المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله * * ‌ ‌(باب الاحداث التى - المجموع شرح المهذب - ط المنيرية - جـ ٢

[النووي]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

*

* ‌

(باب الاحداث التى تنقض الوضوء)

* [الاحداث التى تنقض الوضوء خمسة: الخارج من السبيلين والنوم والغلبة علي العقل بغير النوم ولمس النساء ومس الفرج: فأما الخارج من السبيلين فانه ينقض الوضوء لقوله تعالي: (أو جاء أحد منكم من الغائط): ولقوله صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ إلَّا من صوت أو ريح)][الشَّرْحُ] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَوْ هَذِهِ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ قَالَ وَهِيَ وَاوُ الْحَالِ

ص: 2

وأنشد فيه ابياتا قال ولايجوز فِي الْآيَةِ غَيْرُ مَعْنَى الْوَاوِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ التَّأْوِيلُ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي مَسْأَلَةِ مُلَامَسَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ تَقْدِيرُهَا إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامستم النساء فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلِكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا قَالَ وزيد ابن أَسْلَمَ مِنْ الْعَالِمِينَ بِالْقُرْآنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَدَّرَ الْآيَةَ تَوْقِيفًا مَعَ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي الْآيَةِ لابد مِنْهُ فَإِنَّ نَظْمَهَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَرَضَ وَالسَّفَرَ حَدَثَانِ يُوجِبَانِ الْوُضُوءَ وَلَا يَقُولُهُ

أَحَدٌ: وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه بِقَرِيبٍ مِنْ مَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي بَطْنِهِ شَيْئًا فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أخرج منه شئ أَمْ لَا فَلَا يَخْرُجَنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَثَبَتَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه قَالَ شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه أنه يجد الشئ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا رَوَاهُ

ص: 3

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى يَجِدَ رِيحًا يَعْلَمُهُ وَيَتَحَقَّقُ خُرُوجَهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ يَشُمُّهُ وَالْأَحَادِيثُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الَّذِي ذَكَرَهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ أَوْ دُبُرِهِمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ سَوَاءٌ كَانَ غَائِطًا أَوْ بَوْلًا أَوْ رِيحًا أَوْ دُودًا أَوْ قَيْحًا أَوْ دَمًا أَوْ حَصَاةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ النَّادِرِ وَالْمُعْتَادِ وَلَا فَرْقَ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ بَيْنَ قُبُلِ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَدُبُرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ خُرُوجُ الرِّيحِ مِنْ قُبُلِ الرَّجُلِ إذَا كَانَ آدَرَ وَهُوَ عَظِيمُ الْخُصْيَيْنِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي مَذْهَبِنَا وَلَا يستثنى من الخارج الا شئ وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَنِيُّ فَإِنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالُوا لِأَنَّ الْخَارِجَ الْوَاحِدَ لَا يُوجِبُ طَهَارَتَيْنِ وَهَذَا قَدْ أَوْجَبَ الْجَنَابَةَ فَيَكُونُ جُنُبًا لا محدثا قال الرافعى لان الشئ مَهْمَا أَوْجَبَ أَعْظَمَ الْأَثَرَيْنِ بِخُصُوصِهِ لَا يُوجِبُ أوهنهما بعمومه كزني الْمُحْصَنِ يُوجِبُ أَعْظَمَ الْحَدَّيْنِ دُونَ أَخَفِّهِمَا وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَيَكُونُ جُنُبًا مُحْدِثًا وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (2) الْجُمْهُورَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَغُسْلٌ أَنَّهُ يَكُونُ جُنُبًا لَا مُحْدِثًا وهناك ذكر الْجُمْهُورِ الْمَسْأَلَةَ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رحمه الله الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا فَمُرَادُهُ بِالطَّاهِرِ الدُّودُ وَالْحَصَا وَشِبْهُهُمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْجَسُ بِالْمُجَاوَرَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَعْمِيمِ الْأَئِمَّةِ الْقَوْلَ فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنَّ هَذَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ تَصْرِيحُهُمْ فِي تَصْوِيرِ الْجَنَابَةِ الْمُفْرَدَةِ عَنْ الْحَدَثِ عَلَى أَنَّ مَنْ

أَنْزَلَ بِمُجَرَّدِ النَّظَرِ فَهُوَ جُنُبٌ غَيْرُ مُحْدِثٍ: وَأَمَّا أَدِلَّةُ الِانْتِقَاضِ بِكُلِّ خَارِجٍ مِنْ السَّبِيلَيْنِ غَيْرَ الْمَنِيِّ فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ: أَمَّا الْغَائِطُ فَبِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْبَوْلُ فَبِالسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْقِيَاسِ عَلَى الْغَائِطِ: وَأَمَّا الرِّيحُ فبالاحاديث الصحيحة التي قدمناها وهى عامة تتناول

(1) هذا الذي نقله صاحب البيان وغيره قد صرح به القاضي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ اه من هامش الاذرعى (2) أقول ما قاله القاضي يشهد له ظاهر نصه في الام فانه ذكر جملا مما ينقض الوضوء ثم قال وكل ما خرج من واحد من الفروج ففيه الوضوء وقال قبله فدلت السنة على الوضوء من المذى والبول مع دلالتها على الوضوء من خروج الريح فلم يجز الا ان يكون جميع ما خرج من ذكر أو دبر رجل أو امرأة أو قبل المرأة الذى هو سبيل الحدث يوجب الوضوء اه اذرعي

ص: 4

الرِّيحَ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدُبُرِهِمَا: وَأَمَّا المذى والودى والدود وغيرهما مِنْ النَّادِرَاتِ فَسَنَذْكُرُ دَلِيلَهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ خَمْسَةٌ وَهَكَذَا ذَكَرَهَا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَبَقِيَ مِنْ النَّوَاقِضِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْآخَرَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا فَالْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ انْقِطَاعُ الْحَدَثِ الدَّائِمِ (1) كَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ صَاحِبَهُ إذَا تَوَضَّأَ حُكِمَ بِصِحَّةِ وُضُوئِهِ فَلَوْ انْقَطَعَ حَدَثُهُ وَشُفِيَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَوَجَبَ وُضُوءٌ جَدِيدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي باب الحيض ان شاء الله تعالى: وَالْمُخْتَلَفُ فِيهِ نَزْعُ الْخُفِّ وَفِيهِ خِلَافٌ تَقَدَّمَ وَاضِحًا وَالْأَصَحُّ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا نَزَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ وَهَلْ يَعُودُ إلَى الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا أَمْ إلَى الرِّجْلَيْنِ فَقَطْ فِيهِ الْقَوْلَانِ: وَالثَّالِثُ الرِّدَّةُ (2) وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّهَا تُبْطِلُ التَّيَمُّمَ دُونَ الْوُضُوءِ: وَالثَّانِي تُبْطِلُهُمَا وَالثَّالِثُ لَا تُبْطِلُ وَاحِدًا مِنْهُمَا حَكَاهَا الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ مَسْأَلَةَ الْخُفِّ وَانْقِطَاعِ الْحَدَثِ الدَّائِمِ مِنْ النَّوَاقِضِ فِي هَذَا الْبَابِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَلَعَلَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَذْكُرُوهُمَا هُنَا لِكَوْنِهِمَا مُوَضَّحَتَيْنِ فِي بَابَيْهِمَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الرِّدَّةِ فَالنَّقْضُ فِي الْوُضُوءِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ لَمْ يَعْرُجُوا عَلَيْهِ هُنَا: وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ

بِبُطْلَانِ التَّيَمُّمِ بِالرِّدَّةِ ذَكَرَهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ

* وَاحْتَجَّ لِإِبْطَالِ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِبَادَةٌ لَا تَصِحُّ مَعَ الرِّدَّةِ ابْتِدَاءً فَلَا تَبْقَى مَعَهَا دَوَامًا كَالصَّلَاةِ إذَا ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا وَلِعَدَمِ الْإِبْطَالِ بِأَنَّهَا رِدَّةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الْعِبَادَةِ فَلَمْ تُبْطِلْهَا كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُمَا وَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ بِقُوَّةِ الوضوء

(1) ونقل ابن كج وجهين في ان لمس الميت يوجب الوضوء أم لا ذكرهما من فرع قبل كتاب الحيض من كتابه وفى ايراد انقطاع الحدث الدائم نظن لانه ما ارتفع حدثه وانما هو مسح كالتيمم اه اذرعى (2) قال ابن كج في كتاب التيمم فرع قال الشافعي ولو تيمم ثم ارتد بطل تيممه قال وان توضأ ثم ارتد لم يبطل وضوءه قال ابن كج والجواب

* ان لافصل بينهما متى رجع عن قرب فيها وتأويل مسألة التيمم انه اقام في الردة طويلا فوجب عليه أن يحدث طلبا وتيمما مجددا لان سبيل التيمم ان يكون خلفه صلاة الفريضة ومن اصحابنا من قال بظاهر قول الشافعي وفصل بينهما بان التيمم قد اتخفضت مزيته عن مزية الوضوء الا ترى انه يبطل برؤية الماء ولا يجمع بين فرضين ولا يجوز قبل دخول الوقت اه اذرعى

ص: 5

وَضَعْفِ التَّيَمُّمِ وَأَمَّا إذَا اغْتَسَلَ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَلَوْ ارتد في اثناء وضوءه ثم اسلم فان أتي بشئ مِنْهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ لَمْ يَصِحَّ مَا أَتَى بِهِ فِي الرِّدَّةِ: كَذَا قَطَعَ بِهِ امام الحرمين وغيره ويجيئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ الَّذِي سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ عَنْ حِكَايَةِ الْمَحَامِلِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ مِنْ كُلِّ كَافِرٍ كُلُّ طَهَارَةٍ وَإِنْ لَمْ يأت بشئ فَقَدْ انْقَطَعَتْ النِّيَّةُ فَإِنْ لَمْ تُجَدَّدْ نِيَّةٌ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ وَإِنْ جَدَّدَهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَقُلْنَا لَا يَبْطُلُ الْوُضُوءُ بِالرِّدَّةِ انْبَنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي تَفْرِيقِ النِّيَّةِ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ قُلْنَا يَضُرُّ اسْتَأْنَفَ الْوُضُوءَ وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الْفَصْلُ قَرِيبًا بَنَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُوَالَاةِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ أَحْدِ السَّبِيلَيْنِ

يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ نَادِرًا أَوْ مُعْتَادًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِخُرُوجِ الْغَائِطِ مِنْ الدُّبُرِ وَالْبَوْلِ من القبل والريح من الدبر والمذى قال ودم الاستحاضة ينقض في قوله عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا رَبِيعَةَ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي الدُّودِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ فَكَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ

ص: 6

وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو مِجْلَزٍ وَالْحَكَمُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ يَرَوْنَ مِنْهُ الْوُضُوءَ وَقَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِيهِ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا وُضُوءَ فِي الدَّمِ يَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ أَنَّ النَّادِرَ لَا يَنْقُضُ وَالنَّادِرُ عِنْدَهُ كَالْمَذْيِ يَدُومُ لَا بِشَهْوَةٍ فَإِنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ فَلَيْسَ بَنَادِرِ وَقَالَ دَاوُد لَا يَنْقُضُ النَّادِرُ وَإِنْ دَامَ إلَّا الْمَذْيَ لِلْحَدِيثِ

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّادِرِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْمُتَقَدِّمِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَقَوْلُهُ لَا نَنْزِعُ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ وَلِأَنَّهُ نادر فلم ينقض كالقئ وَكَالْمَذْيِ الْخَارِجِ مِنْ سَلَسِ الْمَذْيِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمَذْيِ (يغسل ذكره ويتوضأ وفى رواية فيه الوضوء: وَفِي رِوَايَةٍ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَا (فِي الْوَدْيِ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ فَنَقَضَ كَالرِّيحِ وَالْغَائِطِ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْوُضُوءُ بِالْمُعْتَادِ الَّذِي تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى فَغَيْرُهُ أَوْلَى: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حَصْرَ نَاقِضِ الْوُضُوءِ فِي الصَّوْتِ وَالرِّيحِ بَلْ الْمُرَادُ نَفْيُ وُجُوبِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ فِي خُرُوجِ الرِّيحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ صَفْوَانَ فَبَيَّنَ فِيهِ جَوَازَ الْمَسْحِ وَبَعْضَ مَا يُمْسَحُ بِسَبَبِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ بَيَانَ جَمِيعِ النَّوَاقِضِ وَلِهَذَا لَمْ يَسْتَوْفِهَا أَلَا تَرَاهُ لَمْ يَذْكُرْ الرِّيحَ وَزَوَالَ الْعَقْلِ وَهُمَا مِمَّا ينقض بالاجماع: وأما القئ فَلِأَنَّهُ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ فَلَمْ يَنْقُضْ كَالدَّمْعِ: وأما سلس المذى فللضررة وَلِهَذَا نَقُولُ هُوَ مُحْدِثٌ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ وَلَا يَتَوَضَّأُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَهَذَا مَا نَعْتَمِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ دَلِيلًا وَجَوَابًا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ) فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم

قَالَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَثْبُتُ وَاَللَّهُ أعلم

*

ص: 7

(فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ خُرُوجَ الرِّيحِ مِنْ قُبُلَيْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَبِهِ قَالَ احمد ومحمد ابن الحسن وقال أبو حنيفة لا ينقض قال المصنف رحمه الله

* [فان انْسَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ انتقض الوضوء بالخارج منه لانه لابد للانسان من مخرج يخرج منه البول والغائط فإذا انسد المعتاد صار هذا هو المخرج فانتقض الوضوء بالخارج منه وان انفتح فوق المعدة فقيه قولان أحدهما ينتقض الوضوء بالخارج منه لما ذكرناه وقال في حرملة لا ينتقض لانه في معنى القئ وان لم ينسد المعتاد وانفتح فوق المعدة لم ينتقض الوضوء بالخارج منه وان كان دون المعدة ففيه وجهان أحدهما لا ينتقض الوضوء بالخارج منه لان ذلك كالجائفة فلا ينتقض الوضوء بما يخرج منه: والثاني ينتقض لانه مخرج منه الغائط فهو كالمعتاد][الشَّرْحُ] الْمَعِدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِمَا تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَبِمَا فَوْقَ الْمَعِدَةِ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَلَوْ انْفَتَحَ فِي نَفْسِ السُّرَّةِ أَوْ فِي مُحَاذَاتِهَا فَلَهُ حُكْمُ مَا فَوْقَهَا لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (1) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَرْبَعَ صُوَرٍ إحْدَاهَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَيَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْخَارِجِ مِنْهُ قَوْلًا وَاحِدًا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فحكي عن ابي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْسَدَّ (2) قَالَ وَأَنْكَرَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَنَسَبُوهُ إلَى الْغَفْلَةِ فِيهِ: الثَّانِيَةُ يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ بِالِانْتِقَاضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ: الثَّالِثَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ تَحْتَ الْمَعِدَةِ فَفِي الِانْتِقَاضِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ مِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَالْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ (3) : الرَّابِعَةُ لَا يَنْسَدُّ الْمُعْتَادُ وَيَنْفَتِحُ فَوْقَ الْمَعِدَةِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ قَوْلًا وَاحِدًا مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ

وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وقال الشيخ أبو حامد والبندنيحي وَالْمَحَامِلِيُّ إنْ قُلْنَا فِيمَا إذَا انْسَدَّ الْأَصْلِيُّ وَانْفَتَحَ فَوْقَ الْمَعِدَةِ لَا يُنْقَضُ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَكْثَرِينَ وَأَنَّ صَاحِبَ الْمُهَذَّبِ خَالَفَهُمْ وَلَيْسَ كما قال والله أعلم

*

(1) قلت قال بن يونس في شرحه للتعجيز هنا المعدة بين الصدر والسرة وقال صاحب الذخائر فان قيل ما حد المعدة حتى نتبين فوقها ودونها قلنا حد المعدة من السرة إلى ثغرة الصدر فما كان دون السرة فهو دون المعدة وما كان فوق ثغرة الصدر فهو فوق المعدة انتهى لفظه ونقله هذا عن الامام لم اره في النهاية في هذا الموضع صريحا وانما تكلم على المنفتح تحت المعدة وفوقها وفيها ولم يصرح بمحلها انه محاذى للسرة ولا لغيره فالله اعلم ما في الاذرعى (2) قلت وافقه على ذلك أبو الفضل ابن عبدان كذا نقله الرافعى في شرحه الصغير اه اذرعى (3) وقال الرويانى في البحر المذهب المشهور انه لا ينتقض ومن اصحابنا من قال فيه قولان مخرجان انتهى وقطع المحاملى في المقنع بانه ينقض فصار في المسألة ثلاثة طرق اه من هامش الاذرعي

ص: 8

(فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: إحْدَاهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ وَالتَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَخْرَجِ الْمُنْفَتِحِ هِيَ إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْمَخْرَجِ عَارِضًا لِعِلَّةٍ قَالَ وَحِينَئِذٍ حُكْمُ السَّبِيلَيْنِ جَارٍ عَلَيْهِمَا فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِمَا وَوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِمَا فَأَمَّا إذَا كَانَ انْسِدَادُ الْأَصْلِيِّ مِنْ أَصْلِ الْخِلْقَةِ فَسَبِيلُ الْحَدَثِ هو المنفتح وَالْخَارِجُ مِنْهُ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ سَوَاءٌ كَانَ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَالْمُنْسَدُّ كَالْعُضْوِ الزَّائِدِ مِنْ الْخُنْثَى لَا وُضُوءَ بِمَسِّهِ وَلَا غُسْلَ بِإِيلَاجِهِ وايلاج فِيهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ أَوْ مُخَالَفَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) لَا فَرْقَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُنْفَتِحِ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْقُبُلِ وَالدُّبُرِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَكَمْنَا فِي مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ بِالِانْتِقَاضِ بِالْخَارِجِ فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُمَا كَدَمٍ أَوْ قَيْحٍ أَوْ حَصَاةٍ

وَنَحْوِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْهُمْ أَصَحُّهُمَا الِانْتِقَاضُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا فِي الْأَصْلِيِّ بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ وَخَالَفَ الْبَغَوِيّ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْأَصْلِيِّ لِلضَّرُورَةِ لِكَوْنِ الْإِنْسَانِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمُعْتَادُ فَإِذَا خَرَجَ غَيْرُ الْمُعْتَادِ عُدْنَا إلَى الْأَصْلِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْهُ الرِّيحُ انْتَقَضَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ وَطَرَدَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ (الرَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِالْخَارِجِ هَلْ يَكْفِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ فِيهِ بِالْحَجَرِ أَمْ يتعين الماء فيه ثلاثة أوجه (1) أصحهما يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَتَعَيَّنُ فِي الْخَارِجِ النَّادِرِ دُونَ الْمُعْتَادِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْقُضُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِإِزَالَةِ هَذِهِ النَّجَاسَةِ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ قُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ هَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ وَالْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْخِلَافُ عَلَى بُعْدِهِ لَا يَتَعَدَّى أَحْكَامَ الْحَدَثِ فلا يثبت بالايلاج فيه شئ من احكام الوطئ سِوَى الْغُسْلِ عَلَى وَجْهٍ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مَعَ الْإِمَامِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ الْحَدِّ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وذكر صاحب البيان ان الوجهين

(1) قال في الروضة فيه ثلاثة اقوال وقبل اه اذرعى اوجهه

ص: 9

يَجْرِيَانِ فِي وُجُوبِ الْمَهْرِ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ وَحُصُولِ التَّحْلِيلِ بِهِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَطَرَدَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ الْوَجْهَيْنِ فِي المهر وسائر احكام الوطئ (قُلْتُ) وَكُلُّ هَذَا شَاذٌّ فَاسِدٌ: (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ فَوْقَ سُرَّةِ الرَّجُلِ وَنَقَضْنَا بِهِ فَفِي وُجُوبِ سَتْرِهِ وَحِلِّ النَّظَرِ إلَيْهِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ السَّتْرُ وَيَحِلُّ النَّظَرُ لِأَنَّهُ ليس في محل العورة قال الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ لَوْ حَاذَى السُّرَّةَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَيْسَتْ عَوْرَةً (السَّابِعَةُ) إذَا نَقَضْنَا بِخُرُوجِ الرِّيحِ مِنْهُ فَنَامَ مُلْصِقًا لَهُ بِالْأَرْضِ فَفِي انْتِقَاضِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ

* (فَرْعٌ)

الْخُنْثَى الَّذِي زَالَ اشكله إذا خرج من فرجه الزائد شئ فَلَهُ حُكْمُ الْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ: وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا بَالَ مِنْ أَحَدِ قُبُلَيْهِ (1) فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ كَالْمُنْفَتِحِ تَحْتَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ (2) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ زَائِدٌ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي

وَالْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَقَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِالِانْتِقَاضِ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (3) وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ ذَكَرَهُ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى فَرْجَهُ وَإِذَا بَالَ مِنْهُمَا تَوَضَّأَ قَطْعًا

* (فَرْعٌ)

لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ ذكران فخرج من احدهما شئ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ: ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: (فَرْعٌ)

إذَا خَرَجَ دَمٌ مِنْ الْبَاسُورِ إنْ كَانَ دَاخِلَ الدُّبُرِ نَقَضَ الْوُضُوءَ وَإِنْ كَانَ الْبَاسُورُ خَارِجَ الدُّبُرِ لَمْ يَنْقُضْ هَكَذَا ذَكَرَهُ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ (4)

* (فَرْعٌ لَوْ أَخْرَجَتْ دُودَةٌ رَأْسَهَا مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ ثُمَّ رَجَعَتْ قَبْلَ انْفِصَالِهَا فَفِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا يَنْتَقِضُ لِلْخُرُوجِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ الِانْفِصَالِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان ادخل في احليله مسبارا وأخرجه أو زرق فيه شيئا وخرج منه انتقض وضوءه]

(1) لفظ الامام في النهاية فرع خروج الخارج من احد سبيلى الخنثي المشكل بمثابة خروج نجاسة من سبيل ينفتح اسفل من المعدة وقد مضى (2) قال في البيان ومن عادته ان يبول منهما في بعض الحالات انتهى والعجب من المصنف اهمال هذا مع انه من تمام تصوير المسألة مع وقوفه على كلام البيان فيه وهو متعين في التصوير لابد منه بلا شك (3) وقال لعله بناه على الاصح عنده يعني ان الخارج من منفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض اه اذرعى (4) ونقله ابن كج عن النص اه

ص: 10

[الشَّرْحُ] الْإِحْلِيلُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ هُوَ مَجْرَى الْبَوْلِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْمِسْبَارُ بِكَسْرِ الْمِيم وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَ السِّينِ وَهُوَ مَا يُسْبَرُ بِهِ الْجُرْحُ مِنْ حَدِيدَةٍ أَوْ مَيْلٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَيْ يُعْرَفُ بِهِ غَوْرُ الْجُرْحِ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا السِّبَارُ بِكَسْرِ السِّينِ وَحَذْفِ الْمِيمِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَيُقَالُ سَبَرْتُ الْجُرْحَ أَسْبُرُهُ سَبْرًا كَقَتَلْتُهُ أَقْتُلُهُ قَتْلًا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا أَدْخَلَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ

فِي قُبُلِهِمَا أَوْ دُبُرِهِمَا شَيْئًا مِنْ عُودٍ أَوْ مِسْبَارٍ أَوْ خَيْطٍ أَوْ فَتِيلَةٍ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ خَرَجَ انتقض الوضوء سواء اختلط به غيره أَمْ لَا: وَسَوَاءٌ انْفَصَلَ كُلُّهُ أَوْ قِطْعَةٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ السَّبِيلِ وَأَمَّا مُجَرَّدُ الْإِدْخَالِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ غَيَّبَ بَعْضَ الْمِسْبَارِ فَلَهُ أَنْ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَلَوْ صَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لَا بِسَبَبِ الْوُضُوءِ بَلْ لِأَنَّ الطَّرَفَ الدَّاخِلَ تَنَجَّسَ وَالظَّاهِرُ لَهُ حُكْمُ ثَوْبِ الْمُصَلِّي فَيَكُونُ حَامِلًا لِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ فَلَوْ غَيَّبَ الْجَمِيعَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالَ لَوْ لَفَّ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً وَأَدْخَلَهَا فِي دُبُرِهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَحَصَلَ وَجْهَانِ وَحَاصِلُهُمَا أَنَّ النَّجَاسَةَ الدَّاخِلَةَ هَلْ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَتَنَجَّسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا الَّذِي لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ أَمْ لَا: وَالْأَشْهَرُ أَنَّ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ وَيَنْجَسُ الْمُتَّصِلُ بِهَا وَفِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ لَا حُكْمَ لَهَا وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا وَالْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا فَرْعًا لَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهُوَ أَنَّهُ لَوْ ابْتَلَعَ خَيْطًا فِي لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَأَصْبَحَ صَائِمًا وَبَعْضُ الخيط خارج مِنْ فَمِهِ وَبَعْضُهُ دَاخِلٌ فِي جَوْفِهِ فَإِنْ نَزَعَ الْخَيْطَ غَيْرُهُ فِي نَوْمِهِ أَوْ مُكْرِهًا لَهُ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَقِيَ الْخَيْطُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِاتِّصَالِهِ بِالنَّجَاسَةِ وَيَصِحُّ صَوْمُهُ: وَإِنْ نَزَعَهُ أَوْ ابْتَلَعَهُ بَطَلَ صَوْمُهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يَغْسِلَ فَمَهُ إنْ نَزَعَهُ: وَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ مُرَاعَاةُ صِحَّةِ الصَّوْمِ (1) أَوْلَى لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ دَخَلَ فِيهَا فَلَا يُبْطِلُهَا قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْقَضَاءِ ثُمَّ بَانَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا قَدْرٌ إذَا اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِ الْقَضَاءِ فَاتَهُ صَلَاةُ الْوَقْتِ يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ فِيهِ (2) فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي فِي مَسْأَلَةِ الْخَيْطِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وَالثَّانِي الصَّلَاةُ أَوْلَى بِالْمُرَاعَاةِ وَلِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ الصِّيَامِ ولانها متعددة فانها ثلاث

(1) قال في الروضة الاصح مراعاة الصلاة وكذا قال في كتاب الصيام في هذا الكتاب ان الاصح مراعاة الصلاة وهذا اولى فان الاصح تفضيل الصلاة على الصوم واما مسألة الفائتة فالاصح انها يجب قطعها والشروع في الحاضره خلاف ما قاله القاضي اه اذرعي (2) هذا مخالف لما جزم به في كتاب الصلاة الجماعة اه اذرعى

ص: 11

صَلَوَاتٍ وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ عَنْ الْقَاضِي كَمَا ذَكَرْتُهَا ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ الْبَقَاءَ عَلَى حَالِهِ

لَا يَصِحُّ بَلْ يَنْزِعُهُ أَوْ يَبْتَلِعُهُ وَيَبْطُلُ صَوْمُهُ لِأَنَّ بُطْلَانَ الصَّوْمِ حَاصِلٌ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّهُ مُسْتَدِيمٌ لِإِدْخَالِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ واستدامته كالابتداء كَمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ فانه يبطل كابتداء الْجِمَاعِ هَذَا كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ مُسْتَدِيمَ الْجِمَاعِ يُعَدُّ مُجَامِعًا مُنْتَهِكًا حُرْمَةَ الْيَوْمِ بِخِلَافِ مُسْتَدِيمِ الْخَيْطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، ونظير الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِحَجٍّ وَهُوَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ وَقَفَ بِهَا وَلَا صَلَّى الْعِشَاءَ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَالْوُقُوفِ إلَّا قَدْرٌ يَسِيرٌ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى فَاتَهُ الْوُقُوفُ وَلَوْ ذَهَبَ إلَى الْوُقُوفِ لَفَاتَتْهُ الصَّلَاةُ وَأَدْرَكَ الْوُقُوفَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى الْوُقُوفِ وَيُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْوُقُوفِ أَشَقُّ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ قَضَاؤُهُ إلَّا بَعْدَ سَنَةٍ وَقَدْ يَعْرِضُ قَبْلَ ذَلِكَ عَارِضٌ وَقَدْ يَعْرِضُ فِي الْقَضَاءِ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْفَوَاتُ أَيْضًا وَقَدْ يَمُوتُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْمَشَقَّةِ الشَّدِيدَةِ فِي تَكْرَارِ هَذَا السَّفَرِ وَلُزُومِ دَمِ الْفَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَالصَّلَاةُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا بِعُذْرِ الْجَمْعِ (1) الَّذِي لَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الْمَشَقَّةُ وَلَا قَرِيبٌ مِنْهَا مَعَ إمْكَانِ قَضَائِهَا فِي الْحَالِ: وَالثَّانِي يُقَدِّمُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا آكَدُ وعلى الفور وهذا ليس بشئ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا: وَالثَّالِثُ يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ مَاشِيًا فَيَحْصُلُ الْحَجُّ وَالصَّلَاةُ جَمِيعًا وَيَكُونُ هَذَا عُذْرًا مِنْ أَعْذَارِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَقَدْ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الْأَوْجُهَ فِي باب صلاة الْخَوْفِ عَنْ الْقَفَّالِ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا النَّوْمُ فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ مُضْطَجِعٌ أَوْ مُكِبٌّ أَوْ مُتَّكِئٌ انْتَقَضَ وضوءه لما روى عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَمَحَلُّ الْحَدَثِ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ وَلِأَنَّ مَا نَقَضَ الْوُضُوءَ فِي حَالِ الِاضْطِجَاعِ نَقَضَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ كَالْإِحْدَاثِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ فَيَنَامُونَ قُعُودًا ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أن

(1) التأخير يعذر الجمع وان كان مشقته اهون فان المأخرة تكون به اداء بخلاف مسألة الوقوف اه اذرعى

ص: 12

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ نَامَ جَالِسًا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَمَنْ وَضَعَ جَنْبَهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَيُخَالِفُ الْأَحْدَاثَ فَإِنَّهَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِعَيْنِهَا وَالنَّوْمُ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ يَصْحَبُهُ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَذَلِكَ لَا يُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ وَيُحِسُّ بِهِ إذَا نَامَ جَالِسًا: وَإِنْ نَامَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَوْ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ في الجديد ينتقض لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَلِأَنَّهُ نَامَ زَائِلًا عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ فَأَشْبَهَ الْمُضْطَجِعَ وَقَالَ في القديم لا ينتقض لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا نَامَ الْعَبْدُ فِي صَلَاتِهِ بَاهَى اللَّهُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ يقول عبدي روحه عندي وجسده ساجدا بَيْنَ يَدَيَّ) فَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لَمَا جَعَلَهُ ساجدا]

* [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَاللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ وَالْأَحْكَامِ وَبَيَانُهَا مَعَ فُرُوعِهَا بِمَسَائِلَ: إحْدَاهَا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه فصحيح رواه مسلم فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنَامُونَ ثُمَّ يصلون ولا يتوضأون رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ إلَّا قَوْلَهُ قُعُودًا فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ لَكِنْ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَقَالَ حَتَّى تَخْفِقَ رؤسهم وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينامون ثم يصلون ولا يتوضأون عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَقَدْ رَأَيْتُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوقَظُونَ لِلصَّلَاةِ حَتَّى إنِّي لَأَسْمَعُ لِأَحَدِهِمْ غَطِيطًا ثُمَّ يقومون فيصلون ولا يتوضأون: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُبَاهَاةِ بِالسَّاجِدِ فَيُرْوَى مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ الْمُكِبُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْكَافِ يُقَالُ أَكَبَّ

ص: 13

فُلَانٌ عَلَى وَجْهِهِ وَكَبَبْتُهُ أَنَا لِوَجْهِهِ إذَا صَرَعْتُهُ لِوَجْهِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (أَفَمَنْ يَمْشِي مكبا على وجهه)

قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالتَّصْرِيفِ هَذَا مِنْ النَّادِرَاتِ ان يقال أفعلت انا وفعلت غيرى وقوله أو متكئا هو بهمزة آخِرِهِ وَالْوِكَاءُ بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْخَيْطُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ رَأْسُ الْوِعَاءِ وَالسَّهِ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ الْمُخَفَّفَةِ وَهِيَ الدُّبُرُ وَمَعْنَاهُ الْيَقَظَةُ وِكَاءُ الدُّبُرِ أَيْ حَافِظَةٌ مَا فيه من الخروج أي مادام.

الْإِنْسَانُ مُسْتَيْقِظًا فَإِنَّهُ يُحِسُّ بِمَا يَخْرُجُ مِنْهُ فَإِذَا نَامَ زَالَ ذَلِكَ الضَّبْطُ وَقَوْلُهُ يُحِسُّ بِهِ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ) وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْحَاءِ: قَوْلُهُ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ أَيْ عَنْ اسْتِوَائِهِ وَأَصْلُ الْمُبَاهَاةِ الْمُفَاخَرَةُ وَالرُّوحُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ لُغَتَانِ وَمَذْهَبُ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهَا أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ أَمَّا عَلِيٌّ رضي الله عنه فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَنَسٌ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَعَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَالْبُوَيْطِيُّ فِي الْبَابِ الثَّانِي مِنْ الْكِتَابِ (الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِي النَّوْمِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لِلشَّافِعِيِّ الصَّحِيحُ مِنْهَا مِنْ حَيْثُ الْمَذْهَبُ وَنَصُّهُ فِي كُتُبِهِ وَنَقْلِ الْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلُ أَنَّهُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُمَكِّنًا انْتَقَضَ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كان في الصلاة وغيرها: والثاني انه ينقض بكل حال وهذا نصه في البويطي: والثالث إنْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَنْتَقِضْ عَلَى أَيِّ هَيْئَةٍ كَانَ وَإِنْ نَامَ فِي غَيْرِهَا غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ: وَالرَّابِعُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَهُوَ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ: وَالْخَامِسُ إنْ نَامَ مُمَكِّنًا أَوْ قَائِمًا لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِلَّا انْتَقَضَ حَكَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى أَوَّلَهُمَا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْخَمْسَةِ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ بشئ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا وَسَأَبْسُطُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* وَتَأَوَّلَ أَصْحَابُنَا نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قال الائمة

ص: 14

غَلَطَ الْبُوَيْطِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ لَيْسَ بِجَيِّدٍ وَالْبُوَيْطِيُّ يَرْتَفِعُ عَنْ التَّغْلِيطِ بَلْ الصَّوَابُ تَأْوِيلُ النَّصِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: قَالَ وَمَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا

فَلْيَتَوَضَّأْ وَإِنْ نَامَ قَائِمًا فَزَالَتْ قَدَمَاهُ عَنْ مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَإِنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ عَنْ مَوْضِعِ جُلُوسِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَمَنْ شَكَّ أَنَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أو لم ينم فليس عليه شئ حتى يستيقن النوم فان ذكر أنه رأى رُؤْيَا وَشَكَّ أَنَامَ أَمْ لَا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ لِأَنَّ الرُّؤْيَا لَا تَكُونُ إلَّا بِنَوْمٍ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمِنْهُ نَقَلْتُهُ: فَقَوْلُهُ إنْ نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ مَقْعَدَتُهُ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ تَزُلْ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَيُتَأَوَّلُ بَاقِي كَلَامِهِ عَلَى النَّائِمِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ (1) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

إذَا نَامَ فِي صَلَاتِهِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهَا وَلَوْ نَامَ فِي الصَّلَاةِ غَيْرَ مُمَكِّنٍ إنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ الضَّعِيفِ فَصَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ صَحِيحَانِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ بَطَلَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا لَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا لِمَرَضٍ فَنَامَ فَفِي بُطْلَانِ وُضُوئِهِ الْقَوْلَانِ لِأَنَّ عِلَّةَ مَنْعِ انْتِقَاضِ وُضُوءِ الْمُصَلِّي عَلَى الْقَدِيمِ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ وَالتَّفْرِيعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ نَوْمَ الْمُمَكِّنِ لَا يُنْقِضُ وَغَيْرُهُ يُنْقِضُ: إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُسْتَحَبُّ لِلنَّائِمِ مُمَكِّنًا أَنْ يَتَوَضَّأَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ حَدَثٍ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ: (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالنُّعَاسِ وَهُوَ السِّنَةُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَدَلِيلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي يُصَلِّي فِي اللَّيْلِ فَقُمْتُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَجَعَلَنِي فِي شِقِّهِ الْأَيْمَنِ فَجَعَلْتُ إذَا أَغْفَيْتُ يَأْخُذُ بِشَحْمَةِ أُذُنِي فَصَلَّى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْفَرْقُ بَيْنَ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ أَنَّ النَّوْمَ فِيهِ غَلَبَةٌ على العقل وسقوط

(1) لكن التأويل لا يتأتى فيما افهمه قوله وان نام قائما فزالت قدماه من موضع قيامه فعليه الوضوء لانه يقتضي ان لا وضوء عليه إذا لم تزل قدماه لكن يعارضه قوله بعد وَمَنْ نَامَ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا فَرَأَى رُؤْيَا فعليه الوضوء لان هذا يقتضي ان عليه الوضوء وان لم تزل قدماه وطريق الجمع بينهما ان زوال القدم والرؤيا يقتضيان الاستغراق في النوم بخلاف مااذا لم ير رؤيا ولم تزل قدماه وحينئذ لا يتحقق النوم الناقض بل هو نعاس وسنة وعليه يحمل ذلك المفهوم وهذا متعين به والله اعلم اه اذرعى

ص: 15

حَاسَّةِ الْبَصَرِ وَغَيْرِهَا وَالنُّعَاسُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الْعَقْلِ وَإِنَّمَا تَفْتُرُ فِيهِ الْحَوَاسُّ بِغَيْرِ سُقُوطٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ النَّوْمِ مَا يَزُولُ بِهِ الِاسْتِشْعَارُ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ اسْتِرْخَاءِ الْمَفَاصِلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ النُّعَاسُ يَغْشَى الرَّأْسَ فَتَسْكُنُ بِهِ الْقُوَى الدِّمَاغِيَّةُ وَهُوَ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَمَنْبِتُ الْأَعْصَابِ فَإِذَا فَتَرَتْ فَتَرَتْ الْحَرَكَاتُ الْإِرَادِيَّةُ وَابْتِدَاؤُهُ مِنْ أَبْخِرَةٍ تَتَصَعَّدُ فَتُوَافِي أَعْبَاءً مِنْ قُوَى الدِّمَاغِ فَيَبْدُو فُتُورٌ فِي الْحَوَاسِّ فَهَذَا نُعَاسٌ وَسِنَةٌ فَإِذَا تَمَّ انْغِمَارُ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ فَهَذَا أَوَّلُ النَّوْمِ ثُمَّ تَتَرَتَّبُ غَلَبَةُ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ وَاسْتِرْخَاؤُهَا وَذَلِكَ غَمْرَةُ النَّوْمِ قَالَ وَلَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِالْغَفْوَةِ وَإِذَا تَحَقَّقْنَا النَّوْمَ لَمْ نَشْتَرِطْ غَايَتَهُ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَقَضَ وُضُوءَ النَّائِمِ قَائِمًا وَلَوْ تَنَاهَى نَوْمُهُ لَسَقَطَ: هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ عَلَامَاتِ النُّعَاسِ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ مَنْ عِنْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ قَالُوا وَالرُّؤْيَا مِنْ عَلَامَاتِ النَّوْمِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ فَلَوْ تَيَقَّنَ الرُّؤْيَا وَشَكَّ فِي النَّوْمِ انْتَقَضَ إذَا لَمْ يكن ممكنا فان خطر بباله شئ فَشَكَّ أَكَانَ رُؤْيَا أَمْ حَدِيثَ نَفْسٍ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَلَوْ شَكَّ أَنَام أَمْ نَعَسَ وَقَدْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يَتَوَضَّأَ: الثَّالِثَةُ لَوْ تَيَقَّنَ النَّوْمَ وَشَكَّ هَلْ كَانَ مُمَكِّنًا أَمْ لَا فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ فِي مَسَائِلِ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ لَوْ تَيَقَّنَ رُؤْيَا وَلَا يَذْكُرُ نَوْمًا فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى النَّوْمِ قَاعِدًا لِأَنَّهُ خِلَافُ الْعَادَةِ فَهُوَ مُتَأَوَّلٌ أَوْ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الرَّابِعَةُ) : نَامَ جَالِسًا فَزَالَتْ أَلْيَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأَرْضِ فَإِنْ زَالَتْ قَبْلَ الِانْتِبَاهِ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَضَى لَحْظَةٌ وَهُوَ نَائِمٌ غَيْرَ مُمَكِّنٍ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ الِانْتِبَاهِ أَوْ مَعَهُ أَوْ لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا سَبَقَ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَقَعَ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ لَا تَقَعُ وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ

(1) لفظ البيان فان نام جالسا ثم زال عن حالته فان زال الياه أو أحدهما قبل الانتباه بطلت طهارته وان انتبه بزوالهما لم تبطل وان تيقن النوم وشك هل نام قاعدا أو زائلا عن مستوى الجلوس لم ينتقض وضوءه لان الاصل بقاء الطهارة اه وهذه غير مسألة البغوي ومراد البغوي المسألة السابقة قبل هذا النقل

عنه بثلاثة اسطر وهى منصوص عليها في الام ومتفق عليها ومن وقف على كلام الام والبغوى تحقق انها هي بعينها وقد قال متصلا بها ولو شك انه كان رؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه وهو فقط للشافعي عقب مسألة النص المذكورة وقوله لا يحمل على النوم قاعدا كلام صحيح وفى كلام الام اشارة إليه وكيف يحمل على النوم قاعدا وهو لا يتذكر النوم

ص: 16

اللَّهُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَحَلِّ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا: (الْخَامِسَةُ) نام ممكنا معقده مِنْ الْأَرْضِ مُسْتَنِدًا إلَى حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ سَوَاءٌ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ وَقَعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَ الْمُعَلِّقُونَ عَنْ شَيْخِي أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ الْحَائِطُ لَسَقَطَ انْتَقَضَ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُعَلِّقِينَ وَاَلَّذِي ذَكَرُوهُ إنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: (السَّادِسَةُ) قَلِيلُ النَّوْمِ وَكَثِيرُهُ عِنْدَنَا سَوَاءٌ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَنَوْمُ لَحْظَةٍ وَيَوْمَيْنِ سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ: (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لافرق فِي نَوْمِ الْقَاعِدِ الْمُمَكِّنِ بَيْنَ قُعُودِهِ مُتَرَبِّعًا أَوْ مُفْتَرِشًا أَوْ مُتَوَرِّكًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْحَالَاتِ بِحَيْثُ يَكُونُ مَقْعَدُهُ لَاصِقًا بِالْأَرْضِ أَوْ بِغَيْرِهَا مُتَمَكِّنًا وَسَوَاءٌ الْقَاعِدُ عَلَى الْأَرْضِ وَرَاكِبُ السَّفِينَةِ وَالْبَعِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الدَّوَابِّ فَلَا يَنْتَقِضُ الوضوء بشئ مِنْ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَهُوَ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى أَلْيَيْهِ رَافِعًا رُكْبَتَيْهِ مُحْتَوِيًا عَلَيْهِمَا بِيَدَيْهِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ: أَحَدُهَا لَا يَنْتَقِضُ كَالْمُتَرَبِّعِ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ كَالْمُضْطَجِعِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ نَحِيفَ الْبَدَنِ بِحَيْثُ لَا تَنْطَبِقُ أَلْيَاهُ عَلَى الْأَرْضِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا قَالَهُ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ

* (الثَّامِنَةُ) إذَا نَامَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَأَلْصَقَ أَلْيَيْهِ بِالْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَبْعُدُ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهُ وَلَكِنْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْجَالِسِ الممكن فلو استثفر وتلجم بشئ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ أَيْضًا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ فِي الْخِلَافِ فِيهِ لِلنَّظَرِ مَجَالٌ وَيَظْهَرُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَقَالَ صَاحِبُهُ أَبُو الْحَسَنِ إلْكِيَا فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ فِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ

(التَّاسِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي النَّوْمِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ النَّائِمَ الْمُمَكِّنَ مَقْعَدَهُ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَحْوِهَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ وَغَيْرُهُ يَنْتَقِضُ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ طَالَ نَوْمُهُ أَمْ لَا وَحُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَحُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ أَنَّ النَّوْمَ لَا يَنْقُضُ بِحَالٍ وَلَوْ كَانَ مُضْطَجِعًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشِّيعَةُ

* وَقَالَ اسحق بن راهويه وابو عبيد القاسم ابن سلام والمزنى ينقض النوم بِكُلِّ حَالٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم: وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ بِكُلِّ حَالٍ دُونَ قَلِيلِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الزهري وربيعة والاوزاعي

ومسألة البيان فيمن نام قاعدا أو شك في التمكن وليست من مسألة البغوي في شئ يعم فيه كمسالة البيان وهو انه ان كان الاصل بقاء الطهارة فالاصل عدم التمكين مع تحقق النوم والاصل شغل الذمة بالصلاة ايضا وقد شككنا في بقاء شرطها اه اذرعى

ص: 17

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد إنْ نَامَ عَلَى هيئة من هيآت الْمُصَلِّي كَالرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ وَالْقَائِمِ وَالْقَاعِدِ لَمْ يَنْتَقِضْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ نَامَ مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا انْتَقَضَ وَلَنَا قَوْلٌ ان نوم المصلى خاصة لا ينقض كَيْفَ كَانَ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ

* وَاحْتَجَّ لِأَبِي مُوسَى وَمُوَافِقِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى آخِرِ الْآيَةِ فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ نَوَاقِضَ الْوُضُوءِ وَلَمْ يَذْكُرْ النَّوْمَ: وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه الْمُتَقَدِّمِ (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) قَالُوا وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا نَحْنُ وَأَنْتُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَأَنْتُمْ أَوْجَبْتُمْ الْوُضُوءَ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِ الرِّيحِ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ فَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِالشَّكِّ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه (الْعَيْنَانِ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ صَفْوَانَ (لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ) وَهُوَ حديث حسن سَبَقَ بَيَانُهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّ النَّائِمَ غَيْرَ الْمُمَكِّنِ يَخْرُجُ مِنْهُ الرِّيحُ غَالِبًا فَأَقَامَ الشَّرْعُ هَذَا الظَّاهِرَ مَقَامَ الْيَقِينِ كَمَا أَقَامَ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ الَّتِي تُفِيدُ الظَّنَّ مَقَامَ الْيَقِينِ فِي شَغْلِ الذِّمَّةِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا وَرَدَتْ الْآيَةُ فِي النَّوْمِ أَيْ إذَا

قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ النَّوْمِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَكَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ قَالَ وَلَا أَرَاهُ إلَّا كَمَا قَالَ: وَالثَّانِي أَنَّ الْآيَةَ ذُكِرَ فِيهَا بَعْضُ النَّوَاقِضِ وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْبَاقِي وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَوْلَ وَهُوَ حَدَثٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَهُوَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي دَفْعِ الشَّكِّ لَا فِي بَيَانِ أَعْيَانِ الْأَحْدَاثِ وَحَصْرِهَا وَلِهَذَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَزَوَالُ الْعَقْلِ وَهِيَ أَحْدَاثٌ بِالْإِجْمَاعِ وَنَظِيرُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي شَرْحِ أَوَّلِ الْفَصْلِ (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) وَأَمَّا قَوْلُهُمْ خُرُوجُ الْخَارِجِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَجَوَابُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ هَذَا الظَّاهِرَ كَالْيَقِينِ كَمَا جَعَلَ شَهَادَةَ شَاهِدَيْنِ كَالْيَقِينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ

ص: 18

بِكُلِّ حَالٍ بِعُمُومِ حَدِيثَيْ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ رضي الله عنهما وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِغْمَاءِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَنَامُونَ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضأون) وَهُوَ صَحِيحٌ ذَكَرْنَاهُ بِطُرُقِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الْعِشَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ لِي حَاجَةٌ فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُنَاجِيهِ حَتَّى نَامَ الْقَوْمُ أَوْ بَعْضُ الْقَوْمِ ثُمَّ صَلَّوْا وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى نَامَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ جَاءَ فَصَلَّى بِهِمْ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شُغِلَ لَيْلَةً عَنْ الْعِشَاءِ فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَظَاهِرُهُمَا أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَرَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جَالِسٌ ثُمَّ يُصَلِّي وَلَا يَتَوَضَّأ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهم فَهَذِهِ دَلَائِلُ ظَاهِرَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْآثَارِ

* وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بحديث عمرو ابن شُعَيْبٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ كُنْتُ أَخْفِقُ بِرَأْسِي فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَجَبَ عَلَيَّ وُضُوءٌ قَالَ لَا حَتَّى تَضَعَ جَنْبَكَ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ ضَعِيفَانِ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُمَا وَفِيمَا سَبَقَ مَا يُغْنِي عَنْهُمَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَوْمِ غَيْرِ الْمُمَكِّنِ وَهَذَا يَتَعَيَّنُ

الْمَصِيرُ إلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِغْمَاءِ فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَغْمِيَّ عَلَيْهِ ذَاهِبُ الْعَقْلِ لا يحسن بشئ أَصْلًا وَالنَّائِمُ يُحِسُّ وَلِهَذَا إذَا صِيحَ بِهِ تَنَبَّهْ

* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَنْقُضُ كَثِيرُ النَّوْمِ كَيْف كَانَ دُونَ قَلِيلِهِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كانوا ينامون فتخفق رؤوسهم وَهَذَا يَكُونُ فِي النَّوْمِ الْقَلِيلِ وَلِأَنَّهُ مَعَ الِاسْتِثْقَالِ يَغْلِبُ خُرُوجُ الْخَارِجِ بِخِلَافِ الْقَلِيلِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَيْسَ فِيهَا فَرْقٌ بَيْنَ القليل والكثير: والجواب عن حديث أنس اناقد بَيَّنَّا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَنَا وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بين قليله وكثيره ودعواهم أن خفق الرؤوس إنَّمَا يَكُونُ فِي الْقَلِيلِ لَا يُقْبَلُ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا نُسَلِّمُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ إمَّا أَنْ يُجْعَلَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ كَالْإِغْمَاءِ وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِهِ وَإِمَّا دَلِيلًا عَلَى الْخَارِجِ وَحِينَئِذٍ إنَّمَا تَظْهَرُ دَلَالَتُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَحَلُّ مُمَكَّنًا وَأَمَّا الْمُتَمَكَّنُ فَيَبْعُدُ خُرُوجُهُ مِنْهُ وَلَا يُحِسُّ بِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالْوَهْمِ

* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَيْئَاتِ

ص: 19

الصَّلَاةِ بِمَا رَوَاهُ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ (1) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ) وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي قدمناه أَنَّهُ نَامَ جَالِسًا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أمن هذا وضوء قال لاحتى تَضَعَ جَنْبَكَ عَلَى الْأَرْضِ)

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ كَحَدِيثِ عَلِيٍّ وَصَفْوَانَ وَغَيْرِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِهَذَا الْفَرْقِ الَّذِي زَعَمُوهُ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ نَامَ غَيْرَ مُمَكِّنٍ مَقْعَدَهُ من الارض فاشبه المضطجع ولانا اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَهُمْ عَلَى أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ حَدَثًا فِي عَيْنِهِ وَإِنَّمَا هُوَ دَلِيلٌ لِلْخَارِجِ فَضَبَطْنَاهُ نَحْنُ بِضَابِطٍ صَحِيحٍ جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَمُنَاسَبَتُهُ ظَاهِرَةٌ وَضَبَطُوهُ بِمَا لَا أَصْلَ لَهُ وَلَا مَعْنَى يَقْتَضِيهِ فَإِنَّ السَّاجِدَ وَالرَّاكِعَ كَالْمُضْطَجِعِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي خُرُوجِ الْخَارِجِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الدَّالَانِيِّ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِضَعْفِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد: قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِهِ الْأَسَالِيبُ إجْمَاعَ أَهْلِ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَالضَّعْفُ عَلَيْهِ بَيِّنٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ وَتَأَوَّلُوهُ تَأْوِيلَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْجَوَابُ عَمَّا لَيْسَ بِدَلِيلٍ: وَأَمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فَضَعِيفٌ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ

قَرِيبًا

* وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ النَّائِمِ فِي الصَّلَاةِ كَيْف كَانَ بِحَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الحاجة تدعوا إلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ لِمُجْتَهِدٍ وَنَحْوِهِ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا بِعُسْرٍ فَعُفِيَ عَنْهُ كَمَا عُفِيَ عَنْ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّلَاةِ لِلْحَاجَةِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجُّوا بِهِ عَلَى الْقَائِلِينَ لَا يَنْقُضُ النَّوْمُ عَلَى هَيْئَةِ الْمُصَلِّي وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ الْمُبَاهَاةِ بِمَا سَبَقَ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ تَسْمِيَتُهُ سَاجِدًا بِاسْمِ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَمَدْحُهُ عَلَى مُكَابَدَةِ الْعِبَادَةِ: وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فَلَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ إلَّا تَوْقِيفًا وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْهَا فَحَصَلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جُمَلٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ جَمَعْنَا بَيْنَهَا وَلَمْ نَرُدَّ مِنْهَا صَحِيحًا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ: (الْعَاشِرَةُ) كَانَ مِنْ خَصَائِصِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لا ينقض

(1) أبو العالية هذا هو البراء البصري واسمه زياد وقيل كلثوم ثقه بالاتفاق روى له البخاري ومسلم واما قول صاحب البحر من اصحابنا في تضعيف هذا الحديث ان ابا العالية ضعيف فغلط قبيح اه اذرعى

ص: 20

وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم (نَامَ حَتَّى سُمِعَ غَطِيطُهُ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) وَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي) فَإِنْ قِيلَ هَذَا مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَامَ فِي الْوَادِي عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ (وَلَوْ كَانَ غَيْرَ نَائِمِ الْقَلْبِ لَمَا تَرَكَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْقَلْبَ يَقْظَانٌ يُحِسُّ بِالْحَدَثِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ وَيَشْعُرُ بِهِ الْقَلْبُ وَلَيْسَ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ مِنْ ذَلِكَ وَلَا هُوَ مِمَّا يُدْرَكُ بِالْقَلْبِ وَإِنَّمَا يُدْرَكُ بِالْعَيْنِ وَهِيَ نَائِمَةٌ وَالْجَوَابُ الثَّانِي (1) حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا قَالَ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نُوَمَانِ: أَحَدُهُمَا يَنَامُ قَلْبُهُ وَعَيْنُهُ: وَالثَّانِي عَيْنُهُ دُونَ قَلْبِهِ فَكَانَ نَوْمُ الْوَادِي مِنْ النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا زَوَالُ الْعَقْلِ بِغَيْرِ النَّوْمِ فَهُوَ أَنْ يُجَنَّ أَوْ يُغْمَى عَلَيْهِ أَوْ يَسْكَرَ أَوْ يَمْرَضَ فَيَزُولُ عَقْلُهُ فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ بِالنَّوْمِ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ أَوْلَى وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ وَغَيْرِهِ وَيُخَالِفُ النَّوْمَ فَإِنَّ النَّائِمَ إذَا كُلِّمَ تَكَلَّمَ وَإِذَا نُبِّهَ تَنَبَّهَ فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْخَارِجُ وَهُوَ جَالِسٌ أَحَسَّ

بِهِ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَدْ قِيلَ أنه قل من جن الاوينزل فالمستحب أن يغسل احتياطا] [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِالْجُنُونِ وَبِالْإِغْمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ لِيُصَلِّيَ ثُمَّ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَاقَ فَاغْتَسَلَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ سُكْرٍ بِخَمْرٍ أَوْ نَبِيذٍ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ شُرْبِ دَوَاءٍ لِلْحَاجَةِ أَوْ غَيْرِهَا فَزَالَ عَقْلُهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَلَا خِلَافَ فِي شئ من هذا الاوجها للخراسانين انه

(1) هذا الجواب الثاني ضعيف مخالف لظاهر حديث ولا ينام قلبى فلا يقبل الا بدليل والصحيح الاول اه اذرعي

ص: 21

لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ السَّكْرَانِ إذَا قُلْنَا لَهُ حُكْمُ الصَّاحِي فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ: حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ فَإِنَّ انْتِقَاضَ الْوُضُوءِ مَنُوطٌ بِزَوَالِ الْعَقْلِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَاصِي وَالْمُطِيعِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالسُّكْرُ النَّاقِضُ هُوَ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ شُعُورٌ دُونَ أَوَائِلِ النشوة: قال أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَيْنَ الْقَاعِدِ مُمَكِّنًا مَقْعَدَهُ وَغَيْرِهِ وَلَا بَيْنَ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَأَمَّا الدُّوَارُ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَهُوَ دُوَارُ الرَّأْسِ فَلَا يَنْقُضُ مَعَ بَقَاءِ التَّمْيِيزِ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ وَاضِحٌ

* قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي حَدُّ الْجُنُونِ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مِنْ الْقَلْبِ مَعَ بَقَاءِ الْحَرَكَةِ وَالْقُوَّةِ فِي الْأَعْضَاءِ وَالْإِغْمَاءُ زَوَالُ الِاسْتِشْعَارِ مَعَ فُتُورِ الْأَعْضَاءِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ قَدْ قيل مَنْ يُجَنُّ إلَّا وَيُنْزِلُ فَهُوَ مَشْهُورٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَأَمَّا لَفْظُ النَّصِّ فَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ ما يوجب الغسل وقد قيل ماجن إنْسَانٌ إلَّا أَنْزَلَ فَإِنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا اغْتَسَلَ الْمَجْنُونُ لِلْإِنْزَالِ وَإِنْ شَكَّ فِيهِ أَحْبَبْتُ لَهُ الِاغْتِسَالَ احْتِيَاطًا وَلَمْ أُوجِبْ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَيْقِنَ الْإِنْزَالَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ الْأُمِّ نَقَلْتُهُ

ص: 22

وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْأُمِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ

وَجَمَاعَةٌ فِي الْمَغْمِيِّ عَلَيْهِ وَاَلَّذِي فِي الْأُمِّ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَجْنُونِ كَمَا نَقَلْتُهُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ بِأَنَّ غُسْلَ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ سُنَّةٌ وَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ الْمَنِيِّ: وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ حَالِ الَّذِينَ يُجَنُّونَ الْإِنْزَالَ وَجَبَ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الْإِنْزَالُ كَمَا نُوجِبُ الْوُضُوءَ بِالنَّوْمِ مُضْطَجِعًا لِلظَّنِّ الْغَالِبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْإِنْزَالُ غَالِبًا لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِالشَّكِّ: وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا التَّفْصِيلَ عَنْ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنْ كَانَ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْإِنْزَالِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَنْفَكّ فَلَا: وَالصَّحِيحُ طريقة المصنف ومن وافقه ان يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ وَلَا يَجِبُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ خُرُوجَ المنى فان القواعد تقتضي أن لاتنتقض الطَّهَارَةُ إلَّا بِيَقِينِ الْحَدَثِ: خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي النَّوْمِ بِالنُّصُوصِ الَّتِي جَاءَتْ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُغْمَى عَلَيْهِ الْغُسْلُ إذَا أَفَاقَ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا شَاذًّا أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْجُنُونِ مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَشَذَّ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ مِنْ الْإِغْمَاءِ أَيْضًا ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْغُسْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا لَمْسُ النِّسَاءِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَهُوَ أَنْ يَلْمِسَ الرَّجُلُ بَشَرَةَ الْمَرْأَةِ أَوْ الْمَرْأَةُ بَشَرَةَ الرَّجُلِ بِلَا حَائِلٍ بَيْنَهُمَا فَيَنْتَقِضُ وُضُوءُ اللامس منهما لقوله تعالى (أو لمستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا)

ص: 23

وَفِي الْمَلْمُوسِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ فَنَقَضَ طُهْرَ الْمَلْمُوسِ كَالْجِمَاعِ وَقَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (افْتَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفِرَاشِ فَقُمْتُ أَطْلُبُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ) وَلَوْ انْتَقَضَ طُهْرُهُ لَقَطَعَ الصَّلَاةَ وَلِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَنَقَضَ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ وَإِنْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَوْ ظُفْرَهَا لَمْ يَنْتَقِضْ الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ لَا يَلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَإِنَّمَا يَلْتَذُّ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ: وَإِنْ لَمَسَ ذَاتَ رَحِمٍ محرم ففيه قولان أحدهما ينتقض وضوء لِلْآيَةِ: وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِشَهْوَتِهِ فَأَشْبَهَ لَمْسَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ وَإِنْ مَسَّ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا

لَا تُشْتَهَى فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بلمسها الشهوة فاشبه الشعر] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا: حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ مِنْ طَرِيقَيْنِ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ: أما الطريق الاول فَقَالَتْ (افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أو ساجد يَقُولُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ) وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَتْ (فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمِهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ) إلَى آخِرِ الدُّعَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَالْتَمَسْتُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَعُوذُ) إلَى آخِرِهِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْكِتَابِ صَحِيحَةُ الْمَعْنَى لَكِنَّ قَوْلَهُ أَتَاكِ شَيْطَانُكِ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ وَذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ

ص: 24

في السن الْكَبِيرِ فِي بَابِ ضَمِّ الْعَقِبَيْنِ فِي السُّجُودِ مِنْ أَبْوَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِيهِ رَجُلٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي أَوَاخِرِ صَحِيحِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالِاحْتِرَازَاتِ قوله تعالى (أو لمستم النساء) قرئ في السبع لمستم ولا مستم وَالنِّسَاءُ مِنْ الْجُمُوعِ الَّتِي لَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا كَالرَّهْطِ وَالنَّفَرِ وَالْقَوْمِ وَكَذَا النِّسْوَةُ بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ يَلْمِسُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا تأكيد وايضاح ولو حذفه لا ستغنى عَنْهُ فَإِنَّ لَمْسَ الْبَشَرَةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا أَوْلَجَ فيه بَهِيمَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ دُونَ الْمَلْمُوسِ وَاحْتِرَازٌ أَيْضًا مِنْ لَمْسِ الرَّجُلِ ذَكَرَ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَنْقُضُ اللَّامِسَ دُونَ الْمَلْمُوسِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَقَوْلُهُ يَنْقُضُ طُهْرَ اللَّامِسِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسِّ الصَّغِيرَةِ وَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَقَوْلُهَا افْتَقَدْتُ وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِمُسْلِمِ فَقَدْتُ وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ

فقدت الشئ أَفْقِدُهُ فَقْدًا وَفُقْدَانًا وَفِقْدَانًا بِكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وكذا افتقدته افتقده افتقادا وقولها اخمص قديمه هُوَ مُفَسَّرٌ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَطْنُ قَدَمِهِ قال أهل اللغة الاخمص مادخل مِنْ بَاطِنِ الْقَدَمِ فَلَمْ يُصِبْ الْأَرْضَ: وَالشَّيْطَانُ كل جنى مارد ونونه أصل وقيل زائدة فعلى الاول هو مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَعَلَى الثَّانِي مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَهَلَكَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْسٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ احْتِرَازٌ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَلَوْ قال لمس يوجب الوضوء على الامس لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَعُمَّ بِاحْتِرَازِهِ الشَّعْرَ وَالْجِمَاعَ وَيَكُونَ فِيهِ احْتِرَازٌ عَمَّا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَهَكَذَا عادة المنصف فانه يذكر في قايس الْقَوْلِ الثَّانِي قُيُودًا يُخَرِّجُ بِهَا مَا قَاسَ عَلَيْهِ الْأَوَّلَ وَلَمْ يَعْمَلْ هُنَا بِعَادَتِهِ وَلَا يُقَالُ قَدْ احْتَرَزَ عَنْ الْجِمَاعِ بِقَوْلِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّ الْجِمَاعَ نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ وَإِنْ كَانَ يُوجِبُ الْغُسْلَ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَعْنِي فَإِنَّهُ يُنْقَضُ الْمَاسُّ دُونَ الْمَمْسُوسِ

ص: 25

[قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَفِيهِ خِلَافٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ سَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا الْتَقَتْ بَشَرَتَا رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تُشْتَهَى انْتَقَضَ وُضُوءُ اللَّامِسِ مِنْهُمَا سَوَاءٌ كَانَ اللَّامِسُ الرَّجُلَ أَوْ الْمَرْأَةَ وَسَوَاءٌ كَانَ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ أَمْ لَا تَعْقُبُهُ لَذَّةٌ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ ذَلِكَ أَمْ حَصَلَ سَهْوًا أَوْ اتِّفَاقًا وَسَوَاءٌ اسْتَدَامَ اللَّمْسُ أَمْ فَارَقَ بِمُجَرَّدِ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ وَسَوَاءٌ لَمَسَ بِعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ أَمْ بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَلْمُوسُ أَوْ الْمَلْمُوسُ بِهِ صَحِيحًا أَوْ أَشَلَّ زَائِدًا أَمْ أَصْلِيًّا فَكُلُّ ذَلِكَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عِنْدَنَا وَفِي كُلِّهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَنَا أَوْجُهٌ ضَعِيفَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ مِنْهَا وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَزَالُ مَلْمُوسَةً وَلَا تَكُونُ لَامِسَةً وَإِنْ كَانَتْ هِيَ الْفَاعِلَةُ بَلْ يَكُونُ فِيهَا الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَمْسَ الْعُضْوِ الْأَشَلِّ أَوْ الزَّائِدِ لَا يَنْقُضُ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّ ابْنَ سُرَيْجٍ كَانَ يَعْتَبِرُ الشَّهْوَةَ فِي الِانْتِقَاضِ قَالَ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ أَنَّ اللَّمْسَ إنَّمَا يَنْقُضُ إذَا وَقَعَ قَصْدًا وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ: (الرَّابِعَةُ) هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ

الْمَلْمُوسِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فَمَنْ قرأ لمستم لم يُنْقَضْ الْمَلْمُوسُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْمِسْ وَمَنْ قَرَأَ لَامَسْتُمْ نَقْضَهُ لِأَنَّهَا مُفَاعَلَةٌ وَهَذَا الْبِنَاءُ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ بِوَاضِحٍ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي طَائِفَةٍ قَلِيلَةٍ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ الِانْتِقَاضَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي مُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ حَرْمَلَةُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ: وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيم وَسَائِرِ كُتُبِهِ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَكَذَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَنْتَقِضُ وَقَالَ فِي سَائِرِ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ عَامَّةُ كُتُبِهِ يَنْتَقِضُ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حرملة علي

ص: 26

قَوْلَيْنِ الِانْتِقَاضُ وَعَدَمُهُ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ كَوْنَ اللَّمْسِ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَمْسُوسِ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي مَسِّ الذَّكَرِ مَسُّهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ مِنْ الْمَمْسُوسِ وَالْمُعْتَبَرُ هُنَا الْتِقَاءُ بَشَرَتَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ

* (فَرْعٌ)

لَوْ الْتَقَتْ بَشَرَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ بِحَرَكَةٍ مِنْهُمَا دَفْعَةً وَاحِدَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَامِسٌ وَلَيْسَ فِيهِمَا مَلْمُوسٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ: (الْخَامِسَةُ)(1) إذَا لَمَسَ أَحَدُهُمَا شَعْرَ الْآخَرِ أَوْ سِنَّهُ أَوْ ظُفْرَهُ أَوْ لَمَسَ بَشَرَتَهُ بِسِنِّهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهُمَا الِانْتِقَاضُ لِأَنَّ الشَّعْرَ لَهُ حُكْمُ الْبَدَنِ فِي الْحِلِّ بِالنِّكَاحِ وَالتَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِإِيقَاعِهِ عَلَيْهِ وَعِتْقِهَا بِإِعْتَاقِهِ وَوُجُوبِ غُسْلِهِ بِالْجَنَابَةِ وَالْمَوْتِ وَغَيْرِهِمَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَاسْتَدَلُّوا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُلَامَسَةُ أن يفضى بشئ منه الي جسدها والشعر شئ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْقُضَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ لانه لا يقصد ذلك

للشهوة غالبا وانما تَحْصُلُ اللَّذَّةُ وَتَثُورُ الشَّهْوَةِ عَنْ الْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ لِلْإِحْسَاسِ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ فَمُرَادُهُ بِهِ مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ لَمْسِ الشَّعْرِ وَالسِّنِّ وَالظُّفْرِ

* (فرع)

تيقن لمسهاوشك هَلْ لَمَسَ شَعْرَهَا أَمْ غَيْرَهُ وَهَلْ لَمَسَهَا بِظُفْرِهِ أَوْ بِشَعْرِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَضَّأَ: (السادسة) إذا لمس ذات رحم محرما فَفِي انْتِقَاضِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ لَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إلَّا فِي حَرْمَلَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِيهِ قَوْلَانِ وَلَسْتُ أَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مَنْصُوصٌ: وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ لَا يَنْتَقِضُ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ الشَّافِعِيِّ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ واتفق أصحابنا في جميع الطرق على أن الصحيح الاصاحب الابانة فصحح الانتقاض (2) وهو شاذ

(1) لفظه في الام قال رضى الله عنه فان افضي بيده إلى شعرها ولم يمس لها بشرا فلا وضوء عليه كان ذلك لشهوة أو لغير شهوة كما يشتهيها فلا يمسها ولا يجب عليه وضوء ولا معنى للشهوة لانها في القلب انما المعني للفعل والشعر مخالف للبشرة قال ولو احتاط فتوضأ من لمس شعرها كان أحب إلى انتهى لفظه رضي الله عنه اه اذرعى (2) قلت يوافقه قول الشيخ ابى محمد في السلسلة ان الجديد الانتفاض والقديم منعه اه اذرعى

ص: 27

ليس بشئ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي مَحْرَمٍ ذَاتِ رَحِمٍ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَبِنْتِ الْأَخِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ: وام الْمُحَرَّمَةُ بِرَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ كَأُمِّ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا وزوجة الاب وَالِابْنِ وَالْجَدِّ فَفِيهَا طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ الصَّحِيحُ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ والرافعي وآخرون وَالثَّانِي (1) حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ قَالَ وَهَذَا ليس بشئ وَحَكَى فِي الْبَيَانِ الطَّرِيقَيْنِ فِيمَنْ كَانَتْ حَلَالًا لَهُ ثُمَّ حُرِّمَتْ بِالْمُصَاهَرَةِ كَأُمِّ زَوْجَتِهِ وَبِنْتِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: وَأَمَّا الْمُحَرَّمَةُ عَلَى التَّأْبِيدِ بِلِعَانٍ أو وطئ شُبْهَةٍ أَوْ بِالْجَمْعِ كَأُخْتِ الزَّوْجَةِ وَبِنْتِهَا قَبْلَ الدخول والمحرمة لمعنى فيها كالمرتدة والمجوسية وَالْمُعْتَدَّةِ فَيَنْقُضُ لَمْسُهَا بِلَا خِلَافٍ

*

(فَرْعٌ)

إذَا قُلْنَا لَا يَنْقُضُ لَمْسُ الْمُحَرَّمِ فَلَمَسَهَا بِشَهْوَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ: قَالَا لِأَنَّهَا كَالرَّجُلِ فِي حَقِّهِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ لَمَسَ رَجُلٌ رَجُلًا بِشَهْوَةٍ فَإِنَّهُ لَا ينتقض

* (فرع)

قال أصحابنا لو لَمَسَ صَغِيرَةً أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى مِنْ مَحَارِمِهِ وَقُلْنَا الصَّغِيرَةُ وَالْعَجُوزُ الْأَجْنَبِيَّةُ تَنْقُضُ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ

* (فَرْعٌ)

لَمَسَ امْرَأَةً وَشَكَّ هَلْ هِيَ مَحْرَمٌ أَمْ أَجْنَبِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ: (السَّابِعَةُ) لَمَسَ صَغِيرَةً لَا تُشْتَهَى أَوْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَكَاهُمَا قَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ وَجْهَانِ وَمَنْ قَالَ قَوْلَانِ أَرَادَ أَنَّهُمَا مَخْرَجَانِ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ نَصٌّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّ الْأَصْحَابَ خَرَّجُوهَا عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَحَارِمِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الصَّغِيرَةِ عَدَمُ الِانْتِقَاضِ وَأَمَّا الْعَجُوزُ فَالْجُمْهُورُ صَحَّحُوا الِانْتِقَاضَ: وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِأَنَّهَا مَظِنَّةُ الشَّهْوَةِ وَمَحَلٌّ قَابِلٌ فِي الْجُمْلَةِ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالصَّحِيحُ الِانْتِقَاضُ وَالْخِلَافُ فِي صَغِيرَةٍ لَا تُشْتَهَى كَمَا ذَكَرْنَا فَأَمَّا الَّتِي بَلَغَتْ حَدًّا تَشْتَهِيهَا الرِّجَالُ فَتَنْقُضُ بِلَا خِلَافٍ: وَالرُّجُوعُ فِي ضَبْطِ هَذَا إلَى الْعُرْفِ وَرَأَيْتُ فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الصَّغِيرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهَا سَبْعُ سِنِينَ فَمَا دُونَهَا وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ لِأَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصَّغِيرَاتِ: قَالَ الدَّارِمِيُّ وَيَجْرِي الْخِلَافُ فِي لَمْسِ الْمَرْأَةِ شَيْخًا هَرِمًا وَصَبِيًّا صَغِيرًا لا يشتهيان: قال صاحب الحاوى ويجرى

(1) قوله والثانى حكاه الرويانى عجب وهى طريقة صاحب المهذب فيه وفي التنبيه وخلائق من العراقيين اه اذرعى

ص: 28

الْخِلَافُ إذَا لَمَسَ شَيْخٌ فَقَدَ الشَّهْوَةَ وَاللَّذَّةَ بَدَنَ شَابَّةٍ وَقَطَعَ الدَّارِمِيُّ بِأَنَّ الشَّيْخَ إذَا لمس ينتقض كما لو لَمَسَ الْعِنِّينُ وَالْخَصِيُّ وَالْمُرَاهِقُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِضُ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ لَمَسَ امْرَأَةً أَوْ لَمَسَتْهُ فَوْقَ ثَوْبٍ رَقِيقٍ بِشَهْوَةٍ وَلَمْ تَمَسَّ الْبَشَرَةَ أَوْ تَضَاجَعَا كَذَلِكَ بِشَهْوَةٍ لَا يَنْتَقِضُ لِعَدَمِ حَقِيقَةِ الْمُلَامَسَةِ: الثَّانِي لَمَسَ لِسَانَهَا أَوْ لِثَتَهَا أَوْ لَمَسَهَا بِلِسَانِهِ انْتَقَضَ ذَكَرَهُ الدارمي وهو واضح ولو تصادم لساناهما دفعة فلا مسان: الثَّالِثُ لَمَسَ امْرَأَةً مَيِّتَةً أَوْ لَمَسَتْ رَجُلًا

مَيِّتًا فَفِي انْتِقَاضِ اللَّامِسِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الصباغ والبغوى والروياني والشاشي وآخرون احدهما أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْعَجُوزِ وَبِهَذَا قَطَعَ الماوردى وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَاللَّذَّةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالِانْتِقَاضِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ (1) وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ مَسَّ ذَكَرَ مَيِّتٍ (2) وَكَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتَةٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ: الرَّابِعُ: لَمَسَ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ امْرَأَةٍ كَيَدٍ وَأُذُنٍ وغيرها أَوْ لَمَسَتْ عُضْوًا مَقْطُوعًا مِنْ رَجُلٍ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَنْتَقِضُ كَلَمْسِهِ فِي حَالِ الِاتِّصَالِ وَأَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَةً وَلَا شَهْوَةً وَلَا لَذَّةً وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الِانْتِقَاضِ فِي مَسِّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ وَعَلَى عَدَمِهِ فِي الْيَدِ الْمَقْطُوعَةِ فمن الاصحاب

(1) وابن كج في النواقص وجزم في آخر باب غسل الجمعة بعكسه اه اذرعى (2) في مس ذكر الميت وجه ايضا مع انه اولى بالنقض من مس الميتة لان مس الذكر لم ينظر فيه إلى المعني على الصحيح كما سيأتي بخلاف مسألتنا اه اذرعى

ص: 29

مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خِلَافًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ مَسَّ ذكرا ولم يلمس امرأة والتسرع وَرَدَ بِمَسِّ الذَّكَرِ وَلَمْسِ الْمَرْأَةِ: (الْخَامِسُ) : لَوْ لَمَسَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ خُنْثَى مُشْكِلٍ أَوْ لَمَسَ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بَدَنَ الْمُشْكِلِ أَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَدَنَهُمَا لَمْ يَنْتَقِضْ لِلِاحْتِمَالِ فَلَوْ لَمَسَ الْمُشْكِلُ بَشَرَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ انْتَقَضَ هُوَ لِأَنَّهُ لَمَسَ مَنْ يُخَالِفُهُ وَلَا يَنْتَقِضُ الرَّجُلُ وَلَا الْمَرْأَةُ لِلشَّكِّ وَكَذَا لَوْ لَمَسَاهُ لَمْ ينتقض واحد منهما للشك وفى انتقاض الخثى الْقَوْلَانِ فِي الْمَلْمُوسِ فَلَوْ اقْتَدَتْ الْمَرْأَةُ بِهَذَا الرَّجُلِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُحْدِثَةً فَإِمَامُهَا مُحْدِثٌ: (السَّادِسُ) لَوْ ازْدَحَمَ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ فَوَقَعَتْ يَدُهُ عَلَى بَشَرَةٍ لَا يَعْلَمُ أَهِيَ بَشَرَةُ امْرَأَةٍ أَمْ رَجُلٍ لَمْ يَنْتَقِضْ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ لَمَسَ مَحْرَمًا أم أجنبية أو هل لمس شعرا أم بَشَرَةً كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: (السَّابِعُ) إذَا لَمَسَ الرَّجُلُ أَمْرَدَ حَسَنَ الصُّورَةِ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ

الْمَشْهُورُ به قَطَعَ الْجُمْهُورُ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اللَّمْسِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْتِقَاءَ بَشَرَتَيْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْأَجْنَبِيَّةِ ينتقض سواء كان بشهوة وبقصد أم لا ولا ينتقص مَعَ وُجُودِ حَائِلٍ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَبِهَذَا قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمَكْحُولٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ: الْمَذْهَبُ الثَّانِي لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِاللَّمْسِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ قَالَ إذَا بَاشَرَهَا دُونَ الْفَرْجِ وَانْتَشَرَ فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ: الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عن الحكم وحماد ومالك والليث واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَرَبِيعَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ كَالْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ: الْمَذْهَبُ

* الرَّابِعُ إنْ لَمَسَ عَمْدًا انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَخَالَفَهُ ابْنُهُ فَقَالَ لَا يَنْتَقِضُ بحال: (الخامس) إنْ لَمَسَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَحَكَى عَنْهُ انه لا ينقض إلَّا اللَّمْسُ بِالْيَدِ (السَّادِسُ) إنْ لَمَسَ بِشَهْوَةٍ انْتَقَضَ وَإِنْ لَمَسَ

ص: 30

[فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ حُكِيَ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُمَا (السَّابِعُ) إنْ لَمَسَ مَنْ تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ وَإِنْ لَمَسَ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ انْتَقَضَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءٍ وَهَذَا خِلَافُ مَا حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْهُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا عَنْ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ لَا ينتقض مطلقا بحديث حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ: وَعَنْ أَبِي رَوْقٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَائِشَةَ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ بَعْدَ الْوُضُوءِ ثُمَّ لَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ) وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَقَدِّمِ أَنَّ يَدَهَا وَقَعَتْ عَلَى قَدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سَاجِدٌ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِالْحَدِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (صَلَّى وَهُوَ حامل أمامة بنت زينب رضي الله عنهما فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا

قَامَ رَفَعَهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُصَلِّي وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ غَمَزَ رِجْلَهَا فَقَبَضَتْهَا) وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يوثر مَسَّنِي بِرِجْلِهِ) وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَحَارِمِ وَالشَّعْرِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ اللَّمْسُ نَاقِضًا لَنَقَضَ لَمْسُ الرجل الرَّجُلِ كَمَا أَنَّ جِمَاعَ الرَّجُلِ الرَّجُلَ كَجِمَاعِهِ الْمَرْأَةَ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَوْ لمستم النساء) وَاللَّمْسُ يُطْلَقُ عَلَى الْجَسِّ بِالْيَدِ قَالَ اللَّهُ تعالى (فلمسوه بايديهم) وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَاعِزٍ رضي الله عنه (لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ) الْحَدِيثَ وَنَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُلَامَسَةِ وَفِي الْحَدِيث الْآخَرِ (وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَلَّ يَوْمٌ إلَّا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَطُوفُ عَلَيْنَا فَيُقَبِّلُ وَيَلْمِسُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ اللَّمْسُ يَكُونُ بِالْيَدِ وَبِغَيْرِهَا وَقَدْ يَكُونُ بِالْجِمَاعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ اللَّمْسُ أَصْلُهُ باليد ليعرف مس الشئ وَأَنْشَدَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَأَهْلُ اللُّغَةِ فِي هَذَا قَوْلَ الشَّاعِرِ: وَأَلْمَسْتُ كَفِّي كَفَّهُ طَلَبَ الْغِنَى

* وَلَمْ أَدْرِ أَنَّ الْجُودَ مِنْ كَفِّهِ يُعْدِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَنَحْنُ نَقُولُ بِمُقْتَضَى اللَّمْسِ مُطْلَقًا فَمَتَى الْتَقَتْ الْبَشَرَتَانِ انْتَقَضَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدٍ أَوْ جِمَاعٍ.

وَاسْتَدَلَّ مَالِكٌ ثُمَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُمَا بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بن عبد الله ابن عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ (قَالَ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَجَسُّهَا بِيَدِهِ مِنْ الْمُلَامَسَةِ فَمَنْ قَبَّلَ امْرَأَتَهُ أَوْ جَسَّهَا بِيَدِهِ

ص: 31

فَعَلَيْهِ الْوُضُوءُ) وَهَذَا إسْنَادٌ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الصِّحَّةِ كَمَا تَرَاهُ: فَإِنْ قِيلَ ذِكْرُ النِّسَاءِ قَرِينَةٌ تَصْرِفُ اللَّمْسَ إلَى الْجِمَاعِ كَمَا أَنَّ الوطئ أَصْلُهُ الدَّوْسُ بِالرِّجْلِ وَإِذَا قِيلَ وَطِئَ الْمَرْأَةَ لَمْ يُفْهَمْ مِنْهُ إلَّا الْجِمَاعُ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِدَوْسِ الْمَرْأَةِ بِالرِّجْلِ فَلِهَذَا صرفنا الوطئ إلَى الْجِمَاعِ بِخِلَافِ اللَّمْسِ فَإِنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الْجَسِّ بِالْيَدِ لِلْمَرْأَةِ وَغَيْرِهَا مَشْهُورٌ: وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً مِنْهَا أَنَّهُ لَمْسٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ عَلَى الْمُحْرِمِ فَنَقَضَ كَالْجِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لَا يُعَلَّلُ وِفَاقًا قَالَ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ اقْتِضَاءَ الْأَحْدَاثِ الْوُضُوءَ لَيْسَ مِمَّا يُعَلَّلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ وَلَيْسَ لَمْسُ الرَّجُلِ الرَّجُلَ فِي مَعْنَى لَمْسِهِ الْمَرْأَةَ فَإِنَّ لَمْسَهَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ وَتَحْرِيمُ الْمُصَاهَرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَا مَطْمَعَ لَهُمْ فِي الْقِيَاسِ عَلَى الرَّجُلِ وَقَدْ سَلَّمَ أَكْثَرُهُمْ أَنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا

تَجَرَّدَا وَتَعَانَقَا وَانْتَشَرَ لَهُ وَجَبَ الْوُضُوءُ فَيُقَالُ لَهُمْ بِمَ نَقَضْتُمْ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ فَإِنْ قَالُوا بِالْقِيَاسِ لَمْ يُقْبَلْ وَإِنْ قَالُوا لِقُرْبِهِ مِنْ الْحَدَثِ قُلْنَا الْقُرْبُ مِنْ الْحَدَثِ لَيْسَ حَدَثًا بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَرُدُّ عَلَيْنَا النَّائِمُ فَإِنَّهُ إنَّمَا انْتَقَضَ بِالسِّنَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَشْعُرُ بِالْخَارِجِ فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ إلَّا ظَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ وَلَيْسَ فِيهِ فَرْقٌ بَيْنَ الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: أَحْسَنُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ ضَعَّفَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وأبو بكر النيسابوري وأبو الحسن الدارقطني وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ: قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَغَيْرُهُمَا غَلَطُ حَبِيبٍ مِنْ قُبْلَةِ الصَّائِمِ إلَى الْقُبْلَةِ فِي الْوُضُوءِ: وَقَالَ أَبُو دَاوُد رُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ مَا حَدَّثَنَا حَبِيبٌ إلَّا عَنْ عُرْوَةَ الْمُزَنِيِّ يَعْنِي لَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعُرْوَةُ الْمُزَنِيّ مَجْهُولٌ وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ

ص: 32

صَائِمٌ: وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى القبلة فوق حائل جمعا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي رَوْقٍ بِالْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَضَعَّفُوا الْحَدِيثَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا ضَعْفُ أَبِي رَوْقٍ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي أَنَّ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ لَمْ يَسْمَعْ عَائِشَةَ هكذا ذكره الحفاظ منهم أَبُو دَاوُد وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا سَائِرَ مَا رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَبَيَّنَّا ضَعْفَهَا فَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْ عَائِشَةَ فِي قُبْلَةِ الصَّائِمِ فَحَمَلَهُ الضُّعَفَاءُ مِنْ الرُّوَاةِ عَلَى تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ حَمْلِ أُمَامَةَ فِي الصَّلَاةِ وَرَفْعِهَا وَوَضْعِهَا مِنْ أَوْجُهٍ أَظْهَرُهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ: وَالثَّانِي أَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَالثَّالِثُ أَنَّهَا مَحْرَمٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي وُقُوعِ يَدِهَا عَلَى بَطْنِ قَدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يُحْتَمَلُ كَوْنُهُ فَوْقَ حَائِلٍ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهَا الْآخَرِ أَنَّهُ لَمْسٌ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فِيمَنْ هُوَ نَائِمٌ فِي فِرَاشٍ وهذان الجوابان (1) إذا سلمنا انتقاض طهر الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا يُحْتَاجُ إلَيْهِمَا: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَلَمْسِ الرَّجُلِ الرَّجُلَ: فَجَوَابُهُ مَا سَبَقَ أَنَّ الشَّعْرَ لَا يُلْتَذُّ بِلَمْسِهِ وَالْمَحْرَمُ وَالرَّجُلُ لَيْسَا مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ

وَقَدْ سَبَقَ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إبْطَالُ الْقِيَاسِ فِي هَذَا الْبَابِ

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يَنْقُضُ اللَّمْسُ بِشَهْوَةٍ دُونَ غَيْرِهِ بِحَدِيثِ أُمَامَةَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ يَحْصُلُ مَعَهُ مُبَاشَرَةٌ لَكِنْ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلِأَنَّهَا مُبَاشَرَةٌ بِلَا شَهْوَةٍ فَأَشْبَهَتْ مُبَاشَرَةَ الشَّعْرِ وَالْمَحَارِمِ وَالرَّجُلِ وَلِأَنَّهَا مُلَامَسَةٌ فَاشْتُرِطَ فِي تَرَتُّبِ الْحُكْمِ عَلَيْهَا الشَّهْوَةُ كَمُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِالْحَجِّ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بقول الله تعالى (أو لمستم النساء) وَلَمْ يُفَرِّقْ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمَامَةَ بِالْأَوْجُهِ الثلاثة السابقة وعن الشعر وما بعده لانه لَيْسَ مَظِنَّةَ شَهْوَةٍ وَلَذَّةٍ وَعَنْ مُبَاشَرَةِ الْمُحْرِمِ بِأَنَّهُ مُنِعَ مِنْ التَّرَفُّهِ وَذَلِكَ يَخْتَصُّ بِالشَّهْوَةِ بِخِلَافِ هَذَا

* وَاحْتَجَّ لِدَاوُدَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أو لمستم) وَهَذَا يَقْتَضِي قَصْدًا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ وَلَيْسَ فيها فرق ولان الاحداث لافرق

ص: 33

فِيهَا بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ كَالْبَوْلِ وَالنَّوْمِ وَالرِّيحِ: وقولهم اللمس يقتضي القصد غلط لايعرف عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهِمْ بَلْ يُطْلَقُ اللَّمْسُ عَلَى الْقَاصِدِ وَالسَّاهِي كَمَا يُطْلَقُ اسْمُ الْقَاتِلِ وَالْمُحْدِثِ وَالنَّائِمِ وَالْمُتَكَلِّمِ عَلَى مَنْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْهُ قَصْدًا أَوْ سَهْوًا أَوْ غَلَبَةً

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ خَصَّ النَّقْضَ بِالْيَدِ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَسِّ الذَّكَرِ: وَاحْتِجَاجُ الْأَصْحَابِ بِالْآيَةِ وَالْمُلَامَسَةُ لا تختص وَغَيْرُ الْيَدِ فِي مَعْنَاهَا فِي هَذَا وَلَيْسَ عَلَى اخْتِصَاصِ الْيَدِ دَلِيلٌ: وَأَمَّا مَسُّ الذَّكَرِ بِالْيَدِ فَمُثِيرٌ لِلشَّهْوَةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْيَدِ وَلَمْسُ الْمَرْأَةِ يُثِيرُ الشَّهْوَةِ بِأَيِّ عُضْوٍ كَانَ

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ اللَّمْسُ فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ يَنْقُضُ بِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ بِشَهْوَةٍ فَأَشْبَهَ مُبَاشَرَةَ الْبَشَرَةِ: وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ فَوْقَ حَائِلٍ لَا تُسَمَّى لَمْسًا وَلِهَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَلْمِسُهَا فَلَمَسَ فوق حائل لم يحنث والله أعلم قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا مَسُّ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ بِبَطْنِ الْكَفِّ نَقَضَ الْوُضُوءَ لِمَا رَوَتْ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا مَسَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (وَيْلٌ لِلَّذِينَ يَمَسُّونَ فُرُوجَهُمْ ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يتوضؤن) قَالَتْ بِأَبِي وَأُمِّي هَذَا لِلرِّجَالِ أَفَرَأَيْتَ النِّسَاءَ فَقَالَ (إذَا مَسَّتْ إحْدَاكُنَّ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ) وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْتَقِضْ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا أَفْضَى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شئ فَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ) وَالْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَلِأَنَّ

ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةِ لَمْسِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ الذَّكَرَ فِي غَيْرِ الْفَرْجِ وَإِنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَاطِنِ الْكَفِّ: وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّ خِلْقَتَهُ خِلْقَةُ الْبَاطِنِ وَإِنْ مَسَّ حَلْقَةَ الدُّبُرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَهُوَ غَيْرُ مَشْهُورٍ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يُلْتَذُّ بِمَسِّهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ يَنْقُضُ أَنَّهُ أَحَدُ السَّبِيلَيْنِ فَأَشْبَهَ الْقُبُلَ: وَإِنْ انْسَدَّ

ص: 34

الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ وَانْفَتَحَ دُونَ الْمَعِدَةِ مَخْرَجٌ فَمَسَّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَالثَّانِي يَنْقُضُ لِأَنَّهُ سَبِيلٌ لِلْحَدَثِ فَأَشْبَهَ الْفَرْجَ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير أوحي أوميت انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ وَلَمْ يَهْتِكْ بِهِ حُرْمَةً فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ بِمَسِّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ هَتَكَ بِهِ حُرْمَةً أَوْلَى وَإِنْ مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ كَمَا لَوْ مَسَّ يَدًا مَقْطُوعَةً مِنْ امْرَأَةٍ وَالثَّانِي يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مَسُّ الذَّكَرِ وَيُخَالِفُ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُوجَدْ لَمْسُ الْمَرْأَةِ وَإِنْ مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَجِبْ الْوُضُوءُ وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يجب الوضوء وليس بشئ لان البهيمة لاحرمة لها ولا تعبد عليها]

* (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ بُسْرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ فِي سُنَنِهِمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قال البخاري أصح شئ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ وَعَلَيْهِ إيرَادٌ سَنَذْكُرُهُ مَعَ جَوَابِهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَضَعِيفٌ وَفِي حَدِيثِ بُسْرَةَ كِفَايَةٌ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ مَسَّ ذَكَرَهُ وَرُوِيَ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ بِأَسَانِيدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ لَكِنَّهُ يَقْوَى بِكَثْرَةِ طُرُقِهِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ

* أَصْلُ الْفَرْجِ الْخَلَلُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ قَوْلُهُ يَمَسُّونَ بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَالْمَاضِي مَسِسْتُ بِكَسْرِ السِّينِ علي المشهور وعلى اللغية الضَّعِيفَةِ بِضَمِّهَا

قَوْلُهَا بِأَبِي وَأُمِّي مَعْنَاهُ أَفْدِيكَ بِأَبِي وَأُمِّي مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي

ص: 35

سَوَاءٌ كَانَ أَبَوَاهُ مُسْلِمَيْنِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ: وَمِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ مَنَعَهُ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ الَّذِي لَا يَسْتَغْنِي طَالِبُ الْآخِرَةِ عَنْ مِثْلِهِ: قَوْلُهُ الْإِفْضَاءُ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ مَعْنَاهُ الْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ لَا يَكُونُ إلَّا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَإِلَّا فَالْإِفْضَاءُ يُطْلَقُ عَلَى الْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَالْإِفْضَاءُ بِالْيَدِ إنَّمَا هُوَ بِبَطْنِهَا كَمَا يُقَالُ أَفْضَى بِيَدِهِ مُبَايِعًا وَأَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا وَإِلَى رُكْبَتَيْهِ رَاكِعًا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَنَحْوُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الرَّبِيعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَشْهُورٌ كَذَلِكَ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى الْأَرْضِ إذَا مَسَّهَا بِرَاحَتِهِ فِي سُجُودِهِ وَنَحْوُهُ فِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ ظَهْرَ الْكَفِّ لَيْسَ بِآلَةٍ لِمَسِّهِ مَعْنَاهُ أَنَّ التَّلَذُّذَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْبَاطِنِ فَالْبَاطِنُ هُوَ آلَةُ مَسِّهِ: وَقَوْلُهُ حَلْقَةُ الدُّبُرِ هِيَ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا أَيْضًا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَكَذَلِكَ حَلْقَةُ الْحَدِيدِ وَحَلْقَةُ الْعِلْمِ وَغَيْرُهَا كُلُّهُ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَنْتَقِضَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ: قَوْلُهُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا حُرْمَةَ لَهَا وَلَا تَعَبُّدَ عليها هذه البعارة عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَشَرَحَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وغيره فقالوا معناه لاحرمة لَهَا فِي وُجُوبِ سَتْرِ فَرْجِهَا وَتَحْرِيمِ النَّظَرِ إلَيْهِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَيْهَا فِي أَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ لَا يَنْقُضُ طُهْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الْأَسْمَاءِ: أَمَّا عَائِشَةُ وَابْنُ الْقَاصِّ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا وأما بسرة فبضم الباء واسكان السين الهملة: وَهِيَ بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أسد بن عبد العزى وورقة ابن نَوْفَلٍ عَمُّهَا وَهِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أُمُّ أُمِّهِ وَهِيَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 36

وَرَضِيَ عَنْهَا: وَأَمَّا ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ هَذَا فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ أَعْيَنَ الْمِصْرِيُّ كَانَ مِنْ أَجَلِّ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَأَفْضَتْ إلَيْهِ الرِّيَاسَةُ بِمِصْرَ بَعْدَ أَشْهَبَ وَأَحْسَنَ إلَى الشَّافِعِيِّ كَثِيرًا فَأَعْطَاهُ مِنْ مَالِهِ أَلْفَ دِينَارٍ وَأَخَذَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَلْفَيْ دِينَارٍ وُلِدَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعَ

عَشْرَةَ وَمِائَتَيْنِ رحمه الله: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) فِي الْأَحْكَامِ فَإِذَا مَسَّ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ قُبُلَ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ صَغِيرٍ أو كبير حي أوميت ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الْمَاسِّ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُتَصَوَّرُ كَوْنُ مَسِّ الرَّجُلِ قبل المرأة نافضا إذَا كَانَتْ مَحْرَمًا لَهُ أَوْ صَغِيرَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ لَمْسَهَا لَا يَنْقُضُ فَيَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِهَا بِلَا خِلَافٍ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الْمَيِّتِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ ذَكَرِ الصَّغِيرِ (2) وَحَكَى غَيْرُهُ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ فَرْجِ غَيْرِهِ إلَّا بِشَهْوَةٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الِانْتِقَاضُ بِكُلِّ ذلك ثم انه لا ضبط لسن الصغير حَتَّى لَوْ مَسَّ ذَكَرَ ابْنَ يَوْمٍ انْتَقَضَ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخَانِ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ (3)(فَرْعٌ)

وَلَوْ مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ مَسَّ ذَكَرًا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ لِأَنَّهُ لَا لَذَّةَ: (الْخَامِسَةُ) إنْ مَسَّ بِبَطْنِ الْكَفِّ وَهُوَ الرَّاحَةُ وَبَطْنُ الْأَصَابِعِ انْتَقَضَ وَإِنْ مَسَّ بِظَهْرِ الْكَفِّ فَلَا وَدَلِيلُهُ مَذْكُورٌ في الكتاب وان مس برؤوس الْأَصَابِعِ أَوْ بِمَا بَيْنَهَا أَوْ بِحَرْفِهَا أَوْ بِحَرْفِ الْكَفِّ فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْتَقِضُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ ثُمَّ الْوَجْهَانِ فِي مَوْضِعِ الِاسْتِوَاءِ مِنْ رُءُوسِ الاصابع أما الْمُنْحَرِفُ الَّذِي يَلِي الْكَفَّ فَإِنَّهُ مِنْ الْكَفِّ فينقض وجها واحدا قال الرافعي

(1) وفيه نظر بل ينبغي ان يكون على الوجهين في مس فرج الصغير اه اذرعى (2) وهذا الوجه مخالف لنصه الصريح في الام اه اذرعى (3) وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ أومس ذلك من صبى وجب عليه الوضوء اه اذرعى

ص: 37

من قال المس برؤوس الْأَصَابِعِ يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ مَا بَيْنَ الْأَظْفَارِ وَالزَّنْدِ فِي الطُّولِ وَمَنْ قَالَ لَا يَنْقُضُ قَالَ بَاطِنُ الْكَفِّ هُوَ الْقَدْرُ الْمُنْطَبِقُ إذا وضعف إحْدَى الْكَفَّيْنِ عَلَى الْأُخْرَى مَعَ تَحَامُلٍ يَسِيرٍ والتقيد بِتَحَامُلٍ يَسِيرٍ لِيَدْخُلَ الْمُنْحَرِفُ (1) وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ مَسَّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ مُسْتَقْبِلًا لِلْعَانَةِ بِبَطْنِ كَفِّهِ انتقض وان استقبلها بظهر كفه لم ينتقض قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا لَا مَعْنَى لَهُ: (السَّادِسَةُ) إذَا مَسَّ دُبُرَ نَفْسِهِ أَوْ دُبُرَ آدَمِيٍّ غَيْرِهِ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ

وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي كِتَابِهِ الْمِفْتَاحُ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَمْ يَحْكِهِ هُوَ فِي التَّلْخِيصِ وَقَدْ حَكَاهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُصَنِّفِينَ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ الْقَاصِّ عَنْ الْقَدِيمِ وَلَمْ يُنْكِرُوهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ نَجِدْ هَذَا الْقَوْلَ فِي الْقَدِيمِ فَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بالدبر ملتقى المنفذ أما ما رواء ذَلِكَ مِنْ بَاطِنِ الْأَلْيَيْنِ فَلَا يَنْقُضُ بِلَا خلاف (السابعة) إذا انقتح مَخْرَجٌ تَحْتَ الْمَعِدَةِ أَوْ فَوْقَهَا وَحَكَمْنَا بِأَنَّ الْخَارِجَ مِنْهُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقَيْنِ فَهَلْ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِمَسِّهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْتَقِضُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فُرُوعِ مَسَائِلِ الْمُنْفَتِحِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (الثَّامِنَةُ) إذَا مَسَّ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الِانْتِقَاضُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَدَمَ الِانْتِقَاضِ لِكَوْنِهِ لَا لَذَّةَ فِيهِ وَلَا يُقْصَدُ وَلَا يَكْفِي اسْمُ الذَّكَرِ كَمَا لَوْ مَسَّهُ بِظَهْرِ كَفِّهِ وَسَوَاءٌ قُطِعَ كُلُّ الذَّكَرِ أَوْ بَعْضُهُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ مَسَّ مِنْ ذَكَرِ الصَّغِيرِ الْأَغْلَفِ مَا يُقْطَعُ فِي الْخِتَانِ انْتَقَضَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مِنْ الذَّكَرِ مَا لَمْ يُقْطَعُ قَالَ فَإِنْ مَسَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْقَطْعِ لَمْ يَنْتَقِضْ لِأَنَّهُ بَائِنٌ مِنْ الذَّكَرِ لَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الذَّكَرِ (التَّاسِعَةُ) إذَا مَسَّ فَرْجَ بَهِيمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ

(1) قال في البحر بطن الكف ما بين الاظفار والزند فان مسه برؤوس الاصابع بطل وضوءه علي الصحيح في المذهب ومن اصحابنا من قال فيه وجهان وهو ضعيف قال والمس بخلال الاصابع لا ينقض نص عليه في الام وقيل فيه وجهان ولا معني له ولو مس بحرف يده لم ينقض نص عليه في البويطى اه اذرعى

ص: 38

وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ: وَحَكَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُنْقَضُ: قَالَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى في تعليقه ابن عبد الْحَكَمِ هَذَا هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ حِكَايَةِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ جَمِيعًا فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ مَذْهَبُهُ أَنَّهُ لَا يُنْقَضُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَمْ يُثْبِتْ

أَصْحَابُنَا هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ رَدَّ أَصْحَابُنَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ إلَى إثْبَاتِهِ وَجَعَلُوا فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْبَهَائِمِ وَالطَّيْرِ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ فِي فَرْجِ الْبَهِيمَةِ وَظَاهِرُهُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي قُبُلِهَا وَدُبُرِهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ الْقَوْلُ بِالنَّقْضِ إنَّمَا هُوَ بِالْقُبُلِ أَمَّا دُبُرُ الْبَهِيمَةِ فَلَا يَنْقُضُ قَطْعًا لِأَنَّ دُبُرَ الْآدَمِيِّ لَا يَلْحَقُ عَلَى الْقَدِيمِ بِقُبُلِهِ فدبر البهمية أَوْلَى: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ وَكَأَنَّهُ بَنَاهُ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَ الضَّعِيفَ فِي النَّقْضِ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ وَلَيْسَ هُوَ بِقَدِيمٍ وَلَمْ يَحْكِهِ الْأَصْحَابُ عَنْ الْقَدِيمِ وَإِنَّمَا حَكَوْهُ عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ وَيُونُسَ وَهُمَا مِمَّنْ صَحِبَ الشَّافِعِيَّ بِمِصْرَ دُونَ الْعِرَاقِ (1) فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ لَا يَنْقُضُ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَرْجِهَا فَفِي الِانْتِقَاضِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا يَنْقُضُ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ هَذَا حُكْمُ مَذْهَبِنَا فِي الْبَهِيمَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عَطَاءٍ أَنَّ مَسَّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ الْمَأْكُولَةِ يَنْقُضُ وَغَيْرُهَا لَا يَنْقُضُ وَعَنْ اللَّيْثِ يَنْقُضُ الْجَمِيعُ لِإِطْلَاقِ الْفَرْجِ وَالصَّوَابُ عَدَمُ النَّقْضِ مُطْلَقًا لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النَّقْضِ حَتَّى تَثْبُتَ السُّنَّةُ بِهِ وَلَمْ تَثْبُتْ وَإِطْلَاقُ الْفَرْجِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُعْتَادِ الْمَعْرُوفِ وَهُوَ فَرْجُ الْآدَمِيِّ والله أعلم

*

(1) هذا القول لايمنع ان يكون قديما فان البويطى والمزنى والربيع رووا عن القديم أقوالا كثيرة وهم مصريون اه اذرعى

ص: 39

(فُرُوعٌ) الْأَوَّلُ اللَّمْسُ يَنْقُضُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَحَكَى الْحَنَّاطِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّ النَّاسِي وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ: الثَّانِي إذَا مَسَّ ذَكَرًا أَشَلَّ أَوْ بِيَدٍ شَلَّاءَ انْتَقَضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ مَسَّ بِبَطْنِ أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ أَوْ كَفٍّ زَائِدَةٍ انْتَقَضَ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الِانْتِقَاضَ بِالْكَفِّ الزَّائِدَةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَانَتْ الْكَفَّانِ عَامِلَتَيْنِ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ إحْدَاهُمَا انْتَقَضَ بِهَا دُونَ الْأُخْرَى وَأَطْلَقَ الْجُمْهُورُ أَيْضًا الِانْتِقَاضَ بِالْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا إذَا كَانَتْ الزَّائِدَةُ

نَابِتَةً عَلَى وَفْقِ سَائِرِ الاصابع الاصلية فَإِنْ كَانَتْ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ لَمْ يَنْقُضْ الْمَسُّ بِبَطْنِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْ كَانَتْ الْأُصْبُعُ الزَّائِدَةُ عَلَى سُنَنِ الْأَصَابِعِ الْأَصْلِيَّةِ نَقَضَتْ فِي أصح الوجهين والافلا فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: (الثَّالِثُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَنْقُضُ مَسُّ الْأُنْثَيَيْنِ وَشَعْرِ الْعَانَةِ مِنْ الرَّجُلِ والمرأة ولا موضع الشعر ولا مابين القبل والدبر ولا مابين الْأَلْيَيْنِ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ نَفْسُ الذَّكَرِ وَحَلْقَةُ الدُّبُرِ وملتقى شفرى المرأة فان مست ما رواء الشَّفْرِ (1) لَمْ يَنْقُضْ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ امام الحرمين والبغوى وآخرون ولوجب ذكره قال أصحابنا ان بقى منه شئ شَاخِصٌ وَإِنْ قَلَّ انْتَقَضَ بِمَسِّهِ بِلَا خِلَافٍ وان لم يبق منه شئ أَصْلًا فَهُوَ كَحَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَنْتَقِضُ عَلَى الصَّحِيحِ وان نبت مَوْضِعِ الْجَبِّ جِلْدَةٌ فَمَسَّهَا فَهُوَ كَمَسِّهِ مِنْ غَيْرِ جِلْدَةٍ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ: هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عروة ابن الزُّبَيْرِ أَنَّ مَسَّ الْأُنْثَيَيْنِ وَالْأَلْيَةِ وَالْعَانَةِ يَنْقُضُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يَنْقُضُ ذَلِكَ كَمَذْهَبِنَا

* وَاحْتَجَّ لِعُرْوَةِ بِمَا رُوِيَ مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ أَوْ أُنْثَيَيْهِ أَوْ رُفْغَيْهِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ مَوْضُوعٌ إنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ عُرْوَةَ كذا قاله أهل الحديث والاصل ان لانقض إلَّا بِدَلِيلٍ وَالرُّفْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وبالغين المعجمة وهو أصل الفخذين ويقال لك مَوْضِعٍ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْوَسَخُ رُفْغٌ: (الرَّابِعُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمَسَّ بِغَيْرِ بَطْنِ الكف من الاعضاء لا ينقض الاصاحب الشَّامِلِ (2) فَقَالَ لَوْ مَسَّ بِذَكَرِهِ دُبُرَ غَيْرِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْتَقِضَ لِأَنَّهُ مَسَّهُ بِآلَةِ مَسِّهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ صَاحِبَ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وهذا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْخَبَرِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا خَبَرٌ وَصَرَّحَ الدَّارِمِيُّ ثُمَّ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَنْقُضُ فَقَالَا فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ إذَا أَجْنَبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ بِأَنْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي بَهِيمَةٍ أَوْ رَجُلٍ أَجْزَأَهُ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ ادخال

(1) قلت في فتاوى القفال انما لو مس الشعر النابت من الموضع الذي يكون مدخل الذكر أوثقبة البول أو مست موضع ختانها انتقض وضوءها لذلك كله اه اذرعى (2) الذى قاله في الشامل ونقله عنه صاحبه الشاشي في المسألة ان الذى يقتضيه المذهب ان لا ينتقض طهره والذى يقتضيه التعليل ان ينتقض وكذا نقله عنه في الذخائر وزاد فقال وذكر الشيخ أبو بكر ان الشيخ ابا اسحاق ذكر في تعليق الخلاف

ما يوافق مقتضى المذهب وهو انه لا ينتقض ووقع في البحر عن الشامل كما وقع هنا وكذا في الصبان وكانهم ارادوا احتماله اه اذرعى

ص: 40

الذكر في دبر الرجل لا ينتقض الْوُضُوءَ فَوَضْعُهُ عَلَيْهِ أَوْلَى فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِمَسِّهِ بِهِ وَلَا بِإِدْخَالِهِ لِأَنَّ الْبَابَ مَبْنِيٌّ عَلَى اتِّبَاعِ الِاسْمِ وَلِهَذَا لَوْ قَبَّلَ امْرَأَةً وَعَانَقَهَا فَوْقَ حَائِلٍ رَقِيقٍ وَأَطَالَ وَانْتَشَرَ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وَلَوْ وَقَعَ بَعْضُ رِجْلِهِ عَلَى رِجْلِهَا بِلَا قَصْدٍ انْتَقَضَ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ اللَّمْسِ مَعَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَفْحَشُ بَلْ لانسبة بَيْنَهُمَا وَوَافَقَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ مس بذكره ذكر غيره لم ينتقض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْخَامِسُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرٌ مَسْدُودٌ فَمَسَّهُ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ: (السَّادِسُ) إذَا كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ عَامِلَانِ انْتَقَضَ بِمَسِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ أَحَدَهُمَا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِالْعَامِلِ وَلَا يَنْتَقِضُ بِالْآخَرِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ أَيْضًا بِغَيْرِ الْعَامِلِ لِأَنَّهُ ذَكَرٌ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي كِتَابَيْهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْتَقِضَ بِأَحَدِ الْعَامِلَيْنِ كَالْخُنْثَى وَهَذَا غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلنَّقْلِ وَالدَّلِيل: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدَ الْعَامِلَيْنِ فِي فَرْجٍ لزمه الغسل ولو خرج من أحدهما شئ وَجَبَ الْوُضُوءُ قَالَ وَلَوْ كَانَ يَبُولُ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحْدَهُ فَحُكْمُ الذَّكَرِ جَارٍ عَلَيْهِ وَالْآخَرُ زَائِدٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ فِي نَقْضِ الطَّهَارَةِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ خُلِقَ لِلْمَرْأَةِ فَرْجَانِ فَبَالَتْ مِنْهُمَا وَحَاضَتْ انْتَقَضَ بِكُلِّ وَاحِدٍ وَإِنْ بَالَتْ وَحَاضَتْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَالْحُكْمُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ: (السَّابِعُ) الْمَمْسُوسُ ذَكَرُهُ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ كَالْمَلْمُوسِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ هُنَاكَ بِالْمُلَامَسَةِ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَهُنَا وَرَدَ بِلَفْظِ الْمَسِّ وَالْمَمْسُوسُ لَمْ يَمَسَّ: (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا انْتِقَاضُ الْوُضُوءِ بِمَسِّ فَرْجِ الْآدَمِيِّ بِبَاطِنِ الْكَفِّ وَلَا يَنْتَقِضُ بِغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَعُرْوَةُ بن الزبير وسليمان

ابن يَسَارٍ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو الْعَالِيَةِ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ

* وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَنْقُضُ الْمَسُّ بِالْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهُ يَنْقُضُ

ص: 41

بِظَهْرِ الْكَفِّ وَبَطْنِهَا وَأُخْرَى أَنَّ الْوُضُوءَ مُسْتَحَبٌّ وَأُخْرَى يُشْتَرَطُ الْمَسُّ بِشَهْوَةٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَنْقُضُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةُ وَعَمَّارُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَرَبِيعَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَسَحْنُونٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْقُضُ مَسُّهُ ذَكَرَ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ

* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ (هَلْ هُوَ الابضعة مِنْكَ) وَعَنْ أَبِي لَيْلَى قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَقْبَلَ الْحَسَنُ يَتَمَرَّغُ عَلَيْهِ فَرَفَعَ عَنْ قَمِيصِهِ وَقَبَّلَ زَبِيبَتَهُ ولانه مس عضو مِنْهُ فَلَمْ يَنْقُضْ كَسَائِرِ الْأَعْضَاءِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ وَبِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ فَاسْتَحْسَنَهُ قَالَ وَرَأَيْتُهُ يَعُدُّهُ مَحْفُوظًا وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا رَوَى الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِضْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ قِيلَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَا تَصِحُّ أَحَدُهَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ: فَالْجَوَابُ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَقَدْ صَحَّحَهُ الْجَمَاهِيرُ مِنْ الْأَئِمَّةِ الْحُفَّاظِ وَاحْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهُمْ أَعْلَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَلَوْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ يَحْتَجُّوا بِهِ: فَإِنْ قَالُوا حَدِيثُ بُسْرَةَ رَوَاهُ شُرْطِيٌّ لِمَرْوَانَ عَنْ بُسْرَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ: فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ وَثَبَتَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ الشُّرْطِيِّ: رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ إمَامِ الائمة محمد بن اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ أَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ الْوُضُوءَ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ وَبِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَقُولُ لِأَنَّ عُرْوَةَ سَمِعَ حَدِيثَ بُسْرَةَ مِنْهَا: فَإِنْ قَالُوا الْوُضُوءُ هُنَا غَسْلُ الْيَدِ قُلْنَا هَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ الْوُضُوءَ إذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ

الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ هَذَا حَقِيقَتُهُ شَرْعًا وَلَا يُعْدَلُ عَنْ الْحَقِيقَةِ إلَّا بِدَلِيلٍ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ وَمَعَانٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ صِحَّةِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ تَضْعِيفِهِ: الثَّانِي أَنَّهُ مَنْسُوخٌ فان وفادة

ص: 42

طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْنِي مَسْجِدَهُ وَرَاوِي حَدِيثِنَا أَبُو هُرَيْرَةَ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قَدِمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَشْهُورٌ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا في كتب المذهب: الثالث أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسِّ فَوْقَ حَائِلٍ لِأَنَّهُ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فِي الصَّلَاةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَمَسُّ الذَّكَرَ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَائِلٍ: وَالرَّابِعُ أَنَّ خَبَرَنَا أَكْثَرُ رُوَاةً فَقُدِّمَ: الْخَامِس أَنَّ فِيهِ احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ فَقُدِّمَ: وَأَمَّا حَدِيثُ

أَبِي لَيْلَى فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ: الثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فَوْقَ حَائِلٍ: الثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ مَسَّ زَبِيبَتَهُ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَا يَنْقُضُ غَيْرُ بَطْنِ الْكَفِّ: الرَّابِعُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ مَسِّ زَبِيبَتِهِ بِبَطْنِ كَفِّهِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَعَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِدْلَالُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَائِبِ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قِيَاسٌ يُنَابِذُ النَّصَّ فَلَا يَصِحُّ: الثَّانِي أَنَّ الذَّكَرَ تَثُورُ الشَّهْوَةُ بِمَسِّهِ غَالِبًا بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

مَسُّ الدُّبُرِ نافض عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَنْقُضُ وَلَا يَنْقُضُ مَسُّ فَرْجِ البهيمة عندنا وبه قال العلماء كافة الاعطاء والليت وَإِذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ لَا ينتقض *

قال المصنف رحمه الله تعالى

* [وان مس الخنثى المشكل فرجه أو ذكره أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ الوضوء حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذكر الاصلى وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الاصلي لم ينتقض الوضوء ولذا لَوْ تَيَقَّنَّا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ منهما لان الطهارة متيقنة ولا يزال ذلك بالشك]

*

[الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فِي بَعْضِهِ تَسَاهُلٌ فَأَنَا أَذْكُرُ الْمَذْهَبَ عَلَى ماقاله الْأَصْحَابُ وَاقْتَضَتْهُ الْأَدِلَّةُ ثُمَّ أُبَيِّنُ وَجْهَ التَّسَاهُلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَسَّ

ص: 43

الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ ذَكَرَ رَجُلٍ أَوْ فَرْجَ امْرَأَةٍ انْتَقَضَ طُهْرُ الْخُنْثَى وَلَا يَنْتَقِضُ الْمَمْسُوسُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِثْلُهُ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمَمْسُوسَ فَرْجُهُ يَنْتَقِضُ فَيَنْتَقِضُ هُنَا لِأَنَّهُ مَلْمُوسٌ أَوْ مَمْسُوسٌ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَرْجَ نَفْسِهِ أَوْ ذَكَرَ نَفْسِهِ فَلَا يَنْتَقِضُ بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ لَكِنْ يُنْدَبُ الْوُضُوءُ لِلِاحْتِمَالِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مَعًا أَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ انْتَقَضَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ مَسَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وشك هل الممسوس ثاينا هُوَ الْأَوَّلُ أَوْ الْآخَرُ لَمْ يَنْتَقِضْ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ الْأَوَّلُ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (1) أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَهُوَ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ: وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مُفْرَدَةٌ بِحُكْمِهَا وَقَدْ صَلَّاهَا مُسْتَصْحِبًا أَصْلًا صَحِيحًا فَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا كَمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَتَيْنِ وَيُخَالِفُ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهَا فَتَبْقَى وَهُنَا فَعَلَهَا قَطْعًا مُعْتَمِدًا أَصْلًا صَحِيحًا وَصَحَّحَ الرُّويَانِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْفَرِدٌ بِتَصْحِيحِهِ وَصَحَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْوَجْهَ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَلَوْ مَسَّ أَحَدَهُمَا وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ مَسَّ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ إعَادَةُ الْعَصْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا مُحْدِثًا قَطْعًا وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا مَضَتْ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَمْ يعارضها شئ (2) وَلَوْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَصَلَّى أَيَّامًا يَمَسُّ فِيهَا الذَّكَرَ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ رَجُلٌ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى إلَى جِهَةٍ أَوْ جِهَاتٍ ثُمَّ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ ظَنَّ الطَّهَارَةَ وَصَلَّى فَبَانَ مُحْدِثًا

بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّ أَمْرَهَا مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ فَيُبَاحُ تَرْكُهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ ولا يجوز ترك

(1) قال في البحر وهذا عندي خطأ بل يلزمه اعادتهما وجها واحدا كمن تيقن انه نسي سجدة في احدى الصلاتين يلزمه اعادتهما اه اذرعى (2) قال في الذخائر والصلاتان معا باطلتان لان لمس الفرج الثاني تحقيقا لمس ما تنتقض به الطهارة وشككنا في عين السبب الناقض فيحتمل ان يكون هو الثاني فتبطل الصلاة الثانية ويحتمل ان يكون هو الاول فتبطل الصلاتان معا والصلاة يؤخذ فيها بالاحتياط فيجب اعادتها كما لو صلى صلاتين بوضؤين عن حدثين ثم تحقق أنه نسي عضوا من أعضاء الطهارة في احدى طهارتيه والجامع بينهما تحقق السبب المفسد وحصول الشك في تعيين السبب دون حصول ما تنتقض به الطهارة قال هذا الذى يقتضيه النظر ولم أر للاصحاب فيها نصا انتهى لفظه اه اذرعى

ص: 44

الطَّهَارَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلِأَنَّ اشْتِبَاهَ الْقِبْلَةِ وَالْخَطَأُ فِيهَا يَكْثُرُ بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَمَتَى أَبَحْنَا لِلْخُنْثَى الصَّلَاةَ بَعْدَ مَسٍّ أَوْ لَمْسٍ أَوْ إيلَاجٍ بِنَاءً عَلَى الْأَصْلِ ثُمَّ بَانَ خِلَافُهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الطَّرِيقَانِ وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ إذَا لَمَسَاهُ أَوْ مَسَّاهُ أَوْ أَوْلَجَ فِيهِ رَجُلٌ أَوْ أَوْلَجَ هو في مرأة ولم توجب طَهَارَةً وَصَلَّى فَبَانَ الْخُنْثَى بِصِفَةٍ تُوجِبُ الطُّهْرَ فَفِي الْإِعَادَةِ الْخِلَافُ هَذَا حُكْمُ مَسِّ الْخُنْثَى نَفْسَهُ أَوْ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أَمَّا إذَا مَسَّ رَجُلٌ فَرْجَ الْخُنْثَى فَلَا يَنْتَقِضُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ عُضْوٌ زَائِدٌ وَكَذَا إذَا مَسَّتْ الْمَرْأَةُ ذَكَرَ الْخُنْثَى فَلَا وُضُوءَ لِلِاحْتِمَالِ وَلَوْ مَسَّ الرَّجُلُ ذَكَرَ الْخُنْثَى انْتَقَضَ وُضُوءُ الرَّجُلِ لِأَنَّ الْخُنْثَى إنْ كَانَ رَجُلًا فَقَدْ مَسَّ ذَكَرَهُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَهَا بِلَمْسِ عُضْوِهَا الزَّائِدِ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَالْمَمْسُوسُ لَا يَنْتَقِضُ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب ومرادهم التفريع على المذهب وهو أن المموس لَا يَنْتَقِضُ وَأَنَّ الْعُضْوَ الزَّائِدَ يَنْقُضُ لَمْسُهُ وَلَوْ مَسَّتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَ الْخُنْثَى فَهُوَ كَمَسِّ الرجل ذكر الخنثى فتنتقض المرأة لانه ان كان رجلا فقد لمسه وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَقَدْ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَهِيَ لَامِسَةٌ أَوْ مَاسَّةٌ وَلَا يَنْتَقِضُ الْخُنْثَى بِمَا سَبَقَ وَإِنْ مَسَّ

الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَرْجَيْ الْخُنْثَى انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَضَابِطُهُ أَنَّ مَنْ مَسَّ من الخنثى ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ وَإِلَّا فَلَا: فَيَنْتَقِضُ الرَّجُلُ بِمَسِّهِ ذَكَرَ الْخُنْثَى لَا فَرْجَهُ وَالْمَرْأَةُ عَكْسُهُ وَأَمَّا إذَا مَسَّ الْخُنْثَى خُنْثَى فَيُنْظَرُ إنْ مَسَّ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ الْمَاسُّ وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَ مُشْكِلٍ وَذَكَرَ مُشْكِلٍ آخَرَ انْتَقَضَ لِأَنَّهُ مَسَّ أَوْ لَمَسَ وَإِنْ مَسَّ أَحَدَ فَرْجَيْ الْمُشْكِلِ لَمْ يَنْتَقِضْ كَالْوَاضِحِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَلَوْ لَمَسَ إحْدَى الْخُنْثَيَيْنِ فَرْجَ صَاحِبِهِ وَمَسَّ الْآخَرُ ذَكَرَ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُمَا إنْ كَانَا رَجُلَيْنِ انْتَقَضَ مَاسُّ الذَّكَرِ أَوْ انثيين انتقض ماس الفرج أو رجل وَامْرَأَةً انْتَقَضَا جَمِيعًا فَانْتِقَاضُ أَحَدِهِمَا مُتَيَقَّنٌ لَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ وَالْأَصْلُ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ الطَّهَارَةُ فَلَا تَبْطُلُ بِالِاحْتِمَالِ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يُصَلِّيَ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ الْخُنْثَى وَبَيْنَ مَنْ مَسَّهُ مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ غَيْرُهَا مِمَّا يَمْنَعُ نَقْضَ الْوُضُوءِ بِاللَّمْسِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَخْفَ حُكْمُهُ بِتَقْدِيرِ أَحْوَالِهِ وحيث لا ينقض في هذه الصور

ص: 45

يتسحب الْوُضُوءُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِقَاضِ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَوْ مَسَّ ذَلِكَ مِنْهُ غَيْرُهُ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْفَرْجَ الْأَصْلِيَّ أَوْ الذَّكَرَ الْأَصْلِيَّ فَهَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَيْرَهُ ان كان مس منه ماله مِثْلُهُ انْتَقَضَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ لِأَنَّهُ مَاسٌّ أَوْ لَامِسٌ وَيُجَابُ عَنْ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ مُرَادَهُ لَا يَنْتَقِضُ بِسَبَبِ الْمَسِّ فَإِنَّ الْكَلَامَ فِيهِ: وَأَمَّا إذا مس منه ماله مِثْلُهُ فَيَنْتَقِضُ بِسَبَبِ اللَّمْسِ أَوْ الْمَسِّ لَا بِالْمَسِّ عَلَى التَّعْيِينِ وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ بِكُلِّ سَبَبٍ وَلَكِنَّ كَلَامَهُ مُوهِمٌ وَقَوْلُهُ وَمَتَى جُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِي مَسَّهُ غَيْرَ الْأَصْلِيِّ لَمْ يَنْتَقِضْ هَذَا مُكَرَّرٌ وَزِيَادَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا لِأَنَّهُ قَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ لَمْ يَنْتَقِضْ حَتَّى يَتَحَقَّقَ أَنَّهُ مَسَّ الْأَصْلِيَّ إلا أن فيه ضربا من والتأكيد فلهذا ذكره وقوله وكذا لوتيقنا أَنَّهُ انْتَقَضَ طُهْرُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ نَعْرِفْهُ بِعَيْنِهِ لَمْ نُوجِبْ الْوُضُوءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِثَالُهُ مَسُّ أَحَدِ الْخُنْثَيَيْنِ ذَكَرَ صَاحِبِهِ وَالْآخَرِ فَرْجَ الْأَوَّلِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

هَذَا أول موضع جرى فيه شئ مِنْ أَحْكَامِ الْخُنْثَى فِي الْكِتَابِ وَلِبَيَانِ أَحْكَامِهِ وَصِفَاتِ وُضُوحِهِ وَأَشْكَالِهِ مَوَاطِنُ: مِنْهَا هَذَا الْبَابُ وَبَابُ الْحَجْرِ وَكِتَابُ الْفَرَائِضِ وَكِتَابُ النِّكَاحِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ عَادَاتٌ مُخْتَلِفَةٌ فَبَعْضُهُمْ ذَكَرَهُ هُنَا كَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَآخَرِينَ وَبَعْضُهُمْ فِي الْحَجْرِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهُ هُنَاكَ شَيْئًا وَأَكْثَرُهُمْ ذَكَرُوهُ فِي الفرائض ومنهم المصنف في المذهب وَبَعْضُهُمْ فِي

النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَبَعْضُهُمْ أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ كَالْقَاضِي أَبِي الْفُتُوحِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِيهِ فَصْلَيْنِ حَسَنَيْنِ قُبَيْلَ كِتَابِ الصَّدَاقِ وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي الْخُطْبَةِ أَنِّي أُقَدِّمُ مَا أَمْكَنَ تَقْدِيمُهُ فِي أَوَّلِ مَوَاطِنِهِ فَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُعْظَمَ أَحْكَامِهِ مُخْتَصَرَةً جِدًّا وَسَأُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَوَاطِنِهَا أَيْضًا مُفَصَّلَةً وَالْكَلَامُ فِيهِ يَحْصُرُهُ فَصْلَانِ أَحَدُهُمَا فِي طَرِيقِ مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ وَبُلُوغِهِ وَالثَّانِي فِي أَحْكَامِهِ فِي حَالِ الْإِشْكَالِ

* أَمَّا الْفَصْلُ الْأَوَّلُ فَفِي مَعْرِفَةِ حَالِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي الْخُنْثَى مَا رَوَى الْكَلْبِيُّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي مَوْلُودٍ لَهُ مَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلنِّسَاءِ يُورَثُ مِنْ حَيْثُ يَبُولُ وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ وَالْكَلْبِيُّ وَأَبُو صَالِحٍ هَذَانِ ضَعِيفَانِ وَلَيْسَ هُوَ أَبَا صَالِحٍ ذَكْوَانَ السِّمَّانِ الرَّاوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عن أبي هريرة وروى عن علي ابن أَبِي طَالِبٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُهُ

* وَاعْلَمْ أَنَّ الْخُنْثَى ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ أَنْ يكون له

ص: 46

فَرْجُ الْمَرْأَةِ وَذَكَرُ الرَّجُلِ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ ثُقْبَةٌ يَخْرُجُ مِنْهَا الْخَارِجُ وَلَا تُشْبِهُ فَرْجَ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الضَّرْبُ الثَّانِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَاتٌ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحُكْمُ هَذَا الثَّانِي أَنَّهُ مُشْكِلٌ يُوقَفُ أَمْرُهُ حَتَّى يَبْلُغَ فَيَخْتَارَ لِنَفْسِهِ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ طَبْعُهُ مِنْ ذُكُورَةٍ وَأُنُوثَةٍ فَإِنْ أَمْنَى عَلَى النِّسَاءِ وَمَالَ إلَيْهِنَّ طَبْعُهُ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ عَكْسَهُ فَامْرَأَةٌ وَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِ هَذَا: وَأَمَّا الضَّرْبُ الْأَوَّلُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ التَّفْرِيعُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وَلَيْسَ قِسْمًا ثَالِثًا وَالطَّرِيقُ إلَى مَعْرِفَةِ ذُكُورَتِهِ وَأُنُوثَتِهِ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا الْبَوْلُ فَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الرِّجَالِ فَقَطْ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ بَالَ بِآلَةِ الْمَرْأَةِ فَقَطْ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِهِمَا جَمِيعًا نُظِرَ إنْ اتَّفَقَا فِي الْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقَدْرِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا دَلَالَةَ فِي الْبَوْلِ فَهُوَ مُشْكِلٌ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَامَةٌ أُخْرَى: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا يَنْقَطِعَانِ مَعًا وَيَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا فِي الِابْتِدَاءِ فَهُوَ لِلْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَتَأَخَّرَ انْقِطَاعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ لِلْمُتَأَخِّرِ وَإِنْ تَقَدَّمَ أَحَدُهُمَا وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ فَهُوَ لِلسَّابِقِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وقيل لادلالة وَإِنْ اسْتَوَيَا

فِي الِابْتِدَاءِ وَالِانْقِطَاعِ وَكَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ وَزْنًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُحْكَمُ بِأَكْثَرِهِمَا وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لادلالة فِيهِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَلَوْ زَرَقَ كَهَيْئَةِ الرَّجُلِ أَوْ رَشَشَ كَعَادَةِ الْمَرْأَةِ فوجهان أصحهما لادلالة فِيهِ: وَالثَّانِي يَدُلُّ فَعَلَى هَذَا إنَّ زَرَقَ بِهِمَا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ رَشَشَ بِهِمَا فَامْرَأَةٌ وَإِنْ زَرَقَ بِأَحَدِهِمَا وَرَشَشَ بِالْآخَرِ فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ لَمْ يَبُلْ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَبَالَ مِنْ ثُقْبٍ آخَرَ فَلَا دَلَالَةَ فِي بَوْلِهِ: وَمِنْهَا الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الرَّجُلِ فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِفَرْجِ الْمَرْأَةِ أَوْ حَاضَ بِهِ فَهُوَ امْرَأَةٌ وَشَرْطُهُ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ أَنْ يَكُونَ فِي زَمَنِ إمْكَانِ خُرُوجِ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَأَنْ يَتَكَرَّرَ خُرُوجُهُ لِيَتَأَكَّدَ الظَّنُّ بِهِ ولا يتوهم كونه اتفاقيا ولو امني بالفرجين فوجهان أحدهما لادلالة وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ أَمْنَى مِنْهُمَا بِصِفَةِ مَنِيِّ الرجال فَرَجُلٌ وَإِنْ أَمْنَى بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ فَامْرَأَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَنِيَّ بِصِفَةِ مَنِيِّ الرِّجَالِ يَنْفَصِلُ مِنْ رَجُلٍ وَبِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ يَنْفَصِلُ مِنْ امْرَأَةٍ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بصفة مني الرجال اومن فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّ النِّسَاءِ أَوْ أَمْنَى مِنْ فَرْجِ الرِّجَالِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِمْ وَمِنْ فَرْجِ النِّسَاءِ بِصِفَةِ مَنِيِّهِنَّ

ص: 47

فَلَا دَلَالَةَ وَلَوْ تَعَارَضَ بَوْلٌ وَحَيْضٌ فَبَالَ مِنْ فَرْجِ الرَّجُلِ وَحَاضَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا دَلَالَةَ لِلتَّعَارُضِ: وَالثَّانِي يُقَدَّمُ الْبَوْلُ لِأَنَّهُ دَائِمٌ مُتَكَرِّرٌ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَمِيلُ إلَى الْبَوْلِ: قَالَ وَالْوَجْهُ عِنْدِي الْقَطْعُ بِالتَّعَارُضِ وَلَوْ تَعَارَضَ الْمَنِيُّ وَالْحَيْضُ فثلاثة أوجه ذكرها البغوي وغيره أحدها وهو قول أبي اسحق إنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ الْحَيْضَ مُخْتَصٌّ بِالنِّسَاءِ وَالْمَنِيَّ مُشْتَرَكٌ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ إنَّهُ رَجُلٌ لِأَنَّ الْمَنِيَّ حَقِيقَةٌ وَلَيْسَ دَمُ الحيض حقيقة: والثالث لادلالة لِلتَّعَارُضِ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْأَعْدَلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا الْوِلَادَةُ وَهِيَ تُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْأُنُوثَةِ وَتُقَدَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْعَلَامَاتِ الْمُعَارِضَةِ لَهَا لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الخناثي لو ألقى الخنثى مضغة وقال القوا بل إنَّهَا مَبْدَأُ خَلْقِ آدَمِيٍّ حُكِمَ بِأَنَّهَا امْرَأَةٌ وَإِنْ شَكَكْنَ دَامَ الْإِشْكَالُ: قَالَ وَلَوْ انْتَفَخَ بطنه فظهرت امارة حَمْلٍ لَمْ يُحْكَمْ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ حَتَّى

يَتَحَقَّقَ الْحَمْلُ أَمَّا نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَنُهُودُ الثَّدْيِ فَفِيهِمَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ النَّبَاتُ عَلَى الذُّكُورَةِ وَالنُّهُودُ عَلَى الْأُنُوثَةِ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ لَا تَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلرِّجَالِ وَالثَّدْيَ لَا يَكُونُ غَالِبًا إلَّا لِلنِّسَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا دَلَالَةَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَخْتَلِفُ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ عَدَمَ اللِّحْيَةِ فِي وَقْتِهِ لَا يَدُلُّ لِلْأُنُوثَةِ وَلَا عَدَمَ النُّهُودِ فِي وَقْتِهِ لِلذُّكُورَةِ فَلَوْ جَازَ الِاسْتِدْلَال بِوُجُودِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ لَجَازَ بِعَدَمِهِ عَمَلًا بِالْغَالِبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُعَارِضُ نَبَاتُ اللِّحْيَةِ وَالنُّهُودُ شَيْئًا مِنْ الْعَلَامَاتِ الْمُتَّفَقِ عليها قلت والحق عندي انه ان كثفت اللحية وعظمت فهو رجل لان هذا لا يتفق للنساء وان خفت فمشكل لانه يتفق للنساء قاله أحمد الاوزاعي: وَأَمَّا نُزُولُ اللَّبَنِ مِنْ الثَّدْيِ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بانه لادلالة فِيهِ لِلْأُنُوثَةِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ لادلالة: وَأَمَّا عَدَدُ الْأَضْلَاعِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ كَانَتْ أَضْلَاعُهُ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ نَاقِصَةً ضِلْعًا فَهُوَ رَجُلٌ وَإِنْ تَسَاوَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فامرأة ولم يذكر البول غيره: والثاني لادلالة فِيهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ لِأَنَّ هَذَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَلَا فِي كُتُبِ التَّشْرِيحِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قِيلَ مِنْ تَفَاوُتِ الْأَضْلَاعِ لَسْتُ أَفْهَمُهُ وَلَا أَدْرِي فَرْقًا بين الرجال والسناء وقال صَاحِبُ الْحَاوِي لَا أَصْلَ لِذَلِكَ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى تَقْدِيمِ الْمُبَالِ عَلَيْهِ يَعْنِي وَلَوْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ لَقُدِّمَ عَلَى الْمُبَالِ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ حِسِّيَّةٌ كَالْوِلَادَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْعَلَامَاتِ شَهْوَتُهُ وَمَيْلُهُ إلَى النِّسَاءِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنْ قَالَ أَشْتَهِي النِّسَاءَ وَيَمِيلُ طَبْعِي إلَيْهِنَّ حُكِمَ بِأَنَّهُ رَجُلٌ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَى الرِّجَالِ حُكِمَ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ بِمَيْلِ الرَّجُلِ إلَى الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةِ إلَى الرَّجُلِ وَإِنْ قَالَ أَمِيلُ إلَيْهِمَا مَيْلًا وَاحِدًا أَوْ لَا أَمِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ مُشْكِلٌ: وَقَالَ اصحابنا وانما

ص: 48

نراجعه في ميله وشهرته وَنَقْبَلُ فِي ذَلِكَ قَوْلَهُ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ السَّابِقَةِ فَأَمَّا مَعَ وَاحِدَةٍ مِنْهَا فَلَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ لِأَنَّ الْعَلَامَةَ حِسِّيَّةٌ وَمَيْلَهُ خَفِيٌّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا نَقْبَلُ قَوْلَهُ فِي الْمَيْلِ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعَقْلِهِ كَسَائِرِ أَخْبَارِهِ وَلِأَنَّ الْمَيْلَ إنَّمَا يَظْهَرُ بَعْدَ الْبُلُوغِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُقْبَلُ قَوْلُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ فِي هَذَا كَالتَّخْيِيرِ بين الابوين في الحضانة وهذا ليس بشئ لان تخيبره بَيْنَ الْأَبَوَيْنِ تَخْيِيرُ شَهْوَةٍ لِلرِّفْقِ بِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ بِخِلَافِ قَوْلِ

الْخُنْثَى فَإِنَّهُ إخْبَارٌ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَلَيْسَ مَوْضُوعًا لِلرِّفْقِ وَلِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حُقُوقٌ كَثِيرَةٌ فِي النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْعِبَادَاتِ لَهُ وَعَلَيْهِ وَهُوَ أَيْضًا لَازِمٌ لَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا عَلَى إخْبَارِهِ فُرُوعًا أَحَدُهَا أَنَّهُ إذَا بَلَغَ وَفُقِدَتْ الْعَلَامَاتُ وَوُجِدَ الْمَيْلُ لَزِمَهُ أَنْ يُخْبِرَ بِهِ لِيُحْكَمَ بِهِ وَيُعْمَلَ عَلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ وَفَسَقَ كَذَا قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: الثَّانِي أَنَّ الْإِخْبَارَ إنَّمَا هُوَ بِمَا نَجِدُهُ مِنْ الْمَيْلِ الجبلى ولايجوز الْإِخْبَارُ بِلَا مَيْلٍ بِلَا خِلَافٍ: (الثَّالِثُ) إذَا أَخْبَرَ بِمَيْلِهِ إلَى أَحَدِهِمَا عُمِلَ بِهِ وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَنْهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ فَلَوْ كَذَّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يُخْبِرَ أَنَّهُ رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ بَطَلَ قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ وَكَذَا لَوْ ظَهَرَ حَمْلٌ وَتَبَيَّنَّاهُ كَمَا لَوْ حكمنا بأنه رجل بشئ مِنْ الْعَلَامَاتِ ثُمَّ ظَهَرَ حَمْلٌ فَإِنَّا نُبْطِلُ ذَلِكَ وَنَحْكُمُ بِأَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فَإِذَا أَخْبَرَ لَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ بِأَنْ يَقُولَ أَنَا رَجُلٌ ثُمَّ يَلِدُ فَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْ قَبُولِ رُجُوعِهِ مَا إذَا وَلَدَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْحُكْمِ بأنوثته رجوعه إلَيْهَا وَذَلِكَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ بِلَا خِلَافٍ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْعِلْمِ بِالْحَمْلِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ أُنْثَى وَإِنْ لَمْ يَرْضَ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ قَالَ فَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ بَلْ يَجْرِي عليه الاحكام الا أن يكذبه الحسن فَالِاسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَرَيَانِ الْأَحْكَامِ لَا إلَى قَبُولِ الرُّجُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَنْعِ قَبُولِ الرُّجُوعِ هُوَ فِيمَا عَلَيْهِ وَيُقْبَلُ رُجُوعُهُ عَمَّا هُوَ لَهُ قَطْعًا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ امام الحرمين وأهمله الغزال وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: (الرَّابِعُ) إذَا أَخْبَرَ حُكِمَ بِقَوْلِهِ في جميع الاحكام سواء ماله وما عليه قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ ابْنَ عَشْرِ سِنِينَ لَوْ قَالَ بَلَغْتُ صَدَّقْنَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ أَعْرَفُ بِمَا جُبِلَ عَلَيْهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ لِلْخُنْثَى قَرِيبٌ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَإِرْثُهُ بِهَا يَزِيدُ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُكِمَ لَهُ بِمُقْتَضَاهُ: وَلَوْ قُطِعَ طَرَفُهُ فَأَخْبَرَ بِالذُّكُورَةِ وَجَبَ لَهُ دِيَةُ رَجُلٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ لَوْ أَقَرَّ الْخُنْثَى بَعْدَ الْجِنَايَةِ عَلَى ذَكَرِهِ بأنه رجل

ص: 49

فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِإِيجَابِ الْقِصَاصِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُقْبَلُ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَعْدَ الْجِنَايَةِ إذَا كَانَ يَتَضَمَّنُ ثُبُوتَ حَقٍّ لَوْلَاهُ لَمْ يَثْبُتْ مَالًا كَانَ أَوْ قِصَاصًا لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْإِمَامُ ظَاهِرٌ وَالْخِلَافُ فِي إقْرَارِهِ بَعْدَ

الْجِنَايَةِ أَمَّا قَبْلَهُ فَمَقْبُولٌ فِي كُلِّ شئ بِلَا خِلَافٍ: (الْخَامِسُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرْجَعُ إلَى قَوْلِهِ إذَا عَجَزْنَا عَنْ الْعَلَامَاتِ فَلَوْ حَكَمْنَا بِقَوْلِهِ ثُمَّ وُجِدَ بَعْضُ الْعَلَامَاتِ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه كَلَامُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ قَوْلُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُرْجَعُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُكَذِّبَهُ الْحِسُّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِدَلِيلٍ فلا يترك بظن مثله بل لابد مِنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ احْتِمَالَيْنِ لِنَفْسِهِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يُحْتَمَلُ أَنْ يُحْكَمَ بِالْعَلَامَةِ كَمَا لَوْ تَدَاعَى اثْنَانِ طِفْلًا وَلَيْسَ هُنَاكَ قَائِفٌ فَانْتَسَبَ بَعْدَ بُلُوغِهِ إلَى أَحَدِهِمَا ثُمَّ وَجَدْنَا قَائِفًا فَإِنَّا نُقَدِّمُ الْقَائِفَ عَلَى إخْبَارِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* الْفَصْلُ الثَّانِي فِي أَحْكَامِ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُهَذَّبِ مُخْتَصَرَةٌ جِدًّا فَإِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ الْخُنْثَى بِعَلَامَةٍ وَلَا إخْبَارِهِ بَقِيَ عَلَى إشْكَالِهِ وَحَيْثُ قَالُوا خُنْثَى فَمُرَادُهُمْ الْمُشْكِلُ وَقَدْ يُطْلِقُونَهُ نَادِرًا عَلَى الَّذِي زَالَ إشْكَالُهُ لِقَرِينَةٍ يُعْلَمُ بِهَا كَقَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ فِي بَابِ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ وَإِنْ وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ خُنْثَى فَفِي ثُبُوتِ الْخِيَارِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ نُبْذَةٌ مِنْ أَحْكَامِهِ

* إذَا تَوَضَّأَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ أَوْ اغْتَسَلَ أَوْ تَيَمَّمَ لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ بِسَبَبِ إيلَاجٍ وَمُلَامَسَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ حَكَمْنَا بِانْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ صَارَ الْمَاءُ وَالتُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا وَكُلُّ مَوْضِعٍ لَمْ يُحْكَمْ بِانْتِقَاضِهَا لِلِاحْتِمَالِ فَفِي مَصِيرِهِ مُسْتَعْمَلًا الْوَجْهَانِ فِي الْمُسْتَعْمَلِ في نفل الطَّهَارَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَفِي خِتَانِهِ وجهان سبقا في باب السواك الاصح لايختن وَحُكْمُ لِحْيَتِهِ الْكَثِيفَةِ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ فِي الْوُضُوءِ لافى اسْتِحْبَابِ حَلْقِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْوُضُوءِ: ولو خرج شئ مِنْ فَرْجَيْهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ سَبَقَتْ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَلَوْ لَمَسَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً أو لمسه أحدهما لم يجب الْوُضُوءُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ وَإِنْ مَسَّ ذَكَرَ نَفْسِهِ أَوْ فَرْجَهُ أَوْ فَرْجَ خُنْثَى آخَرَ أَوْ ذَكَرَهُ لَمْ يَنْتَقِضْ: وَكَذَا لَوْ مَسَّ فَرْجَهُ رَجُلٌ أَوْ ذَكَرَهُ امْرَأَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَلَوْ مَسَّ إنْسَانٌ ذَكَرًا مَقْطُوعًا وَشَكَّ هَلْ هُوَ ذَكَرُ خُنْثَى أَوْ ذَكَرُ رَجُلٍ قال القاضي أبو الفتوح في كتابه كتاب الْخَنَاثَى يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَنْتَقِضَ قَطْعًا لِلشَّكِّ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي ذَكَرِ الرَّجُلِ الْمَقْطُوعِ لِنُدُورِهِ (1) وَلَا يَجْزِيهِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ فِي قُبُلَيْهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ وَجْهَانِ: وَلَوْ اولج في فرج أو

(1) يحتمل ان يكون على الوجهين في العضو المبان من المرأة فان الاصح منهما عدم النقض بخلاف الذكر المقطوع فان الاصح النقض وهذا هو المنصوص في المسألتين وتقدم الفرق بينهما اه اذرعى

ص: 50

أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي قُبُلِهِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حكم الوطئ فَلَوْ أَوْلَجَ فِي امْرَأَةٍ وَأَوْلَجَ فِي قُبُلِهِ رَجُلٌ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْخُنْثَى وَيَبْطُلَ صَوْمُهُ وَحَجُّهُ لِأَنَّهُ إمَّا رَجُلٌ أَوْلَجَ وَإِمَّا امْرَأَةٌ وُطِئَتْ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الصَّوْمِ إنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امرأة وَيُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَكُلُّ مَوْضِعٍ لا نوجب الغسل على الخنثي لانبطل صَوْمَهُ وَلَا حَجَّهُ وَلَا نُوجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي أَوْلَجَ فِيهَا عِدَّةً وَلَا مَهْرَ لَهَا: وَلَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ وَنَزَعَهُ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً فَقَدْ لَمَسَتْ رَجُلًا وخرج من دبر الرجل شئ فَغَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاجِبٌ وَالزِّيَادَةُ مَشْكُوكٌ فِيهَا وَالتَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ وَاجِبٌ لِتَصِحَّ طَهَارَتُهُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ وَهُوَ غَلَطٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّ خُنْثَيَيْنِ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ فَلَا شئ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِاحْتِمَالِ زِيَادَةِ الْفَرْجَيْنِ.

وَلَوْ أَوْلَجَ كُلُّ وَاحِدٍ فِي دُبُرِ صَاحِبِهِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ بِالْإِخْرَاجِ وَلَا غُسْلَ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُمَا امْرَأَتَانِ: وَلَوْ أَوْلَجَ أَحَدُهُمَا فِي فَرْجِ صَاحِبِهِ وَالْآخَرُ فِي دُبُرِ الْأَوَّلِ لَزِمَهُمَا الْوُضُوءُ (1) بِالنَّزْعِ لِاحْتِمَالِ انهما امرأتان ولاغسل: وَإِذَا أَمْنَى الْخُنْثَى مِنْ فَرْجَيْهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ وَمِنْ أَحَدِهِمَا قِيلَ يَجِبُ وَقِيلَ وَجْهَانِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ وَحَاضَ مِنْ الفرج وحكمنا ببلوغه وإشكاله لم يجزله تَرْكُ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ لِذَلِكَ الدَّمِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ: فَإِذَا انْقَطَعَ الدَّمُ اغْتَسَلَ لِجَوَازِ كَوْنِهِ امْرَأَةً: وَلَوْ أَمْنَى مِنْ الذَّكَرِ اغْتَسَلَ وَلَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ وَلَا يَقْرَأُ حَتَّى يَغْتَسِلَ هَكَذَا نَقَلَ الْبَغَوِيّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ قَالَ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَلَا يُمْنَعُ الْمُصْحَفَ وَالْقُرْآنَ كَمَا لَا يَتْرُكُ الصَّلَاةَ لِذَلِكَ الدَّمِ: فَإِنْ أَمْنَى مَعَهُ وَجَبَ كَمَا لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِمَسِّ أَحَدِ فَرْجَيْهِ وَيَجِبُ لَهُمَا جَمِيعًا قَالَ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتِيَاطٌ: (قُلْتُ) وَقَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْفَرْجَيْنِ وَإِنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ رَجُلٌ وَهَذَا دَمُ فَسَادٍ بِخِلَافِ الْمَنِيِّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ فَاسِدًا: وَبَوْلُ الْخُنْثَى الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا كَالْأُنْثَى فَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: وَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الرَّأْسِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْبَغَوِيّ وَكَثِيرُونَ: وَقَالَ أَبُو الْفُتُوحِ يَجِبُ عَلَيْهِ سَتْرُ جميع عورة

المرأة فان كشف بعضها مِمَّا سِوَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَمَرْنَاهُ بِسَتْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى كَذَلِكَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ: وَذَكَرَ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَيْنِ وَلَا يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَالْمَرْأَةِ وقال أبو الفتوح لا نأمره بالمجافاة

(1) قوله لزمهما الوضوء فيه نظر فان المولج في فرجه لا ينتقض وضوءه لاحتمال انهما رجلان الا إذا قلنا المنفتح تحت المعدة مع انفتاح الاصلى ينقض الخارج منه اه اذرعى

ص: 51

وَلَا بِتَرْكِهَا بَلْ يَفْعَلُ أَيُّهُمَا شَاءَ وَالْمُخْتَارُ ما قدمناه وإذا نابه شئ فِي صَلَاتِهِ صَفَّقَ كَالْمَرْأَةِ وَلَا يَؤُمُّ رَجُلًا وَلَا خُنْثَى فَإِنْ أَمَّ نِسَاءً وَقَفَ قُدَّامَهُنَّ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ: قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ بَانَ رَجُلًا وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ لَزِمَهُ السَّعْيُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الظُّهْرِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ الرَّجُلَ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ لَا يُجْزِئُهُ: قَالَ وَلَوْ صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ أَوْ خَطَبَ أَوْ كَمَلَ بِهِ الْعَدَدُ لَزِمَهُمْ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يُعِيدُوا حَتَّى بَانَ رَجُلًا قَالَ فَفِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ: وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ: وَإِذَا مَاتَ فَإِنْ كَانَ لَهُ قَرِيبٌ مِنْ المحارم غسله وإلا فأوجه أصحه عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُغَسِّلُهُ الْأَجَانِبُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلضَّرُورَةِ وَاسْتِصْحَابًا لِمَا كَانَ فِي الصِّغَرِ: وَالثَّانِي يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ هُنَاكَ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ: قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالثَّالِثُ يَشْتَرِي لَهُ جَارِيَةً مِنْ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ تُغَسِّلُهُ ثُمَّ تُبَاعُ وَهَذَا ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ: وَالرَّابِعُ هُوَ كَرَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لَمْ يَحْضُرْهُمَا إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ أَجْنَبِيٌّ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يُيَمَّمُ: وَالثَّانِي يُغَسَّلُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَهَذَا الرَّابِعُ اخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ: وَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ كَالْمَرْأَةِ: وَإِذَا مَاتَ مُحْرِمًا قَالَ الْبَغَوِيّ لَا يُخَمَّرُ رَأْسُهُ وَلَا وَجْهُهُ وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فَهُوَ حَسَنٌ احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ إنْ كَانَ رَجُلًا وَجَبَ كَشْفُ رَأْسِهِ وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً وَجَبَ كَشْفُ الْوَجْهِ فَالِاحْتِيَاطُ كَشْفُهُمَا وَإِنْ أَرَادَ وُجُوبَ ذَلِكَ فَهُوَ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِي كَشْفُ أَحَدِهِمَا: وَيَقِفُ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ عِنْدَ عَجِيزَتِهِ كَالْمَرْأَةِ: وَلَوْ حَضَرَ جَنَائِزَ قَدَّمَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ ثُمَّ الصَّبِيَّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ: وَلَوْ صَلَّى الْخُنْثَى عَلَى الْمَيِّتِ فَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ وَلَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: وَيَتَوَلَّى حَمْلَ الْمَيِّتِ

وَدَفْنَهُ الرِّجَالُ فَإِنْ فُقِدُوا فَالْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا فِي الزَّكَاةِ أُنْثَى لَمْ تُجْزِئْ الْخُنْثَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الذَّكَرَ أَجْزَأَ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِقُبْحِ صُورَتِهِ وَيُعَدُّ نَاقِصًا: وَلَا يُبَاحُ لَهُ حُلِيُّ النِّسَاءِ وَكَذَا لَا يُبَاحُ لَهُ أَيْضًا حُلِيُّ الرِّجَالِ لِلشَّكِّ فِي إبَاحَتِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ: وَلَوْ كَانَ صَائِمًا فَبَاشَرَ بِشَهْوَةٍ فَأَمْنَى بِأَحَدِ فَرْجَيْهِ أَوْ رَأَى الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً لَمْ يُفْطِرْ وَإِنْ اجْتَمَعَا أَفْطَرَ: وَلَيْسَ لَهُ الِاعْتِكَافُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهِ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَبِي الْفُتُوحِ قَالَ وَلَا يَبْطُلُ اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِ الدَّمِ مِنْ فَرْجِهِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلْوِيثَهُ: وَلَوْ أُولِجَ فِي دُبُرِهِ بَطَلَ اعتكافه

ص: 52

وَلَوْ أُولِجَ فِي قُبُلِهِ أَوْ أَوْلَجَ هُوَ فِي رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ اعْتِكَافِهِ قَوْلَانِ كَالْمُبَاشَرَةِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ قَالَ أَبُو الْفُتُوحِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَجُّ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ كَأَخِيهِ وَأَخَوَاتِهِ يَخْرُجُونَ مَعَهُ وَلَا أَثَرَ لِنِسْوَةٍ ثِقَاتٍ أَجْنَبِيَّاتٍ فَإِنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَحْرَمَ فَسَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ وَجْهَهُ فَلَا فِدْيَةَ فَإِنْ سَتَرَهُمَا وَجَبَتْ وَإِنْ لَبِسَ الْمَخِيطَ وَسَتَرَ وَجْهَهُ وَجَبَتْ: وَإِنْ لَبِسَهُ وَسَتَرَ رَأْسَهُ فَلَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ امْرَأَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمَخِيطِ فَإِنْ لَبِسَهُ اُسْتُحِبَّتْ الْفِدْيَةُ: وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ وَلَا يَرْمُلُ وَلَا يَضْطَبِعُ وَلَا يَحْلِقُ بَلْ يُقَصِّرُ وَيَمْشِي فِي كُلِّ المسعى ولا يعسى كَالْمَرْأَةِ: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطُوفَ وَيَسْعَى لَيْلًا كَالْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ فَإِنْ طَافَ نَهَارًا طَافَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ: وَلَهُ حُكْمُ الْمَرْأَةِ فِي الذَّبْحِ فَالرَّجُلُ أَوْلَى مِنْهُ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَوْلَجَ الْبَائِعُ أَوْ الْمُشْتَرِي فِي زَمَنِ الْخِيَارِ أَوْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ فِي فَرْجِ الخنثي فليس له حكم الوطئ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ وَغَيْرِهِ: قَالَ فَإِنْ اخْتَارَ الانوثة بعده تعلق بالوطئ السَّابِقِ الْحُكْمُ: وَلَوْ اشْتَرَى خُنْثَى قَدْ وَضَحَ وَبَانَ رَجُلًا فَوَجَدَهُ يَبُولُ بِفَرْجَيْهِ فَهُوَ عَيْبٌ لِأَنَّ ذَلِكَ لِاسْتِرْخَاءِ الْمَثَانَةِ وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِفَرْجِ الرِّجَالِ فَلَيْسَ بِعَيْبٍ: وَإِذَا وُكِّلَ فِي قَبُولِ نِكَاحٍ أَوْ طَلَاقٍ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْمَرْأَةِ لِلشَّكِّ فِي أَهْلِيَّتِهِ (1) فَلَوْ أَوْلَجَ فِيهِ غَاصِبٌ قَهْرًا فَلَا مَهْرَ كَمَا سَبَقَ: وَلَا يَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْبَنِينَ وَلَا عَلَى الْبَنَاتِ وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَيْهِمَا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ: وَيَدْخُلُ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْأَوْلَادِ وَلَيْسَ لِمَنْ وَهَبَ لِأَوْلَادِهِ وَفِيهِمْ خُنْثَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَابْنٍ فَلَا يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَيْهِ وَجْهًا وَاحِدًا: وَإِنْ كَانَ

يُفَضِّلُ الِابْنَ عَلَى الْبِنْتِ عَلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ: وَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ أَحَدِ رَقِيقَيْهِ دَخَلَ فِيهِ الْخُنْثَى عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَيُورَثُ الْيَقِينُ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ وَيُوقَفُ مَا يُشَكُّ فِيهِ: وَلَوْ قَالَ لَهُ سَيِّدُهُ إنْ كُنْتَ ذَكَرًا فَأَنْتَ حُرٌّ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ عتق أَوْ الْأُنُوثَةَ فَلَا: وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ فَكَسْبُهُ لِسَيِّدِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ رِقُّهُ وَقِيلَ يُقْرَعُ فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الْحُرِّيَّةِ فَهُوَ مَوْرُوثٌ وَإِنْ خَرَجَ سَهْمُ الرِّقِّ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ النَّظَرُ إلَيْهِ إذَا كَانَ فِي سِنٍّ يَحْرُمُ النَّظَرُ فِيهِ إلَى الْوَاضِحِ وَلَا تَثْبُتُ لَهُ وِلَايَةُ النِّكَاحِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِشَهَادَتِهِ ولا بعبارته ولو ثَارَ لَهُ لَبَنٌ لَمْ تَثْبُتْ بِهِ أُنُوثَتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَلَوْ رَضَعَ مِنْهُ صَغِيرٌ يُوقَفُ فِي التَّحْرِيمِ فَإِنْ بَانَ أُنْثَى حُرِّمَ لَبَنُهُ والافلا: وَأَمَّا حَضَانَتُهُ وَكَفَالَتُهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْبِنْتِ الْبِكْرِ حتى يجيئ في جواز استقلاله وانفراد عن

(1) قلت صرح أبو الحسن السلمي من ائمتنا في كتابه في الخناثى انه لا يجوز التوكيل في عقد النكاح قال وفي توكيله في الطلاق وجهان بناء على توكيل المرأة فيه ان صححت توكيلها صح توكيلها والا فلا انتهى فقد وافق فقه الشيخ المنقول ولله الحمد اه اذرعى

ص: 53

الْأَبَوَيْنِ إذَا شَاءَ وَجْهَانِ وَدِيَتُهُ دِيَةُ امْرَأَةٍ فَإِنْ ادَّعَى وَارِثُهُ أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صُدِّقَ الْجَانِي بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَحَمَّلُ الدِّيَةَ مَعَ الْعَاقِلَةِ: وَلَا يُقْتَلُ فِي الْقِتَالِ إذَا كَانَ حَرْبِيًّا إلَّا إذَا قَاتَلَ كَالْمَرْأَةِ وَإِذَا أَسَرْنَاهُ لَمْ يُقْتَلْ إلَّا إذَا اخْتَارَ الذُّكُورَةَ وَلَا يُسْهَمُ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَيُرْضَخُ لَهُ كَالْمَرْأَةِ: وَلَا تُؤْخَذُ مِنْهُ جِزْيَةٌ فَإِنْ اخْتَارَ الذُّكُورَةَ بَعْدَ مُضِيِّ سَنَةٍ أُخِذَتْ مِنْهُ جِزْيَةُ مَا مَضَى ولايكون إمَامًا وَلَا قَاضِيًا وَلَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ إلَّا مَا يَثْبُتُ بِامْرَأَةٍ وَشَهَادَةُ خُنْثَيَيْنِ كَرَجُلٍ: فَهَذِهِ أَطْرَافٌ مِنْ مَسَائِلِ الْخُنْثَى نَقَّحْتُهَا وَلَخَّصْتُهَا مُخْتَصَرَةً وَسَتَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً بِأَدِلَّتِهَا وَفُرُوعِهَا فِي مَوَاطِنِهَا وَقَلَّ أَنْ تَرَاهَا فِي غير هذا الموضع هكذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وما سوى هذه الاشياء الخمسة لا ينقض الوضوء كدم الفصد والحجامة والقئ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد علي غسل محاجمه][الشرح] أما حديث أنس هذا فرواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعَّفُوهُ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بخروج شئ من غير

السبيلين كدم الفصد والحجامة والقئ وَالرُّعَافِ سَوَاءٌ قَلَّ ذَلِكَ أَوْ كَثُرَ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالْقَاسِمُ ابن مُحَمَّدٍ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمَكْحُولٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ

* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ ذَلِكَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما وَعَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَزُفَرَ: ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ

* وَاحْتَجُّوا بما روى عن معدان ابن طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (قَاءَ فَأَفْطَرَ) قَالَ مَعْدَانُ فلقيت ثوبان فذكرت ذلك له فقال أنا صَبَبْتَ لَهُ وُضُوءَهُ

* وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ أَوْ رَعَفَ فَلْيَتَوَضَّأْ ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى مَا مَضَى مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ) وَبِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ فَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ) فَعَلَّلَ وُجُوبَ الْوُضُوءِ بِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ وَكُلُّ الدِّمَاءِ كَذَلِكَ

* وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ تَمِيمٍ

ص: 54

الدَّارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ) وَعَنْ سَلْمَانَ قَالَ رَآنِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَالَ مِنْ أَنْفِي دَمٌ فَقَالَ (أَحْدِثْ لِذَلِكَ وُضُوءًا) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إذَا رَعَفَ فِي صَلَاتِهِ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَنَى عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ) وَلِأَنَّهُ نَجِسٌ خَرَجَ إلَى مَحَلٍّ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ فَنَقَضَ كَالْبَوْلِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَأَجْوَدُ مِنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَسَا الْمُسْلِمِينَ لَيْلَةً فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَقَامَ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْكُفَّارِ فَرَمَاهُ بِسَهْمٍ فَوَضَعَهُ فِيهِ فَنَزَعَهُ ثم رماه بآخر ثم بثالث ثُمَّ رَكَعَ وَسَجَدَ وَدِمَاؤُهُ تَجْرِي) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ خَرَجَ دِمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ نَقَضَ الدَّمُ لَمَا جَازَ بَعْدَهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ وَعَلِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَلَمْ

يُنْكِرْهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الدِّمَاءَ لَمْ يَكُنْ يَمَسُّ ثِيَابَهُ مِنْهَا إلَّا قَلِيلٌ يُعْفَى عَنْ مِثْلِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَلَا بُدَّ مِنْهُ

* وَأَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ عَلَى مَنْ يَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَعَ سَيَلَانِ الدِّمَاءِ عَلَى ثيابه وبدنه ويجاب عنه بماذ كرنا

* وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَلِأَنَّ مالا يُبْطِلُ قَلِيلُهُ لَا يُبْطِلُ كَثِيرُهُ كَالْجُشَاءِ وَهَذَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْسَنُ مَا أَعْتَقِدُهُ فِي الْمَسْأَلَةِ أن الاصل أن لانقض حَتَّى يَثْبُتَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَثْبُتْ وَالْقِيَاسُ مُمْتَنِعٌ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ عِلَّةَ النَّقْضِ غَيْرُ مَعْقُولَةٍ

* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُضْطَرِبٌ قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ

* وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا تُغْسَلُ بِهِ النَّجَاسَةُ وَهَذَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ

* وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ الوضوء لا بسبب القئ فليس فيه أنه توضأ من القئ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ مِنْ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ وَرِوَايَةُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ قَالَ الْحُفَّاظُ الْمَحْفُوظُ فِي هَذَا أَنَّهُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ قَالَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو زُرْعَةَ وَأَبُو أحمد ابن عدى والدارقطني والبيهقي وغيرهم وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ أَحْسَنَ بَيَانٍ

ص: 55

وَالْجَوَابُ الثَّانِي لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ الْمُسْتَحَاضَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَحَدِيثُ الْمُسْتَحَاضَةِ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِغَيْرِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَهِيَ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فَهِيَ زِيَادَةٌ بَاطِلَةٌ: وَالثَّانِي لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ إعْلَامُهَا أَنَّ هَذَا الدَّمَ لَيْسَ حَيْضًا بَلْ هُوَ مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ لِخُرُوجِهِ مِنْ مَحَلِّ الْحَدَثِ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ خُرُوجَ الدَّمِ مِنْ حَيْثُ كَانَ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَمِنْ الْعَجَبِ تَمَسُّكُهُمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الَّذِي لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلَالَةٌ وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا يَعْتَمِدُونَهُ وَهَذَا أَشَدُّ تَعَجُّبًا: وَأَمَّا حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فَجَوَابُهُ مِنْ

أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَضَعْفُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ يَزِيدَ وَيَزِيدَ الرَّاوِيَيْنِ مَجْهُولَانِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُرْسَلٌ أَوْ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَمْ يَسْمَعْ تَمِيمًا: الْجَوَابُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ لَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ أَوْ الِاسْتِحْبَابِ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْ سَلْمَانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا الْحَدَثُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِعَدَمِ مَعْرِفَةِ الْعِلَّةِ قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ لا وضوء في شئ من ذلك لاني لااعلم مَعَ مَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ فِيهِ حُجَّةً هَذَا كلام ابن المنذر الذى لاشك فِي إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ وَكَثْرَةِ اطِّلَاعِهِ عَلَى السُّنَّةِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ وَعَدَمِ تَعَصُّبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* واما قول المصنف لا ينتقض الوضوء بشئ سِوَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الَّذِي يَنْقُضُهُ خَمْسَةٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّهُ تَرَكَ ثَلَاثَةً: انْقِطَاعَ الْحَدَثِ الدَّائِمِ وَنَزْعَ الْخُفِّ وَالرِّدَّةَ عَلَى خِلَافٍ فِيهِمَا

* قال المنصف رحمه الله

* [وكذلك اكل شئ من اللحم لا ينقض الوضوء وحكي ابن القاص قولا آخر ان اكل لحم الجزور ينقض الوضوء وليس بمشهور والدليل على انه لا ينقض الوضوء ما روى جابر رضى الله عنه (قال كان آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار) ولانه إذا لم ينتقض الوضوء بأكل لحم الخنزير وهو حرام فلان لم ينتقض بغيره أولى]

*

ص: 56

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ

* وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا ينتقض الوضوء بشئ مِنْ الْمَأْكُولَاتِ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَغَيْرُهُ غَيْرَ لَحْمِ الْجَزُورِ وَفِي لَحْمِ الْجَزُورِ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهُوَ لَحْمُ الْإِبِلِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْمَشْهُورُ لَا يَنْتَقِضُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ يَنْتَقِضُ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَكِنَّهُ هُوَ الْقَوِيُّ أَوْ الصَّحِيحُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلى ترجيحه واختياره والذب عنه وستري دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ احدها لا يجب الوضوء باكل شئ سَوَاءٌ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ

وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنهم وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ

* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلَابَةَ وابي مجاز وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ابن عمروابي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم

* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مِنْ أَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ خَاصَّةً وَهُوَ قول احمد بن حنبل واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ الصَّحَابِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي خَيْثَمَةَ وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا سَبَقَ

* وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ بِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (توضؤا مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ) رَوَاهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي سَعِيدٍ وَأُمِّ حَبِيبَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِمْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

* واحتج أصحابنا بالاحاديث الصحيحة منها حديث بْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ كَتِفَ شَاةٍ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ (رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ يَأْكُلُ مِنْهَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَكَلَ عِنْدَهَا

ص: 57

كَتِفًا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ (أَشْهَدُ لَكُنْتُ أَشْوِي لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَطْنَ الشَّاةِ ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُهُ عَنْ البني صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسُوَيْدِ بن النعمان ومحمد ابن مَسْلَمَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ والمغيرة وابي هريرة وعبد الله بن الحرث وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ وَغَيْرِهِمْ

* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ نَفَى الْقَوْلَ بِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فَقَالُوا لادلالة فِيهِ لِأَنَّهُ مُخْتَصَرٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ جَابِرٍ قَالَ (ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ إلَى امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَرَّبَتْ شَاةً مَصْلِيَّةً

(أَيْ مَشْوِيَّةً) فَأَكَلَ وَأَكَلْنَا فَحَانَتْ الظُّهْرُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ رَجَعَ إلَى فَضْلِ طَعَامِهِ فَأَكَلَ ثُمَّ حَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) قَالُوا فَقَوْلُهُ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يُرِيدُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ وَأَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ هِيَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ يَعْنِي آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ لَا مُطْلَقًا: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا التَّأْوِيلَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ قَالُوا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرِ بِالْوُضُوءِ مُتَأَخِّرَةٌ عَلَى حَدِيثِ جَابِرٍ وَنَاسِخَةٌ لَهُ: وَمِمَّنْ قَالَ هَذَا الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ أَحَادِيثَ تَرْكِ الْوُضُوءِ مَنْسُوخَةٌ بِأَحَادِيثِ الْأَمْرِ بِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ لَيْسَ كَمَا زَعَمُوهُ فَأَمَّا تَأْوِيلُهُمْ حَدِيثَ جَابِرٍ فَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَلَا يُقْبَلُ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُخَالِفُ كَوْنَهُ آخِرَ الامرين فلعل هذه القضية هي آخر الامر واستمر العمل بعدها على ترك الوضوء ويجوز أَيْضًا أَنْ يَكُونَ تَرْكُ الْوُضُوءِ قَبْلَهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ لِسَبَبِ الْأَكْلِ: وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ نَسْخَ أَحَادِيثِ تَرْكِ الْوُضُوءِ فَهِيَ دَعْوَى بِلَا دَلِيلٍ فَلَا تُقْبَلُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ شيخ مسلم قال اختلف في الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَلَمْ يُقَفْ عَلَى النَّاسِخِ مِنْهَا بِبَيَانٍ يُحْكَمُ بِهِ فَأَخَذْنَا بِإِجْمَاعِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَالْأَعْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي الرُّخْصَةِ فِي تَرْكِ الْوُضُوءِ مَعَ أَحَادِيثِ الرُّخْصَةِ: وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِهِمْ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا أَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْوُضُوءَ فِيهَا عَلَى الْمَضْمَضَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ

* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِوُجُوبِ الْوُضُوءِ بِأَكْلِ لَحْمِ الْجَزُورِ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ

ص: 58

اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ: قَالَ (إنْ شِئْتَ فَتَوَضَّأْ وَإِنْ شِئْتَ فَلَا تَتَوَضَّأْ قَالَ أَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ قَالَ نَعَمْ فَتَوَضَّأْ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوُضُوءِ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ (فَأَمَرَ بِهِ) قَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا حَدِيثَانِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ وَقَالَ إمَامُ الْأَئِمَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ لَمْ نَرَ خِلَافًا بَيْنَ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ فِي صِحَّةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَانْتَصَرَ الْبَيْهَقِيُّ لِهَذَا الْمَذْهَبِ فَقَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا ذكرناه وأما ماروى عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم (الْوُضُوءُ مِمَّا خَرَجَ وَلَيْسَ مِمَّا دَخَلَ) فَمُرَادُهُمَا تَرْكُ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ قَالَ وَأَمَّا ماروى عَنْ أَبِي

جَعْفَرٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَنَّهُ أُتِيَ بِقَصْعَةٍ مِنْ لَحْمِ الْجَزُورِ مِنْ الْكَبِدِ وَالسَّنَامِ فَأَكَلَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ) فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَمَوْقُوفٌ قَالَ وَبِمِثْلِ هَذَا لَا يُتْرَكُ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ ضَعِيفَةٍ فِي مُقَابَلَةِ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ فَتَرَكْتُهَا لِضَعْفِهَا وَالْمُعْتَمَدُ لِلْمَذْهَبِ حَدِيثُ جَابِرٍ المذكور كان آخر الأمرين ولكن لايرد علهيم لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ يَنْتَقِضُ بِأَكْلِهِ نِيئًا وَأَصْحَابُنَا يَقُولُونَ هو محمول علي أَكْلُهُ مَطْبُوخًا لِأَنَّهُ الْغَالِبُ الْمَعْهُودُ: وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ وَالْبَرَاءِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ وَالثَّانِي حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى غَسْلِ الْيَدِ وَالْمَضْمَضَةِ قَالُوا وَخُصَّتْ الْإِبِلُ بِذَلِكَ لِزِيَادَةِ سَهُوكَةِ لَحْمِهَا وَقَدْ نَهَى أَنْ يَبِيتَ وَفِي يَدِهِ أَوْ فَمِهِ دَسَمٌ خَوْفًا مِنْ عَقْرَبٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ اللَّذَانِ أَجَابَ بِهِمَا أَصْحَابُنَا ضَعِيفَانِ أَمَّا حَمْلُ الْوُضُوءِ عَلَى اللُّغَوِيِّ فَضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى اللُّغَوِيِّ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَأَمَّا النَّسْخُ فَضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ حَدِيثَ تَرْكِ الوضوء ممامست النَّارُ عَامٌّ وَحَدِيثَ الْوُضُوءِ

ص: 59

مِنْ لَحْمِ الْإِبِلِ خَاصٌّ وَالْخَاصُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ وَقَعَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَأَقْرَبُ مَا يُسْتَرْوَحُ إلَيْهِ قَوْلُ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ وَجَمَاهِيرِ الصحابة والله أعلم

* (فرع)

لافرق عِنْدَ أَحْمَدَ بَيْنَ أَكْلِ لَحْمِ الْإِبِلِ مَطْبُوخًا وَنِيئًا وَمَشْوِيًّا فَفِي كُلِّهِ الْوُضُوءُ وَكَذَا قَوْلُنَا الْقَدِيمُ وَلِأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ شُرْبِ لَبَنِ الْإِبِلِ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَيْهَا

* وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً لَا وُضُوءَ مِنْ لَبَنِهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَحْمَدَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَالْحَاءُ مُهْمَلَةٌ وَالضَّادُ مُعْجَمَةٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (لا توضؤا من ألبان الغنم وتوضؤا مِنْ أَلْبَانِ الْإِبِلِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ الطهاردة وَلَمْ يَثْبُتْ نَاقِضٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَحْمَدَ فِي أَكْلِ كَبِدِ الْجَزُورِ وَطِحَالِهِ وَسَنَامِهِ وَدُهْنِهِ وَمَرَقِهِ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَنْقُضُ لِمَا سَبَقَ فِي اللَّبَنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ رحمه الله فِي الْوَسِيطِ لَا وُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ خلافا لاحمد فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ أَحْمَدَ لَا يَنْقُضُ بِمَا مَسَّتْ النَّارُ وَإِنَّمَا يَنْقُضُ بِالْجَزُورِ خَاصَّةً وَاَللَّهُ أعلم

