)

.

مسائلُ:

الأولى: إذا أسْلَمَ أبوا

(7)

حَمْلٍ، أوْ طِفْلٍ، أوْ أحدُهما، لا جَدٌّ وجَدَّةٌ، والمنْصوصُ: أوْ مميزٌ لم يَبلُغْ، ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ: لم يَبلُغْ عَشْرًا؛ فمسلمٌ

(8)

.

الثَّانِيَةُ: إذا مَاتَا أوْ أحدُهما في دارِنا، وقِيلَ: أوْ دارِ حَرْبٍ؛ فمُسْلِمٌ على الأصحِّ، نقله

(9)

واخْتارَهُ الأكْثَرُ، وفي «الموجز» و «التَّبصِرة»: لا

(1)

قال في المصباح 1/ 314: (شعوذ الرجل شعوذة، ومنهم من يقول: شعبذ شعبذة، وهو بالذال معجمة، وليس من كلام أهل البادية، وهي لعب يري الإنسان منه ما ليس له حقيقة؛ كالسحر).

(2)

قوله: (فيه) سقط من (ظ).

(3)

في (ن) و (م): قبل.

(4)

في (م): ويشرع.

(5)

في (م): إلى.

(6)

ينظر: الاختيارات ص 444، الفروع 10/ 222.

(7)

في (م): أبو.

(8)

في (ن): لمسلم. وينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3749.

(9)

قوله: (نقله) سقط من (م). وينظر: أحكام أهل الملل ص 27، الفروع 10/ 213.

ص: 710

بموت

(1)

أحدِهما، نَقَلَ أبو طالِبٍ في يهوديٍّ أوْ نَصْرَانِيٍّ ماتَ وله وَلَدٌ صغِيرٌ: فهُوَ مُسلِمٌ إذا ماتَ أبواه

(2)

، ويَرِثُ أبويه

(3)

.

ونَقَلَ جماعةٌ: إنْ كَفَلَه المسْلِمونَ، فمُسْلِمٌ

(4)

، ويَرِثُ الولدُ الميِّتَ؛ لِعدَمِ تقدُّمِ الإسلامِ، واخْتِلافُ الدِّين لَيسَ مِنْ جِهَتِه؛ كالطَّلاق في المرض، ولأِنَّه يَرِثُ إجْماعًا، فلا يَسقُطُ بمختلَفٍ

(5)

فيه، وهو الإسْلامُ، وكما

(6)

تصحُّ الوصيَّةُ لأِمِّ وَلَدِه، ولأِنَّه لا يَمتَنِعُ حُصولُ إرْثِه قَبْلَ اخْتِلافِ الدِّين، كما قالوا: الدِّينُ لا يَمنَعُ الإرْثَ، وإنْ لم يكُن الميِّتُ مالِكًا يَومَ الموت

(7)

، لكِنْ في حُكْمِ المالك، ذَكَرَه القاضي

(8)

.

الثَّالِثَةُ: أطْفالُ الكُفَّارِ في النَّار، وعَنْهُ: الوَقْفُ، واخْتارَ ابنُ عَقِيلٍ، وابنُ الجَوزِيِّ: أنَّهم في الجَنَّة؛ كأطْفالِ المسْلِمِينَ، ومَن بَلَغَ مِنهم مَجْنونًا.

واخْتارَ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: تَكلِيفهم في القيامة

(9)

.

ويَتْبَعُ أبَوَيهِ بالإسْلامِ؛ كصغيرٍ، فيُعايَا بها.

نَقَلَ ابنُ مَنصورٍ فِيمَنْ وُلِدَ أَعْمَى، أبْكَمَ، أَصَمَّ، وصار رجلاً: هو بمنزلة الميت

(10)

، هو مع أبَوَيهِ، وإنْ كانَا مشركين

(11)

، ثُمَّ أسْلَما بَعْدَما صارَ رَجُلاً،

(1)

في (م) و (ن): لا يموت.

(2)

في (م): أبوه.

(3)

في (م): أبوه. وينظر: الروايتين والوجهين 2/ 370، الفروع 10/ 214.

(4)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 27.

(5)

في (ن): مختلف.

(6)

في (م): كما.

(7)

في (ن): الميت.

(8)

قوله: (ذكر القاضي) سقط من (م).

(9)

ينظر: الاختيارات ص 444، الفروع 10/ 216.

(10)

قوله: (هو بمنزلة الميت) سقط من (م).

(11)

في (م): مشتركين.

ص: 711

قال: هو مَعَهُما

(1)

.

قال في «الفروع» : ويَتوَجَّهُ مِثْلُهما مَنْ لم تَبْلُغْهُ الدَّعْوةُ.

الرّابِعَةُ: مَنْ أطْلَقَ الشَّارِعُ كُفْرَه؛ كدَعْواهُ غَيرَ أبِيهِ، ومَن أتى عَرَّافًا فصدَّقَه بما يَقُولُ؛ فَقِيلَ: كُفْرُ النِّعمة.

وقِيلَ: قارَبَ الكُفْرَ.

وذَكَرَ ابنُ حامِدٍ رِوايَتَينِ:

إحداهما

(2)

: تشديدٌ وتأكيدٌ.

والثَّانِيَةُ: يجب

(3)

الوَقْفُ، ولا يُقطع

(4)

بأنَّه لا يَنقُلُ عن المِلَّة، نَصَّ عليه

(5)

.

خاتِمةٌ:

قال الأصْحابُ: مَعْرفَةُ الله تعالى وَجَبَتْ شَرْعًا، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

، وقِيلَ: عَقْلاً، وهِيَ أوَّلُ واجِبٍ لِنَفْسِه، ويَجِبُ قَبْلَها النظر؛ لِتَوَقُّفِها عَلَيهِ، فهِيَ أوَّلُ واجِبٍ لِغَيرِه.

ولا يَقَعانِ ضَرورةً، وقيل: بَلَى.

وكذا إنْ عُدِمَا

(7)

، أوْ أحدُهما بلا موت

(8)

؛ كزِنَى ذِمِّيَّةٍ ولو بكافِرٍ،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 4/ 1955.

(2)

في (م): أحدهما.

(3)

في (ن): تجب.

(4)

في (ظ): ولا نقطع.

(5)

قوله: (نص عليه) سقط من (ن). ينظر: الفروع 10/ 212.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 218.

(7)

أي: عُدِم أبوا إنسانٍ. ينظر: الفروع 10/ 218، الإنصاف 27/ 165.

(8)

في (م): بلا مؤنة.

ص: 712

واشْتِباهِ وَلَدِ مُسلِمٍ بكافِرٍ، نَصَّ عَلَيهِما

(1)

. واللهُ أعْلَمُ

(2)

.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 218.

(2)

كتب في هامش (ظ): (بلغ مقابلة بأصل المؤلف رحمه الله تعالى).

ص: 713

(كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ)

وهي

(1)

جَمْعُ طعامٍ، قال الجَوهِريُّ:(هو ما يُؤكَلُ، وربَّما خُصَّ به البُرُّ)

(2)

، والمرادُ هنا: ما يُؤكَلُ ويُشرَبُ، فبيَّن

(3)

ما يُباحُ أكْلُه وشُرْبُه، وما يَحرُمُ.

(وَالْأَصْلُ فِيهَا الْحِلُّ)؛ لقَولِه تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البَقَرَة: 29]، ولقوله تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ} [الأعرَاف: 157].

لكن

(4)

قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(5)

: (لِمسْلِمٍ)، وقال أيضًا: (اللهُ أمَرَ بالشُّكْر، وهو: العَمَلُ بطاعَتِه، بِفِعْلِ المأْمُورِ، وتَرْكِ المحْذُورِ، فإنَّما

(6)

أحلَّ الطَّيِّباتِ لمَنْ يَسْتَعِينُ بها على طاعَتِه؛ لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا

(93)} الآية [المَائدة: 93]، ولهذا لا يَجُوزُ أنْ يُعانَ بالمباح على المعْصِيَةِ؛ كمَنْ يُعْطِي الخُبْزَ واللَّحْمَ لمَنْ يَشْرَبُ عليه

(7)

الخَمْرَ، ويَسْتَعِينُ به على الفَواحِش، ولقوله

(8)

تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)} [التّكاثُر: 8]؛ أيْ: عن الشُّكْرِ عَلَيهِ)

(9)

.

(فَيَحِلُّ كُلُّ طَعَامٍ طَاهِرٍ)، يَحتَرِزُ به عن النَّجِس، (لَا مَضَرَّةَ فِيهِ)، عما

(10)

(1)

في (م) و (ن): وهو.

(2)

ينظر: الصحاح 5/ 1974.

(3)

في (ظ) و (م): فتبين.

(4)

قوله: (لكن) سقط من (م).

(5)

ينظر: مجموع الفتاوى 13/ 265.

(6)

في (م): وإنما.

(7)

قوله: (عليه) سقط من (م).

(8)

في (ظ) و (ن): وقوله.

(9)

ينظر: مجموع الفتاوى 5/ 547، الاختيارات ص 464.

(10)

في (ظ): على ما.

ص: 715

فِيهِ مَضَرَّةٌ كالسُّمُوم، ثُمَّ مَثَّلَ ذلك بقَولِه:(مِنَ الْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ)، فهو بَيانٌ لِمَا يَحِلُّ أكْلُه مِمَّا جَمَعَ الصِّفاتِ المذْكورةَ، (وَغَيْرِهَا)؛ أيْ: غَيرِ الحُبوبِ والثِّمار، مِمَّا يَجْمَعُ الطُّعْمَ، والطَّهارةَ، وعَدَمَ المَضَرَّةِ، وقد سَأَلَه الشَّالَنْجِيُّ عَنْ المِسْكِ، يُجْعَلُ في الدَّواء ويَشْرَبُه؟

(1)

قال: لا بَأْسَ به

(2)

.

(فَأَمَّا

(3)

النَّجَاسَةُ؛ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ)؛ فمُحرَّمَةٌ؛ لقَولِه تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المَائدة: 3]، ولأِنَّ أكْلَ المَيْتَةِ أقْبَحُ من الاِدِّهانِ بِدُهْنِها والاِسْتِصْباحِ، وهو حرامٌ، فلأن يَحرُمَ ما هُوَ أقْبَحُ منه بطَرِيقِ الأولى

(4)

، (وَغَيْرِهِمَا)؛ أيْ: غَيرِ ذلك من النَّجاساتِ مُحرَّمٌ، فلأنه

(5)

خبيثٌ، وقد حرَّمَ اللهُ أكْلَ الخَبِيثِ، وفي الخَبَرِ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا سئل عن فَأْرَةٍ وَقَعَتْ في سَمْنٍ، فقال:«لا تَقْرَبُوهُ»

(6)

، وفي الأَكْلِ قُرْبَانُهُ، وهو مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وهو يَقتَضِي التَّحريمَ.

(وَمَا فِيهِ مَضَرَّةٌ؛ مِنَ السُّمُومِ وَنَحْوِهَا؛ فَمُحَرَّمَةٌ)؛ لقوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البَقَرَة: 195]، ولأِنَّ ذلك يَقتُلُ غالِبًا، فحَرُم

(7)

أكْلُه لِإفْضائِه إلى الهَلاك، ولهذا

(8)

عُدَّ مَنْ أَطْعَمَ السُّمَّ لِغَيرِه قاتِلاً.

وفي «الواضح» : المشْهُورُ أنَّ السَّمَّ نَجِسٌ، وفِيهِ احْتِمالٌ؛ «لأِكْلِه عليه السلام من الذِّراع المسْمُومةِ»

(9)

.

(1)

في (م): ويشرب به.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 367.

(3)

في (ن): وأما.

(4)

في (م): أولى.

(5)

في (ن): ولأنه.

(6)

أخرجه البخاري (235)، من حديث ميمونة رضي الله عنها.

(7)

في (ن): فمحرم.

(8)

في (ظ) و (ن): وكذا.

(9)

أخرجه البخاري (2617)، ومسلم (2190).

ص: 716

(وَالْحَيَوَانَاتُ مُبَاحَةٌ)؛ لقِولِه تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المَائدة: 1]، ولِعُمومِ النُّصوص الدَّالَّةِ على الإباحةِ.

(إِلاَّ الْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ)؛ فإنَّها مُحرَّمةٌ في قَولِ أكثرِ العلماء، قال أحمدُ:(خمسةٌ وعِشْرونَ مِنْ أصْحابِ النبي صلى الله عليه وسلم كَرِهُوهَا)

(1)

، قال ابنُ عبدِ البَرِّ:(لا خِلافَ في تَحريمِها)

(2)

، وسَنَدُه حديثُ جابِرٍ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَومَ خَيبرَ عن لُحُومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، وأَذِنَ في لُحُومِ الخَيلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(3)

.

وعن ابنِ عبَّاسٍ وعائشةَ أنَّهما قالا بظاهِرِ قَولِه تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا

(145)} الآية [الأنعَام: 145]

(4)

.

وأجاب

(5)

في «الخِلافِ» : بأنَّ مَعْناهُ: قل لا أَجِدُ فِيمَا نَزَلَ من القُرْآنِ،

(1)

ينظر: الشرح الكبير 27/ 197. والذي في شرح الزركشي 6/ 763: (وقال أحمد: خمسة عشر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كرهوها).

(2)

ينظر: التمهيد 10/ 123.

(3)

أخرجه البخاري (4219)، ومسلم (1941).

(4)

أثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه عبد الله بن أحمد في العلل (2177)، من طريق هشيم، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد قال: سألت البحر - يعني ابن عباس رضي الله عنهما عن لحوم الحمر الأهلية قال: فتلا هذه الآية: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إلى آخر الآية. وهو منقطع قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: (لم يسمعه هشيم من عمرو).

وأخرجه البخاري (5529)، من طريق سفيان، قال عمرو: قلت لجابر بن زيد: يزعمون «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن حمر الأهلية؟» فقال: قد كان يقول ذاك الحكم بن عمرو الغفاري، عندنا بالبصرة ولكن أبى ذاك البحر ابن عباس، وقرأ:. {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا}

وأثر عائشة رضي الله عنها: لعل مراده ما أخرجه ابن أبي شيبة (19875)، والطبري في التفسير (9/ 635) عن القاسم قال: كانت عائشة رضي الله عنها إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، قالت:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} ثم تقول: «إن البومة ليكون فيها الصقرة» . وأخرجه الطبري (9/ 635)، بلفظ:«أنها كانت لا ترى بلحوم السباع بأسًا، والحمرة والدم يكونان على القدر بأسًا» ، وإسناده صحيح.

(5)

في (م): أجاب.

ص: 717

وحديثُ غالب

(1)

بنِ أبْجَرَ مختلِف

(2)

الإسْنادِ

(3)

، ولا

(4)

يُعرَّجُ عَلَيهِ مع ما عارَضَه، مع أنَّ الإذْنَ بالتَّناوُلِ مِنها مَحْمُولٌ على حالِ الاِضْطِرارِ.

فرعٌ: حُكْمُ ألْبانِها كهِيَ، ورخَّصَ فيه عَطاءٌ، وطاوُسٌ، والزُّهْرِيُّ، والأوَّلُ أصحُّ؛ لأِنَّ حُكْمَ اللَّبَن كاللَّحْم.

(وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْرِسُ بِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ (كَالْأَسَدِ، وَالنَّمِرِ، وَالذِّئْبِ، وَالْفَهْدِ، وَالْكَلْبِ)؛ لِمَا رَوَى أبو ثَعْلَبَةَ الخُشَني، قال:«نَهَى رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عن أكْلِ كلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّباع» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

، وعن أبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال:«كلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّباع حَرامٌ» رواهُ مُسلِمٌ

(7)

، قال ابنُ عبدِ البَرِّ:(هذا حديثٌ ثابِتٌ مُجمَعٌ على صِحَّتِه)

(8)

، وهو نَصٌّ صَريحٌ يُخَصُّ به عُمومُ الآياتِ، فيَدخُلُ فيه الأَسَدُ ونَحوُه.

(1)

قوله: (غالب) سقط من (م).

(2)

قوله: (مختلف) سقط من (م).

(3)

مراده ما أخرجه الطيالسي (1401)، وأبو داود (3809)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19471)، عن غالب بن أبجر، قال: أصابتنا سنة فلم يكن في مالي شيء أُطعم أهلي إلا شيء من حُمُر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم لحوم الحمر الأهلية، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، أصابتنا السنة ولم يكن في مالي ما أطعم أهلي إلا سمان الحمر، وإنك حرمت لحوم الحمر الأهلية، فقال:«أطعم أهلك من سمين حُمُرك، فإنما حرمتها من أجل جوال القرية» يعني الجلالة، ووقع في إسناده اضطراب شديد، وضعفه به البيهقي والنووي والمزي وابن حجر وغيرهم. ينظر: شرح صحيح مسلم 13/ 92، تهذيب الكمال 23/ 82، الدراية 1/ 63.

(4)

في (م): لا.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 270.

(6)

أخرجه البخاري (5530)، ومسلم (1932).

(7)

أخرجه مسلم (1933).

(8)

ينظر: التمهيد 1/ 140.

ص: 718

وقِيلَ: يختصُّ

(1)

بمَنْ يَبْدَأُ بالعَدْوَى.

ورُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ: أنَّه سُئِلَ عن رجلٍ يُدَاوَى بلَحْمِ كَلْبٍ، قال:(لا شَفَاهُ اللهُ)

(2)

، فدلَّ على أنَّه مُحرَّمٌ.

(وَالخِنْزِيرِ)، وهو مُحرَّمٌ بالنَّصِّ والإجْماعِ

(3)

، مع أنَّه لَيسَ له نابٌ يَفرِسُ به.

(وَابْنِ آوَى)، سئل

(4)

أحمدُ عَنْهُ، وعن ابنِ عِرْسٍ، فقال: (كلُّ شَيءٍ يَنهَشُ بأنْيابِه فهو مِنْ السِّباع، وكلُّ شَيءٍ يَأخُذُ بمَخالِيبِه فمما

(5)

نَهَى اللهُ عنه)

(6)

، قال ابنُ عَقِيلٍ: (هذا منه يُعطِي أنَّه لا يُراعَى فيهما القوة

(7)

، وأنَّه أضعفُ من الثَّعلب، وإنَّ الأصْحابَ اعْتَبَرُوا القُوَّةَ)، ولأِنَّه مُسْتَخْبَثٌ غَيرُ مُسْتَطَابٍ، ولأِنَّه يُشْبِهُ الكَلْبَ، ورائحتُه خَبِيثَةٌ، فيَدخُلُ في قَولِه تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعرَاف: 157].

(وَالسِّنَّوْرِ) الأَهْلِيِّ؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن أكْلِ الهِرِّ» رواه أبو داودَ، وابنُ ماجَهْ، والتِّرمذِيُّ. وقال: غَرِيبٌ

(8)

، قال أحمدُ:

(1)

قوله: (يختص) سقط من (م).

(2)

أخرجه ابن بي شيبة (23706).

(3)

ينظر: الإجماع لابن المنذر ص 95، مراتب الإجماع ص 149.

(4)

في (م): وسئل.

(5)

في (م): فهما.

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 59، المغني 9/ 408.

(7)

في (ن): القراءة.

(8)

أخرجه أبو داود (3807)، والترمذي (1280)، وابن ماجه (3250)، من طريق عمر بن زيد الصنعاني، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وعمر بن زيد الصنعاني ضعيف، وقال ابن طاهر:(يروي المناكير عن المشاهير)، وأخرجه الطبراني في الأوسط (4376)، من وجه آخر عن جابر رضي الله عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن أكل الهر، وأكل ثمنها» ، وفيه: محمد بن المتوكل المعروف بابن أبي السري العسقلاني وهو صدوق عارف له أوهام كثيرة. ينظر: تذكرة الحفاظ ص 364، الإرواء 8/ 140.

ص: 719

(أليس

(1)

يُشْبِهُ السِّباعَ؟!)

(2)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

: لَيسَ في كَلامِه إلاَّ الكَراهة، وجَعَلَه أحمدُ قِياسًا، وأنَّه يُقالُ: يَعُمُّها اللَّفْظُ.

ونَقَلَ حنبلٌ: هو سَبُع

(4)

، ويَعْمَلُ بأنْيابِه؛ كالسَّبُعِ.

ونَقَلَ فيه جماعةٌ: يكره

(5)

، قال: قال الحَسَنُ: «هو مِسْخٌ

(6)

».

(وَابْنِ عِرْسٍ)، وقد تقدَّمَ.

(وَالنِّمْسِ

(7)

؛ لأِنَّه مِنْ جُمْلةِ السِّباع.

(وَالْقِرْدِ)، قال ابنُ عبدِ البَرِّ:(لا أعْلَمُ خِلافًا بَينَ العُلَماءِ في تحريمِ أكْلِهِ، وأنَّه لا يَجُوزُ بَيعُه)

(8)

، ورَوَى الشَّعْبِيُّ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لَحْمِ القِرْد»

(9)

، ولأِنَّه سَبُعٌ له نابٌ، فيَدخُلُ في عُمُومِ التَّحريم، وهو مسْخٌ، فيَكُونُ مِنْ الخَبائِثِ المحرَّمةِ.

تنبيهٌ: لم يَتعرَّض المؤلِّفُ لِذِكْرِ الدُّبِّ

(10)

، وهو مُحرَّمٌ مُطلَقًا خِلافًا لابن

(11)

رَزِينٍ، وفي «الرِّعاية» وقِيلَ: كبيرٌ، وهو سَهْوٌ، قال أحمدُ: (إنْ لم

(1)

في (م) و (ن): ليس.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 59.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 369.

(4)

في (ن): شنيع. والمثبت موافق للفروع 10/ 370.

(5)

قوله: (يكره) سقط من (م).

(6)

في (ن): مبيح.

(7)

في (م): والنمر.

(8)

ينظر: التمهيد 10/ 157.

(9)

أخرجه ابن وهب كما في التمهيد لابن عبد البر (1/ 157)، قال ابن وهب: أخبرنا عبد العزيز بن محمد المدني، قال: بلغني عن عامر الشعبي قال: «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحم القرد» ، وهو مرسل.

(10)

في (م): الذيب.

(11)

في (م): ابن.

ص: 720

يكُنْ له نابٌ؛ فلا بأْسَ به)

(1)

، وهو محمولٌ على الصَّغير، والأشْهَرُ: أنَّه حرامٌ مطلقًا

(2)

، وكذا الفيل

(3)

.

(إَلاَّ الضَّبُعَ)، فإنَّه مُباحٌ وإنْ كان له نابٌ؛ لمَا رَوَى جابِرٌ، قال: سألتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن الضَّبُع، فقال: «هُوَ صيد

(4)

، ويُجْعَلُ فيه كَبْشٌ إذا صادَه المحْرِمُ» رواه أبو داودَ

(5)

.

لا يُقالُ بأنَّه داخِلٌ في عُمومِ النَّهْيِ؛ لأِنَّ الدَّالَّ على حِلِّه خاصٌّ، والنَّهْيُ عامٌّ، ولا شكَّ أنَّ الخاصَّ مُقدَّمٌ على العامِّ.

(وَمَا لَهُ مِخْلَبٌ)، بكَسْرِ الميم، وهو بمَنزِلةِ الظُّفر للإنسان، (مِنَ الطَّيْرِ يَصِيدُ بِهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(6)

؛ (كَالْعُقَابِ، وَالبَازِي

(7)

، وَالصَّقْرِ، وَالشَّاهِينِ، وَالْحِدَأَةِ، وَالْبُومَةِ)، في قَولِ أكثرِ العُلَماءِ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ قال:«نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن كلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطَّير» رواهُ أبو داودَ

(8)

، وعن

(9)

خالِدِ بنِ الوليد مرفوعًا نحوُه

(10)

.

(1)

ينظر: زاد المسافر 4/ 58.

(2)

قوله: (مطلقًا) سقط من (م).

(3)

قوله: (وكذا الفيل) سقط من (ن).

(4)

في (ن): جيد.

(5)

سبق تخريجه 4/ 205 حاشية (5).

(6)

ينظر: مسائل عبد الله ص 270، زاد المسافر 4/ 59.

(7)

في (م): والباز.

(8)

أخرجه مسلم (1934)، وأبو دواد (3803).

(9)

في (م): عن.

(10)

أخرجه أبو داود (3806)، والنسائي (4331)، وابن ماجه (3198)، والدارقطني (4769)، بلفظ:«ألا لا تحل أموال المعاهدين إلا بحقها، وحرام عليكم حمر الأهلية، وخيلها، وبغالها، وكل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير» ، وهو حديث ضعفه جمع من الأئمة، قال أحمد:(حديث منكر)، وقال البيهقي:(مضطرب)، وقواه ابن التركماني. ينظر: خلاصة البدر المنير 2/ 395، التلخيص الحبير 4/ 374، الجوهر النقي 9/ 328، الضعيفة (3902).

ص: 721

وقال أبو

(1)

الدَّرْداء وابن عبَّاسٍ: «ما سَكَتَ اللهُ عنه فهو ممَّا عَفا عنه»

(2)

.

وقال اللّيثُ والأَوْزاعِيُّ: لا يَحرُمُ شَيءٌ مِنْ الطَّير؛ لِعُمومِ الآياتِ المبيحةِ.

وجَوابُه: الخَبَرُ، وبه يُخَصُّ عُمومُ الآيات.

وكذا كلُّ ما أمَرَ الشَّارِعُ بقَتْلِه، أوْ نَهَى عنه، وفي «التَّرغيب»: تحريمًا؛ إذْ لو حلَّ

(3)

لَقَيَّدَه بغَيرِ مَأكَلِه.

(وَمَا يَأْكُلُ الْجِيَفَ)، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

؛ (كالنُّسُورِ

(5)

، وَالرَّخَمِ، وَاللَّقْلَقِ، وَغُرَابِ الْبَيْنِ، وَالأَبْقَعِ

(6)

؛ لقوله عليه السلام: «خمسٌ فَواسِقُ يُقتَلْنَ في الحِلِّ

(1)

قوله: (أبو) سقط من (ظ).