* قال المنصف رحمه الله

*

[وكذلك لا ينتقض الطهر بقهقهة المصلى لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء][الشَّرْحُ] حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَرَفْعُهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ جَابِرٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ ذَكَرَهُ تَعْلِيقًا وَالضَّحِكُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِ الْحَاءِ هَذَا أَصْلُهُ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْحَاءِ مَعَ فَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ

* وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ إنْ كَانَ بِقَهْقَهَةٍ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَجَابِرٌ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَأَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَخَارِجَةَ بْنَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وعبيد الله بن عبد الله بن عقبة وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ وَمَشْيَخَةً جُلَّةً سِوَاهُمْ

ص: 60

يَقُولُونَ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ يَنْقُضُهَا وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا نَحْوَهُ عَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ مَكْحُولٍ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد

* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ رِوَايَتَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّ الضَّحِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَهْقَهَةٌ لَا يُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَعَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ

* وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِالنَّقْضِ فِي الصَّلَاةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَعْمَى جَاءَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الصلاة فتردى فِي بِئْرٍ فَضَحِكَ طَوَائِفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ ضَحِكَ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَاةَ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (الضحك في الصلاة قرقرة يبطل الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ) وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَأَبْطَلَهَا الضَّحِكُ كَالصَّلَاةِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَبِأَنَّ الضَّحِكَ لَوْ كَانَ نَاقِضًا لَنَقَضَ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَالْحَدَثِ ولانها صَلَاةٌ شَرْعِيَّةٌ فَلَمْ يَنْقُضْ الضَّحِكُ فِيهَا الْوُضُوءَ كصلاة الجنازة فقد وافقوا عليها وذكر

الاحصاب أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمَعَانِيَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الطَّهَارَةَ صَحِيحَةٌ وَنَوَاقِضُ الْوُضُوءِ مَحْصُورَةٌ فَمَنْ ادَّعَى زِيَادَةً فَلْيُثْبِتْهَا ولم يثبت في النقض بالضحك شئ أَصْلًا: وَأَمَّا مَا نَقَلُوهُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَرُفْقَتِهِ وَعَنْ عِمْرَانَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا رَوَوْهُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَالُوا وَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وُجُوهَ ضَعْفِهَا بَيَانًا شَافِيًا فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِطَالَةِ بِتَفْصِيلِهِ مَعَ الِاتِّفَاقِ عَلَى ضَعْفِهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْأَحْدَاثَ لَا تَثْبُتُ قِيَاسًا لِأَنَّهَا غَيْرُ مَعْقُولَةِ الْعِلَّةِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُنْتَقَضًا بغسل الجنابة فانه يبطله خروج المنى ولا يُبْطِلُهُ الضَّحِكُ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وبقول من قال لا وضوء نقول لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ حُجَّةً قَالَ وَالْقَذْفُ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ مَنْ خَالَفَنَا لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ فَالضَّحِكُ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الرِّدَّةَ لانتقض الْوُضُوءَ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو دَاوُد تَنْقُضُ

* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ صَوْتٍ أَوْ رِيحٍ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ أَوَّلَ الْبَابِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِحْبَاطِ مَنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ

ص: 61

كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أعمالهم) * قال المصنف رحمه الله

* [والمستحب ان يتوضأ من الضحك في الصلاة ومن الكلام القبيح لما روى عن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ (لان اتوضأ من الكلمة الخبيثة أحب الي من أن أتوضأ من الطعام الطيب) وقالت عائشة رضى الله عنها يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء وقال ابن عباس رضى الله عنهما الحدث حدثان حدث اللسان وحدث الفرج وأشدهما حدث اللسان]

* [الشَّرْحُ] الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَشْهُورٌ وراه الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الضُّعَفَاءِ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَقَوْلُ عَائِشَةَ الْكَلِمَةِ الْعَوْرَاءِ أَيْ الْقَبِيحَةِ قَالَ الهروي قال ابن الاعرابي تقول العرب

للردئ مِنْ الْأُمُورِ وَالْأَخْلَاقِ أَعْوَرُ وَالْأُنْثَى عَوْرَاءُ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ حَمَلَ هَذِهِ الْآثَارَ عَلَى الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ الَّذِي هُوَ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الْمَعْرُوفَةِ وَكَذَا حَمَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ الْأَشْبَهُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا غَسْلَ الْفَمِ وَكَذَا حَمَلَهَا الْمُتَوَلِّي عَلَى غَسْلِ الْفَمِ وَحَكَى الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ كَلَامَ ابْنِ الصَّبَّاغِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ بَلْ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ أَرَادَ الْوُضُوءَ الشَّرْعِيَّ قَالَ وَالْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ لِأَنَّ غَسْلَ الْفَمِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا جَرَى مِنْ الْكَلَامِ وَإِنَّمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْوُضُوءُ الشَّرْعِيُّ وَالْغَرَضُ مِنْهُ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا كَمَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ (1) اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ الشَّرْعِيِّ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَالْفُحْشِ وَأَشْبَاهِهَا وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ إذَا ضَحِكَ فِي الصلاة ولا يجب شئ مِنْ ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ كَالْغِيبَةِ وَالْقَذْفِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَغَيْرِهَا وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الشِّيعَةِ إيجَابَ الْوُضُوءِ مِنْ ذَلِكَ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ قَالَ فِي حَلِفِهِ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَمَا أَوْجَبَ الطَّهَارَةَ فَلَا فرق فيه بين ما وجد منه

(1) هذا الذي صححه شيخنا رحمه الله هو الحق ان شاء الله تعالى ولعل الذي دعاهم إلى حمل الوضوء على غسل الفم الوضوء من الطعام الطيب فاقول يحتمل ان المراد بالطعام الطيب ما يؤل إليه وفي الاثر عن ابن عباس ما يؤيده اه اذرعى

ص: 62

بِتَعَمُّدِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَمَا وُجِدَ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ وَاخْتِيَارٍ كَالسَّاهِي وَالْمُكْرَهِ عَلَى الْحَدَثِ وَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ وَدَلِيلُهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وَالْجَنَابَةُ تَكُونُ بِاحْتِلَامٍ وَغَيْرِهِ وَالِاحْتِلَامُ بِغَيْرِ قَصْدٍ وَاخْتِيَارٍ وَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَذْيِ بِالْوُضُوءِ وَهُوَ يَخْرُجُ بِلَا قَصْدٍ وقد سبق في اللمس والمس ساعيا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُمَا لَا يَنْقُضَانِ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَاءِ

فِعْلِهَا إلَّا الطَّهَارَةُ إذَا تَمَّتْ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَبْطُلُ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ غَيْرُ أَبِي الْعَبَّاسِ لَا نَقُولُ بَطَلَتْ الطَّهَارَةُ بَلْ نَقُولُ انْتَهَتْ نِهَايَتُهَا فَإِنْ أَطْلَقْنَا لَفْظَ بَطَلَتْ فَهُوَ مَجَازٌ وذكر جماعة غير القفال أيضا الخلاف واظهر قَوْلُ مَنْ يَقُولُ انْتَهَتْ وَلَا يَقُولُ بَطَلَتْ إلَّا مَجَازًا كَمَا يُقَالُ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ انْتَهَى الصَّوْمُ وَلَا يُقَالُ بَطَلَ وَإِذَا مَضَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ يُقَالُ انْتَهَتْ الْإِجَارَةُ لَا بَطَلَتْ وقوله لا يبطل شئ مِنْ الْعِبَادَاتِ بَعْدَ انْقِضَائِهَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ الرِّدَّةُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْمَوْتِ فَإِنَّهَا تُحْبِطُ الْعِبَادَاتِ بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ومن تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يقين الطهارة لان الطهارة يقين فلا يزال ذلك بالشك وان تيقن الحدث وشك في الطهارة بنى على يقين الحدث لان الحدث يقين فلا يزال بالشك وان تيقن الطهارة والحدث وشك في السابق منهما نظرت فان كان قبلهما طهارة فهو الآن محدث لانه تيقن أن الطهارة قبلهما ورد عليها حدث فأزالها وهو يشك هل ارتفع هذا الحدث بطهارة بعده أم لا فلا يزال يقين الحدث بالشك وان كان قبلهما حدث فهو الآن متطهر لانه تيقن أن الحدث قبلهما ورد عليه طهارة فأزالته وهو يشك هل ارتفعت هذه الطهارة بحدث بعدها أم لا فلا يزال يقين الطهارة بالشك وهذا كما نقول في رجل أقام بينة بدين وأقام المدعي عليه بينة بالبراءة فانا نقدم بينة البراءة لانا تيقنا أن البراءة وردت على دين واجب فأزالته ونحن نشك هل اشتغلت ذمته بعد البراءة بدين بعدها فلا يزال يقين البراءة بالشك]

* (الشَّرْحُ) فِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا تَيَقَّنَ الْحَدَثَ وَشَكَّ هَلْ تَطَهَّرَ أَمْ لَا فَيَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ

ص: 63

فِي الْحَدَثِ بَنَى عَلَى يَقِينِ الطَّهَارَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ سَوَاءٌ حَصَلَ الشَّكُّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ

* وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إنْ شَكَّ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا مِثْلَهُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ إحْدَاهَا مِثْلُهُ وَالثَّانِيَةُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ

وَالثَّالِثَةُ يُسْتَحَبُّ

* وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ في الشك استوى الاحتمالان عِنْدَهُ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا (1) فَالْحُكْمُ سَوَاءٌ وَقَدْ قَدَّمْتُ بَيَانَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَيَقَّنَ الْوُضُوءَ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ الْحَدَثُ فَلَهُ الْأَخْذُ بِالْوُضُوءِ قَالَ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي أَنَّ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ هَلْ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ وَكَانَ شَيْخِي يَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الِاجْتِهَادَ يَتَطَرَّقُ إلَى تَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ لِأَنَّ لِلنَّجَاسَةِ أَمَارَاتٌ بِخِلَافِ الْحَدَثِ والطهارة قال الامام وعندي في هَذَا فَضْلُ مُبَاحَثَةٍ فَأَقُولُ تَمْيِيزُ الْحَيْضِ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ بِالصِّفَاتِ وَهَذَا اجْتِهَادٌ فَإِطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَى الْأَحْدَاثِ غَيْرُ سَدِيدٍ: ثُمَّ ذَكَر الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ فَرْقًا بِعِبَارَةٍ طَوِيلَةٍ حَاصِلَهُ أَنَّ الْأَسْبَابَ الَّتِي تُظَنُّ بِهَا النَّجَاسَةُ كَثِيرَةٌ جِدًّا وَهِيَ قَلِيلَةٌ فِي الْأَحْدَاثِ فَلَا مُبَالَاةَ بِالنَّادِرِ مِنْهَا فَتَعَيَّنَ التَّمَسُّكُ بِحُكْمِ الْيَقِينِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَيَقَّنَ الطَّهَارَةَ وَشَكَّ فِي الْحَدَثِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَإِنْ تَوَضَّأَ وَدَامَ الْإِشْكَالُ فَوُضُوءُهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَانِ مُجْزِيَانِ وَإِنْ بَانَ كَوْنُهُ كَانَ مُحْدِثًا فَفِي أَجْزَائِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي آخِرِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا عَلِمَ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ طَهَارَةٌ وَحَدَثٌ لَا يَعْلَمُ أَسْبَقَهُمَا فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ بِضِدِّ مَا كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ الْقَاصِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ مِنْ كِتَابِهِ التَّلْخِيصِ وبه قطع المنصف هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَهَكَذَا قَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ فَعَلَى هَذَا لَوْ لَمْ يَعْرِفْ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا لَزِمَهُ الْوُضُوءُ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ والمتولي وغيرهما لانهما تعارضا وما قبلهما لايعرف وَلَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أو مستصحبة وليس هنا شئ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ يَتَعَارَضُ الْأَمْرَانِ وَيَسْقُطَانِ وَيَكُونُ حُكْمُهُ مَا كَانَ قَبْلَهُمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ مُتَطَهِّرًا فَهُوَ الْآنَ مُتَطَهِّرٌ وَإِلَّا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ من الخراسانيين وحكاه الدارمي

(1) هذا هو المشهور المعروف وقال الرافعى الا في طرف الطهارة فانه لو ظنها بعد تيقن الحدث فله ان يصلى بها وهذا غريب بعيد اه اذرعى

ص: 64

وغيره عن ابن المزربان قال الدارمي وغيره ورجع عنه ابن المزربان إلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاصِّ حِينَ بَلَغَهُ وَهَذَا الوجه غلط لاشك فِيهِ لِأَنَّا عَلِمْنَا بُطْلَانَ مَا قَبْلَهُمَا قَطْعًا فَكَيْف نَحْكُمُ بِبَقَائِهِ وَنَعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يَعْمَلُ بِمَا يَظُنُّهُ فَإِنْ تَسَاوَيَا فَمُحْدِثٌ وَهَذَا الْوَجْهُ اخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمهُ الْوُضُوءُ بِكُلِّ حَالٍ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ الْمُخْتَارُ (1) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَأَشَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِهِ الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرِهِ وَرَجَّحَهُ غَيْرُهُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ الطَّهَارَةَ وَالْحَدَثَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَعَارَضَا فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَمَا قَبْلَهُمَا تحققنا بطلانه ولابد مِنْ طَهَارَةٍ مَعْلُومَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ فَوَجَبَ الْوُضُوءُ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ صُورَتُهُمَا فِيمَنْ عَادَتُهُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْتَدْهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّ طَهَارَتَهُ تَكُونُ بَعْدَ الْحَدَثِ فَيَكُونُ الْآنَ مُتَطَهِّرًا وَتُبَاحُ لَهُ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا يُزَالُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ فَمَعْنَاهُ حُكْمُ الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ: وَقَوْلُهُ الْآنَ هُوَ الزَّمَانُ الْحَاضِرُ: وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَسْأَلَةِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الدَّيْنِ فَكَذَا قَاسَهُ أَصْحَابُنَا لَكِنْ صَوَّرَهَا الْمُتَوَلِّي تَصْوِيرًا حَسَنًا مُشَابِهًا لِمَسْأَلَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ اسْتَشْهَدَ أَصْحَابُنَا فَقَالُوا لَوْ عَلِمْنَا لِزَيْدٍ عَلَى عَمْرٍو أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقَامَ عَمْرٌو بَيِّنَةً بِالْأَدَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ فَأَقَامَ زَيْدٌ بَيِّنَةً أَنَّ عَمْرًا أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ مُطْلَقًا لَمْ يثبت بهذه البينة شئ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْأَلْفَ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ هِيَ الْأَلْفُ الَّذِي عَلِمْنَا وُجُوبَهُ وَقَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِبَرَاءَتِهِ مِنْهُ وَلَا تُشْغَلُ ذِمَّتُهُ بِالِاحْتِمَالِ وَلِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي آخِرِ بَابِ الشك في نجاسة الماء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ومن أحدث حرمت عليه الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة بغير طهور) ويحرم عليه الطواف لقوله صلي الله عليه وسلم (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فيه الكلام) ويحرم عليه مس المصحف لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ولما روى حكيم بن حزام رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال (لا تمس القرآن الا وأنت طاهر) ويحرم عليه حمله في كمه لانه إذا حرم مسه فلان يحرم حمله وهو في الهتك أبلغ أولى: ويجوز أن يتركه بين يديه ويتصفح

أوراقه بخشبة لانه غير مباشر له ولا حامل له وهل يجوز للصبيان حمل الالواح وهم محدثون فيه وجهان احدهما لا يجوز كما لا يجوز لغيرهم: والثانى يجوز لان طهارتهم لا تنحفظ وحاجتهم إلى ذلك

(1) واختاره أيضا الشيخ أبو عمرو بن الصلاح في مشكلات الوسيط وقرره تقريرا حسنا ومضف قول ابن القاص وصنف الدارمي في هذه المسألة تصنيفا مستقلا اختار فيه الرابع وقدره وهذا هو الصحيح المختار (قلت) وحكاه في البحر عن اختيار الشيخ أبى حامد وجماعة ورأيت القاضى بن كج أجاب به مقتصرا عليه اه من هامش الاذرعي

ص: 65

ماسة وان حمل رجل متاعا وفى جملته مصحف وهو محدث جاز لان القصد نقل المتاع فعفى عما فيه من القرآن كما لو كتب كتابا إلى دار الشرك وفيه أيات من القرآن وان حمل كتابا من كتب الفقه وفيه آيات من القرآن أو حمل الدراهم الاحدية أو الثياب التى طرزت بآيات من القرآن ففيه وجهان أحدهما لا يجوز لانه يحمل القرآن: والثاني يجوز لان القصد منه غير القرآن وان كان على موضع من بدنه نجاسة فمس المصحف بغيره جاز وقال القاضى أبو القاسم الصيمري رحمه الله لا يجوز كما لايجو للمحدث أن يمس المصحف بظهره وان كانت الطهارة تجب في غيره وهذا لا يصح لان حكم الحدث يتعدى وحكم النجاسة لا يتعدى محلها] [الشَّرْحُ] فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا حَدِيثُ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَحَدِيثُ (الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ (لَا تَمَسَّ الْقُرْآنَ إلَّا وَأَنْتَ طَاهِرٌ) رَوَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَالْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَنَّهُ عن عمرو ابن حَزْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لَهُ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّانِيَةُ) فِي اللُّغَاتِ وَالْأَلْفَاظِ وَالْأَسْمَاءِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا فِي لُغَةٍ وَالْمُرَادُ بِهِ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَفِي الْمُصْحَفِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا وَكَسْرُهَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُنَّ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ: قَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ وَالدَّرَاهِمُ الْأَحَدِيَّةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَكَسْرِ

الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ هِيَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهَا (قُلْ هُوَ الله أحد) وأما حكيم ابن حِزَامٍ بِالزَّايِ فَهُوَ أَبُو خَالِدٍ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكَانَ وُلِدَ فِي جَوْفِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يَصِحَّ أَنَّ غَيْرَهُ وُلِدَ فِي الْكَعْبَةِ وَعَاشَ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً سِتِّينَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ (1) وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَأَمَّا الصَّيْمَرِيُّ فَهُوَ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ يَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَقَدْ بَيَّنْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى قَرْيَةٍ عِنْدَ الْبَصْرَةِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَانَ مِنْ كِبَارِ أئمة أصحابنا حضر مجلس أبي حامد المرورذى وَتَفَقَّهَ عَلَى أَبِي الْفَيَّاضِ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ أَقْضَى القضاة الماوردى صاحب الحاوى وكان حافظ للمذهب حسن التصانيف

(1) قوله في الاسلام أي من حين فشى الاسلام وظهر لانه أسلم عام الفتح وهو سنة ثمانية وتوفي في المدينة سنة أربع وخمسين هجرية اه اذرعى

ص: 66

لَهُ مُصَنَّفَاتٌ كَثِيرَةٌ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الْعُلُومِ مِنْهَا الْإِيضَاحُ فِي الْمَذْهَبِ نَحْوُ سَبْعِ مُجَلَّدَاتٍ نفيس وقد بسطت حاله في تهذيب الاسماء: (السمألة الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى المحدت (1) وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا لَكِنَّهُ إنْ صَلَّى جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَدَثِ وَتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ فَقَدْ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً وَلَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يستحله وقال أبو حنيفة يكفر لاستهزائه

* دلينا أنه معصية فاشبهت الزني وَأَشْبَاهَهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلَا اضْطَرَّ إلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا

* أَمَّا الْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلَسُ الْبَوْلِ وَسَائِرُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَمَنْ صَلَّى الْفَرْضَ بِلَا ماء ولا تراب لعدممها أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ مُحْدِثًا فَلَا شَكَّ فِي أَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا: وَحُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ حُكْمُ الصَّلَاةِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ عَوَامُّ الْفُقَرَاءِ وَشِبْهُهُمْ مِنْ سُجُودِهِمْ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ وَرُبَّمَا كَانُوا مُحْدِثِينَ فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كَانَ مُتَطَهِّرًا أَوْ غَيْرَهُ وَسَوَاءٌ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ أَمْ لَا وَقَدْ يَتَخَيَّلُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ أَنَّ ذَلِكَ تَوَاضُعٌ وَكَسْرٌ لِلنَّفْسِ وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ وَغَبَاوَةٌ ظَاهِرَةٌ فَكَيْفَ تُكْسَرُ النُّفُوسُ أَوْ تَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِمَا حَرَّمَهُ وَرُبَّمَا اغْتَرَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وخرواله سجدا) وَالْآيَةُ

مَنْسُوخَةٌ أَوْ مُتَأَوَّلَةٌ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله عَنْ هَذَا السُّجُودِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فَقَالَ هُوَ مِنْ عَظَائِمِ الذُّنُوبِ وَنَخْشَى أَنْ يَكُونَ كُفْرًا: (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الطَّوَافُ بِالْكَعْبَةِ فَإِنْ طَافَ عَصَى وَلَمْ يَصِحَّ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَصِحُّ بِلَا طَهَارَةٍ وَفِي تَحْرِيمِهِ عَنْهُ رِوَايَتَانِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ لِلطَّوَافِ وَقَالَ (لِتَأْخُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) وَسَوَاءٌ الطَّوَافُ فِي حَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ) يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ سَوَاءٌ إنْ حَمَلَهُ بِعِلَاقَتِهِ أَوْ فِي كُمِّهِ أَوْ عَلَى رَأْسِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهُ بِعِلَاقَتِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ مَسَّ نفس الاسطر أو ما بينهما أَوْ الْحَوَاشِي أَوْ الْجِلْدَ فَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَفِي مَسِّ الْجِلْدِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا بَعِيدًا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مَسُّ الْجِلْدِ وَلَا الْحَوَاشِي وَلَا مَا بين الاسطر ولا يحرم الانفس المكتوب والصحيح الذى قطع به الجمهور

(1) اي القارئ على غير الطهارة اه اذرعى

ص: 67

تَحْرِيمُ الْجَمِيعِ وَفِي مَسِّ الْعِلَاقَةِ وَالْخَرِيطَةِ وَالصُّنْدُوقِ إذَا كَانَ الْمُصْحَفُ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ لِأَنَّهُ مُتَّخَذٌ لِلْمُصْحَفِ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ كَالْجِلْدِ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الروياني في مس الصندوق أما حَمْلُ الصُّنْدُوقِ وَفِيهِ الْمُصْحَفُ فَاتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَكَذَا يَحْرُمُ تَحْرِيكُهُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان وَأَمَّا إذَا تَصَفَّحَ أَوْرَاقَهُ بِعُودٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لَهُ وَلَا حَامِلٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَرَجَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِأَنَّهُ حَمَلَ الْوَرَقَةَ وَهِيَ بَعْضُ الْمُصْحَفِ وَلَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ الْأَوْرَاقَ بِهَا فَهُوَ حَرَامٌ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعُودِ بِأَنَّ الْكُمَّ مُتَّصِلٌ بِهِ وَلَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ فِي مَنْعِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْعُودِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّ التَّقْلِيبَ يَقَعُ بِالْيَدِ لَا بِالْكُمِّ قَالَ وَمَنْ ذَكَرَ فِيهِ خِلَافًا فَهُوَ غَالِطٌ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إنْ مَسَّهُ

بِخِرْقَةٍ أَوْ بِكُمِّهِ فَوَجْهَانِ وَإِنْ مَسَّهُ بِعُودٍ جَازَ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ الْمُصْحَفَ فِي مَتَاعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَالثَّانِي يحرم لانه حَامِلُهُ حَقِيقَةً وَلَا أَثَرَ لِكَوْنِ غَيْرِهِ مَعَهُ كَمَا لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مَتَاعًا فِيهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْمَتَاعُ مَقْصُودًا بِالْحَمْلِ فَإِنْ كَانَ بِخِلَافِهِ لَمْ يَجُزْ وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَى مااذا كَتَبَ كِتَابًا إلَى دَارِ الشِّرْكِ فِيهِ آيَاتٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلى دار الشرك كتابا فيه شئ مِنْ الْقُرْآنِ مَعَ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمُسَافَرَةِ بِالْقُرْآنِ إلَى دَارِ الْكُفْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْآيَاتِ فِي ضِمْنِ كِتَابٍ لا يكون لها حكم المصحف والله أَعْلَمُ: وَأَمَّا إذَا حَمَلَ كِتَابَ فِقْهٍ وَفِيهِ آيَاتٌ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ كِتَابَ حَدِيثٍ فِيهِ أيات أو دراهم أو ثوب أو عمامة طرز بآيات أو طعام نُقِشَ عَلَيْهِ آيَاتٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ جَوَازُهُ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَمِنْهُمْ مَنْ قَطَعَ بِهِ فِي الثَّوْبِ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِالدَّرَاهِمِ وَعَكَسَهُ الْمُتَوَلِّي فَقَطَعَ بِجَوَازِ مَسِّ كِتَابِ الْفِقْهِ وَجَعَلَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ ثَوْبٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَيْهَا آيَاتٌ وَكَذَا ذَكَرَ غَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسِّ الْحَائِطِ أَوْ الْحَلْوَى وَالْخُبْزِ الْمَنْقُوشِ بِقُرْآنٍ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَلَا فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالُوهُ نَظَرٌ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ الْمَنْقُوشَةُ بِقُرْآنٍ ضَرْبَانِ ضَرْبٌ لَا يَتَدَاوَلهُ النَّاسُ كثيرا ولا

ص: 68

يتعاملون به غالبا كالتي عليها صورة الْإِخْلَاصِ وَضَرْبٌ يَتَدَاوَلُونَهُ كَثِيرًا فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ وَفِي الثَّانِي الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ بِلَا فَرْقٍ بَيْنَ الْمُتَدَاوَلِ وَغَيْرِهِ فَالْفَرْقُ غَرِيبٌ نَقْلًا ضَعِيفٌ دَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَيَجُوزُ مَسُّ خَاتَمٍ نُقِشَ بِآيَاتٍ وَحَمْلُهُ (1) وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِلَّا فَهُوَ كَالدَّرَاهِمِ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَى مَوْضِعٍ مِنْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فَإِنْ أَصَابَ الْمُصْحَفَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَصَابَهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ

* وَأَمَّا الصَّبِيُّ

فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ لَمْ يَجُزْ لِوَلِيِّهِ تَمْكِينُهُ مِنْ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَالْمُعَلِّمِ تَكْلِيفُهُ الطَّهَارَةَ لِحَمْلِ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ وَمَسِّهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ لِلْمَشَقَّةِ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِهِ فِي اللَّوْحِ وَذَكَرَ الوجهين في المصحف وقطع الجرجاني بانه لايمنع مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَاللَّوْحِ فِي الْمُكْتَبِ وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْوَجْهَيْنِ فِيهِمَا فِي الْمُكْتَبِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ يَجُوزُ لَلصِّبْيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَقَدْ قَالَ مِثْلَهُ الْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَهُوَ تَسَاهُلٌ فَإِنَّ الصَّبِيَّ لَيْسَ مُكَلَّفًا فَكَيْفَ يُقَالُ هَلْ يَجُوزُ لَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ وَالْأَفْضَلُ أَنَّهُ يَتَطَهَّرُ لَهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَلَا نَقُولُ قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ

* (الثَّانِيَةُ) كِتَابُ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ فِيهِ أَكْثَرَ كَبَعْضِ كُتُبِ غَرِيبِ الْقُرْآنِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَجْهًا وَاحِدًا كَذَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ التَّفْسِيرُ أَكْثَرَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا لَا يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُصْحَفٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي يَحْرُمُ لِتَضْمِينِهِ قُرْآنًا كَثِيرًا وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الْقُرْآنُ مُتَمَيِّزًا عَنْ التَّفْسِيرِ بِخَطٍّ غَلِيظٍ حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَضَعَّفَهُ غَيْرُهُمْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ كُرِهَ وَأَمَّا كُتُبُ الْقِرَاءَاتِ فَجَعَلَهَا الشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ كَكُتُبِ الْفِقْهِ وَقَطَعَ هُوَ بِجَوَازِهَا وَأَمَّا كُتُبُ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَطْلَقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ جَوَازَ مَسِّهَا وَحَمْلِهَا مَعَ الْحَدَثِ

(1) ويمكن الفرق بين الخاتم والدراهم بان الخاتم تلبسه في غالب الاوقات فيشق عليه التطهر له مشقة شديدة بخلاف الدراهم صحح البغوي الوجوب اه من هامش الاذرعى

ص: 69

وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ وَالْمُخْتَارُ مَا قَالَهُ آخرون انه ان لم يكن فيها شئ مِنْ الْقُرْآنِ جَازَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُفْعَلَ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَإِنْ كَانَ فِيهَا قُرْآنٌ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي كُتُبِ الْفِقْه (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ مس التوراة والانجيل وحملهما كذا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وجهين أحدهما

لا يجوز والثاني قَالَا وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مُبَدَّلَةٌ مَنْسُوخَةٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ ظَنَّ أَنَّ فِيهَا شَيْئًا غَيْرُ مُبَدَّلٍ كُرِهَ مَسُّهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكْمُ الْمَنْسُوخِ تِلَاوَتُهُ مِنْ الْقُرْآنِ حُكْمُ التَّوْرَاةِ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَتَبَ الْمُحْدِثُ أو الجنب مصحفا نظران حَمَلَهُ أَوْ مَسَّهُ فِي حَالِ كِتَابَتِهِ حَرُمَ وَإِلَّا فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ (1) أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ دُونَ الْمُحْدِثِ: (الْخَامِسَةُ) إذَا كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي لَوْحٍ فَلَهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ فَيَحْرُمُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ عَلَى الْبَالِغِ الْمُحْدِث هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ لا يحرم لانه لايراد لِلدَّوَامِ بِخِلَافِ الْمُصْحَفِ فَعَلَى هَذَا يُكْرَهُ قَالَهُ فِي التَّتِمَّةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَيَحْرُمُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَ عَلَى اللَّوْحِ آيَةٌ أَوْ بَعْضُ آيَةٍ كُتِبَ لِلدِّرَاسَةِ حَرُمَ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجُوزُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ بشئ نَجِسٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ نَقْشُ الْحِيطَانِ وَالثِّيَابِ بِالْقُرْآنِ وَبِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِذَا كَتَبَ قُرْآنًا عَلَى حَلْوَى وَطَعَامٍ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَ عَلَى خَشَبَةٍ كُرِهَ إحْرَاقُهَا (2)(السَّابِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ تَوَسُّدُ الْمُصْحَفِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ قَالَ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ فَيَجُوزُ وَهَذَا الِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ نَظَرٌ وَالصَّوَابُ مَنْعُهُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِنْ خَافَ السَّرِقَةَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَا يُمَكَّنُ الصِّبْيَانُ مِنْ مَحْوِ الْأَلْوَاحِ بِالْأَقْدَامِ وَلَا يُمَكَّنُ الْمَجْنُونُ وَالصَّبِيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ مِنْ حَمْلِ الْمُصْحَفِ لِئَلَّا يَنْتَهِكَهُ: (الثَّامِنَةُ) لَوْ خَافَ الْمُحْدِثُ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ حَرْقٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ وُقُوعِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ أَوْ وُقُوعِهِ بِيَدِ كَافِرٍ جَازَ أَخْذُهُ مَعَ الْحَدَثِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ بَلْ يَجِبُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمُصْحَفِ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُودِعُهُ الْمُصْحَفَ وَعَجَزَ عَنْ الْوُضُوءِ فَلَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ الْحَدَثَ فَيُبِيحُ الصَّلَاةَ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ: (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ لِلْمُحْدِثِ حَمْلُ التَّعَاوِيذِ يَعْنُونَ الْحُرُوزَ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ فِي الْفَتَاوَى كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَاسْتِعْمَالُهَا مَكْرُوهٌ وَتَرْكُ تَعْلِيقِهَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ فِي فَتْوَى أُخْرَى يَجُوزُ تَعْلِيقُ الْحُرُوزِ الَّتِي فِيهَا قُرْآنٌ عَلَى النِّسَاءِ

(1) هذا النقل عن الماوردي فيه نظر فانه يوءذن بانه أورد الوجه في المحدث وزاد وجها ثالثا وليس كذلك بل جزم بتمكين المحدث وخص الوجهين بالجنب نعم يخرج من كلامه وجه فارق بين الجنب

(2)

نقل ابن الرفعة: عن القاضي انه قال لا يجوز احراقها قال وقال في الروضة يكره فليحقق: اه اذرعى

ص: 70

وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ وَيُجْعَلُ عَلَيْهَا شَمْعٌ وَنَحْوُهُ وَيُسْتَوْثَقُ مِنْ النِّسَاءِ وَشِبْهِهِنَّ بِالتَّحْذِيرِ مِنْ دُخُولِ الْخَلَاءِ بِهَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا جُعِلَ عَلَيْهِ شَمْعٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ نَحْوَ هَذَا فَقَالَ قَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِمَا يُعَلَّقُ عَلَى النِّسَاءِ الْحُيَّضِ وَالصِّبْيَانِ مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جُعِلَ فِي كِنٍّ كَقَصَبَةِ حَدِيدٍ أو جلد يخرز عليه وقد يستدل للاباحة بحديث عمر وبن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُعَلِّمُهُمْ مِنْ الْفَزَعِ كَلِمَاتٍ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ أن يَحْضُرُونَ) قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ عَقَلَ مِنْ بَنِيهِ وَمَنْ لَمْ يَعْقِلْ كَتَبَهُ فَأَعْلَقَهُ عَلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: (الْعَاشِرَةُ) إذَا تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ تَيَمُّمًا صَحِيحًا فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ وَكَذَا إذَا تَوَضَّأَ مَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ كَالْمُسْتَحَاضَةِ فَلَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَيُصَلِّي عَلَى حَالِهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْمُسَافَرَةُ بِالْمُصْحَفِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إذَا خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ) وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُكْتَبَ إلَيْهِمْ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ وَشِبْهُهُمَا فِي أَثْنَاءِ كِتَابٍ لِحَدِيثِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ كِتَابًا فِيهِ (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) الآية (الثانية عشرة) قال أصحابنا لايمنع الكافر سماع القرآن ويمنع من الْمُصْحَفِ وَهَلْ يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ الْقُرْآنَ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يُرْجَ إسْلَامُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ رُجِيَ جَازَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَرَجَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ الْمُصْحَفَ وَإِنْ رُجِيَ إسْلَامُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحَيْثُ رَآهُ مُعَانِدًا لَا يَجُوزُ تَعْلِيمُهُ بِحَالٍ وَهَلْ يُمْنَعُ التَّعْلِيمَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يُمْنَعُ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ صِيَانَةِ الْمُصْحَفِ وَاحْتِرَامِهِ

فَلَوْ أَلْقَاهُ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فِي قَاذُورَةٍ كَفَرَ وَأَجْمَعُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ وَتَحْسِينِ كِتَابَتِهِ وَتَبْيِينِهَا وَإِيضَاحِهَا وَإِيضَاحِ الْخَطِّ دُونَ مَشَقَّةٍ وَتَعْلِيقِهِ وَيُسْتَحَبُّ نَقْطُ الْمُصْحَفِ وَشَكْلُهُ لِأَنَّهُ صِيَانَةٌ لَهُ مِنْ اللَّحْنِ وَالتَّحْرِيفِ وَفِي تَذْهِيبِهِ وَتَفْضِيضِهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: وَبَيْعُ الْمُصْحَفِ وَشِرَاؤُهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَفِي كَرَاهَةِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ الْمَنْصُوصُ يُكْرَهُ وَفِيهِ مَذَاهِبُ لِلسَّلَفِ سَنُوَضِّحُهَا حَيْثُ ذكره الصنف فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ إنْ

ص: 71

شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَبَيْعُهُ لِلْكُفَّارِ حَرَامٌ وَفِي انْعِقَادِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَنْعَقِدُ وَسَنُوَضِّحُهُ مَعَ فُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا آدَابُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَتَفْضِيلُهَا عَلَى التَّسْبِيحِ وَتَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَسَأَذْكُرُهُ مُوَضَّحًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَهُوَ أَلْيَقُ بِهِ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ مَذْهَبُنَا تَحْرِيمُهُمَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ

* وَعَنْ الْحَكَمِ (1) وَحَمَّادٍ وَدَاوُد يَجُوزُ مَسُّهُ وَحَمْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ جَوَازُ مَسِّهِ بِظَهْرِ الْكَفِّ دُونَ بَطْنِهِ

* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ كِتَابًا فِيهِ قُرْآنٌ وَهِرَقْلُ محدث يسمه وَأَصْحَابُهُ وَلِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَحْمِلُونَ الْأَلْوَاحَ مُحْدِثِينَ بِلَا انكار ولانه إذ لَمْ تَحْرُمْ الْقِرَاءَةُ فَالْمَسُّ أَوْلَى وَقَاسُوا حَمْلَهُ عَلَى حَمْلِهِ فِي مَتَاعٍ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ الله تعالى (انه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ العالمين) فَوَصَفَهُ بِالتَّنْزِيلِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْمُصْحَفِ الَّذِي عِنْدَنَا فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمَلَائِكَةُ الْمُطَهَّرُونَ وَلِهَذَا قَالَ يَمَسُّهُ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى الْخَبَرِ وَلَوْ كَانَ الْمُصْحَفَ لَقَالَ يَمَسَّهُ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى النَّهْيِ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْله تَعَالَى تَنْزِيلٌ ظَاهِرٌ فِي إرَادَةِ الْمُصْحَفِ فَلَا يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ صحيح صريح وأما رفع السين فهو نهى بلفظ الخبر كقوله (لاتضار والدة بولدها) عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ رَفَعَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (لَا يَبِيعُ أَحَدُكُمْ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ) بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ قَالُوا لَوْ أُرِيدَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُتَطَهِّرُونَ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يُقَالُ فِي الْمُتَوَضِّئِ مُطَهَّرٌ وَمُتَطَهِّرٌ وَاسْتَدَلَّ

أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَبِأَنَّهُ قَوْلُ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ هِرَقْلَ أَنَّ ذَلِكَ الْكِتَابَ كَانَ فِيهِ آيَةٌ وَلَا يُسَمَّى مُصْحَفًا وَأُبِيحَ حَمْلُ الصِّبْيَانِ الْأَلْوَاحَ لِلضَّرُورَةِ وَأُبِيحَتْ الْقِرَاءَةُ لِلْحَاجَةِ وَعُسْرِ الْوُضُوءِ لَهَا كُلَّ وَقْتٍ وَحَمْلُهُ فِي الْمَتَاعِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

*

(1) هو الحكم بن عتبة وحماد ابن أبى سليمان شيخ أبى حنيفه اه اذرعى

ص: 72

‌باب الاستطابة)

الِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ وَالِاسْتِجْمَارُ عِبَارَاتٌ عَنْ إزَالَةِ الْخَارِجِ مِنْ السَّبِيلَيْنِ عَنْ مَخْرَجِهِ فَالِاسْتِطَابَةُ وَالِاسْتِنْجَاءُ يَكُونَانِ تَارَةً بِالْمَاءِ وَتَارَةً بِالْأَحْجَارِ وَالِاسْتِجْمَارُ يَخْتَصُّ بِالْأَحْجَارِ مَأْخُوذًا مِنْ الْجِمَارِ وَهِيَ الْحَصَى الصِّغَارُ وَأَمَّا الِاسْتِطَابَةُ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُطَيِّبُ نَفْسَهُ بِإِزَالَةِ الْخَبَثِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ اسْتَطَابَ يَسْتَطِيبُ فَهُوَ مُسْتَطِيبٌ وَأَطَابَ يُطِيبُ فَهُوَ مُطَيِّبٌ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ شِمْرٌ هو مأخوذ من نجوت الشجرة وَأَنْجَيْتُهَا إذَا قَطَعْتُهَا كَأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى عَنْهُ وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّجْوَةِ وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَكَانَ الرَّجُلُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَسَتَّرَ بِنَجْوَةٍ قَالَ الازهرى قول شمر أصح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [إذا أراد دخول الخلاء ومعه شئ عليه ذكر الله تعالى فالمستحب أن ينحيه لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ وضع خاتمه) وانما وضعه لانه كان عليه محمد رسول الله]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي اللِّبَاسِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الزِّينَةِ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُنْكَرٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اتَّخَذَ خَاتَمًا مِنْ وَرِقٍ ثُمَّ أَلْقَاهُ وَقَالَ النَّسَائِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ وَخَالَفَهُمْ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ: وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا وَضَعَهُ إلَى آخِرِهِ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ نَقْشَ

خَاتَمِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ) وَيُقَالُ خَاتِمٌ وَخَاتَمٌ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ أَرْبَعُ لُغَاتٍ وَالْخَلَاءُ بِالْمَدِّ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الْخَالِي وَقَوْلُهُ كَانَ إذَا دخل الخلاء أي أراد الدخول: أم حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ تَنْحِيَةِ مَا فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرَادَةِ دُخُولِ الْخَلَاءِ وَلَا تَجِبُ التَّنْحِيَةُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وغيرهما لافرق فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ دِرْهَمًا وَدِينَارًا أَوْ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ عُوذَةٌ وَهِيَ الْحُرُوزُ الْمَعْرُوفَةُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَحِّيَهُ

ص: 73

صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَلْحَقَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْوَسِيطِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى اسْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَسْتَصْحِبُ شَيْئًا عَلَيْهِ اسْمٌ مُعَظَّمٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِغَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يَخْتَصُّ وَقَطَعَ الجمهور بانه يشترك فيه البنيان وَالصَّحْرَاءُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا كَانَ مَعَهُ خَاتَمٌ فَقَدْ قُلْنَا يَنْزِعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ فَلَوْ لَمْ يَنْزِعْهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا وَدَخَلَ فَقِيلَ يَضُمُّ عَلَيْهِ كَفَّهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ لَمْ يَنْزِعْهُ جَعَلَ فَصَّهُ مِمَّا يَلِي بَطْنَ كَفِّهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ التَّرْخِيصَ في استصحابه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ بِاسْمِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (سِتْرُ مابين عورات امتى واعين الجن باسم الله) ]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ أَنْ يَقُولَ بِاسْمِ اللَّهِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ إسْنَادُهُ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَالسِّتْرُ بِكَسْرِ السِّينِ الْحِجَابُ قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ يُقَال مَا دُونَ ذَلِكَ الْأَمْرِ سِتْرٌ وَمَا دُونَهُ حِجَابٌ وَمَا دُونَهُ وَجَاحٌ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَالْوَجَاحُ بِوَاوٍ مَفْتُوحَةٍ وَجِيمٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَقَوْلُهُ بِاسْمِ اللَّهِ هَكَذَا يُكْتَبُ بِاسْمِ بِالْأَلِفِ وَإِنَّمَا تُحْذَفُ الْأَلِفُ مِنْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لِكَثْرَةِ تكررها كَذَا عَلَّلَهُ أَهْلُ الْأَدَبِ وَالْمُصَنِّفُونَ فِي الْخَطِّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ أَيْ

أَرَادَ الدُّخُولَ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّحْرَاءُ وَالْبُنْيَانُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ ذَلِكَ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْخُبُثُ بِضَمِّ الْبَاءِ جَمَاعَةُ الْخَبِيثِ وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ الْخَبِيثَةِ يُرِيدُ ذُكُورَ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثَهُمْ قَالَ وَعَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَقُولُونَ خُبْثٌ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الضَّمُّ وَهَذَا الَّذِي غَلَّطَهُمْ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ لَيْسَ بِغَلَطٍ بَلْ إنْكَارُ تَسْكِينِ الْبَاءِ وَشِبْهِهِ غلط فان

ص: 74

التَّسْكِينَ فِي هَذَا وَشِبْهِهِ جَائِزٌ تَخْفِيفًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ وَهُوَ بَابٌ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ فَمِنْ ذَلِكَ كُتُبٌ وَرُسُلٌ وَعُنُقٌ وَأَشْبَاهُهَا مِمَّا هُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْرُفٍ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَلَعَلَّ الْخَطَّابِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنًا فِي الْأَصْلِ وَلَمْ يُرِدْ إنْكَارَ الْإِسْكَانِ تَخْفِيفًا وَلَكِنَّ عِبَارَتَهُ مُوهِمَةٌ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ بِإِسْكَانِ الْبَاءِ مِنْهُمْ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمِ بْنُ سَلَامٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ وَاخْتَلَفَ الَّذِينَ رَوَوْهُ سَاكِنَ الْبَاءِ فِي مَعْنَاهُ فَقِيلَ الْخُبْثُ الشَّرُّ وَقِيلَ الْكُفْرُ وَقِيلَ الشَّيْطَانُ وَالْخَبَائِثُ الْمَعَاصِي قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ الْخُبْثُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْمَكْرُوهُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْكَلَامِ فَهُوَ الشَّتْمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمِلَلِ فَهُوَ الْكُفْرُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الطَّعَامِ فَهُوَ الْحَرَامُ وَإِنْ كَانَ مِنْ الشَّرَابِ فَهُوَ الضَّارُّ: وَقَوْلُهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ أَيْ إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ وَكَذَا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ: وَهَذَا الذِّكْرُ مَجْمَعٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَسَوَاءٌ فيه البناء والصحراء وقول المصنف يقول اسم اللَّهِ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ التَّسْمِيَةَ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا (بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ) وَيُخَالِفُ هَذَا التَّعَوُّذَ فِي الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى البسملة لان التعوذ هناك للقراء وَالْبَسْمَلَةُ مِنْ الْقُرْآنِ فَقُدِّمَ التَّعَوُّذُ عَلَيْهَا بِخِلَافِ هذا: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

[وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ غُفْرَانَكَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي) وَرَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ مَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا قَالَ (غُفْرَانَكَ) ][الشرح] الحديث أَبِي ذَرٍّ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي كِتَابِهِ عَمَلُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مِنْ طُرُقٍ بَعْضُهَا مَرْفُوعٌ وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي ذَرٍّ وَإِسْنَادُهُ مُضْطَرِبٌ غَيْرُ قَوِيٍّ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ ضعيف قال الترمذي لايعرف فِي هَذَا الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ

ص: 75

حَسَنٌ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِمْ كُلِّهِمْ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ قَالَ (غُفْرَانَكَ) وَبَيْنَ هَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ تَفَاوُتٌ لَا يَخْفَى لَكِنَّ الْمَقْصُودَ يحصل: وجاء فِي الَّذِي يُقَالُ عَقِبَ الْخُرُوجِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ ليس فيها شئ ثَابِتٌ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهَذَا مُرَادُ الترمذي بقوله لايعرف فِي الْبَابِ إلَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَغُفْرَانَكَ مَنْصُوبٌ بِتَقْدِيرِ أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ أَوْ اغْفِرْ غُفْرَانَكَ وَالْوَجْهَانِ مَقُولَانِ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (غفرانك ربنا) وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقِيلَ فِي سَبَبِ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الذِّكْرَ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ مِنْ تَرْكِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى حَالَ لَبْثِهِ عَلَى الْخَلَاءِ وَكَانَ لا يهجر ذكر الله تعال إلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ نِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَنْعَمَهَا عَلَيْهِ فَأَطْعَمَهُ ثُمَّ هَضَّمَهُ ثُمَّ سَهَّلَ خُرُوجَهُ فَرَأَى شُكْرَهُ قَاصِرًا عَنْ بُلُوغِ هَذِهِ النِّعْمَةِ فَتَدَارَكَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَقَوْلُهَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَيْ الْمَوْضِعِ الَّذِي يَتَغَوَّطُ فِيهِ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْغَائِطِ الْمَكَانُ الْمُطْمَئِنُّ كَانُوا يَأْتُونَهُ لِلْحَاجَةِ فَكَنَوْا بِهِ عَنْ نَفْسِ الْحَدَثِ كَرَاهَةً لِاسْمِهِ وَمِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ التَّعَفُّفُ فِي أَلْفَاظِهَا وَاسْتِعْمَالُ الْكِنَايَاتِ فِي كَلَامِهَا وَصَوْنُ الْأَلْسُنِ مِمَّا تُصَانُ الْأَبْصَارُ وَالْأَسْمَاعُ عَنْهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ الْبِنَاءُ وَالصَّحْرَاءُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ

وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَبُو ذَرٍّ اسْمُهُ جُنْدَبُ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا ابْنُ جُنَادَةَ بِالضَّمِّ وَقِيلَ فِي اسْمِهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ أَسْلَمَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ رَابِعُ أَرْبَعَةٍ وَقِيلَ خَامِسُ خَمْسَةٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَزُهْدُهُ مِنْ الْمَشْهُورَاتِ تُوُفِّيَ بِالرَّبْذَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَدْ بَسَطْتُ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الاسماء رضى الله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي الدُّخُولِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَفِي الْخُرُوجِ الْيُمْنَى لِأَنَّ الْيَسَارَ لِلْأَذَى وَالْيُمْنَى لما سواه]

ص: 76

(الشَّرْحُ) الْيَسَارُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ ابْنُ دُرَيْدٍ وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَهِيَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْ التَّكْرِيمِ بُدِئَ فِيهِ بِالْيُمْنَى وَخِلَافُهُ بِالْيَسَارِ وَقَدْ قَدَّمْتُ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بِأَمْثِلَتِهَا وَدَلَائِلِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدِ وَفِي اخْتِصَاصِ هَذَا الْأَدَبِ بِالْبُنْيَانِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَخْتَصُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَخْتَصُّ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ فَيُقَدِّمُ فِي الصَّحْرَاءِ رِجْلَهُ الْيُسْرَى إذَا بَلَغَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَإِذَا فرغ قدم اليمنى في انصرافه * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَبْعَدَ لِمَا رَوَى الْمُغِيرَةُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ إذَا ذَهَبَ إلَى الغائط ابعد) ويستتر عن العيون بشئ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ به]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدَيْهِمَا وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ أَيْضًا قَالَ كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَقَالَ يَا مُغِيرَةُ خُذْ الْإِدَاوَةَ فَأَخَذْتُهَا فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ

انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ يَسِيرٌ وَسَكَتَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَائِشُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْحَائِطُ وَالْكَثِيبُ بالثاء المثلثة قطعة من الرمل مستطيلة محدودبة تُشْبِهُ الرَّبْوَةَ وَهَذَانِ الْأَدَبَانِ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِمَا وَجَاءَ فِيهِمَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي جَامِعِ السُّنَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَحْصُلُ هَذَا التَّسَتُّرُ بِأَنْ يَكُونَ فِي بِنَاءٍ مُسَقَّفٍ أَوْ مُحَوَّطٍ يُمْكِنُ سَقْفُهُ أَوْ يَجْلِسَ قَرِيبًا مِنْ جِدَارٍ وَشِبْهِهِ وَلْيَكُنْ السَّاتِرُ قَرِيبًا مِنْ

ص: 77

آخِرَةِ الرَّحْلِ وَلْيَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَأَقَلُّ وَلَوْ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَتَسَتَّرَ بِهَا أَوْ جَلَسَ فِي وَهْدَةٍ أَوْ نَهْرٍ أَوْ أَرْخَى ذيله حصل هذا الغرض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَلَا يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرُهَا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ) وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ نَاسًا كَانُوا يَكْرَهُونَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ بِفُرُوجِهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَوَقَدْ فَعَلُوهَا حَوِّلُوا بِمَقْعَدَتِي إلَى الْقِبْلَةِ) وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ فيستقبلهم بفرجه وليس ذلك في البنيان]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَفِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ بِهَذَا اللَّفْظِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ قَوْلِهِ لِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَيُّوب وَوَقَعَ في المذهب لِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ لِغَائِطٍ وَبِغَائِطٍ بِاللَّامِ وَبِالْبَاءِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ أَشَارَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ فِي تَرْجَمَةِ خَالِدِ بْنِ أَبِي الصَّلْتِ إلَى أَنَّ فِيهِ عِلَّةً وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (أو قد فَعَلُوهَا) هُوَ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَهِيَ وَاوُ الْعَطْفِ وَهُوَ اسْتِفْهَامُ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فِي تفسير قول الله تعالى (أو لو كانوا لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) إنَّمَا جَعَلَ الِاسْتِفْهَامَ لِلتَّوْبِيخِ

لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِمَا الْإِقْرَارُ بِهِ فَضِيحَةٌ كَمَا يَقْتَضِي الِاسْتِفْهَامُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْمُسْتَفْهَمِ عَنْهُ وَالْمَقْعَدَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وهى موضع العقود لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارُهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ فِي الصَّحْرَاءِ وَلَا يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الْبُنْيَانِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ إنَّمَا يَجُوزُ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ فِي الْبُنْيَانِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ وَنَحْوِهِ ثَلَاثُ أَذْرُعٍ فَمَا دُونَهَا وَيَكُونَ الْجِدَارُ وَنَحْوُهُ مُرْتَفِعًا قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فان

ص: 78

زَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلَاثِ أَذْرُعٍ أَوْ قَصُرَ الْحَائِلُ عَنْ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ فَهُوَ حَرَامٌ إلَّا إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ بُنِيَ لِذَلِكَ فَلَا حَرَجَ فِيهِ قَالُوا وَلَوْ كَانَ فِي الصحراء وتستر بشئ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الشَّرْطَيْنِ زَالَ التَّحْرِيمُ فَالِاعْتِبَارُ بِالسَّاتِرِ وَعَدَمِهِ فَحَيْثُ وُجِدَ السَّاتِرُ بِالشَّرْطَيْنِ حَلَّ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَحَيْثُ فُقِدَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ حَرُمَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَحِلُّ فِي الْبِنَاءِ مُطْلَقًا بِلَا شَرْطٍ وَيَحْرُمُ فِي الصَّحْرَاءِ مُطْلَقًا وَإِنْ قَرُبَ مِنْ السَّاتِرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي السَّاتِرِ بَيْنَ الْجِدَارِ وَالدَّابَّةِ وَالْوَهْدَةِ (1) وَكَثِيبِ الرَّمْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: وَلَوْ أَرْخَى ذَيْلَهُ فِي قُبَالَةِ الْقِبْلَةِ فَهَلْ يَحْصُلُ بِهِ السَّتْرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَحْصُلُ لِأَنَّهُ لَا يعد ساتر أو أصحهما يَحْصُلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ وَلَا يستدير بسوءته وَهَذَا الْمَقْصُودُ يَحْصُلُ بِالذَّيْلِ وَبِهَذَا الثَّانِي قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الِاسْتِقْبَالَ قَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ فِي بَيْتٍ يُعَدُّ مِثْلُهُ سَاتِرًا لَمْ يَحْرُمْ الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ لَكِنَّ الادب ان يتوقاهما ويهيئ مجلسه مائلا عَنْهُمَا وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْكَرَاهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لَكِنَّ الْأَدَبَ وَالْأَفْضَلَ الْمَيْلُ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَ بِلَا مشقة والله أعلم

*

(1) قال العمرانى في زوائده ولو كان في وهدة وبينه وبين ما يستره من الارض أو شجرة فوجهان اصحهما حصول الستر والثانى المنع لانه يقع عليه اسم الصحراء اه اذرعي

ص: 79

(فَرْعٌ)

إذَا تَجَنَّبَ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارَهَا حَالَ خُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ ثُمَّ أَرَادَ اسْتِقْبَالَهَا حَالَ الِاسْتِنْجَاءِ فَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا وَإِطْلَاقُ أَصْحَابِنَا جَوَازَهُ لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي اسْتِقْبَالِهَا وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ وَهَذَا لَمْ يَفْعَلْهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ فِي الحلية جوزاه عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ يَحْتَمِلُهُ مَذْهَبُنَا وَلَا كَرَاهَةَ أَيْضًا فِي إخْرَاجِ الرِّيحِ إلَى الْقِبْلَةِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابنَا فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ يَجُوزُ عِنْدَنَا الْجِمَاعُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَمُسْتَدْبِرَهَا فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَاخْتَلَفَ فِيهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ فَجَوَّزَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَكَرِهَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَنَقَلَ غَيْرُ العبدرى من اصحابنا ايضا انه لاكراهة فِيهِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ فِي الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَا اسْتِدْبَارُهُ لَا فِي الْبِنَاءِ وَلَا فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ لِكَوْنِهِ كَانَ قِبْلَةً: وَأَمَّا حَدِيثُ مَعْقِلِ بْنِ أَبِي مَعْقِلٍ الْأَسَدِيِّ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلي عليه وسلم أن يستقبل الْقِبْلَتَيْنِ بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد فَأَجَابَ عَنْهُ أَصْحَابُنَا بِجَوَابَيْنِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَهَى عَنْ اسْتِقْبَالِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً ثُمَّ نَهَى عَنْ الْكَعْبَةِ حِينَ صَارَتْ قِبْلَةً فَجَمَعَهُمَا الرَّاوِي قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلُ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَالثَّانِي الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ أَهْلُ الْمَدِينَةِ لِأَنَّ مَنْ اسْتَقْبَلَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَهُوَ فِي الْمَدِينَةِ اسْتَدْبَرَ الْكَعْبَةَ وَإِنْ اسْتَدْبَرَهُ اسْتَقْبَلَهَا وَالْمُرَادُ بِالنَّهْيِ عَنْ اسْتِقْبَالِهِمَا النَّهْيُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا تَأْوِيلٌ

ص: 80

عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهَذَانِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ لِلْأَصْحَابِ وَلَكِنْ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضَعْفٌ وَالظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُ عَامٌّ لِكِلْتَيْهِمَا فِي كُلِّ مَكَان وَلَكِنَّهُ فِي الْكَعْبَةِ نَهْيُ تَحْرِيمٍ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ عَلَى مَا سَبَقَ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَا يَمْتَنِعُ جَمْعُهُمَا فِي النَّهْيِ وَإِنْ اخْتَلَفَ مَعْنَاهُ وَسَبَبُ النَّهْيِ عَنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَوْنُهُ كَانَ قِبْلَةً فَبَقِيَتْ لَهُ حُرْمَةُ الْكَعْبَةِ

وَقَدْ اخْتَارَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا التَّأْوِيلَ فَإِنْ قِيلَ لِمَ حَمَلْتُمُوهُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَلَى التَّنْزِيهِ قُلْنَا لِلْإِجْمَاعِ فَلَا نَعْلَمُ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ خرمه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَاسْتِدْبَارِهَا بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ هِيَ أربعة مذاهب أحدها مذهب الشافع أَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ فِي الصَّحْرَاءِ جَائِزٌ فِي الْبُنْيَانِ عَلَى مَا سَبَقَ وَهَذَا قَوْلُ الْعَبَّاسِ ابن عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ

* وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي يَحْرُمُ ذَلِكَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ

* وَالثَّالِثُ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْبِنَاءِ وَالصَّحْرَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَرَبِيعَةَ وَدَاوُد الظَّاهِرِيِّ

* وَالرَّابِعُ يَحْرُمُ الِاسْتِقْبَالُ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ وَيَحِلُّ الِاسْتِدْبَارُ فِيهِمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ حَرَّمَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا أَتَيْتُمُ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا بِبَوْلٍ وَلَا غَائِطٍ وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا قَالَ أَبُو أَيُّوبَ فَقَدِمْنَا الشَّامَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ قَدْ بُنِيَتْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا جَلَسَ أَحَدُكُمْ عَلَى حَاجَةٍ فَلَا يَسْتَقْبِلَنَّ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بول قَالُوا وَلِأَنَّهُ إنَّمَا مُنِعَ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْبِنَاءِ كَالصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَفَى الْحَائِلُ لَجَازَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنَّ

ص: 81

بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ أَوْدِيَةً وَجِبَالًا وَأَبْنِيَةً

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وبحدث ابن عمر رضى لله عَنْهُمَا قَالَ (رَقَيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ مُسْتَدْبِرًا الْكَعْبَةَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ (نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ بِبَوْلٍ فَرَأَيْتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ بِعَامٍ يَسْتَقْبِلُهَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ (رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا فَقُلْنَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا قَالَ بَلَى إنَّمَا نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْفَضَاءِ فَإِذَا كَانَ

بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شئ يسترك فلا بأس) رواه أبو داود والدارقطني وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلِأَنَّهُ تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي اجْتِنَابِ الْقِبْلَةِ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ فَإِنْ قَالُوا خَصُّوا الْجَوَازَ بِمَنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ قُلْنَا الرُّخْصَةُ تَرِدُ لِسَبَبٍ ثُمَّ تَعُمُّ كَالْقَصْرِ وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فِي المنع والجواز فوجب الجمع بينها ويحصل الجمع بينها بِمَا قُلْنَاهُ فَإِنَّهَا جَاءَتْ عَلَى فِقْهٍ وَلَا تَكَادُ تَحْصُلُ بِغَيْرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَنْ كَانَ بِالصَّحْرَاءِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا انه شك في عموم النهي فاحتاط الاستغفار وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَرِيحًا وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا سَبَقَ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَنْعُ لِحُرْمَةِ الْقِبْلَةِ وَمَا بَعْدَهُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالْفَرْقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قِيَاسٍ وَمَعْنًى يُخَالِفُهُ: وَمَعَ هَذَا فَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِي الْبِنَاءِ دُونَ الصَّحْرَاءِ

* وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ مُطْلَقًا بِحَدِيثَيْ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ قَالُوا وَهُمَا نَاسِخَانِ لِلنَّهْيِ قَالُوا وَلِأَنَّ الْأَحَادِيثَ تَعَارَضَتْ فَرَجَعْنَا إلَى الْأَصْلِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ السَّابِقَةَ صَحِيحَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا بَلْ يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا

ص: 82

فَجَمَعْنَا بَيْنَهَا وَاسْتَعْمَلْنَاهَا وَلَمْ نُعَطِّلْ شَيْئًا مِنْهَا: واما قولهم ناسخان فخطأ لان السنخ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا وَأَمَّا مَنْ جَوَّزَ الِاسْتِدْبَارَ دُونَ الِاسْتِقْبَالِ فَمَحْجُوجٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالنَّهْيِ عَنْهُمَا جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ فِي الصَّحْرَاءِ خَلْقًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْجِنِّ يُصَلُّونَ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاعْتَمَدُوهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ التَّابِعِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ تَعْلِيلٌ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَوْ قَعَدَ قَرِيبًا مِنْ حَائِطٍ وَاسْتَقْبَلَهُ وَوَرَاءَهُ فَضَاءٌ وَاسِعٌ جَازَ بلا شك صرح به امام الحرمين والبغوى وَغَيْرُهُمَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ وَبَالَ إلَيْهَا فَهَذَا يُبْطِلُ هَذَا التَّعْلِيلَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّهُ مُسْتَدْبِرٌ الْفَضَاءَ الَّذِي فِيهِ الْمُصَلُّونَ وَلَكِنَّ التَّعْلِيلَ الصَّحِيحَ أَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ مُعَظَّمَةٌ فَوَجَبَ صِيَانَتُهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَرُخِّصَ فِيهَا فِي الْبِنَاءِ لِلْمَشَقَّةِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ

اعْتَمَدَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الارض][الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَاهُ

* وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (1) وَمَعْنَاهُ إذَا أَرَادَ الْجُلُوسَ لِلْحَاجَةِ لَا يَرْفَعُ ثَوْبَهُ عَنْ عَوْرَتِهِ فِي حَالِ قِيَامِهِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا أَنْ يُسْبِلَ ثَوْبِهِ إذَا فَرَغَ قَبْلَ انْتِصَابِهِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ تَنَجُّسَ ثَوْبِهِ فَإِنْ خَافَهُ رَفَعَ قَدْرَ جاجته والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيَرْتَادُ مَوْضِعًا لِلْبَوْلِ فَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الْأَصْلِيَّةُ دَقَّهَا بِعُودٍ أَوْ حَجَرٍ حَتَّى لَا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ الْبَوْلُ لِمَا رَوَى أَبُو مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبُولَ فَلْيَرْتَدْ لِبَوْلِهِ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي مُوسَى ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي مُوسَى وَقَوْلُهُ فَلْيَرْتَدْ أَيْ يَطْلُبُ مَوْضِعًا لَيِّنًا وَأَبُو مُوسَى هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ الْأَشْعَرِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَشْعَرِ جَدِّ الْقَبِيلَةِ تُوُفِّيَ أَبُو مُوسَى بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالْكُوفَةِ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وَأَرْبَعِينَ وهو ابن

(1) قلت قال في تعليقه على التنبيه ان هذا مبني على الخلاف في وجوب ستر العورة في الخلوة ان قلنا واجب وهو الاصح كان رفع الثوب قبل الدنو وان لم يحتج إليه حراما وان قلنا لا يجب الستر في الخلوة كان الرفع مكروها لا محرما انتهى لفظه رحمه الله تعالى اه اذرعى

ص: 83

ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ

* وَهَذَا الْأَدَبُ مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَطْلُبُ أَرْضًا لَيِّنَةً تُرَابًا أَوْ رَمْلًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَرْضًا صُلْبَةً دَقَّهَا بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ لِئَلَّا يَتَرَشَّشَ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ قَائِمًا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ (مابلت) قائما منذ أسلمت ولانه لا يؤمن ان يترشش عليه ولايكره ذَلِكَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا لعلة بمنبضيه]

[الشَّرْحُ] أَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَذَكَرَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ تَعْلِيقًا لَا مُسْنَدًا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبُولُ قَائِمًا فَقَالَ يَا عُمَرُ لَا تَبُلْ قَائِمًا فَمَا بُلْت بَعْدُ قَائِمًا لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّ يَبُولَ الرَّجُلُ قَائِمًا) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْ هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَبُولُ قَائِمًا فَلَا تُصَدِّقُوهُ مَا كَانَ يَبُولُ إلَّا قَاعِدًا) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْآخَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَتَى سباطة قوم فبال قائما) فصحيح روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنهما وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ أَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا وَأَمَّا قَوْلُهُ لِعِلَّةٍ بمأبضيه رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ لا تثبت هذه الزبادة وَذَكَرَ الْخَطَّابِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي سَبَبِ بَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا أَوْجُهًا أَحَدُهَا قَالَا وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أن العرب كانت تشتشفى بِالْبَوْلِ قَائِمًا لِوَجَعِ الصُّلْبِ فَنَرَى أَنَّهُ كَانَ بِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ ذَاكَ وَجَعُ الصُّلْبِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَارَ هَذَا عَادَةً لِأَهْلِ هَرَاةَ يَبُولُونَ قِيَامًا فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً إحْيَاءً لِتِلْكَ السُّنَّةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ لِعَلَّةٍ بِمَأْبِضَيْهِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَصْلُحُ لِلْقُعُودِ فَاحْتَاجَ إلَى الْقِيَامِ إذَا كَانَ الطَّرَفُ الَّذِي يَلِيه عَالِيًا مُرْتَفِعًا

ص: 84

وَيَجُوزُ وَجْهٌ رَابِعٌ أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ: وَأَمَّا السُّبَاطَةُ فَبِضَمِّ السِّينِ وَهِيَ مَلْقَى التُّرَابِ وَالْكُنَاسَةِ وَنَحْوِهَا تَكُونُ بِفِنَاءِ الدُّورِ مِرْفَقًا لِلْقَوْمِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيَكُونُ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ سَهْلًا لَيِّنًا مُنْثَالًا يُخَدُّ فِيهِ الْبَوْلُ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى البائل وأما المئبض فَبِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ بَعْدَ الْمِيم ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ ضَادٍ مُعْجَمَةٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الْهَمْزَةِ بقلبها ألفا كما في رأس واشباهه والمئبض بَاطِنُ الرُّكْبَةِ مِنْ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ وَجَمْعُهُ مَآبِضُ بِالْمَدِّ كَمَسْجِدٍ وَمَسَاجِدَ وَأَمَّا بَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي سُبَاطَةِ الْقَوْمِ فَيَحْتَمِلُ أَوْجُهًا أَظْهَرُهَا أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ أَهْلَهَا يَرْضَوْنَ ذَلِكَ وَلَا يَكْرَهُونَهُ وَمَنْ كَانَ هَذَا حَالُهُ جَازَ الْبَوْلُ فِي أَرْضِهِ: (الثَّانِي) أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّةً بِهِمْ بَلْ كَانَتْ بِفِنَاءِ دُورِهِمْ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ فَأُضِيفَتْ إلَيْهِمْ

لِقُرْبِهَا مِنْهُمْ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمْ أَذِنُوا لِمَنْ أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ فِيهَا بِصَرِيحِ الْإِذْنِ أَوْ بِمَعْنَاهُ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا بِلَا عُذْرٍ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يُكْرَهُ لِلْعُذْرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي الْبَوْلِ قائما فثبت عن عمربن الخطاب وزيد بن ثابت وابن عمروسهل ابن سعد انهم بَالُوا قِيَامًا وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَأَنَسٍ وأبي هريرة وفعله ابن سرين وَعُرْوَةُ وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالشَّعْبِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ لَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ مَنْ بَالَ قَائِمًا قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ ان كان في مكان لا يتطاير إليه من البول شئ فمكروه وان تطاير فَلَا كَرَاهَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْبَوْلُ جَالِسًا أَحَبُّ إلَيَّ وَقَائِمًا مُبَاحٌ وَكُلُّ ذَلِكَ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي ثُقْبٍ أَوْ سَرَبٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ) وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ عَلَيْهِ مَا يَلْسَعُهُ أَوْ يَرُدُّ عليه البول]

* [الشرح] حديث ابن سرجى صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَفِي رِوَايَاتِهِمْ زِيَادَةٌ قَالُوا لِقَتَادَةَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ سَرْجِسَ مَا تَكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي جُحْرٍ فَقَالَ كَانَ يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ وَالثَّقْبُ بِفَتْحِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ تقدمتا في باب صفقة الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ

ص: 85

غَسْلِ الْيَدِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالسَّرَبُ بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ: فَالثَّقْبُ مَا اسْتَدَارَ وَهُوَ الْجُحْرُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ وَالسَّرَبُ مَا كَانَ مُسْتَطِيلًا: وعبد الله بن سرجس من بنى بَصْرِيٌّ وَأَبُوهُ سَرْجِسُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَآخِرُهُ سِينٌ أُخْرَى لَا يَنْصَرِفُ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْكَرَاهَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وهي كراهة تنزيه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ وَالْمَوَارِدِ لِمَا رَوَى مُعَاذٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبِرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ والظل][الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ

قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) رَوَاهُ البيهقى والسخيمة بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الْغَائِطُ وَالْمَلَاعِنُ مَوَاضِعُ اللَّعْنِ جَمْعُ مَلْعَنَةٍ كَمَقْبَرَةٍ وَمَجْزَرَةٍ مَوْضِعُ الْقَبْرِ وَالْجَزْرِ وَأَمَّا اللَّعَّانَانِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَهُمَا صَاحِبَا اللَّعْنِ أَيْ الَّذِي يَلْعَنُهُمَا النَّاسُ كَثِيرًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد اللَّاعِنَانِ وَمَعْنَاهُ الْأَمْرَانِ الْجَالِبَانِ لِلَّعْنِ لِأَنَّ مَنْ فَعَلَهُمَا لَعَنْهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ فَلَمَّا صَارَا سَبَبًا لِلَّعْنِ أُضِيفَ الْفِعْلُ إلَيْهِمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ يَكُونُ اللَّاعِنُ بِمَعْنَى الْمَلْعُونِ فَالتَّقْدِيرُ اتَّقُوا الْمَلْعُونَ فَاعِلُهُمَا: وَأَمَّا الْمَوَارِدُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ هِيَ طُرُقُ الْمَاءِ وَاحِدُهَا مَوْرِدٌ قَالُوا وَالْمُرَادُ بِالظِّلِّ مُسْتَظَلُّ النَّاسِ الَّذِي اتَّخَذُوهُ مَقِيلًا وَمُنَاخًا يَنْزِلُونَهُ أَوْ يَقْعُدُونَ تَحْتَهُ قَالُوا وَلَيْسَ كُلُّ ظِلٍّ يَمْنَعُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ تَحْتَهُ فَقَدْ قَعَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ تَحْتَ حَائِشِ النَّخْلِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وللحائش ظل بلاشك: وَأَمَّا الْبَرَازُ فَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ هُنَا بِفَتْحِ الباء وهو الفضاء الواسع من الارض كنوابه عَنْ قَضَاءِ الْحَاجَةِ كَمَا كَنَّوْا عَنْهُ بِالْخَلَاءِ وَيُقَالُ تَبَرَّزَ الرَّجُلُ إذَا تَغَوَّطَ كَمَا يُقَالُ تَخَلَّى قَالَ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ يَرْوُونَهُ الْبِرَازَ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ غَلَطٌ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ غيره

ص: 86

الصَّوَابُ الْبِرَازُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الْغَائِطُ نَفْسُهُ كَذَا ذَكَرَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ فَإِذَا كَانَ الْبِرَازُ بِالْكَسْرِ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْغَائِطُ وَقَدْ اعْتَرَفَ الْخَطَّابِيُّ بِأَنَّ الرُّوَاةَ نَقَلُوهُ بِالْكَسْرِ تَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمُخْتَارَ كَسْرُ الْبَاءِ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: وَأَمَّا قَارِعَةُ الطَّرِيقِ فَأَعْلَاهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَالطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ تقدم بيانهما وأما معاذ الرواى فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ الْمَدَنِيُّ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَمِنْ أَعْلَمِهِمْ بِالْأَحْكَامِ شَهِدَ بَدْرًا وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ وَأَسْلَمَ وَلَهُ ثَمَانِ عَشْرَةَ سَنَةً تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَمَانِ عَشْرَةَ شَهِيدًا فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالْمِيمِ وَهِيَ قَرْيَةٌ بِالْأُرْدُنِّ مِنْ الشَّامِ وَقَبْرُهُ بِغَوْرِ بَيْسَانَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ رضي الله عنه

* وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ اتِّقَاءُ الْمَلَاعِنِ الثَّلَاثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ فِعْلَ هَذِهِ الْمَلَاعِنِ أَوْ بَعْضِهَا مَكْرُوهٌ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ

مُحَرَّمًا لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ (1) إشَارَةٌ إلى تحريمه

* والله أعلم قال المصنف رحمه الله

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ فِي مَسَاقِطِ الثِّمَارِ لِأَنَّهُ يقع عليه فينجس]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّجَرِ الْمُبَاحِ وَاَلَّذِي يَمْلِكُهُ وَلَا بَيْنَ وَقْتِ الثَّمَرِ وَغَيْرِ وَقْتِهِ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ يصير نحسا فَمَتَى وَقَعَ الثَّمَرُ تَنَجَّسَ وَسَوَاءٌ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْبَوْلِ اخْتِصَارًا وَتَنْبِيهًا لِلْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى وَإِنَّمَا لَمْ يَقُولُوا بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الثِّمَارِ بِهِ غَيْرُ مُتَيَقَّنٍ * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يَخْرُجُ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ الله تبارك وتعالى يمقت علي ذلك]

*

(1) هو البغوي في شرح السنة وقد صرح به في تعليقه على التنبيه وقد قطع هو والرافعي في كتاب الشهادة ان القعود في الطريق من الصغائر فيما نقلاه عن صاحب العدة بعد ان اعترض كل منهما عليه في اشياء واقراه معا على تحريم التغوط في طريق المسلمين اه اذرعى

ص: 87

[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ للحاكم قال أبوسيعد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (فِي الْمُتَغَوِّطَيْنِ أَنْ يَتَحَدَّثَا فَإِنَّ اللَّهَ يَمْقُتُ عَلَى ذلك) ومعني يضربان الغائط باتيانه قل أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَال ضَرَبْتُ الْأَرْضَ إذَا أَتَيْتُ الْخَلَاءَ وَضَرَبْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا سَافَرْتُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَاشِفَيْنِ كَذَا ضَبَطْنَاهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخٍ الْمُهَذَّبِ كَاشِفَانِ بِالْأَلِفِ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَهُمَا كَاشِفَانِ وَالْأَوَّلُ أَصْوَبُ وَالْمَقْتُ الْبُغْضُ وَقِيلَ أَشَدُّ الْبُغْضِ وَقِيلَ تَعَيُّبُ فَاعِلِ ذَلِكَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ الْكَلَامِ عَلَى قَضَاء الْحَاجَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي الْكَرَاهَةِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكَلَامِ وَيُسْتَثْنَى مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ رَأَى

ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ رَأَى حَيَّةً أَوْ غَيْرَهَا تَقْصِدُ إنْسَانًا أَوْ غَيْرَهُ مِنْ الْمُحْتَرَمَاتِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بَلْ يَجِبُ فِي أَكْثَرِهَا فَإِنْ قِيلَ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ الذَّمَّ لِمَنْ جَمَعَ كُلَّ الْأَوْصَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ قلنا ما كان بعض موجبات المقت لاشك فِي كَرَاهَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الرِّوَايَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الحاكم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيُكْرَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ أَوْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا عَطَسَ أَوْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طهر) ]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْهُ عَلَى وَجْهِهِ فَفَوَّتَ الْمَقْصُودَ مِنْهُ وَمَوْضِعَ الدَّلَالَةِ رَوَى الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ رضي الله عنه قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيَّ فَقَالَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إلَّا عَلَى طُهْرٍ) أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَفِي رِوَايَةِ

ص: 88

الْبَيْهَقِيّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ قَرِيبَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ) هَذِهِ الْكَرَاهَةُ بِمَعْنَى تَرْكِ الْأَوْلَى لَا كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ وَاحْتَجَّ غَيْرُ الْمُصَنِّفِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ (مَرَّ رَجُلٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَبُولُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا رَأَيْتَنِي عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَلَا تُسَلِّمْ عَلَيَّ فَإِنَّك إنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ لَمْ أَرُدَّ عَلَيْك) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَرَاهَةِ رَدِّ السَّلَامِ وَمَا بَعْدَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَكَذَا التَّسْبِيحُ وَسَائِرُ الْأَذْكَارِ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فَإِنْ عَطَسَ عَلَى الْخَلَاءِ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ قَالَهُ الْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى فِي نَفْسِهِ هُنَا وَفِي حَالِ الْجِمَاعِ ثُمَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ بِالِاتِّفَاقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَرَاهَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَمَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ وَعِكْرِمَةَ: وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ قَالَا لَا بَأْسَ بِهِ

قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَتَرْكُ الذِّكْرِ أَحَبُّ إلَيَّ وَلَا أُؤَثِّمُ من ذكر والله اعلم * قال المصنف رحمه الله

* [والمستحب أن يتكأ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى لِمَا رَوَى سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَيْنَا الْخَلَاءَ أَنْ نَتَوَكَّأَ عَلَى الْيُسْرَى) وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ في قضاء الحاجة]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سُرَاقَةَ قَالَ (عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ أَحَدُنَا الْخَلَاءَ أَنْ يَعْتَمِدَ الْيُسْرَى وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى) وَسُرَاقَةُ هُوَ أَبُو سُفْيَانَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ بْنِ جُعْشُمٍ بِضَمِّ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا الْمُدْلِجِيُّ تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ رضي الله عنه وَقَوْلُهُ يَتَّكِئُ وَيَتَوَكَّأُ بِهَمْزِ آخِرِهِمَا وَهَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا

* وَاحْتَجُّوا فِيهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يُحْتَجُّ بِهِ فيبقى المعنى ويستأنس بالحديث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 89

(وَلَا يُطِيلُ الْقُعُودَ لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ لُقْمَانَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ طُولُ الْقُعُودِ عَلَى الْحَاجَةِ تَتَّجِعُ مِنْهُ الْكَبِدُ وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْبَاسُورَ فاقعد هو ينا واخرج] [الشَّرْحُ] هَذَا الْأَدَبُ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَلُقْمَانُ هُوَ الْحَكِيمُ الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ (وَلَقَدْ آتينا لقمان الحكمة) قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا حَكِيمًا وَلَمْ يَكُنْ نَبِيًّا إلَّا عِكْرِمَةَ فَانْفَرَدَ وَقَالَ كَانَ نَبِيًّا وَقَوْلُهُ تتجع أَوَّلُهُ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَيَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَالْجِيمُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ تَجِعَتْ تَتَّجِعُ كَمَرِضَتْ تَمْرَضُ وَالْكَبِدُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَالْبَاسُورُ ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَفِيهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ ذَكَرَهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَنَاسُورٌ بِالنُّونِ وَنَاصُورٌ بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهِيَ عِلَّةٌ فِي مَقْعَدَةِ الْإِنْسَانِ وَقَوْلُهُ هُوَيْنَا هُوَ مَقْصُورٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ تَصْغِيرُ هَوْنَى كَحُبْلَى تَأْنِيثُ الْأَهْوَنِ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْهُوْنَا كَالدُّنْيَا وَقَدْ قِيلَ هُوْنَا كَمَا قد قيل دنيا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِذَا بَالَ تَنَحْنَحَ حَتَّى يَخْرُجَ إنْ كَانَ هناك شئ وَيَمْسَحُ ذَكَرَهُ مَعَ مَجَامِعِ الْعُرُوقِ

ثُمَّ يَنْتُرُهُ]

* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ يَنْتُرُهُ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَضَمِّ ثَالِثِهِ وَالنَّتْرُ جَذْبٌ بِجَفَاءٍ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ واستنتر إذَا جَذَبَ بَقِيَّةَ بَوْلِهِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ يَسْتَبْرِئُ الْبَائِلُ مِنْ الْبَوْلِ لِئَلَّا يَقْطُرَ عَلَيْهِ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقِيمَ سَاعَةً قَبْلَ الْوُضُوءِ وَيَنْتُرَ ذَكَرَهُ هَذَا لَفْظُ نَصِّهِ (1) وَكَذَا قَالَ جَمَاعَاتٌ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَصْبِرَ سَاعَةً يَعْنُونَ لَحْظَةً لَطِيفَةً (2) وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتُرَ ثَلَاثًا مَعَ التَّنَحْنُحِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الرُّويَانِيُّ وَيَمْشِي بَعْدَهُ خُطْوَةً أَوْ خُطُوَاتٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَهْتَمُّ بِالِاسْتِبْرَاءِ فَيَمْكُثُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْبَوْلِ وَيَتَنَحْنَحُ قَالَ وَكُلٌّ أَعْرَفُ بِطَبْعِهِ قَالَ وَالنَّتْرُ ما ورد به الخبر وهوأن يُمِرَّ أُصْبُعًا لِيُخْرِجَ بَقِيَّةً إنْ كَانَتْ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يَظُنَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي مَجْرَى الْبَوْلِ شئ يُخَافُ خُرُوجُهُ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ هذا

(1) قال في البحر ويستبرئ من البول فيقم ساعة ثم ينتر ذكره قبل الاستنجاء بيده اليسري ثلاثا وهو ان يضع أصبعه علي ابتداء مجرى بوله وهو من عند حلقه الدبر ثم يسلت المجرى بتلك الاصبع إلى رأس الذكر قال والنتر هو الدلك الشديد وقيل يمسك الذكر بيده اليسرى ويضع اصبع يده اليمنى على ابتداء المجرى فإذا انتهى إلى الذكر نتره باليسري وهذا امكن حكاه الساجى انتهى لفظه اه اذرعى (2) لا معنى لقوله لحظة لطيفة بل هو مقيد بالحاجة بِحَيْثُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ ثم مني يخرج يختلف هذا باختلاف أحوال الناس كما قال فيما بعد اه اذرعى

ص: 90

* الْمَقْصُودُ بِأَدْنَى عَصْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَكْرَارِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى تَنَحْنُحٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى مَشْيِ خُطُوَاتٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْتَاجُ إلَى صَبْرِ لَحْظَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يحتاج إلى شئ مِنْ هَذَا وَيَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ لَا يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْوَسْوَسَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ النَّتْرُ وَالتَّنَحْنُحُ وَنَحْوُهُمَا مُسْتَحَبٌّ فَلَوْ تَرَكَهُ فَلَمْ يَنْتُرْ وَلَمْ يَعْصِرْ الذَّكَرَ وَاسْتَنْجَى عقيب انقطاع البول ثم توضأ فاستئجاءه صَحِيحٌ وَوُضُوءُهُ كَامِلٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ خُرُوجِ شئ آخَرَ قَالُوا وَالِاسْتِنْجَاءُ

يَقْطَعُ الْبَوْلَ فَلَا يَبْطُلُ استنجاءه ووضوءه الا أن يتيقن خروج شئ

* وَاحْتَجَّ جَمَاعَةٌ فِي هَذَا الْأَدَبِ بِمَا رَوَى يزداذ وقيل ازداذ بن فسأة قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وقال الاكثرون هو مرسل ولا صحبة ليزداذ وممن نص علي أنه لاصحبة لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ وَابْنُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَأَبُو دَاوُد وَأَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ معين وغيره لا نعرف يزداذ فالتعويل على المعنى الذى ذكره الاصحاب ويزداذ بِزَايٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ ذَالٍ مُعْجَمَةٍ وَفُسَاءَةُ بِالْفَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ وَبِالْمَدِّ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ حَشْوُ الذَّكَرِ بقطنة ونحوها صرح بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الاصحاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لايبولن أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ فَإِنَّ عامة الوسواس منه][الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَى حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَمَا صَحِبَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّ يَمْتَشِطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُسْتَحَمُّ الْمُغْتَسَلُ سمى مستحما

ص: 91

مُشْتَقًّا مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الْمَاءُ الْحَارُّ الَّذِي يُغْتَسَلُ بِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ بِغَيْنٍ معجمة مفتوحة ثم فاء مشددة مفتوحة كنية عبد الله أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو زِيَادٍ وَهُوَ مِمَّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحْتَ الشَّجَرَةِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ رضي الله عنه

* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ لِئَلَّا يترشش عليه وهذا في غير الا خلية الْمُتَّخَذَةِ لِذَلِكَ

* أَمَّا الْمُتَّخَذُ لِذَلِكَ كَالْمِرْحَاضِ فَلَا بَأْسَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَرَشَّشُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ مَشَقَّةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فِي مَوْضِعِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ فَإِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ

كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِآدَابِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ: إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَا بَأْسَ بِالْبَوْلِ فِي إنَاءٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ (يَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْصَى إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه لقد دعي بالطست يبول فيها فانحبس فَمَاتَ وَمَا أَشْعُرُ بِهِ) هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنَهُمْ والترمذي في كتاب الشمايل هَكَذَا وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِمَعْنَاهُ: قالا قالت فدعى بِالطَّسْتِ وَلَمْ تَقُلْ لِيَبُولَ فِيهَا وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي الْبَوْلِ وَالطَّسْتُ بالسين المهملة وهى مؤنثة وعن أُمَيْمَةَ بِنْتِ رُقَيْقَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ يَبُولُ فِيهِ وَيَضَعُهُ تَحْتَ السَّرِيرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفُوهُ وَأُمَيْمَةُ وَرُقَيْقَةُ بِضَمِّ أَوَّلِهِمَا وَرُقَيْقَةُ بِقَافَيْنِ وَقَوْلُهَا مِنْ عَيْدَانٍ هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ النخل الطوال المتجردة الواحدة عيد انه: (الثَّانِيَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ: وَأَمَّا فِي الْإِنَاءِ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِابْنِ الصَّبَّاغِ ذَكَرَهُمَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ أَحَدُهُمَا الْجَوَازُ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فِي إنَاءٍ: وَالثَّانِي التَّحْرِيمُ لِأَنَّ الْبَوْلَ مُسْتَقْبَحٌ فَنُزِّهَ الْمَسْجِدُ مِنْهُ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ: (الثَّالِثَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ عَلَى الْقَبْرِ وَيُكْرَهُ البول

ص: 92

بِقُرْبِهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا لِحَدِيثِ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُبَالَ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: وَأَمَّا الْجَارِي فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا كُرِهَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَا يُكْرَهُ هَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرَّمَ الْبَوْلُ فِي الْقَلِيلِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ وَيُتْلِفُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَمَّا الْكَثِيرُ الْجَارِي فَلَا يُحَرَّمُ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَمِمَّا يُنْهَى عَنْهُ التَّغَوُّطُ بِقُرْبِ الْمَاءِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَهُوَ وَاضِحٌ دَاخِلٌ فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَوَارِدِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ اسْتِقْبَالُ الرِّيحِ بِالْبَوْلِ لِئَلَّا يَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيَتَنَجَّسَ بَلْ يَسْتَدْبِرُهَا هَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي كَرَاهَتِهِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ

الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَكْرَهُ الْبَوْلَ فِي الْهَوَاءِ فَضَعِيفٌ بَلْ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ إنَّهُ مَوْضُوعٌ وَجَاءَ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ التَّابِعِيِّ قَالَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبُولَ فِي هَوَاءٍ وَأَنْ يَتَغَوَّطَ عَلَى رَأْسِ جبل (السادسة) قال أصحابنا يستحب أن يهئ أَحْجَارَ الِاسْتِنْجَاءِ قَبْلَ جُلُوسِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وَغَيْرُهُمْ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ حَدِيثِ (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ وَأَعِدُّوا النَّبْلَ) فَلَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالنُّبَلُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْأَحْجَارُ الصِّغَارُ (السَّابِعَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يَبُولَ عَلَى مَا مُنِعَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِحُرْمَتِهِ كَالْعَظْمِ وَسَائِرِ الْمَطْعُومَاتِ

* (الثَّامِنَةُ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا وَضَعَ كُمَّهُ عَلَى رَأْسِهِ ويستحب أن لايدخل الْخَلَاءَ حَافِيًا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مُرْسَلًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنْ عَائِشَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دخل الخلاء

(1) اما الاستنجاء في الماء الكثير الراكد فقال في شرح مسلم لا يظهر كراهيته لانه ليس في معني البول ولا يقاربه ولو اجتنبه كان حسنا وفيما قاله نظر وعندي أنه مكروه ولا ينجسه غيره لانه ثبت في الصحيح النهي عن الاغتسال في الماء الدائم ونص الشافعي والاصحاب على كراهة الاغتسال فيه قليلا كان أو كثيرا وهذا أولى بالكراهة لانه ابلغ في الاستقذار اه اذرعى

ص: 93

غَطَّى رَأْسَهُ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ غَطَّى رَأْسَهُ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي تَغْطِيَةِ الرَّأْسِ عِنْدَ دُخُولِ الْخَلَاءِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَهُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ: (قُلْت) وَقَدْ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيثَ الْمُرْسَلَ وَالضَّعِيفَ وَالْمَوْقُوفَ يُتَسَامَحُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَاهُ

وَهَذَا مِنْهَا: (التَّاسِعَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ هُوَ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَةِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى فَرْجِهِ ولا إلى ما يخرج مِنْهُ وَلَا إلَى السَّمَاءِ وَلَا يَعْبَثُ بِيَدِهِ: (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَقْبِلَ الشَّمْسَ وَلَا الْقَمَرَ وَاسْتَأْنَسُوا فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنَّ دَلِيلَ الْقِبْلَةِ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلَ هَذَا ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا كَثِيرُونَ وَلَا الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاسْتِحْبَابِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَلَا دَلِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ: الثَّانِي يُفَرَّقُ فِي الْقِبْلَةِ بَيْنَ الصَّحْرَاءِ وَالْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْقَ هُنَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ: الثَّالِثُ النَّهْيُ فِي الْقِبْلَةِ لِلتَّحْرِيمِ وَهُنَا لِلتَّنْزِيهِ الرَّابِعُ أَنَّهُ فِي الْقِبْلَةِ يَسْتَوِي الِاسْتِقْبَالُ وَالِاسْتِدْبَارُ وَهُنَا لَا بَأْسَ بِالِاسْتِدْبَارِ وَإِنَّمَا كَرِهُوا الِاسْتِقْبَالَ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الشافي يكره الاستدبار أيضا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [والاستنجاء واجب من البول والغائط لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (وليستنج بثلاثة أحجار) ولانها نجاسة لا تلحق المشقة في ازالها غالبا فلا تصح الصلاة معها كسائر النجاسات]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَسَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* قَوْلُهُ وَلْيَسْتَنْجِ هُوَ هَكَذَا بِالْوَاوِ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بِكَمَالِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا تَلْحَقُهُ الْمَشَقَّةُ فِي إزَالَتِهَا احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَنَحْوِهِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ مَعَهَا عِبَارَةٌ حَسَنَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قال فوجب ازالتها لا تنتقض بِنَجَاسَةٍ عَلَى ثَوْبٍ

ص: 94

لَا يُصَلَّى فِيهِ وَالْغَائِطُ مَعْرُوفٌ وَتَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ بَيَانُ أَصْلِهِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالِاسْتِنْجَاءُ وَاجِبٌ عِنْدَنَا مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَكُلُّ خَارِجٍ مِنْ أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ نَجِسٌ مُلَوَّثٌ وَهُوَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ

* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ سُنَّةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصباغ والعبد رى وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ

هَذَا أَصْلًا لِلنَّجَاسَاتِ فَمَا كَانَ مِنْهَا قَدْرَ دِرْهَمٍ بَغْلِيٍّ عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَا وَكَذَا عِنْدَهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ إنْ زَادَ الْخَارِجُ عَلَى دِرْهَمٍ وَجَبَ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ وَلَا يَجْزِيهِ الْحَجَرُ وَلَا يَجِبُ عِنْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ

* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ولانها نجاسة لا تجب ازالة أثرها فكذلك عَيْنُهَا كَدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَلِأَنَّهُ لَا تَجِبُ إزَالَتُهَا بالماء فلم يجب غيره قال الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى جَوَازِ مَسْحِهَا بِالْحَجَرِ فَلَمْ تَجِبْ إزَالَتُهَا كَالْمَنِيِّ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ مِثْلُ الْوَالِدِ فَإِذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ وَلَا يَسْتَدْبِرْهَا بِغَائِطٍ وَلَا بَوْلٍ وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ وَأَنْ يَسْتَنْجِيَ الرَّجُلُ بِيَمِينِهِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أبو داود والنسائي وابن اماجه فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ هُوَ حَدِيثٌ ثَابِتٌ وَعَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا

ص: 95

ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ مَعَهُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ يَسْتَطِيبُ بِهِنَّ فَإِنَّهَا تَجْزِي عَنْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ صَحِيحٌ

* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ لَا يستنزه من بوله) وروى (لا يستبرى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ نَظَرٌ

* وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجَوَابُ عن حديثهم أنه لاخرج فِي تَرْكِ الْإِيتَارِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيتَارِ الزَّائِدِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَغَيْرِهِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى دَمِ الْبَرَاغِيثِ أَنَّ ذَلِكَ مَشَقَّةٌ عَظِيمَةٌ بِخِلَافِ أَصْلِ الِاسْتِنْجَاءِ وَلِهَذَا تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى الْأَمْرِ بِالِاسْتِنْجَاءِ وَلَمْ يَرِدْ خَبَرٌ فِي الْأَمْرِ بِإِزَالَةِ دَمِ الْبَرَاغِيثِ وَقِيَاسُ الْمُزَنِيِّ عَلَى الْمَنِيِّ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ والبول نجس

والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان خرجت منه حصاة أو دودة لا رطوبة معها ففيه قولان أحدهما يجب الاستنجاء لانها لا تخلو من رطوبة والثاني لا يجب وهو الاصح لانه خارج من غير رطوبة فأشبه الريح]

* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَحَكَاهُمَا بَعْضُ الْأَصْحَابِ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَخَالَفَ الْغَزَالِيُّ وَشَيْخُهُ وَشَيْخُ شيخه الاصحاب فنقلوهما وجهين نقله وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ وَلَوْ خَرَجَ الْمُعْتَادُ يَابِسًا كَبَعْرَةٍ لَا رُطُوبَةَ مَعَهَا فَهِيَ كَالْحَصَاةِ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَاتٌ وَقَطَعَ بِهِ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ فِي كِتَابِ الْأَقْسَامِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ الرِّيحَ كَذَا قَاسَهُ الْأَصْحَابُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْ الرِّيحِ وَالنَّوْمِ وَلَمْسِ النِّسَاءِ وَالذَّكَرِ وَحَكَى عَنْ قَوْمٍ مِنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ ان استنجى لشئ مِنْ هَذَا فَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ يُكْرَهُ الاستنجاء من الريح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 96

[ويستنجى قبل ان يتوضأ فان توضأ ثم استنجي صح الوضوء وان تيمم ثم استنجي لم يصح التيم وقال الربيع فيه قول آخر انه يصح: قال أبو اسحاق هذا من كيسه: والاول هو المنصوص عليه في الام ووجهه ان التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة من نجاسة النجو فلا تستباح مع بقاء المانع ويخالف الوضوء فانه يرفع الحدث فجاز أن يرفع الحدث والمانع قائم وان تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير موضع الاستنجاء: ففيه وجهان أحدهما أنه كنجاسة النحو والثاني أنه يصح التيمم لان التيمم لاتستباح به الصلاة من هذه النجاسة فصح فعله مع وجودها بخلاف نجاسة النجو]

*

[الشَّرْحُ] إذَا تَوَضَّأَ أَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ أَوْ بِالْمَاءِ لَافًّا عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً أَوْ نَحْوَهَا بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ فَرْجَهُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ وَالْوُضُوءِ جَمِيعًا قَوْلَيْنِ وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ أَنَّهُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَفِي التَّيَمُّم قَوْلَانِ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَالَ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ يَصِحُّ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالثَّانِي لَا يَصِحَّانِ وَالثَّالِثُ يَصِحُّ الْوُضُوءُ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ غَلِطَ مَنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَقْلُ الْخِلَافِ فِي الْوُضُوءِ بَعِيدٌ جِدًّا وَلَوْلَا أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَمَا عَدَدْتُهُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ في صحة التيمم ليس بمذهب للشافعي وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ غَلَّطَ أَصْحَابُنَا الرَّبِيعَ فِي ذَلِكَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ هَذَا مِنْ كِيسِ الرَّبِيعِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْكَافِ مَعْنَاهُ لَيْسَ هَذَا مَنْصُوصًا لِلشَّافِعِيِّ بَلْ الرَّبِيعُ خَرَّجَهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ الْأَصَحُّ صِحَّةُ التَّيَمُّمِ فَغَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلِ: أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى موضع من بدنه نجاسة في غير مَوْضِعِ الِاسْتِنْجَاءِ فَتَيَمَّمَ قَبْلَ إزَالَتِهَا فَفِي صِحَّةِ التيمم

ص: 97

الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَنَقَلَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُزِيلَهَا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بُطْلَانَ التَّيَمُّمِ وَصَحَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ صِحَّتَهُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَدَلِيلُهُ مَا ذكره المصنف قال إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ تَيَمَّمَ وَهُوَ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ كَانَ هَذَا التَّيَمُّمُ لَا يَسْتَعْقِبُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ حَتَّى يَسْتُرَ عَوْرَتَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَحْوَ هَذَا: وَهَذَا الَّذِي أَوْرَدَاهُ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ إشْكَالٌ قَوِيٌّ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ مع هذا التميمم مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيهِ

لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَذَا صَوَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّوَابُ: وَتُتَصَوَّرُ أَيْضًا فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِجِرَاحَةٍ أَوْ مَرَضٍ بِحَيْثُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ وَيَجِبُ فِي النَّجَسِ لِقِلَّتِهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ لَيْسَ مَعَهُ مَا يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ فَأَمَّا مَنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلنَّجَاسَةِ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ قَبْلَ إزَالَتِهَا وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ

* وَلَوْ تَيَمَّمَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ حَدَثَتْ نَجَاسَةٌ وَقُلْنَا النَّجَاسَةُ الْمُقَارِنَةُ تَمْنَعُ صِحَّةَ التَّيَمُّمِ فَفِي الْحَادِثَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَمْنَعُ الصَّلَاةَ كَالرِّدَّةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ تَيَمَّمَ عَالِمًا بِالنَّجَاسَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ طَلَبَهُ الْمَاءَ لِلتَّيَمُّمِ يَكْفِيه لَهُ وَلِلنَّجَاسَةِ: وَإِنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يَعْلَمُهَا أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ يجب طلب الماء لازالتها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [واذ أراد الاستنجاء نظرت فان كانت النجاسة بولا أو غائطا ولم تجاوز الموضع المعتاد جاز بالماء والحجر والافضل أن يجمع بينهما لان الله تعالى اثنى على اهل قباء فقال سبحانه وتعالى (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عما يصنعون فقالوا نتبع الحجارة الماء: فان أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ ابلغ في الانقاء وان أراد الاقتصار على الحجر جاز

ص: 98

لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ (بال رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَامَ عمر خلفه بكوز من ماء فقال ما هذا يا عمر فقال ماء تتوضأ به فقال ما أمرت كلما بلت ان اتوضأ ولو فعلت لكان سنة) ولانه قد يبتلى بالخارج في مواضع لا يلحق الماء فيها فسقط وجوبه] [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (1) وَالْمُرَادُ بِالْوُضُوءِ هُنَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَقَوْلُهُ لَكَانَ سُنَّةً أَيْ وَاجِبًا لَازِمًا وَمَعْنَاهُ لَوْ وَاظَبْت عَلَى الِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ لَصَارَ طَرِيقَةً لِي يَجِبُ اتِّبَاعُهَا

* وَأَمَّا حَدِيثُ أَهْلِ قُبَاءَ فَرُوِيَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يتطهروا) وَكَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد لَكِنَّ إسْنَادَهُ ضعيف فيه يونس بن الحرث قد ضعفه الا كثرون وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ

وَفِيهِ جَهَالَةٌ وَعَنْ عُوَيْمِ بْنِ سَاعِدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَتَاهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءَ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْسَنَ عَلَيْكُمْ الثَّنَاءَ فِي الطُّهُورِ فَمَا هَذَا الطُّهُورُ الَّذِي تَطَّهَّرُونَ بِهِ قَالُوا وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ كَانَ لَنَا جِيرَانٌ مِنْ الْيَهُودِ يَغْسِلُونَ أَدْبَارَهُمْ فَغَسَلْنَا كَمَا غَسَلُوا) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ جَابِرٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَأَنَسٍ رضي الله عنهم قَالُوا نَزَلَتْ هَذِهِ الآية (فيه رجال يحبون ان يتطهروا) فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ قَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْكُمْ فِي الطُّهُورِ فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَنَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ فَقَالَ هُوَ ذَلِكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وفي رواية البيهقى (فَمَا طُهُورُكُمْ قَالُوا نَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَنَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فهل مع ذلك غيره قالوا لاغير أَنَّ أَحَدَنَا إذَا خَرَجَ مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ قَالَ هُوَ ذَاكَ فَعَلَيْكُمُوهُ) : وَإِسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ فَوَثَّقَهُ الْجُمْهُورُ وَلَمْ يُبَيِّنْ مَنْ ضَعَّفَهُ سَبَبَ ضَعْفِهِ وَالْجَرْحُ لَا يُقْبَلُ إلَّا مُفَسَّرًا فَيَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بهذه الرواية فهذا

(1) هذا الحديث لوثبت لكان في الاحتجاج به لهذه المسألة نظر لانه يحتمل ان المراد الوضوء الشرعي إذ لامانع منه اه من هامش الاذرعي

ص: 99

الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ طُرُقِ الْحَدِيثِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَاءِ وَالْأَحْجَارِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالُوا نُتْبِعُ الْحِجَارَةَ الْمَاءَ فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالتَّفْسِيرِ وَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ إنَّ أَصْحَابَنَا رَوَوْهُ قَالَ وَلَا أَعْرِفُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ فَيُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِنْبَاطِ لِأَنَّ الاسنتجاء بالحجر كان معلوما عندهم يغعله جَمِيعُهُمْ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ فَهُوَ الَّذِي انْفَرَدُوا بِهِ فَلِهَذَا ذُكِرَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْحَجَرُ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ وَلِكَوْنِهِ مَعْلُومًا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ بَيَانُ فَضْلِهِمْ الَّذِي أَثْنَى اللَّهُ تَعَالَى عليهم بسببه ويويد هذا قولهم إذا اخرج أَحَدُنَا مِنْ الْغَائِطِ أَحَبَّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْمَاءِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اسْتِنْجَاءَهُمْ بِالْمَاءِ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْعَادَةُ جَارِيَةٌ بِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخَلَاءِ إلَّا بَعْدَ التَّمَسُّحِ بِمَاءٍ أَوْ حَجَرٍ: وَهَكَذَا الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِالْحَجَرِ فِي مَوْضِعِ

قَضَاءِ الْحَاجَةِ وَيُؤَخِّرَ الْمَاءَ إلَى أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَقُبَاءُ بِضَمِّ الْقَافِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَفِيهِ لغات الْمَدُّ وَالْقَصْرُ قَالَ الْخَلِيلُ مَقْصُورٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ مَمْدُودٌ وَيَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا الصَّرْفُ وَتَرْكُهُ وَالْأَفْصَحُ الْأَشْهَرُ مَدُّهُ وَتَذْكِيرُهُ وَصَرْفُهُ وَهُوَ قَرْيَةٌ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ وَقِيلَ أَصْلُهُ اسْمُ بِئْرٍ هُنَاكَ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَزُورُ قُبَاءَ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَحْجَارِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيَسْتَعْمِلُ الْأَحْجَارَ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ فَتَقْدِيمُ الْأَحْجَارِ لِتَقِلَّ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ لِيُطَهِّرَ الْمَحَلَّ طَهَارَةً كَامِلَةً فَلَوْ اسْتَنْجَى أَوَّلًا بِالْمَاءِ لَمْ يَسْتَعْمِلْ الْأَحْجَارَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ: صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْمَاءُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحِلَّ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَحْجَارِ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ وَلَا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَحُذَيْفَةَ

ص: 100

وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرَوْنَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا النِّسَاءُ وَقَالَ عَطَاءٌ غَسْلُ الدُّبُرِ مُحْدَثٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَتْ الزَّيْدِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ مِنْ الشِّيعَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْأَحْجَارِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ: فَأَمَّا سَعِيدٌ وَمُوَافِقُوهُ فَكَلَامُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ لَا يَجِبُ أَوْ أَنَّ الْأَحْجَارَ عِنْدَهُمْ أَفْضَلُ: وَأَمَّا الشِّيعَةُ فَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَمَعَ هَذَا فَهُمْ مَحْجُوجُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْأَحْجَارِ وَأَذِنَ فِيهِ وَفَعَلَهُ وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَسَنَذْكُرُ الْبَاقِيَ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ بِالْمَاءِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (يَأْتِي الْخَلَاءَ فَأَتْبَعُهُ أَنَا وَغُلَامٌ بِإِدَاوَةٍ مِنْ مَاءٍ فَيَسْتَنْجِي بِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ لِنِسْوَةٍ (مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَنْجُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ وَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ

وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فِي رَكْوَةٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ باناء آخر فتوضأ) رواه

ص: 101

لاحمد وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَرِيكَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْمَاءَ مَطْعُومٌ فَلِهَذَا كَرِهَ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ سَعْدٌ وَمُوَافِقُوهُ وَهَذَا قَوْلٌ بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ وَالثَّانِي أَنْ يَسْتَوْفِيَ ثَلَاثَ مَسَحَاتٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِسَلْمَانَ رضي الله عنه انه علمكم نبيكم كل شئ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ (أَجَلْ نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فَإِنْ اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْقَصْدَ عَدَدُ المسحات وقد وجد ذلك][الشَّرْحُ] حَدِيثُ سَلْمَانَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ (نَهَانَا أَنْ نَجْتَزِئَ) وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ نَسْتَنْجِيَ بَدَلَ نَجْتَزِئَ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ (وَلَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَقَوْلُهُ الْخِرَاءَةُ هِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَبِالْمَدِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ أَدَبُ التَّخَلِّي وَالْقُعُودِ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَسَلْمَانُ الرَّاوِي هُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ الْأَصْبَهَانِيُّ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَفُقَهَائِهِمْ وَزُهَّادِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَمَنَاقِبُهُ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَهُوَ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ بِالْمَدَائِنِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَعَمَّرَ عُمْرًا طَوِيلًا جِدًّا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَاخْتَلَفُوا فِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهَا فَقِيلَ ثَلَثُمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ والله أعلم: اما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْحَجَرِ لَزِمَهُ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ لَاصِقٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا الصَّيْمَرِيَّ وَصَاحِبَهُ صَاحِبَ

ص: 102

الحاوى فقال إذا بقى مالا يزول بالحجر ويزول بصغار الخزف وبالخرق فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ

ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ تَجِبُ إزَالَتُهُ لِأَنَّهَا مُمْكِنَةٌ بِغَيْرِ الْمَاءِ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْإِزَالَةُ بِالْأَحْجَارِ وَقَدْ أَزَالَ مَا يَزُولُ بِالْأَحْجَارِ وَرَجَّحَ الرُّويَانِيُّ هَذَا الثَّانِيَ وَهُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يُكَلِّفْهُ غَيْرَ الْأَحْجَارِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِإِجْزَاءِ الْأَحْجَارِ (الثَّانِي) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِمَسْحَةٍ وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ في كل الطرق وحكي الحناطي بالحاء المهلمة وَالنُّونِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا حصل الانقاء بحجرين أو حجر كَفَاهُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ مُطْلَقًا ثُمَّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْمَسْحِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ رَمَى الْجِمَارَ فِي الْحَجِّ بِحَجَرٍ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ فَإِنَّهُ لَا يُحْسَبُ لَهُ إلَّا حَجَرٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَاكَ عَدَدُ الرَّمْيِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا عَدَدُ الْمَسَحَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمَسْحُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَفْضَلُ مِنْ أَحْرُفِ حَجَرٍ لِلْحَدِيثِ (وليستنج بثلاثة احجار) : قال الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ بَالَ وَتَغَوَّطَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْسَحَ بِسِتَّةِ أَحْجَارٍ فَإِنْ مَسَحَهُمَا بِحَجَرٍ لَهُ سِتَّةُ أَحْرُفٍ سِتَّ مَسَحَاتٍ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَسَحَاتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْخِرْقَةُ الْغَلِيظَةُ الَّتِي إذَا مَسَحَ بِأَحَدِ وَجْهَيْهَا لَا يَصِلُ الْبَلَلُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بِوَجْهَيْهَا وَيُحْسَبُ مَسْحَتَيْنِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَجَرٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَحْرُفٍ وَأَظُنُّهُ أَرَادَ بِابْنِ جَابِرٍ إبْرَاهِيمَ بْنَ جَابِرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ وَجْهًا شَاذًّا فِي الْمَذْهَبِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ احمد ابن حَنْبَلٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِلْحَدِيثِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وإذا حصل الانقاء بثلاثة احجار فلا زِيَادَةٍ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِثَلَاثَةٍ وَجَبَ رَابِعٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ خَامِسٌ وَلَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَجَبَ خَامِسٌ فَإِنْ حَصَلَ به فلا زيادة والاوجب سَادِسٌ فَإِنْ حَصَلَ بِهِ اُسْتُحِبَّ سَابِعٌ وَلَا يجب والاوجب وَهَكَذَا أَبَدًا مَتَى حَصَلَ بِثَلَاثَةٍ فَمَا فَوْقَهَا لَمْ تَجِبْ زِيَادَةٌ: وَأَمَّا الِاسْتِحْبَابُ

ص: 103

فَإِنْ كَانَ حُصُولُ الْإِنْقَاءِ بِوِتْرٍ لَمْ يُسْتَحَبَّ الزِّيَادَةُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ الْإِيتَارَ بِخَامِسٍ

وَاجِبٌ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالْإِيتَارِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فَإِنَّ الْأَمْرَ بِالْإِيتَارِ بَعْدَ الثَّلَاثِ لِلِاسْتِحْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ الْأَحْجَارِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ الْإِنْقَاءُ فَإِنْ حَصَلَ بِحَجَرٍ أَجْزَأَهُ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ حَيْثُ أَوْجَبَ الِاسْتِنْجَاءَ

* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ) قَالُوا ولان المقصود الانقاء ولانه لَوْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ لَمْ يُشْتَرَطْ عَدَدٌ فَكَذَا الْحَجَرُ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ سَلْمَانَ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الثَّلَاثِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَذْهَبْ معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فانها تجرئ عَنْهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الِاسْتِنْجَاءِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ: الرِّمَّةُ بِكَسْرِ الرَّاءِ الْعَظْمُ الْبَالِي وَبِحَدِيثِ خُزَيْمَةَ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَلَا غَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ (أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) رواه البخاري هكذا ورواه أحمد والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ زِيَادَةٌ فَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ ائْتِنِي بِحَجَرٍ يَعْنِي ثَالِثًا وَفِي بَعْضِهَا ائْتِنِي بِغَيْرِهَا وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ) رواه مسلم وفى رواية

ص: 104

لاحمد والبيهقي (إذا اسْتَجْمَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَجْمِرْ ثَلَاثًا) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ تُبَيِّنُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِيتَارِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا زَادَ عَلَى الْوَاحِدِ

* وَاحْتَجُّوا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا قِيَاسُ

الْقَاضِيَيْنِ أَبِي الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٍ فِي تَعْلِيقَيْهِمَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْأَحْجَارِ يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ فَكَانَ لِلْعَدَدِ فِيهَا اعْتِبَارٌ قِيَاسًا عَلَى رَمْيِ الْجِمَارِ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ قَوْلُنَا يَسْتَوِي فِيهَا الثَّيِّبُ وَالْأَبْكَارُ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّجْمِ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَقْيِسَةِ مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي حَدِيثِ سَلْمَانَ (أُمِرْنَا أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ) فِي هَذَا الْبَيَان الْوَاضِحُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَا يَجُوزُ وَإِنْ حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِدُونِهَا وَلَوْ كَفَى الْإِنْقَاءُ لَمْ يَكُنْ لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ مَعْنًى فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْإِنْقَاءَ قَدْ يَحْصُلُ بِوَاحِدٍ وَلَيْسَ هَذَا كَالْمَاءِ إذَا أَنْقَى كَفَى لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْعَيْنَ وَالْأَثَرَ فَدَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاسْتِظْهَارِ بِالْعَدَدِ: وَأَمَّا الْحَجَرُ فَلَا يُزِيلُ الْأَثَرَ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ ظاهرا لاقطعا فَاشْتُرِطَ فِيهِ الْعَدَدُ كَالْعِدَّةِ بِالْأَقْرَاءِ لَمَّا كَانَتْ دَلَالَتُهَا ظَنًّا اُشْتُرِطَ فِيهَا الْعَدَدُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَحْصُلُ بَرَاءَةُ الرَّحِمِ بِقُرْءٍ وَلِهَذَا اُكْتُفِيَ بِقُرْءٍ فِي اسْتِبْرَاءِ الْأَمَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْعِدَّةُ بِالْوِلَادَةِ لَمْ يُشْتَرَطْ الْعَدَدُ لِأَنَّ دَلَالَتَهَا قَطْعِيَّةٌ هَذَا مُخْتَصَرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ: فَإِنْ قِيلَ التَّقْيِيدُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ إنَّمَا كَانَ لِأَنَّ الْإِنْقَاءَ لَا يَحْصُلُ بِدُونِهَا غَالِبًا فَخَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ قُلْنَا لَا يَجُوزُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الانقاء شرط بالاتفاق فكيف يخل بِهِ وَيُذْكَرُ مَا لَيْسَ بِشَرْطٍ مَعَ كَوْنِهِ مُوهِمًا لِلِاشْتِرَاطِ: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ تَرَكَ ذِكْرَ الْإِنْقَاءِ قُلْنَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُومِ الَّذِي يُسْتَغْنَى بظهوره عن ذكره بخلاف العدد فانه لايعرف إلَّا بِتَوْقِيفٍ فَنَصَّ عَلَى مَا يَخْفَى وَتَرَكَ مالا يَخْفَى وَلَوْ حُمِلَ عَلَى مَا قَالُوهُ لَكَانَ إخْلَالًا بِالشَّرْطَيْنِ مَعًا وَتَعَرُّضًا لِمَا لَا فَائِدَةَ فيه بل فيه إيهام: وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ الْوِتْرَ الَّذِي لَا حَرَجَ فِي تَرْكِهِ هُوَ الزَّائِدُ عَلَى ثَلَاثَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الدَّلِيلَيْنِ الْآخَرَيْنِ سَبَقَ فِي كَلَامِ الْخَطَّابِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ مَسَحَ ذكره مرتين أو ثلاثا ثُمَّ خَرَجَتْ مِنْهُ قَطْرَةٌ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الثَّلَاثِ * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 105

[وَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يضع حجرا على مقدم صفحته اليمنى وبمره إلى آخرها ثم يدبر الْحَجَرَ إلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى فَيُمِرُّهُ عَلَيْهَا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى

الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّانِيَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ يُدِيرُهُ إلَى صَفْحَتِهِ الْيُمْنَى فيمره عليها من أولها لي أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ وَيَأْخُذُ الثَّالِثَ فَيُمِرُّهُ عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (يُقْبِلُ بِوَاحِدٍ وَيُدْبِرُ بِآخَرَ وَيُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ) وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يُمِرُّ حَجَرًا على الصفحة اليميني وَحَجَرًا عَلَى الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى وَحَجَرًا عَلَى الْمَسْرُبَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حَجَرَانِ لِلصَّفْحَتَيْنِ وَحَجَرٌ لِلْمَسْرُبَةِ) وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُمِرُّ كُلَّ حَجَرٍ عَلَى المواضع الثلاثة]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ مُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَعَبَّرَ عَنْهُ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ: أَمَّا الثاني فحديث حسن عن سهل ابن سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِاسْتِطَابَةِ فَقَالَ (أَوَلَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة) رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ حَسَنٌ: وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ الْحَدِيثَانِ ثَابِتَانِ فَغَلَطٌ مِنْهُ فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ وَوَقَعَ فِي الْحَدِيثِ حَجَرَيْنِ وَحَجَرًا بِالنَّصْبِ: وَفِي الْمُهَذَّبِ حَجَرَانِ وَحَجَرٌ بِالرَّفْعِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ثَلَاثَةَ: وَالثَّانِي عَلَى الِابْتِدَاءِ: وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِالْوَجْهَيْنِ: فَالْبَدَلُ فِي مَوَاضِعَ كثيرة

ص: 106

كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى صحف ابراهيم) والابتداء قَوْله تَعَالَى (قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَقَوْلُهُ وَيُحَلِّقُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ يُدِيرُهُ كَالْحَلْقَةِ وَالْمَسْرُبَةُ هُنَا مَجْرَى الْغَائِطِ وَهِيَ بِضَمِّ الرَّاءِ وَقِيلَ يَجُوزُ فَتْحُهَا وَلِلْمَسْرُبَةِ مَعْنًى آخَرُ فِي اللُّغَةِ وَهِيَ الشَّعْرُ المستدق من السرة الي العانة: وجماء ذكرها في الحديث وليست مرادة هنا: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِنْجَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُمِرُّ حَجَرًا مِنْ مُقَدَّمِ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى وَيُدِيرُهُ عَلَيْهَا ثُمَّ عَلَى الْيُسْرَى حَتَّى يَصِلَ الْمَوْضِعَ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ ثُمَّ يُمِرُّ الْحَجَرَ الثَّانِيَ مِنْ أَوَّلِ الصَّفْحَةِ الْيُسْرَى إلَى آخِرِهَا ثُمَّ عَلَى الْيُمْنَى حَتَّى يَصِلَ مَوْضِعَ ابْتِدَائِهِ ثم يمر الثالث عَلَى الْمَسْرُبَةِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: الثاني يَمْسَحَ بِحَجَرٍ الصَّفْحَةَ الْيُمْنَى وَحْدَهَا ثُمَّ بِحَجَرٍ الْيُسْرَى وَحْدَهَا وَبِالثَّالِثِ الْمَسْرُبَةَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ

الْمَرْوَزِيُّ: وَالثَّالِثُ يَضَعُ حَجَرًا عَلَى مُقَدَّمِ الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى آخِرِهَا ثُمَّ حَجَرًا عَلَى مؤخر الْمَسْرُبَةِ وَيُمِرُّهُ إلَى أَوَّلِهَا ثُمَّ يُحَلِّقُ بِالثَّالِثِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَرِيبٌ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَعُمُّ الْمَحِلَّ بِكُلِّ حَجَرٍ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ غَلَّطُوا أَبَا إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيَّ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْكَبِيرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي إِسْحَاقَ لَكِنَّ الْأَصْحَابَ تَأَوَّلُوهُ وَعَلَى هَذَا الْجَوَابِ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم حَجَرَيْنِ لِلصَّفْحَتَيْنِ مَعْنَاهُ كُلُّ حَجَرٍ لِلصَّفْحَتَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْخِلَافِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْأَفْضَلِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ: وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ خِلَافٌ فِي الْوُجُوبِ فَصَاحِبُ الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الْكَيْفِيَّةَ الثَّانِيَةَ وَصَاحِبُ الثَّانِي لَا يُجِيزُ الْأُولَى وَهَذَا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ: وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي دَرْسِهِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ لَا يُجِيزُ الثاني ومن قال بالثاني يُجِيزُ الْأَوَّلَ (1) قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ احْتَاجَ إلَى استعمال

(1) قال ابن الصلاح وهذا الذي قاله من عنده مليح اه اذرعى

ص: 107

حَجَرٍ رَابِعٍ وَخَامِسٍ فَصِفَةُ اسْتِعْمَالِهِ كَصِفَةِ الثَّالِثِ لِأَنَّا أَمَرْنَاهُ فِي الثَّالِثِ بِمَسْحِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ زَالَتْ بِالْحَجَرَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ وَلَيْسَ فِي الْمَحِلِّ إلَّا أَثَرٌ فَلَا يُخْشَى انْبِسَاطُهُ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ الْحَجَرَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ بِقُرْبِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَضَعُهُ عَلَى نَفْسِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهُ إذَا وَضَعَهُ عَلَيْهَا بقى شَيْئًا مِنْهَا وَنَشَرَهَا وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ ثُمَّ إذَا انْتَهَى إلَى النَّجَاسَةِ أَدَارَ الْحَجَرَ قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى يَرْفَعَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْحَجَرِ جزا مِنْ النَّجَاسَةِ فَلَوْ أَمَرَّ الْحَجَرَ مِنْ غَيْرِ إدَارَةٍ وَنَقَلَ النَّجَاسَةَ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِنْ أَمَرَّ وَلَمْ يَنْقُلْ فَهَلْ يجزئه فيه وجهان: الصحيح يجزيه هَكَذَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْعِرَاقِيُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ ذَلِكَ تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ غَيْرُ مُمْكِنٍ إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ النَّاسِ مَعَ عُسْرٍ شَدِيدٍ وَلَيْسَ لِهَذَا الِاشْتِرَاطِ أَصْلٌ فِي السنة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

[وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى) فَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِغَيْرِ الْمَاءِ أَخَذَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ وَمَسَحَهُ عَلَى مَا يَسْتَنْجِي بِهِ مِنْ أَرْضٍ أَوْ حَجَرٍ فَإِنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ وَأَمْسَكَهُ بين ابهامى رجليته؟ ؟ وَمَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَيْهِ بِيَسَارِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ صَبَّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ وَمَسَحَهُ بِيَسَارِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِيَمِينِهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ يَقَعُ بِمَا فِي الْيَدِ لَا بِالْيَدِ فَلَمْ تُمْنَعْ صحته]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ: فَرَوَى أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْخَلَاءَ فَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَلَا يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه قَالَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ نَسْتَنْجِيَ باليمين)

ص: 108

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّمَا أَنَا لَكُمْ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِدِ أُعَلِّمُكُمْ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ الْغَائِطَ فَلَا يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ ولا يستدبرها ولا يستطيب بِيَمِينِهِ وَكَانَ يَأْمُرُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَيَنْهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا أنا لكم بمنزلة الوالد) فيه تفسير أن ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ أَظْهَرُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الخطابي غيره أَنَّهُ كَلَامُ بَسْطٍ وَتَأْنِيسٍ لِلْمُخَاطَبِينَ لِئَلَّا يَسْتَحْيُوا عَنْ مَسْأَلَتِهِ فِيمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ أَمْرِ دينهم لاسيما مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَاتِ وَنَحْوِهَا فَقَالَ أَنَا كَالْوَالِدِ فلا تستحيوا منى في شئ من ذلك كما لاتستحيون مِنْ الْوَالِدِ: وَالثَّانِي مَعْنَاهُ يَلْزَمُنِي تَأْدِيبُكُمْ وَتَعْلِيمُكُمْ أَمْرَ دِينِكُمْ كَمَا يَلْزَمُ الْوَالِدَ ذَلِكَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كَالْوَالِدِ فِي الْأَمْرَيْنِ جَمِيعًا وَفِي ثَالِثٍ أَيْضًا وَهُوَ الْحِرْصُ عَلَى مَصْلَحَتِكُمْ والشفقة عليكم والله أعلم

* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُكْرَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَلَا يَحْرُمُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِيَمِينِهِ نَهْيَ

تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ قَالَ وَحَرَّمَهُ أَهْلُ الظَّاهِرِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَسَارِ أَدَبٌ وَلَيْسَ الْيَمِينُ مَعْصِيَةً وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَسَارِهِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ يُكْرَهُ بِالْيَمِينِ وَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَعِبَارَاتُ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ أَذْكُرْهُمْ نَحْوُ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ النَّهْيُ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ نَهْيُ تَأْدِيبٍ وَتَنْزِيهٍ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ

ص: 109

لَا يُجْزِئُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يَجُوزُ الاستنجاء باليمين فكذا قَالَهُ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمُتَوَلِّي (1) وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ التَّهْذِيبِ وَالِانْتِخَابِ وَالْكَافِي وَكَذَا رَأَيْته فِي مَوْضِعٍ مِنْ تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ وَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْيَمِينِ وَلَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ النَّهْيُ عَنْ الْيَمِينِ أَدَبٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَجُوزُ مَعْنَاهُ لَيْسَ مُبَاحًا مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ بَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ رَاجِحُ التَّرْكِ وَهَذَا أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ الْمَشْهُورَيْنِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ لَا يَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً وَهِيَ تَتَخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ: فَإِنْ قِيلَ هَذَا غَيْرُ مُعْتَادٍ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قُلْنَا هُوَ مَوْجُودٌ فِيهَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا وَلَا يَمْتَنِعُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ وَقَدْ حُكِيَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ضَرَبَ فِي نُسْخَةِ أَصْلِهِ بِالْمُهَذَّبِ عَلَى لَفْظَةِ يَجُوزُ ان وبقى قوله ولا يَسْتَنْجِي بِالْيَمِينِ وَهَذَا يُصَحِّحُ مَا قُلْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بيمينه في شئ مِنْ أُمُورِ الِاسْتِنْجَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إنْ كَانَ الْحَجَرُ صَغِيرًا غَمَزَ عَقِبَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَمْسَكَهُ بَيْنَ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاسْتِعَانَةِ بِالْيَمِينِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَأْخُذُ الْحَجَرَ بِيَمِينِهِ وَالذَّكَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ دُونَ الْيَمِينِ فَإِنْ حَرَّكَ الْيَمِينَ أَوْ حَرَّكَهُمَا كَانَ مُسْتَنْجِيًا بِالْيَمِينِ مُرْتَكِبًا لِكَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَأْخُذُ الذَّكَرَ بِيَمِينِهِ وَالْحَجَرَ بِيَسَارِهِ وَيُحَرِّكُ الْيَسَارَ لِئَلَّا يَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِيَمِينِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا طَرِيقَ

إلَى الِاحْتِرَازِ مِنْ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ إلَّا بِالْإِمْسَاكِ بَيْنَ الْعَقِبَيْنِ أَوْ الْإِبْهَامَيْنِ وَكَيْفَ اسْتَعْمَلَ الْيَمِينَ بِإِمْسَاكِ الْحَجَرِ أَوْ غَيْرِهِ فَمَكْرُوهٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ الْيُسْرَى مَانِعٌ كَقَطْعٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْيَمِينِ لِلضَّرُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَلِيَأْمَنَ انْتِقَاضَ طُهْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يبدأ في الاستنجاء بالماء بقبله

(1) كلام المتولي مضطوب فانه ذكر في كلامه على الاستنجاء بالاشياء المحترمة حيث لا يصح ان الفرق بينه وبين الاستنجاء باليمين ان النهى عنه على سبيل الادب ثم قال بعده بورقتين لا يستنجى باليمين مع القدرة على الاستنجاء باليسري واستدل له ثم قال فان استنجى بها صح لان الخلل ليس فيما يقع الاستنجاء به وانما هو في الآلة فصار كما لو توضأ بماء مطلق من آية الذهب والفضة فان يجوز وهذا ظاهر في التحريم كما نقله الشيخ عند انه قال لا يجوز وكلامه الاول يخالفه والله أعلم ويتعين حمل الثاني على الاول اه اذرعى

ص: 110

(الثَّانِيَةُ) إذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الِاسْتِنْجَاءَ مِنْ الْبَوْلِ مَسَحَ ذَكَرَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ (1) مِنْ الْحَجَرِ طَاهِرَةٍ فَلَوْ مَسَحَهُ ثَلَاثًا عَلَى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ لَمْ يُجْزِئْهُ وَتَعَيَّنَ الْمَاءُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ وَضَعَ رَأْسَ الذَّكَرِ عَلَى جِدَارٍ وَمَسَحَهُ مِنْ أَسْفَلَ إلَى أَعْلَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ مَسَحَهُ مِنْ أَعْلَى إلَى أَسْفَلَ أَجْزَأَهُ وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ نَظَرٌ: (الثَّالِثَةُ) إذَا أَرَادَ الِاسْتِنْجَاءَ فِي الدُّبُرِ بِالْمَاءِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِأَنَّهُ أَمْكَنُ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَيَسْتَعْمِلُ مِنْ الْمَاءِ مَا يَظُنُّ زَوَالَ النَّجَاسَةِ بِهِ: فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ شَمَّ مِنْ يَدِهِ رَائِحَةَ النَّجَاسَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فَتَجِبُ إزَالَتُهَا بِزِيَادَةِ الْغَسْلِ وَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا مُسْتَبْعَدٌ وَإِنْ كَانَ مَقُولًا: وَالثَّانِي لَا يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ النَّجَاسَةِ فِي مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ وَيَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا فِي الْأُصْبُعِ فَعَلَى هَذَا لَا يُسْتَحَبُّ شَمُّ الْأُصْبُعِ: وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا غُسِلَتْ النَّجَاسَةُ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهَا هَلْ يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ

الْمَحِلِّ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَهُنَاكَ نَشْرَحُهُمَا وَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ يُدَلِّكُ دُبُرَهُ مَعَ الْمَاءِ حَتَّى لَا يَبْقَى أَثَرٌ تُدْرِكُهُ الْكَفُّ بِالْمَسِّ قَالَ وَلَا يَسْتَقْصِي فِيهِ بِالتَّعَرُّضِ لِلْبَاطِنِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَنْبَعُ الْوَسْوَاسِ: قال وليعلم أن كل مالا يَصِلُ الْمَاءُ إلَيْهِ فَهُوَ بَاطِنٌ وَلَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ حَتَّى تَبْرُزَ وَمَا ظَهَرَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ النَّجَاسَةِ: وَحَدُّ ظُهُورِهِ أَنْ يَصِلَهُ الْمَاءُ وَقَوْلُهُ لَا يَثْبُتُ لِلْفَضَلَاتِ الْبَاطِنَةِ حُكْمُ النَّجَاسَةِ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا لَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهَا نَجَاسَةً مُطْلَقًا وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ سَبَقَ مَبْسُوطًا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي اسْتِنْجَاءِ الدُّبُرِ سَوَاءٌ وَأَمَّا الْقُبُلُ فَأَمْرُ الرَّجُلِ فِيهِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى أَنَّ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ سَوَاءٌ فَيَجُوزُ اقْتِصَارُهُمَا عَلَى الْحَجَرِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّ الثَّيِّبَ لَا يُجْزِئُهَا الْحَجَرُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا وَهُوَ شَاذٌّ: وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ مَوْضِعَ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ فِي أَسْفَلِ الْفَرْجِ وَالْبَوْلُ يَخْرُجُ مِنْ ثَقْبٍ فِي أَعْلَى الْفَرْجِ فَلَا تَعَلُّقَ لِأَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ فَاسْتَوَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ إلَّا أَنَّ الثَّيِّبَ إذَا جَلَسَتْ انْفَرَجَ أَسْفَلُ فَرْجِهَا فَرُبَّمَا نَزَلَ الْبَوْلُ إلَى مَوْضِعِ الثِّيَابَةِ وَالْبَكَارَةِ وَهُوَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْمَنِيِّ وَالْوَلَدِ فَإِنْ تَحَقَّقَتْ نُزُولُ الْبَوْلِ إلَيْهِ وَجَبَ غَسْلُهُ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ تَتَحَقَّقْ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ وَلَا يَجِبُ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ غَسْلِهِ إذَا تَحَقَّقَتْ نُزُولَهُ قَالَ صَاحِبُ البيان وغيره يستحب للبكر أن تدخل

(1) في التتمة انه يقرب الذكر من الحائط أي ويجره حتي يسلب الحائط الرطوبة ولا يمسح لانه ينتشر البول على المحل لا محالة وكذا يفعل في الكرة الثانية وفى الثالثة يمسح لان النجاسة قلت على الموضع ولا يخشي انتشارها اه اذرعي

ص: 111

أُصْبُعَهَا فِي الثَّقْبِ الَّذِي فِي الْفَرْجِ فَتَغْسِلَهُ وَلَا يَلْزَمُهَا ذَلِكَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ الثَّيِّبَ أَنْ تُوَصِّلَ الْحَجَرَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَيَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا يَظْهَرُ عِنْدَ جُلُوسِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي حَالِ قِيَامِهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وشبههه الشَّافِعِيُّ بِمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ وَلَا يَبْطُلُ صَوْمُهَا بِهَذَا قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَا وَرَاءَ هذا فهو

في حكم الباطن فلا يكلف إيصَالَ الْمَاءِ وَالْحَجَرِ إلَيْهِ وَيَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْوَاصِلِ إلَيْهِ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِ الثَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَقَطَعَ الْأَكْثَرُونَ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ هَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ فِي قُبُلَيْهِ أَمْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنْ انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ دُونَ الْمَعِدَةِ مَعَ انْفِتَاحِ الْأَصْلِيِّ وَقُلْنَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْأَصَحُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ أَصَحُّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الْأَكْثَرِينَ التَّفْرِيعُ عَلَى الْأَصَحِّ فَإِنْ قُلْنَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَجَبَ لِكُلِّ فَرْجٍ ثَلَاثَةُ أَحْجَارٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُدَلِّكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِ الدُّبُرِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَضُوءًا لِلْجَنَابَةِ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ أَوْ الْحَائِطَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَّكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا) وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أَتَى الْخَلَاءَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَاسْتَنْجَى ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِإِنَاءٍ آخَرَ فَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وغيرهم وهو حديث حسن: وعن جرير عن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (دَخَلَ الْغَيْضَةَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى مِنْ إدَاوَةٍ وَمَسَحَ يَدَهُ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَ حَفْنَةً مِنْ مَاءٍ فَيَنْضَحَ بِهَا فَرْجَهُ وَدَاخِلَ سَرَاوِيلِهِ أَوْ إزَارِهِ بَعْدَ الِاسْتِنْجَاءِ دَفْعًا لِلْوَسْوَاسِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَجَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي خِصَالِ الْفِطْرَةِ وهو الانتضاح: والله اعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ويجوز الاستنجاء بالحجر وما يقوم مقامه قال أصحابنا ويقوم مقامه كل جامد طاهر مزيل للعين وليس له حرمة ولا هو جزء من حيوان]

ص: 112

[الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ وَمَا يَقُومُ مَقَامَهُ وَضَبَطُوهُ بِمَا ضَبَطَهُ بِهِ

الْمُصَنِّفُ (1) قَالُوا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْأَحْجَارُ وَالْأَخْشَابُ وَالْخِرَقُ وَالْخَزَفُ وَالْآجُرُّ الَّذِي لَا سِرْجِين فِيهِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ جِنْسِهِ بَلْ يَجُوزُ فِي الْقُبُلِ جِنْسٌ وَفِي الدُّبُرِ جِنْسٌ آخَرُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الثَّلَاثَةُ حَجَرًا وَخَشَبَةً وَخِرْقَةً نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا دَاوُد فَلَمْ يُجَوِّزْ غَيْرَ الْحَجَرِ وَكَذَا نَقَلَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا عَنْ دَاوُد: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ دَاوُد بَلْ مَذْهَبُهُ الْجَوَازُ

* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ اتَّبَعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ فقال (ابغنى أحجارا استفض بِهَا أَوْ نَحْوَهُ وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي هريرة الآخر (وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) قَالَ أَصْحَابُنَا فَنَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّوْثِ وَالْعَظْمِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الحجر يقوم مقامه وإلا لم يكن لتخصيصهما بِالنَّهْيِ مَعْنًى وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ (أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْغَائِطَ فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيهِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ هَذَا رِكْسٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلَّلَ مَنْعَ الِاسْتِنْجَاءِ بِهَا بِكَوْنِهَا رِكْسًا وَلَمْ يُعَلِّلْ بِكَوْنِهَا غَيْرَ حَجَرٍ

* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ أَيْضًا بِحَدِيثٍ رَوَوْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الِاسْتِنْجَاءُ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ قَالَ ثَلَاثُ حَفَنَاتٍ مِنْ تُرَابٍ) وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ طَاوُسٍ وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ يَسَارُ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه إذَا بَالَ قَالَ نَاوِلْنِي شَيْئًا أَسْتَنْجِي بِهِ فَأُنَاوِلُهُ الْعُودَ وَالْحَجَرَ أَوْ يأتي حائط يَتَمَسَّحُ بِهِ أَوْ يَمَسُّهُ الْأَرْضَ وَلَمْ يَكُنْ يغسله

(1) قال في البحر في حد ما يجوز الاستنجاء به قال بعض اصحابنا ان يكون جامدا طاهرا منقيا لا حرمة له ولا متصلا بحيوان ومعني المنقي انه يُزِيلَ الْعَيْنَ حَتَّى لَا يَبْقَى إلَّا أَثَرٌ الاصقا لا يخرجه الماء وقال اهل خراسان ان يكون طاهرا منشقا لا حرمة له وقيل بدل المنشف القالع وقيل ان يكون جامدا طاهرا منقيا غير

مطعوم وهذا أصح ثم قال في آخر الفصل وقيل حده أن يكون جامدا طاهرا قالعا للنجاسة غير محترم ولا مخلف وفيه احتراز عن التراب إذا لم يجز الاستنجاء به في احد القولين لانه يخلف على المحل جزءا منه انتهى وهذا الذى ذكره آخرا هو كلام المتولي في التتمة وظاهر هذا الكلام من الرويانى ان الحكم يختلف باختلاف هذه الحدود والا لما كان لتعدادها فائدة ولهذا قال في بعضها وهذا أصح فليتأمل اه اذرعى

ص: 113

وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَلْيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَشِبْهُهُ فَإِنَّمَا نَصَّ عَلَى الْأَحْجَارِ لِكَوْنِهَا غَالِبَ الْمَوْجُودِ لِلْمُسْتَنْجِي بِالْفَضَاءِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهَا وَلَا كُلْفَةَ فِي تَحْصِيلِهَا وَهَذَا نَحْوُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَقْتُلُوا أولادكم من إملاق) وقَوْله تَعَالَى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ ان خفتم) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مِمَّا لَيْسَ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ لِخُرُوجِهِ عَلَى الْغَالِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

وَرَدَ الشَّرْعُ بِاسْتِعْمَالِ الْحَجَرِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَرَمْيِ جِمَارِ الْحَجِّ وَبِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَبِاسْتِعْمَالِ التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ وَغَسْلِ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَبِاسْتِعْمَالِ الْقَرَظِ فِي الدِّبَاغِ فَأَمَّا الْحَجَرُ فَمُتَعَيَّنٌ فِي الرَّمْيِ دُونَ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ الرَّمْيَ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ وَأَمَّا الْمَاءُ فِي الطَّهَارَةِ وَالتُّرَابُ فِي التَّيَمُّمِ فَمُتَعَيَّنَانِ وَفِي التُّرَابِ فِي الْوُلُوغِ قَوْلَانِ وَفِي الدِّبَاغِ طَرِيقَانِ تَقَدَّمَا الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ الْقَرَظُ وَالثَّانِي قَوْلَانِ كَالْوُلُوغِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُلُوغَ دَخَلَهُ التَّعَبُّدُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الدِّبَاغِ وَالِاسْتِنْجَاءِ أَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيُضْطَرُّ كُلُّ أَحَدٍ إلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ مَكَان وَلَا يُمْكِنُ تَأْخِيرُهُ فَلَوْ كُلِّفَ نَوْعًا مُعَيَّنًا شَقَّ وَتَعَذَّرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَوَقَعَ الْحَرَجِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَالدِّبَاغُ بِخِلَافِهِ فِي كُلِّ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [فأما غير الماء من المائعات فلا يجوز الاستنجاء به لانه ينجس بملاقاة النجاسة فيزيد في النجاسة وما ليس بطاهر كالروث والحجر النجس لا يجوز الاستنجاء به لانه نجس فلا يجوز الاستنجاء به كالماء النجس فان استنجى بذلك لزمه بعد ذلك أن يستنجى بالماء لان الموضع قد صار نجسا

بنجاسة نادرة فوجب غسله بالماء ومن أصحابنا من قال يجزئه الحجر لانها نجاسة على نجاسة فلم تؤثر]

*

ص: 114

[الشَّرْحُ] إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ غَيْرِ الْمَاءِ لَمْ يَصِحَّ وَيَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَلَا يُجْزِئُهُ الاحجار بلا خلاف لما ذكره الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ إذَا اسْتَنْجَى بِمَائِعٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ فِيهِ وَجْهَانِ فغلط بلا شك وكأنه اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ فَتَوَهَّمَ أَنَّ قَوْلَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ عائدا إلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهُمَا الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَبِالنَّجَسِ كَالرَّوْثِ وَهَذَا وَهْمٌ بَاطِلٌ لِأَنَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَحْدَهَا: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْمَائِعِ فَمُتَّفَقٌ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمَاءَ يَتَعَيَّنُ لِأَنَّ الْمَائِعَ يَنْشُرُ النَّجَاسَةَ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ فَيَزِيدُ فِي النَّجَاسَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا النَّجَسُ وَهُوَ الرَّوْثُ وَالْحَجَرُ النَّجِسُ وَجِلْدُ الْمَيْتَةِ وَالثَّوْبُ النَّجِسُ وَغَيْرُهَا فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَتَعَيَّنُ بَعْدَهُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ أَمْ يَجُوزُ بِالْأَحْجَارِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فَقَالَ فِي التَّجْرِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَنْجَى بِنَجَسٍ لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ طَاهِرَةٍ قَالَ حَتَّى لَوْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ كَلْبٍ أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ الطَّارِئَةَ تَابِعَةٌ لِنَجَاسَةِ النَّجْوِ قَالَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الذى يجئ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا الْمَاءُ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَرَأَيْتُ أَنَا فِي تَعْلِيقِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِجَامِدٍ نَجِسٍ كَفَاهُ بعد الاحجار قال فلو استنجي بكلب فالذي يجئ علي تعليل الاصحاب أنه يجزئه الحجر ولايحتاج إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ هَذَا كَلَامُهُ وَلَكِنَّ نُسَخَ التَّعْلِيقِ تَخْتَلِفُ وَقَدْ قَدَّمْتُ نَظَائِرَ هَذَا: وَالصَّوَابُ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجِلْدِ كَلْبٍ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعُ غَسَلَاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ: وَالصَّحِيحُ فِي سَائِرِ النَّجَاسَاتِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ

* (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِنَجَسٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ

ص: 115

أَبُو حَنِيفَةَ بِالرَّوْثِ

* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُتَقَدِّمُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (وَلَا تَأْتِنِي بِعَظْمٍ وَلَا رَوْثٍ) وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ (وَنَهَى عَنْ الرَّوْثِ وَالرِّمَّةِ) وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ (فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) وَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا وَعَنْ سَلْمَانَ (نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يُتَمَسَّحَ بِعَظْمٍ أَوْ بَعْرٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ (نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُسْتَنْجَى بِعَظْمٍ أو روث وقال انهما لا يطهران) رواه الدارقطني وَقَالَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَعَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يَا رُوَيْفِعُ لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِك بَعْدِي فَأَخْبِرْ النَّاسَ أَنَّ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا منه برئ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَمَا لَا يُزِيلُ الْعَيْنَ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَالزُّجَاجِ وَالْحُمَمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحُمَمَةِ) وَلِأَنَّ ذلك لا يزيل النجو]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَلَفْظُهُ (قَدِمَ وَفْدُ الْجِنِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا يَا مُحَمَّدُ انْهَ أُمَّتَك أَنْ يَسْتَنْجُوا بِعَظْمٍ أَوْ رَوْثَةٍ أَوْ حُمَمَةٍ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل جَعَلَ لَنَا فِيهَا رِزْقًا فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والدارقطني والبيهقي ولم يضعفه أبو داود وضعفه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ: وَالْحُمَمَةُ بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْمِيمَيْنِ مُخَفَّفَتَيْنِ وَهِيَ الْفَحْمُ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَكَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْحُمَمُ الْفَحْمُ وَمَا أُحْرِقَ مِنْ الْخَشَبِ وَالْعِظَامِ وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَالِاسْتِنْجَاءُ بِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ رِزْقًا لِلْجِنِّ فَلَا يَجُوزُ إفْسَادُهُ عَلَيْهِمْ قَالَ

ص: 116

الْبَغَوِيّ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْحُمَمَةِ الْفَحْمُ الرَّخْوُ الَّذِي يَتَنَاثَرُ إذَا غَمَزَ فَلَا يَقْلَعُ النَّجَاسَةَ وَالزُّجَاجُ مَعْرُوفٌ وَهُوَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِهَا وَكَسَرَهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَأَمَّا رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُوَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ غَافِلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ والفاء بن حَبِيبٍ الْهُذَلِيُّ وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وِسَادَاتِهِمْ وَكِبَارِ فُقَهَائِهِمْ وَمُلَازِمِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

وَخُدَّامِهِ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ أَسْلَمَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ سَادِسُ سِتَّةٍ وَأَسْلَمَتْ أُمُّهُ وَسَكَنَ الْكُوفَةَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْمَدِينَةِ وَتُوُفِّيَ بها سنة اثنين وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ بِضْعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً وَقَدْ ذَكَرْتُ قِطْعَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ رضي الله عنه: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ شَرْطَ الْمُسْتَنْجَى بِهِ كَوْنُهُ قَالِعًا لِعَيْنِ النَّجَاسَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزُّجَاجَ وَالْقَصَبَ الْأَمْلَسَ وَشِبْهِهِمَا لَا يُجْزِئُ: وَأَمَّا الْفَحْمُ فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ اخْتَلَفَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالُوا وَفِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلَى حَالَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا لَا يَتَفَتَّتُ أَجْزَأَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا يَتَفَتَّتُ لَمْ يجزئه وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ فَإِنَّهُ لَمْ يَصِحَّ الْحَدِيثُ بِالنَّهْيِ فَتَعَيَّنَ التَّفْصِيلُ بَيْنَ الرَّخْوِ وَالصُّلْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَنْجَى بِزُجَاجٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِنْجَاءُ ثَانِيًا فَإِنْ كَانَ حِينَ اسْتَنْجَى بِالزُّجَاجِ بَسَطَ النَّجَاسَةَ بِحَيْثُ تَعَدَّتْ مَحِلَّهَا تَعَيَّنَ الْمَاءُ وَإِلَّا فَتَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ يَبْسُطُ النَّجَاسَةَ وَمُرَادُهُمْ إذَا بَسَطَ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْسُطْ النَّجَاسَةَ يَكْفِيهِ الْأَحْجَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 117

[وماله حُرْمَةٌ مِنْ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَالْعَظْمِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ وَقَالَ (هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ) فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ بِغَيْرِ الْمَاءِ رخصة والرخص لا تتعلق بالمعاصي]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْعَظْمِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ سَلْمَانُ وَجَابِرٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرُوَيْفِعٌ وَأَحَادِيثُهُمْ صَحِيحَةٌ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا فِي الْفَرْعِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَالَ هُوَ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ فَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِي آخِرِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لَا تَسْتَنْجُوا

بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرَةِ فَإِنَّهُمَا طَعَامُ إخْوَانِكُمْ) يَعْنِي الْجِنَّ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِيهِ: وَرَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ ثَالِثٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ ثُمَّ قَالَ قَالَ الشَّعْبِيُّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (لاتستنجوا بِالْعَظْمِ وَالْبَعْرِ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ أَصَحُّ يَعْنِي فَيَكُونُ مُرْسَلًا: (قُلْت) لَا يُوَافَقُ التِّرْمِذِيُّ بَلْ الْمُخْتَارُ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مُتَّصِلَةٌ

* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِعَظْمٍ وَلَا خُبْزٍ وَلَا غَيْرِهِمَا مِنْ الْمَطْعُومِ لِمَا سَبَقَ فَإِنْ خَالَفَ وَاسْتَنْجَى بِهِ عَصَى وَلَا يُجْزِئُهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ إنْ كَانَ الْعَظْمُ طاهر لازهومة عَلَيْهِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَلَا تَحْصُلُ

ص: 118

بِحَرَامٍ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ وَإِذَا لَمْ يُجْزِئْهُ الْمَطْعُومُ كَفَاهُ بَعْدَهُ الْحَجَرُ بِلَا خِلَافٍ إنْ لَمْ يَنْشُرْ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَظْمِ زُهُومَةٌ: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَوْ أُحْرِقَ عَظْمٌ طَاهِرٌ بِالنَّارِ وَخَرَجَ عَنْ حَالِ الْعَظْمِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِأَنَّ النَّارَ أَحَالَتْهُ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ عَنْ الرِّمَّةِ وَهِيَ الْعَظْمُ الْبَالِي وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْبَالِي بِنَارٍ أَوْ مُرُورِ الزَّمَانِ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ الِاسْتِنْجَاءِ بِجَمِيعِ الْمَطْعُومَاتِ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالْعَظْمِ وَغَيْرِهَا: وَأَمَّا الثِّمَارُ وَالْفَوَاكِهُ فَقَسَّمَهَا الْمَاوَرْدِيُّ تَقْسِيمًا حَسَنًا فَقَالَ مِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَالْيَقْطِينِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ رَطْبًا وَيَجُوزُ يَابِسًا إذَا كَانَ مُزِيلًا وَمِنْهَا مَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَيَابِسًا وَهُوَ أَقْسَامٌ أَحَدُهَا مَأْكُولُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا فلا يجوز الاستنجاء بشئ مِنْهُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا وَالثَّانِي مَا يُؤْكَلُ ظاهره دون باطنه كالخوخ والمشمس وَكُلِّ ذِي نَوًى فَلَا يَجُوزُ بِظَاهِرِهِ وَيَجُوزُ بنواه المنفصل والثالث ماله قِشْرٌ وَمَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالرُّمَّانِ فَلَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِلُبِّهِ: وَأَمَّا قِشْرُهُ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا لَا يُؤْكَلُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا كَالرُّمَّانِ فَيَجُوزُ الاستنجاء بالقشر وكذا اسْتَنْجَى بِرُمَّانَةٍ فِيهَا حَبُّهَا جَازَ إذَا كَانَتْ مُزِيلَةً (وَالثَّانِي) يُؤْكَلُ قِشْرُهُ رَطْبًا وَيَابِسًا كَالْبِطِّيخِ فَلَا يَجُوزُ رَطْبًا وَلَا يَابِسًا (وَالثَّالِثُ) يُؤْكَلُ رَطْبًا لَا يَابِسًا كَاللَّوْزِ وَالْبَاقِلَّاءِ فَيَجُوزُ بِقِشْرِهِ يابسا لارطبا: وَأَمَّا مَا يَأْكُلُهُ الْآدَمِيُّونَ وَالْبَهَائِمُ

فَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْبَهَائِمِ لَهُ أَكْثَرَ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَكْلُ الْآدَمِيِّينَ لَهُ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ: وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ مِنْ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي ثُبُوتِ الربي فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ نَحْوَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ إنْ اسْتَنْجَى بِمَا مَأْكُولُهُ فِي جَوْفِهِ كَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ الْيَابِسِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ فَإِنْ انْفَصَلَ الْقِشْرُ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْأَشْيَاءِ المحترمة الَّتِي يَحْرُمُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهَا الْكُتُبُ الَّتِي فِيهَا شئ من علوم الشرع فان استنجي بشئ منه عَالِمًا أَثِمَ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ الْوَجْهَانِ: الصَّحِيحُ لَا يُجْزِئُهُ فَعَلَى

ص: 119

هذا تجزئه الاحجار بعده: ولو استنجي بشئ مِنْ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عَالِمًا صَارَ كَافِرًا مُرْتَدًّا نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ (1) فَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ سُقُوطُهُ وَلَوْ اسْتَنْجَى بِقِطْعَةِ دِيبَاجٍ سَقَطَ الْفَرْضُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَطَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَطَرَدَهُمَا أَيْضًا فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِحِجَارَةِ الْحَرَمِ قَالَ وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ سُقُوطُ الْفَرْضِ بِكُلِّ ذَلِكَ لِأَنَّ لِمَاءِ زَمْزَمَ حُرْمَةً تَمْنَعُ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ ثُمَّ لَوْ اسْتَنْجَى بِهِ أَجْزَأَهُ بِالْإِجْمَاعِ (فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ ذَكِيٍّ وَلَا مَيِّتٍ لِلنَّهْيِ عَنْ الْعَظْمِ مُطْلَقًا وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا يَسْتَنْجِي بِعَظْمٍ لِلْخَبَرِ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ نَجِسٍ فَلَيْسَ هُوَ بِنَظِيفٍ وَإِنَّمَا الطَّهَارَةُ بِنَظِيفٍ طَاهِرٍ وَلَا أَعْلَمُ شَيْئًا فِي معنى عظم الاجلد ذكي غير مدبوع فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَأَمَّا الْجِلْدُ الْمَدْبُوغُ فَنَظِيفٌ طَاهِرٌ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَسْتَطِيبَ بِيَمِينِهِ فَيُجْزِئَهُ وَبِالْعَظْمِ فَلَا يُجْزِئَ أَنَّ الْيَمِينَ أَدَاةٌ وَالنَّهْيُ عَنْهَا أَدَبٌ وَالِاسْتِطَابَةُ طَهَارَةٌ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ هَذَا نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاعْتُرِضَ عَلَى قَوْلِهِ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ فَإِنَّ الْعَظْمَ لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ طَاهِرًا كَانَ أَوْ نَجِسًا: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْكَلَامِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْعَظْمُ لَيْسَ بِنَظِيفٍ كَمَا سَبَقَ عَنْ الْأُمِّ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ لَيْسَ بِنَظِيفٍ أَنَّ

عَلَيْهِ سَهُوكَةٌ: قَالَ الماوردى وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ نَقْلَ الْمُزَنِيِّ صَحِيحٌ: وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِطَاهِرٍ أَيْ لَيْسَ بِمُطَهَّرٍ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا تَأْوِيلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْعَظْمِ النَّجِسِ لِأَنَّ الْعَظْمَ النَّجِسَ يَمْتَنِعُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) كَوْنُهُ نَجِسًا وَالْأُخْرَى كَوْنُهُ مَطْعُومًا وَالْعَظْمُ الطَّاهِرُ يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِ مَطْعُومًا فَقَطْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا تأويل أبي حامد الاسفرايني وَاخْتَارَ الْأَزْهَرِيُّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ وَهُوَ تَغْلِيطُ الْمُزَنِيِّ وبسط

(1) قال العجلي في شرح الوجيز ولايجوز الاستنجاء بالذهب والفضة والجواهر النفيسة وبالغير والعصفور لان الكل محترم هذا لفظه اه اذرعي

ص: 120

الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ النَّظِيفِ وَالطَّاهِرِ قَالَ فَمَا فِيهِ زُهُومَةٌ أَوْ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ لَيْسَ بِنَظِيفٍ وَذَلِكَ كَالْعَظْمِ وَجِلْدِ الْمُذَكَّى قَبْلَ الدِّبَاغِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا

* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْعَظْمِ وَمِمَّنْ قال لا يجوز احمد وداود * قال المصنف رحمه الله

* [وَمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ كَذَنَبِ حِمَارٍ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ حَيَوَانٍ فَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِيَدِهِ وَلِأَنَّ لَهُ حُرْمَةً فَهُوَ كَالطَّعَامِ][الشَّرْحُ] الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَحْرِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ بِأَجْزَاءِ الْحَيَوَانِ فِي حَالِ اتِّصَالِهِ كَالذَّنَبِ وَالْأُذُنِ وَالْعَقِبِ وَالصُّوفِ وَالْوَبَرِ وَالشَّعْرِ وَغَيْرِهَا وَخَالَفَهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فَقَالَا الْأَصَحُّ صِحَّةُ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْحَيَوَانِ فِي مَنْعِ إيلَامِهِ لَا مَنْعِ ابْتِذَالِهِ بِخِلَافِ الْمَطْعُومِ وَالصَّوَابُ مَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ التَّحْرِيمُ وَعَدَمُ إجْزَائِهِ وَقِيلَ يَحْرُمُ وَيُجْزِئُ: فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كَفَاهُ الْأَحْجَارُ بَعْدَهُ: وَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِيَدِ آدَمِيٍّ فَفِيهِ كَلَامٌ منتشر حاصله أربعة أوجه الصحيح لا يجزيه لابيده وَلَا بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لانه عضو مُحْتَرَمٌ: وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ بِيَدِهِ وَيَدِ غَيْرِهِ حَكَاهُ الماوردى عن ابن خيران وليس بشئ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ بِيَدِهِ وَلَا يَجُوزُ بِيَدِ غَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ: (وَالرَّابِعُ) يُجْزِئُهُ بِيَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ كَمَا يَسْجُدُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ دُونَ يَدِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ الْفُورَانِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضعيف أو غلط: والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

[وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدٍ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي حَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ كَالرِّمَّةِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ لَيِّنًا فهو كالخرق وان كان خشنا فهو كالخرف وَإِنْ اسْتَنْجَى بِجِلْدِ حَيَوَانٍ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مُذَكًّى غَيْرِ مَدْبُوغٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قَالَ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَقْلَعُ النَّجْوَ للزوجته وقال

ص: 121

في البويطي يجوز والاول هو المشهور]

* [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بِالْمَدْبُوغِ دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي يَجُوزُ بِهِمَا قَالَهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قَالَهُ فِي حَرْمَلَةَ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقًا آخَرَ وَهُوَ الْقَطْعُ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَتَأْوِيلِ الآخرين ودليل الجميع ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي الْمَدْبُوغِ بَيْنَ الْمُذَكَّى وَالْمَيْتَةِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ قَالِعَانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِجِلْدِ الْمَيْتَةِ الْمَدْبُوغِ وَإِنْ جَازَ بِالْمَدْبُوغِ الْمُذَكَّى تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وليس بشئ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ إلَّا الْمُتَوَلِّي فَإِنَّهُ انْفَرَدَ بِطَرِيقَةٍ غَرِيبَةٍ فَقَالَ إنْ كَانَ جِلْدٌ مُذَكًّى وَاسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي يَلِي اللَّحْمَ فَهُوَ كَمَا لَوْ اسْتَنْجَى بِمَطْعُومٍ لِأَنَّهُ مِمَّا يُؤْكَلُ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ اسْتَنْجَى بِالْجَانِبِ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّعْرُ وَشَعْرُهُ كَثِيرٌ جَازَ: وَإِنْ كَانَ الْجِلْدُ مَدْبُوغًا وَهُوَ جِلْدٌ مُذَكًّى جَازَ وَإِنْ كَانَ جِلْدُ مَيْتَةٍ فَقَوْلَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الدِّبَاغَ هَلْ يُطَهِّرُ بَاطِنَ الْجِلْدِ أَمْ لَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* فَإِنْ قِيلَ الْجِلْدُ مَأْكُولٌ فَكَيْفَ جَوَّزْتُمْ الِاسْتِنْجَاءَ بِهِ: فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْكُولٍ عَادَةً وَلَا مَقْصُودٌ بِالْأَكْلِ وَلِهَذَا جَازَ بَيْعُ جِلْدَيْنِ بِجِلْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالرِّمَّةِ هِيَ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ الْعَظْمُ الْبَالِي كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سُمِّيَتْ الْعِظَامُ رِمَّةً لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرُمُّهَا أَيْ تَأْكُلُهَا وَإِنَّمَا قَاسَ الْمُصَنِّفُ عَلَيْهَا لِأَنَّ النَّصَّ ثَبَتَ فِيهَا كَمَا سَبَقَ فِي الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَلَا يَسْتَنْجِي بِحَجَرٍ قَدْ اسْتَنْجَى بِهِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَكُونَ طَهُرَ بِالْمَاءِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ ثُمَّ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ ثَانِيَةً فَإِنْ غُسِلَ وَيَبِسَ جَازَ ثَالِثَةً وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ كما

ص: 122

لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الثَّوْبِ مَرَّاتٍ بِخِلَافِ رَمْيِ الْجِمَارِ فِي الْحَجِّ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَرْمِيَ بِحَصَاةٍ قَدْ رَمَى بِهَا هُوَ أَوْ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ جَاءَ أَنَّ مَا تُقُبِّلَ مِنْهَا رُفِعَ وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ تُرِكَ: وَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ تَعَدُّدُ الْمَرْمِيِّ بِهِ وَلَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ اسْتَنْجَى بِهِ وَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحُّ فَإِنْ انْبَسَطَتْ النَّجَاسَةُ تَعَيَّنَ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْمَاءِ وَإِلَّا فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ الْبَلَلَ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ فَيَصِيرُ فِي حُكْمِ نَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّ عَيْنَ الْمَاءِ لَا تَنْقَلِبُ نَجَسًا وَإِنَّمَا تُجَاوِرُ النَّجَاسَةَ أَوْ تُخَالِطُهَا هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ.