(2)

أما عن أبي الدرداء رضي الله عنه فهو مرفوع، أخرجه البزار (4087)، والطبراني في مسند الشاميين (2102)، والدارقطني (2066)، والحاكم (3419)، والبيهقي في الكبرى (19724)، من طريق عاصم بن رجاء بن حيوة، عن أبيه، عن أبي الدرداء رضي الله عنه رفع الحديث، قال:«ما أحل الله في كتابه، فهو حلال، وما حرم، فهو حرام، وما سكت عنه، فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن نسيًّا، ثم تلا هذه الآية: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}» ، ورجاء بن حيوة لم يسمع من أبي الدرداء، لكن قواه بعض العلم، قال البزار:(إسناده صالح)، وصححه الحاكم، وقواه الألباني.

وأثر ابن عباس رضي الله عنهما: أخرجه أبو داود (3800)، والحاكم (7113)، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:«كان أهل الجاهلية يأكلون أشياء ويتركون أشياء تقذرًا، فبعث الله تعالى نبيه، صلى الله عليه وسلم وأنزل كتابه، وأحل حلاله، وحرم حرامه، فما أحل فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو» ، وتلا:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} إلى آخر الآية، وصححه الحاكم. ينظر: جامع التحصيل ص 175، الصحيحة (2256).

(3)

في (م): دخل.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 271.

(5)

في (م): كالعمر.

(6)

قوله: (في قول أكثر العلماء؛ لما روى ابن عباس

) إلى هنا سقط من (ن).

ص: 722

والحَرَم

» الخبرَ، فذكر

(1)

منها: الغُرابَ

(2)

، والباقِي كهُوَ؛ للمُشارَكةِ بَينَهما في أكْلِها الجِيَفَ، ولأِنَّه عليه السلام أباحَ قَتْلَها في الحَرَمِ، ولا يَجُوزُ قَتْلُ صَيْدٍ مَأْكولٍ في الحَرَم، ولأِنَّ ما يُؤكَلُ لا يَحِلُّ قَتْلُه إذا قُدِرَ عَلَيهِ، بَلْ يُذبَحُ ويُؤكَلُ.

ونَقَلَ عبدُ الله وغَيرُه: يُكرَهُ

(3)

.

وجَعَلَ فيه الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ رِوايَتَي الجَلاَّلة، وإنَّ غالِبَ أجْوِبةِ أحمدَ لَيسَ فيها تحريمٌ

(4)

.

ونَقَلَ حَرْبٌ: لا بَأْسَ به؛ لأِنَّه لا يَأكُلُ الجِيَفَ

(5)

.

(وَمَا يُسْتَخْبَثُ)؛ أيْ: ما تَسْتَخْبِثُهُ العربُ، والأصحُّ: ذُو اليَسارِ، وقِيلَ: على عَهْدِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال جماعةٌ: والمروءةِ، فهو مُحرَّمٌ؛ لقوله تعالى:{وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعرَاف: 157]، وما اسْتَطَابَتْه فهو طَيِّبٌ؛ لقوله تعالى

(6)

: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطِّيِّبَاتِ} [الأعرَاف: 157].

والَّذي تُعتَبر

(7)

اسْتِطابَتُهم واسْتِخْباثُهم: هم

(8)

أهْلُ الحِجاز مِنْ أهْلِ الأمصار؛ لأِنَّهم هم الذين

(9)

نَزَلَ عَلَيهِم الكِتابُ، وخُوطِبُوا به وبالسُّنَّة، فرُجِع في

(10)

مُطْلَقِ ألْفاظِها إلى عُرْفِهم.

(1)

في (ظ): يذكر.

(2)

أخرجه البخاري (1829)، ومسلم (1198)، من حديث عائشة رضي الله عنها.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 370.

(4)

ينظر: الاختيارات ص 464، الفروع 10/ 370.

(5)

ينظر: الفروع 10/ 371.

(6)

قوله: ({وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (م) و (ن): يعتبر.

(8)

في (م): هو.

(9)

في (ن): الذي.

(10)

قوله: (في) سقط من (ظ) ..

ص: 723

ولم يُعتَبر أهلُ البَوادِي؛ لأِنَّها للضَّروراتِ والمجاعَة يأكُلُونَ ما وَجَدُوا، ولهذا سُئِلَ بعضُهم عمَّا يَأْكُلونَ، فقال: كلَّ ما دَبَّ ودَرَجَ إلاَّ أُمَّ حُبَيْن

(1)

.

وما لا تَعرِفُه العَرَبُ، ولا ذُكِرَ في الشَّرع؛ يُرَدُّ إلى أقْرَبِ الأشْياءِ شَبَهًا به.

وعن أحمدَ وقُدَماءِ أصْحابِه: لا أَثَرَ لاستخباثِ

(2)

العَرَبِ، فإنْ لم يُحرِّمْه الشَّرْعُ؛ حَلَّ، قالَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(3)

.

(كَالْقُنْفُذِ)؛ لقوله عليه السلام: «هُوَ مِنْ الخَبائِثِ» رواهُ سعيدٌ، وأبو داودَ

(4)

، وقال

(5)

أبو هُرَيرةَ: «هو حَرامٌ» رواهُ سعيدٌ

(6)

، وعلَّلَ أحمدُ القُنفُذَ: (بأنَّه بلغه

(7)

أنَّه مِسْخٌ)

(8)

؛ أيْ: لمَّا مُسِخَ على صورته

(9)

دلَّ على خُبْثِه، ولأِنَّه يُشبِهُ المحرَّماتِ، ويَأكُلُ الحَشَراتِ، أشْبَهَ الجُرَذَ.

(1)

في (م): وما.

(2)

في (م): لاستحباب.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 19/ 24.

(4)

أخرجه سعيد بن منصور رواه عنه أحمد في المسند (8954)، وأبو داود (3799)، والبيهقي في الكبرى (19431)، وابن عبد البر في التمهيد (15/ 181)، من طريق عيسى بن نميلة، عن أبيه، قال: كنت عند ابن عمر رضي الله عنهما فسئل عن أكل القنفذ، فتلا:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الآية، قال: قال شيخ عنده: سمعت أبا هريرة يقول: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «خبيثة من الخبائث» فقال ابن عمر: «إن كان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا فهو كما قال ما لم ندر» ، وعيسى بن نميلة الفزاري وأبوه مجهولان، وضعفه الخطابي والبيهقي والنووي وابن حجر. ينظر: معالم السنن 4/ 248، المجموع 9/ 11، بلوغ المرام (1326).

(5)

في (ظ): قال.

(6)

لم نقف عليه، وعلقه ابن المنذر في الإشراف 8/ 165 بصيغة التمريض، قال:(روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: هو حرام).

(7)

في (ظ): يبلغه.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 58، الفروع 10/ 371.

(9)

في (ظ): بصورته.

ص: 724

(وَالْفَأْرَةِ)، وهِيَ الفُوَيسِقَةُ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

(وَالْحَيَّاتِ)، جَمْعُ حَيَّةٍ؛ «لأِمْره عليه السلام مُحرِمًا بقَتْلِها» رواهُ مُسلِمٌ

(2)

، ولأِنَّ لها نَابًا من السِّباع، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

.

(وَالعَقارِبِ)، والوَطْوَاط، نَصَّ عَلَيهِما

(4)

؛ لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعرَاف: 157].

(وَالْحَشَرَاتِ كُلِّهَا)؛ كالدِّيدَانِ، وبَناتِ وَرْدَانَ، والخَنافِسِ، والزَّنَابِيرِ، والنَّحْل، وفِيهِما رِوايَةٌ في

(5)

«الإشارة» .

وفي «الرَّوضة» : يُكرَهُ ذُبابٌ وزُنْبورٌ.

وفي «التَّبصرة» : في خُفَّاشٍ وخُطَّافٍ وَجْهانِ، وكَرِهَ أحمدُ الخُفَّاشَ؛ لأِنَّه مسْخٌ

(6)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين: هَلْ هِيَ للتَّحريم؟ فيه وجْهانِ

(7)

.

(وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ؛ كَالْبَغْلِ)، وهو مُحرَّمٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(8)

، عِنْدَ كلِّ مَنْ حرَّم الحِمارَ الأهْلِيَّ.

(وَالسِّمْعِ: وَلَدِ الضَّبُعِ مِنَ الذِّئْبِ، وَالْعِسْبَارِ: وَلَدِ الذِّئْبَةِ

(9)

مِنَ الذِّيخِ)،

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 273، زاد المسافر 4/ 58.

(2)

مراده ما أخرجه مسلم (1200)، عن زيد بن جبير، قال: سأل رجل ابن عمر رضي الله عنهما ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم؟ قال: حدثتني إحدى نسوة النبي صلى الله عليه وسلم، أنه:«كان يأمر بقتل الكلب العقور، والفأرة، والعقرب، والحديا، والغراب، والحية» ، وهو في البخاري (1828)، من حديث ابن عمر عن حفصة رضي الله عنه بدون ذكر الحية.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 272، زاد المسافر 4/ 59.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 272، زاد المسافر 4/ 59.

(5)

قوله: (في) سقط من (ن).

(6)

ينظر: زاد المسافر 4/ 61.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 381.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 60.

(9)

في (م): الذئب.

ص: 725

وهو الذَّكَرُ من الضِّبْعان، فيكون العِسبار

(1)

عَكْسَ السِّمْع.

وظاهِرُه: ولو تَمَيَّزَ؛ كحيوان

(2)

مِنْ نَعْجَةٍ، نِصْفُه خَرُوفٌ ونِصْفُه كَلْبٌ، قالَهُ الشَّيخُّ تقيُّ الدِّين

(3)

، لا مُتَوَلِّدٍ مِنْ مُباحَينِ

(4)

؛ كبَغْلٍ مِنْ وَحْشٍ وخَيلٍ، وما تَولَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ طاهِرٍ؛ كذُبابِ الباقِلَاء؛ يُؤكَلُ تَبَعًا لا أصْلاً، في الأصحِّ فِيهِما، وقال ابنُ عَقِيلٍ: يَحِلُّ بمَوتِه، قال: ويَحتَمِلُ كَونُه كذُبابٍ، وفيه رِوايَتانِ.

قال أحمدُ في الباقِلَاء المُدَوِّدِ: يَجْتَنِبُه أحبُّ إليَّ، وإنْ لم يَتَقَذَّرْه فأرْجُو

(5)

، وقال عن تَفْتِيشِ الثمر

(6)

المدَوِّدِ: لا بأْسَ به إذا عَلِمَه

(7)

.

فرعٌ: إذا كان أحدُ أبَوَيهِ المأْكُولَينِ مَغْصوبًا؛ فهو تَبَعٌ لأِمِّه حِلًّا، وحُرْمَةً، وملْكًا.

(وَفِي الثَّعْلَبِ، وَالوَبْرِ، وَسِنَّوْرِ الْبَرِّ، وَالْيَرْبُوعِ؛ رِوَايَتَانِ)، وفِيهِ مَسائِلُ:

الأُولَى: أكْثَرُ الرِّوايات عن أحمد تحريمُ الثَّعْلَب، واخْتارَهُ الخَلاَّلُ، وصحَّحه الحُلْوانِيُّ، وقدَّمَه في «الفروع» ، نَقَلَ عبدُ اللهِ أنَّه قال فيه

(8)

: (لا أعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فيه إلاَّ عَطاءً، وكلُّ شَيءٍ اشْتَبَهَ عَلَيكَ فَدَعْه)

(9)

، ولأِنَّه سَبُعٌ، فيَدخُلُ في عُمومِ الخَبَرِ.

(1)

في (ظ): العسبر.

(2)

في (م): بحيوان.

(3)

ينظر: مجموع الفتاوى 35/ 209، الاختيارات ص 464.

(4)

في (ن): متاحش.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 272.

(6)

في (م): القمر.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 66.

(8)

قوله: (فيه) سقط من (ن).

(9)

ينظر: مسائل عبد الله ص 270.

ص: 726

والثَّانِيَةُ: يُباحُ، اخْتارَها الشَّرِيفُ، وأبو بكرٍ؛ لأِنَّه يُفدَى

(1)

في الحَرَم والإحرام.

والأوَّلُ أظْهَرُ؛ للنَّهْيِ عن كلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّباع.

الثانية: الوَبْر، هو مُباحٌ، قالَه في «الشَّرح» ، واقْتَصَرَ عَلَيهِ في «الكافي» ، وقاله عَطاءٌ، وطاوُسٌ؛ لأِنَّه يَأكُلُ النَّباتَ، ولَيسَ له نَابٌ يَفرِسُ به، ولَيسَ هو مِنْ المسْتَخْبَثات، فكان مُباحًا كالأَرْنَبِ.

والثَّانية: حَرامٌ، وقاله القاضي؛ قِياسًا على السِّنَّوْرِ.

الثَّالِثَةُ: سِنَّوْرُ البَرِّ، والأَشْهَرُ: أنَّه مُحرَّمٌ، وصحَّحَه الحُلْوانيُّ، وقدَّمَه في «الفروع» ؛ «لأِنَّه عليه السلام نَهى عن أكْلِ الهِرِّ»

(2)

، فيَدخُلُ فيه البَرِّيُّ.

والثَّانِيَةُ: مُباحٌ؛ لأِنَّه بَرِّيٌّ، أشْبَهَ الحِمارَ البَرِّيَّ.

الرَّابِعةُ: اليَرْبُوعُ، وهو مُباحٌ، نَصَرَه في «الشَّرح» ، وقدَّمه في «الكافي» ، وقالَهُ عَطاءٌ، وعروة؛ لِقَضاءِ عمرَ، فإنَّه حَكَمَ فيه

(3)

بجَفْرة

(4)

، ولأِنَّ الأصلَ الإباحةُ.

والثَّانِيَةُ: حَرامٌ؛ لأِنَّه يُشبِهُ الفَأْرَ، وكبَقٍّ.

وهذا الخلاف

(5)

في هُدْهُدٍ وصُرَدٍ.

وفي سِنْجابٍ وَجْهَانِ:

(1)

في (م) و (ن): تعدي.

(2)

سبق تخريجه 9/ 719 حاشية (8).

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ن).

(4)

في (م): بمعزة. وأثر عمر رضي الله عنه سبق تخريجه 4/ 205 حاشية (6).

(5)

قوله: (الخلاف) سقط من (م).

ص: 727

أحدهما: مُحرَّمٌ، اختاره

(1)

القاضِي؛ لأِنَّه يَنهَشُ بِنابِهِ، أشْبَهَ الجُرَذَ، والسَّمُّورِ

(2)

.

والثَّاني: يُباحُ، أشْبَهَ اليَرْبوعَ.

وكذا الخِلَافُ في الغُداف والفَنَكِ.

(وَمَا عَدَا هَذَا مُبَاحٌ)، بلا

(3)

كراهةٍ؛ لِعُمومِ الأدلَّة الدَّالة

(4)

على الإباحة؛ (كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ)؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ} [المَائدة: 1]، وهي: الإبلُ، والبقرُ، والغَنَمُ.

(وَالْخَيْلِ)، عِرابِها وبَراذِينِها، نَصَّ عليه

(5)

، وهو قَولُ أكثرِ الفُقَهاء؛ لمَا رَوَى جابِرٌ، قال:«نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يَومَ خَيْبَرَ عَنْ لحومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ، وأَذِنَ في لُحُومِ الخَيلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

، ولأِنَّه حَيَوانٌ طاهِرٌ مُسْتَطابٌ، لَيسَ بِذِي نَابٍ ولا مِخْلَبٍ، فكان حَلالاً؛ كبهيمةِ الأنعام.

وقال الأوزاعيُّ: يُكرَهُ؛ لقوله تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النّحل: 8]، وعن خالِدِ بنِ الوليدِ قال:«نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن لُحومِ الحُمُرِ الأهْلِيَّةِ وخَيلِها، وبِغالِهَا» رواهُ أبو داودَ، والنسائي

(7)

، وابنُ ماجَهْ

(8)

.

(1)

في (م): واختاره.

(2)

قال في المصباح المنير 1/ 288: (السمور: حيوان ببلاد الروس، وراء بلاد الترك، يشبه النمس، ومنه أسود لامع).

(3)

في (م): فلا.

(4)

قوله: (الدالة) سقط من (م).

(5)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2253، مسائل ابن هانئ 2/ 137، مسائل أبي داود ص 345، مسائل عبد الله ص 268، زاد المسافر 4/ 61.

(6)

أخرجه البخاري (4219)، ومسلم (1941).

(7)

في (م): والطبراني.

(8)

سبق تخريجه 9/ 721 حاشية (10).

ص: 728

وجَوابُه: بأنْ قال أبو داودَ: هو

(1)

منسوخٌ، وقال النَّسائيُّ: حديثُ الإباحة أصحُّ، ويشبه

(2)

إنْ كان صحيحًا أنْ يكُونَ مَنسُوخًا، قال النَّوَوِيُّ:(اتَّفَقَ العلماء على أنَّه حديثٌ ضعيفٌ)

(3)

، وقال الإمامُ أحمدُ: لَيسَ له إسْنادٌ جيِّدٌ، وقال: فيه رَجُلانِ لا يُعرَفانِ

(4)

.

وأمَّا الآيةُ؛ فإنَّهم يَتَمَسَّكُونَ بدليلِ خِطابِها، وهم لا يَقُولونَ به، مع أنَّ نَصَّه على رُكوبِها؛ لكَونِه أغْلَبَ منافعها

(5)

لا يَدُلُّ على تحريمِ أَكْلِها.

وفي بِرْذَونٍ رِوايَةٌ بالوَقْفِ.

(وَالدّجَاجُ

(6)

على اخْتِلافِ أنْواعِها، وقال أبو موسى:«رأيتُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَأكُلُ الدَّجاجَ»

(7)

.

(وَالوَحْشِيِّ

(8)

مِنَ الْبقَرِ، وَالظِّبَاءِ، وَالْحُمُرِ)؛ والتَّيْتَل

(9)

، والوَعِلِ، والمَهَا، وسائرِ الوَحْش مِنْ الصُّيودِ كلِّها.

وظاهِرُه: ولو تأنَّسَ، وهو مُجمَعٌ عَلَيهِ، إلاَّ ما رُوِيَ عن طلحةَ بنِ مُصرِّفٍ: «أنَّ الحِمارَ الوحشي

(10)

إذا تأنَّس واعتلف

(11)

: هو بمنزلةِ الأهْلِيِّ»

(12)

.

(1)

في (م): وهو.

(2)

في (ن): ونسبه.

(3)

ينظر: شرح مسلم 13/ 96.

(4)

ينظر: المغني 9/ 412.

(5)

في (ن): بنافقها.

(6)

كتب في هامش (ظ): (الدجاج مثلث الدال، عن شرح الفصيح).

(7)

أخرجه البخاري (5517).

(8)

في (م): والوحش.

(9)

في (م): والثيتل.

(10)

في (م): الوحش.

(11)

في (ن): واعتكف.

(12)

ذكره في المغني (9/ 411) هكذا ولم نقف عليه مسندًا.

ص: 729

قال أحمدُ: (وما ظَنَنْتُ أنَّه رُوِيَ في هذا شَيءٌ، ولَيسَ الأَمْرُ عِنْدِي كما قال)

(1)

، ولأِنَّ الظِّباءَ إذا تَأَنَّسَتْ لم تَحرُمْ؛ كالأهْلِيِّ إذا تَوحَّشَ لم يَحِلَّ.

(وَالزَّرَافَةِ) في المنْصوصِ

(2)

؛ لأِنَّها تُشْبِهُ البَعِيرَ إلاَّ أنَّ عُنُقَها أطْوَلُ مِنْ عُنُقِه، وجِسْمَها ألْطَفُ مِنْ جِسْمِه وأعْلَى منه، وذلك لا أثَرَ له في تحريمِها، ولأِنَّها مُسْتَطابَةٌ لَيسَ لها نَابٌ، ولا هي مِنْ المسْتَخْبَثاتِ، أشْبَهَت الإبلَ.

وعَنْهُ: الوَقْفُ فيها، وحرَّمَها أبو الخَطَّاب.

والأوَّلُ أصح

(3)

.

(وَالنَّعَامَةِ) بغَيرِ خِلافٍ عَلِمْناهُ

(4)

؛ لِقَضاءِ الصَّحابة فيها بالفِدْيَة إذا قَتَلَها المحْرِمُ

(5)

.

(وَالْأَرْنَبِ)؛ لأِنَّ «النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَبِلَه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

، و «أَمَرَ بأكْلِها» رواهُ أبو داودَ

(7)

، ولأِنَّه حَيَوانٌ مُسْتَطَابٌ لَيسَ بِذِي نَابٍ، أشْبَهَ الظِّباءَ، ولا نَعلَمُ قائلاً بتحريمه، إلاَّ ما رُوِيَ عن عَمْرِو بنِ العاص

(8)

، قاله في «الشَّرح» .

(1)

ينظر: المغني 9/ 412.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 62.

(3)

قوله: (والأول أصح) في (م): والأصح.

(4)

ينظر: المغني 9/ 411.

(5)

سبق تخريجه 4/ 203.

(6)

أخرجه البخاري (5535)، ومسلم (1953)، من حديث أنس رضي الله عنه.

(7)

أخرجه أحمد (15870)، وأبو داود (2822)، والترمذي (1472)، والنسائي (4313)، وابن حبان (5887)، والحاكم (7581)، من طريق الشعبي، عن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد، قال:«اصدت أ السلام عليك أيها النبي ن فذبحتهما بمروة، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهما فأمرني بأكلهما» ، وهذا لفظ أبي داود، وصححه ابن حبان والحاكم، وابن الملقن والألباني. ينظر: البدر المنير 9/ 371، والإرواء 8/ 146.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (8696)، فقال: سمعت رجلاً سأل معمرًا: أسمعت قتادة يحدث عن ابن المسيب، أنه قرّب لسعد بن أبي وقاص وعمرو بن العاص رضي الله عنهما، أرانب، فأكل سعد، ولم يأكل عمرو؟ فقال ابن المسيب:«نأكل مما أكل سعد، ولا نلتفت إلى ما صنع عمرو؟» فقال معمر: نعم، قد سمعت قتادة يحدث به، وهذا إسناد صحيح.

ص: 730

وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ، وابنُ حَمْدانَ رِوايَةً بتَحْرِيمِها.

(وَالضَّبُعِ)، وقد عُلِمَ حُكْمُها فِيما سَبَقَ.

وفِيهَا رِوايَةٌ، قاله ابنُ البَنَّاء، وهي

(1)

قَولُ أكثرِ العُلَماء؛ لِمَا رُوِيَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عن الضَّبُع، فقال:«ومَن يَأْكُلُ الضَّبُع!» ، لكن

(2)

هذا حديثٌ تفرَّد به عبدُ الملِكِ بنُ المخارق

(3)

، وهو مَتْروكُ الحديث

(4)

.

وفي «الرَّوضة» : إنْ عُرِفَ منه أكْلُ مَيتَةٍ؛ فكجلالةٍ

(5)

.

(وَالضَّبِّ)، قال ابنُ هُبَيرَةَ: روايةً واحدةً، وقاله الأكْثَرُ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ قال: دَخَلْتُ أنا وخالِدُ بنُ الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بَيتَ مَيمُونَةَ؛ فأُتِيَ بضَبٍّ محنوذٍ

(6)

، فَرَفَعَ يَدَه، فقلتُ: أحرامٌ هُوَ يا رسولَ الله؟ قال: «لا

(7)

، ولكِنْ لم يَكُنْ بأرْضِ قَومِي، فأَجِدُنِي أَعافُه»، قال خالِدٌ: فاحْتَزَزْتُه، فأكَلْتُه، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَنظُرُ، مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(8)

، وحَدِيثُ النَّهْيِ فيه لَيسَ بثابِتٍ

(9)

.

(1)

في (م): وهو.

(2)

في (م): ولكن.

(3)

في (م): المحارث. والذي في المغني والشرح الكبير ومصادر التخريج: عبد الكريم بن أبي المخارق.

(4)

أخرجه الترمذي (1792)، من طريق إسماعيل بن مسلم، عن عبد الكريم بن أبي المخارق أبي أمية، عن حبان بن جزء، عن أخيه خزيمة بن جزء رضي الله عنه قال:«سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الضبع، فقال: أو يأكل الضبع أحد؟» ، وهو حديث ضعيف باتفاق، فيه ابن أبي المخارق وإسماعيل بن مسلم ضعيفان. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 376.

(5)

في (ن): وكجلالة.

(6)

في (م): محفوذ.

(7)

قوله: (لا) سقط من (م).

(8)

أخرجه البخاري (5537)، ومسلم (1945).

(9)

أخرجه أبو داود (3796)، والطبري في تهذيب الآثار (1/ 191)، والطبراني في مسند الشاميين (1641)، والبيهقي في الكبرى (19428)، من طريق ابن عياش، عن ضمضم بن زرعة، عن شريح بن عبيد، عن أبي راشد الحبراني، عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحم الضب» ، وضعفه الخطابي والطبري والبيهقي وأعله بتفرد إسماعيل بن عياش به، وأن ما ورد في الإباحة أصح منه، وقال الذهبي:(وهذا منكر)، وقال ابن حجر: (سنده حسن

فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري، وقد صحح الترمذي بعضها). ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 244، الفتح 9/ 665، الصحيحة (2390).

ص: 731

(وَالزَّاغِ)، وهو صغيرٌ أغْبَرُ، (وَغُرَابِ الزَّرْعِ)، وهو أسْودُ كبيرٌ يَطِيرُ مع الزاغ

(1)

، ولأِنَّ مرعاهما

(2)

الزَّرْعُ والحُبُوبُ، أشْبَهَا الحَجَل

(3)

، وقِيلَ: هُما واحِدٌ.

(وَسَائِرِ)؛ أيْ: باقِي (الطَّيْرِ)؛ كالفَواخِت، والقَنابِر، والقَطَا، والكُرْكِيِّ، والكَرَوانِ، والبَطِّ، وَالإِوَزِّ، والحُبَارَى؛ لقَولِ سَفِينَةَ:«أكَلْتُ مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم حُبارَى» رواه أبو داودَ

(4)

.

وكذلك الغَرانِيقُ، والطَّواوِيسُ، وطَيرُ الماء، وأشْباهُ ذلك.

ونَقَلَ مُهَنَّى: يُؤكَلُ الإِيَّلُ، قِيلَ: إنَّه يَأكُلُ الخَبائِثَ

(5)

، فَعَجِبَ مِنْ ذلك

(6)

.

(1)

في (م): الزراع.

(2)

في (م): مراعها، وفي (ن): مراعهما.

(3)

في (م): المحل.

(4)

أخرجه أبو داود (3797)، والترمذي (1828)، والبزار (3837)، والبيهقي في الكبرى (19408)، من طريق بريه - ويقال: إبراهيم - ابن عمر بن سفينة، عن أبيه، عن جده، قال:«أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حبارى» ، وهو حديث ضعيف فإن بريه بن عمر مجهول، قال البخاري:(إسناده مجهول)، وضعف الحديث العقيلي وابن الملقن وابن حجر وغيرهم. ينظر: البدر المنير 9/ 378، التلخيص الحبير 4/ 380، تهذيب التهذيب 1/ 434، الإرواء 8/ 148.

(5)

في الفروع 10/ 375: الحيات.

(6)

ينظر: الفروع 10/ 375.

ص: 732

(وَجَمِيعِ حَيَوَانِ البَحْرِ

(1)

؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المَائدة: 96]، ولقوله عليه السلام لمَّا سُئِلْ عن ماءِ البَحْرِ، فقال:«هو الطَّهُورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتَتُهُ» رواه مالِكٌ

(2)

، وفي الخَبَر: «أنَّ اللهَ أباحَ كلَّ شَيءٍ في البَحْر لابن

(3)

آدَمَ»

(4)

.

(إِلاَّ الضِّفْدَعَ)، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

، وقدَّمه أكثرُ الأصْحابِ، وفي الخَبَرِ:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن قَتْلِه» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ

(6)

، وقَولُ الشَّعْبِيِّ: (لو أكَلَ أهلي

(7)

الضَّفادِعَ لَأَطْعَمْتُهم)، لا يُعارِضُه.

(وَالْحَيَّةَ)؛ لأِنَّها من الخبائث، وفِيها وَجْهٌ، وأطْلَقَهما في «الفروع» .

(وَالتِّمْسَاحَ)، وفي «الوجيز» ك «المقنِع» ، والأصحُّ: أنَّه مُحرَّمٌ، ونَصَّ

(1)

في (م): البر.

(2)

سبق تخريجه 1/ 29 حاشية (1).

(3)

في (م): لا ابن.

(4)

أخرجه الدارقطني (4710) من حديث عبد الله بن سرجس رضي الله عنه مرفوعًا: «إن الله قد ذبح كل نون في البحر لبني آدم» ، وفيه: إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو متروك. وأخرجه الدارقطني (4711)، من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه، وفي سنده: حمزة بن أبي حمزة الجعفي وهو متروك متهم بالوضع. وأخرجه الدارقطني (4720)، وأبو نعيم في الصحابة (3748)، عن شريح رضي الله عنه مرفوعًا بنحوه أيضًا، قال الذهبي:(وهو منكر)، الراجح وقفه. ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 631، الفتح 9/ 616.

(5)

ينظر: مسائل عبد الله ص 271، مسائل ابن منصور 9/ 4673، زاد المسافر 4/ 56.

(6)

أخرجه أحمد (15757)، وأبو داود (3871)، والنسائي (4355)، والحاكم (8261)، والبيهقي في الكبرى (19004)، عن عبد الرحمن بن عثمان:«أن طبيبًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ضفدع يجعلها في دواء، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتلها» ، وفي سنده سعيد بن خالد القارضي المدني، نقل المزي عن النسائي تضعيفه وذكر مغلطاي وابن حجر أن النَّسَائي قال في كتاب الجرح والتعديل:(ثقة)، وقال الدارقطني:(مدني يحتج به)، وصحح الحديث الحاكم والنووي والألباني، وقال البيهقي:(إنه أقوى ما روي في النهي). ينظر: المجموع 9/ 31، تهذيب الكمال 10/ 405، تهذيب التهذيب 4/ 20، الإرواء 10/ 330.

(7)

في (م): أهل.

ص: 733

عَلَيهِ

(1)

، وعلَّله: بأنَّه يأكُلُ النَّاسَ، قال أحمدُ

(2)

: يُؤكَلُ كلُّ شَيءٍ في البحر إلاَّ الضِّفْدعَ، والحية

(3)

، والتِّمْساحَ.

وفِيهِ رِوايَةٌ: أنَّه

(4)

مُباحٌ؛ لأِنَّه مِنْ حَيَوانِ البحر.

(وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ)، والقاضي:(وَإِلاَّ الْكَوْسَجَ)، وهو مُقْتَضَى تعليلِ أحمدَ في التِّمْساح.

وصحَّح في «الرِّعاية» : أنَّه حَلالٌ، وهو مُقْتَضَى مَذهَبِ الشَّافِعِيِّ.

والأوَّلُ أشْهَرُ.

وهو: سَمَكَةٌ في البحر لها خُرْطومٌ كالمِنْشار يَفتَرِسُ، وربَّما الْتَقَمَتِ ابنَ آدَمَ وقصمته

(5)

نِصْفَينِ، وهي القرش

(6)

، ويُقالُ: إنَّها إذا صِيدَتْ لَيْلاً وَجَدُوا في جَوفِها شَحْمَةً طَيبةً

(7)

، وإنْ صِيدَتْ نهارًا لم يجدوها

(8)

.

(وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ النَّجَّادُ)، وحكاهُ ابنُ عَقِيلٍ، عن أبي بكرٍ النَّجَّاد، وحكاه في «التَّبصرة» رِوايَةً: (لَا يُبَاحُ مِنَ الْبَحْرِيِّ

(9)

مَا يَحْرُمُ نَظِيرُهُ فِي الْبَرِّ؛ كَخِنْزِيرِ الْمَاءِ وَإِنْسَانِهِ)؛ لأِنَّ ذلك غَيرُ مُباحٍ في البَرِّ.

ويَدخُلُ فيه: كلب

(10)

الماء.

(1)

ينظر: مسائل عبد الله ص 271، مسائل ابن منصور 9/ 4673، زاد المسافر 4/ 56.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 377.

(3)

في (ن): الحية والضفدع.

(4)

قوله: (أنه) سقط من (ن).

(5)

في (م): وقسمته، وفي (ن): فقصمته.

(6)

في (م): الفرس.

(7)

في (ن): طِبِّيَّةً. والمثبت موافق للحيوان للجاحظ 6/ 508.

(8)

في (ن): لم تجدوها.

(9)

في (ظ): البحر.

(10)

قوله: (كلب) سقط من (م).

ص: 734

والمذْهَبُ: أنَّه مُباحٌ؛ لِمَا رَوَى البخاريُّ: «أنَّ الحَسَنَ بنَ عليٍّ رَكِبَ على سَرْجٍ عَلَيهِ جِلْدٌ مِنْ جُلودِ كِلابِ الماء»

(1)

، وهو قَولُ أكثرِ العلماء.

(وَتَحْرُمُ الجَلاَّلَةُ

(2)

الَّتِي أَكْثَرُ عَلَفِهَا)؛ أيْ: غِذائها (النَّجَاسَةُ)، كذا في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وقدَّمه في «الفروع» ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ، قال:«نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن أكْلِ الجَلاَّلة وألْبانها» رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرمذِيُّ، وقال: حسَنٌ غَرِيبٌ، وفي روايةٍ لأِبي داودَ:«نَهَى عن ركوبِ الجَلاَّلةِ» ، وفي أخرى له

(3)

: «نَهَى عن رُكوبِ جَلاَّلةِ الإبل»

(4)

، وعن عَمْرِو بنِ شُعَيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه:«أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عن لحومِ الحُمُر الأهْلِيَّةِ، وعن رُكُوبِ الجَلاَّلةِ، وأكْلِ لَحْمِها» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ

(5)

، قال القاضي: هي التي تأكُلُ العَذِرةَ.

(1)

أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا (7/ 89)، قال ابن حجر في الفتح 9/ 616: (أما قول الحسن الأول فقيل: إنه ابن علي، وقيل: البصري، ويؤيد الأول أنه وقع في رواية: وركب الحسن عليه السلام، ولم نقف على من وصله.

(2)

زيد في (م): وهي.

(3)

قوله: (نهى عن ركوب الجلالة وفي أخرى له) سقط من (م).

(4)

أخرجه أبو داود (3785)، الترمذي (1824)، وابن ماجه (3189)، من طريق ابن إسحاق، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها» قال الترمذي: (حسن غريب)، ورواه الثوري عن ابن أبي نجيح به مرسلاً، وأخرجه أبو داود (2557)، والبيهقي في الكبرى (10330)، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر، قال:«نُهي عن ركوب الجلالة» ، وأخرجه أبو داود (2558)، بلفظ:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها» ، وإسناده صحيح على شرط البخاري، وأخرجه أحمد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وسيأتي. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 383، الإرواء 8/ 149.

(5)

أخرجه أحمد (7039)، وأبو داود (3811)، والنسائي (4447)، والحاكم (2498)، من طريق وهيب، عن ابن طاوس، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية، وعن الجلالة، عن ركوبها وأكل لحمها» ، وسنده صحيح.

وأخرجه الدارقطني (4753)، والحاكم (2269)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19480)، من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن المهاجر، حدثنا أبي، عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها، ولا يشرب لبنها، ولا يحمل عليها إلا الأدم، ولا يذكيها الناس حتى تعلف أربعين ليلة» ، وإسماعيل بن إبراهيم وأبوه ضعيفان، وضعفه الدارقطني والبيهقي، وأخرجه عبد الرزاق (8712)، عن عمرو بن شعيب معضلاً. ينظر: الإرواء 8/ 152.

ص: 735

فإذا كان أكثرُ عَلَفِها النَّجاسةَ؛ حَرُمَ لَحْمُها ولَبَنُها، وإنْ كان أكثرُ عَلَفِها الطَّاهِرَ؛ لم يَحرُمْ.

قال المؤلِّف: وتحديدُها بِكَونِ أكثرِ عَلَفِها النَّجاسةَ لم أسْمَعْهُ عن أحمدَ، ولا هُو ظاهِرُ كلامِه، لكِنْ يُمكِنُ تَحديدُه بما يكُونُ كثيرًا في مَأْكُولها، ويُعْفَى عن اليسيرِ.

(وَلَبَنُهَا)؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ، قال:«نَهَى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عن شُرْبِ لَبَنِ الجَلاَّلةِ» رواه أحمدُ، وأبو داودَ، والتِّرْمذِيُّ، وصحَّحه، وإسْنادُه ثِقاتٌ

(1)

.

(وَبَيْضُهَا)؛ كلحمها

(2)

ولَبَنِها، ولأِنَّه مُتَوَلِّدٌ من النَّجاسة.

(حَتَّى تُحْبَسَ) وتَطعَمَ الطَّاهِرَ؛ إذ المَنْعُ يَزُولُ بحَبْسِها.

(وعَنْهُ: يُكْرَهُ، وَلَا يَحْرُمُ)، قال في «الشَّرح»:(والعَمَلُ عَلَيها)؛ لأِنَّهم مُختَلِفُونَ في حُرمته

(3)

، ولأِنَّه حَيَوانٌ أصْلُه الإباحة، لا

(4)

يَنجُسُ بأكْلِ النَّجاساتِ؛ لأِنَّ شارِبَ الخَمْرِ لا يُحكَمُ بتَنْجِيسِ أعْضائِه، والكافِرَ الذي يأكُلُ الخنزيرَ والمحرَّمات

(5)

لا يُحكَمُ بنَجاسَةِ ظاهِرِه؛ إذ لو نَجُسَ لِمَا طَهُرَ

(1)

سبق تخريجه 1/ 355 حاشية (4).

(2)

في (ظ): ولحمها.

(3)

قوله: (في حرمته) في (ن): وحرمته.

(4)

في (م): ولا.

(5)

قوله: (والمحرمات) سقط من (م).

ص: 736

بالإسلام والاِغْتِسالِ.

وعلى الأوَّلِ: (تُحْبَسُ

(1)

ثَلَاثًا)؛ أيْ: تحبس

(2)

ثلاثةَ أيَّامٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، وهو المذْهَبُ؛ لأِنَّ «ابنَ عمرَ كان

(4)

إذا أراد أكْلَها؛ حَبَسَها ثلاثًا»

(5)

، وأُطْعِمَتِ الطَّاهِراتِ.

(وَعَنْهُ: يُحْبَسُ الطَّائِرُ

(6)

ثَلَاثًا، وَالشَّاةُ سَبْعًا، وَمَا عَدَا ذَلِكَ) من الإبل والبقر؛ (أَرْبَعِينَ يَوْمًا)، قدَّمها في «الكافي» ؛ لِمَا رَوَى عبدُ الله بنُ عمرو بن العاص، قال:«نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجَلاَّلة، أنْ يُؤكَلَ لَحْمُها، ولا يُشْرَبَ لَبَنُها، ولا يُحْمَلَ عَلَيهَا إِلاَّ الأَدَمُ، ولا يَركَبَها النَّاسُ حتَّى تُعلَفَ أربَعِينَ ليلةً» رواه الخَلاَّلُ

(7)

، ولأِنَّها أعْظَمُ جِسْمًا.

وعنه: يُحبَس

(8)

غَيرُ طائرٍ أرْبَعِينَ.

وعَنْهُ: والشَّاةُ سَبْعًا.

وعَنْهُ: والبَقَرُ ثلاثَينَ، ذَكَرَه في «الواضح» ، وهو وَهَمٌ، قالَهُ ابنُ بَطَّةَ، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» .

وقِيلَ: الكلُّ أربعِينَ، وهو ظاهِرُ رِوايَةِ الشَّالَنْجِيُّ.

(1)

في (م): يحبس.

(2)

في (م): يحبس.

(3)

ينظر: مسائل أبي داود ص 344، مسائل ابن هانئ 2/ 132.

(4)

قوله: (كان) سقط من (ن).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (8717)، وابن أبي شيبة (24608)، من طريق نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما:«أنه كان يحبس الدجاجة ثلاثة إذا أراد أن يأكل بيضها» ، وعند ابن أبي شيبة:«أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثًا» ، وإسناده صحيح. ينظر: الإرواء 8/ 151.

(6)

في (م): الطاهر.

(7)

سبق تخريجه 9/ 735 حاشية (5).

(8)

في (ن): تحبس.

ص: 737

قال في «المحرَّر» : يجوزُ أنْ تُعْلَفَ الإبلُ والبقرُ التي لا يُرادُ ذَبْحُها بالقُرَبِ الأَطْعِمَةَ النَّجِسَةَ أحْيانًا، انتهى.

ويَحرُمُ عَلْفُها نجاسة

(1)

، تُؤكَلُ قريبًا، أوْ تُحْلَبُ قريبًا، وإنْ تأخَّرَ ذَبْحُه أوْ حَلَبُه، وقِيلَ: بِقَدْرِ حَبْسِها المعْتَبَرِ؛ جاز في الأصحِّ؛ كغَيرِ المأْكولِ على الأصحِّ فِيهِ.

وعَنْهُ: يُكرَهُ إطْعامُ الميْتةِ كَلْبًا مُعلَّمًا، أوْ طائِرًا مُعلَّمًا، والنَّصُّ جَوازُه

(2)

.

ونَقَلَ جماعةٌ تَحْرِيمَ عَلْفِهَا مَأْكُولاً

(3)

، وقِيلَ: يَجُوزُ مُطْلَقًا.

فرعٌ: كَرِهَ أحمدُ رُكوبَها؛ لأِنَّها ربَّما عَرقَتْ فأصابَه.

وعَنْهُ: يحرم

(4)

.

وسَأَلَه ابنُ هانِئٍ: بَقَرَةٌ شَرِبَتْ خمرًا

(5)

أيجوز

(6)

أكْلُها؟ قال: لا

(7)

، حتَّى تَنتَظِرَ أرْبَعِينَ يَومًا

(8)

، ذَكَرَه ابنُ بطَّةَ.

وأطْلَقَ في «الرَّوضة» تحريمَ الجَلاَّلة، وأنَّ مِثْلَه خَرُوفٌ ارْتَضَع مِنْ كَلْبَةٍ، ثُمَّ شَرِبَ لَبَنًا طاهِرًا، وهو مَعْنَى كلامِ غَيرِه.

(وَمَا سُقِيَ)، أوْ سُمِّدَ (بِالْمَاءِ النَّجِسِ مِنَ الزُّرُوعِ

(9)

، وَالثِّمَارِ؛ مُحَرَّمٌ)

(1)

في (م): بنجاسة.

(2)

ينظر: الروايتين والوجهين 3/ 38.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 378.

(4)

في (م): تحرم.

(5)

قوله: (خمرًا) سقط من (م).

(6)

في (ظ): يجوز.

(7)

قوله: (لا) سقط من (م).

(8)

ينظر: مسائل ابن هانئ 2/ 132، وفيه: قال أحمد: فيه اختلاف، وأرى أن ينتظر بأكلها أربعين يومًا.

(9)

في (م): الزرع.

ص: 738

نَجِسٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، جزم

(2)

به في «الكافي» ، و «الوجيز» ، وقدَّمه السَّامَرِّيُّ، وابنُ حَمْدانَ؛ لِمَا رَوَى ابنُ عبَّاسٍ، قال: «كُنَّا نَكْرِي أراضي

(3)

رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ونَشْتَرِطُ عَلَيهِم أنْ لا يَدمُلُوها بعَذِرةِ النَّاس»

(4)

، ولَوْلَا أنَّ ما يُزْرَعُ فيها يَحرُمُ لم يكُنْ في الاِشْتِراطِ فائدةٌ، ولأنَّه

(5)

يَتغَذَّى بالنَّجاسة ويتربى

(6)

فيها أجْزاؤُهُ، والاِسْتِحالةُ لا تُطَهِّرُ، ذكر

(7)

أبو بكرٍ في «التَّنبيه» : أنَّه

(8)

لا يُؤكَلُ مِنْ ثَمَرَةِ شجرةٍ في المقْبَرَةِ، ولم يُفرِّق

(9)

، قال السَّامَرِيُّ: وهو

(10)

محمولٌ عِنْدِي على المقْبَرةِ العَتِيقةِ.

(وَإِنْ

(11)

سُقِيَ بِالطَّاهِرِ)؛ أيْ: بالطَّهور بحَيثُ يُسْتَهْلَكُ عَينُ النَّجاسة؛ (طَهُرَ وَحَلَّ)؛ لأِنَّ الماءَ الطَّهُورَ مُعَدٌّ لِتَطْهِيرِ النَّجاسة، وكالجَلاَّلة إذا حُبِسَتْ وأُطْعِمَتْ الطَّاهِراتِ.

(1)

ينظر: الفروع 10/ 378.

(2)

في (م): وجزم.

(3)

في (م): أرضي.

(4)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (1288)، والبيهقي في الكبرى (11756)، من طريق الحجاج بن حسان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«كنا نكري أرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس» ، وضعفه البيهقي وابن حجر، وقال الألباني:(إسناد رجاله ثقات غير حسان والد الحجاج، فلم أجد له ترجمة، وقد ذكروا في ترجمة ابنه الحجاج أنه روى عن عكرمة، ولم يذكروا له رواية عن أبيه). ينظر: التلخيص الحبير 2/ 188، الإرواء 8/ 152.

(5)

في (م): ولا.

(6)

في (م): وتتربى.

(7)

في (م): ذكره.

(8)

في (ن): أن.

(9)

في (م): ولم يعرف.

(10)

في (ظ): هو.

(11)

في (م) و (ن): فإن.

ص: 739

(وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ)، وهو قَولُ أكثرِ الفقهاء

(1)

، وجَزَمَ به في «التَّبصرة»: (لَيْسَ بِنَجِسٍ وَلَا يَحْرُمُ

(2)

، بل هو طاهِرٌ مُباحٌ، (بَلْ يَطْهُرُ بِالاِسْتِحَالَةِ)؛ لأِنَّ النَّجاسةَ تَستَحِيلُ في باطنها، فتَطْهُرُ بالاستحالة؛ (كَالدَّمِ يَسْتَحِيلُ) في أعْضاءِ الحَيوَان ويَصِيرُ (لَبَنًا)، فطَهُرَ بالاِسْتِحالةِ، وهذا المعْنَى مَوجُودٌ في الزَّرع والثَّمر.

ونَقَلَ جَعفَرٌ: أنَّه كَرِهَ العَذِرةَ، ورخَّصَ في السِّرْجِينِ

(3)

.

مسائلُ:

كَرِهَ أحمدُ أكْلَ طِينٍ؛ لضَرَرِه

(4)

، وسَأَلَ رجلٌ يزيدَ بنَ هارُونَ عن أكْلِ المَدَرِ؟ فقال: حَرَامٌ، قال الله تعالى:{كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلَالاً} [البَقَرَة: 168]، ولم يَقُلْ: كُلُوا الأرض

(5)

.

وذَكَرَ بعضُهم: أنَّ أكْلَه عَيبٌ.

لكِنْ إنْ كان يُتَداوَى به؛ كالأَرْمَنِي، أو كان لا مَضَرَّةَ فيه ولا نَفْعَ؛ كاليسير؛ جازَ، قالَهُ في «الشَّرْح» .

وكذا يُكرَهُ أكْلُ غُدَّةٍ، وأُذُنِ قَلْبٍ، وبَصَلٍ، وثُومٍ، ونحوها

(6)

، ما لم

(7)

يُنضِجْه بطَبْخٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(8)

، وحبٍّ دِيسَ بحُمُر

(9)

،

(1)

في (م): العلماء.

(2)

في (م): ولا محرم.

(3)

ينظر: الفروع 10/ 378.

(4)

في (م) و (ن): لضرورة. والمثبت موافق للمغني 9/ 429، والفروع 10/ 378.

(5)

قوله: (حلالاً ولم يقل: كلوا الأرض) سقط من (ن).

(6)

قوله: (كان لا مضرة فيه ولا نفع

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (م): لا.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 50 - 52.

(9)

في (م): بخمر.

ص: 740

ومداومةُ أكْلِ لحم

(1)

، ولا بأْسَ بلَحْمٍ نِيءٍ، ولَحْمٍ مُنتِنٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وذكر

(3)

جماعةٌ فيهما

(4)

يُكرَه، وجَعَلَه في «الانتصار» في الثَّانية اتِّفاقًا.

ويُكرَهُ أنْ يَتعَمَّدَ القومَ

(5)

حِينَ يُوضَعُ الطَّعامُ فيفجأهم

(6)

، والخبزُ الكِبارُ، وقال: ليس

(7)

فيه بركةٌ

(8)

، وَوَضْعُه تَحتَ القَصْعة لاِسْتِعْماله له

(9)

، وحرَّمَه الآمِدِيُّ.

وأطْلَقَ في «المستوعب» وغَيره الكراهةَ، إلا

(10)

مِنْ طَعامِ مَنْ عادَتُه السَّماحةُ.

(1)

في (م): لحمه.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 50.

(3)

في (م): وذكره.

(4)

في (ن): فيها.

(5)

في (م): الثوم.

(6)

في (م): فيتجاهم.

(7)

في (م): قال: وليس.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 44.

(9)

قوله: (له) سقط من (م).

(10)

في (ن): لا.

ص: 741

(فَصْلٌ)

(وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ مِمَّا ذَكَرْنَا)، سِوَى سَمٍّ ونَحوِه، بأنْ يَخافَ تَلَفًا، وقِيلَ: أوْ ضَرَرًا، وفي «المنتخب»: أوْ مَرَضًا، أوِ انْقِطاعًا عن الرُّفْقةِ، ومُرادُه: يَنقَطِعُ فيهلك

(1)

، كما ذَكَرَه في «الرِّعاية» ؛ أكَلَ وُجوبًا، نَصَّ عَلَيهِ

(2)

، وذكره

(3)

الشَّيخ تقيُّ الدِّين وِفاقًا

(4)

.

وقيل

(5)

: نَدْبًا، وهو المرادُ بقَولِه:(حَلَّ لَهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ)، اختاره الأكثرُ؛ لقوله تعالى:[البَقَرَة: 173]{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} ، ويَحرُمُ ما زاد على الشِّبَع إجْماعًا

(6)

.

(وَهَلْ لَهُ الشِّبَعُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ):

أظْهَرُهما

(7)

: أنَّه

(8)

لا يُباحُ، وهو ظاهِرُ «الوجيز» و «الفروع» ؛ لأِنَّ الآيَةَ دلَّتْ على تحريمِ الميْتَةِ، واسْتَثْنَى ما اضْطُرَّ إلَيهِ، فإذا انْدَفَعَت الضَّرورةُ؛ لم يَحِلَّ الأكلُ؛ كحالَةِ الاِبْتِداء.

والثَّانِيَةُ: يُباحُ، اخْتارَها أبو بكرٍ؛ لمَا رَوَى جابِرُ بنُ سَمُرةَ: أنَّ رَجُلاً نَزَلَ الحَرَّةَ، فنَفَقَتْ عِنْدَه ناقَةٌ، فقالت امرأتُه: اسْلَخْها حتَّى نُقدِّد شَحْمَها ولَحْمَها ونَأكُلَه، فقال: حتَّى أسألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فسأَلَه، فقال: «هَلْ عِنْدَكَ غِنًى

(1)

قوله: (فيهلك) سقط من (م).

(2)

ينظر: مسائل صالح 1/ 442، مسائل ابن منصور 7/ 3717، الفروع 10/ 380.

(3)

في (م): وذكر، وفي (ن): ذكره.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 380.

(5)

في (م): وقال.

(6)

ينظر: المغني 9/ 415.

(7)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(8)

قوله: (أنه) سقط من (م).

ص: 742

يُغْنِيكَ؟» قال: لا، قال:«فكُلُوهَا» رواه أبو داودَ

(1)

، ولأِنَّ ما جاز سدُّ

(2)

الرَّمَق منه؛ جاز الشِّبَعُ منه؛ كالمُباحِ.

وقِيلَ: هذا مُقَيَّدٌ بدوامِ

(3)

الخَوف.

ويَنبَنِي عَلَيهِما: تَزَوُّدُه، قاله في «التَّرغيب» ، وجَوَّزَه جماعةٌ، ونَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ والفَضْلُ: يَتزَوَّدُ إنْ خَافَ الحاجة

(4)

، واخْتارَهُ أبو بكرٍ، قال: كما يَتَيَمَّمُ ويَترُكُ الماءَ إذا خَافَ، كذا هنا.

وهذا إنْ لم يكُنْ في سفرٍ مُحرَّمٍ، فإنْ كان فيه، ولم يتُب

(5)

؛ فلا.