وَالْمُخْتَارُ قَوْلُ شَيْخِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَإِنْ غَسَلَهُ وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مَاءٌ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبًا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمْ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الصَّيْمَرِيِّ وَجْهًا ثَالِثًا إنْ كَانَتْ الرُّطُوبَةُ يَسِيرَةً صَحَّ وَإِلَّا فَلَا

* (فَرْعٌ)

إذَا اسْتَنْجَى بِحَجَرٍ فَحَصَلَ بِهِ الْإِنْقَاءُ ثُمَّ اسْتَعْمَلَ حَجَرًا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَلَمْ يَتَلَوَّثَا فَفِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِمَا مَرَّةً أُخْرَى مِنْ غَيْرِ غَسْلِهِمَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ صَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ تَبْعُدُ سَلَامَتُهُ مِنْ نجاسة خفية وَقِيَاسًا عَلَى الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ

* (فَرْعٌ)

لَوْ رَأَى حَجَرًا شَكَّ فِي اسْتِعْمَالِهِ جَازَ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ أَوْ غَسْلُهُ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ مُسْتَعْمَلٌ وَشَكَّ فِي غَسْلِهِ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْمَالُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إذَا جَفَّ وَرَقُ الشَّجَرِ ظاهره وباطنه أو ظاهر جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ إنْ كَانَ مُزِيلًا وَإِنْ كَانَ نَدِيَّ الظَّاهِرِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْحَجَرِ النَّدِيِّ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) وَرَقُ الشَّجَرِ

ص: 123

الَّذِي يُكْتَبُ عَلَيْهِ وَالْحَشِيشُ الْيَابِسَاتُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ خَشِنًا مُزِيلًا جَازَ الِاسْتِنْجَاءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا (الثَّالِثَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله في البويطى ومختصر الربيع علي جَوَازَ الِاسْتِنْجَاءِ بِالتُّرَابِ

قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ إذَا كَانَ مُسْتَحْجَرًا تُمْكِنُ الْإِزَالَةُ بِهِ فَإِنْ كَانَ دقيقا لاتمكن الْإِزَالَةُ بِهِ لَمْ يُجْزِئْ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَحِلِّ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بِالتُّرَابِ وَإِنْ كَانَ رَخْوًا لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْحَدِيثُ بَاطِلٌ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَمَرَ بِالْحَجَرِ فَلَا يُجْزِئُ إلَّا الْحَجَرُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَيْسَ التُّرَابُ الرَّخْوُ فِي مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الضَّعِيفِ يَجِبُ أَرْبَعُ مَسَحَاتٍ وَيُسْتَحَبُّ خَامِسَةٌ لِلْإِيتَارِ وَهَذَا كُلُّهُ لَيْسَ بشئ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي حَرْمَلَةَ إذَا نتف الصوف من الغتم وَاسْتَنْجَى بِهِ كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَهُ؟ ؟ قَالُوا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَعْذِيبَ الْحَيَوَانِ: فَأَمَّا الِاسْتِنْجَاءُ بِالصُّوفِ فَلَيْسَ بِمَكْرُوهٍ فَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ شَاةٍ بَعْدَ ذَكَاتِهَا أَوْ جَزَّهُ فِي حَيَاتِهَا فَلَا كَرَاهَةَ: (الْخَامِسَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْآجُرِّ: قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَهُ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ عَصْرِهِ بِالْحِجَازِ وَمِصْرَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلِطُونَ بِتُرَابِهِ السِّرْجِينَ: فَأَمَّا مَا خُلِطَ بِهِ فَلَا يَجُوزُ وَقِيلَ بَلْ عَلِمَ بِخَلْطِهِ بِالسِّرْجِينِ وَجَوَّزَهُ لِأَنَّ النَّارَ تَحْرِقُ السِّرْجِينَ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وَإِنْ جَاوَزَ الْخَارِجُ الْمَوْضِعَ الْمُعْتَادَ فَإِنْ كَانَ غائط فَخَرَجَ إلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ ذَلِكَ نَادِرٌ فَهُوَ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَإِنْ خَرَجَ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَى ظَاهِرِهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ:

ص: 124

أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ فَهُوَ كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى ظاهر الْأَلْيَةِ: وَالثَّانِي يُجْزِئُ فِيهِ الْحَجَرُ: لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رضي الله عنهم هَاجَرُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَكَلُوا التمر ولم يكن ذلك مِنْ عَادَتِهِمْ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ رَقَّتْ بِذَلِكَ أَجْوَافُهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالِاسْتِنْجَاءِ بِالْمَاءِ وَلِأَنَّ مَا يَزِيدُ عَلَى الْمُعْتَادِ لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ فَجُعِلَ الْبَاطِنُ كُلُّهُ حَدًّا وَوَجَبَ الْمَاءُ فِيمَا زَادَ: وَإِنْ كَانَ بَوْلًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ: قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إذَا جَاوَزَ مَخْرَجَهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ أَوْ أَسْفَلَهُ لَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ لِأَنَّ مَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَوْلِ

لَا يَنْتَشِرُ إلَّا نَادِرًا بِخِلَافِ مَا يَخْرُجُ من الدبر فانه لابد مِنْ أَنْ يَنْتَشِرَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ فِيهِ إلَّا الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَوَجْهُهُ مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَالثَّانِي يَجُوزُ فِيهِ الْحَجَرُ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الْحَجَرُ فِي الْغَائِطِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ وَجَبَ أَنْ يَجُوزَ فِي الْبَوْلِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ لِتَعَذُّرِ الضَّبْطِ]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْغَائِطَ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ: أَحَدُهَا أَنْ لَا يُجَاوِزَ نَفْسَ الْمَخْرَجِ فَيُجْزِئُهُ الْأَحْجَارُ بِلَا خِلَافٍ: الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَهُ وَلَا يُجَاوِزَ الْقَدْرَ الْمُعْتَادَ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ فَيُجْزِئُهُ الْحَجَرُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الِاحْتِرَازُ مِنْ هَذَا الْقَدْرِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ تَعَيَّنَّ الْمَاءُ وَنَقَلَ الْبُوَيْطِيُّ نَحْوَهُ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَيْسَ على ظاهره بل يكفيه الحرج قَوْلًا وَاحِدًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ غَلَّطَ الْمُزَنِيَّ فِي النَّقْلِ وَهَذَا قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى تَغْلِيطِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهُ سَقَطَ من الكلام شئ وَصَوَابُهُ إذَا جَاوَزَ الْمَخْرَجَ وَمَا حَوْلَهُ (1) وَهَذَا وان سموه تأويلا فهو بمعنى التغليط إنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ قَالُوا الِاعْتِبَارُ بِعَادَةِ غَالِبِ النَّاسِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَجْهَيْنِ فِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَادَةِ النَّاسِ أَمْ بِعَادَتِهِ الْحَالُ (الثَّالِثُ) أَنْ يَنْتَشِرَ وَيَخْرُجَ عَنْ الْمُعْتَادِ وَلَا يُجَاوِزُ بَاطِنَ الْأَلْيَةِ فَهَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ أَمْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فيه

(1) يمكن تأويله على المجاوزة الزائدة علي ما حواليه وهذا اولى من تغليطه وهو بمعني التأويل المذكور لكن لا حاجة لى تقدير ساقط اه من هامش الارذعى

ص: 125

قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَحَرْمَلَةَ وَالْإِمْلَاءِ كَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ: وَالثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْقَدِيمِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهَذَا الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قِصَّةِ الْمُهَاجِرِينَ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب: (الرابع) أن ينتشر إلى ظاهر الاليين فَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي جَمِيعِهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ لِنُدُورِهِ وَتَعَذُّرِ فَصْلِ بَعْضِهِ عَنْ بَعْضٍ وَإِنْ انْفَصَلَ بَعْضُهُ عَنْ بَعْضٍ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الَّذِي عَلَى ظَاهِرِ الْأَلْيَةِ: وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَظْهَرْ وَلَمْ يَتَّصِلْ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلِ السَّابِقِ إنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْعَادَةَ أجزأه الْحَجَرُ وَإِنْ جَاوَزَهُ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ أَيْضًا هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي

حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ: وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَفِي الْحَاوِي وَغَيْرِهِ وَجْهٌ مخالف لهذا وليس بشئ وَلَوْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ انْتِشَارًا مُعْتَادًا وَتَرَشَّشَ مِنْهُ شئ الي محل منفصل قَرِيبٍ مِنْ الْخَارِجِ بِحَيْثُ يَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ لَوْ اتَّصَلَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فِي الْمُتَرَشِّشِ صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا الْبَوْلُ فَإِنْ انْتَشَرَ وَخَرَجَ عَنْ الْحَشَفَةِ مُتَّصِلًا تَعَيَّنَ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا فَطَرِيقَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ اُخْتُلِفَ فِي الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِنُدُورِهِ: وَقَالَ الْجُمْهُورُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِشَارِ الْغَائِطِ إلَى بَاطِنِ الْأَلْيَةِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِإِجْزَاءِ الْحَجَرِ مَا لَمْ يُجَاوِزْ الْحَشَفَةَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي حَرْمَلَةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْبَوْلَ يَنْتَشِرُ أَيْضًا فِي الْعَادَةِ وَيَشُقُّ

ص: 126

ضَبْطُ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ فَجُعِلَتْ الْحَشَفَةُ فَاصِلًا فَعَلَى هَذَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْغَائِطِ إذَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ بَاطِنِ الْأَلْيَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ السَّابِقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ أبو اسحاق إذا جاوز مخرجه أعلاه حَتَّى رَجَعَ عَلَى الذَّكَرِ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ كَذَا قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ أَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ مَجْرُورَانِ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الذَّكَرِ تَقْدِيرُهُ حَتَّى رَجَعَ عَلَى أَعَلَا الذَّكَرِ وأسفله ويقال الاليان الاليتان بِحَذْفِ التَّاءِ وَإِثْبَاتِهَا وَحَذْفُهَا أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَالْمُرَادُ بِبَاطِنِ الْأَلْيَةِ مَا يَسْتَتِرُ فِي حال القيام وبظاهرها مالا يستتر * قال المصنف رحمه الله

* [وان كان الخارج نادرا كالدم والمذي والودى أو دودا أو حصاة وقلنا يجب الاستنجاء منه فهل يجزئ فيه الحجر فيه قولان أحدهما انه كالبول والغائط وقد بيناهما والثاني لا يجزئ الا الماء لانه نادر فهو كسائر النجاسات]

* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ الْخَارِجُ نَادِرًا كَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْوَدْيِ (1) وَالْمَذْيِ وَشِبْهِهَا فَهَلْ يُجْزِئُهُ الْحَجَرُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ على قولين أصحهما يجزيه الْحَجَرُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَحَرْمَلَةَ لِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَيْهِ وَالِاسْتِنْجَاءُ رُخْصَةٌ وَالرُّخَصُ تَأْتِي لِمَعْنًى ثُمَّ لَا يَلْزَمُ وُجُودُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي جَمِيعِ صُوَرِهَا كَالْقَصْرِ وَأَشْبَاهِهِ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ قَالَهُ فِي الْأُمِّ وَيُحْتَجُّ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ مِنْ الْمَذْيِ)

وَسَنَذْكُرُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ الْغُسْلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْجَوَابُ الصَّحِيحُ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ والطريق الثاني ذكره الخراسانيون أنه يجزيه الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ فِي الْأُمِّ على مَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ لَا مِنْ دَاخِلِ الْفَرْجِ بَلْ مِنْ قَرْحٍ أَوْ بَاسُورٍ وَشِبْهِهِ خَارِجَ الدُّبُرِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ خَرَجَ النَّادِرُ وَحْدَهُ أَوْ مَعَ الْمُعْتَادِ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا خَرَجَ النَّادِرُ مَعَ الْمُعْتَادِ فَإِنْ تَمَحَّضَ النَّادِرُ تَعَيَّنَ الْمَاءُ قَطْعًا وَالصَّحِيحُ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وهو مقتضى اطلاق الجمهور قال

(1) في عد الودى من النادر نظر ظاهر وان ذكره جماعة لانه يخرج عقب البول غالبا بل هو منه بمنزلة العكر من الزيت ولهذا جزم العمرانى بانه معتاد اه اذرعى

ص: 127

الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ نَادِرٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَدَمُ الْبَاسُورِ الَّذِي فِي دَاخِلِ الدُّبُرِ نَادِرٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ مِنْ النَّادِرِ (1) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَلَامِ الْغَزَالِيِّ مَا يُوهِمُ خِلَافًا فِي كَوْنِهِ نَادِرًا وَلَا خِلَافَ فِيهِ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَدَمُ الْحَيْضِ مُعْتَادٌ فَيَكْفِي فِيهِ الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَدْ يَسْتَشْكِلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ قَالُوا لَا يُمْكِنُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْحَجَرِ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلَةِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا غَسْلُ مَحِلِّ الِاسْتِنْجَاءِ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ فَيُقَالُ صُورَتُهُ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَائِضِ وَلَمْ تَجِدْ مَا تَغْتَسِلُ بِهِ أَوْ كَانَ بِهَا مَرَضٌ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُبِيحُ لَهَا التَّيَمُّمَ فَإِنَّهَا تَسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ عَنْ الدَّمِ ثُمَّ تَتَيَمَّمُ لِلصَّلَاةِ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَتُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ الْمُسْتَحَاضَةِ: وَمَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ أَوْ دَمٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّادِرِ فَإِنَّهُ إذَا اسْتَنْجَى بِالْحَجَرِ وَتَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَصَلَّى تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ قَوْلُنَا لَا يَصِحُّ اسْتِنْجَاؤُهُ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَكْفِي الْحَجَرُ فِي دَمِ الْحَيْضِ الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا وَجَدَتْ الْمَاءَ وَاسْتَنْجَتْ بِالْحَجَرِ وَغَسَلَتْ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَمْ تَغْسِلْ مَوْضِعَ الِاسْتِنْجَاءِ فَهُنَا لَا يَصِحُّ (2) اسْتِنْجَاؤُهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَلَمْ يُرِيدَا بِقَوْلِهِمَا قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ غَيْرَهُمْ يُخَالِفُهُمْ بَلْ أرادا انهم هم الذين ابتدؤا بِذِكْرِ ذَلِكَ وَشَهَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ فَقَدْ ذَكَرَهُ الخراسانيون أيضا ولكنهم أخذوه من كتب العراقيين وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا

قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الدُّودِ والحصى إذَا أَوْجَبْنَا الِاسْتِنْجَاءَ مِنْهُ فَهَلْ يُجْزِئُ الْحَجَرُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالنَّادِرِ فَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ هُنَا إنَّمَا يَجِبُ لِتِلْكَ الْبَلَّةِ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ فَيَكْفِي الْحَجَرُ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ مِثْلَهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَالْمَنِيُّ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ مِنْهُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ وَلَمْ يَخْرُجْ غَيْرُهُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِمَرَضٍ أَوْ فَقْدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي دَمِ الْحَيْضِ أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَلَا من غسل رأس الذكر والله أعلم

*

(1) ليس الامر كذلك بل الذى تقله العمرانى في البيان ان المذى والودى من المعتاد وبه اجاب المحاملى في المقنع لكن في المذي وحده ولا فرق اه اذرعى (2) قوله لا يصح استنجاؤها اي لا يكفي كما قال لان الاستنجاء وقع صحيحا ولكن وجب غسل الموضع في غسل الحيض فلا تظهر فائدة الا في مسألة التيمم كالجنب إذا بال واستنجى بالحجر اه اذرعى

ص: 128

(فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ أَصْحَابُنَا شَرْطُ جَوَازِ الِاسْتِنْجَاءِ بِالْحَجَرِ مِنْ الْغَائِطِ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ مَوْضِعِ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَتَّى يَسْتَنْجِيَ فَإِنْ قَامَ تَعَيَّنَ الْمَاءُ لِأَنَّ بِالْقِيَامِ تَنْطَبِقُ الْأَلْيَانِ فَتَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَحِلِّهَا إلَى مَحِلٍّ أَجْنَبِيٍّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحْجَارٌ وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُنَاوِلُهُ إيَّاهَا فَطَرِيقُهُ أَنْ يَزْحَفَ عَلَى رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَنْطَبِقَ أَلْيَاهُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْحَجَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ قَامَ متفاجحا بحيث لا تنطبق الاليان أو استيقن ان النجاسة لم تجاوز مَحِلَّهَا أَجْزَأَهُ الْحَجَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ الْخَارِجُ مِنْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ تَرَشَّشَ مِنْهُ شئ فَارْتَفَعَ وَعَلِقَ بِالْمَحِلِّ أَوْ تَعَلَّقَتْ بِالْمَحِلِّ نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ تَعَيَّنَ الْمَاءُ فَإِنْ تَمَيَّزَ الْمُرْتَفِعُ وَأَمْكَنَ غَسْلُهُ وَحْدَهُ غَسَلَهُ وَكَفَاهُ الْأَحْجَارُ فِي نَجَاسَةِ الْمَحِلِّ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يُرِيدَ الطَّهَارَةَ أَوْ الصَّلَاةَ (الثَّالِثَةُ) الِاسْتِنْجَاءُ طَهَارَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْوُضُوءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ مِنْ وَاجِبَاتِ الْوُضُوءِ وَاسْتَنْبَطَهُ مِنْ الْقَوْلِ الشَّاذِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يَصِحُّ قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ فَعَرِقَ مَحِلُّهُ وَسَالَ الْعَرَقُ مِنْهُ وَجَاوَزَهُ وَجَبَ غَسْلُ مَا سَالَ إلَيْهِ (1) وَإِنْ لَمْ يجاوزه فوجهان: أحدهما يجب غسله والصحيح لا يلزمه

شئ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ وَلَوْ انْغَمَسَ هَذَا الْمُسْتَجْمِرُ فِي مَائِعٍ أَوْ فِيمَا دُونَ قُلَّتَيْنِ نَجَّسَهُ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله في الام والاصحاب انما يجزى الِاسْتِجْمَارُ الْمُتَوَضِّئَ وَالْمُتَيَمِّمَ أَمَّا الْمُغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَةٍ وغيرها فلا يجزئه بل لابد مِنْ تَطْهِيرِ مَحِلِّهِ بِالْمَاءِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ كَمَا قُلْنَا لَا يَكْفِي مَسْحُ الْخُفِّ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ بِخِلَافِ الْمُتَوَضِّئِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِجْمَارَ وَمَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَتَانِ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَيْهِمَا لتكرر الوضوء وأما الغسل فنادر فلا تدعوا لحاجة إلَيْهِمَا فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْبَابِ: رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي غَفَّارٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَهَا عَلَى حَقِيبَةٍ فَحَاضَتْ فَأَمَرَهَا أَنْ تَغْسِلَ الدَّمَ بِمَاءٍ وَمِلْحٍ) الحديث قال الخطابي

(1) في وجوب غسل ما سال إليه نظر فانه يشق الاحتراز منه فينبغي ان يعفى عنه وقد قاله في الروضة ولو عرق وتلوث بمحل النجو غيره فوجهان أصحهما العفو لعسر الاحتراز بخلاف حمل غيره وهذا يقتضي العفو إذا تلوث به ثوب أو بدن ويدل عليه احوال الصحابة اه اذرعي

ص: 129

الْمِلْحُ مَطْعُومٌ فَقِيَاسُهُ جَوَازُ غَسْلِ الثَّوْبِ بِالْعَسَلِ كَثَوْبِ الْإِبْرَيْسَمِ الَّذِي يُفْسِدُهُ الصَّابُونُ وَبِالْخَلِّ إذَا أَصَابَهُ حِبْرٌ وَنَحْوُهُ قَالَ وَيَجُوزُ عَلَى هَذَا التدلك بالنخالة وغسل الايدى بدقيق الباقلى وَالْبِطِّيخِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَهُ قُوَّةُ الْجَلَاءِ قَالَ وحدثونا عن يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ دَخَلْت الْحَمَّامَ بِمِصْرَ فَرَأَيْت الشافعي يتدلك بالنخالة هذا كلام الخطابي

*

* ‌

(باب ما يوجب الغسل)

* يُقَالُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَغُسْلُ الْحَيْضِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَغُسْلُ الْمَيِّتِ وَمَا أَشْبَهَهَا بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالضَّمُّ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ غَلِطُوا فِي الضَّمِّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ غَلِطَ هُوَ فِي إنْكَارِهِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَأَشَرْتُ إلَى بَعْضِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ * قال المصنف رحمه الله

* [والذى يوجب الغسل ايلاج الحشفة في الفرج وخروج المني والحيض والنفاس: فأما ايلاج الحشفة فانه يوجب الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا التقى

الختانان وجب الغسل) التقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة في الفرج وذلك ان ختان الرجل هو الجلد الذي يبقي بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك فوق الفرج فيقطع منها في الختان فإذا غابت الحشفة في الفرج حاذى ختانه ختانها وإذا تحاذيا فقد التقيا ولهذا يقال التقى الفارسان إذا تحاذيا وان لم يتضاما] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ

ص: 130

بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ يَحْصُلُ بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ إلَى آخِرِهِ فَهُوَ لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبَيَّنَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَالْتِقَاءَ الْخِتَانَيْنِ بَيَانًا شَافِيًا فَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ خِتَانُ الرَّجُلِ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُقْطَعُ مِنْهُ فِي حَالِ الْخِتَانِ وَهُوَ مَا دُونَ حُزَّةِ الْحَشَفَةِ وَأَمَّا خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمْ أَنَّ مَدْخَلَ الذَّكَرِ هُوَ مَخْرَجُ الْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَالْمَنِيِّ وَفَوْقَ مَدْخَلِ الذَّكَرِ ثَقْبٌ مِثْلُ إحْلِيلِ الرَّجُلِ هُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَبَيْنَ هَذَا الثَّقْبِ وَمَدْخَلِ الذَّكَرِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ وَفَوْقَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ وَالشَّفْرَانِ تُحِيطَانِ بِالْجَمِيعِ فَتِلْكَ الْجِلْدَةُ الرَّقِيقَةُ يُقْطَعُ مِنْهَا فِي الْخِتَانِ وَهِيَ خِتَانُ الْمَرْأَةِ فَحَصَلَ أَنَّ خِتَانَ المرأة مستقل وَتَحْتَهُ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَتَحْتَ مَخْرَجِ الْبَوْلِ مَدْخَلُ الذَّكَرِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَخْرَجُ الْحَيْضِ الَّذِي هُوَ مَخْرَجُ الْوَلَدِ وَمَدْخَلُ الذَّكَرِ هُوَ خَرْقٌ لَطِيفٌ فَإِذَا اُفْتُضَّتْ الْبِكْرُ اتَّسَعَ ذَلِكَ الْخَرْقُ فَصَارَتْ ثَيِّبًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ أَنْ تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فِي الْفَرْجِ فَإِذَا غَابَتْ فَقَدْ حَاذَى خِتَانُهُ خِتَانَهَا وَالْمُحَاذَاةُ هِيَ الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ الْتِصَاقَهُمَا وَضَمَّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَإِنَّهُ لَوْ وَضَعَ مَوْضِعَ خِتَانِهِ عَلَى مَوْضِعِ خِتَانِهَا وَلَمْ يُدْخِلْهُ فِي مَدْخَلِ الذَّكَرِ لَمْ يَجِبْ غُسْلٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ هَذَا آخر كلام الشيخ أبي حامد وغيره يزيد بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ: قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَشَبَّهَ الْعُلَمَاءُ الْفَرْجَ بِعَقْدِ الْأَصَابِعِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ فَعَقْدُ الثَّلَاثِينَ هُوَ صُورَةُ الْفَرْجِ وَعَقْدُ الْخَمْسَةِ بَعْدَهَا فِي أَسْفَلِهَا هِيَ مَدْخَلُ الذَّكَرِ وَمَخْرَجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضِ وَالْوَلَدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا حُكْمُ

الْمَسْأَلَةِ فَاَلَّذِي يُوجِبُ اغْتِسَالَ الْحَيِّ أَرْبَعَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ إيلَاجُ حَشَفَةِ الذَّكَرِ فِي فَرْجٍ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَفِي خُرُوجِ الْوَلَدِ وَالْعَلَقَةِ والمضعة خِلَافٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لِأَنَّهُ مُنْدَرِجٌ عِنْدَهُ فِي خُرُوجِ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَيَجِبُ غُسْلُ

ص: 131

الْمَيِّتِ وَلَهُ بَابٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يَجِبُ غُسْلُ الْبَدَنِ بِعَارِضٍ بِأَنْ يُصِيبَهُ كُلَّهُ نَجَاسَةٌ أَوْ تَقَعَ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ وَيَخْفَى مَكَانُهَا أَمَّا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ فَيُوجِبُ الْغُسْلَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْمُرَادُ بِإِيلَاجِهَا إدْخَالُهَا بِكَمَالِهَا فِي فَرْجِ حَيَوَانٍ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ قُبُلِهِ أَوْ دُبُرِهِ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ مَيِّتَةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ آدَمِيَّةٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْحَيَّةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ امْرَأَةٍ أَوْ رجل أو بهيمة وجب الْغُسْلُ لِأَنَّهُ فَرْجُ حَيَوَانٍ فَأَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي دُبُرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ وَإِنْ أَوْلَجَ فِي فَرْجِهِ لَمْ يجب لجواز ان يكون ذلك عضوا زائد فلا يجب الغسل بالشك]

* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا عِنْدَنَا كما ذكرها المصنف ودليها ما ذكره (فرع)

مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ: إحْدَاهَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي قُبُلِ امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِهَا أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ خُنْثَى أَوْ صَبِيٍّ أَوْ فِي قُبُلِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُولَجُ فِيهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ مكرها مُبَاحًا كَالزَّوْجَةِ أَوْ مُحَرَّمًا وَيَجِبُ عَلَى الْمُولِجِ وَالْمَوْلَجِ فِيهِ الْمُكَلَّفَيْنِ وَعَلَى النَّاسِي وَالْمُكْرَهِ وَأَمَّا الصبى إذا أولج في امْرَأَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ أَوْ أَوْلَجَ رَجُلٌ فِي دُبُرِهِ فَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَكَذَا إذَا اسْتَدْخَلَتِ امْرَأَةٌ ذَكَرَ صَبِيٍّ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ وَيَصِيرُ الصَّبِيُّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ جُنُبًا وَكَذَا الصَّبِيَّةُ إذَا أَوْلَجَ فِيهَا رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ وَكَذَا لَوْ أَوْلَجَ صَبِيٌّ فِي صَبِيٍّ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ وَإِذَا صَارَ جُنُبًا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَا لَمْ يَغْتَسِلْ كَمَا إذَا بَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ حَتَّى يَتَوَضَّأَ: وَلَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَمَا لَا يُقَالُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ بَلْ يُقَالُ صَارَ مُحْدِثًا وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا كَمَا يَأْمُرُهُ بِالْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى بَلَغَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ كَمَا إذَا بَالَ ثُمَّ بَلَغَ يلزمه الوضوء

ص: 132

وَإِنْ اغْتَسَلَ وَهُوَ مُمَيِّزٌ صَحَّ غُسْلُهُ فَإِذَا بَلَغَ لَا تَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ بَلَغَ يُصَلِّي بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ طَهَارَتِهِ إذَا بَلَغَ وَالصَّبِيَّةُ كَالصَّبِيِّ فِيمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ أَوْلَجَ مَجْنُونٌ أَوْ أُولِجَ فِيهِ صَارَ جُنُبًا فَإِذَا أَفَاقَ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: (الثَّانِيَةُ) لَوْ اسْتَدْخَلَتْ امْرَأَةٌ ذَكَرَ رَجُلٍ وجب الغسل عليه وعليها سواء كان عَالِمًا بِذَلِكَ مُخْتَارًا أَمْ نَائِمًا أَمْ مُكْرَهًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرًا مَقْطُوعًا فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ (1) هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِمَسِّهِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ قال الدارمي ولاحد عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا مَهْرَ لَهَا لَوْ أَوْلَجَ الْمَقْطُوعَ فِيهَا رَجُلٌ: وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ مَيِّتٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي مَيِّتٍ وَلَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ بَهِيمَةٍ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ أَوْلَجَ فِي بَهِيمَةٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ (2) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَادِرٌ قَالَ ثُمَّ فِي اعْتِبَارِ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فِيهِ كَلَامٌ يُوَكَّلُ إلَى فِكْرِ الْفَقِيهِ: (الثَّالِثَةُ) وُجُوبُ الْغُسْلِ وَجَمِيعُ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجِمَاعِ يُشْتَرَطُ فِيهَا تَغْيِيبُ الحشفة بكمالها في الفرج ولا يشرط زيادة على الحشفة ولا يتعلق ببعض الحشفة وحده شئ مِنْ الْأَحْكَامِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ بَعْضَ الْحَشَفَةِ كَجَمِيعِهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الشُّذُوذِ وَالضَّعْفِ وَيَكْفِي فِي بُطْلَانِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) : أَمَّا إذَا قُطِعَ بَعْضُ الذَّكَرِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ قَدْرِ الْحَشَفَةِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ قَدْرُهَا فقط تعلقت الاحكام بتغيبه كُلِّهِ دُونَ بَعْضِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْحَشَفَةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا بَابُ الْخِيَارِ فِي النكاح في مسألة العنين ورجح المصنف

(1) قال في البحر هما مبنيان على الوجهين في الانتقاض اه اذرعى (2) وقال بلا خلاف بينهم فيه اه اذرعى

ص: 133

منهما أنه لَا يَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِبَعْضِهِ وَلَا يَتَعَلَّقَ إلَّا بِتَغْيِيبِ جَمِيعِ الْبَاقِي وَكَذَا رَجَّحَهُ الشَّاشِيُّ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ

عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَجَّحَ الْأَكْثَرُونَ تَعَلُّقَ الْحُكْمِ بِقَدْرِ الْحَشَفَةِ مِنْهُ وَقَطَعَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَأَوْلَجَ الْحَشَفَةَ لَزِمَهُمَا الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا أَثَرَ لِذَلِكَ: وَلَوْ لَفَّ عَلَى ذَكَرِهِ حرقة وَأَوْلَجَهُ بِحَيْثُ غَابَتْ الْحَشَفَةُ وَلَمْ يُنْزِلْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْغُسْلِ عَلَيْهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْأَحْكَامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْإِيلَاجِ وَقَدْ حَصَلَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَلَا الْوُضُوءُ لِأَنَّهُ أَوْلَجَ فِي خِرْقَةٍ وَلَمْ يَلْمِسْ بَشَرَةً وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ الحناطى (الثالث) إنْ كَانَتْ الْخِرْقَةُ غَلِيظَةً تَمْنَعُ اللَّذَّةَ لَمْ يَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ رَقِيقَةً لَا تَمْنَعُهَا وَجَبَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الثَّالِثِ الْغَلِيظَةُ هِيَ الَّتِي تَمْنَعُ وُصُولَ بَلَلِ الْفَرْجِ إلَى الذَّكَرِ وَوُصُولَ الْحَرَارَةِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ وَالرَّقِيقَةُ مالا تَمْنَعُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي إفْسَادِ الْحَجِّ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ فِي كُلِّ الْأَحْكَامِ (الْخَامِسَةُ) إذَا أُولِجَ ذَكَرٌ أَشَلُّ وَجَبَ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (السَّادِسَةُ) إذَا انْفَتَحَ لَهُ مَخْرَجٌ غَيْرُ الْأَصْلِيِّ وَحَكَمْنَا بِنَقْضِ الْوُضُوءِ بِالْخَارِجِ فَأَوْلَجَ فِيهِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ الصَّحِيحُ لا يجب ولو أولج في الاصل وَجَبَ بِلَا خِلَافٍ (السَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ لَهُ ذَكَرَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي مَسَائِلِ لَمْسِ الْخُنْثَى إنْ كَانَ يَبُولُ مِنْهُمَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِإِيلَاجِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَ يَبُولُ بِأَحَدِهِمَا تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ دُونَ الْآخَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ إيلَاجَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ وَالْإِيلَاجَ فِيهِ مَبْسُوطًا (الثَّامِنَةُ) إذَا أَتَتْ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَلَا غُسْلَ مَا لَمْ تُنْزِلْ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَقَدْ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ يَخْفَى فَنَبَّهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَمِ الْمَرْأَةِ وَأُذُنِهَا وَإِبِطِهَا وَبَيْنَ أَلْيَتِهَا وَلَمْ يُنْزِلْ فَلَا

ص: 134

غُسْلَ وَنَقَلَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ (التَّاسِعَةُ) ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فِي الْمُوجِبِ لِلْغُسْلِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا إيلَاجُ الْحَشَفَةِ أَوْ نُزُولُ الْمَنِيِّ لِأَنَّهُ حُكْمٌ يَتَعَلَّقُ بِالْجَنَابَةِ فَتَعَلَّقَ بِسَبَبِهِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا: وَالثَّانِي الْقِيَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ: وَالثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ

يَجِبُ بِالْإِيلَاجِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَوْ بِالْإِنْزَالِ مَعَ الْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ الْمِيرَاثَ عِنْدَ الْمَوْتِ والوطئ يُوجِبُ الْعِدَّةَ عِنْدَ الطَّلَاقِ وَتَقَدَّمَ مِثْلُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي مُوجِبِ الْوُضُوءِ وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي شَرْحِ هَذَا كُلِّهِ بَسْطًا كَامِلًا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا وَطِئَ امْرَأَةً مَيِّتَةً فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَهَلْ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِ الْمَيِّتَةِ إنْ كَانَتْ غُسِّلَتْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجِبُ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ وَإِنَّمَا يَجِبُ غُسْلُ الْمَيِّتِ تَنْظِيفًا وَإِكْرَامًا وَشَذَّ الرُّويَانِيُّ فَصَحَّحَ وُجُوبَ إعَادَتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ بِوَطْئِهَا مَهْرٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ كَمَا لَا يجب بقطع يد هادية: وَفِي وُجُوبِ الْحَدِّ عَلَى الْوَاطِئِ أَوْجُهٌ: أَحَدُهَا يجب لانه وطئ مُحَرَّمٌ بِلَا شُبْهَةٍ: وَالثَّانِي لَا لِخُرُوجِهَا عَنْ الْمَظِنَّةِ: وَالثَّالِثُ وَقِيلَ إنَّهُ مَنْصُوصٌ إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يُحَدُّ بِوَطْئِهَا فِي الْحَيَاةِ وَهِيَ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ وَالْمُشْتَرَكَةُ وَجَارِيَةُ الِابْنِ وَنَحْوُهُنَّ فَلَا حَدَّ وَإِلَّا فَيُحَدُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مطلقا: قال أصحابنا وتفسد العبادات بوطئ الْمَيِّتَةِ وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ: (الْحَادِيَةَ عشرة) قال صاحب الْحَاوِي وَالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الصَّدَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا الاحكام المتعلقة بالوطئ في قبل المرأة تتعلق بالوطئ فِي دُبُرِهَا إلَّا خَمْسَةَ أَحْكَامٍ: التَّحْلِيلُ لِلزَّوْجِ الْأَوَّلِ: وَالْإِحْصَانُ وَالْخُرُوجُ مِنْ التَّعْنِينِ وَمِنْ الْإِيلَاءِ: وَالْخَامِسُ لَا يَتَغَيَّرُ بِهِ إذْنُ الْبِكْرِ بَلْ يبقى اذنها بالسكوت هكذا ذكراه وذكر المحاملى في اللباب سادسا وهو أن الوطئ فِي الدُّبُرِ لَا يَحِلُّ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقُبُلِ: وَسَابِعًا وَهُوَ أَنَّ خُرُوجَ مَنِيِّ الرَّجُلِ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ مِنْ دُبُرِهَا لَا يُوجِبُ غُسْلًا ثَانِيًا وخروجه من قبلها يوجبه على تفصيل سندكره قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (قُلْت) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ ضَابِطٌ نَفِيسٌ يُسْتَفَادُ مِنْهُ فَوَائِدُ وَقَدْ يَخْرُجُ مِنْ الضَّابِطِ مَسَائِلُ يَسِيرَةٌ فِي بَعْضِهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ كَالْمُصَاهَرَةِ وَتَقْرِيرِ الْمُسَمَّى فِي الصَّدَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَكِنَّهَا وُجُوهٌ ضَعِيفَةٌ شَاذَّةٌ لَا تَقْدَحُ فِي الضَّابِطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الثَّانِيَةَ عشرة)

ص: 135

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْإِيلَاجِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِيلَاجَ فِي فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَدُبُرِهَا وَدُبُرِ الرَّجُلِ وَدُبُرِ الْبَهِيمَةِ وَفَرْجِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ دَاوُد لَا يَجِبُ مَا لَمْ يُنْزِلْ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ

وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنهم: ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ رَجَعَ عَنْهُ إلَى مُوَافَقَةِ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لا يجب بالايلاج في بهيمة ولاميتة

* وَاحْتَجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ مُطْلَقًا بِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه (أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عَنْ الرَّجُلِ يُجَامِعُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَقَالَ عُثْمَانُ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ زَيْدٌ فَسَأَلْت عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وطلحة بن عبيد الله وأبي بن كعب فأمروه بذلك: وعن أبي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ (يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) قَالَ الْبُخَارِيُّ الْغُسْلُ أَحْوَطُ وَذَاكَ الْآخِرُ إنَّمَا بَيَّنَّا اخْتِلَافَهُمْ يَعْنِي أَنَّ الْغُسْلَ آخِرُ الْأَمْرَيْنِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَصَدْنَا بَيَانَ اخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ الْغُسْلُ هَذَا كُلُّهُ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَبَعْضُهُ فِي مُسْلِمٍ: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَرْسَلَ إلَيْهِ فَخَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَقَالَ لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاك قَالَ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت فَلَا غُسْلَ عَلَيْك وَعَلَيْك الْوُضُوءُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى أَعْجَلْت أَوْ أَقْحَطْت أَيْ جَامَعْت وَلَمْ تُنْزِلْ وَرُوِيَ أَقْحَطْتُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ إلَّا مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وَهُوَ الْمَنِيُّ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ) وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَأَلْزَقَ الْخِتَانَ بِالْخِتَانِ فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ)

ص: 136

وفي رواية البيهقى (أنزل أولم يُنْزِلْ) قِيلَ الْمُرَادُ بِشُعَبِهَا رِجْلَاهَا وَشَفْرَاهَا وَقِيلَ يَدَاهَا وَرِجْلَاهَا وَقِيلَ سَاقَاهَا وَفَخْذَاهَا: وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ يُجَامِعُ أَهْلَهُ ثُمَّ

يَكْسَلُ هَلْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إنِّي لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ: وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل حتى تغتسلوا) قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي الْجِمَاعَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ جَنَابَةً: وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا مِنْ الْقِيَاسِ بِأَنَّهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْجِمَاعِ فَتَعَلَّقَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إنْزَالٌ كَالْحُدُودِ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ: وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما جَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى الْمَاءِ مِنْ الْمَاءِ أَيْ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالرُّؤْيَةِ فِي النَّوْمِ إلَّا أَنْ يُنْزِلَ: وَأَمَّا الْآثَارُ الَّتِي عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَقَالُوهَا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ النَّسْخُ: وَدَلِيلُ النَّسْخِ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ فَأَرْسَلُوا إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها فَأَخْبَرَتْهُمْ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ وَجَهَدَهَا وَجَبَ الْغُسْلُ) فَرَجَعَ إلَى قَوْلِهَا مَنْ خَالَفَ: وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يُفْتُونَ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ كَانَتْ رُخْصَةً رَخَّصَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ بَعْدُ: وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَمَرَنَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ قَالَ سَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الرَّجُلِ يُصِيبُ أَهْلَهُ ثُمَّ يَكْسَلُ وَلَا يُنْزِلُ قَالَ يَغْتَسِلُ فَقُلْت إنَّ أُبَيًّا كَانَ لَا يَرَى الْغُسْلَ فَقَالَ زَيْدٌ إنَّ أُبَيًّا نَزَعَ عَنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ نَزَعَ أَيْ رَجَعَ: وَمَقْصُودِي بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ بَيَانُ أَحَادِيثِ الْمَسْأَلَةِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَإِلَّا فَالْمَسْأَلَةُ الْيَوْمَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَمُخَالَفَةُ دَاوُد لَا تَقْدَحُ فِي الْإِجْمَاعِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ فِي مَنْعِ الْغُسْلِ بِإِيلَاجِهِ فِي بَهِيمَةٍ وَمَيْتَةٍ بِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ فَلَمْ يَجِبْ كَإِيلَاجِ أُصْبُعِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَوْلَجَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ فَأَشْبَهَ قُبُلَ الْمَرْأَةِ الْحَيَّةِ: فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ هَذَا بالمسك فَإِنَّ فِي الْبَحْرِ سَمَكَةً يُولِجُ فِيهَا سُفَهَاءُ الملاحين ببحر البصرة فالواجب مَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا هَكَذَا وَجَبَ الْغُسْلُ بِالْإِيلَاجِ فِيهَا لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ لَهُ فَرْجٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ: أحدهما أنه منتقض بوطئ الْعَجُوزِ الشَّوْهَاءِ الْمُتَنَاهِيَةِ فِي الْقُبْحِ الْعَمْيَاءِ الْجَذْمَاءِ البرصاء

ص: 137

المقطعة الاطراف فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ بِالِاتِّفَاقِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُقْصَدُ بِهِ لَذَّةٌ فِي الْعَادَةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الْأُصْبُعَ لَيْسَتْ آلَةً لِلْجِمَاعِ: وَلِهَذَا لَوْ أَوْلَجَهَا فِي امْرَأَةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِخِلَافِ الذكر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا خُرُوجُ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي النَّوْمِ وَالْيَقَظَةِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ جَاءَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ قَالَ نَعَمْ إذا رأت الماء]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقَيْنِ لَفْظُهُ فِيهِمَا (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) كما وقع في المهذب ومعناه يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مِنْ إنْزَالِ الْمَاءِ الدَّافِقِ وهو المنى: وأما حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَالدَّارِمِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ: وَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنَّ الْجَمِيعَ حَضَرُوا الْقِصَّةَ فَرَوَوْهَا: وَأُمُّ سَلَمَةَ هِيَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَاسْمُهَا هِنْدُ بِنْتُ أَبِي أُمَيَّةَ حُذَيْفَةُ الْمَخْزُومِيَّةُ كَانَتْ قَبْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوْجَةً لِأَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَهَاجَرَ بِهَا الْهِجْرَتَيْنِ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ أَرْبَعٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ تُوُفِّيَتْ سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَلَهَا أَرْبَعٌ وَثَمَانُونَ سَنَةً وَدُفِنَتْ بِالْبَقِيعِ: وَأَمَّا أُمُّ سُلَيْمٍ فَهِيَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ وَقَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرُّويَانِيِّ هِيَ جَدَّةُ أَنَسٍ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ النَّقْلِ مِنْ الطَّوَائِفِ: قِيلَ اسْمُهَا سَهْلَةُ وَقِيلَ رُمَيْلَةُ وَقِيلَ رميثة وقيل أنيفة وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهِيَ مِنْ فَاضِلَاتِ الصَّحَابِيَّاتِ وَمَشْهُورَاتهنَّ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يكرمها ويكرم اختها ام حزام بِنْتَ مِلْحَانَ وَيُقِيلُ عِنْدَهُمَا وَكَانَتَا خَالَتَيْهِ وَمَحْرَمَيْنِ لَهُ: وَاسْمُ أَبِي طَلْحَةَ زَوْجِهَا زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ مِنْ النُّقَبَاءِ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ وَمَنَاقِبُهُ مَشْهُورَةٌ رضي الله عنه: وَقَوْلُهَا إنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحِي مِنْ الْحَقِّ رُوِيَ يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَرُوِيَ يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَالْأَصْلُ بِيَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إحْدَاهُمَا قَالَ الْأَخْفَشُ أَسْتَحِي بِوَاحِدَةٍ لُغَةُ تَمِيمٍ وَأَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ

ص: 138

وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ: وَالِاحْتِلَامُ افْتِعَالٌ مِنْ الْحُلْمِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ مَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْمَنَامَاتِ يُقَالُ حَلَمَ فِي مَنَامِهِ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَاحْتَلَمَ وَحَلَمْتُ كَذَا وَحَلَمْتُ بِكَذَا هَذَا أَصْلُهُ ثُمَّ جُعِلَ اسْمًا لِمَا يَرَاهُ النَّائِمُ مِنْ الْجِمَاعِ فَيَحْدُثُ مَعَهُ إنْزَالُ المنى غالبا فغلب لَفْظُ الِاحْتِلَامِ فِي هَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَنَامِ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ: وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (نَعَمْ إذَا رَأَتْ الْمَاءَ) بَيَانٌ لِحَالَةِ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِاحْتِلَامِ وَهِيَ إذَا كَانَ مَعَهُ إنْزَالُ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُهُ وَالْيَقَظَةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَهِيَ ضِدُّ النَّوْمِ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ خُرُوجِهِ بِجِمَاعٍ أَوْ احْتِلَامٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ نَظَرٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ سَوَاءٌ خَرَجَ بِشَهْوَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ تَلَذَّذَ بِخُرُوجِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ خَرَجَ كَثِيرًا أَوْ يَسِيرًا وَلَوْ بَعْضُ قَطْرَةٍ وَسَوَاءٌ خَرَجَ فِي النَّوْمِ أَوْ الْيَقَظَةِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَكُلُّ ذَلِكَ يُوجِبُ الْغُسْلَ عِنْدَنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَجِبُ إلَّا إذَا خَرَجَ بِشَهْوَةٍ وَدَفْقٍ كَمَا لَا يَجِبُ بِالْمَذْيِ لِعَدَمِ الدَّفْقِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ كَحَدِيثِ (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فانه لافرق فِيهِ وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَذْيِ لِأَنَّهُ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ كَالْمَنِيِّ: وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَلَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِإِنْزَالِ الْمَنِيِّ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَمْنَى وَاغْتَسَلَ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ عَلَى الْقُرْبِ بَعْدَ غُسْلِهِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ ثَانِيًا سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَبُولَ بَعْدَ الْمَنِيِّ أَوْ بَعْدَ بَوْلِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبِهِ قَالَ اللَّيْثُ واحمد في رواية عنه: وقال مَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَإِسْحَاقُ بْنُ راهويه لاغسل مطلقا وهي اشهر الروايات عن احمد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ كَانَ مَا بَالَ قَبْلَ الْغُسْلِ ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَقِيَّةُ الْمَنِيِّ الَّذِي اغْتَسَلَ عَنْهُ وَإِلَّا فَيَجِبُ الْغُسْلُ ثَانِيًا وَهُوَ رواية ثالثة عن أحمد: وعن أبي حَنِيفَةَ عَكْسُ هَذَا إنْ كَانَ بَالَ لَمْ يَغْتَسِلْ لِأَنَّهُ مَنِيٌّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَإِلَّا

ص: 139

وَجَبَ الْغُسْلُ لِأَنَّهُ عَنْ شَهْوَةٍ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلَمْ يُفَرِّقْ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ حَدَثٍ فَنَقَضَ مُطْلَقًا كَالْبَوْلِ وَالْجِمَاعِ وَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ: (الثَّالِثَةُ) لو قبل امرأة فأحس بانتقال المني ونزوله فَأَمْسَكَ ذَكَرَهُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فِي الْحَالِ شئ وَلَا عَلِمَ خُرُوجَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ يَجِبُ الْغُسْلُ قَالَ وَلَا يُتَصَوَّرُ رُجُوعُ الْمَنِيِّ: دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ) وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِالْحَدَثِ كَالْقَرْقَرَةِ وَالرِّيحِ وَلَمْ يخرج منه شئ لَا وُضُوءَ عَلَيْهِ فَكَذَا هُنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَنْزَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ إلَى فَرْجِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ فَرْجِهَا لِأَنَّ دَاخِلَ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُهُ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَالْغُسْلِ فَأَشْبَهَ إحْلِيلَ الذَّكَرِ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا لَزِمَهَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا تَطْهِيرُ دَاخِلِ فَرْجِهَا فِي الِاسْتِنْجَاءِ فَأَشْبَهَ الْعُضْوَ الظَّاهِرَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَنِيُّ وَلَمْ يَنْزِلْ مِنْ الذَّكَرِ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّاشِيُّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْحَجْرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُمَا مَأْخُوذَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِخَارِجٍ مِنْ مُنْفَتِحٍ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ ثَقْبٍ فِي الذَّكَرِ غَيْرِ الْإِحْلِيلِ أَوْ مِنْ ثَقْبٍ فِي الْأُنْثَيَيْنِ أَوْ الصُّلْبِ فَحَيْثُ نَقَضْنَا الْوُضُوءَ بِالْخَارِجِ مِنْهُ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ: وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِهِ مِنْ غَيْرِ الذَّكَرِ وَالصَّوَابُ تَفْصِيلُ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَنِيِّ الْمُسْتَحْكِمِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَحْكِم لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ: أَحَدُهُمَا يَجِبُ: وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَوْ خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ دُبُرٍ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ أَشَارَ إلَيْهِمَا الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ بِنَاءً عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ غَيْرِ الْمَخْرَجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي لُغَاتِ الْمَنِيِّ وَالْوَدْيِ وَالْمَذْيِ وَتَحْقِيقِ صِفَاتِهَا: أَمَّا الْمَنِيُّ فَمُشَدَّدٌ وَيُسَمَّى منيا لانه يمنى أي يصب وسميت مني لِمَا يُرَاقُ فِيهَا مِنْ الدِّمَاءِ: وَيُقَالُ أَمْنَى وَمَنَى بِالتَّخْفِيفِ وَمَنَّى بِالتَّشْدِيدِ

ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْأُولَى أَفْصَحُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أفرأيتم ما تمنون) وَفِي الْمَذْيِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ الْمَذْيُ بِإِسْكَانِ الذَّالِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالْمَذِيُّ بِكَسْرِ الذَّالِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وهاتان مشهورتان

ص: 140

قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ التَّخْفِيفُ أَفْصَحُ وَأَكْثَرُ: وَالثَّالِثَةُ الْمَذْيِ بِكَسْرِ الذَّالِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ حَكَاهَا أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ: وَيُقَالُ مَذَى بِالتَّخْفِيفِ وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ: وَالْوَدْيُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَلَا يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَهْلِ اللُّغَةِ غَيْرُ هَذَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأُمَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ: وَحَكَى صَاحِبُ مطالع الانوار لغية أَنَّهُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهَذَانِ شَاذَانَ: وَيُقَالُ وَدَى بتخفيف الدال وأودى وَوَدَّى بِالتَّشْدِيدِ وَالْأُولَى أَفْصَحُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ لَمْ أَسْمَعْ غَيْرَهَا: قَالَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ يُقَالُ مَذَى وَأَمْذَى وَمَذَّى بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْمَذْيُ مِثَالُ الرَّمْيِ وَالْمَذَى مِثَالُ الْعَمَى وَوَدَى وَأَوْدَى وَوَدَّى وَأَمْنَى وَمَنَى وَمَنَّى قَالَ وَالْأُولَى مِنْهَا كُلِّهَا أَفْصَحُ: وَأَمَّا صِفَاتُهَا فَمِمَّا يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ لِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَمَنِيُّ الرجل في حال صحته ابيض ثحين يَتَدَفَّقُ فِي خُرُوجِهِ دَفْعَةً بَعْدَ دَفْعَةٍ وَيَخْرُجُ بِشَهْوَةٍ وَيُتَلَذَّذُ بِخُرُوجِهِ ثُمَّ إذَا خَرَجَ يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ طَلْعِ النَّخْلِ قَرِيبَةٌ مِنْ رَائِحَةِ الْعَجِينِ وَإِذَا يَبِسَ كَانَتْ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْبَيْضِ هَذِهِ صِفَاتُهُ وَقَدْ يُفْقَدُ بَعْضُهَا مَعَ أَنَّهُ مَنِيٌّ مُوجِبٌ لِلْغُسْلِ بِأَنْ يَرِقَّ وَيَصْفَرَّ لِمَرَضٍ أَوْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ وَلَا لَذَّةٍ لِاسْتِرْخَاءِ وِعَائِهِ أَوْ يَحْمَرَّ لِكَثْرَةِ الْجِمَاعِ وَيَصِيرَ كَمَاءِ اللَّحْمِ وَرُبَّمَا خَرَجَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ طَاهِرًا مُوجِبًا لِلْغُسْلِ: وَفِي تَعْلِيقِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيِّ أَنَّهُ فِي الشِّتَاءِ أَبْيَضُ ثَخِينٌ وَفِي الصَّيْفِ رَقِيقٌ: ثُمَّ إنَّ مِنْ صِفَاتِهِ مَا يشاركه فيها غيره كالثخانة والبياض يشاركه فيهما الودى ومنها مالا يُشَارِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ وَهِيَ خَوَاصُّهُ الَّتِي عَلَيْهَا الِاعْتِمَادُ فِي مَعْرِفَتِهِ وَهِيَ ثَلَاثٌ إحْدَاهَا الْخُرُوجُ بِشَهْوَةٍ مَعَ الْفُتُورِ عَقِيبَهُ: وَالثَّانِيَةُ الرَّائِحَةُ الَّتِي تشبه الطلع والعجين كما سبق: الثالثة الْخُرُوجُ بِتَزْرِيقٍ وَدَفْقٍ فِي دَفَعَاتٍ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَافِيَةً فِي كَوْنِهِ مَنِيًّا وَلَا يُشْتَرَطُ اجْتِمَاعُهَا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا شئ لَمْ يُحْكَمْ بِكَوْنِهِ مَنِيًّا: وَأَمَّا مَنِيُّ الْمَرْأَةِ فَأَصْفَرُ رَقِيقٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ يَبْيَضُّ لِفَضْلِ قُوَّتِهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَلَا خَاصِّيَّةَ لَهُ إلَّا التَّلَذُّذُ وَفُتُورُ شَهْوَتِهَا عَقِيبَ خُرُوجِهِ

وَلَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ: وَقَالَ الرُّويَانِيُّ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ مَنِيِّ الرَّجُلِ فَعَلَى هَذَا لَهُ خَاصِّيَّتَانِ يُعْرَفُ بِإِحْدَاهُمَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ خُرُوجُ مَنِيِّهَا بِشَهْوَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا يُوجِبُ الْغُسْلَ كَمَنِيِّ الرَّجُلِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْأَكْثَرِينَ قَالُوا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا يَطَّرِدُ فِي مَنِيِّهَا الْخَوَاصُّ الثَّلَاثُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْمَذْيُ فَهُوَ مَاءٌ أَبْيَضُ رَقِيقٌ لَزِجٌ يَخْرُجَ عِنْدَ شَهْوَةٍ لَا بِشَهْوَةٍ وَلَا دَفْقٍ وَلَا يَعْقُبُهُ فُتُورٌ وَرُبَّمَا لَا يَحُسُّ بِخُرُوجِهِ وَيَشْتَرِك الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا

ص: 141

هَاجَتْ الْمَرْأَةُ خَرَجَ مِنْهَا الْمَذْيُ قَالَ وَهُوَ أُغْلَبُ فِيهِنَّ مِنْهُ فِي الرِّجَالِ: وَأَمَّا الْوَدْيُ فَمَاءٌ أَبْيَضُ كَدِرٌ ثَخِينٌ يُشْبِهُ الْمَنِيَّ فِي الثَّخَانَةِ وَيُخَالِفُهُ فِي الْكُدُورَةِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ وَيَخْرُجُ عَقِيبَ الْبَوْلِ إذَا كَانَتْ الطَّبِيعَةُ مُسْتَمْسِكَةً وعند حمل شئ ثَقِيلٍ وَيَخْرُجْ قَطْرَةً أَوْ قَطْرَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ عَلَى أَيِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ دَمًا عَبِيطًا وَيَكُونُ حِينَئِذٍ طَاهِرًا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ إذَا كَانَ كَلَوْنِ الدَّمِ لَمْ يَجِبْ الغسل وليس بشئ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [فان احتلم ولم ير المنى أو شك هل خرج منه المني لم يلزمه الغسل وان رأى المنى ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وعن الرجل يرى انه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه) ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا مَشْهُورٌ رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْعُمَرِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ عند أهل العلم لا يحتج بروايته ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ أُمِّ سُلَيْمٍ الْمُتَقَدِّمُ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ هَذَا وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الِاحْتِلَامِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ونقل ابن المنذر الاجماع أَنَّهُ إذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ احْتَلَمَ أَوْ جَامَعَ وَلَمْ يَجِدْ بَلَلًا فَلَا غُسْلَ عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان رأي المني في فراش ينام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل لان الغسل لا يجب بالشك والاولى أنه يغتسل وان كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل واعادة الصلاة من آخر نوم نام فيه]

* [الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا رَأَى مَنِيًّا فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ هُوَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُمْكِنُ أَنْ يُمْنِي فَلَا غُسْلَ

ص: 142

عَلَيْهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَجِبُ على صاحبه لاحتمال أنه من الآخر ولايجوز أَنْ يُصَلِّيَ أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ وَالْمُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَغْتَسِلَ (الثَّانِيَةُ) رَأَى الْمَنِيَّ فِي فِرَاشٍ يَنَامُ فِيهِ وَلَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ أَوْ ثَوْبِهِ الَّذِي يَلْبَسُهُ وَلَا يَلْبَسُهُ غَيْرُهُ أَوْ يَنَامُ فِيهِ وَيَلْبَسُهُ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سِنَّ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فَيَلْزَمُهُ الْغُسْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (1) أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَيْسَ بشئ وَالصَّوَابُ الْوُجُوبُ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لَا يُحْتَمَلُ حُدُوثُ الْمَنِيِّ بَعْدَهَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ يَجُوزُ أَنَّ الْمَنِيَّ كَانَ مَوْجُودًا فِيهَا: ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا إذَا رَأَى الْمَنِيَّ فِي بَاطِنِ الثَّوْبِ فَإِنْ رَآهُ فِي ظَاهِرِهِ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ أَصَابَهُ مِنْ غَيْرِهِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله [وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَذْيِ وَهُوَ الْمَاءُ الذي يخرج بأدني شهوة والدليل عليه ماروى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَجَعَلْتُ أَغْتَسِلُ فِي الشِّتَاءِ حَتَّى تَشَقَّقَ ظَهْرِي فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تَفْعَلْ إذَا رَأَيْت الْمَذْيَ فَاغْسِلْ ذَكَرَكَ وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ فَإِذَا فَضَخْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ) وَلَا مِنْ الودى وهو ما يقطر عِنْدَ الْبَوْلِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ الشرع الا في المنى]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه صَحِيحٌ روه أبو داود والنسائي والبيهقي بلفظه في المذهب إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ ذُكِرَ لَهُ: وَرَوَاهُ البخاري ومسلم في صحيحهما عَنْ عَلِيٍّ قَالَ (كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فَأَمَرْت الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا فَأَمَرْت رَجُلًا وَفِي رواية للنسائي فأمرت عمار بن يسار وفى رواية لمسلم (توضأ وانضح

(1) حكاه في البيان عن صاحب الفروع وأبي المحاسن وهو ما أجاب به أبو حاتم القزويني في كتابه تجريد التجريد للمحاملي حيث قال ولو وجد في ثوبه منيا لم يلزمه الاغتسال سواء كان على ظاهره أو باطنه أو في ثوب لا يلبسه غيره أو يلبسه ما لم يتيقن انه خرج منه اه اذرعى

ص: 143

فَرْجَك) وَفِي رِوَايَةٍ (مِنْهُ الْوُضُوءُ) وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فَإِذَا نَضَحْتَ الْمَاءَ فَاغْتَسِلْ بِالنُّونِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفِي بَعْضِهَا فَضَخْتَ بِالْفَاءِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُمَا دَفَقْتَ: وَقَوْلُهُ كُنْتُ مَذَّاءً هو

بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ وَبِالْمَدِّ وَمَعْنَاهُ كَثِيرُ الْمَذْيِ كَضَرَّابٍ: وَقَوْلُهُ أَمَرْت الْمِقْدَادَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَمَّارًا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ أَمَرَ الْآخَرَ قَبْلَ أَنْ يُخْبِرَ الْأَوَّلُ وَقَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أي امرت من ذكركما جاء في معظم الرويات: وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ فَاسْتَحْيَيْت أَنْ أَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لِمَكَانِ ابْنَتِهِ فَأَمَرْت رَجُلًا فَسَأَلَهُ وَمَعْنَى اسْتَحْيَيْت لِمَكَانِ ابْنَتِهِ أَنَّ الْمَذْيَ يَكُونُ غَالِبًا لِمُدَاعَبَةِ الزَّوْجَةِ وَقُبْلَتِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَذْكُرَ الرَّجُلُ مَعَ أَصْهَارِهِ مَا يَتَضَمَّنُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ والله أعلم: أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ: فَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمَذْيَ وَالْوَدْيَ لَا يُوجِبَانِ الْغُسْلَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هذا وبيان حقيقة المذى والودى ولغاتهما قَرِيبًا: وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ الْإِيجَابَ بِالشَّرْعِ إلَى مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ أَنَّ الْأَحْكَامَ إنَّمَا تَثْبُتُ بِالشَّرْعِ وَأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَلَا يُحَسِّنُهُ وَلَا يُقَبِّحُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه هَذَا فَوَائِدُ: مِنْهَا أَنَّ الْمَذْيَ لَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَنَّهُ نَجَسٌ وَأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ وَأَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلِ إذَا كَانَ نَادِرًا لَا يَكْفِي فِي الِاسْتِنْجَاءِ مِنْهُ الْحَجَرُ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وَأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ الْمَنِيِّ وَأَنَّ الْمَذْيَ وَغَيْرَهُ مِنْ النَّادِرَاتِ يُوجِبُ الْوُضُوءَ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الِاسْتِنَابَةُ فِي الِاسْتِفْتَاءِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالظَّنِّ وَهُوَ خَبَرُ الْوَاحِدِ هُنَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْيَقِينِ بِالْمُشَافَهَةِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُجَامَلَةُ الْأَصْهَارِ وَالتَّأَدُّبُ مَعَهُمْ بِتَرْكِ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمُعَاشَرَةِ النِّسَاءِ أَوْ يَتَضَمَّنُهُ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاحْتِيَاطُ فِي اسْتِيفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِهَذَا أَمَرَ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَالْوَاجِبُ مِنْهُ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَقَطْ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ: وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ كُلِّ الذَّكَرِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يجب غسل الذكر والانثيين: دليلنا ماروى سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ رضي الله عنه قَالَ (كُنْت أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً وَعَنَاءً فَكُنْت أُكْثِرُ مِنْ الْغُسْلِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 144

فَقَالَ (إنَّمَا يُجْزِئُك مِنْ ذَلِكَ الْوُضُوءُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مِنْ الْمَذْيِ الْوُضُوءُ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ فَعَلَى الِاسْتِحْبَابِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بَعْضُ الذَّكَرِ وَهُوَ مَا أَصَابَهُ الْمَذْيُ:

وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ (سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَعَنْ الْمَاءِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَاءِ فَقَالَ ذَلِكَ الْمَذْيُ وَكُلُّ فَحْلٍ يُمْذِي فَتَغْسِلُ مِنْ ذَلِكَ فَرْجَك وَأُنْثَيَيْك وَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا أَصَابَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِاحْتِمَالِ إصَابَةِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [فَإِذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَهُ فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ مِنْهُ لِأَنَّ وُجُوبَ غَسْلِ الْأَعْضَاءِ مُسْتَيْقَنٌ وَمَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ مَشْكُوكٌ فِي وُجُوبِهِ فَلَا يَجِبُ بِالشَّكِّ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَنِيًّا فَيَجِبُ مِنْهُ الْغُسْلُ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهُ مَذْيًا فَيَجِبُ الْوُضُوءُ وَغَسْلُ الثَّوْبِ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الْأَمْرَيْنِ احْتِمَالًا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَحْسَنَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وَعِنْدِي أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ بَدَنِهِ وَيَغْسِلَ الثَّوْبَ مِنْهُ (1) لِأَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ منيا أو جبنا عَلَيْهِ غَسْلَ مَا زَادَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ مَذْيًا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ غَسْلَ الثَّوْبِ وَالتَّرْتِيبَ فِي الْوُضُوءِ بِالشَّكِّ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَلَيْسَ أَحَدُ الْأَصْلَيْنِ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إسْقَاطِ حُكْمِهِمَا لِأَنَّ الذِّمَّةَ قَدْ اشْتَغَلَتْ بِفَرْضِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ: وَالتَّخْيِيرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إذَا جَعَلَهُ مَذْيًا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَنِيًّا فَلَمْ يَغْتَسِلْ لَهُ وَإِنْ جَعَلَهُ مَنِيًّا لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ مَذْيًا وَلَمْ يَغْسِلْ الثَّوْبَ مِنْهُ وَلَمْ يُرَتِّبْ الْوُضُوءَ مِنْهُ وَأُحِبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا لِيَسْقُطَ الفرض بيقين]

* [الشَّرْحُ] إذَا خَرَجَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ الْمَنِيَّ وَالْمَذْيَ وَاشْتَبَهَ عَلَيْهِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ اغْتَسَلَ كَانَ كَمُحْدِثٍ اغْتَسَلَ: وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَقَطْ وَلَا يَجِب تَرْتِيبُهَا بَلْ يَغْسِلُهَا كَيْفَ شَاءَ لِأَنَّ الْمُتَحَقِّقَ هُوَ وُجُوبُهَا وَالتَّرْتِيبُ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَهَذَا عَجَبٌ منه بل هذا الوجه غلط صريح لاشك فيه

(1) قوله لانا الخ هذه العبارة إلى اخر المتن لم تذكر في نسخ الشرح وانما اشار لها الشارح بقوله (وذكر دليله) ونحن اثبتنا الدليل بنصه في عبارة المتن كما التزمنا أننا نذكر جميع عبارة المصنف اه مصححه

ص: 145

فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُرَتِّبْ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِمُوجَبٍ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا الْوَجْهَ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ عَنْ شَيْخِهِ الْقَفَّالِ وَأَنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ فَقَالَ قَالَ الْقَفَّالُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ إلَّا فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ: إحْدَاهَا هَذِهِ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا أَوْلَجَ الْخُنْثَى ذَكَرَهُ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَعَلَى المولج فيه الوضوء بلا ترتيب و (الثالثة) مَسْأَلَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ: قَالَ الْقَاضِي ثُمَّ إنَّ الْقَفَّالَ رجع عن المسألتين الاوليين وَقَالَ الْأَصْلُ شَغْلُ ذِمَّتِهِ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَبْرَأُ بِهَذَا فَصَرَّحَ الْقَاضِي بِرُجُوعِ الْقَفَّالِ وَأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ خَطَأٌ وَكَأَنَّ مَنْ حَكَاهُ خَفِيَ عَلَيْهِ رُجُوعُ الْقَفَّالِ عَنْهُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْتِزَامِ حُكْمِ الْمَنِيِّ أَوْ الْمَذْيِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُتَأَخِّرِينَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَى بِمُقْتَضَى أَحَدِهِمَا بَرِئَ مِنْهُ يَقِينًا وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْآخَرِ وَلَا مُعَارِضَ لِهَذَا الْأَصْلِ بِخِلَافِ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِهِمَا جَمِيعًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا: وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ يَلْزَمُهُ مُقْتَضَى الْمَنِيِّ وَالْمَذْيِ جَمِيعًا وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ (1) وَجَعَلَهُ احْتِمَالًا لِنَفْسِهِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي يَظْهَرُ رُجْحَانُهُ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِطَهَارَةٍ وَلَا يَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ إلَّا بِطَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِفِعْلِ مُقْتَضَاهُمَا جَمِيعًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّخْيِيرِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى فِي ثَوْبٍ آخَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي فِيهِ الْبَلَلُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إمَّا جُنُبٌ وَإِمَّا حَامِلُ نَجَاسَةٍ: وَإِنْ اغْتَسَلَ وَصَلَّى فِي هَذَا الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ مَنِيٌّ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ أَوْلَجَ خُنْثَى مُشْكِلٌ فِي دُبُرِ رَجُلٍ فَهُمَا عَلَى تَقْدِيرِ ذُكُورَةِ الْخُنْثَى جُنُبَانِ وَإِلَّا فَمُحْدِثَانِ فَالْجَنَابَةُ مُحْتَمَلَةٌ فَإِذَا تَوَضَّأَ وَجَبَ التَّرْتِيبُ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ وَهُوَ غَلَطٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الثَّوْبِ مَعَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَيُقَالُ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ لِأَنَّ الْأَصْلَ طهارة فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِالشَّكِّ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ اشْتَغَلَتْ بِأَحَدِهِمَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّهُ أتي به الا إذا جمع بينهما

(1) هذا الذى اختاره المصنف فيه نظر فان استصحاب الطهارة حاصل على الوجه الثالث وهو المختار والجواب عن الاعتراض المذكور انا انما اوجبنا الوضوء احتياطا لاحتمال انه مذي ولا يحصل

ص: 146

فَوَجَبَ الْجَمْعُ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ حَسَنٌ: فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا إذَا مَلَكَ إنَاءً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ مُخْتَلِطَيْنِ وَزْنُهُ أَلْفٌ: سِتُّمِائَةٍ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَرْبَعُمِائَةٍ مِنْ الْآخَرِ وَلَا يُعْرَفُ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ فَإِنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الِاحْتِيَاطِ بِأَنْ يُزَكِّيَ سِتَّمِائَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَلَمْ يُلْزِمْهُ الْجُمْهُورُ هُنَا الِاحْتِيَاطَ: فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِنَاءِ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْيَقِينِ بِسَبْكِهِ وَلَا يُمْكِنُهُ الْيَقِينُ بِعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَأَمَّا الْحَيْضُ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) قِيلَ فِي التَّفْسِيرِ هُوَ الِاغْتِسَالُ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي وصل) وَأَمَّا دَمُ النِّفَاسِ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِأَنَّهُ حيض مجتمع ولانه يحرم الصوم والوطئ ويسقط فرض الصلاة فأوجب الغسل كالحيض]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا تَفْسِيرُ الْآيَةِ فَقَالَ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ الْمَحِيضُ هُنَا هُوَ الْحَيْضُ وَهُوَ مَذْهَبُنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ بَابِ الْحَيْضِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمَحِيضِ فَعِنْدَنَا هُوَ الدَّمُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ نَفْسُهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الدَّمِ كَالْمَبِيتِ وَالْمَقِيلِ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ: وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ زَمَانُ الْحَيْضِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ غَلَطٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قال (قل هو أذى) وَالْفَرْجُ وَالزَّمَانُ لَا يُوصَفَانِ بِذَلِكَ وَفِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ (سَأَلْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْلِ الْمَحِيضِ) أَيْ الدَّمِ وَسَنَزِيدُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَإِيضَاحِهَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِنْ طُرُقٍ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا (وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي) كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي بَعْضِهَا (فَاغْسِلِي عَنْك الدَّمَ وَصَلِّي) وَالْحَيْضَةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا فَالْكَسْرُ اسْمٌ لِحَالَةِ الْحَيْضِ وَالْفَتْحُ بِمَعْنَى الْحَيْضِ وَهِيَ الْمَرَّةُ الْوَاحِدَةُ مِنْهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الصَّوَابُ الْكَسْرُ وَغَلِطَ مَنْ فَتَحَ وَجَوَّزَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ الْفَتْحَ

وَهُوَ أَقْوَى: وَحُبَيْشٌ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثم ياء مثناة من تحت ساكنة

ص: 147

ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ: وَاسْمُ أَبِي حُبَيْشٍ قَيْسُ بْنُ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى

* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ بِسَبَبِ الْحَيْضِ وَبِسَبَبِ النِّفَاسِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَآخَرُونَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ أنه يلزمها تمكين الزوج من الوطئ ولا يجوز ذلك الا بالغسل ومالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ: وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وَقْتِ وُجُوبِهِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ بِأَوَّلِ خُرُوجِ الدَّمِ كَمَا قَالُوا يَجِبُ الْوُضُوءُ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْ الْبَوْلِ قَالُوا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدم وليس بشئ وَعَكَسَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هَذَا فَقَالُوا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ بِانْقِطَاعِهِ لَا بِخُرُوجِهِ كَذَا صَحَّحَهُ الْفُورَانِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَجِبُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْغُسْلَ مَعَ دَوَامِ الحيض غير ممكن ومالا يُمْكِنُ لَا يَجِبُ: قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ جَمِيعِ الدَّمِ وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ عِنْدَ الِانْقِطَاعِ: وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِوُجُوبِهِ بِالِانْقِطَاعِ وَالْبَغَوِيُّ بِالْخُرُوجِ وَكُلُّ مَنْ أَوْجَبَ بِالْخُرُوجِ قَاسُوهُ عَلَى الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ فِي أَنَّ الْوُجُوبَ بِخُرُوجِ الْبَوْلِ وَالْمَنِيِّ أَمْ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ أَمْ بِالْمَجْمُوعِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَتِلْكَ الْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ إلَّا أَنَّ الْقَائِلِينَ هُنَاكَ يَجِبُ بِالْخُرُوجِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَجِبُ بِخُرُوجِ الدَّمِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِانْقِطَاعِهِ فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي وَقْتِ وُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ: أَحَدُهَا بِخُرُوجِ الدَّمِ: وَالثَّانِي بِانْقِطَاعِهِ: وَالثَّالِثُ بِالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ: وَالرَّابِعُ بِالْخُرُوجِ وَالِانْقِطَاعِ وَالْقِيَامِ إلَى الصَّلَاةِ وَالْأَصَحُّ وُجُوبُهُ بِالِانْقِطَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَائِدَتُهُ أَنَّ الْحَائِضَ إذَا أَجْنَبَتْ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ غُسْلُ الْحَيْضِ إلَّا بِانْقِطَاعِ الدَّمِ وَقُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْحَائِضَ لَا تُمْنَعُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَلَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عَنْ الْجَنَابَةِ لِاسْتِبَاحَةِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَسَيَأْتِي هَذَا مَعَ زِيَادَةِ إيضَاحٍ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ لَهُ فَائِدَةً أُخْرَى حَسَنَةً

فَقَالَ لَوْ اُسْتُشْهِدَتْ الْحَائِضُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ بِالِانْقِطَاعِ لَمْ تُغَسَّلْ

ص: 148

وَإِنْ قُلْنَا بِالْخُرُوجِ فَهَلْ تُغَسَّلُ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي غُسْلِ الْجُنُبِ الشَّهِيدِ: فَحَصَلَ فِي الْخِلَافِ فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا مَسْأَلَةُ الشَّهِيدِ: وَالثَّانِيَةُ مَسْأَلَةُ الْحَائِضِ إذَا أَجْنَبَتْ: فَإِنْ قِيلَ الْحَائِضُ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ يُبَاحُ لَهَا الْقِرَاءَةُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ فَيَنْبَغِي إذَا أَجْنَبَتْ أَنْ لَا يَخْتَلِفَ الْحُكْمُ: فَالْجَوَابُ أَنَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَأَجْنَبَتْ فَهَذِهِ امْرَأَةٌ جُنُبٌ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَّا لِلْجَنَابَةِ فَإِذَا اغْتَسَلَتْ لَهَا ارْتَفَعَتْ جَنَابَتُهَا وَبَقِيَتْ حَائِضًا مُجَرَّدَةً فَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَدِيمِ وَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِالْخُرُوجِ فَاغْتَسَلَتْ لِلْجَنَابَةِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ تَرْتَفِعْ جَنَابَتُهَا لِأَنَّ عَلَيْهَا غُسْلَيْنِ غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ وَغُسْلُ الْحَيْضِ لَا يُمْكِنُ صِحَّتُهُ مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْحَيْضِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثَانِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْتَفِعَ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ كَمَنْ أَحْدَثَ بِنَوْمٍ مَثَلًا ثُمَّ شَرَعَ فِي الْبَوْلِ وَتَوَضَّأَ فِي حَالِ بَوْلِهِ عَنْ النَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ قُبُلَيْ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي وَقْتِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ رَجُلٌ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ وَتَغْتَسِلُ الْحَائِضُ إذَا طَهُرَتْ وَالنُّفَسَاءُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ قِيلَ لَا مَعْنَى لِتَغْيِيرِ الْعِبَارَةِ فِي الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ إلَّا تَحْسِينَ اللَّفْظِ وَقِيلَ هِيَ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ دَمَ النِّفَاسِ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ فَمَتَى ارْتَفَعَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ قَلَّ وَجَبَ الْغُسْلُ وَدَمُ الْحَائِضِ لَوْ ارْتَفَعَ قَبْلَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَكُونُ حيضا ولا غسل * قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا إذَا وَلَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدًا وَلَمْ تَرَ دَمًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِأَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ: وَالثَّانِي لَا يَجِبُ لانه لا يسمى منيا]

* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وُجُوبُ الْغُسْلِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ وَشَذَّ الشَّاشِيُّ فَصَحَّحَ عَدَمَ الْوُجُوبِ: ثُمَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ

ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ هُنَا وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَهَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَبِعَدَمِهِ قَوْلُ أبى علي ابن

ص: 149

أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْوَجْهَيْنِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لِلْوُجُوبِ وَهُوَ كَوْنُ الْوَلَدِ مَنِيًّا مُنْعَقِدًا هُوَ التَّعْلِيلُ الْمَشْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هَذَا التَّعْلِيلَ وَعِلَّةً أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَخْلُو عَنْ رُطُوبَةٍ وَإِنْ خَفِيَتْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَتُوجَدُ الْوِلَادَةُ بِلَا دَمٍ فِي نِسَاءِ الْأَكْرَادِ كَثِيرًا: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ: وَلَوْ خَرَجَ مِنْهَا وَلَدٌ بَعْدَ وَلَدٍ وَقُلْنَا يَجِبُ الْغُسْلُ فَاغْتَسَلَتْ لِلْأَوَّلِ قَبْلَ خُرُوجِ الثَّانِي وَجَبَ الْغُسْلُ لِلثَّانِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مُضْغَةً فَفِي وُجُوبِ الْغُسْلِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ بِالْوُجُوبِ فِي الْمُضْغَةِ وَخَصَّ الْوَجْهَيْنِ بِالْعَلَقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا بِمُجَرَّدِ وَضْعِهَا أَمْ لَا يَصِحُّ حَتَّى تَمْضِيَ سَاعَةٌ: فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ مَحْدُودٌ بِسَاعَةٍ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيه إطْلَاقُ الْجُمْهُورِ صِحَّةُ الْغُسْلِ بِمُجَرَّدِ الْوَضْعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النِّفَاسَ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذا ولدت في نهار رمضان ولم ترد ما فَفِي بُطْلَانِ صَوْمِهَا طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْغُسْلَ أَمْ لَا وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ: (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْغُسْلِ إنْ أَوْجَبْنَاهُ بَطَلَ الصَّوْمُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَقَالَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهَا مَغْلُوبَةٌ كَالِاحْتِلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ قَوِيٌّ فِي الْمَعْنَى ضَعِيفُ التَّعْلِيلِ (1) أَمَّا ضَعْفُ تَعْلِيلِهِ فَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَإِنْ كَانَتْ مَغْلُوبَةً: وَأَمَّا قُوَّتُهُ فِي الْمَعْنَى فَلِأَنَّ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْأَصْحَابُ فِي تَعْلِيلِ وُجُوبِ الْغُسْلِ أَنَّ الْوَلَدَ مَنِيٌّ مُنْعَقِدٌ وَهَذَا يَصْلُحُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ لَا لِبُطْلَانِ الصَّوْمِ فَإِنَّ خُرُوجَ الْمَنِيِّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا اسْتِمْنَاءٍ لَا يُبْطِلُ الصَّوْمَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا حَاضَتْ ثُمَّ أَجْنَبَتْ أَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهَا عَنْ الْجَنَابَةِ فِي حَالِ الْحَيْضِ

لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضعيف ذكره الخراسانيون انه يصح غسلها عن الْجَنَابَةِ وَيُفِيدُهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا قَرِيبًا عَنْ صَاحِبِ الْعُدَّةِ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ أَعْضَاءُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَرَقُهُمْ طاهر وهذا لا خلاف فيه بين

(1) تعليله مني علي العلة المشهورة وهى انه مني منعقد وأما العلة الاخرى فيبطل كالحيض وقوله فيه وجه ضعيف فيه نظر فانه صحح وجوبه بالانقطاع اه اذرعى

ص: 150

الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ بَدَنَ الْحَائِضِ نَجِسٌ فَلَوْ أَصَابَتْ مَاءً قَلِيلًا نَجَّسَتْهُ وَهَذَا النَّقْلُ لَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ فَإِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (حَيْضَتُكِ لَيْسَتْ فِي يَدِك) وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ كتاب الحيض إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وان استدخلت المرأة المنى ثم خرج منها لم يلزمها الغسل]

* [الشَّرْحُ] إذَا اسْتَدْخَلَتْ الْمَرْأَةُ الْمَنِيَّ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْغُسْلُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ إدْخَالِهَا قُبُلَهَا أَوْ دُبُرَهَا كَتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ وَحَكَوْا مِثْلَ هَذَا الْوَجْهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِنْ كَثُرَ قَائِلُوهُ وَنَاقِلُوهُ ثُمَّ إنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَدْنَى خَيَالٍ إذَا اسْتَدْخَلَتْهُ فِي قُبُلِهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا تَلَذَّذَتْ فَأَنْزَلَتْ مَنِيَّهَا فَاخْتَلَطَ بِهِ فَإِذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ الْأَجْنَبِيُّ صَحِبَهُ مَنِيُّهَا لَكِنَّ إيجَابَهُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَا خَيَالَ: وَمِمَّنْ قَالَ مِنْ السَّلَفِ لَا يَجِبُ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَلِيلُهُ النُّصُوصُ فِي أَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا يَلْزَمُهُ بِمَنِيِّهِ: وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا دَمَ الْحَيْضِ أَوْ أَدْخَلَ الرَّجُلُ فِي دُبُرِهِ أَوْ قُبُلِهِ الْمَنِيَّ وَخَرَجَا فَلَا غُسْلَ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بِخُرُوجِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: أَمَّا إذَا جُومِعَتْ فَاغْتَسَلَتْ ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا مَنِيُّ الرَّجُلِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَيْضًا وَعَلَيْهَا الْوُضُوءُ قَالَ الْمُتَوَلِّي كَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَقُولُ مُرَادُ الْأَصْحَابِ إذَا كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ صَغِيرَةً

لَا تُنْزِلُ أَوْ كَبِيرَةً لَكِنْ أَنْزَلَ الزَّوْجُ عَقِيبَ الْإِيلَاجِ بِحَيْثُ لَمْ تُنْزِلْ هِيَ فِي الْعَادَةِ فَأَمَّا إذَا امْتَدَّ الزَّمَانُ قَبْلَ إنْزَالِهِ فَالْغَالِبُ أَنَّهَا تُنْزِلُ وَيَخْتَلِطُ الْمَنِيَّانِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ثَانِيًا: وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا ثُمَّ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَاضِي بِحُرُوفِهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وجوب الغسل

ص: 151

ثُمَّ قَالَ وَعِنْدِي فِي هَذَا تَفْصِيلٌ فَذَكَرَ نحو كلام القاضى والله أعلم: قال المصنف رحمه الله

* [وَإِذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ أَسْلَمَ قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ وَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ لَزِمَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَإِنْ كَانَ قَدْ اغْتَسَلَ فِي حَالِ الْكُفْرِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِأَنَّهُ غُسْلٌ صَحِيحٌ بِدَلِيلِ انه تعلق به اباحة الوطئ فِي حَقِّ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ فَلَمْ تَجِبْ اعادته كغسل المسلمة: وَالثَّانِي تَجِبُ إعَادَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ تعالى كالصوم والصلاة]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ هَذَا: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَيْسٌ هَذَا مِنْ سَادَاتِ الْعَرَبِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو قَبِيصَةُ وَقِيلَ أَبُو طَلْحَةَ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي وَفْدِ بَنِي تَمِيمٍ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ فَأَسْلَمَ وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا سَيِّدُ أَهْلِ الْوَبَرِ وَكَانَ حَلِيمًا عَاقِلًا قِيلَ لِلْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ مِمَّنْ تَعَلَّمْت الْحِلْمَ قَالَ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنه: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ اُحْتُرِزَ بِعِبَادَةٍ عَنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ وَبِمَحْضَةٍ عَنْ الْعِدَّةِ وَالْكَفَّارَةِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَصِحَّ مِنْ الْكَافِرِ فِي حَقِّ اللَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْكَافِرَةِ الَّتِي طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَيَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ لَكِنْ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا إذَا أَجْنَبَ الْكَافِرُ ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ: نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِ اللَّهِ تعال (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا

يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْإِسْلَامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ لَهُمْ الزَّوْجَاتُ وَالْأَوْلَادُ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْغُسْلِ وُجُوبًا وَلَوْ وَجَبَ لامرهم به وهذا الوجه ليس بشئ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَبُولَ ثُمَّ يُسْلِمَ أَوْ يُجْنِبَ ثُمَّ يُسْلِمَ: وَأَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَالْحَدِيثُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا غُفْرَانُ

ص: 152

الذُّنُوبِ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذِّمِّيَّ لَوْ كن عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ قِصَاصٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَلِأَنَّ إيجَابَ الْغُسْلِ لَيْسَ مُؤَاخَذَةً وَتَكْلِيفًا بِمَا وَجَبَ فِي الْكُفْرِ بَلْ هُوَ إلْزَامُ شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جُنُبٌ وَالصَّلَاةُ لَا تَصِحُّ مِنْ الْجُنُبِ وَلَا يَخْرُجُ بِإِسْلَامِهِ عَنْ كَوْنِهِ جُنُبًا وَالْجَوَابُ عَنْ كَوْنِهِمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْغُسْلِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يُؤْمَرُوا بِالْوُضُوءِ لِكَوْنِهِ مَعْلُومًا لَهُمْ وَالْفَرْقُ بَيْنَ وُجُوبِ الْغُسْلِ وَمَنْعِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ أَنَّ الْغُسْلَ مُؤَاخَذَةٌ بِمَا هُوَ حَاصِلٌ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ كَوْنُهُ جُنُبًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ: وَالثَّانِي أَنَّ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ يَكْثُرَانِ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهُمَا وَيُنَفِّرُ عَنْ الْإِسْلَامِ: وَأَمَّا الْغُسْلُ فَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا غُسْلٌ وَاحِدٌ وَلَوْ أَجْنَبَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَأَكْثَرَ فَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَجْنَبَ وَاغْتَسَلَ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَأَجَابُوا عَنْ احْتِجَاجِ الْقَائِلِ الْآخَرِ بِالْحَائِضِ فَقَالُوا لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّتِهِ فِي حَقِّ الزَّوْجِ لِلضَّرُورَةِ صِحَّتُهُ بِلَا ضَرُورَةٍ قَاسُوهُ عَلَى الْمَجْنُونَةِ إذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَغَسَّلَهَا زوجها ليستبيحها فانها إذا فاقت يلزمها الغسل وهذا على المذهب والمشهور: وَفِيهَا خِلَافٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الْكَافِرِ الْمُغْتَسِلِ فِي الْكُفْرِ وَالْكَافِرَةِ الْمُغْتَسِلَةِ لِحِلِّهَا لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ (1) فَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَخَالَفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْجُمْهُورَ فَصَحَّحَ فِي الْحَائِضِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يُجْنِبْ فِي الْكُفْرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْتَسِلَ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ وَالْمُرْتَدُّ وَالذِّمِّيُّ وَالْحَرْبِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ يَلْزَمُهُ الْغُسْلُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ

وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ (بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْلًا قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ فَانْطَلَقَ إلَى نَخْلٍ قريب من المسجد فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (مَرَّ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَأَطْلَقَهُ وَبَعَثَ بِهِ إلَى حَائِطِ أَبِي طَلْحَةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أسلم عند

(1) وان لم يكن لها زوج أو كان كافرا قال الامام يجب اعادة الغسل وجها واحدا وقال أبو بكر الفارسي بطرد الخلاف في اجزاء الغسل في كل كافر قال وهذا غلط صريح متروك عليه وليس من الرأى ان تحتسب غلطات الرجال من متن المذهب اه اذرعى

ص: 153

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ اغْتَسَلَ وَدَخَلَ الْمَسْجِدَ فَأَظْهَرَ الشَّهَادَةَ ثَانِيًا جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّهُ أَسْلَمَ خَلْقٌ كَثِيرٌ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالِاغْتِسَالِ وَلِأَنَّهُ تَرْكُ مَعْصِيَةٍ فَلَمْ يَجِبْ مَعَهُ غُسْلٌ كَالتَّوْبَةِ مِنْ سَائِرِ الْمَعَاصِي: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْهِمَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُمَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ قَيْسًا أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ السِّدْرَ غَيْرُ وَاجِبٍ (الثَّانِي) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّهُمَا أَجْنَبَا لِكَوْنِهِمَا كانت لهما أولاد فأمرهما بالغسل لِذَلِكَ لَا لِلْإِسْلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

يُسْتَحَبُّ لِلْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَحْلِقَ شَعْرَ رَأْسِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ والشيخ نصر وآخرون

* واحتجوا لَهُ بِحَدِيثِ عُثَيْمٍ بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَسْلَمْتُ: فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ) يَقُولُ احْلِقْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّ عُثَيْمًا وَكُلَيْبًا لَيْسَا بِمَشْهُورَيْنِ وَلَا وُثِّقَا لكن أبا داود رواه ولم يضعفه وقد قال انه إذا ذكر حديث وَلَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ أَيْ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ فَهَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَهُ حَسَنٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ قَيْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

(فَرْعٌ)

إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ فَلْيُبَادِرْ بِهِ وَلَا يُؤَخِّرْهُ لِلِاغْتِسَالِ بَلْ تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِالْإِسْلَامِ وَيُحَرَّمُ تَحْرِيمًا شَدِيدًا تَأْخِيرُهُ لِلِاغْتِسَالِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إذَا اسْتَشَارَ مُسْلِمًا فِي ذَلِكَ حُرِّمَ عَلَى الْمُسْتَشَارِ تَحْرِيمًا غَلِيظًا أَنْ يَقُولَ لَهُ أَخِّرْهُ إلَى الِاغْتِسَالِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُثَّهُ عَلَى الْمُبَادَرَةِ بِالْإِسْلَامِ هَذَا هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ رحمه الله فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدِّمُ الْغُسْلَ عَلَى الْإِسْلَامِ لِيُسْلِمَ مُغْتَسِلًا قَالَ وَهُوَ بَعِيدٌ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَخَطَأٌ فَاحِشٌ بَلْ هُوَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الْمُنْكَرَاتِ وَكَيْفَ يَجُوزُ الْبَقَاءُ عَلَى أَعْظَمِ الْمَعَاصِي وَأَفْحَشِ الْكَبَائِرِ وَرَأْسِ الْمُوبِقَاتِ وَأَقْبَحِ الْمُهْلِكَاتِ لِتَحْصِيلِ غُسْلٍ لَا يُحْسَبُ عِبَادَةً لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ فَاعِلِهِ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ الرِّدَّةِ لَوْ رَضِيَ مُسْلِمٌ بِكُفْرِ كَافِرٍ بِأَنْ طَلَبَ كَافِرٌ مِنْهُ أَنْ يُلَقِّنَهُ الْإِسْلَامَ فَلَمْ يَفْعَلْ أَوْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يُسْلِمَ أَوْ أَخَّرَ عَرْضَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ بِلَا عُذْرٍ صَارَ مُرْتَدًّا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ الْكُفْرَ عَلَى الْإِسْلَامِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إفْرَاطٌ أَيْضًا بَلْ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً عَظِيمَةً: وَأَمَّا قَوْلُ النَّسَائِيّ (1) فِي سُنَنِهِ بَابُ تَقْدِيمِ غُسْلِ الْكَافِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ ثمامة انطلق فاغتسل

(1) هذا الذى احتج به النسائي محمول على ما سبق وهو انه اظهر اسلامه بعد الغسل بدليل الرواية الاخرى فانها مصرحة بتقديم الاسلام اه اذرعي

ص: 154

ثُمَّ جَاءَ فَأَسْلَمَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا ذَكَرَهُ لِمَا ادَّعَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَيَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلُ نَفِيسَةٌ تَقَدَّمَتْ فِي أَوَاخِرِ باب نية الوضوء وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله

* [ومن اجنب حرم عليه الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله لانا دللنا علي أن ذلك يحرم على المحدث فلان يحرم على الجنب اولى ويحرم عليه قراءة القرآن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ويحرم عليه اللبث في المسجد ولا يحرم عليه العبور لقوله تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) واراد موضع الصلاة وقال في البويطي ويكره له ان ينام حتى يتوضأ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جنب قال (نعم إذا توضأ احدكم فليرقد) قال أبو على الطبري وإذا اراد ان يطأ أو يأكل أو يشرب توضأ

ولا يستحب ذلك للحائض لان الوضوء لا يؤثر في حدثها ويؤثر في حدث الجنابة لانه يخففه ويزيله عن اعضاء الوضوء]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ مُشْتَمِلٌ عَلَى جُمَلٍ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ فَالْوَجْهُ أَنْ نَشْرَحَ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ مُخْتَصَرًا ثُمَّ نَعْطِفَ عَلَيْهِ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ ثُمَّ الْفُرُوعَ وَالْمُتَعَلِّقَات: أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَسَيَأْتِي تَفْسِيرُهَا وَالْمُرَادُ بِهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالضَّعْفُ فِيهِ بَيِّنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ مِمَّا يُغْنِي عَنْهُ ان شاء الله تعالى: وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ فَلَأَنْ يَحْرُمَ عَلَى الْجُنُبِ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَقَوْلُهُ لا يقرأ الجنب روى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَرُوِيَ بِضَمِّهَا عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يراد به النهي وهما صحيحان وممن ذكرهما الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَنَظَائِرُهُمَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاللُّبْثُ هُوَ الْإِقَامَةُ: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَبِثَ بِالْمَكَانِ وَتَلَبَّثَ أَيْ أَقَامَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُمَا يُقَالُ لَبِثَ يَلْبَثُ لَبْثًا وَلَبَثًا بِإِسْكَانِ الْبَاءِ وَفَتْحِهَا زَادَ فِي الْمُحْكَمِ وَلَبَاثَةً وَلَبِيثَةً يَعْنِي بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا: وَأَمَّا الْجَنَابَةُ فَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْبُعْدُ وَتُطْلَقُ فِي الشَّرْعِ عَلَى مَنْ أَنْزَلَ الْمَنِيَّ وَعَلَى مَنْ جَامَعَ وَسُمِّيَ جُنُبًا لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ الصَّلَاةَ وَالْمَسْجِدَ وَالْقِرَاءَةَ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهَا وَيُقَالُ أَجْنَبَ الرَّجُلُ يُجْنِبُ وَجُنِبَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَكَسْرِ النُّونِ يُجْنَبُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ النُّونِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْأُولَى

ص: 155

أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ يُقَالُ رَجُلٌ جُنُبٌ وَرَجُلَانِ وَرِجَالٌ وَامْرَأَةٌ وَامْرَأَتَانِ وَنِسْوَةٌ جُنُبٌ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَيُقَالُ جُنُبَانِ وَأَجْنَابٌ فَيُثَنَّى ويجمع والاول أفصح وأشهر: أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ سِتَّةُ أَشْيَاءَ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللَّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى فَتَقَدَّمَ شَرْحُهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَيَحْرُمُ كَثِيرُهَا وَقَلِيلُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ: وَكَذَا يَحْرُمُ اللَّبْثُ فِي جُزْءٍ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَوْ لَحْظَةً: وَأَمَّا الْعُبُورُ فَلَا يَحْرُمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ

قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَيُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَوْ يَطَأَ مَنْ وَطِئَهَا أَوَّلًا أَوْ غَيْرَهَا أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلَ فَرْجَهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا يُسْتَحَبُّ هَذَا الْوُضُوءُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوُضُوءَ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا لِأَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ فَلَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ وَهَذَا مَا دَامَتْ حَائِضًا فَأَمَّا إذَا انْقَطَعَ حَيْضُهَا فَتَصِيرُ كَالْجُنُبِ يُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِهَا كَالْجُنُبِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ وَقَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنَّ الْوُضُوءَ يُؤَثِّرُ فِي حَدَثِ الْجُنُبِ وَيُزِيلُهُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَخَالَفَ فِيهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ لَا يرتفع شئ مِنْ الْحَدَثِ حَتَّى تَكْمُلَ الطَّهَارَةُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْمَسَائِلِ الزَّوَائِدِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْوُضُوءِ وَغَسْلِ الْفَرْجِ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ (أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ فَقَالَ نَعَمْ إذَا تَوَضَّأَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ ذَكَرَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَك ثُمَّ نَمْ) وَعَنْ عَائِشَةَ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ) وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ) وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (رَخَّصَ لِلْجُنُبِ إذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ نَامَ أَنْ يَتَوَضَّأَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُ إذا أراد أن يأكل: وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ

ص: 156

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الْبَيْهَقِيُّ فِي رِوَايَةٍ (فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ) : وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ) فَالْمُرَادُ بِحَاجَتِهِ

الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَلَا يَمَسُّ مَاءً) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَقَالَ أَبُو دَاوُد عَنْ يَزِيدَ بْنِ هرون وَهَمَ السَّبِيعِيُّ فِي هَذَا يَعْنِي قَوْلَهُ وَلَا يَمَسُّ مَاءً وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ يَرَوْنَ أَنَّ هَذَا غَلَطٌ مِنْ السَّبِيعِيِّ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ طَعَنَ الْحُفَّاظُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَتَوَهَّمُوهَا مَأْخُوذَةً عَنْ غَيْرِ الْأَسْوَدِ وَأَنَّ السَّبِيعِيَّ دَلَّسَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ السَّبِيعِيِّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ صَحِيحٌ مِنْ جِهَةِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِنْ الْأَسْوَدِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا بَيَّنَ سَمَاعَهُ مِمَّنْ رَوَى عَنْهُ وَكَانَ ثِقَةً فَلَا وَجْهَ لِرَدِّهِ: (قُلْت) قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ إنَّ الْمُدَلِّسَ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّمَاعَ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ إذَا بَيَّنَ السَّمَاعَ اُحْتُجَّ بِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَكُونُ الْحَدِيثُ صَحِيحًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ وَعَلَى الثَّانِي جَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ رحمه الله وَاسْتَحْسَنَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَمَسُّ مَاءً لِلْغُسْلِ لِنَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حديثها الْآخَرِ وَحَدِيثِ عُمَرَ الثَّابِتَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: وَالثَّانِي (1) أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ كَانَ يَتْرُكُ الْوُضُوءَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لَيُبَيِّنَ الْجَوَازَ إذْ لَوْ وَاظَبَ عَلَيْهِ لَاعْتَقَدُوا وُجُوبَهُ وَهَذَا عِنْدِي حَسَنٌ أَوْ أَحْسَنُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (طَافَ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ وَهُنَّ تِسْعُ نِسْوَةٍ) فَيُحْتَمَلُ أنه كان يتوضأ بينهما وَيُحْتَمَلُ تَرْكُ الْوُضُوءِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد أَنَّهُ طَافَ عَلَى نِسَائِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَغْتَسِلُ عِنْدَ هَذِهِ وَعِنْدَ هَذِهِ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَجْعَلُهُ غُسْلًا وَاحِدًا فَقَالَ (هَذَا أَزْكَى وَأَطْيَبُ وَأَطْهَرُ) قَالَ أَبُو دَاوُد وَالْحَدِيثُ الْأَوَّلُ أَصَحُّ: (قُلْت) وَإِنْ صَحَّ هَذَا الثَّانِي حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي وَقْتٍ وَذَاكَ فِي وَقْتٍ وَالْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ بِرِضَاهُنَّ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ وَقَوْلُ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ الْقَسْمَ كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فِي الدَّوَامِ فَإِنَّ الْقَسْمَ لا يجوز أقل من ليلة ليلة الا بِرِضَاهُنَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

رَوَى أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ صُورَةٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا كَلْبٌ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ الْمَلَائِكَةُ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالرَّحْمَةِ وَالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ لِأَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَ الْجُنُبَ وَلَا غَيْرَهُ: قال وقيل لم يرد

(1) هذا الثاني هو المختار كما اختاره الشيخ رحمه الله وهو ظاهر الحديث والاول فيه نظر فانه تأويل بعيد لا حاجة إليه إذ لا منافاة بين الروايتين اه اذرعي

ص: 157

بِالْجُنُبِ مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ فَأَخَّرَ الِاغْتِسَالَ إلَى حُضُورِ الصَّلَاةِ وَلَكِنَّهُ الْجُنُبُ الَّذِي يَتَهَاوَنُ بِالْغُسْلِ وَيَتَّخِذُ تَرْكَهُ عَادَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَنَامُ وَهُوَ جُنُبٌ وَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ) : قَالَ وَأَمَّا الْكَلْبُ فَهُوَ أَنْ يَقْتَنِيَ كَلْبًا لِغَيْرِ الصَّيْدِ وَالزَّرْعِ وَالْمَاشِيَةِ وَحِرَاسَةِ الدَّارِ: قَالَ وَأَمَّا الصُّورَةُ فَهِيَ كُلُّ مُصَوَّرٍ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى جِدَارٍ أَوْ سَقْفٍ أَوْ ثَوْبٍ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَفِي تَخْصِيصِهِ الْجُنُبَ بِالْمُتَهَاوِنِ وَالْكَلْبَ بِاَلَّذِي يَحْرُمُ اقْتِنَاؤُهُ نَظَرٌ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ

* (فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ النَّوْمِ قَبْلَ الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ هُوَ بِالْخِيَارِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا حَتَّى بَعْضُ آيَةٍ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَقَالَ دَاوُد يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْآيَاتِ الْيَسِيرَةَ لِلتَّعَوُّذِ وَفِي الحائض روايتان عنه احداهما تقرأ والثاني لَا تَقْرَأُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ بَعْضَ آيَةٍ وَلَا يَقْرَأُ آيَةً وَلَهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا

* وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ مُطْلَقًا بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَالْقُرْآنُ ذِكْرٌ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي حَاجَتَهُ فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَلَمْ يَكُنْ يحجبه وربما قال يحجزه عن القرآن شئ ليس

ص: 158

الجناية) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي سُنَنِ حَرْمَلَةَ ثُمَّ قَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا فَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ جِمَاعِ الطُّهُورِ وَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَهُ: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ وَكَانَ قَدْ كَبُرَ وَأُنْكِرَ مِنْ حَدِيثِهِ وَعَقْلُهُ بَعْضُ النَّكَرَةِ وانما روى هذا الحديث بعد ما كَبُرَ قَالَهُ شُعْبَةُ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الائمة تحقيق ما قال ثم قال البيقى وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ ثُمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْهُ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ الْغَافِقِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا تَوَضَّأْتُ وَأَنَا جُنُبٌ أَكَلْتُ وَشَرِبْتُ وَلَا أُصَلِّي وَلَا أَقْرَأُ حَتَّى أَغْتَسِلَ) وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِقِصَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه الْمَشْهُورَةِ أَنَّ امْرَأَتَهُ رَأَتْهُ يُوَاقِعُ جَارِيَةً لَهُ فَذَهَبَتْ فَأَخَذَتْ سِكِّينًا وَجَاءَتْ تُرِيدُ قَتْلَهُ فَأَنْكَرَ أَنَّهُ وَاقَعَ الْجَارِيَةَ وَقَالَ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُنُبَ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ: قَالَتْ بَلَى فَأَنْشَدَهَا الْأَبْيَاتَ الْمَشْهُورَةَ فَتَوَهَّمَتْهَا قُرْآنًا فَكَفَّتْ عَنْهُ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَضَحِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ: وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقُرْآنَ وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ يَعْرِفُهُ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَلَكِنَّ إسْنَادَ هَذِهِ الْقِصَّةِ ضَعِيفٌ وَمُنْقَطِعٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِ دَاوُد (1) بِحَدِيثِ عَائِشَةَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّكْرِ غَيْرُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ الْمَفْهُومُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ: وَأَمَّا الْمَذَاهِبُ الْبَاقِيَةُ فَقَدْ سَلَّمُوا تَحْرِيمَ الْقِرَاءَةِ فِي الْجُمْلَةِ ثُمَّ ادَّعُوا تَخْصِيصًا لَا مُسْتَنَدَ لَهُ: فَإِنْ قَالُوا جَوَّزْنَا لِلْحَائِضِ خَوْفَ النِّسْيَانِ قُلْنَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بتفكرها بقلبها والله أعلم

*

(1) مذهب داود قوي فانه لم يثبت في المسألة شئ يحتج به لنا كما اوضحه وقد نقل البيهقى في معرفة السنن والاثا عن الشافعي انه قال احب للجنب ان لا يقرأ القرآن لحديث لا يثبته اهل الحديث وهذا المذهب هو اختيار ابن المنذر كما سبق والاصل عدم التحريم اه من هامش الاذرعي

ص: 159

(فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مُكْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ وَعُبُورِهِ فِيهِ بِلَا مُكْثٍ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ

فِي الْمَسْجِدِ جَالِسًا أَوْ قَائِمًا أَوْ مُتَرَدِّدًا أَوْ عَلَى أَيِّ حال كان متوضأ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ وَيَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ أَمْ لَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ مِثْلَ هَذَا عَنْ عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَمَالِكٍ وَحُكِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه واسحاق ابن رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْعُبُورُ إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ بُدًّا مِنْهُ فَيَتَوَضَّأَ ثُمَّ يَمُرَّ وَقَالَ أَحْمَدُ يَحْرُمُ الْمُكْثُ وَيُبَاحُ الْعُبُورُ لِحَاجَةٍ وَلَا يُبَاحُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ قَالَ وَلَوْ تَوَضَّأَ اسْتَبَاحَ الْمُكْثَ: وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْوُضُوءَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي هَذَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ

* وَاحْتَجَّ مَنْ أَبَاحَ الْمُكْثَ مُطْلَقًا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاحْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ أَنَّ الْمُشْرِكَ يَمْكُثُ فِي الْمَسْجِدِ فَالْمُسْلِمُ الْجُنُبُ أَوْلَى: وَأَحْسَنُ مَا يُوَجَّهُ بِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَيْسَ لِمَنْ حَرَّمَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عابرى سبيل) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ مَعْنَاهَا لَا تَقْرَبُوا مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَا أَشْبَهَ مَا قَالَ بِمَا قَالَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عُبُورُ سَبِيلٍ إنَّمَا عُبُورُ السَّبِيلِ فِي مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمَسْجِدُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَعَلَى مَا تَأَوَّلَهَا الشَّافِعِيُّ تَأَوَّلَهَا أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَيْنَا هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ مُجْتَازًا وَهُوَ جُنُبٌ وَعَنْ أَفْلَتَ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَبُيُوتُ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ (وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَيْسَ هُوَ بِقَوِيٍّ قَالَ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ جَسْرَةَ عَجَائِبُ وَقَدْ خَالَفَهَا غَيْرُهَا فِي سَدِّ الْأَبْوَابِ وَقَالَ الخطابي ضعف جماعة هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالُوا أَفْلَتُ مَجْهُولٌ وَقَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَثْبُتُ (قُلْت) وخالفهم غيرهم فقال احمد ابن حَنْبَلٍ لَا أَرَى بِأَفْلَتَ

ص: 160

بَأْسًا وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هُوَ كُوفِيٌّ صَالِحٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيُّ جَسْرَةُ تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَذْهَبَهُ أَنَّ مَا رَوَاهُ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَلَمْ يَجِدْ لِغَيْرِهِ فيه تضعفيا فَهُوَ عِنْدَهُ صَالِحٌ وَلَكِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ ضَعَّفَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَجَسْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَفْلَتُ بِالْفَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وُجُوهُ الْبُيُوتِ أَبْوَابُهَا وَقَالَ وَمَعْنَى وَجِّهُوهَا عَنْ الْمَسْجِدِ اصْرِفُوا وُجُوهَهَا عَنْ الْمَسْجِدِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ) بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ نَجَاسَتِهِ جَوَازُ لُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ: وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْمُشْرِكِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الشَّرْعَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَقَامَ دَلِيلُ تَحْرِيمِ مُكْثِ الْجُنُبِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَبَسَ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَّقَ الشَّرْعُ لَمْ يَجُزْ التَّسْوِيَةُ وَالثَّانِي أَنَّ الْكَافِرَ لَا يَعْتَقِدُ حُرْمَةَ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكَلَّفُ بِهَا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ أَتْلَفَ عَلَى الْمُسْلِمِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ ضَمَانُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَلْتَزِمْ الضَّمَانَ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ إذَا أَتْلَفَا

* وَاحْتَجَّ مَنْ حَرَّمَ الْمُكْثَ وَالْعُبُورَ بِحَدِيثِ (لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ) وَبِحَدِيثِ سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سَعْدٍ الْعَوْفِيِّ الْمُفَسِّرِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه (يَا عَلِيُّ لَا يحل لاحد يُجْنِبَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرِي وَغَيْرِك) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ فِي مَنَاقِبِ عَلِيٍّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ ضِرَارُ بْنُ صُرَدٍ مَعْنَاهُ لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يَسْتَطْرِقُهُ جُنُبًا غَيْرِي وَغَيْرِك قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَمِعَ الْبُخَارِيُّ مِنِّي هذا الحديث واستغر به قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَوْضِعٌ لَا يَجُوزُ الْمُكْثُ فِيهِ فَكَذَا الْعُبُورُ كَالدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَقِيَاسًا عَلَى الْحَائِضِ وَمَنْ فِي رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سبيل) وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّلَالَةِ مِنْهَا قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا أَجْنَبَ وَعَدِمَ الْمَاءَ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ وَالصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَتْ الْجَنَابَةُ بَاقِيَةً لِأَنَّ هَذِهِ حَقِيقَةُ الصَّلَاةِ: وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْمُسَافِرِ بَلْ يَجُوزُ لِلْحَاضِرِ فَلَا تُحْمَلُ الْآيَةُ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا ذَكَرْنَاهُ فَهُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ جَاءَ الْحَدِيثُ (2) وَأَقْوَالُ الصَّحَابَةِ وَتَفْسِيرُهُمْ عَلَى وَفْقِهِ فكان أولى

* واحتجوا بحديث جابر (كنا

(1) قوله ولم يجد لغيره هكذا ذكره في علوم الحديث وفيه نظر فانه قال وما لم اذكر فيه شيئا فهو صالح أي صحيح أو حسن كما سبق ولم يشترط عدم تضعيف غيره فان ضعفه غيره فهو عند ابى

(2)

قوله وقد جاء الحديث فيه نظر فانه لم يذكر حديثا في جواز العبور يحتج به والعمدة فيه الاية الكريمة اه اذرعى

ص: 161

نَمْشِي فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا لَا نَرَى بِهِ بَأْسًا (رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ أُمِنَ تَلْوِيثُ الْمَسْجِدِ فَجَازَ عُبُورُهُ كَالْمُحْدِثِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَنَّهُ إنْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الْمُكْثِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَأَمَّا الثَّانِي فَضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى سَالِمِ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ وَعَطِيَّةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا شِيعِيَّانِ مُتَّهَمَانِ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِ سَالِمٍ وَغُلُوِّهِ فِي التَّشَيُّعِ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ بَعْضُ مَا ذَكَرنَا لاسيما وَقَدْ اسْتَغْرَبَهُ الْبُخَارِيُّ إمَامُ الْفَنِّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ مَعْنَاهُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِهِ بَلْ مَعْنَاهُ إبَاحَةُ الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَنَابَةِ وَقَدْ ذكر أبو العباس ابن الْقَاصِّ هَذَا فِي خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وأما قياسهم على الدر الْمَغْصُوبَةِ فَمُنْتَقَضٌ بِمَوَاضِعِ الْخُمُورِ وَالْمَلَاهِي وَالطُّرُقِ الضَّيِّقَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّمَا يُمْنَعُ عُبُورُهُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ جَارِيَةً أَوْ مُتَعَرِّضَةً لِلْجَرَيَانِ وَهَذَا يُمْنَعُ صِيَانَةً لِلْمَسْجِدِ مِنْ تَلْوِيثِهِ وَالْجُنُبُ بِخِلَافِهِ فَنَظِيرُ الْجُنُبِ مَنْ عَلَى رِجْلِهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَلَهُ الْعُبُورُ وَبِهَذَا يجاب عن قياسم عَلَى الْحَائِضِ إنْ حَرَّمْنَا عُبُورَهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ عُبُورِهَا إذَا أَمِنَتْ التَّلْوِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَصْلٌ] يَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ وَأَذْكَارِهِمْ وَمَوَاضِعِ الْقِرَاءَةِ وَأَحْوَالِهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَذَا الْفَصْلُ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ لِطَالِبِ الْآخِرَةِ مَعْرِفَتُهَا وَقَدْ جَمَعْت فِي هَذَا كِتَابًا لَطِيفًا وَهُوَ (التِّبْيَانُ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ) وَأَنَا أُشِيرُ هُنَا إلَى جُمَلٍ مِنْ مَقَاصِدِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ مَسَائِلُ: (إحْدَاهَا) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى بَعْضِ آيَةٍ وَلَوْ كَانَ يُكَرِّرُ فِي كِتَابِ فِقْهٍ أَوْ غَيْرِهِ فِيهِ احْتِجَاجٌ بِآيَةٍ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَقْصِدُ الْقُرْآنَ لِلِاحْتِجَاجِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ جاز وكذا ما أشبههه وَيَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ

فِي مَعْنَاهُ أَنْ تَقُولَ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجعون) إذَا لَمْ تَقْصِدْ الْقُرْآنَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَيَجُوزُ عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ أَنْ يَقُولَ (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مقرنين)

ص: 162

لَا بِقَصْدِ الْقُرْآنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ الْعِرَاقِيُّونَ إلَى مَنْعِهِ وَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ الْأَوَّلُ: قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي الدُّعَاءِ (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عذاب النار) : قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا قَالَ الْجُنُبُ بِاسْمِ اللَّهِ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَصَدَ الْقُرْآنَ عصا وَإِنْ قَصَدَ الذِّكْرَ لَمْ يَعْصِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يَعْصِ أَيْضًا قَطْعًا لان القصد مرعي في هذه الْأَبْوَابِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَجُوزُ لِلْجُنُبِ قِرَاءَةُ مَا نسخت تلاوته كالشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما وما أشبههه: صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ: (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَقِرَاءَتُهُ بِالْقَلْبِ دُونَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ مَاءً وَلَا تُرَابًا يُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَحْدَهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يَقْرَأْ زِيَادَةً عَلَى الْفَاتِحَةِ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَحَدُهُمَا وَرَجَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْهَا شَرْعًا فَيَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ: (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَقِرَاءَتُهُ كَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ: (الْخَامِسَةُ) غَيْرُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ لَوْ كَانَ فَمُهُ نَجِسًا كُرِهَ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَفِي تَحْرِيمِهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا وَالِدِي: أَحَدُهُمَا يَحْرُمُ كَمَسِّ الْمُصْحَفِ بِيَدِهِ النَّجِسَةِ: (وَالثَّانِي) لَا يَحْرُمُ كَقِرَاءَةِ الْمُحْدِثِ كَذَا أَطْلَقَ الْوَجْهَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّ غَيْرَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ: (السَّادِسَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْمُحْدِثِ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يتوضأ لها قال امام الحرمين وغيره ولايقال قِرَاءَةُ الْمُحْدِثِ مَكْرُوهَةٌ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ مَعَ الْحَدَثِ) وَالْمُسْتَحَاضَةُ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ

كَالْمُحْدِثِ: (السَّابِعَةُ) لَا يُكْرَه لِلْمُحْدِثِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ (1) فِي الْحَمَّامِ نَقَلَهُ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ ومالك ونقل عن أبي وائل

(1) نقل المصنف في التبيان، عدم الكراهة عن الاصحاب مطلقا فقال قال اصحابنا لا تكره يعني القراءة في الحمام وهذا فيه نظر لا يخفى لان قراءة القرآن عبادة وليس الحمام من موضع العبادة ثم رأيت بعد هذا بزمان جماعة من اصحابنا كرهوا ذلك منهم الحليمى والصيمري وغيرهما اه اذرعى

ص: 163

شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ وَالشَّعْبِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ كَرَاهَتُهُ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ الدَّارِمِيِّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فَيَكُونُ عَنْهُ خِلَافٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِكَرَاهَتِهِ فَلَمْ يُكْرَهْ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ: (الثَّامِنَةُ) لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّرِيقِ مَارًّا إذَا لَمْ يَلْتَهِ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتُهَا قَالَ الشَّعْبِيُّ تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْحَشِّ وَبَيْتِ الرَّحَا وَهِيَ تَدُورُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا: (التَّاسِعَةُ) إذَا كَانَ يَقْرَأُ فَعَرَضَتْ لَهُ رِيحٌ أَمْسَكَ عَنْ الْقِرَاءَةِ حَالَ خُرُوجِهَا: (الْعَاشِرَةُ) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَمَا سِوَى الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَدَلَائِلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مَشْهُورَةٌ: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ إلَّا فِي الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فِيهَا وَسَتَأْتِي دَلَائِلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَذْكَارِ الطَّوَافِ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُنَظِّفَ فَمَه قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ بِسِوَاكٍ وَنَحْوِهِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَجْلِسَ مُتَخَشِّعًا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَلَوْ قَرَأَ قَائِمًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مَاشِيًا أَوْ عَلَى فِرَاشِهِ جَازَ وَدَلَائِلُهُ فِي الْكِتَاب وَالسُّنَّةِ مَشْهُورَةٌ وَإِذَا أَرَادَ الْقِرَاءَةَ تَعَوَّذَ وجهربه (1) : وَالتَّعَوُّذُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَيُحَافِظُ عَلَى قِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ بَرَاءَةٍ فَإِذَا شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَلْيَكُنْ شَأْنُهُ الْخُشُوعَ وَالتَّدَبُّرَ وَالْخُضُوعَ فَهُوَ الْمَطْلُوبُ وَالْمَقْصُودُ وَبِهِ تَنْشَرِحُ الصُّدُورُ وَتَسْتَنِيرُ الْقُلُوبُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وقال تعالى (أفلا يتدبرون القرآن وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَقَدْ بَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ يُرَدِّدُ أَحَدُهُمْ الْآيَةَ جَمِيعَ لَيْلَتِهِ أَوْ مُعْظَمَهَا وَصَعِقَ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ عِنْدِ الْقِرَاءَةِ

وَمَاتَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ بِسَبَبِ الْقِرَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرْت فِي التِّبْيَانِ جُمْلَةً مِنْ أَخْبَارِ هَؤُلَاءِ رضي الله عنهم: ويسن تحسين الصوت بالقرءان لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ: وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التِّبْيَانِ وَسَأَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الْكِتَابِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَسَنَ الصَّوْتِ حَسَّنَهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَخْرُجُ بِتَحْسِينِهِ عَنْ حَدِّ الْقِرَاءَةِ إلَى التَّمْطِيطِ الْمُخْرِجِ لَهُ عَنْ حُدُودِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْبُكَاءُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهِيَ صفة العارفين وشعار عباد الله الصحالحين: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خشوعا) وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابن مسعود

(1) هي يعني في غير الصلاة اه اذرعى

ص: 164

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى أَنْ قَالَ (حَسْبُك) قَالَ فَرَأَيْت عَيْنَيْهِ تَذْرِفَانِ وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِ الْبُكَاءِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَؤُهُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الشَّدِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ ثُمَّ يُفَكِّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ عِنْدَ ذَلِكَ حُزْنٌ وَبُكَاء فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ: وَيُسَنُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ: قَالَ الله تعالى (ورتل القرآن ترتيلا) وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ مُرَتَّلَةً وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ الْإِفْرَاطِ فِي الْإِسْرَاعِ وَيُسَمَّى الْهَذُّ قَالُوا وَقِرَاءَةُ جُزْءٍ بِتَرْتِيلٍ أَفْضَلُ مِنْ قراءة جزءين فِي قَدْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ بِلَا تَرْتِيلٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالتَّرْتِيلُ مُسْتَحَبٌّ لِلتَّدَبُّرِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجْلَالِ وَالتَّوْقِيرِ وَأَشَدُّ تَأْثِيرًا فِي الْقَلْبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ التَّرْتِيلُ لِلْأَعْجَمِيِّ الَّذِي لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ الْعَذَابِ أَوْ مِنْ الشَّرِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ تَنْزِيهٍ لله تعالى نزه فقال تبارك الله أوجلت عَظَمَةُ رَبِّنَا وَنَحْوَ ذَلِكَ: وَهَذَا مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ قَارِئٍ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا وَسَوَاءٌ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَنَبْسُطُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالْأَعْجَمِيَّةِ سواء أحسن العربية أم لا سواء كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَتَجُوزُ بِالْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ وَلَا تَجُوزُ بِالشَّوَاذِّ وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَوْلَى

أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ سَوَاءٌ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ خَارِجَهَا وَإِذَا قَرَأَ سُورَةً قَرَأَ بَعْدَهَا الَّتِي تَلِيهَا لِأَنَّ تَرْتِيبَ الْمُصْحَفِ لِحِكْمَةٍ فَلَا يَتْرُكْهَا إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِالتَّفْرِيقِ كَصَلَاةِ الصبح يوم الجمعة (بآلم)(وهل أتي) وصلاة العيد (بق)(وَاقْتَرَبَتْ) وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فَلَوْ فَرَّقَ أَوْ عَكَسَ جَازَ وَتَرَكَ الْأَفْضَلَ وَأَمَّا قِرَاءَةُ السُّورَةِ مِنْ آخِرِهَا إلَى أَوَّلِهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِهِ وَذَمِّهِ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ بَعْضَ أَنْوَاعِ الْإِعْجَازِ وَيُزِيلُ حِكْمَةَ التَّرْتِيبِ وَأَمَّا تَعْلِيمُ الصِّبْيَانِ مِنْ آخِرِ الْخَتْمَةِ إلَى أَوَّلِهَا فَلَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ في أيام

*

ص: 165

(فَرْعٌ)

الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْ الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ السَّلَفِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا وَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَوِي خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْحَالَيْنِ فَأَمَّا مَنْ يَزِيدُ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرُهُ فِي الْقِرَاءَةِ عن ظهر القلب وهى أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ

* (فَرْعٌ)

لَا كَرَاهَةَ فِي قِرَاءَةِ الْجَمَاعَةِ مُجْتَمِعِينَ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَكَذَا الْإِدَارَةُ وَهِيَ أَنْ يَقْرَأَ بَعْضُهُمْ جُزْءًا أَوْ سُورَةً مَثَلًا وَيَسْكُتَ بَعْضُهُمْ ثُمَّ يَقْرَأَ السَّاكِتُونَ وَيَسْكُتَ الْقَارِئُونَ وَقَدْ ذَكَرْتُ دَلَائِلَهُ فِي التِّبْيَانِ وَلِلْقَارِئِينَ مُجْتَمِعِينَ آدَابٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا سَبَقَ فِي آدَابِ الْقَارِئِ وَحْدَهُ وَمِنْهَا أَشْيَاءُ يُتَسَاهَلُ فِيهَا فِي الْعَادَةِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاجْتِنَابِ الضَّحِكِ وَاللَّغَطِ وَالْحَدِيثِ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ إلَّا كَلَامًا يَسِيرًا لِلضَّرُورَةِ وَبِاجْتِنَابِ الْعَبَثِ بِالْيَدِ وَغَيْرِهَا وَالنَّظَرِ إلَى مَا يُلْهِي أَوْ يُبَدِّدُ الذِّهْنَ وَأَقْبَحُ مِنْ ذَلِكَ النَّظَرُ إلَى مَنْ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ كَالْأَمْرَدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ بِشَهْوَةٍ أَمْ بِغَيْرِهَا وَيَجِبُ عَلَى الْحَاضِرِ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَنْ يُنْكِرَ مَا يَرَاهُ مِنْ هَذِهِ الْمُنْكَرَاتِ وَغَيْرِهَا فَيُنْكِرَ بِيَدِهِ ثُمَّ لِسَانِهِ عَلَى حَسَبِ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ

* (فَرْعٌ)

جَاءَتْ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ تَقْتَضِي اسْتِحْبَابَ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ وَأَحَادِيثُ تَقْتَضِي أَنَّ الْإِسْرَارَ وَالْإِخْفَاءَ أَفْضَلُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ الْإِخْفَاءَ أَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّ مَنْ يَخَافُ الرِّيَاءَ وَكَذَا ما يَتَأَذَّى الْمُصَلُّونَ وَغَيْرُهُمْ بِجَهْرِهِ فَالْإِخْفَاءُ أَفْضَلُ فِي

حَقِّهِ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ الرِّيَاءَ وَلَمْ يَتَأَذَّ أَحَدٌ بِجَهْرِهِ فَالْجَهْرُ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَكْثَرُ وَلِأَنَّ فَائِدَتَهُ تَتَعَدَّى إلَى السَّامِعِينَ وَلِأَنَّهُ يُوقِظُ قَلْبَ الْقَارِئِ وَيَجْمَعُ هَمَّهُ إلَى الْفِكْرِ وَيَصْرِفُ سَمْعَهُ إلَيْهِ وَيَطْرُدُ النَّوْمَ وَيُزِيدُ فِي النَّشَاطِ وَقَدْ أَوْضَحْت جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الْوَارِدَةِ مِنْ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ

* (فَرْعٌ)

يُسَنُّ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِالْقِرَاءَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِيهِ وَسَنَبْسُطُهُ إنْ شَاءَ

ص: 166

اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَيُسَنُّ طَلَبُ الْقِرَاءَةِ مِنْ حَسَنِ الصَّوْتِ وَالْإِصْغَاءُ إلَيْهَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَهُوَ عَادَةُ الْأَخْيَارِ وَالْمُتَعَبِّدِينَ وَعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ مِنْ سُورَةِ النِّسَاءِ حَتَّى بَلَغَ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا) وَالْآثَارُ فِيهِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّالِحِينَ بِقِرَاءَةِ مَنْ سَأَلُوهُ الْقِرَاءَةَ وَاسْتَحَبَّ الْعُلَمَاءُ افْتِتَاحَ مَجْلِسِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقِرَاءَةِ قَارِئٍ حَسَنِ الصَّوْتِ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ

* (فَرْعٌ)

يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ أَوَّلِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَيَقِفَ عَلَى آخِرِهَا أَوْ آخِرِ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ وَلَا يَتَقَيَّدَ بِالْأَجْزَاءِ وَالْأَعْشَارِ فَإِنَّهَا قَدْ تَكُونُ فِي وَسَطِ كَلَامٍ مُرْتَبِطٍ كَالْجُزْءِ فِي قَوْله تَعَالَى (وَالْمُحْصَنَاتُ)(وما أبرئ نفسي)(قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صبرا)(ومن يقنت منكن)(وما أنزلنا علي قومه)(إليه يرد علم الساعة)(قال فما خطبكم) فكل هذا وشبهه لا يبتدأ به لا يُوقَفُ عَلَيْهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ الْفَاعِلِينَ لَهُ وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ قِرَاءَةُ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ بِكَمَالِهَا أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَخْفَى الِارْتِبَاطُ

* (فَرْعٌ)

تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي أَحْوَالٍ مِنْهَا حَالُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ سِوَى الْقِيَامِ وَتُكْرَهُ فِي حَالِ الْقُعُودِ عَلَى الْخَلَاءِ وَفِي حَالِ النُّعَاسِ وَحَالِ الْخُطْبَةِ لِمَنْ يَسْمَعُهَا وَيُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِ قِرَاءَةُ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَا يُكْرَهُ فِي الطَّوَافِ

وَتَقَدَّمَ بَيَانُ الْقِرَاءَةِ فِي الْحَمَّامِ وَالطَّرِيقِ وَقِرَاءَةُ مَنْ فَمُهُ نَجِسٌ

* (فَرْعٌ)

إذَا مَرَّ الْقَارِئُ عَلَى قَوْمٍ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَعَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ فَإِنْ أَعَادَ التَّعَوُّذَ كَانَ حَسَنًا وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّ عَلَى الْقَارِئِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ (1) وَيَلْزَمُ الْقَارِئَ رَدُّ السَّلَامِ بِاللَّفْظِ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يُسَلِّمُ الْمَارُّ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ الْقَارِئُ بِالْإِشَارَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَلَوْ عَطَسَ الْقَارِئُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى وَلَوْ عَطَسَ غَيْرُهُ شَمَّتَهُ الْقَارِئُ وَلَوْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَوْ الْمُقِيمَ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَتَابَعَهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَلَوْ طُلِبَتْ مِنْهُ حَاجَةٌ وَأَمْكَنَهُ الْجَوَابُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ عَلَى الطالب اجابه اشارة

*

(1) أما السلام عليه ففيه نظر واما وجوب الرد باللفظ فقريب لانه يقطع القراءة لاجابة الموذن فهنا اولى اه اذرعى

ص: 167

(فَرْعٌ)

إذَا قَرَأَ (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ)(أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَإِذَا قَرَأَ (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى) قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَإِذَا قَرَأَ (وقل الحمد الله الذى لم يتخذ ولدا) قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَقَدْ بَسَطْت ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ وَسَأَذْكُرُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ مَبْسُوطًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* (فَرْعٌ)

جَاءَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ الله مغلولة)(وقالت اليهود عزير ابن الله) وَنَحْوَهُمَا خَفَضَ صَوْتَهُ قَلِيلًا وَقَالَ غَيْرُهُ إذَا قَرَأَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) الْآيَةَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ صلى الله عليه وسلم تَسْلِيمًا

* (فَرْعٌ)

فِي الْأَوْقَاتِ الْمُخْتَارَةِ لِلْقِرَاءَةِ أَفْضَلُهَا مَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ تَطْوِيلَ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: وَأَفْضَلُ الْأَوْقَاتِ اللَّيْلُ وَنِصْفُهُ الْآخَرُ أَفْضَلُ وَالْقِرَاءَةُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَحْبُوبَةٌ وَأَفْضَلُ النَّهَارِ بعد الصبح ولا كراهة في شئ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ كَرَاهَةُ القراءة بعد العصر وليس بشئ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَيَخْتَارُ مِنْ الْأَيَّامِ يَوْمَ عَرَفَةَ ثُمَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَمِنْ الْأَعْشَارِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ

شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْأُوَلَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَمِنْ الشُّهُورِ رَمَضَانَ

* (فَرْعٌ)

فِي آدَابِ خَتْمِ الْقُرْآنِ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَوْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَإِنْ قَرَأَ وَحْدَهُ فَالْخَتْمُ فِي الصَّلَاةِ أَفْضَلُ وَاسْتَحَبَّ السَّلَفُ صِيَامَ يَوْمِ الْخَتْمِ وَحُضُورَ مَجْلِسِهِ وَقَالُوا يُسْتَجَابُ الدُّعَاءُ عِنْدَ الْخَتْمِ وَتَنْزِلُ الرَّحْمَةُ وَكَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه إذَا أَرَادَ الْخَتْمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَخَتَمَ وَدَعَا وَاسْتَحَبُّوا الدُّعَاءَ بَعْدَ الْخَتْمِ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا وَجَاءَ فِيهِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ وَيُلِحُّ فِي الدُّعَاءِ وَيَدْعُو بِالْمُهِمَّاتِ وَيُكْثِرُ مِنْ ذَلِكَ فِي صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ وَصَلَاحِ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ وَيَخْتَارُ الدَّعَوَاتِ الْجَامِعَةَ وَقَدْ جَمَعْت فِي التِّبْيَانِ مِنْهَا جُمْلَةً وَاسْتَحَبُّوا إذَا خَتَمَ أَنْ يَشْرَعَ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى

* (فَرْعٌ)

فِي آدَابِ حَامِلِ الْقُرْآنِ لِيَكُنْ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَأَكْرَمِ الشَّمَائِلِ وَيَرْفَعُ نَفْسَهُ عَنْ

ص: 168

كُلِّ مَا نَهَى الْقُرْآنُ عَنْهُ وَيَتَصَوَّنُ عَنْ دنئ الِاكْتِسَابِ وَلْيَكُنْ شَرِيفَ النَّفْسِ عَفِيفًا مُتَوَاضِعًا لِلصَّالِحِينَ وَضَعَفَةِ الْمُسْلِمِينَ مُتَخَشِّعًا ذَا سَكِينَةٍ وَوَقَارٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه ينبغى لحامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون وبنهاره إذا الناس مفطرون وبحزنه إذا الناس يفرحون وببكائه إذا الناس يضحكون وبصمته إذا الناس يخوضون وبخشوعه إذا النَّاسُ يَخْتَالُونَ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رحمه الله إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَأَوْا الْقُرْآنَ رَسَائِلَ مِنْ رَبِّهِمْ فَكَانُوا يَتَدَبَّرُونَهَا بِاللَّيْلِ وَيُنَفِّذُونَهَا بِالنَّهَارِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ رحمه الله حَامِلُ الْقُرْآنِ حَامِلُ رَايَةِ الْإِسْلَامِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلْهُوَ مَعَ مَنْ يَلْهُو وَلَا يَسْهُوَ مَعَ مَنْ يَسْهُو وَلَا يَلْغُوَ مَعَ مَنْ يَلْغُو تَعْظِيمًا لِحَقِّ الْقُرْآنِ وَلْيَحْذَرْ أَنْ يَتَّخِذَ الْقُرْآنَ مَعِيشَةً يَكْتَسِبُ بِهَا: وَلَا بَأْسَ بِالِاسْتِئْجَارِ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عِنْدَنَا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ وَلْيُحَافِظْ عَلَى تِلَاوَتِهِ وَيُكْثِرْ مِنْهَا بِحَسَبِ حَالِهِ وَقَدْ بَسَطْت الْكَلَامَ فِي بَيَانِ هَذَا وَعَادَاتِ السَّلَفِ فِيهِ فِي التِّبْيَانِ وَيَكُونُ اعْتِنَاؤُهُ بِتِلَاوَتِهِ فِي اللَّيْلِ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَجْمَعُ لِلْقَلْبِ وَأَبْعَدُ مِنْ الشَّاغِلَاتِ وَالْمُلْهِيَاتِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْحَاجَاتِ وَأَصُونُ فِي تَطَرُّقِ الرِّيَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحْبِطَاتِ مَعَ مَا جَاءَ فِي الشَّرْعِ مِنْ بَيَانِ مَا فِيهِ الْخَيْرَاتُ كَالْإِسْرَاءِ وَحَدِيثِ النُّزُولِ وَحَدِيثِ فِي اللَّيْلِ سَاعَةٌ يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ وَالْأَحَادِيثَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا

الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلْيَحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِنْ نِسْيَانِهِ أَوْ نِسْيَانِ شئ مِنْهُ أَوْ تَعْرِيضِهِ لِلنِّسْيَانِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (تَعَاهَدُوا الْقُرْآنَ فَوَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أَشَدُّ تَفَلُّتًا مِنْ الْإِبِلِ فِي عُقُلِهَا) وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (عُرِضَتْ عَلَيَّ ذُنُوبُ أُمَّتِي فَلَمْ أَرَ ذَنْبًا أَعْظَمَ مِنْ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَةٍ أُوتِيَهَا رَجُلٌ ثُمَّ نَسِيَهَا) وَفِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ ثُمَّ نَسِيَهُ لَقِيَ اللَّهَ عز وجل يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَجْذَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 169

(فَرْعٌ)

فِي آدَابِ النَّاسِ كُلِّهِمْ مَعَ الْقُرْآنِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فانها من تقوى القلوب) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) وَهَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَوْضَحْت شَرْحَهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَبَيَّنْت الدَّلَائِلَ فِي أَنَّ مَدَارَ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ فِي شَرْحِهِ: وَمُخْتَصَرُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ هُنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا نَصِيحَةُ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى هِيَ الْإِيمَانُ بِأَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى وتنزيله لا يشبهه شئ مِنْ كَلَامِ الْخَلْقِ وَلَا يَقْدِرُ الْخَلْقُ عَلَى مِثْلِ سُورَةٍ مِنْهُ وَتِلَاوَتُهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَتَحْسِينُهَا وَتَدَبُّرُهَا وَالْخُشُوعُ عِنْدَهَا وَإِقَامَةُ حُرُوفِهِ فِي التِّلَاوَةِ وَالذَّبُّ عَنْهُ لِتَأْوِيلِ الْمُحَرِّفِينَ وَتَعَرُّضِ الْمُلْحِدِينَ وَالتَّصْدِيقُ بِمَا فِيهِ وَالْوُقُوفُ مَعَ أَحْكَامِهِ وَتَفَهُّمُ عُلُومِهِ وَأَمْثَالِهِ وَالِاعْتِبَارُ بِمَوَاعِظِهِ وَالتَّفَكُّرُ فِي عَجَائِبِهِ وَالْبَحْثُ عَنْ عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ وَنَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَمُجْمَلِهِ وَمُبَيَّنِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْسَامِهِ وَنَشْرُ عُلُومِهِ وَالدُّعَاءُ إلَيْهِ وَإِلَى جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ نَصِيحَتِهِ: وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى وُجُوبِ تَعْظِيمِ الْقُرْآنِ عَلَى الاطلاق وتنزيهه وصيانته: واجمعو عَلَى أَنَّ مَنْ جَحَدَ مِنْهُ حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ زَادَ حَرْفًا لَمْ يَقْرَأْ بِهِ أَحَدٌ وَهُوَ عَالِمٌ بِذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ: وَأَجْمَعُوا على ان من استخف بالقرآن أو بشئ مِنْهُ أَوْ بِالْمُصْحَفِ أَوْ أَلْقَاهُ فِي قَاذُورَةٍ أو كذب بشئ مِمَّا جَاءَ بِهِ مِنْ حُكْمٍ أَوْ خَبَرٍ أَوْ نَفَى مَا أَثْبَتَهُ أَوْ أَثْبَتَ مَا نفاه أو شك في شئ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ كَفَرَ: وَيَحْرُمُ تَفْسِيرُهُ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَالْكَلَامُ فِي مَعَانِيهِ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ: وَأَمَّا تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ فَحَسَنٌ بِالْإِجْمَاعِ: وَيَحْرُم الْمِرَاءُ فِيهِ

وَالْجِدَالُ بِغَيْرِ حَقٍّ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ نَسِيتُ آيَةَ كَذَا بَلْ يَقُولُ أُنْسِيتُهَا أَوْ أُسْقِطْتُهَا: ويجوز أن يقول سورة البقرة وسورة انساء وسورة العنكبوت وغيرها ولا كراهة في شئ مِنْ هَذَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَكَرِهَ بَعْضُ السَّلَفِ هَذَا وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ السُّورَةُ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا الْبَقَرَةُ

ص: 170

وَنَحْوُهَا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ تَظَاهَرَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَأَقَاوِيلُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ قِرَاءَةُ أَبِي عَمْرٍو وَابْنِ كَثِيرٍ وَغَيْرِهِمَا وَكَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلَا يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ وَكَرِهَهُ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ التَّابِعِيُّ وَقَالَ إنَّمَا يُقَالُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (والله يقول الحق) وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ جَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَلَا يُكْرَهُ النَّفْثُ مَعَ الْقِرَاءَةِ لِلرُّقْيَةِ وَهُوَ نَفْخٌ لَطِيفٌ بِلَا رِيقٍ وَكَرِهَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ الصَّحَابِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ رضي الله عنهم وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ فِي التِّبْيَانِ: وَلَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ فِي إنَاءٍ ثُمَّ غَسَلَهُ وَسَقَاهُ الْمَرِيضَ فَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا بَأْسَ بِهِ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَسَائِلِ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ الْقُرْآنَ عَلَى حَلْوَى أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّعَامِ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ (فَرْعٌ)

فِي الْآيَاتِ وَالسُّوَرِ الْمُسْتَحَبَّةِ فِي أَوْقَاتٍ وَأَحْوَالٍ مَخْصُوصَةٍ: هَذَا الْبَابُ غَيْرُ مُنْحَصِرٍ لِكَثْرَةِ مَا جَاءَ فِيهِ وَمُعْظَمُهُ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي مَوَاطِنِهِ كالسور المستحبة في الصلوات الخاصة كالجمعة والمنافقين في صلاة الجمعة وقاف واقتربت في العيد وسبح وهل أَتَاك فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ فِي صحيح مسلم وغيره وآلم تنزيل وهل أَتَى فِي صُبْحِ الْجُمُعَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ويحافظ على يس والواقعة وتبارك الملك وقل هو الله أحد والمعوذتين وآية الكرسي كل وقت والكهف يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ كُلَّ لَيْلَةٍ إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ وَيَقْرَأُ كُلَّ لَيْلَةٍ الْآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ الْبَقَرَةِ (آمَنَ الرَّسُولُ) إلَى آخِرِهَا

والْمُعَوِّذتَيْن عَقِيبَ كُلِّ صَلَاةٍ وَيَقْرَأُ إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ النَّوْمِ وَنَظَرَ فِي السَّمَاءِ آخر آل عمران (ان في خلق السموات والارض) إلَى آخِرِهَا وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَرِيضِ الْفَاتِحَةَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ والْمُعَوِّذتَيْن مَعَ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ وَيَمْسَحُهُ بِهِمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُلّ مَا ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ فِيهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ مَشْهُورَةٌ وَيَقْرَأُ عِنْدَ الْمَيِّتِ يس لِحَدِيثٍ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ آدَابَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَارِئِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا لَا تَنْحَصِرُ فَنَقْتَصِرُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْرُفِ منها؟ ؟ ؟ نَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الشَّرْحِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ وبالله التوفيق

ص: 171

(فَرْعٌ)

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا سَلَّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَضَرَبَ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ عَلَى حَائِطٍ وَتَيَمَّمَ ثُمَّ أَجَابَ وَقِيلَ كَانَ التَّيَمُّمُ فِي الْإِقَامَةِ وَمَوْضِعِ الْمَاءِ وَلَكِنْ أَتَى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَعْظِيمًا لِلسَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يُفِدْ التَّيَمُّمُ إبَاحَةَ مَحْظُورٍ قَالَ فَلَوْ تَيَمَّمَ الْمُحْدِثُ وَقَرَأَ عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ كَانَ جَائِزًا عَلَى مُقْتَضَى الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ مِثْلَهُ وَلَا نعرف أحد وَافَقَهُمَا وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أبى الجهيم ابن الحرث الا انه ليس فيه انه تيمم فِي الْمَدِينَةِ بَلْ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَتَيَمَّمَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ كَانَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَعَادِمًا لِلْمَاءِ وَسَنُعِيدُ الْحَدِيثَ وَالْكَلَامَ عَلَيْهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

*

* ‌

(فَصْلٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَأَحْكَامِهَا)

* [وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَمَا يُنْدَبُ فِيهَا وَمَا تُنَزَّهُ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ] وَفِيهِ مَسَائِلُ: إحْدَاهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَحْرُمُ الْعُبُورُ مِنْ غَيْرِ مُكْثٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي الْعُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَمْ لِغَيْرِهَا لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعْبُرَ إلَّا لِحَاجَةٍ لِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا وَإِشَارَةً وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ عَبَرَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ فَلَا: وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَرِيقًا غَيْرَهُ وَقَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعُبُورُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهَذَانِ شَاذَانَ وَالصَّوَابُ جَوَازُهُ

لِحَاجَةٍ وَلِغَيْرِهَا وَلِمَنْ وَجَدَ طَرِيقًا وَلِغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) : لَوْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْخُرُوجِ لِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ فَإِنْ عَجَزَ أَوْ خَافَ جَازَ أَنْ يُقِيمَ لِلضَّرُورَةِ: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ تَيَمَّمَ وَلَا يَتَيَمَّمْ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ كَمَا لَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا تُرَابًا مَمْلُوكًا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ بِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ وَلَوْ أَجْنَبَ وَهُوَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْمَاءُ فِي الْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَدْخُلَ وَيَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ

ص: 172

يَلْبَثُ لَحْظَةً مَعَ الْجَنَابَةِ: قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ إنَاءٌ تَيَمَّمَ ثُمَّ دَخَلَ وَأَخْرَجَ فِيهِ الْمَاءَ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنَاءٌ صلى بالتيمم ثم يعيد وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ (1) وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْغُسْلُ فِيهِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَلَمْ يَجِدْ إنَاءً وَلَا يَكْفِي التَّيَمُّمُ حِينَئِذٍ لِأَنَّا جَوَّزْنَا الْمُرُورَ فِي الْمَسْجِدِ الطَّوِيلِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَكَيْفَ يَمْتَنِعُ مُكْثُ لَحْظَةٍ لَطِيفَةٍ لِضَرُورَةٍ لَا مَنْدُوحَةَ عَنْهَا: وَإِذَا دَخَلَ لِلِاسْتِقَاءِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ إلَّا قَدْرَ حَاجَةِ الِاسْتِقَاءِ

* (فَرْعٌ)

لَوْ احْتَلَمَ فِي مَسْجِدٍ لَهُ بَابَانِ أحدهما أقرب فالاول أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْأَقْرَبِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْأَبْعَدِ لِغَرَضٍ بِأَنْ كَانَتْ دَارُهُ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا فَفِي الْكَرَاهَةِ وَجْهَانِ (2) حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي بِنَاءً عَلَى الْمُسَافِرِ إذا كان له طريقان يقصر في أحدهما دون الآخر فسلك الا بعد لِغَيْرِ غَرَضٍ هَلْ يَقْصُرُ فِيهِ قَوْلَانِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ الْجُلُوسُ فِي الْمَسْجِدِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَسَوَاءٌ قَعَدَ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ كَانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اعْتِكَافٍ أَوْ سَمَاعِ قُرْآنٍ أَوْ عِلْمٍ آخَرَ أَوْ وَعْظٍ أَمْ لِغَيْرِ غَرَضٍ وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةَ رضي الله عنهم كَرِهُوا ذَلِكَ أَوْ مَنَعُوا مِنْهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ حَتَّى يَثْبُتَ نَهْيٌ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ رَخَّصَ فِي النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالشَّافِعِيُّ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَا تَتَّخِذُوهُ مَرْقَدًا: وَرُوِيَ عَنْهُ إنْ كُنْت تَنَامُ لِلصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُكْرَهُ النَّوْمُ فِي الْمَسْجِدِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْغُرَبَاءِ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لِلْحَاضِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إنْ كَانَ مُسَافِرًا أَوْ شِبْهَهُ

فَلَا بَأْسَ وَإِنْ اتَّخَذَهُ مَقِيلًا وَمَبِيتًا فَلَا: قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ: رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ مسعود وابن عباس ومجاهد وسعيد ابن جبير ما يدل على كراهتهم النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ: قَالَ فَكَأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا لِمَنْ وَجَدَ مَسْكَنًا أَنْ لَا يَقْصِدَ النَّوْمَ فِي الْمَسْجِدِ

* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ أَصْحَابُنَا لِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ أَنَامُ فِي المسجد وأنا شاب أعزب وَثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَّ الْعُرَنِيِّينَ كَانُوا يَنَامُونَ فِي الْمَسْجِدِ وثبت في الصحيين أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه نَامَ فِيهِ وَأَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ نَامَ فِيهِ وَأَنَّ الْمَرْأَةَ صَاحِبَةَ الْوِشَاحِ كَانَتْ تَنَامُ فِيهِ وَجَمَاعَاتٌ آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَنَّ ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ كَانَ يَبِيتُ فِيهِ قَبْلَ إسْلَامِهِ وَكُلُّ هَذَا في زمن

(1) هذا فيه نظر والمختار ما قاله البغوي رحمه الله فان الامتناع الشرعي كالحسى فيتيمم ويقضي اه اذرعي (2) قال في الروضة اصحهما لا يكره ومقتضي هذا البناء ترجيح الكراهة لان الاصح عدم القصر والمختار الاول والفرق ظاهر اه اذرعى

ص: 173

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَاتَ الْمُشْرِكُ فِي الْمَسْجِدِ فَكَذَا الْمُسْلِمُ وَاحْتَجَّ بِنَوْمِ ابْنِ عُمَرَ وَأَصْحَابِ الصُّفَّةِ: وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَيْنَ كَانَ أَصْحَابُ الصُّفَّةِ يَنَامُونَ يَعْنِي لَا كَرَاهَةَ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يَنَامُونَ فِيهِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ الْمُشْرِكُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُمَكَّنُ كَافِرٌ مِنْ دُخُولِ حَرَمِ مَكَّةَ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَيَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ كُلَّ مَسْجِدٍ وَيَبِيتَ فيه بِإِذْنِ الْمُسْلِمِينَ وَيُمْنَعُ مِنْهُ بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَوْ كَانَ الْكَافِرُ جُنُبًا فَهَلْ يُمَكَّنُ مِنْ اللَّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا يُمَكَّنُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ) يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ إذَا لَمْ يُؤْذِ بِمَائِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِجَوَازِ الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُسْقَطُ الْمَاءُ عَلَى تُرَابِهِ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ فَقَالَا فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِي إنَاءٍ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَيَجُوزُ نَضْحُ الْمَسْجِدِ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَلَا يَجُوزُ بِالْمُسْتَعْمَلِ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ الْجَوَازُ بِالْمُسْتَعْمَلِ أَيْضًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَبَاحَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ الْعِلْمُ الْوُضُوءَ فِي الْمَسْجِدِ إلَّا أَنْ يَبِلَّهُ وَيَتَأَذَّى بِهِ النَّاسُ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ

هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ التَّرْخِيصَ فِي الْوُضُوءِ فِي الْمَسْجِدِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ وَسَحْنُونٍ كَرَاهَتَهُ تَنْزِيهًا لِلْمَسْجِدِ: (السَّادِسَةُ) لَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الْمَسْجِدِ وَوَضْعِ الْمَائِدَةِ فِيهِ وَغَسْلِ الْيَدِ فِيهِ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الِاعْتِكَافِ: (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ لِمَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا أَوْ كُرَّاثًا أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا لَهُ رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ وَبَقِيَتْ رَائِحَتُهُ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فِي ذَلِكَ: مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (من أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ) يَعْنِي الثُّومَ (فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (مَسَاجِدِنَا) وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلَا يَقْرَبْنَا وَلَا يُصَلِّيَنَّ مَعَنَا) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن جابر قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلًا فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ وَالثُّومَ وَالْكُرَّاثَ فَلَا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدَمَ) وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ

ص: 174

خَطَبَ يَوْمَ جُمُعَةٍ فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ ثُمَّ إنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ لَا أَرَاهُمَا الا خبيثتين الْبَصَلَ وَالثُّومَ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا وَجَدَ رِيحَهُمَا مِنْ الرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ إلَى الْبَقِيعِ فَمَنْ أَكَلَهُمَا فَلْيُمِتْهُمَا طَبْخًا)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ (فَرْعٌ)

لَا يَحْرُمُ إخْرَاجُ الرِّيحِ مِنْ الدُّبُرِ فِي الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ (1) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأذى منه بنوا آدَمَ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الثَّامِنَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا) وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ: (التَّاسِعَةُ) يَحْرُمُ الْبَوْلُ وَالْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ إنَاءٍ وَيُكْرَهُ الْفَصْدُ وَالْحِجَامَةُ فِيهِ فِي إنَاءٍ وَلَا يَحْرُمُ وَفِي تَحْرِيمِ الْبَوْلِ فِي اناء في الْمَسْجِدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا

يَحْرُمُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَيَحْرُمُ إدْخَالُ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَسْجِدِ: فَأَمَّا مَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ أَوْ بِهِ جُرْحٌ فَإِنْ خَافَ تَلْوِيثَ الْمَسْجِدِ حَرُمَ عَلَيْهِ دُخُولُهُ وَإِنْ أَمِنَ لَمْ يَحْرُمْ: قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ كَالْمُحْدِثِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لَا تَصْلُحُ لشئ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلَا الْقَذَرِ إنَّمَا هِيَ لِذِكْرِ اللَّهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ) أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رواه مُسْلِمٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يُكْرَهُ غَرْسُ الشَّجَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ حَفْرُ الْبِئْرِ فِيهِ قَالُوا لِأَنَّهُ بِنَاءٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَلِلْإِمَامِ قَلْعُ مَا غُرِسَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تُكْرَهُ الْخُصُومَةُ فِي الْمَسْجِدِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ ونشد الضالة وكذا البيع والشراء والاجارة ونحوها مِنْ الْعُقُودِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَسَأَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الِاعْتِكَافِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لاردها

(1) ينبغى ان يكره ذلك إذا تعاطاه لاسيما إذا كان عن غير حاجة بل ينبغى ان يحرم والحديث نص في النهى والله اعلم اه اذرعى

ص: 175

اللَّهُ عَلَيْك فَإِنَّ الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ (إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك وَإِذَا رَأَيْتُمْ مَنْ ينشد ضالة فقولوا لارد الله عليك) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا نَشَدَ فِي الْمَسْجِدِ فقال من دعى إلَى الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا وَجَدْتَ إنَّمَا بُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ لِمَا بُنِيَتْ لَهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ ينشد فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ (كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْت فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا فَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا فَقَالَا مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ فَقَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا في مسجد رسول الله صلى

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَ السَّائِلَ فِي الْمَسْجِدِ شيئا لحديث عبد الرحمن ابن أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ الْيَوْمَ مِسْكِينًا فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إلَيْهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ إدْخَالُ الْبَهَائِمِ وَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ لَا يُمَيِّزُونَ الْمَسْجِدَ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُمْ إيَّاهُ ولا يحرم لك لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ رضي الله عنهما وَطَافَ عَلَى بَعِيرِهِ وَلَا يَنْفِي هَذَا الْكَرَاهَةَ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ أَفْضَلَ فِي حَقِّهِ فَإِنَّ الْبَيَانَ وَاجِبٌ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُ هَذَا فِي الْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ الْمَسْجِدُ مَقْعَدًا لِحِرْفَةٍ كَالْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ في المسألة التاسعة: فأما ما يَنْسَخُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ الْعِلْمِ أَوْ اتَّفَقَ قعوده فيه فخاط ثويا وَلَمْ يَجْعَلْهُ مَقْعَدًا لِلْخِيَاطَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ: (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يَجُوزُ الِاسْتِلْقَاءُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْقَفَا وَوَضْعُ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى وَتَشْبِيكُ الاصابع

ص: 176

وَنَحْوُ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ كُلَّهُ: (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ عَقْدُ حِلَقِ الْعِلْمِ فِي الْمَسَاجِدِ وَذِكْرُ الْمَوَاعِظِ وَالرَّقَائِقِ وَنَحْوِهَا وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ

* (فَرْعٌ)

يَجُوزُ التَّحَدُّثُ بِالْحَدِيثِ الْمُبَاحِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِأُمُورِ الدُّنْيَا وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُبَاحَاتِ وَإِنْ حَصَلَ فِيهِ ضَحِكٌ وَنَحْوُهُ مَا دَامَ مُبَاحًا لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقُومُ مِنْ مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الصُّبْحَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ قَامَ قَالَ وَكَانُوا يَتَحَدَّثُونَ فَيَأْخُذُونَ فِي أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ فَيَضْحَكُونَ وَيَتَبَسَّمُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) لَا بَأْسَ بِإِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا كَانَ مَدْحًا لِلنُّبُوَّةِ أَوْ الْإِسْلَامِ أَوْ كَانَ حِكْمَةً أَوْ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ أَوْ الزُّهْدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ من أنواع الخير: فأما ما فيه شئ مَذْمُومٌ كَهَجْوِ مُسْلِمٍ أَوْ صِفَةِ الْخَمْرِ

أَوْ ذِكْرِ النِّسَاءِ أَوْ الْمُرْدِ أَوْ مَدْحِ ظَالِمٍ أَوْ افْتِخَارٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَحَرَامٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّاسِعَةِ: فَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الْأَوَّلِ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ مَرَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمَسْجِدِ وَحَسَّانُ يُنْشِدُ الشِّعْرَ فَلَحَظَ إلَيْهِ فقال أُنْشِدُ فِيهِ وَفِيهِ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْك ثُمَّ الْتَفَتَ إلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ أَسَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (أَجِبْ عَنِّي اللَّهُمَّ أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) قَالَ نَعَمْ: رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ لِلنَّوْعِ الثَّانِي حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ تَنَاشُدِ الْأَشْعَارِ فِي الْمَسْجِدِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ: (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ كَنْسُ الْمَسْجِدِ وَتَنْظِيفُهُ وَإِزَالَةُ مَا يُرَى فِيهِ مِنْ نُخَامَةٍ أَوْ بُصَاقٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى بُصَاقًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ مَا يُفْعَلُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْبُلْدَانِ مِنْ إيقَادِ الْقَنَادِيلِ الْكَثِيرَةِ الْعَظِيمَةِ السَّرَفِ فِي لَيَالٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ السَّنَةِ كَلَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ فَيَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ مَفَاسِدُ كثيرة منها مضاهات الْمَجُوسِ فِي الِاعْتِنَاءِ بِالنَّارِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا وَمِنْهَا إضَاعَةُ الْمَالِ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ وَمِنْهَا مَا يترب عَلَى ذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَاجِدِ مِنْ اجتماع

ص: 177

الصِّبْيَانِ وَأَهْلِ الْبَطَالَةِ وَلَعِبِهِمْ وَرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ وَامْتِهَانِهِمْ الْمَسَاجِدَ وَانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا وَحُصُولِ أَوْسَاخٍ فِيهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَفَاسِدِ الَّتِي يَجِبُ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ مِنْ أَفْرَادِهَا (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) : السُّنَّةُ لِمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَمَعَهُ سِلَاحٌ أَنْ يُمْسِكَ عَلَى حَدِّهِ كَنَصْلِ السَّهْمِ وَسِنَانِ الرُّمْحِ وَنَحْوِهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مَرَّ بِسِهَامٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (من مر في شئ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا وَمَعَهُ نَبْلٌ فَلْيُمْسِكْ أو ليقبض على نصالها بكفه أو يصيب أحدا من المسلمين منها بشئ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِلْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يَبْدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ)

يَنْبَغِي لِلْجَالِسِ فِي الْمَسْجِدِ لِانْتِظَارِ صَلَاةٍ أَوْ اشْتِغَالٍ بِعِلْمِ أَوْ لِشُغْلٍ آخَرَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ طَاعَةٍ وَمُبَاحٍ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَإِنْ قَلَّ زَمَانُهُ: (الثانية والشعرون) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا بَأْسَ بِإِغْلَاقِ الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِصِيَانَتِهِ أَوْ لِحِفْظِ آلَاتِهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَهَذَا إذَا خِيفَ امْتِهَانُهَا وَضَيَاعُ مَا فِيهَا وَلَمْ يَدْعُ إلَى فَتْحِهَا حَاجَةٌ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يُخَفْ مِنْ فَتْحِهَا مَفْسَدَةٌ وَلَا انْتِهَاكُ حُرْمَتِهَا وَكَانَ فِي فَتْحِهَا رِفْقٌ بِالنَّاسِ فَالسُّنَّةُ فَتْحُهَا كَمَا لَمْ يُغْلَقْ مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زَمَنِهِ وَلَا بَعْدَهُ: (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِدَاخِلِ الْمَسْجِدِ أَنْ يَجْلِسَ فِيهِ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ (يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمَسْجِدَ مَجْلِسًا لِلْقَضَاءِ فَإِنْ جَلَسَ فِيهِ لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَاتَّفَقَتْ حُكُومَةٌ فَلَا بَأْسَ بِالْقَضَاءِ فِيهَا فِيهِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يكره ان يتخذ على القبر مسجدا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي ذَلِكَ (1) وَأَمَّا حَفْرُ الْقَبْرِ فِي الْمَسْجِدِ فَحَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا الْكَثِيرَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْجَنَائِزِ: (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) حَائِطُ الْمَسْجِدِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ لَهُ حكم المسجد

(1) لو قيل بتحريم ايجاد المسجد علي القبر لم يكن بعيدا وقوله أن حفر القبر حرام مع ما تقدم من ان غرس الشجرة وحفر البئر مكروهان لاحتاج إلى فرق بين حفر القبر فقط دون الدفن وبين حفر البئر وغرس الشجرة اه اذرعى

ص: 178

فِي وُجُوبِ صِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِ حُرُمَاتِهِ وَكَذَا سَطْحُهُ وَالْبِئْرُ الَّتِي فِيهِ وَكَذَا رَحْبَتُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِي رَحْبَتِهِ وَسَطْحِهِ وَصِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ فِيهِمَا مُقْتَدِيًا بِمَنْ فِي الْمَسْجِدِ: (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ دُخُولَ الْمَسْجِدِ أَنْ يَتَفَقَّدَ نَعْلَيْهِ وَيَمْسَحَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى قَبْلَ دُخُولِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: (الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ حَتَّى يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ (كُنَّا قُعُودًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي

الْمَسْجِدِ فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْمَسْجِدِ يَمْشِي فَأَتْبَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ بَصَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ مُسْلِمٌ: (التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ بِاسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سيدنا محمد وعلى آل مُحَمَّدٍ وَسَلِّمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي وَافْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ قَالَ مِثْلَهُ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَافْتَحْ لِي أبواب فضلك: وَيُقَدِّمُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى فِي الدُّخُولِ وَالْيُسْرَى فِي الْخُرُوجِ: فَأَمَّا تَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فَتَقَدَّمَ دَلِيلُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَضْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ: وَأَمَّا هَذِهِ الْأَذْكَارُ فَقَدْ جَاءَتْ بِهَا أَحَادِيثُ مُتَفَرِّقَةٌ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ بَعْضُهَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ وَقَدْ أَوْضَحْتهَا فِي الْأَذْكَارِ فَإِنْ طَالَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى مَا فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِك وَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك)(الثَّلَاثُونَ) لَا يَجُوزُ أخذ شئ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَسْجِدِ كَحَجَرٍ وَحَصَاةٍ وَتُرَابٍ وَغَيْرِهِ وقد سبق في هذه المسائل تَحْرِيمُ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ وَمِثْلُهُ الزَّيْتُ وَالشَّمْعُ الَّذِي يُسْرَجُ فِيهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: قَالَ بَعْضُ الرُّوَاةِ: أَرَاهُ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّ الْحَصَاةَ لَتُنَاشِدُ الَّذِي يُخْرِجُهَا مِنْ الْمَسْجِدِ)(الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسَنُّ بِنَاءُ الْمَسَاجِدِ وَعِمَارَتُهَا وَتَعَهُّدُهَا وَإِصْلَاحُ مَا تَشَعَّثَ مِنْهَا لِحَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ

ص: 179

عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَنْ بَنَى لِلَّهِ تَعَالَى مَسْجِدًا بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي الْجَنَّةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيَجُوزُ بِنَاءُ الْمَسْجِدِ فِي مَوْضِعٍ كَانَ كَنِيسَةً وَبَيْعَةً أَوْ مَقْبَرَةً دَرَسَتْ إذَا أُصْلِحَ تُرَابُهَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فيه قبور مشركين فَنُبِشَتْ وَجَاءَ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبَيْعَةِ أَحَادِيثُ مِنْهَا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْن أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَجْعَلَ مَسْجِدَ أَهْلِ الطَّائِفِ حَيْثُ كَانَتْ طَوَاغِيتُهُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ

* (فَرْعٌ)

يُكْرَهُ زَخْرَفَةُ الْمَسْجِدِ وَنَقْشُهُ وَتَزْيِينُهُ لِلْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ (1) وَلِئَلَّا تَشْغَلَ قَلْبَ الْمُصَلِّي وَفِي

سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (ابْنُوا الْمَسَاجِدَ وَاِتَّخِذُوهَا جَمًّا) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ (نَهَانَا أَوْ نُهِينَا أَنْ نصلى فِي مَسْجِدٍ مُشْرِفٍ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْجَمُّ الَّتِي لَا شُرَفَ لَهَا: (الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي فَضْلِ الْمَسَاجِدِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَحَبُّ الْبِلَادِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مساجدها وأبغض البلاد الي الله تعالى أَسْوَاقُهَا) وَالْأَحَادِيثُ فِي فَضْلِهَا كَثِيرَةٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَالَ مَسْجِدُ فُلَانٍ وَمَسْجِدُ بَنِي فُلَانٍ عَلَى سَبِيلِ التَّعْرِيفِ: (الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) الْمُصَلَّى الْمُتَّخَذُ لِلْعِيدِ وَغَيْرِهِ الَّذِي لَيْسَ بِمَسْجِدٍ لَا يَحْرُمُ الْمُكْثُ فِيهِ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَجْرَاهُمَا فِي مَنْعِ الْكَافِرِ مِنْ دُخُولِهِ بِغَيْرِ إذْنٍ: ذَكَرَهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ الْحُيَّضَ أَنْ يَحْضُرْنَ يَوْمَ الْعِيدِ وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُنَّ أُمِرْنَ بِاعْتِزَالِهِ لِيَتَّسِعَ عَلَى غيرهن وليتميزن والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

* ‌

(باب صفة الغسل)

* [إذا أراد الرجل أن يغتسل من الجنابة فانه يسمي الله تعالى وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الْغُسْلَ لِاسْتِبَاحَةِ أمر لا يستباح الا بالغسل كقراءة القرآن والجلوس في المسجد ويغسل كفيه ثلاثا قبل أن يدخلهما في الاناء ثم يغسل ما علي فرجه من الاذى ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر في الماء فيغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى علي رأسه ثلاث حثيات

(1) ينبغي ان يحرم لما فيه من اضاعة المال لاسيما ان كان من مال المسجد اه اذرعى

ص: 180

ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه ثم يتحول من مكانه ثم يغسل قدميه لان عائشة وميمونة رضى الله عنهما وصفتا غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نحو ذلك والواجب من ذلك ثلاثة أشياء النية وازالة النجاسة ان كانت وافاضة الماء علي البشرة الظاهرة وما عليها من الشعر حتي يصل الماء إلى ما تحته وما زاد علي ذلك سنة لما روى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ تذاكرنا الغسل من الجنابة عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (أما أنا فيكفيني

أن اصب علي رأسي ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك علي سائر جسدي) [الشَّرْحُ] حَدِيثَا عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُفَرَّقَيْنِ وَفِيهِمَا مُخَالَفَةٌ يَسِيرَةٌ في بعض الالفاظ وحديث جبير بن مطعم صحيح رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ فِيهِمَا (أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى رَأْسِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ) فَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَسْأَلَةِ الْكِتَابِ وَعَلَى رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَجْهُ الدَّلَالَةِ ظَاهِرٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيثَيْ عَائِشَةَ وَمَيْمُونَةَ الِاقْتِصَارُ عَلَى إفَاضَةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ يَحْثِي ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ صَحِيحٌ يقال حثيت وأحثى حَثْيًا وَحَثَيَاتِ وَحَثَوْت أَحْثُو حَثْوًا وَحَثَوَاتٍ لُغَتَانِ فصيحتان وَسَائِرُ جَسَدِهِ أَيْ بَاقِيه وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى كَسْرِ الْعَيْنِ مَعَ أَنَّهُ ظَاهِرٌ لِأَنِّي رَأَيْت بَعْضَ مَنْ جَمَعَ فِي أَلْفَاظِ الْفِقْهِ قَالَ يُقَالُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وهذا غلط لاشك فِيهِ وَلَا خِلَافَ

* وَكُنْيَةُ جُبَيْرٍ أَبُو مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ وَقِيلَ ثَمَانٍ وَكَانَ مِنْ سَادَاتِ قُرَيْشٍ وَحُلَمَائِهِمْ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ رضي الله عنه

* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَصِفَةُ التَّسْمِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا زَادَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ جَازَ وَلَا يَقْصِدُ بِهَا الْقُرْآنَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ التَّسْمِيَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِلْجُنُبِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ ذِكْرٌ وَلَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي وَلَمْ

ص: 181

يَذْكُرُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ التَّسْمِيَةَ وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ اسْتَغْنَوْا بِقَوْلِهِمْ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ لِأَنَّ وُضُوءَ الصَّلَاةِ يُسَمَّى فِي أَوَّلِهِ: وَيَنْوِي الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ الغسل لاستباحة مالا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالْغُسْلِ كَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدُ فَإِنْ نَوَى لِمَا يُبَاحُ بِلَا غُسْلٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُنْدَبُ لَهُ الْغُسْلُ كَلُبْسِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ كَالْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَنَحْوِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي نَظِيرِهِ فِي الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِئُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ صِفَةِ النِّيَّةِ وَمَحَلِّهَا وَهُوَ الْقَلْبُ

وَوَقْتِهَا وَهُوَ أَنَّ وَاجِبَهُ عِنْدَ أَوَّلِ إفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ: وَيُسْتَحَبُّ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْفَرَاغِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ بِالنِّيَّةِ مَعَ التَّسْمِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ إلَّا عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُثَابُ عَلَى مَا قَبْلِهَا مِنْ التَّسْمِيَةِ وَغَيْرِهَا عَلَى الْمَذْهَبِ: وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي ثَوَابِهِ وَجْهَانِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْوُضُوءِ: وَلَوْ نَوَتْ الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ اسْتِبَاحَةَ وطئ الزَّوْجِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا صِفَةُ الْغُسْلِ فَهِيَ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهَا الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ نَقَلُوا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي هَذَا الْوُضُوءِ:

(أَحَدُهُمَا)

أَنَّهُ يُكْمِلُهُ كُلَّهُ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ: (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يُؤَخِّرُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ صَرِيحًا وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ إنَّمَا هُمَا فِي الْأَفْضَلِ وَإِلَّا فَكَيْفَ فَعَلَ حَصَلَ الْوُضُوءُ وَقَدْ ثَبَتَ الْأَمْرَانِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي رِوَايَاتِ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ أَكْمَلَ الْوُضُوءَ بِغَسْلِ الرِّجْلَيْنِ وَفِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ ثُمَّ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهَا لِلْبُخَارِيِّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ غَيْرَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثُمَّ نَحَّى قَدَمَيْهِ فَغَسَلَهُمَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ فِي تَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ تُتَأَوَّلُ رِوَايَاتُ عَائِشَةَ وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ مَيْمُونَةَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوُضُوءِ الصَّلَاةِ أَكْثَرُهُ وَهُوَ مَا سِوَى الرِّجْلَيْنِ كَمَا بَيَّنَتْهُ مَيْمُونَةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَرِيحَةٌ وَالْبَاقِي مُحْتَمِلٌ لِلتَّأْوِيلِ فَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَعَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا

ص: 182

بِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ أَحْوَالِهِ وَالْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ لَهُ صلى الله عليه وسلم إكْمَالُ الْوُضُوءِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِتَأْخِيرِ الْقَدَمَيْنِ كَمَا تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فِي مُعْظَمِ الْأَوْقَاتِ وَبَيْنَ الْجَوَازِ بِمَرَّةٍ مَرَّةٍ فِي بَعْضِهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِلتَّنْظِيفِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ أَخَّرَهُ أَوْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ سُنَّةَ الْغُسْلِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ مَاذَا يَنْوِي بِهَذَا الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله لَمْ أَجِدْ فِي مُخْتَصَرٍ وَلَا مَبْسُوطٍ تَعَرُّضًا لِكَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ إلَّا لِمُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ الشَّهْرُزَوْرِيِّ فَقَالَ يَتَوَضَّأُ بِنِيَّةِ الْغُسْلِ قَالَ إنْ كَانَ جُنُبًا مِنْ غَيْرِ

حَدَثٍ أَصْغَرَ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ بِوُضُوئِهِ هَذَا رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ لِأَنَّا إنْ أَوْجَبْنَا الْجَمْعَ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لا يشرع وضوآن فَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْوَاجِبَ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ كَانَ فِيهِ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ: وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ ان قُلْنَا يَجِبُ الْوُضُوءُ وَجَبَ إفْرَادُهُ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ لَمْ يَحْتَجْ إلَى إفْرَادِهِ بِالنِّيَّةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ احْتِمَالًا وَلَا خِلَافَ انه لا يشرع وضوآن سَوَاءٌ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا أَمْ جُنُبًا فَقَطْ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ بِدَلِيلِهِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَحْدَثَ وَأَجْنَبَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَغْسِلُ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ الْأَذَى فَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمُرَادُهُمْ مَا عَلَى الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ نَجَاسَةٍ كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَغَيْرِهِ وَمَا عَلَى الْقُبُلِ مِنْ مَنِيٍّ وَرُطُوبَةِ فَرْجٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَالْقَذَرُ يَتَنَاوَلُ الطَّاهِرَ وَالنَّجِسَ: وَنَقَلَ الرافعى عن ابن كج وغيره وحهين فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَذَى النَّجَاسَةُ أَمْ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمَنِيِّ وَالصَّحِيحُ إرَادَتُهُمَا جَمِيعًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الْوَاجِبُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ فَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ

ص: 183

وَلَمْ يَعُدَّ الْأَكْثَرُونَ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ وَاجِبَاتِ الْغُسْلِ وَأَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ جَعْلَهَا مِنْ وَاجِبِ الْغُسْلِ قَالُوا لِأَنَّ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ سَوَاءٌ وَلَمْ يَعُدَّ أَحَدٌ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْكَانِ الْوُضُوءِ: لَكِنْ يُقَالُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْوُضُوءِ والغسل وشرط الشئ لَا يُعَدُّ مِنْهُ كَالطَّهَارَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يعد ان مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ قُلْت وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ صَحِيحٌ وَمُرَادُهُمْ لَا يَصِحُّ الْغُسْلُ وَتُبَاحُ الصَّلَاةُ به الا بهذه الثالثة وَهَكَذَا يُقَالُ فِي الْوُضُوءِ: وَأَمَّا النِّيَّةُ وَإِفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ شَعْرِهِ وَبَشَرِهِ فَوَاجِبَانِ بلا خلاف وسواء كن الشَّعْرُ الَّذِي عَلَى الْبَشَرَةِ خَفِيفًا أَوْ كَثِيفًا يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى جَمِيعِهِ وَجَمِيعِ الْبَشَرَةِ تحته بلا خلاف بخلاف الكثيف فِي الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ مُتَكَرِّرٌ فَيَشُقُّ غَسْلُ بَشَرَةِ الْكَثِيفِ وَلِهَذَا وَجَبَ غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فِي الْجَنَابَةِ دُونَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَدَلِيلُ وُجُوبِ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الشَّعْرِ وَالْبَشَرَةِ جَمِيعًا مَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَغَيْرِهِ (1)

فِي صِفَةِ غُسْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بَيَانٌ لِلطَّهَارَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا في قوله تعالى (وان كنتم جنبنا فاطهروا) وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَةَ) فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَيُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا وَيُرْوَى مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (مَنْ تَرَكَ مَوْضِعَ شَعْرَةٍ مِنْ جَنَابَةٍ لَمْ يَغْسِلْهَا فُعِلَ بِهِ كَذَا وَكَذَا مِنْ النَّارِ)(2) قَالَ عَلِيٌّ فَمِنْ ثَمَّ عَادَيْت رَأْسِي وَكَانَ يَجُزُّ شَعْرَهُ فَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَا زاد علي ذلك سنة فصحيح وَقَدْ تَرَكَ مِنْ السُّنَنِ أَشْيَاءَ: مِنْهَا اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى آخِرِ الْغُسْلِ وَالِابْتِدَاءُ بِالْأَيَامِنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ وَكَذَا الِابْتِدَاءُ بِأَعْلَى الْبَدَنِ وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَتَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَتَقَدَّمَ فِي الْوُضُوءِ مُسْتَحَبَّاتٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا يَدْخُلُ هُنَا كَتَرْكِ الِاسْتِعَانَةِ وَالتَّنْشِيفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: وَأَمَّا مُوَالَاةُ الْغُسْلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا تَجْدِيدُ الْغُسْلِ فَفِيهِ وجهان الصحيح لا يستحب

(1) في الاستدلال بما سبق علي وجوب غسل البشرة نظر اه اذرعى (2) حديث على هذا قد حسنه الشيخ فيما سبق وضعفه هنا فليحقق أمره ففيه دليل على وجوب غسل البشرة اه اذرعى

ص: 184

والثاني يستحب وسبق بيانه واضحا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ

* (فَرْعٌ)

الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى جَمِيعِ الْبَدَنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَاللُّبَابِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي البسيط والوسيط والوجيز والمتولي والشيخ نضر فِي كُتُبِهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَآخَرُونَ يَطُولُ ذِكْرُهُمْ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي مَسْأَلَةِ تَكْرَارِ مَسْحِ الرَّأْسِ أَنَّ الشَّيْخَ

أَبَا حَامِدٍ نَقَلَ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْغُسْلِ مَسْنُونٌ: وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَحْوَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى كُلِّ مَوْضِعٍ ثَلَاثًا فَإِنَّا إذَا رَأَيْنَا ذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَمَبْنَاهُ عَلَى التَّخْفِيفِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: وَكَذَا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا اُسْتُحِبَّ التَّكْرَارُ فِي الْوُضُوءِ فَالْغُسْلُ أَوْلَى: قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ كَانَ يَنْغَمِسُ فِي نَهْرٍ انْغَمَسَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ لَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْغُسْلِ ثَلَاثًا وَهَذَا الَّذِي انْفَرَدَ بِهِ ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَإِنَّمَا بَسَطْت هَذَا الْكَلَامَ لِأَنِّي رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ زَمَانِنَا يُنْكِرُونَ عَلَى صَاحِبَيْ التَّنْبِيهِ وَالْوَسِيطِ اسْتِحْبَابَهُمَا التَّكْرَارَ فِي الْغُسْلِ وَيَعُدُّونَهُ شُذُوذًا مِنْهُمَا وَهَذَا مِنْ الْغَبَاوَةِ الظَّاهِرَةِ وَمُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَالنُّقُولِ الْمُتَظَاهِرَةِ

* (فَرْعٌ)

مذهبنا ان ذلك الْأَعْضَاءِ فِي الْغُسْلِ وَفِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَوَصَلَ بِهِ وَلَمْ يَمَسَّهُ بِيَدَيْهِ أَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ أَوْ تَحْتَ الْمَطَرِ نَاوِيًا فَوَصَلَ شَعْرَهُ وَبَشَرَهُ أَجْزَأَهُ وُضُوءُهُ وَغُسْلُهُ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا وَالْمُزَنِيَّ فَإِنَّهُمَا شَرَطَاهُ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ

* وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِأَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْرَارُ الْيَدِ وَلَا يُقَالُ لِوَاقِفٍ فِي الْمَطَرِ اغْتَسَلَ قَالَ الْمُزَنِيّ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُشْتَرَطُ فِيهِ إمْرَارُ الْيَدِ فَكَذَا هُنَا

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لابي ذررضى اللَّهُ عَنْهُ (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِزِيَادَةٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (1) سَبَقَ ذِكْرُهُ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ فِي التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ غُسْلٌ فَلَا يَجِبُ إمْرَارُ الْيَدِ فِيهِ كَغُسْلِ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَقَوْلُهُمْ لَا تُسَمَّى الْإِفَاضَةُ غُسْلًا مَمْنُوعٌ وَقَوْلُ الْمُزَنِيِّ ممنوع أيضا فان المذهب

(1) وهذا الحديث يحتج به لوجوب غسل البشرة وهى ظاهر الجلد اه اذرعى

ص: 185

الصَّحِيحَ أَنَّ إمْرَارَ الْيَدِ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّيَمُّمِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* (فَرْعٌ)

الْوُضُوءُ سُنَّةٌ فِي الْغُسْلِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا وَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا شَرَطَاهُ كَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمَا: وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْغُسْلِ وَلَمْ يَذْكُرْ وُضُوءًا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ

سَلَمَةَ (يَكْفِيكِ أَنْ تُفِيضِي عَلَيْكِ الْمَاءَ) وَحَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ السَّابِقِ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلَّذِي تَأَخَّرَ عَنْ الصَّلَاةِ مَعَهُ فِي السَّفَرِ فِي قَضِيَّةِ الْمُزَادَتَيْنِ وَاعْتَذَرَ بِأَنَّهُ جُنُبٌ فَأَعْطَاهُ إنَاءً وَقَالَ (اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْك) وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ (فَإِذَا وَجَدْت الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَكُلُّ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ صَحِيحَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ: وَأَمَّا وُضُوءُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غُسْلِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قال المصنف رحمه الله

* [وان كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجل]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَلْزَمْهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا وَجَبَ إيصَالُهُ إلَى مَا يَظْهَرُ فِي حَالِ قُعُودِهَا لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى دَاخِلِ فَرْجِهَا بِنَاءً عَلَى نَجَاسَتِهِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ فِي غُسْلِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا يَجِبُ فِي الْجَنَابَةِ وَقَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الثَّيِّبِ إيصَالُهُ إلَى مَا وَرَاءَ مُلْتَقَى الشَّفْرَيْنِ قَالَ لِأَنَّا إذَا لَمْ نُوجِبْ إيصَالَ الْمَاءِ إلَى دَاخِلِ الْفَمِ فَهَذَا أَوْلَى وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَهَا الاكثرون

* والله أعلم: قال المصنف رحمه الله

* [فان كان لها ضفائر فان كان يصل الماء إليها من غير نقض لم يلزمها نقضها لان أم سلمة رضي الله عنها (قالت يا رسول الله اني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للغسل من الجنابة فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِك ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ مَاءٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْك الْمَاءَ فإذا أنت قد طهرت) وان لم يصل الماء إليها إلا بنقضها لزمها نقضها لان ايصال الماء إلى الشعر والبشرة واجب]

*

ص: 186

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اسْمِهَا وَحَالِهَا فِي الْبَابِ السَّابِقِ وَقَوْلُهَا أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ هَكَذَا ضَبَطَهُ الْأَئِمَّةُ الْمُحَقِّقُونَ قَالَ

الْخَطَّابِيُّ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ مَعْنَاهُ أَشُدُّ فَتْلَ شَعْرِي وَأُدْخِلُ بَعْضَهُ فِي بَعْضٍ وَأَضُمُّهُ ضَمًّا شَدِيدًا يُقَالُ ضَفَّرْتُهُ إذَا فَعَلْتُ بِهِ ذَلِكَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ ابْنُ بَرِّي فِي جُزْءٍ لَهُ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ هَذَا الضَّبْطَ لَحْنٌ وَأَنَّ صَوَابَهُ ضُفُرٌ بِضَمِّ الضَّادِ وَالْفَاءِ جَمْعُ ضَفِيرَةٍ كَسَفِينَةٍ وَسُفُنٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ خِلَافُ مَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَالْمُتَقَدِّمُونَ وَرَأَيْت لِابْنِ بَرِّي فِي هَذَا الْجُزْءِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً يَعُدُّهَا مِنْ لَحْنِ الْفُقَهَاءِ وَتَصْحِيفِهِمْ وَلَيْسَتْ كَمَا قَالَ وَقَدْ أَوْضَحْت كَثِيرًا مِنْ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الضَّفَائِرُ وَالضَّمَائِرُ وَالْغَدَائِرُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الذَّوَائِبُ إذَا أُدْخِلَ بَعْضُهَا فِي بعض نسجها وَاحِدَتُهَا ضَفِيرَةٌ وَضَمِيرَةٌ وَغَدِيرَةٌ فَإِذَا لُوِيَتْ فَهِيَ عقايص وَاحِدَتُهَا عَقِيصَةٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ وُصُولِ الْمَاءِ بِغَيْرِ نَقْضٍ وَعَدَمِ وُصُولِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَمَلُوا حَدِيثَ أُمِّ سملة عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَصِلُ بِغَيْرِ نَقْضٍ: وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْوَاجِبَ إيصَالُ الْمَاءِ فَكَانَ الِاعْتِبَارُ بِهِ وَكَذَا الْمُغْتَسِلَةُ مِنْ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ وَلِلْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَشْرُوعَةِ: وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ النَّخَعِيِّ وُجُوبَ نَقْضِهَا مُطْلَقًا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَطَاوُسٍ أَنَّهُ لَا تَنْقُضُهَا فِي الْجَنَابَةِ وَتُنْقَضُ فِي الْحَيْضِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ لَكِنْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ هَلْ النَّقْضُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ تُغُلْغِلَ الْمَاءَ فِي أُصُولِ الشَّعْرِ وَأَنْ تَغْمُرَ ضَفَائِرَهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ شَعْرٌ مَضْفُورٌ فَهُوَ كَالْمَرْأَةِ فِي هذا والله أعلم: قال المصنف رحمه الله

* [وان كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ امرأة جَاءَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال (خذى فرصة من مسك فتطهري بها فقالت كيف اتطهر بها فقال صلى الله عليه وسلم (سبحان الله تطهري بها) قالت عائشة رضى الله عنها قلت تتبعي بها اثر الدم: فان لم تجد مسكا فطيبا غيره لان القصد تطييب الموضع فان لم تجد فالماء كاف]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ الْمَرْأَةَ السَّائِلَةَ أَسْمَاءُ بِنْتُ شَكَلٍ بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْكَافِ وَقِيلَ بِإِسْكَانِ الْكَافِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْخَطِيبُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتِ أَنَّهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ يَزِيدَ بْنِ السَّكَنِ خَطِيبَةُ النِّسَاءِ وَالْفِرْصَةُ بكسر

ص: 187

الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةِ وَالْمِسْكُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ الطِّيبُ الْمَعْرُوفُ وَقِيلَ بفتح الميم وهو الْجِلْدُ أَيْ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَيُوَضِّحُهُ أَنَّهُ ثَبَتَ فِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِرْصَةٌ مُمَسَّكَةٌ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ قِطْعَةُ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِمَا مُطَيَّبَةٌ بِالْمِسْكِ وهذا التطييب مُتَّفَقٌ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ تَأْخُذُ مِسْكًا فِي خِرْقَةٍ أَوْ صُوفَةٍ أَوْ قُطْنَةٍ وَنَحْوِهَا وَتُدْخِلُهَا فَرْجَهَا وَالنُّفَسَاءُ كَالْحَائِضِ فِي هَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ يُسْتَحَبُّ لِلْمُغْتَسِلَةِ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَنْ تُطَيِّبَ بِالْمِسْكِ أَوْ غَيْرِهِ الْمَوَاضِعَ الَّتِي أَصَابَهَا الدَّمُ مِنْ بَدَنِهَا وَتَعْمِيمُهُ الْبَدَنَ غَرِيبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ مِسْكًا فَطِيبًا غَيْرَهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا مِنْ الطِّيبِ اُسْتُحِبَّ طِينٌ أَوْ نَحْوُهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطِّينَ بَعْدَ فَقْدِ الطِّيبِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمِسْكِ تطييب الْمَحَلِّ وَدَفْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ لِيَكْمُلَ اسْتِمْتَاعُ الزَّوْجِ بِإِثَارَةِ الشَّهْوَةِ وَكَمَالِ اللَّذَّةِ وَالثَّانِي لِكَوْنِهِ أَسْرَعَ إلَى عُلُوقِ الْوَلَدِ: قَالَ فَإِنْ فَقَدَتْ الْمِسْكَ وَقُلْنَا بِالْأَوَّلِ أَتَتْ بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي دَفْع الرَّائِحَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فِيمَا يسرع إلى العلوق كالقسط الاظفار وَنَحْوِهِمَا قَالَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي وَقْتِ اسْتِعْمَالِهِ فَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ قَالَ بَعْدَ الْغُسْلِ وَمَنْ قَالَ بِالثَّانِي فَقَبْلَهُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وهذا الوجه الثاني ليس بشئ وما تفرع عليه أيضا ليس بشئ وَهُوَ خِلَافُ الصَّوَابِ وَمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ تَطْيِيبُ الْمَحَلِّ وَأَنَّهَا تَسْتَعْمِلُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ شَكَلٍ سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ غُسْل الْمَحِيضِ (فَقَالَ تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا وسدرتها فتطهر وتحسن الطُّهُورَ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَى رَأْسِهَا فَتُدَلِّكُهُ ثُمَّ تَصُبُّ عَلَيْهَا الْمَاءَ ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتُطَهِّرُ بِهَا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ لِلْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا وَالْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْمَاءُ كَافٍ فَكَذَا عِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٍ وَقَدْ يُقَالُ الْمَاءُ كَافٍ وَجَدَتْ الطِّيبَ أَمْ لَا وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَحْسَنُ مِنْ هَذِهِ قَالَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَكَذَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ أَيْضًا صَحِيحَةٌ وَمُرَادُهُمْ أَنَّ

هَذِهِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِذَا عدمث الطِّيبَ فَهِيَ مَعْذُورَةٌ فِي تَرْكِهَا وَلَا كَرَاهَةَ في حقها

ص: 188

وَلَا عَتَبَ: وَهَذَا كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُعْذَرُ المريض شبهه فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله]

* [وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صاع ولا في الوضوء من مد لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد فان أسبغ بما دونه أجزأه لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم توضأ بما لا يبل الثرى قال الشافعي رحمه الله: وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفى]

* [الشَّرْحُ] الثَّرَى مَقْصُورٌ وَهُوَ مَا تَحْتَ وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ التُّرَابِ النَّدِيِّ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ بِلَا خِلَافٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الصَّاعَ هُنَا خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثٌ بِالْبَغْدَادِيِّ كَمَا هُوَ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ خَمْسَةٌ وَثُلُثٌ بِالِاتِّفَاقِ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا هَذَا: وَالثَّانِي أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْبَغْدَادِيِّ: وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سبق بيان رطل بغداد فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَقَوْلُهُ أَسْبَغَ أَيْ عَمَّمَ الْأَعْضَاءَ وَمِنْهُ ثَوْبٌ سَابِغٌ أَيْ كَامِلٌ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ قَدْرٌ مُعِينٌ بَلْ إذَا اسْتَوْعَبَ الْأَعْضَاءَ كَفَاهُ بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَنَّ شَرْطَ غُسْلِ الْعُضْوِ جَرَيَانُ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ فِي الْغُسْلِ مِنْ صَاعٍ وَلَا فِي الْوُضُوءِ مِنْ مُدٍّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّاعُ وَالْمُدُّ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَفِينَةَ رضي الله عنه (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ وَيَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ) وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ بِالصَّاعِ إلَى خَمْسَةِ أَمْدَادٍ: وَفِي الْبُخَارِيِّ اغْتِسَالُهُ صلى الله عليه وسلم بِالصَّاعِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ النُّقْصَانِ عَنْ صَاعٍ وَمُدٍّ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ عَائِشَةَ (كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ وقريبا مِنْ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَاءَ الطَّهَارَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِقَدْرٍ لِلْوُجُوبِ حَدِيثُ عائشة (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ تَخْتَلِفُ

أَيْدِينَا فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ) : رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ (كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلَانِ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلَانِ

ص: 189

مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ: وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَحْوُهُ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةَ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أُمِّ عُمَارَةَ الْأَنْصَارِيَّةِ) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأَ بِإِنَاءٍ فِيهِ قَدْرُ ثُلْثَيْ مُدٍّ) : وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (تَوَضَّأَ بما لايبل الثَّرَى) فَلَا أَعْلَمُ لَهُ أَصْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى ذَمِّ الْإِسْرَافِ فِي الْمَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ أَهْلُ الْعِلْمِ الْإِسْرَافَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي حَرَامٌ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّهِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (إنَّهُ سَيَكُونُ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الطَّهُورِ وَالدُّعَاءِ) رواه أبو داود باسناد صحيح قال المصنف رحمه الله

* [ويجوز أن يتوضأ الرجل والمرأة من إناء واحد لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ إناء واحد ويجوز أن يتوضأ أحدهما بفضل وضوء الآخر لِمَا رَوَتْ مَيْمُونَةُ رضي الله عنها قَالَتْ اجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يغتسل منه فقلت اني اغتسلت منه فقال صلى الله عليه وسلم (الماء ليس عليه جنابة) واغتسل منه]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ كان الرجال والنساء يتوضأون فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا وَحَدِيثُ مَيْمُونَةَ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِمَعْنَاهُ عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُسَمُّوا مَيْمُونَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْجَفْنَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْقَصْعَةُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَقَوْلُهُ فَفَضَلَتْ هُوَ بِفَتْحِ الضَّادِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَيْ بَقِيَتْ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ

ص: 190

وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَاغْتِسَالِهِمَا جَمِيعًا مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِ وُضُوءِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِفَضْلِ الرَّجُلِ: وَأَمَّا فَضْلُ الْمَرْأَةِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا الْوُضُوءُ بِهِ أَيْضًا لِلرَّجُلِ سَوَاءٌ خَلَتْ بِهِ أَمْ لَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد لَا يَجُوزُ إذَا خَلَتْ به وروى هذا عن عبد الله ابن سَرْجِسَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ كَمَذْهَبِنَا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ كَرَاهَةُ فَضْلِهَا مُطْلَقًا

* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ وُضُوءِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ الْحَكَمِ حَسَنٌ

* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِلْمَسْأَلَةِ وَإِذَا ثَبَتَ اغْتِسَالُهُمَا مَعًا فَكُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَعْمِلٌ فَضْلَ الْآخَرِ وَلَا تَأْثِيرَ لِلْخَلْوَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ سَرْجِسَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ وَكَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقْفُهُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنْ رَفْعِهِ وَرُوِيَ حَدِيثُ الْحَكَمِ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ فِي الرُّخْصَةِ أَصَحُّ فَالْمَصِيرُ إلَيْهَا أَوْلَى: (الْجَوَابُ الثَّانِي) جَوَابُ الْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ فَضْلِ أَعْضَائِهَا وَهُوَ مَا سَالَ عَنْهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ رِوَايَةَ دَاوُد بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَوْدِيِّ عَنْ حَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ نَهَى أَنْ تَغْتَسِلَ الْمَرْأَةُ بِفَضْلِ الرَّجُلِ أَوْ يَغْتَسِلَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ الْمَرْأَةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَدَاوُد وَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى فِي رواية

ص: 191

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ إلَّا أَنَّ حَمِيدًا لَمْ يُسَمِّ الصَّحَابِيَّ فَهُوَ كَالْمُرْسَلِ إلا انه مرسل جيد لولا مُخَالَفَتُهُ لِلْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ الْمَوْصُولَةِ وَدَاوُد لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قُلْت جَهَالَةُ عَيْنِ

الصَّحَابِيِّ لَا تَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بَلْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ المراد ما سقط من أعضائهما وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنَعَهَا فَضْلَ الرَّجُلِ فَيَنْبَغِي تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ إلَّا أَنَّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِأَبِي داود والبيهقي وليغترفا جميعا وهذه الرواية تضعيف هَذَا التَّأْوِيلَ وَيُمْكِنُ تَتْمِيمُهُ مَعَ صِحَّتِهَا وَيَحْمِلُنَا عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِظَاهِرِهِ وَمُحَالٌ أَنْ يَصِحَّ وَتَعْمَلَ الْأُمَّةُ كُلُّهَا بِخِلَافِ الْمُرَادِ مِنْهُ: (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَأَصْحَابُنَا أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَفَضْلُ مَاءِ الْجُنُبِ طَاهِرٌ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ وَالْمُحْدِثُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَأُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي هَذَا أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَحْمَدَ فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ أَحْمَدَ يَقُولُ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عِنْدَ أَحْمَدَ طَاهِرٌ قَطْعًا لَكِنْ إذَا خَلَتْ بِهِ الْمَرْأَةُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ عَلَى رِوَايَةٍ عَنْهُ (الثَّانِي) أَنَّهُ فَسَّرَ فَضْلَ الْجُنُبِ بِفَضْلِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالْمُحْدِثِ (الثَّالِثُ) قَوْلُهُ فَضْلُ الْجُنُبِ طَاهِرٌ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَجْوَدُ مُطَهِّرٌ (الرَّابِعُ) قَوْلُهُ وَهُوَ الَّذِي مَسَّهُ فِيهِ نقص وصوابه وهو الذي فضل من طاهرته: أما ماسه فِي شُرْبِهِ أَوْ أَدْخَل يَدَهُ فِيهِ بِلَا نِيَّةٍ فَلَيْسَ هُوَ فَضْلَ جُنُبٍ وَمَا أَفْضَلَهُ من طاهرته وَإِنْ لَمْ يَمَسَّهُ فَهُوَ فَضْلُ جُنُبٍ فَأَوْهَمَ ادخال مالا يَدْخُلُ وَإِخْرَاجَ مَا هُوَ دَاخِلٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ مُطَهِّرٌ مُطْلَقًا وَخَالَفَنَا أَحْمَدُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ: وَعَنْ الثَّانِي بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا

ص: 192

أَنَّ الْمُرَادَ بِالْجُنُبِ الْمَمْنُوعُ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِالثَّلَاثَةِ: وَالثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ فَضْلَ الْجُنُبِ وَغَيْرِهِ فَحَذَفَ قَوْلَهُ وَغَيْرِهِ لِدَلَالَةِ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِ وَاقْتَصَرَ عَلَى الْجُنُبِ اقْتِدَاءً بِالشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابِ فَإِنَّهُمْ تَرْجَمُوا هَذَا بِبَابِ فَضْلِ الْجُنُبِ ثُمَّ ذَكَرُوا فِيهِ الْجُنُبَ وَغَيْرَهُ: وَيُجَابُ عَنْ الثَّالِثِ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْفِ كَوْنَهُ مُطَهِّرًا وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمَاءَ الطَّاهِرَ مُطَهِّرٌ إلَّا أَنْ يَتَغَيَّرَ أَوْ يُسْتَعْمَلَ وَهَذَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ تَغَيُّرٌ وَلَا اسْتِعْمَالٌ: وَعَنْ الرَّابِعِ أَنَّ الْمُرَادَ مَسُّهُ (1) فِي الطَّهَارَةِ وَاكْتَفَى بِقَرِينَةِ الْحَالِ وَالْمُرَادُ مَسُّهُ في استعماله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [فان أحدث وأجنب ففيه ثلاثة أوجه (أحدها) انه يجب الغسل ويدخل فيه الوضوء وهو

المنصوص في الام لانهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة وغسل الحيض (والثاني) انه يجب الوضوء والغسل لانهما حقان مختلفان يجبان بسببين مختلفين فلم يدخل أحدهما في الآخر كحد الزنا والسرقة (والثالث) أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مُرَتِّبًا وَيَغْسِلَ سَائِرَ البدن لانهما متفقان في الغسل ومختلفان في الترتيب فما تفقا فيه تداخلا وما اختلفا فيه لم يتداخلا وسمعت شيخنا أبا حاتم القزويني يحكي فيه وجها رابعا انه يقتصر على الغسل الا انه يحتاج أن ينويهما ووجه لانهما عبادتان متجانستان صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الافعال دون النية كالحج والعمرة] [الشَّرْحُ] لِلْجُنُبِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَكُونُ جُنُبًا لَمْ يُحْدِثْ الْحَدَثَ الْأَصْغَرَ: وَحَالٌ يُحْدِثُ ثُمَّ يُجْنِبُ: وَحَالٌ يُجْنِبُ ثُمَّ يُحْدِثُ: فَالْحَالُ الْأَوَّلُ يُجْنِبُ بِلَا حَدَثٍ فَيَكْفِيه غَسْلُ الْبَدَنِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْوُضُوءُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَدَلِيلُهُ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ الْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَيَكُونُ الْوُضُوءُ سُنَّةً فِي الْغُسْلِ كَمَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فِي صُوَرٍ أَشْهَرُهَا أَنْ يُنْزِلَ الْمُتَطَهِّرُ الْمَنِيَّ مِنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِنَظَرٍ أَوْ اسْتِمْنَاءٍ أَوْ مُبَاشَرَةٍ فَوْقَ حَائِلٍ أَوْ فِي النَّوْمِ قَاعِدًا فَهَذَا جُنُبٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ مُحْدِثًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصحيح المشهور الذى قطع

(1) الظاهر انه ذكر المس اتباعا شيخه امام الحرمين فانه قال والذي يتوهم فيه الخلاف ما مسه بدن الجنب والحائض على وجه لا يصير به مستعملا ولهذا استدل الشافعي في الباب باخبار تدل علي طهارة ايديهما اه اذرعى

ص: 193

بِهِ الْجُمْهُورُ وَأَطْبَقُوا عَلَى تَصْوِيرِ انْفِرَادِ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَدَثِ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْقَاضِيَّ أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ جُنُبٌ مُحْدِثٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَلُفَّ عَلَى ذَكَرِهِ خِرْقَةً وَيُولِجَهُ فِي امْرَأَةٍ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ: الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يُولِجَ فِي فَرْجِ بَهِيمَةٍ أَوْ دُبُرِ رَجُلٍ فَيَكُونُ جُنُبًا وَلَا يَكُونُ مُحْدِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَمَسَّ فَرْجَ آدَمِيٍّ بِبَاطِنِ كَفِّهِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ ذَكَرَهَا أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهِيَ أَوْضَحُ مِنْ غَيْرِهَا.