ويَجِبُ تقديمُ السؤال

(6)

قَبْلَ أكْلِه، نَصَّ عَلَيهِ، وقال لِسائلٍ: قم قائمًا

(7)

ليَكُونَ لك

(8)

عُذْرٌ عِنْدَ الله، قال القاضي: يَأثَمُ إذا لم يَسْأَلْ، ونَقَلَ الأَثْرَمُ: إن اضْطُرَّ إلى المسألة فهي مُباحةٌ، قِيلَ: فإنْ توقَّف

(9)

، قال

(10)

: ما أظُنُّ أحدًا يَمُوتُ من الجوع، الله يَأْتِيهِ بِرِزْقِه.

(وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ)؛ أيْ: جَهِلَه، (وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ

(1)

أخرجه أحمد (20815)، وفيه شريك النخعي وهو سيئ الحفظ. وأخرجه عبد الله بن أحمد (20903)، وأبو داود (3816)، والبيهقي في الكبرى (19635)، من طريقٍ أخرى أحسن منها.

(2)

في (م): يسد.

(3)

في (م): بداوم.

(4)

في (ن): إن جاء والحاجة. وينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4711، الروايتين والوجهين 3/ 32.

(5)

في (م): ولم يثبت.

(6)

في (م): الشواء أي.

(7)

في (ن): فإنما.

(8)

في (م): ذلك.

(9)

زيد في (ن): قال: توقف.

(10)

في (م): فقال.

ص: 743

مُحْرِمٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ المَيْتَةَ)، وقاله

(1)

سعيدُ بنُ المسيِّب، وزَيدُ بنُ أسْلَمَ؛ لأِنَّ حقَّ الله مَبْنِيٌّ على المسامَحة والمساهَلَة، بخِلافِ حقِّ الآدَمِيِّ، فإنَّه مَبْنِيٌّ على الشُّحِّ والضِّيق، وحقُّه يَلزَمُه غرامته

(2)

، بخِلافِ حقِّ الله، فإنَّه لا عِوَضَ فيه

(3)

، وفي «الفُنون»: قال حنبلي

(4)

: الذي يَقتَضِيهِ مَذهَبُنا خِلافُ هذا.

(وَيَحْتَمِلُ: أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ وَالصَّيْدُ إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ المَيْتَةَ)، هذا وَجْهٌ؛ لأِنَّه قادِرٌ على الطَّعام الحَلالِ، أشْبَهَ ما لو بَذَلَه مالِكُه.

وفي «الكافي» : هي أَوْلىَ إنْ طابَتْ نَفْسُه، وإلاَّ أَكَلَ الطَّعامَ؛ لأِنَّه مُضْطَرٌ.

وفي «مُختَصَرِ ابنِ رَزِينٍ» : يقدِّمه

(5)

ولو بقِتالِه، ثُمَّ صَيدًا، ثُمَّ مَيْتةً.

فلو عَلِمَه، وبَذَلَه؛ ففي بَقاءِ حلِّه - كبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَها لِمَنْ لم يَجِدْ طَولاً - مَنْعٌ وتَسلِيمٌ.

فإنْ بَذَلَه بثَمَنِ مِثْلِه؛ لَزِمَه، وقال ابنُ عَقِيلٍ: لا يَلزَمُ مُعْسِرًا على احْتِمالٍ.

فإنْ وَجَدَ صَيدًا وطعامًا؛ أكلَ مِنْ الطَّعام.

وإنْ وجَدَ لحمَ صَيدٍ ذَبَحه مُحْرِمٌ، ومَيتةً؛ أَكَلَ مِنْ الصَّيد، قاله القاضِي. وقال أبو الخَطَّاب: يأكل

(6)

من الميتةِ.

فإن

(7)

اشْتَبَهَتْ مَيتةٌ بمُذَكَّاةٍ؛ تحرَّى

(8)

على الأَشْهَرِ.

ولو وَجَدَ مَيْتَتَينِ إحْداهُما مُختَلَفٌ فيها؛ أَكَلَ منها.

(1)

في (م): وقال.

(2)

في (ن): بغرامته.

(3)

قوله: (فيه) سقط من (ن).

(4)

في (م) و (ن): حنبل. والمثبت موافق للفروع 10/ 381.

(5)

قوله: (يقدمه) سقط من (م) و (ن).

(6)

قوله: (يأكل) سقط من (م).

(7)

في (م): إن.

(8)

قوله: (تحرى) سقط من (ن).

ص: 744

(وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ طَعَامًا لَمْ يَبْذُلْهُ مَالِكُهُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ مُضْطَرًّا إِلَيْهِ؛ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ)، ولا يَجُوزُ لِغَيرِه أَخْذُه؛ لأِنَّه سَاواهُ في الضَّرورة، وانْفَرَد بالملْكِ، أشْبَهَ غَيرَ حالَةِ الاِضْطِرارِ.

وهذا في غَيرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّه كان له

(1)

أخْذُ الماءِ من العَطْشانِ، ويَلزَمُ كلَّ أحدٍ

(2)

يَقِيهِ بنَفْسِه ومالِه.

وعلى الأوَّل: إنْ أخَذَه منه أحدٌ فمات؛ لَزِمَه ضَمانُه؛ لأِنَّه قَتَلَهُ بغَيرِ حقٍّ.

فإنْ كان صاحِبُ الطَّعام مُضطَرًّا إلَيهِ في ثانِي الحَالِ؛ فَهَلْ يُمسِكه

(3)

، أوْ يَدفَعُه إلى المضْطَرِّ إلَيهِ في الحال؟ فيه وَجْهانِ:

أظْهَرهما: له إمْساكُه، قالَهُ في «الرِّعاية» ، واخْتارَهُ المؤلِّفُ، وظاهره

(4)

: أنَّه لا يَجُوزُ له إيثارُه.

وفي «الهَدْيِ» : له ذلك، وأنَّه غايَةُ الجُودِ؛ لقوله تعالى:{وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحَشر: 9]، ولِفِعْلِ جماعةٍ مِنْ الصَّحابة

(5)

، وعُدَّ ذلك في مَناقبِهِمْ

(6)

.

(وَإِلاَّ)؛ أيْ: وإنْ لم يكُنْ صاحِبُ الطَّعام مُضْطَرًّا إلَيهِ؛ (لَزِمَهُ بَذْلُهُ)؛ لأِنَّه يتعلَّق به إحْياءُ نَفْسِ آدَمِيٍّ مَعْصومٍ، فَلَزِمَه بَذْلُه، كما يَلزَمُه بَذْلُ مَنافِعِه في تخليصه من الغَرَق، (بِقِيمَتِهِ)، نَصَّ عليه

(7)

.

(1)

قوله: (له) سقط من (م).

(2)

في (م): واحد.

(3)

في (ظ) و (ن): يملكه.

(4)

في (م): ظاهره.

(5)

ذكره ابن كثير في البداية والنهاية (9/ 561) عن قصة الصحابة في يوم اليرموك: (أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماء، فجيء إليهم بشربة ماء، فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر، فقال: ادفعها إليه. فتدافعوها بينهم، من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعًا، ولم يشربها أحد منهم).

(6)

ينظر: زاد المعاد 3/ 442.

(7)

ينظر: الفروع 10/ 383.

ص: 745

وظاهِرُه: ولو في ذِمَّةِ مُعسِرٍ، وفِيهِ احْتِمالٌ.

وفي زِيادةٍ لا تُجْحِفُ وجْهانِ.

وفي «الاِنْتِصار» و «عُيون المسائل» : قَرْضًا

(1)

بِعِوَضِه.

وقِيلَ: مَجَّانًا، اخْتارَهُ الشَّيخُ تَقِيُّ الدِّين

(2)

؛ كالمنْفَعةِ في الأَشْهَر.

(فَإِنْ أَبَى؛ فَلِلْمُضْطَرِّ أَخْذُهُ) بالأَسْهَل، فإن امْتَنَعَ؛ أخَذَهُ (قَهْرًا)؛ لأِنَّه يَسْتَحِقُّه دُونَ مالِكِه، (وَيُعْطِيهِ قِيمَتَهُ)؛ أيْ: يُعطِي المالِكَ قِيمَتَه؛ لِئَلاَّ يَجْتَمِعَ عَلَيهِ فَواتُ العَينِ وفَواتُ المالِيَّة.

(فَإِنْ مَنَعَهُ؛ فَلَهُ قِتَالُهُ)، جَزَمَ به في «الكافي» و «الوجيز» ، وصحَّحه في «الرِّعاية» .

وفي «التَّرغيب» وَجْهٌ، وهو الَّذي ذَكَرَه ابنُ أبي موسى: أنَّه

(3)

لا يَجُوزُ قتاله

(4)

، كما ذَكَرَ في دَفْعِ الصَّائل.

(عَلَى

(5)

مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ)، وهو الأَوْلَى، قالَهُ في «الشَّرح» ، (أَوْ قَدْرِ شِبَعِهِ

(6)

؛ لأِنَّه مَنَعَه مِنْ الواجب عَلَيهِ، أشْبَهَ مانِعِي الزَّكاةِ، (عَلَى اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ)؛ للتَّنبيه على أنَّ

(7)

المبيحَ للقتال

(8)

مَنْعُ ما يُباحُ له؛ لأِنَّه الواجِبُ، لكِن لو لم يَبِعْه إلاَّ بأكثرَ مِنْ ثمنِ

(9)

المِثْل؛ أَخَذَه، وأعْطاهُ قِيمَتَه، وقال

(1)

في (ظ) و (ن): فرضًا. والمثبت موافق لما في الإنصاف 27/ 249.

(2)

ينظر: مجموع الفتاوى 28/ 98، الفروع 10/ 383.

(3)

في (م): لأنه.

(4)

في (م): قتال.

(5)

قوله: (على) سقط من (م).

(6)

في (م): شبهه.

(7)

قوله: (أن) سقط من (م).

(8)

في (م): أن.

(9)

قوله: (ثمن) سقط من (ن).

ص: 746

القاضي: يُقاتِلُه

(1)

.

(فَإِنْ

(2)

قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ؛ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ)؛ لأِنَّه ظالِمٌ بِقِتالِه، أَشْبَهَ الصَّائلَ، (وَإِنْ قُتِلَ المُضْطَرُّ؛ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ)؛ لأِنَّه قُتِلَ ظُلْمًا.

(فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ؛ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ؛ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ)؛ لأِنَّه لا حُرْمةَ له، فهو بمَنزِلةِ السِّباع، فلو وَجَدَه مَيِّتًا فَلَه أكْلُه.

(وَإِنْ وَجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا؛ فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ): أحدُهما: لا يَجُوزُ، صحَّحه في «الرِّعاية» ، وهو قَولُ أكثرِ الأصْحابِ؛ لأِنَّ الحيَّ والميِّتَ يَشْتَرِكانِ في الحُرْمة، بدليلِ قَولِه عليه السلام:«كَسْرُ عَظْمِ المَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الحَيِّ»

(3)

.

والثَّاني: بَلَى، اخْتارَهُ أبو الخَطَّاب، وابنُ عَقِيلٍ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ الأكْلَ من اللَّحْم لا من العَظْم، والمرادُ بالخَبَر التَّشْبيه في أصْلِ الحُرْمَة لا بمِقْدارها، بدليلِ اخْتِلافِهِما في الضَّمان والقَوَد، قال المؤلِّفُ: وهو أَوْلَى.

وظاهره

(4)

: أنَّه إذا كان حيًّا أنَّه

(5)

لا يَحِلُّ قَتْلُه، ولا إتْلافُ عُضْوٍ منه، مُسْلِمًا كان أوْ كافِرًا، وهذا لا اختلاف

(6)

فيه

(7)

؛ لأِنَّ المعصومَ الحيَّ مِثْلُ المضْطَرِّ، فلا يَجُوزُ له أنْ يُبْقِيَ نَفْسَه بإتْلافِه.

تنبيهٌ: إذا لم يَجِد المضْطَرُّ شَيئًا؛ لم يُبَحْ له أكْلُ بَعْضِ أعْضائِه؛ لأنَّه

(8)

(1)

في (ن): يقابله.

(2)

في (م): وإن.

(3)

سبق تخريجه 3/ 203 حاشية (6).

(4)

في (ن): فظاهره.

(5)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(6)

قوله: (لا اختلاف) في (ن): الاختلاف.

(7)

ينظر: المغني 9/ 420.

(8)

في (م): ولأنه.

ص: 747

يُتْلِفُه لتحصيلِ ما هو مَوهُومٌ.

فلو وَجَدَ المضْطَرُّ مَنْ يُطعِمُه ويَسْقِيهِ؛ لم يَحِلَّ له الاِمْتِناعُ منه، ولا العُدُولُ إلى الميْتَة، إلاَّ أنْ يَخافَ أنْ يَسُمَّه فيه، أو يكون

(1)

الطَّعامُ فيه مَضَرَّةٌ، أوْ يَخافَ أنْ يُمرِضَه.

ومَنِ اضْطُرَّ إلى نَفْعِ مالِ الغَيرِ مع بَقاءِ عَينِه؛ كدَفْعِ بَرْدٍ، واسْتِقاءِ ماءٍ، ونحوه

(2)

؛ وَجَبَ بَذْلُه مَجَّانًا مع عَدَمِ حاجَتِه إلَيهِ، وقِيلَ: يَجِبُ العِوَضِ.

مسألةٌ: سُئِلَ أحمدُ عن الجُبْنِ، فقال: يُؤكَلُ مِنْ كلِّ أحد

(3)

، فقِيلَ له عن الجُبْنِ الذي

(4)

تصنعه

(5)

المجُوسُ، فقال: ما

(6)

أدْرِي، وذَكَرَ أنَّ أصحَّ حديثٍ فيه حديثُ عمرَ، أنَّه سُئِلَ عن الجُبْن، وقِيلَ له: تُعمل

(7)

فيه الإنْفحة الميتة؟ قال

(8)

: «سَمُّوا اسْمَ اللهِ وكُلُوا»

(9)

.

ولا يَجُوزُ أنْ يَشْتَرِيَ جَوزًا أو بَيضًا قُومِرَ به.

(1)

قوله: (يسمه فيه أو يكون) في (ن): يسرقه ويكون.

(2)

في (ظ): وكونه.

(3)

قوله: (كل أحد) سقط من (م).

(4)

في (م): والذي.

(5)

في (م) و (ن): يصنعه.

(6)

في (م): لا.

(7)

في (م) و (ن): يعمل.

(8)

في (م): فقال.

(9)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2256، مسائل ابن هانئ 2/ 114، مسائل أبي داود ص 344، المغني 9/ 430. والأثر سبق تخريجه 1/ 94 حاشية (3).

ص: 748

(فَصْلٌ)

(وَمَنْ مَرَّ بِثَمَرٍ فِي شَجَرٍ لَا حَائِطَ عَلَيْهِ)، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

، ولم يَذكُرْه في «الموجز» ، (وَلَا نَاظِرَ)، ولم يَذْكُرْه في «الوسيلة» ؛ (فَلَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ)، هذا هو المشهورُ في المذْهَب، ونَصَرَه في «الشَّرح» ، ولا ضَمانَ عَلَيهِ.

وفي «المستوعب» : أنَّه اخْتِيارُ أكثرِ شُيوخِنَا؛ لمَا رَوَى أبو سعيدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتَيْتَ حائطَ بُسْتانٍ؛ فنادِ صاحِبَ البُسْتان، فإنْ أجابَكَ، وإلاَّ فكُلْ مِنْ غَيرِ أنْ تُفْسِدَ» رواهُ أحمدُ وابنُ ماجَهْ، ورجالُه ثِقاتٌ

(2)

، ورَوَى سعيدٌ بإسْنادٍ عن الحسن

(3)

، عن سَمُرةَ مَرْفوعًا نَحوَه

(4)

، وفَعَلَه أنَسٌ، وعبدُ الرَّحمن بنُ سَمُرَةَ، وأبو بَرْزَةَ

(5)

،

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 7/ 3717، زاد المسافر 4/ 68.

(2)

أخرجه أحمد (11159)، وابن ماجه (2300)، والحاكم (7180)، وصححه الحاكم، وقواه ابن حجر، وله شاهد عند البخاري (2435)، ومسلم (1726) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعًا:«لا يحلبن أحد ماشية امرئ بغير إذنه، أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته، فتكسر خزانته، فينتقل طعامه، فإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعماتهم، فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه» . ينظر: الفتح 5/ 89.

(3)

قوله: (عن الحسن) في (م): حسن.

(4)

أخرجه أبو داود (2619)، والترمذي (1296)، والبيهقي في الكبرى (19654)، من طريق الحسن، عن سمرة بن جندب، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال:«إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه» ، والحسن في سماعه عن سمرة في خلاف، وسبق أن ابن المديني والبخاري يرجحون سماعه منه، قال ابن حجر:(إسناده صحيح إلى الحسن فمن صحح سماعه من سمرة صححه ومن لا أعله بالانقطاع)، وصححه الألباني، ويشهد له ما سبق في حديث ابن عمر وحديث أبي سعيد رضي الله عنه. ينظر: الفتح 5/ 89، الإرواء 8/ 160.

(5)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 130)، وابن أبي شيبة (20313)، وابن عبد البر في التمهيد (13/ 209)، من طريق عاصم، عن أبي زينب، قال:«سافرت في جيش مع أبي بكرة وأبي برزة وعبد الرحمن بن سمرة، فكنا نأكل من الثمار» ، وعند ابن عبد البر:(أنس بن مالك رضي الله عنه مكان: (أبي بكرة)، ورجال إسناده ثقات عدا أبي زينب فلا يعرف، وذكره كذا ابن سعد في الطبقات وذكر له هذا الأثر، لكن يشهد له ما في الباب من الأحاديث.

ص: 749

وهو قَولُ عمرَ

(1)

، وابنِ عبَّاسٍ

(2)

.

وقيَّده ابنُ الزَّاغُونيِّ: بأنَّه يأكُلُ بقَدْرِ شَهْوَتِه، ولا يَشبَعُ.

ومقتضى

(3)

كلامِه: أنَّه

(4)

يجوز الأكلُ من السَّاقط، وصرَّح به في «المحرَّر» و «الوجيز» ، وهو ظاهِرٌ، وحكاهُ في «الفروع» روايةً.

وفي

(5)

«التَّرغيب» : يجوز

(6)

لمُسْتَأْذِنٍ ثلاثًا؛ للخَبَر.

وظاهِرُه: أنَّه

(7)

إذا كان مَحوطًا بحائطٍ أوْ ناطُورٍ؛ فلا يَأكُلُ منه؛ لأِنَّ إحْرازَه بذلك يدلُّ

(8)

على شُحِّ صاحِبِه، وكذا إذا كان مَجْموعًا، إلاَّ لمضطرٍّ

(9)

.

ولا يرمي شَجَرًا، نَصَّ عَلَيهِ

(10)

، ولا يَصعَدُها.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (20309)، والبيهقي في الكبرى (19649)، من طريق مجاهد، عن أبي عياض، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:«إذا مررت ببستان فكل ولا تتخذ خبنة» ، وعند البيهقي:«من مر منكم بحائط فليأكل في بطنه ولا يتخذ خبنة» ، وصححه البيهقي والألباني. ينظر: الإرواء 8/ 158.

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (20323)، من طريق قتادة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا مررت بنخل، أو نحوه وقد أحيط عليه حائط، فلا تدخله إلا بإذن صاحبه، وإذا مررت به في فضاء الأرض فكل، ولا تحمل» ، وهو منقطع، فإن قتادة لم يسمع من ابن عباس.

(3)

في (ن): ويختصر.

(4)

زيد في (م): لا.

(5)

في (م): في.

(6)

قوله: (يجوز) سقط من (م).

(7)

قوله: (أنه) سقط من (م).

(8)

قوله: (يدل) سقط من (م).

(9)

في (م): المضطر.

(10)

ينظر: المغني 9/ 417، الفروع 10/ 384.

ص: 750

(وَلَا يَحْمِلُ) شَيئًا بحالٍ، سَواءٌ كان مُحتاجًا أوْ لا؛ لأِنَّ الأدلَّةَ دلَّتْ على جَوازِ الأَكْلِ فقطْ، فإنَّ في حديث أبي سعيدٍ:«فكُلْ مِنْ غَيرِ أنْ تُفسِدَ» ، وفي حديثِ عمرَ: «ولا يتَّخذ

(1)

خُبْنة

(2)

».

(وَعَنْهُ: لَا يَحِلُّ ذَلِكَ إِلاَّ لِحَاجَةٍ)، وقال: قد

(3)

فَعَلَه غَيرُ واحِدٍ مِنْ أصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(4)

؛ إذْ قَولُه: «فإنَّ دماءَكم وأمْوالَكم عَلَيكم حَرامٌ

» الخبرَ

(5)

، يَدُلُّ على حرمة

(6)

الأكل مِنْ مالِ الغَيرِ مُطلَقًا، تُرِكَ العَملُ به مع الحاجة؛ لِمَا رَوَى عَمْرُو بنُ شُعَيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّه مرفوعًا: أنَّه سُئِلَ عن الثَّمَرِ المعلَّقِ، فقال: «ما أصابَ منه من ذي الحاجة غَيرَ مُتَّخِذٍ خُبنة

(7)

؛ فلا شَيءَ عَلَيهِ، ومَن أخْرَجَ منه شَيئًا؛ فَعَلَيهِ غَرامةُ مِثْلِه والعُقوبةُ» رواه التِّرمذِيُّ، وحسنه

(8)

.

وعَنْهُ: الرُّخصةُ للمُسافِرِ فقطْ، وهو وَجْهٌ في «الرِّعاية» .

وفي «المستوعب» : لا يَختَلِفُ قَولُه فيما سَقَطَ للمُحْتاج وغَيرِه، واحتجَّ في «الكافي» و «الشَّرح» لها بقوله عليه السلام لِرافِعٍ: «لا تَرْمِ، وكُلْ ما

(9)

وَقَعَ»، صحَّحه التِّرمذِيُّ

(10)

.

(1)

في (ظ): ولا تتخذ.

(2)

في (م): خبيئة. وسبق تخريج الحديث قريبًا. وكتب في هامش (ن): (قال في الصحاح: الخبنة: ما تحمله في حضنك).

(3)

قوله: (وقال: قد) في (م): وقد

(4)

ينظر: زاد المسافر 4/ 68، الروايتين والوجهين 3/ 35. ومراده ما سبق من الآثار قريبًا.

(5)

أخرجه البخاري (105)، ومسلم (1679)، من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.

(6)

في (ن): حرمته.

(7)

في (م): خبيئة.

(8)

قوله: (وحسنه) سقط من (ن). وسبق تخريجه 9/ 563 حاشية (7).

(9)

في (م): مما.

(10)

أخرجه الترمذي (1288)، والبيهقي في الكبرى (19662)، من طريق صالح بن أبي جبير، عن أبيه، عن رافع بن عمرو رضي الله عنه قال: كنت أرمي نخل الأنصار، فأخذوني، فذهبوا بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:«يا رافع، لم ترمي نخلهم» ، قال: قلت: يا رسول الله، الجوع، قال:«لا ترم، وكل ما وقع أشبعك الله وأرواك» ، قال الترمذي:(حسن صحيح غريب)، وفي سنده صالح بن أبي جبير وأبوه وهما مجهولان عند ابن القطان، وضعف الحديث بهما، وقال الذهبي:(وهذا شيخ محله الصدق، وأبوه فلا يعرف)، فيبقى الحديث على ضعفه، وله طريق آخر أخرجه أحمد (20343)، وأبو داود (2622)، وابن ماجه (2299)، من طريق ابن أبي حكم الغفاري، حدثتني جدتي، عن عم أبي رافع بن عمرو الغفاري نحوه، وإسناده ضعيف، فإن ابن أبي الحكم قال عنه الذهبي:(لا يكاد يعرف)، وقال ابن حجر:(مستور). ينظر: بيان الوهم والإيهام 3/ 432، ميزان الاعتدال 2/ 291، الإرواء 8/ 158.

ص: 751

وعَنْهُ: ويضمنه، اختارها في «المبهِج» ؛ للعُمومات.

(وَفِي الزَّرْعِ) القائمِ، (وَشُرْبِ لَبَنِ المَاشِيَةِ؛ رِوَايَتَانِ)، كذا في «المحرَّر» و «الفُروع» ، وفيه مسألتانِ:

الأُولى: أنَّه لا يأكُلُ من الزَّرع القائمِ شَيئًا؛ لأِنَّ الرُّخْصةَ إنَّما وَرَدَت في الثِّمار؛ لأِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَها رَطْبَةً، فالنَّفْسُ تَتُوقُ إلَيهَا، بخِلافِ الزَّرع

(1)

.

والثَّانية، وهي

(2)

أشهر

(3)

: أنَّه يأكُلُ من الفَريك؛ لأِنَّ العادةَ جارِيَةٌ بأكْله رطبًا، أشْبَهَ الثَّمر.

وألْحَقَ به المؤلِّفُ وغَيرُه الباقِلَاء، والحِمِّصَ الأَخْضَرَ، وهو ظاهِرٌ.

الثَّانيةُ: في شُرْبِ لَبَنِ الماشِيَة، يَجُوزُ في روايةٍ؛ لمَا رَوَى الحَسَنُ، عن سَمُرةَ مَرفوعًا، قال: «إذا أتى أحدُكم على ماشِيَةٍ؛ فإنْ كان فيها صاحِبُها فلْيَسْتَأْذِنْه، وإنْ لم يُجِبْهُ أحدٌ؛ فليَحْتَلِبْ وليشرب

(4)

، ولا يَحمِلْ» رواه التِّرمذِيُّ، وصحَّحه، وقال: العَمَلُ عَلَيهِ عِنْدَ بعض أهل العلم

(5)

.

(1)

قوله: (القائم شيئًا؛ لأن الرخصة

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (م): وهو.

(3)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(4)

في (م): فيحتلب ويشرب.

(5)

سبق تخريجه 9/ 749 حاشية (4).

ص: 752

والثَّانيةُ: لا يَجُوز؛ لِمَا رَوَى ابنُ عمرَ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يَحتَلِبَنَّ أحدٌ ماشِيَةَ أحَدٍ إلاَّ بإذْنِه» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

، وحَمَلَها في «الرِّعايَة» على ما إذا لم يكن لها حائِطٌ أوْ حافِظٌ.

وهذا إذا لم يكُنْ مُضْطَرًّا، فإنْ كان كذلك؛ جاز مطلَقًا، ويُقدِّمُه على الميتة؛ لأِنَّه مُختَلَفٌ فيه، فهو أسْهَلُ.

(وَيَجِبُ عَلَى المُسْلِمِ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ المُجْتَازِ بِهِ)، قال أحمدُ: الضِّيافَةُ على المسْلِمِينَ، كلُّ مَنْ نَزَلَ به ضَيفٌ كان عَلَيهِ أنْ يُضيفَه

(2)

؛ لِمَا رَوَى المقْدادُ بنُ كَرِيمَةَ

(3)

: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ليلةُ الضَّيف واجِبَةٌ على كلِّ مُسْلِمٍ، فإنْ أصْبَحَ بفِنائه محرومًا كان دَينًا عَلَيهِ إنْ شاءَ اقتضاه

(4)

، وإنْ شاءَ تَرَكَ» رواه سعيدٌ وأبو داودَ، وإسْنادُه ثِقاتٌ، وصحَّحَه في «الشَّرح» ، ورَوَى أحمدُ وأبو داودَ:«فإنْ لم يَقْرُوه فله أنْ يُعْقِبَهم بمِثْلِ قِرَاه»

(5)

، وفي حديثِ عُقْبَةَ:«فإنْ لم يَفْعَلُوا؛ فلهم حقُّ الضَّيفِ الذِي يَنبَغِي لَهُمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(6)

.

وظاهِرُه: أنَّ ضِيافَةَ الكافِر لا تَجِبُ، وهو كذلك، بل في روايةٍ: وتَجِبُ لذِمِّيٍّ، نَقَلَه الجماعةُ

(7)

، واخْتارَه في «المغْنِي» و «الشَّرح» ؛ لأِنَّ الضِّيافَةَ كصَدَقَةِ التَّطوُّع.

(1)

أخرجه البخاري (2435)، ومسلم (1726).

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 74.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وصوابه المقدام أبو كريمة كما في مصادر التخريج.

(4)

في (م): قضاه.

(5)

أخرجه أحمد (17172)، وأبو داود (3804)، وابن ماجه (3677)، بسند صحيح من حديث المقدام بن معدي كرب وكنيته أبو كريمة، ومن قال: عن المقداد أبي كريمة الشامي فقد أخطأ كما قال أبو زرعة وابو حاتم، ولم نقف عليه عند سعيد بن منصور. ينظر: علل ابن أبي حاتم 5/ 624، الصحيحة (2870).

(6)

أخرجه البخاري (6137)، ومسلم (1727).

(7)

ينظر: الفروع 10/ 385.

ص: 753

وأنَّها لا تَجِبُ إلاَّ لِمُسَافِرٍ، لكِنَّ ظاهِرَ نُصوصِه: أنَّها تَجِبُ لِحاضِرٍ، وفِيهِ وَجْهانِ للأصْحاب في قريةٍ، وفي مِصْرٍ رِوايَتانِ مَنصُوصَتانِ، جَزَمَ

(1)

في «المحرَّر» و «الوجيز» : أنَّ المسْلِمَ تَجِبُ عَلَيهِ ضِيافَةُ المسْلِمِ المجْتازِ به في القُرَى لا الأمْصار.

(لَيْلَةً

(2)

وَيَوْمًا)، وهو الأَشْهَرُ فيه، نَقَلَه الجماعةُ

(3)

؛ لمَا رَوَى أبو

(4)

شُرَيحٍ الخُزاعِيُّ مرفوعًا قال: «الضِّيافَةُ ثَلاثةُ أيَّامٍ، وجائِزَتُه يَومٌ ولَيلةٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(5)

.

وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: أنَّها تَجِبُ ثلاثةَ أيَّامٍ؛ لهذا الخبر.

وهي قَدْرُ

(6)

كِفايَتِه مع أُدْمٍ.

وفي «الواضح» : ولِفَرَسِه تِبْنٌ لا شَعِيرٌ. قال في «الفروع» : (ويَتوَجَّهُ وَجْهٌ: كذِمَّة

(7)

، وأوْجَبَ شَيخُنا المعروفَ عادَةً، قال: كزوجةٍ، وقريبٍ، ورقيقٍ).

ومَن قَدَّمَ لضِيفانه طَعامًا؛ لم يَجُزْ له قِسْمَتُه؛ لأِنَّه أباحَهُ، ذَكَرَه في «الانتصار» وغَيره.

(فَإِنْ أَبَى؛ فَلِلضَّيْفِ طَلَبُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ)؛ أيْ: يُحاكِمُه ويطلب

(8)

حقَّ

(1)

زاد في (ظ) و (م): به.

(2)

في (م): ليلاً.

(3)

ينظر: مسائل ابن منصور 9/ 4693، زاد المسافر 4/ 74.

(4)

قوله: (أبو) سقط من (م).

(5)

أخرجه البخاري (6019)، ومسلم (48).

(6)

قوله: (قدر) سقط من (ن).

(7)

في (ظ) و (ن): لذمة. والمعنى كما في الإنصاف 27/ 271: (قال في «الفروع»: ويتوجه وجهٌ، يعني، ويجب شعير كالتبن، كأهل الذمة في ضيافتهم المسلمين).

قال في تصحيح الفروع 10/ 386: (قوله: "وفي «الواضح» ولفرسه تبن لا شعير ويتوجه وجه كذمة" كذا في النسخ، وصوابه: كأُدْمه، يعني: أن الشعير للدابَّة كالأُدْم للآدمي).

(8)

في (ن): يطلب.

ص: 754

ضِيافَتِه، فإنْ تعذَّرَ؛ جاز له الأَخْذُ مِنْ ماله، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

ونَقَلَ الشَّالَنجِيُّ: إذا بُعِثُوا في السَّبيل يُضيِّفُهم مَنْ مَرُّوا به ثلاثةَ أيَّامٍ، فإنْ أبَوْا أخَذُوا منهم مِثْلَ ذلك

(2)

.

(وَتُسْتَحَبُّ

(3)

ضِيَافَتُهُ ثَلَاثًا)؛ لخبرِ أبي شُرَيحٍ، (فَمَا زَادَ)؛ أيْ: على الثَّلاثِ؛ (فَهُوَ صَدَقَةٌ)؛ لأِنَّه تَبرُّعٌ، فكان كصدقةِ النَّفْل.

(وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ إِنْزَالُهُ فِي بَيْتِهِ)؛ لِمَا فِيهِ من الحَرَجِ والمشَقَّة، والخَبَرُ إنَّما وَرَدَ في الضِّيافة فقطْ، وأوْجَبَه في «المفْرَداتِ» مُطلَقًا؛ كالنَّفَقة.

(إِلاَّ أَلاَّ يَجِدَ مَسْجِدًا أَوْ رِبَاطًا يَبِيتُ فِيهِ)، فيَلزَمُه إنْزالُه في بَيتِه؛ للضَّرورة.

وعن عائشةَ مرفوعًا: «مَنْ نَزَلَ بقَومٍ فلا يَصُومَنَّ إلاَّ بإذْنِهم» رواه التِّرمذِيُّ، وابنُ ماجَهْ، وإسْنادُه ضعيفٌ

(4)

، قال في «كَشْفِ المشْكِل» في النَّهْي عن صَومِ الأضْحَى:(النَّاسُ فيه تَبَعٌ لِوَفْدِ الله تعالى عِنْدَ بَيتِه، وهم كالضَّيف، فلا يَحسُنُ صَومُه عِنْدَ مُضِيفِه)

(5)

.

فائدةٌ: مَنِ امْتَنَعَ من الطَّيِّبات بلا سببٍ شَرْعِيٍّ؛ فمَذْمُومٌ مُبتَدِعٌ، والمنقولُ عن أحمدَ: أنَّه امْتَنَع مِنْ أكْلِ البطِّيخ؛ لِعَدَمِ عِلْمِه بكَيفِيَّةِ أكْلِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم له

(6)

؛ كذبٌ، ذَكَرَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(7)

.

(1)

ينظر: قواعد ابن رجب 1/ 185.

(2)

ينظر: الفروع 10/ 386.

(3)

في (ظ) و (م): ويستحب.

(4)

أخرجه الترمذي (789)، وابن ماجه (1763)، وفي سنده: أيوب بن واقد الكوفي وهو متروك، وقال البخاري والترمذي:(حديث منكر). ينظر: العلل الكبير ص 127، الضعيفة (2713).

(5)

ينظر: كشف المشكل 1/ 95.

(6)

قوله: (له) سقط من (م).

(7)

ينظر: الاختيارات ص 467.

ص: 755

(بَابُ الذَّكَاةِ)

يُقالُ: ذَكَّى الشَّاةَ ونحوَها تَذْكِيَةً، أيْ: ذَبَحَها، والاِسْمُ: الذَّكاةُ، والمذْبُوحُ: ذَكِيٌّ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مفعولٍ.

(لَا يُبَاحُ شَيْءٌ مِنَ الْحَيَوَانِ) المباحِ (المَقْدُورِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ)، وقالَهُ في «الوجيز» ، وغَيره؛ لقوله تعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المَائدة: 3]، وقال ابنُ عَقِيلٍ في البَحْرِيِّ: أوْ عَقْرٍ؛ لأنَّه

(1)

مُمْتَنِعٌ كحَيَوانِ البَرِّ.

(إِلاَّ الْجَرَادَ وَشِبْهَهُ)، فإنَّه يُباحُ بغَيرِ ذكاةٍ

(2)

؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «أُحِلَّ لنا مَيْتَتانِ: الحُوتُ والجَرادُ» رواه أحمدُ، وابنُ ماجَهْ، مِنْ حديثِ عبدِ الرَّحْمن بنِ زَيدِ بنِ أسْلَم، عن أبِيهِ، عن ابنِ عمرَ، وعبدُ الرَّحمن مُختَلَفٌ فِيهِ

(3)

، ولأِنَّه لا دَمَ له، ويُباحُ بما فيه.

(وَالسَّمَكَ وَسَائِرَ مَا لَا يَعِيشُ إِلاَّ فِي المَاءِ، فَلَا ذَكَاةَ لَهُ)، لا نَعلَمُ فيه خِلافًا

(4)

؛ للأخبار، ولا فَرْقَ بَينَ ما مات بسببٍ أوْ بغَيرِه، وأجْمَعُوا على إباحةِ ما ماتَ بسببٍ، مِثْلَ إنْ صادَه إنسانٌ، أوْ نَبَذَه البحرُ، أوْ جَزَرَ عنه.

واخْتُلِفَ في الطَّافِي، ونُصوصُه: لا بَأْسَ به ما لم يَتقَذَّرْه

(5)

.

(1)

في (م): لا.

(2)

زيد في (م): ذكره.

(3)

أخرجه أحمد (5723)، وابن ماجه (3218)، والدارقطني (4732)، والبيهقي في الكبرى (18997)، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم الجمهور على تضعيفه، وقال أحمد عن حديثه:(منكر) ورجح وقفه، وكذا رجح الوقف أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني والبيهقي. ينظر: تهذيب الكمال 17/ 117، التلخيص الحبير 1/ 160.

(4)

ينظر: المغني 9/ 425.

(5)

ينظر: مسائل أبي داود ص 345، مسائل صالح ص 484، مسائل ابن منصور 8/ 3998، زاد المسافر 4/ 54.

ص: 756

وعَنْهُ: لا يُباحُ؛ لحديثِ جابِرٍ: «وما ماتَ فيه وطَفَا؛ فلا تَأكُلُوهُ» رواه أبو داودَ، والدَّارَقُطْنِيُّ، وذَكَرَ أنَّ الصواب أنَّه مَوقُوفٌ

(1)

.

وفي «عُيونِ المسائل» بَعْدَ أنْ ذَكَرَ عن الصِّدِّيقِ وغَيرِه حِلَّه

(2)

، قال

(3)

: وما يُرْوَى خِلافَ ذلك فمحمولٌ على التَّنزيه.

ولعلَّ مرادَه عِنْدَ قائله؛ لقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المَائدة: 96]، وهو: ما رَمَى به، قال ابنُ عبَّاسٍ:«ما ماتَ فِيهِ»

(4)

، وقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم في البحر:«هو الطَّهُورُ ماؤه، الحِلُّ مَيْتَتُه»

(5)

، وعن أبي شُريحٍ

(6)

(1)

أخرجه أبو داود (3815) وابن ماجه (3247)، والدارقطني (4715)، والبيهقي في الكبرى (18990)، عن جابر رضي الله عنه مرفوعًا، وهو حديث ضعيف باتفاق المحدثين كما قاله النووي وغيره، والصحيح وقفه، رجحه الدارقطني وغيره، وأخرجه موقوفًا ابن أبي شيبة (19746)، والدارقطني (4716) من طريق ابن علية، عن أيوب، عن أبي الزبير، عن جابر رضي الله عنه. ينظر: شرح صحيح مسلم 13/ 86، البدر المنير 4/ 202، الفتح 9/ 618.

(2)

أخرجه الدارقطني (4719)، من طريق حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار، قال: سمعت شيخًا يكنى أبا عبد الرحمن، قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقول: «ما في البحر من شيء إلا قد ذكاه الله تعالى لكم» ، وفيه راو مبهم، لكن أخرج الدارقطني (4721)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18974)، بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: أشهد على أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: «السمكة الطافية حلال لمن أراد أكلها» .

(3)

قوله: (قال) سقط من (ن).

(4)

أخرجه الطبري في التفسير (8/ 727)، عن حصين، عن ابن عباس رضي الله عنهما:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} قال: «طعامه: ما قذف» ، وعن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«طعامه: كل ما ألقاه البحر» ، وعن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«طعامه: ما لفظ من ميتته» ، وأخرج ابن أبي حاتم (6833)، والطبري في التفسير (8/ 727)، والبيهقي في الكبرى (18984)، عن أبي مجلز، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:{أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ} قال: «صيده ما صيد، وطعامه ما قذف» ، وإسناده صحيح.

(5)

سبق تخريجه 1/ 29 حاشية (1).

(6)

في (م): جريح.

ص: 757

مرفوعًا

(1)

قال: «إنَّ اللهَ ذَبَحَ ما في البحر لِبَنِي آدم

(2)

» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وذكره

(3)

البخاريُّ عنه موقوفًا

(4)

.

وقال ابنُ عقيل

(5)

: ما لا نَفْسَ له سائلةً يَجْرِي مَجْرَى دِيدَانِ الخَلِّ والباقِلَاء، فيَحِلُّ بمَوتِه، ويَحتَمِلُ أنَّه كالذُّباب، وفيه رِوايَتانِ، فإنْ حَرُمَ؛ لم يَنجُسْ، وعَنْهُ: بَلَى، وعَنْهُ: مع دَمٍ.

فرعٌ: كَرِهَ أحمدُ شَيَّ سَمَكٍ حيٍّ

(6)

، لا جَرادٍ، وقال ابنُ عَقِيلٍ فِيهِما: يُكرَهُ على الأصحِّ.

ويَحرُمُ بَلْعُه حَيًّا، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ إجْماعًا

(7)

، وفي «المغْنِي» و «الشَّرح»: يُكرَهُ.

(وَعَنْهُ: فِي السَّرَطَانِ وَسَائِرِ الْبَحْرِيِّ؛ أَنَّهُ يَحِلُّ بِلَا ذَكَاةٍ)؛ لأِنَّ السَّرَطانَ لا دَمَ فيه، قال أحمدُ: السَّرَطانُ لا بَأْسَ به، قِيلَ له: يُذبَحُ؟ قال: لا

(8)

، وذلك

(1)

قوله: (مرفوعًا) سقط من (م).

(2)

في (م): لابن أم.

(3)

في (م): وذكر.

(4)

في (م): مرفوعًا. أخرجه مسدد كما في المطالب (2365)، وأحمد كما في مسائل عبد الله (ص 271)، ومن طريق مسدد أخرجه البخاري في التاريخ (4/ 228)، من طريق ابن جريج، حدثنا عمرو بن دينار وأبو الزبير أنهما سمعا شريحًا قال:«كل شيء في البحر مذبوح» ، قال: فذكرت ذلك لعطاء فقال: «أما الطير فأرى أن تذبحه» ، وإسناده صحيح، وأخرجه الدارقطني (4720)، مرفوعًا، وفي سنده: خالد بن سليمان الصدفي، قال الذهبي:(خبره منكر)، وقال ابن حجر:(والموقوف أصح). ينظر: ميزان الاعتدال 1/ 631، تهذيب التهذيب 4/ 331.

(5)

زيد في (م): لا.

(6)

ينظر: مسائل أبي داود ص 345.

(7)

ينظر: المحلى 6/ 65.

(8)

ينظر: مسائل عبد الله ص 271، مسائل ابن منصور 9/ 4674، زاد المسافر 4/ 56.

ص: 758

لأِنَّ مَقْصودَ الذَّبْح إنَّما هو إخْراجُ الدَّمِ، وتَطْيِيبُ اللحم

(1)

بإزالَتِه عَنْهُ، فأمَّا ما لا دَمَ له؛ فلا حاجةَ إلى ذَبْحِه.

ومُقْتَضاهُ: أنَّ ما كان مَأْواهُ البحرَ، وهو يَعِيشُ في البَرِّ: كطَيرِ الماء، والسُّلَحْفاة

(2)

، وكَلْب الماء: فلا يَحِلُّ إلاَّ بذَبْحِه، وهذا هو الصَّحيحُ من

(3)

المذْهَبُ.

وعَنْهُ: بَلَى، وذَهَبَ إلَيهِ قَومٌ؛ للأخبار.

والأصحُّ في السَّرَطان: أنَّه لا يَحِلُّ إلاَّ بالذَّكاة.

(وَعَنْهُ: فِي الْجَرَادِ: لَا يُؤْكَلُ إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ بِسَبَبٍ، كَكَبْسِهِ

(4)

وَتَغْرِيقِهِ

(5)

؛ لأِنَّ ذلك بمنزلةِ الذَّبْح له، فَوَجَبَ اعْتِبارُه فيه؛ كالذَّبْح في غَيرِه.

(1)

في (ن): الدم.

(2)

كتب في هامش (ظ)(قال الشيخ تقي الدين في «حواشيه على الفروع»: السلحفاة هل هي حلال؟ قال في «الرعاية»: يحل بحري حتى سلحفاة، ولم يذكر فيها غير ذلك، ولم أجد للأشياخ فيها كلامًا صريحًا إذا كانت بريَّة، ولعل ظاهر كلامهم أنها حلال، وفي النفس منها شيء، وقد يقال في ظاهر كلام «الرعاية» تحريمها؛ لقوله في البحري: "كُل حتى سلحفاة"، فلو كانت البرية حلالاً، لم يقل: "حتى سلحفاة"، وقال في «شرح المقنع» في قوله: "في الذكاة في البحري هل يحل بدون ذكاة أو لا بد من الذكاة؟ فأما ما كان مأواه البحر ويعيش في البر كالسلحفاة"، ثم ذكر في حلها بدون ذكاة روايتين، وقدَّم أنه لا بد من الذكاة، ولم يتعرَّض للسلحفاة البريَّة، وقد يقال: كلاهما قد يؤخذ منه أنها بحرية في الأصل، وأن التبرُّر عارض لها، كما يُفهم من كلام الدميري في «حياة الحيوان»، فإنه قال: وهي تبيض في البر، فما نزل منها إلى الماء كان لجأة، أو كلامًا ما معناه ذلك، وقد حكى ذكر وجهين للشافعية في تحريمها، وذكر أن الرافعي رجح التحريم؛ لأنها خبيثة، لأنها تأكل الحيات، وذكر عن ابن حزم أنه قال بحلِّها، برية كانت أو بحرية، والله أعلم).

(3)

في (ظ): في.

(4)

قوله: (ككبسه) مكانه بياض في (م).

(5)

في (م): وتعويقه.

ص: 759

والأوَّلُ المذْهَبُ؛ للخَبرِ، ولأِنَّ ما أُبِيحَتْ مَيْتَتُه لم يُعتَبَرْ له سبب

(1)

؛ بدليلِ السَّمك.

(ويُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ)، وفي «الرَّوضة» و «العُمْدة»: للنَّحر؛ (شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ)، قالَهُ مُعظَمُ الأصْحابِ:

(أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ)، وهو المذَكِّي، (وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ عَاقِلاً)؛ لِيَصِحَّ قَصْدُ التَّذْكِيَة، ولو مُكرَهًا، ذَكَرَه في «الانتصار» وغَيره، قال في «الفروع»: ويَتَوَجَّهُ فيه كذَبْحِ مَغْصوبٍ، وظاهِرُ كلامِهم: لا يُعتبر

(2)

قَصْدُ الأكْلِ.

وفي «التعليق» : لو تَلاعَبَ بسِكِّينٍ على حَلْقِ شاةٍ، فصار ذَبْحًا ولم يقصد

(3)

حِلَّ أكْلِها؛ لم تُبَح

(4)

، وعَلَّلَ ابنُ عَقِيلٍ تحريمَ ما قتله

(5)

مُحْرِمٌ لِصَولِه: بأنَّه لم يَقصِدْ أكْلَه، أوْ

(6)

وَطِئَه آدَمِيٌّ إذا قُتِلَ.

وفي «التَّرغِيبِ» : هل يَكفِي قَصْدُ الذَّبْح، أمْ لا بُدَّ مِنْ قَصْدِ الإحْلالِ؟ فِيهِ وَجْهانِ

(7)

.

(مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا)؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المَائدة: 5]، قال البخاريُّ: قال ابنُ عبَّاسٍ: «طَعامُهم ذبائحُهم»

(8)

، ورَوَى سعيدٌ بإسْنادٍ جيِّدٍ، عن ابنِ مَسْعودٍ، قال: «لا تأكُلُوا من الذَّبائح إلاَّ ما ذَبَحَ

(1)

في (م): بسبب.

(2)

زيد في (ن): فيه.

(3)

في (م): ولم يقصده.

(4)

في (ن): لم يبح.

(5)

في (م): قبله.

(6)

كذا في النسخ الخطية، وفي الفروع 27/ 288: كما لو وطِئه آدمي.

(7)

كتب في هامش (ن): (المذهب: يكفي قصد الذبح).

(8)

أخرجه البخاري معلقاٌ بصيغة الجزم (7/ 92)، ووصله الطبري في التفسير (8/ 136)، والبيهقي في الكبرى (19152)، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما:{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، قال:«ذبائحهم» .

ص: 760

المسْلِمُون وأهلُ الكِتَاب»

(1)

.

والعَدْلُ والفاسِقُ سواءٌ.

ولو مميِّزًا، وفي «الموجز» و «التَّبصرة»: لا دُونَ عَشْرٍ.

(فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى)، ولو قنًّا، وهو

(2)

كالحرِّ إجْماعًا، ذَكَرَه ابنُ حَزْمٍ

(3)

.

واخْتُلِفَ في ذَبْحِ الصَّبِيِّ، وقيَّده أحمدُ بإطاقَةِ الذَّبْح، والجُنُب، والآبِق.

نَقَلَ حنبلٌ في الأقلف

(4)

: لا صلاةَ له ولا حجَّ، هي مِنْ تمامِ الإسلام

(5)

، ونقل فيه

(6)

الجماعةُ: لا بأْسَ

(7)

.

وفي «المستوعب» : يُكرَهُ جُنُبٌ، ومِثْلُه حائضٌ.

وظاهِرُه: إباحةُ ذَكاةِ أعْمَى، وذَكَرَه في «المحرَّر» ، و «الوجيز» وغَيرِهما.

(وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ)، في الأظْهَرِ، قالَهُ ابنُ هُبَيرةَ؛ لمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا هُشَيمٌ، عن يونُسَ، عن ابنِ سِيرِينَ، عن عَبِيدةَ السَّلْمانِيِّ، عن عليٍّ، قال:«لا تَأكُلُوا مِنْ ذَبائحِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ»

(8)

.

(1)

لم نقف عليه عند سعيد بن منصور، وأخرجه عبد الرزاق (8578)، وابن أبي شيبة (24414)، عن قيس بن سكن، عن ابن مسعود رضي الله عنه، وإسناده حسن.

(2)

قوله: (وهو) سقط من (ظ).

(3)

ينظر: مراتب الإجماع ص 147.

(4)

في (م): الإباق.

(5)

ينظر: الوقوف والترجل ص 146.

(6)

في (م): وقال، وقوله:(فيه) سقط من (ظ).

(7)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2248، زاد المسافر 4/ 8.

(8)

أخرجه عبد الرزاق (10034)، والشافعي كما في المسند (ص 340)، وسعيد بن منصور كما في التحقيق لابن الجوزي (1940)، والطبري في تهذيب الآثار (358)، والبيهقي في الكبرى (18799)، من طريق ابن سيرين، عن عبيدة السلماني، عن علي رضي الله عنه أنه قال:«لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب؛ فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر» ، وإسناده صحيح.

ص: 761

وظاهِرُ «المتْن» و «الفُروع» ، وصحَّحه في «الكافي» و «الشَّرح»: الإباحةُ؛ لِعُمومِ الآية.

وفي «التَّرغيب» : في الصَّابِئَةِ رِوايَتانِ، مَأخَذُهما: هل هم فِرْقَةٌ مِنْ النَّصارَى، أمْ لا؟

ونَقَلَ حنبلٌ: مَنْ ذَهَبَ مَذهَبَ عمرَ فإنَّه قال: هم يَسْبِتونَ

(1)

، جَعَلَهم بمنزلةِ اليهود، وكلُّ مَنْ يَصِيرُ إلى كتابٍ؛ فلا

(2)

بأسَ بذَبِيحَتِه

(3)

.

(وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ)، قالَهُ في «الكافي» و «المستوعب»

(4)

؛ تغليبًا للتَّحريم.

والأَشْهَرُ: الحِلُّ مُطلَقًا؛ للعُموم، قال ابنُ حَمْدانَ: مَنْ أقرَّ بجِزْيَةٍ حَلَّتْ ذَكاتُه، وإلاَّ فَلَا.

(وَلَا تُبَاحُ ذَكَاةُ مَجْنُونٍ)، وفي

(5)

مَعْناهُ: المغْمى عَلَيهِ في حالِ إغْمائه، (وَلَا

(6)

سَكْرَانَ، وَلَا طِفْلٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ)؛ لأِنَّه لا يَصِحُّ منهم القَصْدُ، أشْبَهَ ما لو ضَرَبَ إنسانًا

(7)

بالسَّيف، فَقَطَعَ عُنُقَ شاةٍ.