هَذِهِ الصُّوَرُ الثَّلَاثُ هِيَ الْمَشْهُورَةُ قَالَ الرافعى وألحلق بِهَا الْمَسْعُودِيُّ الْجِمَاعَ مُطْلَقًا وَقَالَ إنَّهُ يُوجِبُ الْجَنَابَةَ لَا غَيْرَ قَالَ وَاللَّمْسُ الَّذِي يَتَقَدَّمُهُ يَصِيرُ مَغْمُورًا بِهِ كَمَا أَنَّ خُرُوجَ الْخَارِجِ بِالْإِنْزَالِ

يَنْغَمِرُ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَامَعَ الْمُحْرِمُ بِالْحَجِّ لَزِمَهُ بَدَنَةٌ وَإِنْ كَانَ يَتَضَمَّنُ اللَّمْسَ وَمُجَرَّدُ اللَّمْسِ يُوجِبُ شَاةً قَالَ الرَّافِعِيُّ وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَحْصُلُ بِالْجِمَاعِ الْحَدَثَانِ وَلَا يَنْدَفِعُ أَثَرُ اللَّمْسِ بِخِلَافِ انْدِفَاعِ أَثَرِ خُرُوجِ الْخَارِجِ لِأَنَّ اللَّمْسَ يَسْبِقُ حَقِيقَةَ الْجِمَاعِ فَيَجِبُ تَرْتِيبُ حُكْمِهِ عَلَيْهِ فَإِذَا تَمَّتْ حَقِيقَةُ الْجِمَاعِ وَجَبَ أَيْضًا حُكْمُهَا وَفِي الْإِنْزَالِ لَا يَسْبِقُ خُرُوجَ الْخَارِجِ الْإِنْزَالُ بَلْ إذَا أَنْزَلَ حَصَلَ خُرُوجُ الْخَارِجِ وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ مَعًا وَخُرُوجُ الْمَنِيِّ أَعْظَمُ الْحَدَثَيْنِ فَيَدْفَعُ حُلُولُهُ حُلُولَ الْأَصْغَرِ مُقْتَرِنًا بِهِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ المحرم فمنوعة عَلَى وَجْهٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا فَفِي الْفِدْيَةِ مَعْنَى الزَّجْرِ وَالْمُؤَاخَذَةِ وَسَبِيلُ الْجِنَايَاتِ انْدِرَاجُ الْمُقَدَّمَاتِ فِي المقاصد ولهذا لو انفردت مقدمات الزنا أوجبت تَعْزِيرًا فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَيْهِ لَمْ يَجِبْ التَّعْزِيرُ مَعَ الْحَدِّ وَأَمَّا هُنَا فَالْحُكْمُ مَنُوطٌ بِصُورَةِ اللَّمْسِ وَلِهَذَا اسْتَوَى عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُحْدِثَ ثُمَّ يُجْنِبَ كَمَا هُوَ الْغَالِبُ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَكْفِيه إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْبَدَنِ وَيُصَلِّي بِهِ بِلَا وُضُوءٍ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ فَتَكُونُ أَعْضَاءُ الْوُضُوءِ مَغْسُولَةً مَرَّتَيْنِ وَعَلَى هَذَا لَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الوضوء وله أن يؤخره إلى بعد فراغه من الغسل وله أن يوسطه فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْوُضُوءُ مُرَتَّبًا وَغَسْلُ بَاقِي الْبَدَنِ وَلَا يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَهُ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ وَتَأْخِيرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ: وَالرَّابِعُ يَكْفِيه غَسْلُ جَمِيعِ الْبَدَنِ بِلَا وُضُوءٍ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الْوُضُوءَ والغسل

ص: 194

فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْغُسْلِ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ أَيْضًا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّةَ الْأَوْجُهِ

* الْحَالُ الثَّالِثُ أَنْ يُجْنِبَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ ثُمَّ يُحْدِثُ فَهَلْ يُؤَثِّرُ الْحَدَثُ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا يَجْزِيه الْغُسْلُ بِلَا وُضُوءٍ قَطْعًا وَالثَّانِي يُؤَثِّرُ فَيَكُونُ جُنُبَا مُحْدِثًا وَتَجْرِي فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ هُنَا الْوُضُوءُ فِي الْغُسْلِ قَطْعًا بَلْ لابد مِنْهُمَا وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا تَقَدَّمَ الْحَدَثُ فَإِنَّ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ بِأَنَّ هُنَاكَ وَرَدَتْ الْجَنَابَةُ عَلَى أَضْعَفَ مِنْهَا

فَرَفَعَتْهُ وَهُنَا عَكْسُهُ فَأَشْبَهَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَدْخُلُ الْأَقْوَى عَلَى الْأَضْعَفِ وَلَا يَنْعَكِسُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَخَيَالٌ عَجِيبٌ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كَتَقَدُّمِ الْحَدَثِ فتجئ فِيهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْوُضُوءَ فَقَدْ ذكرنا أن يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ وَتَأْخِيرُهُ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُهُ: وَإِذَا قَدَّمَهُ فَهَلْ يُقَدِّمُ غَسْلَ الرِّجْلَيْنِ مَعَهُ أَمْ يُؤَخِّرُهُمَا فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا الْكَلَامُ فِي نِيَّةِ هَذَا الْوُضُوءِ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُشْرَعُ وضوآن فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ وضوآن وَلَعَلَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ

* وَيُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح

* وأما قول المصنف لانهما حقان مُخْتَلِفَانِ فَاحْتِرَازٌ مِنْ غُسْلِ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ وَقَوْلُهُ يَجِبَانِ بِسَبَبَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَقَوْلُهُ مُخْتَلِفَيْنِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ زَنَى وَهُوَ بِكْرٌ فَلَمْ يُحَدَّ حَتَّى زَنَى وَهُوَ مُحْصَنٌ فَإِنَّهُ يُقْتَصَرُ عَلَى رَجْمِهِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَكَذَا الْمُحْرِمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ لَبِسَ فِي مَجَالِسَ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ تَجِبُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَقَوْلُهُ فِي تَعْلِيلِ الْوَجْهِ الرَّابِعِ عِبَادَتَانِ احْتِرَازٌ عَنْ حَقَّيْنِ لَآدَمِيٍّ وَقَوْلُهُ مُتَجَانِسَانِ احْتِرَازٌ مِنْ كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَكَفَّارَةِ يَمِينٍ وَقَوْلُهُ صُغْرَى وَكُبْرَى احْتِرَازٌ مِمَّنْ دَخَلَ في الجمعة فخرج الوقت في أثائها فانه يتمها ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُ نِيَّةِ الظهر ويحتمل أنه احترز عَنْ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ فَإِنَّ إحْدَاهُمَا لَا تَدْخُلُ في الاخرى لافى الْأَفْعَالِ وَلَا فِي النِّيَّةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْغُسْلِ وَمَسْأَلَةِ الْحَجِّ

ص: 195

وَالْعُمْرَةِ بِأَنَّ الْحَجَّ يَشْمَلُ كُلَّ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فَدَخَلَتْ فِيهِ وَالْغُسْلُ لَا يَشْمَلُ تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ والله أعلم قال المصنف رحمه

* [فان توضأ من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أو اغتسل من الحدث ثم ذكر انه كان جنبا أجزأه ما غسل من الحدث عن الجنابة لان فرض الغسل في أعضاء الوضوء من الجنابة والحدث واحد][الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا تَوَضَّأَ بِنِيَّةِ الْحَدَثِ ثُمَّ ذَكَر أَنَّهُ كَانَ جُنُبًا فَيَجْزِيه الْمَغْسُولُ

وَهُوَ وَجْهُهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ المصنف: الثانية غَسَلَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا فَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِارْتِفَاعِ الْحَدَثِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ دُونَ غَيْرِهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِ ارْتِفَاعُهُ عَنْ جميع أعضاء الوضوء الرأس وغيره وكذا أطلقه جماعة وصرح جَمَاعَةٌ بِارْتِفَاعِهِ عَنْ الرَّأْسِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ عَنْهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ فَرْضَ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ الْمَسْحُ فَاَلَّذِي نَوَاهُ إنَّمَا هُوَ الْمَسْحُ فَلَا يَجْزِيه عَنْ غَسْلِ الْجَنَابَةِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ مَا غَسَلَهُ بنية الحدث عن شئ مِنْ الْجَنَابَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ واضحة في باب نية والوضوء وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحْدَاهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ أَكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْبِئْرِ مَعِينَةً كَانَتْ أَوْ دَائِمَةً وَفِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي لَا يَجْرِي قَالَ وَسَوَاءٌ قَلِيلُ الْمَاءِ وَكَثِيرُهُ أَكْرَهُ الِاغْتِسَالَ فِيهِ وَالْبَوْلَ فِيهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ: وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا ذَكَرَ قَالَ فِي الْبَيَانِ وَالْوُضُوءُ فِيهِ كَالْغُسْلِ

* وَيَحْتَجُّ لِلْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا يَغْتَسِلُ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ) فَقِيلَ كَيْفَ يَفْعَلُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ (يَتَنَاوَلُهُ تَنَاوُلًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ: الثَّانِيَةُ يَجُوزُ الْغُسْلُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ قَبْلَ الْبَوْلِ وَبَعْدَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يكون بَعْدَ الْبَوْلِ خَوْفًا مِنْ خُرُوجِ مَنِيٍّ بَعْدَ الغسل وحكي الدَّارِمِيُّ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْبَوْلِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ إذَا غَسَلَ مَا عَلَى فَرْجِهِ مِنْ أَذًى أَنْ يَدْلُكَ يَدَهُ بِالْأَرْضِ ثُمَّ يَغْسِلَهَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مَيْمُونَةَ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: (الرابعة)

ص: 196

لَا يَجُوزُ الْغُسْلُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ إلَّا مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ فَإِنْ كَانَ خَالِيًا جَازَ الْغُسْلُ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ

* وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ لِجَوَازِ الغسل عريانا في الخلوة بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّ مُوسَى اغْتَسَلَ عُرْيَانًا فَذَهَبَ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ) وَأَنَّ أَيُّوبَ كَانَ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فخر عليه جدار مِنْ ذَهَبٍ) رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ أَيْضًا قِصَّةَ مُوسَى صلى الله عليه وسلم وَالِاحْتِجَاجُ بِهِ تَفْرِيعٌ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا

* واحتجو الفضل السَّتْرِ بِحَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال (احفظ عورتك الامن زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ) قُلْتُ أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ (اللَّهُ أَحَقُّ ان يستحيي من النَّاسِ) رَوَاهُ

أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِيَ عِيَاضٌ جَوَازَ الِاغْتِسَالِ عُرْيَانًا فِي الْخَلْوَةِ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَنَهَى عَنْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى لِأَنَّ لِلْمَاءِ سَاكِنًا

* وَاحْتَجَّ فِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعَّفَهُ الْعُلَمَاءُ

* (الْخَامِسَةُ) الْوُضُوءُ وَالْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ سُنَنٌ فِي الْغُسْلِ فَإِنْ تَرَكَ الثَّلَاثَةَ صَحَّ غُسْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنْ تَرَكَ الْوُضُوءَ وَالْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ فَقَدْ أَسَاءَ وَيَسْتَأْنِفُ الْمَضْمَضَةَ وَالِاسْتِنْشَاقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ سَمَّاهُ مُسِيئًا لِتَرْكِ هَذِهِ السُّنَنِ فَإِنَّهَا مُؤَكَّدَةٌ فتاركها مسئ لَا مَحَالَةَ قَالُوا وَهَذِهِ إسَاءَةٌ بِمَعْنَى الْكَرَاهَةِ لَا بِمَعْنَى التَّحْرِيمِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَأَمْرُهُ بِاسْتِئْنَافِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ دُونَ الْوُضُوءِ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ كَانَ مَوْجُودًا فِي زَمَانِهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَغَيْرَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ يُوجِبُونَهُمَا فَأَحَبَّ الْخُرُوجَ مِنْ الْخِلَافِ وَالْوُضُوءُ لَمْ يَكُنْ أَوْجَبَهُ أَحَدٌ وَإِنَّمَا حَدَثَ خِلَافُ أَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بَعْدَهُ: وَالثَّانِي أَنَّ الْمَاءَ قَدْ وَصَلَ إلَى مَوْضِعِ الْوُضُوءِ دُونَ مَوْضِعِهِمَا فَأَمَرَهُ بِإِيصَالِهِ إلَيْهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ لَكِنَّ اسْتِحْبَابَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ آكَدُ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ: وَالْوُضُوءِ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ بِدَلَائِلِهَا

* وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُمَا سُنَّتَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: (السَّادِسَةُ) لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي أَعْضَاءِ الْمُغْتَسِلِ لَكِنْ

ص: 197

تُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالرَّأْسِ ثُمَّ بِأَعَالِي الْبَدَنِ وَبِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ: (السَّابِعَةُ) يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى غُضُونِ الْبَدَنِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَدَاخِلِ السُّرَّةِ وَبَاطِنِ الْأُذُنَيْنِ وَالْإِبْطَيْنِ وَمَا بَيْن الْأَلْيَيْنِ وَأَصَابِعِ الرِّجْلَيْنِ وَغَيْرِهَا مِمَّا لَهُ حُكْمُ الظَّاهِرِ وَحُمْرَةِ الشَّفَةِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ: وَلَوْ الْتَصَقَتْ الْأَصَابِعُ وَالْتَحَمَتْ لَمْ يَجِبْ شِقُّهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذَا وَبَسْطُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمِمَّا قَدْ يُغْفَلُ عَنْهُ بَاطِنُ الْأَلْيَيْنِ وَالْإِبْطُ وَالْعُكَنُ وَالسُّرَّةُ فَلِيَتَعَهَّدْ كُلَّ ذَلِكَ وَيَتَعَهَّدْ إزَالَةَ الْوَسَخِ الَّذِي يَكُونُ فِي الصِّمَاخِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ مِنْ صِمَاخِ الْأُذُنِ دُونَ مَا بَطَنَ

* وَلَوْ كَانَ تَحْتَ أَظْفَارِهِ وَسَخٌ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ مَنَعَ فَفِي صِحَّةِ غَسْلِهِ خِلَافٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابَيْ السِّوَاكِ وصفة الوضوء: (الثامنة) إذا كان عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ شَعْرِهِ حِنَّاءٌ أَوْ عَجِينٌ أَوْ طِيبٌ أَوْ شَمْعٌ أَوْ نَحْوُهُ فَمَنَعَ

وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ أَوْ إلَى نَفْسِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بيأن هذا مع فُرُوعٌ حَسَنَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ: وَلَوْ كَانَ شَعْرُهُ مُتَلَبِّدًا بِحَيْثُ لَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى بَاطِنِ الشَّعْرِ لَمْ يَصِحَّ غَسْلُهُ إلَّا بِنَفْشِهِ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ: وَلَوْ انْعَقَدَتْ فِي رَأْسِهِ شَعْرَةٌ أَوْ شَعَرَاتٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهَا وَيَصِحُّ الْغُسْلُ وَهِيَ مَعْقُودَةٌ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ لَا يَصِلُ بَاطِنَ مَحَلِّ الْعَقْدِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ وَلِأَنَّ الْمَاءَ يَبُلُّ مَحَلَّهَا: وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ كَالْمُلَبَّدِ وَقَطْعُ هَذِهِ الشَّعَرَاتِ مُمْكِنٌ بِلَا ضَرَرٍ بِخِلَافِ الْأُصْبُعِ الْمُلْتَحِمَةِ: (التَّاسِعَةُ) لَوْ تَرَكَ مِنْ رَأْسِهِ شَعْرَةً لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ لَمْ يَصِحَّ غُسْلُهُ: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَصِحُّ: فَلَوْ نَتَفَ تِلْكَ الشَّعْرَةَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ كَانَ الْمَاءُ وَصَلَ أَصْلَهَا أَجْزَأَهُ وَإِلَّا لَزِمَهُ إيصَالُهُ أَصْلَهَا قَالَ وَكَذَا لَوْ أَوْصَلَ الْمَاءَ إلَى أُصُولِ شَعْرِهِ دُونَ الشَّعْرِ ثُمَّ حَلَقَهُ أَجْزَأَهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا (1) وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَقْطَعِ الشَّعْرَةِ وَالشَّعَرَاتِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْهُ (الْعَاشِرَةُ) إذَا انْشَقَّ جِلْدُهُ بِجِرَاحَةٍ وَانْفَتَحَ فَمُهَا وَانْقَطَعَ دَمُهَا وَأَمْكَنَ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى باطنها الذى يشاهد بلا ضرر

(2) صحح في الروضة الثاني وفيه نظر لان غسل البشرة وزوال الشعرة لا يؤتى فيه كمن ترك من الوضوء أو الغسل رجله ثم قطعت اه اذرعى

ص: 198

وَجَبَ إيصَالُهُ فِي الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفَمِ وَالْأَنْفِ أَنَّهُمَا بَاقِيَانِ عَلَى الِاسْتِبْطَانِ وَإِنَّمَا يُفْتَحُ فَمُهُ لِحَاجَةٍ وَمَحَلُّ الْجِرَاحَةِ صَارَ ظَاهِرًا فَأَشْبَهَ مَكَانَ الِافْتِضَاضِ مِنْ الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ وَقَدْ سَبَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا إيصَالُ الْمَاءِ إلَى مَا بَرَزَ بِالِافْتِضَاضِ: قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ فَإِنْ كَانَ لِلْجِرَاحَةِ غَوْرٌ فِي اللَّحْمِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ مِنْهَا كَمَا لَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ مُجَاوَزَةُ مَا ظَهَرَ بِالِافْتِضَاضِ: وَلَوْ انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَالْتَأَمَتْ سَقَطَ الْفَرْضُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَا لَوْ عَادَتْ الْبَكَارَةُ بعد الافتضاض فانه يسقط غسل ما كان ظهر بالافتصاض وَكَمَا لَوْ الْتَحَمَتْ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ شَقُّهَا بَلْ يَكْفِيه غَسْلُ مَا ظَهَرَ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَلَوْ كَانَ فِي بَاطِنِ الْجِرَاحَةِ دَمٌ وَتَعَذَّرَتْ إزَالَتُهُ وَخَشَى زِيَادَةَ سِرَايَتِهَا إلَى الْعُضْوِ

لَمْ يَلْزَمْهُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَى بَاطِنِهَا وَلَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا انْدَمَلَتْ: وَلَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ عِنْدَ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنهما: (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ قُطِعَتْ شَفَتُهُ أَوْ أَنْفُهُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ مَا ظَهَرَ بِالْقَطْعِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ: فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ إيضَاحُهُمَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ لِأَنَّهُ صَارَ ظَاهِرًا: وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مَخْتُونٍ فَهَلْ يَلْزَمُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ غَسْلُ مَا تَحْتَ الجلدة التى تقطع في الختان: فيه وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّ تِلْكَ الْجِلْدَةَ مُسْتَحِقَّةُ الْإِزَالَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَزَالَهَا إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ وَإِذَا كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ الْإِزَالَةِ فَمَا تَحْتَهَا كَالظَّاهِرِ

* وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَبِهِ جَزَمَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الْفَتَاوَى لِأَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ تِلْكَ الْجِلْدَةِ وَلَا يَكْفِي غَسْلُ مَا تَحْتَهَا فَلَوْ كَانَتْ كَالْمَعْدُومَةِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا فَبَقِيَ مَا تَحْتَهَا بَاطِنًا: (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنَيْهِ وَحُكْمُ اسْتِحْبَابِهِ كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ نَبَتَ فِي عَيْنِهِ شَعْرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ غَسْلُهُ: (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِ الْجُنُبِ نَجَاسَةٌ فَغَسَلَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ غَسْلَةً وَاحِدَةً بِنِيَّةِ الْجَنَابَةِ ارْتَفَعَتْ النَّجَاسَةُ وَهَلْ يُجْزِئُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي مَوَاضِعَ بَسَطْتهَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهُمَا يُجْزِئُهُ: وَلَوْ صَبَّ الْجُنُبُ

ص: 199

عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ وَكَانَ عَلَى ظَهْرِهِ نَجَاسَةٌ فَنَزَلَ عَلَيْهَا فَأَزَالَهَا فَإِنْ قُلْنَا الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ يَصْلُحُ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ طَهَّرَ الْمَحَلَّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَطْهُرُ عَنْ الْجَنَابَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ فِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا الْمُسْتَعْمَلُ فِي الْحَدَثِ لَا يَصْلُحُ لِلنَّجَسِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَفِي طَهَارَتِهِ عَنْ النَّجَسِ هُنَا وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ قَائِمٌ عَلَى الْمَحَلِّ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالِانْفِصَالِ: وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّا لَا نَجْعَلُ الْمَاءَ فِي حَالَةِ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْعُضْوِ مستعلا للحاجة إلى ذلك في الطاهرة الْوَاحِدَةِ وَهَذِهِ طَهَارَةٌ أُخْرَى فَعَلَى هَذَا يَجِبُ تَطْهِيرُ هَذَا الْمَحَلِّ عَنْ النَّجَاسَةِ وَهَلْ يَكْفِيه الْغَسْلَةُ الْوَاحِدَةُ فِيهِ عَنْ النَّجَسِ وَالْجَنَابَةِ إذَا نَوَاهَا فِيهِ الْوَجْهَانِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَحْدَثَ الْمُغْتَسِلُ فِي أَثْنَاءِ غُسْلِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي غُسْلِهِ بَلْ يُتِمُّهُ وَيُجْزِيه فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ نَصَّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الْغُسْلَ: دَلِيلُنَا أَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ بَعْدَ فَرَاغِهِ فلا يبطله في أثنائه كالاكل

والشرب (الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) هَلْ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يَشْتَرِيَ لِمَمْلُوكِهِ مَاءَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ وَالْجَنَابَةِ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ هُنَا وآخرون في النفقان أَحَدُهُمَا يَجِبُ كَزَكَاةِ فِطْرِهِ (وَالثَّانِي) لَا: لِأَنَّ لِلطَّهَارَةِ بَدَلًا وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَيَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَذِنَ لِعَبْدِهِ فِي الْحَجِّ مُتَمَتِّعًا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ السَّيِّدَ الْهَدْيُ بَلْ يَنْتَقِلُ الْعَبْدُ إلَى الصَّوْمِ وَيُخَالِفُ الْفِطْرَةَ فَلَا بَدَلَ لَهَا ولم يرجحا واحدا مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ الْعَبْدِ وَهِيَ عَلَى سَيِّدِهِ وَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ شِرَاءُ مَاءِ الطَّهَارَةِ لِزَوْجَتِهِ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجِبُ بِمَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ هُنَا وَذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ فِي النَّفَقَاتِ وَالْأَظْهَرُ تَفْصِيلٌ ذَكَرِهِ الْبَغَوِيّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ قَالَ إنْ كَانَ الْغُسْلُ لِاحْتِلَامِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ وَإِنْ كَانَ لِجِمَاعِهِ أَوْ نِفَاسٍ لَزِمَهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ بسببه وان كان حيض لَمْ يَلْزَمْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِنْ مُؤَنِ التَّمْكِينِ وَهُوَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُنْظَرُ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ فِي مَاءِ الْوُضُوءِ إلَى أَنَّ السَّبَبَ مِنْهُ كَاللَّمْسِ أَمْ لَا: وَفِي أُجْرَةِ الْحَمَّامِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ أَحَدُهُمَا لَا يَجِبُ إلَّا إذَا عَسُرَ الْغُسْلُ إلَّا فِي الْحَمَّامِ لِشِدَّةِ بَرْدٍ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ فِي كِتَابِ

ص: 200

النَّفَقَاتِ الْوُجُوبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ قَوْمٍ لَا يَعْتَادُونَ دُخُولَهُ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنَّمَا تَجِبُ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَبُو اللَّيْثِ الْحَنَفِيُّ فِي نَوَازِلِهِ: لو كان في الانسان قرحة فبزأت وَارْتَفَعَ قِشْرُهَا وَأَطْرَافُ الْقُرْحَةِ مُتَّصِلَةٌ بِالْجِلْدِ إلَّا الطَّرَفَ الَّذِي كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْقَيْحُ فَإِنَّهُ مُرْتَفِعٌ وَلَا يَصِلُ الْمَاءُ إلَى مَا تَحْتَ القشرة أجزأه وضوءه في مَعْنَاهُ الْغُسْلُ

*

*

(فَصْلٌ)

* (فِي الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ)

لَمْ يَذْكُرْ لَهَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله بَابًا مُسْتَقِلًّا بَلْ ذَكَرَهَا مُفَرَّقَةً فِي أَبْوَابِهَا وَقَدْ ذَكَرَهَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ مَجْمُوعَةً فِي بَابٍ اقْتِدَاءً بِالْمُزَنِيِّ رحمه الله فَأَحْبَبْت مُوَافَقَةَ الْجُمْهُورِ فِي ذِكْرِهَا مَجْمُوعَةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ أَحْسَنُ وَأَحْوَطُ وَأَنْفَعُ وَأَضْبَطُ فَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى في هذا الفصل في غاية

الاحتصار بِالنِّسْبَةِ إلَى عَادَةِ هَذَا الشَّرْحِ لِكَوْنِي أَبْسُطُهَا ان شاء الله تعالي بفروعها وادلتها وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي مَوَاضِعِهَا: فَمِنْهَا غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَأَوْجَبَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَفِيمَنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ وَمَنْ لَا تَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ حَضَرَ أَمْ انْقَطَعَ لِعُذْرٍ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ دُونَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وغيره وهذا ضعيف أو غلط (والرابع) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ حَضَرَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْ وَمَنْ تَلْزَمُهُ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَمَنْ انْقَطَعَ عَنْهَا لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ كَغُسْلِ الْعِيدِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (1) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ وَقْتُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَبْقَى إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُون عِنْدَ الرَّوَاحِ إلَيْهَا فَلَوْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يُحْسَبْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا امام الحرمين فحكي وجها أنه

(1) ونقل رحمه الله في شرح مسلم وجها انه يستحب المذكور خاصة فهذا وجه خامس اه اذرعى

ص: 201

يحسب وليس بشئ: وَلَوْ اغْتَسَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَإِنَّهُ أَبْطَلَهُ: دَلِيلُنَا أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ يُرَادُ لِلتَّنْظِيفِ فَإِذَا تَعَقَّبْهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ لَمْ يُبْطِلْهُ بَلْ هُوَ أَبْلَغُ فِي النَّظَافَةِ: قَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ غُسْلَ الْجُمُعَة لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ قَالَ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ تَيَمَّمَ قَالُوا وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي قوم توضؤا وَفَرَغَ مَاؤُهُمْ وَفِي الْجَرِيحِ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَاسْتَبْعَدَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ التَّيَمُّمَ لِأَنَّ الْمُرَادَ قَطْعُ الرَّائِحَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَنَابَ عَنْهَا التَّيَمُّمُ كَغَيْرِهَا: وَلِغُسْلِ الْجُمُعَةِ فُرُوعٌ وَتَتِمَّاتٌ نَبْسُطُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْغُسْلِ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْعِيدَيْنِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلزِّينَةِ وَكُلُّهُمْ مِنْ أَهْلِهَا بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ فَاخْتُصَّ بِحَاضِرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ: وَيَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَهَلْ يَجُوزُ قَبْلَهُ قَوْلَانِ

(أَحَدُهُمَا)

لَا كَالْجُمُعَةِ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِأَنَّ الْعِيدَ يُفْعَلُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُهُ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى

تَقْدِيمِهِ لِأَنَّ النَّاسَ يَقْصِدُونَهُ مِنْ بَعِيدٍ فَعَلَى هَذَا فِيهِ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ السَّحَرِ وَأَصَحُّهَا يَجُوزُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لَا قَبْلَهُ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِغُسْلِ الْعِيدِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمِنْ الْمَسْنُونِ غُسْلُ الْكُسُوفَيْنِ وَغُسْلُ الِاسْتِسْقَاءِ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ وَلَمْ يَكُنْ أَجْنَبَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَمِنْهُ غُسْلُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ: وَمِنْهُ أَغْسَالُ الْحَجِّ وَهِيَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَلِدُخُولِ مَكَّةَ وَلِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَلِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَثَلَاثَةُ أَغْسَالٍ لِرَمْيِ الْجِمَارِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ فِي الْأُمِّ قَالَ وَلَا يَغْتَسِلُ لِجَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَغْتَسِلْ لَهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا يَدْخُلُ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَيَبْقَى إلَى آخِرِ النَّهَارِ فَلَا يَجْتَمِعُ لها الناس ولا اغْتَسَلَ لِلْوُقُوفِ بِالْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَهُوَ يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ فَأَثَرُ الْغُسْلِ بَاقٍ فَلَا حَاجَةَ إلَى إعَادَتِهِ وَأَضَافَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ

ص: 202

إلَى هَذِهِ السَّبْعَةِ الْغُسْلَ لِطَوَافَيْ الزِّيَارَةِ وَالْوَدَاعِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِلْحَلْقِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيُسَنُّ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ جَمِيعُ أَغْسَالِ الْحَجِّ إلَّا غُسْلَ الطَّوَافِ لِكَوْنِهَا لَا تَطُوفُ (1) وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فِيهِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ حَدِيثٌ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بين غسل الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ فَيُسَنُّ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِهِمَا وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْمَرَاوِزَةِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ مِنْ الْحِجَامَةِ وَدُخُولِ الْحَمَّامِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ عَنْ الْقَدِيمِ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ وَقَطَعَا بِهِ وَكَذَا قَطَعَ بِهِ المحاملى في اللباب والغزالي في الخلاصة والبغوى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ ثُمَّ قَالَ وَأَنْكَرَ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابَهُمَا قَالَ الْبَغَوِيّ أَمَّا الْحِجَامَةُ فَوَرَدَ فِيهَا أَثَرٌ وَأَمَّا الْحَمَّامُ فَقِيلَ أَرَادَ بِهِ إذَا تَنَوَّرَ يَغْتَسِلُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ اسْتَحَبَّهُ لِاخْتِلَافِ الْأَيْدِي فِي مَاءِ الْحَمَّامِ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَى الْغُسْلِ أَنَّهُ إذَا دَخَلَهُ فَعَرِقَ

اُسْتُحِبَّ أَلَّا يَخْرُجَ حَتَّى يَغْتَسِلَ: هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْغُسْلُ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَالْحِجَامَةِ وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ مَاءِ الْحَمَّامِ) وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ (كُنَّا نَغْتَسِلُ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَالْحَمَّامِ وَنَتْفِ الْإِبْطِ وَمِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ الْغُسْلُ لِمَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعِ النَّاسِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَرَأَيْت فِي الْأُمِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ صَرِيحًا أَوْ إشَارَةً ظَاهِرَةً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ أَمْرٍ اجْتَمَعَ النَّاسُ لَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ الْمَرْءُ لَهُ وَيَقْطَعَ الرَّائِحَةَ الْمُغَيِّرَةَ مِنْ جَسَدِهِ وَيَمَسَّ مِنْ طِيبِ أَهْلِهِ هَذِهِ هِيَ السُّنَّةُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الِاجْتِمَاعَ بِالنَّاسِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيَتَنَظَّفَ وَيَتَطَيَّبَ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ عِنْدَ كُلِّ حَالٍ تَغَيَّرَ فيه البدن قال اصحابنا وآكده هَذِهِ الْأَغْسَالِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الميت وأيهما آكد: فيه قولان مشهوران

(1) وينبغي ألا يسن أيضا ان لم يثبت فيه شئ إذ الاستحباب حكم شرعى يحتاج إلى دليل ثابت وكيف يقال يسن ما لم يرد فيه سنة ثابتة اه اذرعي

ص: 203

وذكرهما الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ: وَالثَّانِي غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ أَحَادِيثَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الغسل من غسل الميت شئ صَحِيحٌ: وَفَائِدَةُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَوْلَى النَّاسِ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى أَوْلَاهُمْ أَوْ آكَدِهِمْ حَاجَةً فَوُجِدَ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا قَدْ غَسَّلَ مَيِّتًا وَالْآخَرُ يُرِيدُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى بِهِ.

فِيهِ الْقَوْلَانِ وَسَتَأْتِي دَلَائِلُ كُلِّ مَا ذَكَرْته فِي مَوَاضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

*

*

(فَصْلٌ)

* [فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ (1) ] رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ دُخُولِ الْحَمَّامَاتِ ثُمَّ رَخَّصَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَدْخُلُوهَا فِي الْمَيَازِرِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ

اسناده بذاك القائم: وعن المليح بفتح اليمم قَالَ دَخَلَ نِسْوَةٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُنَّ فَقُلْنَ مِنْ أَهْلِ الشام فقالت لعلكن من الكورة التى يدخل نِسَاؤُهَا الْحَمَّامَاتِ قُلْنَ نَعَمْ قَالَتْ أَمَا إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ (مَا مِنْ امْرَأَةٍ تَخْلَعُ ثِيَابَهَا فِي غَيْرِ بَيْتِهَا إلَّا هَتَكَتْ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ

* وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّهَا سَتُفْتَحُ عَلَيْكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوهَا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ: وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ يُضَعَّفُ: وَجَاءَ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ عَنْ السَّلَفِ آثَارٌ مُتَعَارِضَةٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَالْكَرَاهَةِ فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه نعم

(1) وروى الامام أحمد رضى الله عنه عن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول فيه (ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام) ورواه الترمذي بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب اه اذرعي

ص: 204

الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ

* وَعَنْ علي وابن عمر رضى الله عنهم بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ: وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فَكَلَامُهُمْ فِيهِ قَلِيلٌ وَمِمَّنْ تَكَلَّمَ فِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْإِمَامُ الْفَقِيهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ الْمَرْوَزِيُّ رحمه الله فَقَالَ جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي دُخُولِ الْحَمَّامِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لِلرِّجَالِ بِشَرْطِ التَّسَتُّرِ وَغَضِّ الْبَصَرِ وَمَكْرُوهٌ لِلنِّسَاءِ إلَّا لِعُذْرٍ مِنْ نِفَاسٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّ أَمْرَهُنَّ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي التَّسَتُّرِ وَلِمَا فِي وَضْعِ ثِيَابِهِنَّ فِي غَيْرِ بُيُوتِهِنَّ مِنْ الْهَتْكِ وَلِمَا فِي خُرُوجِهِنَّ وَاجْتِمَاعِهِنَّ مِنْ الْفِتْنَةِ وَالشَّرِّ وَأَنْشَدَ دَهَتْك بِعِلَّةِ الْحَمَّامِ نَعَمْ

* وَمَالَ بِهَا الطَّرِيقُ إلَى يَزِيدَ قَالَ وَلِلدَّاخِلِ آدَابٌ مِنْهَا أَنْ يَتَذَكَّرَ بِحَرِّهِ حَرَّ النَّارِ وَيَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ حَرِّهَا ويسأله الجنة وان يكون قصده التنظف وَالتَّطَهُّرَ دُونَ التَّنْعِيمِ وَالتَّرَفُّهِ وَأَلَّا يَدْخُلَهُ إذَا رَأَى فِيهِ عَارِيًّا بَلْ يَرْجِعَ وَأَلَّا يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا يَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَلَا يُسَلِّمَ وَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا خَرَجَ وَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فَقَدْ كَانُوا يَقُولُونَ يَوْمُ الْحَمَّامِ يَوْمُ إثْمٍ وَرَوَى لِكُلِّ أَدَبٍ مِنْهَا خَبَرًا أَوْ أَثَرًا وَذَكَرَ آدَابًا أُخَرَ: وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ رحمه الله

فِي الْإِحْيَاءِ فِيهِ كَلَامًا حَسَنًا طَوِيلًا مُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِدُخُولِ الْحَمَّامِ: دَخَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَمَّامَاتِ الشَّامِ قَالَ وَعَلَى دَاخِلِهِ وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ فَعَلَيْهِ وَاجِبَانِ فِي عَوْرَتِهِ صَوْنُهَا عَنْ نَظَرِ غَيْرِهِ وَمَسِّهِ فَلَا يَتَعَاطَى أَمْرَهَا وَإِزَالَةَ وَسَخِهَا إلَّا بِيَدِهِ: وَوَاجِبَانِ فِي عَوْرَةِ غَيْرِهِ أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْهَا وَأَنْ يَنْهَاهُ عَنْ كَشْفِهَا لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَاجِبٌ فَعَلَيْهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ الْقَبُولُ قَالَ وَلَا يَسْقُطُ الْإِنْكَارُ إلَّا لِخَوْفِ ضَرَرٍ أَوْ شَتْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يُفِيدُ قَالَ وَلِهَذَا صَارَ الْحَزْمُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ تَرْكَ دُخُولِ الْحَمَّامِ إذْ لَا يَخْلُو عَنْ عَوْرَاتٍ مكشوفة لاسيما مَا فَوْقَ الْعَانَةِ وَتَحْتَ السُّرَّةِ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ إخْلَاءُ الْحَمَّامِ قَالَ وَالسُّنَنُ عَشْرٌ النِّيَّةُ بِأَنْ لايدخل عَبَثًا وَلَا لِغَرَضِ الدُّنْيَا بَلْ يَقْصِدَ التَّنَظُّفَ الْمَحْبُوبَ وَأَنْ يُعْطِيَ الْحَمَّامِيَّ الْأُجْرَةَ قَبْلَ دُخُولِهِ وَيُقَدِّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فِي دُخُولِهِ قَائِلًا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الْخَبِيثِ الْمُخْبِثِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنْ يَدْخُلَ

ص: 205

وَقْتَ الْخَلْوَةِ أَوْ يَتَكَلَّفَ إخْلَاءَ الْحَمَّامِ فَإِنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَمَّامِ إلَّا أَهْلُ الدِّينِ وَالْمُحْتَاطُونَ فِي الْعَوْرَاتِ فَالنَّظَرُ إلَى الْأَبَدَانِ مَكْشُوفَةً فِيهِ شَوْبٌ مِنْ قِلَّةِ الْحَيَاءِ وَهُوَ مُذَكِّرٌ لِلْفِكْرِ فِي الْعَوْرَاتِ ثُمَّ لَا يَخْلُو النَّاسُ فِي الْحَرَكَاتِ عَنْ انْكِشَافِ الْعَوْرَاتِ فَيَقَعُ عَلَيْهَا الْبَصَرُ وَأَنْ لَا يُعَجِّلَ بِدُخُولِ الْبَيْتِ الْحَارِّ حَتَّى يَعْرَقَ فِي الْأَوَّلِ وَأَلَّا يُكْثِرَ صَبَّ الْمَاءِ بَلْ يَقْتَصِرَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ فَهُوَ الْمَأْذُونُ فِيهِ وَأَنْ يَذْكُرَ بِحَرَارَتِهِ حَرَارَةَ نار جهنم لشبهه بهار وَأَلَّا يُكْثِرَ الْكَلَامَ وَيَكْرَهُ دُخُولُهُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَقَرِيبًا مِنْ الْغُرُوبِ وَأَنْ يَشْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا فَرَغَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَهِيَ النظافة ويكره من جهة الطلب صَبُّ الْمَاءِ الْبَارِدِ عَلَى الرَّأْسِ عِنْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ وَشُرْبُهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِغَيْرِهِ عَافَاك اللَّهُ وَلَا بِالْمُصَافَحَةِ وَلَا بِأَنْ يُدَلِّكَهُ غَيْرُهُ يَعْنِي فِي غَيْرِ الْعَوْرَةِ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ ثُمَّ ذَكَرَ فِي النِّسَاءِ كَلَامًا حَذَفْته لِكَوْنِ كَلَامِ السَّمْعَانِيِّ أَصْوَبَ مِنْهُ قَالَ وَإِذَا دَخَلَتْ الْمَرْأَةُ لِضَرُورَةٍ فَلَا تَدْخُلْ إلَّا بِمِئْزَرٍ سَابِغٍ قَالَ وَلَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ إلَّا سِرًّا وَلَا يُسَلِّمُ إذَا دَخَلَ فَقَدْ اتَّفَقَ هُوَ وَالسَّمْعَانِيُّ عَلَى تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَالسَّلَامِ فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ أنها لا تكره ولعل مرادهما الاولى تركها لا أنها مَكْرُوهَةٌ: وَأَمَّا تَرْكُ السَّلَامِ فَقَدْ وَافَقَهُمَا عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ السَّلَامُ لِدَاخِلِهِ عَلَى مَنْ فِيهِ لِأَنَّهُ بَيْتُ

الشَّيْطَانِ وَلِأَنَّ النَّاسَ يَكُونُونَ مُشْتَغِلِينَ بِالتَّنَظُّفِ وَكَذَا قَالَهُ غَيْرُهُمْ: والحمام مذكر لا مؤنث كذا نقه الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَةِ عَنْ الْعَرَبِ: وَنَقَلَهُ غَيْرُهُ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الماء الحار والله أعلم وبه التوفيق

* [باب التيمم] قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله التَّيَمُّمُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقَصْدُ يُقَالُ تَيَمَّمْت فُلَانًا وَيَمَّمْتُهُ وَتَأَمَّمْتُهُ وَأَمَمْتُهُ أَيْ قَصَدْته وَالتَّيَمُّمُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهُوَ رُخْصَةٌ وَفَضِيلَةٌ اخْتَصَّتْ بِهَا هَذِهِ الْأُمَّةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا لَمْ يُشَارِكْهَا فِيهَا غَيْرُهَا مِنْ الْأُمَمِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ

ص: 206

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ مُخْتَصٌّ بِالْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ أَوْ الْأَكْبَرِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ عَنْ كُلِّ الْأَعْضَاءِ أَوْ بَعْضِهَا: قال المصنف رحمه الله

* [يجوز التيمم عن الحدث الاصغر لقوله تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صعيدا طيبا) وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ لما روى عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما قال أجنبت فتمعكت في التراب فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فقال صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هكذا وضرب يديه على الارض ومسح وجهه وكفيه) ولانه طهارة عن حدث فناب عنها التيمم كالوضوء ولا يجوز ذلك عن ازالة النجاسة لانها طهارة فلا يؤمر بها للنجاسة في غير محل النجاسة كالغسل]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وقَوْله تَعَالَى (صَعِيدًا طيبا) قِيلَ حَلَالًا وَقِيلَ طَاهِرًا وَهُوَ الْأَظْهَرُ الْأَشْهَرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ تَمَعَّكْت أَيْ تَدَلَّكْت وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ تَمَرَّغْت وَهُوَ بِمَعْنَى تَدَلَّكْت: وَرَاوِي الْحَدِيثِ عَمَّارٌ تَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِهِ فِي آخِرِ السِّوَاكِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلْعِبَارَةِ عَنْ حَدِيثٍ ضَعِيفٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَدْ نَبَّهْت عَلَى مِثْلِهِ مَرَّاتٍ وَذَكَرْته فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ طَهَارَةِ

النَّجَسِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَهُوَ الْجَنَابَةُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ وَكَذَا الْوِلَادَةُ إذَا قُلْنَا تُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَلَا يَجُوزُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ هُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَقَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَجِبُ فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَهُوَ وَاجِبٌ فِي حَالٍ جَائِزٌ فِي حَالٍ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَضَاقَ الْوَقْتُ وَجَبَ وَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَا يَجِبُ بَلْ لَوْ اشْتَرَاهُ وَتَوَضَّأَ كَانَ أَفْضَلَ وَكَذَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ وَأَرَادَ نَافِلَةً أَوْ فَرِيضَةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ التَّيَمُّمُ وَلَمْ يَجِبْ

* (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ جَائِزٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ

ص: 207

الصحابة والتابعين ومن بعدهم الا عمربن الْخَطَّابِ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ التَّابِعِيَّ فَإِنَّهُمْ مَنَعُوهُ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ إنَّ عُمَرَ وَعَبْدَ اللَّهِ رَجَعَا

* وَاحْتَجَّ لمن منعه بأن الآية فيها إبَاحَتِهِ لِلْمُحْدِثِ فَقَطْ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى قَوْله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ثُمَّ قَالَ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وَهُوَ عَائِدٌ إلَى الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ جَمِيعًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ لَوْ أَنَّ جُنُبًا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ شَهْرًا لَا يَتَيَمَّمُ قَالَ أَبُو مُوسَى لَهُ كَيْفَ يَصْنَعُ بهذه الآية (فلم تجدوا ماء فتيمموا) فقال عبد الله لو رخص لهم لا وشكو إذَا بَرَدَ عَلَيْهِمْ الْمَاءُ أَنْ يَتَيَمَّمُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا مُتَّفِقِينَ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ وَاحْتَجُّوا مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ السَّابِقِ وَهُوَ فِي الصحيحين وبحديث عمر ان بْنِ الْحُصَيْنِ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ثُمَّ رَأَى رَجُلًا مُعْتَزِلًا لَمْ يُصَلِّ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا فُلَانُ مَا مَنَعَك أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ الْقَوْمِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ عَلَيْك بِالصَّعِيدِ فَإِنَّهُ يَكْفِيَك فَلَمَّا حَضَرَ الْمَاءُ أَعْطَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا الرَّجُلَ إنَاءً مِنْ مَاءٍ فَقَالَ اغْتَسِلْ بِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَعْزُبُ فِي الْإِبِلِ وَتُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ فَأَخْبَرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ

وَالنَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته: وَمِنْ الْقِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ مَا كَانَ طَهُورًا فِي الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ كَانَ فِي الْأَكْبَرِ كَالْمَاءِ وَأَمَّا الْآيَةُ فَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ التَّيَمُّمِ عَنْ الْجَنَابَةِ بَلْ فِيهَا جَوَازُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا بَيَانُهُ فَقَدْ بَيَّنَتْهُ السُّنَّةُ

* (فَرْعٌ)

إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ وَاَلَّتِي انْقَطَعَ حَيْضُهَا وَنِفَاسُهَا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لَزِمَهُ الْغُسْلُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيَّ فَقَالَ لَا يَلْزَمُهُ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ السَّابِقَانِ

*

ص: 208

(فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمُعْزِبِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَادِمًا لِلْمَاءِ وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَيَتَيَمَّمُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى جَوَازِ الْجِمَاعِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَالُوا فَإِنْ قَدَرَ عَلَى غَسْلِ فَرْجِهِ فَغَسَلَهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا فَإِنْ لَمْ يَغْسِلْ فَرْجَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ وَإِلَّا فَلَا إعَادَةً هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَ الْجِمَاعِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَعَنْ مَالِكٍ قَالَ لَا أُحِبُّ أَنْ يُصِيبَ امْرَأَتَهُ إلَّا وَمَعَهُ مَاءٌ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ ثَلَاثَ لَيَالٍ لَمْ يُصِبْهَا وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ جَازَ وَعَنْ أَحْمَدَ فِي كَرَاهَتِهِ رِوَايَتَانِ: دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ مَا احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ الْجِمَاعَ مُبَاحٌ فَلَا نَمْنَعُهُ وَلَا نَكْرَهُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلَالَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ يَغِيبُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ أَيُجَامِعُ أَهْلَهُ قَالَ (نَعَمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ عَنْ النَّجَاسَةِ لَا يَجُوزُ وَمَعْنَاهُ إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَتَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِي وُجُوبِ

إعَادَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ يَقُولُونَ يَمْسَحُ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِتُرَابٍ وَيُصَلِّي قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْمَعْرُوفُ من قول الشافعي بمصران التَّيَمُّمَ لَا يُجْزِئُ عَنْ نَجَاسَةٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يُؤْمَرُ بِهَا لِلنَّجَاسَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَدَثِ فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ بِطَهَارَتِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ: وَقَوْلُهُ كَالْغَسْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ مَعْنَاهُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ فَلَا يُؤْمَرُ بِالْغَسْلِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهَا وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ فَلَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ الْحَدَثُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 209

[والتيمم مسح الوجه واليدين مع المرفقين بضربتين أو أكثر والدليل عليه ما روى أبو أمامة وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى المرفقين) وحكي بعض أصحابنا عن الشافعي رحمه الله أنه قال في القديم التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة للكفين ووجهه في حديث عمار: وانكر الشيخ أبو حامد ذلك وقال المنصوص في القديم والجديد هو الاول: ووجهه أنه عضو في التيمم فوجب استيعابه كالوجه وحديث عمار ويتأل علي انه مسح كفيه إلى المرفقين بدليل حديث أبي امامة وابن عمر]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ فَمُنْكَرٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الياء بن عَجْلَانَ الْبَاهِلِيُّ مِنْ بَنِي بَاهِلَةَ سَكَنَ حِمْصَ رضي الله عنه وَابْنُ عُمَرَ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مَسْحِ الْخُفِّ وَالْعُضْوِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا: وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ فِي التَّيَمُّمِ احْتَرَزَ بِعُضْوٍ عَنْ مَسْحِ الخف وبالتيمم عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ

* وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ التَّيَمُّمَ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ فَإِنْ حَصَلَ اسْتِيعَابُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِالضَّرْبَتَيْنِ وَإِلَّا وَجَبَتْ الزِّيَادَةُ حَتَّى يَحْصُلَ الِاسْتِيعَابُ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَكْفِي مَسْحُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَأَنْكَرَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَهَذَا الْإِنْكَارُ فَاسِدٌ فَإِنَّ أَبَا ثَوْرٍ مِنْ خَوَاصِّ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَثِقَاتِهِمْ وَأَئِمَّتِهِمْ فَنَقْلُهُ عَنْهُ مَقْبُولٌ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي

الْقَدِيمِ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْهُ مُشَافَهَةً وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا مَرْجُوحًا عِنْدَ الْأَصْحَابِ فَهُوَ الْقَوِيُّ فِي الدَّلِيلِ وَهُوَ الْأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ السُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُشْتَرَطُ ضَرْبَتَانِ بَلْ الْوَاجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِضَرْبَتَيْنِ أَوْ ضَرْبَةٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا فِي وَاجِبَاتِ التَّيَمُّمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا: وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الضَّرْبَتَيْنِ عَنْ عَلِيِّ بن أبي طالب وابن عمروالحسن الْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَسَالِمٍ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٍ والليث

ص: 210

وَالثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ: وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا ثَلَاثُ ضَرْبَاتٍ ضَرْبَةٌ لِوَجْهِهِ وَضَرْبَةٌ لِكَفَّيْهِ وَضَرْبَةٌ لِذِرَاعَيْهِ: وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَبِهِ: قَالَ دَاوُد وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: وَأَمَّا قَدْرُ الْوَاجِبِ مِنْ الْيَدَيْنِ فَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ إلَى الْكَفَّيْنِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ مَسْحُهُمَا إلَى الْإِبِطَيْنِ وَمَا أَظُنُّ هَذَا يَصِحُّ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا وَرَاءَ الْمِرْفَقَيْنِ: وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ بِحَدِيثِ عَمَّارٍ قَالَ أَجْنَبْت فَتَمَعَّكْت فِي التُّرَابِ وَصَلَّيْت فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا فَضَرَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِكَفَّيْهِ الْأَرْضَ فَنَفَخَ فِيهِمَا ثُمَّ مَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَا يَظْهَرُ الِاحْتِجَاجُ بِهَا فَتَرَكْتهَا وَأَقْرَبُهَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْلِ الْيَدِ إلَى الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ وَقَالَ فِي آخِرِ الْآيَةِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم) وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُرَادَ الْمَوْصُوفَةُ أَوَّلًا وَهِيَ الْمِرْفَقُ وهذا المطلق محمول على ذلك المقيد لاسيما وهى آية واحدة وذكر الشَّافِعِيُّ رحمه الله هَذَا الدَّلِيلَ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ كَلَامًا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ الآية ثم أسقط منها عضوين في الآية فِي آخِرِ الْآيَةِ فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا وَقَدْ أَجْمَعَ

الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ يُسْتَوْعَبُ فِي التَّيَمُّمِ (1) كَالْوُضُوءِ فَكَذَا الْيَدَانِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إنَّمَا مَنَعَنَا أَنْ نأخذ برواية عَمَّارٍ فِي الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ ثُبُوتُ الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ وَأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالْقُرْآنِ وَالْقِيَاسُ

(1) نقله الاجماع على استيعاب الوجه في التيمم فيه نظر فقد نقل رحمه الله بعد هذا بنحو كراس عن ابى حنيفة أربع روايات وعن سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ ولم يذكر مسح الرأس عند ابن داود ولكن كلامه يشعر أنه لا يوجب الاستيعاب في الموضعين اه اذرعى

ص: 211

وفى ان البدل من الشئ يكون قال البيهقى حديث عمار ثبت مِنْ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَ الذِّرَاعَيْنِ جيد بشواهده ورواه عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (التَّيَمُّمُ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ) وَعَنْ أَبِي جُهَيْمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ (أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَقْبَلَ إلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عليه السلام رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا مُسْنَدًا وَذَكَرَهُ مُسْلِمٌ تَعْلِيقًا وَهُوَ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَتِهِ قَالَ مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِكَّةٍ مِنْ السِّكَكِ وَقَدْ خَرَجَ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَتَّى كَادَ الرَّجُلُ يَتَوَارَى فِي السِّكَّةِ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْجِدَارِ وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ ثُمَّ ضَرَبَ ضَرْبَةً أُخْرَى فَمَسَحَ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ وَقَالَ (إنِّي لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْك السَّلَامَ إلَّا أَنِّي لَمْ أَكُنْ عَلَى طُهْرٍ) هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ إلَّا أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ وَلَيْسَ هُوَ بِالْقَوِيِّ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي حَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ يُعَضِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَالَ وَلَهُ شَاهِدٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَرَ حَدِيثَهُ هَذَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَنْ الْعَبْدِيِّ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَذَكَرَهُمْ قَالَ وَأَنْكَرَ الْبُخَارِيُّ عَلَى الْعَبْدِيِّ رَفْعَ هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَفْعُهُ غَيْرُ مُنْكَرٍ فَقَدْ صَحَّ رفعه من جهة الضحاك ابن عُثْمَانَ وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُسَامَةَ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ الْعَبْدِيُّ فِيهِ بِذِكْرِ الذِّرَاعَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ: التَّيَمُّمُ ضَرْبَتَانِ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدَيْنِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ فَقَوْلُهُ وَفِعْلُهُ يَشْهَدُ لِصِحَّةِ رِوَايَةِ الْعَبْدِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُخَالِفُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ

أَخَذْنَا بِحَدِيثِ مَسْحِ الذِّرَاعَيْنِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلِلْقِيَاسِ وَأَحْوَطُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْكَفَّيْنِ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ وَوُجُوبُ الذِّرَاعَيْنِ أَشْبَهُ بِالْأُصُولِ وَأَصَحُّ فِي الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز التيمم الا بالتراب لما روى حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

ص: 212

قال (فضلنا على الناس بثلاث جعلت لنا الارض مسجد أو جعل ترابها لنا طهورا وجعلت صفوفنا كصفوف الملائكه) فعلق الصلاة على الارض ثم نزل في التيمم إلى التراب فلو جاز التيمم بجميع الارض لما نزل عن عن الارض إلى التراب ولانه طهارة عن حدث فاختص بجنس واحد كالوضوء]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حُذَيْفَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ فِيهِ جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا وَتُرْبَتُهَا طَهُورًا قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا لَمْ تُبَحْ لَهُمْ الصَّلَاةُ إلَّا فِي الْبِيَعِ وَالْكَنَائِسِ وَالتُّرَابُ مَعْرُوفٌ وَلَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ اسْمًا ذَكَرْتهَا مُفَصَّلَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ إلَّا إذَا اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ وَنَقَلَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ الْمُبَرِّدِ أَنَّهُ جَمْعٌ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ: وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّبَاغِ

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِتُرَابٍ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَتَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَنَّاطِيِّ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ أَنَّهُ حَكَى فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالذَّرِيرَةِ وَالنُّورَةِ وَالزِّرْنِيخِ وَالْأَحْجَارِ الْمَدْقُوقَةِ وَالْقَوَارِيرِ الْمَسْحُوقَةِ وَأَشْبَاهِهَا قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَهَذَا نَقْلٌ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ شَاذٌّ مَرْدُودٌ انما أَذْكُرُهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَالصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِتُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجُوزُ بِكُلِّ أجزاء الارض حتى بصخرة مغسولة وقال بعص أَصْحَابِ مَالِكٍ يَجُوزُ بِكُلِّ مَا اتَّصَلَ بِالْأَرْضِ كَالْخَشَبِ وَالثَّلْجِ وَغَيْرِهِمَا وَفِي الْمِلْحِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِأَصْحَابِ: مَالِكٍ أَحَدُهَا: يَجُوزُ: وَالثَّانِي لَا: وَالثَّالِثُ وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَشْهَرُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ مَصْنُوعًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يَجُوزُ بِالثَّلْجِ وَكُلُّ مَا عَلَى الْأَرْضِ

* وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا) وَالصَّعِيدُ مَا عَلَى الْأَرْضِ

وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي الْجُهَيْمِ السَّابِقِ فِي التَّيَمُّمِ بِالْجِدَارِ وَبِحَدِيثِ عَمَّارٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيك هَكَذَا ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ ثُمَّ نَفَضَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ وَجْهَهُ وَكَفَّيْهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وفى رواية

ص: 213

لِمُسْلِمٍ (إنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْك الْأَرْضَ ثُمَّ تَنْفُخَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَكَفَّيْك) قَالُوا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِتُرَابٍ ذِي غُبَارٍ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ كَمَا قُلْتُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِجَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِجِنْسٍ (1) كالدباغ

* واحتج أصحابنا بقول الله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أن يمسح بماله غُبَارٌ يَعْلَقُ بَعْضُهُ بِالْعُضْوِ وَبِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ (الصَّعِيدُ الْحَرْثُ حَرْثُ الْأَرْضِ) وَبِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الصَّعِيدُ مَا صَعِدَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ فَلَا نُسَلِّمُ اخْتِصَاصَهُ بِهِ بَلْ هُوَ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَعَلَى التُّرَابِ وَعَلَى الطَّرِيقِ كَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُخَصَّ بِأَحَدِ الْأَنْوَاعِ إلَّا بدليل ومعنى حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَتَفْسِيرُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُرْجُمَانِ الْقُرْآنِ بِتَخْصِيصِ التُّرَابِ: وَأَمَّا حَدِيثُ (جُعِلَتْ لَنَا الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَمُخْتَصَرٌ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَيَّدَهُ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ: وَأَمَّا التَّيَمُّمُ بِالْجِدَارِ فَمَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ لِأَنَّ جُدْرَانَهُمْ مِنْ الطِّينِ فَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْغُبَارِ مِنْهَا وَحَدِيثُ النَّفْخِ فِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِقَ بِالْيَدِ غُبَارٌ كَثِيرٌ فَخَفَّفَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِاسْتِحْبَابِ تَخْفِيفِهِ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ ثُمَّ يَنْفُخُ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا عَلِقَ بِهِمَا غُبَارٌ كَثِيرٌ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِإِزَالَةِ جَمِيعِ الْغُبَارِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالدِّبَاغِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالدِّبَاغِ تَنْشِيفُ فُضُولِ الْجِلْدِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِأَنْوَاعٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ فَاخْتَصَّتْ بِمَا جَاءَتْ به السنة كالوضوء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [فأما الرمل فقد قال آخر في القديم والاملاء يجوز التيمم به وقال في الام لا يجوز فمن اصحابنا من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والاملاء محمول على رمل يخالطه التراب ومنهم من قال على قولين أحدهما يجوز لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (انا بأرض الرمل وفينا الجنب والحائض ونبقى أربعة أشهر لانجد الماء فقال صلى الله عليه وسلم

(عليكم بالارض) والثاني لا يجوز لانه ليس بتراب فأشبه الجص]

*

(1) قال ابن كج هو منتقض بالحديد وبرادة الحديد والفضة وتراب المعادن اه اذرعى

ص: 214

[الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ ضَعِيفَةٍ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَجَاءَ فِي بَعْضِهَا عَلَيْكُمْ بِالتُّرَابِ وَصُورَةُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الَّتِي ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِيهَا الطَّرِيقَيْنِ فِي رَمْلٍ خَالِصٍ لَا يُخَالِطُهُ تُرَابٌ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ان الصحيح طريقة التفصيل وهو انه خَالَطَهُ تُرَابٌ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (1) قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ طَرِيقَةُ الْقَوْلَيْنِ هِيَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فَإِنْ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ رَمْلٌ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى رَمْلٍ دَقِيقٍ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُوَ فِي رَمْلٍ خَشِنٍ لَا يَلْصَقُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا إذَا خَالَطَهُ دَقِيقٌ وَنَحْوُهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّهُ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْجَصَّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان أحرق الطين وتيمم بمدقوقه ففيه وجهان أحدهما لا يجوز التيمم به كما لا يجوز بالخزف المدقوق: والثاني يجوز لان احراقه لم يزل اسم الطين والتراب عن مدقوقه بخلاف الخزف ولا يجوز الا بتراب له غبار يعلق بالعضو فان تيمم بطين رطب أو تراب ند لا يعلق غباره لم يجز لقوله تعالى (فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) وهذا يقتضى أنه يمسح بجزء من الصعيد ولانه طهارة فوجب ايصال الطهور فيها الي محل الطهارة كمسح الرأس ولا يجوز بتراب نجس لانه طهارة فلا تجرز بالنجس كالوضوء: ولا يجوز بما خالطه جص أو دقيق لانه ربما حصل علي العضو فمنع وصول التراب إليه ولا يجوز بما استعمل في العضو فأما ما تناثر من أعضاء المتيمم ففيه وجهان أحدها لا يجوز التيمم به كما لا يجوز الوضوء بما تساقط من أعضاء المتوضئ: والثاني يجوز لان المستعمل منه ما بقى علي العضو وما تناثر غير مستعمل فجاز التيمم به ويخالف الماء لانه لا يدفع بعضه بعضا والتراب

يدفع بعضه بعضا فدفع ما أدى به الغرض في العضو ما تناثر منه]

*

ص: 215

[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا أَحْرَقَ الطِّينَ وَتَيَمَّمَ بِمَدْقُوقِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والبغوى وَالْأَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبِ الْبَحْرِ وَالْمُحَقِّقِينَ الْجَوَازُ وَهَذَا أَظْهَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ غَلَطٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ وَبَاطِنُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ احْتَرَقَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ فَفِيهِ وَفِي الطِّينِ الْخُرَاسَانِيِّ إذَا دُقَّ وَجْهَانِ والاظهر الجواز مطلقا اما ذا أَصَابَتْهُ نَارٌ فَاسْوَدَّ وَلَمْ يَحْتَرِقْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ تُرَابٌ وَلَا يُشْبِهُ الْخَزَفَ بِحَالٍ وَلَوْ احْتَرَقَ فَصَارَ رَمَادًا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ كَالْخَزَفِ: نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ كَوْنُ التُّرَابِ لَهُ غُبَارٌ يَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُشْتَرَطُ الْغُبَارُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بدلائلها: وقوله تراب ندهو بِتَنْوِينِ الدَّالِ مِثْلُ شَجٍ: (الثَّالِثَةُ) لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ نَجِسٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فَإِنَّهُ جَوَّزَهُ بِتُرَابِ الْمَقَابِرِ قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ إذَا لَمْ تَكُنْ مَنْبُوشَةً فَيُوَافِقُنَا

* وَاحْتَجَّ المحاملي وغيره بقوله تعالى (صعيدا طيبا) قَالُوا وَالْمُرَادُ طَاهِرًا وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ فِي مَعْنَى الطَّيِّبِ فِي الْآيَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الدِّبَاغِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالنَّجِسِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا سَبَقَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التُّرَابُ الَّذِي خَالَطَتْهُ النَّجَاسَةُ كَثِيرًا أَوْ قَلِيلًا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمَاءِ الْكَثِيرِ لِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةً تَدْفَعُ النَّجَاسَةَ وذكره أَصْحَابُنَا هُنَا تُرَابَ الْمَقَابِرِ وَحُكْمُهُ أَنَّهُ إذَا تَيَقَّنَ نَبْشَهَا فَتُرَابُهَا نَجِسٌ وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَ نَبْشِهَا فَتُرَابُهَا طَاهِرٌ وَإِنْ شَكَّ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ فَحَيْثُ قُلْنَا طَاهِرٌ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا إلَّا أَنَّهَا إذَا لَمْ تُنْبَشْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ لِكَوْنِهَا مَدْفِنَ النَّجَاسَةِ وَلَا يُكْرَهُ التَّيَمُّمُ بِتُرَابِهَا لِأَنَّهُ طَاهِرٌ فَهُوَ كَغَيْرِهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَسَنٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَقَعَ الْمَطَرُ عَلَى الْمَقْبَرَةِ لَمْ

ص: 216

يَصِحَّ التَّيَمُّمُ بِهَا لِأَنَّ صَدِيدَ الْمَيِّتِ قَائِمٌ فِيهَا لَا يُذْهِبُهُ الْمَطَرُ كَمَا لَا يُذْهِبُ التُّرَابَ قَالَ وَهَكَذَا كُلُّ مَا اخْتَلَطَ مِنْ الْأَنْجَاسِ بِالتُّرَابِ مِمَّا يَصِيرُ كَالتُّرَابِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ هُنَا التَّيَمُّمَ بِالْأَرْضِ الَّتِي أَصَابَتْهَا نَجَاسَةٌ ذَائِبَةٌ فَزَالَ أَثَرُهَا بِالشَّمْسِ وَالرِّيحِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهَا لَا تُطَهِّرُ فَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تُطَهِّرُ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ إذَا قُلْنَا بِالْقَدِيمِ فَهِيَ طَاهِرَةٌ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا وَفِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِتُرَابِهَا قَوْلَانِ قَالَ وَهَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَجَعَلَهُ طَاهِرًا فِي حُكْمٍ دُونَ حُكْمٍ هَذَا كَلَامُ الْقَفَّالِ وَهُوَ شَاذٌّ وَمَنْعُ بَيْعِ الْمَدْبُوغِ لَيْسَ لِلنَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الرَّابِعَةُ) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ جَصٌّ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ زَعْفَرَانُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي تَعْلَقُ بِالْعُضْوِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْخَلِيطُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مُسْتَهْلَكًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَحَكَى الْأَصْحَابُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْخَلِيطُ مُسْتَهْلَكًا كَمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الَّذِي اُسْتُهْلِكَ فِيهِ مَائِعٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَاءَ يَجْرِي بطبعه فإذا أصاب المائع موضع جَرَى الْمَاءُ بَعْدَهُ وَأَمَّا الْخَلِيطُ فَرُبَّمَا عَلِقَ بِالْعُضْوِ فَمَنَعَ التُّرَابَ مِنْ الْعُلُوقِ وَلِأَنَّ لِلْمَاءِ قُوَّةَ التَّطْهِيرِ وَلِأَنَّهُ لَا تَضُرُّهُ النَّجَاسَةُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِخِلَافِ التُّرَابِ وَأَمَّا إذَا اخْتَلَطَ بِالتُّرَابِ فُتَاتُ الْأَوْرَاقِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ كَالزَّعْفَرَانِ يَعْنِي فَيَكُونُ فِيهِ التَّفْصِيلُ وَالْخِلَافُ وَقِيلَ يُعْفَى عَنْهُ كَمَا فِي الْمَاءِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَالَطَةِ الدَّقِيقِ وَنَحْوِهِ وَمُخَالَطَةِ الرَّمْلِ حَيْثُ جَازَ فِي الرَّمْلِ دُونَ الدَّقِيقِ قُلْنَا الدَّقِيقُ يَعْلَقُ بِالْيَدِ كَمَا يَعْلَقُ التُّرَابِ فَيَمْنَعُ التُّرَابَ وَالرَّمْلُ لَا يَعْلَقُ أَمَّا إذَا خَالَطَ التُّرَابَ مَائِعٌ طَاهِرٌ مِنْ طِيبٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ لَبَنٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ إنْ تَغَيَّرَ بِهِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِلَّا جَازَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ ثُمَّ جَفَّ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ بِالْجَفَافِ ذَهَبَ مَاءُ الْوَرْدِ وَبَقِيَتْ رائحته المجاورة

*

ص: 217

(فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْجَصَّ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ وَأَغْرَبَ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَيْضَاوِيُّ فَحَكَى فِي كِتَابِهِ شَرْحِ التَّبْصِرَةِ لَهُ فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِالْجَصِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُحَرَّقًا لَمْ يَجُزْ والا جاز وبهذا الثلث قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ.

(الْخَامِسَةُ) التُّرَابُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيهِ صُوَرٌ إحْدَاهَا أَنْ يَلْصَقَ بِالْعُضْوِ ثُمَّ يُؤْخَذَ مِنْهُ فَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِخِلَافِ الْمَاءِ وَاخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيسِهِ (1) أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ يَلْتَفِتُ عَلَى أَنَّ سَبَبَ الِاسْتِعْمَالِ فِي الْمَاءِ هُوَ انْتِقَالُ الْمَنْعِ أَمْ تَأَدِّي الْعِبَادَةِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُصِيبَ الْعُضْوَ ثُمَّ يَتَنَاثَرَ مِنْهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لا يجوز التيمم صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ والفوراني وامام الحرمين وابن الصباغ والبغوى وصاحب العمدة وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْوَجْهُ الْآخَرُ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَتَسَاقَطَ عَنْ الْعُضْوِ وَلَمْ يَكُنْ لَصِقَ بِهِ وَلَا مَسَّهُ بَلْ لَاقَى مَا لَصِقَ بِالْعُضْوِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَعْمَلٍ كَالْبَاقِي عَلَى الْأَرْضِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ وَلَا مَعْنَى لِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ التُّرَابِ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَبْيَضِ وَالْأَسْوَدِ وَالْأَعْفَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ التُّرَابُ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِي الْبَيَانِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالتُّرَابِ الْأَرْمَنِيِّ وَلَا بِالْمَأْكُولِ وليس بشئ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ وَالصَّعِيدُ التُّرَابُ مِنْ كُلِّ أَرْضٍ سَبَخِهَا وَمَدَرِهَا وَبَطْحَائِهَا وَغَيْرِهَا وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا يُتَيَمَّمُ بِبَطْحَاءَ رَقِيقَةً كَانَتْ أَوْ غَلِيظَةً قَالَ أَصْحَابُنَا السَّبْخَةُ التُّرَابُ الَّذِي فِيهِ مُلُوحَةٌ وَلَا يُنْبِتُ فَالتَّيَمُّمُ به جائز وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمَا مَنَعَاهُ لقول تعالى (صعيدا طيبا) ودلينا أن النبي صلي الله

(1) قال الشيخ أبو عمرو وينبغى الا يصح التيمم به عليهما وهذا حسن لان المنع زال في بعض الصلوات اه اذرعى

ص: 218

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ الْمَدِينَةِ وَهِيَ سَبِخَةٌ وَلِأَنَّهُ جِنْسٌ يُتَطَهَّرُ بِهِ فَاسْتَوَى مِلْحُهُ وَعَذْبُهُ كَالْمَاءِ وَأَمَّا الطَّيِّبُ فِي الْآيَةِ فَمَعْنَاهُ الطَّاهِرُ وَقِيلَ الْحَلَال كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْمَدَرُ فَهُوَ التُّرَابُ الَّذِي يُصِيبُهُ الْمَاءُ فَيَجِفُّ وَيَصْلُبُ وَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا دُقَّ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ غُبَارٌ وَأَمَّا الْبَطْحَاءُ فَهُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَبِالْمَدِّ ويقال فِيهِ الْأَبْطَحُ ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ فَالصَّحِيحُ الْأَوْضَحُ مَا ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ التُّرَابُ اللَّيِّنُ فِي مَسِيلِ الْمَاءِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ مَجْرَى السَّيْلِ إذَا جَفَّ وَاسْتَحْجَرَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا الْقَاعُ وَالثَّانِي الْأَرْضُ الصُّلْبَةُ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ بِالْبَطْحَاءِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُخْتَصَرِ يَجُوزُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ لَا يَجُوزُ أَرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا تُرَابٌ يَعْلَقُ بِالْيَدِ وَقَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْحَمْأَةُ الْمُتَغَيِّرَةُ إذَا جَفَّتْ وَسُحِقَتْ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهَا لِأَنَّهَا طِينٌ خُلِقَ مُنْتِنًا فَهِيَ كَالْمَاءِ الَّذِي خُلِقَ مُنْتِنًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بمدقوق الكذان وهو جر؟ ؟ ؟ رَخْوٌ يَصِيرُ بِالدَّقِّ كَالتُّرَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْجَمَاعَةُ من موضع واحد كما يتوضؤن مِنْ إنَاءٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ الْوَاحِدُ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ يَسْتَصْحِبُهُ مَعَهُ فِي خِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا مَرَّاتٍ كَمَا يَتَوَضَّأُ مِنْ إنَاءٍ مَرَّاتٍ: (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ مِنْ غُبَارِ تُرَابٍ عَلَى مِخَدَّةٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ أَدَاةٍ وَنَحْوِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى حِنْطَةٍ أَوْ شَعِيرٍ فِيهِ غُبَارٌ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ الصَّعِيدَ وَهَذَا الوجه ليس بشئ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَبَقَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ) وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الصَّعِيدَ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى غَيْرِهَا: (الرَّابِعَةُ) الْأَرَضَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَهِيَ دُوَيْبَّةٌ تَأْكُلُ الْخَشَبَ وَالْكُتُبَ وَنَحْوَهَا إذَا اسْتَخْرَجَتْ تُرَابًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ اسْتَخْرَجَتْهُ مِنْ مَدَرٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَاطُهُ بِلُعَابِهَا فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فَصَارَ كتراب عجن

بخل أو ماء وزد وَإِنْ اسْتَخْرَجَتْ شَيْئًا مِنْ الْخَشَبِ لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ التُّرَابِ: (الْخَامِسَةُ) لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ حَيَوَانٍ إنْ كَانَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا نَظَرَ إنْ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ التراب في

ص: 219

حَالِ رُطُوبَتِهِ أَوْ أَصَابَهُ عَرَقُهُ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ طَاهِرٌ لِعِلْمِهِ بِانْتِفَاءِ ذَلِكَ جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي تَقَابُلِ الْأَصْلِ والظاهر قال صاحب البحر والاصح الجواز هذا الَّذِي ذَكَرُوهُ مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ وَلَيْسَ هُنَا ظَاهِرٌ يُعَارِضُهُ وَإِنْ كَانَ حَيَوَانًا آخَرَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً فَفِيهَا تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يصح التيمم الا بالنية لما ذكرناه في الوضوء وينوى بالتيمم استباحة الصلاة فان نوى رفع الحدث ففيه وجهان أحدهما لا يصح لانه لا يرفع الحدث والثاني يصح لان نية رفع الحدث تتضمن استباحة الصلاة]

* [الشَّرْحُ] النِّيَّةُ فِي التَّيَمُّمِ وَاجِبَةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَأَمَّا صِفَةُ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ مالا يُبَاحُ إلَّا بِالطَّهَارَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَوَى مُقْتَضَاهُ وَإِنْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ بُنِيَ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ (1) يَرْفَعُ فِي حَقِّ فَرِيضَةٍ وَاحِدَةٍ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي تَيَمُّمِ الْجُنُبِ وَأَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهُ بِالِاغْتِسَالِ حِينَ وَجَدَ الْمَاءَ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ السَّابِقُ أَيْضًا (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ فا اوَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ العاص حين تيمم فقال النبي صلى صلى الله عليه وسلم (صَلَّيْت بِأَصْحَابِك وَأَنْتَ جُنُبٌ) وَكُلُّهَا أَحَادِيثُ صِحَاحٌ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا ارْتَفَعَ إذْ لَوْ ارْتَفَعَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الِاغْتِسَالِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ ضَعِيفٌ

مَعْدُودٌ مِنْ الْغَلَطَاتِ فَإِنَّ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ لَا يَتَبَعَّضُ فَإِذَا نَوَى الْمُتَيَمِّمُ رَفْعَ الْحَدَثِ إنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ صَحَّ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطيب وجماعات: والثاني يصح (2) ونقله بن خيران قولا

(1) حكاه ابن كج عن تخريج ابى على بن خيران اعني انه إذا نوى رفع الحدث صح تيممه اه اذرعى (2) انما خرجه ابن خيران كما نقله عنه اعلاه وقال ابن كج إذا نوى رفع الحدث فتيممه باطل وقيل فيه وجه آخر ضعيف انه يجزيه ولو كانت بحالها فنوى رفع الحدث واستباحة صلاة فريضة فحكى أبو الحسين وجهين احدهما تيممه باطل لنية رفع الحدث والثاني صحيح ويستبيح تلك الصلاة لانه نواها وتلغوا نية رفع الحدث اه اذرعي

ص: 220

وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْجَنَابَةِ فَكَمُحْدِثٍ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَلَوْ نويا الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمُتَابِعُوهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

ذَكَرْنَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ دَاوُد وَالْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يَرْفَعُهُ دَلِيلُنَا ما سبق * قال المصنف رحمه الله

* وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ إلَّا بِنِيَّةِ الْفَرْضِ فَإِنْ نَوَى بِتَيَمُّمِهِ صَلَاةً مُطْلَقَةً أَوْ صَلَاةً نَافِلَةً لَمْ يَسْتَبِحْ الْفَرِيضَةَ وَحَكَى شَيْخُنَا أَبُو حَاتِمٍ القزويني أن أبا يعقوب الابيوردي عن الاملاء قولا آخر انه يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ طَهَارَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ كَالْوُضُوءِ وَاَلَّذِي يَعْرِفُهُ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْ أَصْحَابِنَا كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَشَيْخِنَا القاضى أبى الطيب أنه لا يستبيح الْفَرْضَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ حَتَّى يَنْوِيَهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَاسْتَبَاحَ بِهِ الْجَمِيعَ وَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى تَعْيِينِ الْفَرِيضَةِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُفْتَقَرُ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ افْتَقَرَ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ افْتَقَرَ إلَى تَعْيِينِهَا كَأَدَاءِ الصَّلَاةِ: وَالثَّانِي لَا يُحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ]

* [الشَّرْحُ] ينبغى المتيمم لِفَرِيضَةٍ أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ تِلْكَ الْفَرِيضَةِ بِعَيْنِهَا فَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ مُطْلَقًا وَلَمْ يُعَيِّنْ فوجهان مشهوران في طريقة العراقيين أصحهما بجزئه وَيَسْتَبِيحُ أَيَّ فَرِيضَةٍ أَرَادَ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ طُرُقِ

الْمَرَاوِزَةِ عَلَيْهِ قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ حَكَاهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ مُطْرَحٌ لَا الْتِفَاتَ إلَيْهِ وَصَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ بِأَنَّ اشْتِرَاطَ تَعْيِينِ الْفَرِيضَةِ غَلَطٌ وَالْقَائِلُونَ بِالِاشْتِرَاطِ هُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبُو الْقَاسِمِ الصَّيْمَرِيُّ وَاخْتَارَهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَالْجِيمِ حَكَاهُ عَنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَيْهِ يَدُلُّ قَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَالْمَذْكُورُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ إذَا نَوَى فَرِيضَتَيْنِ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ خَيَّرَهُ بَيْنَهُمَا فَلَوْ وَجَبَ التَّعْيِينُ لم يستبح واحدة منهما وَلِلْقَائِلِ الْآخَرِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ هَذَا النَّصِّ وَيَقُولَ إنَّمَا جَوَّزَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إحْدَاهُمَا لِأَنَّهُ نَوَاهَا وَعَيَّنَهَا وَنَوَى مَعَهَا غَيْرَهَا فَلُغِيَ الزَّائِدُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا

ص: 221

قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّ التَّعْيِينَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَنَوَى اسْتِبَاحَةَ الظُّهْرِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً أُخْرَى وَإِذَا نَوَى الْحَاضِرَةَ صَلَّى الْفَائِتَةَ وَكَذَا عَكْسُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا لَمْ يَنْوِ الْفَرِيضَةَ بَلْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ النَّافِلَةَ أَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَقْصِدْ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ

* الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ فِي الصُّورَتَيْنِ (وَالثَّانِي) فِي اسْتِبَاحَتِهِ قَوْلَانِ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ الاستباحة و (الثالث) إنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي اسْتِبَاحَةِ الْفَرْضِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ فَقَطْ اسْتَبَاحَ الْفَرْضَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ الْإِمَامُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ اسْمُ جِنْسٍ تَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَيُخَالِفُ مَا لَوْ نَوَى الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ إلَّا نَفْلًا لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعَ فِيهَا بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فَحُمِلَ عَلَى الْأَقَلِّ وَهُوَ النَّفَلُ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ فَيُمْكِنُ الْجَمْعُ فِي نِيَّتِهِ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ فَحُمِلَتْ الصَّلَاةُ فِي نِيَّتِهِ عَلَى الْجِنْسِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ النَّفَلَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ فِي التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ أَيْضًا وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ الا تَابِعًا لِلْفَرْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا تَفْرِيعُ مَذْهَبِنَا وَجَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ اسْتِبَاحَةَ الْفَرْضِ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ كَالْوُضُوءِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا أَبُو حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيُّ فَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَأَمَّا أَبُو يَعْقُوبَ الابيوردى ففتح

الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ مَنْسُوبٌ إلَى أَبِيوَرْدَ بَلْدَةٌ بِخُرَاسَانَ قَالَ أَبُو سَعْدٍ السَّمْعَانِيُّ وَيُنْسَبُ إلَيْهَا أَيْضًا الْبَاوَرْدِيُّ قال والنسبة الاولى هي الصحيحة * قال المصنف رحمه الله

* [فان تيمم للنفل كان له أن يصلى على الجنازة نص عليه في البويطى لان صلاة الجنازة كالنفل وان تيمم لصلاة الفرض استباح النفل لان النفل تابع للفرض فإذا استباح المتبوع استباح التابع كما إذا أعتق الام عتق الحمل][الشَّرْحُ] هُنَا مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا نَوَى بِتَيَمُّمِهِ اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ مُعَيَّنَةٍ أَوْ مُطْلَقَةٍ فَالصَّحِيحُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ تَيَمُّمَهُ صَحِيحٌ وَحَكَى

ص: 222

جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِلنَّفْلِ مُفْرَدًا وَإِنَّمَا يَصِحُّ تَبَعًا لِلْفَرْضِ قَالُوا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنَّمَا جوز للضرورة ولا ضرورة إلى النفل (1) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ نَظِيرُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَعْضُوبُ إذَا اسْتَأْجَرَ مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَرْضًا جَازَ وَفِي النَّفْلِ قَوْلَانِ قَالَ الْقَاضِي وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ لَوْ تَوَضَّأَتْ لِلنَّفْلِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ بها الي النفل وهذا الوجه غلط لاشك فِيهِ وَمُخَالِفٌ لِمَا تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ وَقَدْ جُوِّزْت النَّافِلَةُ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لِلْحَاجَةِ وَالتَّخْفِيفِ فَالتَّيَمُّمُ أَوْلَى فَإِنَّهُ بَدَلٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ مِنْ حنس النَّوَافِلِ مَا شَاءَ إلَى أَنْ يُحْدِثَ وَلَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ مَنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا اسْتَبَاحَا الْقِرَاءَةَ وَاللُّبْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَحَلَّ وَطْؤُهَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَإِنَّهَا تَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذِهِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَلَهُ أن يصلى على جائز سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه لا يَسْتَبِيحُهَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَسْتَبِحْهَا بِتَيَمُّمِ النَّافِلَةِ وَإِلَّا اسْتَبَاحَهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ بِأَدِلَّتِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ أَمَّا إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ مَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ نَوَى الْجُنُبُ أَوْ الْمُنْقَطِعُ حَيْضُهَا قِرَاءَةَ

الْقُرْآنِ وَاللُّبْثَ فِي المسجد أو نوت استباحة الوطئ فَإِنَّهُمْ يَسْتَبِيحُونَ مَا نَوَوْا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ الوجه السابق في التيمم للنافلة الْمُجَرَّدَةَ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَهَلْ يَسْتَبِيحُونَ صَلَاةَ النَّفْلِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ كَعَكْسِهِ وَأَصَحُّهُمَا لَا لِأَنَّ النَّافِلَةَ آكَدُ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ مَذْكُورٌ فِي التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ مُسَافِرًا وَلَيْسَ مَعَهُ مَنْ يَحْمِلُهُ وَوَجْهٌ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُ مُنْقَطِعَةِ الْحَيْضِ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الوطئ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْغُسْلِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ ضَعِيفَةٌ فَإِذَا قُلْنَا فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ يَسْتَبِيحُ النَّافِلَةَ فَفِي اسْتِبَاحَتِهِ الْفَرْضَ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُهُ وَلَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ

(1) هذا التعليل يقتضي انه لا يصح التيمم لنافلة ولا صلاتها بالتيمم الا تبعا ولا استقلالا فافهم اه اذرعى

ص: 223

الْفَرْضَ اسْتَبَاحَ النَّفْلِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْبَحْرِ تَفْرِيعًا عَلَى أَنَّ النَّفَلَ لَا يَصِحُّ اسْتِبَاحَتُهُ مُنْفَرِدًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَلَا يَسْتَبِيحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الطَّوَافَ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلْجِنَازَةِ اسْتَبَاحَهَا وَهَلْ هُوَ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ أَمْ لِلْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا (1) كَالنَّافِلَةِ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهَا وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَهِيَ كَالنَّفْلِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمَكْتُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرِيضَةٍ مَكْتُوبَةٍ اسْتَبَاحَهَا وَيَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وبعد هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ النَّفَلَ مُطْلَقًا وَوَجْهًا أَنَّهُ يَسْتَبِيحُهُ مَا دَامَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا وَلَا يَسْتَبِيحُهُ بَعْدَهُ وَوَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ نَقْلِ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَنَا قَوْلٌ أَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَيَسْتَبِيحُهُ بَعْدَهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ أَمَّا إذَا نَوَى الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ مَعًا فستبيحهما جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَتْ الطُّرُقُ عَلَى هَذَا وَحِينَئِذٍ لَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَ الفرض وبعده في الوقت وَبَعْدَهُ وَوَافَقَ

عَلَيْهِ الْمُخَالِفُونَ فِي الَّتِي قَبْلَهَا وطرد الرافعي فيه الوجه بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ: لَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهَا وَصَلَّاهَا ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ فِعْلُ سُنَّةِ الظُّهْرِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا فَقَضَاهَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَقَضَى سُنَّةَ الظُّهْرِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ تَبَعًا لِلْفَرِيضَةِ: قَالَ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ مَنْ نَسِيَ الْعِشَاءَ فَذَكَرَهَا وَقْتَ الظُّهْرِ قَضَاهَا وَقَضَى الْوِتْرَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي قَضَاءِ الْوِتْرِ إذَا فَعَلَ الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْوِتْرِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَا أَعْلَمُ مَنْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِنِيَّةِ التَّيَمُّمِ إحْدَاهَا فِي ضَبْطِ مَا تَقَدَّمَ مُخْتَصَرًا فَإِذَا نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ وَإِنْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ نَافِلَةٍ اسْتَبَاحَهَا وَمَا يَتْبَعُهَا مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ دُونَ الْفَرْضِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِي وَجْهٍ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَفِي قَوْلٍ يُبَاحُ الْفَرْضُ أَيْضًا وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ بِلَا تَعْيِينٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُبَاحُ أَيُّ فَرْضٍ أَرَادَ وَفِي وجه لا يصح

(1) وهو ظاهر نصه في الام قال الشافعي وان تيمم ينوى نافلة أو جنازة أو قراءة مصحف أو سجود قرآن أو سجود شكر لم يكن له ان يصلي به مكتوبة حتي ينوى بالتيمم المكتوبة اه اذرعى

ص: 224

تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُعَيِّنَ الْفَرْضَ وَلَوْ نَوَى الصَّلَاةَ فَلَهُ النَّفَلُ وَحْدَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ الْفَرْضُ أَيْضًا وَقِيلَ تَيَمُّمُهُ بَاطِلٌ وَلَوْ نَوَى الْفَرْضَ وَحْدَهُ اسْتَبَاحَهُ وَالنَّفَلَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ وَفِي وَجْهٍ لَا يُبَاحُ النَّفَلُ وَفِي وَجْهٍ يُبَاحُ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ وَفِي قَوْلٍ يُبَاحُ بَعْدَ الْفَرْضِ لَا قَبْلَهُ وَلَوْ نَوَاهُمَا أُبِيحَا كَيْفَ شَاءَ وَفِي وَجْهٍ لَا يُبَاحُ النَّفَلُ بَعْدَ الْوَقْتِ (1)(الثَّانِيَةُ) نَوَى اسْتِبَاحَةَ فَرِيضَتَيْنِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ لِأَنَّهُ نَوَاهَا وَغَيْرَهَا فَلَغَا الزَّائِدَ: وَالثَّانِي لَا يصح لانه نوى مالا يُبَاحُ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ قَالَ الْجُمْهُورُ يُصَلِّي أَيَّتَهُمَا شَاءَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ يُصَلِّي الْأُولَى فَخَصَّهُ بِالْأُولَى وليس بشئ (2)(الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى فَرْضَ التَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ للخراسانيين أحدهما يَصِحُّ كَمَا لَوْ نَوَى الْمُتَوَضِّئُ فَرْضَ الْوُضُوءِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فَعَلَى هَذَا هُوَ كَالتَّيَمُّمِ لِلنَّفْلِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ قَالَ إمَامُ

الْحَرَمَيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْوُضُوءَ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَلِهَذَا اُسْتُحِبَّ تَجْدِيدُهُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ نَوَى إقَامَةَ التَّيَمُّمِ الْمَفْرُوضِ فَهُوَ كَنِيَّةِ فَرْضِ التَّيَمُّمِ فَلَا يَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ نَوَى فَرْضَ الطَّهَارَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَصِحُّ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ نَوَى التَّيَمُّمَ وَحْدَهُ أَوْ الطَّهَارَةَ وَحْدَهَا لَمْ يَصِحَّ وَقَدْ سَبَقَ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الطَّهَارَةَ عَنْ الْحَدَثِ لَمْ يَصِحَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الرَّابِعَةُ) لَوْ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ غَالِطًا ظَانًّا أَنَّ حَدَثَهُ الْأَصْغَرُ فَكَانَ جُنُبًا أَوْ عَكْسَهُ صَحَّ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدٌ فَلَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَقَالَ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِمَنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَقَضَاهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّهَا الْعَصْرُ فَلَا تُجْزِئُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مُقْتَضَاهُمَا وَاحِدًا قَالَ وَالْعِلَّةُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ الْجُنُبَ يَنْوِي بِتَيَمُّمِهِ مَا يَنْوِيه الْمُحْدِثُ وَهُوَ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ فَلَا فَرْقَ

* وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَجِبُ تَعْيِينُهَا فَإِذَا نَوَى الظُّهْرَ فقد نوى غير ما عليه

(1) هذا عجب لانه لما حكي هذه المسألة في اعالي الصفحة قال في آخرها وطرد الرافعي فيه الوجه القائل بالمنع من النفل بعد خروج الوقت وليس بشئ ثم جزم هو بجريانه هنا في الصورة بعينها كما تراه اه اذرعي (2) قد يشهد لما قاله الدارمي نصه رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فِي بَابِ النية في التيمم قال ولو تيمم فجمع بين صلوات فائتات اجزاه التيمم للاولى فيهن ولم يجره لغيرها اه اذرعى

ص: 225

وَالْمُتَيَمِّمُ نَوَى مَا عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا عَلَى الْمُزَنِيِّ هَذِهِ الْعِلَّةَ وَقَالُوا الصَّوَابُ التَّعْلِيلُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ (1) وَهَذَا الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُزَنِيِّ فِيهِ نَظَرٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلَامَهُ صَحِيحٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ ظَاهِرٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ غَالِطًا فَإِنْ تَعَمَّدَ فَنَوَى الْأَكْبَرَ وَعَلَيْهِ الْأَصْغَرُ أَوْ عَكْسُهُ مَعَ عِلْمِهِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ لِتَلَاعُبِهِ وَلَوْ أَجْنَبَ فِي سَفَرِهِ وَنَسِيَ جَنَابَتَهُ وَكَانَ يَتَوَضَّأُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ عَدَمِهِ ثُمَّ ذَكَرَ جَنَابَتَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ صَلَوَاتِ الْوُضُوءِ، دُونَ صَلَوَاتِ التَّيَمُّمِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ عَلَى مَا سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ظَنَّهَا عَلَيْهِ فَبَانَ أَنْ لَا فَائِتَةَ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ تيممه بخلاف مالو توضأ لفائتة ظنها فبان ان لافائتة فَإِنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَبَانَتْ الْعَصْرَ لَمْ يَصِحَّ وَلَوْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ

ظَنَّهَا الظُّهْرَ فَبَانَتْ الْعَصْرَ صَحَّ وَالْفَرْقُ مَا فَرَّقَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُبِيحُ وَلَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَنِيَّتُهُ صَادَفَتْ اسْتِبَاحَةَ مالا يُسْتَبَاحُ وَالْوُضُوءُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَإِذَا ارْتَفَعَ اسْتَبَاحَ مَا شَاءَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ لَوْ ظَنَّ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ تَذَكَّرَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ وَقْتَ الْفَائِتَةِ بِالتَّذَكُّرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّيَمُّمِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَمَا لَمْ يَتَحَقَّقْهَا لَا يُبَاحُ لَهُ فِعْلُهَا وَهَذَا التَّعْلِيلُ فَاسِدٌ فَإِنَّ فِعْلَهَا مُبَاحٌ بَلْ مُسْتَحَبٌّ وَقَدْ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ الشَّاشِيُّ هَذَا فَحَكَاهُ ثُمَّ قَالَ (2) وَعِنْدِي فِي هَذَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتَّيَمُّمِ لَهَا لِتَوَهُّمِ بَقَائِهَا عَلَيْهِ فَإِذَا تحقق بقاءها عَلَيْهِ كَانَ أَوْلَى بِالْإِجْزَاءِ هَذَا كَلَامُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ مُحْتَاطًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا هَلْ يَصِحُّ وُضُوءُهُ وقد يفرق بضعف التيمم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وإذا أراد التيمم فالمستحب أن يسمى الله عز وجل لانه طهارة عن حدث فاستحب اسم الله تعالى عليه كالوضوء ثم ينوى ويضرب بيديه على التراب ويفرق أصابعه فان كان التراب ناعما فترك الضرب ووضع اليدين جاز ويسمح بهما وجهه وَيُوصِلُ التُّرَابَ إلَى جَمِيعِ الْبَشَرَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ

(1) نقل القاضي حسين عن الاصحاب الانكار علي المزني العلة المذكورة صريح في عدم موافقته عليها وقد قال في أول المسألة واحتج المرنى والاصحاب وذكر العلة وحاصله ان قوله أولا والاصحاب ليس بجيد فكان يليق الاقتصار على نقلها عن المزني فقط أو ينبه على خلاف ما قاله القاضي اه اذرعى (2) هذا الذى قاله الشاشي قد وضعفه في الروضة الارجح قول البغوي وقد سبق في مسألة الشاك في الحدث ما يؤيده وقد أشار هناك إلى ترجيحه اه اذرعى

ص: 226

الوجه والى ما ظهر من الشعور ولا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ والشاربين والعذارين والعنفقة ومن أصحابنا من قال يجب ذلك كما يجب ايصال الماء إليه في الوضوء والمذهب الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وصف التيمم واقتصر على ضربتين ومسح وجهه باحداهما ومسح اليدين بالاخرى وبذلك لا يصل التراب إلى باطن هذه الشعور ويخالف الوضوء لانه لا مشقة في ايصال الماء إلى ما تحت هذه الشعور وعليه مشقة في ايصال التراب فسقط وجوبه ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ يده اليسرى على ظهور أصابع يده اليمني ويمرها على ظهر الكف فإذا بلغ الكوع جعل أطراف أصابعه على حرف الذراع ثم يمر ذلك إلى المرفق ثم يدير بطن كفه إلى

بطن الذراع ويمره عليه ويرفع ابهامه فإذا بلغ الكوع أمر ابهام يده اليسرى علي ابهام يده اليمني ثم يمسح بكفه اليمني يده اليسرى مثل ذلك ثم يمسح احدى الراحتين بالاخرى ويخلل أصابعهما لما روى أسلع رضى الله عنه قَالَ قُلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (أنا جنب فنزلت آية التيمم فقال (يكفيك هكذا فضرب بكفيه الارض ثم نفضهما ثم مسح بهما وجهه ثم أمرهما علي لحيته ثم أعادهما إلى الارض فمسح بهما الارض ثم ذلك احداهما بالاخرى ثم مسح ذراعيه ظاهرهما وباطنهما) والغرض مما ذكرناه النية ومسح الوجه ومسح اليدين بضربتين أو اكثر وتقديم الوجه على اليد وسننه التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْقِطْعَةُ يَجْمَعُ شَرْحُهَا مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَصَفَ التَّيَمُّمَ بِضَرْبَتَيْنِ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ أَسْلَعَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا فِي الْمُهَذِّبِ فِي اللَّفْظِ وَبَعْضِ الْمَعْنَى وَهُوَ أَسْلَعُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالسِّينِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ عَلَى وَزْنِ أَحْمَدَ وَهُوَ الْأَسْلَعُ بْنُ شَرِيكِ بْنِ عَوْفٍ التَّمِيمِيُّ خَادِمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَاحِبُ راحلته والكف مؤنثة سميت بذلك لِأَنَّهَا تَكُفُّ عَنْ الْبَدَنِ أَيْ تَمْنَعُ مَا يَقْصِدُهُ مِنْ ضَرْبَةٍ وَنَحْوِهَا وَالْكُوعُ بِضَمِّ الْكَافِ وَهُوَ طَرَفُ الْعَظْمِ الَّذِي يَلِي الْإِبْهَامَ وَالرُّسْغُ هو

ص: 227

مفصل الكف وله طرفان وهما عظمان (الَّذِي يَلِي الْإِبْهَام كُوعٌ وَاَلَّذِي يَلِي الْخِنْصِرَ كُرْسُوعٌ) وَيُقَالُ فِي الْكُوعِ كَاعَ كَبُوعٍ وَبَاعَ وَالذِّرَاعُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَالْإِبْهَامُ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ والراحة معروفة وجمعها راح (المسألة الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ فِي أَوَّلِ التَّيَمُّمِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدِّبَاغِ وَغَيْرِهِ مِنْ إزَالَاتِ النَّجَاسَاتِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ فِي التَّيَمُّمِ وَوَافَقَ فِي الْوُضُوءِ فَأَلْزَمَهُ مَا يُوَافِقُ عَلَيْهِ بَلْ مُرَادُهُ أَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِي الْوُضُوءِ فَأَلْحَقْنَا التَّيَمُّمَ بِهِ وَتَقَدَّمَتْ صِفَةُ التَّسْمِيَةِ وَفُرُوعِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ لِكُلِّ مُتَيَمِّمٍ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ أَصْغَرَ أَمْ أَكْبَرَ كَمَا سَبَقَ فِي الْغُسْلِ (الثَّالِثَةُ) قَوْلُهُ ثُمَّ يَنْوِي وَيَضْرِبُ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ وَيَمْسَحُ وَجْهَهُ

هَكَذَا عِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ يَنْوِي عِنْدَ مَسْحِ وَجْهِهِ وَاقْتَصَرُوا عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا تَجِبُ النِّيَّةُ قَبْلَهُ كَمَا فِي الوضوء وقال الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ ضَرْبِ الْيَدِ عَلَى التُّرَابِ وَيَسْتَدِيمَ النِّيَّةَ إلَى مَسْحِ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ قَالَا فَلَوْ ابْتَدَأَ النِّيَّةَ بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ أَوْ نَوَى مَعَ الضَّرْبِ ثم عزبت نيته قبل مسح شئ مِنْ الْوَجْهِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ الْقَصْدَ إلَى التُّرَابِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَلَيْسَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ نَقْلُ التُّرَابِ فَمَسْحُ الْوَجْهِ هُوَ الْمَقْصُودُ فَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَهُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا قَارَنَتْ النِّيَّةُ نَقْلَ التُّرَابِ وَعَزَبَتْ قبل مسح شئ مِنْ الْوَجْهِ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيَضْرِبُ يَدَيْهِ عَلَى التُّرَابِ فَإِنْ كَانَ نَاعِمًا فَتَرَكَ الضَّرْبَ وَوَضَعَ الْيَدَيْنِ جَازَ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى الضَّرْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ إذَا لَمْ يَعْلَقْ الْغُبَارُ إلَّا بِالضَّرْبِ أَوْ أَرَادَ التَّمْثِيلَ لَا الِاشْتِرَاطَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ الْيَدُ بَلْ الْمَطْلُوبُ نَقْلُ التُّرَابِ سَوَاءٌ حَصَلَ بِيَدٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَضْرِبَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ فِي ضَرْبَةِ مَسْحِ الْوَجْهِ فَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ

ص: 228

الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا قَالَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ فِي كُتُبِهِمْ الْمَشْهُورَةِ وَجَعَلُوهُ مُسْتَحَبًّا وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ جَمِيعِ الْعِرَاقِيِّينَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَفَائِدَةُ اسْتِحْبَابِ التَّفْرِيقِ زِيَادَةُ تَأْثِيرِ الضَّرْبِ فِي إثَارَةِ الْغُبَارِ وَلِيَكُونَ أَسْهَلَ وَأَمْكَنَ فِي تَعْمِيمِ الْوَجْهِ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يُفَرِّقُ فِي ضَرْبَةِ الْوَجْهِ فَإِنْ فَرَّقَ فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ وَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّهُ يَصِيرُ نَاقِلًا لِتُرَابِ الْيَدِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ فَإِنَّ التُّرَابَ الَّذِي يُحَصَّلُ بَيْنَ الْأَصَابِعِ لَا يَزُولُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ فَيَمْنَعُ انْتِقَالَ تُرَابٍ آخَرَ وَأَحْسَنَ الْبَغَوِيّ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يُفَرِّقُ فِي الضَّرْبَتَيْنِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُفَرِّقُ فِي الْأُولَى فَإِنْ فَرَّقَ فِيهَا دُونَ الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ مَسْحُ مَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ لِأَنَّهُ مَسَحَ بِتُرَابٍ أُخِذَ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ وَإِنْ فَرَّقَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ فَوَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَخَذَ لِلْيَدَيْنِ تُرَابًا جَدِيدًا (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ

لِأَنَّ بَعْضَ الْمَأْخُوذِ أَوَّلًا بَقِيَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ فَيَصِيرُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى وَجْهِهِ تُرَابٌ فَنَقَلَ إلَيْهِ تُرَابًا آخَرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْفُضَ الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ قَالَ وَالْمَذْهَبُ عِنْدِي أَنَّهُ إذَا فَرَّقَ فِي الضَّرْبَتَيْنِ صَحَّ كَمَا نُصَّ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ بِأَخْذِ تُرَابِ الْيَدِ قَبْلَ مَسْحِ الْوَجْهِ حَتَّى لَوْ ضَرَبَ يَدَيْهِ عَلَى تُرَابٍ فَمَسَحَ بِيَمِينِهِ جَمِيعَ وَجْهِهِ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ جَازَ وَالتَّرْتِيبُ وَاجِبٌ فِي الْمَسْحِ دُونَ أَخْذِ التُّرَابِ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَالْقَائِلُ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى مُطْلَقًا هُوَ الْقَفَّالُ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلَهُ وَقَالَا هَذَا تَضْيِيقٌ لِلرُّخْصَةِ قَالَ الْإِمَامُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَفَّالُ غُلُوٌّ وَمُجَاوَزَةُ حَدٍّ وَلَيْسَ بِالْمَرْضِيِّ اتِّبَاعُ شُعَبِ الْفِكْرِ وَدَقَائِقِ النَّظَرِ فِي الرُّخَصِ وَقَدْ تَحَقَّقَ مِنْ فِعْلِ الشَّارِعِ مَا يُشْعِرُ بِالتَّسَامُحِ فِيهِ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ مِنْ أَئِمَّتِنَا عَلَى مَنْ يُرِيدُ التَّيَمُّمَ أَنْ يَنْفُضَ الْغُبَارَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَبْتَدِئَ بِنَقْلِ التُّرَابِ اليهما مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ فِي تَقَلُّبَاتِهِ لَا يَخْلُو عَنْ غُبَارٍ يَغْشَاهُ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى أَنَّ تَرْكَ التَّفْرِيقِ فِي الْأُولَى لَيْسَ بِشَرْطٍ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّهُ لَوْ فَرَّقَ فِي الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ جَازَ وَقَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ نَقَلَ الْمُزَنِيّ تَفْرِيقَ الْأَصَابِعِ فِي الْأُولَى قَالَ الْقَفَّالُ فَصَوَّبَهُ جَمِيعُ أَصْحَابِنَا وَعِنْدِي أَنَّهُ غَلَطٌ فِي النَّقْلِ وَلَمْ

ص: 229

يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْأُولَى إنَّمَا ذَكَرَهُ فِي الثَّانِيَةِ قُلْت هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْ الْقَفَّالِ بِمُخَالَفَتِهِ جَمِيعَ الْأَصْحَابِ وَدَعْوَاهُ غَلَطَ الْمُزَنِيِّ بَاطِلَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدِهِمَا)

أَنَّ التَّغْلِيطَ لَا يُصَارُ إلَيْهِ وَلِلْكَلَامِ وَجْهٌ مُمْكِنٌ وَهَذَا النَّقْلُ لَهُ وَجْهٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُ فَائِدَتِهِ

(وَالثَّانِي)

أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا بَلْ قَدْ وَافَقَهُ فِي نَقْلِهِ الْبُوَيْطِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ كَذَلِكَ رَأَيْته صَرِيحًا فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ رحمه الله وَجَمَعَ الرَّافِعِيُّ مُتَفَرِّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَأَنَا أَنْقُلُهُ مُخْتَصَرًا قَالَ رَوَى الْمُزَنِيّ التَّفْرِيقَ فِي الْأُولَى فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ غَلَّطَهُ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ وَصَوَّبَهُ الْآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَإِنْ لَمْ يُفَرِّقْ فِي الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ التُّرَابُ الَّذِي بَيْنَ الْأَصَابِعِ لِمَا بَيْنَهَا وَقَالَ قَائِلُونَ مِنْهُمْ الْقَفَّالُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ ثُمَّ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا: صَحَّحَ الْأَصْحَابُ رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ وَهِيَ الْمَذْهَبُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَأَطْنَبْتُ فِيهَا هَذَا الْإِطْنَابَ وَإِنْ كَانَ مَا ذَكَرْته مُخْتَصَرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهَا لِأَنِّي رَأَيْت كَثِيرًا مِنْ أَكَابِرِ عصرنا ينتقصون صَاحِبَ الْمُهَذِّبِ

وَالتَّنْبِيهُ بِقَوْلِهِ (يُفَرِّقُ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى) وَيَنْسِبُونَهُ إلَى الشُّذُوذِ وَمُخَالَفَةِ الْمَذْهَبِ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ وَهَذِهِ أُعْجُوبَةٌ مِنْ الْعَجَائِبِ وَحَاصِلُهَا اعْتِرَافُ صَاحِبِهَا بِعَظِيمٍ مِنْ الْجَهَالَةِ وَنِهَايَةٍ مِنْ عَدَمِ الِاطِّلَاعِ وَتَسْفِيهِهِ لِلْأَصْحَابِ وَكَذِبِهِ عَلَيْهِمْ بَلْ عَلَى الشَّافِعِيِّ فَقَدْ صَحَّ التَّفْرِيقُ فِي الْأُولَى عَنْ الشَّافِعِيِّ بِنَقْلِ إمَامَيْنِ هُمَا أَجَلُّ أَصْحَابِهِ وَأَتْقَنُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهُمَا الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَصَحَّ التَّفْرِيقُ أَيْضًا عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ يَرْحَمُنَا أَجْمَعِينَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (وَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ) فَكَذَا عِبَارَةُ الْجُمْهُورِ وَظَاهِرُهَا أَنَّهُ لَا اسْتِحْبَابَ فِي البداءة بشئ من الوجه دون شئ وَقَدْ صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِاسْتِحْبَابِ الْبُدَاءَةِ بِأَعْلَى الْوَجْهِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالرَّافِعِيُّ وقال صاحب الحاوى مذهب الشافعي أنه يبتدأ بِأَعْلَى وَجْهِهِ كَالْوُضُوءِ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بِأَسْفَلِ وَجْهِهِ ثُمَّ يَسْتَعْلِي لِأَنَّ الْمَاءَ فِي الْوُضُوءِ إذَا اُسْتُعْلِيَ بِهِ انْحَدَرَ بِطَبْعِهِ فَعَمَّ جَمِيعَ الْوَجْهِ وَالتُّرَابُ لَا يَجْرِي إلَّا بِإِمْرَارِ الْيَدِ

ص: 230

فَيَبْدَأُ بِأَسْفَلِهِ لِيَقِلَّ مَا يَصِيرُ عَلَى أَعْلَاهُ مِنْ الْغُبَارِ لِيَكُونَ أَجْمَلَ لِوَجْهِهِ وَأَسْلَمَ لَعَيْنِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ (وَيُوصِلُ التُّرَابَ إلَى جَمِيعِ الْبَشَرَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْ الْوَجْهِ وَإِلَى مَا ظهر من الشعر) فأراد بالبشرة الظاهرة مالا شَعْرَ عَلَيْهِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْبَشَرَةِ الْمُسْتَتِرَةِ بِالشُّعُورِ وَقَوْلُهُ وَإِلَى مَا ظَهَرَ مِنْ الشَّعْرِ يَعْنِي الشَّعْرَ الَّذِي يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ كذا قال أَصْحَابُنَا قَالُوا وَفِي إيصَالِ التُّرَابِ إلَى ظَاهِرِ مَا خَرَجَ مِنْ اللِّحْيَةِ عَنْ الْوَجْهِ الْقَوْلَانِ كَالْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (لَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَا تَحْتَ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ) فَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الحرمين والغزالي والمتولي والبغوى وَآخَرُونَ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ الْحَاجِبَيْنِ وَالشَّارِبَيْنِ وَالْعِذَارَيْنِ تَمْثِيلٌ وَالْمُرَادُ الشُّعُورُ الَّتِي يَجِبُ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا فِي الْوُضُوءِ وَهِيَ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ وَالْعَنْفَقَةُ وَلِحْيَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى وَأَهْدَابُ العين وشعر الخدين سواء خفت أم كثفت وكذا اللحية اللخفيفة لِلرَّجُلِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ الشَّعْرِ عَلَى الذِّرَاعِ حُكْمُ شَعْرِ الْوَجْهِ حُكِيَ الْخِلَافُ فِيهِ في فتاوى القاضي حسين وجزم القاضى والبغوى بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ

إلَى مَا تَحْتَهُ كَمَا قَالَا فِي الْوَجْهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يُسْتَحَبُّ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْبَشَرَةِ الَّتِي تَحْتَ الشَّعْرِ الْكَثِيفِ الَّتِي يُسْتَحَبُّ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُهُ ثُمَّ يَضْرِبُ ضَرْبَةً أُخْرَى فَيَضَعُ بُطُونَ أَصَابِعِ يَدِهِ إلَخْ فَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهَا وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى حِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّهَا لَا تُسْتَحَبُّ بل هي وغيرها سواء وليس هذا بشئ وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزِدْ فِي مَسْحِ الْيَدَيْنِ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَثَبَتَ بِالْأَدِلَّةِ وُجُوبُ اسْتِيعَابِ الْيَدَيْنِ فَذَكَرُوا هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ لِيُبَيِّنُوا صُورَةَ حُصُولِ الِاسْتِيعَابِ بِضَرْبَةٍ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْجَوَابَ عَنْ اعْتِرَاضِ من قال الواجب مسح الكف ققط وَأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ اسْتِيعَابُ الذِّرَاعَيْنِ مَعَ الْكَفَّيْنِ بضربة فبينوا

ص: 231

تَصَوُّرَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ حَدِيثٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لَهَا وَلَا هُوَ ثَابِتٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَمُرَادُهُ أَنَّ السُّنَّةَ لَا يَزِيدُ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا بِهَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ فَكَانَتْ سُنَّةً لِكَوْنِهَا مُحَصِّلَةً لِسُنَّةِ الِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَةٍ مَعَ الِاسْتِيعَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْكَيْفِيَّةَ مَنْقُولَةٌ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وليس هذا بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفَ أَوْصَلَ التُّرَابَ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِضَرْبَتَيْنِ فَأَكْثَرَ بِيَدِهِ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ جَازَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا قَوْلُهُ (ثُمَّ يَمْسَحُ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلُ بَيْنَ أَصَابِعِهِمَا) فَاتَّفَقَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا هَذَا إذَا كَانَ فَرَّقَ أَصَابِعَهُ فِي الضَّرْبَتَيْنِ أَوْ فِي الثَّانِيَةِ أَمَّا إذَا فَرَّقَ فِي الْأُولَى فَقَطْ وَقُلْنَا يُجْزِيه فَيَجِبُ التَّخْلِيلُ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْمَاوَرْدِيُّ فِي وُجُوبِ التَّخْلِيلِ وَمَسْحِ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ بِالْأُخْرَى وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ قَصَدَ بِإِمْرَارِ الرَّاحَتَيْنِ عَلَى الذِّرَاعَيْنِ مَسْحَهُمَا حَصَلَ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ وَمَا بَيْنَ الْأَصَابِعِ حِينَ يَضْرِبُ الْيَدَيْنِ عَلَى التُّرَابِ قَالُوا فَإِنْ قِيلَ إذَا سَقَطَ فَرْضُ الرَّاحَتَيْنِ صَارَ التُّرَابُ الَّذِي عَلَيْهِمَا مُسْتَعْمَلًا فَكَيْفَ يَجُوزُ مَسْحُ الذِّرَاعَيْنِ بِهِ وَلَا يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ الَّذِي

غُسِلَتْ بِهِ إحْدَى الْيَدَيْنِ إلَى الْأُخْرَى فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْيَدَيْنِ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِهَذَا جَازَ تَقْدِيمُ الْيَسَارِ عَلَى الْيَمِينِ وَلَا يَصِيرُ التُّرَابُ مُسْتَعْمَلًا إلَّا بِانْفِصَالِهِ وَالْمَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْ الْيَدِ الْمَغْسُولَةِ فَيَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا: الثَّانِي أَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى هَذَا هَاهُنَا فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُتِمَّ الذِّرَاعَ بِكَفِّهَا بَلْ يَفْتَقِرُ إلَى الْكَفِّ الْأُخْرَى فَصَارَ كَنَقْلِ الْمَاءِ مِنْ بَعْضِ الْعُضْوِ إلَى بَعْضِهِ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ نَقْلُ الْمَاءِ مِنْ يَدٍ إلَى أُخْرَى لِأَنَّهُمَا كَيَدٍ فَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ السُّؤَالُ

* (فَرْعٌ)

إذَا كَانَ يُجْرِي إحْدَى الْيَدَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فَرَفَعَهَا قَبْلَ اسْتِيعَابِ الْعُضْوِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعِيدَهَا لِلِاسْتِيعَابِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَاقِيَ عَلَى الْمَاسِحَةِ صَارَ بالفصل

ص: 232

مُسْتَعْمَلًا: وَالثَّانِي يَجُوزُ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمُسْتَعْمَلَ هُوَ الْبَاقِي عَلَى الْمَمْسُوحِ وَأَمَّا الْبَاقِي عَلَى الْمَاسِحَةِ فَهُوَ فِي حُكْمِ التُّرَابِ الَّذِي يَضْرِبُ عَلَيْهِ الْيَدَ مَرَّتَيْنِ

* (فَرْعٌ)

وَأَمَّا قَوْلُ المصنف والواجب مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بِضَرْبَتَيْنِ فَصَاعِدًا وَتَرْتِيبُ الْيَدِ عَلَى الْوَجْهِ وَسُنَنُهُ التَّسْمِيَةُ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَفِيهِ نَقْصٌ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرْكَانُ التَّيَمُّمِ سِتَّةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَهِيَ النِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَتَقْدِيمُ الْوَجْهِ عَلَى الْيَدَيْنِ وَالْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ وَنَقْلُهُ وَثَلَاثَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا أَحَدُهَا الْمُوَالَاةُ وَفِيهَا ثَلَاثُ طُرُقٍ: الْمَذْهَبُ أنها سنة ليست بواجبة ونقدم بَيَانُهَا فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا وَيَمْسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وبيساره يمينه وهذا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْبَغَوِيّ كَمَا سَبَقَ: وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ النَّقْلِ لِلْوَجْهِ قَبْلَ النَّقْلِ لِلْيَدِ: وَالثَّالِثُ اسْتِيفَاءُ ضَرْبَتَيْنِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وجماعة من الخراسانيين بأنه واجب هذا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَا تَعَرَّضُوا لَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَدْ تَكَرَّرَ لَفْظُ الضَّرْبَتَيْنِ فِي الْأَحَادِيثِ فَجَرَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى الظَّاهِرِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُمَا وَقَالَ آخَرُونَ الْوَاجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ بِضَرْبَةٍ أَوْ أَكْثَرَ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ

عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَلَا يَنْقُصَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ضَرْبَةٌ لِلْوَجْهِ وَضَرْبَةٌ لِلْيَدِ الْيُمْنَى وَثَالِثَةٌ لِلْيُسْرَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فِي الشَّرْحِ وَقَطَعَ فِي كِتَابِهِ الْمُحَرَّرِ بِأَنَّ الضَّرْبَتَيْنِ سُنَّةٌ وَالْمَعْرُوفُ مَا قَدَّمْته: فَهَذِهِ الْوَاجِبَاتُ المتفق عليها والمختلف فِيهَا وَقَدْ اسْتَوْفَى الْمُصَنِّفُ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ فَإِنْ قِيلَ فَلَمْ يَذْكُرْ الْقَصْدَ إلَى الصَّعِيدِ وَهُوَ أحد الاركان الستة قلنا بلى ذَكَرَهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وَلَمْ يَسْتَوْعِبْ بِهَذِهِ الْعِبَارَةِ جَمِيعَ الْفُرُوضِ بَلْ قَالَ الْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَالْقَصْدُ لَيْسَ مِمَّا ذَكَرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا السُّنَنُ فَكَثِيرَةٌ إحْدَاهَا التَّسْمِيَةُ (الثَّانِيَةُ) تَقْدِيمُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى: (الثَّالِثَةُ) الْمُوَالَاةُ عَلَى الْمَذْهَبِ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يَبْدَأَ بِأَعْلَى وَجْهِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ بِأَسْفَلِهِ كَمَا سَبَقَ (الْخَامِسَةُ) أَنْ يَمْسَحَ إحْدَى الرَّاحَتَيْنِ

ص: 233

بِالْأُخْرَى وَيُخَلِّلَ الْأَصَابِعَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ يَجِبَانِ كَمَا سَبَقَ (السَّادِسَةُ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالرُّويَانِيُّ الزِّيَادَةُ عَلَى مَسْحَةٍ لِلْوَجْهِ وَمَسْحَةٍ لِلْيَدَيْنِ مَكْرُوهَةٌ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ الْمَسْحِ كَالْوُضُوءِ وليس بشئ لِأَنَّ السُّنَّةَ فَرَّقَتْ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّ فِي تَكْرَارِ الْغُسْلِ زِيَادَةَ تَنْظِيفٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ (السَّابِعَةُ) أَنْ يُخَفِّفَ التُّرَابَ الْمَأْخُوذَ وَيَنْفُخَهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا بِحَيْثُ يُبْقِي قَدْرَ الْحَاجَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَفَخَ فِي يَدَيْهِ بَعْدَ أَخْذِ التُّرَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ فِي الْجَدِيدِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهِ قَوْلَانِ: الْقَدِيمُ يُسْتَحَبُّ وَالْجَدِيدُ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ آخَرُونَ عَلَى حَالَيْنِ إنْ كَانَ كَثِيرًا نَفَخَ وَإِلَّا فلا (الثامنة) ان يديم يده على العضد لَا يَرْفَعُهَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ مَسْحِهِ وَفِي هَذَا وَجْهٌ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَدْ سَبَقَ (التَّاسِعَةُ) أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ كَالْوُضُوءِ (الْعَاشِرَةُ) إمْرَارُ التُّرَابِ على العضد تَطْوِيلًا لِلتَّحْجِيلِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهِ المتولي والبغوى وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَحَبَّ بَعْدَهُ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَرُبَّمَا دَخَلَ فِي السُّنَنِ بَعْضُ مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ

*

(فَرْعٌ)

يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي تَيَمُّمِ الْجَنَابَةِ كَمَا يَجِبُ فِي تَيَمُّمِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَيَمْسَحُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّرْتِيبَ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الْمَحَلَّيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ وَلَا يَظْهَرُ فِي الْمَحَلِّ الْوَاحِدِ فَالْبَدَنُ فِي الْغُسْلِ شئ وَاحِدٌ فَصَارَ كَعُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ فِي التَّيَمُّمِ فَمَحَلَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [قال في الام فان أمر غيره حتى يممه ونوى هو جاز كما يجوز في الوضوء وقال ابن القاص لا يجوز قلته تخريجا: وقال في الام وان سفت عليه الريح ترابا عمه فأمر يديه علي وجهه لم يجزه لانه

ص: 234

لم يقصد الصعيد وقال القاضى أبو حامد هذا محمول عليه إذا لم يقصد فأما إذا صمد للريح فسفت عليه التراب أجزأه وهذا خلاف المنصوص]

* [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِإِذْنِهِ وَنَوَى الْآمِرُ إنْ كَانَ مَعْذُورًا كَأَقْطَعَ وَمَرِيضٍ وَغَيْرِهِمَا جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ وَالْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ كَالْوُضُوءِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَقَوْلُهُ قُلْته تَخْرِيجًا هُوَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الْقَاصِّ وَإِنَّمَا قَالَ هَذَا لِأَنَّ عَادَتَهُ فِي كِتَابِهِ التَّلْخِيصُ أَنْ يَذْكُرَ الْمَسَائِلَ الَّتِي نَصَّ عَلَيْهَا الشَّافِعِيُّ وَيَقُولَ عَقِبَهُ قَالَهُ نَصًّا وَإِذَا قَالَ شَيْئًا غَيْرَ مَنْصُوصٍ وَقَدْ خَرَّجَهُ هُوَ قَالَ قُلْتُهُ تَخْرِيجًا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ خَرَّجَهَا مِنْ الَّتِي بَعْدَهَا وَهِيَ مَسْأَلَةُ الرِّيحِ: وَابْنُ الْقَاصِّ بِتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ هو أبو العباس وقد ذكرت حاله فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ: أَمَّا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَهُوَ مُخْتَارٌ وَنَوَى فَهُوَ كَمَا لَوْ صَمَدَ فِي الرِّيحِ قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ وَاضِحٌ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أَلْقَتْ عَلَيْهِ الرِّيحُ تُرَابًا اسْتَوْعَبَ وَجْهَهُ ثُمَّ يَدَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهَا لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَصَدَهَا وَصَمَدَ لَهَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْأَصْحَابُ وَجْهَيْنِ وَحَقِيقَتُهُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ مُطْلَقًا قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ: وَالثَّانِي يَصِحُّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ وَاخْتِيَارُ الشيخ أبي حامد الاسفرايني قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْبَحْرِ وَالْحِلْيَةِ وَاخْتَارَهُ الْحَلِيمِيُّ

وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمَاعَةٌ قَالَ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَالْأَصَحُّ (1) وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَوْلًا قَدِيمًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا قَصَدَ ثُمَّ وَقَعَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَلَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَصَدَ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَضُرُّ إيضَاحُهُ وَقَوْلُهُ (تُرَابًا عَمَّهُ) هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ اسْتَوْعَبَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ وذكره أبو القاسم ابن البزدى وَغَيْرُهُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ غَطَّاهُ وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَبِمَعْنَى الْأَوَّلِ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَجْوَدُ وَقَوْلُهُ (صَمَدَ) هُوَ بِالصَّادِ وَالْمِيمِ عَلَى وَزْنِ قَصَدَ وبمعناه والله أعلم

*

(1) وهو الذى حكاه ابن كج عن النص مقتصرا عليه اه اذرعى

ص: 235

(فَرْعٌ)

إذَا كَانَ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ تُرَابٌ فَتَيَمَّمَ بِهِ نُظِرَ إنْ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ التَّيَمُّمِ وَمَسَحَهَا بِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ من الارض وان كان على وجهه فردده عَلَيْهِ وَمَسَحَهُ بِهِ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ وَإِنْ أَخَذَهُ مِنْ الْوَجْهِ وَمَسَحَ به يديه أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْيَدِ وَمَسَحَ بِهِ الْوَجْهَ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ جَوَازُهُ لِوُجُودِ النَّقْلِ وَلَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْوَجْهِ فَفَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْيَدِ فَفَصَلَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهَا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا (1) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَقْلٍ حَقِيقِيٍّ وَلَوْ تَمَعَّكَ فِي التُّرَابِ فَوَصَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إنْ كَانَ لِعُذْرٍ كَالْأَقْطَعِ وَغَيْرِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَ وَلَا أَرَى لِلْخِلَافِ وَجْهًا لِأَنَّ الْأَصْلَ قَصْدُ التُّرَابِ وَقَدْ حَصَلَ وَلَوْ مَدَّ يَدَهُ فَصَبَّ غَيْرُهُ فِيهَا تُرَابًا أَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ تُرَابًا عَلَى كُمِّهِ فَمَسَحَ بِهِ وَجْهَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْهَوَاءِ فَمَسَحَ بِهِ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ جَوَازُهُ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِمَا سَبَقَ (إحْدَاهَا) يَنْبَغِي أَنْ يَمْسَحَ وَجْهَهُ بِالتُّرَابِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى وَضْعِهِ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى وَجْهِهِ وَلَمْ يُمِرَّهَا فَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ يَجُوزُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يُجْزِيه قَالَ

الْمُتَوَلِّي بِخِلَافِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَاءَ إذَا وُضِعَ عَلَى الْعُضْوِ يُحَسُّ بِهِ وَيَسِيلُ وَالتُّرَابُ لَا يَتَعَدَّى فيتحقق وصول الماء جَمِيعِ الْعُضْوِ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي التُّرَابِ إلَّا بِإِمْرَارِ الْيَدِ قَالَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وُصُولُ الْمَاءِ وَجَبَ الْإِمْرَارُ وَلَوْ تَحَقَّقَ وُصُولُ التُّرَابِ بِأَنْ كَانَ كَثِيرًا صَحَّ تَيَمُّمُهُ: (2)(الثَّانِيَةُ) قال القاضى حسين والبغوى (3) إذا أحدث المتيمم بعد أخذه التراب: وعليه الاخذ وقبل المسح بطل ذلك الاخذ بخلاف مالو أحدث بعد أخذ الماء قبل غَسْلِ الْوَجْهِ فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْوُضُوءِ الْغَسْلُ لَا نَقْلُ الْمَاءِ وَهُنَا الْمَطْلُوبُ نَقْلُ التُّرَابِ وَأَمَّا إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ الْقَاضِي يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ الْآمِرُ (4) عِنْدَ ضرب

(1) وحكاه الامام عن والده وضعفه بانه إذا عبق باليد فقد انقطع حكم الوجه عنه فهو الآن تراب على اليد اه اذرعي (2) هذا الفرق فيه نظر والحق ما قاله البغوي والرافعي فان مأخذ الخلاف أن الوضع من غير امرار هل يسمي مسحا اه اذرعي (3) هذا ما قاله القاضي حسين في تعليقه لكن قال في فتاويه ان الآمر ينوى عند المسح لا عند الضرب وكذا نقله العجل عن فتاويه أيضا مقتصرا اه اذرعى (4) قد تقدم في أول الفرع قبله انه لو كان على يده تراب فمسح به الوجه أو عكسه أجزأه على الاصح فإذا نوى النقل هنا أجزأه لانه مثله اه اذرعى

ص: 236

الْمَأْمُورِ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَلَوْ أَحْدَثَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ النِّيَّةِ وَالضَّرْبِ لَمْ يَضُرَّ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَمْسَحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخَذَ التُّرَابَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ الاخذ لان هناك وجد هيأة الْقَصْدِ الْحَقِيقِيِّ فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحُجَّ عَنْهُ ثُمَّ جَامَعَ الْمُسْتَأْجِرُ فِي مُدَّةِ إحْرَامِ الْأَجِيرِ فَإِنَّهُ لَا يَفْسُدُ الْحَجُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَاضِي مُشْكِلٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ بِحَدَثِ الْآمِرِ (1)(الثَّالِثَةُ) إذَا ضَرَبَ يَدَهُ عَلَى تُرَابٍ عَلَى بَشَرَةِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ فَإِنْ كَانَ التُّرَابُ كَثِيرًا يَمْنَعُ الْتِقَاءَ الْبَشَرَتَيْنِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ الْمُلَامَسَةَ حَدَثٌ قَارَنَ النَّقْلَ وَهُوَ رُكْنٌ فَصَارَ كَمُقَارَنَتِهِ مَسْحَ الْوَجْهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي أَخْذُهُ لِوَجْهِهِ صَحِيحٌ وَلَا يَضُرُّ اللَّمْسُ مَعَهُ لِأَنَّ الْعِبَادَةَ هِيَ الْمَسْحُ لَا الْأَخْذُ فَإِنْ أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ لِيَدَيْهِ بَطَلَ مَسْحُ وَجْهِهِ لِأَنَّهُ أَحْدَثَ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَوْلُ الْقَاضِي هُوَ الْوَجْهُ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَتْ يَدُهُ نَجِسَةً فَضَرَبَهَا عَلَى تُرَابٍ طَاهِرٍ وَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ جَازَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَلَا يَصِحُّ مَسْحُ الْيَدِ النَّجِسَةِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يَصِحُّ غَسْلُهَا فِي الْوُضُوءِ مَعَ بَقَائِهَا نَجِسَةً وَلَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ قَطْعًا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ ثُمَّ ارْتَدَّ

لِأَنَّهَا تَمْنَعُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوَابُ قَوْلُ الْإِمَامِ: وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فَفِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ وَلَوْ تَيَمَّمَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ صَحَّ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُطِعَتْ يَدُهُ مِنْ بَعْضِ السَّاعِدِ وَجَبَ مَسْحُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ فَإِنْ قُطِعَ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ فَلَا فَرْضَ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُمِسَّ الْمَوْضِعَ تُرَابًا كَمَا سَبَقَ فِي الْوُضُوءِ حَتَّى قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ لَوْ قُطِعَ مِنْ الْمَنْكِبِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَمْسَحَ الْمَنْكِبَ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ وَبِهَذَا اللَّفْظِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ غَسْلِ مَوْضِعِ الْقَطْعِ فَوْقَ الْمِرْفَقِ فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحِهِ بِالتُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَزُفَرَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجِبُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ وَمَسْحُهُ فِي التَّيَمُّمِ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَاتَ مَحَلُّ الْوُجُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوُضُوءِ مِنْ الْفُرُوعِ فِي قَطْعِ الْيَدِ وَزِيَادَةِ الْكَفِّ والاصبع وتدلى الجلدة يجيئ مِثْلُهُ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ انْقَطَعَتْ أَصَابِعُهُ وَبَقِيَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْيَدِ فَهَلْ يُيَمِّمُهَا فِيهِ وجهان: (قلت) قياس المذهب القطع

(1) وهذا الذي قاله الرافعى هو الحق والفرق ضعيف فان الميمم يجب عليه النية عند اخذ ميممه التراب فإذا نوى فقد قصد العبادة ودخل فيها باخذ ميممه التراب والمحجوج عنه ليس كذلك بوجه ما اه اذرعى

ص: 237

بِوُجُوبِ التَّيَمُّمِ وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَهُ مِرْفَقٌ اسْتَظْهَرَ حَتَّى يَعْلَمَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ فِي أُصْبُعِهِ خَاتَمٌ فَلْيَنْزِعْهُ فِي ضَرْبَةِ الْيَدَيْنِ لِيَدْخُلَ التُّرَابُ تَحْتَهُ: قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ وَلَا يَكْفِيه تَحْرِيكُهُ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَدْخُلُ تَحْتَهُ بِخِلَافِ التُّرَابِ: (السَّادِسَةُ) يُتَصَوَّرُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ وَالْجَرِيحِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا ثُمَّ أَرَادَ نَافِلَةً وَيُتَصَوَّرُ فِي حَقِّ مَنْ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا مَعَ عَدَمِ الْمَاءِ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الطَّلَبُ ثَانِيًا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ التَّجْدِيدُ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّاشِيُّ الْمَشْهُورُ لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ سُنَّةٌ وَلَا فِيهِ تَنْظِيفٌ وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ اسْتِحْبَابَهُ كَالْوُضُوءِ (السابعه) اتفق أصحابنا علي أن يشترط ايصال الغبار الي جميع بسرة الْيَدِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى الْمِرْفَقِ فَإِنْ بَقِيَ شئ مِنْ هَذَا لَمْ يَمَسَّهُ غُبَارٌ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَزَادَ الشَّافِعِيُّ هَذَا بَيَانًا فَقَالَ فِي الْأُمِّ لَوْ تَرَكَ مِنْ وَجْهِهِ

أَوْ يَدَيْهِ قدرا يدركه الطرف أولا يُدْرِكُهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ التُّرَابُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا كَذَلِكَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَإِنَّ الضَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ الَّتِي لِلْيَدَيْنِ إذَا أَلْصَقَتْ تُرَابًا بِالْكَفَّيْنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِلُ مَا لَصِقَ بِالْكَفِّ إلَى مِثْلِ سَعَتِهَا مِنْ السَّاعِدَيْنِ وَلَسْت أَظُنُّ ذَلِكَ الْغُبَارَ يَنْبَسِطُ عَلَى السَّاعِدَيْنِ ظَهْرًا وَبَطْنًا ثُمَّ عَلَى ظُهُورِ الْكَفَّيْنِ وَقَدْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَهَذَا مُشْكِلٌ جِدًّا فَلَا يَتَّجِهُ إلَّا مَسْلَكَانِ

(أحدهما)

المصير إلى القوم الْقَدِيمِ وَهُوَ الِاكْتِفَاءُ بِمَسْحِ الْكَفَّيْنِ: (وَالثَّانِي) أَنْ نُوجِبَ إثَارَةَ الْغُبَارِ ثُمَّ نَكْتَفِيَ بِإِيصَالِ جِرْمِ الْيَدِ مَسْحًا إلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَكْلِيفِ بَسْطِ التُّرَابِ فِي عَيْنِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى جَمِيعِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ يَقِينًا فَإِنْ شَكَّ وَجَبَ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَوْضِعِ الشَّكِّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ انْبِسَاطَ التُّرَابِ عَلَى جَمِيعِ الْمَحَلِّ وَنَحْنُ نَقْطَعُ بِأَنَّ هَذَا يُنَافِي الِاقْتِصَارَ عَلَى ضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ لِلْيَدَيْنِ فَاَلَّذِي يَجِبُ اعْتِقَادُهُ أَنَّ الْوَاجِبَ اسْتِيعَابُ الْمَحَلِّ بِالْمَسْحِ بِالْيَدِ الْمُغَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ رَبْطِ الْفِكْرِ بِانْبِسَاطِ الغبار وهذا شئ أَظْهَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ بُدًّا مِنْهُ وَمَا عِنْدِي أن أحدا من الاصحاب يسمح بأن

ص: 238

لَا يَجِبُ بَسْطُ التُّرَابِ عَلَى السَّاعِدَيْنِ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التراب إلى جميع البشرة الظاهرة من الوجه وَالشَّعْرِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَاتٌ إحْدَاهَا كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَالثَّانِيَةُ إنْ تَرَكَ قَدْرَ دِرْهَمٍ مِنْهُ لَمْ يُجْزِهِ وَدُونَهُ يُجْزِيه وَالثَّالِثَةُ إنْ تَرَكَ دُونَ رُبْعِ الْوَجْهِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالرَّابِعَةُ إنْ مَسَحَ أَكْثَرَهُ وَتَرَكَ الْأَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِنْ الذِّرَاعِ أَجْزَأَهُ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد أَنَّهُ جَعَلَهُ كَمَسْحِ الرَّأْسِ دَلِيلُنَا بَيَانُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ اسْتَوْعَبَ الْوَجْهَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْوُضُوءِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز التيمم للمكتوبة الا بعد دخول وقتها لانه قبل دخول الوقت مستغن عن التيمم

كما لو تيمم مع وجود الماء فان تيمم قبل دخول الوقت لفائتة فلم يصلها حتى دخل الوقت ففيه وجهان قال أبو بكر ابن الحداد يجوز أن يصلى به الحاضرة لانه تيمم وهو غير مستغن عن التيمم فاشبه إذا تيمم للحاضرة بعد دخول وقتها ومن أصحابنا من قال لا يجوز لانها فريضة تقدم التيمم على وقتها فاشبه إذا تيمم لها قبل دخول الوقت]

* [الشَّرْحُ] شُرُوطُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ أَرْبَعَةٌ (أَحَدُهَا) كَوْنُ الْمُتَيَمِّمِ أَهْلًا لِلطَّهَارَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: (الثَّانِي) كَوْنُ التُّرَابِ مُطْلَقًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ: (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ الْمُتَيَمِّمُ مَعْذُورًا بِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ الْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الْفُصُولِ بَعْدَهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ التَّيَمُّمُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْمَكْتُوبَةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ كَانَ التَّيَمُّمُ لِلْعَجْزِ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ بِسَبَبِ عَدَمِهِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ أَخَذَ التُّرَابَ عَلَى يَدَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ (1) وَمَسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ فِي الْوَقْتِ لَمْ يصح بل يشترط الاخذ

(1) قد تقدم ان النقل من اليدين إلى الوجه وعكسه كاف علي اصح الوجهين فقياسه هذا إذا أخذه قبل الوقت ثم دخل الوقت وقصد النقل من اليدين إلى الوجه أجزأه على الاصح كما تقدم ويكون قصد النقل من اليدين إلى الوجه استئناف للنقل وهذا واضح اه اذرعى

ص: 239

فِي الْوَقْتِ كَمَا يُشْتَرَطُ الْمَسْحُ فِيهِ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ التَّيَمُّمِ فَأَشْبَهَ الْمَسْحَ: صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا لَمْ يَصِحَّ لَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَصِحُّ أَيْضًا لِلنَّافِلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الْمَنْصُوصِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ لِلنَّفْلِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ هَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَفْلًا وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ هَذَا الْخِلَافَ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ هَذَا خِلَافُ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَيُخَالِفُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ أَحْرَمَ بِهَا مُعْتَقِدًا دُخُولَ وَقْتِهَا فَانْعَقَدَتْ نَفْلًا وَهُنَا تَيَمَّمَ عَالِمًا بِعَدَمِ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَمْ يَصِحَّ

* وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ قَبْلَ الْوَقْتِ مَعْنَاهُ قَبْلَ الْوَقْتِ الَّذِي تَصِحُّ فِيهِ تِلْكَ الصَّلَاةُ فَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَتَيَمَّمَ لِلْعَصْرِ بَعْدَ سَلَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ صَحَّ لِأَنَّ هَذَا وَقْتُ فِعْلِهَا هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ أنه يجوز الجمع بين الصلاتين للتيمم وَلَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بِالتَّيَمُّمِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا

يَصِحُّ الْجَمْعُ بِسَبَبِ الفصل وليس بشئ وَلَوْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ تَيَمَّمَ لِيَضُمَّ إلَيْهَا الْعَصْرَ فَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِيهَا فَقَدْ حَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ والده أنه قال اجتهادا لنفسه يبطل الْجَمْعُ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّيَمُّمُ لِلْعَصْرِ لِوُقُوعِهِ قَبْلَ وَقْتِهَا مَعَ بُطْلَانِ الْجَمْعِ وَقَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِهَذَا وَفِيهِ احْتِمَالٌ ظَاهِرٌ وَيَجُوزُ أَنْ يُخَرَّجَ جَوَازُ فِعْلِهَا بِهَذَا التَّيَمُّمِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ لِفَائِتَةٍ قَبْلَ وَقْتِ الْحَاضِرَةِ هَلْ تُبَاحُ بِهِ الْحَاضِرَةُ وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَةِ الْفَائِتَةِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ لَمَّا نَوَى وَاسْتَبَاحَهُ فَاسْتَبَاحَ غَيْرَهُ بَدَلًا وَهُنَا لَمْ يَسْتَبِحْ مَا نَوَى عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي نَوَى فَلَمْ يَسْتَبِحْ غَيْرَهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ فَتَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ وَقْتُهَا وَلَوْ تَيَمَّمَ فِيهِ لِلْعَصْرِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَائِتَةُ وَقْتُهَا بِتَذَكُّرِهَا فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا إذَا تَذَكَّرَهَا فَلَوْ شَكَّ هَلْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ فَتَيَمَّمَ لَهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً فَقَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِمَكْتُوبَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَأَخَّرَ الصَّلَاةَ إلَى أَوَاخِرِ الْوَقْتِ فَصَلَّاهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ

ص: 240

بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا قَالُوا وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهَذَا بِشَرْطِ أَلَّا يُفَارِقَ مَوْضِعَهُ وَلَا يَتَجَدَّدَ مَا يُتَوَهَّمُ بِسَبَبِهِ حُصُولُ مَاءٍ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ الْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ هَذَا وَالثَّانِي قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ عَقِبَ التَّيَمُّمِ وَلَا يُؤَخِّرُ إلَّا قَدْرَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالتَّنَفُّلِ بِمَا هُوَ مِنْ مَسْنُونَاتِ فَرْضِهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ هَذَا بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَزِمَ تَعْجِيلُهَا كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ حَدَثَ الْمُسْتَحَاضَةِ يَتَجَدَّدُ بَعْدَ الطَّهَارَةِ بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ شَاكًّا فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ دَخَلَ فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ لِعَدَمِ شَرْطِهِ وَهُوَ الْعِلْمُ بِالْوَقْتِ حَالَ التَّيَمُّمِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَأَمْثِلَتُهَا فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ حَاضِرَةٍ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ تِلْكَ الْحَاضِرَةَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ ابن الحدادى يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ

الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عبد الله الخضرى بكسر الحاء وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِلظُّهْرِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَائِتَةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ الْفَائِتَةَ فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْفَائِتَةَ وَاجِبَةٌ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ حَالَ التَّيَمُّمِ بِخِلَافِ الْحَاضِرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَوَافَقَ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي شَرْحِ الْفُرُوعِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى الْجَوَازِ هُنَا وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ قَضَائِهَا فَائِتَةً أُخْرَى فَقَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ الْفَائِتَةَ الَّتِي تَذَكَّرَهَا وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ فِيهِ الْخِلَافَ فَقَالَ يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَعَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ مُتَعَيَّنٌ وَلَوْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ نَذَرَ صَلَاةً فَهَلْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ الْمَنْذُورَةَ بَدَلَ الْمَكْتُوبَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ تَعْيِينَ الْفَرِيضَةِ لَا يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنْ شَرَطْنَاهُ لَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ لِغَيْرِ مَا عَيَّنَهُ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّيَمُّمِ لِلْمَكْتُوبَةِ

* أَمَّا النَّافِلَةُ فَضَرْبَانِ مُؤَقَّتَةٌ وَغَيْرُهَا فَغَيْرُهَا يَتَيَمَّمُ لَهَا مَتَى شَاءَ إلَّا فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ فِيهَا لِنَافِلَةٍ لَا سَبَبَ لَهَا فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لَهَا فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ النَّافِلَةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ النَّهْيِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ

ص: 241

قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى انْعِقَادِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتِ النَّهْيِ وَحَكَى هَذَا الْخِلَافَ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَضَعَّفَاهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ وَقْتِ الْكَرَاهَةِ ثُمَّ دَخَلَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا زَالَ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ صَلَّى بِهِ وَأَمَّا النَّافِلَةُ الْمُؤَقَّتَةُ فَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ تُشْعِرُ بِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّيَمُّمِ لَهَا دُخُولُ الْوَقْتِ وَصَرَّحَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ قَبْلَ وَقْتِهَا لِأَنَّ أَمْرَهَا أَوْسَعُ مِنْ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا أُجِيزَ نَوَافِلُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَشْهُورِ احْتَجْنَا إلَى بَيَانِ أَوْقَاتِ النَّوَافِلِ فَوَقْتُ سُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ وَالْوِتْرِ وَالضُّحَى وَالْعِيدِ مَعْرُوفٌ فِي مَوَاضِعِهَا وَوَقْتُ الْكُسُوفِ بِحُصُولِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ

بِاجْتِمَاعِ النَّاسِ لَهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ بِدُخُولِهِ وَالْخِلَافُ جَارٍ فِي جَمِيعِ النَّوَافِلِ الْمُؤَقَّتَةِ مِنْ الرَّوَاتِبِ وَغَيْرِهَا وَفِي عِبَارَةِ الْغَزَالِيِّ إيهَامُ اخْتِصَاصِهِ بِالرَّوَاتِبِ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَفِي وَقْتِ التَّيَمُّمِ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ يَدْخُلُ بِغُسْلِ الميت لانها ذَلِكَ الْوَقْتُ تُبَاحُ وَتُجْزِئُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الحرمين والغزالي في كتبه الثلاثة وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالثَّانِي بِالْمَوْتِ لِأَنَّهُ السَّبَبُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَصَحَّحَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ بَعْدَ التَّكْفِينِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَ التَّكْفِينِ تُكْرَهُ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَاءً يُغَسِّلُ بِهِ الْمَيِّتَ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ غُسْلِهِ وَجَبَ أَنْ يُيَمِّمَ الْمَيِّتَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَيَمَّمَ هُوَ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَهَذَا مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ شَخْصٌ لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُيَمِّمَ غَيْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

إذَا تَيَمَّمَ لِنَافِلَةٍ فِي وَقْتِهَا اسْتَبَاحَهَا وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ وَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الْفَرْضَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَفِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي سَبَقَ أَنَّ الْفَرْضَ يُبَاحُ بِنِيَّةِ النَّفْلِ فَعَلَى هَذَا الضَّعِيفِ يُصَلِّي بِهِ الْفَرِيضَةَ إنْ تَيَمَّمَ فِي وَقْتِهَا وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ لِفَائِتَةٍ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ حَاضِرَةٍ فَأَرَادَهَا بِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا فَإِنَّ تَيَمُّمَهُ لِلْفَائِتَةِ اسْتَعْقَبَ جَوَازَ فِعْلِ الْفَائِتَةِ بِهِ ثُمَّ دَامَ إمْكَانُ أَدَاءِ فَرْضٍ بِهِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ وَهُنَا لَمْ يَسْتَعْقِبْ تيممه ان كان أَدَاءِ فَرْضٍ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ لِنَفْلٍ قَبْلَ الزَّوَالِ وَهُوَ ذَاكِرٌ فَائِتَةَ فَتَيَمُّمُهُ يَصْلُحُ لِلْفَائِتَةِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فَلَوْ زَالَتْ الشَّمْسُ فَأَرَادَ الظُّهْرَ بِهِ بَدَلًا عَنْ الْفَائِتَةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ

ص: 242

(فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِمَكْتُوبَةٍ لَا يَصِحُّ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَمَسْحِ الْخُفِّ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِأَنَّهُ وَقْتٌ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ كَمَا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا: إلَى قَوْله تَعَالَى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَاقْتَضَتْ الْآيَةُ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَتَيَمَّمُ عِنْدَ الْقِيَامِ خَرَجَ جَوَازُ تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ بِفِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْإِجْمَاعِ بَقِيَ التَّيَمُّمُ عَلَى مقتضاه ولانه يتيمم وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ التَّيَمُّمِ فَلَمْ يَصِحَّ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ وَمَعَهُ

مَاءٌ فَإِنْ قَالُوا يَنْتَقِضُ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ مُسْتَغْنٍ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ فِي أَوَاخِرِ الْوَقْتِ قُلْنَا بَلْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِحْرَازِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَمْ تَصِحَّ قَبْلَ الْوَقْتِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَقَدْ وَافَقُوا عَلَيْهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ ثَبَتَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَمَنْ جَوَّزَهُ قَبْلَهُ فَقَدْ حَاوَلَ إثْبَاتَ التَّيَمُّمِ الْمُسْتَثْنَى عَنْ الْقَاعِدَةِ بِالْقِيَاسِ وَلَيْسَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ فِي مَعْنَى مَا بَعْدَهُ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي نَفْسِهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ ضَرُورَةٌ فَاخْتَصَّ بِحَالِ الضَّرُورَةِ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّهُ رُخْصَةٌ وَتَخْفِيفٌ فَلَا يُضَيَّقُ بِاشْتِرَاطِ الْوَقْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةٌ لِلتَّخْفِيفِ جَوَازُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى غَسْلِ الرِّجْلِ وَالتَّيَمُّمُ ضَرُورَةٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالْجَوَابُ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهَا طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ فَالْتَحَقَتْ بِالْوُضُوءِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُمْ يَصْلُحُ لِلْمُبْدَلِ فَصَلُحَ لِلْبَدَلِ يَنْتَقِضُ بِاللَّيْلِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِعِتْقِ الْكَفَّارَةِ دُونَ بَدَلِهَا وَهُوَ الصَّوْمُ وَيَنْتَقِضُ بِيَوْمِ الْعِيدِ فَإِنَّهُ يَصْلُحُ لِنَحْرِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ دُونَ بَدَلِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا نُنَاظِرُ الْحَنَفِيَّةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُمْ خَرَقُوا الْإِجْمَاعَ فِيهَا وَاَللَّهُ أعلم

* (فرع)

ذكر المصنف أبا بكر ابن الْحَدَّادِ وَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعِ ذِكْرِهِ

* وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي صَاحِبُ الْفُرُوعِ مِنْ نُظَّارِ أَصْحَابِنَا وَمُتَقَدَّمِيهِمْ فِي الْعَصْرِ وَالْمَرْتَبَةِ وَالتَّدْقِيقِ تَفَقَّهَ عَلَى أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَكَانَ عَارِفًا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْمَذْهَبِ وَانْتَهَتْ إلَيْهِ إمَامَةُ أَهْلِ مِصْرَ فِي زمنه توفى سنة خمس وأربعين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز التيمم بعد دخول الوقت الا لعادم الماء أو الخائف من استعماله فاما الواجد فلا يجوز

ص: 243

له التيمم لقوله صلى الله عليه وسلم (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وُضُوءُ المسلم ما لم يجد الماء) فان وجد الماء وهو محتاج إليه للعطش فهو كالعادم لانه ممنوع من استعماله فاشبه إذا وجد ماء وبينهما سبع]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ مَاءٍ يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ

لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَوْ تَوَضَّأَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ وَغَيْرِهِمَا وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ وخاف فوت وَقْتِ الصَّلَاةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَهَذَا الوجه شاذ ليس بشئ وحكي العبدرى مثله عن الاوزاعي والثوري ورواية عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَالْجِنَازَةِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَهُمَا وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الزُّهْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْبَلَ مِنْ نَحْوِ بِئْرِ جَمَلٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَرُدَّ عليه السلام حَتَّى تَيَمَّمَ بِالْجِدَارِ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فِي رَجُلٍ تفجأه جِنَازَةٌ قَالَ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي عَلَيْهَا قَالُوا وَلِأَنَّهَا يُخَافُ فَوْتُهَا فَأَشْبَهَ الْعَادِمَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَمْ تَجِدُوا ماء فتيمموا وَبِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مُصَرِّحَةٍ بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُمُعَةِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا وَهَذَا قِيَاسُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَالُوا الْجُمُعَةُ تَنْتَقِلُ إلَى بَدَلٍ فَلَا تَفُوتُ مِنْ أَصْلِهَا قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ تَفُوتُ الْجُمُعَةُ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَفُوتُ بِخُرُوجِهِ وَالْجِنَازَةُ لَا تَفُوتُ بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى الْقَبْرِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَعْدَهَا عِنْدَنَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ هُوَ عَارٍ وَفِي بيته ثوب لو ذهب إليه فاتتا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ وَالثَّانِي جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَالشَّيْخِ نَصْرٍ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الطَّهَارَةَ لِلسَّلَامِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَخَفَّ أَمْرُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْأَثَرَانِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَانِ وَقَوْلُهُمْ يُخَافُ فَوْتُهُمَا يَنْتَقِضُ بِالْجُمُعَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا حُكْمُ وَاجِدِ الْمَاءِ الَّذِي لَا يخاف من استعماله ولايحتاج إلَيْهِ لِعَطَشٍ فَأَمَّا الْخَائِفُ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ للعطش فهو كالعادم فيتيم مَعَ وُجُودِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَقَلَ ابن المنذر

ص: 244

وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشِ نَفْسِهِ أَوْ رَفِيقِهِ أو حيوان محترم من مسلم أو أمي أَوْ مُسْتَأْمَنٍ أَوْ بَهِيمَةٍ جَازَ التَّيَمُّمُ بِلَا إعَادَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ

وَقَدْ نَبَّهَ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ) يَعْنِي أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ شَرْعًا مَنْعَ تَحْرِيمٍ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى الْمُحْتَاجِ هِبَةً أَوْ بِعِوَضٍ صَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَطَشِهِ فَآثَرَ بِهِ مُحْتَاجًا لِعَطَشِهِ وَتَيَمَّمَ جَازَ وَلَا إعَادَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ آثَرَهُ لِوُضُوئِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِي وَيُعِيدُ عَلَى تَفْصِيلٍ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْفَرْقُ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّهَارَةِ مُتَمَحِّضٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يَجُوزُ تَفْوِيتُهُ وَأَمَّا الشُّرْبُ فَمُعْظَمُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ حَقُّ نَفْسِهِ وَالْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ مِنْ عَادَةِ الصَّالِحِينَ وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا هُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَمَّا إذَا كَانَ الْحَيَوَانُ غَيْرَ مُحْتَرَمٍ كَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَسَائِرِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَلَا يَجُوزُ صَرْفُ الْمَاءِ إلَى سَقْيِهَا بِالِاتِّفَاقِ بَلْ يَجِبُ الْوُضُوءُ بِهِ فَإِنْ سَقَاهَا وَتَيَمَّمَ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ إنْ تَيَمَّمَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّقْيِ فَهُوَ كَإِرَاقَةِ الْمَاءِ سَفَهًا وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْعَطَشُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْخَوْفِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْمَرَضِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ عَطَشِهِ فِي الْحَالِ وَثَانِي الْحَالِ فَلَهُ تَزَوُّدُ الْمَاءِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ قدامه بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْجُمْهُورُ وَكَذَا لَوْ خَشِيَ عَطَشَ رَفِيقِهِ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ فَلْيَتَزَوَّدْ وَيَتَيَمَّمْ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ يَتَزَوَّدُ لِعَطَشِ رَفِيقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْإِمَامُ وَفِي هَذَا نَظَرٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ الظَّاهِرُ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَتَزَوَّدُ لِرَفِيقِهِ كَنَفْسِهِ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّوحَيْنِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ يَرْجُو وُجُودَ الْمَاءِ فِي غَدِهِ وَلَا يَتَحَقَّقُهُ فَهَلْ لَهُ التَّزَوُّدُ فِيهِ وَجْهَانِ قُلْت الْأَصَحُّ الْجَوَازُ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَا نَأْمُرُ الْعَطْشَانَ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ ثُمَّ يَجْمَعُهُ وَيَشْرَبُهُ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ كَانَ وَالِدِي يَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ ذَلِكَ إذَا أَمْكَنَ وَلَا يَجُوزُ التيمم قال وما ذكره والدى يجئ وَجْهًا فِي الْمَذْهَبِ لِأَنَّ أَبَا عَلِيٍّ الزَّجَّاجِيَّ وَالْمَاوَرْدِيَّ وَآخَرِينَ ذَكَرُوا فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَآخَرُ نَجِسٌ وَهُوَ عَطْشَانُ يَشْرَبُ النَّجِسَ وَيَتَوَضَّأُ بِالطَّاهِرِ فَإِذَا

ص: 245

أَمَرُوا بِشُرْبِ النَّجِسِ لِيَتَوَضَّأَ بِالطَّاهِرِ فَأَوْلَى أَنْ يُؤْمَرَ بِالْوُضُوءِ وَيَشْرَبَ الْمُسْتَعْمَلَ قُلْت (1) هَذَا الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ مُشْكِلٌ وَقَدْ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْمَاوَرْدِيُّ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَاخْتَارَ أَنَّهُ يَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَتَيَمَّمُ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَيَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَكُونُ وُجُودُ النَّجِسِ كَالْعَدَمِ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ شُرْبُهُ إلَّا إذَا عَدِمَ الطَّاهِرَ وَقَوْلُهُمْ إنَّهُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ صَارَ مُسْتَحِقًّا لِلطَّهَارَةِ لَا يَسْلَمُ فَإِنَّمَا يُسْتَحَقُّ لِلطَّهَارَةِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا عَطِشَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَمَّا إذَا عَطِشَ قَبْلَهُ فَيَشْرَبُ الطَّاهِرَ وَيَحْرُمُ شُرْبُ النَّجِسِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ وَاضِحٌ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَنِهِ فِي نَفَقَتِهِ وَمُؤْنَةِ سَفَرِهِ جَازَ التَّيَمُّمُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ (فَرْعٌ)

إذَا ازْدَحَمَ جَمْعٌ عَلَى بِئْرٍ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِقَاءُ مِنْهَا إلَّا بِالْمُنَاوَبَةِ لِضِيقِ الْمَوْقِفِ أَوْ لِاتِّحَادِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ يَتَوَقَّعُ وُصُولَ النَّوْبَةِ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَقَدْ حَكَى جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَصْبِرُ لِيَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَأَنَّهُ نَصَّ فِيمَا لو حضر جمع من العراة وليس معهم الاثوب يَتَنَاوَبُونَهُ وَعَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يَصْبِرُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي سَفِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ ضَيِّقٍ وَهُنَاكَ مَوْضِعٌ يَسَعُ قَائِمًا فَقَطْ نَصَّ أَنَّهُ يُصَلِّي فِي الْحَالِ قَاعِدًا وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ النُّصُوصِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَظْهَرُهُمَا وَهِيَ الَّتِي قَالَ بِهَا الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَقَطَعَ بِهَا صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَنَقَلَهَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا أَنَّ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَظْهَرُهُمَا يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ وَعَارِيًّا وَقَاعِدًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فِي الْحَالِ وَالْقُدْرَةُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا تُؤَثِّرُ كَمَا لَوْ كَانَ مَرِيضًا عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ وَاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَيَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ الْقُدْرَةُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي فِي الْوَقْتِ قَاعِدًا وَبِالتَّيَمُّمِ فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ في المسائل كلها كالمريض وكر إمَامُ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالًا فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمُصَلِّي قَاعِدًا لِنُدُورِهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ قَوْلَيْنِ وَقَالَ أَصَحُّهُمَا تَجِبُ كَالْعَاجِزِ الَّذِي مَعَهُ مَاءٌ لَا يَجِدُ مَنْ يوضئه فانه يتيم وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ

الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْتُهُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ فِي الحال وجنس عذرهم غير نادر بخلاف

(1) قلت قال المحاملى في كتابه اللباب في باب الاشربة وقال في حرملة إذا وجد ماء طاهرا ونجسا واحتاج إلى الطهارة توضأ بالطاهر وشرب النجس فهذا نص صاحب المذهب وهو يرتفع عن التصويب وقد نقله عن النص الشيخ أبو حامد في الرونق أيضا اه اذرعى

ص: 246

مَا قَاسَ عَلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَالْقَوْلُ الثَّانِي مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ يَصْبِرُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَاجِزًا مُطْلَقًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تَقْرِيرُ النُّصُوصِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ أَمْرَ الْقِيَامِ أَسْهَلُ مِنْ الوضوء والستر ولهذا جاز تركبه فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الْعُرْيُ وَالتَّيَمُّمُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى السَّتْرِ وَالْمَاءِ وَهَذَا الْفَرْقُ مَشْهُورٌ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالْأَصْحَابُ وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ فِي الْفَرِيضَةِ فَلَا يَنْفَعُ تَخْفِيفُ أَمْرِهِ فِي النَّفْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِلْفَارِقِ أَنْ يَقُولَ مَا كَانَ وَاجِبًا فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ أَهَمُّ مِمَّا وَجَبَ فِي أَحَدِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي حِكَايَةِ النُّصُوصِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا نَصَّ لَلشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ وَنَصَّ فِي الْأُخْرَيَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ فَمِنْهُمْ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ قَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَرَّرَ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا سَبَقَ وَالثَّانِي أَنَّ لِلْقِيَامِ بَدَلًا وَهُوَ الْقُعُودُ بِخِلَافِ السَّتْرِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَؤُلَاءِ أَلْحَقُوا مَسْأَلَةَ الْبِئْرِ بِمَسْأَلَةِ السَّفِينَةِ وَقَالُوا يَتَيَمَّمُ فِي الْحَالِ وَاعْلَمْ أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَجْرَيَا الْخِلَافَ الَّذِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا لَاحَ لِلْمُسَافِرِ الْمَاءُ وَلَا عَائِقَ عَنْهُ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ وَمَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ بِهِ وَلَكِنْ لَوْ اشْتَغَلَ بِغَسْلِهِ لَخَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ غَسْلُهُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا يُصَلِّي عَارِيًّا كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَتَوَضَّأُ بِهِ أَوْ يَغْتَرِفُهُ مِنْ بِئْرٍ وَلَا مُزَاحِمَ لَهُ لَكِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَصَارَتْ صَلَاتُهُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يَشْتَغِلُ بِالْوُضُوءِ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ وَلَا عَلَى الِاسْتِقَاءِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَادِمٌ

*

(فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَوَجَدَ بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ لَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ إلَيْهِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ وَلَيْسَ مَعَهُ مَا يُدْلِيه إلَّا ثَوْبُهُ أَوْ عِمَامَتُهُ لَزِمَهُ أدلاوه ثُمَّ يَعْصِرُهُ إنْ لَمْ تَنْقُصْ قِيمَةُ الثَّوْبِ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ فَإِنْ زَادَ النَّقْصُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى اسْتِئْجَارِ مَنْ يَنْزِلُ إلَيْهَا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ إنْ شَقَّهُ نِصْفَيْنِ وَصَلَ الْمَاءُ وَإِلَّا لَمْ يَصِلْ فَإِنْ كَانَ نَقْصُهُ بِالشَّقِّ لَا يَزِيدُ عَلَى الْأَكْثَرِ مِنْ ثَمَنِ الْمَاءِ وَثَمَنِ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ لزمه

ص: 247

شَقُّهُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ لَوْ عَدِمَ الْمَاءَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ حَفَرَ مَوْضِعَهُ وَصَلَ الْمَاءَ فَإِنْ كَانَ يَحْصُلُ بِحَفْرٍ قَرِيبٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَجَبَ الْحَفْرُ وَلَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا جَازَ بِلَا إعَادَةٍ

* (فَرْعٌ)

لَوْ وَجَدَ الْمُسَافِرُ خَابِيَةَ مَاءٍ مُسْبَلٍ عَلَى الطَّرِيقِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ بَلْ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّ الْمَالِكَ وَضَعَهُ لِلشُّرْبِ لَا لِلْوُضُوءِ ذكره أبو عاصم العبادي ثم صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَبُو عَاصِمٍ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ الشُّرْبُ مِنْهُ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَرْعٌ فِي مَسَائِلَ ذَكَرَهَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُنَا فِي تَعْلِيقِهِ وَلَهَا تَعَلُّقٌ بِمَسْأَلَةِ خَوْفِ الْعَطَشِ] قَالَ: إذَا كَانَ مَعَهُ دَابَّةٌ مِنْ حِمَارٍ وَغَيْرِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُحَصِّلَ لَهَا الْمَاءَ لِعَطَشِهَا وَكَذَا إذَا كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ مُحْتَرَمٌ كَكَلْبِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ فَإِنْ وجد من يبعه الْمَاءَ لَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ وَإِنْ لم يبيعه إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ أَيْضًا شِرَاؤُهُ وَهَلْ تَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ عَقْدٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ غَيْرَ الْمَاءِ بِأَضْعَافِ ثَمَنِهِ وَالثَّانِي لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُكْرَهِ عَلَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِوُجُوبِ الشِّرَاءِ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يَكُنْ مُحْتَاجًا إلَيْهِ جَازَ لِصَاحِبِ الْكَلْبِ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَيْهِ وَيَأْخُذَهُ مِنْهُ قَهْرًا لِكَلْبِهِ وَدَابَّتِهِ كَمَا يَأْخُذُهُ لِنَفْسِهِ فَإِنْ كَابَرَهُ فَأَتَى الدَّفْعُ عَلَى نَفْسِ صَاحِبِ الْمَاءِ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا وَإِنْ أَتَى عَلَى صَاحِبِ الْكَلْبِ كَانَ مَضْمُونًا قَالَ وَلَوْ احْتَاجَ كَلْبُهُ إلَى طَعَامٍ وَمَعَ غَيْرِهِ شَاةٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَيْهَا لِكَلْبِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ كَالْمَاءِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّ لِلشَّاةِ حُرْمَةً أَيْضًا لِأَنَّهَا ذَاتُ رُوحٍ وَمَتَى كَانَ صَاحِبُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ

لَا يَجُوزُ مُكَابَرَتُهُ بِحَالٍ فَلَوْ كَانَ صَاحِبُهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الثَّانِي وَهُنَاكَ مَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْزِلِ الْأَوَّلِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا صَاحِبُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَالِكُهُ وَالثَّانِي الْمُحْتَاجُ أَوْلَى لِتَحَقُّقِ حَاجَتِهِ فِي الْحَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَغَيْرُهُ مُحْتَاجٌ فَهُوَ كَالْمَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِنْ كَانَ الْأَجْنَبِيُّ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِسَتْرِ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَلَا يَلْزَمُهُ بِالزِّيَادَةِ وَإِنْ كَانَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْبَرْدِ فَبَاعَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ فَفِي لُزُومِ الزِّيَادَةِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يَبِعْهُ فَحُكْمُ مُكَابَرَتِهِ حكم الماء هذا كلام القاضي * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز لعادم الماء أن يتيمم الا بعد الطلب لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) ولا

ص: 248

يقال لم يجد الا بعد الطلب ولانه بدل أجيز عند عدم المبدل فلا يجوز فعله الا بعد ثبوت العدم كالصوم في الكفارة لا يفعله حتى يطلب الرقبة ولا يصح الطلب الا بعد دخول الوقت لانه انما يطلب ليثبت شرط التيمم وهو عدم الماء فلم يجز في وقت لا يجوز فيه فعل التيمم والطلب أن ينظر عن يمينه وشماله وأمامه ووراءه فان كان بين يديه حائل من جبل أو غيره صعده ونظر حواليه وان كان معه رفيق سأله عن الماء]

* [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا لَا يَجُوزُ لِعَادِمِ الْمَاءِ التَّيَمُّمُ إلَّا بَعْدَ طَلَبِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَنَّ بِقُرْبِهِ مَاءً لَزِمَهُ طَلَبُهُ وَإِلَّا فَلَا وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْأَصْلِ فَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَلَمْ تجدوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ إلَّا لِمَنْ طَلَبَ فَلَمْ يُصِبْ فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَطْلُبْ فَلَا يُقَالُ لَمْ يَجِدْ وَنَقَلُوا هَذَا عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ لِي رُطَبًا فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَعِنَبًا لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْعِنَبَ قَبْلَ طَلَبِ الرُّطَبِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيُ فِي التَّمَتُّعِ فَإِنَّهُ لَا يُنْتَقَلُ إلَى بَدَلِهِمَا إلَّا بَعْدَ طَلَبِهِمَا فِي مَظَانِّهِمَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيَاسِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ النَّصِّ فِي مَظَانِّهِ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ قَدْ يُصَادَفُ بِالطَّلَبِ فَوَجَبَ طَلَبُهُ كَالْقِبْلَةِ: وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الرَّقَبَةِ فَرَدَّهُ أَصْحَابُنَا وَقَالُوا لَا يَنْتَقِلُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا بَعْدَ طَلَبِ الرَّقَبَةِ

فِي مَظَانِّهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) هَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ الْقَطْعِ بِوُجُوبِ الطَّلَبِ بِكُلِّ حَالٍ هُوَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ الْمَاءِ حَوَالَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ الطَّلَبُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ ذَكَرَ فِيهِ وَجْهَيْنِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا يَجِبُ الطَّلَبُ إذَا تَوَقَّعَ وُجُودَ الْمَاءِ تَوَقُّعًا قَرِيبًا أَوْ مُسْتَبْعَدًا فَإِنْ قَطَعَ بِأَنْ لَا مَاءَ هُنَاكَ بِأَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ رِمَالِ الْبَوَادِي فَيَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ اسْتِحَالَةَ وُجُودِ مَاءٍ لَمْ نُكَلِّفهُ التَّرَدُّدَ لِطَلَبِهِ لِأَنَّ طَلَبَ مَا يُعْلَمُ اسْتِحَالَةُ وُجُودِهِ مُحَالٌ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ هُوَ فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ أَنْ لَا مَاءَ هُنَاكَ فَأَمَّا إذَا ظَنَّ الْعَدَمَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ فَيَجِبُ الطَّلَبُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ وَصَرَّحُوا كُلُّهُمْ بِهِ الاصحاب الا بانة فَإِنَّهُ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

ص: 249

عَلَيْهِ وَقَالَ لَسْت أَثِقُ بِهَذَا النَّقْلِ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي التَّيَمُّمِ الثَّانِي كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَصِحُّ الطَّلَبُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ طَلَبَ وَهُوَ شَاكٌّ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ وَافَقَ الْوَقْتَ لَمْ يَصِحَّ طَلَبُهُ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ كَمَا قُلْنَا فِي التَّيَمُّمِ نَفْسِهِ وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي الْوَقْتِ أَوْ إلَى جِهَةٍ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَوَافَقَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي فَرْعٍ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ فَإِنْ قِيلَ إذَا طَلَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَدَخَلَ الْوَقْتُ وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ وَلَا تَجَدَّدَ مَا يَحْتَمِلُ وُجُودَ مَاءٍ كَانَ طَلَبُهُ ثَانِيًا عَبَثًا فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ عَدَمُ وُجُودِ مَاءٍ إذَا كَانَ نَاظِرًا إلَى مَوَاضِعِ الطلب ولم يتجدد فيها شئ وَهَذَا يَكْفِيه فِي الطَّلَبِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَوْ طَلَبَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَ التَّيَمُّمَ فَتَيَمَّمَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ جَازَ مَا لَمْ يَحْدُثْ مَا يُوجِبُ تَجْدِيدَ الطَّلَبِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (الرَّابِعَةُ) فِي صِفَةِ الطَّلَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَوَّلُ الطَّلَبِ أَنْ يُفَتِّشَ رَحْلَهُ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقُدَّامًا وَخَلْفًا وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَشْيُ أَصْلًا بَلْ يَكْفِيه نَظَرُهُ فِي هَذِهِ الْجِهَاتِ وَهُوَ فِي مَكَانِهِ هَذَا إنْ كَانَ الَّذِي حَوَالَيْهِ لَا يَسْتَتِرُ عَنْهُ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِهِ جَبَلٌ صَغِيرٌ وَنَحْوُهُ صَعِدَهُ وَنَظَرَ حَوَالَيْهِ إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ الَّذِي

مَعَهُ أَوْ الْمُخَلَّفِ فِي رَحْلِهِ فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْمَشْيُ إلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ (وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَدُورَ فِي الطَّلَبِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحَدٍ) هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّلَبَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ ثُمَّ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ يَتَرَدَّدُ قَلِيلًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ عِنْدِي بَلْ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ فَنَضْبِطُهُ وَنَقُولُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَبْعُدَ عَنْ مَنْزِلِ الرُّفْقَةِ نِصْفَ فَرْسَخٍ وَلَا نَقُولُ لَا يُفَارِقُ الْخِيَامَ بَلْ يَطْلُبُ مِنْ مَوْضِعٍ لَوْ انْتَهَى إلَيْهِ وَاسْتَغَاثَ بِالرُّفْقَةِ لَمْ يَبْعُدْ عَنْهُ غَوْثُهُمْ مَعَ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ تُشَاغِلْهُمْ بِأَقْوَالِهِمْ وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَرْضِ وَاسْتِوَائِهَا فَإِنْ وَصَلَهُ نَظَرُهُ كَفَى وَإِلَّا تَرَدَّدَ قَلِيلًا وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِمَامَ فِي هَذَا الضَّبْطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ حِكَايَتِهِ كَلَامَ الْإِمَامِ هَذَا الضَّبْطُ لَا يُوجَدُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ لَكِنَّ الْأَئِمَّةَ بَعْدَهُ تَابَعُوهُ عَلَيْهِ

ص: 250

وليس في الطرق مَا يُخَالِفُهُ (قُلْت) بَلْ قَدْ خَالَفَهُ الْأَصْحَابُ فَإِنَّ ضَبْطَهُمْ الَّذِي حَكَيْته أَوَّلًا يُخَالِفُ ضَبْطَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ رُفْقَةٌ فَإِنْ كَانَ وَجَبَ سُؤَالُهُمْ إلَى أَنْ يَسْتَوْعِبَهُمْ أَوْ يَضِيقَ الْوَقْتُ فَلَا يَبْقَى إلَّا مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفِي وَجْهٍ إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ رَكْعَةً حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ يَسْتَوْعِبُهُمْ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ضَعِيفَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ بِنَفْسِهِ وَلَهُ أَنْ يُوَكِّلَ ثِقَةً عِنْدَهُ يَطْلُبُ لَهُ سَوَاءٌ فِيهِ الطَّلَبُ بِالنَّظَرِ فِي الْأَرْضِ وَالطَّلَبُ مِنْ الرُّفْقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ بَلْ يُنَادِي فِيهِمْ مَنْ مَعَهُ مَاءٌ مَنْ يَجُودُ بِالْمَاءِ أَوْ نَحْوَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لَوْ قَلَّتْ الرُّفْقَةُ لَمْ يَلْزَمْ الطَّلَبُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ بَعَثَ النَّازِلُونَ وَاحِدًا يَطْلُبُ لَهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ كُلِّهِمْ وَلَا فَرْقَ فِي جَوَازِ التَّوْكِيلِ فِي الطَّلَبِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ وَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِمَعْذُورٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي هَذَا الْوَجْهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ أَنَّهُ إذَا يَمَّمَهُ غَيْرُهُ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَصِحَّ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَكَذَا الْمَبْنِيُّ عَلَيْهِ وَلَوْ طَلَبَ لَهُ غَيْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي

وَالطَّلَبُ مِنْ الرُّفْقَةِ معتبر بالمنزل الَّذِي فِيهِ رُفْقَتُهُ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُهُ فِي غير المنزل المنسوب إلى منزله فيسأل مَنْ فِيهِ مِنْ أَهْلِهِ وَغَيْرِ أَهْلِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَنْ يُصَدِّقُهُ عَنْ الْمَاءِ مَعَهُمْ أَوْ فِي مَنْزِلِهِمْ فَمَنْ أَخْبَرَهُ عَنْ الْمَاءِ بِالْمَنْزِلِ لَمْ يَعْتَمِدْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ثِقَةً وَمَنْ أَخْبَرَهُ أَنْ لَا مَاءَ بِيَدِهِ عَمِلَ بِقَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ صَادِقًا فَهُوَ مَانِعٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا عَلِمَ أَنَّ مَعَ أَحَدِ الرُّفْقَةِ مَاءً وَجَبَ اسْتِيهَابُهُ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ وَجَبَ قَبُولُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الْهِبَةِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ إذْ لَا مِنَّةَ فِيهِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ قَبُولُ الْهِبَةِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الِاسْتِيهَابُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِصُعُوبَةِ السُّؤَالِ عَلَى أَهْلِ الْمُرُوءَةِ كَمَا لَا يَجِبُ اسْتِيهَابُ ثَمَنِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا مِنَّةَ بِالْمَاءِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ وَلِهَذَا لَوْ وُهِبَتْ الرَّقَبَةُ ابْتِدَاءً لَمْ يَجِبْ قَبُولُهَا بِخِلَافِ الْمَاءِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَرَادَ التَّيَمُّمَ وَلَمْ يَسْبِقْ لَهُ طَلَبٌ

ص: 251

فَإِنْ كَانَ سَبَقَ لَهُ طَلَبٌ وَتَيَمَّمَ وَأَرَادَ تَيَمُّمًا آخَرَ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ لِفَرِيضَةٍ أُخْرَى أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الطَّلَبِ يَنْظُرُ فَإِنْ احْتَمَلَ وَلَوْ عَلَى نُدُورٍ حُصُولُ الْمَاءِ بِأَنْ انْتَقَلَ مِنْ مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ أَوْ طَلَعَ رَكْبٌ أَوْ سَحَابَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ وَجَبَ الطَّلَبُ بِلَا خلاف على حَسْبِ مَا تَقَدَّمَ فَكُلُّ مَوْضِعٍ تَيَقَّنَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَمْ يَحْتَمِلْ حُدُوثُ مَاءٍ فِيهِ لِهَذَا السَّبَبِ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَاَلَّذِي ظَنَّ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ يَجِبُ الطلب منه بِلَا خِلَافٍ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَمِلْ حُدُوثُ مَاءٍ وَلَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ فَإِنْ كَانَ تَيَقَّنَ بِالطَّلَبِ الْأَوَّلِ أَنْ لَا مَاءَ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْهُ بَلْ ظَنَّ الْعَدَمَ فانه يكفى لك فِي الْأَوَّلِ فَهَلْ يَحْتَاجُ فِي الثَّانِي إلَى إعَادَةِ الطَّلَبِ: فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ يَحْتَاجُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ بَلْ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ مَاءٌ مِنْ بِئْرٍ خَفِيَتْ أَوْ بِدَلَالَةِ شَخْصٍ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا يَكُونُ الطَّلَبُ

الثَّانِي أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ ثَانِيًا مِنْ رَحْلِهِ لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ عِلْمَ إحَاطَةٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِذَا طَلَبَ ثَانِيًا وَصَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى وَجَبَ الطَّلَبُ لَهَا ثَالِثًا وَهَكَذَا كُلَّمَا حَضَرَتْ صَلَاةٌ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ تَيَمَّمَ لِلْأُولَى وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلثَّانِيَةِ إلَّا بَعْدَ طَلَبٍ ثَانٍ (1) وَكَذَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ لِلثَّالِثَةِ وَمَا بَعْدَهَا قَالَ وَكَذَا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ طَلَبَ لِلثَّانِيَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ (فَرْعٌ)

يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الطَّلَبَ ثَانِيًا لَا يَضُرُّ التَّفْرِيقُ بِهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ لِلْمُتَيَمِّمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بِالطَّلَبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالْإِقَامَةِ وَلَيْسَتْ بِشَرْطٍ فَالتَّيَمُّمُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ أَوْلَى قَالُوا وَلِأَنَّا لَا نُكَلِّفُهُ فِي الطَّلَبِ إلَّا أَنْ يَقِفَ مَوْضِعَهُ وَيَلْتَفِتَ عَنْ جَوَانِبِهِ وَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي طَلَبِ الْمَاءِ

* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الطلب إذا عدم الماء

(1) وينبغي ان يحمل هذا الكلام إلى آخره على انه في كل مرة لا يحصل له يقين العدم بل غلبة الظن فعلى هذا لااشكال فيه الا ان يقال أنه قطع بالوجه القائل بالطلب تعبدا وان تيقن العدم وهذا بعيد اه اذرعي

ص: 252

سَوَاءٌ رَجَاهُ أَوْ تَوَهَّمَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَنَّ وُجُودَهُ بِقُرْبِهِ لَزِمَهُ وَإِلَّا فلا * قال المصنف رحمه الله

* [فان بذله له لزمه قبوله لانه لامنة عليه في قبوله وان باعه منه بثمن المثل وَهُوَ وَاجِدٌ لِلثَّمَنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ شراه كما يلزمه شراء الرقبة في الكفارة والطعام للمجاعة فان لم يبذل له وهو غير محتاج إليه لنفسه لم يجز أن يكابره علي أخذه كَمَا يُكَابِرُهُ عَلَى طَعَامٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَجَاعَةِ وصاحبه غير محتاج إليه لان الطعام ليس له بدل وللماء بدل]

* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ (بَاعَهُ مِنْهُ) صَحِيحٌ وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ النَّاسِ فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ لَا يُقَالُ بَاعَ مِنْهُ إنَّمَا يُقَالُ بَاعَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هُمَا جَائِزَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ بِدَلَائِلِهِ وَشَوَاهِدِهِ

وَالشِّرَى وَالشِّرَاءُ لُغَتَانِ مَقْصُورٌ بِالْيَاءِ وَمَمْدُودٌ بِالْأَلِفِ وَالْمَجَاعَةُ بِفَتْحِ الْمِيمِ هِيَ الْمَخْمَصَةُ وَهِيَ شِدَّةُ الْجُوعِ وَهَذِهِ الْقِطْعَةُ تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ لَزِمَهُ قَبُولُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ الرَّقَبَةِ للكفارة وهذا ليس بشئ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُمَنُّ بِهِ فِي الْعَادَةِ بِخِلَافِ الرَّقَبَةِ وَلَوْ وُهِبَ لَهُ ثَمَنُ الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ثُمَّ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هِبَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ أَنَّ هِبَةَ الْأَبِ لِابْنِهِ ثَمَنَ الْمَاءِ وَعَكْسَهُ فِي وُجُوبِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ كَقَبُولِ الْمَالِ لِيَحُجَّ بِهِ وَأَمَّا هِبَةُ آلَةِ الِاسْتِقَاءِ فَكَهِبَةِ ثَمَنِ الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَأَمَّا إعَارَتُهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِوُجُوبِ قَبُولِهَا مُطْلَقًا وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَلْزَمُهُ طَلَبُ الْعَارِيَّةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي اسْتِيهَابِ الْمَاءِ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا يَجِبُ وَانْفَرَدَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ يَلْزَمُهُ الِاسْتِعَارَةُ إنْ كَانَ ثَمَنُ الْآلَةِ قَدْرَ ثَمَنِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يلزم لانها قد تتلف فيضمنها (وَالثَّانِي) يَلْزَمُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ سَلَامَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ وَهُوَ وَاجِدٌ لِلثَّمَنِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ شِرَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي ثَمَنِ الْمِثْلِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ أُجْرَةُ نَقْلِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي هَذَا الْمُشْتَرِي فِيهِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ ببعد

ص: 253

الْمَسَافَةِ وَقُرْبِهَا وَعَلَى هَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْوَسَطُ الْمُقْتَصَدُ وَيَجُوزُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْحَدُّ الَّذِي يَسْعَى إلَيْهِ الْمُسَافِرُ عِنْدَ تَيَقُّنِ الْمَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَدَّ لَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى السَّعْيِ إلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَقَدَرَ عَلَى بَذْلِ أُجْرَةٍ لِمَنْ يَنْقُلُ لَهُ الْمَاءَ مِنْهُ لَزِمَهُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُعْتَبَرُ ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي غَالِبِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّ الشَّرْبَةَ الْوَاحِدَةَ فِي وَقْتِ عِزَّةِ الْمَاءِ يُرْغَبُ فِيهَا بِدَنَانِيرَ فلو كلفناه شراه بِقِيمَتِهِ فِي الْحَالِ لَحِقَهُ الْمَشَقَّةُ وَالْحَرَجُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَحَكَوْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ يُعْتَبَرُ ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَإِنَّ ثَمَنَ الْمِثْلِ يُعْتَبَرُ حَالَةَ التَّقْوِيمِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ

وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ بَنَاهُ قَائِلُوهُ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ لَا يُمْلَكُ وَهُوَ وَجْهٌ سَخِيفٌ قَالَ وَالْوَجْهُ الثاني أيضا ليس بشئ قَالَ وَعَلَى طَرِيقَةِ الْأَكْثَرِينَ الْأَقْرَبُ أَنْ يُقَالَ لَا يُعْتَبَرُ ثَمَنُ الْمَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَنْضَبِطُ وَرُبَّمَا رَغِبَ فِي الشَّرْبَةِ حِينَئِذٍ بِدَنَانِيرَ وَيَبْعُدُ فِي الرخص والتخفيفات أن توجب ذَلِكَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَلَكِنْ يُعْتَبَرُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ مِنْ غَيْرِ انْتِهَاءِ الْأَمْرِ إلَى سَدِّ الرَّمَقِ وَأَمَّا الْغَزَالِيُّ رحمه الله فَانْفَرَدَ عَنْ الْأَصْحَابِ فَاخْتَارَ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا اخْتَارَهُ غَيْرُهُ وَغَيْرُ مَنْ تَابَعَهُ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا لَمْ يَبِعْ الْمَاءَ إلَّا باكثر من ثمن المثل فلا يلزمه شراه بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي كِتَابِهِ الْكَافِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَثُرَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ قَلَّتْ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَفِيهِ وَجْهٌ أنه يجب شراه بِزِيَادَةٍ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَحَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْقَاضِي حُسَيْنٍ بَعْدَ حِكَايَتِهِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ لِأَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ المال محترم ولهذا لو خاف تلف شئ يَسِيرٍ مِنْ مَالِهِ لَوْ ذَهَبَ إلَى الْمَاءِ لَمْ يَلْزَمْهُ الذَّهَابُ

ص: 254

وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ جَمَاهِيرُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة يلزمه شراؤه بالغبن اليسير وقال حسن البصري يلزمه شراه بِكُلِّ مَالِهِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا إذَا وَجَدَ ثَمَنَ الْمَاءِ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنْ وَجَدَهُ وَلَكِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِدِينٍ مُسْتَغْرِقٍ أَوْ نَفَقَتِهِ أَوْ نَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ عِيَالِهِ أَوْ مَمْلُوكِهِ أَوْ حَيَوَانِهِ الْمُحْتَرَمِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ السَّفَرِ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مِنْ مَأْكُولِهِ وَمَشْرُوبِهِ وَمَلْبُوسِهِ وَمَرْكُوبِهِ لَمْ يَجِبْ صَرْفُهُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ فَضَلَ عَنْ هَذِهِ الْحَاجَاتِ لَزِمَهُ صَرْفُهُ فِي الْمَاءِ مِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ مَالُهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَاءٌ وَلَا ثَمَنُهُ وَوَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ الْمَاءَ وَجَبَ قَبُولُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَقْرَضَهُ ثَمَنَ الْمَاءِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ بِالْوُجُوبِ

وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُطَالِبَهُ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَى مَالِهِ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَبِيعُهُ الْمَاءَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شِرَاؤُهُ بِلَا خِلَافٍ وان كان فوجهان الصحيح يلزمه شراه وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَجَلَ لَازِمٌ فَلَا مُطَالَبَةَ قَبْلَ حُلُولِهِ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَشَذَّ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَطَعَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُؤَجَّلٍ وَإِنْ كَانَ مَالِكًا لِلثَّمَنِ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُتْلِفَ مَالَهُ فَيَبْقَى الدِّينُ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ ضَرَرٌ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مُمْتَدًّا إلَى أَنْ يَصِلَ بَلَدَ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُزَادَ فِي الثَّمَنِ بِسَبَبِ الْأَجَلِ مَا يليق به أولا يُزَادُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إذَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ النَّقْدِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنْ قِيلَ لِمَ قَطَعْتُمْ هُنَا بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الشِّرَاءُ بِمُؤَجَّلٍ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ وَقُلْتُمْ فِيمَنْ لَا يَجِدُ طَوْلَ حُرَّةٍ وَوَجَدَ حُرَّةً تَرْضَى بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ لَا يُبَاحُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ فِي وَجْهٍ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ فِي النِّكَاحِ تَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ ثَالِثٌ

ص: 255

وَهُوَ الْوَلَدُ فَإِنَّ وَلَدَ الْأَمَةِ يَكُونُ رَقِيقًا فَرَاعَيْنَا حَقَّهُ وَهُنَا الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ مَعَ أَنَّهُ أَتَى بِبَدَلٍ وَلَوْ وَجَدَ آلَةَ الِاسْتِقَاءِ بِالثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ تَحْصِيلُهَا بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ زَادَ لَمْ يَجِبْ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ قِيلَ يَجِبُ مَا لَمْ تُجَاوِزْ الزِّيَادَةُ ثَمَنَ مِثْلِ الْمَاءِ لَكَانَ حَسَنًا وَكَذَا الْعُرْيَانُ إذَا وَجَدَ ثَوْبًا يُبَاعُ أَوْ يُؤَجَّرُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ أَوْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ إذَا وَجَدَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ مَا أَوْجَبْنَاهُ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ كُلِّهَا وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ إلَّا إذَا وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنَّهُ يَأْثَمُ وَفِي الْإِعَادَةِ تَفْصِيلٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ حَالَ التَّيَمُّمِ بَاقِيًا فِي يَدِ الْوَاهِبِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى هِبَتِهِ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ بَاقِيًا أَوْ رَجَعَ عَنْ هِبَتِهِ فَفِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَفَهًا وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُمَا حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ وَجَدَ الْعُرْيَانُ مَاءً وَثَوْبًا يُبَاعَانِ وَمَعَهُ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَزِمَهُ شِرَاءُ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ لَا بَدَل لَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلِهَذَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَشْتَرِيَ لِعَبْدِهِ سَاتِرَ عَوْرَتِهِ وَلَا يَلْزَمُهُ شِرَاءُ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ فِي السَّفَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا

احْتَاجَ إلَى ماء للطهارة دُونَ الْعَطَشِ وَوَجَدَ الْمَاءَ مَعَ مَنْ لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فَطَلَبَهُ مِنْهُ بَيْعًا أَوْ هِبَةً أَوْ قَرْضًا فَامْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَقْهَرَهُ عَلَى أَخْذِهِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ ما لو احتياج إلَيْهِ لِشِدَّةِ الْعَطَشِ وَصَاحِبُهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَإِنَّهُ يَقْهَرُهُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّ لِمَاءِ الطَّهَارَةِ بَدَلًا فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْمَاءِ بَذْلُهُ لِطَهَارَةِ هَذَا الْمُحْتَاجِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ حَرْبَوَيْهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُهُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَا يَجُوزُ لِلْعَارِي أَنْ يَقْهَرَ صَاحِبَ الثَّوْبِ عَلَى أَخْذِهِ لِسِتْرِ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ فَإِنْ خَافَ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ له قَهْرُهُ إذَا لَمْ يَضْطَرَّ صَاحِبُهُ إلَيْهِ هَكَذَا ذكره البغوي وغيره وهو كما ذكروه: قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يَجُوزُ أَنْ يَقْهَرَهُ وَيُكَابِرَهُ فَإِنْ قَهَرَهُ فَأَدَّى إلَى هَلَاكِ الْمَالِكِ كَانَ هَدَرًا لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِمَنْعِهِ وَإِنْ أَدَّى إلَى هَلَاكِ الْمُضْطَرِّ كَانَ مَضْمُونًا لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ مَعَ الْمُحْتَاجِ إلَى مَاءِ الطَّهَارَةِ مَاءٌ مَغْصُوبٌ

ص: 256

أَوْ مَرْهُونٌ أَوْ وَدِيعَةٌ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَذَكَرْته لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَتَسَاهَلُ فِيهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَوَضَّأَ بِهِ صَحَّ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله (لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَابِرَهُ عَلَى الْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ كَمَا يُكَابِرُهُ عَلَى طَعَامٍ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْمَجَاعَةِ لِأَنَّ الطَّعَامَ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِلْمَاءِ بَدَلٌ) فَهَذَا التَّعْلِيلُ يَنْتَقِضُ بِالْعَارِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَابِرَ صَاحِبَ الثَّوْبِ وَإِنْ كَانَ لَا بَدَلَ لِلثَّوْبِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمُكَابَرَةَ فِي الطَّعَامِ جَازَتْ لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَلِهَذَا حَلَّتْ الْمَيْتَةُ لِلْمُضْطَرِّ: وَأَمَّا الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى مَنْ وَجَدَهُ وَهَذَا لَمْ يَجِدْهُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان دل علي ماء ولم يخف فوت الوقت ولا انقطاعا عن رفقة ولا ضررا في نفسه وماله لزمه طلبه]

* [الشَّرْحُ] الرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وقوله رفقة هُوَ بِالتَّنْكِيرِ مِنْ غَيْرِ تَاءٍ بَعْدَ الْقَافِ وَهُوَ يَتَنَاوَلُ رُفْقَةً كَانَ مَعَهُمْ وَرُفْقَةً يُصَادِفُهُمْ الْآنَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَعَبَّرُوا بِعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ

وَسَلَكَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا طَرِيقَةً أُخْرَى اخْتَصَرَهَا الرَّافِعِيُّ وَهَذَّبَهَا فَقَالَ إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الماء حوليه فَلَهُ ثَلَاثُ مَرَاتِبَ: إحْدَاهَا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةٍ يَنْتَشِرُ إلَيْهَا النَّازِلُونَ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالْبَهَائِمِ فِي الرَّعْيِ فَيَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يُسْعَى إلَيْهِ عِنْدَ التَّوَهُّمِ قَالَ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَلَعَلَّهُ يَقْرُبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ: الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ لَفَاتَهُ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيَتَيَمَّمُ وَلَا يَسْعَى إلَيْهِ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ فِي الْحَالِ وَلَوْ وَجَبَ انْتِظَارُ الْمَاءِ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمَا جَازَ التَّيَمُّمُ أَصْلًا بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الاعتبار من اول وقت الصلاة لَوْ كَانَ نَازِلًا فِي ذَلِكَ الْمَنْزِلِ وَلَا بَأْسَ بِاخْتِلَافِ الْمَوَاقِيتِ وَالْمَسَافَاتِ وَعَلَى هَذَا لَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمَاءُ فِي حَدِّ الْقُرْبِ وَجَبَ السَّعْيُ إلَيْهِ وَإِنْ فَاتَ الْوَقْتُ كَمَا لَوْ كَانَ الْمَاءُ فِي رَحْلِهِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَقْتَ الْحَاضِرَةِ مِعْيَارًا لِلْفَوَائِتِ وَالنَّوَافِلِ فَإِنَّهَا الْأَصْلُ وَالْمَقْصُودُ بِالتَّيَمُّمِ غَالِبًا: (قُلْت) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَشْبَهِ بكلام الائمة

ص: 257

لَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ ظَاهِرُ عِبَارَاتِهِمْ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ طَلَبِ الْمَاءِ هَذَا هُوَ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِهِمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ فَإِنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ وَعِبَارَةَ الْأَصْحَابِ كُلِّهِمْ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِيمَا قُلْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فَيَزِيدُ عَلَى مَا يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ لِلْحَاجَاتِ وَلَا يَنْتَهِي إلَى حَدِّ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَاءُ عَنْ يَمِينِ الْمَنْزِلِ أَوْ يَسَارِهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَنَصَّ فِيمَا إذَا كَانَ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ السَّعْيُ إلَيْهِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ يَتَيَامَنُ وَيَتَيَاسَرُ فِي حَوَائِجِهِ وَلَا يَمْضِي فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ قَهْقَرَى وَجَوَانِبُ الْمَنْزِلِ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ دُونَ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِمَا قولان بالنقل والتخريج وهو ظهر لان المسافر مادام سَائِرًا لَا يَعْتَادُ الْمُضِيَّ يَمِينًا وَشِمَالًا كَمَا لَا يَرْجِعُ قَهْقَرَى وَإِذَا كَانَ نَازِلًا يَنْتَشِرُ مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا وَيَعُودُ وَدَلِيلُ الْجَوَازِ أَنَّهُ فَاقِدٌ وَالْمَنْعُ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى تَحْصِيلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الطَّرِيقَيْنِ هُوَ نَقْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي آخَرَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي طَرِيقِهِ وَتَيَقَّنَ وُصُولَهُ إلَيْهِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَصَلَّى فِي الْوَقْتِ

بِالتَّيَمُّمِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَصِلَ إلَى الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ عَلَى يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ وَرَاءَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إتْيَانُهُ وَإِنْ أَمْكَنَ فِي الْوَقْتِ لِأَنَّ فِي زِيَادَةِ الطَّرِيقِ مَشَقَّةً عَلَيْهِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَقِيلَ لَا فَرْقَ بَلْ مَتَى أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَمَامَهُ فَفِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ قَوْلَانِ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبَيْنَ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي التَّهْذِيبِ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ بَعْضُ الْمُخَالَفَةِ تَوْجِيهًا وَحُكْمًا: أَمَّا التَّوْجِيهُ فَظَاهِرٌ: وَأَمَّا الْحُكْمُ فَلِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ إنَّمَا يَسْتَمِرُّ فِي حَقِّ السَّائِرِ وَمُقْتَضَاهُ نَفْيُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَوَانِبِ فِي حَقِّ النَّازِلِ فِي الْمَنْزِلِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمَنْزِلِ مِنْ أَيِّ جَانِبٍ مَضَى إلَيْهِ وَفِي زِيَادَةِ الطَّرِيقِ مَشَقَّةٌ: وَأَمَّا الْكَلَامُ الْأَوَّلُ فَمُقْتَضَاهُ الْفَرْقُ بَيْنَ الْجَوَانِبِ فِي حَقِّ النَّازِلِ أَيْضًا إلَّا أَنَّ ذَلِكَ الْفَرْقَ مَمْنُوعٌ كَمَا سَبَقَ وَأَيْضًا فَإِنَّ مُقْتَضَى الْأَوَّلِ أَنَّ السَّعْيَ إلَى مَا عَنْ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أَوْلَى بِالْإِيجَابِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ التَّهْذِيبِ أَنَّ الْإِيجَابَ فِيمَا عَلَى صَوْبِ الْمَقْصِدِ أَوْلَى (1) قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْهَبَ جَوَازُ التَّيَمُّمِ وَإِنْ عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَإِذَا جَازَ التَّيَمُّمُ لِمَنْ يَعْلَمُ الْوُصُولَ إلَى الْمَاءِ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ فَأَوْلَى أَنْ

(1) هذا الذي رجحه الرافعى قد جزم به في المحرر والذي رجحه الشيخ في أول الفصل هو الذى اختاره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمهما الله وهو ان الاعتبار بالوقت شرط اه اذرعى

ص: 258

يَجُوزَ لِلنَّازِلِ فِي بَعْضِ الْمَرَاحِلِ إذَا كَانَ الْمَاءُ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ لِزِيَادَةِ مَشَقَّةِ السَّعْيِ إلَيْهِ وَإِذَا جَازَ لِلنَّازِلِ فَالسَّائِرُ أَوْلَى بِالْجَوَازِ هَذَا كُلُّهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ: وَأَمَّا الْمُقِيمُ فَذِمَّتُهُ مَشْغُولَةٌ بِالْقَضَاءِ لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ لَوْ سَعَى إلَى الْمَاءِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْمَاءِ بِدَلَالَةِ ثِقَةٍ وَهُوَ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ عَبْدٍ أَوْ أَعْمَى وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ فَاسِقٍ وَمُغَفَّلٍ وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَخَفْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ فَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا قَالُوا إذَا كَانَ بِقُرْبِهِ مَاءٌ يَخَافُ لَوْ سَعَى إلَيْهِ ضَرَرًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَوْ عَلَى مَالِهِ الَّذِي مَعَهُ أَوْ الَّذِي فِي مَنْزِلِهِ مِنْ غَاصِبٍ أَوْ سَارِقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الْمَاءُ كَالْمَعْدُومِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي سَفِينَةٍ وَلَا مَاءَ مَعَهُ وَخَافَ الضَّرَرَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخَوْفُ عَلَى بَعْضِ أَعْضَائِهِ كَالْخَوْفِ

عَلَى نَفْسِهِ قَالُوا وَلَا فَرْقَ فِي الْمَالِ الَّذِي يَخَافُ عَلَيْهِ بين الكثير والقيل إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَجِبُ احْتِمَالُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً وَأَمَّا إذَا خَافَ الِانْقِطَاعَ عَنْ رُفْقَةٍ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الذَّهَابُ إلَى الْمَاءِ وَهَكَذَا أَطْلَقَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ إنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي الِانْقِطَاعِ عَنْ الرُّفْقَةِ فَلَهُ التَّيَمُّمُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَهُ التَّيَمُّمُ أَيْضًا وَهُمَا قَرِيبَانِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ فِي نَفَقَةِ الرُّجُوعِ فِي الْحَجِّ لِمَنْ لَا أَهْلَ لَهُ هَلْ تُشْتَرَطُ أم لا مأخذهما في الموضعين انه لا ضرر عليه لكنه تفوته الالفة والمؤانسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [فان طلب فلم يجد فتيمم ثم طلع عليه ركب قبل أن يدخل في الصلاة لزمه أن يسألهم عن الماء فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ الْمَاءَ أَعَادَ الطَّلَبَ لانه لما توجه عليه الطلب بطل التيمم]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الرَّكْبُ هُمْ رُكْبَانُ الْإِبِلِ الْعَشَرَةُ وَنَحْوُهُمْ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِرُكْبَانِ الْإِبِلِ هَذَا أَصْلُهُ وَمُرَادُ أَصْحَابِنَا بِالرَّكْبِ جَمَاعَةٌ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ مَاءٌ سَوَاءٌ كَانُوا عَلَى دَوَابَّ أَوْ رَجَّالَةً قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ ثُمَّ حَدَثَ مَا يَحْتَمِلُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمَاءِ بِسَبَبِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْمَاءِ وَذَلِكَ بِأَنْ رَأَى جَمَاعَةً أَقْبَلَتْ أَوْ سَحَابَةً أَظَلَّتْ بِقُرْبِهِ أَوْ سَرَابًا ظَنَّهُ مَاءً أَوْ مَاءً توهمه ظاهرا فَكَانَ نَجِسًا أَوْ بِئْرًا تَوَهَّمَ أَنَّ فِيهَا مَاءً فَلَمْ يَكُنْ أَوْ أَنَّهُ يُمْكِنُ نُزُولُهَا فَلَمْ يُمْكِنْ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يراد لاباحة

ص: 259

الصَّلَاةِ فَإِذَا رَأَى هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَوَجَّهَ الطَّلَبُ وَإِذَا تَوَجَّهَ بَطَلَ التَّيَمُّمُ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ الْإِبَاحَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْوُضُوءِ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَاءً فَإِنْ كَانَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَجُوزُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ ابْتِدَاءً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ ضَابِطُ الْمَذْهَبِ أَنَّ التَّمَكُّنَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ تَوَهُّمَ التَّمَكُّنِ يُبْطِلُ تَيَمُّمَهُ فَلَوْ رَأَى بِئْرًا فِيهَا مَاءٌ وَلَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ فِيهَا وَلَا دَلْوَ أَوْ لَا حَبْلَ مَعَهُ فَإِنْ عَلِمَ أَوَّلَ مَا رَآهَا أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا بَطَلَ وَلَوْ طَلَعَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ وَلَوْ رَأَى مَاءً وَسَبُعًا أَوْ عَدُوًّا يَمْنَعُهُ مِنْهُ فَإِنْ رَأَى الْمَاءَ أَوَّلًا ثُمَّ رَأَى الْمَانِعَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ رَأَى المانع أولا أو رآهما معا يَبْطُلْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَمِعَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ رَجُلًا يَقُولُ مَعِي مَاءٌ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ بَانَ كَاذِبًا وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ أَوْدَعَنِي فُلَانٌ مَاءً أَوْ غَصَبْتُ مِنْ فُلَانٍ مَاءً لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ إنْ

كَانَ فُلَانٌ غَائِبًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا بَطَلَ لِإِمْكَانِ طَلَبِهِ مِنْهُ وَلَوْ قال معي ماء أو دعنيه فُلَانٌ أَوْ غَصَبْتُهُ مِنْ فُلَانٍ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ أَطْمَعَهُ فِي الْمَاءِ بِتَقْدِيمِ ذِكْرِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِلْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَتَبَعَّضُ الْإِقْرَارُ وَضَعَّفَهُ الْبَغَوِيّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِقْرَارِ بَيْنَ قَوْلِهِ له على الف من ثَمَنَ خَمْرٍ وَقَوْلُهُ لَهُ عَلَيَّ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَلْفٌ فِي أَنَّ الْجَمِيعَ عَلَى قَوْلَيْنِ لانه وصل افراره بِمَا يُبْطِلُهُ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخَمْرِ أَوْ تَأَخَّرَ وَهُنَا الْمُؤَثِّرُ فِي التَّيَمُّمِ تَوَجُّهُ الطَّلَبِ ثُمَّ إنْ جَازَ أَنْ يَخْرُجَ قَوْلًا إلَى التَّيَمُّمِ مِنْ الْإِقْرَارِ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ فِي قَوْلِهِ عِنْدِي مَاءٌ أَوْدَعَنِيهِ فُلَانٌ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَمَّا وَصَلَهُ بِآخِرِ كَلَامِهِ بَانَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَقَدْ وَافَقَ الْقَاضِي فِي بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَعَهُمْ الْمَاءَ أَعَادَ الطَّلَبَ) فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهِ وَأَنَّهُ إذَا قُلْنَا بِوُجُوبِ الطَّلَبِ كَانَ أَخَفَّ مِنْ الطَّلَبِ الاول والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان طلب ولم يجد جاز له التيمم لقوله تعلى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهل الافضل أن يقدم التيمم أو الصلاة أم لا ينظر فان كان علي ثقة مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ ان يوخر التيمم فان الصلاة في أول الوقت فضيلة والطهارة بالماء فريضة فكان انتظار الفريضة أولي وان كان على إياس من وجوده فالافضل أن يتيمم ويصلى لان الظاهر أنه لا يجد الماء فلا يضيع فضيلة أول الوقت

ص: 260

لامر لا يرجوه وان كان يشك في وجوده ففيه قولان أحدهما ان تأخيرها أفضل لان الطهارة بالماء فريضة والصلاة في أول الوقت فضيلة فكان تقديم الفريضة أولى: والثاني ان تقديم الصلاة بالتيمم أفضل وهو الاصح لان فعلها في أول الوقت فضيلة متيقنة والطهارة بالماء مشكوك فيها فكان تقديم الفضيلة المتيقنة أولى] [الشَّرْحُ] إذَا عَدِمَ الْمَاءَ بَعْدَ طَلَبِهِ الْمُعْتَبَرِ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِلْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا فَرْقَ فِي الْجَوَازِ بَيْنَ أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يَتَيَقَّنَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ وَكَذَا نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ

*

وَحَكَى صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَوْلًا لَلشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ إذَا عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى الْمَاءِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ لَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْجَوَازُ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْجَوَازَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا إذَا تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهِ أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّهُ يَجِدُهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي مَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ أَوَّلَ الْوَقْتِ فَيَجِبُ التَّأْخِيرُ قَالَ وَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ مَنْ أَطْلَقَ مِنْ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابَ التَّأْخِيرِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَلِلْعَادِمِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الطَّهَارَةُ وَالصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ ان يوخر الصلاة ليأتي بها بالوضوء لانه الاصل والا كمل هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ أَفْضَلُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ واحتج له الشيخ أبو حامد الاسفرائيني وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ الْوُضُوءَ أَكْمَلُ مِنْ التَّيَمُّمِ فَكَانَ رَاجِحًا عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِهِ وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْأَصْلُ وَلِهَذَا يُصَلَّى بِهِ صَلَوَاتٌ وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الْوُضُوءَ فَرِيضَةٌ فَمُشْكِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا فَعَلَهُ وَقَعَ أَيْضًا فَرِيضَةً فَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ مِنْ التَّعْلِيلِ وَنَضُمُّ إلَيْهِ أَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ نَصَّهُ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ هَذَا التَّيَمُّمَ بَاطِلٌ وَهُوَ أَيْضًا مَذْهَبُ الزُّهْرِيِّ فَإِنَّهُ لَا يُجَوِّزُ التَّيَمُّمَ حَتَّى يَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ: (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ عَلَى يَأْسٍ مِنْ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لِحِيَازَةِ فَضِيلَةِ

ص: 261

أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَيْسَ هُنَا مَا يُعَارِضُهَا: (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَتَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ وَلَا عَدَمَهُ وَلَهُ صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ رَاجِيًا ظَانًّا الْوُجُودَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الاصحاب ونص عليهما في مختصر المزني أصحهما بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ: وَالثَّانِي التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُمَا يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ.

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ أَنْ يَشُكَّ فَلَا يَتَرَجَّحُ الْوُجُودُ عَلَى الْعَدَمِ وَلَا عَكْسُهُ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَمَا فِي الرَّجَاءِ وَالظَّنِّ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالشَّيْخُ

أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْجَزْمُ بِأَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَعِبَارَةُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ والغزالي والمتولي وآخرين ان كان يطن وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ يَرْجُو فَفِيهِ قَوْلَانِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلشَّكِّ وَأَمَّا الرَّافِعِيُّ فَجَزَمَ فِي صُورَةِ الشَّكِّ بالتقديم قولا واحد قَالَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إذَا كَانَ يَظُنُّ قَالَ وَرُبَّمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ ذِكْرُ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا لَمْ يَظُنَّ الْوُجُودَ وَلَا الْعَدَمَ وَلَا وُثُوقَ بِهِ وَلَعَلَّ ذَاكَ الْقَائِلَ أَرَادَ بِالظَّنِّ الْيَقِينَ وَهَذَا الَّذِي أَنْكَرَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ نَقْلِ الْقَوْلَيْنِ فِي حَالِ الشَّكِّ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ مَرْدُودٌ فَقَدْ صَرَّحَ بِالْقَوْلَيْنِ فِي حَالَةِ الشَّكِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فَقَالُوا لَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا عَدَمَهُ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي وُجُودِهِ وَعَدَمِهِ أَقْوَى مِنْ الآخر ففيه القولان هذا لفظ وهؤلاء الثلاثة هم شُيُوخُ الْمَذْهَبِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُمْ وَهُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ فِي قَوْلِهِمْ وَإِنْ كَانَ يَشُكُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَأَمَّا مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ صَلَّى بِالْوُضُوءِ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي آخِرِهِ فَهُوَ النِّهَايَةُ فِي تَحْصِيلِ الْفَضِيلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

اخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي تَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَثْنَائِهِ لِانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ فَقَطَعَ أَبُو الْقَاسِمِ الدَّارَكِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ بِاسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَتَفْضِيلِهِ عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَطَعَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ إنْ رَجَا الْجَمَاعَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهَا فَفِي اسْتِحْبَابِ التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ وَحَكَى

ص: 262

صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ هَذَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَنَقَلَ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ التَّقْدِيمُ أَوَّلَ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ التَّأْخِيرُ لِلْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حُكْمُ التَّيَمُّمِ إنْ تَيَقَّنَ الْجَمَاعَةَ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَإِنْ تَيَقَّنَ عَدَمَهَا فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ رَجَا الْأَمْرَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ

الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي جَامِعِهِ كَذَا رَأَيْتُهُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْهُ فَهَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اخبر انه سيجئ أَئِمَّةٌ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا قَالَ فَصَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً فَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ مَا أَمَرَهُ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَيُصَلِّي مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَتِهَا وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ مَرَّتَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَسَنَبْسُطُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ تَيَقَّنَ حُصُولَ الْجَمَاعَةِ آخِرَ الْوَقْتِ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ لِتَحْصِيلِ شِعَارِهَا الظَّاهِرِ وَلِأَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِي مَذْهَبِنَا وَفَرْضُ عَيْنٍ عَلَى وَجْهٍ لَنَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وهو مذهب احمد ابن حَنْبَلٍ وَطَائِفَةٍ فَفِي تَحْصِيلِهَا خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ يَأْثَمُ بِتَأْخِيرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنْ فَحُشَ التَّأْخِيرُ فَالتَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَإِنْ خَفَّ فَالِانْتِظَارُ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ ظَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ يَجْرِيَانِ فِي الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ الْقِيَامِ إذَا رَجَا الْقُدْرَةَ عَلَى الْقِيَامِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَفِي الْعَارِي إذَا رَجَا السُّتْرَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالْمُنْفَرِدِ إذَا رَجَا الْجَمَاعَةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ هَلْ الْأَفْضَلُ لَهُمْ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى حَالِهِمْ أَمْ تَأْخِيرُهَا لِمَا يَرْجُونَهُ قَالَ وَلَا يَتْرُكُ التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ فِي السَّفَرِ وَإِنْ عَلِمَ إقَامَتَهُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ قَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إنْ خَافَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ أَسْبَغَ الْوُضُوءَ وَأَكْمَلَهُ فَإِدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى مِنْ الِانْحِبَاسِ عَلَى إكْمَالِ الْوُضُوءِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ

* (فَرْعٌ)

لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ صَلَّى فِي أَوَاخِرِ الصُّفُوفِ لَمْ تَفُتْهُ فَهَذَا لَمْ أَرَ فِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَلَا لِغَيْرِهِمْ شَيْئًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ

ص: 263

الْأَخِيرَةِ حَافَظَ عَلَيْهَا وَإِنْ خَافَ فَوْتَ غَيْرِهَا مَشَى إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِإِتْمَامِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَفِي فَضْلِهِ وَالِازْدِحَامِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِهَامِ وَخَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَاَللَّهُ أعلم

* قال المصنف رحمه الله

* [فان تيمم وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ ماء نسيه لم تصح صلاته وعليه الاعادة على المنصوص لانها طهارة واجبة فلا تسقط بالنسيان كما لو نسي عضوا من أعضائه فلم يغسله: وروى أبو ثور عن الشافعي رحمهما الله انه قال تصح صلاته ولا اعادة عليه لان النسيان عذر حال بينه وبين الماء فسقط الفرض بالتيمم كما لو حال بينهما سبع وان كان في رحله ماء واخطأ رحله فطلبه فلم يجده فتيمم وصلى فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا تلزمه الاعادة لانه غير مفرط في الطلب ومن أصحابنا من قال تلزمه لانه فرط في حفظ الرحل]

* [الشَّرْحُ] الرَّحْلُ مَنْزِلُ الرَّجُلِ مِنْ حَجَرٍ أَوْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ كَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا وَيَقَعُ أَيْضًا اسْمُ الرَّحْلِ عَلَى مَتَاعِهِ وَأَثَاثِهِ وَمِنْهُ الْبَيْتُ الْمَشْهُورُ

* أَلْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ

* وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَالْفُقَهَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَنَاوَلُ الرَّحْلَ بِالْمَعْنَيَيْنِ وَقَدْ غَلَطَ وَجَهِلَ مَنْ أَنْكَرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ إطْلَاقَهُ بِمَعْنَى الْمَتَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* ثُمَّ فِي الْفَصْلِ خَمْسُ مَسَائِلَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا مَسْأَلَتَيْنِ إحْدَاهَا إذَا تَيَمَّمَ بَعْدَ الطَّلَبِ الْوَاجِبِ مِنْ رَحْلِهِ وَغَيْرِهِ وَصَلَّى ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ وَكَانَ عِلْمُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ ثُمَّ نَسِيَهُ فَالْمَنْصُوصُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَجَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَالْأُمِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ سَأَلْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ هَكَذَا حَكَاهُ الْجُمْهُورُ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَاف وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا إعَادَةَ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ الْجَدِيدُ وَالثَّانِي لَا إعَادَةَ وَهُوَ الْقَدِيمُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي فَصْلِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ فَرْعًا فِي مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَانِ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ وَهَؤُلَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْجَوَابِ عَنْ رِوَايَةِ أَبِي ثَوْرٍ فَقَالَ كَثِيرُونَ لَعَلَّهُ أَرَادَ بِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ مَالِكًا أَوْ أَحْمَدَ وَضَعَّفَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا بِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ لَمْ يَلْقَ مَالِكًا وَلَيْسَ مَعْرُوفًا بِالرِّوَايَةِ عَنْ أَحْمَدَ وَإِنَّمَا هُوَ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَأَحَدُ رُوَاةِ كُتُبِهِ الْقَدِيمَةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَلِأَنَّ مَذْهَبَ

أَحْمَدَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ رِوَايَتَهُ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ أَدْرَجَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَالصَّحِيحُ

ص: 264

فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَبُو الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيُّ حَكَاهُ عَنْهُ الماوردى والطريق الثَّالِثُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالَيْنِ فَنَصُّهُ عَلَى وجوب الاعادة إذا كان الرحل صغيرا يمكن الْإِحَاطَةُ بِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي ثَوْرٍ إذَا كَانَ كبيرا لاتمكن الْإِحَاطَةُ بِهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا عَلِمَ فِي مَوْضِعِ نُزُولِهِ بِئْرًا ثُمَّ نَسِيَهَا وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ ذَكَرَهَا فَهُوَ كَنِسْيَانِ الْمَاءِ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ الْأَوَّلَانِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْبِئْرَ أَصْلًا ثُمَّ عَلِمَهَا بَعْدَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ فَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا إعَادَةَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ تَجِبُ الْإِعَادَةُ قَالُوا وَأَرَادَ بِالْأَوَّلِ إذَا كَانَتْ الْبِئْرُ خَفِيَّةً: وَبِالثَّانِي إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةً وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ: وَالثَّانِي لَا تَجِبُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ: وَالثَّالِثُ إنْ كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْأَعْلَامِ بَيِّنَةَ الْآثَارِ وَجَبْت الْإِعَادَةُ لِتَقْصِيرِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَفِيَّةً لَمْ تَجِبْ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَبُو الْفَيَّاضِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ يُبَاعُ فَنَسِيَ أَنَّ مَعَهُ ثَمَنَهُ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ ذَكَرَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ الِانْتِخَابِ وَالْكَافِي أَنَّهُ كَنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لِابْنِ كَجٍّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا أَدْرَجَ غَيْرُهُ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ صَاحِبُ الرَّحْلِ إلَّا بَعْدَ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ لَكِنَّ أَصَحَّهُمَا هُنَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَهُنَاكَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ وَهَذَا الطَّرِيقُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ طَلَبَ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْ فَذَهَبَ لِلطَّلَبِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَأُدْرِجَ فِي غَيْبَتِهِ فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ مِنْ رَحْلِهِ لِعِلْمِهِ أَنْ لَا مَاءَ فِيهِ وَكَانَ قَدْ أُدْرِجَ وَلَمْ يَعْلَمْ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِتَقْصِيرِهِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَطَلَبَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ فَلَمْ يَجِدْهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ أَمْعَنَ حَتَّى ظَنَّ الْعَدَمَ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ وَهُمَا مُخْرَجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ

ص: 265

فِي الْخَطَأِ فِي الْقِبْلَةِ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ لِنُدُورِهِ وَالثَّانِي لَا لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ: (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ مَاءٌ فَأَخْطَأَ رَحْلَهُ بَيْنَ الرِّحَالِ لِظُلْمَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَطَلَبَهُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَهُ فَإِنْ لَمْ يُمْعِنْ فِي الطَّلَبِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ أَمْعَنَ فَثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا إعَادَةَ: وَالثَّانِي تَجِبُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ: وَالثَّالِثُ إنْ وَجَدَهُ قَرِيبًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا فَلَا إعَادَةَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَلِيمِيِّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ مُطْلَقًا وَقَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ إنْ أَضَلَّ رَحْلَهُ فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ أَضَلَّهُ بَيْنَ الرِّحَالِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَوْ غصب رحله الذى فيه الْمَاءُ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تَيَمَّمَ وَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ حَالَ دُونَهُ سَبْعٌ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ بِخِلَافِ النَّاسِي وَلَوْ ضَلَّ عَنْ الْقَافِلَةِ أَوْ عَنْ الْمَاءِ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ وَاضِحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُعَايَاةُ لَوْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ وَلَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا أَوْ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَسَوَّيْنَا بَيْنَ الْعَجْزِ وَالنِّسْيَانِ فِي النَّجَاسَةِ وَفَرَّقْنَا بَيْنَهُمَا فِي التَّيَمُّمِ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ أَتَى فِي التَّيَمُّمِ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ

* (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَبَا ثَوْرٍ وَأَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ أَبِي عَلِيٍّ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَهُنَاكَ بَيَّنَّا اسْمَهُ وَحَالَهُ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ حَالِ أَبِي ثَوْرٍ فِي آخِرِ الْفُصُولِ الَّتِي فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ فِي نِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَفِيهِ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا فِي نِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ وَتَرْتِيبِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا فَكَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ لَفْظَةِ نَاسِيًا

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وصلي بالتيمم ثم علمه الصحيح في مذهبنا

ص: 266

وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد لَا إعَادَةَ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَحَكَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلِأَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ وَلِأَنَّ النِّسْيَانَ عُذْرٌ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَاءِ فَأَشْبَهَ السَّبْعَ وَلِأَنَّهُ صَلَّى وَلَا يَعْلَمُ مَعَهُ مَاءً فَلَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةٌ كَمَنْ صَلَّى ثُمَّ رَأَى بِقُرْبِهِ بِئْرًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَكْفِي وَاجِدَ الْمَاءَ بِالِاتِّفَاقِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ وَهَذَا وَاجِدٌ وَالنِّسْيَانُ لَا يُنَافِي الْوُجُودَ فَهُوَ وَاجِدٌ غَيْرُ ذَاكِرٍ وَلِأَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالنِّسْيَانِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَكَمَرِيضٍ صَلَّى قَاعِدًا مُتَوَهِّمًا عَجَزَهُ عَنْ الْقِيَامِ وَكَانَ قَادِرًا وَكَحَاكِمٍ نَسِيَ النَّصَّ فَحَكَمَ بِالْقِيَاسِ وَكَمَنْ نَسِيَ الرَّقَبَةَ فِي الْكَفَّارَةِ فَصَامَ وَكَمَنْ كَانَ الْمَاءُ فِي إنَاءٍ عَلَى كَتِفِهِ فَنَسِيَهُ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَإِنَّهُ يُعِيدُ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ أَنَّ أَصْحَابَنَا وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ هُوَ مُجْمَلٌ أَمْ عَامٌّ فَإِنْ قُلْنَا مُجْمَلٌ تَوَقَّفَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى بَيَانِ الْمُرَادِ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ وَإِنْ قُلْنَا عَامٌّ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَقَدْ خَصَّ مِنْهُ غَرَامَاتُ الْمُتْلَفَاتِ وَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا وَمَنْ نَسِيَ بَعْضَ أَعْضَاءِ طَهَارَتِهِ وَمَنْ نَسِيَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ وغيره ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي دَلِيلِنَا وَغَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مَعْرُوفٌ فَكَذَا يَخُصُّ مِنْهُ نِسْيَانُ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ قِيَاسًا عَلَى نِسْيَانِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَغَيْرِهِ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ التَّخْصِيصَ بِالْقِيَاسِ جَائِزٌ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الَّذِي نَعْتَقِدُهُ وَنَعْتَمِدُهُ وَأَمَّا أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَيَقُولُونَ الْمُرَادُ رَفْعُ الْإِثْمِ بِدَلِيلِ وُجُوبِ غَرَامَةِ الْإِتْلَافِ نَاسِيًا وَالْقَتْلِ خَطَأً وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْحَدِيثُ عَامًّا فَلَيْسَ تَخْصِيصُهُ مُنْحَصِرًا فِي رَفْعِ الْإِثْمِ فَإِنَّ أَكْلَ النَّاسِي فِي الصَّوْمِ وَكَلَامَ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ وَإِنْ كَانَ مُجْمَلًا فَيُتَوَقَّفُ فِيهِ إلَى الْبَيَانِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ صَلَّى عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلْزَمُهُ أَنَّهُ إنْ أَرَادُوا يَلْزَمُهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَلَا نُسَلِّمُهُ وَإِنْ أَرَادُوا فِي الظَّاهِرِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى اعْتِقَادِهِ فَيَنْتَقِضُ بِمَنْ نَسِيَ بَعْضَ الْأَعْضَاءِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى السَّبْعِ أَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ فيه بخلاف

ص: 267

مَسْأَلَتِنَا وَلِهَذَا اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ السَّبْعَ لَوْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَاتِرِ الْعَوْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَارِيًّا وَلَوْ تَرَكَهَا نَاسِيًا أَعَادَ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْبِئْرِ فَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ كَمَا سَبَقَ فَلَا نُسَلِّمُ حُكْمَهَا وَإِنْ كَانَتْ خفية فالقرق أَنَّهُ لَا يُنْسَبُ فِيهَا إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ النسيان والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان وجد بعض ما يكفيه ففيه قولان قال في الام يلزمه أن يستعمل ما معه ثم يتيمم لقوله تعالى (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وهذا واجد للماء فيجب ألا يتيمم وهو واجد له ولانه مسح ابيح للضرورة فلا ينوب الا في موضع الضرورة كالمسح على الجبيرة وقال في القديم والاملاء يقتصر على التيمم لان عدم بعض الاصل بمنزلة عدم الجميع في جواز الاقتصار عل البدل كما نقول فيمن وجد بعض الرقبة في الكفارة][الشَّرْحُ] قَوْلُهُ مَسْحٌ أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ وَإِذَا وَجَدَ الْمُحْدِثُ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ لِطَهَارَتِهِ فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ وُجُوبُ اسْتِعْمَالِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَمَعْمَرِ بْنِ رَاشِدٍ وَالْقَوْلُ الْآخَرُ هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُخْتَارُ الْوُجُوبُ وَدَلِيلُهُ مَعَ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (وإذا أمرتكم بشئ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ بِالنَّصِّ وَالْمَعْنَى أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى فَتَحْرِيرُ رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين مَعْنَاهُ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً وَهَذَا لَمْ يَجِدْهَا وَقَالَ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) وَهَذَا وَاجِدٌ مَاءً وَأَمَّا الْمَعْنَى فَلِأَنَّ إيجَابَ بَعْضِ الرَّقَبَةِ مَعَ الشَّهْرَيْنِ جَمْعٌ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ وَفِي مَسْأَلَتِنَا التَّيَمُّمُ يَقَعُ عَنْ الْعُضْوِ الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ لَا عَنْ الْمَغْسُولِ وَلِأَنَّ عِتْقَ بَعْضِهَا لَا يُفِيدُ شَيْئًا لَا يُفِيدُهُ الصَّوْمُ وَغَسْلُ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ يفيد مالا يفيده التيمم وَهُوَ رَفْعُ الْحَدَثِ عَنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَصْلِ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ فَقِيلَ مَأْخُوذَانِ مِنْ تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ إنْ جَوَّزْنَاهُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ وَإِلَّا فَلَا قَالُوا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ مُسْتَقِلَّانِ غير مأخوذين من شئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ

اسْتِعْمَالُهُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ قَالُوا وَإِذَا أَوْجَبْنَاهُ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى التَّيَمُّمِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ لَا يصح مع

ص: 268

وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَا سَنَذْكُرُهُ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* قَالُوا فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُحْدِثُ فِي وَجْهِهِ وَمَا بَعْدَهُ عَلَى التَّرْتِيبِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِمَا بَقِيَ وَيَسْتَعْمِلُهُ الْجُنُبُ أَوَّلًا فِي أَيِّ بَدَنِهِ شَاءَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ وَرَأْسِهِ وَأَعَالِي بَدَنِهِ وَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ صَاحِبَا الْبَحْرِ وَالْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِرَأْسِهِ وَأَعَالِيهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ بِأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَانَ مُحْتَمَلًا وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالرَّأْسِ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ثُمَّ الرَّأْسِ ثُمَّ الشِّقِّ الْأَيْمَنِ كَمَا يَفْعَلُ مَنْ يَغْسِلُ جَمِيعَ الْبَدَنِ هَذَا إذَا كَانَ جُنُبًا غَيْرَ مُحْدِثٍ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مُحْدِثًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْحَدَثَ يَنْدَرِجُ فِي الْجَنَابَةِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ كَانَ جُنُبًا فَقَطْ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْدَرِجُ وَكَانَ الْمَاءُ يَكْفِي لِلْوُضُوءِ وَحْدَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ عَنْ الْحَدَثِ وَيَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي تَقْدِيمِ الْوُضُوءِ عَلَى تَيَمُّمِ الْجَنَابَةِ وَتَأْخِيرِهِ إذْ لَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الطَّهَارَتَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الْوُضُوءِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَطَرِيقَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ أَحَدُهُمَا أَنَّ استعمال هَذَا الْمَاءَ النَّاقِصَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّيَّ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ هُنَا فَوَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ بِلَا خِلَافٍ كَبَعْضِ مَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ بِخِلَافِ بَعْضِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتِقُهُ الْعَاجِزُ عَنْ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

لَوْ لَمْ يَجِدْ ماء ووجد ثلجا أو بردا لَا يَقْدِرُ عَلَى إذَابَتِهِ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ بَابِ الْمِيَاهِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ أَنَا هُنَاكَ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَفِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الرَّأْسِ طَرِيقَانِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ قَالُوا أَصَحُّهُمَا لَا يَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ فَلَا يُمْكِنُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّأْسِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ مَا يَحْكُمُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ تَيَمَّمَ عَلَى الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا ثُمَّ مَسَحَ بِهِ الرَّأْسَ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَلَى الرِّجْلَيْنِ لِلتَّرْتِيبِ وَلَا يُؤَثِّرُ

هَذَا الْمَاءُ فِي صِحَّةِ التَّيَمُّمِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا فَوُجُودُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمَا كَالْعَدَمِ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ لانه واجد وَالْمَحْذُورُ الَّذِي قَالَهُ الْأَوَّلُ يَزُولُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ (فَرْعٌ)

إذَا لَمْ يَجِدْ مَاءً وَوَجَدَ مَا يشتري به بعض ما يكفيه ففى وجب شِرَاهُ الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ إذَا كَانَ معه

*

ص: 269

(فَرْعٌ)

إذَا لَمْ يَجِدْ شَيْئًا مِنْ الْمَاءِ وَوَجَدَ تُرَابًا لَا يَكْفِيهِ لِلْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ بَلْ لاحدهما فطريقان حكاهما البغوي وَالشَّاشِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَكَمَا لَوْ وَجَدَ بَعْضَ ما يستر بعض الْعَوْرَةَ أَوْ أَحْسَنَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ: وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَضَعَّفَ الطَّرِيقَ الْأَوَّلَ وَقَالَ لَوْ قِيلَ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ قَوْلًا وَاحِدًا لَكَانَ أَوْلَى وَوَجَّهَهُ بِمَا لَيْسَ بِتَوْجِيهٍ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ

* (فَرْعٌ)

لَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَاتٌ فَوَجَدَ مَا يَغْسِلُ بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ غَسْلِ مَا أَمْكَنَ كَبَعْضِ الْفَاتِحَةِ وَالسُّتْرَةِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ لَا يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ بِخِلَافِهِمَا

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ رَأَى مَاءً فَإِنْ احْتَمَلَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَكْفِيه لِطَهَارَتِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِنْ عَلِمَ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهِ أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ ابْتِدَاءً إنْ أَوْجَبْنَاهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَإِلَّا فَلَا

* (فَرْعٌ)

لَوْ مُنِعَ الْمُتَطَهِّرُ مِنْ الْوُضُوءِ إلَّا مَنْكُوسًا فَهَلْ لَهُ التَّيَمُّمُ أَمْ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الْوَجْهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ وَالِدِهِ قَالَ (وَلَا تَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ إذَا إذَا امْتَثَلَ الْمَأْمُورَ بِهِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ)(قُلْت) فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِمَالٌ إلَّا أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ كَمَا ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى مَنْ غُصِبَ مَاؤُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَطْعًا

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ لَوْ مَاتَ رَجُلٌ مَعَهُ مَاءٌ لِنَفْسِهِ لَا يَكْفِيهِ لِغَسْلِ جَمِيعِ بَدَنِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ وَجَبَ عَلَى رَفِيقِهِ غُسْلُهُ بِهِ وَتَيَمُّمُهُ لِلْبَاقِي وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ اقْتَصَرَ بِهِ عَلَى التَّيَمُّمِ قَالَا فَعَلَى

هَذَا لَوْ غَسَّلَهُ بِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِوَرَثَتِهِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَفِيمَا قَالَاهُ نَظَرٌ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا اتَّفَقُوا عَلَى اسْتِحْبَابِ اسْتِعْمَالِ النَّاقِصِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ اسْتِحْبَابُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى رِضَاءِ الْمَالِكِ وَلَمْ يُوجَدْ (فَرْعٌ)

لَوْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَمَعَهُ مَاءٌ لَا يَكْفِي إلَّا لِأَحَدِهِمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ غَسْلُ النَّجَاسَةِ بِهِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا بِخِلَافِ الْحَدَثِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ يَتَوَضَّأُ وَلَا يَغْسِلُ النَّجَاسَةَ وَهُوَ الظاهر]

ص: 270

مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ هَذَا الْمَاءَ أَوَّلًا فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ لِلْحَدَثِ فَإِنْ خَالَفَ فَتَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَهَا فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ وَفِي هَذَا الْبَابِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يُرَادُ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَا يُبِيحُهَا لِبَقَاءِ النَّجَاسَةِ عليه وأصحهم يَصِحُّ كَمَا أَنَّ الْجَرِيحَ يَجُوزُ أَنْ يَتَيَمَّمَ ثُمَّ يُغَسَّلَ الصَّحِيحُ وَإِنْ كَانَ تَيَمُّمُهُ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ عَقِبَهُ هَكَذَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ دُونَ الْحَدَثِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ مُسَافِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَغَسْلُ النَّجَاسَةِ به أولي يعنى ولا يجب لانه لابد مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ سَوَاءٌ غَسَلَ النَّجَاسَةَ أَوْ تَوَضَّأَ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ مُحْرِمًا وَعَلَى بَدَنِهِ طِيبٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ وَمَعَهُ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ وَجَبَ غَسْلُ الطِّيبِ وَيَتَيَمَّمُ لِلْحَدَثِ إنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُضُوءُ بِهِ وَجَمَعَهُ لِغَسْلِ الطِّيبِ فَإِنْ أَمْكَنَ وَجَبَ فِعْلُهُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ وَطِيبٌ غَسَلَ النَّجَاسَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْحَجِّ

* (فَرْعٌ)

لو عدم ماء الطهارة وسائر الْعَوْرَةِ وَوَجَدَهُمَا يُبَاعَانِ وَمَعَهُ ثَمَنُ أَحَدِهِمَا وَجَبَ شِرَى السُّتْرَةِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهَا وَلِأَنَّ النَّفْعَ بِهَا يَدُومُ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ لِلصَّلَاةِ وَالصِّيَانَةِ عَنْ الْعُيُونِ وَالْمَاءُ يُخَالِفُهَا فِي كُلِّ هَذَا (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إذَا أَجْنَبَ فَلَمْ يَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ

مَا يَكْفِيهِ لِأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ فَقَطْ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِلْجَنَابَةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَلَزِمَهُ استعماله وان قلنا لا يجب فقال ابْنُ سُرَيْجٍ رحمه الله إنْ تَوَضَّأَ بِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَجَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ النَّفَلَ دُونَ الْفَرْضِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ الَّذِي نَابَ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ أَبَاحَ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ فَلَمَّا أَحْدَثَ حُرِّمَتْ النَّوَافِلُ فَإِذَا تَوَضَّأَ ارْتَفَعَ تَحْرِيمُ النَّوَافِلِ وَلَا يَسْتَبِيحُ الْفَرْضَ لِأَنَّ هَذَا الْوُضُوءَ لَمْ يَنُبْ عَنْ الْجَنَابَةِ فَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ بِهِ وَتَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ جَازَ وَاسْتَبَاحَ الْفَرِيضَةَ وَالنَّافِلَةَ جَمِيعًا فَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّافِلَةِ وَحْدَهَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْتَبِيحُهَا كَمَا يَسْتَبِيحُهَا إذَا نَوَى الْفَرِيضَةَ تَبَعًا وَأَصَحُّهُمَا لَا يَسْتَبِيحُهَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْوُضُوءِ لَهَا فَلَا يَسْتَبِيحُهَا بِالتَّيَمُّمِ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ لِلْفَرِيضَةِ فَإِنَّهُ يَنُوبُ عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالُوا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُمْتَحَنُ بِهِ فَيُقَالُ وُضُوءٌ يُسْتَبَاحُ بِهِ النَّافِلَةُ دُونَ الْفَرِيضَةِ وَلَا نَظِيرَ لَهَا وَيُقَالُ وُضُوءٌ يَصِحُّ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ النَّفْلِ وَلَا يَصِحُّ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ الْفَرْضِ وَيُقَالُ مُحْدِثٌ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّلَاةِ لِحَدَثِهِ فَإِنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ اسْتَبَاحَهُ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ وَإِنْ تَيَمَّمَ لِلنَّفْلِ لَمْ يَصِحَّ له ولا لغيره وهذا

ص: 271

السؤال الثالث يجئ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِيهِ نَظَرٌ قَالَ وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ الْوُضُوءُ مَعَ الْجَنَابَةِ لَا أَثَرَ لَهُ وَلَا يَتَضَمَّنُ رَفْعَ الْحَدَثِ وَوُجُودُهُ بِمَثَابَةِ مَا إذَا طَرَأَ الْحَدَثُ ثُمَّ وَجَدَ مَاءً قَلِيلًا فَيُخَرَّجُ عَلَى وُجُوبِ اسْتِعْمَالِهِ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَجِبُ أَوْ لَا يَجِبُ فلابد مِنْ التَّيَمُّمِ لِلنَّافِلَةِ قَالَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالٌ عَلَى الْجُمْلَةِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ: أَمَّا إذَا اغْتَسَلَ الْجُنُبُ وَبَقِيَ عُضْوٌ مِنْ بَدَنِهِ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَاءً فَتَيَمَّمَ لَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَيَمَّمَ ثَانِيًا ثُمَّ وَجَدَ مَاءً يَكْفِي ذَاكَ الْعُضْوَ دُونَ وُضُوئِهِ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إنْ قُلْنَا فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ لَا يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ هَذَا الْمَاءِ فِي ذَلِكَ الْعُضْوِ وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ الثَّانِيَّ وَقَعَ عَنْ الْحَدَثِ وَلَمْ يَقْدِرْ بَعْدَهُ عَلَى مَا يُزِيلُ الْحَدَثَ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فَقَدْ تَعَارَضَ فَرْضَانِ أَحَدُهُمَا الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَالثَّانِي الْمَقْدُورُ عَلَيْهِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ هَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَنَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْهُ وَلَمْ يَعْتَرِضْ عَلَيْهِ

قَالَ الْإِمَامُ وَفَرْقُهُ بَيْنَ قَوْلِنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا يَجِبُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَكَذَا أَنْكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالشَّاشِيُّ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا بِنَاءٌ فَاسِدٌ وَتَفْرِيعٌ بَاطِلٌ بَلْ يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْعُضْوِ الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْمَاءَ تَعَيَّنَ اسْتِعْمَالُهُ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالتَّيَمُّمُ وَقَعَ عَنْ الْحَدَثِ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِيهِ مَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الْأَظْهَرُ وَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ بِأَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ فَوَجَدَ مَا يكفيه لبدنه إلَّا مَوْضِعًا يَسِيرًا فَاغْتَسَلَ وَبَقِيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ فتيمم وصلي ثم أحدث ثم وجد ما يكفيه لِلْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ لَزِمَهُ اسْتِعْمَالُهُ فِي هَذَا الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَلَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْبَاقِي تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَرْضًا وَنَفْلًا قَالَ وَإِنْ تَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ جَازَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لِلْحَدَثِ الطَّارِئِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِلْجَنَابَةِ فَجَازَ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ قَالَ فَلَوْ أَرَاقَ هَذَا الْمَاءَ بَعْدَ التَّيَمُّمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهَذَا التَّيَمُّمِ بَلْ يُجَدِّدَ تَيَمُّمًا بَعْدَ الْإِرَاقَةِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ لَمْ يَقَعْ عَنْ الْعُضْوِ الْبَاقِي مِنْ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَإِنْ اجْتَمَعَ ميت وجنب أو ميت وحائض انقطع دمها وهناك ماء يكفى أحدهما فان كان لاحدهما كان صاحبه أحق به لانه محتاج إليه لنفسه فلا يجوز له بذله لغيره فان بذله للآخر وتيمم لم

ص: 272

يصح تيممه وان كان الماء لهم كانا فيه سواء وان كان مباحا أو لغيرهما وأراد أن يجود به على أحدهما فالميت أولى لانه خاتمة طهارته والجنب والحائض يرجعان إلى الماء فيغتسلان وان أجتمع ميت وحى على بدنه نجاسة والماء يكفى أحدهما ففيه وجهان أحدهما صاحب النجاسة أولى لانه ليس لطهارته بدل ولطهارة الميت بدل وهو التيمم والثاني الميت أولى وهو ظاهر المذهب لانه خاتمة طهارته وان اجتمع حائض وجنب والماء يكفى أحدهما ففيه وجهان قال أبو إسحق الجنب أولى لان غسله منصوص عليه في القرآن ومن أصحابنا من قال الحائض أولي لانها تستبيح بالغسل ما يستبيح الجنب وزيادة وهو الوطئ وان اجتمع جنب ومحدث وهناك ما يكفى المحدث ولا يكفى الجنب فالمحدث أولى لان حدثه يرتفع به ولا يرتفع به حدث الجنب وان كان يكفى الجنب ولا يفضل

عنه شئ ويكفى المحدث ويفضل عندما يغسل به الجنب بعض بدنه ففيه ثلاثة أوجه أحدها الجنب أولى لانه يستعمل جميع الماء بالاجماع وإذا دفعناه الي المحدث بقى ماء مختلف في وجوب استعماله في الجنابة والثاني المحدث أولى لان فيه تشريكا بينهم والثالث أنهما سواء فيدفع الي من شاء منهما لانه يرفع حدث كل واحد منهم ويستعمله كل واحد منهما بالاجماع]

* [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اجْتَمَعَ مَيِّتٌ وَجُنُبٌ وَحَائِضٌ وَمُحْدِثٌ وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَهُنَاكَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمْ فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمْ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبْذُلَهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره لان الايثار انما بشرع فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ لَا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقُرَبِ وَالْعِبَادَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوُونَ كُلُّهُمْ فِي تَحْرِيمِ الْبَذْلِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَاءُ لِلْجُنُبِ أَوْ الْحَائِضِ أَوْ الْمُحْدِثِ لَزِمَهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَيِّتَ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَأْخُذَ ثَمَنَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَهَذَا لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فَلَوْ خَالَفَ صَاحِبُ الْمَاءِ وَبَذَلَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالصَّيْدَلَانِيّ لَا تَصِحُّ هِبَتُهُ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ فيه وكأنه مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فِيهِ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ فِي صِحَّةِ هِبَتِهِ وَجْهَيْنِ وَسَنَشْرَحُهُمَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ

ص: 273

سَفَهًا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُ الْبَاذِلِ وَعَلَيْهِ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ قَدْ تَلِفَ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ سَفَهًا أَصَحُّهُمَا لَا تَجِبُ وَسَنَشْرَحُهُمَا فِي مَوْضِعِهِمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ فُرُوعِهِمَا فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ التَّفْصِيلِ هو الذى قاله الاصحاب في الطريقتين وَلَمْ يُوَضِّحْ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ بِتَفْصِيلِهَا بَلْ أَطْلَقَ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَلَامُهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا تَيَمَّمَ وَالْمَاءُ بَاقٍ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ وَقَدْ أنكر بعضهم عَلَيْهِ إطْلَاقَهُ وَلَا يَصِحُّ إنْكَارُهُ لِأَنَّ مُرَادَهُ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ وَهَبَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ أَمَّا مَنْ وَهَبَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا تَحْرُمُ هِبَتُهُ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ كَمَا لَوْ أَرَاقَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ مَعَ بَقَاءِ الْمَاءِ أَوْ مَعَ عَدَمِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَفِي قَدْرِ

مَا تَجِبُ إعَادَتُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَتَأْتِي هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَعْنَى قَوْلِ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا صَاحِبُ الْمَاءِ أَحَقُّ بِهِ أَيْ لَا حَقَّ لِغَيْرِهِ فِيهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَحَقُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا اسْتِيعَابُ الْحَقِّ كُلِّهِ كَقَوْلِك فُلَانٌ أَحَقُّ بِمَالِهِ أَيْ لَا حَقَّ لِأَحَدٍ فِيهِ غَيْرِهِ وَالثَّانِي عَلَى تَرْجِيحِ الْحَقِّ وَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ فِيهِ نَصِيبٌ كَقَوْلِك فُلَانٌ أَحْسَنُ وَجْهًا مِنْ فُلَانٍ لَا تُرِيدُ نَفْيَ الْحُسْنِ عَنْ الْآخَرِ بَلْ تُرِيدُ التَّرْجِيحَ قَالَ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا) أَيْ لَا يَفْتَاتُ عَلَيْهَا فَيُزَوِّجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا وَلَمْ يَنْفِ حَقَّ الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يَعْقِدُ عَلَيْهَا وَيَنْظُرُ لَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ الْمَاءُ لَهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمْ أَنْ يَبْذُلَ نَصِيبَهُ لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ إنْ كَانَ نَصِيبُ الْبَاذِلِ يَكْفِيه وَإِنْ كَانَ لَا يَكْفِيه وَقُلْنَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لَمْ يَجُزْ بَذْلُهُ وَإِلَّا فَيَجُوزُ: (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ الْمَاءُ لَأَجْنَبِيٍّ فَأَرَادَ أَنْ يَجُودَ بِهِ عَلَى أَحْوَجِهِمْ أَوْ أَوْصَى بِمَاءٍ لِأَحْوَجِ النَّاسِ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَصْرِفُهُ إلَى أَحْوَجِهِمْ فَأَيُّهُمْ أَحَقُّ فِيهِ التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَشْرَحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَكَذَا صَوَّرَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَصَوَّرَهَا الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ فِيمَا إذَا وَصَلَ هَؤُلَاءِ الْمُحْتَاجُونَ إلَى مَاءٍ مُبَاحٍ وَذَكَرُوا فِيهَا التَّفَاصِيلَ الْمَذْكُورَةَ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَلَيْهِمْ وَقَالَ (هَذَا عِنْدِي غَلَطٌ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْمَاءَ الْمُبَاحَ إذَا ازْدَحَمَ عَلَيْهِ قَوْمٌ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوُوا فِي تَمَلُّكِهِ

ص: 274

ولا يتوقف الملك عَلَى الْحَاجَةِ بَلْ يَجِبُ الْقَطْعُ بِاسْتِوَائِهِمْ وَيُقْسَمُ الْمَاءُ بَيْنَهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى أَحْدَاثِهِمْ وأحوالهم) قال (ولاخفاء بِمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الزَّلَلِ) قَالَ الرَّافِعِيُّ (لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا التَّقْدِيمَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِحْبَابِ وَكَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مُجَرَّدُ الْوُصُولِ إلَى الْمَاءِ الْمُبَاحِ لَا يَقْتَضِي الْمِلْكَ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِالِاسْتِيلَاءِ وَالْإِحْرَازِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِ الْأَحْوَجِ تَرْكُ الِاسْتِيلَاءِ والاحراز ايثارا للاحوج) قال (وَالْأَصْحَابُ يُسَلِّمُونَ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَازْدَحَمُوا كَانَ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُنَازِعَهُمْ فِيمَا ذَكَرُوهُ مِنْ الِاسْتِحْبَابِ وَيَقُولَ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ إلَى التَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ مَلَكَ الْمَاءَ) هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَإِذَا ثَبَتَ دَفْعُهُ إلَى الْأَحْوَجِ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا حَضَرَ مَيِّتٌ مَعَ جُنُبٍ أَوْ حَائِضٍ أَوْ مُحْدِثٍ

فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ لِعِلَّتَيْنِ إحْدَاهُمَا الَّتِي ذَكَرهَا الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنَّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ فَخُصَّ بِأَكْمَلِ الطَّهَارَتَيْنِ وَالْأَحْيَاءُ سَيَجِدُونَ الْمَاءَ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَصْدَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّت تَنْظِيفُهُ وَلَا يَحْصُلُ بِالتُّرَابِ وَالْقَصْدُ مِنْ طَهَارَةِ الْأَحْيَاءِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَيُّ أَحَقُّ مِنْ الْمَيِّتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَفْتَقِرُ اسْتِحْقَاقُ الْمَيِّتِ وَتَخْصِيصُهُ إلَى قَبُولِ وَارِثٍ وَنَحْوِهِ كَمَا لَوْ تَطَوَّعَ إنْسَانٌ بِتَكْفِينِ مَيِّتٍ فَإِنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولٍ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا فِي اشْتِرَاطِ قَبُولِ هِبَةِ الْمَاءِ للميت وليس بشئ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ مَيِّتٌ وَمَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ نَجَاسَةٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَحَقُّ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ فِي الْمَيِّتِ إنْ قُلْنَا بِالْأُولَى فَهُوَ أَحَقُّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِيَةِ فَالنَّجِسُ أَحَقُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْقُطُ فَرْضُهُ بِالتَّيَمُّمِ وَتَحْصُلُ طَهَارَةُ الْمَيِّتِ بِالتَّيَمُّمِ وَلَوْ حَضَرَ مَيِّتَانِ وَالْمَاءُ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مَوْجُودًا قَبْلَ مَوْتِهِمَا فَالْأَوَّلُ أَحَقُّ وَإِنْ وُجِدَ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ مَاتَا مَعًا فَأَفْضَلُهُمَا أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ اسْتَوَيَا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ (1)(الثَّالِثَةُ) لَوْ حَضَرَ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعَ جُنُبٍ وَحَائِضٍ وَمُحْدِثٍ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِطَهَارَتِهِ: (الرَّابِعَةُ) حَضَرَ جُنُبٌ وَحَائِضٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْحَائِضُ أَحَقُّ لِغِلَظِ حَدَثِهَا وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ إنَّ غُسْلَ الْجُنُبِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ

ص: 275

لَا حُجَّةَ فِيهِ فَإِنَّ غُسْلَهَا ثَابِتٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي الْجُنُبُ أَحَقُّ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ تَيَمُّمِ الْجُنُبِ دُونَ الْحَائِضِ فَقُدِّمَ لِتَصِحَّ طَهَارَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ هَكَذَا احْتَجَّ لَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالصَّيْدَلَانِيّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا وَلَمْ يصح عن الصحابة في تيمم الحائض شئ: وَالثَّالِثُ يَسْتَوِيَانِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ فِيهِ تَفْصِيلٌ اخْتَصَرَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إنْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقُرْعَةَ وَالْآخَرُ الْقِسْمَةَ فَالْقُرْعَةُ أَوْلَى فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْقِسْمَةُ فِي الثَّانِي هَذَا إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ الْمَاءِ النَّاقِصِ عَنْ الْكِفَايَةِ وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ الْقُرْعَةُ وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى الْقِسْمَةِ جَازَ إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ تَضْيِيعٌ:

(الْخَامِسَةُ) حَضَرَ جُنُبٌ وَمُحْدِثٌ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ يَكْفِي الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ فَالْمُحْدِثُ أَحَقُّ إنْ لَمْ نُوجِبْ اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِنْ أَوْجَبْنَاهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الْمُحْدِثُ أَحَقُّ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ حَدَثُهُ بِكَمَالِهِ وَالثَّانِي الْجُنُبُ أَحَقُّ لِغِلَظِ حَدَثِهِ والثالث يستويان ويجئ فِيهِ مَا سَبَقَ مِنْ الْإِقْرَاعِ وَالْقِسْمَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (فَيَدْفَعُ إلَى مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا) الْمُرَادُ بِهِ إذَا كَانَ صَاحِبُ الْمَاءِ يَجُودُ بِهِ عَلَى الْمُحْتَاجِ وَأَمَّا الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُبَاحِ فَيُقْرِعُونَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَيَقْسِمُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَلَا تَخْيِيرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ كَافِيًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَالْجُنُبُ أَوْلَى إنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ وَإِلَّا فَكَالْمَعْدُومِ وَإِنْ كَانَ كَافِيًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نُظِرَ إنْ فَضَلَ عن الوضوء منه شئ وَلَمْ يَفْضُلْ عَنْ الْغُسْلِ فَالْجُنُبُ أَوْلَى إنْ لَمْ نُوجِبْ اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَعْمَلَهُ الْمُحْدِثُ يَضِيعُ الْبَاقِي وَإِنْ أَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَ النَّاقِصِ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّهَا الْجُنُبُ أَحَقُّ وَالثَّانِي الْمُحْدِثُ وَالثَّالِثُ هُمَا سَوَاءٌ وان لم يفضل من واحد منهما شئ أو فضل عن كل واحد منهما شئ فَالْجُنُبُ أَحَقُّ وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ أَنَّهُ إذَا كان لا يفضل عن واحد منهما شئ فَهُمَا سَوَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ يَكْفِي الْغُسْلُ وَلَا يَكْفِي الْوُضُوءُ إنْ تُصُوِّرَ ذَلِكَ فَالْجُنُبُ أَحَقُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ (وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْمُغْتَسِلُ نِضْوَ الْخَلْقِ فَاقِدَ الْأَعْضَاءِ وَالْمُتَوَضِّئُ ضَخْمُ الْأَعْضَاءِ) وَإِذَا اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ غَيْرُ مَنْ قُلْنَا إنَّهُ أَحَقُّ فَقَدْ

ص: 276

أَسَاءَ وَطَهَارَتُهُ صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَوْ كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ مَاءٌ فَخَافَتْ رُفْقَتُهُ الْعَطَشَ شَرِبُوهُ وَيَمَّمُوهُ وَأَدَّوْا ثَمَنَهُ فِي مِيرَاثِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُمْ شُرْبُهُ وَعَلَيْهِمْ ضمانه بقيمته يوم الشرب في مكان الشُّرْبِ كَمَا قُلْنَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُتْلَفَاتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَسَمَّى الشَّافِعِيُّ الْقِيمَةَ هُنَا ثَمَنًا مَجَازًا وَإِلَّا فَحَقِيقَةُ الثَّمَنِ مَا كَانَ فِي عَقْدٍ وَلَكِنْ قَدْ سَمَّتْ الْعَرَبُ الْقِيمَةَ ثَمَنًا (قُلْت)(1) قَدْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مِثْلَ هَذَا فَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ اللغة قال الليث ثمن كل شئ قِيمَتُهُ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ الثَّمَنُ قِيمَةُ الشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الْقِيمَةَ وَلَمْ نُوجِبْ الْمِثْلَ وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ مِثْلِيًّا لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا كَانُوا فِي بَرِيَّةٍ لِلْمَاءِ فِيهَا قِيمَةٌ ثُمَّ رَجَعُوا إلَى بَلَدِهِمْ وَلَا

قِيمَةَ لِلْمَاءِ فِيهِ وَأَرَادَ الْوَارِثُ تَغْرِيمَهُمْ فِي الْبَلَدِ فَلَوْ رَدُّوا الْمَاءَ لَكَانَ إسْقَاطًا لِلضَّمَانِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ بِالثَّمَنِ الْمِثْلُ وَأَنَّهُ يَرُدُّ مِثْلَ الْمَاءِ لَا قِيمَتَهُ وَهَذَا شَاذٌّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا إذَا غَرِمُوا فِي مَوْضِعِ الشُّرْبِ فَإِنَّهُمْ يَغْرَمُونَ مِثْلَ الْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَحْرِ وَكَذَا لَوْ غَرِمُوا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ فَلَهُمْ أَدَاءُ مِثْلِ الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِتْلَافِ كَمَنْ أَتْلَفَ حِنْطَةً غَرِمَ مِثْلَهَا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْغُرْمِ أَقَلَّ وَلَوْ غَرِمُوا الْقِيمَةَ ثُمَّ اجْتَمَعُوا هُمْ وَالْوَارِثُ فِي مَوْضِعٍ لِلْمَاءِ فِيهِ قِيمَةٌ فَهَلْ لَهُ رَدُّ الْقِيمَةِ وَالْمُطَالَبَةُ بِمِثْلِ الْمَاءِ وَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا فَتَعَذَّرَ الْمِثْلُ فَغَرِمَ الْقِيمَةَ ثُمَّ وَجَدَ الْمِثْلَ هَلْ لِلْمَالِكِ أَنْ يَرُدَّ الْقِيمَةَ وَيُطَالِبَ بِالْمِثْلِ هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ إذَا احْتَاجَ الْأَحْيَاءُ إلَى مَاءِ الْمَيِّتِ لِلْعَطَشِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَاجُوا إلَيْهِ لِلْعَطَشِ بَلْ لِلطَّهَارَةِ فَإِنَّهُمْ يُغَسِّلُونَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ وَمَا بَقِيَ حَفِظُوهُ لِلْوَرَثَةِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءُ بِهِ بل يتيممون فان توضؤا بِهِ أَثِمُوا وَضَمِنُوهُ عَلَى مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان لم يجد ماء ولا ترابا صلى على حسب حاله لان الطهارة شرط من شروط الصلاة

(1) في الصحيح في حديث قطع سارق المجز في مجز قيمته ثلاثة دراهم وفي رواية ثمنه ثلاثة دراهم اه اذرعى

ص: 277

فالعجز عنها لا يبيح ترك الصلاة كستر العورة وازالة النجاسة واستقبال القبلة والقيام والقراءة] [الشرح] قَوْلُهُ (عَلَى حَسَبِ حَالِهِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ أَيْ قَدْرِ حَالِهِ وَلَوْ حَذَفَ لَفْظَةَ حَسَبِ صَحَّ الْكَلَامُ أَيْضًا وَقَوْلُهُ (شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ) احْتِرَازٌ مِنْ الْعَقْلِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ وَلَكِنْ مِنْ شُرُوطِ التَّكْلِيفِ وَقَوْلُهُ (وَالْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ)) مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمَا مِنْ الشُّرُوطِ وَمَعْلُومٌ عنده وعند غيره انهما ليسا من الشروط بَلْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالْأَرْكَانِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَهُمَا فَقَدْ حَصَلَ الْغَرَضُ بِمَا قَبْلَهُمَا أَوْ يَقُولُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِ الصَّلَاةِ ليتناول كل المذكورات وكأنه أراد بالشرط مالا تصح الصلاة الا بوجوده لاحقيقته وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا لَمْ يَجِدْ الْمُكَلَّفُ مَاءً وَلَا تُرَابًا بِأَنْ

حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ كَانَ فِي أَرْضٍ ذَاتِ وَحْلٍ ولم يجد ماء يخففه بِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَحَدُهَا) يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْحَالِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ إذَا وَجَدَ مَاءً أَوْ ترابا في موضع يسقط الفرض بِالتَّيَمُّمِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ سَوَاءٌ صَلَّى أَمْ لَمْ يُصَلِّ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ الْقَدِيمِ (وَالرَّابِعُ) تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ حَكَوْهُ عَنْ الْقَدِيمِ أَيْضًا وَسَتَأْتِي أَدِلَّةُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ في القوت وَيَجِبُ الْقَضَاءُ فَالْمَذْهَبُ الظَّاهِرُ أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ فِي الْوَقْتِ صَلَاةٌ وَلَكِنْ يَجِبُ تَدَارُكُ النَّقْصِ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِفِعْلِ صَلَاةٍ كَامِلَةٍ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ تَشَبُّهٌ كَالْإِمْسَاكِ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ صَلَّى الْفَرْضَ وَحْدَهُ وَلَا يَجُوزُ النَّفَلُ وَلَا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُكْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ انْقَطَعَ حَيْضُهَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إنَّمَا تُبَاحُ بالطهارة ولم

ص: 278

تَأْتِ بِهَا وَإِنَّمَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ لِلضَّرُورَةِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَصَاحِبُ البيان وجها انه يباح وطؤها وليس بشئ وَإِذَا صَلَّى الْفَرْضَ وَكَانَ جُنُبًا أَوْ مُنْقَطِعَةَ الْحَيْضِ لَمْ يَقْرَأْ فِي الصَّلَاةِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْفَاتِحَةِ وَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَشَرْحُهُمَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يوجب الغسل أصحهما تجب والثاني يحرم بَلْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا مَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فَرَأَى الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ كَالْوَجْهِ الْمَحْكِيِّ فِي طَرِيقَةِ خُرَاسَانَ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ فِي الْحَضَرِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لا تبطل وهذا الوجه

ليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَحْدَثَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَوْ تَكَلَّمَ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ (فَرْعٌ)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ لَيْسَ أَحَدٌ يَصِحُّ إحْرَامُهُ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلَا يَصِحُّ بِالنَّفْلِ إلَّا مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ أَوْ السُّتْرَةَ الطَّاهِرَةَ أَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَأَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ أَعَادَ إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَوْ وَجَدَ التُّرَابَ فِي مَوْضِعٍ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ أَمَّا إذَا قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي حَالَةٍ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ كَالْحَضَرِ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهَا بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ حِينَئِذٍ وَكَيْفَ يُصَلِّي مُحْدِثًا صَلَاةً لَا تَنْفَعُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حُرْمَةِ وَقْتٍ وَإِنَّمَا جَازَتْ صَلَاةُ الْوَقْتِ فِي هَذَا الْحَالِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَقَدْ زَالَ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي إذَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَاةٌ فَائِتَةٌ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَقُلْنَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا عَلَى الْفَوْرِ فَعَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ ذَلِكَ احْتَاجَ إلَى الْإِعَادَةِ ثَانِيًا وَثَالِثًا وَمَا لَا يَتَنَاهَى بِخِلَافِ الْمُؤَدَّاةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِعْلُهَا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى التَّسَلْسُلِ قَالَ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فِيهِ وَجْهَانِ يَعْنِي يَقْضِي فِي الْحَالِ ثُمَّ يَقْضِي إذَا وَجَدَ الطَّهُورَ (قُلْت) وَالصَّوَابُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا رُبِطَ عَلَى خَشَبَةٍ أَوْ شُدَّ وَثَاقُهُ أَوْ مُنِعَ الْأَسِيرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الصَّلَاةِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ

ص: 279

يُصَلُّوا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ بِالْإِيمَاءِ وَيَكُونُ إيمَاؤُهُ بِالسُّجُودِ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَجِبُ الْإِعَادَةُ أَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ فَلِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِمْ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ كَالْمَرِيضِ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمَرَضَ يَعُمُّ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ فِي هَذَا وَفِي الْغَرِيقِ يَتَعَلَّقُ بِعُودٍ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ إنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَا إعَادَةَ كَالْمَرِيضِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَإِلَّا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي الْغَرِيقِ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لَا يُعِيدُ مَا صلى إلَى الْقِبْلَةِ وَيُعِيدُ غَيْرَهُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ

وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ لِنُدُورِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ وَهَذَا شَاذٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَمَسْأَلَةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَمَسْأَلَةِ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا فَأَعَادَ فَفِي الْفَرْضِ مِنْ صَلَاتِهِ أَرْبَعَةُ أقوال مشهورة حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّ الْمُزَنِيَّ وَأَبَا عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَقْلَاهَا وَقَدْ ذَكَرهَا الْمُصَنِّفُ فِي مَسْأَلَةِ النَّجَاسَةِ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ عَالِمًا بِاخْتِلَالِهَا مَعَ بَذْلِ الْإِمْكَانِ ثُمَّ أَمَرْنَاهُ بِالْقَضَاءِ فَقَضَاهَا فَفِي الْوَاجِبِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي الْأَوْلَى وَالثَّالِثُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَالرَّابِعُ كِلَاهُمَا وَاجِبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا ويطهر فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مِنْهَا إذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ بِتَيَمُّمِ الْأُولَى وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَيَأْتِي فِي بَيَانِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَمَا يُشْبِهُهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ الْمَفْعُولَاتِ عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ زِيَادَاتٌ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ بِذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ فِي مَذْهَبِنَا أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ وَقَالَ بِكُلِّ واحد منهما طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي الْحَالِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ التُّرَابَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَحَكَاهَا أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي وَيُعِيدُ وَرِوَايَةُ أَنَّهُ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَرِوَايَةُ لَا يُصَلِّي وَفِي الْإِعَادَةِ عِنْدَهُمْ خِلَافٌ وَقَالَ أَحْمَدُ يُصَلِّي وَفِي الْإِعَادَةِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ وَكَذَا عِنْدَهُ كُلُّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ

ص: 280

لَا تَجِبُ إعَادَتُهَا صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِهِ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْحَابُ وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ الصَّلَاةَ في الحال بقول الله تعالى (ولا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تقولون ولا جنبا) وبحديث ابن عُمَرَ رضي الله عنهم إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ

عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطُّهُورُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَائِضِ قَبْلَ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَاحْتَجَّ مَنْ لَمْ يُوجِبْهَا فِي الْحَالِ وَلَمْ يُوجِبْ الْقَضَاءَ بِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الطَّهَارَةِ كَالْحَائِضِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ يُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا اسْتَعَارَتْ قِلَادَةً مِنْ أَسْمَاءَ فَهَلَكَتْ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا فَأَدْرَكَتْهُمْ الصَّلَاةُ فَصَلَّوْا بِغَيْرِ وُضُوءٍ فَلَمَّا أَتَوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا ذَلِكَ إلَيْهِ فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُمْ صَلَّوْا بِغَيْرِ طَهَارَةٍ وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَةٍ قَالُوا وَلِأَنَّ إيجَابَ الْإِعَادَةِ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ عَنْ يَوْمٍ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ وَالْعُرْيَانِ وَالْمُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ لِشِدَّةِ الْخَوْفِ أَوْ لِلْمَرَضِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِوُجُوبِ الصَّلَاةِ فِي الْحَالِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم صَلَّوْا عَلَى حَسَبِ حَالِهِمْ حِينَ عَدِمُوا الْمُطَهِّرَ مُعْتَقِدِينَ وُجُوبَ ذَلِكَ وَأَخْبَرُوا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ وَلَا قَالَ لَيْسَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً فِي هَذَا الْحَالِ وَلَوْ كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَبَيَّنَ ذَلِكَ لَهُمْ كَمَا قال لعلي رضي الله عنه (إنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ كَذَا وَكَذَا) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِالصَّلَاةِ بِشُرُوطِهَا فَإِذَا عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا أَتَى بِالْبَاقِي كَمَا لَوْ عَجَزَ عَنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَوْ الْقِبْلَةِ أَوْ رُكْنٍ كَالْقِيَامِ وَاحْتَجُّوا لِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَلَمْ تَسْقُطْ الْإِعَادَةُ كَمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا حَدَثَهُ وَكَمَنْ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلَ إنْسَانٌ وَجْهَهُ عَنْهَا مُكْرَهًا أَوْ مَنَعَهُ مِنْ إتْمَامِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا نقل

ص: 281

الاتفاق فيه الشيح أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ قَالَ وَهَذَا مِمَّا وَافَقَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِ الْأَوَّلِينَ بِالْآيَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ

(أَحَدُهُمَا)

أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَقْرَبُوا مَوْضِعَ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَسْجِدُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى وَاجِدِ الْمُطَهِّرِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ أَيْضًا كَمَا فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْكِتَابِ) مَعْنَاهُ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ أَيْضًا عَنْ الْحَدِيثِ الْآخَرِ

وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّ الْحَائِضَ مُكَلَّفَةٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ لَا طَرِيقَ لَهَا إلَى فِعْلِهَا وَلَوْ وَجَدَتْ الطَّهُورَ وَهَذَا بِخِلَافِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ وَالْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ أَنَّهُ لَا امْتِنَاعَ فِي ذَلِكَ إذَا اقْتَضَاهُ الدَّلِيلُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ أَوْ الصَّوْمِ فَصَلَّى وَصَامَ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ تَحَقَّقَ انه فعله فبل الْوَقْتِ وَأَدْرَكَ الْوَقْتَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ فَقَدْ أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ ظُهْرَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّ عذرها إذا وقع دام وعمن بعدما أَنَّ أَعْذَارَهُمْ عَامَّةٌ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ شَقَّ وحصل الحرج بخلاف مسألتنا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وأما الخائف من استعمال الماء فهو أن يكون به مرض أو قروح يخاف معها من استعمال الماء أو في برد شديد يخاف من استعمال الماء فينظر فيه فان خاف التلف من استعمال الماء جاز له التيمم لقوله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) قال ابن عباس رضي الله عنهما إذا كانت بالرجل جراحة في سبيل الله عز وجل أو قروح أو جدري فيجنب فيخاف أن يغتسل فيموت فانه يتيمم بالصعيد وروى عن عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ (احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فاشفقت ان اغتسلت ان أهلك فتيممت وصليت باصحابي صلاة الصبح فذكر لك للنبى صلي الله عليه وسلم فقال يا عمرو صليت باصحابك وأنت جنب فقال سمعت الله تعالى يقول (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رحيما) ولم ينكر عليه) وان خاف الزيادة في المرض وابطاء البرئ قال في الام لا يتيمم وقال في القديم والبويطى والاملاء يتيمم

ص: 282

إذا خاف الزيادة فمن أصحابنا من قال هما قولان أحدهما يتيمم لانه يخاف الضرر من استعمال الماء فاشبه إذا خاف التلف والثاني لا يجوز لانه واجد للماء لا يخاف التلف من استعماله فاشبه إذا خاف أنه يجد البرد ومنهم من قال لا يجوز قولا واحدا وما قاله في القديم والبويط والاملاء محمول عليه إذا خاف زيادة تخوفه وحكي أبو علي في الافصاح طريقا آخر انه يتيمم قولا واحدا وان خاف من استعمال الماء شيئا فاحشا في جسمه فهو كما لو خاف الزيادة في المرض لانه يتألم قلبه بالشين الفاحش

كما يتألم بزيادة المرض]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا أَيْضًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنْ رَوَوْهُ مِنْ طريقتين مختلتى الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ مَتْنُ إحْدَاهُمَا كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُهَذَّبِ وَمَتْنُ الثَّانِيَةِ أَنَّ عَمْرًا احْتَلَمَ فَغَسَلَ مغابنه وتوضأ وضوه للصلاة ثم صلى بهم وذكر الثاقي؟ ؟ بِمَعْنَى مَا سَبَقَ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّيَمُّمَ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُمَا عَلَّلَاهُ بِالرِّوَايَةِ الْأُولَى يَعْنِي لِاخْتِلَافِهِمَا وَهِيَ قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ الْحَاكِمُ وَلَا تُعَلِّلُ رِوَايَةُ التَّيَمُّمِ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ فَإِنَّ أَهْلَ مِصْرَ أَعْرَفُ بِحَدِيثِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَعْنِي أَنَّ رِوَايَةَ الْوُضُوءِ يَرْوِيهَا مِصْرِيٌّ عَنْ مِصْرِيٍّ وَرِوَايَةَ التَّيَمُّمِ بصرى عن مصرى قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فَعَلَ مَا نُقِلَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ جَمِيعًا فَغَسَلَ مَا أَمْكَنَهُ وتيمم للباقى وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ تَعَيَّنَ وَقَوْلُهُ مَغَابِنَهُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ وَبَعْدَ الْأَلِفِ بَاءٌ موحدة مكسورة والمراد بها هذا القرح وَمَا قَارَبَهُ وَالْقُرُوحُ الْجُرُوحُ وَنَحْوُهَا وَاحِدُهَا قَرْحٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا وَالْجُدَرِيُّ بِضَمِّ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ فَصَيْحَتَانِ وَالدَّالُ مَفْتُوحَةٌ فِيهِمَا وَإِبْطَاءُ الْبُرْءِ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ يُقَالُ بَرِئَ مِنْ الْمَرَضِ بُرْءًا بِضَمِّ الْبَاءِ وبرأ برءا بفتحها وبرأ برأ ثَلَاثُ لُغَاتٍ أَفْصَحُهُنَّ الثَّانِيَةُ وَهُوَ مَهْمُوزٌ فِيهِنَّ

ص: 283

وَمِنْهُمْ مَنْ تَرَكَ الْهَمْزَ تَخْفِيفًا وَقَوْلُهُ أَشْفَقْت أَيْ خِفْت وَقَوْلُهُ أَهْلِكَ هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَحَكَى أَبُو الْبَقَاءِ فَتْحَهَا وَأَنَّهُ قُرِئَ بِهِ فِي الشَّوَاذِّ وَهَذَا شَاذٌّ إنْ ثَبَتَ وَذَاتُ السَّلَاسِلِ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ مِنْ غَزَوَاتِ الشَّامِّ وَكَانَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَأَمِيرُهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ بِاسْمِ مَاءٍ بِأَرْضِ جُذَامٍ يقاله لَهُ الْمُسَلْسَلُ كَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ هِشَامٍ فِي كِتَابِهِ سِيرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهَا بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَدْ حُكِيَ فِيهَا الضَّمُّ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي

تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ أَبَا مُحَمَّدٍ وَأَسْلَمَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِأَشْهُرٍ وَقِيلَ أَسْلَمَ بَيْنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَخَيْبَرَ مَاتَ بِمِصْرَ عَامِلًا عَلَيْهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ يَوْمَ الْفِطْرِ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً وَيُقَالُ ابْنُ الْعَاصِي وَالْعَاصِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ وَحَذْفِهَا وَإِثْبَاتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ وَفِي حَدِيثِهِ هَذَا فَوَائِدُ إحْدَاهَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ التَّلَفِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ الثَّانِيَةُ جَوَازُ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الثَّالِثَةُ أَنَّ التَّيَمُّمَ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ فِي السَّفَرِ يُسْقِطُ الْإِعَادَةَ الرَّابِعَةُ التَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهُ جُنُبًا الْخَامِسَةُ جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ السَّادِسَةُ اسْتِحْبَابُ الْجَمَاعَةِ لِلْمُسَافِرِينَ السَّابِعَةُ أَنَّ صَاحِبَ الْوِلَايَةِ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْمَلَ طَهَارَةً أَوْ حَالًا مِنْهُ الثَّامِنَةُ جَوَازُ قَوْلِ الْإِنْسَانِ سَمِعْت اللَّهَ يَقُولُ أَوْ اللَّهُ يَقُولُ كَذَا وَقَدْ كَرِهَ هَذِهِ الصِّيغَةَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ الله بن الشخير التابعي وقال إنما يقال قَالَ اللَّهُ بِصِيغَةِ الْمَاضِي وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَيَرُدُّهُ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَاسْتِعْمَالُ الْأُمَّةِ وَقَدْ ذَكَرْت دَلِيلَهُ مَبْسُوطًا فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقُرَّاءِ وَكِتَابِ الْأَذْكَارِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاللَّهُ يقول الحق وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِعَمْرٍو لِحُسْنِ اسْتِنْبَاطِهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْفَوَائِدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أما أحكام المسألة فالمرض ثلاث أَضْرُبٍ أَحَدُهَا مَرَضٌ يَسِيرٌ لَا يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ مَعَهُ تَلَفًا وَلَا مَرَضًا مَخُوفًا وَلَا إبْطَاءَ بُرْءٍ وَلَا زِيَادَةَ أَلَمٍ وَلَا شينا فَاحِشًا وَذَلِكَ كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ وَحُمَّى وَشِبْهِهَا فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بِلَا خِلَافٍ

ص: 284

عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مالك أنهم جوزوه للآية ودليلنا أَنَّ التَّيَمُّمَ رُخْصَةٌ أُبِيحَتْ لِلضَّرُورَةِ فَلَا يُبَاحُ بلا ضرورة ولا ضرورة هنا ولانه واجد للماء لَا يَخَافُ ضَرَرًا فَلَا يُبَاحُ التَّيَمُّمُ كَمَا لَوْ خَافَ أَلَمَ الْبَرْدِ دُونَ تَعَقُّبِ ضَرَرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ فَأَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ فَنَدَبَ إلَى الْمَاءِ لِلْحُمَّى فَلَا تَكُونُ سَبَبًا لِتَرْكِهِ وَالِانْتِقَالِ إلَى التَّيَمُّمِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما فَسَّرَهَا بِالْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهَا كَمَا سَبَقَ وَرَوَى هَذَا التَّفْسِيرَ مَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَالْجِرَاحَةُ وَنَحْوُهَا يُخَافُ مَعَهَا الضَّرَرُ مِنْ الْمَاءِ فَلَا يُلْحَقُ بِهَا

غَيْرُهَا: وَالثَّانِي أَنَّهَا لو كانت عامة خصصناها بِمَا سَبَقَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَرَضٌ يُخَافُ مَعَهُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ أَوْ حُدُوثُ مَرَضٍ يُخَافُ مِنْهُ تَلَفُ النَّفْسِ أَوْ عُضْوٍ أَوْ فَوَاتُ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ حَكَى فِي خَوْفِ الشَّلَلِ طَرِيقِينَ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا فِي خَوْفِ زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَأَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ نَقَلُوا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ خَافَ مَرَضًا مَخُوفًا قَوْلَيْنِ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْهُمْ مُشْكِلٌ فَإِنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِهِمْ كُلِّهِمْ الْقَطْعُ بِجَوَازِ التَّيَمُّمِ لِخَوْفِ حُدُوثِ مَرَضٍ مَخُوفٍ وَقَدْ أَشَارَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا إلَى الْإِنْكَارِ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا النَّقْلِ هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلْمَرِيضِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ مِنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ الَّذِي أَصَابَتْهُ الشَّجَّةُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ: وَأَمَّا الْآيَة فَحُجَّةٌ لَنَا وَتَقْدِيرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِنَّ كُنْتُمْ مَرْضَى فَعَجَزْتُمْ أَوْ خِفْتُمْ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ أَوْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا (الضَّرْبُ الثَّالِثُ) أَنْ يخاف ابطاء البرئ أَوْ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَهِيَ كَثْرَةُ الْأَلَمِ وَإِنْ لم تطل مدته أو شدة الضنا وَهُوَ الدَّاءُ الَّذِي يُخَامِرُ صَاحِبَهُ وَكُلَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ بَرِئَ نُكِسَ وَقِيلَ هُوَ النَّحَافَةُ وَالضَّعْفُ أَوْ خَافَ حُصُولَ شَيْنٍ فَاحِشٍ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ وَهُوَ الَّذِي يَبْدُو فِي حَالِ الْمِهْنَةِ غَالِبًا فَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ النُّصُوصُ وَالْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَاصِلُهُ ثَلَاثُ طُرُقٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ التَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ

ص: 285

لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَعُمُومِ الْبَلْوَى وَلِأَنَّهُ لَا يَجِبُ شِرَاءُ الْمَاءِ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ لِدَفْعِ الضَّرَرِ والضرر هنا أشد ولانه يجوز الفطر وترك القيام في الصلاة بهذا النوع ودونه فهنا أَوْلَى وَالْقَوْلُ الثَّانِي لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَأَحْمَدُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ.

وَالثَّالِثُ الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لِلشَّيْنِ الْفَاحِشِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي زِيَادَةِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

ثُمَّ الْخِلَافُ فِي شَيْنٍ فَاحِشٍ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَمَا ذَكَرنَا فَأَمَّا شَيْنٌ يَسِيرٌ عَلَى عُضْوٍ ظَاهِرٍ كَسَوَادٍ قَلِيلٍ وَشَيْنٌ كَثِيرٌ عَلَى عُضْوٍ غَيْرِ ظَاهِرٍ فَلَا يُبِيحُ التَّيَمُّمَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ كَثِيرٌ فَأَشْبَهَ الصُّدَاعَ وَنَحْوَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا كَانَتْ الْعِلَّةُ الْمُرَخِّصَةُ فِي التَّيَمُّمِ مَانِعَةً مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي جَمِيعِ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَمِيعِ فَإِنْ مَنَعَتْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ غَسَلَ الْمُمْكِنَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فضل تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ

* (فَرْعُ)

قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَعْتَمِدَ فِي كَوْنِ الْمَرَضِ مُرَخِّصًا فِي التَّيَمُّمِ وَأَنَّهُ عَلَى الصِّفَةِ الْمُعْتَبَرَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ نَفْسِهِ إنْ كَانَ عَارِفًا وَإِلَّا فَلَهُ الِاعْتِمَادُ عَلَى قَوْلِ طَبِيبٍ وَاحِدٍ حَاذِقٍ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَدْلٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَوْلِ صَبِيٍّ مُرَاهِقٍ وَبَالِغٍ فَاسِقٍ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَمَدُ الْكَافِرُ وَيُقْبَلُ قَوْلَ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَالْعَبْدِ وَحْدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَرَأَيْت فِي نُسْخَةٍ مِنْ تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ فِيهِمَا وَجْهَيْنِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ حَكَى فِي اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَجْهًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ من باب الاخبار وإذا لم يجد طبيب بالصفة المشهورة فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ لَا يَتَيَمَّمُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا وَلَمْ أَرَ لِغَيْرِهِ مُوَافَقَةً لَهُ وَلَا مُخَالَفَةً

ص: 286

(فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْحَاضِرِ وَلَا بَيْنَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ وَلَا إعَادَةَ في شئ من هذه الصور الْجَائِزَةِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ فِيهِ الْمُسَافِرُ وَالْحَاضِرُ لِعُمُومِهِ

* (فَرْعٌ)

إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ ثُمَّ بَرَأَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَهُوَ كَالْمُسَافِرِ يَجِدُ الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ظَاهِرٌ

* (فَرْعٌ)

الْأَقْطَعُ وَالْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ إذَا وَجَدَ مَاءً وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى

اسْتِعْمَالِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَحْصِيلُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيُصَلِّيَ ثُمَّ يُعِيدَ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ وَكَذَا حَكَاهُ آخَرُونَ عَنْ النَّصِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَكَذَا قال صاحب التهذيب في الزمن عنده مالا يَجِدُ مَنْ يُنَاوِلُهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ وَشَذَّ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ يُصَلِّي عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَيُعِيدُ وَلَا يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا سَبُعٌ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وان كان في بعض بدنه قرح يمنع استعمال الماء غسل الصحيح وتيمم عن الجريح وقال أبو إسحق يحتمل قولا آخر أن يقتصر على التيمم كما لو عجز عن الماء في بعض بدنه للاعواز والاول أصح لان العجز هناك ببعض الاصل وها هنا العجز ببعض البدن وحكم الامرين مختلف ألا ترى أن الحر إذا عجز عن بعض الاصل في الكفارة جعل كالعاجز عن جميعه في جواز الاقتصار علي البدل ولو كان نصفه حرا ونصفه عبدا لم يمكن العجز بالرق في البعض كالعجز بالجميع بل إذا ملك بنصفه الحر مالا لزمه ان يكفر بالمال]

* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ فِي بَعْضِ أَعْضَاءِ طَهَارَةِ الْمُحْدِثِ أَوْ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَرْحٌ وَنَحْوُهُ وَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الْخَوْفَ الْمُجَوِّزَ لِلتَّيَمُّمِ لَزِمَهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ

ص: 287

عَنْ الْجَرِيحِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْن أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْقَاضِي أبو حامد المرودودى فِيهِ قَوْلَانِ كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيه مِنْ الْمَاءِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ وَالثَّانِي يَكْفِيه التَّيَمُّمُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَبْطَلَ الْأَصْحَابُ هَذَا التَّخْرِيجَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْجَرِيحُ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ فَهُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ غَسَلَ الصَّحِيحَ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ إذْ لَا تَرْتِيبَ فِي طَهَارَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ إذَا وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ وَأَوْجَبْنَا اسْتِعْمَالَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ

أَوَّلًا ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لِأَنَّهُ هُنَاكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ وَهُنَا أُبِيحَ لِلْجِرَاحَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الحرمين والمتولي وغيرهم وجها أنه يجب تقدم الْغُسْلِ هُنَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى وَجْهِهِ فَخَافَ إنْ غَسَلَ رَأْسَهُ نُزُولَ الْمَاءِ إلَيْهَا لَمْ يَسْقُطْ غَسْلُ الرَّأْسِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتَلْقِيَ عَلَى قَفَاهُ أَوْ يَخْفِضَ رَأْسَهُ فَإِنْ خَافَ انْتِشَارَ الْمَاءِ وَضَعَ بِقُرْبِ الْجِرَاحَةِ خِرْقَةً مَبْلُولَةً وَتَحَامَلَ عَلَيْهَا لِيَقْطُرَ مِنْهَا مَا يَغْسِلُ الصَّحِيحَ الْمُلَاصِقَ لِلْجَرِيحِ قَالَ صَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالْبَحْرِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ أَمَسَّ مَا حَوَالَيْ الْجَرِيحِ الْمَاءَ مِنْ غَيْرِ إفَاضَةٍ وَأَجْزَأَهُ وَقَدْ رَأَيْت نَصَّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْأُمِّ نَحْوَ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ إنْ خَافَ لَوْ أَفَاضَ الْمَاءَ إصَابَةَ الْجَرِيحِ أَمَسَّ الْمَاءَ الصَّحِيحَ إمْسَاسًا لَا يُفِيضُ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ إذَا أَمَسَّ الشَّعْرَ وَالْبَشَرَةَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي ظَهْرِهِ اسْتَعَانَ بِمَنْ يَغْسِلُهُ وَيَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْجِرَاحَةِ وَكَذَا الْأَعْمَى يَسْتَعِينُ فان لم يجدا مُتَبَرِّعًا لَزِمَهُ تَحْصِيلُهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَسَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي وَأَعَادَ لِنُدُورِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ بِالْمَاءِ وَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْغَسْلُ فَإِذَا تَعَذَّرَ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْمَسْحِ بِخِلَافِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ كَالْخُفِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَضَعَ عَلَيْهَا عِصَابَةً لِتُمْسَحَ عَلَيْهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى

ص: 288

إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ أَوْجَبَ وَضْعَ شئ عَلَيْهَا إذَا أَمْكَنَهُ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَفِيهِ بُعْدٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الرُّخَصِ وَلَيْسَ لِلْقِيَاسِ مَجَالٌ فِي الرخص ولو اتبع لكان أولي شئ وَأَقْرَبُهُ أَنْ يَمْسَحَ الْجُرْحَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَا يَجِبُ بِالِاتِّفَاقِ فَوَضْعُ الْعِصَابَةِ أَوْلَى بِأَنْ لَا يَجِبَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَأَرْهَقَهُ حَدَثٌ وَوَجَدَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِيه لِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ وَرَأْسِهِ دُونَ رِجْلَيْهِ وَلَوْ لَبِسَ الْخُفَّ أَمْكَنَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ لُبْسُ الْخُفِّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ قِيَاسُ مَا ذَكَرَهُ شَيْخِي إيجَابُ ذَلِكَ وَهُوَ بَعِيدٌ عِنْدِي وَلِشَيْخِي أَنْ يُفَرِّقَ بِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ مَحْضَةٌ فَلَا يَلِيقُ بِهَا إيجَابُهَا وَمَا نَحْنُ فِيهِ ضَرُورَةٌ فَيَجِبُ فِيهِ الْمُمْكِنُ

هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَحَكَى الْغَزَالِيُّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ تَرَدُّدًا وَمُرَادُهُ بِهِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الْعِصَابَةِ لِإِمْسَاكِ الدَّوَاءِ أَوْ لِخَوْفِ انْبِعَاثِ الدَّمِ عَصَبَهَا عَلَى طهر على موضع الجراحة ومالا يُمْكِنُ عَصْبُهَا إلَّا بِعُصْبَةٍ مِنْ الصَّحِيحِ فَإِنْ خاف من نزعها لم يجب نزعها بل يَجِبُ الْمَسْحُ عَلَيْهَا بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهَا مِنْ الصَّحِيحِ كَالْجَبِيرَةِ لَا عَنْ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ وَجَبَ إمْرَارُ التُّرَابِ عَلَى مَوْضِعِهَا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا خَوْفَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ غَسْلِهِ بِالْمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ حَتَّى لَوْ كَانَ لِلْجِرَاحَةِ أَفْوَاهٌ مُفَتَّحَةٌ وَأَمْكَنَ إمْرَارُ التُّرَابِ عَلَيْهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهَا صَارَتْ ظَاهِرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هُنَا أَنْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِيَكُونَ الْغَسْلُ بَعْدَهُ مُزِيلًا آثَارَ الْغُبَارِ عَنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ هَذَا حُكْمُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ أَمَّا الْمُحْدِثُ إذَا كَانَتْ جِرَاحَتُهُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهَا أَنَّهُ كَالْجُنُبِ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَ تَقْدِيمِ التَّيَمُّمِ عَلَى غَسْلِ الصَّحِيحِ وَتَأْخِيرِهِ وَتَوْسِيطِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَالْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ الْغَسْلِ وَالثَّانِي يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ جَمِيعِ الصَّحِيحِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ التَّرْتِيبُ فَلَا يَنْتَقِلُ مِنْ عُضْوٍ حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ

ص: 289

مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كِتَابَيْهِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وَجْهِهِ وَجَبَ تَكْمِيلُ طَهَارَةِ الْوَجْهِ أَوَّلًا فَإِنْ شَاءَ غَسَلَ صَحِيحَهُ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ وَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ التَّيَمُّمِ قَالَهُ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْغَسْلِ وَهُوَ الشَّاذُّ الذى حكيناه في الجنب وليس بشئ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُهُ فِيمَا بَعْدُ وَلَكِنْ لَا يُفَرَّعُ عَلَيْهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَهَارَةِ الْوَجْهِ عَلَى مَا ذَكَرنَا غَسَلَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ مَسَحَ الرأس ثم غسل الرجلين وإن كانت الجراحة فِي يَدَيْهِ أَوْ إحْدَاهُمَا غَسَلَ وَجْهَهُ ثُمَّ إنْ شَاءَ غَسَلَ صَحِيحَ يَدَيْهِ

ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا وَإِنْ شَاءَ تَيَمَّمَ ثُمَّ غَسَلَ ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي جَمِيعِ رَأْسِهِ غَسَلَ الْوَجْهَ وَالْيَدَيْنِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ الرَّأْسِ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ طَهَّرَ الْأَعْضَاءَ قَبْلَهُمَا ثُمَّ تَخَيَّرَ فِيهِمَا بَيْنَ تَقْدِيمِ الغسل والتيمم قال صاحب البيان وإذا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي يَدَيْهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَجْعَلَ كُلَّ يَدٍ كَعُضْوٍ مُسْتَقِلٍّ فَيَغْسِلَ وَجْهَهُ ثُمَّ صَحِيحَ الْيُمْنَى ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا أَوْ يُقَدِّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى غَسْلِ صَحِيحِهَا ثُمَّ يَغْسِلَ صحيح اليسرى ثم يتيمم عن جريحها أو بعكس قَالَ وَكَذَا الرِّجْلَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ سُنَّةٌ فَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى تَيَمُّمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ طَهَّرَهُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي عُضْوٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي عُضْوَيْنِ وَجَبَ تَيَمُّمَانِ وَإِنْ كَانَتْ فِي ثَلَاثَةٍ وَجَبَ ثَلَاثَةٌ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ غَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ أَوْ عَكَسَ ثُمَّ غَسَلَ صَحِيحَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ تَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِمَا أَوْ عَكَسَ ثُمَّ مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ غَسَلَ الْوَجْهَ ثُمَّ طَهَّرَ الْيَدَيْنِ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا ثُمَّ مَسَحَ الرَّأْسَ ثُمَّ طَهَّرَ الرِّجْلَيْنِ غَسْلًا وَتَيَمُّمًا (فَإِنْ قِيلَ) إذَا كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي وجهه ويده فينبغي أن يجزيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ فَيَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ وَجَرِيحِ الْيَدِ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَ اليد فانه يجوز ان يوالى بين تيمميهما فَيَغْسِلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ ثُمَّ يَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِ الْيَدِ ثُمَّ يَغْسِلَ صَحِيحَهُمَا وَإِذَا جَازَ تَيَمُّمَاهُمَا فِي وَقْتٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لَهُمَا كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِكُلِّ الْأَعْضَاءِ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّيَمُّمَ هُنَا وَقَعَ عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ

ص: 290

فِي طَهَارَةٍ وَجَبَ فِيهَا التَّرْتِيبُ فَلَوْ جَوَّزْنَا تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَحَصَلَ تَطْهِيرُ الْوَجْهِ وَالْيَدِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَهَذَا لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْأَعْضَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّهُ لَا تَرْتِيبَ هُنَاكَ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَالرِّجْلِ غَسَلَ صَحِيحَ الْوَجْهِ وَتَيَمَّمَ عَنْ جَرِيحِهِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ كَذَلِكَ ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ ثُمَّ غَسَلَ صحيح الرِّجْلَيْنِ وَتَيَمَّمَ لِجَرِيحِهِمَا أَمَّا إذَا عَمَّتْ الْجِرَاحَاتُ الْأَعْضَاءَ الْأَرْبَعَةَ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ سَقَطَ التَّرْتِيبُ لِكَوْنِهِ لا يجب غسل شئ مِنْ الْأَعْضَاءِ قَالُوا وَلَوْ عَمَّتْ الرَّأْسَ وَكَانَتْ فِي بَعْضٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ وَجَبَ غَسْلُ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ

وَأَرْبَعَةُ تَيَمُّمَاتٍ عَلَى مَا ذَكَرنَا مِنْ التَّرْتِيبِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الصُّورَتَيْنِ أَنَّ فِي الْأُولَى سَقَطَ حُكْمُ الْوُضُوءِ وَبَقِيَ الْحُكْمُ لِلتَّيَمُّمِ وَفِي الثَّانِيَةِ تَرْتِيبُ الْوُضُوءِ بَاقٍ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَإِذَا تَيَمَّمَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَرْبَعَةَ تَيَمُّمَاتٍ وَصَلَّى ثُمَّ حَضَرَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى أَعَادَ التَّيَمُّمَاتِ الْأَرْبَعَةَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَسْلُ صَحِيحِ الْوَجْهِ وَيُعِيدُ مَا بَعْدَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْوَجْهِ هُوَ اخْتِيَارُهُ وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ لِلْأَصْحَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

الْمُتَيَمِّمُ لِلْجِرَاحَةِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَكْثُرُ كَالْمَرَضِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا كَانَ فِي بَدَنِهِ حَبَّاتُ الْجُدَرِيِّ إنْ لَمْ يَلْحَقْهُ ضَرَرٌ مِنْ غَسْلِ مَا بَيْنَهَا وَجَبَ غَسْلُهُ وَإِنْ لَحِقَهُ ضَرَرٌ لَمْ يَجِبْ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ كَالْجَرِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

إذَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْعَلِيلِ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ أَوْ كَسْرٍ أَوْ نَحْوِهَا اسْتَبَاحَ بِتَيَمُّمِهِ فَرِيضَةً وَمَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ فَإِذَا أَرَادَ فَرِيضَةً أُخْرَى قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا أَعَادَ التَّيَمُّمَ دُونَ الْغُسْلِ بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي إعَادَةِ الْغُسْلِ خِلَافٌ كَمَا فِي الْمُحْدِثِ وَهَذَا ضَعِيفٌ مَتْرُوكٌ وَإِنْ كَانَ محدثا اعاد التيمم لا يَجِبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ غَسْلُ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا وَقَطَعَ بِهِ ابْنُ الْحَدَّادِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَجْمَعَ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إعَادَةُ غَسْلِ صَحِيحِ الْأَعْضَاءِ قَالَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ احْتِمَالٌ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَوْلُ ابْنِ

ص: 291

الْحَدَّادِ يَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فِي الرِّجْلَيْنِ أَجْزَأَهُ التَّيَمُّمُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ التَّيَمُّمَ وَغَسْلَ مَا بَعْدَ مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ لِيَحْصُلَ التَّرْتِيبُ قَالَ الشَّاشِيُّ قَوْلُ ابْنِ الْحَدَّادِ أَصَحُّ وَبَسَطَ الِاسْتِدْلَالَ لَهُ فِي الْمُعْتَمَدِ فَقَالَ لِأَنَّ مَا غَسَلَهُ مِنْ صَحِيحِ أَعْضَائِهِ ارْتَفَعَ حَدَثُهُ وَنَابَ التَّيَمُّمُ عَمَّا سِوَاهُ وَسَقَطَ فَرْضُهُ فَالْأَمْرُ بِإِعَادَةِ غَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ حَدَثٍ غَلَطٌ وَلَيْسَ الْأَمْرُ بِالتَّيَمُّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِبُطْلَانِ الْأَوَّلِ بَلْ لِأَنَّهُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَأُمِرَ بِهِ لِكُلِّ فَرْضٍ لا لتغيير صفة الطهارة ولهذا أمرنا المستحاضة بالطهارة

الكل فَرْضٍ وَإِنْ كَانَ حَالُهَا بَعْدَ الْفَرْضِ كَحَالِهَا قَبْلَهُ وَقَدْ حَصَلَ التَّرْتِيبُ فِي الْغَسْلِ وَسَقَطَ الْفَرْضُ فِي الْأَعْضَاءِ مُرَتَّبًا هَذَا كَلَامُ الشَّاشِيِّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ إذَا أَوْجَبْنَا التَّرْتِيبَ وَجَبَ إعَادَةُ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْعَلِيلِ وَفِي غَسْلِ صَحِيحِ الْعَلِيلِ وَمَا قَبْلَهُ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ قِيلَ بِنَاءً عَلَى تَفْرِيقِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ عَلَى مَاسِحِ الْخُفِّ إذَا خَلَعَهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُ إعَادَةِ غَسْلِ مَا بَعْدَ الْعَلِيلِ وَالصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إذَا كَانَ جُنُبًا وَالْجِرَاحَةُ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَغَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ لِلْجَرِيحِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةً لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ عَنْ غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهِ الْحَدَثُ وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً ثُمَّ أَحْدَثَ تَوَضَّأَ لِلنَّافِلَةِ وَلَا يَتَيَمَّمُ وَكَذَا حُكْمُ الْفَرَائِضِ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا انْدَمَلَتْ الْجِرَاحَةُ وَهُوَ عَلَى طَهَارَةٍ فَأَرَادَ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ غَسْلُ مَحَلِّ الْجِرَاحَةِ وَمَا بعده بلا خلاف وفى ما قَبْلَهُ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نَازِعِ الْخُفِّ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنْ كَانَ جُنُبًا لَزِمَهُ غَسْلُ مَحَلِّ الْجِرَاحَةِ وَفِي الْبَاقِي الطَّرِيقَانِ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا غَسَلَ الصَّحِيحَ وَتَيَمَّمَ عَنْ الْجَرِيحِ ثُمَّ تَوَهَّمَ انْدِمَالَ الْجِرَاحَةِ فرآها لم تندمل فوجهان احدهما تبطل تَيَمُّمُهُ كَتَوَهُّمِ وُجُودِ الْمَاءِ بَعْد التَّيَمُّمِ وَأَصَحُّهُمَا باتفاقهم لا تبطل لِأَنَّ طَلَبَ الِانْدِمَالِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالتَّوَهُّمِ بِخِلَافِ الْمَاءِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُهُمْ لَا يَجِبُ الْبَحْثُ عَنْ الِانْدِمَالِ عِنْدَ إمْكَانِهِ وَتَعَلُّقِ الظَّنِّ بِهِ لَيْسَ نَفْيًا عَنْ الِاحْتِمَالِ.

أَمَّا إذَا

ص: 292

انْدَمَلَ الْجُرْحُ فَصَلَّى بَعْدَ انْدِمَالِهِ صَلَوَاتٍ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ انْدِمَالَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِ كَذَا صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ الْجَرِيحَ يَلْزَمُهُ غَسْلُ الصَّحِيحِ وَالتَّيَمُّمُ عَنْ الْجَرِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ صَحِيحًا اقْتَصَرَ

عَلَى غسله ولا يلزمه تيمم وان كان أكثر جريحا كفاه التيمم ولم يلزمه غسل شئ

* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز أن يصلى بتيمم واحد أكثر من فريضة وقال المزني يجوز وهذا خطأ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أنه قال من السنة ألا يصلى بالتيمم الاصلاة واحدة ثم يتيمم للصلات الاخرى وهذا يقتضى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولانها طهارة ضرورة فلا يصلى بها فريضتين من فرائض الاعيان كطهارة المستحاضة]

* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ سَوَاءٌ كَانَتَا فِي وَقْتٍ أَوْ وَقْتَيْنِ قَضَاءً أَوْ أَدَاءً وَلَا بَيْنَ طَوَافَيْنِ مَفْرُوضَيْنِ وَلَا طَوَافٍ وَصَلَاةٍ مَفْرُوضَيْنِ وَيُتَصَوَّرُ هَذَا فِي الْجَرِيحِ وَالْمَرِيضِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ وَالصَّبِيُّ وَالْبَالِغُ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ فَوَائِتَ بِتَيَمُّمٍ وَبَيْنَ فَائِتَةٍ وَمُؤَدَّاةٍ وَإِلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ أَنَّ للمريض جمع فريضتين بتيمم والاوجها حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ جَمْعُ الصَّبِيِّ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ وَلَوْ جَمَعَ مَنْذُورَتَيْنِ أَوْ مَنْذُورَاتٍ بِتَيَمُّمٍ أَوْ مَنْذُورَةً وَمَكْتُوبَةً أَوْ مَنْذُورَاتٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يَجُوزُ قَطْعًا لِأَنَّ الْمَنْذُورَةَ وَاجِبَةٌ مُتَعَيَّنَةٌ فَأَشْبَهَتْ الْمَكْتُوبَةَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْجَمِيعِ لَا يَجُوزُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ قَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكُ أَقَلِّ وَاجِبِ الشَّرْعِ أَمْ أَقَلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ كَالنَّافِلَةِ وَإِلَّا فَلَا كَالْمَكْتُوبَةِ وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُمَا سُنَّةٌ فَلَهُمَا حُكْمُ النَّوَافِلِ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَكْتُوبَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُمَا واجبتان

ص: 293

لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ فَرِيضَةٍ أُخْرَى وَهَلْ يَجُوزُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا: لِأَنَّهُمَا فَرْضَانِ يَفْتَقِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى نِيَّةٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَبِهِ قَطَعَ امام الحرمين والبغوى وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ

وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالْجُزْءِ لَمْ يَجُزْ الْفَصْلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الطَّوَافِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ سِنِينَ ثُمَّ صَلَّاهُمَا جَازَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَلَوْ صَلَّى فَرِيضَةً بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ طَافَ بِهِ تَطَوُّعًا جَازَ فَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ رَكْعَتَيْ هَذَا الطَّوَافِ فَهُوَ عَلَى الطَّرِيقَتَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّ رَكْعَتَيْ طَوَافِ التَّطَوُّعِ وَاجِبَةٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قُلْنَا بالمذهب انهما سُنَّةٌ جَازَ قَطْعًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَصَلَاتِهَا وَجْهَانِ كَالطَّوَافِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلصَّلَاةِ هَذَا إذَا شَرَطْنَا الطَّهَارَةَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا فَرِيضَةٌ وَاحِدَةٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الْعَبَّاسِ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ والنخعي وقتادة وربيعة ويحي الانصاري ومالك والليث واحمد واسحق وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي حنيفة ويزيد بن هرون أَنَّهُ يُصَلِّي بِهِ فَرَائِضَ مَا لَمْ يُحْدِثْ قَالَ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فَوَائِتَ بِتَيَمُّمٍ وَلَا يُصَلِّي بِهِ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ فَرِيضَةً أُخْرَى هَذَا مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَدَاوُد يَجُوزُ فَرَائِضُ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُوَافِقُوهُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الِاخْتِيَارُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ خِلَافَ مَا نَقَلَهُ عنه ابن المنذر واحتج لمن حوز فَرَائِضَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْوُضُوءِ وَعَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ نَوَافِلَ بِتَيَمُّمٍ وَعَلَى مَسْحِ الْخُفِّ وَلِأَنَّ الْحَدَثَ الْوَاحِدَ لَا يَجِبُ لَهُ طُهْرَانِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَاقْتَضَى وُجُوبَ الطَّهَارَةِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ فَدَلَّتْ السُّنَّةُ عَلَى جَوَازِ صَلَوَاتٍ بِوُضُوءٍ فَبَقِيَ التَّيَمُّمُ علي

ص: 294

مُقْتَضَاهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ

اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ (يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَلِأَنَّهُمَا مَكْتُوبَتَانِ فَلَا تُبَاحَانِ بِطَهَارَةِ ضَرُورَةٍ كَصَلَاتَيْ وَقْتَيْنِ فِي حَقِّ الْمُسْتَحَاضَةِ ولانها طهارة ضرورة فلا يباح بها الاقدر الضَّرُورَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْحَدِيثِ أَنَّ مَعْنَاهُ يَسْتَبِيحُ بِالتَّيَمُّمِ صَلَاةً بَعْدَ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمَاتٍ وَإِنْ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ هَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ جَمِيعِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْوُضُوءِ أَنَّهُ طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَالتَّيَمُّمُ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَقُصِرَتْ عَلَى الضَّرُورَةِ وَعَنْ النَّوَافِلِ أَنَّهَا تَكْثُرُ وَيَلْحَقُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ فِي إعَادَةِ التَّيَمُّمِ لَهَا فَخُفِّفَ أَمْرُهَا لِذَلِكَ كَمَا خُفِّفَ بِتَرْكِ الْقِيَامِ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَبِتَرْكِ الْقِبْلَةِ فِي السَّفَرِ وَلَا مَشَقَّةَ فِي الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا الْمَعْنَى فَرَّقَ الشَّرْعُ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فِي الْحَائِضِ وَعَنْ مَسْحِ الْخُفِّ بِأَنَّهُ طَهَارَةٌ قَوِيَّةٌ يَرْفَعُ الْحَدَثَ عَنْ مُعْظَمِ الْأَعْضَاءِ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا عَنْ الرِّجْلِ عَلَى الْأَصَحِّ وَالتَّيَمُّمُ بِخِلَافِهِ وَلِأَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ تَخْفِيفٌ وَلِهَذَا يَجُوزُ مَعَ إمْكَانِ غَسْلِ الرِّجْلِ وَالتَّيَمُّمُ ضَرُورَةٌ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ فَقُصِرَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ الْحَدَثُ الْوَاحِدُ لَا يُوجِبُ طَهَارَتَيْنِ أَنَّ الطَّهَارَةَ هُنَا لَيْسَتْ لِلْحَدَثِ بَلْ لِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ فَالتَّيَمُّمُ الْأَوَّلُ أَبَاحَ الصَّلَاةَ الْأُولَى وَالثَّانِي الثانية والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ان نسي صلاة من صلوات اليوم والليلة ولا يعرف عينها قضى خمس صلوات وفى التيمم وجهان أحدهما يكفيه تيمم واحد لان المنسية واحدة وما سواها ليس بفرض والثاني يجب لكل واحدة تيمم لانه صار كل واحدة منها فرضا وان نسي صلاتين من صلوات اليوم والليلة لزمه خمس صلوات قال ابن القاص يجب أن يتيمم لكل واحدة منها لانه أي صلاة بدأ بها يجوز أن تكون هي المنسية فزال بفعلها حكم التيمم ويجوز أن تكون الفائتة هي التي تليها فلا يجوز اداؤها بتيمم مشكوك فيه ومن أصحابنا من قال يجوز أن يصلى ثماني صلوات بتيممين فيزيد ثلاث صلوات وينقص ثلاث تيممات فيتيمم ويصلي الصبح والظهر والعصر والمغرب ثم يتيمم ويصلى الظهر

ص: 295

والعصر والمغرب والعشاء فيكون قد صلي احداهما بالتيمم الاول والثانية بالثاني وان نسي

صلاتين من يومين فان كانتا مختلفتين فهما بمنزلة الصلاتين من يوم وليلة وان كانتا متفقتين لزمه أن يصلي عشر صلوات فيصلى خمس صلوات بتيمم ثم يتيمم ويصلي خمس صلوات وان شك هل هما متفقتان أو مختلفتان لزمه أن يأخذ بالاشد وهو انهما متفقتان]

* [الشَّرْحُ] إذَا نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَا يَعْرِفُ عَيْنَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالتَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَحَدُهُمَا يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ تَيَمُّمٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ فَعَلَى هَذَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ طَلَبُ الْمَاءِ ثُمَّ التَّيَمُّمُ وَالثَّانِي يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِكُلِّهِنَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ وَابْنُ الْحَدَّادِ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُونَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا الْخِلَافُ مُفَرَّعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْفَرِيضَةِ فِي نِيَّةِ التَّيَمُّمِ فَإِنَّ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّهُ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْفَرِيضَةِ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ أَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ هُنَا سَوَاءٌ شَرَطْنَا التَّعْيِينَ أَمْ لَا وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا وَهُوَ الْأَصَحُّ أَمَّا إذَا نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْوَاحِدَةِ يَلْزَمُهُ خَمْسُ تَيَمُّمَاتٍ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَكْفِيهِ تَيَمُّمٌ فَهُوَ هُنَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ عَمِلَ بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَهِيَ أَنْ يَتَيَمَّمَ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْخَمْسِ وَإِنْ شَاءَ عَمِلَ بِطَرِيقَةِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهِيَ أَنْ يُصَلِّيَ ثَمَانِيَ صَلَوَاتٍ بِتَيَمُّمَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ فَيَخْرُجَ عَمَّا عَلَيْهِ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ الْفَائِتَتَانِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثِ فَقَدْ تَأَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِتَيَمُّمٍ وَإِنْ كَانَتَا الصُّبْحَ وَالْعِشَاءَ حَصَلَتْ الصُّبْحُ بِالْأَوَّلِ وَالْعِشَاءُ بِالثَّانِي وَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا فِي الثَّلَاثِ وَالْأُخْرَى صُبْحًا أَوْ عِشَاءً فَكَذَلِكَ: هَكَذَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ طَرِيقَتَيْ ابْنِ الْقَاصِّ وَابْنِ الْحَدَّادِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ مَرَّتَيْنِ يُصَلِّي بكل تيمم الخمس وهذا ليس بشئ ثُمَّ الْمَشْهُورُ وَالْمُسْتَحْسَنُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ طَرِيقَةُ ابْنِ الْحَدَّادِ وَعَلَيْهَا يُفَرِّعُونَ وَلَهَا ضَابِطَانِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنْ يَضْرِبَ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ فِي عَدَدِ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ ثُمَّ يَزِيدَ الْمَنْسِىَّ عَلَى مَا حَصَلَ مِنْ

الضَّرْبِ وَيَحْفَظَ مَبْلَغَ الْمُجْتَمَعِ ثُمَّ يَضْرِبَ الْمَنْسِىَّ فِي نَفْسِهِ فما بلغ نزعته مِنْ الْجُمْلَةِ الْمَحْفُوظَةِ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ

ص: 296

عَدَدُ مَا يُصَلِّي وَأَمَّا عَدَدُ التَّيَمُّمِ فَيُقَدَّرُ الْمَنْسِىُّ مِثَالَهُ فِي مَسْأَلَتِنَا تَضْرِبُ اثْنَتَيْنِ فِي خمسة ثم تزيد عدد المنسية فيجتمع اثناء عَشْرَ ثُمَّ تَضْرِبُ اثْنَتَيْنِ فِي اثْنَتَيْنِ فَذَلِكَ أَرْبَعَةٌ فَتَنْزِعُهَا مِنْ الِاثْنَيْ عَشْرَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي وَيَكُون بِتَيَمُّمَيْنِ عَلَى عَدَدِ الْمَنْسِيَّتَيْنِ (الضَّابِطُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ تَزِيدُ عَدَدَ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ عَدَدًا لَا يَنْقُصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ بَعْدَ إسْقَاطِ الْمَنْسِيِّ وَتَقْسِمُ الْمَجْمُوعَ صَحِيحًا عَلَى الْمَنْسِيِّ مِثَالُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا الْمَنْسِىُّ صَلَاتَانِ وَالْمَنْسِيُّ مِنْهُ خَمْسٌ تَزِيدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الِاثْنَيْنِ وَالْمَجْمُوعُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ تَنْقَسِمُ عَلَى الِاثْنَيْنِ صَحِيحًا وأما كيفية أداء الصلوات فيبتدئ مِنْ الْمَنْسِيِّ مِنْهُ بِأَيِّ صَلَاةٍ شَاءَ وَيُصَلِّي بكل تيمم ما تَقْتَضِيه الْقِسْمَةُ لَكِنَّ شَرْطَ بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ بِالْعَدَدِ المذكور أن يترك في المرة الثانية مَا بَدَأَ بِهِ فِي الْمَرَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَيَأْتِيَ بِالْعَدَدِ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقِسْمَةُ مِثَالُهُ مَا سَبَقَ فَإِنَّهُ تَرَكَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ الصُّبْحَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا فِي الْأُولَى وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَبِالثَّانِي الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ لَمْ يُجْزِهِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَنْسِيَّتَيْنِ الْعِشَاءُ مَعَ الظُّهْرِ أَوْ مَعَ الْعَصْرِ أَوْ مَعَ الْمَغْرِبِ فَبِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ تِلْكَ وَلَمْ تَحْصُلْ الْعِشَاءُ وَبِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي لَمْ يُصَلِّ الْعِشَاءَ فَإِنْ صَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَ هَذَا بِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي أَوْ غَيْرِهِ أَجْزَأَهُ وَلَوْ بَدَأَ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَالصُّبْحَ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ وَفَّى بِالشَّرْطِ وَلَوْ صَلَّى بِالْأَوَّلِ الْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ وَالصُّبْحَ وَبِالثَّانِي الْعِشَاءَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعَصْرَ وَالظُّهْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَيْضًا بِالتَّيَمُّمِ الثَّانِي أَوْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ خَالَفَ التَّرْتِيبَ وَوَفَّى بِالشَّرْطِ فَصَلَّى بِالْأَوَّلِ الصُّبْحَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الْعِشَاءَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْمَنْسِىُّ صَلَاتَيْنِ أَمَّا إذَا نَسِيَ ثَلَاثَ صَلَوَاتٍ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَعْرِفُ عَيْنَهُنَّ فَعَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ القص يُصَلِّي خَمْسَ صَلَوَاتٍ كُلَّ صَلَاةٍ بِتَيَمُّمٍ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ الَّذِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ يَتَيَمَّمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ الْخَمْسَ وَعَلَى طَرِيقَةِ ابن الحداد يقتصر على ثلاثة تَيَمُّمَاتٍ وَيُصَلِّي تِسْعَ صَلَوَاتٍ

فَعَلَى عِبَارَةِ الْبَيَانِ يَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي خَمْسَةٍ فَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشْرَ ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةً تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ ثُمَّ تَضْرِبُ ثَلَاثَةً فِي ثَلَاثَةٍ تَكُونُ تِسْعَةً فَتَنْزِعُهَا مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ تَبْقَيْ تِسْعَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي بِثَلَاثَةِ تَيَمُّمَاتٍ فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالثَّالِثِ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَعَلَى عِبَارَةِ الرَّافِعِيِّ يَضُمُّ إلَى الْخَمْسِ أَرْبَعًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ لا تنقص

ص: 297

عَمَّا بَقِيَ مِنْ الْخَمْسَةِ بَعْدَ إسْقَاطِ الثَّلَاثَةِ بل تزيد عَلَيْهِ وَيَنْقَسِمُ الْمَجْمُوعُ وَهُوَ تِسْعَةٌ صَحِيحًا عَلَى الثَّلَاثَةِ وَلَوْ ضَمَمْنَا إلَى الْخَمْسَةِ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً لَمْ يَنْقَسِمْ فَيُصَلِّي بِكُلِّ تَيَمُّمٍ ثَلَاثًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَهَا عَلَى غَيْرِ التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ إذَا وَفَّى بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَإِنْ أَخَلَّ بِهِ بِأَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الْعَصْرَ ثُمَّ الظُّهْرَ ثُمَّ الصُّبْحَ وَبِالثَّانِي الْمَغْرِبَ ثم العصر ثم الظهر وَبِالثَّالِثِ الْعِشَاءَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ ثُمَّ الْعَصْرَ لَمْ يُجْزِئْهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّتِي عَلَيْهِ الصُّبْحُ وَالْعِشَاءُ وَثَالِثَتُهُمَا الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ فَيَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الظُّهْرُ أَوْ الْعَصْرُ وَبِالثَّالِثِ الْعِشَاءُ وَيَبْقَى الصُّبْحُ عَلَيْهِ فَيَحْتَاجُ إلَى تَيَمُّمٍ رَابِعٍ يُصَلِّيهَا بِهِ وَأَمَّا إذَا نَسِيَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ فَيَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي خَمْسَةٍ ثُمَّ يَزِيدُ عَلَيْهِ أَرْبَعَةً تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ يَضْرِبُ أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ تَبْلُغُ سِتَّةَ عَشْرَ يَنْزِعُهَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ عَدَدُ مَا يُصَلِّي بِأَرْبَعَةِ تَيَمُّمَاتٍ فَيُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ الْأَوَّلِ الصُّبْحَ وَالظُّهْرَ وَبِالثَّانِي الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبِالثَّالِثِ الْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَبِالرَّابِعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَلَا يَخْفَى بَعْدَ مَا سَبَقَ حُكْمُ تَقْدِيمِ بَعْضِ الصَّلَوَاتِ عَلَى بَعْضٍ وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذِهِ التَّنْزِيلَاتِ يُنَزَّلُ مَا زَادَ مِنْ عَدَدِ الْمَنْسِيِّ وَالْمَنْسِىِّ مِنْهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الصَّلَاتَانِ أَوْ الصَّلَوَاتُ مُخْتَلِفَاتٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ بِأَنْ قَالَ نَسِيتُ صَلَاتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ لَا أَدْرَى صُبْحٌ وَظُهْرٌ أَمْ ظُهْرٌ وَعَصْرٌ أَمْ عَصْرٌ وَعِشَاءٌ وَشِبْهُ ذَلِكَ أَمَّا إذا نسى مُتَّفِقَتَيْنِ بِأَنْ قَالَ هُمَا صُبْحَانِ أَوْ ظُهْرَانِ أو عصران أو مغربان أو عشاآن فيلزمه عشر صلوات وهن صَلَوَاتُ يَوْمَيْنِ وَفِي التَّيَمُّمِ الْوَجْهَانِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ يَلْزَمُهُ لِكُلِّ صَلَاةٍ تَيَمُّمٌ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ يَكْفِيهِ تَيَمُّمَانِ يُصَلِّي بِكُلِّ وَاحِدٍ الْخَمْسَ وَلَا يَكْفِيه ثَمَانِ صَلَوَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ صُبْحَانِ أَوْ عشاآن وما أتي بهما الامرة أَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ فَائِتَتَاهُ مُتَّفِقَتَانِ أَمْ مُخْتَلِفَتَانِ فَعَلَيْهِ الْأَغْلَظُ

الْأَحْوَطُ وَهُوَ أَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ (فَرْعٌ)

لَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ أَحَدَ أَمْرَيْنِ إمَّا طَوَافَ فَرْضٍ وَإِمَّا صَلَاةَ فَرْضٍ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالطَّوَافِ وَبِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ يَكْفِيه تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ لِلْجَمِيعِ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالْخُضَرِيِّ يَجِبُ سِتَّةُ تَيَمُّمَاتٍ (فَرْعٌ)

إذَا صَلَّى فَرِيضَةً مُنْفَرِدًا بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا فَأَرَادَ إعَادَتَهَا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ مِنْهُمَا مَاذَا وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الْأَصَحُّ الْفَرْضُ الْأُولَى وَالثَّانِي الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثُ كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَالرَّابِعُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِينَ جَازَ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ لَمْ يَجُزْ قَالَهُ الْقَاضِي

ص: 298

حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالرَّابِعِ فَهُوَ عَلَى الوجهين في المنسية هكذا قاله الْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالِاكْتِفَاءُ هُنَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَوْلَى فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الشُّرُوعُ فِي الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمَنْسِيَّةِ (فَرْعٌ)

إذَا صَلَّى الْفَرْضَ بِالتَّيَمُّمِ عَلَى وَجْهٍ يَجِبُ قَضَاؤُهُ كَالْمَرْبُوطِ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْمَحْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَنَحْوِهِ فَأَرَادَ الْقَضَاءَ عَلَى وَجْهٍ كَامِلٍ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَيَبْنِي عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ مَاذَا وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ تَقَدَّمَتْ قَرِيبًا أَصَحُّهَا الْفَرْضُ الثَّانِيَةُ وَالثَّانِي الْأُولَى وَالثَّالِثُ كِلَاهُمَا وَالرَّابِعُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَإِنْ قُلْنَا الْفَرْضُ الْأُولَى جَازَ وَإِنْ قُلْنَا كِلَاهُمَا فَرْضٌ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ قُلْنَا إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَنْسِيَّةِ وَإِنْ قُلْنَا الثَّانِيَةُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يَجُوزُ كَمَا سَبَقَ فِي مِثْلِهِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ تقدم نقل على فرض وعكسه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ويجوز أن يصلي بتيمم واحد ما شاء من النوافل لانها غير محصورة فخف أمرها ولهذا أجيز ترك القيام فيها فان نوى بالتيمم الفريضة والنافلة جاز أن يصلي النافلة قبل الفريضة وبعدها لانه نواهما بالتيمم وان نوى بالتيمم الفريضة ولم ينو النافلة جاز أن يصلى النافلة بعدها وهل يجوز أن يصليها قبلها فيه قولان قال في الام له ذلك لان كل طهارة جاز أن يتنفل بها بعد الفريضة جاز قبلها كالوضوء وقال في البويطى ليس له ذلك لانه يصليها على وجه التبع للفريضة فلا يجوز

أن يتقدم على متبوعها ويجوز أن يصلى على جنائز بتيمم إذا لم يتعين لانه يجوز تركها فهي كالنوافل وان تعينت عليه ففيه وجهان احدهما لا يجوز أن يصلى بتيمم أكثر من صلاة لانها فريضة تعينت عليه فهي كالمكتوبة والثاني يجوز وهو ظاهر المذهب لانها ليست من جنس فرائض الاعيان] [الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ تَيَمَّمَ لِلنَّفْلِ فَقَطْ أَمْ لَهُ وَلِلْفَرْضِ أَمْ لِلْفَرْضِ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ تَبَعًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ إلَّا إذَا قُلْنَا بِوَجْهٍ شَاذٍّ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ أَنَّ النَّفَلَ لَا يُبَاحُ بِالتَّيَمُّمِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَيَمَّمَ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ أَوْ لِلْفَرْضِ وَحْدَهُ اسْتَبَاحَ الْفَرْضَ وَاسْتَبَاحَ النَّفَلَ أَيْضًا قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَفِي قَوْلٍ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ إذَا اقْتَصَرَ عَلَى نِيَّةِ الْفَرْضِ وَفِي وَجْهٍ لَا يَسْتَبِيحُ النَّفَلَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ مَشْرُوحًا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي فَصْلِ نِيَّةِ التَّيَمُّمِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ إذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَلَهَا فِي التَّيَمُّمِ حُكْمُ النَّوَافِلِ

ص: 299

فَيَجْمَعُ بِالتَّيَمُّمِ الْوَاحِدِ بَيْنَ صَلَوَاتِ جَنَائِزَ كَثِيرَةٍ صَلَاةً بَعْدَ صَلَاةٍ وَإِنْ شَاءَ صَلَّى عَلَيْهِنَّ دَفْعَةً وَلَهُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَجَنَائِزَ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهَا كَالنَّوَافِلِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ وَالثَّانِي كَالْفَرِيضَةِ فَلَا تجمع بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكْتُوبَةٍ وَلَا بَيْنَ صَلَاتَيْ جِنَازَةٍ وهو قول أبي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ أن الكرانيسى نَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَيَكُونُ قَوْلًا قَدِيمًا وَيَصِيرُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ سَوَاءٌ تَعَيَّنَتْ أَمْ لَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَةٍ وَجَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَنَصَّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا قَاعِدًا وَاخْتَلَفُوا عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ أَحَدُهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يُلْحَقُ بِالْفَرَائِضِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْقِيَامِ وَالثَّانِي يُلْحَقُ بِالنَّوَافِلِ فِيهِمَا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي إنْ تَعَيَّنَتْ فَكَالْفَرَائِضِ فِي التَّيَمُّمِ وَالْقِيَامِ وَإِلَّا فَكَالنَّوَافِلِ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَلَهَا حُكْمُ النَّفْلِ فِي التَّيَمُّمِ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ وَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ لِأَنَّهُ مُعْظَمُ أَرْكَانِهَا وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ نَحْوُ طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ

وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ هَذَا بِعِبَارَةٍ مُخْتَصَرَةٍ فَقَالُوا فِيهَا أَوْجُهٌ أَحَدُهَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ وَالْقُعُودُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ وَإِنْ تَعَيَّنَتْ فَلَا وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِتَيَمُّمٍ مُطْلَقًا وَلَا يَجُوزُ الْقُعُودُ مُطْلَقًا

* وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَتَيْنِ أَوْ جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً بِتَيَمُّمٍ وَقُلْنَا لَا يَجُوزُ صَلَاتَانِ فَوَجْهَانِ أَشْهَرُهُمَا لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَالثَّانِي يَجُوزُ وَاخْتَارَهُ الشَّاشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ تَيَمَّمَ بِتَيَمُّمَيْنِ وَصَلَّى عَلَى الْجَنَائِزِ صَلَاتَيْنِ أَوْ صَلَاةً وَاحِدَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ عَلَى التَّيَمُّمِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ تيمم واحد والله اعلم * قال المصنف رحمه الله

* [إذا تيمم عن الحدث استباح ما يستباح بالوضوء فان احدث بطل تيممه كما يبطل وضوءه ويمنع مما كان يمنع منه قبل التيمم وان تيمم عن الجنابة استباح ما يستباح بالغسل من الصلاة وقراءة القرآن فان احدث منع من الصلاة ولم يمنع من قراءة القرآن لان تيممه قام مقام الغسل ولو اغتسل ثم احدث لم يمنع من القراءة فكذا إذا تيمم ثم احدث وان تيمم ثم ارتد بطل تيممه لان التيمم لا يرفع الحدث وانما تستباح به الصلاة والمرتد ليس من اهل الاستباحة]

* [الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا تَيَمَّمَ أَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فهل

ص: 300

يَبْطُلَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصَحُّهَا يَبْطُلُ التَّيَمُّمُ دُونَ الْوُضُوءِ الثَّانِي يَبْطُلَانِ وَالثَّالِثُ لَا يَبْطُلَانِ (الثَّانِيَةُ) إذَا تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ اسْتَبَاحَ مَا يَسْتَبِيحُ بِالْوُضُوءِ مِنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا إلَّا الْجَمْعَ بَيْنَ فَرْضَيْنِ وَنَحْوِهِ مِمَّا سَبَقَ فَإِذَا أَحْدَثَ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَمُنِعَ مَا كَانَ يُمْنَعُهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ (الثَّالِثَةُ) إذَا تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ كَجَنَابَةٍ وَحَيْضٍ اسْتَبَاحَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرَهَا مِمَّا يُبَاحُ بِالْغُسْلِ فَإِذَا أَحْدَثَ مُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلِهِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَيَسْتَمِرُّ جَوَازُ الْقِرَاءَةِ وَالْمُكْثُ وَإِنْ أَرَادَ تَيَمُّمًا جَدِيدًا وَهَذَا كُلُّهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كل الطرق إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فَقَالَ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ فَصَلَّى ثُمَّ أَرَادَ التَّيَمُّمَ لِحَدَثٍ أَوْ غَيْرِهِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ قَبْلَ تَيَمُّمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ

قَالَ أَبُو حَامِدٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يَجُوزُ وَهَذَا النَّقْلُ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْجَزْمَ بِاسْتِبَاحَتِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا تَيَمَّمَ الْجُنُبُ فِي الْحَضَرِ وَصَلَّى هَلْ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَهَلْ لَهُ مَسُّ الْمُصْحَفِ جُنُبًا كَانَ أَوْ مُحْدِثًا فِيهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الْجَوَازُ وَالْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ الْحَاضِرَ كَالْمُسَافِرِ فَيُبَاحُ لَهُ كُلُّ ذَلِكَ أَمَّا إذَا تَيَمَّمَ جُنُبٌ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ حَتَّى يَغْتَسِلَ وَلَوْ تَيَمَّمَ جُنُبٌ ثُمَّ أَحْدَثَ ثُمَّ وجد ماء لا يكفيه ويكفيه لِلْوُضُوءِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنْ قُلْنَا يَجِبُ استعمال الناقص بطل تيممه في كل شئ فَيَسْتَعْمِلُهُ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُ النَّاقِصِ فَتَيَمُّمُهُ بَاقٍ عَلَى الصِّحَّةِ فِي جَوَازِ الْقِرَاءَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَبَطَلَ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَيَمَّمَ اسْتَبَاحَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

لَا يُعْرَفُ جُنُبٌ يُبَاحُ لَهُ الْقِرَاءَةُ وَالْمُكْثُ فِي المسجد دون الصلاة ومس الْمُصْحَفِ إلَّا مَنْ تَيَمَّمَ عَنْ الْجَنَابَةِ ثُمَّ أحدث والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ااتيمم لعدم الماء ثم رأى الماء فان كان قبل الدخول في الصلاة بطل تيممه لانه لم يحصل في المقصود فصار كما لو رأى الماء في أثناء التيمم [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِحَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ثُمَّ رَأَى مَاءً يَلْزَمُهُ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا سَوَاءٌ رَآهُ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ أَوْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ وَقَوْلُنَا تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ تَيَمَّمَ لِمَرَضٍ أَوْ جِرَاحَةٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَإِنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ وُجُودُ الماء وقولنا ماء يلزمه استعماله احترازا مِمَّا إذَا رَآهُ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ بِأَنْ كَانَ دُونَهُ حَائِلٌ أَوْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ

ص: 301

فَإِنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ لِأَنَّ وُجُودَ هَذَا الْمَاءِ كَالْعَدَمِ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَجِدَ الْمَاءَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ أَدْرَكَ وَبَيْنَ أَلَّا يَضِيقَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ والاشراف إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سلمة ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا إنْ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ التَّيَمُّمِ لَا يَبْطُلُ وَإِنْ رَآهُ فِي أَثْنَائِهِ بَطَلَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ رُؤْيَتَهُ فِي الثَّانِيَةِ يُبْطِلُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي

سَلَمَةَ بأن وجود المبدل بعد الفراغ مِنْ الْبَدَلِ لَا يُبْطِلُ الْبَدَل كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمُكَفِّرُ الرَّقَبَةَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّوْمِ وَكَمَا لَوْ فَرَغَتْ مِنْ الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ ثُمَّ حاضت واحتج أحصابنا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ وَضُوءُ الْمُسْلِمِ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى رُؤْيَتِهِ في أثناء التيمم وبأن التيمم لايراد لِنَفْسِهِ بَلْ لِلصَّلَاةِ فَإِذَا وُجِدَ الْأَصْلُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَقْصُودِ لَزِمَ الْأَخْذُ بِالْأَصْلِ كَالْحَاكِمِ إذَا سَمِعَ شُهُودَ الْفَرْعِ ثُمَّ حَضَرَ شُهُودُ الْأَصْلِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَالْجَوَابُ عَنْ الصَّوْمِ وَالْأَشْهَرِ أَنَّهُمَا مَقْصُودَانِ وَذَكَرَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ أَنَّهُ يَتَوَضَّأُ إلَّا أَنْ يَخْشَى فَوْتَ الْوَقْتِ وَمَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ تَوَهَّمَ الْقُدْرَةَ عَلَى مَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ يَرَى سَرَابًا وَنَحْوَهُ أَوْ جَمَاعَةً يَجُوزُ أَنَّ مَعَهُمْ مَاءً وَإِنَّمَا يَبْطُلُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا لَمْ يُقَارِنْ ذَلِكَ مَا يَمْنَعُ وُجُوبَ اسْتِعْمَالِهِ بِأَنْ يَحُولَ دُونَهُ سَبُعٌ وَنَحْوُهُ أَوْ يَحْتَاجَ إلَيْهِ لِلْعَطَشِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِنَظَائِرِهَا

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا ظَنَّ الْمُتَيَمِّمُ الْعَارِي الْقُدْرَةَ عَلَى الثَّوْبِ فَلَمْ يَكُنْ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ بِلَا خِلَافٍ وَعَلَّلَهُ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ طَلَبَهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّيَمُّمِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان رأى الماء بعد الفراغ من الصلاة نظر فان كان في الحضر أعاد الصلاة لان عدم الماء في الحضر عذر نَادِرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كما لو صلي بنجاسة نسيها وان كان في سفر طويل لم يلزمه الاعادة لان عَدَمَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ عُذْرٌ عَامٌّ فَسَقَطَ معه فرض الاعادة كالصلاة مع سلس البول وان كان في سفر قصير ففيه قولان أشهرهما انه لا يلزمه الاعاده لانه موضع يعدم فيه الماء غالبا فأشبه السفر

ص: 302

الطويل وقال في البويطي لا يسقط الفرض لانه لا يجوز له القصر فلا يسقط الفرض عنه بالتيمم كما لو كان في الحضر وان كان في سفر معصية ففيه وجهان أحدهما تجب الاعادة لان سقوط الفرض بالتيمم رخصة تتعلق بالسفر والسفر معصية فلم تتعلق به رخصة والثاني لا تجب لانا لما أوجبنا عليه ذلك صار عزيمة فلم يلزمه الاعاده]

[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا إذَا عَدِمَ الْحَاضِرُ الْمَاءَ فِي الْحَضَرِ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي الْفَرِيضَةَ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا إذَا وَجَدَ الْمَاءَ أَمَّا وُجُوبُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ فَقِيَاسًا عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْعَجْزِ وَأَمَّا الْإِعَادَةُ فلأنه عذر نادر غير متصل احترزنا بِالنَّادِرِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَبِغَيْرِ الْمُتَّصِلِ عَنْ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَجِبُ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَلَا إعَادَةَ كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ مَشْهُورٌ عندهم الثالث لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يَصْبِرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وجماعة من الخراسانيين وليس بشئ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي سَفَرٍ طَوِيلٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ عُذْرٌ عَامٌّ فَسَقَطَ الْفَرْضُ بِالتَّيَمُّمِ بِسَبَبِهِ كَالصَّلَاةِ قَاعِدًا لِعُذْرِ الْمَرَضِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ وُجُودِ الْمَاءِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ السَّفَرُ مَسَافَةَ الْقَصْرِ أَوْ دُونَهَا وَإِنْ قَلَّ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَدْ قِيلَ لَا يَتَيَمَّمُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ هَذَا قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ فِي قَصِيرِ السَّفَرِ قَوْلَانِ وَمِمَّنْ سَلَكَ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ الْأَكْثَرُ الْقَصِيرُ كَالطَّوِيلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ غَيْرِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ السَّفَرِ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَلَمْ تُحِدَّهُ الصَّحَابَةُ رضى الله عنهم بشئ وَحَّدُوا سَفَرَ الْقَصْرِ وَلِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ ابْنِ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما (أَقْبَلَ مِنْ الْجُرُفِ حَتَّى كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ) هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَالْجُرُفُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَالرَّاءِ وَبَعْدَهُمَا فَاءٌ مَوْضِعٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المدينة

ص: 303

ثلاثة أميال والمربد بكسر الميمم مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) الْعَاصِي بِسَفَرِهِ كَالْآبِقِ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ وَشِبْهِهِمَا إذَا عَدِمَ الْمَاءَ في سفره ثلاثة أوجه الصحيح انه يلزمه ان يصلي بالتيمم ويلزمه الاعاد وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ التَّيَمُّمُ وَهَذَا الثَّالِثُ غَرِيبٌ حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ

وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا يُقَالُ له مادمت عَلَى قَصْدِك الْمَعْصِيَةَ لَا يَحِلُّ لَك التَّيَمُّمُ فان تبت اسْتَبَحْتَ التَّيَمُّمَ وَغَيْرَهُ كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ الْمَيْتَةُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ بَلْ يُقَالُ تُبْ وكل الصواب الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَمْرَانِ التَّوْبَةُ وَالصَّلَاةُ فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا لَا يُبَاحُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ وَلَيْسَ التَّيَمُّمُ فِي هَذَا الْحَالِ تَخْفِيفًا بَلْ عَزِيمَةٌ فَلَا تَكُونُ الْمَعْصِيَةُ سَبَبًا لِإِسْقَاطِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَى الْمَاءَ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ ويلزهم الْخُرُوجُ مِنْهَا كَمَا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي اثناء صلاة الحضر وبد بِالتَّيَمُّمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي بَابِ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ ضَابِطًا فيما يستبيحه العاصى بسفره ومالا يستبيحه

* وبالله متوفيق

* (فَرْعٌ)

إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فِي بَلَدٍ وَعَدِمَ الْمَاءَ فِيهِ وَصَلَّى بالتيمم فحكمه حكم الحاضرة بِلَا خِلَافٍ فَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَوْ نَوَى هَذِهِ الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْبَادِيَةِ يَعُمُّ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ فَلَا إعَادَةَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِالصُّورَتَيْنِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ عَنْ الْقَفَّالِ وَقَالَهُ آخَرُونَ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً فَعَدِمَ الْمَاءَ فِيهَا وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا لَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَلِهَذَا يُبَاحُ لَهُ الْقَصْرُ وَالْفِطْرُ وَأَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ فِي الْقَرْيَةِ نَادِرٌ فَالضَّابِطُ الْأَصْلِيُّ مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ أَنَّ الْإِعَادَةَ تَجِبُ إذَا تَيَمَّمَ فِي مَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَلَا يَجِبُ إذَا كَانَ الْعَدَمُ يَغْلِبُ فِيهِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ عَلَى الْمُقِيمِ لَيْسَ لِعِلَّةِ الْإِقَامَةِ بَلْ لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي مَوْضِعِ الْإِقَامَةِ نَادِرٌ وَكَذَا عَدَمُ الْإِعَادَةِ فِي السَّفَرِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ مُسَافِرًا بَلْ لِأَنَّ فَقْدَ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ مِمَّا يَعُمُّ حَتَّى لَوْ أَقَامَ فِي مَفَازَةٍ

ص: 304

أَوْ مَوْضِعٍ يَعْدَمُ فِيهِ الْمَاءَ غَالِبًا وَطَالَتْ إقَامَتُهُ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَلَا إعَادَةَ وَفِي مِثْلِهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه وَكَانَ يُقِيمُ بِالرَّبَذَةِ وَيَفْقِدُ الْمَاءَ أَيَّامًا (التُّرَابُ كَافِيكَ وَلَوْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ) قَالَ وَلَوْ دَخَلَ الْمُسَافِرُ فِي طَرِيقِهِ قَرْيَةً وَعَدِمَ الْمَاءَ تَيَمَّمَ وَأَعَادَ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ السَّفَرِ بَاقِيًا عَلَيْهِ لِنُدُورِ الْعَدَمِ: وَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا عَلِمْتَ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمُقِيمَ يقضي

والمسافر لا يقضي جاز عَلَى الْغَالِبِ فِي حَالِ السَّفَرِ وَالْإِقَامَةِ وَإِلَّا فَالْحَقِيقَةُ مَا بَيَّنَّاهُ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَذَكَرَ مَعْنَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إذَا خَرَجَ الرَّجُلُ إلَى ضَيْعَتِهِ وَبُسْتَانِهِ فَعَدِمَ الْمَاءَ كَانَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَتَنَفَّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ قَالَ فَمُقْتَضَى قَوْلِهِ أَنَّهُ سَفَرٌ قَصِيرٌ فَفِي إعَادَةِ مَا صَلَّى فِيهِ بِالتَّيَمُّمِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورُ وَنَصُّ الْبُوَيْطِيِّ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ فِي الْحَضَر: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَعَنْ مَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ وَلَا يُعِيدُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْلٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ الصلاة بقوله تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فَأَبَاحَهُ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمُسَافِرِ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِمَا وَبِأَنَّ اباحتها مَعَ إيجَابِ الْإِعَادَةِ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ عَنْ يَوْمٍ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ تُفْعَلُ لِتُجْزِئَ وَهَذِهِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ الصَّلَاةَ بِلَا إعَادَةٍ بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمُسَافِرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِوُجُوبِ الصلاة بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى قوله (فلم تجدوا ماء فتيمموا) وَهَذَا عَامٌّ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ نَظَرٌ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ عَدِمَ الْمَاءَ فَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ لِلْفَرِيضَةِ كَالْمُسَافِرِ وَلِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ كَالْمَرِيضِ وَقِيَاسًا عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَدْ وَافَقُوا عَلَيْهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ السَّفَرَ ذُكِرَ فِيهَا لِكَوْنِهِ الْغَالِبَ لا للاشتراط لقوله تعالى (ولا تقتلوا أولادكم من املاق) وَالثَّانِي أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى تَيَمُّمٍ لَا إعَادَةَ مَعَهُ وَعَنْ قَوْلِهِمْ يُؤَدِّي إلَى إيجَابِ ظُهْرَيْنِ أَنَّ الْمَقْصُودَ الثَّانِيَةُ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ الْأُولَى لِحُرْمَةِ

ص: 305

الْوَقْتِ كَإِمْسَاكِ يَوْمِ الشَّكِّ إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ تُفْعَلُ لِتُجْزِئَ فَيُقَالُ وَقَدْ تُفْعَلُ حُرْمَةً لِلْوَقْتِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْإِعَادَةِ بِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَأَشْبَهَ مَنْ نَسِيَ بعض أعضاء الطهارة عن وَفِي هَذَا جَوَابٌ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

(فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا إعَادَةَ سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ وَجَدَهُ عَقِبَ السَّلَامِ فَلَا إعَادَةَ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ والثوري والاوزاعي واحمد واسحاق والمزني وابو الْمُنْذِرِ وَجُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وغيره عن طاووس وعطاء والقسم بْنِ مُحَمَّدٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا وُجِدَ الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَاسْتَحَبَّهُ الْأَوْزَاعِيُّ وَلَمْ يُوجِبْهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ إذَا وَجَدَهُ بَعْدَ الْوَقْتِ لَا إعَادَةَ وَاحْتُجَّ لِهَؤُلَاءِ بِأَنَّ الْمَاءَ هُوَ الْأَصْلُ فَوُجُودُهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَوُجُودِ النَّصِّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ (خَرَجَ رَجُلَانِ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ مَعَهُمَا مَاءٌ فَتَيَمَّمَا صَعِيدًا طيبا وصليا ثم وجدا الْمَاءُ فِي الْوَقْتِ فَأَعَادَ أَحَدُهُمَا الصَّلَاةَ وَالْوُضُوءَ وَلَمْ يُعِدْ الْآخَرُ ثُمَّ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ لِلَّذِي لَمْ يُعِدْ أَصَبْتَ السُّنَّةَ وَأَجْزَأَتْك صَلَاتُك وَقَالَ لِلَّذِي تَوَضَّأَ وَأَعَادَ لَك الْأَجْرُ مَرَّتَيْنِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَبُو دَاوُد ذِكْرُ أَبِي سَعِيدٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهْمٌ وَلَيْسَ بِمَحْفُوظٍ بَلْ هُوَ مُرْسَلٌ قُلْت وَمِثْلُ هَذَا الْمُرْسَلِ يَحْتَجُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يَحْتَجُّ بِمُرْسَلِ كِبَارِ التَّابِعِينَ إذَا أُسْنِدَ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يُرْسَلُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ عَوَامُّ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وُجِدَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئَانِ مِنْ ذَلِكَ أَحَدُهُمَا مَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ أَقْبَلَ مِنْ الْجُرُفِ حَتَّى إذَا كَانَ بِالْمِرْبَدِ تَيَمَّمَ وَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ الْمَدِينَةَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ فَلَمْ يُعِدْ الصَّلَاةَ وَهَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ كَمَا سَبَقَ الثَّانِي رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ (كَانَ مَنْ أَدْرَكْتُ مِنْ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ يُنْتَهَى إلَى قَوْلِهِمْ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَذَكَرَ تَمَامَ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ يَقُولُونَ مَنْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَهُوَ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا إعَادَةَ

ص: 306

عَلَيْهِ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَرِيضِ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ أَوْ قَاعِدًا وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ أَنَّ مَا ذَكَرُوهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بَلْ نَظِيرُهُ مَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَمَعَهُ مَاءٌ نَسِيَهُ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا مَا عَمِلَهُ

الصَّحَابِيُّ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ نَزَلَ النَّصُّ بِإِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ فَإِنَّهُ لا يبطل ما عمله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وان كان معه في السفر ماء فدخل عليه وقت الصلاة فأراقه أو شربه من غير حاجة وتيمم وصلى ففيه وجهان أحدهما يلزمه الاعادة لانه مفرط في اتلافه والثانى لا يلزمه لانه تيمم وهو عادم للماء فصار كما لو أتلفه قبل دخول الوقت]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ صَالِحٌ لِطَهَارَتِهِ فَأَخْرَجَهُ عَنْ كَوْنِهِ مُطَهِّرًا بِإِرَاقَتِهِ أَوْ شُرْبِهِ أَوْ سَقْيِ دَابَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ تَنْجِيسِهِ أَوْ صَبِّ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْوِهِ فِيهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ احْتَاجَ إلَى التَّيَمُّمِ تَيَمَّمَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ ثُمَّ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ تَفْوِيتُ الْمَاءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ فَوَّتَهُ سَفَهًا لِأَنَّهُ لَا فَرْضَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى هَذَا بِقَوْلِهِ (كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ) وَإِنْ فَوَّتَهُ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ لِغَرَضٍ كَشُرْبِهِ لِحَاجَةٍ أَوْ سَقْيِهِ دَابَّةً مُحْتَرَمَةً لِحَاجَتِهَا أَوْ غَسْلِ ثَوْبِهِ لِنَجَاسَةٍ أَوْ تَنَظُّفًا فَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَكَذَا لَوْ اشْتَبَهَ اناء ان فَعَجَزَ عَنْ مَعْرِفَةِ الطَّاهِرِ فَأَرَاقَهُمَا فَلَا إعَادَةَ قَطْعًا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَانَ التَّفْوِيتُ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ غَرَضٍ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا إعَادَةَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا كَمَنْ قَطَعَ رِجْلَهُ فَإِنَّهُ عَاصٍ وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا أَجْزَأَهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي الْوَجْهَانِ هُنَا كَالْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ فَرَّ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ هَلْ يَنْقَطِعُ إرْثُهَا لِأَنَّ بِدُخُولِ الْوَقْتِ تَعَلَّقَ حَقُّ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ كَمَا أَنَّ بِالْمَرَضِ تَعَلَّقَ حَقُّهَا بِالْإِرْثِ أَمَّا إذَا مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ فَلَمْ يَتَوَضَّأْ فَلَمَّا بَعُدَ مِنْهُ تَيَمَّمَ وَصَلَّى فَفِي الْإِعَادَةِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ الْقَطْعُ بِأَنْ لَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ عَادِمٌ لِلْمَاءِ وَلَمْ يُفَرِّطْ فِي إتْلَافِهِ وَالثَّانِي حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُقَصِّرًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

ص: 307

(فَرْعٌ)

لَوْ وَهَبَ الْمَاءَ الصَّالِحَ لِطَهَارَتِهِ فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بَاعَهُ لِغَيْرِ حَاجَتِهِ إلَى ثَمَنِهِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ

الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَلَا الْهِبَةُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ حَرَامٌ فَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا فَهُوَ كَالْعَاجِزِ حِسًّا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالثَّانِي يَصِحَّانِ قَالَ الْإِمَامُ وَهُوَ الْأَقْيَسُ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْمَنْعُ لَا يَرْجِعُ إلَى مَعْنًى فِي الْعَقْدِ واختار الشاشى هذا وقال الاول ليس بشئ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الْفَرْضِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْهِبَةِ كَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ فَأَعْتَقَهَا لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ أَوْ وَهَبَهَا فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَكَمَا لَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ دُيُونٌ فَطُولِبَ بِهَا فَوَهَبَ مَالَهُ وَسَلَّمَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَالْأَظْهَرُ مَا قَدَّمْنَا تَصْحِيحَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ يُشْبِهَانِ مَا لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِلْوَالِي شَيْئًا تَطَوُّعًا عَلَى طَرِيقِ الرِّشْوَةِ هَلْ يَمْلِكُهُ: مِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْمِلْكَ لِلْمَعْصِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَمْنَعْ وَقَالَ هُوَ أَهْلٌ لِلتَّصَرُّفِ فَإِنْ قُلْنَا يَصِحُّ بَيْعُ الْمَاءِ وَهِبَتُهُ فِي مَسْأَلَتِنَا فَحُكْمُ الْإِعَادَةِ مَا سَبَقَ فِي الْإِرَاقَةِ لِغَيْرِ غَرَضٍ كَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ مَا دَامَ الْمَاءُ بَاقِيًا فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ اسْتِرْجَاعُهُ إنْ قَدَرَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ تَيَمَّمَ وَصَلَّى وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ وَشَذَّ الدَّارِمِيُّ فَحَكَى فِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْإِرَاقَةِ سفها وليس بشى لِأَنَّ الْمَاءَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَلَيْسَ كَالْمَغْصُوبِ لِأَنَّ هَذَا مُقَصِّرٌ بِتَسْلِيمِهِ فَإِنْ تَلِفَ فِي يد المشترى

ص: 308

وَالْمَوْهُوبِ لَهُ قَبْلَ التَّيَمُّمِ فَفِي الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِي الْإِرَاقَةِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ فِي مَسْأَلَةِ الْإِرَاقَةِ وَبَيْعِ الْمَاءِ وَهِبَتِهِ فَفِي قَدْرِ مَا يُعِيدُهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَجِبُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي فُوِّتَ الْمَاءُ فِي وَقْتِهَا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهَا لِأَنَّ مَا سِوَاهَا فُوِّتَ الْمَاءُ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا فَلَمْ تَجِبْ إعَادَتُهَا وَالثَّانِي يَجِبُ إعَادَةُ مَا يُؤَدِّيهِ غَالِبًا بِوُضُوئِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ عِنْدِي فِي حُكْمِ الْغَفْلَةِ وَالْغَلَطِ وَالثَّالِثُ تَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ مَا صَلَّاهُ بِالتَّيَمُّمِ إلَى أَنْ أَحْدَثَ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وغيره وهذا الوجه والذى قبله ليسا بشئ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ قَائِلَهُمَا أَنْ يَقُولَ مَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ أَحْدَثَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَتَيَمَّمَ أَعَادَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا أَرَادَ الْإِعَادَةَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْوَقْتِ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَجِدَ الْمَاءَ أَوْ يَصْبِرُ إلَى حَالَةٍ يَصِحُّ فِيهَا التَّيَمُّمُ بِلَا إعَادَةٍ

*

(فَرْعٌ)

قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَوْبٌ فَحَرَقَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي إرَاقَةِ الْمَاءِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا لَا يَصِحُّ هِبَةُ هَذَا الْمَاءِ اسْتَرَدَّهُ الْوَاهِبُ فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْهِبَةَ لَيْسَتْ من عقود الضمان ومالا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ لَا ضَمَانَ فِي فَاسِدِهِ كَذَا قَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَصْحَابُ الْبَحْرِ وَالْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَانْفَرَدَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ ان أتفه الْمَوْهُوبُ لَهُ ضَمِنَهُ وَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ فَوَجْهَانِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 309

وان رأى الماء في اثناء الصلاة نظرت فان كان ذلك في الحضر بطل تيممه وصلاته لانه يلزمه الاعادة بوجود الماء وقد وجد الماء فوجب أن يشتغل بالاعادة وان كان في السفر لم تبطل لانه وجد الاصل بعد الشروع في المقصود فلا يلزمه الانتقال إليه كما لو حكم بشهادة شهود الفرع ثم وجد شهود الاصل وهل يجوز الخروج منها فيه وجهان احدهما لا يجوز واليه أشار في البويطى لان مالا يبطل الصلاة لم يبح الخروج منها كسائر الاشياء وقال اكثر اصحابنا يستحب الخروج منها كما قال الشافعي رحمه الله فيمن دخل في صوم الكفارة ثم وجد الرقبة ان الافضل أن يعتق وان رأى الماء في الصلاة في السفر ثم نوى الاقامة بطل تيممه وصلاته لانه اجتمع الحضر والسفر في الصلاة فوجب ان يغلب حكم الحضر فيصير كأنه تيمم وصلي وهو حاضر ثم وجد الماء وان رَأْي الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فاتمها وقد فني الماء لم يجز أن ينتقل حتى يجدد التيمم لان برؤية الماء حرم عليه افتتاح الصلاة وان رأى الماء في صلاة نافلة فان كان قد نوى عددا اتمها كالفريضة وان لم ينو عددا سلم من ركعتين ولم يزد عليهما] [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ ثُمَّ رَأَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ مَاءً يَلْزَمُ اسْتِعْمَالُهُ نَظَرْت فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يُتِمُّهَا مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَتِهَا ثُمَّ يُعِيدُهَا وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لانه لابد مِنْ إعَادَتِهَا فَلَا وَجْهَ

ص: 310

لِلْبَقَاءِ فِيهَا وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الْمُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ فِي الْحَضَرِ أَوْ مَوْضِعٍ يَنْدُرُ فِيهِ عَدَمُ الْمَاءِ وَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ عَجَزَ عَنْ غَسْلِهَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ عَلَيْهِمَا الْإِعَادَةَ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمُسَافِرُ سَفَرًا قَصِيرًا إذَا قُلْنَا بِالْقَوْلِ الضَّعِيفِ الْمَنْقُولِ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ إنَّهُ يُعِيدُ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ أما إذا رأى الماء في أثناء الصلاة بِالتَّيَمُّمِ مَنْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَالْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا أَوْ قَصِيرًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَوْ الْمُقِيمِ فِي مَوْضِعٍ يُعْدَمُ فِيهِ الْمَاءُ غَالِبًا فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ نَصَّ هُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَنَصَّ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ فَجَعَلَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَبْطُلَانِ لِزَوَالِ الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي لَا يَبْطُلَانِ لِلتَّلَبُّسِ بِالْمَقْصُودِ قَالُوا وَالْمَذْهَبُ تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ بِخِلَافِهَا فِيهِمَا وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُتَيَمِّمِ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ الْأَصْحَابُ أَطْلَقُوا فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ أَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا لَا يُبْطِلُهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنْ رَآهُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي التَّكْبِيرَةِ وَقَبْلَ فَرَاغِ التَّكْبِيرَةِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَمْ أَجِدْ لِغَيْرِهِ تَصْرِيحًا بِمُوَافَقَتِهِ وَلَا مُخَالَفَتِهِ وَهُوَ حَسَنٌ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِفَرَاغِهِ مِنْ التَّكْبِيرَةِ لَكِنَّ بَعْضَ التَّكْبِيرَةِ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ

ص: 311

فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِهَذَا الْمَعْنَى ثُمَّ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ أَنَّ وَالِدَهُ قَالَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَمَرَّ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ عَادَ إلَى حُكْمِ الْحَدَثِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى لَمْ يَأْتِ بِالثَّانِيَةِ فَكَذَا هُنَا قَالَ وَلَيْسَ عَلَى أَصْلِنَا مَسْأَلَةٌ يُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ إلَّا هَذِهِ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ فَنَسِيَهُ وَسَلَّمَ لَا يَسْجُدُ وَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ وَالِدِي حَسَنٌ عِنْدِي قَالَ وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُسَلِّمَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الصَّلَاةِ وَقَطَعَ فِي كِتَابِهِ الْحِلْيَةِ بِمَا قَالَهُ وَالِدُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* إذَا ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَائِهَا فَهَلْ يُبَاحُ الْخُرُوجُ مِنْهَا أَمْ يُسْتَحَبُّ

أَمْ يَحْرُمُ فِيهِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَالْوُضُوءُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي بُطْلَانِهَا وَكَمَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَلَاةِ مَنْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِدًا لِلدُّخُولِ فِي الْجَمَاعَةِ وَكَمَا نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُرُوجِ مِنْ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ لِمَنْ وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تُبْطِلُوا اعمالكم) وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِلْآيَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَسْت أَرَاهُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْأَوْجُهَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُتَيَمِّمَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَقَدْ ضَاقَ الْوَقْتُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ أَصْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيَّنٌ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا يُخَالِفُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الْخِلَافُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْلِبَ فَرْضَهُ نَفْلًا وَيُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَمْ الْأَفْضَلَ أَنْ يُتِمَّهَا فَرِيضَةً قَالَا فَأَمَّا الْخُرُوجُ الْمُطْلَقُ فَلَيْسَ بِأَفْضَلَ بِلَا شَكٍّ وَزَادَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ الْخُرُوجُ عِنْدِي مَكْرُوهٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَعْرُوفِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ قَالَ الشَّاشِيُّ وَلَا مَعْنَى لِقَوْلِهِمَا يَجْعَلَهَا نَافِلَةً فَإِنَّ تَأْثِيرَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي النَّفْلِ كَتَأْثِيرِهَا فِي الْفَرْضِ أَمَّا إذَا رَأْي الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ فِي

ص: 312

الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ تَيَمُّمُهُ وَصَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي رُؤْيَةِ الحاضر الماء في الصلاة والصحيح الاول ووجه ما ذكر؟ ؟ ؟ ؟ وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَوَجَدَ الْمَاءَ فِيهَا ثُمَّ نَوَى إتْمَامَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ تَيَمُّمَهُ صَحَّ لِرَكْعَتَيْنِ فَرِيضَةً وَقَدْ الْتَزَمَ الْآنَ رَكْعَتَيْنِ فَرِيضَةً لَمْ يَتَيَمَّمُ لَهَا هَكَذَا ذَكَرَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ وخالفهم الماوددى فَقَالَ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ أَوْ الْإِتْمَامَ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا تَبْطُلُ بَلْ يُتِمُّهَا وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ أَيْضًا أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَأَطْلَقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ وَلَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ ثُمَّ نَوَى الْإِقَامَةَ وَلَمْ يَرَ مَاءً أَتَمَّهَا وَهَلْ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَجِبُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ ابْنِ الْقَاصِّ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا وَالْمُقِيمُ تَلْزَمُهُ الاعادة والثانى لا يجب وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ وَادَّعَى أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ

الشَّامِلِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ قَوْلَ ابْنِ الْقَاصِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ فَرَأَى الْمَاءَ فِيهَا بَعْدَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ بَطَلَتْ كَصَلَاةِ الْحَاضِرِ وَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ فِي أَثْنَاءِ الْمَقْصُورَةِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ نَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ يَمْضِي فِيهَا وَلَا تَبْطُلُ وَهَذَا ظَاهِرٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ اتَّصَلَتْ السَّفِينَةُ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِالتَّيَمُّمِ لَمْ تَبْطُلْ وَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَائِهَا فِي السَّفَرِ فَفَرَغَ مِنْهَا ثُمَّ أَرَادَ إنْشَاءَ نَافِلَةٍ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ الْمَاءُ بَاقِيًا أَوْ تَلِفَ وَلَمْ يَعْلَمْ بِتَلَفِهِ قَبْلَ سَلَامِهِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَلِمَ تَلَفَهُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَقَطَعَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِالْجَوَازِ حَتَّى قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ كَانَتْ الصَّلَاةُ الَّتِي هُوَ فِيهَا نَافِلَةً جَازَ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ مِنْهَا أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ فَرِيضَةً إنْ كَانَ نَوَاهَا لِأَنَّهُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَيْسَ بِوَاجِدٍ لِلْمَاءِ وَلَا مُتَوَهِّمٍ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الثَّانِيَ فَقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ مِنْ بُطْلَانِ التَّيَمُّمِ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا يَجِبُ اسْتِعْمَالُهُ لِهَذِهِ الصَّلَاةِ وَلَا قَدَرَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ لِغَيْرِهَا

ص: 313

فَيَنْبَغِي أَلَّا يَبْطُلَ تَيَمُّمُهُ قَالَ وَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ لَا يُصَلِّي النَّافِلَةَ أَنْ يَقُولَ إذَا مَرَّ بِهِ رَكْبٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَغَ مِنْهَا وَقَدْ ذَهَبَ الرَّكْبُ لَا يَجُوزُ التَّنَفُّلُ لِأَنَّ تَوَجُّهَ الطَّلَبِ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ واختاره الرويانى أيضا وأورود إيرَادَ صَاحِبِ الشَّامِلِ هَذَا قَالَ فَإِنْ مَنَعَهُ الْأَوَّلُونَ فَهُوَ بَعِيدٌ (قُلْت) الْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ ضَعُفَ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَكَانَ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا فِي الْحَالِ خَالَفْنَاهُ لِحُرْمَتِهَا وَهَذَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا رَأَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ نَافِلَةٍ فَسِتَّةُ أَوْجُهٍ مُفَرَّقَةٍ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهَا مَجْمُوعَةً صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِلَّا اقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إنْ نَوَى عَدَدًا فَهُوَ كَالْفَرِيضَةِ لِدُخُولِهِ فِي صَرِيحِ نِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَعُرْفُ الشَّرْعِ فِي النَّافِلَةِ رَكْعَتَانِ فَصَارَ كَالْمَنْوِيِّ وَالثَّانِي لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ نَوَاهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَأَبِي عَلِيٍّ السنجي لان السنة في النَّافِلَةَ رَكْعَتَانِ فَالزَّائِدُ كَنَافِلَةٍ مُسْتَأْنَفَةٍ وَالثَّالِثُ يَقْتَصِرُ عَلَى مَا صَلَّى مِنْهَا مُطْلَقًا وَلَا

تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَإِنْ كَانَ نَوَاهَا حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لِأَنَّ مُقْتَضَى رُؤْيَةِ الْمَاءِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ خَالَفْنَا هَذَا فِي الْفَرِيضَةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِهَا بَطَلَتْ وَالنَّافِلَةُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى بَعْضِهَا وَالرَّابِعُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَزِيدَ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ مَا شَاءَ مِنْ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ زَادَ عَلَى مَا نَوَى قَالَهُ الْقَفَّالُ لِأَنَّهُ صح دخوله

ص: 314

فِيهَا وَهِيَ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ فَجَازَ الزِّيَادَةُ فِيهَا كَمَا لَوْ طَوَّلَ الرَّكَعَاتِ وَالْخَامِسُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ إنْ نَوَى عَدَدًا أَتَمَّهُ وَإِلَّا بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً إنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ رَكْعَتَانِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا رَكْعَةٌ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهَا وَالسَّادِسُ يَبْطُلُ مُطْلَقًا لِأَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ خَالَفْنَاهُ فِي الْفَرِيضَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلِحُرْمَتِهَا وَلِهَذَا يَحْرُمُ قَطْعُهَا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِخِلَافِ النَّافِلَةِ وَلَوْ دَخَلَ فِي نَافِلَةٍ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قام إلى ثَالِثَةً ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُتِمُّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ وَيُسَلِّمُ لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ قَالَ وَهَذَا كَمَا قَالَ (قُلْت) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يجئ عَلَى كُلِّ الْأَوْجُهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ فَبَرَأَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَهُوَ كَمَا لَوْ تَيَمَّمَ لِعَدَمِ الْمَاءِ فَوَجَدَهُ فِي أَثْنَائِهَا (فَرْعٌ)

إذَا دَخَلَ فِي صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّ هَذَا جَائِزٌ قَالَ وَكَذَا الْمَقْضِيَّةُ الَّتِي عَلَى التَّرَاخِي يَجُوزُ قَطْعُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا فَكَذَا بَعْدَ الشُّرُوعِ كَمَا لَوْ أَصْبَحَ الْمُسَافِرُ صَائِمًا ثُمَّ أَرَادَ الْفِطْرَ فَإِنَّهُ يَجُوزُ قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ مَنْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَهُ قَطْعُهَا إذَا كَانَتْ لَا تَتَعَطَّلُ بِقَطْعِهِ قَالَ وَمِصْدَاقُ مَا ذَكَرْتُهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّ مَنْ تَحَرَّمَ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ وَجَدَ جَمَاعَةً فَلَهُ الْخُرُوجُ مِنْهَا لِيُدْرِكَ الْجَمَاعَةَ

ص: 315

قَالَ وَهَذِهِ فُصُولٌ رَأَيْتُهَا فَأَبْدَيْتُهَا وَعِنْدِي أَنَّ الْأَصْحَابَ لَا يَسْمَحُونَ بِهَا وَلَا يُجَوِّزُونَ لِلشَّارِعِ فِي فَائِتَةٍ الْخُرُوجَ مِنْهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَكِنَّ الْقِيَاسَ مَا ذَكَرْتُهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ بِجَوَازِ قَطْعِ الْفَرِيضَةِ فِي أَوَّلِ وقتها ولم يذكر فيها خلافا

ولا أن الْأَصْحَابَ لَا يَسْمَحُونَ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَأَوْهَمَ الْغَزَالِيُّ بِعِبَارَتِهِ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ احْتِمَالٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ كَمَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يُتَابِعْ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ الْإِمَامَ بَلْ حَكَى كَلَامَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ فِي الْأَصْحَابِ مَنْ يَسْمَحُ بِذَلِكَ فِي الْقَضَاءِ وَصَلَاةِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَسِيطِ هُوَ الصَّوَابُ وَلَيْتَهُ قَالَ فِي الْوَسِيطِ مِثْلَهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قَطْعُ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ وَاسِعًا وَلَا الْمَقْضِيَّةِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ فِي أَوَّلِ بَابِ تَفْرِيقِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَهُوَ آخِرُ أَبْوَابِ الصَّلَاةِ (مَنْ دَخَلَ فِي صَوْمٍ وَاجِبٍ عليه من شهر رضمان أَوْ قَضَاءٍ أَوْ صَوْمِ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ مِنْ وَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً فِي وَقْتِهَا أَوْ قَضَاهَا أَوْ صَلَاةَ نَذْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ مَا كَانَ

ص: 316

مُطِيقًا لِلصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ عَامِدًا كَانَ مُفْسِدًا آثِمًا عِنْدَنَا) هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَمِنْ الْأُمِّ نَقَلْتُهُ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ جَمَاعَاتٌ وَأَمَّا اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَحْرِيمِ قَطْعِهَا بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَنَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ كَمَا قَدَّمْته وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَبَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَنْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ قَطْعَهَا لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي بلا عدر وَكَذَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ غَيْرُهُ وَمِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ هُنَا في المهذب فقد صرح بذلك في قوله لان مالا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لَا يُبِيحُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَاقُونَ وَهُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ أُطْنِبَ فِي نَقْلِ كَلَامِهِمْ فِيهِ وَقَدْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْمَذْهَبِ وَعَنْ الْأَصْحَابِ الرَّافِعِيُّ وَأَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَأَنْكَرَا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ انْفِرَادَهُمَا عَنْ الْأَصْحَابِ بِتَجْوِيزِ قَطْعِهَا وَدَلِيلُ تَحْرِيمِ الْقَطْعِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تبطلوا اعمالكم) وَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ وَأَمَّا مَسْأَلَتَا الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ اللَّتَانِ احْتَجَّ بِهِمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَالْجَوَابُ عَنْهُمَا أَنَّ الْعُذْرَ فِيهِمَا مَوْجُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَقَالَ الرَّافِعِيُّ فِي أَوَّلِ بَابِ صَوْمِ التَّطَوُّعِ لَوْ شَرَعَ فِي صَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَإِنْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ لَمْ يَجُزْ الْخُرُوجُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى التَّرَاخِي فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَطَائِفَةٌ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ

لِأَنَّهُ تلبس بالفرض ولا عذر في قَطَعَهُ فَلَزِمَهُ إتْمَامُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ وَأَمَّا

ص: 317

صَوْمُ الْكَفَّارَةِ فَمَا لَزِمَ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ فَهُوَ كَالْقَضَاءِ الَّذِي عَلَى الْفَوْرِ وَمَا لَزِمَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَقَتْلِ الْخَطَأِ فَكَالْقَضَاءِ الَّذِي عَلَى التَّرَاخِي وَكَذَا النَّذْرُ الْمُطْلَقُ قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ انْقِسَامُ الْقَضَاءِ إلَى وَاجِبٍ عَلَى الْفَوْرِ وَهُوَ مَا عَصَى بِتَأْخِيرِهِ وَإِلَى وَاجِبٍ عَلَى التَّرَاخِي وَهُوَ مَا لَمْ يَعْصِ بِتَأْخِيرِهِ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى التَّرَاخِي مُطْلَقًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ تَيَمَّمَ وَدَخَلَ فِي مَكْتُوبَةٍ ثُمَّ رَعَفَ انْصَرَفَ فان لم تجد مِنْ الْمَاءِ إلَّا مَا يَغْسِلُ بِهِ الدَّمَ غَسَلَهُ وَاسْتَأْنَفَ التَّيَمُّمَ وَالصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَمَّا لَزِمَهُ طَلَبُ الْمَاءِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ قَالُوا وَإِنْ وَجَدَ الْمَاءَ لَزِمَهُ الْوُضُوءُ وَاسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَوْ رَعَفَ أَنَّهُ يَبْنِي لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةٌ وَاحِدَةٌ بِتَيَمُّمٍ وَوُضُوءٍ كَمَا لَا تَجُوزُ عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ بِأَقْرَاءٍ وَأَشْهُرٍ وَلَا كَفَّارَةٌ بَعْضُهَا عِتْقٌ وَبَعْضُهَا صَوْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وجد الماء في أَثْنَاءَ صَلَاةِ السَّفَرِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا المشهور انه لا يبطل صَلَاتُهُ بَلْ يُتِمُّهَا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قال مالك واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ تَبْطُلُ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ

ص: 318

أَحْمَدَ وَنَقَلَهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ أَوْ الْجِنَازَةِ أَوْ كَانَ الَّذِي رَآهُ سُؤْرَ حِمَارٍ فَلَا تَبْطُلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ الَّذِي أَخْتَارُهُ هُنَا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ يَبْطُلُ بِقَوْلِهِ تعالي (فلم تجدوا ماء) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ) وَلِأَنَّ مَا أَبْطَلَ الطَّهَارَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَبْطَلَهَا فِيهَا كَالْحَدَثِ وَلِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَبَطَلَتْ بِزَوَالِ الضَّرُورَةِ كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَلِأَنَّ مَا مَنَعَ ابْتِدَاءَ الصَّلَاةِ مَنَعَ اسْتِدَامَتَهَا كَالْحَدَثِ وَلِأَنَّهُ مَسْحٌ أُقِيمَ مُقَامَ غَيْرِهِ فَبَطَلَ بِظُهُورِ أَصْلِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَمَاسِحِ الْخُفِّ إذَا ظَهَرَتْ رِجْلُهُ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ جَازَ تَرْكُ الْأَصْلِ فِيهَا لِلْعُذْرِ فَإِذَا زَالَ الْعُذْرُ فِيهَا بِالْقُدْرَةِ عَلَى الْأَصْلِ وَجَبَ الرُّجُوعُ

إلَى الْأَصْلِ كَالْمَرِيضِ إذَا صَلَّى قَاعِدًا فَبَرَأَ فِي الصَّلَاةِ وَالْأُمِّيِّ إذَا تَعَلَّمَ الْفَاتِحَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَالْعُرْيَانِ إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّةَ إذَا شَرَعَتْ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَشْهُرِ فَحَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى الْأَقْرَاءِ فَكَذَا هُنَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَنْصَرِفْ حَتَّى تَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ تَجِدَ رِيحًا) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ وَرَدَ عَلَى سَبَبٍ فَالتَّمَسُّكُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلِأَنَّ رُؤْيَةَ الْمَاءِ لَيْسَ حَدَثًا لَكِنَّ وُجُودَهُ مَانِعٌ مِنْ ابْتِدَاءِ التَّيَمُّمِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَدِلَّةً كَثِيرَةً لَا يَظْهَرُ الِاسْتِدْلَال بِأَكْثَرِهَا فَحَذَفْتُهَا وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْحَدِيثِ فَهُوَ أَنَّهُمَا مَحْمُولَانِ عَلَى وَاجِدِ الْمَاءِ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ بِكُلِّ حَالٍ بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ وَعَنْ الْمُسْتَحَاضَةِ بِأَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَلِأَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَالْمُتَيَمِّمُ بِخِلَافِهَا وَعَنْ الْقِيَاسِ الْآخَرِ عَلَى الْحَدَثِ أَنَّهُ مُنَافٍ

ص: 319

بكل حال ولانه يحتمل في الدوام مالا يُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ كطرآن الْعِدَّةِ بِالشُّبْهَةِ وَالْإِحْرَامِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَنْ الْخُفِّ أَنَّهُ يُنْسَبُ إلَى تَفْرِيطٍ لِعَدَمِ تَعَهُّدِهِ وَإِصْلَاحِهِ أَوْ لِمُضَايِقَتِهِ الْمُدَّةَ فَنَظِيرُ الْمَاسِحِ مَنْ نَسِيَ الْمَاءَ فِي رَحْلِهِ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ فَيُعِيدُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَقْصِيرِهِ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْمَرِيضِ وَالْأُمِّيِّ وَالْعُرْيَانِ أَنَّ هَذِهِ أَحْوَالٌ تُغَيِّرُ صِفَةَ الصَّلَاةِ وَلَا تُبْطِلُهَا وَعَنْ الْمُعْتَدَّةِ أَنَّهَا رَأَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ وَالْمُتَيَمِّمُ رَأَى الْمَاءَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ التَّيَمُّمُ فَلَيْسَ نَظِيرَهَا وَإِنَّمَا نَظِيرُ الْمُتَيَمِّمِ مِنْ الْعِدَّةِ أَنْ تَحِيضَ بَعْدَ أَنْ تَنْقَضِيَ الْأَشْهُرُ وَتَتَزَوَّجَ وَحِينَئِذٍ لَا أَثَرَ لِلْحَيْضِ وَعِدَّتُهَا صَحِيحَةٌ وَنَظِيرُ الْعِدَّةِ مِنْ التَّيَمُّمِ أَنْ تَرَى الْمَاءَ فِي أَثْنَاءِ التَّيَمُّمِ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وان تيمم للمرض وصلى ثم برأ لم يلزمه الاعادة لان المرض من الاعذار العامة فهو كعدم الماء في السفر]

* [الشَّرْحُ] إذَا تَيَمَّمَ لِلْمَرَضِ حَيْثُ جَوَّزْنَاهُ وَصَلَّى ثُمَّ بَرَأَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ فِي سَفَرٍ أَوْ حَضَرٍ لِأَنَّهُ عُذْرٌ عَامٌّ فَلَوْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ حَصَلَ الْحَرَجُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَيُقَالُ بَرَأَ وَبَرِئَ وَبَرُؤَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بيانهن قريبا والله أعلم

*

ص: 320

قال المصنف رحمه الله

* [وان تيمم لشدة البرد وصلى ثم زال البرد فان كان في الحضر لزمه الاعادة لان ذلك من الاعذار النادرة وان كان في السفر ففيه قولان احدهما لا يجب لان عمرو بن العاص رضى الله عنه تيمم وصلى لشدة البرد وذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم يأمره بالاعادة والثانى يجب لان البرد الذي يخاف منه الهلاك ولا يجد ما يدفع ضرره عذر نادر غير متصل فهو كعدم الماء في الحضر][الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَمْرٍو وَحَالُهُ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ تَيَمُّمِ الْمَرِيضِ وَقَوْلُهُ عُذْرٌ نَادِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرَضِ وَعَدَمِ الْمَاءِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الِاسْتِحَاضَةِ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ الْمَاءَ وَخَافَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ لا لمرض ونحوه خوفا يَجُوزُ لِلْمَرِيضِ التَّيَمُّمُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يغسل عضوا فعضوا ويدثر أَوْ قَدَرَ عَلَى تَسْخِينِ الْمَاءِ بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ أَوْ عَلَى مَاءٍ مُسَخَّنٍ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّيَمُّمُ لَا فِي الحضر ولا في السفر لانه واحد لِلْمَاءِ قَادِرٌ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ لَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّى به وان لم يقدر علي شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ ثُمَّ يتيمم للباقى وان لم يقدر علي شئ مِنْ ذَلِكَ تَيَمَّمَ وَصَلَّى لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَإِنَّهُ تَيَمَّمَ لِلْبَرْدِ وَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ وَأَقَرَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ وَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ قَالَ اصحابنا ان

ص: 321

كَانَ التَّيَمُّمُ فِي السَّفَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْبُوَيْطِيِّ رَجَّحَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مِنْهُمَا وُجُوبَ الْإِعَادَةِ وَكَذَا رَجَّحَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ لِحَدِيثِ عَمْرٍو وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ حَدِيثِ عَمْرٍو بِأَنَّ الْإِعَادَةَ عَلَى التَّرَاخِي وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ أَوْ أَنَّهُ كَانَ قَدْ قَضَى وَإِنْ كَانَ فِي الْحَضَرِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ أَبِي الْحُسَيْنِ ابن الْقَطَّانِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ

قَالَ إنْ قُلْنَا يُعِيدُ الْمُسَافِرُ فَالْحَاضِرُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَنَقَلَ العبدرى في الكفاية عَنْ أَبِي حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا يُعِيدُ الْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ وَالثَّانِي لَا يُعِيدَانِ وَالثَّالِثُ يُعِيدُ الْحَاضِرُ دُونَ الْمُسَافِرِ وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِمَا هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ بَلْ يَسْتَعْمِلُ الْمَاءَ وَإِنْ مَاتَ وَحَكَوْا عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي وَلَا يُعِيدُ لَا الْمُسَافِرُ وَلَا الْحَاضِرُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُعِيدُ الْمُسَافِرُ وَفِي الْحَاضِرِ رِوَايَتَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ نَجِسٌ فَخَافَ الْهَلَاكَ مِنْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ لَوْ نَزَعَهُ صَلَّى فِيهِ وَأَعَادَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ طَهَارَةِ البدن والله اعلم

* قال المصنف رحمه الله

ص: 322

[ومن صلى بغير طهارة لعدم الماء والتراب لزمه الاعادة لان ذلك عذر نادر غير متصل فصار كما لو نسى الطهارة وصلى مع القدرة علي الطهارة]

* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَأَنَّ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا تَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَبَسَطْنَا أَدِلَّتَهُ وَفُرُوعَهُ وَقَوْلُهُ عُذْرٌ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ سَبَقَ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا قَرِيبًا وَقَاسَهُ عَلَى مَا لَوْ نَسِيَ الطَّهَارَةَ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عليه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [إذا كان على بعض أعضائه كسر يحتاج إلى وضع الجبائر ووضع الجبائر على طهر فان وضعها علي طهر ثم أحدث وخاف من نزعها أو وضعها على غير طهر وخاف من نزعها مسح على الجبائر لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عليا رضي الله عنه أن يمسح علي الجبائر ولانه تلحقه المشقة في نزعه فجاز المسح عليه كالخف وهل يلزمه مسح الجميع أم لا فيه وجهان أحدهما يلزمه مسح الجميع لانه مسح أجيز للضرورة فوجب فيه الاستيعاب كالمسح في التيمم والثاني يجزيه ما يقع عليه الاسم لانه مسح علي حائل منفصل فهو كمسح الخف وهل يجب التيمم مع المسح قال في القديم لا يتيمم كما لا يتيمم مع المسح علي الخف وقال في الام يتيمم لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا أصابه حجر فشجه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم قالوا ما نجد لك رخصة وأنت

تقدر علي الماء فاغتسل فمات فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا كان يكفيه أن يتيمم ويعصب علي

ص: 323

رأسه خرقة يمسح عليها ويغسل سائر جسده) ولانه يشبه الجريح لانه يترك غسل العضو لخوف الضرر ويشبه لابس الخف لانه لا يخاف الضرر من غسل العضو وانما يخاف المشقة من نزع الحائل كلابس الخف فلما أشبههما وجب عليه الجمع بين المسح والتيمم فان برأ وقدر علي الغسل فان كان قد وضع الجبائر علي غير طهر لزمه اعادة الصلاة وان كان وضعها علي طهر ففيه قولان أحدهما لا يلزم الاعادة كما لا يلزم ماسح الخف والثاني يلزمه لانه ترك غسل العضو لعذر نادر غير متصل فصار كما لو ترك غسل العضو ناسيا]

* [الشَّرْحُ] قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَأَصْحَابُنَا الْجَبَائِرُ هِيَ الْخَشَبُ الَّتِي تُسَوَّى فَتُوضَعُ عَلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ وَتُشَدُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْجَبِرَ عَلَى اسْتِوَائِهَا وَاحِدَتُهَا جِبَارَةٌ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَجَبِيرَةٌ بِفَتْحِهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْجَبِيرَةُ مَا كَانَ عَلَى كَسْرٍ وَاللَّصُوقُ بِفَتْحِ اللَّامِ مَا كَانَ عَلَى قُرْحٍ وَقَدْ أَنْكَرَ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى عُضْوِهِ كَسْرٌ وَقَالُوا هَذَا غَلَطٌ وَإِنَّمَا يُقَالُ عُضْوٌ مَكْسُورٌ وَلَا يُقَالُ عَلَيْهِ كَسْرٌ وَهَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ بَلْ يُقَالُ عُضْوٌ مَكْسُورٌ وَفِيهِ كَسْرٌ وَعَلَيْهِ كسر كله بمعنى واحد وأم حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَضَعِيفٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ الْوَاسِطِيِّ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَآخَرُونَ هُوَ كَذَّابٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَعْرُوفٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَنَسَبَهُ إلَى الْوَضْعِ وَكِيعٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَا يَثْبُتُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شئ قال وأقرب شئ فِيهِ حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي سَبَقَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ قَالَ وَإِنَّمَا فِيهِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مَعَ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَذَكَر بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما تَوَضَّأَ

ص: 324

وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ مَا سِوَى ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ جَوَازَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَعَصَائِبِ الْجِرَاحَاتِ بِأَسَانِيدِهِ عَنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ وَيُنْكِرُ عَلَى

الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَلِيًّا فَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فِي حَدِيثٍ مُتَّفَقٍ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَوْهِينِهِ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَالْقَاعِدَةِ فِي الْفُصُولِ الْمَذْكُورَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَسْحٌ أُجِيزَ لِلضَّرُورَةِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ الْخُفِّ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَرُخْصَةٌ وَقَوْلُهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ مُنْفَصِلٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ مَسْحِ اللِّحْيَةِ فِي التَّيَمُّمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أصحابنا إذا احتاج إلى وضع الجبيرة وضعها فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ ضَرَرًا مِنْ نَزْعِهَا وَجَبَ نَزْعُهَا وَغَسَلَ مَا تَحْتَهَا إنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا مِنْ غَسْلِهِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُهُ نَزْعُهَا وَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ خَافَ الضَّرَرَ مِنْ نَزْعِهَا لَمْ يَجِبْ نَزْعُهَا وَالْخَوْفُ الْمُعْتَبَرُ مَا سَبَقَ فِي الْمَرَضِ الْمُجَوِّزِ لِلتَّيَمُّمِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أن يضع

ص: 325

الجبيرة علي شئ مِنْ الصَّحِيحِ إلَّا الْقَدْرَ الَّذِي لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ سَتْرِ الْكَسْرِ إلَّا بِهِ قَالُوا وَيَجِبُ أَنْ يَضَعَهَا عَلَى طُهْرٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا عَنْ وَالِدِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ إذَا لَمْ نُوجِبْ الْإِعَادَةَ عَلَى مَنْ وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَهَذَا شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ وَضْعُهَا عَلَى طُهْرٍ مطلقا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَضْعُ الْجَبَائِرِ عَلَى طُهْرٍ أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الطَّهَارَةُ لِوَضْعِ الْجَبِيرَةِ عَلَى عُضْوِهِ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله بِقَوْلِهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَلَا يَضَعُهَا إلَّا عَلَى وُضُوءٍ) فَإِنْ خَالَفَ وَوَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا مِنْ نَزْعِهَا وَجَبَ نَزْعُهَا ثُمَّ يَلْبَسُهَا عَلَى طَهَارَةٍ وَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ نَزْعُهَا بَلْ يَصِحُّ مَسْحُهُ وَيَكُونُ آثِمًا هَكَذَا صرح بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا أَرَادَ لَابِسُ الْجَبِيرَةِ الطَّهَارَةَ فَلْيَفْعَلْ ثَلَاثَةَ أُمُورٍ غَسْلُ الصَّحِيحِ مِنْ بَاقِي أَعْضَائِهِ وَالْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ وَالتَّيَمُّمُ أَمَّا غَسْلُ الصَّحِيحِ فَيَجِبُ غَسْلُ الْأَعْضَاءِ الصَّحِيحَةِ وَكُلِّ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ أَطْرَافِ الْجَبِيرَةِ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي فَصْلِ الْجَرِيحِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي مُعْظَمِ طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَحَكَى بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالرَّافِعِيُّ طَرِيقًا آخَرَ أَنَّ فِي غَسْلِ الصَّحِيحِ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُ هَذَا الطَّرِيقِ فِي الْجَرِيحِ وَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ يَتَعَيَّنُ التَّيَمُّمُ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ غَسْلِ الصَّحِيحِ لِأَنَّ كَسْرَ الْعُضْوِ لَا يَزِيدُ عَلَى

فَقْدِهِ وَلَوْ فَقَدَهُ وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي قَطْعًا وَأَمَّا مَسْحُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَوَاجِبٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا قَوْلًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَلَا يَمْسَحُ الْجَبِيرَةَ بِالْمَاءِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَيْضًا وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهَلْ يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْجَبِيرَةِ بِالْمَسْحِ كَالْوَجْهِ فِي التَّيَمُّمِ أَمْ يَكْفِي مَسْحُ مَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ الِاسْمُ كَالرَّأْسِ وَالْخُفِّ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ

ص: 326

صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَمَّا التَّيَمُّمُ مَعَ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا وَاَلَّتِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهَا أَنَّ فِيهِ قولين أصحهما عند الجمهور وجوبه هو نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْكَبِيرِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي مِنْهُمْ أَنَّهُ إنْ كَانَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ عَلِيلًا لَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ لَوْ كَانَ ظَاهِرًا وَجَبَ التَّيَمُّمُ كَالْجَرِيحِ وَإِنْ أَمْكَنَ غَسْلُهُ لَوْ ظَهَرَ لَمْ يَجِبْ التَّيَمُّمُ كَلَابِسِ الْخُفِّ وَقَدْ ذَكَر الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْقَوْلَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ فَإِذَا أَوْجَبْنَا التَّيَمُّمَ فَلَوْ كَانَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى مَوْضِعِ التَّيَمُّمِ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ كَمَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالْمَاءِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجِبُ مَسْحُهَا بِالتُّرَابِ بَلْ يَمْسَحُ مَا سِوَاهَا لِأَنَّ التُّرَابَ ضَعِيفٌ فَلَا يُؤَثِّرُ فَوْقَ حَائِلٍ بِخِلَافِ الْمَسْحِ بِالْمَاءِ فَإِنَّ تَأْثِيرَهُ فَوْقَ الْحَائِلِ مَعْهُودٌ فِي الْخُفِّ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا وَقْتُ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ بِالْمَاءِ فَإِنْ كَانَ جُنُبًا مَسَحَ مَتَى شَاءَ إذْ لَا تَرْتِيبَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا مَسَحَ إذَا وَصَلَ غَسَلَ عُضْوَهَا وَأَمَّا وَقْتُ التَّيَمُّمِ فَعَلَى مَا سَبَقَ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ سَوَاءٌ اتِّفَاقًا وَاخْتِلَافًا وَتَفْرِيعًا

ص: 327

وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ جُنُبًا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ تَقْدِيمُ الْغُسْلِ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ إنْ شَاءَ

قَدَّمَ التَّيَمُّمَ عَلَى الْغُسْلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهُ وَإِنْ شَاءَ وَسَّطَهُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ أَحَدُهَا يَجِبُ تَقْدِيمُ غَسْلِ جَمِيعِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي يَتَخَيَّرُ كَالْجُنُبِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَنْتَقِلُ مِنْ عُضْوٍ حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عنهم فعلي هذا يجئ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ فِي الْوَجْهِ أَوْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ جَبِيرَتَانِ أَوْ جَبَائِرُ وَالْحُكْمُ مَا سَبَقَ هُنَاكَ فَعَلَى الثَّالِثِ يَتَعَدَّدُ التَّيَمُّمُ بِحَسَبِ الْجَبَائِرِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ يَكْفِي تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَبَائِرِ كُلِّهَا وَهَلْ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ إعَادَةُ الْوُضُوءِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ كَمَا يَجِبُ إعَادَةُ التَّيَمُّمِ أَمْ يَكْفِي غَسْلُ مَا بَعْدَ الجبيرة أم لا يجب غسل شئ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غسل شئ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ هُنَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِوُجُوبِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَيُفَارِقُ الْمُسْتَحَاضَةَ فَإِنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَحُكْمُ إعَادَةِ مَسْحِ الْجَبِيرَةِ حُكْمُ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَإِذَا شُفِيَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ لَزِمَهُ غَسْلُ مَوْضِعِهَا وَحُكْمُ وُجُوبِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ إنْ كَانَ جُنُبًا وَعَدَمِ وُجُوبِهِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الْكَسْرُ مُحْوِجًا إلَى الْجَبِيرَةِ فَوَضَعَهَا أَمَّا إذَا لَمْ يَحْتَجْ إلَى وَضْعِهَا لَكِنْ خَافَ مِنْ إيصَالِ الْمَاءِ إلَى الْعُضْوِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْجَرِيحِ فَيَجِبُ غَسْلُ الصَّحِيحِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ هُنَاكَ وَيَجِبُ التَّيَمُّمُ مَعَ غَسْلِ الصَّحِيحِ وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَوْضِعِ الْكَسْرِ بِالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ ضَرَرًا لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْمَاءِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْجَرِيحِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ فَإِنَّهُ مَسْحٌ عَلَى حَائِلٍ كَالْخُفِّ كَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلِلشَّافِعِيِّ سِيَاقٌ يَقْتَضِي وُجُوبَ الْمَسْحِ وَوُجُوبُ التَّيَمُّمِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِئَلَّا يَبْقَى مَوْضِعُ الْكَسْرِ بِلَا طَهَارَةٍ فَإِذَا تَيَمَّمَ وَكَانَ الْكَسْرُ فِي مَحَلِّ التَّيَمُّمِ وَجَبَ مَسْحُهُ بِالتُّرَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الْجَرِيحِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا حَائِلَ دُونَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا إعَادَةُ الصَّلَاةِ الَّتِي يَفْعَلُهَا الْكَسِيرُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ساتر

ص: 328

من جبيرة ولصوق فَلَا إعَادَةَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إذَا تَجَرَّدَ لِلْمَرَضِ وَالْجِرَاحَةِ وَنَحْوِهِمَا لَا يَجِبْ مَعَهُ إعَادَةٌ فَمَعَ غَسْلِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ أَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ سَاتِرٌ مِنْ جَبِيرَةٍ أَوْ لَصُوقٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ عَلَى طُهْرٍ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَانْفَرَدَ الْبَغَوِيّ بِتَرْجِيحِ الْوُجُوبِ وَإِنْ كَانَ وَضَعَهُ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَتَقْصِيرِهِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَالثَّانِي أَنَّ فِي الْإِعَادَةِ قَوْلَيْنِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين وَالْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ لَمْ تَجِبْ الاعاة وَإِنْ وَضَعَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَجَبَتْ وَالثَّانِي يَجِبُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ وَضَعَ عَلَى طُهْرٍ لَمْ يُعِدْ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ وَإِنْ وَضَعَ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ أَعَادَ فِي الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ ثُمَّ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْإِعَادَةِ بَيْنَ أَنْ نُوجِبَ التَّيَمُّمَ وَيَفْعَلَهُ أَوْ لَا نُوجِبَهُ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخِلَافُ إذَا لَمْ نُوجِبْ التَّيَمُّمَ أَمَّا إذَا أَوْجَبْنَاهُ فَتَيَمَّمَ فَلَا يُعِيدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْخِلَافَ في الاعادة وقال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَصْحَابُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ هَذَا الْخِلَافُ إذَا كَانَتْ الْجَبِيرَةُ أَوْ اللَّصُوقُ عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ التَّيَمُّمِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ

ص: 329

التَّيَمُّمُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِنُقْصَانِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ وَلَمْ أَرَ لِلْجُمْهُورِ تَصْرِيحًا بِمُخَالَفَةِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ وَلَا بِمُوَافَقَتِهَا لَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ يَقْتَضِي أَنْ لَا فَرْقَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَسَائِرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ عَلَى صَاحِبِ الْجَبِيرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْجَبِيرَةِ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ بَلْ يَمْسَحُ مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ وَإِنْ تَطَاوَلَتْ

الْأَزْمَانُ إلَى أَنْ يَبْرَأَ وَذَكَرَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ مُؤَقَّتٌ كَالْخُفِّ كَذَا أَطْلَقُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَخْتَلِفُ بِالْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فَيَنْزِعُ الْمُقِيمُ الْجَبِيرَةَ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ بَعْدَ ثَلَاثٍ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الصَّوَابُ أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَضَرًا وَسَفَرًا وَالْأَظْهَرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ مَنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ وَهَذَا الْوَجْهُ فِي أَصْلِهِ ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ غَيْرُ مُؤَقَّتٍ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِخِلَافِ الْخُفِّ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى اسْتِدَامَةِ الْجَبِيرَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِأَنَّ الْخُفَّ ينزعه

ص: 330

لِلْجَنَابَةِ بِخِلَافِ الْجَبِيرَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا أَمْكَنَ نَزْعُ الْجَبِيرَةِ ووضعها بغير ضرر العضو فان اضربه لَمْ يَجِبْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ وَصُورَةُ الْخِلَافِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ النَّزْعُ بِغَيْرِ خَلَلٍ يَعُودُ إلى العضو الا بعد يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ أَمْكَنَ فِي كُلِّ وَقْتٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ حَاصِلُهُ رَفْعُ الْخِلَافِ مِنْ أَصْلِهِ فَإِنَّا قَدَّمْنَا اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي النَّزْعِ ضَرَرٌ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ

* وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ اللَّصُوقِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجُرْحِ حُكْمُ الْجَبِيرَةِ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى حَلِّ عِصَابَتِهِ وَغَسْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ لَزِمَهُ وَإِلَّا فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ عَلَى مَا سَبَقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ وَضَعَ قِشْرَ الْبَاقِلَّا وَنَحْوِهِ عَلَى خَدْشِهِ فَهُوَ كَالْجَبِيرَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَكَذَا لَوْ طَلَى عَلَى خَدْشِهِ شَيْئًا قَالَ وَكَذَا الشُّقُوقُ عَلَى الرِّجْلِ إذَا احتاج فيها إلى تقطير شئ يَجْمُدُ فِيهَا (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَجْنَبَ صَاحِبُ الْجَبِيرَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يَلْزَمْهُ نَزْعُهَا بَلْ يَغْسِلُ الصَّحِيحَ وَيَمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَتَيَمَّمُ كَالْمُحْدِثِ بِخِلَافِ لَابِسِ الْخُفِّ يَلْزَمُهُ النَّزْعُ لِلْجَنَابَةِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ هُنَاكَ (فَرْعٌ)

لَوْ كَانَ عَلَى عُضْوَيْهِ جَبِيرَتَانِ فَرَفَعَ إحْدَاهُمَا لَا يَلْزَمُهُ رَفْعُ الْأُخْرَى بِخِلَافِ الخفين لان

ص: 331

لُبْسَهُمَا جَمِيعًا شَرْطٌ بِخِلَافِ الْجَبِيرَتَيْنِ وَلَوْ سَقَطَتْ جَبِيرَتُهُ عَنْ عُضْوِهِ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ بَرَأَ أَمْ لَا كَانْخِلَاعِ الْخُفِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي حنيفة انه ان

سقطت قبل البرئ لَمْ تُبْطِلْ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُفِّ وَعَلَى مَا بَعْدَ الْبُرْءِ وَلَوْ انْدَمَلَ مَا تَحْتَ الْجَبِيرَةِ وَبَرَأَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَصَلَّى بَعْدَهُ صَلَوَاتٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ كَذَا نَقَلَ الِاتِّفَاقَ فِيهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَوَهَّمَ انْدِمَالَهُ بَعْدَ التَّيَمُّمِ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَنْدَمِلْ فَفِي بُطْلَانِ تَيَمُّمِهِ الْوَجْهَانِ فِي تَيَمُّمِ الْجَرِيحِ أَصَحُّهُمَا لَا يَبْطُلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ مُسْتَوْفَاةً وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ [فَصْلٌ] فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ التَّيَمُّمِ (إحْدَاهَا) إذَا تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ خُفَّانِ أَوْ عِمَامَةٌ لَبِسَهُمَا عَلَى طُهْرٍ ثُمَّ خَلَعَ ذَلِكَ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي لَوْ عَدِمَ الْجُنُبُ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ فَشَرَعَ فِيهَا ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْقِرَاءَةِ قِرَاءَةَ قَدْرٍ مَعْلُومٍ لَزِمَهُ قَطْعُ الْقِرَاءَةِ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَإِنْ نَوَى قَدْرًا احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَهُ الْإِتْمَامُ كَمَا لَوْ نَوَى نَافِلَةً مَحْصُورَةً لَهُ إتْمَامُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْقَطْعُ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا يَرْتَبِطُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَلَا وَجْهَ لِلْأَوَّلِ قَالَ وَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ الْآيَةِ لَزِمَهُ قَطْعُهَا (الثَّالِثَةُ) قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ وَالِدِي لَوْ تَيَمَّمَ عَادِمُ الْمَاءِ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ فَفِي صِحَّةِ تَيَمُّمِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ نَجَاسَةٌ (الرَّابِعَةُ) إذَا تَيَمَّمَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ أَوْ خُفَّانِ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ نَزَعَهُمَا لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ

ص: 332

وَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا رِوَايَةٌ حَكَاهَا الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَبْطُلُ (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ التَّيَمُّمُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَرْضٍ وَسُنَّةٍ وَأَدَبٍ وَكَرَاهَةٍ وَشَرْطٍ فَالْفَرْضُ سَبْعَةٌ طَلَبُ الْمَاءِ وَالْقَصْدُ إلَى الصَّعِيدِ وَالنِّيَّةُ وَمَسْحُ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالتَّرْتِيبُ وَالتَّتَابُعُ عَلَى قَوْلٍ وَالسُّنَّةُ خمسة التسمية والافتصار عَلَى ضَرْبَتَيْنِ وَنَفْضُ الْغُبَارِ الْكَثِيرِ وَتَقْدِيمُ الْيُمْنَى وَالْأَدَبُ ثَلَاثَةٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَالِابْتِدَاءُ بِأَعْلَى الْوَجْهِ وَبِالْكَفَّيْنِ فِي الْيَدَيْنِ وَالْكَرَاهَةُ اسْتِعْمَالُ التُّرَابِ الْكَثِيرِ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الضَّرْبَتَيْنِ وَالشَّرْطُ وَاحِدٌ وَهُوَ كَوْنُ التُّرَابِ مُطْلَقًا قَالَ وَيَنْقُضُ التَّيَمُّمَ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ أَيْضًا وُجُودُ الْمَاءِ أَوْ ثَمَنِهِ وَتَوَهُّمُهُ وَارْتِفَاعُ الْمَرَضِ وَالْإِقَامَةُ قَالَ وَيُفَارِقُ التَّيَمُّمُ الْوُضُوءَ فِي خَمْسَةِ أَشْيَاءَ كَوْنُ التَّيَمُّمِ فِي عُضْوَيْنِ وَلَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ مُطْلَقًا

وَلَا يُصَلِّي فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَلَا يَتَيَمَّمُ إلَّا لِعُذْرٍ وَبَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ هذا آخِرُ كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَقَدْ تَرَكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْعُذْرَ وَدُخُولَ الْوَقْتِ وَقَدْ شَذَّ عَنْ ضَبْطِهِ مَسَائِلُ وَتَفَاصِيلُ وَوُجُوهٌ سَبَقَتْ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَصْلٌ] فِي حُكْمِ الصَّلَوَاتِ الْمَأْمُورِ بِهِنَّ فِي الْوَقْتِ مَعَ خَلَلٍ لِلضَّرُورَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا العذر ضربان

ص: 333

عَامٌّ وَنَادِرٌ فَالْعَامُّ لَا قَضَاءَ مَعَهُ لِلْمَشَقَّةِ وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ مُومِيًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ خَوْفًا مِنْ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَمِنْهُ الْمُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالْمُسَافِرُ يُصَلِّي بِالتَّيَمُّمِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ وَأَمَّا النَّادِرُ فَقِسْمَانِ قِسْمٌ يَدُومُ غَالِبًا وَقِسْمٌ لَا يَدُومُ فَالْأَوَّلُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ أَوْ رُعَافٌ دَائِمٌ أَوْ اسْتَرْخَتْ مَقْعَدَتُهُ فَدَامَ خُرُوجُ الْحَدَثِ مِنْهُ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ فَكُلُّهُمْ يُصَلُّونَ مَعَ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَلَا يُعِيدُونَ لِلْمَشَقَّةِ وَالضَّرُورَةِ وَأَمَّا الَّذِي لَا يَدُومُ غَالِبًا فَنَوْعَانِ نَوْعٌ يَأْتِي مَعَهُ بِبَدَلٍ لِلْخَلَلِ وَنَوْعٌ لَا يَأْتِي فَمِنْ الثَّانِي مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَالْمَرِيضُ وَالزَّمِنُ وَنَحْوُهُمَا مِمَّنْ لَا يَخَافُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الماء لكن مَنْ يُوَضِّئُهُ وَمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّحَوُّلِ إلَى الْقِبْلَةِ وَالْأَعْمَى وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى مَعْرِفَةِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُعَرِّفُهُ إيَّاهَا وَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ

ص: 334

أَوْ جُرْحِهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَالْمَرْبُوطُ عَلَى خَشَبَةٍ وَمَنْ شُدَّ وَثَاقُهُ وَالْغَرِيقُ وَمَنْ حُوِّلَ عَنْ الْقِبْلَةِ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى الصَّلَاةِ إلَى غَيْرِهَا أَوْ عَلَى تَرْكِ الْقِيَامِ فَكُلُّ هَؤُلَاءِ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ عَلَى حَسَبِ الْحَالِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِ هَذِهِ الْأَعْذَارِ وَفِي بَعْضِ هَؤُلَاءِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ تَقَدَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَمَّا الْمُصَلِّي عُرْيَانًا لِعَدَمِ السُّتْرَةِ فَفِي كَيْفِيَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا وأشهرهما تجب الصَّلَاةِ قَائِمًا بِإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالثَّانِي يُصَلِّي قَاعِدًا فَعَلَى هَذَا هَلْ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ أم يقتصر علي أدني الْجَبْهَةِ مِنْ الْأَرْضِ فِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ فِي الْمَحْبُوسِ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ بِحَيْثُ لَوْ سَجَدَ لَسَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ هَلْ يُتِمُّ السُّجُودَ أَمْ يَقْتَصِرُ عَلَى الايماء أم يتخير ويجرى فِيمَنْ وَجَدَ ثَوْبًا طَاهِرًا لَوْ فَرَشَهُ بَقِيَ عُرْيَانًا وَإِنْ لَبِسَهُ صَلَّى

ص: 335

عَلَى النَّجَاسَةِ وَيَجْرِي فِي الْعَارِي إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا وَالْأَصَحُّ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ أَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا فَإِذَا قُلْنَا فِي الْعُرْيَانِ لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي المذهب وفيه قَوْلٍ ضَعِيفٍ لَا يُعِيدُ وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِيمَنْ صَلَّى بِغَيْرِ مَاءٍ وَلَا تُرَابٍ وَنَظَائِرِهِ وَإِنْ قُلْنَا يُتِمُّ الْأَرْكَانَ فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَادَتُهُمْ الْعُرْيُ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا لَا يَعْتَادُونَهُ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ أَيْضًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهَا تَجِبُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا يَعْنِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَشَارَ إلَى الْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي سُقُوطِ الْإِعَادَةِ بَيْنَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِأَنَّ الثَّوْبَ يَعِزُّ فِي الْحَضَرِ وَلَا يُبْذَلُ بِخِلَافِ الْمَاءِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا يَأْتِي مَعَهُ ببدل ففيه

ص: 336

صُوَرٌ مِنْهَا مَنْ يَتَيَمَّمُ فِي الْحَضَرِ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِشِدَّةِ الْبَرْدِ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ أَوْ لِنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَنَحْوِهِ فِي السَّفَرِ أَوْ تَيَمَّمَ مَعَ الْجَبِيرَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَتَقَدَّمَتْ تَفَاصِيلُ الْخِلَافِ فِيهِمْ وَمِنْهَا الْمُتَيَمِّمُ مَعَ الْجَبِيرَةِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى طُهْرٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ جَعَلَ مَسْأَلَةَ الْجَبِيرَةِ مِنْ الْعُذْرِ الْعَامِّ وَهُوَ حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَنَقَلَ امام الحرمين الغزالي أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ تَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ لَا يَجِبُ

ص: 337

فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ وَأَنَّ الْمُزَنِيَّ رحمه الله قَالَ كُلُّ صَلَاةٍ وَجَبَتْ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَتْ مَعَ خَلَلٍ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا قَالَا وَهُمَا قَوْلَانِ مَنْقُولَانِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُزَنِيّ هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ الْوَقْتِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ بِأَمْرٍ جديد ولم يثبت فيه شئ بَلْ ثَبَتَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ ثُمَّ مَا حَكَمْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ بِأَنَّهُ دَائِمٌ وَأَسْقَطْنَا الْفَرْضَ بِهِ فَلَوْ اتَّفَقَ زواله بسرعة

ص: 338

فَهُوَ كَالدَّائِمِ الْمُتَمَادِي نَظَرًا إلَى جِنْسِهِ وَمَا حَكَمْنَا بِأَنَّهُ لَا يَدُومُ فَاتَّفَقَ دَوَامُهُ لَمْ يُلْحَقْ بِالدَّائِمِ بَلْ حُكْمُهُ

حُكْمُ مَا يَنْقَطِعُ عَلَى قُرْبٍ إلْحَاقًا لِمَا يَشِذُّ مِنْ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ ثُمَّ كُلُّ صَلَاةٍ أَوْجَبْنَاهَا فِي الْحَالِ مَعَ خَلَلٍ وَأَوْجَبْنَا قَضَاءَهَا فَقَضَاهَا فَفِي الْفَرْضِ مِنْ صَلَاتَيْهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ مَشْهُورَةٍ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا أَصَحُّهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّانِيَةُ وَالثَّانِي الْأُولَى وَالثَّالِثُ إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا وَالرَّابِعُ كِلَاهُمَا فَرْضٌ وَاخْتَارَهُ الْقَفَّالُ وَالْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَهُوَ قَوِيٌّ فَإِنَّهُ مُكَلَّفٌ بِهِمَا قال امام الحرمين

ص: 339

وإذا أوجبنا لصلاة فِي الْوَقْتِ وَأَوْجَبْنَا الْقَضَاءَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ مَا يَأْتِي بِهِ فِي الْوَقْتِ صَلَاةٌ وَلَكِنْ يَجِبُ قضاؤها للنقض قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَيْسَتْ صَلَاةً بَلْ تُشْبِهُ الصَّلَاةَ كَالْإِمْسَاكِ فِي رَمَضَانَ لِمَنْ أَفْطَرَ عَمْدًا قَالَ وَهَذَا بَعِيدٌ قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قُلْتُمْ الصَّلَاةُ الْمَفْعُولَةُ فِي الْوَقْتِ مَعَ الْخَلَلِ فَاسِدَةٌ كَالْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي يَجِبُ الْمُضِيُّ فِيهَا قُلْنَا إيجَابُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْفَاسِدِ مُحَالٌ وَأَمَّا التَّشَبُّهُ فَلَا يَبْعُدُ إيجَابُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 340

* ‌

(كتاب الحيض)

* قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ويحب المتطهرين) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ تَحِيضُ حَيْضًا وَمَحِيضًا وَمَحَاضًا فَهِيَ حَائِضٌ بِحَذْفِ الْهَاءِ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلْمُؤَنَّثِ خَاصَّةً فَلَا يَحْتَاجُ إلَى عَلَامَةِ تَأْنِيثٍ بِخِلَافِ قَائِمَةٍ وَمُسْلِمَةٍ هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ يُقَالُ أَيْضًا حَائِضَةٌ وَأَنْشَدَ: كَحَائِضَةٍ يَزْنِي بِهَا غَيْرُ طَاهِرٍ: قَالَ الْهَرَوِيُّ يُقَالُ حَاضَتْ وَتَحَيَّضَتْ وَدَرَسَتْ بِفَتْحِ الدَّالِ وَالرَّاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَعَرِكَتْ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَطَمِثَتْ بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ وَزَادَ غَيْرُهُ وَنَفِسَتْ وَأَعْصَرَتْ وَأَكْبَرَتْ وَضَحِكَتْ كُلُّهُ بِمَعْنَى حَاضَتْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِلْحَيْضِ سِتَّةُ أَسْمَاءٍ وَرَدَتْ اللُّغَةُ بِهَا أَشْهَرُهَا الْحَيْضُ وَالثَّانِي الطَّمْثُ وَالْمَرْأَةُ طَامِثٌ قَالَ الْفَرَّاءُ الطَّمْثُ الدَّمُ وَلِذَلِكَ قِيلَ إذَا افْتَضَّ الْبِكْرَ طَمَثَهَا أَيْ أَدْمَاهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: (لَمْ يطمثن انس قبلهم ولا جان) : الثَّالِثُ الْعِرَاكُ وَالْمَرْأَةُ عَارِكٌ وَالنِّسَاءُ عَوَارِكُ: الرَّابِعُ الضحك

ص: 341

وَالْمَرْأَةُ ضَاحِكٌ قَالَ الشَّاعِرُ وَضَحِكُ الْأَرَانِبِ فَوْقَ الصفا

* كمثل دم الحرق يَوْمَ اللُّقَا وَالْخَامِسُ الْإِكْبَارُ وَالْمَرْأَةُ مُكْبِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: يَأْتِي النِّسَاءَ عَلَى أَطْهَارِهِنَّ وَلَا

* يَأْتِي النِّسَاءَ إذْ أَكْبَرْنَ إكْبَارًا وَالسَّادِسُ الْإِعْصَارُ وَالْمَرْأَةُ مُعْصِرٌ قَالَ الشَّاعِرُ: جَارِيَةٌ قَدْ أَعَصَرَتْ

* أَوْ قَدْ دَنَا إعْصَارُهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْلُ الحيض السيلان يقال حاض الوادي أي اسال يُسَمَّى حَيْضًا لِسِيلَانِهِ فِي أَوْقَاتِهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْحَيْضُ دَمٌ يُرْخِيه رَحِمُ الْمَرْأَةِ بَعْدَ بُلُوغِهَا فِي أَوْقَاتٍ مُعْتَادَةٍ وَالِاسْتِحَاضَةُ سَيَلَانُ الدَّمِ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ الْمُعْتَادَةِ وَدَمُ الْحَيْضِ يَخْرُجُ مِنْ قَعْرِ الرَّحِمِ وَيَكُونُ أَسْوَدَ مُحْتَدِمًا أَيْ حَارًّا كَأَنَّهُ مُحْتَرِقٌ قَالَ وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَسِيلُ مِنْ الْعَاذِلِ وَهُوَ عِرْقُ فَمِهِ الَّذِي يَسِيلُ فِي أَدْنَى الرَّحِمِ دُونَ قَعْرِهِ قَالَ وَذُكِرَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْعَاذِلُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الذَّالِ

ص: 342

المعجمة قال الهروي في الغريين وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَيْضُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي أَوْقَاتِهِ بَعْدَ بُلُوغِهَا وَالِاسْتِحَاضَةُ دَمٌ يَخْرُجُ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المحيض) فَهُوَ دَمُ الْحَيْضِ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْمَحِيضُ فِي قَوْله تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ) فَقِيلَ إنَّهُ دَمُ الْحَيْضِ وَقِيلَ زَمَانُهُ وَقِيلَ مَكَانُهُ وَهُوَ الْفَرْجُ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَحِيضَ هُوَ الدَّمُ وَهُوَ الْحَيْضُ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ الْفَرْجُ وَهُوَ اسْمٌ للموضع كالميت وَالْمَقِيلُ مَوْضِعُ الْبَيْتُوتَةِ وَالْقَيْلُولَةِ وَقَالَ قَوْمٌ زَمَانُ الْحَيْضِ قَالَ وَهُمَا قَوْلَانِ ضَعِيفَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَسُمِّيَ الْحَيْضُ أَذًى لِقُبْحِ لَوْنِهِ وَرَائِحَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ وَأَضْرَارِهِ قَالَ الْجَاحِظُ فِي كِتَابِ الْحَيَوَانِ وَاَلَّذِي يَحِيضُ مِنْ الْحَيَوَانِ أَرْبَعٌ الْمَرْأَةُ وَالْأَرْنَبُ وَالضَّبُعُ وَالْخُفَّاشُ وَحَيْضُ الْأَرْنَبِ وَالضَّبُعِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ

(فَرْعٌ)

ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي الْحَيْضِ (هذا شئ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ) قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ بَعْضُهُمْ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ

ص: 343

الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ النبي صلى الله عليه وسلم أَكْثَرَ يَعْنِي أَنَّهُ عَامٌّ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ (فَرْعٌ)

يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ حَاضَتْ الْمَرْأَةُ وطمثت ونفثت بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَعَرِكَتْ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ وَرَوَيْنَا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ الْأَصْبَهَانِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ طَمِثَتْ دَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ فَلَا تَثْبُتُ كَرَاهَتُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا مَا رَوَيْنَاهُ في سنن البيهقي عن زيذ بْنِ بَاينُوسَ قَالَ قُلْت لِعَائِشَةَ رضي الله عنها (مَا تَقُولِينَ فِي الْعِرَاكِ قَالَتْ الْحَيْضَ تَعْنُونَ قُلْنَا نَعَمْ قَالَتْ سَمُّوهُ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى) فَمَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُمْ قَالُوا الْعِرَاكُ وَلَمْ يَقُولُوا الْحَيْضُ تَأَدُّبًا وَاسْتِحْيَاءً مِنْ مُخَاطَبَتِهَا بِاسْمِهِ الصَّرِيحِ الشَّائِعِ وَهُوَ مِمَّا يَسْتَحْيِي النِّسَاءُ مِنْهُ وَمِنْ ذِكْرِهِ فَقَالَتْ لَا تَتَكَلَّفُوا مَعِي هَذَا وَخَاطِبُونِي بِاسْمِهِ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

اعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْحَيْضِ مِنْ عَوِيصِ الْأَبْوَابِ وَمِمَّا غَلِطَ فِيهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْكِبَارِ لِدِقَّةِ مَسَائِلِهِ وَاعْتَنَى بِهِ الْمُحَقِّقُونَ وَأَفْرَدُوهُ بِالتَّصْنِيفِ فِي كُتُبٍ مُسْتَقِلَّةٍ وَأَفْرَدَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَئِمَّةِ الْعِرَاقِيِّينَ مَسْأَلَةَ الْمُتَحَيِّرَةِ فِي مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا مَسْأَلَةُ الْمُتَحَيِّرَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَتَى فِيهِ بِنَفَائِسَ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهَا وَحَقَّقَ أَشْيَاءَ مُهِمَّةً مِنْ أَحْكَامِهَا وَقَدْ اخْتَصَرْت أَنَا مَقَاصِدَهُ فِي كَرَارِيسَ وَسَأَذْكُرُ فِي هَذَا الشَّرْحِ مَا يَلِيقُ بِهِ مِنْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَجَمَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ فِي بَابِ الْحَيْضِ نَحْوَ نِصْفِ مُجَلَّدٍ وَقَالَ بَعْدَ مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ لَا يَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِي أَحْكَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أن يضجر

ص: 344

مِنْ تَكْرِيرِ الصُّوَرِ وَإِعَادَتِهَا فِي الْأَبْوَابِ وَبَسَطَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله مَسَائِلَ الْحَيْضِ أَبْلَغَ بَسْطٍ وَأَوْضَحُوهُ أَكْمَلَ إيضَاحٍ وَاعْتَنَوْا بِتَفَارِيعِهِ أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ وَبَالَغُوا فِي تَقْرِيبِ مَسَائِلِهِ بِتَكْثِيرِ الْأَمْثِلَةِ وَتَكْرِيرِ

الْأَحْكَامِ وَكُنْت جَمَعْت فِي الْحَيْضِ فِي شَرْحِ المهذب مجلدا كبييرا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ ثُمَّ رَأَيْت الْآنَ اخْتِصَارَهُ وَالْإِتْيَانَ بِمَقَاصِدِهِ وَمَقْصُودِي بِمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ أَلَّا يَضْجَرَ مُطَالِعُهُ بِإِطَالَتِهِ فَإِنِّي أَحْرِصُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَلَّا أُطِيلَهُ إلَّا بِمُهِمَّاتٍ وَقَوَاعِدَ مَطْلُوبَاتٍ وَمَا يَنْشَرِحُ بِهِ قَلْبُ مَنْ به طلب مَلِيحٌ وَقَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى كَرَاهَةِ ذَوِي الْمَهَانَةِ وَالْبَطَالَةِ فَإِنَّ مَسَائِلَ الْحَيْضِ يَكْثُرُ الاحتياج إليها لعموم وقوعها وقد رأيت مالا يُحْصَى مِنْ الْمَرَّاتِ مَنْ يَسْأَلُ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَنْ مَسَائِلَ دَقِيقَةٍ وَقَعَتْ فِيهِ لَا يَهْتَدِي إلَى الْجَوَابِ الصَّحِيحِ فِيهَا إلَّا أَفْرَادٌ مِنْ الْحُذَّاقِ الْمُعْتَنِينَ بِبَابِ الْحَيْضِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَيْضَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الْمُتَكَرِّرَةِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مالا يُحْصَى مِنْ الْأَحْكَامِ كَالطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَالصَّوْمِ والاعتكاف والحج والبلوغ والوطئ وَالطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالْإِيلَاءِ وَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ وَغَيْرِهَا وَالْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بما هذه حاله وقد قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ الْحَيْضُ كِتَابٌ ضَائِعٌ لَمْ يُصَنَّفْ فِيهِ تَصْنِيفٌ يَقُومُ بِحَقِّهِ وَيَشْفِي الْقَلْبَ وَأَنَا أَرْجُو مِنْ فَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَجْمَعُهُ فِي هَذَا الشَّرْحِ يَقُومُ بِحَقِّهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَأَنَّهُ لَا تَقَعُ مَسْأَلَةٌ إلَّا وَتُوجَدُ فِيهِ نَصًّا أَوْ اسْتِنْبَاطًا لَكِنْ قَدْ يَخْفَى مَوْضِعُهَا عَلَى مَنْ لَا تَكْمُلُ مُطَالَعَتُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

ص: 345

(فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي النِّسَاءُ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ طَاهِرٌ وَحَائِضٌ وَمُسْتَحَاضَةٌ وَذَاتُ دَمٍ فَاسِدٍ فَالطَّاهِرُ ذَاتُ النَّقَاءِ وَالْحَائِضُ مَنْ تَرَى دَمَ الْحَيْضِ فِي زَمَنِهِ بِشَرْطِهِ وَالْمُسْتَحَاضَةُ مَنْ تَرَى الدَّمَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ عَلَى صِفَةٍ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَذَاتُ الْفَسَادِ مَنْ يَبْتَدِيهَا دَمٌ لَا يَكُونُ حَيْضًا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ أَيْضًا قَبْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ تِسْعِ سِنِينَ فَهُوَ دَمٌ فَاسِدٌ وَلَا يُقَالُ لَهُ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى أَثَرِ حَيْضٍ ثُمَّ قَالَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ رَأَتْ أَحْمَرَ فَالْأَسْوَدُ حيض وفى الاحمر وجهان قال أبو اسحق هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ هُوَ دَمُ فَسَادٍ لَا اسْتِحَاضَةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ مَا دَخَلَ عَلَى أَثَرِ الْحَيْضِ فِي زَمَانِهِ ثُمَّ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ لَا تُطْلَقُ إلَّا عَلَى دَمٍ متصل بالحيض

ص: 346

وليس بحيض واما مالا يَتَّصِلُ بِحَيْضٍ فَدَمُ فَسَادٍ وَلَا يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يُسَمَّى الجميع استحاضة فالواو الاستحاضة نَوْعَانِ نَوْعٌ يَتَّصِلُ بِدَمِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَنَوْعٌ لَا يَتَّصِلُ بِهِ كَصَغِيرَةٍ لَمْ تَبْلُغْ تِسْعَ سِنِينَ رَأَتْ الدَّمَ وَكَبِيرَةٍ رَأَتْهُ وَانْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَدَثِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرْخَسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُوَافِقُ لِمَا سَبَقَ عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ دَمٌ يَجْرِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي الْمُهَذَّبِ فَقَالَ فِي فَصْلِ النِّفَاسِ وَإِنْ رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ إلَى قَوْلِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ وَاسْتَعْمَلَهُ أيضا الجرجاني وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 347

[إذا حاضت المرأة حرم عليها الطهارة لان الحيض يوجب الطهارة وما أوجب الطهارة منع صحتها كخروج البول][الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَدَّهَا جَمَاعَاتٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ المهذب لكونه صرح بنحر ثم الطَّهَارَةِ وَالطَّهَارَةُ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَلَى الْأَعْضَاءِ وَلَيْسَ إفَاضَةُ الْمَاءِ مُحَرَّمَةً عَلَيْهَا مَعَ أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْوَاعٌ كَثِيرَةٌ مِنْ الطَّهَارَةِ كَغُسْلِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِ وَقَدْ وَافَقَ الشَّاشِيُّ الْمُصَنِّفَ فِي الْعِبَارَةِ فقال في المعتمد يحرم عليها لطهارة وَاَلَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا قَالَ وَهُوَ الْأَظْهَرُ إنَّ مَعْنَى حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّهَارَةُ أَيْ لَمْ تَصِحَّ طَهَارَتُهَا وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِيه وَالثَّانِي مُرَادُهُ إذَا قَصَدَتْ الطَّهَارَةَ تَعَبُّدًا مَعَ عِلْمِهَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ فَتَأْثَمُ بِهَذَا لِأَنَّهَا مُتَلَاعِبَةٌ بِالْعِبَادَةِ فَأَمَّا إمْرَارُ الْمَاءِ عَلَيْهَا بِغَيْرِ قَصْدِ الْعِبَادَةِ فَلَا تَأْثَمُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَذَا كَمَا أَنَّ الحائض إذا

ص: 348

أَمْسَكَتْ عَنْ الطَّعَامِ بِقَصْدِ الصَّوْمِ أَثِمَتْ وَإِنْ أَمْسَكَتْ بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَأْثَمْ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ فِعْلُ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَصِحُّ مِنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ

الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَصِحُّ غُسْلُ الْحَائِضِ إلَّا عَلَى قَوْلٍ بَعِيدٍ أَنَّ الْحَائِضَ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَجْنَبَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ يَجُزْ لَهَا الْقِرَاءَةُ فَلَوْ اغْتَسَلَتْ صَحَّ غُسْلُهَا وَقَرَأَتْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ (فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَةُ حَائِضٍ هُوَ فِي طَهَارَةٍ لِرَفْعِ حَدَثٍ سَوَاءٌ كَانَتْ وُضُوءًا أَوْ غُسْلًا وَأَمَّا الطَّهَارَةُ الْمَسْنُونَةُ لِلنَّظَافَةِ كَالْغُسْلِ لِلْإِحْرَامِ وَالْوُقُوفِ وَرَمْيِ الجمرة فمسونة لِلْحَائِضِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ أَصْحَابُنَا وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْضًا فِي أَوَّلِ بَابِ الْإِحْرَامِ ويدل

ص: 349

عَلَيْهِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها حِينَ حَاضَتْ (اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [ويحرم عليها الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فدعي الصلاة) ويسقط فرضها لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ (كنا نحيض عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلا نقضي ولا نؤمر بالقضاء: ولان الحيض يكثر فلو أوجبنا قضاء ما يفوتها شق وضاق][الشَّرْحُ] الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فَالْأَوَّلُ رَوَيَاهُ بِلَفْظِهِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُ الْحَيْضَةِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الثَّانِي فَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد

ص: 350

وَغَيْرُهُ بِلَفْظِهِ هُنَا

* وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهَا الصَّلَاةُ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ فَلَا تَقْضِي إذَا طَهُرَتْ قَالَ أَبُو جعفر ابن جَرِيرٍ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَلَيْهَا اجْتِنَابَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا وَاجْتِنَابَ جَمِيعِ الصِّيَامِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَاجْتِنَابَ الطَّوَافِ فَرْضِهِ وَنَفْلِهِ وَأَنَّهَا إنْ صَلَّتْ أَوْ صَامَتْ أَوْ طَافَتْ لَمْ يُجْزِهَا ذَلِكَ عَنْ فَرْضٍ كَانَ عَلَيْهَا وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جرير وآخرون الاجماع انها لا تقتضي الصَّلَاةَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بَيْنَ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الصَّلَاةَ تَكْثُرُ فَيَشُقُّ قَضَاؤُهَا

بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَبِهَذَا الْفَرْقِ فَرَّقُوا فِي حَقِّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّوْمِ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ فِي الْحَائِضِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُتَّبَعُ فِي الْفَرْقِ الشَّرْعُ وَهُوَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ) وَأَرَادَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ فَرْقٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَقَدْ نَقَلَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصَّوْمِ عَنْ أَبِي الزناد

ص: 351

نَحْوَ قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الزِّنَادِ إنَّ السُّنَنَ وَوُجُوهَ الْحَقِّ لَتَأْتِي كَثِيرًا عَلَى خِلَافِ الرَّأْيِ فَمَا يَجِدُ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِهَا مِنْ ذَلِكَ الْحَائِضُ تَقْضِي الصَّوْمَ دُونَ الصَّلَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الْفَرْقِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا فَرْقٌ حَسَنٌ فَلْيُعْتَمَدْ

* وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَلَى سُقُوطِ فَرْضِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلٍ آخَرَ فَقَالَ وَجَدْت كُلَّ مُكَلَّفٍ مَأْمُورًا بِفِعْلِ الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ فِي الْمَرَضِ وَالْمُسَايَفَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَالْحَائِضُ مُكَلَّفَةٌ وَهِيَ غَيْرُ مَأْمُورَةٍ بِهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهَا فَعَلِمَتْ أَنَّهَا غَيْرُ

ص: 352

وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الصَّلَاةِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَيَحْرُمَانِ عَلَى الْحَائِضِ والنفساء كما تحرم صلاة الجنازة لان الطَّهَارَةَ شَرْطٌ (فَرْعٌ)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ كُلُّ صَلَاةٍ تَفُوتُ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ لَا تُقْضَى إلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً وَهِيَ رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنَّهَا لَا تَتَكَرَّرُ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا لَا يُسَمَّى قَضَاءً لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَلَوْ جَازَ أَنْ يُسَمَّى هَذَا قَضَاءً لَجَازَ أَنْ يُسَمَّى قَضَاءَ فَائِتَةٍ كَانَتْ قَبْلَ الْحَيْضِ وَهَذَا الذى قاله بو عَلِيٍّ هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ لَا يدخل وقتبا إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهَا طَافَتْ ثُمَّ حَاضَتْ عَقِيبَ الْفَرَاغِ مِنْ الطَّوَافِ صَحَّ مَا قَالَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ سَلِمَ لَهُمَا ثُبُوتُ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الْحَائِضِ وُضُوءٌ وَلَا تَسْبِيحٌ وَلَا ذِكْرٌ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ

وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو ثَوْرٍ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ جَرِيرٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ تَطْهُرُ وَتُسَبِّحُ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ

ص: 353

قَالَ لَنَا (مُرْ نِسَاءَ الْحَيْضِ أَنْ يَتَوَضَّأْنَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَيَجْلِسْنَ وَيَذْكُرْنَ اللَّهَ عز وجل وَيُسَبِّحْنَ) وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الاستحباب عندهما فاما استحباب التسبيح فلا يأمر بِهِ وَإِنْ كَانَ لَا أَصْلَ لَهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْمَخْصُوصِ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ بَلْ تَأْثَمُ بِهِ إنْ قصدت العبادة كما سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [ويحرم الصوم لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصلاة فدل أنهن كن يفطرن ولا يسقط فرضه لحديث عائشة ولان الصوم في السنة مرة فلا يشق قضاؤه]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ: كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ: فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا فِيهِ جَوَازُ الْفِطْرِ وَقَدْ يَكُونُ الصَّوْمُ جَائِزًا لَا وَاجِبًا كَالْمُسَافِرِ قُلْنَا قَدْ ثَبَتَ شِدَّةُ اجْتِهَادِ الصَّحَابِيَّاتِ رضي الله عنهن فِي الْعِبَادَاتِ وَحِرْصُهُنَّ عَلَى الْمُمْكِنِ مِنْهَا فَلَوْ جَازَ الصَّوْمُ لَفَعَلَهُ بَعْضُهُنَّ كَمَا فِي الْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (مَا رَأَيْت مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ) ثُمَّ قَالَ (وَتَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا نُقْصَانُ الدِّينِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَلَيْسَ إذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا كَمَا قَدَّمْنَا نَقْلَهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَوْنُ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهَا لَا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا

ص: 354

وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَجِبُ بِأَمْرٍ جَدِيدٍ

وَلَيْسَتْ مُخَاطَبَةً بِالصَّوْمِ فِي حَالِ حَيْضِهَا لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فَكَيْفَ تُؤْمَرُ بِهِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ بِسَبَبٍ هِيَ مَعْذُورَةٌ فِيهِ وَلَا قُدْرَةَ لَهَا عَلَى إزَالَتِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهَا الصَّوْمُ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَتُعْذَرُ فِي تَأْخِيرِهِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجِبْ فِي الْحَالِ لَمْ يَجِبْ الْقَضَاءُ كَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْمُحَقِّقُونَ يَأْبَوْنَ هَذَا الْوَجْهَ لِأَنَّ الْوُجُوبَ شَرْطُهُ اقْتِرَانُ الْإِمْكَانِ بِهِ قَالَ وَمَنْ يَطْلُبُ حَقِيقَةَ الْفِقْهِ لَا يُقِيمُ لِمِثْلِ هَذَا الْخِلَافِ وَزْنًا قُلْت وَهَذَا الْوَجْهُ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِنَا فِي الاصول والكلام ان تكليف مالا يُطَاقُ جَائِزٌ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لَيْسَ لِهَذَا الْخِلَافِ فَائِدَةٌ فِقْهِيَّةٌ قُلْت تَظْهَرُ فَائِدَةُ هَذَا وَشِبْهِهِ فِي الْأَيْمَانِ وَتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ مَتَى وَجَبَ عَلَيْكِ صوم فانت طالق والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 355

* [ويحرم الطواف لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِعَائِشَةَ رضي الله عنها اصْنَعِي مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تطوفي ولانه يفتقر إلى الطهارة ولا تصح منها الطهارة]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّوَافِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهَا طَوَافٌ مَفْرُوضٌ وَلَا تَطَوُّعٌ وَأَجْمَعُوا أن الحائض والنفساء لا تمنع من شئ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ إلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِي هَذَا كُلِّهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ويحرم قراءة القرآن لقوله صلى الله عليه وسلم: (لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ وَلَا الْحَائِضُ شَيْئًا مِنْ القرآن) ]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ لَا يَقْرَأْ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ علي النهى وبفتحها عَلَى الْخَبَرِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ النَّهْيُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْحَائِضِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا قَدِيمًا

لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَأَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ أَبَا ثَوْرٍ رحمه الله قَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ يَجُوزُ لِلْحَائِضِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَاخْتَلَفُوا فِي أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَرَادَ بِهِ مَالِكًا وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ بِالْجَوَازِ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَرَادَ بِهِ الشَّافِعِيَّ وَجَعَلُوهُ قَوْلًا قَدِيمًا قَالَ الشيخ أبو محمد وجدث أَبَا ثَوْرٍ جَمَعَهُمَا فِي مَوْضِعٍ فَقَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَمَالِكٌ وَاحْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ قَوْلًا بِالْجَوَازِ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا تَخَافُ النِّسْيَانَ لِطُولِ الزَّمَانِ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ مُعَلَّمَةً فَيُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ حِرْفَتِهَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جَازَ لَهَا قِرَاءَةُ مَا شَاءَتْ إذْ لَيْسَ لِمَا يَخَافُ نِسْيَانُهُ ضَابِطٌ فَعَلَى هَذَا هِيَ كَالطَّاهِرِ فِي الْقِرَاءَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يَحِلَّ إلَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَاجَةِ التَّعْلِيمِ فِي زَمَانِ الْحَيْضِ هَكَذَا ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ وَتَفْرِيعَهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ

ص: 356

وَآخَرُونَ هَذَا حُكْمُ قِرَاءَتِهَا بِاللِّسَانِ فَأَمَّا إجْرَاءُ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ وَالنَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَإِمْرَارُ مَا فِيهِ فِي الْقَلْبِ فَجَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ غَيْرَ الْقُرْآنِ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَ إيضَاحُ هَذَا مَعَ جُمَلٍ مِنْ الْفُرُوعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْحَائِضِ الْقُرْآنَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ تَحْرِيمُهَا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَعَطَاءٌ وَأَبُو العالية والنخعي وسعيد بن جبير والزهرى واسحق وأبو ثور وعن مالك وأبى حنية وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا التَّحْرِيمُ وَالثَّانِيَةُ الْجَوَازُ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَاحْتُجَّ لِمَنْ جَوَّزَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ: وَلِأَنَّ زَمَنَهُ يَطُولُ فَيَخَافُ نِسْيَانَهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجُنُبِ فَإِنَّ مَنْ خَالَفَ فِيهَا وَافَقَ عَلَى الْجُنُبِ إلَّا دَاوُد وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ دَاوُد لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ وَفِعْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لِأَنَّ غَيْرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَالَفَهَا وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم رَجَعْنَا إلَى الْقِيَاسِ وَأَمَّا خَوْفُ النِّسْيَانِ فَنَادِرٌ فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَيْضِ غَالِبًا سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٌ

وَلَا يُنْسَى غَالِبًا فِي هَذَا الْقَدْرِ وَلِأَنَّ خَوْفَ النِّسْيَانِ يَنْتَفِي بِإِمْرَارِ الْقُرْآنِ عَلَى القلب والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [ويحرم حمل المصحف ومسه لقوله تعالى (لا يمسه الا المطهرون) ويحرم اللبث في المسجد لقوله صلي الله عليه وسلم (لا أحل المسجد لجنب ولا لحائض) فأما العبور فانها إذا استوثقت من نفسها جاز لانه حدث يمنع اللبث في المسجد فلا يمنع العبور كالجنابة]

*

ص: 357

[الشَّرْحُ] يَحْرُمُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ وَاللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ وَكُلُّ هَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَتْ أَدِلَّتُهُ وَفُرُوعُهُ الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَإِسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ وَأَمَّا عُبُورُهَا بِغَيْرِ لُبْثٍ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ أَكْرَهُ مَمَرَّ الْحَائِضِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ لِعَدَمِ الِاسْتِيثَاقِ بِالشَّدِّ أَوْ لِغَلَبَةِ الدَّمِ حَرُمَ الْعُبُورُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَمِنَتْ ذَلِكَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا جَوَازُهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَالْجُنُبِ وَكَمَنْ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَخَافُ تَلْوِيثَهُ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَصَحَّحَ تَحْرِيمَ الْعُبُورِ وَإِنْ أَمِنَتْ لِغِلَظِ حَدَثِهَا بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ هَذَا حُكْمُ عُبُورهَا قَبْلَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فَإِذَا انْقَطَعَ وَلَمْ تَغْتَسِلْ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ عُبُورِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَطَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَالْحَائِضُ الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ فَتُمْنَعُ مِنْ الْمُكْث فِي الْمَسْجِدِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْكَافِرِ الْجُنُبِ فَإِنَّ فِي تَمْكِينِهِ مِنْ الْمُكْثِ فِيهِ وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ فِي مَسَائِلِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمَنْعَ لِخَوْفِ التَّلْوِيثِ وَالْكَافِرَةُ كَالْمُسْلِمَةِ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُسْتَحَاضَةُ وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ إنْ خَافُوا التَّلْوِيثَ حَرُمَ الْعُبُورُ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ويحرم الوطئ في الفرج لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ من

ص: 358

حيث أمركم الله) فان وطئها مع العلم بالتحريم ففيه قولان قال في القديم ان كان في أول الدم لزمه أن يتصدق بدينار وان كان في آخره لزمه أن يتصدق بنصف دينار لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال في الذى يأتي امرأته وهى حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار وقال في الجديد لا يجب لانه وطئ محرم للاذى فلم تتعلق به الكفارة كالوطئ في الدبر]

* [الشرح] أجمع المسلمون علي تحريم وطئ الْحَائِضِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وغيرهم من استحل وطئ الْحَائِضِ حُكِمَ بِكُفْرِهِ قَالُوا وَمَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا وُجُودَ الْحَيْضِ أَوْ تَحْرِيمَهُ أَوْ نَاسِيًا أَوْ مُكْرَهًا فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ انه يجئ عَلَى الْقَدِيمِ قَوْلُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى النَّاسِي كفارة كالعامد وهذا ليس بشئ وَأَمَّا إذَا وَطِئَهَا عَالِمًا بِالْحَيْضِ وَتَحْرِيمِهِ مُخْتَارًا فَفِيهِ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بل يعذر وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفِّرَ الْكَفَّارَةَ الَّتِي يُوجِبُهَا الْقَدِيمُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ يَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْكَفَّارَةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْقَدِيمِ دِينَارٌ إنْ كَانَ الْجِمَاعُ فِي إقْبَالِ الدَّمِ وَنِصْفُ دِينَارٍ إنْ كَانَ فِي إدْبَارِهِ وَالْمُرَادُ بِإِقْبَالِ الدَّمِ زَمَنُ قُوَّتِهِ وَاشْتِدَادِهِ وَبِإِدْبَارِهِ ضَعْفُهُ وَقُرْبُهُ مِنْ الِانْقِطَاعِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وامام الحرمين وجها عن الاستاذ ابي اسحق الاسفراينى أَنَّ إقْبَالَهُ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ وَإِدْبَارَهُ مَا بَعْدَ انْقِطَاعِهِ وَقَبْلَ اغْتِسَالِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ وَطِئَ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الِاغْتِسَالِ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ قَالَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا الْقَوْلِ الْقَدِيمِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَحَمَلُوا قَوْلَهُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ عَلَى التَّقْسِيمِ وَأَنَّ الدِّينَارَ فِي الْإِقْبَالِ وَالنِّصْفَ فِي الْإِدْبَارِ

ص: 359

وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا شَاذًّا أَنَّ الْكَفَّارَةَ الْوَاجِبَةَ عِتْقُ رَقَبَةٍ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ روي ذلك

من عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إنْ صَحَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قلت به قال فكان أبو حامد الاسفراينى وَجُمْهُورُ الْبَغْدَادِيِّينَ يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَكَانَ أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ الْبَصْرِيِّينَ لَا يَجْعَلُونَهُ قَوْلًا قَدِيمًا وَلَا يَحْكُونَهُ مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْحُكْمَ عَلَى صِحَّةِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَصِحَّ وَكَانَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَقُولُ لَوْ صَحَّ الْحَدِيثُ لَكَانَ مَحْمُولًا فِي الْقَدِيمِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَا عَلَى الْإِيجَابِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ أَوْجَبَ الْكَفَّارَةَ وَهُوَ بَعِيدٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ قُلْت وَاتَّفَقَ الْمُحَدِّثُونَ عَلَى ضَعْفِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا وَاضْطِرَابِهِ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَأَلْوَانًا كَثِيرَةً وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ صَحِيحًا وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْحَاكِمُ خِلَافُ قَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالْحَاكِمُ مَعْرُوفٌ عِنْدَهُمْ بِالتَّسَاهُلِ فِي التَّصْحِيحِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ هَذَا حَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ مِثْلُهُ وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا بَيَانًا شَافِيًا وَهُوَ إمَامٌ حَافِظٌ مُتَّفَقٌ عَلَى إتْقَانِهِ وَتَحْقِيقِهِ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يلزمه شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَمَنْ أَوْجَبَ دِينَارًا أَوْ نِصْفَهُ فَهُوَ عَلَى الزَّوْجِ خَاصَّةً وَهُوَ مِثْقَالُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ وَيُصْرَفُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ وَطِئَهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ وَالْعِلْمِ بِالْحَيْضِ وَالِاخْتِيَارِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ وطئ محرم للاذى احترازا من الوطئ فِي الْإِحْرَامِ وَنَهَارِ رَمَضَانَ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ العلماء فيمن وطي فِي الْحَيْضِ عَامِدًا عَالِمًا - قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِمَا وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَحَكَاهُ

ص: 360

أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَبِي الزِّنَادِ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ يَجِبُ الدِّينَارُ وَنِصْفُهُ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمُتَقَدِّمِ وَاخْتِلَافٌ مِنْهُمْ فِي اعْتِبَارِ الْحَالِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ عَلَيْهِ عِتْقَ رَقَبَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ

الْبَصْرِيِّ عَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُجَامِعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ الْحَسَنِ وَحَكَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْهُ قَالَ يُعْتِقُ رَقَبَةً أَوْ يُهْدِي بَدَنَةً أَوْ يُطْعِمُ عِشْرِينَ صَاعًا وَمُعْتَمَدُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ فَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَفَّارَةَ عليه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ فِيمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَقَالَ أبو اسحق لا يحرم غير الوطئ فِي الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ غير النكاح) ولانه وطئ حرم للاذى فاختص به كالوطئ فِي الدُّبُرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى عُمَرُ رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ (مَا فَوْقَ الازار) ]

ص: 361

[الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَبَعْضُ حَدِيثٍ: رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إذَا حَاضَتْ مِنْهُمْ الْمَرْأَةُ أَخْرَجُوهَا مِنْ الْبَيْتِ وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهُنَّ فِي الْبَيْتِ فَسَأَلَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النبي صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل (ويسألونك عن المحيض) الْآيَةَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِمَعْنَاهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كَانَتْ إحْدَانَا إذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إرْبَهُ: كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْلِك إرْبَهُ) وَعَنْ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها نَحْوُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كَانَ يُبَاشِرُ نِسَاءَهُ فَوْقَ الْإِزَارِ) يَعْنِي فِي الْحَيْضِ وَالْمُرَادُ بِالْمُبَاشَرَةِ هُنَا الْتِقَاءُ الْبَشَرَتَيْنِ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا حَرَامٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَأَحْكَامِ الْقُرْآنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ

ص: 362

وَاحْتَجُّوا لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المحيض) وبالحديث المذكور ولان ذلك حريم

لِلْفَرْجِ: وَمَنْ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُخَالِطَ الْحِمَى: وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْقُبْلَةِ وَلَمْسِ الْوَجْهِ وَالْيَدِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُعْتَادٌ لغالب النَّاسِ فَإِنَّ غَالِبَهُمْ إذَا لَمْ يَسْتَمْتِعُوا بِالْجِمَاعِ استمتعوا بما ذكرناه لا بما تحت الاوزار وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَهُوَ قَوْلُ أبي اسحاق المروزى وحكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَرَأَيْته أَنَا مَقْطُوعًا بِهِ فِي كِتَابِ اللَّطِيفِ لِأَبِي الْحَسَن بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الْأَقْوَى مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْإِبَاحَةِ وَأَمَّا مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْإِزَارِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ وَتَأَوَّلَ هؤلاء الازار في حديث عمر رضى الله عنه عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْفَرْجُ بِعَيْنِهِ وَنَقَلُوهُ عَنْ اللُّغَةِ وَأَنْشَدُوا فِيهِ شِعْرًا وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوْقَ الْإِزَارِ تَفْسِيرًا لِلْإِزَارِ فِي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه بَلْ هِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ كَمَا سَبَقَ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ وَثِقَ الْمُبَاشِرُ تَحْتَ الْإِزَارِ بِضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ

ص: 363

الْفَرْجِ لِضَعْفِ شَهْوَةٍ أَوْ شِدَّةِ وَرَعٍ جَازَ وَإِلَّا فَلَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي الْفَيَّاضِ الْبَصْرِيِّ وَهُوَ حَسَنٌ وَنَقَلَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ بَدَلَ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَالَ الْقَاضِي الْجَدِيدُ التَّحْرِيمُ وَالْقَدِيمُ الْجَوَازُ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُحَرِّمُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَصَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ هَذَا حُكْمُ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ أَمَّا مَا سِوَاهُ فَمُبَاشَرَتُهَا فِيهِ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملي في المجموع وابن الصباغ والعبد رى وَآخَرُونَ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عُبَيْدَة السَّلْمَانِيِّ الْإِمَامِ التَّابِعِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وكسر الباء من انه لا يباشر شئ مِنْ بَدَنِهِ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهَا فَلَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْهُ وَلَوْ صَحَّ فَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي مُبَاشَرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ

ص: 364

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوْقَ الْإِزَارِ وَإِذْنِهِ فِي ذَلِكَ في قوله صل الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ)

وَبِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَمَنْ بَعْدَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَمْتِعُ بِهِ فَوْقَ الازار شئ من دم الحيض أولا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وجها انه ان كان عليه شئ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ حَرُمَ لِأَنَّهُ أَذًى وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ وَغَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي التحريم وقياسا على مالو كَانَ عَلَيْهَا نَجَاسَةٌ أُخْرَى وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِنَفْسِ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمَا حَاذَاهُمَا فَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ الْجَزْمُ بِجَوَازِهِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَخْرُجَ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهِمَا عَوْرَةً إنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ كَانَتَا كَمَا بَيْنَهُمَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا لَيْسَتَا عَوْرَةً أُبِيحَا قَطْعًا كَمَا وَرَاءَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَرْعٌ] فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبَاشَرَةِ فِيمَا بين السرة والركبة بغير وطئ: قد ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي مَذْهَبِنَا وَدَلَائِلِهِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

ص: 365

وطاووس وَشُرَيْحٍ وَعَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْن يَسَارٍ وَقَتَادَةَ وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالْجَوَازِ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَكَمُ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ وَأَصْبَغُ الْمَالِكِيُّ وأبو ثور واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَنَقَلَهُ عَنْهُمْ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَقَدَّمَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَرْعٌ] إذَا قُلْنَا تَحْرُمُ الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَفَعَلَهُ مُتَعَمِّدًا مُخْتَارًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ أَثِمَ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ إيجَابَ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَدِيمِ إنَّمَا كَانَ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ وَلَيْسَ هُنَا حَدِيثٌ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فان الوطئ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيُكَفِّرُ مُسْتَحِلُّهُ وَهَذَا بِخِلَافِهِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْض حَلَّ لَهَا الصَّوْمُ لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ بِالْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَلَا تَحِلُّ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَحَمْلُ الْمُصْحَفِ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهَا لِلْحَدَثِ وَالْحَدَثُ بَاقٍ وَلَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ

لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تقربوهن حتى يطهرن فإذا تطهرن) قَالَ مُجَاهِدٌ حَتَّى يَغْتَسِلْنَ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الماء فتيممت حل مَا يَحِلُّ بِالْغُسْلِ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ قَائِمٌ مَقَامَ الْغُسْلِ فَاسْتُبِيحَ بِهِ مَا يُسْتَبَاحُ بِالْغُسْلِ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَصَلَّتْ فَرِيضَةً لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا بِفِعْلِ الْفَرِيضَةِ كَمَا يَحْرُمُ فِعْلُ الْفَرِيضَةِ بَعْدَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لان الوطئ ليس بفرض فلم يحرم فعل الفريضة كصلاة النفل]

ص: 366

[الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيْضِ أَحْكَامٌ (أَحَدُهَا) يَمْنَعُ صِحَّةَ الطَّهَارَةِ إلَّا أَغْسَالَ الْحَجِّ وَنَحْوَهَا مِمَّا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ (الثَّانِي) تَحْرُمُ الطَّهَارَةُ بِنِيَّةِ الْعِبَادَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَيْنَا مِنْ أَغْسَالِ الْحَجِّ وَنَحْوِهَا (الثَّالِثُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) يُحَرِّمُهَا (الْخَامِسُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهَا (السَّادِسُ) يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّوْمِ (السَّابِعُ) يُحَرِّمُهُ (الثَّامِنُ) يَمْنَعُ صِحَّتَهُ (التَّاسِعُ) يُحَرِّمُ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْمُكْثَ فِي الْمَسْجِدِ وَكَذَا الْعُبُورُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الْعَاشِرُ) يُحَرِّمُ سُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ.

وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الْحَادِيَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الِاعْتِكَافَ وَيَمْنَعُ صِحَّتَهُ (الثَّالِثَ عَشَرَ) يَمْنَعُ وُجُوبَ طَوَافِ الْوَدَاعِ (الرَّابِعَ عشر) يحرم الوطئ وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الْخَامِسَ عَشَرَ) يُحَرِّمُ الطَّلَاقَ (السَّادِسَ عَشَرَ) تَبْلُغُ بِهِ الصَّبِيَّةُ (السَّابِعَ عَشَرَ) تَتَعَلَّقُ بِهِ الْعِدَّةُ وَالِاسْتِبْرَاءُ (الثَّامِنَ عَشَرَ) يُوجِبُ الْغُسْلَ وَهَلْ يَجِبُ بِخُرُوجِهِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ أَمْ بِهِمَا فِيهِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمُعْظَمُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ ارْتَفَعَ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمُحَرَّمَةِ تَحْرِيمُ الصَّوْمِ وَالطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَارْتَفَعَ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْعُبُورِ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى الْأَصَحِّ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ فِي زَمَنِ الْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهٍ عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْعُبُورَ يَبْقَى

ص: 367

تحريمه حتي تغتسل وليس بشئ وَلَا يَرْتَفِعُ مَا حَرُمَ لِلْحَدَثِ كَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالسُّجُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالِاعْتِكَافِ وَمَسِّ الْمُصْحَفِ وَالْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَرْتَفِعُ أَيْضًا تَحْرِيمُ الْجِمَاعِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ اسْتَبَاحَتْ جَمِيعَ ذَلِكَ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ كَالْغُسْلِ قال أصحابنا وإذا تَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ لَمْ يَحْرُمْ وَطْؤُهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا القاضى أبو الطيب لانها

استباحت الوطئ بالتيمم والحدث لا يحرم الوطئ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ قَالَ الْقَاضِي ولا نالوا قلنا يحرم الوطئ بَعْدَ الْحَدَثِ لَأَدَّى إلَى تَحْرِيمِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ التَّيَمُّمِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْوُضُوءُ بِالْتِقَاءِ الْبَشَرَتَيْنِ قَبْلَ الوطئ اما إذا تيممت ثم رأت الماء فيحرم الوطئ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ طَهَارَتَهَا بَطَلَتْ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ وَعَادَتْ إلَى حَدَثِ الْحَيْضِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يحل الوطئ بَعْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَلَوْ رَأَتْ الْمَاءَ فِي خِلَالِ الْجِمَاعِ نَزَعَ فِي الْحَالِ وَاغْتَسَلَتْ وَأَمَّا إذَا تيممت وصلت فريضة فهل يصح الوطئ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ أَمْ لَا يَحِلُّ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَلَوْ تيممت فوطئها ثم أراد الوطئ ثَانِيًا بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ

ص: 368

جَوَازُهُ لِارْتِفَاعِ حَدَثِ الْحَيْضِ بِالتَّيَمُّمِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ كَمَا لَا يُجْمَعُ بَيْنَ فَرِيضَتَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَهَذَا ليس بشئ ولو تيممت وصلت فريضة وقلنا يجوز الوطئ بَعْدَهَا فَلَمْ يَطَأْ حَتَّى خَرَجَ وَقْتُ تِلْكَ الفريضة فهل يحل الوطئ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حامد والمحاملى فِي كِتَابَيْهِ وَالْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ وَحَكَاهُمَا أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ لِأَنَّ خُرُوجَ الْوَقْتِ لَا يَزِيدُ عَلَى الحدث والثانى لا يجوز الوطئ إلَّا بِتَيَمُّمٍ جَدِيدٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ رَفَعَ حُكْمَ التَّيَمُّمِ وَلِهَذَا تَجِبُ إعَادَتُهُ لِلصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَهَذَا الِاسْتِدْلَال ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَبْطُلُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا شَاءَ مِنْ النَّوَافِلِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ صَلَّتْ الْفَرِيضَةَ لِحُرْمَةِ الوقت كما سبق ولا يجوز الوطئ حَتَّى تَجِدَ أَحَدَ الطَّهُورَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ يجوز الوطئ كالصلاة وهذا ليس بشئ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُقِيمَةُ فِي هَذَا كَالْمُسَافِرَةِ فَإِذَا عَدِمَتْ الْمُقِيمَةُ الْمَاءَ أَوْ كَانَتْ مَرِيضَةً أَوْ جريحة فتيممت حل الوطئ وَإِنْ كَانَ صَلَاتُهَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا لِأَنَّ طَهَارَتَهَا صَحِيحَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

ص: 369

(فرع)

في مذاهب العلماء في وطئ الْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ قَبْلً الْغُسْلِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُهُ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ حَيْثُ يَصِحُّ التَّيَمُّمُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَذَا حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن سالم ابن عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ ومالك والثوري والليث وأحمد واسحق وأبو ثَوْرٍ ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَقَالٌ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ أَدْرَكَ الزَّوْجَ الشَّبَقُ أَمَرَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَصَابَهَا إنْ شَاءَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصَحُّ مِنْ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ مُوَافَقَةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ طَاوُسٍ خِلَافُ قَوْلِ سَالِمٍ قَالَ فَإِذَا بَطَل أَنْ يَصِحَّ عَنْ هَؤُلَاءِ قَوْلٌ ثَانٍ كَانَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ كَالْإِجْمَاعِ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الحيض وهو عشرة أيام عنده حل الوطئ فِي الْحَالِ وَإِنْ انْقَطَعَ لِأَقَلِّهِ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى تَغْتَسِلَ أَوْ تَتَيَمَّمَ فَإِنْ تَيَمَّمَتْ وَلَمْ تصل لم يحل الوطئ حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ صَلَاةٍ وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ إذا غسلت فرجها حل الوطئ وحكى عن مالك تحريم الوطئ إذَا تَيَمَّمَتْ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ هَكَذَا نَقَلَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ هَذَا الْخِلَافَ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرْتُهُ وقال ابن جرير أجمعوا علي تحريم الوطئ حَتَّى تَغْسِلَ فَرْجَهَا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ بَعْدَ غَسْلِهِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ الصَّوْمُ وَالطَّلَاقُ وكذا الوطئ ولان تحريم الوطئ هُوَ لِلْحَيْضِ وَقَدْ زَالَ وَصَارَتْ كَالْجُنُبِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فأتوهن) وَقَدْ رُوِيَ حَتَّى يَطْهُرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْقِرَاءَتَانِ فِي السَّبْعِ فَقِرَاءَةُ التَّشْدِيدِ صَرِيحَةٌ فِي اشْتِرَاطِ الغسل وقراءة

ص: 370

التَّخْفِيفِ يُسْتَدَلُّ بِهَا مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهَا أَيْضًا يَغْتَسِلْنَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي اللُّغَةِ فَيُصَارُ إلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ

(وَالثَّانِي)

أَنَّ الْإِبَاحَةَ مُعَلَّقَةٌ بِشَرْطَيْنِ

(أَحَدُهُمَا)

انْقِطَاعُ دَمِهِنَّ

(وَالثَّانِي)

تَطَهُّرُهُنَّ وَهُوَ اغْتِسَالُهُنَّ وَمَا عُلِّقَ بِشَرْطَيْنِ لَا يُبَاحُ بِأَحَدِهِمَا كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) فَإِنْ قِيلَ لَيْسَتَا شَرْطَيْنِ بَلْ شَرْطٌ وَاحِدُ وَمَعْنَاهُ حَتَّى يَنْقَطِعَ دَمُهُنَّ فَإِذَا انْقَطَعَ فَأْتُوهُنَّ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ الدَّارَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَالْمُفَسِّرِينَ وَأَهْلَ اللِّسَانِ فَسَّرُوهُ فَقَالُوا مَعْنَاهُ

فَإِذَا اغْتَسَلْنَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَا قَالَهُ الْمُعْتَرِضُ فَاسِدٌ مِنْ جِهَةِ اللِّسَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قال لقيل فإذا تطهرن فَأُعِيدَ الْكَلَامُ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا دَخَلَ فَكَلِّمْهُ فَلَمَّا أُعِيدَ بِلَفْظٍ آخَرَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمَا شَرْطَانِ كَمَا يُقَالُ لَا تُكَلِّمْ زَيْدًا حَتَّى يَدْخُلَ فَإِذَا أَكَلَ فَكَلِّمْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِيمَا قُلْنَا جَمْعًا بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَقْيِسَةٍ كَثِيرَةٍ وَمُنَاسِبَاتٍ أَحْسَنُهَا مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ أَوْلَى مُتَمَسَّكٍ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى اعْتِبَارُ صُورَةِ الِاتِّفَاقِ فَنَقُولُ اتَّفَقْنَا عَلَى التَّحْرِيمِ إذَا طَهُرَتْ لِدُونِ الْعَشَرَةِ فَاسْتِمْرَارُ التَّحْرِيمِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الدَّمِ إنْ عُلِّلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْحَيْضِ لَزِمَ التَّحْرِيمُ إذَا طَهُرَتْ لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ وَإِنْ عُلِّلَ بِإِمْكَانِ عَوْدِ الدَّمِ فَهُوَ مُنْتَقَضٌ بِمَا إذَا اغْتَسَلَتْ أَوْ تَيَمَّمَتْ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ ثُمَّ ذَكَرَ مَعَانِيَ أُخَرَ ثُمَّ قَالَ فَالْوَجْهُ اعْتِمَادُ مَا نَاقَضُوا فِيهِ وَكُلُّ مَا ذَكَرُوهُ مُنْتَقَضٌ بِمَا سَلَّمُوهُ فَإِنْ قِيلَ تَحْرِيمُ الوطئ بِالْحَيْضِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ قُلْنَا وُجُوبُ الْغُسْلِ بِالِانْقِطَاعِ غَيْرُ مُعَلَّلٍ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ عَادَتْ إلَى مَا كَانَتْ فَإِنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى ظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِانْسِدَادِ طَرِيقِ النَّظَرِ فظاهر القرآن تحريم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ جَوَازِ الصَّوْمِ أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِتَحْرِيمِ الصَّوْمِ عَلَى الْحَائِضِ وهذه ليست بحائض وهنا حرم الوطئ حَتَّى تَغْتَسِلَ وَعَنْ الطَّلَاقِ أَنَّ تَحْرِيمَهُ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَذَلِكَ يَزُولُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ التَّحْرِيمُ لِلْحَيْضِ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا لَا نُسَلِّمُ بَلْ هُوَ لِحَدَثِ الْحَيْضِ وَهُوَ بَاقٍ الثَّانِي أنه ينتقض بالانقطاع لدون أَكْثَرِ الْحَيْضِ الثَّالِثُ أَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تَمْنَعُ الوطئ وَكَذَا غُسْلُهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْمُعَايَاةِ لَيْسَتْ امْرَأَةٌ تُمْنَعُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحُكْمِ الْحَيْضِ إلَّا وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا إلَّا وَاحِدَةً وَهِيَ مِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا وَعَدِمَتْ الْمَاءَ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ أَحْدَثَتْ فَإِنَّهَا تمنع من الصلاة دون الوطئ هَذَا كَلَامُهُ وَقَدْ يُنَازَعُ فِيهِ وَيُقَالُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ هُنَا لِلْحَدَثِ قَالَ وَانْقِطَاعُ الدَّمِ إذا أباح الصلاة أباح الوطئ إلَّا فِي حَقِّ مَنْ عَدِمَتْ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ فَتُصَلِّي وَلَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا

ص: 371

عَلَى الصَّحِيحِ

*

(فَرْعٌ)

لَوْ أَرَادَ الزَّوْجُ أَوْ السيد الوطئ فَقَالَتْ أَنَا حَائِضٌ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ صِدْقُهَا لم يلتفت إليها وجاز الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ صِدْقُهَا وَلَمْ يَتَّهِمْهَا بِالْكَذِبِ حَرُمَ الوطئ وَإِنْ أَمْكَنَ الصِّدْقُ وَلَكِنْ كَذَّبَهَا فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَفَتَاوِيهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَحِلُّ الوطئ لِأَنَّهَا رُبَّمَا عَانَدَتْهُ وَمَنَعَتْ حَقَّهُ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَلَمْ يَثْبُتْ سَبَبُهُ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرُمَ وَإِنْ كَانَتْ فَاسِقَةً كَمَا لَوْ عَلَّقَ طَلَاقَهَا عَلَى حَيْضِهَا فَيُقْبَلُ قَوْلُهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِأَنَّ الزَّوْجَ مُقَصِّرٌ فِي تَعْلِيقِهِ بِمَا لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهَا قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى الْحَيْضِ وَادَّعَى انْقِطَاعَهُ وَادَّعَتْ بَقَاءَهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِلْأَصْلِ

* (فَرْعٌ)

لَوْ طَهُرَتْ زَوْجَتُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْمَجْنُونَةُ مِنْ الْحَيْضِ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ حتى يغسلها فإذا ضب الْمَاءَ عَلَيْهَا وَنَوَى غُسْلَهَا عَنْ الْحَيْضِ حَلَّتْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ حَاضَتْ الْمَجْنُونَةُ أَوْ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ التَّحْرِيمِ وَعَدَمُ الْحَيْضِ (فَرْعٌ)

إذَا ارتكبت المرأة من المحرمات المذكورة أثمت وتعذر وَعَلَيْهَا التَّوْبَةُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْبَرَاءَةُ

* (فَرْعٌ)

يجوز عندنا وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَإِنْ كَانَ الدَّمُ جَارِيًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والعبد رى وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ وَعَطَاءٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَبَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ المزني والاوزاعي ومالك والثوري واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَحُكِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَابْنِ سِيرِينَ مَنْعُ ذَلِكَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ نَقْلَ الْمَنْعِ عَنْ عَائِشَةَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهَا بَلْ هُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ أَدْرَجَهُ بَعْضُ الرُّوَاةِ فِي حديثها وقال احمد لا يجوز الوطئ إلَّا أَنْ يَخَافَ زَوْجُهَا الْعَنَتَ وَاحْتُجَّ لِلْمَانِعِينَ بِأَنَّ دَمَهَا يَجْرِي فَأَشْبَهَتْ الْحَائِضَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ) وَهَذِهِ قَدْ تَطَهَّرَتْ مِنْ الْحَيْضِ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً وَكَانَ زَوْجُهَا يُجَامِعُهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَغَيْرُهُ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ قَالَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُسْتَحَاضَةُ يَأْتِيهَا زَوْجُهَا إذَا صَلَّتْ الصَّلَاةُ أَعْظَمُ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ كَالطَّاهِرِ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا

ص: 372

فكذا في الوطئ ولانه دم عرق فلم يمنع الوطئ كَالنَّاسُورِ وَلِأَنَّ التَّحْرِيمَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ بِتَحْرِيمٍ بَلْ وَرَدَ بِإِبَاحَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْحَائِضِ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ دَلَالَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَمْ يُقْبَلْ وَلِأَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ لَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ النِّزَاعِ فَوَجَبَ إلْحَاقُهُ بِنَظَائِرِهِ لَا بِالْحَيْضِ الَّذِي لا يشاركه في شئ

* [وقال المصنف رحمه الله] (اقل سن تحيض فيه المرأة تسع سنين قال الشافعي رحمه الله اعجل من سمعت من النساء تحتض نساء تهامة يحضن لتسع سنين فإذا رأت الدم لدون ذلك فهو دم فساد ولا تتعلق به احكام الحيض]

* [الشَّرْحُ] تِهَامَةُ بِكَسْرِ التَّاءِ وَهُوَ اسْمٌ لِكُلِّ مَا نَزَلَ عَنْ نَجْدٍ مِنْ بِلَادِ الْحِجَازِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ سُمِّيَتْ تِهَامَةَ مِنْ التَّهَمِ يَعْنِي بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْهَاءِ وَهُوَ شِدَّةُ الْحَرِّ وَرُكُودِ الرِّيحِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِتَغَيُّرِ هَوَائِهَا يُقَالُ تَهِمَ الدُّهْنُ إذَا تَغَيَّرَ أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي أَقَلِّ سِنٍّ يُمْكِنُ فِيهِ الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَالثَّانِي بِالشُّرُوعِ فِي التَّاسِعَةِ وَالثَّالِثُ بِمُضِيِّ نِصْفِ التَّاسِعَةِ وَالْمُرَادُ بِالسِّنِينَ الْقَمَرِيَّةُ

* وَالْمَذْهَبُ الَّذِي عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ اسْتِكْمَالُ تِسْعٍ وَهَلْ هِيَ تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا تَحْدِيدٌ فَلَوْ نَقَصَ عَنْ التِّسْعِ مَا نَقَصَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَهَذَا مُقْتَضَى إطْلَاقِ كَثِيرِينَ وَأَصَحُّهُمَا تَقْرِيبٌ صَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يُؤَثِّرُ نَقْصُ الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ قَالَ الدَّارِمِيُّ لَا يُؤَثِّرُ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ إنْ كَانَ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدم واستكمال التسع مالا يَسَعُ حَيْضًا وَطُهْرًا كَانَ ذَلِكَ الدَّمُ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تَحْدِيدٌ فَرَأَتْهُ قَبْلَ التِّسْعِ مُتَّصِلًا بِاسْتِكْمَالِهَا نُظِرَ إنْ رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَبَعْدَ التِّسْعِ يَوْمًا وَلَيْلَةً جُعِلَ الْجَمِيعُ حَيْضًا وان رَأَتْ قَبْلَ التِّسْعِ يَوْمًا

وَلَيْلَةً وَبَعْدَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَإِنْ كَانَ الْجَمِيعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بَعْضُهُ قَبْلَ التِّسْعِ وَبَعْضُهُ بَعْدَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ حَيْضًا فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الِاخْتِلَافَاتِ كُلُّ هَذَا عندي

ص: 373

خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَرْجِعَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إلَى الْوُجُودِ فَأَيُّ قَدْرٍ وُجِدَ فِي أَيِّ حَالٍ وَسِنٍّ كَانَ وَجَبَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ لَمْ يُفَرِّقُوا فِي هَذَا بَيْنَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَالْبَارِدَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ وَالِدِهِ أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الدَّمُ لِتِسْعِ سِنِينَ فِي الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ الَّتِي لَا يُعْهَدُ فِي أَمْثَالِهَا مِثْلُ ذَلِكَ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله رَأَيْت جَدَّةً بِنْتَ إحْدَى وعشرين سنة وقيل انه رآها بصنعاء اليمين قَالُوا هَذَا رَآهُ وَاقِعًا وَيُتَصَوَّرُ جَدَّةٌ بِنْتُ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَلَحْظَةً فَتَحْمِلُ لِتِسْعٍ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ بِنْتًا وَتَحْمِلُ تِلْكَ الْبِنْتُ لِتِسْعِ سِنِينَ وَتَضَعُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ

* هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ وَأَمَّا آخِرُهُ فَلَيْسَ لَهُ حَدٌّ بَلْ هُوَ مُمْكِنٌ حَتَّى تَمُوتَ كَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَالْمُعْتَمَدُ فِي هَذَا الْوُجُودُ وَقَدْ وُجِدَ مَنْ تَحِيضُ لِتِسْعِ سِنِينَ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا يُرْجَعُ إلَى الْعَادَةِ فِي أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ وَأَكْثَرِهَا وَفِي الْقَبْضِ فِي الْمَبِيعِ وَإِحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَالْحِرْزِ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا إذَا رَأَتْ الدَّمَ لِدُونِ أَقَلِّ سِنِّ الْحَيْضِ الْمَذْكُورِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ بَلْ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَلَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَلَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا يتعلق به شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَيُسَمَّى دَمَ فَسَادٍ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ

* وَإِذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْحَيْضَ فِي سِنِّ الْإِمْكَانِ قُبِلَ قَوْلُهَا بِغَيْرِ يَمِينٍ كَمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْغُلَامِ فِي إنْزَالِ الْمَنِيِّ لِسِنِّ الْإِمْكَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ سِنٍّ يَجُوزُ أَنْ تُنْزِلَ الْمَرْأَةُ فِيهِ الْمَنِيَّ هُوَ سِنُّ الْحَيْضِ وَفِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ الصَّحِيحُ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ هِيَ أَسْرَعُ بُلُوغًا مِنْ الْغُلَامِ وَأَمَّا الْغُلَامُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتِكْمَالُ تِسْعِ سِنِينَ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ هُنَا فِي بَابِ الْحَيْضِ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالثَّانِي مُضِيُّ تِسْعِ سِنِينَ وَنِصْفٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي كِتَابِ اللِّعَانِ

وَالثَّالِثُ اسْتِكْمَالُ عَشْرِ سِنِينَ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْحَجْرِ وَمَا يَلْحَقُ مِنْ النَّسَبِ وَاَللَّهُ اعلم * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 374

[وأقل الحيض يوم وليلة وقال في موضع يوم فمن أصحابنا من قال هما قولان ومنهم من قال يوم وليلة قولا واحدا وقوله يوم اراد بليلته ومنهم من قال يوم قولا واحدا وانما قال يوم وليله قبل أن يثبت عنده اليوم فلما ثبت عنده رجع إليه - والدليل على ذلك ان المرجع في ذلك الي الوجود وقد ثبت الوجود في هذا القدر قال الشافعي رحمه الله رأيت امرأة اثبت لى عنها أنها لم تزل تحيض يوما لا تزيد عليه وقال الاوزاعي رحمه الله عندنا امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية وقال عطاء رحمه الله رأيت من النساء من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما وقال أبو عبد الله الزبيري رحمه الله كان في نسائنا من تحيض يوما وتحيض خمسة عشر يوما واكثره خمسة عشسر يوما لما رويناه عن عطاء وابى عبد الله الزبيري وغالبه ست أو سبع لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ بِنْتِ جحش رضي الله عنها (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حيضهن وطهرهن) وأقل طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لا أعرف فيه خلافا فان صح ما يروى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال (في النساء نقصان دينهن ان احداهن تمكث شطر دهرها لا تصلي) دل ذلك علي ان اقل الطهر خمسة عشر يوما لكن لم أجده بهذا اللفظ الا في كتب الفقه][الشَّرْحُ] فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ: نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْعَدَدِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَنَصَّ فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَفِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِيهِ عَلَى ثَلَاثِ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهَا أَحَدُهَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ بِلَا لَيْلَةٍ وَالثَّانِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ وَهُوَ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوُجُودِ فَإِنْ صَحَّ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ تَعَيَّنَ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ

كَلَامَيْهِ عَلَى حَالَيْنِ كَانَ أَوْلَى مِنْ الْحَمْلِ علي قولين وكذا كُلُّ مُجْتَهِدٍ كَمَا إذَا أَمْكَنَ حَمْلُ حَدِيثَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى حَالَيْنِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا كَانَ مُقَدَّمًا عَلَى النَّسْخِ وَالتَّعَارُضِ وَضَعَّفَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ

ص: 375

وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا طَرِيقَةَ الْقَطْعِ بِيَوْمٍ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله إنَّمَا قَالَ يَوْمٌ فِي مَسَائِلِ الْعَدَدِ اخْتِصَارًا أَوْ حِينَ أَرَادَ تَحْدِيدَ أَقَلِّ الْحَيْضِ فِي بَابِهِ وَالرَّدَّ عَلَى مَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَوَجَبَ اعْتِمَادُ مَا حَقَّقَهُ فِي مَوْضِعِ التَّحْدِيدِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي كِتَابِهِ اخْتِلَافُ الْفُقَهَاءِ حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْحَيْضَ يَكُونُ يَوْمًا وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ قَالَ وَحَدَّثَنِي الرَّبِيعُ أَنَّ آخِرَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ غَرِيبٌ جِدًّا وَلَكِنَّ تَأْوِيلَهُ عَلَى مَا سَأَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّوَابُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ وَمَا سِوَاهُ مُتَأَوَّلٌ عَلَيْهِ.

وَدَلِيلُهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ وَفِي مَظِنَّتِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ آخِرُ قَوْلِهِ كَمَا نَقَلَهُ الثِّقَةُ ابْنُ جَرِيرٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَكْثَرُ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عشر باتفاق اصحابنا وذكر المصنف دليله (الثَّالِثَةُ) غَالِبُ الْحَيْضِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ بِالِاتِّفَاقِ (الرَّابِعَةُ) أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا ثبت وجوده ولا حد لا كثره بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ تَبْقَى الْمَرْأَةُ جَمِيعَ عُمُرِهَا لَا تَحِيضُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ امْرَأَةً كَانَتْ فِي زَمَنِهِ تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَمَّا غَالِبُ الطُّهْرِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غَالِبَ الْحَيْضِ مَاذَا فَالْغَالِبُ أَنَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضًا وَطُهْرًا فَغَالِبُ الْحَيْضِ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِإِيضَاحِ أَصْلِ الْمَذْهَبِ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ طُهْرٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا الطُّهْرُ الَّذِي بَيْنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ يَوْمًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) أَيَّامُ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلَةِ بَيْنَ أَيَّامِ الْحَيْضِ فِي حَقِّ ذَاتِ التَّلْفِيقِ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ وَأَرَادَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ

بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ وَلَوْ قَالَ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ كَمَا قَالَ فِي التَّنْبِيهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِيَحْتَرِزَ عَنْ الشَّيْئَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا فَمَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْخِلَافِ فِي مَذْهَبِنَا وَإِلَّا فَالْخِلَافُ فِيهِ لِلْعُلَمَاءِ

ص: 376

مَشْهُورٌ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا بِالْإِجْمَاعِ وَنَحْوُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَقَوْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي مَسْأَلَةِ التَّلْفِيقِ أَجْمَعَ النَّاسُ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَرْدُودٌ غَيْرُ مَقْبُولٍ فَلَا يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَوْ حُمِلَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ غَلَطًا فِي اللَّفْظِ فَإِنَّهُ قَدْ قَالَ لَا أَعْرِفُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ مَعْرِفَتِهِ عَدَمُ الْخِلَافِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا حَدِيثُ (تَمْكُثُ شَطْرَ دَهْرِهَا) فَحَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَإِنَّمَا ثَبَتَ في الصحيحين (تَمْكُثُ اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي) كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ الصَّوْمِ وَأَمَّا حَدِيثُ حَمْنَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ حَمْنَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَسَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هو حديث حسن صحيح قال الْخَطَّابِيُّ وَقَدْ تَرَكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الِاحْتِجَاجَ بِهَذَا الحديث لان رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ لَيْسَ بِذَاكَ (قُلْت) هَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ لَا يُقْبَلُ فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ وَهَذَا الرَّاوِي وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا فِي تَوْثِيقِهِ وَجَرْحِهِ فَقَدْ صَحَّحَ الْحُفَّاظُ حَدِيثَهُ هَذَا وَهُمْ أَهْلُ هَذَا الْفَنِّ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَتِهِمْ فِي حَدِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي الرَّاوِي بَعْضُ الضَّعْفِ أُجِيزَ حَدِيثُهُ بِشَوَاهِدَ لَهُ أَوْ مُتَابَعَةٍ وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ) أَيْ الْتَزِمِي الْحَيْضَ وَأَحْكَامَهُ فِيمَا أَعْلَمَك اللَّهُ مِنْ عَادَةِ النِّسَاءِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْعِلْمُ هُنَا بِمَعْنَى الْمَعْلُومِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ فِيمَا عَلِمَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِكِ مِنْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى

ص: 377

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ) الْمُرَادُ غَالِبُ النِّسَاءِ لِاسْتِحَالَةِ إرَادَةِ كُلِّهِنَّ لِاخْتِلَافِهِنَّ وَقَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم (ميقات حيضهن) هو بِنَصْبِ التَّاءِ عَلَى الظَّرْفِ أَيْ فِي وَقْتِ حَيْضِهِنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِ حَمْنَةَ فَقِيلَ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَرَدَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَقِيلَ

كَانَتْ مُعْتَادَةً سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً فَرَدَّهَا إلَيْهَا ذَكَرَ هَذَا الْخِلَافَ فِيهَا الْخَطَّابِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَذَكَرَهُمَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ احْتِمَالَيْنِ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا أَنَّهَا كانت مبتدأة وكذا اختاره إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَرَجَّحَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ) وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ أَنَّهَا كَانَتْ مُعْتَادَةً وَأَوْضَحَ دَلِيلَهُ وَقَالَ هَذَا أَشْبَهُ مَعَانِيهِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ مَنْ قَالَ كَانَتْ مُعْتَادَةً ذَكَرُوا فِي رَدِّهَا إلَى السِّتَّةِ أَوْ السَّبْعَةِ ثَلَاثَ تَأْوِيلَاتٍ أَحَدُهَا مَعْنَاهُ سِتَّةٌ إنْ كَانَتْ عادتك ستة أو سبعة ان كان عَادَتُك سَبْعَةً الثَّانِي لَعَلَّهَا شَكَّتْ هَلْ عَادَتُهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ فَقَالَ تَحَيَّضِي سِتَّةً إنْ لَمْ تَذْكُرِي عَادَتَك أَوْ سَبْعَةً إنْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَادَتُكِ الثَّالِثُ لَعَلَّ عَادَتَهَا كَانَتْ تَخْتَلِفُ فَفِي بَعْضِ الشُّهُورِ سِتَّةٌ وَفِي بَعْضِهَا سَبْعَةٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةً فِي شَهْرِ السِّتَّةِ وَسَبْعَةً فِي شَهْرِ السَّبْعَةِ فَتَكُونُ لَفْظَةُ أَوْ لِلتَّقْسِيمِ وَبَسَطْت الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مدار كتاب الحيض ويدخل فِي كُلِّ مُصَنَّفَاتِ الْحَيْضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

ص: 378

(فَرْعٌ)

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ حَمْنَةَ بنت جحش وعطاء والاوزاعي وا؟ ؟ يرى فَأَمَّا حَمْنَةُ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ هَاءٍ وَأَبُوهَا جَحْشٌ بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ وَهِيَ أُخْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا عطاء فهو أبو محمد عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَعَطَاءٌ مِنْ كِبَارِ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ فِي الْفِقْهِ وَالزُّهْدِ وَالْوَرَعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِنَا فِي سَلْسَلَةِ التَّفَقُّهِ فَهُوَ شَيْخُ ابْنِ جُرَيْجٍ الَّذِي هُوَ شَيْخُ مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ الزِّنْجِيِّ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ تُوُفِّيَ عَطَاءٌ رحمه الله سَنَةَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ وَمِائَةٍ وَقِيلَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَقِيلَ سَبْعَ عَشْرَةَ واما الاوزاعي فهو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو مِنْ كِبَارِ تَابِعِي التَّابِعِينَ وَأَئِمَّتِهِمْ الْبَارِعِينَ كَانَ إمَامَ أَهْلِ الشَّامِ فِي زَمَنِهِ أَفْتَى فِي سبعين الف مسألة وقيل ثمانين الف تُوُفِّيَ فِي خَلْوَتِهِ فِي حَمَّامِ بَيْرُوتَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُتَوَسِّدًا بِيَمِينِهِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ قِيلَ هُوَ مَنْسُوبٌ إلَى الْأَوْزَاعِ قَرْيَةٍ كَانَتْ بِخَارِجِ بَابِ الْفَرَادِيسِ مِنْ دِمَشْقَ وَقِيلَ قَبِيلَةٌ مِنْ الْيَمَنِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ

وَأَمَّا الزُّبَيْرِيُّ فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ مَنْسُوبٌ إلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ أَحَدِ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رضي الله عنه وَهُوَ أَبُو عَبْدِ الله الزبير بْنُ أَحْمَدَ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن عاصم بن المنذر بن الزبير ابن الْعَوَّامِ وَلِلزُّبَيْرِيِّ كُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَأَحْوَالٌ شَرِيفَةٌ فَهَذِهِ أَحْرُفٌ فِي تَعْرِيفِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ وَقَدْ بَسَطَتْ أَحْوَالَ أَصْحَابِهَا وَمَنَاقِبَهُمْ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَبِاَللَّهِ التوفيق

*

ص: 379

طُهْرًا مُسْتَقِلًّا كَامِلًا قَالَ فَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْمَذْهَبُ الْمُعْتَمَدُ وَعَلَيْهِ تَفْرِيعُ الْبَابِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أبو عمرو ابن الصلاح قول الاستاذ ابي اسحق فَقَالَ الصَّحِيحُ اتِّبَاعُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ نَقَلَهُ عَنْهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ وَنَاهِيكَ إتْقَانًا وتحقيقا واطلاعا وكأن الاصحاب لم يطلعوا علگ النص قال وفى المحيط للشيخ اي محمد الجويني عن الاستاذ ابى اسحق قال كانت امرأة تستفتينى باسفرابين وَتَقُولُ إنَّ عَادَتَهَا فِي الطُّهْرِ مُسْتَمِرَّةٌ عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا عَلَى الدَّوَامِ فَجَعَلَتْ ذَلِكَ طُهْرَهَا عَلَى الدَّوَامِ قُلْت وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي نَقَلَهُ أَبُو عَمْرٍو وَاخْتَارَهُ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْتُهُ عَنْ ابْنِ جَرِيرٍ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ ذَلِكَ النَّصَّ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَأَكْثَرِهِمَا: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الطُّهْرِ لا حدله قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً وَانْقَطَعَ لَا يَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الْإِجْمَاعُ الَّذِي ادَّعَاهُ غَيْرُ صَحِيحٍ فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَكُونُ دَفْعَةً فَقَطْ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَبَلَغَنِي عَنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ أَنَّهُنَّ كُنَّ يَحِضْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ احمد اكثر ما سمعنا سَبْعَ عَشَرَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ طَائِفَةٌ لَيْسَ لِأَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا لِأَكْثَرِهِ حَدٌّ بِالْأَيَّامِ بَلْ الْحَيْضُ إقْبَالُ الدَّمِ الْمُنْفَصِلِ عَنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَالطُّهْرُ إدْبَارُهُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ أَقَلُّ الطُّهْرِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَذَلِكَ مِمَّا لَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ فِيمَا نعلم وانكر احمد واسحق التَّحْدِيدَ فِي الطُّهْرِ قَالَ أَحْمَدُ الطُّهْرُ مَا بين الحيضتين علي ما يكون وقال اسحق تَوْفِيَتُهُمْ الطُّهْرَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بَاطِلٌ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي

يُوسُفَ اقل الحيض يومان واكثر الثَّالِثُ وَعَنْ مَالِكٍ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَقَدْ يَكُونُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ مَالِكٍ ثَلَاثَ رِوَايَاتٍ فِي أَكْثَرِ الْحَيْضِ إحْدَاهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِيَةُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَعَنْ مَكْحُولٍ أَكْثَرُهُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ فَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْدُودٍ وَأَنَّهُ مَا يَكُونُ مِثْلُهُ طُهْرًا فِي الْعَادَةِ وَرَوَى عَبْدُ الملك بن الماجشون

ص: 380

(فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَذَا أَقَلُّ الطُّهْرِ وَالْمُرَادُ خَمْسَةَ عشر بلياليها وهذا القيد لابد مِنْهُ لِتَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْأُولَى (فَرْعٌ)

لَوْ وَجَدْنَا امْرَأَةً تَحِيضُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ تَطْهُرُ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاشْتَهَرَتْ عَادَتُهَا كَذَلِكَ مُتَكَرِّرَةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهَا لَا يُعْتَبَرُ حَالُ هَذِهِ بَلْ الحكم علي ما تمهد لِأَنَّ بَحْثَ الْأَوَّلِينَ أَوْفَى: وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ لِيَكُونَ هَذَا حَيْضَهَا وَطُهْرَهَا لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا قَوْلُ طوائف من المحققين منهم الاستاذ أبو اسحق الاسفرايني وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ (قُلْت) وَاخْتَارَهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ قَدْرًا يُوَافِقُ مَذْهَبَ السَّلَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ بِاعْتِمَادِ الْوُجُودِ اعْتَمَدْنَاهُ وَعَمِلْنَا بِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْ مَذْهَبَ أَحَدٍ لَمْ يُعْتَمَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَلَّذِي أَخْتَارُهُ وَلَا أَرَى الْعُدُولَ عَنْهُ الِاكْتِفَاءَ بِمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ مَذَاهِبُ الْمَاضِينَ مِنْ أَئِمَّتِنَا فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَإِنَّا لَوْ فَتَحْنَا بَابَ اتِّبَاعِ الْوُجُودِ في كل ما يحدث واخدنا فِي تَغْيِيرِ مَا يُمَهِّدُ تَقْلِيلًا وَتَكْثِيرًا لَاخْتَلَطَتْ الْأَبْوَابُ وَظَهَرَ الِاضْطِرَابُ وَالْوَجْهُ اتِّبَاعُ مَا تَقَرَّرَ لِلْعُلَمَاءِ الْبَاحِثِينَ قَبْلَنَا وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ نَحْوَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا اعْتِبَارَ بِحَالِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِمَا تَقَرَّرَ لِأَنَّ احْتِمَالَ عُرُوضِ دَمِ الْفَسَادِ لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ أَقْرَبُ مِنْ انْخِرَامِ الْعَادَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ قَالَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ يَوْمًا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ لا يجعل كل نقاء

ص: 381

انه خمسة ايام وقال سجنون ثَمَانِيَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ غَيْرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ محمد بن مسلمة خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ أَصْحَابُهُ الْبَغْدَادِيُّونَ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ وَأَبِي طَالِبٍ أَقَلُّ الطُّهْرِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا

وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ عَشَرَةٌ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ أَنَّ أَقَلَّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَأَمَّا أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَمِنْهَا مَسْأَلَةُ الْإِجْمَاعِ أَنَّ أَكْثَرَ الطهر لا حدله وَدَلِيلُهَا فِي الْإِجْمَاعِ وَمِنْ الِاسْتِقْرَاءِ أَنَّ ذَلِكَ مَوْجُودٌ مُشَاهَدٌ وَمِنْ أَظْرَفِهِ مَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَخْبَرَتْنِي امْرَأَةٌ عَنْ أُخْتِهَا أَنَّهَا تَحِيضُ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ تَحْبَلُ وَتَلِدُ وَنِفَاسُهَا أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَمَّا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِحَدِيثِ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَاءَتْهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها فَقَالَتْ إنِّي أُسْتَحَاضُ فَقَالَ (لَيْسَ ذَلِكَ الْحَيْضُ إنَّمَا هُوَ عِرْقٌ لِتَقْعُدْ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ لتغتسل ولتصلى) رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ قَالُوا وَأَقَلُّ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةٌ وَبِحَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَا أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) م وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ (الْحَيْضُ ثَلَاثٌ.

أَرْبَعٌ.

خَمْسٌ.

سِتٌّ.

سَبْعٌ.

ثَمَانٍ.

تِسْعٌ.