(1)

أخرجه عبد الرزاق (8576)، ومسدد كما في المطالب العالية (3594)، والبيهقي في الكبرى (13989)، عن غطيف بن الحارث قال: كتب عامل إلى عمر رضي الله عنه؛ أن قبلنا ناسًا يدعون السامرة يقرءون التوراة، ويسبتون السبت لا يؤمنون بالبعث، فما يرى أمير المؤمنين في ذبائحهم؟ فكتب إليه عمر:«أنهم طائفة من أهل الكتاب، ذبائحهم ذبائح أهل الكتاب» ، قال البوصيري في إتحاف الخيرة (2/ 390):(رواه مسدد، ورجاله ثقات).

(2)

في (م): لا.

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 363.

(4)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(5)

في (ن): ومن في.

(6)

في (م): لا.

(7)

زاد في (ظ): له.

ص: 762

(وَلَا وَثَنِيٍّ، وَلَا مَجُوسِيٍّ

(1)

، أمَّا المجوسُ؛ فلا تَحِلُّ ذَبائحُهم؛ لمفْهومِ الآية، ولخبرٍ رواهُ أحمدُ

(2)

، وكسائرِ الكُفَّار غير

(3)

أهل الكتاب.

وشذَّ أبو ثَورٍ، فأباحَ صَيدَه وذَبِيحَتَه؛ لقوله عليه السلام:«سُنُّوا بهم سُنَّةَ أهْلِ الكتابِ»

(4)

رواه الشَّافِعِيُّ، وفِيهِ انْقِطاعٌ

(5)

، ولأِنَّهم يُقَرُّونَ بالجِزْية كأهْلِ الكِتابِ.

قال إبراهيمُ الحَرْبِيُّ: (خَرَقَ أبو ثَورٍ الإجْماعَ)، وفِيهِ نَظَرٌ، فإنَّ ما صادَهُ المجُوسُ مِنْ سَمَكٍ وجَرادٍ فَفِيهِ رِوايَتانِ، أصَحُّهما عِنْدَ ابنِ عَقِيلٍ: التَّحْريمُ.

وأمَّا

(6)

الوَثَنِيُّ؛ فحُكْمُه كالمجُوسِ، بل هم

(7)

شَرٌّ مِنْهُم؛ لأِنَّ المجُوسَ لهم شُبهة

(8)

كِتاب.

(وَلَا مُرْتَدٍّ)؛ لأِنَّه لا يُقَرُّ كالوَثَنِيِّ.

ونَقَلَ عبدُ الله: تَحِلُّ ذَكَاةُ مُرْتَدٍّ إلى أحَدِ الكتابين

(9)

.

وقال ابنُ حَمْدانَ: إن انْتَقلَ إلى دِينٍ يُقَرُّ أهْلُه بكِتابٍ وجِزْيَةٍ، وأُقِرَّ عَلَيهِ؛ حَلَّتْ ذَكاتُه، وإلاَّ فَلَا.

(1)

في (م): ولا مجنون.

(2)

مراده كما في المغني 9/ 393: ما أخرجه الخلال في أحكام أهل الملل (1065)، عن قيس بن سكن الأسدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم نزلتم بفارس والنبط، فإذا اشتريتم لحمًا، فإن كان ذبحه يهودي أو نصراني فكلوا، وإن كان ذبحه مجوسي فلا تأكلوا» ، وهذا مرسل، وتقدم تخريجه 9/ 761 حاشية (1) موقوفًا عن ابن مسعود رضي الله عنه عند عبد الرزاق (8578).

(3)

في (م): وغير.

(4)

قوله: (وشذ أبو ثور

) إلى هنا سقط من (م).

(5)

سبق تخريجه 4/ 591 حاشية (7).

(6)

في (م): أما.

(7)

قوله: (هم) سقط من (م).

(8)

في (ظ) و (ن): شبه.

(9)

في (م): الكتابيين. وينظر: الفروع 10/ 391.

ص: 763

(فَصْلٌ)

(الثَّانِي: الآْلَةُ، وَهُوَ أَنْ يَذْبَحَ بِمُحَدَّدٍ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ حَدِيدٍ، أَوْ حَجَرٍ، أَوْ قَصَبٍ، أَوْ غَيْرِهِ)؛ كخَشَبٍ، (إِلاَّ السِّنَّ وَالظُّفُرَ)، نَصَّ على ذلك

(1)

؛ (لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ فَكُلْ، لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ») مُتَّفَقٌ عَلَيهِ مِنْ حديثِ رافِعٍ

(2)

، ولأِنَّ «جارِيَةَ كعْبِ بنِ مالِكٍ أبْصَرَتْ بشاةٍ مِنْ غَنَمِه مَوتًا، فكَسَرَتْ حَجَرًا فذَبَحَتْها به، فأمَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأكْلِها» رواه البخاريُّ

(3)

، وفيه فَوائِدُ.

وفي عَظْمٍ غَيرِ سِنٍّ رِوايَتانِ، كذا في «المحرَّر» و «الفُروعِ»:

أشهرهما

(4)

: أنَّه يُباحُ؛ لدُخوله في عُمومِ اللَّفظ، قال في «الشَّرح»: وهي أصحُّ.

والثانية

(5)

: لَا؛ لأِنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم علَّل تحريمَ الذَّبْح بالسِّنِّ بكَونِه عَظْمًا.

(وَإِنْ ذَبَحَ بِآلَةٍ مَغْصُوبَةٍ؛ حَلَّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ)؛ لأِنَّ الذَّكاةَ وُجِدَتْ مِمَّنْ له أهْلِيَّةُ الذِّبح؛ كما لو كان المذْبُوحُ مَغْصوبًا.

والثَّاني: لَا؛ لأِنَّه مَنهِيٌّ عنه، أشْبَهَ ما لو اسْتَجْمَرَ بالرَّوث.

وعَنْهُ: إذا كان المذَكَّى مَغْصوبًا؛ فهو ميتة، واخْتارَها أبو بكرٍ.

ومِثْلُها سِكِّينُ ذَهَبٍ ونَحوُها، ذَكَرَه في «الاِنتصار» و «الموجز» و «التَّبصرة» .

وفي «التَّرغيب» : يَحرُمُ بِعَظْمٍ، ولو بِسَهْمٍ

(6)

نَصْلُه عَظْمٌ.

(1)

ينظر: مسائل ابن منصور 5/ 2249، زاد المسافر 4/ 9.

(2)

أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968).

(3)

أخرجه البخاري (2304).

(4)

في (ن): أحدهما.

(5)

في (م): والثاني.

(6)

في (ظ): سهمًا.

ص: 764

(فَصْلٌ)

(الثَّالِثُ: أَنْ يَقْطَعَ) من الحَيَوانِ المقْدُورِ عَلَيهِ (الْحُلْقُومَ وَالمَرِيءَ)، وهي: الوَهْدَةُ التي بَينَ أصْلِ العُنُقِ والصَّدْر، ولا يَجُوزُ في غَيرِ ذلك إجْماعًا

(1)

، قال عمرُ:«النَّحْرُ في اللَّبَّة، والحَلْقِ لِمَنْ قَدَرَ» ، احْتَجَّ به أحمدُ

(2)

، ورَوَى سعيدٌ والأثْرَمُ، عن أبي هُرَيرةَ قال: «بَعَثَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بُدَيلَ بنَ وَرْقاءَ يَصِيحُ في فِجاجِ بَيْتِنا

(3)

: ألَا إنَّ الذَّكاةَ في الحَلْق واللَّبَّة» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ جَيِّدٍ

(4)

.

وأمَّا حديثُ أبي العُشَراء عن أبِيهِ قال: قلتُ: يا رسولَ الله! أما

(5)

تكون الذَّكاةُ في الحَلْق

(6)

واللَّبَّة؟ قال: «لو طَعَنْتَ في فَخِذِها لَأجْزَأَكَ» رواه أحمدُ،

(1)

ينظر: المغني 9/ 397.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 11، المغني 9/ 397.

والأثر: أخرجه عبد الرزاق (8614)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن ابن الفرافصة الحنفي، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنه. وأخرج ابن أبي شيبة (19832)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن أبي المعرور، عن أبي الفرافصة كان عند عمر، فأمر مناديه:«أن النحر في اللبة والحلق لمن ند، وأقروا الأنفس حتى تزهق» . وأخرجه البيهقي في الكبرى (19124)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن فرافصة الحنفي، عن عمر نحوه. ويحيى بن أبي كثير ثقة لكنه يرسل ويدلس، واضطرب فيه على أوجه. ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 194.

(3)

كذا في النسخ الخطية، وفي سنن الدارقطني: في فجاج منى.

(4)

أخرجه الدارقطني (4754)، وهو حديث ضعيف جدًّا، فإن فيه: سعيد بن سلام العطار وهو متروك الحديث، وفيه أيضًا: عبد الله بن بديل: ضعفه أبو بكر النيسابوري والدارقطني، ووثقه ابن حبان، وضعف الحديث ابن عبد الهادي وابن الملقن وابن حجر وغيرهم. ينظر: العلل الكبير للترمذي ص 242، تنقيح التحقيق 4/ 640، البدر المنير 5/ 687، الدراية 2/ 207.

(5)

زيد في (م): أن.

(6)

هكذا في النسخ الخطية، والذي في المصادر: أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللَّبة.

ص: 765

وقال: أبو العُشَراء لَيسَ بمعروفٍ، وحديثُه غَلَطٌ

(1)

، وأبو داودَ والتِّرمذِيُّ، وقال: غريبٌ، وقال البخاريُّ: في حديثه واسْمِه وسَماعِه مِنْ أبِيهِ نَظَرٌ

(2)

، وقال المجْدُ في «أحكامه»: هذا فيما

(3)

لم يُقْدَرْ عَلَيهِ.

فعَلَى هذا: يُشْتَرَطُ قَطْعُ الحُلْقوم والمرِيءِ، وهُما مَجْرَى الطَّعام والنَّفَس، اخْتارَهُ الخِرَقِيُّ، وقدَّمه في «الرِّعاية» و «الكافي» ، وذَكَرَ أنَّه أَوْلَى، ورجَّحه في «الشَّرح» ؛ لأِنَّه قَطَعَ في مَحَلِّ الذَّبْح ما لا تَبْقَى الحَياةُ معه، أشْبَهَ ما لو قَطَعَ الأربعةَ.

واخْتَصَّ الذَّبْحُ بالمحَلِّ المذكور

(4)

؛ لأِنَّه مَجمَعُ العُروقِ، بالذَّبح

(5)

فيه الدِّماءُ السَّيَّالةُ، ويُسْرِعُ زُهُوقَ الرُّوحِ، فيكُونُ أطْيَبَ لِلَّحم

(6)

، وأخفَّ على الحَيَوان.

(وَعَنْهُ: يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ)، اخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزيُّ، وجَزَمَ به في «الرَّوضة» ؛ «لنَهْيِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم عن شَرِيطةِ الشَّيطان، وهي التي تُذْبَحُ فيُقطَعُ

(7)

الجِلْدُ،

(1)

ينظر: المغني 9/ 397.

(2)

أخرجه أحمد (18947)، وأبو داود (2825)، والترمذي (1481)، والنسائي (4408)، وابن ماجه (3184)، من طريق حماد بن سلمة، عن أبي العشراء، عن أبيه به، وهو حديث غريب جدًّا، لم يروه عن أبي العشراء إلا حماد بن سلمة، قال الذهبي:(ولا يدرى من هو ولا من أبوه، انفرد عنه حماد بن سلمة). ينظر: التاريخ الكبير 2/ 22، ميزان الاعتدال 4/ 551، البدر المنير 9/ 245، الإرواء 8/ 168.

(3)

في (م): فيمن.

(4)

قوله: (المذكور) سقط من (م).

(5)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 397، والممتع 4/ 388: فتنفسخ بالذبح. وعبارة كشاف القناع: فيخرج بالذبح.

(6)

في (م): اللحم.

(7)

في (ظ): فتقطع.

ص: 766

ولا تُفرى

(1)

الأوداجُ

(2)

» رواه أبو داودَ

(3)

، وقال

(4)

سعيد: ثنا إسْماعِيلُ بنُ زَكَرِيَّا، عن سُلَيمانَ التَّيمِيِّ، عن أبي مجلز

(5)

، عن ابنِ عبَّاسٍ قال: «إذا أُهريق

(6)

الدَّم، وقُطِعَ الودج

(7)

؛ فكُلْ» إسْنادٌ حَسَنٌ

(8)

، وهما عِرْقانِ مُحِيطانِ بالحُلْقوم.

وعَنْهُ: أوْ أحدِهما.

وفي «الإيضاح» : الحُلْقومِ والوَدَجَينِ، وفي «الإشارة»: المَرِيءِ والوَدَجَينِ.

وفي «الكافي» و «الرِّعاية» : يَكْفِي قَطْعُ الأَوْداجِ وحدَها.

لكِنْ لو قَطَعَ أحدَهما مع الحُلْقومِ أوْ المَرِيءِ أَوْلَى بالحِلِّ، قالَهُ الشَّيخُ تقيُّ الدِّينِ، وذَكَرَ وجْهًا: يَكْفِي قَطْعُ ثَلاثٍ من الأَربعةِ.

وظاهِرُه: لا يَضُرُّ رَفْعُ يَدِه إنْ أتمَّ الذَّكاةَ على الفَورِ.

واعْتَبَرَ في «التَّرغيب» قَطْعًا تامًّا، فلو بَقِيَ من الحُلْقوم جِلْدةٌ، ولم ينفذ

(9)

(1)

في (ن): ولا يفري.

(2)

في (م): الودجين.

(3)

أخرجه أحمد (2618)، وأبو داود (2826)، وابن حبان (5888)، والبيهقي في الكبرى (19125)، وفي سنده عمرو بن عبد الله بن الأسوار اليماني، يقال له عمرو برق، وهو ضعيف، وقال ابن عدي:(أحاديثه لا يتابعه عليها الثقات). ينظر: ميزان الاعتدال 3/ 295، الإرواء 8/ 266.

(4)

في (م): وقد قال.

(5)

في (م): مخلد.

(6)

في (م): أهرق.

(7)

قوله: (وقطع الودج) سقط من (م).

(8)

لم نقف عليه عند سعيد بن منصور في كتبه، وذكره من طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 129)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إذا أهريق الدم وقطع الودج فكله» ، وصححه.

(9)

في (م): ولم يقصد.

ص: 767

القَطْعُ، وانْتَهَى الحَيَوانُ إلى حَرَكَةِ المذْبوحِ، ثُمَّ قَطَعَ الجِلْدةَ؛ لم يَحِلَّ.

فرعٌ: إذا أبان

(1)

رأسَه بالذَّبح؛ لم يَحرُمْ به المذْبوحُ، قدَّمه في «المحرَّر» ، وأكْلُه مُباحٌ، قاله

(2)

في «المستوعب» .

وفي «الرِّعاية» : يُكرَهُ ويَحِلُّ.

وعَنْهُ: لا يَحِلُّ.

والأوَّلُ المذهب

(3)

، قال أحمدُ: لو أنَّ رجلاً ضَرَبَ رأسَ بَطَّةٍ أوْ شاةٍ بالسَّيف يُريدُ بذلك الذَّبِيحة كان له أنْ يأكُلَ

(4)

، رُوِيَ عن عليٍّ

(5)

، وعمران

(6)

؛ لأِنَّه اجْتَمَعَ قَطْعُ ما لا تَبْقَى الحَياةُ معه مع

(7)

الذَّبْح.

(وَإِنْ نَحَرَهُ؛ أَجْزَأَهُ)؛ أيْ: إذا نَحَرَ ما يُذبَحُ أجْزَأَه في قَولِ الأكْثَر، كعَكْسِه؛ لقوله عليه السلام:«ما أنْهَرَ الدَّمَ، وذُكِرَ اسْمُ الله عَلَيهِ فكُلْ»

(8)

، وقالَتْ أسْماءُ: «نحرنا

(9)

فَرَسًا»، وفي روايةٍ:«ذَبَحْنا»

(10)

، وقالت عائشةُ: نَحَرَ

(1)

في (ن): بان.

(2)

في (م): قال.

(3)

قوله: (والأول المذهب) في (م): والمذهب.

(4)

ينظر: المغني 9/ 400.

(5)

أخرجه عبد الرزاق (8479)، عن جعفر، عن عوف قال: ضرب رجل عنق بعير بالسيف، فأبانه، فسأل عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال:«ذكاة وحية» ، وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر ذكره ابن حزم من طريقه (6/ 129).

(6)

أخرجه وكيع كما عند ابن حزم في المحلى (6/ 129)، حدثنا حماد بن سلمة، عن يوسف بن سعد قال: ضرب رجل بسيفه عنق بطة فأبان رأسها، فسأل عمران بن الحصين رضي الله عنه فأمر بأكلها، وصحح الأثرين ابن حزم.

(7)

قوله: (مع) سقط من (م).

(8)

أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968) من حديث رافع رضي الله عنه.

(9)

في (م): نحر.

(10)

أخرجه البخاري (5510)، ومسلم (1942)، والرواية الأخرى عند البخاري (5511).

ص: 768

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حجَّةِ الوَداع بَقَرةً»

(1)

، ولأِنَّه ذَكَّاهُ في مَحلِّه، فجاز أكْلُه؛ كالحَيَوان الآخَر.

ونَقَلَ ابنُ أبي مُوسَى: أنَّه تَوقَّفَ في ذَبْحِ البقر، قال: والأوَّلُ عَنْهُ أظْهَرُ.

وعَنْهُ: يُكرَهُ ذَبْحُ إبلٍ

(2)

.

وعنه

(3)

: ولا تُؤكَلُ.

(وَهُوَ أَنْ يَطْعَنَهُ بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهِ)، بيانٌ

(4)

لمَعْنَى النَّحَر، وكان

(5)

النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه هكذا يَفْعَلُونَ

(6)

، ونَقَلَ الميموني

(7)

: أن

(8)

ابنَ عبَّاسٍ وابنَ عُمَرَ قالا: «النَّحرُ في اللَّبَّة، والذبح

(9)

في الحَلْقِ، والذبح

(10)

والنَّحْر في البَقَر واحِدٌ»

(11)

.

(1)

أخرجه البخاري (1709) من حديث عائشة رضي الله عنها، ومسلم (1319) من حديث جابر رضي الله عنه.

(2)

قوله: (إبل) سقط من (م).

(3)

زيد في (ن): لا.

(4)

في (ظ) و (ن): فبيان.

(5)

في (م): فإن.

(6)

لم نقف عليه.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 11.

(8)

قوله: (أن) سقط من (ظ) و (ن).

(9)

قوله: (والذبح) سقط من (ن).

(10)

قوله: (والذبح) سقط من (م).

(11)

لم نقف عليه عنهما بهذا اللفظ، وأخرج عبد الرزاق (8615)، والبيهقي في الكبرى (19122، 19123)، من طريق سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«الذكاة في الحلق، واللبة» ، وإسناده صحيح.

ولم نقف عليه عن ابن عمر رضي الله عنهما ولكن عن عمر رضي الله عنه: أخرجه عبد الرزاق (8614)، والبيهقي في الكبرى (19124)، وابن حزم في المحلى (6/ 65)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن رجل، عن ابن الفرافصة الحنفي، عن أبيه أنه: قال لعمر إنكم تذبحون ذبائح لا تحل، تعجلون على الذبيحة، فقال عمر:«نحن أحق أن نتقي ذلك أبا حيان الذكاة في الحلق واللبة لمن قدر، وذر الأنفس حتى تزهق» ، وعند البيهقي: عن يحيى بن أبي كثير، عن فرافصة الحنفي، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال:«الذكاة في الحلق واللبة» ، وأخرج نحوه ابن أبي شيبة (19832)، وابن حزم في المحلى (6/ 129)، من طريق يحيى بن أبي كثير، عن المعرور، عن أبي الفرافصة به، ويحيى يدلس ويرسل، والمعرور هو الكلبي، وهو مستور، له ترجمة في التاريخ الكبير والجرح والتعديل ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلاً، وكذا من فوقه، وقد ذكرهم ابن حبان في الثقات. ينظر: التكميل لصالح آل الشيخ ص 195.

ص: 769

(وَالمُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ الْبَعِيرُ، وَيُذْبَحَ مَا سِوَاهُ)، بغَيرِ خِلافٍ، قالَهُ في «الشَّرح»؛ لقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ (2)} [الكَوثَر: 2]، ولقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البَقَرَة: 67]، وأَمَرَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بالنَّحر؛ لأِنَّ غالِبَ ماشِيَةِ قَومِه الإبلُ، وأَمَرَ بَنِي إسْرائيلَ بالذَّبْح؛ لأِنَّ غالِبَ ماشِيَتِهم البقرُ، «ولأِنَّه عليه السلام نَحَرَ البُدْنَ» ، و «ذَبَحَ كَبْشَينِ أملحين بِيَدهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

.

وفي «التَّرغيب» روايةٌ: ينحر

(2)

البَقَر.

وعِنْدَ ابنِ عَقِيلٍ أنَّ ما صَعُبَ وَضْعُه بالأرض؛ نُحِرَ.

(فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ يَنِدَّ

(3)

الْبَعِيرُ)؛ أي: إذا

(4)

ذَهَبَ على وَجْهِه شارِدًا، (أَوْ يَتَرَدَّى)؛ أيْ: يسقط

(5)

(فِي بِئْرٍ فَلَا

(6)

يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ؛ صَارَ كَالصَّيْدِ، إِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ فَقَتَلَهُ

(7)

؛ حَلَّ أَكْلُهُ)، رُوِيَ عن

(8)

عليٍّ

(9)

،

(1)

أخرجه البخاري (1551)، ومسلم (1966)، عن أنس رضي الله عنه ولفظه:«نحر النبي صلى الله عليه وسلم بدنات بيده قيامًا، وذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة كبشين أملحين» واللفظ للبخاري.

(2)

في (ن): تنحر.

(3)

في (ن): نبذ.

(4)

قوله: (إذا) سقط من (م).

(5)

في (ن): تردى أي: سقط.

(6)

في (م): لا.

(7)

في (م): يقتله.

(8)

قوله: (عن) سقط من (م).

(9)

أخرجه عبد الرزاق (8477)، وابن أبي شيبة (19787)، والبيهقي في الكبرى (18933)، من طريق حبيب بن أبي ثابت قال: جاء رجل إلى علي رضي الله عنه فقال: إن بعيرًا لي ندَّ فطعنته بالرمح، فقال علي:«أهد لي عجزه» ، وإسناده منقطع بين حبيب وعلي، وورد موصولاً كما أخرجه ابن أبي شيبة (19835)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 134)، عن حبيب، عن مسروق، أن بعيرًا تردى في بئر فصار أعلاه أسفله، فقال علي:«قطعوه أعضاء وكلوه» .

ص: 770

وابنِ مَسْعودٍ

(1)

، وابنِ عمرَ

(2)

، وابنِ عبَّاسٍ

(3)

، وعائشةَ

(4)

، وقالَهُ أكْثَرُ العُلَماء؛ لِمَا رَوَى رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ، قال: كنَّا مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَدَّ بعيرٌ، وفي القَوم خَيلٌ يسيرةٌ، فطَلَبوهُ فأعْياهُم، فأهْوَى إلَيهِ رَجُلٌ بسَهْمٍ، فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم:«إنَّ لهذه البهائمَ أوابِدَ كأوابِد الوَحْش، فما غَلَبَكم منها فاصْنَعُوا به هكذا»

(1)

أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (7/ 86)، ووصله ابن أبي شيبة (19791)، عن علقمة قال: كان حمار وحش في دار عبد الله فضرب رجل عنقه بالسيف، وذكر اسم الله عليه، فقال ابن مسعود رضي الله عنه:«صيد فكلوه» ، وإسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (8474)، وابن أبي شيبة (19790)، من طريق عبد الكريم، عن زياد بن أبي مريم، أن حمارًا لآل عبد الله بن مسعود من الوحش عالجوه فغلبهم، وطعنهم فقتلوه، فقال ابن مسعود رضي الله عنه:«أسرع الذكاة، ولم ير به بأسًا» ، وأخرجه البيهقي في الكبرى (18934) من وجه آخر نحوه.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (8481)، وابن الجارود في المنتقى (895)، والطبراني في الكبير (4380)، والبيهقي في الكبرى (18929)، عن عباية بن رفاعة:«أنّ ناضحًا تردى في بئر بالمدينة فذُكِّي من قبل شاكلته يعني خاصرته، فأخذ منه ابن عمر رضي الله عنهما عَشيرًا بدرهمين» ، ووقع عند عبد الرزاق «عمر» بدل «ابن عمر» ، والصواب عن ابن عمر، وإسناده صحيح، صححه ابن الجارود، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 34):(رجاله رجال الصحيح).

وأخرج ابن أبي شيبة (19838) من طريق يحيى بن أبي حيان، عن عباية قال: تردى بعير في ركية، وابن عمر رضي الله عنهما حاضر، فنزل رجل لينحره، فقال: لا أقدر أن أنحره، فسأل ابن عمر فقال:«اذكر اسم الله عليه، وانحره عليه من قبل شاكلته ففعل» فأخرج مقطعًا، فأخذ منه ابن عمر عشرًا بدرهمين أو بأربعة.

(3)

أخرجه ابن أبي شيبة (19784)، والبيهقي في الكبرى (18932)، عن عكرمة قال: قال ابن عباس رضي الله عنهما: «ما أعجزك مما في يدك فهو بمنزلة الصيد» ، وإسناده صحيح.

(4)

علقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 93)، وقال ابن حجر في الفتح (9/ 639):(وأما أثر عائشة فلم أقف عليه بعد موصولاً).

ص: 771

مُتَّفَقٌ عَلَيهِ

(1)

، ولأِنَّ الاِعْتِبارَ في الذَّكاة بحالِ الحَيَوانِ وَقْتَ ذَبحِه، لا بأصْلِه، بدليلِ الوحشيِّ

(2)

إذا قُدِرَ عَلَيهِ، وَجَبَتْ ذَكاتُه في الحَلْقِ واللَّبَّة، فكذلك الأهليُّ

(3)

إذا تَوَحَّشَ، وذَكَرَ أبو الفَرَج: يُقتَلُ مِثْلُه غالِبًا.

وقال مالِكٌ: لا يَجُوزُ أكْلُه، إلاَّ أنْ يُذَكَّى

(4)

، قال أحمدُ: لعلَّه لم يَبلُغْهُ حديثُ رافِعٍ

(5)

.

(إِلاَّ أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي المَاءِ

(6)

، فَلَا يُبَاحُ)، نَصَّ عَلَيهِ

(7)

، وهو قَولُ الأصْحابِ؛ لأِنَّه لا يُعلَمُ أنَّ الذَّبْحَ قَتَلَه، ولأنَّ

(8)

الماءَ أَعَانَ على قَتْلِه؛ فحَرُمَ، كما لو جَرَحَ الصَّيدَ مُسلِمٌ ومَجُوسِيٌّ.

وقِيلَ: يَحِلُّ إنْ جَرَحَه بجُرْحٍ موحٍ.

(وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ) - ولو عَبَّر بالآلة

(9)

لَعَمَّ - (عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي

(10)

الحَيَاةِ)؛ أيْ: فيه

(11)

حياة مُستَقِرَّة، ويُعلَمُ ذلك بوُجودِ الحَرَكةِ، وعَنْهُ: أَوْ لَا، وفي «المغْنِي»: غَلَبَ بَقاؤها؛ (أُكِلَتْ)، قدَّمه في «المستوعب» و «الفروع» ، وجَزَمَ به في «المحرَّر» و «الوجيز» ؛ لأِنَّها حَلَّتْ بالذَّبح.

(1)

أخرجه البخاري (2488)، ومسلم (1968).

(2)

في (م): الوحش.

(3)

قوله: (الأهلي) سقط من (م).

(4)

ينظر: المدونة 1/ 539.

(5)

ينظر: المغني 9/ 389.

(6)

في (م): إناء.

(7)

ينظر: زاد المسافر 4/ 14.

(8)

في (م): أو أن، وفي (ن): لأن.

(9)

في (م): بآلة.

(10)

قوله: (في) سقط من (م).

(11)

في (م): في.

ص: 772

وفي «التَّرغيب» روايةٌ: يَحرُمُ مع حياةٍ مُستَقِرَّةٍ، وهو ظاهِرُ ما رَواهُ جماعةٌ.

(وَإِنْ فَعَلَهُ عَمْدًا؛ فَعَلَى وَجْهَيْنِ)، وفي «المحرَّر» و «الفروع»: هما روايِتانِ:

إحداهما: لا يُباحُ، رُوِيَ عن عليٍّ

(1)

، وهو ظاهِرُ الخِرَقِيِّ؛ لأِنَّه في غَيرِ مَحَلِّ الذَّبْحِ؛ كما لو بَقَرَ بَطْنَها.

والثَّانيةُ

(2)

: تَحِلُّ إذا بَقِيَتْ فيها حياةٌ مستقرَّة

(3)

قَبْلَ قَطْعِ الحُلْقوم والمرِيءِ، وقاله القاضي، وهي أصَحُّ؛ لأِنَّ الذَّبْحَ إذا أتى على ما فِيهِ حياةٌ مُستَقِرَّةٌ؛ حَلَّ؛ كالمترَدِّية.

وعَنْهُ ما يَدُلُّ على إباحَتِه مُطلَقًا.

وفي «الشَّرح» : إنْ ذَبَحَها مِنْ قَفاها، ولم يُعلَمْ هل كانَتْ فيها

(4)

حياةٌ مُستَقِرَّةٌ قَبْلَ قَطْعِ الحُلْقومِ والمرِيءِ أوْ لَا؛ نَظَرْتَ: فإنْ كان الغالِبُ بَقاءَ ذلك؛ لِحِدَّةِ الآلة وسُرْعةِ القَطْعِ؛ فالأَوْلَى إباحَتُه، وإنْ كانَتْ كَالَّةً، وأبْطَأَ قَطْعُه، وطالَ تَعْذِيبُه؛ لم يُبَحْ.

فرعٌ: مُلْتَوٍ عُنُقُه؛ كمعجوزٍ

(5)

عنه

(6)

، قاله القاضِي، وقِيلَ: حُكْمُه كذلك.

(وَكُلُّ مَا وُجِدَ فِيهِ سَبَبُ المَوْتِ كَالمُنْخَنِقَةِ، وَالمُتَرَدِّيَةِ، وَالنَّطِيحَةِ، وَأَكِيلَةِ

(1)

ذكره في المغني 9/ 400 فقال: (وحُكي هذا عن علي رضي الله عنه وسعيد بن المسيب)، ولم نقف عليه، أخرجه عبد الرزاق (4/ 467)، عن ابن المسيب قال:«لا ينحر إلا في منحر إبراهيم» ، يقول:«لا يُذكى في خاصرته ولا في غيرها» .

(2)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(3)

قوله: (وهو ظاهر ما رواه جماعة

) إلى هنا سقط من (م).

(4)

في (ظ) و (ن): فيه.

(5)

في (ن): فمعجوز.

(6)

قوله: (عنه) سقط من (م).

ص: 773

السَّبُعِ؛ إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهَا، وَفِيهَا حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَكْثَرُ مِنْ حَرَكَةِ المَذْبُوحِ؛ حَلَّتْ)؛ لقوله تعالى:{إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المَائدة: 3]، ولحديثِ جارِيَةِ كَعْبٍ

(1)

، ولمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا سُفْيانُ: حدثني

(2)

الزُّبَيرُ بنُ الرَّبِيع، عن أبي طَلْحَةَ الأَسَدِيِّ، قال: أَتَيتُ ابنَ عبَّاسٍ، فسَمِعْتُه يَقُولُ في شاةٍ وَقَعَ قَصَبَتُها - أي: الأمْعاءُ - بالأرض، فأدْرَكها فذبحها

(3)

بحَجَرٍ: «يُلْقِي ما أصابَ الأرض

(4)

، ويَأكُلُ سائِرَها»

(5)

، وسَواءٌ انْتَهَتْ إلى حالٍ يُعلَمُ أنَّها لا تَعِيشُ معه أوْ تَعِيشُ، قالَهُ في «الشَّرح» .

وقدَّم السَّامَرِّيُّ: أنَّها إذا بَلَغَتْ مَبْلَغًا لا يعيش

(6)

لمثله؛ لم يحل

(7)

، قال ابنُ هُبَيرةَ: هو أظْهَرُ الرِّوايَتَينِ.

وذَكَرَ ابنُ أبي موسى: إنْ رَجَا حَياتَها حَلَّتْ.

وفي «المحرَّر» و «الوجيز» : أنَّها تَحِلُّ بشَرْطِ أنْ تتحرَّك

(8)

عِنْدَ الذَّبح، ولو بِيَدٍ، أوْ رِجْلٍ، أوْ طرف

(9)

ذَنَبٍ، وحَكاهُ في «الفروع» قَولاً.

وقِيلَ: أوْ لَا.

(1)

تقدم تخريجه 9/ 764 حاشية (3).

(2)

في (م): حدثنا. وسقطت من (ن).

(3)

في (ظ) و (ن): فأدركتها فذبحتها.

(4)

قوله: (الأرض) سقط من (م).

(5)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند ابن حزم في المحلى (6/ 149)، وعبد الرزاق (8613)، عن ابن عيينة، عن ركين بن ربيع، عن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما. وأبو طلحة هو الأسدي، حديثه يعد في الكوفيين، قال ابن حجر:(مقبول)، وبقية رواته ثقات.

(6)

قوله: (معه أو تعيش

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (م) و (ن): لم تحل.

(8)

في (ن): يتحرك.

(9)

زيد في (ن): أو.

ص: 774

ونَقَلَ الأثْرَمُ وغَيرُه: ما تُيُقِّن

(1)

أنَّه يَمُوتُ بالسَّبب

(2)

.

وعَنْهُ: لِدُونِ أكْثَرِ يَومٍ، لم يَحِلَّ.

والصَّحيحُ: أنَّها إذا كانَتْ تَعِيشُ زَمانًا يكون

(3)

بالموت

(4)

بالذَّبح أسْرَع منه

(5)

؛ حَلَّتْ بالذَّبح.

وعنه: يَحِلُّ مُذَكًّى قَبْلَ مَوْتِه مُطلَقًا.

وفي «كِتابِ الأدَمِيِّ البغْداديِّ» : وتشترط

(6)

حياةٌ يُذهِبُها الذَّبْحُ، اخْتارَه أبو محمَّدٍ الجَوزِيُّ.

وعَنْهُ: إنْ تَحرَّكَ، ذَكَرَه في «المبهِجِ» ، ونقله

(7)

عبدُ الله والمرُّوذِيُّ وأبو طالِبٍ

(8)

.

وفي «التَّرغيب» : لو ذَبَحَ وشكَّ في الحياة المستَقِرَّة، وَوُجِدَ ما يُقارِبُ الحركة

(9)

المعهودةَ في التَّذْكِيَة المعْتادَةِ؛ حَلَّ في المنْصوصِ.

ومرادهم

(10)

بالحياة المسْتَقِرَّة: ما جاز بقاؤها أكثرَ اليَومِ.

(وَإِنْ صَارَتْ حَرَكَتُهَا كَحَرَكَةِ

(11)

المَذْبُوحِ؛ لَمْ تَحِلَّ)؛ لأِنَّه صارَ في حُكْمِ

(1)

في (م): ما يتعين.

(2)

ينظر: زاد المسافر 4/ 13.

(3)

في (م): تكون.

(4)

كذا في النسخ الخطية، وفي المغني 9/ 405، والشرح الكبير 27/ 318: الموت.

(5)

في (م): فيه.

(6)

قوله: (البغدادي وتشترط) في (م): العقل أدى ويشترط.

(7)

في (م): ونقل.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 397.

(9)

في (م): الحل كذا.

(10)

في (م): وهو مرادهم.

(11)

في (م): حركة.

ص: 775

الميتة؛ كما لو ذَبَحَها بَعْدَ ذَبْحِ الوثني

(1)

، وكذا في «الكافي» وغَيرِه.

فرعٌ: ومريضةٌ، وما صِيدَ بشبكةٍ، أوْ شَرَكٍ، أوْ أُحْبُولَةٍ، أوْ فَخٍّ، أوْ أنْقَذَه مِنْ مَهْلَكةٍ، فهو كمُنْخنِقَةٍ

(2)

.

(1)

في (ن): الموتى.

(2)

في (م): منخنقة.

ص: 776

(فَصْلٌ)

(الرَّابِعُ: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عِنْدَ الذَّبْحِ)، وذَكَرَ جماعةٌ: أوْ قَبْلَه قريبًا، فَصَلَ بكلامٍ أوْ لا؛ كالطَّهارة.

فَعَلَى هذا: إنْ سَمَّى على شاةٍ ثُمَّ أخَذَ السِّكِّينَ، أوْ كانَتْ بِيَدِه فتَرَكَها وأَخَذَ أخْرَى، أوْ تحدَّثَ ثُمَّ ذَبَحَ؛ حَلَّتْ؛ لأِنَّه سمَّى

(1)

عَلَيهَا؛ لقَولِه تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعَام: 121]، والفِسْقُ حرامٌ؛ لقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ

(145)} [الأنعَام: 145]، ولأِنَّه أَمَرَ به وأطْلَقَ، و «كان النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا ذَبَحَ سمَّى

(2)

»

(3)

، فحُمِلَ المطْلَقُ على المقَيَّد.

(وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِاسْمِ اللهِ)؛ لأِنَّ إطْلاقَ التَّسْمِيَة ينصرف

(4)

إلَيها، ولو بغَيرِ العربيَّة؛ لأِنَّ المقْصودَ ذِكْرُ اسْمِ الله، وقد حَصَلَ، بخِلافِ التكبير والسَّلام، فإنَّ المقْصودَ لَفْظُه.

وفي «المحرَّر» : إنْ سمَّى

(5)

بغَيرِ العربيَّة مَنْ لا يُحْسِنُها فَعَلَى وجْهَينِ

(6)

، صحَّح في «الرِّعاية» عَدَمَ الإجْزاء.

(لَا يَقُومُ غَيْرُهَا مَقَامَهَا)؛ كالتَّسبيح، والتَّهليل، والتَّكبير، وسُؤالِ المغْفِرة، وقدَّمه في «المسْتَوعِب» و «الرِّعاية» ، وهو احْتِمالٌ في «الشَّرح» .

(1)

قوله: (على شاة ثم أخذ السكين

) إلى هنا سقط من (م).

(2)

في (ن): فسمى.

(3)

كما في حديث أنس رضي الله عنه: «ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين، فرأيته واضعًا قدمه على صفاحهما، يسمي ويكبر، فذبحهما بيده» ، أخرجه البخاري (5558) ومسلم (1966).

(4)

في (ظ): تنصرف.

(5)

في (ن): وإن. وفي (م): أنه يسمى.

(6)

كتب في هامش (ن): (أصحهما: يجزئ).

ص: 777

وقِيلَ: يَكْفِي تكبيرٌ ونحوُه.

ويَضمَنُ أجِيرٌ تَرَكَها إنْ حَرُمَتْ، واخْتارَ في «النَّوادِر» لغَيرِ شافِعِيٍّ، قال في «الفُروع»: ويَتَوَجَّه تضمينه

(1)

النَّقْصَ إنْ حلَّت

(2)

.

(إِلاَّ الْأَخْرَسَ، فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى السَّمَاءِ)؛ لأِنَّ إشارتَه تَقُومُ مَقامَ النُّطْق، وكذا إذا عُلِمَ أنَّه أشار إشارةً تَدُلُّ على التَّسمِيَة.

فرعٌ: يُسَنُّ التَّكبيرُ مَعَهَا، نَصَّ عَلَيهِ

(3)

، وقِيلَ: لا، كالصَّلاة على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في المنْصُوص

(4)

.

وفي «المنتخب» : لا يَجُوزُ ذِكْرُه مَعَهَا شَيئًا.

واخْتارَ ابنُ شاقْلَا: أنَّه يُصَلِّي على النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم

(5)

عِنْدَها.

(فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا) أوْ جَهْلاً؛ (لَمْ تُبَحْ

(6)

، وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا؛ أُبِيحَتْ)، ذَكَرَ في «الكافي»: أنَّها المذْهَب، وجَزَمَ بها في «الوجيز» ، وذَكَرَ السَّامَرِّيُّ: أنَّها أكثرُ الرِّواياتِ عَنْهُ؛ لحديثِ الأحْوَص بنِ حكيمٍ

(7)

، عن راشِدِ ابنِ سعْدٍ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ذَبِيحَةُ المسْلِمِ حَلالٌ، وإنْ لم يُسَمِّ، ما لم يَتعَمَّدْ» رواهُ سعيدٌ، لكِنَّ الأحْوَصَ ضعيفٌ

(8)

، وعَن ابنِ عبَّاسٍ فِيمَنْ نَسِيَ

(1)

في (ظ): تضمنه، وفي (ن): يضمنه.

(2)

قوله: (إن حلت) في (م): أحلت.

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 261، زاد المسافر 4/ 10.

(4)

ينظر: مسائل عبد الله ص 261.

(5)

قوله: (في المنصوص، وفي «المنتخب»

) إلى هنا سقط من (م).

(6)

في (ظ) و (ن): لم يبح.

(7)

زاد في (ظ): ابن حزام. وهو الأحوص بن حكيم بن عمير العنسي.

(8)

أخرجه الحارث بن أبي أسامة كما في إتحاف الخيرة (4671)، عن الأحوص بن حكيم، عن راشد بن سعد به، قال البوصيري:(هذا إسناد مرسل ضعيف؛ لضعف الأحوص بن حكيم)، وراشد بن سعد هو الحمصي تابعي كثير الإرسال، وأخرجه أبو داود (378)، ومن طريقه البيهقي في الكبرى (18895)، من طريق ثور بن يزيد، عن الصلت، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذبيحة المسلم حلال

»، قال ابن حجر:(الصلت يقال له السدوسي، ذكره ابن حبان في الثقات، وهو مرسل جيد). ينظر: الفتح 9/ 636، الإرواء 8/ 169.

ص: 778

التَّسْمِيَةَ، قال:«المسْلِمُ فيه اسْمُ الله تعالى، وإنْ لم يَذكُر التَّسمِيَةَ» رواه سعيدٌ بإسْنادٍ جيِّدٍ

(1)

، وعن القاسِمِ بنِ محمَّدٍ، قال عمرُ:«لا تأكْلُوا مِمَّا لم يُذكَر اسْمُ الله عَلَيهِ» رواهُ سعيدٌ

(2)

، والآيَةُ مَحمولةٌ على تَرْكِها عَمْدًا؛ لقَولِه تعالى:{وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعَام: 121]، والأكلُ مِمَّا نُسِيَتْ عَلَيهِ التَّسْمِيَةُ لَيسَ بفِسْقٍ؛ لقوله عليه السلام:«عُفِيَ لِأُمَّتِي عن الخَطَأ والنِّسْيانِ»

(3)

، وقال أحمدُ في قَولِه تعالَى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعَام: 121]

(4)

: يَعْنِي: الميْتَةَ، نَقَلَهَا الميْمُونيُّ

(5)

.

(1)

أخرجه سعيد بن منصور كما عند البيهقي في الكبرى (18891)، وعبد الرزاق (8548)، والدارقطني (4806)، والحاكم (7572)، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«إن في المسلم اسم الله، فإن ذبح ونسي اسم الله فليأكل، وإن ذبح المجوسي، وذكر اسم الله فلا تأكله» ، وإسناده صحيح قاله ابن حجر، وعلقه البخاري بصيغة الجزم (7/ 91)، بلفظ:«من نسي فلا بأس» ، وروي مرفوعًا كما أخرجه الدارقطني (4808)، والبيهقي في الكبرى (18890)، وفي سنده: محمد بن يزيد بن سنان وهو ليس بالقوي، ورجح جمع من الحفاظ وقفه منهم البيهقي وابن عبد الهادي وغيرهما. ينظر: تنقيح التحقيق 4/ 637، بلوغ المرام (1344)، الإرواء 8/ 170.

(2)

أخرجه عبد الرزاق (8558)، وسعيد بن منصور في التفسير (911)، - والسياق له - من طريق القاسم بن محمد: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مرَّ بالجزارين فقال: من يذبح لكم؟ فقالوا: هذا، فقال: أنت تذبح لهؤلاء؟ فقال: نعم، فقال: أخبرني عن صلاة كذا وكذا؟ فلم يَدْرِ، فضربه وأخرجه من السوق وضرب الجزارين، وقال: يذبح لكم مثل هذا والله يقول: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، والقاسم بن محمد لم يسمع من عمر رضي الله عنه.

(3)

سبق تخريجه 2/ 46 حاشية (5).

(4)

زيد في (ظ): وسلم.

(5)

ينظر: زاد المسافر 4/ 9.

ص: 779

(وَعَنْهُ: تُبَاحُ

(1)

فِي الْحَالَيْنِ)؛ لمَا رُوِيَ: «أنَّه رَخَّصَ أصْحابُ النبي صلى الله عليه وسلم في أكْلِ ما لم يُذكَر اسْمُ الله عَلَيهِ»

(2)

، وعن أبي هُرَيرةَ قال: جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسولَ اللهِ! أرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَذبَحُ ويَنْسَى أن يُسَمِّيَ، قال

(3)

: «اسْمُ اللهِ على كلِّ مُسلِمٍ» رواهُ ابنُ عَدِيٍّ والدَّارَقُطْنِيُّ

(4)

، ولأِنَّ التَّسْمِيَةَ لو اشْتُرِطَتْ لمَا حلَّت الذَّبيحةُ مع الشَّكِّ في وُجودِها؛ لأِنَّ الشَّكَّ في الشَّرْط شَكٌّ في المشْروط، والذَّبيحةُ مع الشَّكِّ في وُجُودِ التَّسْمِيةِ حَلالٌ، بدليلِ حِلِّ ذَبِيحةِ أهْلِ الكتاب، مع أنَّ الأصْلَ عَدَمُ إتْيانِهم بها، بل الظَّاهِرُ أنَّهم لا يُسَمُّونَ، وذلك أبْلَغُ في المنْع من الشَّكِّ.

(وَعَنْهُ: لَا تُبَاحُ فِيهِمَا

(5)

، قدَّمها في «المحرَّر» و «الفُروع»؛ لقوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعَام: 121]، ولأِنَّ الشَّيءَ متى

(6)

كان شَرْطًا؛ لا يُعذَرُ في

(7)

تَرْكه سَهْوًا؛ كالوضوء مع الصَّلاة.

وعَنْهُ: يَختَصُّ المسْلِمُ باشْتِراطِها.

(1)

في (م): يباح.

(2)

سبق عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأخرج عبد الرزاق (8544)، عن همام بن نافع، عن ميناء قال: كان لحميد بن عبد الرحمن بن عوف داجن من غنم، فبال على فراشه، فقام إليه مغضبًا فذبحه، وهو مغضب، ولم يسم، قال: فأتيت أبا هريرة فذكرت ذلك له فقال: «لا بأس، ليسم عليه إذا أكل» ، وميناء هو بن أبي ميناء القرشي وهو متروك.

(3)

في (ن): فقال.

(4)

أخرجه ابن عدي في الكامل (8/ 120)، والدارقطني (4803)، والبيهقي في الكبرى (18894)، وهو حديث ضعيف جدًّا، في سنده: مروان بن سالم الجزري، وهو متروك ومتهم بالوضع، وقال البيهقي:(وهذا الحديث منكر بهذا الإسناد). ينظر: التلخيص الحبير 4/ 338، الإرواء 8/ 169.

(5)

في (م): منهما.

(6)

في (م): من.

(7)

في (م): من.

ص: 780

ونَقَلَ حنبلٌ عَكْسها

(1)

؛ لأِنَّ المسلم

(2)

فيه اسمُ الله، وسيأتي الكلامُ على الصَّيد.

فرعٌ: إذا شَكَّ في تسْمِيَةِ الذَّابِحِ؛ حَلَّ، فلو وَجَدَ شاةً مَذبُوحةً في مَوضِعٍ يُباحُ ذَبْحُ أكْثَرِ أهْلِه؛ حلَّتْ، وإلاَّ فَلَا.

(وَتَحْصُلُ ذَكَاةُ الْجَنِينِ) المأْكُولِ (بِذَكَاةِ أُمِّهِ إِذَا خَرَجَ مَيِّتًا، أَوْ مُتَحَرِّكًا كَحَرَكَةِ المَذْبُوحِ)، رُوِيَ عن عليٍّ

(3)

، وابنِ عمرَ

(4)

؛ لِمَا رَوَى جابِرٌ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «ذَكاةُ الجَنِينِ ذَكاةُ أمِّهِ» رواهُ أبو داودَ بإسْنادٍ جيِّدٍ، ولأِحْمَدَ، والتِّرْمذِيِّ وحسَّنَه، وابنِ ماجَهْ مِثْلُه، مِنْ حديثِ أبي سعيدٍ، من رِوايَةِ مُجالِدٍ، وهو ضعيفٌ، قال التِّرمذِيُّ: (والعَمَلُ على هذا عِنْدَ أهْلِ العِلْم مِنْ أصْحابِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وغيرهم

(5)

، ورواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ وأبي هُرَيرةَ

(6)

،

(1)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 363.

(2)

قوله: (المسلم) سقط من (ن).

(3)

أخرجه ابن حزم في المحلى (6/ 97)، عن الحارث، عن علي رضي الله عنه:«إذا أشعر جنين الناقة فكله، فإن ذكاته ذكاة أمه» ، وأخرجه الدارقطني (4740)، مرفوعًا، وفي سنده موسى بن عثمان ضعيف جدًّا، وقال أبو حاتم:(متروك).

(4)

سيأتي تخريجه مع المرفوع.

(5)

في (م): وغيره.

(6)

حديث جابر رضي الله عنه: أخرجه أبو داود (2828)، والدارمي (2022)، والطبراني في الأوسط (8099)، من طريق عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي، عن أبي الزبير، عن جابر به، وعبيد الله ضعيف، وتابعه زهير بن معاوية كما عند الحاكم (7108)، والبيهقي في الكبرى (19488)، لكن الراوي عنه هو الحسن بن بشر البجلي وهو صدوق، لكن قال أحمد وغيره:(روى عن زهير بن معاوية أحاديث مناكير)، وتابعهما ابن أبي ليلى كما عند الدارقطني (4734)، وفي الإسناد إليه: صباح بن يحيى وهو متروك. وصحح الحاكم والألباني هذا الطريق من حديث جابر رضي الله عنه.

وحديث أبي سعيد رضي الله عنه: أخرجه أحمد (11260)، وأبو داود (2827)، والترمذي (1476)، وابن ماجه (3199)، من طريق مجالد، عن أبي الوداك، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ذكاة الجنين ذكاة أمه» ، هذا لفظ الترمذي، وعند أحمد وأبي داود نحوه، ومجالد هو ابن سعيد وهو ليس بالقوي، وتابعه عطية العوفي، كما عند الطبراني في الأوسط (3606)، قال ابن حجر:(وعطية وإن كان لين الحديث، فمتابعته لمجالد معتبرة)، وأخرجه أحمد (11343)، من طريق يونس بن أبي إسحاق، عن أبي الوداك جبر بن نوف، عن أبي سعيد، وقال ابن حجر:(ومن هذا الوجه صححه ابن حبان وابن دقيق العيد).

وحديث ابن عمر رضي الله عنهما: أخرجه الطبراني في الأوسط (8234)، والبيهقي في الكبرى من طريق الدارقطني (19495)، ورجح ابن عدي والدارقطني والحاكم والبيهقي وغيرهم وقفه على ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرج الموقوف مالك (2/ 490) ومن طريقه البيهقي في الكبرى (19493)، من طريق نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان يقول:«إذا نحرت الناقة فذكاة ما في بطنها في ذكاتها إذا كان قد تم خلقه ونبت شعره» ، وإسناده صحيح، وأخرجه عبد الرزاق (8642) بلفظ:«إذا خرج ميتًا، وقد أشعر أو وبر فذكاته ذكاة أمه» ولم نقف على المرفوع في سنن الدارقطني.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أخرجه الحاكم (7110)، لكن في سنده الراوي عن أبي سعيد المقبري، وهو حفيده عبد الله بن سعيد، وهو متروك، وللحديث طرق أخرى لا تخلو من مقال. ينظر: علل الدارقطني 13/ 95، نصب الراية 4/ 189، البدر المنير 9/ 390، التلخيص الحبير 4/ 385، الإرواء 8/ 172.