عَشَرٌ) قَالُوا وَأَنَسٌ لَا يَقُولُ هَذَا إلَّا تَوْقِيفًا قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ وَالتَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَإِنَّمَا حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ رضى الله عنها (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَاكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَلِأَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ غَيْرُ مَحْدُودٍ شَرْعًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَالزُّبَيْرِيِّ وَرَوَيْنَا بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ الْإِمَامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ رحمه الله قَالَ كَانَتْ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا أُمُّ الْعُلَا قَالَتْ حَيْضَتِي مُنْذُ أَيَّامِ الدَّهْرِ يَوْمَانِ قَالَ اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَصَحَّ لَنَا عَنْ غَيْرِ امْرَأَةٍ في زماننا انها قالت حيضتي يومان وعند يزيد بن هرون قَالَ عِنْدِي امْرَأَةٌ تَحِيضُ يَوْمَيْنِ

ص: 382

وَرُوِيَ فِي هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا مَجَالَ لِلْقِيَاسِ فِي هَذِهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَيَّامِ أَقْرَائِهَا لَوْ ثبت فمن وجهين

(أحدهما)

ليس المرد بِالْأَيَّامِ هُنَا الْجَمْعُ بَلْ الْوَقْتُ (الثَّانِي) أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُعْتَادَةٌ رَدَّهَا

إلَى الْأَيَّامِ الَّتِي اعْتَادَتْهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلَّ حَيْضٍ لَا يَنْقُصُ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهَا عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَقَدْ أَوْضَحَ ضَعْفَهَا الدَّارَقُطْنِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ السنن الكبير وَقَوْلُهُمْ التَّقْدِيرُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِتَوْقِيفٍ جَوَابُهُ أَنَّ التَّوْقِيفَ ثَبَتَ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَقَلُّ الْحَيْضِ سَاعَةٌ فَاعْتَمَدُوا ظَوَاهِرَ النُّصُوصِ الْمُطْلَقَةِ وَالْقِيَاسَ عَلَى النِّفَاسِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَلَمْ يَثْبُتْ دُونَ مَا قُلْنَاهُ وَالْجَوَابُ عَنْ النُّصُوصِ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فَتُحْمَلُ عَلَى الْوُجُودِ وَعَنْ النِّفَاسِ أَنَّهُ وُجِدَ لَحْظَةً فَعَمِلْنَا بِالْوُجُودِ فِيهِمَا وَأَمَّا مَنْ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةٌ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ وَاثِلَةَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَأَنَسٍ وَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَاهِيَةٌ كَمَا سَبَقَ وَلَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ وَلَا أَثَرٌ يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ثَبَتَ مُسْتَفِيضًا عَنْ السَّلَفِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَنَّهُمْ وَجَدُوهُ كَذَلِكَ عِيَانًا وَقَدْ جَمَعَ الْبَيْهَقِيُّ أَكْثَرَ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِيَّاتِ وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ فَمِمَّنْ رَوَاهُ عَنْهُ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةُ وَشَرِيكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ رحمهم الله وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ أَكْثَمَ أَقَلُّ الطُّهْرِ تِسْعَةَ عَشَرَ فَاسْتَدَلَّ لَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ عَشَرَةٌ وَالشَّهْرُ يَشْتَمِلُ عَلَى حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَقَدْ يَكُونُ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ مِنْهَا عَشَرَةٌ لِلْحَيْضِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَدَلِيلُنَا بِثُبُوتِ الْوُجُودِ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَبَنَاهُ عَلَى أَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عَشَرٌ وقد بينا بطلانه فان قيل روى اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ الْمَاجِشُونَ حَاضَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا وَعَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَتْ تَحْتَهُ وَكَانَتْ تَحِيضُ مِنْ السَّنَةِ شَهْرَيْنِ فَجَوَابُهُ بِمَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ النُّكَتُ أَنَّ هَذَيْنِ النَّقْلَيْنِ ضَعِيفَانِ فَالْأَوَّلُ عَنْ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ بَعْضُهُمْ وَقَدْ انكره الامام مالك ابن أَنَسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَالثَّانِي رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مَيْمُونٍ والرجل مجهول والله اعلم

ص: 383

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَفِي الدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ الْحَامِلُ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ

كَالنِّفَاسِ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ لو كان حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ وَتَعَلَّقَ بِهِ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ] [الشَّرْحُ] يُقَالُ الرَّضَاعُ وَالرِّضَاعُ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا فِيهِمَا وَامْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ فَإِنْ حَمَلَتْ عَلَى رَأْسِهَا أَوْ ظَهْرِهَا فَحَامِلَةٌ لَا غَيْرَ وَالدَّمُ مُخَفَّفُ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ المشهورة وفيه لغية شَاذَّةٌ بِتَشْدِيدِهَا

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْجَدِيدُ أَنَّهُ حَيْضٌ وَالْقَدِيمُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ بِحَيْضٍ فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يُسَمَّى اسْتِحَاضَةً فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَسَوَاءٌ قُلْنَا اسْتِحَاضَةٌ أَوْ دَمُ فَسَادٍ هُوَ حَدَثٌ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ فَهُوَ كَالْبَوْلِ فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ الْوَاحِدِ صَلَوَاتٍ وَإِنْ اسْتَمَرَّ فَلَهَا حُكْمُ الِاسْتِحَاضَةِ الْمُسْتَمِرَّةِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي آخِرِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُمَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَعَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ فَإِنْ رَأَتْهُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ رَأَتْ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَلَيْسَ بِحَيْضٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قال لا فرق بل الخلاف جاز فِي كُلِّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا لِغَيْرِ الْحَامِلِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هريرة القولان ااقلنا لِلْحَمْلِ حُكْمٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا حُكْمَ لَهُ فهو حيض قولا واحدا وقال أبو إسحق الْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ قُلْنَا لَهُ حُكْمٌ أَمْ لَا قَالَ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ إذَا مَضَى لِلْحَمْلِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَا رَأَتْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حَيْضٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي الْجَمِيعِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ وَقَالَ الشَّاشِيُّ إذَا قُلْنَا الْحَامِلُ لَا تَحِيضُ فَمِنْ مَتَى يَنْقَطِعُ حَيْضُهَا وَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَالثَّانِي مِنْ وَقْتِ حَرَكَةِ الْحَمْلِ (قُلْت) الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ بِنَفْسِ الْعُلُوقِ وَفِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الدَّارِمِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَلَا يَمْنَعُهُ الْحَمْلُ كَالنِّفَاسِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُرْضِعَ لَا تَحِيضُ غَالِبًا وَكَذَا الْحَامِلُ فَلَوْ اتَّفَقَ رُؤْيَةُ الدَّمِ فِي حال الرضاع

ص: 384

كَانَ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا فِي حَالِ الْحَمْلِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي النُّدُورِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا سَوَاءً فِي الْحُكْمِ بِأَنَّهُمَا حَيْضٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَالنِّفَاسِ فَمُرَادُهُ إذَا وَلَدَتْ وَلَدَيْنِ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَرَأَتْ الدَّمَ بَيْنَهُمَا

وَقُلْنَا إنَّهُ نِفَاسٌ فَهَذِهِ حَامِلٌ وَمُرْضِعٌ وَدَمُهَا نِفَاسٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ وَالْحَمْلُ وَالْحَيْضُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَمْنَعَهُ الْحَمْلُ كَمَا قُلْنَا فِي النِّفَاسِ قَالَ صَاحِبُ البيان في مشكلات المذهب مُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله لِأَنَّهُ يَقُولُ دَمُ الْحَامِلِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَالدَّمُ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ نِفَاسٌ فَقَاسَ عَلَى مَا وَافَقَ عَلَيْهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَقَوْلُهُ لَا يَمْنَعُهُ الرَّضَاعُ لَيْسَ بِاحْتِرَازٍ بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى الْحُكْمِ وَالتَّقْرِيبِ مِنْ الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا وَمُرَادُهُمْ أَنَّ الْحَامِلَ إذَا كَانَ عَلَيْهَا عِدَّةٌ وَاحِدَةٌ وَحَمْلُهَا لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ وَحَاضَتْ أَدْوَارًا فَلَا تَنْقَضِي بِهَا الْعِدَّةُ وَلَا يحسب شئ مِنْ الْأَطْهَارِ الْمُعَجَّلَةِ قُرْءًا أَمَّا إذَا كَانَ الْحَمْلُ بِحَيْثُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ بِأَنْ لَا يَكُونَ لِصَاحِبِ الْعِدَّةِ مِثْلَ إنْ مَاتَ صبى عن زوجته أو فسخ نكاحه بعيبه أَوْ غَيْرِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ وَامْرَأَتُهُ حَامِلٌ مِنْ الزِّنَا أَوْ تَزَوَّجَ الرَّجُلُ حَامِلًا مِنْ الزِّنَا وَطَلَّقَهَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَهِيَ تَرَى الدَّمَ عَلَى الْأَدْوَارِ فَإِنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَفِي انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا بِهَذِهِ الْأَطْهَارِ الْمُتَخَلِّلَةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وجهان مشهوران سيأتي ايضاحهما في كتاب العدة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا عِدَّتَانِ بِأَنْ طَلَّقَهَا وَهِيَ حَامِلٌ ثُمَّ وَطِئَهَا بشبهة فوجبت العدة بالثانية فَهَلْ تَتَدَاخَلُ الْعِدَّتَانِ فِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَتَدَاخَلُ كَانَتْ مُعْتَدَّةً عَنْ الطَّلَاقِ فَلَوْ حَاضَتْ عَلَى الْحَمْلِ فَهَلْ يُحْسَبُ أَطْهَارُهَا فِي الْحَمْلِ عَنْ عِدَّةِ الشُّبْهَةِ فِيهِ وَجْهَانِ أصحهما يحسب

ص: 385

فَعَلَى هَذَا يَكُونُ حَيْضُ الْحَامِلِ مُؤَثِّرًا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَلَا يَحْسُنُ إطْلَاقُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ إلَّا أَنْ يُقَيَّدَ بِمَا قَيَّدْنَاهُ بِهِ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا فَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَإِنْ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ فَفِي كَوْنِهِ حَيْضًا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي فَصْلِ النفاس أصحهما بالاتفاق أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ بِصِفَةِ الْحَيْضِ وَإِنَّمَا يشترط يَكُونَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ إذَا كَانَا دَمَيْ حَيْضٍ وَلِهَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَقَلُّ طُهْرٍ فَاصِلٍ

بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَعَلَى هَذَا لَوْ رَأَتْ النِّفَاسَ سِتِّينَ يَوْمًا ثُمَّ انْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهُوَ حَيْضٌ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهَا فَهَلْ يُجْعَلُ الثَّانِي حَيْضًا فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا: لِنُقْصَانِ مَا بَيْنَهُمَا عَنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَأَصَحُّهُمَا نَعَمْ لِاخْتِلَافِهِمَا

* (فَرْعٌ)

إذَا قِيلَ إذَا جَعَلْتُمْ دَمَ الْحَامِلِ حَيْضًا لَمْ يَبْقَ وُثُوقٌ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِالْحَيْضِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ عَلَى الْحَمْلِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا لَا تَحِيضُ فَإِذَا حَاضَتْ حَصَلَ ظَنُّ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَذَلِكَ كَافٍ فِي الْعِدَّةِ وَالِاسْتِبْرَاءِ فَإِنْ بَانَ خِلَافُهُ عَلَى النُّدُورِ عَمِلْنَا بِمَا بَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ السَّلَفِ فِي حَيْضِ الْحَامِلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّمَ الَّذِي تَرَاهُ حَيْضٌ وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ والحسن وعطاء ومحمد ابن الْمُنْكَدِرِ وَعِكْرِمَةُ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَالشَّعْبِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ لِلصَّحِيحِ فِي

ص: 386

كَوْنِهِ حَيْضًا أَنَّهُ دَمٌ بِصِفَاتِ دَمِ الْحَيْضِ وَفِي زَمَنِ إمْكَانِهِ وَلِأَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ كَوْنِهِ فَسَادًا لِعِلَّةٍ أَوْ حَيْضًا وَالْأَصْلُ السَّلَامَةُ مِنْ الْعِلَّةِ: وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ الْآخَرِ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِهِ فَفَاسِدٌ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لِطَلَبِ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ وَلَا تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِالْأَقْرَاءِ مَعَ وُجُودِ الْحَمْلِ وَلِأَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَوْ كَانَ حَيْضًا لَحَرُمَ الطَّلَاقُ فَجَوَابُهُ أَنَّ تَحْرِيمَ طَلَاقِ الْحَائِضِ إنَّمَا كَانَ لِتَطْوِيلِ الْعِدَّةِ وَلَا تَطْوِيلَ هُنَا لِأَنَّ عِدَّتَهَا بِالْحَمْلِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَلَمْ يعبر الخمسة عشر ففيه قولان أحدهما لا يلفق بل يجعل الجميع حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَا رَأَتْهُ مِنْ النَّقَاءِ طُهْرًا لَانْقَضَتْ الْعِدَّةُ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا وَالثَّانِي يُلَفَّقُ الطُّهْرُ إلَى الطُّهْرِ وَالدَّمُ إلَى الدَّمِ فَيَكُونُ أَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرًا وَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا لَجَازَ أَنْ يُجْعَلَ أَيَّامُ الدَّمِ طُهْرًا ولما لم يجز أن يجعل أيام الدم طهرا لم يجز أن يجعل أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضًا فَوَجَبَ أَنْ يُجْرَى كُلُّ واحد منهما علي حكمه]

* [الشَّرْحُ] النَّقَاءُ بِالْمَدِّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا بقاء أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّنْبِيهِ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا

فَكَيْفَ يُسَمَّى طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَوْلُهُ يَوْمًا أَرَادَ بِلَيْلَتِهِ لِيَكُونَ أَقَلَّ الْحَيْضِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ أَوْ نِصْفَ يَوْمٍ فَفِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْأَصَحُّ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ التَّلْفِيقِ هَذِهِ فَذَكَرَهَا هُنَا مُخْتَصَرَةً وَذَكَرَ فُرُوعَهَا فِي آخِرِ الْبَابِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُؤَخِّرَهَا كُلَّهَا أَوْ يَجْمَعَ كُلَّ

ص: 387

مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّلْفِيقِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ رَأَيْت أَنْ أُؤَخِّرَ شَرْحَ هذه المسألة إلى هناك وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله

* [إذا رأت المرأة الدم ليس يَجُوزُ أَنْ تَحِيضَ فِيهِ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ كَانَ ذَلِكَ دَمَ فَسَادٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ سَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ عَلَى صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ عَلَى غَيْرِ صِفَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ لها عادة فخالف عادتها أو لم يكن وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ أَوْ الْكُدْرَةَ فِي غَيْرِ وَقْتِ الْعَادَةِ لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ بَعْدَ الْغُسْلِ شَيْئًا) وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةُ الْحَيْضِ فَلَمْ يَكُنْ حَيْضًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ زَمَانَ الْإِمْكَانِ ولم يجاوزه فأشبه إذا رأت الصفرة والكدرة فِي أَيَّامِ عَادَتِهَا وَحَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ (كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ حَيْضًا) وَقَوْلُهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَمَارَةٌ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ وُجُودُهُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَمَارَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهَا الصِّحَّةُ وَالسَّلَامَةُ وَأَنَّ ذَلِكَ دم الجبلة دون العلة]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ هُوَ لَفْظُ رِوَايَةِ الدَّارِمِيِّ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا) وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (كُنَّا لَا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ بَعْدَ الطُّهْرِ شَيْئًا) وَإِسْنَادُهَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمِمَّا يُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ

وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَمْثَالِ هَذَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعَّفَهُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ (مَا كُنَّا نَعُدُّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ شَيْئًا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَلَا أَعْلَمُ مَنْ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ لَكِنْ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَرِيبٌ

ص: 388

مِنْ مَعْنَاهُ فَرَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عقبة ابن أَبِي عُقْبَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ (كَانَتْ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها بِالدُّرْجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ فَصَحَّ هَذَا اللَّفْظُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَالدُّرْجَةُ بِضَمِّ الدَّالِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْجِيمِ وَرُوِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَهِيَ خِرْقَةٌ أَوْ قُطْنَةٌ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ تُدْخِلُهُ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا ثُمَّ تُخْرِجُهُ لتنظر هل بقى شئ مِنْ أَثَرِ الْحَيْضِ أَمْ لَا وَقَوْلُهَا الْقَصَّةُ هِيَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الْجِصُّ شَبَّهَتْ الرُّطُوبَةَ النَّقِيَّةَ الصَّافِيَةَ بِالْجِصِّ فَهَذَا مَوْقُوفٌ عَلَى عَائِشَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ فَهَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ أَمْ مَرْفُوعٌ فِيهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِيمَا إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ كُنَّا نَفْعَلُ كَذَا وَأَوْضَحْنَا الْمَذَاهِبَ فِيهِ وَاسْمُ أُمِّ عَطِيَّةَ نُسَيْبَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَقِيلَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ نُسَيْبَةُ بِنْتُ كَعْبٍ وَقِيلَ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنْصَارِيَّةٌ بَصْرِيَّةٌ كَانَتْ تَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ غَاسِلَةً لِلْمَيِّتَاتِ وَذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَمَّا أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فَبِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقِيلَ يَجُوزُ بِفَتْحِهَا وَهِيَ هَمْزَةُ قَطْعٍ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهَا كَهَمْزَةِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا مَنْسُوبٌ إلَى إصْطَخْرَ الْمَدِينَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَاسْمُهُ الْحَسَنُ ابن احمد ولد سنة اربع واربعين ومايتين وتوفى سنة ثمان وعشرين وثلثمائة وَكَانَ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا وَأَئِمَّتِهِمْ وَعُبَّادِهِمْ وَأَخْيَارِهِمْ وَلَهُ أَحْوَالٌ جَمِيلَةٌ وَكُتُبٌ نَفِيسَةٌ وَذَكَرْت جُمْلَةً مِنْ أَحْوَالِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَالطَّبَقَاتِ وَقَوْلُهُ دَمُ الْجِبِلَّةِ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ أَيْ الْخِلْقَةِ وَمَعْنَاهُ دَمُ الْحَيْضِ الْمُعْتَادِ الَّذِي يَكُونُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ وَلَيْسَ هُوَ دَمُ الْعِلَّةِ الَّذِي هُوَ دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فَقَالَ الشيخ ابو حامد في تعليقه هُمَا مَاءٌ أَصْفَرُ وَمَاءٌ كَدِرٌ وَلَيْسَا بِدَمٍ وقال امام الحرمين هما شئ كَالصَّدِيدِ يَعْلُوهُ

صُفْرَةٌ وَكُدْرَةٌ لَيْسَا عَلَى لَوْنِ شئ مِنْ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ وَلَا الضَّعِيفَةِ

* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ

ص: 389

إذَا رَأَتْ الْمَرْأَةُ الدَّمَ لِزَمَانٍ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ لَهَا تِسْعُ سِنِينَ فَأَكْثَرُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا بَقِيَّةُ طُهْرٍ وَلَا هِيَ حَامِلٌ أَوْ حَائِلٌ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تَحِيضُ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالْقُرْآنِ وَالْمَسْجِدِ والوطئ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْإِمْسَاكُ وَاجِبٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالتَّهْذِيبِ فَحَكَيَا وَجْهًا شَاذًّا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَنْ تُمْسِكَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ رُؤْيَةِ الدَّمِ فَإِنْ انْقَطَعَ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَانَتْ الصَّلَاةُ وَاجِبَةً عَلَيْهَا وَأَجْزَأَهَا مَا صَلَّتْ وَإِنْ اسْتَدَامَ يَوْمًا وَلَيْلَةً تَرَكَتْ الصَّلَاةَ حِينَئِذٍ لِأَنَّ الدَّمَ الَّذِي رَأَتْهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دَمَ فَسَادٍ فَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالشَّكِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْوَجْهُ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُعْتَادَةَ إذَا فَاتَحَهَا الدَّمُ تُمْسِكُ وَالثَّانِي الْمُعْتَادَةُ إذَا جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا تُمْسِكُ وَإِنْ كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ مَوْجُودًا وَإِنَّمَا أَمَرْنَاهَا بِالْإِمْسَاكِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الْمُبْتَدَأَةِ قَالَ فَبَطَلَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالتَّفْرِيعُ بَعْدَ هَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَمْسَكَتْ فَانْقَطَعَ الدَّمُ لِدُونِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ

ص: 390

فَتَقْضِي الصَّلَاةَ بِالْوُضُوءِ وَلَا غُسْلَ فَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَصَوْمُهَا صَحِيحٌ وَإِنْ انْقَطَعَ لِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ لِخَمْسَةَ عَشَرَ أَوْ لِمَا بَيْنَهُمَا فَهُوَ حَيْضٌ سَوَاءٌ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَافَقَ عَادَتَهَا أَوْ خَالَفَهَا بِزِيَادَةٍ أَوْ نَقْصٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّمُ كُلُّهُ بِلَوْنٍ وَاحِدٍ أَوْ بَعْضُهُ أَسْوَدَ وَبَعْضُهُ أَحْمَرَ وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ الْأَسْوَدُ أَوْ الاحمر ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهَيْنِ شَاذَّيْنِ ضَعِيفَيْنِ (أَحَدُهُمَا) حكاه صاحب الحاوى انها إذا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَرَأَتْ دَمًا أَحْمَرَ لَا يَكُونُ حَيْضًا لِضَعْفِهِ بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَوَافَقَ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ رَأَتْ الْأَحْمَرَ وَهِيَ مُعْتَادَةٌ كَانَ حَيْضًا وَالْوَجْهُ الْآخَرُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَتَقَدَّمَ الْأَحْمَرُ كَانَ الْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَحْدَهُ إنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَيْضًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً كَانَ الْأَحْمَرُ

الْأَوَّلُ دَمَ فساد والاحمر والاسود بعده حيض وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَّا إذَا

ص: 391

كَانَ الَّذِي رَأَتْهُ صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ رحمه الله الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ذَلِكَ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ المشهور الذى قاله أبو العباس ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَجَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَكُونَانِ حَيْضًا سَوَاءٌ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً خَالَفَ عَادَتَهَا أَوْ وَافَقَهَا كَمَا لَوْ كَانَ أَسْوَدَ أَوْ أَحْمَرَ وَانْقَطَعَ لِخَمْسَةَ عَشَرَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَأَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضًا فَإِنْ رَأَتْ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَلَيْسَتْ بِحَيْضٍ وان رأتها معتادة في ايام العادة فهى حَيْضٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ دَمٌ قَوِيٌّ أَسْوَدُ أَوْ أَحْمَرُ وَلَوْ بَعْضَ يَوْمٍ كَانَتْ حَيْضًا فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ وان لم يتقدمها شئ لم

ص: 392

يَكُنْ حَيْضًا عَلَى انْفِرَادِهَا وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وغيره هذا عن حكاية ابي علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ تَقَدَّمَ عَلَى الصُّفْرَةِ دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَ حَيْضًا تَبَعًا لِلْقَوِيِّ وَإِنْ تَقَدَّمَهَا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَيْسَتْ حَيْضًا (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ وَالسَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا كَانَتْ كَالنَّقَاءِ (وَالسَّادِسُ) حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَحِقَهَا دَمٌ قَوِيٌّ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَانَتْ حَيْضًا وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ تَكُونُ حَيْضًا وَهَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ مُخَالِفٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ جَارٍ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ: قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَالْجُمْهُورِ اخْتِلَافُهُمْ فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ فَالْإِصْطَخْرِيُّ يَقُولُ مَعْنَاهُ

فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ فِي أَيَّامِ الْإِمْكَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كُنْت أَقُولُ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ حَتَّى رَأَيْتُهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ (وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَالْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ) فَلَمَّا قَالَ هُمَا سَوَاءٌ

ص: 393

عَلِمْت أَنَّهُ لَمْ يَعْتَبِرْ أَيَّامَ الْعَادَةِ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ الْخِلَافِ الْمَذْكُورِ بَيْنَ الْمُبْتَدَأَةِ وَالْمُعْتَادَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالْعِبَارَةُ عَنْهُ أَنَّ حُكْمَ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ حُكْمُ مَا وَرَاءَ الْعَادَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي حُكْمُ مَرَدِّهَا حُكْمُ أَيَّامِ الْعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مَرْضِيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

اعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الصُّفْرَةِ مِمَّا يَعُمُّ وُقُوعُهُ وَتَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَعْظُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فنوضح أصلها بأمثلة مُخْتَصَرَةً: قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ مَا بَيْنَهُمَا صُفْرَةً أَوْ كُدْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعَلَى الْأَوْجُهِ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ لَيْسَ بِحَيْضٍ فَتَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي وَلَهَا حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ

* وَلَوْ رَأَتْ أَيَّامًا سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَلَا يَخْفَى قِيَاسُ الْبَاقِينَ

* وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَيَّامًا صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ كُلُّهُ دَمُ فساد

* ولو رأت خمسة صفرة ثم خمسة سَوَادًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهَا حُكْمُ مِنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ يأتي بيانها ان شساء اللَّهُ تَعَالَى أَصَحُّهَا الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْأَسْوَدُ حَيْضٌ وَالصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ

* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَصْفَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَالثَّانِي حَيْضُهَا السَّوَادُ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الصُّفْرَةُ لِسَبْقِهَا وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَسَيَأْتِي إيضَاحُ هَذِهِ الْأَوْجُهِ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ سِتَّةَ عَشَرَ سَوَادًا فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا حَيْضُ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِنَّ

حَيْضَهَا الصُّفْرَةُ

* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا عَشَرَةٌ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ وَعَلَى الْمَذْهَبِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ

* وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَهَا حُكْمُ مَنْ رَأَتْ عَشَرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَفِيهَا الاوجه الثلاثة

ص: 394

الْأَصَحُّ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَالثَّانِي الْحَيْضُ الْأَسْوَدُ وَالثَّالِثُ فَاقِدَةُ التَّمْيِيزِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُبْتَدَأَةِ

* أَمَّا الْمُعْتَادَةُ فَإِذَا كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ حَيْضُهَا الْأَسْوَدُ: وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةً صُفْرَةً فَعَلَى الْمَذْهَبِ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ ثَانٍ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّوَادِ طُهْرٌ كَامِلٌ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ الصُّفْرَةُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا عَشْرَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ عَشَرَةً صُفْرَةً وَانْقَطَعَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْجَمِيعُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَيْضُهَا عَشَرَةٌ خَمْسَةُ السَّوَادِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الصُّفْرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ: وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَعِنْدَ الْإِصْطَخْرِيِّ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ السَّوَادُ وَالْحُمْرَةُ حَيْضٌ وَفِي الصُّفْرَةِ الْقَوْلَانِ فِي النَّقَاءِ كَمَا قَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ قَالَا قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبَاقِي الْمَسَائِلِ حَيْثُ حَكَمْنَا بِأَنَّ الصُّفْرَةَ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ إذَا تَأَخَّرَتْ عَنْ السَّوَادِ أَنَّ الْعَادَةَ فِي الْحَيْضِ أَنْ يَكُونَ فِي أَوَّلِهِ قَوِيًّا أَسْوَدَ ثَخِينًا ثُمَّ يَرِقُّ فَيَحْمَرُّ ثُمَّ يَصْفَرُّ ثُمَّ يَنْقَطِعُ فَتَكُونُ الصُّفْرَةُ مِنْ بَقَايَا الْحَيْضِ فَحُكِمَ بِأَنَّهَا حَيْضٌ وَأَمَّا هُنَا فهذه الصفرة يعقبها حمرة فعلمنا انه لَيْسَتْ بَقِيَّةَ حَيْضٍ لِأَنَّهُ لَا يَضْعُفُ ثُمَّ يَقْوَى وَإِنَّمَا اصْفَرَّ لِأَنَّهُ انْقَطَعَ فَكَانَ نَقَاءً بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ

* هَكَذَا نَقَلَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَلَمْ يُخَالِفَاهُ بَلْ قَرَّرَاهُ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَبِي حَامِدٍ وأنكره وقال هذا لا يجئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَلَا مَذْهَبِ ابْنِ سُرَيْجٍ

لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الصُّفْرَةَ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وانما يجئ عَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ نَحْوَ قَوْلِ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ حَيْضٌ وَلَا تَتَقَيَّدُ بِالْعَادَةِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَسُفْيَانَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وأبي حنيفة ومحمد وأحمد واسحق وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الصُّفْرَةُ حَيْضٌ وَالْكُدْرَةُ لَيْسَتْ

ص: 395

بِحَيْضٍ إلَّا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا دَمٌ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ إنْ تَقَدَّمَهَا دَمٌ فَهُمَا حَيْضٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُمَا حَيْضٌ فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَخَالَفَهُ الْبَغَوِيّ فَقَالَ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ لَا تَكُونُ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا وَمَدَارُ أَدِلَّةِ الْجَمِيعِ عَلَى الْحَدِيثَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ في الكتاب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ عَبَرَ الدَّمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَقَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُبْتَدَأَةً مُمَيِّزَةً أَوْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً أَوْ نَاسِيَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ نَاسِيَةً مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ الَّتِي بَدَأَ بِهَا الدَّمُ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَالدَّمُ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا تَحِيضُ أَقَلَّ الْحَيْضِ لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَمَا زَادَ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُحْكَمُ بِكَوْنِهِ حَيْضًا وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ وَهُوَ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ: تَحَيَّضِي فِي عِلْمِ اللَّهِ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ كَمَا تَحِيضُ النِّسَاءُ وَيَطْهُرْنَ مِيقَاتَ حَيْضِهِنَّ وَطُهْرِهِنَّ: وَلِأَنَّهُ لَوْ كان لها عادة ردت إليها لان حَيْضَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَيْضِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَيْضَهَا كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا فَرُدَّتْ إلَيْهَا وَإِلَى أي عادة ترد فيه وجهان احدهما إلَى غَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ لِحَدِيثِ حَمْنَةَ وَالثَّانِي إلَى عَادَةِ نِسَاءِ بَلَدِهَا وَقَوْمِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي اغْتَسَلَتْ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي أحد القولين وعند انقضاء الست والسبع في الآخر

ص: 396

لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَأَنَّ حُكْمَهَا مَا ذَكَرْنَاهُ فَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ وَأَمَّا الصَّوْمُ فَلَا تَقْضِي مَا يأتي به بعد الخمسة عشر وفيما يأتي بِهِ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَقْضِيه لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ صَادَفَ زَمَانَ الْحَيْضِ فَلَزِمَهَا قَضَاؤُهُ كَالنَّاسِيَةِ وَالثَّانِي لَا تَقْضِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهَا صَامَتْ فِي زَمَانٍ حَكَمْنَا بِالطُّهْرِ فِيهِ بِخِلَافِ النَّاسِيَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْكَمْ لَهَا بِحَيْضٍ ولا طهر] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ حَمْنَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَعَ بَيَانِ اسْمِهَا وَبَيَانِ الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً أَوْ مُعْتَادَةً وَالْمُبْتَدَأَةُ بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ بَعْدَ الدَّالِ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ وَلَمْ تَكُنْ رَأَتْهُ وَالْمُمَيِّزَةُ بِكَسْرِ الْيَاءِ فَاعِلَةٌ مِنْ التَّمْيِيزِ وَقَوْلُهُ كَحَيْضِ نِسَائِهَا وَلِدَاتِهَا هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَمَعْنَاهُ أقرانها

* أما أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَلَمَّا فَرَغَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُكْمِ الْحَائِضِ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ دَمُهَا أَكْثَرَ الْحَيْضِ انْتَقَلَ إلَى بَيَانِ حُكْمِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهُنَّ مَنْ جَاوَزَ دَمُهُنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ وَاخْتَلَطَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ وَهُنَّ مُنْقَسِمَاتٌ إلَى هَذِهِ الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا (إحْدَاهُنَّ) الْمُبْتَدَأَةُ وَهِيَ الَّتِي ابْتَدَأَهَا الدَّمُ لِزَمَانِ الامكان وجاور خَمْسَةَ عَشَرَ وَهُوَ عَلَى لَوْنٍ أَوْ عَلَى لَوْنَيْنِ وَلَكِنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ الَّتِي يَأْتِي ذِكْرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَفِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ

ص: 397

فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَحَدُهُمَا حَيْضُهَا يوم وليلة من أول الدم والثاني ستة أو سبعة وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في كتابه المستخص وسليم الرازي في رؤس الْمَسَائِلِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَيْنِ قَوْلَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَالتَّلْخِيصِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي وَبَابِ الْحَيْضِ فِي آخِرِ كِتَابِهِ وَلَهُ اصْطِلَاحٌ غريب في ترتيب كتابه وأبو الحسن ابن خَيْرَانَ فِي كِتَابِهِ اللَّطِيفِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الْكَافِي

وَآخَرُونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ رُؤْيَةِ الدَّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ وَهُوَ تَمَامُ الدَّوْرِ وَهُوَ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَهَكَذَا يَكُونُ دَوْرُهَا أَبَدًا ثَلَاثِينَ مِنْهَا سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا حَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَفِي طُهْرِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ هَكَذَا حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْجُهًا وَحَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي الْفُرُوقِ أَقْوَالًا أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا تَمَامَ الشَّهْرِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الدَّوْرَ ثَلَاثُونَ فَإِذَا ثَبَتَ لِلْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ تَعَيَّنَ الْبَاقِي لِلطُّهْرِ وَلِأَنَّ الرَّدَّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِلِاحْتِيَاطِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الطُّهْرِ أَنْ يَكُونَ بَاقِي الشَّهْرِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَكُونُ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا أَبَدًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ لِأَنَّهَا

ص: 398

رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ وَتُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْته أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ نَصَّا صَرِيحًا لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَهَذَا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ اتِّبَاعُ لَفْظٍ وَإِعْرَاضٌ عَنْ الْمَعْنَى لِأَنَّ الرَّدَّ إلَى أَقَلِّ الْحَيْضِ إنَّمَا كَانَ لِتَكْثُرَ صَلَاتُهَا فَإِذَا رُدَّتْ إلَى أَقَلِّ الطُّهْرِ عَاجَلَهَا الْحَيْضُ فَقَلَّتْ صَلَاتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تُرَدُّ إلَى غَالِبِ الطُّهْرِ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ الرَّدُّ إلَى الْغَالِبِ خَالَفَنَا فِي الْحَيْضِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَيْسَ فِي أَقَلِّ الطُّهْرِ احْتِيَاطٌ فَبَقَّيْنَاهُ عَلَى مُقْتَضَى الدَّلِيلِ فَعَلَى هَذَا يُرَدُّ إلَى الْغَالِبِ مِنْ غَالِبِ الطُّهْرِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَا يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَلَى هَذَا تُرَدُّ إلَى أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَإِذَا قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَهَلْ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْيِيرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَهُمْ وَحَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي الِانْتِخَابِ وَغَيْرُهُمْ

عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ السِّتِّ وَالسَّبْعِ فَإِنْ شَاءَتْ جَعَلَتْ حَيْضَهَا سِتًّا وَإِنْ شَاءَتْ سَبْعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَادَةٌ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي الْبُلْغَةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابى اسحق المروزى قال الرافعى وزعم الخياطي أَنَّهُ الْأَصَحُّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ سِتًّا فَحَيْضُهَا سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَحَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَخَيُّلُ التَّخْيِيرِ مُحَالٌ فَعَلَى هَذَا فِي النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا نِسَاءُ زَمَانِهَا فِي الدُّنْيَا كُلِّهَا لِظَاهِرِ حَدِيثِ حَمْنَةَ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي نِسَاءُ بَلَدِهَا وَنَاحِيَتِهَا وَالثَّالِثُ نِسَاءُ عَصَبَتِهَا خَاصَّةً حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ كَالْمَهْرِ وَالرَّابِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ نِسَاءُ قَرَابَاتِهَا مِنْ جِهَةِ الْأَبِ وَالْأُمِّ جَمِيعًا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ

ص: 399

الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَاتٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا نِسَاءُ عَشِيرَةٍ اُعْتُبِرَ نِسَاءُ بَلَدِهَا لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهِنَّ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي ثُمَّ إنْ كَانَ عَادَةُ النِّسَاءِ الْمُعْتَبَرَاتِ سِتًّا فَحَيْضُ هَذِهِ سِتٌّ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا فَسَبْعٌ وَإِنْ كَانَتْ دُونَ سِتٍّ أَوْ فَوْقَ سَبْعٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَى السِّتِّ إنْ كانت عادتهن دونها والى السبع ان كات فَوْقَهَا لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْحَدِيثِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى عَادَتِهِنَّ زَادَتْ أَوْ نَقَصَتْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا أَقْيَسُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالنِّسَاءِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سِتًّا وَبَعْضُهُنَّ يَحِضْنَ سَبْعًا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ تُرَدُّ إلَى السِّتِّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنْ اسْتَوَى الْبَعْضَانِ فَإِلَى السِّتِّ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِغَالِبِ النِّسْوَةِ وَلَوْ حَاضَ بَعْضُهُنَّ فَوْقَ سَبْعٍ وَبَعْضُهُنَّ دُونَ سِتٍّ فَحَيْضُهَا السِّتُّ هَذَا بَيَانُ مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ ثُمَّ مَا حُكِمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كل شئ وَمَا فَوْقَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطاهرات في كل شئ وَأَمَّا مَا بَيْنَ الْمَرَدِّ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ

الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهَيْنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمَا أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ لها فيه حكم الطاهرات في كل شئ فَيَصِحُّ صَوْمُهَا وَصَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَتَحِلُّ لَهَا الْقِرَاءَةُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالْجِمَاعُ وَلَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تَفْعَلُهُ فِيهِ وَيَصِحُّ قَضَاءُ مَا تَقْضِيه فِيهِ مِنْ صَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَطَوَافٍ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ هَذِهِ فَائِدَةُ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ أَوْ السِّتَّ أَوْ السَّبْعَ حَيْضٌ لِيَكُونَ الْبَاقِي طُهْرًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُمَيِّزَةِ وَالْمُعْتَادَةِ فَإِنَّ مَا سِوَى أَيَّامِ تَمْيِيزِهَا وَعَادَتِهَا يَكُونُ طُهْرًا بِلَا خِلَافٍ فَكَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُؤْمَرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ بِالِاحْتِيَاطِ الَّذِي تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَلَا تَقْرَأُ وَلَا تُوطَأُ وَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ الَّذِي أَدَّتْهُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّيَاتِ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ كَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ صَلَاةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَدَلِيلُ هذا

ص: 400

الْقَوْلِ أَنَّ هَذَا الزَّمَانَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ طُهْرٌ وَأَنَّهُ حَيْضٌ فَأَشْبَهَتْ الْمُتَحَيِّرَةَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهَا إذَا رُدَّتْ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَانَ ذَلِكَ حَيْضًا بِيَقِينٍ وَفِيمَا وَرَاءَهُ الْقَوْلَانِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ السِّتِّ وَالسَّبْعِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَفِيمَا بَعْدَهُ إلَى تَمَامِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ حَيْضٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَيُحْتَاطُ فِيهِ فَتَغْتَسِلُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالُ طُهْرٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَحَالُ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ وَحَالُ حَيْضٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَى آخِرِ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَحَالُ طُهْرٍ مَشْكُوكٍ فِيهِ وَهُوَ مَا بَعْدَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ الدَّمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهَا أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ رَجَاءَ أَنْ يَنْقَطِعَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَيَكُونُ كُلُّهُ حَيْضًا فَإِذَا اسْتَمَرَّ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ فَإِذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي

الشَّهْرِ الثَّانِي وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْمَرَدِّ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا تُمْسِكُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَالظَّاهِرُ أَنَّ حَالَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَحَالِهَا فِي الْأَوَّلِ وَهَكَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَمَا بَعْدَهُ وَمَتَى انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ لِخَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ فِي ذَلِكَ الشَّهْرِ حَيْضٌ فَيُتَدَارَكُ مَا يَنْبَغِي تَدَارُكُهُ مِنْ صَوْمٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَتَبَيَّنَّا أَنَّ غُسْلَهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ لَمْ يَصِحَّ لِوُقُوعِهِ فِي الْحَيْضِ وَلَا إثْمَ عَلَيْهَا فِيمَا فَعَلَتْهُ بَعْدَ الْمَرَدِّ مِنْ صَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّهَا مَعْذُورَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَثْبُتُ الاستحاضة بمرة واحدة بلا خلاف ولا يجئ فِيهَا الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْعَادَةُ فِي بَابِ الْحَيْضِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا مَا يَثْبُتُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَهُوَ الِاسْتِحَاضَةُ لِأَنَّهَا عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَيَبْعُدُ زَوَالُهَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُبْتَدَأَةُ وَالْمُعْتَادَةُ وَالْمُمَيِّزَةُ

ص: 401

(الثَّانِي) مَا تَثْبُتُ فِيهِ الْعَادَةُ بِمَرَّتَيْنِ وَفِي ثُبُوتِهِ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الثُّبُوتُ وَهُوَ قَدْرُ الْحَيْضِ (الثَّالِثُ) لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ التَّوَقُّفُ بِسَبَبِ تَقَطُّعِ الدَّمِ إذَا كَانَتْ تَرَى يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً كَمَا سَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شاء الله (الرَّابِعُ) لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ فِيهِ بِمَرَّةٍ وَلَا مَرَّاتٍ مُتَكَرِّرَاتٍ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ الْمُسْتَحَاضَةُ إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَاسْتَمَرَّتْ لَهَا أَدْوَارٌ هَكَذَا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ أَيَّامِ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا باللقط لو لم يطبق الدم قالوا وكذلو وَلَدَتْ مَرَّاتٍ وَلَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا ثُمَّ وَلَدَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ وَجَاوَزَ سِتِّينَ يَوْمًا لَمْ يَصِرْ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةً بِلَا خِلَافٍ بَلْ هَذِهِ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا لَمْ تَعْرِفْ الْمُبْتَدَأَةُ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ: حَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ زُفَرَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ والثوري واسحق إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفُ تُرَدُّ فِي إعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وهو أقل الحيض عنده وفى الوطئ إلَى أَكْثَرِهِ احْتِيَاطًا لِلْأَمْرَيْنِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ خَمْسَةَ

عَشَرَ يَوْمًا وَرِوَايَةٌ كَأَقْرَانِهَا وَعَنْ دَاوُد إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَدَلَائِلُهَا تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وان كانت مبتدأة مميزة هي والتى بدأ بها الام وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَدَمُهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ بصفة دم الحيض وهو المحتدم القاني الَّذِي يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَفِي بَعْضِهَا أَحْمَرُ مُشْرِقٌ أَوْ أَصْفَرُ فَإِنَّ حَيْضَهَا أَيَّامُ السَّوَادِ بشرطين (احدهما) ألا يَنْقُصُ الْأَسْوَدُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي أَلَّا يَزِيدَ عَلَى أَكْثَرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي أُسْتَحَاضُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم (إنَّ دَمَ الْحَيْضِ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وإذا كان الآخر فتوضئ وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ عِرْقٌ) وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ فَجَازَ أَنْ يُرْجَعَ إلَى صِفَتِهِ عِنْدَ الْإِشْكَالِ كَالْمَنِيِّ وَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ يوما

ص: 402

وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَمْسَكَتْ عَنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لِجَوَازِ أَنْ لَا تُجَاوِزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ تَغَيُّرِ الدَّمِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ لِأَنَّا عَلِمْنَا بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ السَّوَادَ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ رَأَتْ السَّوَادَ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ كَانَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْأَسْوَدَ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها صَحِيحٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِلَفْظِهِ هُنَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ فَاطِمَةَ وَأَصْلُهُ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (انما هو عرق) هو بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ أَيْ دَمُ عِرْقٍ وَهَذَا الْعِرْقُ يُسَمَّى الْعَاذِلُ؟ ؟ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ عِرْقٌ انْقَطَعَ مُنْكَرٌ فَلَا يُعْرَفُ لَفْظَةُ انْقَطَعَ فِي الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ الْمُحْتَدِمُ هُوَ بِالْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُوَ اللَّذَّاعُ لِلْبَشَرَةِ بِحِدَّتِهِ مَأْخُوذٌ مِنْ احْتِدَامِ النَّهَارِ وَهُوَ اشْتِدَادُ حَرِّهِ وَهَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّ الْمُحْتَدِمَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ حَتَّى أَسْوَدَّ وَالْفِعْلُ مِنْهُ احْتَدَمَ وَأَمَّا الْقَانِئُ فَبِالْقَافِ وَآخِرُهُ همزة علي ورن الْقَارِئِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ الَّذِي اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ فَصَارَ يَضْرِبُ إلَى السَّوَادِ وَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الَّذِي

اشْتَدَّتْ حُمْرَتُهُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ قَنَأَ يَقْنَأُ كَقَرَأَ يَقْرَأُ وَالْمَصْدَرُ الْقُنُوءُ كَالرُّجُوعِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ آخِرَهُ مَهْمُوزٌ وَنَبَّهْتُ عَلَى هَذَا لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْأَسْوَدِ فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْأَسْوَدَ الْحَالِكَ بَلْ الْمُرَادُ مَا تَعْلُوهُ حُمْرَةٌ مُجَسَّدَةُ كَأَنَّهَا سَوَادٌ بِسَبَبِ تَرَاكُمِ الْحُمْرَةِ وَقَدْ أشار المصنف في وصفه إلى هذا

* امام احكام الفصل فمذهبنا ان المبتدأة المميزة ترد الي التمييز بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُمَيِّزَةُ هِيَ الَّتِي تَرَى الدَّمَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعٍ بَعْضُهَا قَوِيٌّ وَبَعْضُهَا ضَعِيفٌ أَوْ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فَالْقَوِيُّ أَوْ الْأَقْوَى حَيْضٌ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَبِمَاذَا يُعْرَفُ تَغَيُّرُ الْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِاللَّوْنِ وَحْدَهُ فَالْأَسْوَدُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَحْمَرِ وَالْأَحْمَرُ قَوِيٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْأَشْقَرِ وَالْأَشْقَرُ أَقْوَى مِنْ الْأَصْفَرِ وَالْأَكْدَرِ إذَا جَعَلْنَاهُمَا حَيْضًا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَادَّعَى الْإِمَامُ أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا مَعَ الرَّائِحَةِ وَخَمْسَةً سَوَادًا بِلَا رَائِحَةٍ فَهُمَا دَمٌ وَاحِدٌ بِالِاتِّفَاقِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْقُوَّةَ تَحْصُلُ بِثَلَاثِ خِصَالٍ وَهِيَ

ص: 403

اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ الْكَرِيهَةُ وَالثَّخَانَةُ فَاللَّوْنُ مُعْتَبَرٌ كَمَا سبق وماله رَائِحَةٌ كَرِيهَةٌ أَقْوَى مِمَّا لَا رَائِحَةَ لَهُ وَالثَّخِينُ أَقْوَى مِنْ الرَّقِيقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فِي صِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ إنَّهُ مُحْتَدِمٌ ثَخِينٌ لَهُ رَائِحَةٌ وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ التَّعَرُّضُ لِغَيْرِ اللَّوْنِ كَمَا وَرَدَ التَّعَرُّضُ لِلَّوْنِ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ بَعْضُ دَمِهَا بِإِحْدَى الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ وَالْبَعْضُ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِهَا فَالْقَوِيُّ هُوَ الْمَوْصُوفُ بِهَا وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صفة وللبعض صفتان فالقوى ماله صِفَتَانِ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَتَانِ وَلِلْبَعْضِ ثَلَاثٌ فالقوى ماله ثَلَاثٌ وَإِنْ كَانَ لِلْبَعْضِ صِفَةٌ وَلِلْبَعْضِ صِفَةٌ أُخْرَى فَالْقَوِيُّ السَّابِقُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مَوْضِعُ تَأَمُّلٍ وَهَذِهِ صِفَةُ التَّمْيِيزِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِالتَّمْيِيزِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَلَّا يَنْقُصَ الْقَوِيُّ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَزِيدَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لِيُمْكِنَ جَعْلُ الْقَوِيِّ حَيْضًا وَالضَّعِيفِ طُهْرًا وَأَخَلَّ الْمُصَنِّفُ واكثر العراقيين بهذا الشرط الثالث ولابد مِنْهُ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ أَسْوَدَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَاتَ الشَّرْطُ الْأَوَّلُ وَلَوْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ فَاتَ الشَّرْطُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ عَادَ الْأَسْوَدُ فَاتَ

الشَّرْطُ الثَّالِثُ وَتَكُونُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَنْقُصَ الضَّعِيفُ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ارادوا خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَّصِلَةً وَإِلَّا فَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا أَسْوَدَ وَيَوْمَيْنِ أَحْمَرَ وَهَكَذَا أَبَدًا فَجُمْلَةُ الضَّعِيفِ فِي الشَّهْرِ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَكِنْ لَمَّا لَمْ تَكُنْ مُتَّصِلَةً لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَمْيِيزًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ شُرُوطَ التَّمْيِيزِ ثَلَاثَةٌ فَقَطْ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ الْمُتَوَلِّي شَرْطًا رَابِعًا وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ مَجْمُوعُ الدَّمَيْنِ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ عَلَى ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنْ زَادَ سَقَطَ حُكْمُ التَّمْيِيزِ لِأَنَّ الثَّلَاثِينَ لَا تَخْلُو غَالِبًا مِنْ حَيْضٍ وَطُهْرٍ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّ الضَّعِيفَ إنْ كَانَ مَعَ الْقَوِيِّ الَّذِي قَبْلَهُ تِسْعِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا عَمِلْنَا بالتمييز وجعلنا الضعيف طهرا فان جاوز التسعين ابتدأت بعد التسعين حيضة أخرى وَجَعَلْنَا دَوْرَهَا أَبَدًا تِسْعِينَ يَوْمًا وَهَذَا الَّذِي ذكره الامام المتولي شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَأَتْ الْأَسْوَدَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَكْثَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ بِهِ أَحْمَرُ قَبْلَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَجَبَ عَلَيْهَا أَنْ تُمْسِكَ فِي مُدَّةِ الْأَحْمَرِ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْقَطِعَ الْأَحْمَرُ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْمَجْمُوعِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا فَإِنْ جَاوَزَ

ص: 404

خَمْسَةَ عَشَرَ عَرَفْنَا حِينَئِذٍ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ مُمَيِّزَةٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ وَيَكُونُ الْأَحْمَرُ طُهْرًا بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ عَقِبَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ أَيَّامِ الْأَحْمَرِ وَقَوْلُهُمْ الْأَسْوَدُ وَالْأَحْمَرُ تَمْثِيلٌ وَإِلَّا فَالِاعْتِبَارُ بِالْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ كَيْفَ كَانَ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ صِفَاتِهِمَا هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَأَمَّا الشَّهْرُ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ فَإِذَا انْقَلَبَ الدَّمُ الْقَوِيُّ إلَى الضَّعِيفِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ انْقِلَابِهِ وَتُصَلِّيَ وَتَصُومَ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا يَنْتَظِرُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالُوا وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ فِي قَدْرِ الْحَيْضِ بِمَرَّةٍ لِأَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي الفرع السابق فان انقطاع الضَّعِيفُ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا تَبَيَّنَّا أَنَّ الضَّعِيفَ مَعَ الْقَوِيِّ فِي هَذَا الدَّوْرِ كَانَ حَيْضًا فَيَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصوم والطواف والاعتكاف الْوَاجِبَاتِ الْمَفْعُولَاتِ فِي أَيَّامِ الضَّعِيفِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَلَوْ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ الدَّمَ الْقَوِيَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ خَمْسَةً ثُمَّ ضَعُفَ وَفِي الْخَامِسِ سِتَّةً ثُمَّ ضَعُفَ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ فَحَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ الْقَوِيُّ

وَيَكُونُ الضَّعِيفُ طُهْرًا بِشُرُوطِهَا وَتَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ أَبَدًا عِنْدَ انْقِلَابِ الدَّمِ إلَى الضَّعِيفِ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَمَتَى انْقَطَعَ الضَّعِيفُ فِي شَهْرٍ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْأَصْحَابُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْقَوِيُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ بِقَدْرِ الْقَوِيِّ فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَوْ دُونَهُ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لَيْسَ بِسَبَبِ الْعَادَةِ بَلْ الْمُعْتَمَدُ صِفَةُ الدَّمِ فَمَتَى وُجِدَتْ تَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهَا *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَحْمَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَالْحَيْضُ هُوَ الْأَسْوَدُ وَمَا قَبْلَ الْأَسْوَدِ وَبَعْدَهُ اسْتِحَاضَةٌ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهَيْنِ ضَعِيفَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لها لان الخمسة الاولى دَمٌ بَدَأَ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ أُولَى أَنْ تَكُونَ حَيْضًا لِأَنَّهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ وَقَدْ انْضَمَّ إليه علامة الحيض وما بعدهما بِمَنْزِلَتِهِمَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ حَيْضَهَا الْعَشْرُ الْأُوَلُ لِأَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة حَيْضٌ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِاللَّوْنِ وَأَنْ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ لِأَنَّ السَّوَادَ زَادَ عَلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَبَطَلَ دَلَالَتُهُ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ غَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا أَنَّ ابْتِدَاءَ حَيْضِهَا مِنْ

ص: 405

أَوَّلِ الْأَسْوَدِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ لِأَنَّهُ بِصِفَةِ دَمِ الْحَيْضِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ هَذَا اللَّوْنَ لَا حُكْمَ لَهُ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَسْوَدَ وَانْقَطَعَ فَحَيْضُهَا الْأَسْوَدُ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ وَلَمْ يَنْقَطِعْ لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَيَكُونُ حيضها مِنْ ابْتِدَاءِ الدَّمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْقَوْلِ الْآخِرِ وَعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي خَرَّجَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ يكون حيضا من أول الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا]

* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ الْأَوَّلَةَ هَذِهِ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَقَوْلُهُ كَأَنَّ الدَّمَ كُلَّهُ مُبْهَمٌ أَيْ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ: وَقَوْلُهُ بِحُكْمِ الْبِدَايَةِ هَكَذَا يُوجَدُ فِي الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ وَهُوَ لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَصَوَابُهُ الْبَدْأَةُ وَالْبَدْأَةُ أَوْ الْبُدَاءَةُ ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ

وَغَيْرُهُ الْأُولَى بِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْبَاءَ مَضْمُومَةٌ وَالثَّالِثَةُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ وَزِيَادَةِ الْأَلْفِ مَمْدُودَةٍ وَمَعْنَاهُنَّ الِابْتِدَاءُ قَبْلَ غَيْرِهِ: وَقَوْلُهُ دَلَالَتُهُ هِيَ بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ أَجْوَدُ وَفِيهَا لُغَةٌ ثَالِثَةٌ حَكَاهَا الْجَوْهَرِيُّ دُلُولَةٌ بِضَمِّ الدَّالِ

* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُمَيِّزَةُ دَمًا قَوِيًّا وَضَعِيفًا فَلَهَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يَتَقَدَّمُ الْقَوِيُّ وَحَالٌ يَتَقَدَّمُ الضَّعِيفُ وَحَالٌ يَتَوَسَّطُ الضَّعِيفُ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ (الْحَالُ الْأَوَّلُ) أَنْ يَتَقَدَّمَ قَوِيٌّ وَيَسْتَمِرَّ بَعْدَهُ ضَعِيفٌ وَاحِدٌ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ احمرة فَالْحَيْضُ هُوَ السَّوَادُ سَوَاءٌ انْقَطَعَتْ الْحُمْرَةُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ أَكْثَرَ وَإِنْ طَالَ زَمَانُهَا طُولًا كَثِيرًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ عَنْ الْمُتَوَلِّي وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ انْقِطَاعِ الْأَحْمَرِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ ثَلَاثِينَ أَوْ تِسْعِينَ وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله يُبْطِلُهُمَا لِإِطْلَاقِهِ أَنَّ الضَّعِيفَ طُهْرٌ وَلَوْ تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفٌ ثُمَّ أَضْعَفُ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ الْمُتَوَسِّطِ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ أَصَحُّهُمَا إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بالسواد فيكونا حَيْضًا وَالصُّفْرَةُ طُهْرًا لِأَنَّهُمَا قَوِيَّانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الصُّفْرَةِ وَهُمَا فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَبِهَذَا قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالْبَغَوِيُّ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي إلْحَاقُ الْحُمْرَةِ بِالصُّفْرَةِ لِلِاحْتِيَاطِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْأَسْوَدَ فَقَطْ وَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وغيره أصحهما

ص: 406

وَأَشْهُرُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ السَّوَادَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ كِلَاهُمَا طُهْرٌ لِقُوَّةِ السَّوَادِ بِاللَّوْنِ وَالْأَوَّلِيَّةِ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِأَنَّ الْحُمْرَةَ كَالسَّوَادِ لِقُوَّتِهَا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا بَعْدَهَا فَيَصِيرُ كَأَنَّ السَّوَادَ اسْتَمَرَّ سِتَّةَ عَشَرَ أَمَّا إذَا تَعَقَّبَ الْقَوِيَّ ضَعِيفَانِ تَوَسَّطَ أَضْعَفُهُمَا بِأَنْ رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ صُفْرَةً ثُمَّ حُمْرَةً فَهَذِهِ الصُّورَةُ تُبْنَى عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ تَوَسُّطُ الْحُمْرَةِ فَإِنْ أَلْحَقْنَا هُنَاكَ الْحُمْرَةَ الْمُتَوَسِّطَةَ بِالصُّفْرَةِ بَعْدَهَا فَهُنَا أَوْلَى بِأَنْ نُلْحِقَ الصُّفْرَةَ بِالْحُمْرَةِ بَعْدَهَا فَيَكُونَ حيضها الاسود والباقي طهر وَإِنْ أَلْحَقْنَاهَا بِالسَّوَادِ قَبْلَهَا فَالْحُكْمُ هُنَا كَمَا إذَا رَأَتْ سَوَادًا ثُمَّ حُمْرَةً

ثُمَّ عَادَ السَّوَادُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعِيفُ وَهِيَ مَسَائِلُ الْكِتَابِ وَلَهَا صُوَرٌ إحْدَاهَا أَنْ يَتَوَسَّطَ قَوِيٌّ بَيْنَ ضَعِيفَيْنِ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ أَوْ تَرَى خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ تُطْبِقُ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ حَكَوْهَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ الْمُتَوَسِّطُ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ طُهْرًا لِلْحَدِيثِ (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَلِأَنَّ اللَّوْنَ عَلَامَةٌ بِنَفْسِهِ فَقُدِّمَ وَلِهَذَا قَدَّمْنَا التَّمْيِيزَ عَلَى الْعَادَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالثَّانِي أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ التَّعْلِيلِ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ خِلَافُ مُقْتَضَى الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَالْعُدُولُ عَنْ الْأَوَّلِيَّةِ مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا بَعِيدٌ فَيَكُونُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا وَسَبْعًا فِي قَوْلٍ وَالثَّالِثُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَوَّلِيَّةِ وَاللَّوْنِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ الْأُولَى مَعَ السَّوَادِ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَإِنْ قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ

ص: 407

الْأُولَى يُقَدَّمُ اللَّوْنُ أَوْ قُلْنَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَمْعِ فَهُوَ مُتَعَذِّرٌ هُنَا فَتَكُونُ فَاقِدَةً لِلتَّمْيِيزِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ الْأُولَى تَغْلِيبًا لِلْأَوَّلِيَّةِ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ هَفْوَةٌ لَا أَعُدُّهُ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَحَيْضُهَا السَّوَادُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَوَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَأَبُو عَلِيٍّ حَيْضُهَا الحمرة وقال أبو إسحق وَجُمْهُورُ الْمُتَأَخِّرِينَ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَحْدَهُ (الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ) رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَتَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الْحُمْرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي الْحَيْضُ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَالثَّالِثُ حكاه الخراسانيون حيضها الحمرة لقوة الاولية وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا كَمَا قَدَّمْنَاهُ الثَّالِثَةُ رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا وَانْقَطَعَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّ حَيْضَهَا السَّوَادُ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ

تَخْرِيجَ ابْنِ سُرَيْجٍ هُنَا كَمَا لَمْ يذكره شيخه القاضي أبو الطيب ولابد مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا وَقَدْ ذَكَرَهُ هُنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وآخرون الرابعة رأت خمسة عشرة حمر ثم خمسة عشر سوادا ثم استمر السواد فهي فاقدة للتمييز فحيضها يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى تَخْرِيجِ ابْنِ سُرَيْجٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَعَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ النَّاظِرِ إلَى الاولية يَكُونُ حَيْضُهَا الْحُمْرَةَ فِي الْخَمْسَةَ

ص: 408

عَشَرَ فَعَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ فَإِنَّهَا إذَا رَأَتْ الْحُمْرَةَ تُؤْمَرُ بِالْإِمْسَاكِ عَنْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَ تَجَاوُزِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ هُوَ الْحَيْضَ فَإِذَا جَاوَزَ الْأَسْوَدُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا فَاقِدَةٌ لِلتَّمْيِيزِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي قَوْلٍ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي قَوْلٍ وَقَدْ انْقَضَى الْآنَ دَوْرُهَا فَتَبْتَدِئُ الْآنَ حَيْضًا ثَانِيًا يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ سِتًّا أَوْ سَبْعًا فَتُمْسِكُ أَيْضًا ذَلِكَ الْقَدْرِ فَصَارَ إمْسَاكُهَا أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وَسِتَّةً وَثَلَاثِينَ أَوْ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ فِي قَوْلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْرَفُ امْرَأَةٌ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ أَحَدًا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا إلَّا هَذِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ وَجَمَاعَةٍ لَا يُعْرَفُ مَنْ تَتْرُكُ الصَّلَاةَ شَهْرًا إلَّا هَذِهِ فَفِيهِ نَقْصٌ وَتَمَامُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَتَوَسَّطَ دَمٌ ضَعِيفٌ بَيْنَ قَوِيَّيْنِ بِأَنْ رَأَتْ سِوَادَيْنِ بَيْنَهُمَا حُمْرَةٌ أَوْ صُفْرَةٌ فَفِيهِ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ رَتَّبَهَا صَاحِبُ الْحَاوِي تَرْتِيبًا حَسَنًا فَجَعَلَهُ ثَمَانِيَةَ أَقْسَامٍ وَبَعْضُهَا لَيْسَ مِنْ صُوَرِ التَّمْيِيزِ لَكِنْ اقْتَضَاهُ التَّقْسِيمُ أَحَدُهَا أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدِّمَاءِ الثَّلَاثَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلَا يُجَاوِزُ الْجَمِيعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ تَرَى خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً أَوْ صُفْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وقال أبو اسحق الضَّعِيفُ الْمُتَوَسِّطُ كَالنَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ دَمَيْ الْحَيْضِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ مَعَ السَّوَادَيْنِ وَالثَّانِي طُهْرٌ وَقَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي بِقَوْلِ ابى اسحق الْقِسَمُ الثَّانِي أَنْ يُجَاوِزَ الْمَجْمُوعُ خَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنْ رَأَتْ سَبْعَةً سَوَادًا ثُمَّ سَبْعَةً حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ حَيْضُهَا السواد الاول مع الحمر وأما السواد الثاني فطهر وقال أبو اسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ.

وَتَكُونُ الْحُمْرَةُ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَلَا يجئ قَوْلَا

التَّلْفِيقِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي حكاه عن ابى اسحق ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ غَلَطٌ لِأَنَّ الدَّمَ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةً سَوَادًا ثُمَّ ثَمَانِيَةً حُمْرَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً سَوَادًا فَحَيْضُهَا السَّوَادُ الْأَوَّلُ بِالِاتِّفَاقِ: الثَّالِثُ أَنْ يَنْقُصَ الْجَمِيعُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بِأَنْ تَرَى سَاعَةً أَسْوَدَ ثُمَّ سَاعَةً أَحْمَرَ ثُمَّ سَاعَةً أَسْوَدَ وَيَنْقَطِعُ فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ الرَّابِعُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَيَبْلُغُهُ الْمَجْمُوعُ بِأَنْ تَرَى ثُلُثَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ ثُلُثَهُمَا

ص: 409

حمرة ثم ثلثهما سوادا فعي قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وعلى قول أبى اسحق لَا حَيْضَ وَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّهُ يُخْرِجُ الْحُمْرَةَ فَلَا يَبْقَى يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ كَانَ الْجَمِيعُ حَيْضًا عِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وعلي قول ابى الاسحق الْأَسْوَدَانِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ الْخَامِسُ أَنْ يَبْلُغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ السَّوَادَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَنْقُصُ الْحُمْرَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض عند ابي واسحق حَيْضُهَا السَّوَادَانِ وَفِي الْحُمْرَةِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ وَلَوْ رَأَتْ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ حُمْرَةً ثُمَّ سَبْعَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سريج حيضها السوا الاول مع الحمرة وعلي قول ابي اسحق حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ عَشَرَ السَّوَادُ دُونَ الْحُمْرَةِ بَيْنَهُمَا (قلت) هذا الذى نقله عن ابي اسحق ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ: السَّادِسُ أَنْ يَنْقُصَ كُلُّ سَوَادٍ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَتَبْلُغَ الْحُمْرَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ سوادا فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حَيْضٌ وَعِنْدَ أَبِي اسحق حَيْضُهَا الْأَسْوَدَانِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا قَوْلَا التَّلْفِيقِ: السَّابِعُ أَنْ يَبْلُغَ السَّوَادُ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَكَذَا الْأَحْمَرُ وَيَنْقُصَ السَّوَادُ الْأَخِيرُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ الثَّامِنُ أَنْ يَنْقُصَ الْأَوَّلَانِ دُونَ الْأَخِيرِ بِأَنْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا فَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ الْجَمِيعُ حيض وعلى قول أبي اسحق حَيْضُهَا السَّوَادُ الثَّانِي وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةَ عَشَرَ سَوَادًا فَالسَّوَادُ الثَّانِي هُوَ الْحَيْضُ بِالِاتِّفَاقِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

ص: 410

(فَرْعٌ)

الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ مَعَ السَّوَادِ كَالْحُمْرَةِ مَعَ السَّوَادِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمَا فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ وَلَا يَخْفَى تَفْرِيعُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ فِيهِمَا وَسَبَقَ فِي مَسَائِلِ الصُّفْرَةِ تَفْرِيعَاتٌ لَهَا

تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْفَصْلِ

* (فَرْعٌ)

رَأَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا فَحَيْضُهَا الْحُمْرَةُ وَأَمَّا الْأَسْوَدُ فَطُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا حُمْرَةً ثُمَّ لَيْلَةً سَوَادًا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي سَبَقَ عَنْ صَاحِبِ الحاوي في المبتدأة وَاَللَّهُ أَعْلَمُ *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَإِنْ رَأَتْ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ ثُمَّ رَأَتْ دَمًا أَسْوَدَ وَانْفَصَلَ لَمْ يَكُنْ لَهَا تَمْيِيزٌ فَيَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فِي أَوَّلِ الدَّمِ الْأَحْمَرِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُجْعَلُ حَيْضُهَا سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ]

* [الشَّرْحُ] هَكَذَا تُوجَدُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَحَكَى بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ رَأَى أَصْلَ الْمُصَنَّفِ وَقَدْ ضَرَبَ الْمُصَنِّفُ بِخَطِّهِ عَلَى قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَعْدُودَةٌ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَا أَرَاهَا مِنْ الْمُشْكِلَاتِ فَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَنَّ حَيْضَهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ فَظَاهِرٌ لَا إشْكَالَ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ فَيَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ أَظْهَرُهُمَا أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّا إنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُ هَذِهِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ يَوْمًا وَلَيْلَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سبع فحيضها

ص: 411

مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الْأَحْمَرِ تِسْعَةُ أَيَّامٍ أَوْ عَشَرَةٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ طُهْرًا فَاصِلًا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مَا بَعْدَ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرًا إلَّا أَنْ تَكُونَ رَأَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا أَحْمَرَ وَاتَّصَلَ الْأَسْوَدُ مِنْ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَالْبَاقِي مِنْ الْأَحْمَرِ وَهُوَ خمسة عشر أو ستة عشر طهر وتبتدئ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا وَتَقْدِيرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَكُونُ

حَيْضُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ: هَذَا أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي حَيْضُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ قَدْ امْتَدَّ وَبَدَأَ السَّوَادُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا وَتَبْتَدِئُ مِنْ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ سِتًّا أَوْ سَبْعًا هَذَا هُوَ الِاحْتِمَالُ الظَّاهِرُ الْمُخْتَارُ لِكَلَامِ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّا نُحَيِّضُهَا مَنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ يوما وليلة قولا واحدا ولا يجئ قَوْلُ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ وَيَكُونُ بَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَفِي قَدْرِهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُبْتَدَأَةِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَحْمَرُ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ وَالْأَسْوَدُ فِي الثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّ فِي الْقَدْرِ الَّذِي تُرَدُّ إلَيْهِ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ الْقَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَبَاقِي الْأَحْمَرِ طُهْرٌ ثُمَّ تَبْتَدِئُ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ حَيْضًا آخَرَ وَهَذَانِ الِاحْتِمَالَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهَيْنِ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ وَالْأَوَّلُ مِنْهُمَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالثَّانِي ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقَوَاعِدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْجَزْمُ بِرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّهُ جُعِلَ لَهَا حَيْضٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَطُهْرٌ بَعْدَهُ ثُمَّ جُعِلَتْ فِي السَّوَادِ مُبْتَدَأَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تُجْعَلَ مُعْتَادَةً إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْعَادَةَ تثبت بمرة فانه سبق لها دور هو ستة عشسر يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ رَدَدْنَا هَذِهِ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ وَيَكُونُ بَعْدَهُ خَمْسَةَ

ص: 412

عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ تَبْتَدِئُ حَيْضًا آخَرَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ هُنَا إلَى ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَا ذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لَمْ يَبْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَسْوَدِ طُهْرٌ صَحِيحٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ اسْتَمَرَّ الْأَسْوَدُ إلَى آخِرِ الثَّانِي وَالْعِشْرِينَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَحْمَرِ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ بَعْدَهُ طُهْرٌ صَحِيحٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَيُمْكِنُ حَمْلُ حِكَايَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً حُمْرَةً وَانْقَطَعَ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ الْحُمْرَةَ السَّابِقَةَ طُهْرٌ وَالْبَاقِي حَيْضٌ

وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ سَوَادًا ثُمَّ نِصْفَهُ حُمْرَةً ثُمَّ الْيَوْمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ السَّادِسَ سَوَادًا كُلَّهُ ثُمَّ أَطْبَقَتْ حُمْرَةٌ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَ السَّادِسِ طُهْرٌ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَمَا قَبْلَهُ مِنْ السَّوَادِ حَيْضٌ أَيْضًا وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ أحدهما

ص: 413

حَيْضٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدِّمَاءِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً سَوَادًا ثُمَّ خَمْسَةً أَوْ عَشْرَةً أَوْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ حُمْرَةً ثُمَّ يَوْمًا سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ أَنَّ السَّوَادَيْنِ حَيْضٌ وَفِي الْحُمْرَةِ الْمُتَخَلِّلَةِ الطَّرِيقَانِ وَمَا بَعْدَ السَّوَادِ الثَّانِي طُهْرٌ (فَرْعٌ)

قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي آخِرِ بَابِ الْحَيْضِ لَوْ رَأَتْ دَمًا قَوِيًّا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا وَلَمْ يَتَجَاوَزْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اتَّصَلَ به الضعيف وتمادى سنة مَثَلًا وَلَمْ يَعُدْ الدَّمُ الْقَوِيُّ أَصْلًا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيه قِيَاسُ التَّمْيِيزِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ اسْتَمَرَّ الضَّعِيفُ سِنِينَ قَالَ وَقَدْ يَخْتَلِجُ فِي النَّفْسِ اسْتِبْعَادُ الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهَا وَهِيَ تَرَى الدَّمَ دَائِمًا وَلَكِنْ لَيْسَ لِأَكْثَرِ الطُّهْرِ مَرَدٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ فَلَمْ يَبْقَ ضَبْطٌ إلَّا بِالتَّمْيِيزِ فَظَاهِرُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا طَاهِرٌ وَإِنْ بَلَغَ الدَّمُ الضَّعِيفُ مَا بَلَغَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ مُتَعَيَّنٌ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ (فَرْعٌ)

قَالَ الرَّافِعِيُّ الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِي انْقِلَابِ الدَّمِ الْقَوِيِّ إلَى الضَّعِيفِ أَنْ يَتَمَحَّضَ

ص: 414

ضَعِيفًا حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ خُطُوطٌ مِنْ السَّوَادِ وَظَهَرَتْ خُطُوطٌ مِنْ الْحُمْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ الحيض وانما ينقطع إذا لم يبق شئ مِنْ السَّوَادِ أَصْلًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَفْهُومِ امام الحرمين رحمه الله

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وان كانت معتادة غير مميزة وهي التي كانت تحيض من كل شهر أيام ثم عبر الدم عادتها وعبر الخمسة عشر ولا تمييز لها فانها لا تغتسل بمجاوزة الدم عادتها لجواز أن ينقطع الدم لخمسة عشر فإذا عبر الخمسة عشر ردت إلى عادتها فتغتسل بعد الخمسة عشر وتقضي صلاة ما زاد علي عادتها:

لما روي أن امرأة كانت تهراق الدم عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فاستفتت لها أم سلمة رضى الله عنها فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي والايام التى كانت تحيضهن من الشهر قبل ان يصيبها الذى اصابها فلتدع الصلاة قدر ذلك] [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ في مسندهما وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهَا تُهْرَاقُ الدَّمَ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ تَصُبُّ الدَّمَ وَالدَّمُ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّشْبِيهِ بِالْمَفْعُولِ بِهِ أَوْ عَلَى التَّمْيِيزِ عَلَى مَذْهَبِ الْكُوفِيِّينَ: وقوله صلى الله عليه وسلم (فلتدع) يحوز فِي هَذِهِ اللَّامِ وَشِبْهِهَا مِنْ لَامَاتِ الْأَمْرِ الَّتِي يَتَقَدَّمُهَا فَاءٌ أَوْ وَاوٌ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَسْرُهَا وَإِسْكَانُهَا وَفَتْحُهَا وَالْفَتْحُ غَرِيبٌ

* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ لَهَا عَادَةٌ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَرَأَتْ الدَّمَ وَجَاوَزَ عَادَتَهَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْإِمْسَاكُ كَمَا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِاحْتِمَالِ

ص: 415

الِانْقِطَاعِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ الْجَمِيعُ حَيْضًا وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ هَذَا الْإِمْسَاكِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لا يجب الامساك واتفقوا أنه لا يجئ هُنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ اسْتِمْرَارُ الْحَيْضِ هُنَا ثُمَّ ان انقطع علي خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ عَلِمْنَا أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ إنْ كَانَتْ غير مميزة ردت إلى عادتها فيكون حيضها أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الْقَدْرِ وَالْوَقْتِ وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ طُهْرٌ تَقْضِي صَلَاتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْعَادَةُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ أَوْ غالبهما أو اقل الطُّهْرِ وَأَكْثَرِ الْحَيْضِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ قَصُرَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ أَوْ طَالَتْ طُولًا مُتَبَاعِدًا فَتُرَدُّ فِي ذَلِكَ إلَى مَا اعْتَادَتْهُ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَيَكُونُ ذَلِكَ دَوْرُهَا أَيَّ قَدْرٍ كَانَ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَعُودُ الْحَيْضُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ وَالطُّهْرُ فِي الثَّامِنَ عَشَرَ وَهَكَذَا فَدَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا عِشْرُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَطْهُرُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَدَوْرُهَا ثَلَاثُونَ وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا وَتَطْهُرُ تِسْعَةً وَثَمَانِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا وَإِنْ كَانَتْ تَحِيضُ يَوْمًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ خَمْسَةَ عشر وتطهر تمام سنة فدورها سنة وكذ إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ سَنَتَيْنِ فَدَوْرُهَا سَنَتَانِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ تَطْهُرُ تَمَامَ خَمْسِ سِنِينَ فَدُورُهَا

خَمْسُ سِنِينَ وَكَذَا إنْ زَادَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الدَّوْرَ قَدْ يَكُونُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ خَمْسَ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ وَتُرَدُّ إلَيْهِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْقَفَّالُ لَا يَجُوزُ عِنْدِي أَنْ يُجْعَلَ الدَّوْرُ سَنَةً وَنَحْوَهَا إذْ يَبْعُدُ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ سَنَةً أَوْ نَحْوَهَا مَعَ جَرَيَانِ الدَّمِ قَالَ فَالْوَجْهُ أَنْ يُجْعَلَ غَايَةُ الدَّوْرِ تِسْعِينَ يَوْمًا الْحَيْضُ مِنْهَا مَا يَتَّفِقُ وَالْبَاقِي طُهْرٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَعَلَ عِدَّةَ الْآيِسَةِ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ: هَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعِدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ مُتَأَخِّرِي الْخُرَاسَانِيِّينَ فَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الرافعي ظاهر المذهب أنه لافرق بَيْنَ أَنْ تَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ

ص: 416

أَيَّامًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ أَوْ مِنْ كُلِّ سَنَةٍ وَأَكْثَرَ قَالَ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِإِطْلَاقِ الْأَكْثَرِينَ * قال المصنف رحمه الله

* [فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وجاوز العادة اغتسلت عند مجاوزة العادة لانا علمنا بالشهر الاول أنها مستحاضة فتغتسل في كل شهر عند مجاوزة العادة بمرة وتصلي وتصوم][الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْخِلَافَ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَصْلِ الْمَاضِي دَلِيلُهُ وَهُوَ أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ عِلَّةٌ مُزْمِنَةٌ فَالظَّاهِرُ دَوَامُهَا وَقَوْلُهُ علما بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ يَعْنِي وَالظَّاهِرُ بَقَاءُ الِاسْتِحَاضَةِ وَقَوْلُهُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي تَصِيرُ طَاهِرًا في كل شئ من الصوم والصلاة والوطئ وَالْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ تَنْبِيهًا بِهِمَا عَلَى مَا سِوَاهُمَا: وَقَوْلُهُ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ وَهَكَذَا تَفْعَلُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا فِي بَعْضِ الشُّهُورِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَمَا دُونَهَا عَلِمْنَا أَنَّهَا لَيْسَتْ مُسْتَحَاضَةً فِي هَذَا الشَّهْرِ وَأَنَّ جَمِيعَ مَا رَأَتْهُ فِيهِ حَيْضٌ فَتَتَدَارَكُ مَا يَجِبُ تَدَارُكُهُ مِنْ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا إنْ كَانَتْ قَضَتْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ صَلَوَاتٍ أَوْ طَافَتْ أَوْ اعْتَكَفَتْ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُصَادِفَتِهِ الْحَيْضَ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَامَتْ بَعْدَ أَيَّامِ الْعَادَةِ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي وَمَا بَعْدَهُ وَطَافَتْ وَفَعَلَتْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرُ الْمُسْتَحَاضَةُ صَحَّ ذَلِكَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهَا بِلَا خِلَافٍ قَالُوا وَلَا يجئ فِيهِ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي سَبَقَ فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفَرَّقُوا بأن العادة قوية وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

*

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَحِضْ الْخَمْسَ مَرَّتَيْنِ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَا تُسْتَعْمَلُ فِي مَرَّةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي اسْتَفْتَتْ لَهَا أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا إلَى الشَّهْرِ الَّذِي يَلِي شَهْرَ الِاسْتِحَاضَةِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَيْهَا فوجب ردها إليه]

* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ فِي آخِرِ فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ ان ما يثبت بالعادة ومالا يَثْبُتُ وَمَا ثَبَتَ وَمَا يَثْبُتَ بِالتَّكْرَارِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ وَأَوْضَحْنَاهَا هُنَاكَ وَالْمُرَادُ هُنَا بَيَانُ مَا يثبت بِهِ الْعَادَةُ فِي قَدْرِ الْمَحِيضِ وَالطُّهْرِ وَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ مُطْلَقًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هَذَا ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعِدَّةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ في

ص: 417

الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ هُوَ قَوْلُ ابْنِ سريج وأبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ

* وَالثَّانِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ أبي علي ابن خَيْرَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ: وَالثَّالِثُ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّتَيْنِ وَأَنَّهُمْ إنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَرَّةِ وَأَنَّ اعْتِبَارَ الْمَرَّتَيْنِ ضَعِيفٌ: وَالرَّابِعُ تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُبْتَدَأَةِ بِمَرَّةٍ وَلَا تَثْبُتُ فِي حَقِّ الْمُعْتَادَةِ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ حَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ اتَّفَقُوا عَلَى ثُبُوتِهَا بِمَرَّةٍ لِلْمُبْتَدَأَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُعْتَادَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُبْتَدَأَةِ أَصْلٌ تُرَدُّ إلَيْهِ فَكَانَ مَا رَأَتْهُ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ جَعْلِهَا مُبْتَدَأَةً وَأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي الشَّهْرِ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ عَادَةٍ تَقَرَّرَتْ وَتَكَرَّرَتْ مَرَّاتٍ فَلَا تُجْعَلُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ فَخَّمَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ فَهُوَ غَرِيبٌ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْخِلَافَ جَارٍ فِي الْمُبْتَدَأَةِ

* فَأَمَّا دَلِيلُ الْأَوْجُهِ

فَقَدْ ذَكَرْنَا دَلِيلَ الرَّابِعِ وَاحْتَجُّوا لِلثَّانِي وَالثَّالِثِ بِأَنَّ الْعَادَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَوْدِ وَذَلِكَ لَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي مُتَكَرِّرٍ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ كَاَلَّذِي يَلِيه فَإِنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا فَهُوَ أَوْلَى مِمَّا انْقَضَى وَأَوْلَى مِنْ رَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إلَى

ص: 418

أَقَلِّ الْحَيْضِ أَوْ غَالِبِهِ فَإِنَّهَا لَمْ تَعْهَدْهُ بَلْ عَهِدَتْ خِلَافَهُ وَأَمَّا احْتِجَاجُ الْآخَرِينَ بِأَنَّ الْعَادَةَ مِنْ الْعَوْدِ فَحُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَادَةِ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ بَلْ وَرَدَ النَّصُّ بِخِلَافِهِ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا

* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كَذَلِكَ وَرِوَايَةٌ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا اعْتِبَارَ بِالْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ دَمًا وَبَاقِيه طُهْرًا وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَفِي الثَّالِثِ أَرْبَعَةً ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ قَالَ أَصْحَابُنَا تُرَدُّ إلَى الْأَرْبَعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَكَرُّرِهَا فِي الْعَشَرَةِ وَالْخَمْسَةِ وَلَوْ انْعَكَسَ فَرَأَتْ فِي الاولى أَرْبَعَةً وَفِي الثَّانِي خَمْسَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا إلَّا بِمَرَّتَيْنِ رُدَّتْ إلَى الْأَرْبَعَةِ لِتَكَرُّرِهَا هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مُعْتَادَةً وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ * قَالَ المصنف رحمه الله

* [وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ كَمَا تَثْبُتُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي دَمًا مُبْهَمًا كَانَ عَادَتُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِالتَّمْيِيزِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِالتَّمْيِيزِ بَلْ مَتَى انْخَرَمَ التَّمْيِيزُ وَأَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ كَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَمْ تُمَيِّزْ قَطُّ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: ثُمَّ الْجُمْهُورُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَطْلَقُوا الْقَوْلَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالسَّرَخْسِيُّ لَا تَرْجِعُ إلَيْهَا إلَّا إذَا كَانَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ فِيهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَمَا دُونَهَا فَإِنْ زَادَ لَمْ يَكُنْ لِلتَّمْيِيزِ حُكْمٌ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي الْعَمَلِ بِالتَّمْيِيزِ وَهَذَا شَاذٌّ مَتْرُوكٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا رَأَتْ بَعْدَ شَهْرِ التَّمْيِيزِ دَمًا مُبْهَمًا اغْتَسَلَتْ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَيَّامِ التَّمْيِيزِ وَصَلَّتْ

وَصَامَتْ وَفَعَلَتْ مَا تَفْعَلُهُ الطَّاهِرَةُ الْمُسْتَحَاضَةُ وَلَا تُمْسِكُ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ بِخِلَافِ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ

ص: 419

لِأَنَّا قَدْ عَلِمْنَا اسْتِحَاضَتَهَا وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَهْرٍ تَغْتَسِلُ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ التَّمْيِيزِ فَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ فَجَمِيعُ مَا رَأَتْهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ حَيْضٌ

* (فَرْعٌ)

لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا مَرَّاتٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ عَشَرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ فِي الدَّوْرِ الَّذِي يَلِيه قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّا نُحَيِّضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً وَتَكَرَّرَ هَذَا ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ فِي الَّذِي يَلِيه قَالُوا فَحَيْضُهَا أَيْضًا فِي هَذَا الدَّوْرِ وَمَا بَعْدَهُ الْعَشَرَةُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي الصُّورَتَيْنِ إشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى بِالرَّدِّ إلَى الْعَشَرَةِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَلَّا يُكْتَفَى بِسَبْقِ الْعَشَرَةِ مَرَّةً قَالَ الْغَزَالِيُّ هَذِهِ عَادَةٌ تَمْيِيزِيَّةٌ فَتَسْحَبُهَا مَرَّةً وَجْهًا وَاحِدًا كَغَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ عَادَتُهَا الْقَدِيمَةُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّا نَحْكُمُ بِالْحَالَةِ النَّاجِزَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا الْجَوَابُ لَا يَشْفِي الْقَلْبَ

* الْإِشْكَالُ الثَّانِي إذَا أَفَادَ التَّمْيِيزُ عَادَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ ثُمَّ تَغَيَّرَ قَدْرُ الْقَوِيِّ بَعْدَ انْخِرَامِ التَّمْيِيزِ أَوْ قَبْلَهُ وَجَبَ أَلَّا يُخْرَمَ بِالرَّدِّ إلَيْهِ بَلْ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اجْتِمَاعِ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ وَلَمْ يَزِدْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي هَذَا عَلَى دَعْوَى اخْتِصَاصِ الْخِلَافِ بِالْعَادَةِ الْجَارِيَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَاضَةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ التَّمْيِيزِيَّةِ بِمَرَّةٍ غَيْرُ مَقْبُولٍ بَلْ الخلاف فيها مَشْهُورٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ قَالَ هَؤُلَاءِ إذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ شَهْرًا ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِيه حُمْرَةً ثُمَّ رَأَتْ فِي الثَّالِثِ دَمًا مُبْهَمًا وَأَطْبَقَ فَفِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ إذْ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِي مَرَدِّهَا الْقَوْلَانِ وَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي مُمَيِّزَةٌ

ص: 420

تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَفِي الثَّالِثِ إنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ كَانَتْ

كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ هَؤُلَاءِ إلَّا الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ فَقَالَ إنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ فِي الشهر الاول إلى يوم وليلة ردت اليهما فِي الثَّالِثِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ رُدَّتْ فِي الثَّالِثِ إلَى الْخَمْسَةِ لِتَكَرُّرِهِمَا فِي الشَّهْرَيْنِ قَالَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي فَهَلْ تُرَدُّ إلَى الْخَمْسَةِ وَتَحْصُلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فِيهِ الْخِلَافُ وَالْأَصَحُّ ردها إلى الخمسة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَيَثْبُتُ الطُّهْرُ بِالْعَادَةِ كَمَا يَثْبُتُ الْحَيْضُ فَإِذَا حَاضَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَطَهُرَتْ خَمْسِينَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ جُعِلَ حَيْضُهَا فِي كُلِّ شَهْرَيْنِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَالْبَاقِي طُهْرٌ]

* [الشَّرْحُ] اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى ثُبُوتِ الطُّهْرِ بِالْعَادَةِ وَسَوَاءٌ طَالَتْ مُدَّةُ الطُّهْرِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُ الْقَفَّالِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ فِيمَا إذَا زَادَ الْحَيْضُ وَالطُّهْرُ عَلَى تِسْعِينَ يَوْمًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ فَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا وَلَيْلَةً حَيْضًا ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ حَاضَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَطَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَ دَمٌ مُبْهَمٌ كَانَ دَوْرُهَا سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَتْ معتادة: ولو رأت يوما وليلة دما وسنة طُهْرًا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ كَانَ دَوْرُهَا سَنَةً وَيَوْمًا مِنْهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ حَيْضٌ وَسَنَةٌ طُهْرٌ وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَا زَادَ وَنَقَصَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَثْبَتَ عَادَةَ التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ فَرَّعَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ ثُبُوتُهَا بِمَرَّةٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اختياره القطع بثبوتها بمرة كما قاله امام الحرمين ومن

ص: 421

تابعه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ويجوز أن تنتقل العادة فتقدم وتتأخر ويزيد وَتَنْقُصَ وَتَرُدُّ إلَى آخِرِ مَا رَأَتْ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْرَبُ إلَى شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَالْحَيْضُ هُوَ الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْأَوَّلَةُ لِأَنَّهُ بَدَأَ بِهَا فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ

فَوَجَبَ الرَّدُّ إلَيْهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ دَمٌ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا وهى الخمسة الاولة وَخَرَّجَ أَبُو الْعَبَّاسِ وَجْهًا آخَرَ أَنَّ الْخَمْسَةَ الاولة مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ لِأَنَّهَا رَأَتْهُ فِي وَقْتٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ فِي الْحَيْضِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ فَلَا تَتَغَيَّرُ إلَّا بحيض صحيح]

*

ص: 422

[الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ كَثِيرُ الْمَسَائِلِ وَيَقْتَضِي أَمْثِلَةً كَثِيرَةً وَقَدْ اخْتَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَشَارَ إلَى مَقْصُودِهِ ولابد فِي الشَّرْحِ مِنْ بَسْطِهِ وَإِيضَاحِ أَقْسَامِهِ وَأَمْثِلَتِهِ: فالعمل بالعادة المنتقلة مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ وَلَكِنْ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الشُّهُورِ الْخَمْسَةَ الْأُولَى دَمًا وَانْقَطَعَ فَقَدْ تَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَلَمْ يَزِدْ حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ نَقَصَ طُهْرُهَا فَصَارَ عِشْرِينَ بَعْدَ أَنْ كَانَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرابعة أو الخامسة أو السادسة فقد تأخرث عادتها ولم زد حَيْضُهَا وَلَمْ يَنْقُصْ وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ مَعَ الثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فَقَدْ زَادَ حَيْضُهَا فَصَارَ خَمْسَةَ عَشَر وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَتَأَخَّرَتْ وَإِنْ رَأَتْهُ فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ يَوْمٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَنْتَقِلْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْهُ فِي يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْخَمْسَةِ الْأُولَى فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَقَدَّمَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ رَأَتْ ذَلِكَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ أَوْ مَا بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ نَقَصَ حَيْضُهَا وَتَأَخَّرَتْ عَادَتُهَا: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَا خِلَافَ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إنْ رَأَتْهُ قَبْلَ الْعَادَةِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ وَإِنْ رَأَتْهُ بعدها فحيض لان التأخر تَابِعٌ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ دَمٌ صَادَفَ الْإِمْكَانَ فَكَانَ حَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ إذَا اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ دَمُهَا بَعْدَ عَادَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعَادَاتِ رُدَّتْ إلَيْهَا إنْ كَانَتْ تَكَرَّرَتْ فَإِنْ لَمْ تَتَكَرَّرْ رُدَّتْ

ص: 423

إلَيْهَا أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى

الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ سِتَّةً وَطَهُرَتْ بَاقِيه ثُمَّ رَأَتْ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَلِيهِ سَبْعَةً وَطَهُرَتْ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فِي الثَّالِثِ وَاسْتَمَرَّ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِمَرَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ تُرَدُّ إلَى الخمسة فانها المتكررة حقيقة على حيالها وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تُرَدُّ إلَى السِّتَّةِ لِأَنَّهَا تَكَرَّرَتْ فَوُجِدَتْ مَرَّةً مُنْفَرِدَةً وَمَرَّةً مُنْدَرِجَةً فِي جُمْلَةِ السَّبْعَةِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّهَا لَا تَثْبُتُ إلَّا بِثَلَاثِ مَرَّاتٍ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ قَطْعًا أَمَّا بَيَانُ قَدْرِ الطُّهْرِ إذَا تَغَيَّرَتْ الْعَادَةُ فَفِيهِ صُوَرٌ فَإِذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَى هَذِهِ الْخَمْسَةِ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَثَلَاثُونَ طُهْرٌ فَإِنْ تَكَرَّرَ هَذَا بِأَنْ رَأَتْ بَعْدَ هَذِهِ الْخَمْسَةِ ثَلَاثِينَ طُهْرًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الثَّالِثَةِ مِنْ الشَّهْرِ الْآخَرِ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَأَطْبَقَ الدَّمُ الْمُبْهَمُ فَإِنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذَا أَبَدًا فَيَكُونُ لَهَا خَمْسَةٌ حَيْضًا وَثَلَاثُونَ طُهْرًا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ مِنْ أَوَّلِ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فِيهِ وجهان أحدهما وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي ابْتَدَأَتْ مِنْ أَوَّلِهِ حَيْضًا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَهَكَذَا جَمِيعُ الشُّهُورِ كَمَا كَانَتْ عَادَتُهَا وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ نُحَيِّضُهَا فِي هَذَا الشَّهْرِ خمسة من أول الدم المبتدئ وَهِيَ الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ ثُمَّ إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ جَعَلْنَا دَوْرَهَا خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ مِنْهَا خَمْسَةٌ حيض والباقي

ص: 424

طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا: وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ طُهْرَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَ الْخَمْسَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُتَكَرِّرُ مِنْ طُهْرِهَا: وَالثَّانِي أَنَّ طُهْرَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ عِشْرُونَ وَهُوَ الْبَاقِي فِي هَذَا الشَّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً وَتَطْهُرُ بَاقِيه وَهَكَذَا أَبَدًا مُرَاعَاةً لِعَادَتِهَا الْقَدِيمَةِ قدر أو وقتا فَهَذَا الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ هُوَ الصواب المعتمد واما قول أبي اسحق فَضَعِيفٌ جِدًّا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّمَا قَالَ أبو اسحق هَذَا لِاعْتِقَادِهِ لُزُومَ أَوَّلِ الْأَدْوَارِ مَا أَمْكَنَ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أبى اسحق فَهُوَ مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ مَعْدُودٌ مِنْ هَفَوَاتِهِ قَالَ وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ فِي الْحَيْضِ وَمُعْظَمُ غَلَطِهِ مِنْ إفْرَاطِهِ فِي اعْتِبَارِ أَوَّلِ الدَّوْرِ: وَوَجْهُ غَلَطِهِ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ

فَأَوَّلُ دَمِهَا فِي زَمَنِ إمْكَانِ الْحَيْضِ وَقَدْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ طُهْرٌ كَامِلٌ فَالْمَصِيرُ إلَى تَخْلِيَةِ هَذَا الشَّهْرِ عَنْ الْحَيْضِ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الْإِمَامُ ثُمَّ نَقَلَ النَّقَلَةُ عن أبى اسحق غَلَطًا فَاحِشًا فَقَالُوا عِنْدَهُ لَوْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ دَمًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ خَمْسَةَ أَيَّامٍ نَقَاءً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً ثُمَّ اسْتَمَرَّ الدَّمُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةً وَهَكَذَا عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ سِنِينَ كَثِيرَةً فَهَذِهِ امْرَأَةٌ لَا حَيْضَ لَهَا وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ السُّقُوطِ وَالرَّكَاكَةِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيَّ والرافعي وآخرين نقلوا مذهب ابي اسحق كما قدمته وهو أنه لاحيض لَهَا فِي الشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَإِذَا جَاءَ الثَّانِي فَلَهَا مِنْ أَوَّلِهِ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَبَاقِيه طُهْرٌ وَكَذَا مَا بَعْدَهُ مِنْ الشُّهُورِ فَيَسْتَمِرُّ دَوْرُهَا ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَبَدًا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ عَلَى مَذْهَبِ أَبِي اسحق زَادَ طُهْرُهَا وَصَارَ خَمْسَةً وَخَمْسِينَ يَوْمًا وَصَارَ دَوْرُهَا سِتِّينَ يَوْمًا أَبَدًا خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَخَمْسُونَ طُهْرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ ظَاهِرٌ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ عَنْهُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ الدَّمَ فِي الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ وَانْقَطَعَ ثُمَّ عَادَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي فَقَدْ صَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَهَكَذَا مِرَارًا أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ أَبَدًا وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ عَادَ فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَاسْتَمَرَّ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الطُّهْرُ فَإِنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَهُوَ عِشْرُونَ وَإِلَّا فَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ خَمْسَتَهَا الْمَعْهُودَةَ أَوَّلَ الشَّهْرِ ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ فَقَدْ تَقَدَّمَ حَيْضُهَا وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَإِنْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ دَمًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ طهرت عشرين

ص: 425

ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ خَمْسَةً ثُمَّ طَهُرَتْ عِشْرِينَ وَهَكَذَا مَرَّاتٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ رُدَّتْ إلَى ذَلِكَ وَجُعِلَ دَوْرُهَا أَبَدًا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَإِنْ لَمْ يَتَكَرَّرْ بِأَنْ اسْتَمَرَّ الدَّمُ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَاصِلُ مَا يَخْرُجُ مِنْ طُرُقِ الْأَصْحَابِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا تَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالثَّانِي تَحِيضُ خَمْسَةً وتطهر خمسة وعشرين والثالث تَحِيضُ عَشَرَةً مِنْ هَذَا الدَّمِ وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ تُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالرَّابِعُ أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأَخِيرَةَ اسْتِحَاضَةٌ وَتَحِيضُ

مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً وَتَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ عَلَى عَادَتِهَا القديمة وقد تقدم عن أبى اسحق الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَالْحُكْمُ بِالِاسْتِحَاضَةِ فِيمَا قَبْلَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي قِيَاسِهِ فَقِيلَ قِيَاسُهُ الْوَجْهُ الثَّالِثُ وَقِيلَ بَلْ الرَّابِعُ أَمَّا لَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ خَمْسَتَهَا وَطَهُرَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ عَادَ الدَّمُ وَاسْتَمَرَّ فَالْمُتَخَلِّلُ بَيْنَ حيضتها والدم ناقص عن أقل الطهر ففيها أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا أَنَّ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ تَكْمِيلًا لِلطُّهْرِ وَخَمْسَةً بَعْدَهُ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَصَارَ دَوْرُهَا عِشْرِينَ وَالثَّانِي أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ ثُمَّ الْعَشَرَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مَعَ خَمْسَةٍ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي يَلِيه حَيْضٌ وَمَجْمُوعُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطْهُرُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ تَمَامَ الشَّهْرِ وَتُحَافِظُ عَلَى دَوْرِهَا الْقَدِيمِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ مِنْ الدَّمِ

ص: 426

الْعَائِدِ اسْتِحَاضَةٌ وَبَعْدَهُ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ طُهْرٌ وَهَكَذَا أَبَدًا وَالرَّابِعُ أَنَّ جَمِيعَ الدَّمِ الْعَائِدِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَتَفْتَتِحُ دَوْرَهَا الْقَدِيمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ فَرَأَتْ الدَّمَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاتَّصَلَ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ أَبِي الطَّيِّبِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الْمُعْتَادَةُ لِأَنَّ الْعَادَةَ تَثْبُتُ فِيهَا فَلَا تُغَيَّرُ إلَّا بِحَيْضٍ صَحِيحٍ فَعَلَى هَذَا يَبْقَى دَوْرُهَا كَمَا كَانَ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ حَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَدْ نَقَصَ طُهْرُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ دُونَ الخمسة عشر تم رَأَتْ الدَّمَ وَاتَّصَلَ فَإِنَّهَا تَبْقَى عَلَى عَادَتِهَا بلا خلاف ووافق عليه أبو العباس أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى فَرَأَتْهَا ثم طهرت خمسة عشر ثم أطبق الدَّمَ وَاسْتَمَرَّ فَوَجْهَانِ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ وغيرهما أنها علي عادتها وَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ بَاقِي هَذَا الشَّهْرِ طُهْرًا وَلَا أَثَرَ لِلدَّمِ الْمَوْجُودِ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مِنْ الدَّمِ الثَّانِي حَيْضٌ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ دَوْرُهَا عِشْرِينَ خَمْسَةٌ حَيْضٌ وَخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَلَوْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْمُعْتَادَةَ وَطَهُرَتْ عَشَرَةً ثُمَّ رَأَتْ دَمًا مُتَّصِلًا رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ الْمُعْتَادَةِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً أَوَّلَ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَ السَّوَادُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى مَا سَبَقَ فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّ الْأَسْوَدَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْأَحْمَرِ كَانَ حَيْضُهَا الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَهِيَ

أَيَّامُ الْأَحْمَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَرْفَعُهُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْأَسْوَدِ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَرَأَتْ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَفِيهَا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي مِثْلِهَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا السَّوَادُ فَحَيْضُهَا هُنَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَقَدْ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهَا غير مميزة فحيضها هنا الخمسة الاول وَهِيَ أَيَّامُ عَادَتِهَا وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ الْأُولَى فَحَيْضُهَا هُنَا الْعَشَرَةُ أَيْضًا وَهِيَ الْحُمْرَةُ وَالسَّوَادُ وَقَدْ زَادَتْ عَادَتُهَا هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَادَةِ الْوَاحِدَةِ

ص: 427

أَمَّا إذَا كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَقَدْ تَكُونُ مُنْتَظِمَاتٍ وَقَدْ لَا تَكُونُ فَالْأَوَّلُ مِثْلُ إنْ كَانَتْ تَحِيضُ مِنْ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ خَمْسَةً ثُمَّ مِنْ الَّذِي بَعْدَهُ سَبْعَةً ثُمَّ تَعُودُ فِي الشَّهْرِ الرَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ تَعُودُ فِي السَّابِعِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الثَّامِنِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا فتكررت لها هذا لعادة ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ فَفِي رَدِّهَا إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا تُرَدُّ إلَيْهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمُتَوَلِّي لِأَنَّهَا عَادَةٌ فَرُدَّتْ إلَيْهَا كَالْوَقْتِ وَالْقَدْرِ وَالثَّانِي لَا تُرَدُّ وصححه الْبَغَوِيّ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ يَنْسَخُ مَا قَبْلَهُ وَلَا فَرْقَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ بَيْنَ انْقِطَاعِ عَادَتِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ أَوْ غَيْرِهِ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوْ سَبْعَةً ثُمَّ خَمْسَةً ثُمَّ ثَلَاثَةً وَيَنْتَظِمُ كَذَلِكَ وَلَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ تَرَى كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ بِأَنْ كَانَتْ تَرَى فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً وَفِي الثَّانِي ثَلَاثَةً وَفِي الثَّالِثِ ثَلَاثَةً وَفِي الرَّابِعِ خَمْسَةً وَكَذَا فِي الْخَامِسِ وَالسَّادِسِ وَفِي السَّابِعِ سَبْعَةً وَفِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ كَذَلِكَ ثُمَّ تَعُودُ إلَى الثَّلَاثَةِ مُتَكَرِّرَةً ثُمَّ الْخَمْسَةِ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ رَأَتْ الْأَعْدَادَ الثَّلَاثَةَ فِي ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فَقَطْ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ فِي شَهْرٍ سَبْعَةً وَاسْتُحِيضَتْ فِي الرَّابِعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَاتِ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لِأَنَّا إنْ أَثْبَتْنَا الْعَادَةَ بِمَرَّةٍ فَالْقَدْرُ الْأَخِيرُ نَسَخَ مَا قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ فَظَاهِرٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ أَقَلُّ مَا تَسْتَقِيمُ فِيهِ الْعَادَةُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا سِتَّةُ أَشْهُرٍ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى هَذِهِ الْمَقَادِيرَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ فَأَقَلُّهُ سَنَةٌ فَحَصَلَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا تَكَرَّرَتْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ ثُمَّ إنْ قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَاسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ

فِي أَوَّلِ شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الثَّانِي إلَى السَّبْعَةِ وَفِي الثَّالِثِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي الرَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَفِي الْخَامِسِ إلَى السَّبْعَةِ وَفِي السَّادِسِ إلَى الثَّلَاثَةِ وَفِي السَّابِعِ إلَى الْخَمْسَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ رُدَّتْ إلَى السَّبْعَةِ ثُمَّ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ إلَى الْخَمْسَةِ ثُمَّ إلَى السَّبْعَةِ وَهَكَذَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ ثُمَّ الْخَمْسَةِ ثُمَّ السَّبْعَةِ ثُمَّ الثَّلَاثَةِ وَهَكَذَا أَبَدًا وَلَا يَخْفَى

ص: 428

بَعْدَ هَذَا مَا إذَا كَانَتْ تَرَى الثَّلَاثَةَ فِي شَهْرَيْنِ ثُمَّ الْخَمْسَةَ كَذَلِكَ ثُمَّ السَّبْعَةَ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ فَقَدْ نَقَلَ الْغَزَالِيُّ رحمه الله فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْأَخِيرِ قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ وَانْتِقَالِهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لِلِاسْتِحَاضَةِ أَبَدًا فَعَلَى هَذَا إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ أَوْ الثَّلَاثَةَ رُدَّتْ إلَى الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ السَّبْعَةِ رُدَّتْ إلَى الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا الْمُشْتَرَكَةُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْدَارِ لَمْ يَصِرْ عَادَةً لِعَدَمِ تَكَرُّرِهِ عَلَى حَالِهِ وَلَا أَثَرَ لِتَكَرُّرِهِ فِي ضِمْنِ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِحَيْضَةٍ بَلْ بَعْضِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ قَالَ وَلَمْ أَرَ بَعْدَ الْبَحْثِ نَقْلَ هَذِهِ الْأَوْجُهِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِنَا لَا تُرَدُّ إلَى هَذِهِ الْعَادَةِ لِغَيْرِ الْغَزَالِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْهَا شَيْخُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا شَيْخُهُ فِيمَا إذَا لَمْ تَتَكَرَّرْ الْعَادَةُ الدَّائِرَةُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَحِلَّ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا تَكَرَّرَتْ فَثَبَتَ انْفِرَادُ الْغَزَالِيِّ بِنَقْلِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَاَلَّذِي ذَكَرَهُ غَيْرُهُ تَفْرِيعًا عَلَيْهِ الرَّدَّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ لَا غَيْرَ ثُمَّ إذَا رَدَدْنَاهَا إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فِيمَا بَيْنَ أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَأَكْثَرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا: كَذَاتِ العادة الواحدة لا تحتاط بعد المرد وَالثَّانِي يَلْزَمُهَا لِاحْتِمَالِ امْتِدَادِ الْحَيْضِ إلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَجْتَنِبُهَا الزَّوْجُ إلَى آخِرِ السَّبْعَةِ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ إنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الثَّلَاثَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَتَصُومُ عَقِبَ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مَرَّةً أُخْرَى عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْم السَّبْعَةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ فَإِنَّهَا لَمْ تَصُمْهَا وَأَمَّا الْبَاقِي فَلِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ أَصْلًا لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهَا صَلَّتْ فِيهِ وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ بَعْدَ شَهْرٍ الْخَمْسَةَ تَحَيَّضَتْ

مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي عَقِبَ الْخَمْسَةِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّبْعَةِ وَتَقْضِي صَوْمَ الْجَمِيعِ وَتَقْضِي صَلَوَاتِ اليوم الرابع والخامس لاحتمال طهرهما فِيهِمَا وَلَمْ تُصَلِّ فِيهِمَا وَإِنْ اُسْتُحِيضَتْ

ص: 429

بَعْدَ شَهْرٍ السَّبْعَةَ تَحَيَّضَتْ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ سَبْعَةً وَاغْتَسَلَتْ عَقِبَ السَّابِعِ وَقَضَتْ صَوْمَ السَّبْعَةِ وَصَلَوَاتِ مَا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْمُتَيَقَّنَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا كُلُّهُ إذَا ذَكَرَتْ الْعَادَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهَا فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا حَكَاهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الثَّلَاثِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ أَنَّهَا تَحْتَاطُ فَتَحِيضُ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْأَقْدَارِ الَّتِي عَهِدَتْهَا وَهِيَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الثَّلَاثِ وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَلَا تَمَسُّ مُصْحَفًا وَتَجْتَنِبُ الْمَسْجِدَ والقراءة والوطئ ثُمَّ تَغْتَسِلُ فِي آخِرِ الْخَامِسِ وَفِي آخِرِ السابع وتتوضأ فيما بين ذلك لكل مريضة كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَهِيَ طَاهِرٌ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُهَا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَبَدًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَلْ يَخْتَصُّ مَا ذَكَرْنَاهُ بِقَوْلِنَا تَرُدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ أَمْ هُوَ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مُسْتَمِرٌّ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَخْتَصُّ بِقَوْلِنَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَرُدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِيهَا قَوْلَانِ فِي أَنَّهَا هَلْ تَحْتَاطُ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيَجْرِيَانِ هُنَا (الْحَالُ الثَّانِي) إذَا لَمْ تَكُنْ الْعَادَاتُ مُنْتَظِمَاتٍ بَلْ كَانَتْ هَذِهِ الْعَادَاتُ مُخْتَلِفَاتٍ تَارَةً تَتَقَدَّمُ الثَّلَاثَةُ عَلَى الْخَمْسَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً يَتَقَدَّمَانِ عَلَى السَّبْعَةِ وَتَارَةً عَكْسُهُ وَتَارَةً تَتَوَسَّطُ السَّبْعَةُ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الِاخْتِلَافِ قَالَ الرَّافِعِيُّ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْحَالَةَ تُبْنَى عَلَى حَالَةِ الِانْتِظَامِ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ لَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَهُنَا أولى فتر؟ ؟ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ الدَّائِرَةِ فَعَدَمُ الِانْتِظَامِ كَالنِّسْيَانِ فَتَحْتَاطُ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَذَكَرَ غَيْرُهُمَا طُرُقًا حَاصِلُهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا الرَّدُّ إلَى الْقَدْرِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَالثَّانِي إنْ تَكَرَّرَ الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهَا رُدَّتْ إلَيْهِ وَإِلَّا فَإِلَى أَقَلَّ عَادَاتِهَا لِأَنَّهُ مُتَكَرِّرٌ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا

ص: 430

كَالْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ احْتَاطَتْ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ وَإِنْ قُلْنَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَفِي الِاحْتِيَاطِ إلَى آخِرِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ هَكَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ فِيهِ وَجْهَانِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ الْقَدْرَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ نَسِيَتْهُ وَالْعَادَاتُ غَيْرُ مُنْتَظِمَةٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ الْعَادَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِيَاطِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْمُبْتَدَأَةِ وَعَلَى هَذَا يَجِبُ الِاحْتِيَاطُ إلَى آخِرِ أَكْثَرِ الْعَادَاتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الِاحْتِيَاطِ عِنْدَ الْعِلْمِ فِي حَالِ الِانْتِظَامِ أَنَّهَا لَا تَحْتَاطُ وَالصَّحِيحُ في النسيان وفى حال الِانْتِظَامِ أَيْضًا تَحْتَاطُ لَكِنَّ فِي آخِرِ أَكْثَرِ الْأَقْدَارِ لَا إلَى تَمَامِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِمْ أَوَائِلُ الْعَادَاتِ بِأَنْ كَانَتْ تَحِيضُ فِي بَعْضِ الْأَشْهُرِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي آخِرِهِ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَسَطِهِ رُدَّتْ إلَى مَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ فَإِنْ جَهِلَتْهُ فَهِيَ كَالنَّاسِيَةِ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى انْقِضَاءِ أَقَلِّ عَادَاتِهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الشهر والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً مُمَيِّزَةً وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ رَأَتْ فِي شَهْرٍ عَشْرَةَ أَيَّامٍ دما أسود ثم رأت دَمًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ وَاتَّصَلَ رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَجُعِلَ حَيْضُهَا أَيَّامَ السَّوَادِ وَهِيَ الْعَشَرَةُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانِ تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهِيَ الْخَمْسَةُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ قَائِمَةٌ فِي شَهْرِ الِاسْتِحَاضَةِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أولي من اعتبار عادة انقضت]

* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَهِيَ مُمَيِّزَةٌ فَإِنْ وَافَقَ التَّمْيِيزُ الْعَادَةَ بِأَنْ رَأَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى سَوَادًا وَبَاقِي الشَّهْرِ حُمْرَةً فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَهُوَ قَوْلُ ابن سريج وأبى اسحق قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (دَمُ الْحَيْضِ أَسْوَدُ) وَلِأَنَّ التَّمْيِيزَ عَلَامَةٌ ظَاهِرَةٌ وَلِأَنَّهُ عَلَامَةٌ فِي مَوْضِعِ النِّزَاعِ وَالْعَادَةُ عَلَامَةٌ فِي نَظِيرِهِ وَسَوَاءٌ عَلَى هَذَا زَادَ التَّمْيِيزُ عَلَى الْعَادَةِ أَوْ نَقَصَ وَالثَّانِي تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (لِتَنْظُرْ عَدَدَ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ الَّتِي كَانَتْ

تَحَيُّضُهُنَّ) وَلَمْ يُفَصَّلْ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ قَدْ ثَبَتَتْ وَاسْتَقَرَّتْ وَالتَّمْيِيزُ مُعَرَّضٌ لِلزَّوَالِ وَلِهَذَا لَوْ زَادَ الدَّمُ الْقَوِيُّ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَطَلَتْ دَلَالَتُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ نَاسِيَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْوَجْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَجَّهْنَاهُ تَوْجِيهًا حَسَنًا فَهُوَ ضعيف عند

ص: 431

الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَبُو اسحق المروزى أنكارا عَلَى أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي سَعِيدٍ لَمْ يَأْخُذَا بِمَذْهَبِ صَاحِبِهِمَا يَعْنِي الشَّافِعِيَّ وَلَا صَارَا إلَى دَلِيلٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قال أبو إسحق هَذَا الَّذِي قَالَاهُ غَلَطٌ لَا يُعْذَرُ قَائِلُهُ (قُلْتُ) وَهَذَا إفْرَاطٌ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ إنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالتَّمْيِيزِ حَيَّضْنَاهَا الْجَمِيعَ عَمَلًا بالدلالتين وان لم يمكن سقط وَكَانَتْ كَمُبْتَدَأَةٍ لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَلَكِنَّهُ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ مِثَالُ مَا ذَكَرْنَاهُ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ بِاتِّفَاقِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ حَيْضُهَا الْعَشَرَةُ وَعَلَى الثَّانِي حَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ السَّوَادِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ الْعَشَرَةُ وَلَوْ رَأَتْ عَشْرَةً حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ عَشْرَةِ الْحُمْرَةِ وَعَلَى الثَّالِثِ عَشْرَةُ الْحُمْرَةِ مَعَ خمسة السواة وَلَوْ رَأَتْ السَّوَادَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً أَوْ مَا زَادَ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّانِي خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ مُطْلَقًا وَعَلَى الثَّالِثِ الْأَكْثَرُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَلَوْ رَأَتْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَحَدَ عَشَرَ سَوَادًا فَعَلَى الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السَّوَادُ وَعَلَى الثَّانِي الْحُمْرَةُ وعلى الثالث لا يمكن الجمع ويجئ عَلَى الْأَوَّلِ وَجْهٌ أَنَّ حَيْضَهَا الْحُمْرَةُ بِنَاءً عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوَّلِيَّةِ عَلَى اللَّوْنِ فِي حَقِّ الْمُمَيِّزَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ هُنَا صَاحِبُ الْحَاوِي فَعَلَى هَذَا يَتَّفِقُ الْقَوْلُ بِالتَّمْيِيزِ وَالْقَوْلُ بِالْعَادَةِ أَنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ الْحُمْرَةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي مَأْخَذِهِ هَلْ هُوَ التَّمْيِيزُ أَوْ الْعَادَةُ كَمَا قَالُوا فِيمَا لَوْ رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ أَوْ خَمْسَةً حُمْرَةً ثُمَّ أَطْبَقَتْ الصُّفْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاول عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُونَ

فِي مَأْخَذِهِ وَلَوْ رَأَتْ عِشْرِينَ حُمْرَةً ثُمَّ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ العدة الخمسة الاولي من أول الاحمر علي عَادَتُهَا وَأَيَّامُ السَّوَادِ حَيْضٌ آخَرُ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالُوا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا ثُمَّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَأَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَحَيْضُهَا السَّوَادُ وَطُهْرُهَا الْمُتَقَدِّمُ عَلَيْهِ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ وَصَارَ دَوْرُهَا خَمْسِينَ يَوْمًا وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ بَعْدَهَا طُهْرٌ عَلَى عَادَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْعَادَةَ إذَا انْفَرَدَتْ عُمِلَ بِهَا وَإِذَا انْفَرَدَ التَّمْيِيزُ عُمِلَ بِهِ وَإِذَا اجْتَمَعَا قُدِّمَ التَّمْيِيزُ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى انْفِرَادِهِ وَتُقَدَّمُ الْعَادَةُ إذَا اجْتَمَعَا

ص: 432

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُعْتَبَرُ التَّمْيِيزُ مُطْلَقًا وَتُعْتَبَرُ الْعَادَةُ إنْ وُجِدَتْ وَإِلَّا فَمُبْتَدَأَةٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُعْمَلُ بِالْعَادَةِ وَإِنَّمَا يُعْمَلُ بالتمييز ان وجد *

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَإِنْ كَانَتْ ناسية مميزة وهى التى كانت لَهَا عَادَةٌ فَنَسِيَتْ عَادَتَهَا وَلَكِنَّهَا تُمَيِّزُ الْحَيْضَ من الاستحاضة باللون فانها تزد إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنَّهَا لَوْ ذَكَرَتْ عَادَتَهَا لَرُدَّتْ إلى التمييز فإذا نسيت أولى وَعَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ تُقَدَّمُ الْعَادَةُ عَلَى التمييز حكمها حكم من لا تمييز لها][الشَّرْحُ] هَذَا الْفَصْلُ وَحُكْمُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهَا تُرَدُّ هُنَا إلَى التَّمْيِيزِ للضرورة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً لِلْعَادَةِ غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ لَمْ يخل أما أن تكون ناسية للوقت والعدة أو ناسية للوقت ذاكرة للعدة أو ناسية للعدة ذاكرة للوقت فان كانت ناسية للوقت والعدة هي الْمُتَحَيِّرَةُ فَفِيهَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ الَّتِي لَا تَمْيِيزَ لَهَا نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْعِدَدِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ يَوْمًا وليلة فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَسِتًّا أَوْ سَبْعًا فِي الْآخَرِ فَإِنْ عَرَفَتْ مَتَى رَأَتْ الدَّمَ جَعَلْنَا ابْتِدَاءَ شَهْرِهَا مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَدَدْنَا لَهَا ثلاثين يوما وحيضناها لانه ليس بعض الايام بان يجعل حيضها بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَسَقَطَ حُكْمُ الْجَمِيعِ وَصَارَتْ كمن لا عادة لها وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْحَيْضِ أَنَّهُ لَا حَيْضَ لَهَا وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ وقت انقطاع الحيض ولا يطأها

الزَّوْجُ وَتَصُومُ مَعَ النَّاسِ شَهْرَ رَمَضَانَ فَيَصِحُّ لَهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ اليوم الخامس عشر بَعْضُهُ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَعْضُهُ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ عَلَيْهَا بِذَلِكَ يَوْمَانِ ثُمَّ تَصُومُ شَهْرًا آخَرَ فَيَصِحُّ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءَ يَوْمٍ فتصوم أربعة أيام من سبعة عشر يَوْمًا يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ تَامًّا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمَيْنِ فَتَصُومُ سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهَا وَثَلَاثَةٌ فِي آخِرِهَا فَيَصِحُّ لَهَا صَوْمُ الشَّهْرِ وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا أربعة في أولها وأربعة في آخِرِهَا وَإِنْ لَزِمَهَا صَوْمُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَضَتْهَا من عشرين خمسة في اولها وخمسة في آخِرِهَا وَكُلَّمَا زَادَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ يَوْمٌ

ص: 433

زَادَ فِي الصَّوْمِ يَوْمَانِ يَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيَوْمٌ فِي آخِرِهِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُعْمَلُ في طوافها] [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَمَا بَعْدَهَا مِنْ مَسَائِلِ الناسية هو مِنْ عَوِيصِ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ هِيَ مُعْظِمَةٌ وَهِيَ كَثِيرَةُ الصُّوَرِ وَالْفُرُوعِ وَالْقَوَاعِدِ وَالتَّمْهِيدَاتِ وَالْمَسَائِلِ المشكلات وقد غلط الاصحاب بعضهم بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي كَثِيرٍ مِنْهَا وَاهْتَمُّوا بِهَا حَتَّى صَنَّفَ الدَّارِمِيُّ فِيهَا مُجَلَّدَةً ضَخْمَةً لَيْسَ فِيهَا غَيْرُ مَسْأَلَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَتَقْرِيرِهَا وَتَحْقِيقِ أُصُولِهَا وَاسْتِدْرَاكَاتٍ كَثِيرَةٍ اسْتَدْرَكَهَا هُوَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَسَتَرَى مَا أَنْقُلُ مِنْهَا هُنَا مِنْ نَفَائِسِ التَّحْقِيقِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ كُنْتُ اخْتَصَرْت مَقَاصِدَ تِلْكَ الْمُجَلَّدَةِ فِي نَحْوِ خَمْسِ كَرَارِيسَ وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ الِاقْتِصَارَ عَلَى نُبَذٍ يَسِيرَةٍ مِنْ ذَلِكَ وَيَنْبَغِي لِلنَّاظِرِ فِيهَا أَنْ يَعْتَنِي بِحِفْظِ ضَوَابِطِهَا وَأُصُولِهَا فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ بَعْدَهُ جَمِيعُ مَا يَرَاهُ مِنْ صُوَرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّ نَاسِيَةَ الْوَقْتِ وَالْعَدَدِ تُسَمَّى مُتَحَيِّرَةً قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُمَا وَتُسَمَّى أَيْضًا مُحَيِّرَةً بِكَسْرِ الْيَاءِ لِأَنَّهَا تُحَيِّرُ الْفَقِيهَ فِي أَمْرِهَا وَلَا يُطْلَقُ اسْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَّا عَلَى مَنْ نَسِيَتْ عَادَتَهَا قَدْرًا وَوَقْتًا وَلَا تَمْيِيزَ لَهَا وَأَمَّا مَنْ نَسِيَتْ عددا لا وقتا وعكسها فلا يسمها الْأَصْحَابُ مُتَحَيِّرَةً وَسَمَّاهَا الْغَزَالِيُّ مُتَحَيِّرَةً وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ ثُمَّ إنَّ النِّسْيَانَ قَدْ يَحْصُلُ بِغَفْلَةٍ أَوْ إهْمَالٍ أَوْ عِلَّةٍ مُتَطَاوِلَةٍ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ أَوْ لِجُنُونٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَكُونُ النَّاسِيَةُ مُتَحَيِّرَةً إذَا لَمْ تَكُنْ مُمَيِّزَةً فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً فَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ وَاعْلَمْ أَنَّ حُكْمَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَا يَخْتَصُّ بِالنَّاسِيَةِ بَلْ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا لَمْ تَعْرِفْ وَقْتَ ابْتِدَاءِ دَمِهَا كَانَتْ مُتَحَيِّرَةً وَجَرَى عَلَيْهَا

أَحْكَامُهَا وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي فَصْلِ الْمُبْتَدَأَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* أَمَّا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّذِي قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِهِ أَنَّ فِيهَا قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ نَصُّهُ في باب العدد والطرق الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَالثَّالِثُ تُؤْمَرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَطْعًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الدَّارِمِيِّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرِهِمَا وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ نَصَّهُ فِي بَابِ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ النَّاسِيَةَ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إذَا ذَكَرَتْ وَقْتَهُ وَقِيلَ أَرَادَ أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فِي حُكْمِ الْعِدَّةِ أَيْ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ قُرْءٌ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ فَطَرِيقَانِ أَشْهَرُهُمَا أنها عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ كَمَا فِي الْمُبْتَدَأَةِ وبهذا الطريق

ص: 434

قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ وَالصَّحِيحُ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَمُوَافِقِيهِ فِي طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ وَبِهَا قَالَ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ إنَّ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ قَالُوا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قَوْلًا وَاحِدًا فَغَيْرُ مَقْبُولٍ وَالْمُشَاهَدُ خِلَافُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَرَأَيْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وا ارددناها إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ إمَّا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِمَّا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ هِلَالٍ حَتَّى لَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً في اثناء الشهر الهلال حكم بطهرها بقى الشَّهْرِ وَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ الْمُسْتَقْبَلِ هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَوْ ابْتَدَأَتْ مُسْتَحَاضَةً أَوْ نَسِيَتْ أَيَّامَ حيضها تركت الصلاة يوما وليلة واستقبلها بِهَا الْحَيْضَ مِنْ أَوَّلِ هِلَالٍ يَأْتِي عَلَيْهَا فَإِذَا هَلَّ هِلَالُ الرَّابِعِ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عِلَّةِ تَخْصِيصِهِ بِأَوَّلِ الْهِلَالِ مَعَ انه تحكم لا يقتضيه طبع ولاعادة فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْغَالِبُ أَنَّ أَوَّلَ الْحَيْضِ يَبْتَدِئُ مَعَ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَالَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّ أَوَّلَ الْهِلَالِ تَهِيجُ الدِّمَاءُ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا وَقَالُوا هَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْحِسِّ وَاحْتَجَّ لَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الْمَوَاقِيتَ الشَّرْعِيَّةَ هِيَ بِالْأَهِلَّةِ وَهَذَا قَرِيبٌ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْهِلَالَ مُبَادَى أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَهَذَا

غَيْرُ مَقْبُولٍ وَهُوَ شَبِيهُ الْأَوَّلِ فِي أَنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَالْعِدَدَ وَالدِّيَاتِ وَالْجِزَى وَالْكَفَّارَاتِ وَغَيْرَهَا إنَّمَا تَبْتَدِئُ مِنْ حِينِ الشُّرُوعِ سَوَاءٌ وَافَقَ الْهِلَالُ أَوْ خَالَفَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَهُوَ رَدُّ الْمُتَحَيِّرَةِ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ: هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجْهًا أَنَّهُ

ص: 435

يُقَالُ لَهَا مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ دَمُكِ فَإِنْ ذَكَرَتْ وَقْتًا فَهُوَ أَوَّلُهُ وَإِلَّا قِيلَ مَتَى تَذْكُرِينَ أَنَّكَ كُنْتِ طَاهِرًا فَإِنْ قَالَتْ يَوْمَ العيد أو عرفات أو نحوه فَحَيْضُهَا عَقِبَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ إذَا أَفَاقَتْ مَجْنُونَةً مُتَحَيِّرَةً فَابْتِدَاءُ دَوْرِهَا مِنْ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ التَّكْلِيفِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَلَّطُوهُ بِأَنَّهَا قَدْ تُفِيقُ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ ثُمَّ عَلَى قَوْلِ الْقَفَّالِ دَوْرُهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ فَلَهَا فِي أَوَّلِ كُلِّ ثَلَاثِينَ حَيْضٍ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَلَا يُعْتَبَرُ الْهِلَالُ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ شَهْرُهَا بِالْهِلَالِ فَلَهَا فِي كُلِّ هِلَالٍ حَيْضٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ مَتَى أَطْلَقْنَا الشَّهْرَ فِي الْمُسْتَحَاضَاتِ أَرَدْنَا بِهِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا سَوَاءٌ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الْهِلَالِ أَمْ لَا وَلَا نَعْنِي بِهِ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَذَلِكَ الْقَدْرُ حَيْضٌ فَإِذَا مَضَى اغْتَسَلَتْ وَصَامَتْ وَصَلَّتْ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وما تأتي به من الصلاة لاقضاء فِيهِ وَمَا تَأْتِي بِهِ مِنْ الصَّوْمِ لَا تَقْضِي مَا زَادَ مِنْهُ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِيمَا بَيْنَ الْمَرَدِّ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْقَوْلَانِ السابقان في المبتدأة ويباح الوطئ لِلزَّوْجِ بَعْدَ الْمَرَدِّ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ الرَّدِّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ وَلَا عَمَلَ وَإِنَّمَا التَّفْرِيعُ وَالْعَمَلُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْأَمْرُ بِالِاحْتِيَاطِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِالِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِغَيْرِهِ وَتَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ بِصِفَةٍ أَوْ عَادَةٍ أَوْ مَرَدٍّ كَمَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ وَلَا يُمْكِنُ جعلها طاهرا ابدا في كل شئ ولا حائضا أبدا في كل شئ فَتَعَيَّنَ الِاحْتِيَاطُ وَمِنْ الِاحْتِيَاطِ تَحْرِيمُ وَطْئِهَا أَبَدًا وَوُجُوبُ الْعِبَادَاتِ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ وَالْغُسْلِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَنُوضِحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي نَأْمُرُهَا بِهِ مِنْ الِاحْتِيَاطِ لَيْسَ هُوَ لِلتَّشْدِيدِ وَالتَّغْلِيظِ فَإِنَّهَا غير مَنْسُوبَةٌ إلَى مَا يَقْتَضِي التَّغْلِيظَ وَإِنَّمَا نَأْمُرُهَا

بِهِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حَائِضًا أَبَدًا أَسْقَطْنَا الصَّوْمَ وَالصَّلَاةَ وَبَقِيَتْ دَهْرَهَا لَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ وَهَذَا لَا قَائِلَ بِهِ مِنْ الْأُمَّةِ وَإِنْ بَعَّضْنَا الْأَيَّامَ وَنَحْنُ لَا نَعْرِفُ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَآخِرَهُ لَمْ يَكُنْ إلَيْهِ سَبِيلٌ

ص: 436

قَالَ وَيَنْضَمُّ إلَى هَذَا أَنَّ الِاسْتِحَاضَةَ نَادِرَةٌ وَالْمُتَحَيِّرَةُ أَشَدُّ نُدُورًا وَقَدْ يَنْقَرِضُ دُهُورٌ وَلَا تُوجَدُ مُتَحَيِّرَةٌ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَهُوَ كَلَامٌ صَحِيحٌ سَوَاءٌ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَمْ مَجَازًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَنَحْنُ نُفَصِّلُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فُصُولٍ مُتَنَوِّعَةٍ لِيَسْهُلَ الْوُقُوفُ عَلَى الْمَقْصُودِ من أحكامها لكثرة انتشارها [فصل] في وطئ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى زَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَطْؤُهَا فِي كُلِّ حَالٍ وَكُلِّ وَقْتٍ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ الِاسْتِمْتَاعَ وَلَا نُحَرِّمُهُ بِالشَّكِّ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهَا دَائِمًا مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَالْمَذْهَبُ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَهُمْ عَلَيْهِ فَعَلَى هذا لو وطئ عصي ولزمها غُسْلُ الْجَنَابَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ عَلَى القول القديم لانا لم نتيقن الوطئ فِي الْحَيْضِ وَفِي حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ ذَكَرَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ الدَّارِمِيُّ وَالرَّافِعِيُّ [فَصْلٌ] فِي قِرَاءَتِهَا الْقُرْآنَ وَدُخُولِهَا الْمَسْجِدَ وَمَسِّ الْمُصْحَفَ وَحَمْلِهِ وَتَطَوُّعِهَا بِصَوْمٍ وَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ: أَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلُهُ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا وَأَمَّا دُخُولُ الْمَسْجِدِ فَحُكْمُهَا فِيهِ حُكْمُ الْحَائِضِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا الْمُكْثُ فِيهِ وَيَحْرُمُ الْعُبُورُ إنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ وَإِنْ أَمِنَتْ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا دُخُولُهَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ لِغَيْرِ الطَّوَافِ وَأَمَّا دخوله لِلطَّوَافِ فَيَجُوزُ لِلطَّوَافِ الْمَفْرُوضِ وَفِي الْمَسْنُونِ وَجْهَانِ سَنُوضِحُهُمَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَحَرَامٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ الَّذِي حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهَا حَلَالٌ لِلْحَائِضِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاخْتَارَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ وَالشَّاشِيُّ جَوَازَ الْقِرَاءَةِ لَهَا وَالْمَشْهُورُ التَّحْرِيمُ

ص: 437

وَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَتَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا وَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَأَمَّا تَطَوُّعُهَا بِالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَحَدُهَا أَنَّهُ يَحْرُمُ جَمِيعُ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَتْهُ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الدَّارِمِيِّ وَالشَّاشِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ ذَلِكَ كَمَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمُتَيَمِّمِ مَعَ أَنَّهُ مُحْدِثٌ وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مِنْ مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَفِي مَنْعِهَا تَضْيِيقٌ عَلَيْهَا وَلِأَنَّ النَّوَافِلَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ تَجْوِيزُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَطَوَافِ الْقُدُومِ دُونَ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلْفَرْضِ فَهِيَ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَصْلٌ] فِي عِدَّتِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُؤْمَرُ فِي الْعِدَّةِ بِالْأَحْوَطِ وَالْقُعُودِ إلَى تَبَيُّنِ الْيَأْسِ بَلْ إذَا طَلُقَتْ أَوْ فُسِخَ نِكَاحُهَا اعْتَدَّتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ أَوَّلُهَا مِنْ حِينِ الْفِرْقَةِ فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٌ وَلَمْ يَكُنْ حَمْلٌ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَحِيضُ وَتَطْهُرُ فِي كُلِّ شَهْرٍ فَحُمِلَ أَمْرُهَا عَلَى ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّا لَوْ أَمَرْنَاهَا بِالْقُعُودِ إلَى الْيَأْسِ عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ وَطَالَ الضَّرَرُ لِاحْتِمَالٍ نَادِرٍ مُخَالِفٍ لِلظَّنِّ وَغَالِبِ عَادَةِ النِّسَاءِ بِخِلَافِ إلْزَامِهَا وَظَائِفَ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ الْأَمْرَ فِيهِ سَهْلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا وَلِأَنَّ غَيْرَهَا يُشَارِكُهَا فِيهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا وَالْغَزَالِيُّ فِي الْعِدَدِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ صاحب

ص: 438

التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقُعُودُ إلَى الْيَأْسِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَطُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الِاكْتِفَاءُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ حَتَّى رَأَيْتُ لِلْمَحْمُودِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِ الْحَيْضِ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا لَمْ يُرَاجِعْهَا بَعْدَ مُضِيِّ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَسَاعَتَيْنِ وَلَا تَتَزَوَّجُ إلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ احْتِيَاطًا لِأَمْرَيْنِ ثُمَّ أَنْكَرَ الدَّارِمِيُّ عَلَى الْأَصْحَابِ قَوْلَهُمْ تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَغَلَّطَهُمْ فِي ذَلِكَ وَبَالَغَ فِي إبْطَالِ قَوْلِهِمْ وَإِيضَاحِ الصَّوَابِ عِنْدَهُ وَذَكَرَ فِيهِ نَحْوَ كُرَّاسَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى نَفَائِسَ وَأَنَا أُشِيرُ إلَى مَقْصُودِهِ مُخْتَصِرًا

قَالَ الدَّارِمِيُّ يَنْبَغِي أَنْ نُبَيِّنَ عِدَّةَ غَيْرِهَا لِنَبْنِيَ عَلَيْهَا عِدَّتَهَا فَعِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ الْحَائِلِ ثَلَاثَةُ أَقْرَاءٍ كُلُّ قُرْءٍ طُهْرٌ إلَّا الْأَوَّلَ فَقَدْ يَكُونُ بَعْدَ طُهْرٍ وَطَلَاقُهَا فِي الْحَيْضِ بِدْعَةٌ وَفِي الطُّهْرِ سُنَّةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا فِيهِ فَبِدْعَةٌ أَخَفُّ مِنْ الْحَيْضِ وَهَلْ يُحْسَبُ قُرْءًا فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ لم يجامعها فيه حسبت بقية قُرْءًا وَأَتَتْ بِطُهْرَيْنِ بَعْدَهُ فَإِذَا رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ خَرَجَتْ مِنْ الْعِدَّةِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُضِيُّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَقِيلَ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَادَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ اُشْتُرِطَ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَإِنْ حَسِبْنَاهُ قُرْءًا فَكَمَا لَوْ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ وَإِلَّا وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ بَعْدَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي حَيْضٍ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ وَهَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ مَعَ آخِرِ اللَّفْظِ أَمْ عَقِبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَلْ تَشْرَعُ فِي الْعِدَّةِ مَعَ وَقْتِ الْحُكْمِ بِالطَّلَاقِ أَمْ عَقِيبَهُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلِلنَّاسِ خِلَافٌ في تجزى الجسم هَلْ هُوَ إلَى غَايَةٍ أَمْ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ وَقَدْ قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَقَلُّ زَمَانٍ يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يوما ولحظتان بان يطلقها وقد بقى شئ مِنْ الطُّهْرِ فَتَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا ثُمَّ تَحِيضُ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر وَهُوَ الْقُرْءُ الثَّالِثُ ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَيَنْبَغِي أَنْ تَبْنِيَ الْعِدَّةَ عَلَى مَا سَبَقَ فَإِذَا طَلَّقَهَا وَكَانَ جُزْءٌ مِنْ آخِرِ لَفْظِهِ أو شئ مِنْهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ فِي أَوَّلِ الْحَيْضِ وَقَعَ الطَّلَاقُ فِي الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَتَعْتَدُّ بِالْأَطْهَارِ بَعْدَهُ وَإِنْ طَابَقَ الطَّلَاقُ آخِرَ الطُّهْرِ

ص: 439

اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى قَوْلِ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى آخِرِ لَفْظِهِ وَحُسِبَ مِنْ الْعِدَّةِ وَلَا يُحْسَبُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَرِ وَلَوْ بَقِيَ بعد طلاقه شئ مِنْ آخِرِ الطُّهْرِ فَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يَقُولُ بِالْجُزْءِ تَعْتَدُّ بِهِ قُرْءًا لِأَنَّهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي الْأَوَّلِ مِنْهُمَا وَتَعْتَدُّ بِالثَّانِي وَهُوَ أَغْلَظُ إذَا قُلْنَا بِالطَّلَاقِ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَبِالْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ وَإِنْ قُلْنَا غَيْرَ ذَلِكَ فَأَوْلَى وَعَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِالْجُزْءِ إنْ كَانَ الثَّانِي جُزْءًا وَاحِدًا فَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ مُطَابِقَةٌ لِلطَّلَاقِ أَوْ قلنا الطلاق بآخر لفظه والعدة بعد حسب قرءا لان ذلك الْجُزْءَ وَقَعَ فِيهِ الطَّلَاقُ وَطَابَقَتْهُ الْعِدَّةُ أَوْ صَادَفَتْهُ الْعِدَّةُ وَتَقَدَّمَهُ الطَّلَاقُ فِي آخِرِ لَفْظِهِ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ تُطَابِقُهُ فَأَوْلَى بِذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا الطَّلَاقُ عَقِبَ لَفْظِهِ وَالْعِدَّةُ عَقِيبَهُ لَمْ يُحْسَبْ قُرْءًا لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ فِي هَذَا الْجُزْءِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ شئ مِنْ الطُّهْرِ لِلْعِدَّةِ

وَإِنْ كَانَ بَقِيَ جُزْءٌ ان اعْتَدَّتْ بِهِ قُرْءًا عَلَى جَمِيعِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ فَقَدْ تَكُونُ الْعِدَّةُ عَلَى بَعْضِ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَجُزْءًا وَهُوَ أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ وَذَلِكَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَيُطَابِقُ آخِرُ طَلَاقِهِ آخِرَ الطُّهْرِ وَقُلْنَا وَقَعَ الطَّلَاقُ بِآخِرِ اللَّفْظِ وطابقه أول العدة فاقل العدة إذا نوبتان وزيادة واكثرها ثلاث نوب يوم وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَذَلِكَ إنْ يُطَلِّقَهَا وَقَدْ بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الطُّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ وَلَا يُحْسَبُ قُرْءًا عِنْدَ مَنْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَجَعَلَ أَوَّلَ الْعِدَّةِ عَقِيبَ الطَّلَاقِ ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةُ حَيْضٍ وَطُهْرٍ فَيَكُونُ قُرْءًا ثُمَّ ثَانِيَةٌ يَكُونُ ثَانِيًا ثُمَّ ثَالِثُهُ قُرْءًا ثَالِثًا ثُمَّ يَمْضِي يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرٍ جَامَعَهَا فِيهِ فَأَطْوَلُ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ المذهب ثلاث نوب ويوم وليلة وطهر الاجزاء وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ جَامَعَهَا عَاصِيًا فِي آخِرِ الْحَيْضِ وَطَلَّقَهَا فَاتَّفَقَ آخِرُ لَفْظِهِ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَطَابَقَهُ فَنَقُولُ الطَّلَاقُ بِآخِرِ لَفْظِهِ وَهُوَ أَوَّلُ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ وَفِيهِ جِمَاعٌ وَقُلْنَا لَا تَعْتَدُّ بِهِ وَذَلِكَ طُهْرٌ الاجزاء ثُمَّ تَمْضِي نَوْبَةٌ فَتَعْتَدُّ بِالطُّهْرِ قُرْءًا ثُمَّ نَوْبَةٌ ثَانِيَةٌ ثُمَّ ثَالِثَةٌ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَهَذَا أَكْثَرُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ عِدَّةً عَلَى أَشَدِّ مَذَاهِبِنَا وَلَا يَخْفَى بِمَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعُ مَا فِي الْمَذَاهِبِ وَإِنَّمَا قَصَدْنَا بَيَانَ أَقْصَى الْغَايَتَيْنِ فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ عَلَى أَقْصَى المذاهب

ص: 440

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا رَجَعْنَا إلَى الْمُتَحَيِّرَةِ فَنَقُولُ: حُكْمُ عِلَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِالنَّوْبَةِ وَهَذِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ لَا تَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهَا إلَّا أَنَّهُ مَضَى لها حيض وطهر ويدخل في شكلها أَنَّهَا هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ ذَاتُ عَادَةٍ وَأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَلَا تَعْرِفُ عَادَتَهَا وَحُكْمُ هَذِهِ حُكْمُ الْأُولَى لِلِاحْتِيَاطِ لِأَنَّهَا أَشَدُّ تَحَيُّرًا ثُمَّ النَّوْبَةُ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الزَّمَانِ الَّذِي مَضَى بَيْنَ ابْتِدَاءِ الدَّمِ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَقَدْ تَعْلَمُ قَدْرَ نَوْبَتِهَا وَإِنْ جَهِلَتْ قَدْرَ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ مِنْهَا بِأَنْ شَكَّتْ فِي قدرها علمنا عَلَى أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا إلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَتْ حَدًّا فَقَالَتْ أَشُكُّ فِي نَوْبَتِي إلَّا أني أقطع بأنها لاتجاوز شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةً جَعَلْنَا ذَلِكَ نَوْبَتَهَا فَإِنْ أَطْلَقَتْ الشَّكَّ مِنْ غَيْرِ حَدٍّ فَأَضْعَفُ أَحْوَالِهَا أَنْ تَكُونَ نَوْبَتُهَا مِنْ بُلُوغِهَا تِسْعَ سِنِينَ إلَى رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ فَيَكُونُ جَمِيعُ ذَلِكَ نَوْبَةً فَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ ذَلِكَ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ مَا يَبْلُغُ شَكُّهَا وَتَحْتَاجُ أَيْضًا إلَى مَعْرِفَةِ الزَّمَنِ الَّذِي بَيْنَ أَوَّلِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ وَهَذَانِ الْوَقْتَانِ قَدْ تَعْلَمُهُمَا وَقَدْ تَجْهَلُهُمَا وَقَدْ تَعْلَمُ أَحَدَهُمَا

وَتَجْهَلُ الْآخَرَ فَإِنْ شَكَّتْ هَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ أَمْ مُعْتَادَةٌ قَابَلْتَ بَيْنَ الزَّمَانِ الَّذِي اعْتَبَرْنَا بِهِ نَوْبَتَهَا وَبَيْنَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا الَّتِي هِيَ نَوْبَةُ الْمُبْتَدَأَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الزَّمَانُ أَكْثَرَ جَعَلَتْهُ نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الثَّلَاثُونَ أَكْثَرَ جَعَلَتْهَا نَوْبَتَهَا عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأَةٌ وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا اسْتَوَى الْأَمْرَانِ وَمِنْ هَذَا يَظْهَرُ إغْفَالُ مَنْ قَالَ عِدَّتُهَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ ان يعلم أن عدتها قل مِنْ ذَلِكَ أَوْ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ النَّوْبَةِ إلَّا أَنَّ الزَّمَانَ الَّذِي مِنْ رُؤْيَتِهَا دَمَ الِابْتِدَاءِ إلَى دَمِ الِاتِّصَالِ دُونَ ثَلَاثِينَ وَعَلِمَتْ أَنَّهَا مُعْتَادَةٌ فَإِذَا عُلِمَ أَثَرُ النَّوْبَةِ عَمِلْنَا عَلَى أَنَّهُ مَضَى مِنْ الزَّمَانِ بَيْنَ رُؤْيَةِ الدَّمِ الْمُتَّصِلِ وَالطَّلَاقِ مَا هُوَ أَغْلَظُ فِي تَطْوِيلِ الْعِدَّةِ عَلَى أَغْلَظِ الْمَذَاهِبِ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ آخِرُ طَلَاقِهِ قَبْلَ آخِرِ الطُّهْرِ بِجُزْءٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ فَيَقَعُ الطَّلَاقُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَقَعُ عَقِيبَ لَفْظِهِ وَلَا وَقْتَ لِلْقُرْءِ مِنْ الطُّهْرِ بَعْدَهُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ أَوَّلُ الْعِدَّةِ عَقِبَ وُقُوعِ الطَّلَاقِ فَيَحْتَاجُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْرَاءٍ يَخْرُجُ مِنْ ثَلَاثِ نُوَبٍ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَمْثَالِ الزَّمَانِ الْأَوَّلِ الَّذِي اعْتَبَرْنَاهُ فِي اسْتِخْرَاجِ النَّوْبَةِ ثُمَّ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ النُّوَبِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ يَحْتَاجُ إلَى الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَحَصَلَ ثَلَاثُ نُوَبٍ وَيَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَجُزْءٌ وَلَوْ أَنَّهُ عَصَى بِجِمَاعِهَا وَطَلَّقَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ مَتَى جَامَعَهَا جَعَلَ جَمَاعَةٌ كَأَنَّهُ وَقَعَ آخِرَهُ فِي أَوَّلِ جُزْءٍ مِنْ الطُّهْرِ فَلَمْ يُعْتَدَّ

ص: 441

بِذَلِكَ الطُّهْرِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فَتَعْتَدُّ بَعْدَهُ بِثَلَاثِ نُوَبٍ وَيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَعْرِفَةُ الطُّهْرِ أَنْ تَنْظُرَ الزَّمَانَ الَّذِي حَكَمَتْ بِأَنَّهُ نَوْبَتُهَا فَتُسْقِطُ مِنْهُ يَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْحَيْضِ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْبَاقِي مِنْهُ إلَّا جُزْءًا وَلَا تَعْتَدُّ بِذَلِكَ قُرْءًا ثُمَّ بِثَلَاثِ نُوَبٍ ثُمَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَإِنَّمَا بَيَّنَّا الْحُكْمَ عَلَى أَصْعُبْ الْمَذَاهِبِ لِيَخْرُجَ عِدَّتُهَا أَطْوَلَ مَا يُمْكِنُ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى قِيَاسِ بَاقِي وُجُوهِ أَصْحَابِنَا فَلْيَفْعَلْ فَقَدْ تَكُونُ عِدَّتُهَا دُونَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ بِأَنْ يُعْلَمَ بِأَنَّهَا مُعْتَادَةٌ وَالزَّمَانُ الْمُعْتَبَرُ بِهِ نَوْبَتُهَا دُونَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَقَدْ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ إلَى حَدٍّ يُعْلَمَ أَنَّ سِنَّهَا لَا تَبْلُغُهُ فِي الْعَادَةِ وَأَنَّ سِنَّ الْحَيْضِ لَا يَبْلُغُهُ فَإِنْ بَلَغَ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ فَهِيَ وَإِنْ لَمْ تَعِشْ إلَيْهِ فَسَتَبْلُغُ سِنَّ الْيَأْسِ فَيَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْيَائِسَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ سِنِّ الْيَأْسِ فَلَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْمُعْتَدَّاتِ الَّتِي انْقَطَعَ دَمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ فَهَذَا حُكْمُهَا إذَا جَهِلَتْ نَوْبَتَهَا فَعَلِمَتْ أَقْصَى مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ نَوْبَةً وَجَهِلَتْ الزَّمَانَ مِنْ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ فَعَمِلَتْ عَلَى أَغْلَظِهِ فَإِنْ عَلِمَتْ النَّوْبَةَ عَمِلَتْ

عَلَى قَدْرِهَا وَكَذَا إنْ عَلِمَتْ الزَّمَانَ بَيْنَ الدَّمِ وَالطَّلَاقِ وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ لَكِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ مُمَاثِلٌ لِنَوْبَتِهَا فَالْحُكْمُ عَلَى مَا مَضَى وَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ يَنْقُصُ عَنْ نَوْبَتِهَا اعْتَدَّتْ بِقَدْرِ نُقْصَانِهِ قُرْءًا ثُمَّ بِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِأَنَّ آخِرَهُ طُهْرٌ عَلَى هَذَا التَّنْزِيلِ وَإِنْ شَكَّتْ فِي قَدْرِ النُّقْصَانِ جَعَلَتْهُ أَكْثَرَ الِاحْتِمَالِ لِأَنَّهُ يَطُولُ بِهَا الْعِدَّةُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الدَّارِمِيِّ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ جُمَلٌ مِنْ النَّفَائِسِ وَمَعَ هَذَا فَالْعَمَلُ عَلَى مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الِاعْتِدَادِ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ إلَّا أَنْ يُعْلَمَ مِنْ عَادَتِهَا مَا يَقْتَضِي زِيَادَةً أَوْ نُقْصَانًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَصْلٌ] فِي طَهَارَةِ الْمُتَحَيِّرَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ عَلِمَتْ وَقْتَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ بِأَنْ قَالَتْ أَعْلَمُ: أَنَّ حَيْضَتِي كَانَتْ تَنْقَطِعُ مَعَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَزِمَهَا الْغُسْلُ كُلَّ يَوْمٍ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَلَيْسَ عَلَيْهَا فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ غُسْلٌ سِوَاهُ وَتُصَلِّي بِذَلِكَ الْغُسْلِ الْمَغْرِبَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ عِنْدَ كُلِّ مَغْرِبٍ مُحْتَمَلٌ وَلَا يُحْتَمَلُ فِيمَا سِوَاهَا وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ لَزِمَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ قَبْلَهَا: وَاعْلَمْ أَنَّ إطْلَاقَ كَثِيرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنْ يَلْزَمَهَا الْغُسْلُ

ص: 442

لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ وَقْتُ انْقِطَاعِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْفَصْلِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ تَغْتَسِلَ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةٌ كَالتَّيَمُّمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا إذَا ابْتَدَأَتْ غُسْلَهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَفَرَغَتْ مِنْهُ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ جَازَ لِأَنَّ الْغَرَضَ أَلَّا تَفْصِلَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ثُمَّ إذَا اغْتَسَلَتْ هَلْ تَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ عَقِبَ الْغُسْلِ أَمْ لَهَا تَأْخِيرُهَا عَنْ الْغُسْلِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَوَضَّأَتْ هَلْ عَلَيْهَا الْمُبَادَرَةُ أَمْ لَهَا التَّأْخِيرُ فَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهَا الْمُبَادَرَةُ فَأَخَّرَتْ بَطَلَ غُسْلُهَا وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْإِمَامُ وَقَوْلُ الْأَوَّلِ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ غَلَطٌ لِأَنَّ إيجَابَ الْمُبَادَرَةِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ عَلَى الْأَصَحِّ لِيَقِلَّ حدثها وهذا لا يتحقق فِي الْغُسْلِ لِأَنَّ عَيْنَ الدَّمِ لَيْسَتْ مُوجِبَةً لِلْغُسْلِ

وَإِنَّمَا الْمُوجِبُ الِانْقِطَاعُ وَلَا يَتَكَرَّرُ الِانْقِطَاعُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ قِيلَ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ حَيْضِهَا بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ قُلْنَا هَذَا الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ تَقْدِيرُهُ بِقِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ مَعَ قِصَرِ الزَّمَانِ وَطُولِهِ وَمَا لَا حِيلَةَ فِي دَفْعِهِ يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ لَكِنْ إنْ أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ عَنْ الْغُسْلِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ قَبْلَ الصَّلَاةِ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي صِحَّةِ الْغُسْلِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَثْنَائِهِ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنهَا بَعْدَ الْغُسْلِ إلَّا فِعْلُ الصَّلَاةِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِهِ فِي آخِرِ وَقْتِهَا وَلَا يَكْفِيهَا الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ السَّابِقَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَحَصَلَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي غُسْلِهَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مَعَ الْمُبَادَرَةِ إلَى الصَّلَاةِ وَالثَّالِثُ يَكْفِي وُقُوعُ آخِرِهِ مَعَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالرَّابِعُ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ قَبْلَ آخِرِ الْوَقْتِ بِقَدْرِ الصَّلَاةِ والله علم

* [فَصْلٌ] فِي صَلَاتِهَا الْمَكْتُوبَةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ أَبَدًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ يَحْتَمِلُ طُهْرَهَا فَمُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ

ص: 443

ثُمَّ إنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَمْ يَشْتَرِطُوا صَلَاتَهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ بَلْ أَوْجَبُوا الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ مَتَى شَاءَتْ كَغَيْرِهَا وَصَرَّحَ أَكْثَرُهُمْ بِهَذَا وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْبَاقِينَ وَقَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِأَنَّ عَلَيْهَا الصَّلَاةَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَنَقَلَهُ بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ عَنْ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْغُسْلِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَهُوَ شَاذٌّ مَتْرُوكٌ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَرَجِ ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْخَمْسَ فِي أَوْقَاتِهَا هَلْ يَجِبُ قَضَاؤُهَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَضَاءَ الصَّلَاةِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وقد صرح بأن لاقضاء الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ رحمه الله يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ لِجَوَازِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْوَقْتِ وَيُحْتَمَلُ انْقِطَاعُهُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ

وَالْعَصْرُ وَقَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَلْزَمُهَا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ وَإِذَا كُنَّا نُفَرِّعُ عَلَى قَوْلِ الِاحْتِيَاطِ وَجَبَ مُرَاعَاتُهُ في كل شئ هَذَا قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُحْكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرهمَا (قُلْتُ) وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ أَيْضًا وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالُوا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الِاحْتِيَاطِ وَالشَّافِعِيُّ كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْقَضَاءَ لَمْ يَنْفِهِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِهِ الْوُجُوبُ وَحُجَّةُ الْأَوَّلِينَ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّا لَا نُلْزِمُ الْمُتَحَيِّرَةَ كُلَّ مُمْكِنٍ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى حَرَجٍ شَدِيدٍ وَالشَّرِيعَةُ تَحُطُّ عَنْ الْمُكَلَّفِ أُمُورًا بدون هَذَا الضَّرَرِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا كُلُّ مُمْكِنٍ أَنَّ عِدَّتَهَا تَنْقَضِي بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ وَلَا تَقْعُدُ إلَى الْيَأْسِ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْحَاوِي طَرِيقَةً أُخْرَى فَقَالَ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهَا تَنْزِلُ تَنْزِيلَيْنِ هُمَا أَغْلَظُ أَحْوَالِهَا أَحَدُهُمَا تَقْرِيرُ دَوَامِ الطهر الي وقت الصلاة وامكان أدائها ووجب الْحَيْضِ بَعْدَهُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ دُونَ الْغُسْلِ وَالتَّنْزِيلُ الثَّانِي دَوَامُ الْحَيْضِ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ثُمَّ وُجُودُ الطُّهْرِ بَعْدَهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ دُونَ الْوُضُوءِ فَحَصَلَ مِنْ التَّنْزِيلَيْنِ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ آخِرَ طُهْرِهَا ثُمَّ تُصَلِّيهَا فِي آخِرِ وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَوَّلَ طهرها فإذا دخل وقت الصعر صَلَّتْ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِالْوُضُوءِ ثُمَّ صَلَّتْهَا بِالْغُسْلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ منه ما يسع ما يلزمها به صلاة الْعَصْرِ ثُمَّ أَعَادَتْ الظُّهْرَ مَرَّةً ثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْغُسْلِ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الطُّهْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ

ص: 444

فَيَلْزَمُهَا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَإِنْ قَدَّمَتْ الْعَصْرَ الثَّانِيَةَ عَلَى الظُّهْرِ الثَّالِثَةِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلظُّهْرِ وَإِنْ قَدَّمَتْ الظُّهْرَ عَلَى الْعَصْرِ كَانَ الْغُسْلُ لَهَا وَتَوَضَّأَتْ لِلْعَصْرِ فَإِذَا غَرُبَتْ الشَّمْسُ صَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِغُسْلِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَإِذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعِشَاءِ صَلَّتْهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ وَتُعِيدُ مَعَهَا الْمَغْرِبَ وَتَغْتَسِلُ لِلْأُولَى مِنْهُمَا وَتَتَوَضَّأُ لِلْأُخْرَى فَإِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّتْ الصُّبْحَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِوُضُوءٍ ثُمَّ أَعَادَتْهَا فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ فَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلظُّهْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مَرَّةً فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ بِالْوُضُوءِ وَمَرَّةً ثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَثَالِثَةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِغُسْلٍ لَهَا وَلِلْعَصْرِ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً

لِلْعَصْرِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا بِوُضُوءٍ وَثَانِيَةً فِي آخِرِهِ بِغُسْلٍ وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْمَغْرِبِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي وَقْتِهَا بِالْغُسْلِ وَمَرَّةً فِي آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِالْغُسْلِ لَهَا وَتَصِيرُ مُصَلِّيَةً لِلْعِشَاءِ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِالْوُضُوءِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَمَرَّةً فِي آخِرِهِ بِالْغُسْلِ وَكَذَا الصُّبْحُ فَتَبْرَأُ بِيَقِينٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي: وَأَمَّا طَرِيقَةُ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ فَظَاهِرَةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى تَفْرِيعٍ بَلْ تُصَلِّي أَبَدًا وَلَا قَضَاءَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ تُصَلِّي عَلَى هَذِهِ الطريقة الصلوات الخمس مرتين بستة اغسل وَأَرْبَعِ وُضُوءَاتٍ فَتُصَلِّي الظُّهْرَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الْعَصْرَ كَذَلِكَ ثُمَّ الْمَغْرِبَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَتَقْضِي الظُّهْرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعَصْرَ ثُمَّ تُصَلِّي الْعِشَاءَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ الصُّبْحَ فِي وَقْتِهَا بِغُسْلٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْمَغْرِبَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتَقْضِي الْعِشَاءَ ثُمَّ تَقْضِي الصُّبْحَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بِغُسْلٍ هَذَا كَلَامُهُمْ وَبَسَّطَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَوْضَحَهُ بِأَدِلَّتِهِ وَزَادَ فِيهِ وَأَتْقَنَهُ ثُمَّ لَخَصَّ طَرِيقَتَهُ وَاخْتَصَرَهَا الرَّافِعِيُّ فَقَالَ إذَا قُلْنَا بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ تَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَتُصَلِّيهَا ثُمَّ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ اغْتَسَلَتْ مَرَّةً أُخْرَى وَصَلَّتْهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْحَيْضَ صَادَفَ الْمَرَّةَ الْأُولَى وَانْقَطَعَ بَعْدَهَا فَلَزِمَتْهَا وَبِالْمَرَّتَيْنِ تَبْرَأُ مِنْ الصُّبْحِ قَطْعًا وَلَا يُشْتَرَطُ الْمُبَادَرَةُ بِالْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَلْ مَتَى صَلَّتْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصُّبْحِ أَجْزَأَهَا لِأَنَّ الْحَيْضَ إنْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الصُّبْحِ لَمْ يَعُدْ إلَى الْخَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ تَأْخِيرُ جَمِيعِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْوَقْتِ بَلْ لَوْ وَقَعَ بَعْضُهَا فِي آخِرِ الْوَقْتِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ إذَا قُلْنَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِإِدْرَاكِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ دُونَ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهَا الثَّانِيَةَ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي أَثْنَائِهَا فلا شئ عَلَيْهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ إنْكَارًا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرَ إلَى أَوَّلِ زَمَنِ الْغُسْلِ مَعَ الْجُزْءِ الْوَاقِعِ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دُونَ تَكْبِيرَةٍ وَيَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ دُونَ رَكْعَةٍ هَذَا حُكْمُ الصُّبْحِ وَأَمَّا الْعَصْرُ

ص: 445

وَالْعِشَاءُ فَتُصَلِّيهِمَا مَرَّتَيْنِ كَذَلِكَ وَأَمَّا الظُّهْرُ فَلَا يَكْفِي وُقُوعُهَا فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَلَا يَكْفِي أَيْضًا وُقُوعُ الْمَغْرِبِ فِي أَوَّلِ وَقْتِ الْعِشَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِهِمَا فَيَجِبُ أَنْ

تُعِيدَ الظُّهْرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُعِيدُ الْعَصْرَ وَهُوَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَتُعِيدَ الْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثُمَّ إذَا أَعَادَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ نُظِرَ إنْ قَدَّمَتْهُمَا عَلَى أَدَاءِ الْمَغْرِبِ وَجَبَ غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ وَغُسْلٌ لِلْمَغْرِبِ وَإِنَّمَا كَفَاهَا غُسْلٌ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ حَيْضُهَا قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقَدْ اغْتَسَلَتْ لَهُ وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا ظُهْرٌ وَلَا عَصْرٌ وَإِنَّمَا وَجَبَ غُسْلُ المغرب لاحتمال الانقطاع في خلال الظهر والصعر وَعَقِبِهَا وَكَذَا الْحُكْمُ إذَا قَضَتْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ أَدَاءِ الصُّبْحِ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ مُصَلِّيَةً الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مَرَّتَيْنِ بِوُضُوءَيْنِ وَثَمَانِيَةِ أَغْسَالٍ وَإِنْ أَخَّرَتْ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ عَنْ أَدَاءِ الْمَغْرِبِ اغْتَسَلَتْ لِلْمَغْرِبِ وَكَفَاهَا ذَلِكَ لِلظُّهْرِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهُ إنْ انْقَطَعَ قَبْلَ الْغُرُوبِ فَهِيَ طَاهِرٌ وَإِلَّا فَلَا ظُهْرَ وَلَا عَصْرَ عَلَيْهَا وَيَجِبُ وضو لِلظُّهْرِ وَوُضُوءٌ لِلْعَصْرِ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إذَا أَخَّرَتْهُمَا عَنْ أَدَاءِ الصبح وحينئذ تكون مصلية الصلوات الخمس باربع وُضُوءَاتٍ وَسِتَّةِ أَغْسَالٍ وَعَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ يَكُونُ قَدْ أَخَّرَتْ الْمَغْرِبَ وَالصُّبْحَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهِمَا لِتَقْدِيمِهَا الْقَضَاءَ عَلَيْهِمَا فَتَبْرَأُ عَمَّا سِوَاهُمَا وَأَمَّا هُمَا فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَخَّرَتْ الصَّلَاةَ الْأُولَى عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى مَضَى مَا يسع الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ لَمْ يَكْفِ فِعْلُهَا مَرَّةً أُخْرَى فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ عَلَى التَّصْوِيرِ السَّابِقِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ يَطْرَأُ الْحَيْضُ فَيَلْزَمُهَا الصَّلَاةُ وَتَكُونُ الصَّلَاتَانِ وَاقِعَتَيْنِ فِي الْحَيْضِ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا مَرَّتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِغُسْلَيْنِ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ إحْدَاهُمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ وَقْتِ الرَّفَاهِيَةِ وَالضَّرُورَةِ وَقَبْلَ تَمَامِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى وَأَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ فِي الْمَرَّةِ الاولى وحينئذ تبرأ بيقين ومع هذ كُلِّهِ لَوْ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَدَاءِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوَائِلِ أَوْقَاتِهَا وَلَمْ تَقْضِ شَيْئًا حَتَّى مَضَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَوْ مَضَى شَهْرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا لِكُلِّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَقَطْ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ فِي خَمْسَةَ عَشَرَ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَيَجُوزُ أَنْ يُجْزِيَهُ قَضَاءُ صَلَاتَيْ جَمْعٍ وَهُمَا ظُهْرٌ وَعَصْرٌ أَوْ مَغْرِبٌ وَعِشَاءٌ فَإِذَا شَكَكْنَا وَجَبَ قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ خَمْسٍ وَلَوْ كَانَتْ تُصَلِّي فِي أَوْسَاطِ الْأَوْقَاتِ لَزِمَهَا أَنْ تَقْضِيَ لَلْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَطْرَأَ

ص: 446

الْحَيْضُ فِي وَسَطِ صَلَاةٍ فَتَبْطُلُ وَيَنْقَطِعُ فِي وَسَطِ أُخْرَى فَتَجِبُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَا مِثْلَيْنِ: وَمَنْ فَاتَهُ صَلَاتَانِ مُتَمَاثِلَتَانِ لَا يَعْرِفُهُمَا لَزِمَهُ صَلَوَاتُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ لَوْ فُرِضَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاة لَمْ يَجِبْ لِأَنَّهَا لَمْ تُدْرِكْ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ الْمُخْتَصَرِ مِنْ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ الْآنَ مُخَالِفٌ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِكُمْ يَجِبُ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ فَإِنَّكُمْ الْآنَ صِرْتُمْ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةَ عشر الا قضاء خَمْسِ صَلَوَاتٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الِاكْتِفَاءِ بِقَضَاءِ خَمْسِ صَلَوَاتٍ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ أَمْرٌ أَغْفَلَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَقْطُوعٌ بِهِ وَاَلَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا هُوَ فِيمَا إذَا أَرَادَتْ أَنْ تَبْرَأَ فِي كُلِّ يَوْمٍ عَمَّا عَلَيْهَا وَكَانَتْ تُؤْثِرُ الْمُبَادَرَةَ وَتَخَافُ الْمَوْتَ فِي آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ فَأَمَّا إذَا أَخَّرَتْ الْقَضَاءَ فَلَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ عَشَرَ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ نَسَبَنَا نَاسِبٌ إلَى مُخَالِفَةِ الْأَصْحَابِ سَفَّهْنَا عَقْلَهُ فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي هَذِهِ الْمُقَاضَاةِ يَتَعَلَّقُ بِمَسَالِكِ الِاحْتِمَالَاتِ وَقَدْ مَهَّدَ الْأَئِمَّةُ الْقَوَاعِدَ كَالتَّرَاجِمِ وَوَكَّلُوا اسْتِقْصَاءَهَا إلَى أَصْحَابِ الْفِطَنِ وَالْقَرَائِحِ وَنَحْنُ نُسَلِّمُ لِمَنْ يَبْغِي مَزِيدًا أَنْ يُبْدِيَ شَيْئًا وَرَاءَ مَا ذَكَرْنَا مُفِيدًا عَلَى شَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُفِيدًا.

وَبِالْجُمْلَةِ النَّظَرُ الَّذِي يُخَفِّفُ فِي أَمْرِ الْمُتَحَيِّرَةِ بَالِغُ الْمَوْقِعِ مُسْتَفَادٌ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ: وَقَدْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ بِمَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَزِدْ عَلَى الصَّلَوَاتِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِهَا لَا يَجِبُ فِي الشَّهْرِ إلَّا قَضَاءُ صَلَوَاتِ يَوْمَيْنِ هَذَا بَيَانُ صَلَوَاتِ الْوَقْتِ فَأَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَلَاةً مَقْضِيَّةً أَوْ مَنْذُورَةً فَفِيهَا كَلَامٌ نَذْكُرُهُ بَعْدَ صيامها ان شاء الله تعالى

(فَصْلٌ فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ)

اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهَا أَنْ تَصُومَ جَمِيعَ شَهْرِ رَمَضَانَ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ فِي كُلِّ يَوْمٍ فَإِذَا صَامَتْهُ وَكَانَ تَامًّا اخْتَلَفُوا فِيمَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَصَّ أَنَّهُ يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ

جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا إلَّا مَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ عَنْ عَامَّةِ مَشَايِخِهِمْ ثُمَّ قَالَ وَأَجْمَعَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخُلَاصَةِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّحْرِيرِ وَالْبُلْغَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ إمَامُ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ

ص: 447

لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الدَّمِ فِي بَعْضِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَانْقِطَاعِهِ فِي بَعْضِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيُفْسِدُ السِّتَّةَ عَشَرَ وَيَبْقَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَطْبَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى مُتَابَعَةِ أَبِي زَيْدٍ وَوَافَقَهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ واشار إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إلَى أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ خِلَافٍ فِي أَنَّهُ يَحْصُلُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَتَأَوَّلُوا النَّصَّ عَلَى أَنَّهَا حَفِظَتْ أَنَّ دَمَهَا كَانَ يَنْقَطِعُ فِي اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِخَمْسَةَ عَشَرَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَبْقَى خَمْسَةَ عَشَرَ هَكَذَا أَطْلَقُوهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ يُحْتَمَلُ لَكِنَّ الَّذِي أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَسُلُوكُ سَبِيلِ التَّخْفِيفِ عَنْهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ من الاختلاف هو المشهور في طرق الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طَرِيقَةً أُخْرَى فَحَكَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلَ أَبِي زَيْدٍ وَاخْتِلَافَ الْأَصْحَابِ ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يَجِبُ اسْتِدْرَاكُهُ فِي هَذَا أَنَّا إذَا قُلْنَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَيُحْكَمُ لَهَا بِالطُّهْرِ ثَلَاثَةَ وَعِشْرِينَ يَوْمًا فَيُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ حَيْضُ الْمُتَحَيِّرَةِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بينها وبين المبتدأة الا في شئ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّا نَعْلَمُ ابْتِدَاءَ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ دُونَ الْمُتَحَيِّرَةِ فَأَمَّا تَنْزِيلُهَا عَلَى غَالِبِ الْحَيْضِ قِيَاسًا عَلَى الْمُبْتَدَأَةِ فَمُتَّجَهٌ لَا يَنْقَدِحُ غَيْرُهُ فَلْيُقَدَّرْ لَهَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ثُمَّ قَدْ تَفْسُدُ بِالسَّبْعَةِ ثَمَانِيَةٌ فَيَحْصُلُ لَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ يَوْمًا قَالَ فَإِنْ قِيلَ هَذَا عَوْدٌ إلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ تُرَدُّ إلى مرد المبتدأة قلنا هي مقطعة عَنْهَا فِي ابْتِدَاءِ الدَّوْرِ فَأَمَّا رَدُّهَا إلَى الْغَالِبِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَدَدِ الَّذِي انْتَهَى التَّفْرِيعُ إلَيْهِ فَلَا يُتَّجَهُ غَيْرُهُ وَأَقْصَى مَا يَتَخَيَّلُهُ الْفَارِقُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ كَانَ لَهَا عَادَاتٌ فَلَا نَأْمَنُ إذَا رُدَّتْ إلَى الْغَالِبِ أَنْ تُخَالِفَ تِلْكَ الْعَادَاتِ وَالْمُبْتَدَأَةُ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا عَادَةٌ فَهَذَا الْفَرْقُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ رُبَّمَا كَانَتْ تَحِيضُ

عَشْرَةً لَوْ لَمْ تَسْتَحِضْ هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ لِأَصْحَابِنَا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ صَاحِبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمهم الله أَنَّهُ يَبْطُلُ عَلَيْهَا مِنْ رَمَضَانَ صَوْمُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عِنْدَهُ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمُتَقَدِّمِي

ص: 448

أَصْحَابِنَا رحمهم الله أَنَّهُ يَبْطُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَامًّا أَمَّا إذَا صَامَتْهُ وَكَانَ نَاقِصًا وَقُلْنَا بِطَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالْمُتَأَخِّرِينَ إنَّ الْكُلَّ يَحْصُلُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَقَدْ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ بِأَنَّهَا لَا يُحْسَبُ لَهَا مِنْهُ إلَّا ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا لِأَنَّهُ يَفْسُدُ سِتَّةَ عَشَرَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ احْتِمَالِ الطُّرُوِّ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ وَانْقِطَاعِهِ فِي نِصْفِ السَّادِسِ عَشَرَ فَيَبْقَى ثَلَاثَةَ

ص: 449

عَشَرَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَتَصُومُ رَمَضَانَ وَشَهْرًا آخَرَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ يَوْمٍ فَقَدْ حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا صَامَتْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ النَّاقِصَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَصَامَتْ شَهْرًا كَامِلًا فَحَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَيْضًا فَبَقِيَ يَوْمٌ قَالَ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْهِلَالِيَّ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ مُتَفَرِّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا فَإِذَا كَانَ الشَّهْرُ نَاقِصًا فلابد فِيهِ مِنْ طُهْرٍ كَامِلٍ وَيَدْخُلُ النَّقْصُ عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ قَالَ وَمَنْ اعْتَرَضَ عَلَى صَاحِبِ الْمُهَذِّبِ فِي هَذَا فَلَيْسَ قَوْلُهُ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ لله تَعَالَى أَجْرَى الْعَادَةَ أَنَّ الشَّهْرَ لَا يَخْلُو مِنْ طُهْرٍ صَحِيحٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَلَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ بَلْ مُجَرَّدُ دَعْوَى لَا يُوَافِقُهُ عَلَيْهَا أَحَدٌ بَلْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِمُخَالِفَتِهَا كَمَا سَبَقَ بَلْ الصَّوَابُ حَمْلُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَصُمْ مَعَ النَّاسِ رَمَضَانَ بَلْ صَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَ رَمَضَانَ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ نَاقِصًا فَبَقِيَ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهَذَا الَّذِي حَمَلْنَاهُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ الْمُصِيرُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِلْأَصْحَابِ وَلِلْقَاعِدَةِ مَعَ سَلَامَتِهِ مِنْ دَعْوَى لَا تُقْبَلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ الَّذِي صَامَهُ النَّاسُ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي صَامَتْهُ وَقَدْ أَنْكَرَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَغَلَّطُوهُ وَأَبْطَلُوا تَأْوِيلَ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَلَا يَصِحُّ الْإِنْكَارُ عَلَى الْمُصَنِّفِ بَلْ كَلَامُهُ مَحْمُولٌ على هذا الذى قلناه

ص: 450

مِنْ أَنَّهَا إذَا لَمْ تَصُمْ رَمَضَانَ النَّاقِصَ وَصَامَتْ شَهْرَيْنِ كَامِلَيْنِ غَيْرَهُ يَبْقَى عَلَيْهَا يَوْمٌ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ النَّاقِصَ كَفَاهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُونَ يَوْمًا حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ هُنَا وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِ الْمُتَحَيِّرَةِ يَوْمًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ فِدْيَةٍ فِي الْحَجِّ أَوْ تطوعا أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمٍ فَهِيَ مُخَيَّرَةٌ إنْ شَاءَتْ صَامَتْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ مِنْ أَوَّلِهَا وَيَوْمَيْنِ مِنْ آخِرِهَا وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَقَدْ يَكُونُ لَهَا فِي هَذَا غَرَضٌ بِأَنْ تُرِيدَ أَلَّا يَتَخَلَّلَ فِطْرٌ بَيْنَ الصَّوْمِ فِي وَاحِدٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ سَلِمَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي سَلِمَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ سَلِمَ السَّادِسُ عَشَرَ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمٌ عَلَى كُلّ تَقْدِيرٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ صَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَالسَّابِعَ عَشَرَ تَمْثِيلٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ وَإِنَّمَا ضَابِطُ بَرَاءَتِهَا بِثَلَاثَةٍ أَنْ تَصُومَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ وَتُفْطِرَ الَّذِي يَلِيهِ ثُمَّ تَصُومَ يَوْمًا آخَرَ إمَّا الثَّالِثَ وَإِمَّا الْخَامِسَ عَشَرَ وَإِمَّا مَا بَيْنَهُمَا وَتُفْطِرَ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَصُومَ السَّابِعَ عَشَرَ فَهَذَا أَقْصَرُ

ص: 451

مُدَّةٍ يُمْكِنُ فِيهَا قَضَاءُ الْيَوْمِ وَلَهَا أَنْ تُؤَخِّرَ الصَّوْمَ الثَّالِثَ عَنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنَّهُ يَكُونُ الْمَتْرُوكُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ مِثْلَ مَا بَيْنَ صَوْمِهَا الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَأَقَلَّ فَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ لَمْ يُجْزِئْهَا لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ الصَّوْمَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ إلَّا يَوْمٌ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ فِي الثَّالِثِ وَابْتِدَاءِ حَيْضٍ آخَرَ فِي الثَّامِنِ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِحُصُولِ الشَّرْطِ وَلَوْ صَامَتْ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ السَّابِعَ عَشَرَ بَدَلَ الثَّامِنَ عَشَرَ جَازَ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ أَقَلُّ وَلَوْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ خَلَّلَتْ بَيْنَ

الصَّوْمَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَلَهَا أَنْ تَصُومَ الثَّالِثَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ السَّابِعَ عَشَرَ أَوْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَصُومَ السَّادِسَ عَشَرَ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَتْرُكَ شَيْئًا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْهُ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَنْقَطِعُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَتَفْسُدُ الثَّلَاثَةُ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَصَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ مَعَ يَوْمٍ بَيْنَهُمَا فَلَا يُجْزِيهَا لِأَنَّهَا إنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ الْخَامِسَ عَشَر اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الْخَامِسَ عشر فيفسد هو والاول ويفسد الاخير لطرآن الْحَيْضِ فِي نِصْفِهِ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّادِسَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَيَنْقَطِعُ فِي نِصْفِ السَّادِسَ عَشَرَ وَتَبْتَدِئُ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَإِنْ صَامَتْ مَعَ الطَّرَفَيْنِ السَّابِعَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ الِانْقِطَاعُ فِي نِصْفِ الثَّانِي وَالِابْتِدَاءُ فِي نِصْفِ السَّابِعَ عَشَرَ فَيَفْسُدُ الْجَمِيعُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي تَنْزِيلِ بَاقِي الصُّوَرِ أَمَّا إذَا صَامَتْ الثَّلَاثَةَ مِنْ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ أَوْ أَكْثَرَ فَصَامَتْ الطَّرَفَيْنِ وَيَوْمًا بَيْنَهُمَا فَلَا يَجْزِيهَا أَيْضًا وَتَنْزِيلُهُ ظَاهِرٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ نحو

ص: 452

مَا ذَكَرْتُهُ فَبَانَ أَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ يَوْمٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامِ وَأَنَّ أَقَلَّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ سَبْعَةَ عَشَرَ وَأَكْثَرُهُ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي طَرِيقِ صَوْمِ الْيَوْمِ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ مُتَأَخِّرِي الْأَصْحَابِ مِنْ الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَنَّ الشَّافِعِيِّ نَصَّ أَنَّهُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَر وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ قال الامام واجمع أئمتنا على أَنَّهُ حَسْبُ صَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا لَوْ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا اُحْتُمِلَ كَوْنُ الْيَوْمَيْنِ طَرَآ فِي حَيْضَتَيْنِ وَإِذَا أَفْطَرَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَا يُتَّجَهُ إلَّا مَعَ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ وَآخِرِهِ ابْتِدَاءً وَانْقِطَاعًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ مُوَافَقَةُ غَيْرِهِ فِي نَقْلِ النَّصِّ أَنَّهَا تَصُومُ يَوْمَيْنِ

ص: 453

بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ

الْحَاوِي عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ أَفْسَدَهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ وَأَفْسَدَهُ وَكَذَا أَفْسَدَهُ مَنْ حَكَاهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَهَذَا الْإِفْسَادُ بَنَوْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَيْسَ هُوَ بفاسد بل يكفيها يَوْمَانِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَلَا تُبَالِي بِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ نِصْفَ النَّهَارِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمَنْصُوصِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا علي قَوْلُ الِاحْتِيَاطِ تَبْنِي أَمَرَهَا عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ أَمَّا عَلَى اخْتِيَارِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى سَبْعَةٍ فَقَالَ الْإِمَامُ يَكْفِيهَا صَوْمُ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا سَبْعَةُ أَيَّامٍ قَالَ وَلَكِنْ وَإِنْ كَانَ هَذَا ظَاهِرًا مُنْقَاسًا فنحن نتبع الائمة ونفرع عَلَى تَقْدِيرِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي هَذَا الْفَرْعِ وَمَا قَبْلَهُ مُخْتَصَرٌ وَاضِحٌ جَامِعٌ يَسْهُلُ بِهِ مَعْرِفَةُ مَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ تَعَالَى وَيَتَّضِحُ بِهِ جُمَلٌ مِنْ قَوَاعِدِ صَوْمِهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

*

ص: 454

(فَرْعٌ)

فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَاتَّفَقَ جَمَاهِيرُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ عَلَى أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ضَعَّفَتْ الَّذِي عَلَيْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهِ يَوْمَيْنِ وَقَسَمَتْ الْجَمِيعَ نِصْفَيْنِ فَصَامَتْ نِصْفَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَنِصْفَهُ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَنَعْنِي بِالشَّهْرِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مَتَى شَاءَتْ ابْتَدَأَتْ وَلَمْ أَرَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَصْحَابِ خِلَافَ هَذَا إلَّا لِصَاحِبِ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيَّ فَأَنَا أَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ لِوُضُوحِهَا وَشُهْرَتِهَا وَخِفَّةِ الْكَلَامِ فِيهَا ثُمَّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ الْحَاوِي ثُمَّ الدَّارِمِيِّ وَأَخْتَصِرُ كُلَّ ذَلِكَ مَعَ الْإِيضَاحِ الَّذِي يَفْهَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الْجُمْهُورُ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ ضَعَّفَتْهُمَا وَضَمَّتْ إلَيْهِمَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةَ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا ثَلَاثَةً مَتَى شَاءَتْ ثم تفطر

ص: 455

تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ السَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ فَيَحْصُلُ يَوْمَانِ قَطْعًا لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي نِصْفِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَصَلَ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنَّ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّانِي حَصَلَ الْأَوَّلُ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي نِصْفِ الثَّالِثِ حَصَلَ الْأَوَّلَانِ وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي آخِرَ حَيْضَةٍ حَصَلَ الثَّالِثُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ضَعَّفَتْهَا وَضَمَّتْ إلَيْهَا يَوْمَيْنِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَةً فَتَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ

أَرْبَعَةً وَإِذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ صَامَتْ الْخَمْسَةَ الْأُولَى وَالْخَمْسَةَ الرَّابِعَةَ وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمَ خَمْسَةٍ صَامَتْ سِتَّةً أَوَّلًا ثُمَّ سِتَّةَ أَوَّلهَا السَّادِسَ عَشَرَ

*

ص: 456

وَإِنَّ أَرَادَتْ صَوْمَ سِتَّةٍ صَامَتْ سَبْعَةً ثُمَّ سَبْعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ سَبْعَةً صَامَتْ ثَمَانِيَةً ثُمَّ ثَمَانِيَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وهكذا نفعل فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَبْقَى يَوْمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ طَرِيقِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً يَحْصُلُ مِنْهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ ثُمَّ يَحْصُلُ الْبَاقِي بِطَرِيقِهِ السَّابِقِ وَهَذَا كُلُّهُ وَاضِحٌ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ صَامَتْ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ مَا عَلَيْهَا مُتَوَالِيًا مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَصَامَتْ مِثْلَهُ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَصَامَتْ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ مُتَّصِلَيْنِ بِالصَّوْمِ الْأَوَّلِ أَوْ بِالثَّانِي أَوْ غَيْرَ مُتَّصِلَيْنِ أَجْزَأَهَا وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهَا بِيَقِينٍ: هَذِهِ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ: أَمَّا

ص: 457

صَاحِبُ الْحَاوِي فَحَكَى عَنْ الْأَصْحَابِ حِكَايَةً غَرِيبَةً قَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً فِي الْأَوَّلِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةً أَوْ أَكْثَرَ فَكَذَلِكَ تَصُومُ الْقَدْرَ الَّذِي عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ مِثْلَ الَّذِي عَلَيْهَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَإِنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَعْلَمْ فَلَا يُجْزِيهَا فِي الْيَوْمَيْنِ إلَّا سِتَّةٌ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ ثُمَّ ذَكَرَ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ غَرِيبٌ جِدًّا وَمَعَ غَرَابَتِهِ هُوَ جَارٍ عَلَى قَوْلِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَإِنَّهَا

ص: 458

طَرِيقَةٌ حَسَنَةٌ بَدِيعَةٌ نَفِيسَةٌ بَلَغَتْ فِي التَّحْقِيقِ وَالتَّنْقِيحِ وَالتَّدْقِيقِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى جُمَلٍ مِنْ النَّفَائِسِ الْغَرِيبَاتِ وَالتَّنْبِيهَاتِ الْمُهِمَّاتِ اسْتَدْرَكَ فِيهَا عَلَى الْأَصْحَابِ أُمُورًا ضَرُورِيَّةً لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهَا وَبَسْطِهَا أَبْلَغَ بَسْطٍ

فَذَكَرَ فِي صِيَامِهَا يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً وَمَا بَعْدَهَا إلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَرِيبًا مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ مُجَلَّدٍ ضَخْمٍ وَفِيهَا مِنْ الْمُسْتَفَادَاتِ مَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُخْلَى هَذَا الْكِتَابُ مِنْ ذِكْرِ مَقَاصِدِهِ وَلَا يَلِيقُ بِطَالِبٍ تَحْقِيقُ بَابِ الْحَيْضِ بَلْ الْفِقْهِ مُطْلَقًا جَهَالَتُهُ وَالْإِعْرَاضُ عَنْهُ وَقَدْ أَفْرَدْتُ مُخْتَصَرَ ذَلِكَ فِي كَرَارِيسَ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَهُ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* قَالَ رحمه الله إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَتَابِعَيْنِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ ذلك تَصُومَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مُتَفَرِّقَيْنِ صَامَتْ ذَلِكَ بِثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مجتمعين فأقل ما يمكن تحصيلهما بِهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ كَمَا أَنَّ أَقَلَّ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْيَوْمُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ ضِعْفُهُ وَوَاحِدٌ فَكَذَا الْيَوْمَانِ ضِعْفُهُمَا وَوَاحِدٌ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ هَذِهِ الْخَمْسَةُ تِسْعَةَ عَشَرَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ

ص: 459

وَالتَّاسِعَ عَشَرَ وَيُخْلَى الرَّابِعُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ يَبْقَى بَيْنَهُمَا أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قسما بعد أَيَّامِ التَّخْيِيرِ فَهَذَا أَقَلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ تصوم منه الخمسة ونحن نريد فِي ذَلِكَ يَوْمًا إلَى الْحَدِّ الَّذِي هُوَ أَكْثَرُ الْمُمْكِنِ وَمَتَى قُلْنَا بَعْدَ هَذَا تَصُومُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَذَا فَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ الْأَوَّلُ فَمَا بَعْدَهُ مِمَّا يَلِيهِ مُتَوَالِيًا وَمُرَادُنَا بِهِ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ الْآخَرُ وَمَا قَبْلَهُ مِمَّا يَلِيهِ فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَمِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَرْبَعَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ فَيَحْصُلُ فِي ذَلِكَ عَشَرَةُ أَقْسَامٍ بَعْدَ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَإِنْ شَاءَتْ عَكَسَتْ فَنَقَلَتْ الصَّوْمَ وإلا خلا مِنْ طَرَفٍ إلَى طَرَفٍ فَيَحْصُلُ عِشْرُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ فِي الْأَوَّلِ وَعَشَرَةٌ فِي عَكْسِهِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ كُلِّ طَرْفٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرْفٍ بَعْدَ الرَّابِعِ يَبْقَى عَشْرَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَاضْبُطْ هَذَا الْمَوْضِعَ وَاعْلَمْ أَنَّ كُلَّ قِسْمٍ يَكُونُ الصوم وإلا خلا فِي طَرَفٍ كَمَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ لَا ينعكس ومتى خالف طرفا طرفا في شئ من الصوم والا خلا أَوْ الصَّوْمِ خَاصَّةً انْعَكَسَ بِالْبَدَلِ وَهُوَ أَنْ تَجْعَلَ مَا فِي كُلِّ طَرَفٍ فِي الْآخَرِ فَحَصَلَ فِي طَرِيقِ صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ ثَلَاثُونَ قِسْمًا عَشَرَةٌ

انْعَكَسَتْ وَعَشَرَةٌ لَمْ تَنْعَكِسْ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ يَبْقَى بَيْنَ ذَلِكَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَلَهَا أَنْ تُبَدِّلَ مَا فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ فَيَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ قِسْمًا وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الصَّوْمَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَهَذِهِ تِسْعَةُ أَقْسَامٍ وَلَا تنعكس لتساوي الصوم وإلا خلا

ص: 460

فِي كُلِّ طَرَفٍ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْخَمْسَةَ تَبْقَى تِسْعَةٌ تَصُومُ أَيُّهَا شَاءَتْ وَهَذَا الْقِسْمُ ينعكس لاختلاف اليوم والاخلا وان شاءت صامت من كل طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ يَوْمًا وَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِ الْأَحَدَ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعَةٌ وَخَمْسُونَ قِسْمًا

* أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طرف الأول والثالث ومن طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ تَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ يَوْمًا مِنْهَا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ يَبْقَى ثَمَانِيَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَلَهَا الْعَكْسُ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالرَّابِعِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّادِسِ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً تَلِي الْأَرْبَعَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْعَكْسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يومين ومن كُلِّ طَرَفٍ ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا يَنْعَكِسُ لِلِاخْتِلَافِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ وَهَذَا لَا يَنْعَكِسُ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ ثَمَانُونَ أَمَّا إذَا ارادت تحصيل يومين بخسمة مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ وَمِنْ طَرَفِ الْأَوَّلِ وَالسَّابِعِ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ يَبْقَى

بَيْنَهُمَا سَبْعَةٌ تَصُومُ مِنْهَا يَوْمًا وَيَنْقَسِمُ هَذَا الْيَوْمُ بِحَسْبِ مَا سَبَقَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةُ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ كِتَابِ الدَّارِمِيِّ مُفَصَّلَةً أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ ثُمَّ تَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ بِحَسْبِ مَا مَضَى فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَيَنْقَسِمُ كَمَا سَبَقَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ

ص: 461

بِخَمْسَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّانِي عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي عَشَرَةَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمَيْنِ تَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَعَشَرَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَحَدَ عَشَرَ تَلِي الثَّلَاثَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الباقي بينهما وهو متعين في جميع أقسام التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ تَخْيِيرٌ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ التِّسْعَةِ وَالْعِشْرِينَ فَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ قِسْمًا فَجَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي صَوْمِ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ جُمْلَةِ تِسْعَةَ عَشَرَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَلْفُ قِسْمٍ وَقِسْمٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ بِخَمْسَةٍ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَلَا يَصِحُّ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِصَوْمِ الْيَوْمَيْنِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

* (فَرْعٌ)

فِي صِيَامِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ طَرِيقَةَ الْجُمْهُورِ فِي صَوْمِ الثَّلَاثَةِ أَنْ تُضَعِّفَهَا وَتُزِيدَ

يَوْمَيْنِ فَتَصِيرُ ثَمَانِيَةً تَصُومُ أَرْبَعَةً وَتُفْطِرُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَصُومُ أَرْبَعَةً أَوَّلُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَسَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْحَاوِي نَقَلَ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَصُومُ ثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَثَلَاثَةً فِي أَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ وَأَمَّا طَرِيقَةُ الدَّارِمِيِّ فَبَسَطَهَا بَسْطًا لَمْ يَبْلُغْ أَحَدٌ قَرِيبًا مِنْهُ فِي مَسْأَلَةٍ فَبَلَغَ بِهَا نَحْوَ ثَمَانِ كَرَارِيسَ وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا بَيَانُ صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَأَتَى فِيهَا مِنْ الْعَجَائِبِ وَالتَّدْقِيقَاتِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُشِيرُ هُنَا إلَى بَعْضٍ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَقَدْ سَبَقَ طَرِيقُ بَسْطِهِ

* قَالَ الدَّارِمِيُّ رحمه الله

* إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ مُتَوَالِيَةً فَيَحْصُلُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تُفْرِدَ كُلَّ يَوْمٍ صَامَتْ تِسْعَةَ أَيَّامٍ كُلُّ ثَلَاثَةٍ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ كَمَا سَبَقَ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وَإِنْ أَرَادَتْ أَنْ تَصُومَ يَوْمَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ وَيَوْمًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ جَازَ وَحَصَلَ الثَّلَاثَةُ بِثَمَانِيَةٍ الْيَوْمَانِ بِخَمْسَةٍ وَالْيَوْمُ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْ الثَّلَاثَةَ بِحُكْمٍ مُفْرَدٍ كَمَا صَامَتْ الْيَوْمَيْنِ بِحُكْمٍ مفرد فأقل

ص: 462

مَا تَحْصُلُ بِهِ الثَّلَاثَةُ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَأَقَلُّ مَا يَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ السَّبْعَةُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَتُخَلِّي مِمَّا يَلِي كُلَّ خَمْسَةٍ يَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَالْأَقْسَامُ تِسْعَةٌ بِعَدَدِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ وَلَهَا أَنْ تَزِيدَ فِي عَدَدِ الْأَيَّامِ الَّتِي تَصُومُ السَّبْعَةَ مِنْهَا كَمَا كَانَ لَهَا ذَلِكَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ فَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السِّتَّةَ وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ أَوْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْعِشْرِينَ أَرْبَعُونَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ سَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ والسادس من طرف والاول وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ مِائَةً وَخَمْسَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ ثَلَاثَةٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ

وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتَبْلُغُ أَقْسَامُهُ مِائَتَيْنِ وَعَشَرَةَ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ قِسْمًا أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ كَثِيرَةٌ تَبْلُغُ خَمْسَمِائَةِ قِسْمٍ وَأَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ أَوْضَحْتُهَا فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ والحادي عشر

ص: 463

مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يلى الاحد عشر وتصوم ويوما مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالسَّادِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَلَهُ أَقْسَامٌ تَبْلُغُ سِتَّمِائَةِ قِسْمٍ وَثَلَاثِينَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَمَانِيَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ سِتُّمِائَةٍ وَسِتُّونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً تَلِي الْخَمْسَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ بَيْنَهُمَا وَهُوَ مُتَعَيِّنٌ وَإِنْ شَاءَتْ أَبْدَلَتْ الْأَقْسَامَ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا فَتَصِيرُ جَمِيعُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِسَبْعَةٍ مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً بِسَبْعَةٍ مِنْ ثَلَاثِينَ فَأَكْثَرَ فَلَا يَصِحُّ

[فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وان أرادتها متفرقة يَوْمًا فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي صَوْمِ الْيَوْمِ وان أَرَادَتْ صِيَامَهَا يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَعَلَتْ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مُتَوَالِيَةً وَيَوْمًا فَرْدًا فَعَلَتْ فِي الثَّلَاثَةِ مَا سَبَقَ فِيهَا وَفِي الْيَوْمِ مَا بَيَّنَّاهُ فِيهِ وَكَذَلِكَ كُلَّمَا أَرَادَتْ صِيَامَ أَيَّامٍ فَلَهَا تَفْرِيقُهَا وَصَوْمُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا وَلَهَا صَوْمُهَا على مَا نَذْكُرهُ فِيهَا فَإِنْ أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الدَّارِمِيِّ فَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ بِهِ صَوْمُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ضِعْفُهَا وَوَاحِدٌ كَمَا سَبَقَ فِي الْيَوْمِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ هَذِهِ التِّسْعَةُ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا يَلِي السَّبْعَةَ فِيهِمَا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ فَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ الْأَرْبَعَةِ بِتِسْعَةٍ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمَيْنِ يَلِيَانِ السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّمَانِيَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ اثْنَانِ وأربعون قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ

ص: 464

وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي التِّسْعَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ مِائَةٌ وَأَرْبَعُونَ أَمَّا إذا ارادت تحصل أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي أَرْبَعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الْعَشَرَةَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ ثَلَثُمِائَةٍ وَسِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي خَمْسَةً تَلِي السبعة وَيَوْمًا يَلِي الْأَحَدَ عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتُّمِائَةٍ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ أَرْبَعَةً بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سِتَّةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الِاثْنَيْ

عَشَرَ وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سَبْعُمِائَةٍ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا أَمَّا إذَا أَرَادَتْ تَحْصِيلَ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَتُخَلِّي سَبْعَةً تَلِي السَّبْعَةَ وَيَوْمًا يَلِي الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَتَصُومُ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ تِسْعُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ قِسْمًا فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ أَرْبَعَةٍ بِتِسْعَةٍ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسَبْعَةُ أَقْسَامٍ

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ إنْ أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَوَالِيَةً صَامَتْ أَحَدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُفَرَّقَةً صَامَتْهَا عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا قَبْلَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ صومها على قياس مامضي صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْأَبْدَالُ وأقسامه ستة وثلاثون أن أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ

ص: 465

وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَثَلَاثُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَأَخْلَتْ أَرْبَعَةً ويوما وصامت يوما من اليومين الباقبين وَجُمْلَةُ أَقْسَامِهِ ثَلَثُمِائَةٍ وَأَرْبَعَةٌ وَثَلَاثُونَ قِسْمًا وَإِنْ أَرَادَتْ الْخَمْسَةَ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ خَمْسَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَسَبْعُونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ خَمْسَةٍ بِأَحَدَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تِسْعُمِائَةٍ وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ قِسْمًا

*

[فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سِتَّةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْهَا مُتَفَرِّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَأَقَلُّ مَا تَحْصُلُ مِنْهُ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّادِسَ وَالثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَالثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمًا وَصَامَتْ يوما من اليومين الباقيين ولها الأبدال وأقسامه اثْنَانِ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ السِّتَّةَ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَالْأَوَّلَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ فَجُمْلَةُ الْأَقْسَامِ فِي تَحْصِيلِ سِتَّةٍ بِثَلَاثَةَ عَشَرَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَحَدٌ وَتِسْعُونَ قِسْمًا

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا سَبْعَةَ أَيَّامٍ: إنْ أَرَادَتْهَا مُتَوَالِيَةً صَامَتْ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ ارادتها