ص: 781

ولأِنَّ الجنينَ مُتَّصِلٌ بها اتِّصالَ خِلْقةٍ، يَتغَذَّى بغِذائها، فتكُونُ ذكاتُه بذَكاتِها كأعْضائِها، ولأِنَّ الذَّكاةَ في الحَيَوانِ تَختَلِفُ

(1)

على حَسَبِ الإمْكانِ والقُدْرةِ، ولا يُمكِنُ ذَبْحُ الحَيَوانِ قَبْلَ انْفِصاله، إلاَّ بأنْ يُجعَلَ ذَكاةُ أمِّه ذكاته

(2)

.

لكن اسْتَحَبَّ أحمدُ ذَبْحَه لِيَخْرُجَ دَمُه

(3)

. وعَنْهُ: لا بَأْسَ.

(وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ؛ لَمْ يُبَحْ إِلاَّ بِذَبْحِهِ)، نَقَلَه الجَماعةُ

(4)

؛ لأِنَّه نَفْسٌ أخْرَى، وهو مُستَقِلٌّ بحَياتِه.

وقدَّم في «المحرَّر» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّه كالمنخنقة

(5)

.

(1)

في (ظ): يختلف.

(2)

قوله: (ذكاته) سقط من (م).

(3)

ينظر: المغني 9/ 401.

(4)

ينظر: الفروع 10/ 398.

(5)

قوله: (أنه كالمنخنقة) في (ن): أشبه المنخنقة.

ص: 782

ونَقَلَ الميْمُونِيُّ: إن

(1)

خَرَجَ حَيًّا؛ فلا بُدَّ مِنْ ذَبْحِه

(2)

.

وعَنْهُ: يَحِلُّ بمَوتِه قَريبًا.

(وَسَوَاءٌ أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ)؛ لإطْلاقِ الخَبَرِ.

وقال ابنُ عُمَرَ: «ذَكاتُه ذكاةُ أُمِّه إذا أشْعَرَ»

(3)

، وقاله جماعةٌ؛ لمَا رَوَى سعيدٌ، ثنا سُفْيانُ، ثنا

(4)

الزُّهْرِيُّ، عن أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ، قال:«كان أصحابُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: إذا أشْعَرَ الجَنِينُ فذَكاتُه ذَكَاةُ أُمِّه»

(5)

، وقال ابنُ المنْذِرِ: (كان النَّاسُ على إباحته إلى أنْ جاءَ النُّعْمانُ، فقال: لا يَحِلُّ؛ لأِنَّ ذكاةَ نَفْسٍ لا تكون

(6)

ذَكاةَ نَفْسَينِ)

(7)

.

وجَوابُه: ما سَبَقَ، وحَكَمَ بإباحته تَيسِيرًا على عباده، ولا يُؤثِّرُ في ذكاةِ أُمِّه تحريمُه؛ كتَحريمِ أبيه

(8)

.

ولو وجأ

(9)

بَطَنَ أُمِّه، فأصابَ مَذْبَحَه؛ يُذَكَّى والأمُّ مَيِّتَةٌ، ذَكَرَه الأَصْحابُ.

(1)

في (ن): أنه.

(2)

ينظر: المغني 9/ 401.

(3)

سبق تخريجه 9/ 781 حاشية (6).

(4)

قوله: (ثنا) سقط من (م).

(5)

أخرجه عبد الرزاق (8641)، وابن عبد البر في الاستذكار (5/ 264)، عن طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: «إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه» ، وإسناده صحيح، وذكره البيهقي في الكبرى (19492) معلقًا بعد حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

(6)

في (م): لا يكون.

(7)

ينظر: المبسوط 12/ 6، المغني 9/ 401.

(8)

قوله: (أبيه) سقط من (م).

(9)

في (ن): جاء.

ص: 783

فائدةٌ: قَولُه عليه السلام: «ذَكاةُ الجَنِينِ ذَكاةُ أُمِّه» : مَنْ رَفَعَ جَعَلَه خَبَر مُبْتَدأٍ مَحذُوفٍ تَقدِيرُه: هو ذكاةُ أُمِّه، فلا يَحتاجُ الجَنِينُ إلى تذكيته

(1)

هذا مَذْهَبُنا والجُمْهور.

ومَنْ نَصَبَ قَدَّرَه: كذَكاةِ الجَنِينِ

(2)

، فلمَّا حُذِفَ الجارُّ نُصِبَ، فَعَلَيهِ يَفتَقِرُ الجَنِينُ إلى ذَبْحٍ مُسْتَأْنَفٍ، لكِنْ قدَّره ابن

(3)

مالِكٍ

(4)

في رِوايَةِ النَّصْب، تَقدِيرُه: ذَكاةُ الجَنِينِ في ذكاةِ أُمِّه، وهو الموافِقُ لِروايَةِ الرَّفع المشهورة

(5)

.

(1)

في (م): تذكية.

(2)

هكذا في النسخ الخطية، ولعل صوابه: كذكاة أمه.

(3)

في (من): أبي.

(4)

لم نقف عليه في كتبه المطبوعة.

(5)

في (م): الرافع المشهور.

ص: 784

(فَصْلٌ)

(وَيُكْرَهُ تَوْجِيهُ الذَّبِيحَةِ إِلَى غَيرِ الْقِبْلَةِ)، قاله ابنُ عمرَ

(1)

وابنُ سِيرِينَ؛ لمَا رُوِيَ: «أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم لمَّا ضَحَّى وَجَّهَ أُضْحِيَّتَه إلى القِبْلة، وقال: {وَجَّهْتُ وَجْهِي

}» الآيتين [الأنعَام: 79 - 80]

(2)

، ولأِنَّه قد يكونُ قُرْبَةً كالأُضْحِيَّةِ، فكُرِهَ تَوجِيهُ الذَّبيحةِ إلى غَيرِ القِبْلة كالأَذَانِ.

فيُسَنُّ تَوجِيهُها إلى القِبْلة على شِقِّها الأَيْسَرِ، ورفْقُه بها، وحَمْلُه على الآلة بقُوَّةٍ، وإسْراعُه بالشَّحْط.

(وَالذَّبْحُ بِآلَةٍ كَالَّةٍ)؛ لقَولِه عليه السلام: «إنَّ اللهَ كَتَبَ الإحْسانَ على كلِّ شَيءٍ، فإذا

(3)

قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلةَ، وإذا ذبحتُم فأحْسِنُوا الذِّبْحةَ، ولْيُحِدَّ أحدُكم شَفْرَتَه، ولْيُرِحْ ذَبِيحَتَه»

(4)

، قال الشَّيخُ تقيُّ الدِّين في هذا

(5)

الحديثِ: (إنَّ الإحسان واجِبٌ على كلِّ حالٍ، حتَّى في حالِ إزْهاقِ النُّفوس، ناطقها

(6)

وبهيمها)

(7)

، ولأِنَّ الذَّبْحَ بآلةٍ كالَّةٍ فيه تَعْذِيبٌ للحَيَوانِ.

(1)

أخرجه البيهقي في الكبرى (19173)، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يستحب أن يستقبل القبلة إذا ذبح. وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه أحمد (15022)، وأبو داود (2795)، وابن ماجه (3121)، وابن خزيمة (2899)، والبيهقي في الكبرى (19184)، من طريق أبي عياش، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما به، وفي سنده: أبو عياش وهو المعافري المصري، قال ابن حجر:(وأبو عياش لا يعرف)، وصحح الحديث ابن خزيمة، وحسنه الألباني. ينظر: التلخيص الحبير 4/ 354، صحيح أبي داود 8/ 142.

(3)

في (ن): إذا.

(4)

أخرجه مسلم (1955).

(5)

قوله: (في هذا) في (ن): شاهدا.

(6)

في (ن): باطنها.

(7)

ينظر: جامع المسائل - المجموعة السادسة ص 34.

ص: 785

(وَأَنْ يُحِدَّ السِّكِّينَ وَالْحَيَوَانُ يُبْصِرُهُ)؛ لأِنَّ «عمرَ رأى رجلاً وَضَعَ رِجْلَه على شاةٍ، وهو يُحِدُّ السِّكِّينَ، فضَرَبَه حتَّى أفْلَتَ الشَّاةَ»

(1)

.

ويُكْرَهُ ذَبْحُ شاةٍ والآخر ينظر

(2)

إلَيهِ كذلك.

(وَأَنْ يَكْسِرَ عُنُقَ الْحَيَوَانِ، أَوْ

(3)

يَسْلَخَهُ حَتَّى يَبْرُدَ)؛ أيْ: حتَّى تزهق

(4)

نفسُه؛ لقَولِه عليه السلام: «لا تُعْجِلُوا الأنْفُسَ أنْ تَزهَقَ» رواهُ الدَّارَقُطْنِيُّ بإسْنادٍ ضعيفٍ، وعن

(5)

عمرَ مَعْناهُ

(6)

، ولأِنَّ في ذلك تعذيبًا للحَيَوانِ.

وحرَّمَهما القاضي وغَيرُه، نقل

(7)

حنبلٌ: لا يَفعَلُ

(8)

.

وفي «التَّرغيب» : يُكرَهُ قَطْعُ رأْسِه قَبْلَ سَلْخِه، ونَقَلَ حنبلٌ: لا يَفعَلُ

(9)

.

وكذا يُكرَهُ قَطْعُ عُضْوٍ منه قَبْلَ الزُّهُوقِ، وقالَهُ الأَكْثَرُ.

(فَإِنْ فَعَلَ؛ أَسَاءَ وَأُكِلَتْ)؛ لأِنَّ ذلك حَصَلَ بَعْدَ حِلِّها وذَبْحِها، سئل

(10)

أحمدُ عن رجُلٍ ذَبَحَ دَجَاجةً فأبانَ رَأْسَها، قال: يأكُلُها، قِيلَ له: والذي بانَ مِنْهَا؛ قال: نعم

(11)

، قال البُخارِيُّ: قال ابنُ عمرَ وابنُ عبَّاسٍ: «إذا قُطِعَ

(1)

أخرجه مالك في الموطأ برواية أبي مصعب الزهري (2165)، والبيهقي في الكبرى (19142)، عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب، أن رجلاً حد شفرة وأخذ شاة ليذبحها، فضربه عمر رضي الله عنه بالدرة وقال:«أتعذب الروح؟ ألا فعلت هذا قبل أن تأخذها» ، وعاصم بن عبيد الله لم يدرك عمر، وهو ضعيف جدًّا.

(2)

في (م): والأخرى تنظر.

(3)

في (م): أن.

(4)

في (م): تذهب.

(5)

في (ن): عن.

(6)

سبق تخريجه 9/ 765 حاشية (2).

(7)

في (م): ونقل.

(8)

ينظر: زاد المسافر 4/ 12.

(9)

ينظر: زاد المسافر 4/ 12.

(10)

في (م): وسأل.

(11)

ينظر: المغني 9/ 401.

ص: 786

الرَّأْسُ فلا بَأْسَ به»

(1)

.

فلو قَطَعَ منه شَيئًا وفِيهِ حياةٌ مُستَقِرَّةٌ؛ فهو مَيتَةٌ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما قُطِعَ من البهيمة وهي حيَّةٌ فهو مَيْتَةٌ» رواه أحمدُ وأبو داودَ والتِّرمذِيُّ، وقال: حَسَنٌ غَرِيبٌ، والعَمَلُ عَلَيهِ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ

(2)

، ولأِنَّ إباحتَه إنَّما تَحصُلُ بالذَّبْح، ولَيسَ هذا بذبح

(3)

.

نَقَلَ ابنُ مَنصُورٍ: أكْرَهُ نَفْخَ اللَّحْم

(4)

، قال في «المغْنِي»: الَّذي للبَيْعِ؛ لأِنَّه غِشٌّ.

(وَإِذَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ، ثُمَّ غَرِقَ فِي مَاءٍ، أَوْ وَطِئَ عَلَيْهِ شَيْءٌ يَقْتُلُ مِثْلُهُ؛ فَهَلْ يَحِلُّ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ): أَنَصُّهما: لا يَحِلُّ

(5)

، وذَكَرَه الخِرَقِيُّ، وجَزَمَ به في «الوجيز» ؛ لأِنَّ ذلك يُعِينُ على زُهُوقِ النَّفْس، فيَحْصُلُ مِنْ سببٍ مُبِيحٍ ومُحرَّمٍ.

والثَّانِيَةُ: بلى، قدَّمها في «الرِّعاية» ، وذَكَرَ في «الكافي»

(6)

و «الشَّرح» : أنَّها قَولُ أكثرِ أصْحابِنا، وهِيَ قَولُ أكثرِ الفُقَهاء؛ لحصولِ ذبحه

(7)

، وطَرَيانُ

(1)

أخرجهما البخاري معلقًا في الذبائح باب النحر والذبح، فأما أثر ابن عمر رضي الله عنهما: فوصله أبو موسى الزمن كما ذكره ابن حجر في الفتح (9/ 641)، والتغليق (4/ 520)، من رواية أبي مجلز:«سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها فأمر ابن عمر بأكلها» .

وأما أثر ابن عباس: فوصله ابن أبي شيبة كما في التغليق (4/ 520)، ومن طريقه ابن حزم في المحلى (6/ 129)، عن عكرمة، أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن ذبح دجاجة فطير رأسها، فقال ابن عباس رضي الله عنهما:«ذكاة وحية» ، وصحح ابن حجر سنده.

(2)

سبق تخريجه 1/ 97 حاشية (4).

(3)

في (م): الذبح.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4003.

(5)

كتب في هامش (ن): (وهو المذهب).

(6)

قوله: (على زهوق النفس فيحصل

) إلى هنا سقط من (م).

(7)

في (ن): ذبحته.

ص: 787

الأَسْبابِ المذْكُورةِ حَصَلَ بَعْدَ الموت بالذَّبْح، فلم يُؤثِّرْ ما أصابه؛ لحُصولِه بَعْدَ الحُكْمِ بحِلِّه.

(وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ

(1)

؛ كَذِي الظُّفُرِ) مِنْ الإبل ونحوِها؛ (لَمْ يَحْرُمْ

(2)

عَلَيْنَا)، في ظاهِرِ كلامِ أحمدَ، قال ابنُ حَمْدانَ: وهو أظْهَرُ؛ لأِنَّه مِنْ أهْلِ الذَّكاةِ، وذَبَحَ مَا يَحِلُّ لَنا، أشْبَهَ المسْلِمَ.

وقدَّم في «المحرَّر» و «الرِّعاية» ، وجَزَمَ به في «الوجيز»: أنَّه يَحرُمُ.

وقِيلَ: لا؛ كظَنِّه تَحريمَه عَلَيهِ فلم يكُنْ.

وذَكَرَ أبو الحسن

(3)

أنَّ الخِلافَ في ذِي الظُّفُر كالخلاف

(4)

في تحريمِ الشُّحوم المحرَّمة عَلَيهِم.

وعُلِمَ منه: أنَّها تَحِلُّ ذَبِيحَتُنا لهم مع اعتقادهم تحريمَها؛ لأِنَّ الحُكْمَ لاِعْتِقادِنا.

مسألةٌ: ذُو الظُّفُر ما لَيسَ بمنفرج

(5)

الأصابِعِ؛ كإبِلٍ ونَعامٍ وبَطٍّ وَوَزٍّ، قاله ابنُ عبَّاسٍ

(6)

وجَمْعٌ.

(1)

قوله: (عليه) سقط من (ن).

(2)

في (ظ) و (ن): لم تحرم.

(3)

في (ظ): ذكر أبو الحسين. وأبو الحسن هو التميمي، وسبقت ترجمته.

(4)

في (ن): فالخلاف.

(5)

في (م): بمنفوخ.

(6)

علقه البخاري (6/ 57)، ووصله الطبري في التفسير (9/ 638)، من طريق علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله:{وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} قال: «وهو البعير والنعامة» ، ونسخة علي بن أبي طلحة عن ابن عباس احتج بها الأئمة، وأخرجه ابن أبي حاتم في التفسير (5/ 1410) من طريق شريك، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما: قوله: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} ، قال:«هو الذي ليس بمنفرد الأصابع، يعني ليس بمشقوق الأصابع، منها الإبل والنعام» ، قال ابن حجر في الفتح (8/ 295):(إسناده حسن).

ص: 788

وقِيلَ: هي

(1)

الإبلُ خاصَّةً.

وعِنْدَ ابن

(2)

قُتَيبَةَ: هي

(3)

كلُّ ذي

(4)

حافِرٍ من الدَّوَابِّ، ومِخْلَبٍ مِنْ الطَّير

(5)

.

(وَإِنْ ذَبَحَ)؛ أي: الكتابيُّ (حَيَوَانًا غَيْرَهُ)؛ أيْ: مِمَّا يَحِلُّ له؛ (لَمْ يَحْرُمْ

(6)

عَلَيْنَا الشُّحُومُ المُحَرَّمةُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ)، وهُوَ بِوَزْنِ فَلْس

(7)

، يغشى الكَرشَ والأَمْعاءَ رقيق

(8)

، (وَالْكُلْيَتَيْنِ)، واحِدُها كُلْيَةٌ وكُلْوَةٌ، بضَمِّ الكاف فيهما

(9)

، والجَمْعُ: كُلْيات

(10)

وكُلًى، (فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ

(11)

وأبو الخَطَّاب، وجَزَمَ به في «الوجيز» ، (وَحَكَاهُ عَنِ الْخِرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ)؛ لمَا رَوَى عبدُ اللهِ بنُ المغَفَّل، قال: «أصَبْتُ مِنْ شَحْمِ يَومِ خَيبَرَ، فالْتَزَمْتُه، فقلت: لا

(12)

أُعْطِي اليوم

(13)

أحدًا شَيئًا، فَالْتَفَتُّ، فإذا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مُتَبَسِّمًا» رواه مُسْلِمٌ

(14)

، ولأِنَّها ذكاةٌ أباحَت اللَّحْمَ فأباحَت الشَّحْمَ؛

(1)

في (م) و (ن): في.

(2)

في (م): أبي.

(3)

زيد في (ن): على.

(4)

قوله: (ذي) سقط من (ن).

(5)

ينظر: تأويل مشكل القران ص 99.

(6)

في (ظ) و (ن): لم تحرم.

(7)

في (م): فليس.

(8)

قوله: (وهو بوزن فلس، يغشى الكرش والأمعاء رقيق) سقط من (ن).

(9)

في (ن): فيها. وسقطت من (م).

(10)

قوله: (فيهما، والجمع كليات) في (م): وكليات.

(11)

في (م): حمدان.

(12)

في (ن): لما.

(13)

قوله: (اليوم) سقط من (م).

(14)

أخرجه مسلم (1772).

ص: 789

كذَكاةِ المسْلِم، وكذَبْحِ حنفيٍّ

(1)

حَيَوانًا فيبين

(2)

حامِلاً ونحوه.

وعُلِمَ منه: أنَّه يحرم

(3)

على اليهود

(4)

شَحْمُ الثَّرْب والكُلْيَة مِنْ بقرٍ وغنمٍ، نَصَّ عَلَيهِ

(5)

؛ لقوله تعالى: {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعَام: 146]؛ أيْ: حرَّمْنا على اليهود كلَّ ذي ظُفُرٍ، وجميعَ شُحومِ البقر والغنم، وهي الثَّرْب والكُلى

(6)

، {إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا}: ما عَلِقَ بالظَّهْر والجَنْب مِنْ داخِلٍ، {أَوِ الْحَوَايَا} ، وهي: المَصارِينُ، {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} ، هو

(7)

شَحْمُ الأَلْيَة؛ لمَا فيها من العَظْم.

(وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ، وَالْقَاضِي)، وأبو بكرٍ، وأبو حَفْصٍ البرمكي

(8)

، واختاره الأكثرُ، قاله في «الواضح» ، وصحَّحه في «عيون المسائل»:(تَحْرِيمَهُ)؛ لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المَائدة: 5]، وهذا لَيسَ مِنْ طعامهم، ولأِنَّه جُزْءٌ من البهيمة لم تُبَحْ

(9)

لذابِحِها، فلم تُبح

(10)

لغَيرِه؛ كالدَّم.

وعلَّله القاضي: بأنَّ الذَّكاةَ تَفتَقِرُ إلى القَصْد، والكتابيُّ لم يَقصِدْ ذَكاةَ هذا الشَّحْم.

(1)

في (م): صفي.

(2)

في (م): فتبين.

(3)

في (ن): محرم.

(4)

في (م): اليهودي.

(5)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 370.

(6)

قوله: (والكلى) مكانه بياض في (م).

(7)

في (م): وهو.

(8)

في (م): العكبري.

(9)

في (م): لم يبح.

(10)

في (م): فلم يبح.

ص: 790

وجَوابُه: أنَّ الآيةَ حُجَّةٌ لنا، فإنَّ مَعْنَى طعامهم: ذبائحُهم، فعلى هذا: يجُوزُ تملُّكُها منهم.

فرعٌ: يَحرُمُ عَلَينا إطْعامُهم شَحْمًا مِنْ ذَبْحِنا، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

؛ لِبَقاءِ تحريمِه.

وقال ابنُ عَقِيلٍ: نُسِخَ في حقِّهم أيضًا

(2)

.

(وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ، أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ يُعَظِّمُونَهُ؛ لَمْ يَحْرُمْ نَصَّ عَلَيْهِ

(3)

؛ لأِنَّه من جملةِ طعامِهم، فَدَخَلَ في عُمومِ الآية، ولأِنَّه قَصَدَ الذَّكاةَ، وهو ممَّن تَحِلُّ ذبيحتُه.

وعَنْهُ: لا تَحِلُّ، اختارَه الشَّيخُ تقيُّ الدِّين

(4)

؛ لأِنَّه أُهِلَّ به لغَيرِ الله تعالى.

والأوَّلُ هو المعوَّل

(5)

عَلَيهِ؛ لِمَا رُوي عن

(6)

العِرْباض بنِ سارِيَةَ، فقال:«كُلُوا وأطْعِمُونِي» رواهُ سعيدٌ مِنْ روايةِ إسْماعِيلَ بنِ عياش

(7)

، عن بِشْرِ بنِ كريت الأملولي

(8)

، وعن أبي أُمامَةَ، وأبي الدَّرداء كذلك، رواهما سعيدٌ، من روايةِ إسْماعِيلَ بن عياش

(9)

، عن أبي بكرِ بن أبي مَريَمَ الشامي

(10)

، وهو ضعيفٌ

(11)

.

(1)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 370.

(2)

قوله: (أيضًا) سقط من (ن).

(3)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 372.

(4)

ينظر: الاختيارات ص 470، الفروع 10/ 403.

(5)

في (م): القول.

(6)

قوله: (عن) سقط من (ن).

(7)

قوله: (ابن عياش) سقط من (م)، وفي (ن): ابن عباس.

(8)

في (م): كريب الأملوي.

(9)

في (ن): عباس.

(10)

في (ظ) و (ن): السامي.

(11)

لم نقف على هذه الآثار.

ص: 791

وفي «الرِّعاية» : أنَّه مكروهٌ، نَصَّ عَلَيهِ

(1)

.

ويَحرُمُ على الأصحِّ أنْ يُذكَرَ عَلَيهِ اسمُ غير

(2)

الله.

ونَقَلَ عبدُ الله: لا يُعجِبُنِي ما ذُبِحَ للزُّهرة والكواكبِ والكنيسة، وكلُّ شَيءٍ ذُبِحَ لغَيرِ الله، وذَكَرَ الآيةَ

(3)

.

وعُلِمَ منه: أنَّ ما ذَبَحَه مُسلِمٌ لكتابيٍّ أوْ مَجُوسيٍّ مِنْ ذلك؛ فإنَّه يَحِلُّ، نَصَّ عَلَيهِ

(4)

.

(وَمَنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا، فَوَجَدَ فِي بَطْنِهِ جَرَادًا)، أوْ سمكةً في بطَنِ أخْرى، (أَوْ طَائِرًا فَوَجَدَ فِي حَوْصَلَتِهِ حَبًّا، أَوْ وَجَدَ

(5)

الْحَبَّ فِي بَعَرِ الْجَمَلِ؛ لَمْ يَحْرُمْ)، صحَّحه المؤلِّفُ والجَدُّ، ونَصَرَه في «الشَّرح»؛ لقوله عليه السلام: «أُحِلَّ لنا مَيْتَتانِ ودَمَانِ

» الخبرَ

(6)

، ولأِنَّه حَيَوانٌ طاهِرٌ في مَحَلٍّ طاهِرٍ، لا يُعتَبَرُ له ذكاة، فأُبِيحَ كالطَّافي.

(وَعَنْهُ: يَحْرُمُ)؛ لأِنَّه رَجِيعٌ، فيكُونُ مُسْتَخْبَثًا.

وفي «عيون المسائل» : يَحرُمُ جَرادٌ في بطْنِ سَمَكٍ؛ لأِنَّه مِنْ صَيدِ البَرِّ، ومَيْتَتُه حرامٌ، لا العَكْسُ؛ كَحِلِّ مَيْتةِ صَيدِ البَحْر.

تنبيهٌ: يَحرُمُ بَولٌ طاهِرٌ؛ كرَوثِه، وأباحه القاضِي، وذَكَرَ رِوايَةً في بَولِ الإبل، وِفاقًا لمحمَّدِ بنِ الحَسَن

(7)

، ونَقَلَ الجماعةُ فيه: لا

(8)

، وكلامُه في

(1)

ينظر: أحكام أهل الملل ص 370.

(2)

قوله: (غير) سقط من (م).

(3)

ينظر: مسائل عبد الله ص 266.

(4)

ينظر: مسائل ابن منصور 8/ 4031، أحكام أهل الملل ص 374، زاد المسافر 4/ 6.

(5)

في (م): وجدت.

(6)

سبق تخريجه 9/ 756 حاشية (3).

(7)

ينظر: الأصل للشيباني 1/ 24.

(8)

ينظر: الفروع 10/ 404.

ص: 792

الخِلاف يَدُلُّ على حِلِّ بَولِه ورَوْثِه؛ لأِنَّه معتادٌ

(1)

تَحلُّله

(2)

كاللَّبَن، وبأنَّه

(3)

تَبَعٌ للَّحم، واحْتَجَّ في «الفُصول» بإباحةِ شُرْبِه كاللَّبَن، ودَلَّتْ على الوَصْفِ قِصَّةُ العُرنيين

(4)

.

(1)

في (ن): يعتاد.

(2)

في (ظ): يحلله، وفي (م): تخلله.

(3)

في (م): ولأنه.

(4)

أخرجها البخاري (233)، ومسلم (1671).

ص: 793