ص: 466

مُفَرَّقَةً فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَإِنْ أَرَادَتْهَا عَلَى قِيَاسِ مَا مَضَى صَامَتْ ضِعْفَهَا وَوَاحِدًا وَذَلِكَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَحْصُلُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالثَّالِثَ وَالْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالتَّاسِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَأَخْلَتْ يَوْمًا وَيَوْمًا وَصَامَتْ الْيَوْمَ الْبَاقِيَ وَهَذَا النَّوْعُ قِسْمٌ وَاحِدٌ فَلَا تَصِحُّ سَبْعَةٌ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا أَكْثَرَ مِنْهَا

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ: أَقَلُّ مَا يَكْفِيهَا لِلثَّمَانِيَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا يَصِحُّ مِنْهُ ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ أَيُّهَا شَاءَتْ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْهَا بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ ثَمَانِيَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَكَذَا إنْ أَرَادَتْهَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ وَلَهَا الْإِبْدَالُ

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا تِسْعَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ تِسْعَةً مِنْ كُلِّ

طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ

* [فَرْعٌ] فِي صِيَامِهَا عَشْرَةً: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ مِنْ سِتَّةٍ وعشرون فَتَصُومُ عَشَرَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ فِي السِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا سَبَقَ

* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَحَدَ عَشَرَ: أقل ما نصح مِنْهُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ أَحَدَ عَشَرَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ

* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا اثْنَيْ عَشَرَ: أَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ سِتَّةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ اثْنَيْ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ

* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ: تَصُومُهَا بِثَمَانِيَةَ وَعِشْرِينَ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَصُومُ ثَلَاثَةَ

ص: 467

عَشَرَ فِي كُلِّ طَرَفٍ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُ مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ

* [فَرْعٌ] فِي صَوْمِهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ: لَا يَحْصُلُ إلَّا بِثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً فَإِنْ زَادَ صَوْمُهَا عَلَى أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَعَلَتْ فِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَا ذَكَرْنَا وَفِيمَا دُونَهَا مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ اعلم

* [فصل] فِي صَوْمِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَوْمًا مُتَتَابِعًا لِنَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةِ قَتْلٍ أَوْ جِمَاعٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَالتَّفْرِيعُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الشَّهْرِ إلَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ صَامَتْ مِائَةً وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا مُتَوَالِيَةً لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا مِنْ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةٌ وَخَمْسُونَ وَمِنْ عِشْرِينَ الْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ وَلَا يَنْقَطِعُ التتابع بالحيض المختلل وَإِنْ أَرَادَتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ صَامَتْ ثَلَاثِينَ مُتَوَالِيَةً وَإِنْ أَرَادَتْ يَوْمَيْنِ صَامَتْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً صَامَتْ تِسْعَةَ عَشَرَ وَإِنْ أَرَادَتْ اربعة فعشرين أو خمسة فاحدا وَعِشْرِينَ

وَعَلَى هَذَا وَإِنْ أَرَادَتْ صَوْمًا مُتَتَابِعًا وَأَرَادَتْ تَخْلِيلَ فِطْرٍ بَيْنَهُ صَامَتْ ذَلِكَ الْقَدْرَ مُتَوَالِيًا ثُمَّ صَامَتْهُ مَرَّةً أُخْرَى قَبْلَ السَّابِعَ عَشَرَ ثُمَّ مَرَّةً أُخْرَى مِنْ السَّابِعَ عَشَرَ فإذا ارادت يومين متتابعتين صَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ثُمَّ تَصُومُ السَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَتَصُومُ بَيْنَهُمَا يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ وَخَالَفَهُمْ الدَّارِمِيُّ وَبَسَطَ طَرِيقَتَهُ بَسْطًا مُنْتَشِرًا فَأَنَا أُلَخِّصُ مَقَاصِدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِسِتَّةٍ مِنْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ فِي أَوَّلِ الثَّمَانِيَةِ عَشَرَ وَيَوْمَيْنِ فِي آخِرِهَا وَأَخْلَتْ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمًا وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَفِي ذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ قِسْمًا أَقَلُّ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ الْمُخَيَّرِ فِيهَا بِيَوْمٍ وَهَذَا أَصْلٌ لِكُلِّ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَصُومُهُمَا مِنْ جُمْلَةِ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ لِأَنَّهَا تَصُومُ من ايام التخيير الاول والثانى أو الثاني وَالثَّالِثَ أَوْ الثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا فَيَنْقُصُ مِنْ عَدَدِ الْأَيَّامِ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْ صِيَامَهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ تِسْعَةَ عَشَرَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ يَلِيَانِهِ وَتَصُومُ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ فَتَكُونُ أَقْسَامُهُ عَشَرَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا بِسِتَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ لِكُلِّ طَرَفٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ وَإِنْ

ص: 468

أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَرْبَعَةً وَأَرْبَعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ أَيْضًا مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَسِتَّةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السَّبْعَةِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ السِّتَّةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَمَانِيَةً وَثَمَانِيَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ عَشَرَةً وَعَشَرَةً وَصَامَتْ يَوْمَيْنِ مِنْ الثَّلَاثَةِ وَلَهُ قِسْمَانِ وَإِنَّ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ أَحَدَ عَشَرَ وَأَحَدَ عَشَرَ وَصَامَتْ الْيَوْمَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَمْ يَكُنْ إلَّا بِزِيَادَةٍ فِي الصَّوْمِ لِأَنَّهَا تَحْتَاجُ أَنْ تُخَلِّيَ

اثْنَيْ عَشَرَ وَاثْنَيْ عشر فلا يبقى بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ مِنْهُ مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ أَنْ

ص: 469

تَصُومَ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ يَوْمَيْنِ وَتُخَلِّيَ فِي كل طرف احدى عَشَرَ وَتَصُومَ الثَّلَاثَةَ الْبَاقِيَةَ وَإِنْ أَرَادَتْهُمَا مِنْ ثَلَاثِينَ فَعَلَتْ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ إلَّا أَنَّهَا تَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةَ عَشَرَ تَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ الثَّلَاثَةَ مُتَتَابِعَةً مِنْ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ تِسْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ أَيَّامِ التَّخْيِيرِ بِيَوْمَيْنِ وَإِنْ أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ عِشْرِينَ صَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَأَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ وَصَامَتْ ثَلَاثَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَمَانِيَةٌ وَاَلَّذِي أَرَاهُ اخْتِصَارُ الْعِبَارَةِ فَقَدْ وَضَحَ الطَّرِيقُ وَعُلِمَ أَنَّهَا تَصُومُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ الْأَيَّامَ الَّتِي تُرِيدُهَا وَتَصُومُهَا مَرَّةً ثَالِثَةً مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بَعْدَ الْإِخْلَاءِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْإِخْلَاءَ يَكُونُ مِنْ كُلِّ طَرَفٍ بِقَدْرِ مَا أُخْلِيَ مِنْ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَعُلِمَ أَيْضًا أَنَّ الْأَقْسَامَ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِالْقَدْرِ الَّذِي نَذْكُرُهُ فِي أَوَّلِ كُلِّ فَصْلٍ فَالْأَقْسَامُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ الْبَاقِيَةِ بِيَوْمَيْنِ فَنَقْتَصِرُ بَعْدَ هَذَا عَلَى ذِكْرِ الْإِخْلَاءِ مِنْ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَإِذَا أَرَادَتْ ثَلَاثَةً مِنْ أَحَدَ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ ثَلَاثَةً وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ وَإِذَا أَرَادَتْهَا مِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ سِتَّةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي خَمْسَةً وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سِتَّةً وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي سَبْعَةً وَأَقْسَامُهُ

ص: 470

ثَلَاثَةٌ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَمَانِيَةً وَلَهُ قِسْمَانِ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي تِسْعَةً وَلَهُ قِسْمٌ وَاحِدٌ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ ثَلَاثَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي تِسْعَةً وَتِسْعَةً وَتَصُومُ الْأَرْبَعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ صَوْمَ أَرْبَعَةٍ مُتَتَابِعَةٍ فَتَصِحُّ بِصَوْمِ اثْنَيْ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ عِشْرُونَ فَتَصُومُ فِي كُلِّ طَرَفٍ أَرْبَعَةً وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ أَرْبَعَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ سَبْعَةٌ أَقَلُّ مِنْ الْأَيَّامِ بِثَلَاثَةٍ وَإِنْ أَرَادَتْهَا مِنْ أَحَدٍ وَعِشْرِينَ أَخْلَتْ يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ سِتَّةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ سِتَّةً وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ

سَبْعَةً وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتُخَلِّي سَبْعَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ خَمْسَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا وَيَوْمًا وَتَصُومُ خَمْسَةً مِنْ التِّسْعَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ خَمْسَةٌ وَمِنْ اثْنَيْنِ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَأَقْسَامُهُ أَرْبَعَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي ثَلَاثَةً وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةً وَتَصُومُ الْخَمْسَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةِ صَوْمٍ فَتَصُومُ خَمْسَةً فِي كُلِّ طَرَفٍ وتخلي خمسة في كل طَرَفٍ وَتَصُومُ السِّتَّةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ

ص: 471

تَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ وَمِنْ ثلاثين الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سِتَّةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِصَوْمِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ اثْنَانِ وَعِشْرُونَ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي يَوْمًا مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ الثَّمَانِيَةِ الْبَاقِيَةِ وَأَقْسَامُهُ ثَلَاثَةٌ وَمِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ تُخَلِّي يَوْمَيْنِ وَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلَاثَةً وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِزِيَادَةٍ فَتَصُومُ سِتَّةً مِنْ كُلِّ طَرَفٍ وَتُخَلِّي ثَلَاثَةً وَتَصُومُ السَّبْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ تَصُومُ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ سَبْعَةً مُتَتَابِعَةً فَتَصِحُّ بِأَحَدٍ وَعِشْرِينَ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَعِشْرِينَ وَلَا يَحْصُلُ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا فَتَصُومُ مِنْ كل طرف سبعة ونخلي يوما ويوما وتصوم السبعة الباقية فان ارادتها مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ صَامَتْ الثَّمَانِيَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ التِّسْعَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سِتَّةٍ وَعِشْرِينَ الْعَشَرَةَ الْبَاقِيَةَ وَمِنْ سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ الْأَحَدَ عَشَرَ وَمِنْ ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ الِاثْنَيْ عَشَرَ وَمِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَمِنْ ثَلَاثِينَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةَ أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَمَانِيَةً مُتَتَابِعَةً فَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ مُتَتَابِعٍ وَكَذَا مَا زَادَ فَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَأَقَلُّ مَا تَصِحُّ مِنْهُ تِسْعَةٌ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَصْلٌ] فِي تَحْصِيلِ الْمُتَحَيِّرَةِ صَلَاةً أَوْ صَلَوَاتٍ مَقْضِيَّاتٍ أَوْ مَنْذُورَاتٍ وَهَذَا الَّذِي نذكره فيه

ص: 472

تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُصَنِّفِ وَالشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ وَالْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَنَّهَا إذَا صَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ مِنْهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفَسَدَ سِتَّةَ عَشَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ يَجْرِي عَلَى قِيَاسِ قَضَاءِ الصوم فإذا ارادت صلاة واحدة مقضية أَوْ مَنْذُورَةً أَوْ نَحْوَهَا صَلَّتْهَا مَتَى شَاءَتْ بِغُسْلٍ ثُمَّ أَمْهَلَتْ زَمَانًا يَسَعُ الْغُسْلَ وَتِلْكَ الصَّلَاةَ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ وَلَهَا تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ وَغُسْلُهَا إلَى آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ حِينِ بَدَأَتْ بِالْأُولَى ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُعِيدُهَا بِغُسْلٍ آخَرَ مَرَّةً ثَالِثَةً قَبْلَ تَمَامِ شَهْرٍ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى وَيُشْتَرَطُ أَلَّا تُؤَخِّرَ الثَّالِثَةَ عَنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ بَيْنَ آخِرِ الْأُولَى وَأَوَّلِ الثانية وَلَهَا أَنْ تُنْقِصَهُ عَنْ قَدْرِ الْإِمْهَالِ إنْ كَانَ إمْهَالًا طَوِيلًا بِشَرْطٍ أَلَّا يَنْقُصَ عَنْ قَدْرِ أَقَلِّ الْإِمْهَالِ وَهُوَ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَغُسْلَهَا فَلَوْ اغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْ ثُمَّ أَمْهَلَتْ إلَى أَوَّلِ الْيَوْمِ الثَّانِي فَاغْتَسَلَتْ وَصَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ الثَّالِثَةَ بِغُسْلِهَا بَعْدَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ قَدْرُ الصَّلَاةِ الْأُولَى وَغُسْلِهَا وَلَهَا ذَلِكَ فِي أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ عَنْ أَوَّلِ السَّابِعَ عَشَرَ وَإِنْ صَلَّتْ الثَّانِيَةَ فِي أَوَّلِ الْعَاشِرِ فَلَهَا فِعْلُ الثَّانِيَةِ بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِهَا وَغُسْلِهَا مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَوَّلِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ وَلَا يَجُوزُ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَصَوْمِ يَوْمٍ فِي هَذَا إلَّا أَنَّ الصَّوْمَ يَسْتَوْعِبُ يَوْمًا فَيَكُونُ الْإِمْهَالُ الْأَوَّلُ يَوْمًا فَأَكْثَرَ وَالصَّلَاةُ تَحْصُلُ فِي لَحْظَةٍ فَكَفَى الْإِمْهَالُ بِقَدْرِهَا وَهَذَا الامهال شرط لابد مِنْهُ فَلَوْ أَخَلَّتْ بِهِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ لم يجزها

ص: 473

الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا إنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الْأَوَّلَ وَصَلَّتْ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ مُتَّصِلَةً بِالْأُولَى اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ وَإِنْ تَرَكَتْ الْإِمْهَالَ الثَّانِي فَصَلَّتْ الثَّالِثَةَ مُتَّصِلَةً بِالْخَمْسَةَ عَشَرَ اُحْتُمِلَ انْقِطَاعُ الْحَيْضِ فِي الْأُولَى وَابْتِدَاؤُهُ فِي الثَّالِثَةِ هَذَا حُكْمُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ

* فَإِنْ أرادت صلوات فهي مخيرة بين طريقين إحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَتُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَتَفْعَلُهُنَّ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مُتَوَالِيَاتٍ وَتَغْتَسِلُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلصَّلَاةِ الْأُولَى وَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْبَاقِيَاتِ

وَسَوَاءٌ اتفقت الصلوت أَمْ اخْتَلَفَتْ وَيُشْتَرَطُ مِنْ الْإِمْهَالِ مَا سَبَقَ في الصلاة الواحدة

* ويكون مجموع الصلوت كَالْوَاحِدَةِ فَتُمْهِلُ بَعْدَ فِعْلِهِنَّ زَمَانًا يَسَعُهُنَّ كُلَّهُنَّ مع الغسل والوضوآت وَالطَّرِيقُ الثَّانِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَخَفُّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ كَمِائَةِ صُبْحٍ ضَعَّفَتْهُنَّ وَزَادَتْ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ قَسَمَتْ الْجُمْلَةَ نِصْفَيْنِ فَصَلَّتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ مِائَةَ صُبْحٍ وَصُبْحًا مُتَوَالِيَاتٍ ثُمَّ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسِ عَشَرَ مِائَةً وَصُبْحًا وَيَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مِنْ الْجَمِيعِ غُسْلٌ جَدِيدٌ بِخِلَافِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ فَإِذَا فَعَلَتْ هَذَا حَصَلَ لَهَا مِائَةُ صُبْحٍ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ قُدِّرَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضِ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى فَسَدَ مَا أَتَتْ بِهِ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَانْقَطَعَ فِي نِصْفِ الصُّبْحِ الْأُولَى مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَيَبْقَى بَعْدَهَا مِائَةٌ وَإِنْ بَدَأَ فِي الصَّلَاةِ الْمُوَفِّيَةِ مِائَةً مِنْ الْأُولَى وَانْقَطَعَ فِي الموفية مائة من السادس عشر وحصل تِسْعٌ وَتِسْعُونَ فِي الْأَوَّلِ مَعَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ بَدَأَ فِي الْمُوَفِّيَةِ عِشْرِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ غَيْرَهَا انْقَطَعَ فِي مِثْلِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَحْصُلُ تَمَامُ المائة مما

ص: 474

قَبْلَ ابْتِدَائِهِ وَبَعْدَ انْقِطَاعِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ زَمَنُ جُمْلَةِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ فِي الْأَوَّلِ مِثْلَ زَمَنِهَا فِي السَّادِسَ عَشَرَ وَلَا يُشْتَرَطُ ضَبْطُ أَزْمِنَةِ أَفْرَادِ الْأَغْسَالِ وَالصَّلَوَاتِ هَذَا إذَا كَانَتْ الصَّلَوَاتُ مُتَّفِقَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا بِأَنْ أَرَادَتْ عِشْرِينَ صُبْحًا وَعِشْرِينَ ظُهْرًا وَعِشْرِينَ عَصْرًا وَعِشْرِينَ مَغْرِبًا وَعِشْرِينَ عِشَاءً فَهَذِهِ الصُّوَرُ تُخَالِفُ صُورَةَ الْمُتَّفِقَاتِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إذَا قُدِّرَ فَسَادُ صَلَاةٍ بِانْقِطَاعِ الْحَيْضِ احْتَمَلَ ذَلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ مِنْ الْأَجْنَاسِ الْخَمْسَةِ فَكُلُّ جِنْسٍ يَحْتَمِلُ بُطْلَانَ صَلَاتَيْنِ مِنْهُ فَيَجِبُ لِهَذَا الِاحْتِمَالِ أَنْ تَزِيدَ عَلَى الضِّعْفِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ فَتُصَلِّي مِائَةَ صَلَاةٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ عِشْرِينَ وَتُرَتِّبُ الْأَجْنَاسَ فَتَبْدَأُ بِالصُّبْحِ مَثَلًا ثُمَّ تُصَلِّي بَعْدَ الْمِائَةِ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ صَلَوَاتٍ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ صَلَاتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ مِنْ أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ زَمَانًا يَسَعُ صَلَاةً ثُمَّ تُعِيدُ الْمِائَةَ مِنْ الْأَجْنَاسِ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ فَتَبْرَأُ مِمَّا عَلَيْهَا بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى انْقَطَعَ فِي سَاعَةِ الْإِمْهَالِ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ فَتَحْصُلُ الْمِائَةُ بَعْدَهَا وَإِنْ انقطع الحيض في الصلاة الاول حَصَلَ بَعْدَهَا تِسْعٌ وَتِسْعُونَ وَحَصَلَتْ الْمُوَفِّيَةُ مِائَةً مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَإِنْ انْقَطَعَ فِي الصُّبْحِ الثَّالِثَةِ فِي الْأَوَّلِ عَادَ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ فَحَصَلَ لَهَا مِنْ الْأَوَّلِ مِائَةٌ إلَّا ثَلَاثَةَ أَصْبَاحٍ وَحَصَلَ صُبْحَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْمُتَوَسِّطَةِ وَصُبْحٌ مِنْ الْمَفْعُولَاتِ السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَعُودُ فِي الصُّبْحِ الثَّانِيَةِ وَلَمْ نَقُلْ فِي الثَّالِثَةِ بِسَبَبِ سَاعَةِ الْإِمْهَالِ وَعَلَى هذا التنزيل تخريج بَاقِي التَّقْدِيرَاتِ وَهَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ مِنْ سَاعَةِ الامهال في أول السادس عشر لابد مِنْهُ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُمْهِلْ بَلْ صَلَّتْ فِي أَوَّلِ السَّادِسَ عَشَرَ بَقِيَ عَلَيْهَا صَلَاةٌ لِاحْتِمَالِ ابْتِدَاءِ الْحَيْضِ فِي الصَّلَاةِ الْأُولَى وَانْقِطَاعِهِ فِي الْأَوَّلِ وَفِي السَّادِسَ عَشَرَ وَيَبْقَى ذَلِكَ مِائَةً إلَّا صَلَاةً فَلَوْ فَعَلَتْ هَذَا لَزِمَهَا إعَادَةُ صُبْحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* ‌

(فَصْلٌ فِي طَوَافِ الْمُتَحَيِّرَةِ)

* قَالَ أَصْحَابُنَا فِعْلُ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَصَوْمُ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ وَفِعْلُ الطَّوَافِ سَوَاءٌ فَفِي الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ إذَا أَرَادَتْ وَاحِدًا مِنْهَا فَطَرِيقُهَا أَنْ تَفْعَلَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ بِشَرْطِ الْإِمْهَالِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ في الصوم

ص: 475

وَالصَّلَاةِ وَجَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ التقديرات يجئ مِثْلُهُ فِي الطَّوَافِ حَرْفًا حَرْفًا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا أَوْ عَدَدًا اغْتَسَلَتْ وَطَافَتْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَتُصَلِّي مَعَ كُلِّ طَوَافٍ رَكْعَتَيْهِ فَكُلُّ طَوَافٍ مَعَ رَكْعَتَيْهِ وَغُسْلِهِ كَصَلَاةٍ مَعَ غُسْلِهَا فَتَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ قَدْرًا يَسَعُ مِثْلَ طَوَافِهَا وَغُسْلِهِ وَرَكْعَتَيْهِ ثُمَّ تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَانِيَةً ثُمَّ تُمْهِلُ حتى يمضى تمام خمسة عشرة يَوْمًا مِنْ أَوَّلِ اشْتِغَالِهَا بِغُسْلِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ وَتُمْهِلُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لَحْظَةً تَسَعُ الْغُسْلَ وَالطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ وَيَكُونُ قَدْرَ الْإِمْهَالِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَطُوفُ وَتُصَلِّي رَكْعَتَيْهِ مَرَّةً ثَالِثَةً وَالْغُسْلُ وَاجِبٌ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِلطَّوَافِ وَأَمَّا الرَّكْعَتَانِ فان قلناهما سُنَّةٌ كَفَى لَهُمَا غُسْلُ الطَّوَافِ وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَتَانِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ لِلصَّلَاةِ وُضُوءٌ لَا تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ تَجْدِيدُ غُسْلٍ وَلَا وُضُوءٍ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِلطَّوَافِ كَجُزْءٍ مِنْهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالثَّالِثُ يَجِبُ تَجْدِيدُ الْغُسْلِ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِنَّ الْغُسْلَ لِلرَّكْعَتَيْنِ لَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ طَاهِرًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَهُ فَغُسْلُ الْحَائِضِ بَاطِلٌ

وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا حَالَ الطَّوَافِ ثُمَّ طَهُرَتْ فَالطَّوَافُ بَاطِلٌ فَلَا تَصِحُّ رَكْعَتَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجِبُ تَجْدِيدُهُ لِلرَّكْعَتَيْنِ وَإِنَّمَا اُشْتُهِرَ الْخِلَافُ فِي الْوُضُوءِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي الطَّوَافِ وَقَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ كِبَارِ الْمُتَقَدِّمِينَ إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا أَتَتْ بِهِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا عَنْ أَصْحَابِنَا ثُمَّ قَالَ وهذا غلط لاحتمال وقوعهما في حيضين وَبَيْنَهُمَا طُهْرٌ قَالَ وَلَكِنْ تَطُوفُ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ حِينِ شَرَعَتْ فِي الطَّوَافِ ثُمَّ تَطُوفُ ثَانِيًا وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ الَّذِي قَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ حُذَّاقِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهَا تَطُوفُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَدْ أَطْبَقَ عَلَيْهِ مُتَأَخِّرُو الْخُرَاسَانِيِّينَ وَوَافَقَهُمْ مِنْ كِبَارِ الْعِرَاقِيِّينَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بَعْدَ تَخْطِئَتِهِمَا الْأَصْحَابَ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى طَوَافَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ تَعْمَلُ فِي طَوَافِهَا فَظَاهِرُهُ أَنَّهَا إذَا أَرَادَتْ طَوَافًا وَاحِدًا طَافَتْهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَتَطُوفُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ تُمْهِلُ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَطُوفُ مَرَّتَيْنِ كَمَا ذَكَرَ هُوَ

ص: 476

فِي صَوْمِ الْيَوْمِ الْوَاحِدِ أَنَّهَا تَصُومُهُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا فِي الطَّوَافِ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ فُرُوعِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهَذَا صَحِيحٌ لَكِنْ لَيْسَ هو مُتَعَيِّنًا بَلْ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثٍ جَائِزٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(فَصْلٌ فِي مَسَائِلِ ذَكَرَهَا صَاحِبُ الْبَحْرِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُتَحَيِّرَةِ)

* (إحْدَاهَا) لَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ خَلْفَ الْمُتَحَيِّرَةِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهَا لِاحْتِمَالِ مُصَادَفَةِ الْحَيْضِ فَأَشْبَهَ صَلَاةَ الرَّجُلِ خَلْفَ خُنْثَى وَلَيْسَ كَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُشَكُّ فِي حَدَثِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ هُنَاكَ الطَّهَارَةُ: (الثَّانِيَةُ) صَلَّتْ مُتَحَيِّرَةٌ خَلْفَ مُتَحَيِّرَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهَا (الثَّالِثَةُ) وَطِئَ الْمُتَحَيِّرَةَ زَوْجُهَا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَهُمَا صَائِمَانِ وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْكَفَّارَةُ لِلْجِمَاعِ لَا يَلْزَمُهَا هُنَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالْأَصْلُ بَرَاءَتُهَا: (الرَّابِعَةُ) أَفْطَرَتْ مُتَحَيِّرَةٌ لِإِرْضَاعِ وَلَدِهَا وَقُلْنَا يَلْزَمُ الْمُفْطِرَةَ لِلْإِرْضَاعِ فِدْيَةٌ فَلَا يَلْزَمُ الْمُتَحَيِّرَةَ عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ

(الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَوْمِ يَوْمٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَقْضِيهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَلَوْ صَامَتْ يَوْمًا مِنْ الثَّلَاثَةِ ثُمَّ شَكَّتْ هَلْ كَانَتْ نَوَتْ صَوْمَهُ أَمْ لَا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُحْسَبُ لَهَا الْيَوْمُ وَلَا أَثَرَ لِلشَّكِّ لِأَنَّهُ بَعْدَ فَرَاغِ الْيَوْمِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْسَبُ لِأَنَّ صِيَامَ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كَيَوْمٍ وَاحِدِ فَأَشْبَهَ الشَّكَّ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَوْمِ قَالَ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مَنْ عَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَصَامَ يَوْمًا ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَى أَمْ لَا: هَلْ غَيَّرَ النِّيَّةَ أَمْ لَا هَلْ يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ فِيهِ وَجْهَانِ قُلْتُ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ هَذَا الشَّكُّ فِي الصُّورَتَيْنِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ حَقِيقَةٌ وَلِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ (السَّادِسَةُ) لَوْ أَرَادَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ فِي وَقْتِ الْأُولَى لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْأُولَى وَهِيَ صَحِيحَةٌ يَقِينًا أَوْ بِنَاءً عَلَى أَصْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا وَلَيْسَ كَمَنْ شَكَّ هَلْ أَحْدَثَ أَمْ لَا فَصَلَّى الظُّهْرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهَا الْعَصْرَ جَمْعًا لِأَنَّهُ يَبْنِي عَلَى أَصْلِ الطَّهَارَةِ السَّابِقَةِ (السَّابِعَةُ) إذَا قُلْنَا تَصِحُّ صَلَاةُ الطَّاهِرِ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ فِي زَمَنٍ مَحْكُومٍ بِأَنَّهُ طُهْرٌ فَصَلَّتْ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ لَهَا حَيْضٌ وَطُهْرٌ فِي الزَّمَنِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا كما يحرم الوطئ مُطْلَقًا وَأَصَحُّهُمَا إنْ كَانَ الْمَشْكُوكُ عَقِيبَ الطُّهْرِ جَازَ وَإِنْ كَانَ عَقِيبَ الْحَيْضِ

ص: 477

لم يجز بناءا عَلَى الْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَرْعٌ] يَجِبُ عَلَى الزوج نفقة زوجته المتحيرة: من نَصَّ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَا خِيَارَ لَهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا لِأَنَّ جِمَاعَهَا لَيْسَ مأيوسا منه بخلاف الرتقاء والله أعلم

* (قال المصنف رحمه الله

* [وإن كانت ناسية لوقت الحيض ذاكرة العدد فكل زمن تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الحائض وكل زمان تيقنا فيه طهرها ابحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر وكل زمان شككنا في طهرها حرمنا وطأها وأوجبنا ما يجب علي الطاهر احتياطا وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض اوجبنا عليها ان تغتسل فيه للصلاة ويعرف ذلك بتنزيل احوالها ونذكر من ذلك مسائل تدل على جميع أَحْكَامَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ: فإذا قالت كان حيضي عشرة أيام من الشهر لا اعرف وقتها لم يكن لها حيض ولا طهر بيقين لانه يمكن في كل وقت أن تكون حائضا ويمكن أن تكون طاهرا فيجعل زمانها في الصلاة والصوم زمان الطهر وتتوضأ في العشر الاول

لكل فريضة ولا تغتسل لانه لا يمكن انقطاع الدم فيه فإذا مضى العشر امرناها بالغسل لامكان انقطاع الدم ثم نلزمها بعد ذلك أن تغتسل لكل صلاة إلى آخر الشهر لان كل وقت من ذلك يمكن انقطاع الدم فيه فان عرفت وقتا من اليوم كان ينقطع دمها فيه الزمناها ان تغتسل كل يوم في ذلك الوقت ولا يلزمها أن تغتسل في غيره لانا قد علمنا وقت انقطاع دمها من اليوم وان قالت كنت أحيض احدى العشرات الثلاث مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين فنجعل زمانها زمان الطهر فتصلي من أول الشهر وتتوضأ لكل فريضة وتغتسل في آخر كل عشر لامكان انقطاع الدم فيه وأن قالت حيضي ثلاثة أيام في العشر الاول مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بيقين في هذه العشرة فتصلي من أول العشر ثلاثة أيام بالوضوء ثم تغتسل لكل صلاة الا ان تعرف انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل ذلك الوقت في كل يوم وتتوضأ في غيره وان قالت كان حيضي أربعة أيام من العشر الاول صلت بالوضوء أربعة أيام ثم تغتسل لكل صلاة وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ والثمان والتسع فان علمت يقين طهرها في وقت ان قالت

ص: 478

كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ واعلم أنى كنت في العشر الاخيرة طاهرا فانها في العشر الاول تتوضأ لكل صلاة لانه لا يحتمل انقطاع الدم فيه فإذا مضت العشر اغتسلت لكل صلاة الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه دون غيره وفي العشر الثالثة طاهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضي خمسة أيام في العشر الاول وكنت في اليوم الاول من العشر الاول طاهرا ففى اليوم الاول طهر بيقين فتتوضأ فيه لكل صلاة فريضة وفى اليوم الثاني والثالث والرابع والخامس طهر مشكوك فيه فتتوضأ فيه لكل فريضة والسادس حيض بيقين فانه علي أي تنزيل نزلنا لم يخرج اليوم السادس منه فتترك فيه ما تترك الحائض ثم تغتسل في آخره لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الي آخر العاشر ثم تدخل في طهر بيقين فتتوضأ لكل فريضة وان قالت كان حيضى ستة أيام في العشر الاول كان لها يومان حيض بيقين وهما الخامس والسادس لانه ان ابتدأ الحيض من أول العشر فآخره السادس وان ابتدأ من الخامس فآخره

العاشر والخامس والسادس داخلان فيه بكل حال وان قالت كان حيضي سبعة أيام من العشر الاول حصل لها أربعة أيام حيض بيقين وهى من الرابع الي السابع وان قالت ثمانية كان حيضها بيقين ستة من الثالث الي آخر الثامن فان قالت تسعة كان ثمانية من الثاني إلى آخر التاسع لما بينا وان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت في اليوم السادس طاهرا فانها من أول الشهر إلى آخر السادس في طهر بيقين ومن السابع إلى آخر الشهر في طهر مشكوك فيه فتتوضأ لكل فريضة إلى أن يمضى عشرة أيام بعد السادس ثم تغتسل لامكان انقطاع الدم فيه ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة الا أن تعرف الوقت الذى كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم فيه دون غيره وان قالت كان حيضى في كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها واعلم أنى كنت في الخمسة الاخيرة طاهرا واعلم أن لى طهرا صحيحا غيرها في كل شهر فانه يحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الاولي والباقى طهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الثانية والباقى طهر ولا يجوز أن يكون في الخمسة الثالثة لان ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة

ص: 479

الرابعة ويكون ما قبلها طهرا ويحتمل أن يكون حيضها في الخمسة الخامسة ويكون ما قبلها طهرا فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة في الخمسة الاولي وتصلي لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل فريضة من أول السادس الي آخر العاشر لانه طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الدم في كل وقت منه ومن أول الحادى عشر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين ومن أول السادس عشر تتوضأ لكل صلاة الي اخر العشرين لانه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الخامس والعشرين لانه طهر مشكوك فيه وتغتسل لكل صلاة لانه يحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها ومن أول السادس والعشرين الي آخر الشهر تتوضأ لكل فريضة لانه طهر بيقين وان علمت يقين الحيض في بعض الايام بأن قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وكنت أكون في اليوم العاشر حائضا فانه يحتمل أن يكون العاشر آخر حيضها ويكون ابتداؤها من أول الشهر ويحتمل أن يكون العاشر أول حيضها فيكون آخره التاسع

عشر ويحتمل أن يكون ابتداؤها ما بين اليوم الاول من الشهر واليوم العاشر فهى من أول الشهر الي اليوم التاسع في طهر مشكوك فيه ولا يحتمل انقطاع الدم فيه فتتوضأ لكل صلاة وتصلي واليوم العاشر يكون حيضا بيقين تترك فيه ما يجب علي الحائض تركه وتغتسل في آخره ثم تغتسل لكل صلاة الي تمام التاسع عشر الا أن تعلم انقطاع الدم في وقت بعينه فتغتسل فيه من الوقت إلى الوقت ثم بعد ذلك في طهر بيقين الي آخر الشهر فتتوضأ لكل صلاة فريضة فان قالت كان حيضى في كل شهر عشرة أيام وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ في اليوم الثاني عشر حائضا فانها في خمسة عشر يوما من آخر الشهر في طهر بيقين وفى اليوم الاول والثانى من أو الشهر في طهر بيقين وفى الثالث والرابع والخامس في طهر مشكوك فيه تتوضأ فيه لكل فريضة وفى السادس الي تمام الثاني عشر في حيض بيقين ومن الثالث عشر الي تمام الخامس عشر في طهر مشكوك فيه ويحتمل انقطاع الحيض في كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة وان قالت كان حيضي خمسة أيام من العشر الاول وكنت في اليوم الثاني من الشهر طاهرا وفى اليوم الخامس حائضا فانه يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره الي تمام السابع ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره الي تمام الثامن ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره تمام التاسع فاليوم الاول والثانى

ص: 480

طهر بيقين والثالث والرابع طهر مشكوك فيه والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ثم تغتسل في اخر السابع فيكون ما بعده الي تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة وان قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ ولا أعلم موضعهما ولا عددهما فان الشيخ أبا حامد الاسفراييني رحمه الله ذكر ان أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون ما بينهما طهرا وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا ويحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة الي آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا

بيقين لانه ان كان ابتداء الطهر في اليوم الثاني فاليوم السادس عشر آخره وان كان من الخامس عشر فالخامس عشر والسادس عشر داخل في الطهر وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مشكوك فيه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري رحمه الله هذا خطأ لانا إذا نزلناها هذا التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها في الشهر الذى بعده بل يجب أن تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه علي ما بيناه]

* [الشَّرْحُ] إذَا كَانَتْ نَاسِيَةً لِوَقْتِ الْحَيْضِ ذَاكِرَةً لِعَدَدِهِ فَالْقَاعِدَةُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ حَيْضَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْحَيْضِ وَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ طُهْرَهَا ثَبَتَ فِيهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الطَّاهِرِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَكُلُّ زَمَانٍ احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ أَوْجَبْنَا فِيهِ الِاحْتِيَاطَ فَيَجِبُ عَلَيْهَا مَا يَجِبُ عَلَى الطَّاهِرِ مِنْ الْعِبَادَاتِ وَحُكْمُهَا فِي الِاسْتِمْتَاعِ حُكْمُ الْحَائِضِ ثُمَّ إنْ كَانَ هَذَا الزَّمَانُ الْمُحْتَمِلُ لِلطُّهْرِ وَلِلْحَيْضِ لَا يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ وَإِنْ كَانَ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ قَبْلَهَا فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ اغْتَسَلَتْ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي هَذَا أَصْلُ الْفَصْلِ وَتَمْهِيدُ قَاعِدَتِهِ وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ كُلُّ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي

ص: 481

وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ لِمَنْ يُؤْثِرُ الِاخْتِصَارَ وَلَكِنَّ عادة الاصحاب ايضاحه ويسطه بِالْأَمْثِلَةِ وَأَنَا أُتَابِعُهُمْ وَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَسَائِلَ مُسْتَقْصَاةً مُلَخَّصَةً وَاضِحَةً فِي فُرُوعٍ مُتَرَاسِلَةٍ لِيَكُونَ أَنْشَطَ لِمُطَالِعِيهِ وَأَبْعَدَ مِنْ مَلَالَةِ ناظريه وأيسرفى تَحْصِيلِ الْمَرْغُوبِ مِنْهُ فِيهِ وَأَسْهَلَ فِي إدْرَاكِ الطَّالِبِ مَا يَبْغِيهِ وَاَللَّهُ الْكَرِيمُ أَسْتَعِينُهُ وَأَسْتَهْدِيهِ

* [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله الْحَافِظَةُ لِقَدْرِ حَيْضِهَا إنَّمَا يَنْفَعُهَا حِفْظُهَا وَتَخْرُجُ عَنْ التَّحَيُّرِ الْمُطْلَقِ إذَا حَفِظَتْ مَعَ ذَلِكَ قَدْرَ الدَّوْرِ وَابْتِدَاءَهُ فَإِنْ فَقَدَتْ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ أَضْلَلْتهَا فِي دَوْرِي وَلَا أَعْرِفُ سِوَى ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا ذَكَرَتْ لِاحْتِمَالِ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ

وَالِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَابْتِدَاءُ دَوْرِي يَوْمُ كَذَا وَلَا أَعْرِفُ قَدْرَهُ فَلَا فَائِدَةَ فِيمَا حَفِظَتْ لِلِاحْتِمَالِ الْمَذْكُورِ وَلَهَا فِي هذين المثالين حكم المتحيرة في كل شئ وَهَكَذَا لَوْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَة مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ وَلَا أَعْرِفُ ابْتِدَاءَهَا أَوْ لَا أَدْرِي أَهِيَ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ أَوْ سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ وَلَا أَدْرِي فِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ شَهْرٍ هِيَ فَهَذِهِ لَهَا حُكْمُ الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي لَا تَذْكُرُ شَيْئًا أَصْلًا وَحُكْمُهَا مَا سَبَقَ إلَّا فِي الصِّيَامِ فَإِنَّهَا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ ثَلَاثِينَ وَصَامَتْ رَمَضَانَ حَصَلَ لَهَا خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا إنْ كَانَ تَامًّا وَعَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَإِنْ عَلِمَتْ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي النَّهَارِ أَوْ شَكَّتْ حَصَلَ لَهَا أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَتْ قَضَاءَ صَوْمِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ صَامَتْ أَحَدَ عَشَرَ يَوْمًا فَيَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا خَمْسَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ وَلَا يَكْفِيهَا صَوْمُ عَشَرَةٍ لِاحْتِمَالِ الِابْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ فَيَفْسُدُ سِتَّةٌ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّهُ كَانَ يَبْتَدِئُهَا فِي اللَّيْلِ فَيَكْفِيهَا الْعَشَرَةُ وَلَوْ كَانَ عَلَى هَذِهِ الَّتِي قَالَتْ كَانَ حَيْضِي خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ صَوْمُ يَوْمٍ وَاحِدٍ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ أَنَّ حَيْضَهَا كَانَ يَبْتَدِئُ فِي اللَّيْلِ فَيَحْصُلُ لَهَا يَوْمٌ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ ابْتِدَائِهِ صَامَتْ يَوْمَيْنِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ فَيَحْصُلُ أَحَدُهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ صَامَتْهُمَا مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ إنْ عَلِمَتْ الِابْتِدَاءَ لَيْلًا وَإِلَّا فَأَرْبَعَةٌ وَضَابِطُهُ إذَا لَمْ تَعْلَمْ وَقْتَ الابتداء أنها تضيف إلى أيام الحيض وما لاحتمال الطرآن فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَتَصُومُ مَا عَلَيْهَا ثُمَّ تُفْطِرُ بِقَدْرِ الْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ الْحَيْضِ مَعَ الْيَوْمِ الْمُضَافِ ثُمَّ تَصُومُ الْيَوْمَ الَّذِي عَلَيْهَا مَرَّةً أُخْرَى فَإِنْ كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَانِ وَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ كَمَا ذَكَرْنَا أَضَافَتْ يَوْمًا فَتَصِيرُ سِتَّةً فَتَصُومُ يَوْمَيْنِ وَتُفْطِرُ أَرْبَعَةً ثُمَّ

ص: 482

تَصُومُ يَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا ثَلَاثَةٌ صَامَتْهَا ثُمَّ أَفْطَرَتْ ثَلَاثَةً ثُمَّ صَامَتْ ثَلَاثَةً وَهَكَذَا مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ عَشَرَةٌ مِنْ عِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ أَوْ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ وَشِبْهِ ذَلِكَ فَهَذِهِ قَدْ يَكُونُ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَطُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِيهِ وَمَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُهُ وَقَدْ لَا يَكُونُ حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَقَدْ يَكُونُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ دُونَ حَيْضٍ

بِيَقِينٍ وَلَا يُتَصَوَّرُ عَكْسُهُ وَطَرِيقَةُ معرفة هذه الاقسام أن ننظر إلَى الْمَنْسِيِّ فَإِنْ كَانَ نِصْفَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِهِ كَانَ لَهَا حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهُوَ يُقَدَّرُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى النِّصْفِ مَرَّتَيْنِ وَيَكُونُ مِنْ وَسَطِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ وَيَكُونُ مَا قَبْلَهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ كَسَائِرِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَمَا بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ شِئْتَ أَسْقَطَتْ الْمَنْسِيَّ مِنْ الْمَنْسِيِّ فِيهِ ثُمَّ أَسْقَطَتْ بَقِيَّةَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ مِنْ الْمَنْسِيِّ فَمَا بَقِيَ فَهُوَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتِلْكَ الْبَقِيَّةُ هِيَ الْقَدْرُ الْمَشْكُوكُ فِيهِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ مِثَالُ ذَلِكَ وَهُوَ مِثَالٌ يَجْمَعُ الْأَقْسَامَ الْأَرْبَعَةَ: قَالَتْ كَانَ حَيْضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ فَيُجْعَلُ شَهْرُهَا أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى زَمَنٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهَا لِكُلِّ فريضة وتصلي والخامس وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ إنْ بَدَأَ الْحَيْضُ فِي أَوَّلِ الْعَشَرَةِ انْتَهَى إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَإِنْ انْقَطَعَ عَلَى الْعَاشِرِ بَدَأَ مِنْ الْخَامِسِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ لِدُخُولِهِمَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ مَشْكُوكٌ فِيهِ يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَغْتَسِلُ فِيهَا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الدَّمَ كَانَ يَنْقَطِعُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ فَيَكْفِيهَا كُلَّ يَوْمٍ غُسْلٌ وَاحِدٌ فِي ذَلِكَ وَتَتَوَضَّأُ لِبَاقِيَّ فَرَائِضَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَمَا بَعْدَ الْعَشَرَةِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي سَبْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامِ حَيْضٍ بِيَقِينٍ وَهِيَ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَتَتَوَضَّأُ لِلثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ لِلثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ وَلَوْ قَالَتْ ثَمَانِيَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا سِتَّةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَلَوْ قَالَتْ تِسْعَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَتَتَوَضَّأُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فِي الْعَاشِرِ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لكل فريضة

ص: 483

فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ التِّسْعَةِ الْأُولَى فَالْخَامِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ لِمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ الْعَاشِرِ ثُمَّ تَغْتَسِلُ مِنْ آخِرِ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَيَكْفِيهَا الْغُسْلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ مَرَّةً وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأُوَلِ تَوَضَّأَتْ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ

الْعَاشِرِ ثُمَّ اغْتَسَلَتْ إلَى آخِرِ الْعِشْرِينَ ثُمَّ هِيَ طَاهِرَةٌ بِيَقِينٍ فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرَةِ: وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فِي الْعِشْرِينَ الْأُولَى فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَغْتَسِلُ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ عَشَرَةٌ فِي الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الْعِشْرِينَ الْأَخِيرَةِ فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَمْسَةُ الثَّالِثَةُ تَتَوَضَّأُ وَالرَّابِعَةُ وَالْخَامِسَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّادِسَةُ تَغْتَسِلُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي إحْدَى الْعَشَرَات فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ بِيَقِينٍ فَتَتَوَضَّأُ فِي جَمِيعِ الشَّهْرِ إلَى آخِرِ الْعَشَرَاتِ فَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي يَوْمَانِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى أَوْ قَالَتْ ثَلَاثَةٌ أَوْ قَالَتْ أَرْبَعَةٌ أَوْ قَالَتْ خَمْسَةٌ فَلَا حَيْضَ وَلَا طُهْرَ فَتَتَوَضَّأُ مُدَّةَ أَيَّامِهَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ فَهُوَ مِمَّا عَدُّوهُ مِنْ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ مُرَادُ الْمُصَنَّفِ أَنَّهَا إذَا قَالَتْ لِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا بِيَقِينٍ ثُمَّ اعْتَرَضَ هَذَا الْحَامِلُ وَغَلَّطَ الْمُصَنِّفَ وَلَقَدْ أَخْطَأَ هَذَا الْحَامِلُ وَظَلَمَ بِوَضْعِهِ الْكَلَامَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله أَجَلُّ قَدْرًا وَأَعْلَى مَحَلًّا مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَقَلُّ مُبْتَدِئٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَذَا الْإِمَامِ أَنَّهُ يَقُولُ إذَا قَالَتْ حَيْضِي تِسْعَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى فَلَا حَيْضَ لَهَا وَأَيُّ خفى فِي هَذَا لِيَغْلَطَ فِيهِ وَإِنَّمَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ عَطْفُ هَذَا الْكَلَامِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَكُلُّ زَمَانٍ تَيَقَّنَّا فِيهِ الْحَيْضَ أَلْزَمْنَاهَا اجْتِنَابَ مَا تَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ إلَى قَوْلِهِ وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِتَنْزِيلِ أَحْوَالِهَا ثُمَّ قَالَ وَنَذْكُرُ مِنْ ذَلِكَ مَسَائِلَ تَدُلُّ عَلَى احكامها فذكر ما ذكر ثُمَّ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ يَعْنِي يُعْمَلُ

ص: 484

مَا ذَكَرْنَاهُ وَبِهِ يُعْرَفُ يَقِينُ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ وَالْمَشْكُوكِ فِيهِ فَيُعْمَلُ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّنْزِيلِ وَهُوَ أَنَّ مَا احْتَمَلَ الْحَيْضَ وَالطُّهْرَ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فيه وما تعين لِأَحَدِهِمَا

فَهُوَ لَهُ وَحِينَئِذٍ إذَا قَالَتْ خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَلَا حَيْضَ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي خَمْسَةٍ وَلَوْ قَالَتْ سِتَّةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ فَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ وَإِنْ قَالَتْ سَبْعَةٌ فَأَرْبَعَةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الرَّابِعُ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فَهَذَا تَأْوِيلٌ صَحِيحٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتُ الْمُهَذَّبِ لِكَلَامِهِ تَأْوِيلَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْبَيَانِ أَنَّ مَعْنَاهُ إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ أَوْ السِّتِّ أَوْ السَّبْعِ أَوْ الثَّمَانِ أَوْ التِّسْعِ أَيَّامًا لَا يَزِيدُ عَلَى نِصْفِ الْمَنْسِيِّ فِيهِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْخَمْسِ يَوْمَيْنِ أَوْ فِي السِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ ثَلَاثَةً فَاقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى ذِكْرِ الْأَيَّامِ الْمَنْسِيِّ فِيهَا وَلَمْ يَذْكُرُ قَدْرَ الْمَنْسِيِّ وَعَطَفَ ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي قَوْلِهِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي فِي الْعَشَرَةِ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً لِأَنَّ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَشَرَةِ (قُلْت) فعي هَذَا تَكُونُ الْخَمْسُ وَالسِّتُّ وَالسَّبْعُ وَالثَّمَانُ وَالتِّسْعُ مَعْطُوفَاتٍ عَلَى الْعَشَرَةِ وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي أَنَّهُ أَرَادَ إذَا قَالَتْ حَيْضِي خَمْسٌ أَوْ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ أَوْ ثَمَانٌ أَوْ تِسْعٌ مِنْ أَيَّامٍ لَا تَزِيدُ هَذِهِ الْمَذْكُورَةُ عَلَى نِصْفِهَا فَذَكَرَ الْمَنْسِيَّ دُونَ الْمَنْسِيِّ فِيهِ اكْتِفَاءً بِمَا ذَكَرَهُ وَاعْتِمَادًا عَلَى فَهْمِ السَّامِعِ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْقَاعِدَةِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ عَنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا عَنْهُ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ كِبَارِ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا الْمَذْكُورِينَ طَبَقَة أَصْحَابِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ رأى جزءا فيه وصية الشيخ أبى اسحق الْمُصَنِّفِ رحمه الله إلَى الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالضَّرْبِ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى هَذَا التَّنْزِيلُ فِي الْخَمْسِ وَالسِّتِّ وَالسَّبْعِ وَالثَّمَانِ وَالتِّسْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ طُهْرِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ بِأَنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةً مِنْ الشَّهْرِ لَا أَعْلَمُ عَيْنَهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ الِانْقِطَاعَ فِي وَقْتٍ فَتَقْتَصِرُ عَلَى الْغُسْلِ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ وَالْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَوْجِيهُ هَذَا ظَاهِرٌ وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا أَحْذِفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ ذَكَرْت مَا قَدْ يَخْفَى دَلِيلُهُ بَيَّنْته إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِيَةُ تَتَوَضَّأُ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت أَكُونُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ طَاهِرًا فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ

ص: 485

وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالسَّابِعُ إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَمَا بَعْدَ الْعَاشِرِ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّانِي فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّامِنُ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت طَاهِرًا فِي الثَّالِثِ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى طُهْرٌ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ وَالثَّامِنُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالتَّاسِعُ وَالْعَاشِرُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّادِسِ فَالسِّتَّةُ الْأُولَى طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ السَّابِعِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ ثُمَّ بَعْدَهُ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت طَاهِرًا فِي السَّابِعِ أو الثامن أَوْ التَّاسِعِ أَوْ الْعَاشِرِ فَالْيَوْمُ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ طَاهِرًا وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ ثُمَّ بَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الْحَادِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالْعَشَرَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهَا لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ طَاهِرًا اولي طُهْرٌ صَحِيحٌ غَيْرُهَا فَيُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا الْخَمْسَةُ الاولي والباقى طهر ويحتمل ان تكون الخامسة الثَّانِيَةَ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الرَّابِعَةَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْخَامِسَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الثَّالِثَةَ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا أَقَلُّ الطُّهْرِ سِوَى الْخَمْسَةِ الْأَخِيرَةِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالثَّالِثَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَةُ تَتَوَضَّأُ وَالْخَامِسَةُ تَغْتَسِلُ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ وَالسَّادِسَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت فِي الثَّانِيَ عَشَرَ طَاهِرًا فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَمَا قَبْلَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالسَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ إلَى آخِرِ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي السَّادِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى وَإِنْ قَالَتْ كُنْتُ فِي الْخَامِسِ طَاهِرًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي هَاتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ نَاسِيَةٍ وَإِنْ قَالَتْ وَكُنْتُ فِي

السَّادِسِ حَائِضًا فَالسَّادِسُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْعَشَرَةِ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ

ص: 486

وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ وَكُنْت فِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْخَامِسُ حَيْضٌ وَتَتَوَضَّأُ فِي الْأَرْبَعَةِ قَبْلَهُ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ ثُمَّ مَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الثَّانِي طَاهِرًا وَفِي الْخَامِسِ حَائِضًا فَالْأَوَّلُ وَالثَّانِي طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَكَذَا الْعَاشِرُ وَمَا بَعْدَهُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ وَالسَّابِعُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ فِي الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَتَغْتَسِلُ فِي الثَّامِنِ وَالتَّاسِعِ وَلَوْ قَالَتْ لَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْت طَاهِرًا فِي طَرَفَيْ الشَّهْرِ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى أَنْ يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ اللَّحْظَةُ مَعَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ الْآتِي طُهْرٌ

* [فَرْعٌ] فِيمَا إذَا عَرَفَتْ يَقِينَ حَيْضِهَا فِي وَقْتٍ مِنْ الشَّهْرِ فَإِنْ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ لَا أَعْلَمُهَا وَأَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَكُونُ حَائِضًا فِي الْعَاشِرِ فَتَتَوَضَّأُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَيَكُونُ الْعَاشِرُ حَيْضًا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ عَشَرَ ثُمَّ بَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ لَا أَعْلَمُهَا وَكُنْت حَائِضًا فِي السَّادِسِ فَالْخَمْسَةُ الْأُولَى تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَةُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهَا فِي التَّقْدِيرَيْنِ وَالثَّالِثَةُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِي عَشَرَ فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَهُمَا إلَى آخِرِ الْحَادِيَ عَشَرَ تَتَوَضَّأُ وَالثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةَ عَشَرَ وَكُنْت حَائِضًا فِي الثَّانِيَ عَشَرَ فَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالْأَحَدَ عَشَرَ قَبْلَهَا تَتَوَضَّأُ وَمِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي فِي كُلِّ شَهْرٍ

ص: 487

عَشَرَةٌ وَلِي فِي كُلِّ شَهْرٍ طُهْرٌ صَحِيحٌ وَكُنْتُ فِي الثَّانِيَ عَشَرَ حَائِضًا فَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ تَتَوَضَّأُ وَمِنْ أَوَّلِ السَّادِسِ إلَى آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَالثَّالِثَ عَشَرَ

وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْخَمْسَةَ عَشَرَ الْبَاقِيَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَكُنْت فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي وان قالت وكنت فِي الْعَاشِرِ حَائِضًا فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الثَّانِيَةُ وَلَيْسَتْ فِي الصُّورَتَيْنِ نَاسِيَةً وَإِنْ كَانَ سُؤَالُهَا كَسُؤَالِ النَّاسِيَةِ [فَرْعٌ] إذَا قَالَتْ كَانَ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ لَا أَعْلَمُ مَوْضِعَهُمَا وَلَا قدرهما: قال المصنف رحمه الله قال ذكر الشيخ أبو حامد أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضا يوم من أول الشهر أو آخره ويوم وليلة من أول الشهر أو آخره ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهر أو يحتمل ما بين الاقل والاكثر فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ من الشهر لانه طهر مشكوك فيه ثم تغتسل لكل صلاة إلى آخر الرابع عشر لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين لانه ان كانت ابتداء الطهر في اليوم الثاني فالسادس عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ وقال شيخنا القاضي أبو الطيب هذا خطأ لانا إذا نزلنا هذا التنزيل لم يجز ان يكون ذلك حالها في الشهر الذى بعده بل يجب ان تكون في سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لايام حيضها ووقته فتغتسل لكل صلاة ولا يطؤها الزوج وتصوم رمضان وتقضيه على ما بيناه هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ

ص: 488

وَكَذَا نَقَلَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وكذا قطع بما قاله أبو حامد وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي حَامِدٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمُ الاخير حيضا فيعقبه خمسة عشر طهرا مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي فَلَا يَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّانِي مَا يَسَعُ حَيْضَتَيْنِ قَالَ وَكَذَا قَوْلُهُ إنَّ الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طهر بيقين ليس بِصَحِيحٍ فِيمَا سِوَى الشَّهْرِ الْأَوَّلِ قَالَ فَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُقَالَ هَذَا الَّذِي قَالَتْهُ لَا يُتَصَوَّرُ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شَيْئًا فَهِيَ مُتَحَيِّرَةٌ لَا تَحْفَظُ شَيْئًا قَالَ وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَامِدٍ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي حَيْضَتَانِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا في ذلك الشهر بِعَيْنِهِ مَا ذَكَرَهُ وَتَكُونُ فِيمَا سِوَاهُ مُتَحَيِّرَةً هَذَا كَلَامُ أَبِي الطَّيِّبِ: وَهَذَا الْإِنْكَارُ الَّذِي أَنْكَرُوهُ عَلَى أَبِي حَامِدٍ مُتَوَجِّهٌ عَلَى مَا نَقَلُوهُ مِنْ عِبَارَةِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ وَاَلَّذِي رَأَيْته أَنَا فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ إذَا قَالَتْ

لِي حَيْضَتَانِ مِنْ الشَّهْرِ وَالْبَاقِي طُهْرٌ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ لَا تَقْتَضِي تَكَرُّرَ ذَلِكَ فِي كُلِّ شَهْرٍ: وَأَعْلَمْ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ أَرْفَعُ مَحَلًّا وَأَعْظَمُ مَرْتَبَةً مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ هَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ عَنْهُ وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ لَا يَخْفَى عَلَى أَقَلِّ مُتَفَقِّهٍ شَرَحَ بَابَ الْحَيْضِ فَيَتَعَيَّنُ حَمْلُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ علي ما نَقَلْته عَنْ تَعْلِيقِهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ الْفُلَانِيِّ حَيْضَتَانِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَا ذَكَرَهُ وَقَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَمَا سَبَقَ وَلَا شَكَّ فِي صِحَّةِ هَذَا وَعِبَارَتُهُ تقتضيه: وأما عِبَارَةُ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ فِيمَا إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَتَانِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهَا لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ أَحِيَضُهُ حَيْضَتَانِ وَكُنْتُ أَحِيضُ فِي صَفَرٍ وَجُمَادَى

ص: 489

وَشَوَّالٍ مَثَلًا فَحَصَلَ أَنَّ كَلَامَ أَبِي حَامِدٍ صَحِيحٌ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَلَّا يُجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِي الطَّيِّبِ خِلَافٌ: وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ يَوْمَانِ فِي آخِرِ الشَّهْرِ وَيَوْمٌ فِي أَوَّلِهِ وَيُحْتَمَلُ عكسه يحتمل أَنَّهُ أَرْبَعَةٌ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَكَذَا خَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَمَا بَعْدَهَا إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ بَعْضُهَا فِي أَوَّلِهِ وَبَعْضُهَا فِي آخِرِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَيُحْتَمَلُ فِي الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الثَّالِثَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَالْمَقْصُودُ حَيْضَتَانِ بَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ: وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَسَبَبُهُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْحَيْضَ الْأَوَّلَ بَعْدَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ يُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمِنْ السَّابِعَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يُفَكِّرُ أَنَّ الطُّهْرَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَتَوَضَّأُ فِي السَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الِانْقِطَاعُ بَلْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَطْبَقَ أَصْحَابُنَا الَّذِينَ ذَكَرُوا الْمَسْأَلَةَ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَرْعًا حَسَنًا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ لَوْ قَالَتْ لِي فِي الشَّهْرِ يَعْنِي شَهْرًا مُعَيَّنًا حَيْضَتَانِ وَلِي فِيهِ طُهْرٌ وَاحِدٌ مُتَّصِلٌ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ لِأَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهُ مَشْكُوكًا فِيهِ لَصَارَ لَهَا طُهْرَانِ وَقَدْ قَالَتْ طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ يُحْتَمَلُ مَا احْتَمَلَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى أَنْ تَكُونَ

ص: 490

أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ الْأَوَّلِ حَيْضًا وَخَمْسَةَ عَشَرَ بَعْدَهَا طُهْرٌ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَأَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ حَيْضًا وَبَعْدَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ الْحَيْضَةُ الْأُخْرَى وَيُحْتَمَلُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مَعَ لَيْلَتِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَبَعْدَهُ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ مِنْ أَوَّلِ السَّابِعِ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالْيَوْمُ الْأَخِيرُ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَلَا يَلْزَمُهَا الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ السَّابِعَ عَشَرَ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ الِانْقِطَاعُ هُنَا قَبْلَ آخِرِ الشهر لانه لو انقطع لم يبقى بَعْدَهُ طُهْرٌ كَامِلٌ وَلَصَارَ لَهَا فِي الشَّهْرِ أَكْثَرُ مِنْ طُهْرٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قال المصنف رحمه الله [وإن كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت فان كانت ذاكرة لوقت ابتدائه بان قالت كان ابتداء حيضى من اول يوم من الشهر حيضناها يوما وليلة من أول الشهر لانه يقين ثم تغتسل بعده وتحصل في طهر مشكوك فيه الي آخر الخامس عشر فتصلي وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم وما بعده طهر بيقين إلى آخر الشهر فتتوضأ لكل فريضة وان كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بان قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر إلى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة ثم تحصل في طهر مشكوك فيه إلى آخر التاسع والعشرين فتتوضأ لكل فريضة لانه لا يحتمل انقطاع الحيض ولا يجب الغسل الا في آخر الشهر في الوقت الذى تيقنا انقطاع اليحض فيه وان قالت كان حيضي في كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النصفين ويوما في الآخر ولا أدرى أن اليوم في النصف الاول أو الاربعة عشر فهذه يحتمل أن يكون اليوم في النصف الثاني والاربعة عشر في النصف الاول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثاني من الشهر وآخره تمام السادس عشر ويحتمل أن يكون الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَالْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي النصف الثاني

ص: 491

فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون فاليوم الاول والآخر

من الشهر طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بيقين ومن الثاني إلى الخامس عشر طهر مشكوك فيه ومن أول السابع عشر الي آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه فتغتسل في آخر السادس عشر وفي آخر التاسع والعشرين لانه يحتمل انقطاع الدم فيهما وعلي هذا التنزيل والقياس فان قالت كان حيضى خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر من يوم فالحكم فيه كالحكم في المسألة قبلها الا في شئ واحد وهو أن ههنا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة بعد السادس عشر لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ فيكون ذلك الوقت وقت انقطاع الحيض إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بعينه من اليوم فتغسل فيه في مثله]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ الْأُولَيَانِ فِيمَا إذَا ذَكَرَتْ الابتداء والانقطاع فظاهرتان وحكمهما مَا ذَكَرَهُ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ فِي الثَّانِيَةِ قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَصَوَابُهُ حَذْفُ قَوْلِهِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لِيَصِحَّ مَا ذَكَرَهُ بَعْدَهُ مِنْ الْحُكْمِ فَإِنَّهُ لَوْ انْقَطَعَ قَبْلَ آخر الشهر بلحظة لم ينته الطهر الا آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ بَلْ يَجِبُ تَرْكُ لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِهِ وَيَجِبُ الْحُكْمُ بِالْحَيْضِ فِي لَحْظَةٍ مِنْ آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ أَمَّا إذَا قَالَتْ كَانَ حَيْضِي مِنْ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي أَحَدِ النِّصْفَيْنِ وَيَوْمًا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ وَلَا أَدْرِي هَلْ الْيَوْمُ فِي النِّصْفِ الاول والاربعة عشر في الْآخَرِ أَوْ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ فِي الْأَوَّلِ وَالْيَوْمُ فِي الْآخَرِ فَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ أَوَّلِ الثَّانِي إلَى آخِرِ الرَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْقِطَاعَ فَتَتَوَضَّأُ فِيهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَتَغْتَسِلُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّابِعَ عَشَرَ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ لَهَا يَوْمَيْنِ طُهْرًا بِيَقِينٍ الْأَوَّلُ وَالْأَخِيرُ وَيَوْمَيْنِ حَيْضًا وَهُمَا الْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَعَلَيْهَا غُسْلَانِ وَلَهَا زمنان مشكوك فيهما تتوضأ فِيهِمَا وَهُمَا مَا بَيْنَ الثَّانِي وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَمَا بَيْنَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالْأَخِيرِ فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فَائِتَةً فِي أَحَدِ الشَّكَّيْنِ لَمْ يُجْزِهَا فَإِنْ طَافَتْ أَوْ قَضَتْ فِي الشَّكَّيْنِ جَمِيعًا أَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا طُهْرٌ

ص: 492

بِيَقِينٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ فَإِنْ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا فِي أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَإِنْ أَرَادَتْ قَضَاءَ مَا فَاتَهَا مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَامَتْ شَهْرًا غَيْرَ يَوْمَيْ الْحَيْضِ وَأَجْزَأَهَا قَطْعًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهَا يَوْمَا الطُّهْرِ مَعَ أَحَدِ الشَّكَّيْنِ أَمَّا إذَا قَالَتْ حيضى خمسة عشرا خلط أحد النصفين بالآخر بيومين لا أعرف في أَيُّهُمَا الْيَوْمَانِ وَالْيَوْمَانِ الْأَوَّلَانِ وَالْيَوْمَانِ الْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ التَّاسِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ سِوَى مَا ذَكَرْنَا ولو قالت حيضى خمسة عشرا خلط بِثَلَاثَةٍ فَلَهَا ثَلَاثَةٌ فِي أَوَّلِهِ وَثَلَاثَةُ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَسِتَّةٌ حَيْضٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثَ عَشَرَ وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ الثَّامِنَ عَشَرَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وهكذا كلما زاد الخلط يوما زاد اليقين بالحيض يَوْمَيْنِ فِي الْوَسَطِ وَزَادَ يَقِينُ الطُّهْرِ يَوْمًا فِي كُلِّ طَرَفٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ مِنْهَا بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلَانِ وَالْآخَرَانِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَاهُ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأُولَى وَالثَّلَاثَةَ عَشَرَ الْأَخِيرَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَالرَّابِعَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا فَتَتَوَضَّأُ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ عَقِيبَ السَّادِسَ عَشَرَ

ص: 493

وَالسَّابِعَ عَشَرَ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ وَلَا أَدْرِي هَلْ كُنْتُ أَخْلِطُ بِأَكْثَرِ مِنْ يَوْمٍ أَمْ لَا فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ قَالَتْ أَخْلِطُ بِيَوْمٍ فَقَطْ ولا يخالفها الا في شئ وَاحِدٍ وَهُوَ أَنَّ هَذِهِ يَلْزَمُهَا أَنْ تَغْتَسِلَ بَعْدَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْخَلْطُ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ إلَّا أَنْ تَعْلَمَ انْقِطَاعَ الْحَيْضِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ فَتَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَقَطْ وَلَوْ قَالَتْ كُنْتُ أَحِيضُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِجُزْءٍ فَقَطْ فَلَهَا جُزْءٌ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى وَجُزْءٌ مِنْ آخِرِ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ طُهْرٌ بيقين ولا تترك بسبب هذين الجزءين صَلَاةً وَيَبْطُلُ صَوْمُ الْخَامِسَ عَشَرَ لِحُصُولِ الْحَيْضِ

فِي آخِرِهِ وَلَا يَجِبُ الْغُسْلُ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ جُزْءٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ وَالثَّانِي إذَا بَقِيَ جُزْءٌ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَاهُمَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَقَالَتْ لَا أَدْرِي هَلْ كُنْت أَخْلِطُ بِجُزْءٍ أَمْ بِأَكْثَرَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الَّتِي قَبْلَهَا إلَّا فِي الْغُسْلِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهَا هُنَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ بَعْدَ مُضِيِّ جُزْءٍ مِنْ السَّادِسَ عَشَرَ إلَى أَنْ يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ لِاحْتِمَالِ الْخَلْطِ بِأَكْثَرَ مِنْ جُزْءٍ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ وَالْكَسْرُ فِي أَوَّلِ حَيْضٍ وَكُنْتُ أَخْلِطُ أَحَدَ النِّصْفَيْنِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَالْأَوَّلُ وَنِصْفُ الثَّانِي طُهْرٌ وَمِنْ نِصْفِ الثَّانِي إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ وَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ وَلَا تَغْتَسِلُ إلَّا فِي آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَحُكْمُ الصَّوْمِ وَالْعِدَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ هَذَا الْفَصْلِ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ ثَلَاثًا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى آخِرِ كُلِّ عشرة ويحرم وطؤها مادام هَذَا حَالُهَا فَإِنْ أَرَادَتْ طَوَافًا طَافَتْ مَرَّتَيْنِ بَيْنَهُمَا يَوْمَانِ فَصَاعِدًا أَوْ طَافَتْ فِي يَوْمَيْنِ متلاصقين

ص: 494

* مِنْ طَرَفَيْ عَشَرَتَيْنِ وَإِنْ طَلُقَتْ فِي أَوَّلِ شَهْرٍ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا يَوْمَ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الشَّهْرِ الثَّالِثِ وَلَوْ كَانَ حَيْضُهَا أَرْبَعًا أَوْ خمسا أو ستا أو سبعا أو ثمانية أَوْ تِسْعًا مِنْ إحْدَى عَشَرَاتِ الشَّهْرِ فَلَيْسَ لَهَا حَيْضٌ وَلَا طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتُصَلِّي بِالْوُضُوءِ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ عَشَرَةٍ قَدْرَ أَيَّامِ حَيْضِهَا وَتَغْتَسِلُ بَعْدَهُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ كُلِّ عَشَرَةٍ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ كُنْت أَحِيضُ خَمْسَةً مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةً مِنْهَا مِنْ إحْدَى خَمْسَاتِ الشَّهْرِ وَيَوْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي تَلِيهَا وَلَا أَعْلَمُ هَلْ الْيَوْمَانِ مِنْ الْخَمْسَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرَةِ فَلَيْسَ لَهَا فِي الشَّهْرِ حَيْضٌ مُتَيَقَّنٌ زمانه واليومان الاولان والآخران من الشهر طهر بِيَقِينٍ وَبَاقِي الشَّهْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَتَغْتَسِلُ عَشَرَةَ أَغْسَالٍ عَقِبَ السَّابِعِ وَالثَّامِنِ وَالثَّانِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَالسَّابِعَ عَشَرَ وَالثَّامِنَ عَشَرَ وَالثَّانِي وَالْعِشْرِينَ وَالثَّالِثِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَالثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ مُحْتَمَلٌ فِيهَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ

الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ السَّابِعِ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّامِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الثَّلَاثَةَ مِنْ الثَّانِيَةِ وَالْيَوْمَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّانِيَ عَشَرَ وَيُحْتَمَلُ عَكْسُهُ فَيَنْقَطِعُ فِي آخِرِ الثَّالِثَ عَشَرَ وَبَاقِي التَّقْدِيرَاتِ ظَاهِرٌ وَإِنْ شِئْتَ قُلْتُ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ مِنْ كل خمسة

*

ص: 495

(فَرْعٌ)

قَالَتْ كَانَ حَيْضِي يَوْمَيْنِ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى مِنْ الشَّهْرِ وَكُنْت أَخْلِطُ نَهَارَ إحْدَى الْخَمْسَتَيْنِ بِالْأُخْرَى بِلَحْظَةٍ فَمِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ إلَى مُضِيِّ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ الرَّابِعِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَتَوَضَّأُ بَعْدَهُ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مِنْ لَيْلَةِ السَّادِسِ وَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِ السَّادِسِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ هَذِهِ اللَّحْظَةِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ حَتَّى يَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ السَّابِعِ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ وَمَا بَعْدَهَا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ فِي هَذِهِ اللَّحْظَةِ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ لَا أَعْرِفُ قَدْرَ حَيْضِي وَلَكِنْ أَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أَخْلِطُ شَهْرًا بِشَهْرٍ فَلَحْظَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَلَحْظَةٌ مِنْ آخِرِهِ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ بَعْدَ اللَّحْظَةِ الْأُولَى حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الْخَامِسَ عَشَرَ وَتِلْكَ اللَّحْظَةُ مَعَ لَحْظَةٍ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةِ السَّادِسَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ ثُمَّ تَتَوَضَّأُ حَتَّى تَبْقَى لَحْظَةٌ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ وَأَخْلِطُ أَحَدَ نِصْفَيْ الشَّهْرِ بِالْآخَرِ بِيَوْمٍ فَسِتَّةُ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ وَالرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَتَتَوَضَّأُ لِمَا سِوَى المذكور

*

ص: 496

(فَرْعٌ)

قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ مِنْ الشَّهْرِ وَطُهْرِي عِشْرُونَ مُتَّصِلَةٌ فَالْعَشَرَةُ الْمُتَوَسِّطَةُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَالْأُولَى وَالثَّالِثَةُ مَشْكُوكٌ فِيهِمَا وَتَغْتَسِلُ فِي آخِرِهِمَا (فَرْعٌ)

قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةٌ مِنْ الشَّهْرِ مِنْهَا السَّادِسُ أَوْ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ فَالْأَوَّلُ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمِنْ الْحَادِيَ عَشَرَ إلَى آخِرِ الْحَادِيَ وَالْعِشْرِينَ طُهْرٌ أَيْضًا وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ

إلَى آخِرِ الْعَاشِرِ وَعَقِبَ السَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ وَتَتَوَضَّأُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ كُنْت أَخْلِطُ الْعَشَرَةَ الْأُولَى بِالْوُسْطَى بِيَوْمٍ وَالْوُسْطَى بِالْأَخِيرَةِ بِيَوْمٍ وَلَا أَعْلَمُ قَدْرَ حَيْضِي فَلَهَا اثنى عَشَرَ يَوْمًا حَيْضٌ وَهِيَ الْعَاشِرُ وَالْحَادِي وَالْعِشْرُونَ وَمَا بَيْنَهُمَا وَلَهَا سِتَّةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَسِتَّةٌ مِنْ آخِرِهِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ الرَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي عَشَرَةٌ أَخْلِطُ الْخَمْسَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الشَّهْرِ بِالثَّالِثَةِ وَالثَّالِثَةَ بِالرَّابِعَةِ فَلَهَا سَبْعَةٌ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَهِيَ الْعَاشِرُ إلَى آخِرِ السَّادِسَ عَشَرَ وَلَهَا مِنْ الْأَوَّلِ إلَى آخِرِ السَّادِسِ وَمِنْ أَوَّلِ الْعِشْرِينَ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ طُهْرٌ بِيَقِينٍ فَتَغْتَسِلُ عَقِبَ السَّادِسَ عَشَرَ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ إلَى آخِرِ التَّاسِعَ عَشَرَ

* (فَرْعٌ)

قَالَتْ حَيْضِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَا أَعْلَمُهَا وَكَانَ حَيْضِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَصَامَتْ رَمَضَانَ كُلَّهُ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَإِنْ شَاءَتْ صَامَتْ سِتَّةً مُتَوَالِيَةً وَأَجْزَأَهَا وَإِنْ أَرَادَتْ تَقْلِيلَ الصَّوْمِ فَأَقَلُّ

ص: 497

مَا يَجْزِيهَا صِيَامُ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ يَوْمَانِ فَتَصُومُ الْأَوَّلَ وَالرَّابِعَ وَالسَّابِعَ وَالْعَاشِرَ فَيَحْصُلُ ثَلَاثَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْطُلُ إلَّا يَوْمٌ وَلَوْ قَالَتْ حَيْضِي خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَلَا أَعْلَمُ مَتَى كَانَ يَبْتَدِئُ الدَّمُ وَصَامَتْ رَمَضَانَ فَسَدَ ستة أيام لاحتمال الطرآن لَهُ نِصْفَ النَّهَارِ فَتَصُومُ لَهُ بَعْدَهُ اثْنَيْ عَشَرَ مُتَتَابِعَةً يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا سِتَّةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ فَإِنْ أَرَادَتْ تَفْرِيقَ الْقَضَاءِ وَتَقْلِيلَ الصَّوْمِ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً ثُمَّ صَامَتْ يَوْمًا وَأَفْطَرَتْ خَمْسَةً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً فَتَكُونُ قَدْ صَامَتْ مِنْ الشَّهْرِ خَمْسَةَ أَيَّامٍ يَحْصُلُ لَهَا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَبْقَى يَوْمَانِ فَتَصُومُهُمَا مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ تَصُومُ الْأَوَّلَ وَالسَّابِعَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَقْضِي خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَمُنْكَرٌ ظَاهِرٌ وَكَأَنَّهُ تَابَعَ الْفُورَانِيَّ فِيهِ فَغَلِطَا

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا عَلَيْهَا الْوُضُوءُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَلَهَا صَلَاةُ النَّافِلَةِ وَكُلُّ مَوْضِعٍ قُلْنَا الْغُسْلُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لَمْ يَجُزْ النَّافِلَةُ إلَّا بِالْغُسْلِ أَيْضًا هَذَا كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ

أَنْ تَسْتَبِيحَ النَّافِلَةَ بِغُسْلِ الْفَرِيضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ مِنْ تَنْزِيلِ الْمَسَائِلِ وَأَحْكَامِهَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ فِرَقُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقَتْ عَلَيْهِ طُرُقُهُمْ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَذَكَرَ طَرِيقَةً عَجِيبَةً مُخَالِفَةً لِلْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ فَقَالَ إذَا قَالَتْ لِي فِي كُلِّ شَهْرٍ حَيْضَةٌ لَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا فَلَهَا حُكْمُ الْمُبْتَدَآتِ فِي أَنْ تَحِيضَ فِي أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ وَفِي قَدْرِهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَالثَّانِي سِتٌّ

ص: 498

أَوْ سَبْعٌ ثُمَّ الزَّمَنُ الْمَرْدُودُ إلَيْهِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ حَيْضٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ طُهْرٌ بِيَقِينٍ وَمَا بَيْنَهُمَا مَشْكُوكٌ فِيهِ ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الطَّرِيقَةِ مَسَائِلَ كَثِيرَةً وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ شَاذَّةٌ مَرْدُودَةٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا لِأُنَبِّهَ عَلَى فَسَادِهَا لِئَلَّا يغتر بها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [هذا الذى ذكرناه في المستحاضة إذا عبر دمها الخمسة عشر ولم يتخللها طهر فاما إذا تخللها طهر بأن رأت يوما وليلة دما ويوما وليلة نقاء وعبر الخمسة عشر فهى مستحاضة: وقال ابن بنت الشافعي رحمه الله الطهر في اليوم السادس عشر يفصل بين الحيض وبين ما بعده فيكون الدم في الخمسة عشر حيضا وفى النقاء الذى بينهما قولان في التلفيق لانا حكمنا في اليوم السادس عشر لما رأت النقاء بطهارتها وأمرناها بالصوم والصلاة وما بعده ليس بحيض بل هو طهر فكان بمنزلة مالو انقطع الدم بعد الخمسة عشر ولم يعد والمنصوص أنها مستحاضة اختلط حيضها بالاستحاضة لانه لو كان النقاء في اليوم السادس عشر يميز لوجب أن يميز في الخمسة عشر كالتمييز باللون فعلى هذا ينظر فيها فان كانت مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثم ترى النقاء عشرة أيام ثم ترى يوما وليلة دما أسود ثم أحمر فترد إلى التمييز فيكون الحيض أيام الاسود وما بينهما علي القولين وان كان لها عادة في كل شهر خمسة أيام ردت إلى عادتها فان قلنا لا يلفق كانت الخمسة كلها حيضا وان قلنا يلفق كانت أيام الدم حيضا وذلك ثلاثة أيام ونقص يومان من العادة ومن أصحابنا من قال يلفق لها قدر العادة من الخمسة عشر يوما فيحصل لها خمسة أيام من تسعة أيام وان كانت عادتها ستة أيام فان قلنا لا يلفق كان حيضها خمسة أيام لان اليوم السادس من أيام العادة لا دم

فيه لان الدم في الافراد فلم يجز أن يجعل حيضا لان النقاء انما يجعل حيضا علي هذا القول إذا كان واقعا بين الدمين فعلى هذا ينقص من عادتها يوم وإذا قلنا يلفق من أيام العادة كان حيضها ثلاثة أيام وينقص يومان وإذا قلنا يلفق من خمسة عشر حصل لها ستة أيام من أحد عشر يوما وان كانت عادتها سبعة أيام فان قلنا أن الجميع حيض كان حيضها سبعة أيام لا ينقص منها شئ لان اليوم السابع دم فيمكن استيفاء جميع أيام عادتها وان قلنا يلفق لها من أيام العادة كان حيضها

ص: 499

أربعة أيام وان قلنا يلفق من خمسة عشر كان لها سبعة أيام من ثلاثة عشر يوما وعلي هذا القياس وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة ففيها قولان أحدهما ترد إلى يوم وليلة فيكون حيضها من أول ما رأت يوما وليلة والباقى طهر وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فهي كمن عادتها ستة أيام أو سبعة أيام وقد بيناه فأما إذا رأت نصف يوم دما ونصف يوم نقاء ولم تجاوز الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ وقال بعض أصحابنا هذه مستحاضة هذه لا يثبت لها حكم الحيض حتى يتقدم لها اقل الحيض ومنهم من قال لا يثبت لها حكم الحيض الا ان يتقدمه اقل الحيض متصلا ويتعقبه اقل الحيض متصلا والصحيح هو الاول وانها علي القولين في التلفيق فإذا قلنا لا يلفق حصل لها أربعة عشر يوما ونصف يوم حيضا وإذا قلنا يلفق حصل لها سبعة أيام ونصف حيضا.

وما بينهما من النقاء طهر وان جاوز الخمسة عشر كانت مستحاضة فترد الي التمييز ان كانت مميزة أو الي العادة ان كانت معتادة وان كانت مبتدأة لا تمييز لها ولا عادة فان قلنا أنها ترد إلى ست أو سبع كان ذلك كالعادة وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قلنا لا يلفق فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا يوم وليلة من غير تلفيق وان قلنا يلفق من أيام العادة لم يكن لها حيض لان اليوم والليلة كأيام العادة ولا يحصل لها من اليوم والليلة اقل الحيض وان قلنا يلفق من الخمسة عشر لفق لها مقدار يوم وليلة من يومين وليلتين وان رأت ساعة دما وساعة نقاء ولم يجاوز الخمسة عشر فان كان الدم بمجموعه يبلغ اقل الحيض فقد قال أبو العباس وابو اسحق فيه قولان في التلفيق وان كان لا يبلغ بمجموعه اقل الحيض مثل أن ترى ساعة دما ثم ينقطع ثم ترى في آخر الخامس عشر ساعة دما

قال أبو العباس إذا قلنا يلفق فهو دم فساد لانه لا يتلفق منه ما يكون حيضا وإذا قلنا لا يلفق احتمل وجهين أحدهما يكون حيضا لان زمان النقاء على هذا القول حيض فلا ينقص الحيض عن أقله بل الخمسة عشر حيض والثاني لا يكون حيضا لان النقاء انما يكون حيضا علي سبيل التبع للدم والدم لم يبلغ بمجموعه أقل الحيض فلم يجعل النقاء تابعا له وان رأت ثلاثة أيام دما وانقطع فالاول حيض لانها رأته في زمان امكانه والثانى دم فساد ولا يجوز أن يجعل ابتداء الحيض لانه

ص: 500

لم يتقدمه أقل الطهر ولا يمكن ضمه إلى ما رأته قبل الخمسة عشر لانه خارج عن الخمسة عشر وان رأت دون اليوم دما ثم انقطع الي تمام الخمسة عشر يوما ثم رأت ثلاثة أيام دما فان الحيض هو الثاني والاول ليس بحيض لانه لا يمكن اضافته إلى ما بعد الخمسة عشر ولا يمكن أن يجعل بانفراده حيضا لانه دون أقل الحيض]

* [الشَّرْحُ] ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ هُوَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْن عثمان بن شافع ابن السايب كُنْيَتُهُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأُمُّهُ زَيْنَبُ بِنْتُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَيَقَعُ فِي اسْمِهِ وَكُنْيَتِهِ تَخْبِيطٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ فَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ لَك مُحَقَّقًا رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَكَانَ إمَامًا مُبَرَّزًا لَمْ يَكُنْ فِي آلِ شَافِعٍ بَعْدَ الشَّافِعِيِّ مِثْلُهُ وَسَرَتْ إليه بركة جده وعلمه وقد بسطت حاله فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَفِي الطَّبَقَاتِ رحمه الله

* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْفَصْلَ يُقَالُ لَهُ فَصْلُ التَّلْفِيقِ وَيُقَالُ فَصْلُ التَّقَطُّعِ وَقَدْ قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ بَعْضَهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَخَّرْتُ أَنَا شَرْحَ تِلْكَ الْقِطْعَةِ إلَى هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ فَلَهَا حَالَانِ إحْدَاهُمَا يَنْقَطِعُ دَمُهَا وَلَا يَتَجَاوَزُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَالثَّانِي يُجَاوِزُهَا (الْحَالُ الْأَوَّلُ) إذَا لَمْ يُجَاوِزْ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ حَيْضٌ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ التَّلْفِيقِ وَقَوْلَ اللَّقْطِ وَالثَّانِي أَنَّ أَيَّامَ الدَّمِ وَأَيَّامَ النَّقَاءِ كِلَاهُمَا حَيْضٌ وَيُسَمَّى قَوْلَ السَّحْبِ وَقَوْلَ تَرْكِ التَّلْفِيقِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فَصَحَّحَ قَوْلَ التَّلْفِيقِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَصَحَّحَ الْأَكْثَرُونَ قَوْلَ

السَّحْبِ فَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقُضَاةُ الثَّلَاثَةُ أَبُو حَامِدٍ فِي جَامِعِهِ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَحُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الَّذِي صَرَّحَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ كُتُبِهِ أَنَّ الْجَمِيعَ حَيْضٌ وَقَالَ فِي مناظرة جرت

ص: 501

بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّقَاءَ طُهْرٌ فَخَرَّجَهَا جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلَيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ نَحْوَ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَمِنْ أصحابنا من قال الجميع حيض قولا واحد وَأَمَّا ذِكْرُهُ مَعَ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ كَانَ مُنَاظَرَةً وَقَدْ يَنْصُرُ الْإِنْسَانُ فِي الْمُنَاظَرَةِ غَيْرَ مَذْهَبِهِ وَقَالَ الدَّارِمِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِ الْمُتَحَيِّرَةِ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ فَقَدْ غَلِطَ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَلَمْ يَذْكُرْ لِطَرِيقَتِهِ هذه الشاذة مستندا فحصل في المسألة ثلاث طُرُقٍ

* أَحَدُهَا الْقَطْعُ بِالتَّلْفِيقِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالسَّحْبِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ وَالثَّالِثُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ

* وَبِالتَّلْفِيقِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَبِالسَّحْبِ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَنَا قَوْلُ السَّحْبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ التَّقَطُّعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمَيْنِ وَيَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً وَخَمْسَةً أَوْ سِتَّةً وَسِتَّةً أَوْ سَبْعَةً وَسَبْعَةً وَيَوْمًا أَوْ يَوْمًا وَعَشَرَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَالْحُكْمُ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَأَيَّامُ الدَّمِ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي أَيَّامِ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمِ الْقَوْلَانِ وَلَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمِ الْأَسْوَدِ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ وَقُلْنَا إنَّهَا لَيْسَتْ بِحَيْضٍ فَهِيَ كَتَخَلُّلِ النَّقَاءِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ وَلَوْ تَخَلَّلَتْ حُمْرَةٌ فَالْجَمِيعُ حَيْضٌ قَطْعًا

* وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ إنَّمَا هُمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ والطواف والقراءة والغسل والاعتكاف والوطئ وَنَحْوِهَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ النَّقَاءَ لَيْسَ بِطُهْرٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَكَوْنِ الطَّلَاقِ سُنِّيًّا قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ يَوْمٍ طُهْرًا كَامِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إذَا قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُجْعَلُ كُلُّ دَمٍ حَيْضًا مُسْتَقِلًّا وَلَا كُلُّ نَقَاءٍ طُهْرًا مُسْتَقِلًّا بَلْ الدِّمَاءُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَاحِدٌ يُعْرَفُ وَالنَّقَاءُ مَعَ مَا بَعْدَهُ مِنْ الشَّهْرِ طُهْرٌ وَاحِدٌ: قَالَ أَصْحَابُنَا

وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ إذَا رَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَمِلَتْ عَمَلَ الطَّاهِرَاتِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّهَا ذَاتُ تَلْفِيقٍ لِاحْتِمَالِ دَوَامِ الِانْقِطَاعِ قَالُوا فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَصُومَ وَتُصَلِّيَ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ

ص: 502

وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَالطَّوَافُ وَالِاعْتِكَافُ وَلِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَلَا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَيْهِ فَإِذَا عَاوَدَهَا الدَّمُ فِي اليوم الثالث تبينا انها ملفقة فان قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ تَبَيَّنَّا صِحَّةَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَالِاعْتِكَافِ واباحة الوطئ وَغَيْرِهَا وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ الْعِبَادَاتِ التي فعلتها في اليوم الثاني فيحب عَلَيْهَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالطَّوَافِ الْمَفْعُولَاتِ عَنْ وَاجِبٍ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ صَلَّتْ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ وَلَا يَجِبُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الْمُؤَدَّاةِ لِأَنَّهُ زَمَنُ الْحَيْضِ وَلَا صَلَاةَ فِيهِ

* وَإِنْ كَانَتْ صَامَتْ نَفْلًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَا ثَوَابَ فِيهِ وَفِيمَا قَالَهُ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَهَا ثَوَابٌ عَلَى قَصْدِ الطَّاعَةِ وَلَا ثَوَابَ عَلَى نَفْسِ الصَّوْمِ إذَا لَمْ يَصِحَّ وَلَعَلَّ هَذَا مُرَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا ونتبين ان وطئ الزَّوْجِ لَمْ يَكُنْ مُبَاحًا لَكِنْ لَا إثْمَ لِلْجَهْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ إلَى الرَّابِعَ عَشَرَ وَجَبَ الِاغْتِسَالُ والصلاة والصوم وحل الوطئ وَغَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَعُدْ الدَّمُ فَكُلُّهُ مَاضٍ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ عَادَ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثَّانِي هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُ أَنَّ النَّقَاءَ الثَّانِيَ وَهُوَ الْحَاصِلُ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الْعَادَةَ هَلْ تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ أَمْ لَا فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ وَقُلْنَا أَيَّامُ النَّقَاءِ حَيْضٌ أَمْسَكَتْ عَمَّا تُمْسِكُ عَنْهُ الْحَائِضُ لِانْتِظَارِ عَوْدِ الدَّمِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ تُمْسِكُ فِي النَّقَاءِ الثَّالِثِ وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَقَدْ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا بَعِيدٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ هَذَا حُكْمُ الشَّهْرِ الْأَوَّلِ: فَإِذَا جَاءَ الشَّهْرُ الثَّانِي فَرَأَتْ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَلَيْلَتَهُ دَمًا وَالثَّانِيَ وَلَيْلَتَهُ نَقَاءً فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ حُكْمَ الشَّهْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَمَا بَعْدَهَا أَبَدًا كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَتَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ نَقَاءٍ وَتَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ

وَيَطَؤُهَا الزَّوْجُ: وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْبِنَاءُ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ بِمَرَّتَيْنِ فَإِنْ أَثْبَتْنَاهَا بِمَرَّةٍ فقد علمنا

ص: 503

التَّقَطُّعَ بِالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَلَا تَغْتَسِلُ وَلَا تُصَلِّي وَلَا تَصُومُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَإِنْ لَمْ نُثْبِتْهَا بِمَرَّةٍ اغْتَسَلَتْ وَفَعَلَتْ الْعِبَادَاتِ كَالشَّهْرِ الْأَوَّلِ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ تَثْبُتُ عَادَةُ التَّقَطُّعِ فِي الشَّهْرِ الثَّالِثِ بِالْعَادَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي الشَّهْرَيْنِ السَّابِقَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الرَّابِعِ فَمَا بَعْدَهُ فَلَا تَغْتَسِلُ فِي النَّقَاءِ وَلَا تَفْعَلُ الْعِبَادَاتِ وَلَا تُوطَأُ إذَا قُلْنَا بِالسَّحْبِ وَهَذَا الطَّرِيقُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى تَرْجِيحِ الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنْ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ كُلَّمَا عَادَ النَّقَاءُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ بَيْنَ فِرَقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَوْ تَقَطَّعَ دَمُهَا مِرَارًا فِي شُهُورٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَأَطْبَقَ الدَّمُ بِلَا تَقَطُّعٍ فَلَا يُحْكَمُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ بِتَقَطُّعِ الْحَيْضِ حَتَّى يُلْتَقَطَ لها حيضا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَيُحْكَمُ بِتَخَلُّلِ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ قَالَ فَإِذًا كُلُّ دَوْرٍ فِي التَّقَطُّعِ يُقَدَّرُ كَأَنَّهُ ابْتِدَاءُ التَّقَطُّعِ لِأَنَّهُ إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ حِينًا فَبِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى عوده بعيد هذا كله إذا كان المنقطع فِي كُلِّ مَرَّةٍ يَبْلُغُ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَوْ يَزِيدُ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ: وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَانْقَطَعَ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ انْقَطَعَ دَمُهَا نِصْفَ يَوْمٍ وَنِصْفَ يَوْمٍ نَقَاءً تَكُونُ ذَاتَ تَلْفِيقٍ فَإِنَّهُ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا عِنْدَ الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ إنْ عَادَ الدَّمُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَالنَّقَاءُ كُلُّهُ حَيْضٌ وَإِنْ لَمْ يعد فالدم الذى رأته دم فساد عليها أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ وَبَاقِي الِانْقِطَاعَاتِ إذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ أَقَلَّ الْحَيْضِ صَارَ حُكْمُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَهِيَ إذَا رَأَتْ دَمًا يَوْمًا وَلَيْلَةً ثُمَّ نَقَاءً كَذَلِكَ هَذَا تَفْرِيعُ قَوْلِ السَّحْبِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَلَا يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي الِانْقِطَاعِ الْأَوَّلِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ لِأَنَّا لَا نَدْرِي هَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ لَا

* وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ الْغُسْلُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ كَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ عَلَى النَّاسِيَةِ احْتِيَاطًا وَهَذَا الوجه ليس بشئ وَأَمَّا سَائِرُ الِانْقِطَاعَاتِ فَإِذَا بَلَغَ مَجْمُوعُ مَا سَبَقَ مِنْ الدَّمِ أَقَلَّ الْحَيْضِ وَجَبَ الْغُسْلُ وَقَضَاءُ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ وَحُكْمُ الدَّوْرِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ حُكْمُ الْحَالَةِ الْأُولَى أَمَّا إذَا

ص: 504

لَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْ الطَّرَفَيْنِ يَوْمًا وَلَيْلَةً بِأَنْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً وهكذا الي آخر الخامس عشر ففيه ثلاثة طُرُقٍ الصَّحِيحُ الْأَشْهَرُ مِنْهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ كَمَا إذَا بَلَغَ كُلُّ دَمٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا أَنْصَافُ الدَّمِ وَهُوَ سَبْعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ وَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَنِصْفُ يَوْمٍ لِأَنَّ النِّصْفَ الْأَخِيرَ لَمْ يَتَخَلَّلْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ النَّقَاءَ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَا حَيْضَ لَهَا وَكُلُّ ذَلِكَ دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ إنْ تَوَسَّطَ قَدْرُ أَقَلِّ الْحَيْضِ مُتَّصِلًا جَرَى الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ وَإِلَّا فَالْجَمِيعُ دَمُ فَسَادٍ أَمَّا إذَا بَلَغَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ دُونَ الْآخَرِ فَثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَيْضًا أَصَحُّهَا طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي أَنَّ الَّذِي بَلَغَهُ حَيْضٌ وَبَاقِيهِ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّالِثُ إنْ بَلَغَ الْأَوَّلُ أَقَلَّ الْحَيْضِ فَهُوَ وَمَا سِوَاهُ حَيْضٌ وَإِنْ بَلَغَ الْآخَرُ الْأَقَلَّ فَهُوَ حَيْضٌ دُونَ مَا سِوَاهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا بلغ مجموع الدماء اقل الحيض فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهُ بِأَنْ رَأَتْ سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً ثُمَّ سَاعَةً وَسَاعَةً وَلَمْ يَبْلُغْ الْمَجْمُوعُ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَلَا حَيْضَ لَهَا بَلْ هُوَ دَمُ فَسَادٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا أَيْضًا لِأَنَّ الدَّمَ لَمْ يَبْلُغْ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَالثَّانِي أَنَّ الدِّمَاءَ وَمَا بَيْنَهَا حَيْضٌ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا حَيْضَ: فَحَصَلَ فِي الْقَدْرِ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الدَّمَيْنِ لِيَجْعَلَ ما بينهما حيضا علي قَوْلِ السَّحْبِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ قَدْرَ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَلَا يَضُرُّ نَقْصُ كُلِّ دَمٍ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنُ سريج وأبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الْمَحْمُودِيِّ وَجَمَاهِيرِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ الْمُصَنِّفُونَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ بَالِغًا أَقَلَّ الْحَيْضِ حَتَّى لَوْ رَأَتْ دَمًا نَاقِصًا عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ وَدَمَيْنِ آخَرَيْنِ غَيْرَ نَاقِصَيْنِ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالْآخَرَانِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْقَاسِمِ الانماطى لا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ لَوْ كَانَ مَجْمُوعُ الدِّمَاءِ نِصْفَ يَوْمٍ أَوْ أَقَلَّ فَهِيَ وَمَا بَيْنَهَا مِنْ النَّقَاءِ حَيْضٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي يُفَرَّعُ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّحْبِ وَالرَّابِعُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الْحَيْضِ

لَكِنْ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَوَّلِهِمَا الْأَقَلَّ وَالْخَامِسُ يُشْتَرَطُ بُلُوغُ أَحَدِهِمَا الْأَقَلَّ أَيَّهُمَا كَانَ وَالسَّادِسُ يشترط

ص: 505

الْأَقَلُّ فِي الْأَوَّلِ أَوْ الْآخِرِ أَوْ الْوَسَطِ

* [فَرْعٌ] قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ فِي التَّلْفِيقِ هُمَا فيما إذا كان النقاء زائد عَلَى الْفَتَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ بَيْنَ دَفَعَاتِ الْحَيْضِ فَأَمَّا الْفَتَرَاتُ فَحَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ الْجُمْهُورُ لَمْ يَضْبِطُوا الْفَرْقَ بَيْنَ حَقِيقَتَيْ الْفَتَرَاتِ وَالنَّقَاءِ وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَيَكْثُرُ الِاحْتِيَاجُ إلَيْهَا وَتَقَعُ فِي الْفَتَاوَى كَثِيرًا وَقَدْ رَأَيْتُ ذَلِكَ وَقَدْ وَجَدْتُ ضَبْطَهُ فِي أَتْقَنِ مَظَانِّهِ وَأَحْسَنِهَا وَأَكْمَلِهَا وَأَصْوَنِهَا فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الرَّدِّ عَلَى مَنْ قَالَ لَا يَكُونُ الْحَيْضُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإسْفَرايِينِيّ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو إسحق مُصَنِّفُ الْكِتَابِ فِي تَعَالِيقِهِمْ عَلَى أَنَّ الْفَتْرَةَ هِيَ الْحَالَةُ الَّتِي يَنْقَطِعُ فِيهَا جَرَيَانُ الدَّمِ وَيَبْقَى لَوَثٌ وَأَثَرٌ بِحَيْثُ لَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا قُطْنَةً يَخْرُجُ عَلَيْهَا أَثَرُ الدَّمِ مِنْ حُمْرَةٍ أَوْ صُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ فَهِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَائِضٌ قَوْلًا وَاحِدًا طَالَ ذَلِكَ أَمْ قَصُرَ وَالنَّقَاءُ هُوَ أَنْ يَصِيرَ فَرْجُهَا بِحَيْثُ لَوْ جَعَلَتْ الْقُطْنَةَ فِيهِ لَخَرَجَتْ بَيْضَاءَ فَهَذَا مَا ضَبَطَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَالشُّيُوخُ الثَّلَاثَةُ وَلَا مَزِيدَ عَلَيْهِ فِي وُضُوحِهِ وَصِحَّةِ مَعْنَاهُ والوثوق بقابليته وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنَّ الْأَصْحَابَ لَمْ يَضْبِطُوا ذَلِكَ وَإِنَّ مُنْتَهَى الْمَذْكُورِ فِيهِ أَنَّ مَا يُعْتَادَ تَخَلُّلُهُ بَيْنَ دَفَعَاتِ الدَّمِ فَهُوَ مِنْ الْفَتَرَاتِ وَمَا زَادَ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي النَّقَاءِ جَمِيعِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِثْنَاءٍ لِقَدْرِ الْفَتْرَةِ مِنْهُ هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* الْحَالُ الثَّانِي: إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِذَا رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً وَهَكَذَا حتى جاوز خمسة عشر متقطعا فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُلْتَقَطُ لَهَا أَيَّامُ الْحَيْضِ مِنْ جَمِيعِ الشَّهْرِ وَإِنْ كَانَ مَجْمُوعُ الْمُلْتَقَطِ دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا بِالِاسْتِحَاضَةِ وَهِيَ ذَاتُ تَقَطُّعٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ

ص: 506

المتقدمين والمتأخرين وقال أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَأَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَيْسَتْ

مُسْتَحَاضَةً بَلْ السَّادِسَ عَشَرَ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرٌ لَهَا فِيهِ حُكْمُ الطَّاهِرَاتِ الْمُسْتَحَاضَاتِ وَأَمَّا الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي التَّلْفِيقِ أَحَدُهُمَا السَّحْبُ فَتَكُونُ كُلُّ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا وَالثَّانِي التَّلْفِيقُ فَتَكُونُ أَيَّامُ الدَّمِ حَيْضًا وَالنَّقَاءِ طُهْرًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ هُوَ فِيمَا إذَا انْفَصَلَ دَمُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ عَمَّا بَعْدَهَا فَكَانَتْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلَهُ نَقَاءً فَالسَّادِسَ عَشَرَ يَكُونُ نَقَاءً فَلَوْ اتَّصَلَ الدَّمُ بِالدَّمِ بِأَنْ رَأَتْ سِتَّةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ سِتَّةً دَمًا فَالسَّادِسَ عَشَرَ فِيهِ دَمٌ مُتَّصِلٌ بِدَمِ الْخَامِسَ عَشَرَ فَقَدْ وَافَقَ ابْنُ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرُهُ الْأَصْحَابَ وَقَالَ هِيَ فِي الْجَمِيعِ مُسْتَحَاضَةٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ وَمُتَابِعِيهِ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ وَغَلِطَ فِيهِ ابْنُ سُرَيْجٍ فَمَنْ بَعْدَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَأَيْتُ الْحُذَّاقَ لَا يَعُدُّونَ قَوْلَهُ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَذْهَبِ فَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رحمهم الله أَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ تَكُونَ مُمَيِّزَةً بِأَنْ تَرَى يَوْمًا وَلَيْلَةَ دَمًا أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَسْوَدَ ثُمَّ يَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَكَذَا مَرَّةً ثَالِثَةً وَرَابِعَةً وَخَامِسَةً ثُمَّ تَرَى بَعْدَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً ثُمَّ مَرَّةً ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَتُجَاوِزُ خَمْسَةَ عَشَرَ مُتَقَطِّعًا كَذَلِكَ أَوْ مُتَّصِلًا دَمًا أَحْمَرَ فَهَذِهِ الْمُمَيِّزَةُ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَيَكُونُ الْعَاشِرُ فَمَا بَعْدَهُ طُهْرًا وَفِي التِّسْعَةِ الْقَوْلَانِ إنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالتِّسْعَةُ كُلُّهَا حَيْضٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهَا الْعَاشِرُ لِمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ أَنَّ النَّقَاءَ إنَّمَا يَكُونُ حَيْضًا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا كَانَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَحْمَرَ وَهَكَذَا إلَى أَنْ رَأَتْ الْخَامِسَ عَشَرَ أَسْوَدَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ أَحْمَرَ ثُمَّ اتَّصَلَتْ الْحُمْرَةُ وَحْدَهَا أَوْ مَعَ تَخَلُّلِ النَّقَاءِ بَيْنَهَا فَهِيَ أَيْضًا مُمَيِّزَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ فَحَيْضُهَا أَيَّامُ السَّوَادِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْخَمْسَةَ عَشَرَ كُلُّهَا حَيْضٌ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ

ص: 507

الدَّمَ الضَّعِيفَ الْمُتَخَلِّلَ بَيْنَ الدِّمَاءِ الْقَوِيَّةِ كَالنَّقَاءِ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَمِرَّ الضَّعِيفُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحْدَهُ وَضَابِطُهُ أَنَّ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ حَيْضَهَا الدِّمَاءُ الْقَوِيَّةُ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ مَعَ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ النَّقَاءِ أَوْ الدَّمِ الضَّعِيفِ وَعَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ حَيْضُهَا الْقَوِيُّ دُونَ الْمُتَخَلِّلِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّمْيِيزِ هُوَ عَلَى

إطْلَاقِهِ إذَا كَانَتْ مُبْتَدَأَةً وَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ مَنْ اجْتَمَعَ لَهَا عَادَةٌ وَتَمْيِيزٌ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ إنَّهَا تُرَدُّ إلَى الْعَادَةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُعْتَادَةً وَيَأْتِي حُكْمُهَا فِي الْحَالِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ التَّمْيِيزُ تَمْيِيزًا مُعْتَبَرًا كَمَا مَثَّلْنَاهُ فَأَمَّا إنْ فُقِدَ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ فَرَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَسْوَدَ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً أَحْمَرَ وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا يَوْمًا وَيَوْمًا إلَى آخِرِ الشهر فهذه وان كانت صورة مميزة فلبست مُمَيِّزَةً فِي الْحُكْمِ لِفَقْدِ أَحَدِ شُرُوطِ التَّمْيِيزِ وَهُوَ أَلَّا يُجَاوِزَ الدَّمُ الْقَوِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ نُظِرَ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَصَارَ كَأَنَّ الدِّمَاءَ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعْتَادَةً فَهِيَ مُبْتَدَأَةٌ فَتُرَدُّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَا الْتِفَاتَ إلَى اخْتِلَافِ أَلْوَانِ الدِّمَاءِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ ذَاتُ التَّقَطُّعِ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَهِيَ حَافِظَةٌ لِعَادَتِهَا وَكَانَتْ عَادَتُهَا أَيَّامُهَا مُتَّصِلَةٌ لَا تَقَطُّعَ فِيهَا فَتُرَدُّ إلَى عَادَتِهَا فَعَلَى قَوْلِ السَّحْبِ كُلُّ دَمٍ يَقَعُ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ يَكُونُ جَمِيعُهُ حَيْضًا فَإِنْ كَانَ آخِرُ أَيَّامِ الْعَادَةِ نَقَاءً لَمْ يَكُنْ حَيْضًا لِكَوْنِهِ لَمْ يَقَعْ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَأَيَّامُ النَّقَاءِ طُهْرٌ وَيُلْتَقَطُ لَهَا قَدْرُ عَادَتِهَا وَفِيمَا يُلْتَقَطُ مِنْهُ خِلَافٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يُلْتَقَطُ ذَلِكَ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يُبَالَى بِمُجَاوَزَةِ الْمَلْقُوطِ مِنْهُ قَدْرَ الْعَادَةِ وَالثَّانِي يُلْتَقَطُ مَا أَمْكَنَ مِنْ زَمَانِ عَادَتِهَا وَلَا يُتَجَاوَزُ ذَلِكَ وَلَا يُبَالَى بِنَقْصِ قَدْرِ الْحَيْضِ عَنْ الْعَادَةِ وَهَذِهِ أَمْثِلَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ: كَانَ عَادَتُهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ شَهْرٍ خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الْخَمْسَةُ الْأُولَى دَمًا وَنَقَاءً وَإِنْ قُلْنَا بِالتَّلْفِيقِ

ص: 508

فَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ أَيَّامِ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَنَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمَانِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ طُهْرٌ وَإِنْ قُلْنَا يُلْقَطُ مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَمَا سِوَاهَا طُهْرٌ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَحَيْضُهَا الخمسة الاولي ويكون السادس وما بعد طُهْرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ وَيَكُونُ قَدْ نَقَصَ مِنْ عَادَتِهَا يَوْمٌ وَإِنْ قُلْنَا تُلَفِّقُ

مِنْ عَادَتِهَا فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَإِنْ قُلْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا سَبْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالتَّاسِعُ وَالْحَادِيَ عَشَرَ وَالثَّالِثَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَمَانِيَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا السَّبْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ السَّبْعَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا تِسْعَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَنَقَصَ مِنْ الْعَادَةِ يَوْمٌ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْتِقَاطُ السَّابِعَ عَشَرَ لِمُجَاوَزَتِهِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا عَشَرَةً فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا التِّسْعَةُ الْأُولَى وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَفْرَادُ التِّسْعَةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَإِلَّا فَالْأَفْرَادُ الثَّمَانِيَةُ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا اثْنَيْ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَأَحَدَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وان لقطنا من العادة فافراها وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الثَّلَاثَةَ عَشَرَ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَأَفْرَادُهَا وَإِلَّا فَأَفْرَادُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَهِيَ حَيْضُهَا وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ العادة أو الامكان فأفرادها الثمانية قال الْغَزَالِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَعَلَى الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا نَأْمُرُهَا فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلَ أَنْ تَحِيضَ أَيَّامَ الدِّمَاءِ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ فَلَا تَكُونُ مُسْتَحَاضَةً والله اعلم

*

ص: 509

(الْحَالُ الثَّالِثُ) : أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً لَا تَمْيِيزَ لَهَا وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ أَحَدُهُمَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالثَّانِي إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ عَادَتُهَا سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ سَوَاءٌ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ ثُمَّ إنَّ هَذِهِ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا صَلَّتْ وَصَامَتْ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَتَرَكَتْ الصَّوْمَ

وَالصَّلَاةَ فِي أَيَّامِ الدَّمِ كَمَا أَمَرْنَاهَا فَيَجِبُ عَلَيْهَا قَضَاءُ صِيَامِ أَيَّامِ الدَّمِ وَصَلَوَاتِهَا بَعْدَ الْمَرَدِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ وَأَمَّا صَلَوَاتُ أَيَّامِ النَّقَاءِ وَصِيَامُهَا فَلَا تَقْضِيهِمَا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ فَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ طَاهِرًا فَقَدْ صَلَّتْ وَفِي وُجُوبِ قَضَاءِ الصَّوْمِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي يَجِبُ لِأَنَّهَا صَامَتْ مُتَرَدِّدَةً فِي صِحَّتِهِ فَلَا يُجْزِئُهَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا إنْ لَمْ تَصِحَّ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا

* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مُطَّرِدٌ فِي جَمِيعِ شُهُورِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ فَخَرَجَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّا إنْ حَكَمْنَا بِاللَّقْطِ لم تقض من الخمسة عشر الا صَلَوَاتِ سَبْعَةِ أَيَّامٍ وَصِيَامَهَا إنْ رَدَدْنَا الْمُبْتَدَأَةَ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ سِوَى الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ لَمْ تُجَاوِزْ بِاللَّقْطِ أَيَّامَ الْعَادَةِ وَكَانَ الرَّدُّ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ خَمْسَةِ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ رُدَّتْ إلَى سَبْعٍ فَمِنْ أَرْبَعَةٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ بَعْدَ الْمَرَدِّ وَإِنْ جَاوَزْنَاهَا وَرُدَّتْ إلَى سِتٍّ قَضَتْهَا مِنْ يَوْمَيْنِ (7)[الْحَالُ الرَّابِعُ] النَّاسِيَةُ وَهِيَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَوَقْتِهَا وَهِيَ الْمُتَحَيِّرَةُ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُبْتَدَأَةِ وَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الِاحْتِيَاطُ فَعَلَى هَذَا فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ احْتَاطَتْ فِي أَزْمِنَةِ الدَّمِ بِالْأُمُورِ السَّابِقَةِ فِي حَالِ إطْبَاقِ الدَّمِ بِلَا فَرْقٍ لِاحْتِمَالِ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ والانقطاع ونحتاط في ازمة النَّقَاءِ أَيْضًا إذْ مَا زَمَانٌ إلَّا وَيُحْتَمَلُ أن يكون حيضا لكن لا يلزمها بغسل فِي وَقْتٍ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا تُؤْمَرُ بِهِ الْمُتَحَيِّرَةُ الْمُطَبِّقَةُ لِاحْتِمَالِ انْقِطَاعِ الدَّمِ وَهَذَا غَيْرُ مُحْتَمَلٍ هُنَا وَلَا يَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ أَيْضًا لِكُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يَجِبُ لِتَجَدُّدِ خُرُوجِ الْحَدَثِ وَلَا تَجَدُّدَ فِي النَّقَاءِ فَيَكْفِيهَا لزمان

(7) وجدنا بهامش بعض النسخ دون بعض عبارة طويلة وفى آخرها لفظ صح وقد ضاع بعض سطورها ولما كانت هذه العبارة للرافعي في الشرح نقلناها بالهامش من نفس الشرح قال رحمه الله بعد قوله من يومين (وان ردت إلى سبع فمن يوم واحد واما إذا حكمنا بالسحب فان رددناها إلى يوم واحد قضت صلوات سبعة أيام وهي أيام الدم سوي اليوم الاول ولا تقضى غير ذلك وفى الصوم قولان اظهرهما لا تقضي الا صيام ثمانية أيام وهى أيام الدم كلها والثانى تقضي صيام الخمسة عشر ولفظ الوشيط تعبيرا عن القول الاول أنه لا يلزمها الا قضاء تسعة في رمضان لانها صامت سبعة في أيام النقاء من الشطر الاول ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فإذا حسبنا سبعة بقى تسعة والصواب ما قلناه وهو المذكور في التهذيب وغيره ولولا النقاء لما لزمها الا خمسة عشر وانما تلزم الستة عشر إذا أمكن انبساط اكثر الحيض على الستة عشر وهو غير ممكن في المثال الذى

نتكلم فيه وَإِنْ رَدَدْنَاهَا إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَإِنْ ردت إلى ست قضت صلوات خمسة أيام وهي أيام الدماء التى لم تصل فيها بعد المرد لان جملتها ثمانية ويقع منها في المرد ثلاثة وان ردت إلى سبع قضت صلوات أربعة أيام وأما الصوم فعلى أحد القولين تقضي صيام الخمسة عشر جميعا وعلي أطهرهما ان ردت إلى ست قضت صيام عشرة أيام ثمانية منها أيام الدم في الخمسة عشر ويومان نقاء وقعا في المرد لتبين الحيض فيهما وان ردت إلى سبع قضت صيام أحد عشر يوما) اه

ص: 510

النَّقَاءِ الْغُسْلُ عِنْدَ انْقِضَاءِ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدِّمَاءِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَعَلَيْهَا الِاحْتِيَاطُ فِي جَمِيعِ أَزْمِنَةِ الدَّمِ وَعِنْدَ كُلِّ انْقِطَاعٍ وَأَمَّا أَزْمِنَةُ النَّقَاءِ فَهِيَ فِيهَا طَاهِرَةٌ في الوطئ وَجَمِيعِ الْأَحْكَامِ: الضَّرْبُ الثَّانِي: مَنْ نَسِيَتْ قَدْرَ عَادَتِهَا وَذَكَرَتْ وَقْتَهَا أَوْ نَسِيَتْ الْوَقْتَ وَذَكَرَتْ الْقَدْرَ فَتَحْتَاطُ أَيْضًا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ مَعَ رِعَايَةِ مَا نَذْكُرهُ: مِثَالُهُ قَالَتْ أَضْلَلْتُ خَمْسَةً فِي الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَتَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا يَوْمًا وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّحْبِ فَالْيَوْمُ الْعَاشِرُ طُهْرٌ لِأَنَّهُ نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دمى حيضى وَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا فِي الْخَمْسَةِ الْأُولَى لِتَعَذُّرِ الِانْقِطَاعِ وَتَغْتَسِلُ عَقِبَ الْخَامِسِ وَالسَّابِعِ وَالتَّاسِعِ لِجَوَازِ الِانْقِطَاعِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ وَهَلْ يَلْزَمُهَا الْغُسْلُ فِي أَثْنَاءِ السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا نَعَمْ لِاحْتِمَالِ الِانْقِطَاعِ فِي الْوَسَطِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ وَقَوْلُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ لَا يَلْزَمُهَا لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ لَوْ فُرِضَ فِي الْوَسَطِ هُنَا لَزِمَ مِنْهُ الِابْتِدَاءُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِي أَوْ الرَّابِعِ وَهِيَ نَقِيَّةٌ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِاللَّقْطِ فَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ أَيَّامَ الْعَادَةِ فَالْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إلَّا أَنَّهَا طَاهِرٌ فِي أَيَّامِ النَّقَاءِ فِي كُلِّ حُكْمٍ وَأَنَّهَا تَغْتَسِلُ عَقِبَ كُلِّ نَوْبَةٍ مِنْ نُوَبِ الدَّمِ في جميع المدة لان المنقطع حَيْضٌ وَإِنْ جَاوَزْنَا أَيَّامَ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالْخَامِسُ وَالسَّابِعُ وَالتَّاسِعُ عَلَى تَقْدِيرِ انْطِبَاقِ الْحَيْضِ عَلَى الْخَمْسَةِ الْأُولَى وَعَلَى تَقْدِيرِ تَأَخُّرِهِ إلَى الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ لَهَا إلَّا يَوْمَانِ دَمًا وَهُمَا السَّابِعُ وَالتَّاسِعُ فتضم اليهما الْحَادِيَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ فَهِيَ إذًا حَائِضٌ فِي السَّابِعِ وَالتَّاسِعِ بِيَقِينٍ لِدُخُولِهِمَا فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

هَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ هُوَ فِيمَا إذَا انْقَطَعَ الدَّمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَمِثْلُهُ نَقَاءً أَمَّا إذَا انْقَطَعَ نِصْفُ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفُهُ نَقَاءً وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا أَسْوَدَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ وَالرَّابِعَ وَالْخَامِسَ كَذَلِكَ ثُمَّ تَرَى نِصْفَ السَّادِسِ دَمًا

أَحْمَرَ وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ كَذَلِكَ السَّابِعَ وَمَا بَعْدَهُ وَجَاوَزَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَتْ أَنْصَافُ السَّوَادِ حَيْضًا وَفِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ النَّقَاءِ الْقَوْلَانِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ من الْحُمْرَةُ وَالنَّقَاءُ طُهْرٌ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أنه

ص: 511

لَا يُشْتَرَطُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي غَيْرِهِ أن يتصل الدم يوم وَلَيْلَةً وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةِ رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ فَرَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ نَقَاءً ثُمَّ هَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَنِصْفٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ وَنِصْفٌ وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ فِي الْخَمْسَةِ وَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ أَيَّامٍ مِنْ الْعَشَرَةِ الْأُولَى وَهِيَ أَنْصَافُ الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى ست أو سبع فهى كمن عادتها سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا أَوْ لَقَطْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَلَا حَيْضَ لَهَا لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ لَهَا أَقَلُّ الْحَيْضِ فَإِنْ لَقَطْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ لَقَطْنَا لَهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ مَعَ اللَّيْلَةِ نَقَاءً لَفَّقْنَا الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ كَانَتْ تَرَى نِصْفَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ دَمًا ونصفهما نَقَاءً لَفَّقْنَا مِنْ يَوْمَيْنِ: هَكَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَا حَيْضَ لَهَا كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ نحيضها يوما وليلة وان تَرَ الدَّمَ فِي جَمِيعِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

إذَا رَأَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ اثْنَيْ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ فَالثَّلَاثَةُ الْأُولَى حَيْضٌ لِأَنَّهُ فِي زَمَانِ الْإِمْكَانِ وَالثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا مَعَ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى وَمَا بَيْنَهُمَا لِمُجَاوَزَتِهِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ حَيْضًا ثَانِيًا لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ أَقَلُّ طُهْرٍ وَهَكَذَا لَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً أَوْ خَمْسَةً أَوْ سِتَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَأَكْثَرَ دَمًا فَالْأَوَّلُ حَيْضٌ وَالْآخَرُ دَمُ فَسَادٍ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا وَلَوْ رَأَتْ دَمًا دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ تَمَامَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ خَمْسَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَالْأَوَّلُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي حَيْضٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الامكان ولا يصم الْأَوَّلُ إلَيْهِ لِمُجَاوَزَةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَلَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ وَلَوْ رَأَتْ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا ثُمَّ تَمَامَ خَمْسَةَ

عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ نِصْفَ يَوْمٍ دَمًا فَالدَّمَانِ جَمِيعًا دَمُ فَسَادٍ وَلَا حَيْضَ لَهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ دَمٍ لَا يَسْتَقِلُّ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّهُ إلَى الْآخَرِ لِمُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَلَوْ رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ يَوْمًا بِلَا لَيْلَةٍ دَمًا ثُمَّ ثَلَاثَةَ عَشَرَ نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ دَمًا فَقَدْ رَأَتْ فِي الْخَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمَيْنِ دَمًا فِي أَوَّلِهَا يَوْمًا وَفِي آخِرِهَا يَوْمًا فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا الدَّمُ الثَّانِي وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا أَيْضًا الثَّانِي وَأَمَّا

ص: 512

الْأَوَّلُ فَدَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا الزَّمَانِ مَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ حَيْضًا وَإِنْ لَفَّقْنَا فِي مُدَّةِ الْإِمْكَانِ وَهِيَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا الْمُبْتَدَأَةُ تُرَدُّ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ حَيَّضْنَاهَا الْيَوْمَ الْأَوَّلَ وَمِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ مِقْدَارَ لَيْلَةٍ فَيَتِمُّ لَهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَإِنْ قُلْنَا تُرَدُّ إلَى سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ مِنْ الْخَامِسَ عَشَرَ بِلَيْلَتِهِ لِأَنَّهُ الْمُمْكِنُ وَيَكُونُ الدَّمُ بَعْدَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ دَمَ فَسَادٍ

* (فَرْعٌ)

إذَا كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ فِي الشَّهْرِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ أَوَّلِهِ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ يَوْمَيْنِ دَمًا ثُمَّ سِتَّةً نَقَاءً ثُمَّ يَوْمَيْنِ دَمًا وَانْقَطَعَ وَاسْتَمَرَّ الطُّهْرُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَهِيَ أَيَّامُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً فَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا ثُمَّ أَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا سِتَّةُ الدَّمِ وَلَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ فَرَأَتْ فِي أَوَّلِهِ أَرْبَعَةً دَمًا ثُمَّ خَمْسَةً نَقَاءً ثُمَّ الْعَاشِرَ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةُ الدَّمِ وَلَوْ رَأَتْ يَوْمًا وَلَيْلَةً دَمًا وَسَبْعَةً نَقَاءً وَيَوْمَيْنِ دَمًا فَإِنْ سَحَبْنَا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ الدَّمِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ أَوْ مِنْ الْإِمْكَانِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا جَاوَزَ التَّقَطُّعُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فَلَا يَضُرُّ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِبَعْضِ الْمُبْتَدَئِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

ذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ قَالُوا لَوْ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ وَبَاقِيهِ طُهْرٌ فَرَأَتْ فِي شَهْرٍ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا ثُمَّ لَمْ تَزَلْ هَكَذَا حَتَّى رَأَتْ السَّادِسَ عَشَرَ دَمًا وَانْقَطَعَ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُلَفِّقُ فَحَيْضُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا السَّادِسَ عَشَرَ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَحَيْضُهَا ثَمَانِيَةُ الدَّمِ هَذَا إذَا وَقَفَ عَلَى السادس عشر فان جاوز فَقَدْ صَارَتْ مُسْتَحَاضَةً عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ بنت الشافعي رضى الله عنهم فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ

الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعُ إذْ لَيْسَ فِي أَيَّامِ الْعَادَةِ دَمٌ سِوَاهُمَا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ مُدَّةِ الْإِمْكَانِ فَحَيْضُهَا الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا فَهَلْ الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ الْعَادَةِ أَمْ بِزَمَنِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ: أَحَدُهُمَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَانِهَا فَيَكُونُ حَيْضُهَا الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ

ص: 513

وَالرَّابِعَ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّ الْأَوَّلِ وَالْخَامِسِ إلَيْهَا لِأَنَّهُمَا نَقَاءٌ لَيْسَ بَيْنَ دَمَيْ حَيْضٍ: وَالثَّانِي الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِهَا وَلَا تُبَالِي بِمُجَاوَزَةِ الزَّمَانِ فَيَكُونُ حَيْضُهَا خَمْسَةً وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالْخَامِسُ وَالسَّادِسُ فَحَصَلَ فِي حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ: وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ الثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ وَالثَّامِنُ وَالْعَاشِرُ: وَالْوَجْهُ الرابع أنه الثاني والثالث والرابع الخامس وَالسَّادِسُ: قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَحَاضَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا بِيَوْمٍ وَرَأَتْ النَّقَاءَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ مِنْ الشَّهْرِ وَالدَّمَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالنَّقَاءَ فِي الثَّالِثِ وَالدَّمَ فِي الرَّابِعِ وَهَكَذَا حَتَّى جَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ لفقنا من العادة فحيضها اليوم الثَّانِي وَالرَّابِعِ فَقَطْ إذْ لَيْسَ فِي زَمَنِ العادة دم سواهما وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْإِمْكَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ احْتَمَلَ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ أَوَّلُ الْحَيْضِ الْيَوْمَ الَّذِي سَبَقَ الْعَادَةَ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهُ الْيَوْمَ الثَّانِيَ مِنْ الشَّهْرِ

* قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِأَنَّهُ دَمٌ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ فَعَلَى هَذَا يُلَفَّقُ لَهَا خَمْسَةٌ وَهِيَ أَيَّامُ الدِّمَاءِ آخِرُهَا الثَّامِنُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي لَفَّقْنَا لَهَا خَمْسَةً آخِرُهَا الْعَاشِرُ وَإِنْ سَحَبْنَا بُنِيَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِزَمَنِ الْعَادَةِ حَيَّضْنَاهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهِيَ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ قُلْنَا الِاعْتِبَارُ بِعَدَدِ أَيَّامِ الْعَادَةِ حَيْضُهَا خَمْسَةٌ أَوَّلُهَا الَّذِي بَدَأَ فِيهِ الدَّمُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ فَحَصَلَ فِي قَدْرِ حَيْضِهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ وَالثَّانِي ثَلَاثَةٌ وَالثَّالِثُ خَمْسَةٌ وَفِي زَمَنِهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَوْمَانِ الثَّانِي وَالرَّابِعِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ الثَّانِي وَالثَّالِثُ والرابع والوجه الثالث خمسة ايام الدماء اولها الَّذِي سَبَقَ عَادَتَهَا وَآخِرُهَا الثَّامِنُ وَالْوَجْهُ الرَّابِعُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَآخِرُهَا الْعَاشِرُ وَالْوَجْهُ الْخَامِسُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوَّلُهَا الدَّمُ الَّذِي تَقَدَّمَ لَهُ وَآخِرُهَا الرَّابِعُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي نِهَايَةٍ مِنْ الْحُسْنِ

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

ص: 514

(فَرْعٌ)

إذَا انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا بِتَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ بين أبى اسحق وَالْأَصْحَابِ فِي مُرَاعَاةِ الْأَوَّلِيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حال اطباق الدم يعود الْخِلَافُ فِي ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ: مِثَالُ التَّقَدُّمِ كَانَ عَادَتُهَا خَمْسَةً مِنْ ثَلَاثِينَ فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ دَمًا وَالْيَوْمَ الَّذِي بَعْدَهُ نَقَاءً وَتَقَطَّعَ دَمُهَا هَكَذَا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عشر قال أبو إسحق حَيْضُهَا أَيَّامُهَا الْقَدِيمَةُ وَمَا قَبْلَهَا اسْتِحَاضَةٌ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَقَالَ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ تَنْتَقِلُ الْعَادَةُ بِمَرَّةٍ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا يَوْمُ الثَّلَاثِينَ وَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالثَّامِنَ مِثَالُ التَّأَخُّرِ أَنْ تَرَى فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ الْيَوْمَ الْأَوَّلَ نَقَاءً وَالثَّانِيَ دَمًا وَالثَّالِثَ نَقَاءً وَالرَّابِعَ دَمًا وَاسْتَمَرَّ هَكَذَا مُتَقَطِّعًا فَعِنْدَ أبى اسحق الْحُكْمُ كَمَا سَبَقَ فِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّانِي وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَالثَّانِي وَالرَّابِعُ وَالسَّادِسُ لِأَنَّ السَّادِسَ وَإِنْ خَرَجَ عَنْ الْعَادَةِ الْقَدِيمَةِ فَبِالتَّأَخُّرِ انْتَقَلَتْ عَادَتُهَا وَصَارَ الثَّانِي أَوَّلَهَا والسادس آخرها وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا الثَّامِنَ وَالْعَاشِرَ وَقَدْ صَارَ طُهْرُهَا السَّابِقُ

ص: 515

عَلَى الِاسْتِحَاضَةِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ سِتَّةً وَعِشْرِينَ وَفِي صُورَةِ التَّقَدُّمِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الدَّمُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ وَلَا تَأَخَّرْ لَكِنْ تَقَطَّعَ هُوَ وَالنَّقَاءُ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ لَمْ يعد خلاف أبى اسحق بَلْ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ وَالسَّادِسُ كَالدِّمَاءِ بَعْدَهُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَالْخَامِسُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَيْهَا السَّادِسَ وَالتَّاسِعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّ الْخَامِسَ لَا يُجْعَلُ حَيْضًا إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ وَلَا التَّاسِعُ إذَا لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ لِأَنَّهُمَا ضَعُفَا بِاتِّصَالِهِمَا بِدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَطَرَدُوا الْوَجْهَ فِي كُلِّ نَوْبَةِ دَمٍ يَخْرُجُ بَعْضُهَا عَنْ الْعَادَةِ إنْ اقْتَصَرْنَا عَلَيْهَا أَوْ عَنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ إنْ اعْتَبَرْنَاهَا: هَذَا بَيَانُ حَيْضِهَا: أَمَّا قَدْرُ طُهْرِهَا إلَى

اسْتِئْنَافِ حَيْضَةٍ أُخْرَى فَيُنْظَرُ إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بِحَيْثُ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَهُوَ ابْتِدَاءُ الْحَيْضَةِ الْأُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَنْطَبِقْ فَابْتِدَاؤُهَا أَقْرَبُ نُوَبِ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ تَقَدَّمَتْ أَوْ تَأَخَّرَتْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ فَابْتِدَاءُ حَيْضِهَا النَّوْبَةُ الْمُتَأَخِّرَةُ ثُمَّ قَدْ يَتَّفِقُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ فِي بَعْضِ أَدْوَارِ الِاسْتِحَاضَةِ دُونَ بَعْضٍ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَنْ تَأْخُذَ نَوْبَةَ دَمٍ وَنَوْبَةَ نَقَاءٍ وَتَطْلُبَ عَدَدًا صَحِيحًا يَحْصُلُ مِنْ مَضْرُوبِ مَجْمُوعِ النَّوْبَتَيْنِ فِيهِ مِقْدَارُ دَوْرِهَا فَإِنْ وَجَدَتْهُ فَاعْلَمْ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ وَإِلَّا فَاضْرِبْهُ فِي عَدَدٍ يَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْهُ أَقْرَبَ إلَى دَوْرِهَا زَائِدًا كَانَ أَوْ نَاقِصًا وَاجْعَلْ حَيْضَهَا الثَّانِيَ أَقْرَبَ الدِّمَاءِ إلَى الدَّوْرِ فَإِنْ اسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَالِاعْتِبَارُ بِالزَّائِدِ مِثَالُهُ عَادَتُهَا خَمْسَةٌ مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ يَوْمًا وَيَوْمًا وَجَاوَزَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَنَوْبَةُ الدَّمِ يَوْمٌ وَنَوْبَةُ النَّقَاءِ مِثْلُهُ وَتَجِدُ عَدَدًا إذَا ضَرَبَتْ الِاثْنَيْنِ فِيهِ يَبْلُغُ ثَلَاثِينَ وَهُوَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَتَعْلَمُ انْطِبَاقَ الدَّمِ عَلَى أول دورها ابدا مادام التَّقَطُّعُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَتَقَطَّعَ يَوْمَيْنِ يَوْمَيْنِ فَلَا تَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ من ضرب اربعة فيه ثَلَاثِينَ فَاطْلُبْ مَا يُقَرِّبُ الْحَاصِلَ مِنْ الضَّرْبِ فِيهِ مِنْ ثَلَاثِينَ وَهُنَا عَدَدَانِ سَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ أَحَدُهُمَا يَحْصُلُ مِنْهُ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ وَالْآخَرُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ فَاسْتَوَى طَرَفَا الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَخُذْ بِالزِّيَادَةِ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّانِيَةِ الثَّالِثَ وَالثَّلَاثِينَ وَحِينَئِذٍ يعود خلاف ابي اسحق لِتَأَخُّرِ الْحَيْضِ عَنْ أَوَّلِ الدَّوْرِ فَحَيْضُهَا عِنْدَهُ

ص: 516

فِي الدَّوْرِ الثَّانِي هُوَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَقَطْ عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا خَمْسَةٌ مُتَوَالِيَةٌ أَوَّلُهَا الثَّالِثُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الثَّالِثُ وَالرَّابِعُ وَالسَّابِعُ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَحَيْضُهَا هَذِهِ الثَّلَاثَةُ مَعَ الثَّامِنِ وَالْحَادِيَ عَشَرَ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الثَّالِثِ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ فَلَا يَبْقَى خِلَافُ أَبِي اسحق وَيَكُونُ الْحُكْمُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ ثُمَّ فِي الدَّوْرِ الرَّابِعِ يَتَأَخَّرُ الدَّمُ وَيَعُودُ الْخِلَافُ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ نَرَ أَحَدًا يَقُولُ إذَا تَأَخَّرَ الدَّمُ فِي الدَّوْرِ الثَّانِي يَوْمَيْنِ فَقَدْ صَارَ أَوَّلُ الْأَدْوَارِ الْمُجَاوِزَةِ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَيُجْعَلُ هَذَا الْقَدْرُ دَوْرًا لَهُمَا تَفْرِيعًا عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَحِينَئِذٍ يَنْطَبِقُ الدَّمُ عَلَى أَوَّلِ الدَّوْرِ أَبَدًا لِأَنَّا نَجِدُ عَدَدًا يَحْصُلُ مِنْ ضَرْبِ الْأَرْبَعَةِ فِيهِ هَذَا الْقَدْرُ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ بِهَذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ بَأْسٌ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدَّوْرُ

حَدَثَ فِي زَمَنِ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ قُلْنَا لَا نُسَلِّمُ فَقَدْ اثبتنا عادة للمستحاضة مَعَ دَوَامِ الِاسْتِحَاضَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُسْتَحَاضَةَ الْمُمَيِّزَةَ يَثْبُتُ لَهَا بِالتَّمْيِيزِ عَادَةٌ مَعْمُولٌ بِهَا وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَرَأَتْ ثَلَاثَةً دَمًا وأربعة نقاء فمجموع النوبتين سبعة ولا تجد عَدَدًا إذَا ضَرَبْتَ السَّبْعَةَ فِيهِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ فَاضْرِبْهَا فِي أَرْبَعَةٍ لِتَبْلُغَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ وَاجْعَلْ أَوَّلَ الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ التَّاسِعَ وَالْعِشْرِينَ وَلَا تَضْرِبْهَا فِي خَمْسَةٍ فَإِنَّهُ يَبْلُغُ خَمْسَةً وَثَلَاثِينَ وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ الدَّوْرِ ثُمَّ إذَا صَارَ أَوَّلُ الحيضة التاسع والعشرين فقد تقدم الحيض على اول الدور فعلي قياس ابى اسحق مَا قَبْلَ الدَّوْرِ اسْتِحَاضَةٌ وَحَيْضُهَا الْيَوْمُ الْأَوَّلُ عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَالسَّحْبِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ لَا يَخْفَى: وَلَوْ كَانَتْ عَادَتُهَا سِتَّةً مِنْ ثَلَاثِينَ وَتَقَطَّعَ دَمُهَا سِتَّةً سِتَّةً وَجَاوَزَ فَفِي الدَّوْرِ الْأَوَّلِ حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الدَّوْرُ الثَّانِي فَإِنَّهَا تَرَى سِتَّةً مِنْ أَوَّلِهِ نقاء وهى أيام عادتها فعند ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذَا الدَّوْرِ أَصْلًا وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا حَيْضُهَا السِّتَّةُ الثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلَيْ السَّحْبِ وَالتَّلْفِيقِ جَمِيعًا وَالثَّانِي حَيْضُهَا السِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الدَّوْرِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا فَارَقَتْ مَحِلَّهَا فَقَدْ يَتَقَدَّمُ وَقَدْ يَتَأَخَّرُ وَالسِّتَّةُ الْأَخِيرَةُ صَادَفَتْ زَمَنَ الْإِمْكَانِ لِأَنَّهُ مَضَى قَبْلَهَا طُهْرٌ كَامِلٌ فوجب جعلها حيضا ويجئ هَذَا الْوَجْهُ حَيْثُ خَلَتْ جَمِيعُ أَيَّامِ الْعَادَةِ عَنْ الدَّمِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْقُصْ الدَّمُ الْمَوْجُودُ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ عَنْ أَقَلِّ الْحَيْضِ فَلَوْ نَقَصَ بِأَنْ كَانَتْ عَادَتُهَا يَوْمًا وَلَيْلَةً فَرَأَتْ فِي بَعْضِ الْأَدْوَارِ يَوْمًا دَمًا وَلَيْلَةً نَقَاءً وَاسْتُحِيضَتْ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَلَى قَوْلِ السحب أصحها وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا حَيْضَ لَهَا فِي هَذِهِ

ص: 517

الصُّورَةِ وَالثَّانِي تَعُودُ إلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَحْمُودِيُّ وَالثَّالِثُ حَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي وَاللَّيْلَةُ بَيْنَهُمَا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ التَّلْفِيقِ فَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيَّضْنَاهَا الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَةَ بَيْنَهُمَا طُهْرًا وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فوجهان حكاهما الامام والغزالي في البسيط الاصح قول ابى اسحق لَا حَيْضَ لَهَا وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي تَرْجِعُ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَهُوَ التَّلْفِيقُ مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَادَّعَى الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ لَا طَرِيقَ غَيْرَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ: هَذَا كله فيمي كَانَ لَهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَادَةٌ غَيْرُ مُتَقَطِّعَةٍ أَمَّا مَنْ كَانَتْ لَهَا عَادَةٌ مُتَقَطِّعَةٌ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ مَعَ التَّقَطُّعِ فَيُنْظَرُ

إنْ كَانَ التَّقَطُّعُ بَعْدَ الِاسْتِحَاضَةِ كَالتَّقَطُّعِ قَبْلَهَا فَمَرَدُّهَا قَدْرُ حَيْضِهَا عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ مِثَالُهُ كَانَتْ تَرَى ثَلَاثَةً دَمًا وَأَرْبَعَةً نَقَاءً ثُمَّ ثَلَاثَةً دَمًا وَتَطْهُرُ عِشْرِينَ ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ وَالتَّقَطُّعُ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنْ سَحَبْنَا كَانَ حَيْضُهَا قَبْلَ الِاسْتِحَاضَةِ عَشَرَةً وَكَذَا بَعْدَهَا وَإِنْ لَفَّقْنَا كَانَ حَيْضُهَا سِتَّةً يتوسط بين نصفيها أَرْبَعَةٌ وَكَذَا الْآنَ وَإِنْ اخْتَلَفَ التَّقَطُّعُ بِأَنْ تَقَطَّعَ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ يَوْمًا يَوْمًا ثُمَّ اُسْتُحِيضَتْ فَإِنْ سَحَبْنَا فَحَيْضُهَا الْآنَ تِسْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا جُمْلَةُ الدِّمَاءِ الْمَوْجُودَةِ فِي زَمَنِ الْعَادَةِ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْعَادَةِ فَحَيْضُهَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالتَّاسِعُ إذْ لَيْسَ لَهَا فِي أَيَّامِ حَيْضِهَا الْقَدِيمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ دم الا فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنْ لَفَّقْنَا مِنْ الْخَمْسَةَ عَشَرَ ضَمَمْنَا إلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ الْخَامِسَ وَالسَّابِعَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ تَكْمِيلًا لِقَدْرِ حَيْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ وَإِنْ رَأَتْ يَوْمًا طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ يُنْكَرُ عَلَيْهِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا تَسْمِيَتُهُ طُهْرًا مَعَ أَنَّهُ حَيْضٌ فِي الْأَصَحِّ وَالثَّانِي تَقْدِيمُ الطُّهْرِ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ الِابْتِدَاءَ إنَّمَا هُوَ مِنْ الدَّمِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ إهْمَالُهُ بَيَانَ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُصَوَّرَةٌ فِيمَنْ تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ جَاوَزَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ كما سبق

* [قال المصنف رحمه الله]

* [دَمُ النِّفَاسِ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُهُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ لِأَنَّهُ حَيْضٌ مُجْتَمِعٌ احْتَبَسَ لِأَجَلِ الْحَمْلِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ فَإِنْ خرج قبل الولادة شئ لَمْ يَكُنْ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ كَانَ نِفَاسًا وَإِنْ خَرَجَ مَعَ الْوَلَدِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ جَمِيعُ الْوَلَدِ فَهِيَ فِي حُكْمِ الْحَامِلِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا فَصَارَ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ فِي حَالِ الْحَمْلِ وَقَالَ أَبُو اسحق وَأَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ بْنِ الْقَاصِّ هُوَ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ دَمٌ انْفَصَلَ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ فصار

ص: 518

كَالدَّمِ الْخَارِجِ بَعْدَ الْوِلَادَةِ وَإِنْ رَأَتْ الدَّمَ قَبْلَ الْوِلَادَةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ وَلَدَتْ وَرَأَتْ الدَّمَ فَإِنَّ الْخَارِجَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ نِفَاسٌ وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضٌ وَنِفَاسٌ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَالَى حَيْضَتَانِ مِنْ غَيْرِ طُهْرٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا قُلْنَا إنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ فَهُوَ حَيْضٌ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَقُومُ مقام الطهر في الفصل]

*

[الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا فِي أَلْفَاظِهَا: النِّفَاسُ بِكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوَلَدِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْخَارِجَ مَعَهُ نِفَاسًا يَقُولُ هُوَ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا أَهْلُ اللُّغَةِ فَقَالُوا النِّفَاسُ الْوِلَادَةُ وَيُقَالُ فِي فِعْلِهِ نُفِسَتْ الْمَرْأَةُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا وَالْفَاءُ مَكْسُورَةٌ فِيهِمَا وَهَاتَانِ اللُّغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَالْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ وَآخَرُونَ أَفْصَحُهُمَا الضَّمُّ وَلَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَالْمُجْمَلِ غَيْرَهُ وَأَمَّا إذَا حَاضَتْ فَيُقَالُ نَفِسَتْ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ لاغير كَذَا قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَالْهَرَوِيُّ وَآخَرُونَ وَيُقَالُ فِي الْوِلَادَةِ امْرَأَةٌ نُفَسَاءُ بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَنِسْوَةٌ نِفَاسٌ بِكَسْرِ النُّونِ قَالُوا وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فُعَلَاءُ يُجْمَعُ عَلَى فعال الانفساء وَعُشَرَاءَ لِلْحَامِلِ جَمْعُهَا عِشَارٌ وَيُجْمَعُ النُّفَسَاءُ أَيْضًا نُفَسَاوَاتٍ بِضَمِّ النُّونِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَبِالْفَتْحِ أَيْضًا قَالَ وَيُجْمَعُ عَلَى نُفُسٍ أَيْضًا بِضَمِّ النُّونِ وَالْفَاءِ قَالَ وَيُقَالُ فِي الْوَاحِدَةِ نُفْسَى مِثْلُ كُبْرَى وَنَفْسِي بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ امْرَأَتَانِ نُفْسَاوَانِ وَالْوَلَدُ مَنْفُوسٌ وَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الْحَيْضِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَسْرَهَا أَيْضًا وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ تَعْدِيَتُهُ بِمِنْ فَيُقَالُ مِنْ أجل الحيض ومن أجل كذا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا) وَقَوْلُهُ لِلزَّوْجِ رَجْعَتُهَا هِيَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَسَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بَيَانُ اللُّغَتَيْنِ فِي الْحَامِلِ وَالْحَامِلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أبى اسحق وَأَبِي الْعَبَّاسِ فِي أَبْوَابِ الْمِيَاهِ وَقَوْلُهُ أَبُو العباس بن ابى أحمد ابن الْقَاصِّ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَهُوَ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ ابْنُ الْقَاصِّ يُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَهُوَ مَرْفُوعٌ هُنَا صِفَةً لِأَبِي الْعَبَّاسِ وَلَا يَجُوزُ جَرُّهُ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِأَبِي أَحْمَدَ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْمَعْنَى فَإِنَّ الْقَاصَّ هُوَ أَبُو أَحْمَدَ وَعَادَتُهُمْ أَنْ يَصِفُوا أَبَا الْعَبَّاسِ بِأَحَدِ أَوْصَافٍ ثَلَاثَةٍ فَتَارَةً يُقَالُ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ وَتَارَةً أَبُو الْعَبَّاسِ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ أَوْ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ بِلَا كُنْيَةٍ كَمَا يَفْعَلُهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَارَةً يَجْمَعُونَ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ كَمَا فَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ إذَا نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ فَلَهَا حُكْمُ

ص: 519

الْحَائِضِ فِي الْأَحْكَامِ كُلِّهَا إلَّا أَرْبَعَةَ أَشْيَاءَ مُخْتَلَفًا فِي بَعْضِهَا أَحَدُهَا أَنَّ النِّفَاسَ لَا يَكُونُ بُلُوغًا فَإِنَّ الْبُلُوغَ يَحْصُلُ بِالْحَمْلِ قَبْلَهُ والحيض قد يكون بلوغا الثاني لَا يَكُونُ النِّفَاسُ اسْتِبْرَاءً الثَّالِثُ لَا يُحْسَبُ

النِّفَاسُ مِنْ عِدَّةِ الْإِيلَاءِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا طَرَأَ عَلَيْهَا قَطَعَهَا بِخِلَافِ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ يُحْسَبُ وَلَا يُقْطَعُ الرَّابِعُ لَا يَنْقَطِعُ تَتَابُعُ صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِالْحَيْضِ وَفِي انْقِطَاعِهِ بِالنِّفَاسِ وَجْهَانِ وَمَا سِوَى هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ يَسْتَوِي فِيهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا مَا حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ كالصلاة والصوم والوطئ وغيرهما مِمَّا سَبَقَ وَيَسْقُطُ عَنْهَا مَا يَسْقُطُ عَنْ الْحَائِضِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ وَطَوَافِ الْوَدَاعِ وَغَيْرِهَا مِمَّا سَبَقَ وَيَحْرُمُ عَلَى الزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَطَلَاقُهَا وَيُكْرَهُ عُبُورُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إذَا لَمْ نُحَرِّمْهُمَا وَيَلْزَمُهَا الغسل وقضاء الصوم ونمنع صِحَّةَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالطَّوَافِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْغُسْلِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ النِّفَاسُ يُحَرِّمُ مَا يُحَرِّمُ الْحَيْضُ وَيُسْقِطُ مَا يُسْقِطُهُ الْحَيْضُ فَكَلَامٌ صَحِيحٌ وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ لِأَنَّ بَاقِيَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَبِّرَ بِالْعِبَارَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا أَوَّلًا لِسُهُولَتِهَا وَكَأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ تَنْبِيهًا بِهِ عَلَى الْبَاقِي وَلِهَذَا قَالَ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْحَيْضِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ النُّفَسَاءَ لَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ لا خلاف فيه ونقل ابن جريج إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ اتِّفَاقَ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْحَائِضِ فِي كُلِّ شئ وَلَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

ذَكَرْنَا أَنَّ النُّفَسَاءَ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الصَّلَاةِ وَهَذَا جَارٍ فِي كُلِّ نُفَسَاءَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِيَسْقُطَ الْجَنِينُ مَيِّتًا فَأَسْقَطَتْهُ مَيِّتًا وَجَبَ عَلَيْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ أَيَّامِ النِّفَاسِ لِأَنَّهَا عَاصِيَةٌ وَالْأَصَحُّ الْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

* الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فِي حَقِيقَةِ النفاس وحكم الدم قبل الولادة وبعدها ومعها فَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَنِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الْخَارِجِ مَعَ الْوَلَدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَسَنَذْكُرُ حُكْمَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاحْتَجَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الرُّويَانِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ فَلَوْ جَعَلْنَاهُ نِفَاسًا لَزَادَتْ مُدَّةُ النِّفَاسِ علي

ص: 520

سِتِّينَ يَوْمًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ وَصَحَّحَهُ ابن الصباع وَالثَّالِثُ لَهُ حُكْمُ الدَّمِ الْخَارِجِ بَيْنَ التَّوْأَمَيْنِ

حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا وُجُوبُ الْغُسْلِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِخُرُوجِ الْوَلَدِ وَمِنْهَا بُطْلَانُ الصَّوْمِ إذَا لَمْ تَرَ دَمًا بَعْدَهُ أَصْلًا أَوْ وَلَدَتْ مَعَ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ وَكَانَ الدَّمُ الْمُتَعَقِّبُ لِلْوَلَدِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَمِنْهَا مَنْعُ وُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ الْوِلَادَةُ مُسْتَوْعِبَةً لِجَمِيعِ الْوَقْتِ أَوْ كَانَتْ الْحَامِلُ مَجْنُونَةً وَأَفَاقَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِالْجُنُونِ بِحَيْثُ لَوْ لَمْ تُوجَدْ الْوِلَادَةُ لَوَجَبَتْ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الدَّمُ الْخَارِجُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ بَلْ لَهُ حُكْمُ دَمِ الْحَامِلِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ انْفَصَلَ عَمَّا بَعْدَ الْوِلَادَةِ فَلَيْسَ بِنِفَاسٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ اتَّصَلَ بِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ وَقَالَ وَأَوَّلُ نِفَاسِهَا مِنْ حِينِ بَدَأَ بِهَا الدَّمُ الْمُتَّصِلُ بِالْوِلَادَةِ وَالثَّانِي لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَمُرَادُهُ بِمَا قَبْلَ الْوِلَادَةِ مَا قَارَبَهَا وَقَدْ أَوْضَحَ الرَّافِعِيُّ الْمَسْأَلَةَ فَقَالَ لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ الدَّمَ عَلَى عَادَتِهَا وَاتَّصَلَتْ الْوِلَادَةُ بِآخِرِهِ وَلَمْ يَتَخَلَّلْ طُهْرٌ أَصْلًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ لِأَنَّ النِّفَاسَ لَا يَسْبِقُ الْوِلَادَةَ وَلِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ مَا يَبْدُو عِنْدَ الطَّلْقِ لَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالُوا ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ وَجْهًا أَنَّ مَا يَبْدُو عند الطلق نفاس لِأَنَّهُ مِنْ آثَارِ الْوِلَادَةِ ثُمَّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا لَا يُجْعَلُ نِفَاسًا لَا يُجْعَلُ حَيْضًا كَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْحَنَّاطِيُّ وَحَكَى مَعَهُ وَجْهًا أَنَّهُ حَيْضٌ عَلَى قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِذَا كَانَ الْأَصَحُّ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَيْضٍ وَجَبَ أَنْ تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ قَوْلِنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهَا حَامِلٌ بَعْدُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَحَصَلَ في وقت ابتداء النفاس أوجه أحدها بحسب مِنْ الدَّمِ الْبَادِئِ عِنْدَ الطَّلْقِ وَالثَّانِي مِنْ الدَّمِ الْخَارِجِ مَعَ ظُهُورِ الْوَلَدِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ مِنْ وَقْتِ انْفِصَالِ الْوَلَدِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَيَّامًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَابْتِدَاءُ النِّفَاسِ يُحْسَبُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ لَا مِنْ

ص: 521

رُؤْيَةِ الدَّمِ وَهَذَا وَجْهٌ رَابِعٌ وَمَوْضِعُهُ إذَا كَانَتْ الْأَيَّامُ الْمُتَخَلِّلَةُ دُونَ أَقَلِّ الطُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: إذَا رَأَتْ الْحَامِلُ دَمًا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا وَانْقَطَعَ ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ

يَوْمًا مِنْ انْقِطَاعِهِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ حَيْضٌ إنْ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ وَإِلَّا فَهُوَ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ سَوَاءٌ قُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَهُوَ فِي الْمَعْنَى طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَالثَّانِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي دَمِ الْحَامِلِ ثُمَّ لَا فَرْقَ فِي جَرَيَانِ هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ أَنْ تَرَى الدَّمَ فِي زَمَنِ عَادَتِهَا أَوْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَتَّصِلَ بِالْوِلَادَةِ أَمْ لَا عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُوَ اسْتِحَاضَةٌ فَهُوَ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ يُطْلَقُ عَلَى الْجَارِي فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ بِحَيْضٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْخِلَافَ فِيهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

* [وَأَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ يَوْمًا وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْنَاهُ مَا رُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عِنْدَنَا امْرَأَةٌ تَرَى النِّفَاسَ شَهْرَيْنِ وَعَنْ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الحسن العنبري والحجاج ابن ارطاة ابن النِّفَاسَ سِتُّونَ يَوْمًا وَلَيْسَ لِأَقَلِّهِ حَدٌّ وَقَدْ تَلِدُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَرَى الدَّمَ وَرُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَرَ نِفَاسًا فَسُمِّيَتْ ذات الجفوف]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ وَالْجُفُوفُ بِضَمِّ الْجِيمِ معناه الجفاف وهما مصدران لجف الشئ يَجِفُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَبِفَتْحِهَا أَيْضًا فِي لُغَيَّةٍ: أَمَّا حُكْمُهُ فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الَّذِي تَظَاهَرَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَلَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَمَعْنَاهُ لَا يَتَقَيَّدُ بِسَاعَةٍ وَلَا بِنِصْفِ سَاعَةٍ مَثَلًا وَلَا نَحْوِ ذَلِكَ بَلْ قَدْ يَكُونُ مُجَرَّدَ مَجَّةٍ أَيْ دَفْعَةٍ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ في التنبيه والاصحاب وحكى ابوعيسي التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَهَذَا عَجِيبٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَأَمَّا إطْلَاقُ جَمَاعَةٍ مِنْ اصحابنا ان أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةً

ص: 522

فَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّاعَةُ الَّتِي هِيَ جُزْءٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ النَّهَارِ بَلْ الْمُرَادُ مَجَّةٌ كَمَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي كُتُبِهِ نص في أقل النفاس وروى أَبُو ثَوْرٍ عَنْهُ أَنَّ أَقَلَّهُ سَاعَةٌ قَالَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ السَّاعَةُ حَدٌّ لِأَقَلِّهِ أَمْ لَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ

قَوْلُ أَبِي العباس وجميع البغداديين انه محدود الاقل بساعة وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ السَّاعَةَ تَقْلِيلًا لَا تَحْدِيدًا وَأَقَلُّهُ مَجَّةُ دَمٍ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُزَنِيِّ أَقَلُّهُ سَاعَةٌ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ فِي ذكل قَوْلَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ كَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ إذَا وَلَدَتْ فَهِيَ نُفَسَاءُ فَإِذَا أَرَادَتْ الطُّهْرَ وَجَبَ الْغُسْلُ وَالصَّلَاةُ قَالَ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ أَقَلَّ النِّفَاسِ سَاعَةٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ أَقَلَّهُ مَجَّةٌ وَبَنَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الْخِلَافِ فِي تَحْدِيدِهِ بِسَاعَةٍ أَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا وَقُلْنَا إنَّ الْوِلَادَةَ بِلَا دَمٍ تُوجِبُ الْغُسْلَ فَهَلْ يَصِحُّ غُسْلُهَا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ام لابد مِنْ تَأْخِيرِهِ سَاعَةً فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا مَحْدُودٌ لَمْ يَصِحَّ وَإِلَّا فَيَصِحُّ وَهَذَا الْبِنَاءُ ضَعِيفٌ انْبَنِي عَلَى ضَعِيفٍ بَلْ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِصِحَّةِ غُسْلِهَا وَكَيْفَ تُمْنَعُ صِحَّتُهُ بِسَبَبِ النِّفَاسِ وَلَا دَمَ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السِّتِّينَ يَكُونُ عَقِيبَ انْفِصَالِ الْوَلَدِ سَوَاءٌ قُلْنَا الدَّمُ الْخَارِجُ مَعَ الْوَلَدِ نِفَاسٌ أَمْ لَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ غَالِبَ النِّفَاسِ وَتَرْكُهُ عَجَبٌ فَقَدْ ذَكَرَهُ هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ هَذَا تُرَدُّ الْمُبْتَدَأَةُ إلَى غَالِبِهِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا يَزِيدُ التَّعَجُّبَ مِنْ تركه وكأنه اسْتَغْنَى بِشُهْرَتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَمَأْخَذَهُ الْعَادَةُ وَالْوُجُودُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَسْمَاءَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَقَدْ بَيَّنَّا حالهما في

ص: 523

أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا الشَّعْبِيُّ فَبِفَتْحِ الشِّينِ وَهُوَ أَبُو عَمْرٍو عَامِرُ بْنُ شَرَاحِيلَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَقِيلَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَرَاحِيلَ الْكُوفِيُّ التَّابِعِيُّ الْكَبِيرُ الْمُتَّفَقُ عَلَى جَلَالَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَبَرَاعَتِهِ وَشِدَّةِ حِفْظِهِ رَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ أَدْرَكْتُ خَمْسَمِائَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَيْنَا عَنْهُ قَالَ مَا كَتَبْتُ سَوْدَاءَ فِي بَيْضَاءَ قَطُّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ فَأَحْبَبْتُ أَنْ يُعِيدَهُ عَلَيَّ وَلَا حَدَّثَنِي رَجُلٌ بِحَدِيثٍ إلَّا حَفِظْتُهُ وَأَحْوَالُهُ كَثِيرَةٌ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: وُلِدَ لِسِتِّ سِنِينَ خَلَتْ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَتُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَمِائَةٍ وَقِيلَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ خَمْسٍ وَقِيلَ سِتٍّ

وَأَمَّا الْعَنْبَرِيُّ فَهُوَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ مَالِكٍ الْعَنْبَرِيُّ الْقَاضِي الْبَصْرِيُّ وُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ بَعْدَ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ نُسِبَ إلَى الْعَنْبَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ جَدٌّ مِنْ أَجْدَادِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ كَانَ مَحْمُودًا ثِقَةً عَاقِلًا وَهُوَ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَأَمَّا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ أَبُو أَرْطَاةَ النَّخَعِيُّ الْكُوفِيُّ مِنْ تَابِعِ التَّابِعِينَ وَهُوَ أَحَدُ الْمُفْتِينَ بِالْكُوفَةِ اُسْتُفْتِيَ وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً وَوُلِّيَ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ رحمهم الله أَجْمَعِينَ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَقَلِّهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّ أَكْثَرَهُ سِتُّونَ يَوْمًا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ وَالْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَزَعَمَ ابْنُ الْقَاسِمِ أَنَّ مَالِكًا رَجَعَ عَنْ التَّحْدِيدِ بِسِتِّينَ يوما وقال يسئل النِّسَاءُ عَنْ ذَلِكَ وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَى أَنَّ أَكْثَرَهُ أَرْبَعُونَ كَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى هَذَا جَمَاعَةُ النَّاسِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ رضي الله عنهم وَحَكَى التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُمْ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ خَمْسُونَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ اللَّيْثُ قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إنَّهُ سَبْعُونَ يَوْمًا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَذَكَرَ

ص: 524

الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَهْلِ دِمَشْقَ أَنَّ أَكْثَرَ النِّفَاسِ مِنْ الْغُلَامِ ثَلَاثُونَ يَوْمًا وَمِنْ الْجَارِيَةِ أَرْبَعُونَ وَعَنْ الضَّحَّاكِ أَكْثَرُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَاحْتَجَّ لِلْقَائِلِينَ بِأَرْبَعِينَ بِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها: قَالَتْ كَانَتْ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعِينَ يَوْمًا: حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَثْنَى الْبُخَارِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ بِمَعْنَى هَذَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسٍ وَمُعَاذٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم قَالُوا وَلِأَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ أَوْ اتِّفَاقٍ وَقَدْ حَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى أَرْبَعِينَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ ثَبَتَ الْوُجُودُ فِي السِّتِّينَ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ

عَنْ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ كَمَا قُلْنَا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَأَكْثَرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ غَالِبَهُ أَرْبَعُونَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُهُ زَائِدًا كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ أَكْثَرُ النِّفَاسِ سِتُّونَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ فَمِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ وَالثَّانِي حَمْلُهُ عَلَى نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقْعُدُ فِي النِّفَاسِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ إثْبَاتُ الْأَرْبَعِينَ وَاعْتَمَدَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا جَوَابًا آخَرَ وَهُوَ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَرْدُودٌ بَلْ الْحَدِيثُ جَيِّدٌ كَمَا سَبَقَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْأُخَرُ فَكُلُّهَا ضَعِيفَةٌ ضَعَّفَهَا الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ أَسْبَابَ ضَعْفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا أَقَلُّ النِّفَاسِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَقَلَّهُ عِنْدَنَا مَجَّةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وقد سبق أنه مذهب مالك والازاعى وأحمد واسحق وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا مَجَّةٌ كَمَذْهَبِنَا وَالثَّانِيَةُ أَحَدَ عَشَرَ وَالثَّالِثَةُ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْهُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الثَّوْرِيِّ أَقَلُّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ أَقَلُّهُ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الْوُجُودِ وَقَدْ حَصَلَ الْوُجُودُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى وُجِدَ مَنْ لَمْ تَرَ نِفَاسًا أَصْلًا قَالَ صَاحِبُ الحاوى وسبب

ص: 525

اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ ذَكَرَ أَقَلَّ مَا بَلَغَهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى أَقَلِّ مَا وُجِدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ الْمُزَنِيّ أَكْثَرُ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ فَغَرِيبٌ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْثَرُهُ سِتُّونَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا خَالَفَهُ فِي أَقَلِّهِ كَذَا نَقَلَهُ الْفُورَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ فَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرُوهُ كَانَ عَنْ الْمُزَنِيِّ رِوَايَتَانِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ وَلَدَتْ تَوْأَمَيْنِ بَيْنَهُمَا زَمَانٌ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يُعْتَبَرُ النِّفَاسُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ دَمٌ يَعْقُبُ الْوِلَادَةَ فَاعْتُبِرَتْ الْمُدَّةُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ وَحْدَهُ وَالثَّانِي يُعْتَبَرُ مِنْ الثاني لانه مادام معهما حَمْلٌ فَالدَّمُ لَيْسَ بِنِفَاسٍ كَالدَّمِ الَّذِي تَرَاهُ قَبْلَ الْوِلَادَةِ وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ الْمُدَّةِ مِنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ الْمُدَّةُ مِنْ الثَّانِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا سَبَبٌ لِلْمُدَّةِ فَإِذَا وُجِدَا اُعْتُبِرَ الِابْتِدَاءُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ

مِنْهُمَا كَمَا لو وطأ امْرَأَةً بِشُبْهَةٍ فَدَخَلَتْ فِي الْعِدَّةِ ثُمَّ وَطِئَهَا فانها تستأنف العدة]

* [الشَّرْحُ] يُقَالُ زَمَانٌ وَزَمَنٌ لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ توأمين هو بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ وَمَعْنَاهُ وَلَدَانِ هُمَا حَمْلٌ وَاحِدٌ وَشَرْطُ كَوْنِهِمَا تَوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فان كان سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ بَيْنَهُمَا شَهْرٌ أَوْ شَهْرَانِ أَوْ أَكْثَرُ مَا لَمْ يَبْلُغْ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَهُمَا تَوْأَمَانِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مَشْهُورَةٌ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَحَكَى ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا حَكَاهَا أَقْوَالًا وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَأَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيِّ وَالرُّويَانِيِّ وَصَاحِبِ الْعُدَّةِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ النِّفَاسَ مُعْتَبَرٌ مِنْ الْوَلَدِ الثَّانِي وَهُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ وَزَفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَدَاوُد وَصَحَّحَ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ كَوْنَهُ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد وَتَوْجِيهُ الْجَمِيعِ مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْنَا يُعْتَبَرُ مِنْ الثَّانِي فَفِي حُكْمِ الدَّمِ الَّذِي بَيْنَهُمَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي دَمِ الْحَامِلِ أَصَحُّهُمَا

ص: 526

أَنَّهُ حَيْضٌ وَالثَّانِي دَمُ فَسَادٍ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي الْقَطْعُ بِأَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ كَاَلَّذِي تَرَاهُ فِي مبادئ خروج الولد وبهذا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالثَّالِثُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ حَيْضٌ لِأَنَّهُ بِخُرُوجِ الْأَوَّلِ انْفَتَحَ بَابُ الرَّحِمِ فَخَرَجَ الْحَيْضُ بِخِلَافِ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُنْسَدٌّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنْ قُلْنَا دَمُ الْحَامِلِ حَيْضٌ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ إنَّ الْمُدَّةَ تُعْتَبَرُ مِنْ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ تُسْتَأْنَفُ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسَانِ يُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ وَلَا يُبَالَى بِزِيَادَةِ مَجْمُوعِهِمَا عَلَى سِتِّينَ حَتَّى لَوْ رَأَتْ بَعْدَ الْأَوَّلِ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا وَبَعْدَ الثَّانِي سِتِّينَ كَانَا نِفَاسَيْنِ كَامِلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَتَّى لَوْ وَلَدَتْ أَوْلَادًا فِي بَطْنٍ وَرَأَتْ عَلَى أَثَرِ كُلِّ وَاحِدٍ سِتِّينَ فَالْجَمِيعُ نِفَاسٌ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمُ نِفَاسٍ مُسْتَقِلٍّ لَا يَتَعَلَّقُ حُكْمُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا إنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْأَوَّلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُمَا نِفَاسٌ وَاحِدٌ ابْتِدَاؤُهُ مِنْ خُرُوجِ الْوَلَدِ الْأَوَّلِ فَإِنْ زَادَ مَجْمُوعُهُمَا عَلَى سِتِّينَ يَوْمًا فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ وَضَعَتْ الثَّانِيَ بَعْدَ مُضِيِّ سِتِّينَ يَوْمًا مِنْ حِينِ وَضَعَتْ الْأَوَّلَ قَالَ جَمَاعَةٌ كَانَ مَا رَأَتْهُ بَعْدَ الثَّانِي دَمَ فَسَادٍ

وَلَيْسَ بِنِفَاسٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الْوَلَدَ الثَّانِيَ يَنْقَطِعُ عَنْ الْأَوَّلِ وَتَسْتَأْنِفُ نِفَاسًا فَإِنَّ الَّذِي تَقَدَّمَهُ نِفَاسٌ كَامِلٌ وَيَسْتَحِيلُ أَنْ تَلِدَ الثَّانِيَ وَتَرَى الدَّمَ عَقِيبَهُ وَلَا يَكُونُ نِفَاسًا قَالَ الْإِمَامُ وَسَمِعْتُ شَيْخِي يَقُولُ الدَّمُ بَعْدَ الثَّانِي دَمُ فَسَادٍ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ وَهَذَا وَلَدٌ تَقَدَّمَهُ النِّفَاسُ قَالَ الْإِمَامُ وَيَلْزَمُ عَلَى قِيَاسِ هَذَا أَنْ يُقَالَ إذَا وَلَدَتْ وَرَأَتْ سِتِّينَ يَوْمًا دَمًا ثُمَّ تَمَادَى اجْتِنَانُ الْوَلَدِ الثَّانِي أَشْهُرًا ثُمَّ وَلَدَتْهُ وَرَأَتْ دَمًا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ كُلَّ وَلَدٍ يَسْتَعْقِبُ نِفَاسًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ

* (فَرْعٌ)

إذَا أَسْقَطَتْ عُضْوًا مِنْ الْجَنِينِ وَبَقِيَ الْبَاقِي مُجْتَنًّا وَرَأَتْ بَعْدَ الْعُضْوِ دَمًا قَالَ الْمُتَوَلِّي هَلْ يَكُونُ نِفَاسًا فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الدم بين التوأمين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ رَأَتْ دَمَ النِّفَاسِ سَاعَةً ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَة عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وليلة فيه وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالثَّانِيَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ الْجَمِيعَ نِفَاسٌ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وُجِدَ

ص: 527

فِي مُدَّةِ النِّفَاسِ وَفِيمَا بَيْنَهُمَا الْقَوْلَانِ فِي التلفيق]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَتَارَةً يَتَجَاوَزُ التَّقَطُّعُ سِتِّينَ يَوْمًا وَتَارَةً لَا يَتَجَاوَزُهَا فَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْهَا نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مُدَّةُ النَّقَاءِ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلَّ الطُّهْرِ وهو خمسة عشر وما فَأَوْقَاتُ الدَّمِ نِفَاسٌ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ قَوْلَا التَّلْفِيقِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ نِفَاسٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ مِثَالُ هَذَا أَنْ تَرَى سَاعَةً دَمًا وَسَاعَةً نَقَاءً أَوْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ خَمْسَةً أَوْ عَشَرَةً أَوْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةً وَنَحْوَهُمَا مِنْ التَّقْدِيرَاتِ أَمَّا إذَا بَلَغَتْ مُدَّةُ النَّقَاءِ أَقَلَّ الطُّهْرِ بِأَنْ رَأَتْ الدَّمَ سَاعَةً أَوْ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا عَقِبَ الْوِلَادَةِ ثُمَّ رَأَتْ النَّقَاءَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ يَوْمًا وَلَيْلَةً فَصَاعِدًا فَفِي الدَّمِ الْعَائِدِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْأَوَّلَ نِفَاسٌ وَالْعَائِدَ حَيْضٌ وَمَا بَيْنَهُمَا طُهْرٌ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ تَخَلَّلَهُمَا طُهْرٌ كَامِلٌ فَلَا يُضَمُّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ كَدَمَيْ الْحَيْضِ وَهَذَا الْوَجْهُ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الدَّمَيْنِ

نِفَاسٌ لِوُقُوعِهِ فِي زَمَنِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا دُونَ خَمْسَةَ عَشَرَ وَفِي النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ الْقَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طُهْرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نِفَاسٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّ النَّقَاءَ الْمُتَخَلِّلَ طُهْرٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ تُسْتَثْنَى عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذْ يَبْعُدُ أَنْ تُجْعَلَ الْمُدَّةُ الْكَامِلَةُ فِي الطُّهْرِ نِفَاسًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ نَاقِصَةً فَإِنَّهَا لَا تَصْلُحُ طُهْرًا وَحْدَهَا فَتَبِعَتْ الدم اما إذا كان الدم العائد بعد خمسة عشر النقاء دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّهُ نِفَاسٌ فَهُنَا أَوْلَى وَإِنْ قُلْنَا هُنَاكَ إنَّهُ حَيْضٌ فَهُنَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ دَمُ فَسَادٍ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْكَامِلَ قَطَعَ حُكْمَ النِّفَاسِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ زُفَرَ ومحمد والثانى أَنَّهُ نِفَاسٌ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُهُ حَيْضًا وَأَمْكَنَ جَعْلُهُ نِفَاسًا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَمَّا إذَا كَانَ الدَّمُ الْعَائِدُ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى إنَّ الْعَائِدَ نِفَاسٌ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ حَيْضٌ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَدْ اخْتَلَطَ حَيْضُهَا

ص: 528

بِالِاسْتِحَاضَةِ فَيُنْظَرُ أَمُبْتَدَأَةٌ هِيَ أَمْ مُعْتَادَةٌ أَمْ مُمَيِّزَةٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ولم ترد دَمًا أَصْلًا حَتَّى مَضَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَصَاعِدًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ فَهَلْ هُوَ حَيْضٌ أَمْ نِفَاسٌ فِيهِ الْوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ حَيْضٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ قُلْنَا أنه حيض فلا نفاس لهذه المرأة أَصْلًا أَمَّا إذَا وَلَدَتْ وَلَمْ تَرَ دَمًا أَصْلًا ثُمَّ رَأَتْهُ قَبْلَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا مِنْ الْوِلَادَةِ فَهَلْ يَكُونُ ابْتِدَاءُ النِّفَاسِ مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ أَمْ مِنْ وَقْتِ الْوِلَادَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا مِنْ رُؤْيَةِ الدَّمِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَّلِ فَصْلِ النِّفَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا تَقَطَّعَ دَمُهَا وَلَمْ يُجَاوِزْ سِتِّينَ يَوْمًا فَإِنْ جَاوَزَهَا نُظِرَ إنْ بَلَغَ زَمَنُ النَّقَاءِ فِي السِّتِّينَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ جَاوَزَ الْعَائِدَ فَالْعَائِدُ حَيْضٌ بِلَا خِلَافٍ وَالنَّقَاءُ قَبْلَهُ طُهْرٌ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ النَّقَاءُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ فَإِنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً رُدَّتْ إلَى التَّمْيِيزِ وَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فَهَلْ تُرَدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ أَمْ غَالِبِهِ فِيهِ خِلَافٌ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يُرَاعَى التَّلْفِيقُ فَإِنْ سَحَبْنَا فَالدِّمَاءُ فِي أَيَّامِ الْمَرَدِّ مَعَ النَّقَاءِ الْمُتَخَلِّلِ نِفَاسٌ وَإِنْ لَفَّقْنَا فلا يخفى حكما وَهَلْ يُلَفَّقُ مِنْ الْعَادَةِ أَمْ مِنْ مُدَّةِ الامكان وهى الستين فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي فَصْلِ التَّلْفِيقِ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ بْنَ سُرَيْجٍ فَرَّعَ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ الْحَامِلِ

إذَا وَضَعْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ طلقت بالوضع وكم القدر لذى يُقْبَلُ قَوْلُهَا فِيهِ إذَا ادَّعَتْ انْقِضَاءَ الْعِدَّةِ يُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الدَّمِ الْعَائِدِ بَعْدَ الطُّهْرِ الْكَامِلِ فِي السِّتِّينَ فَإِنْ جَعَلْنَاهُ حَيْضًا فَأَقَلُّ مَا يُمْكِنُ انْقِضَاءُ الْعِدَّةِ فِيهِ سَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ تَضَعَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ بِلَحْظَةٍ وَتَرَى الدَّمَ فِي اللَّحْظَةِ ثُمَّ تَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ تَحِيضَ يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثُمَّ تَرَى الدَّمَ لَحْظَةً وَقَدْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَبَنَى ابْنُ سُرَيْجٍ هَذَا علي ما إذا رأت النفاس فان لَمْ تَرَهُ أَصْلًا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِسَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَحْظَةٍ وَاحِدَةٍ هَذَا إذَا قُلْنَا الدَّمُ الْعَائِدُ حَيْضٌ فَإِنْ قُلْنَا هُوَ نِفَاسٌ فَأَقَلُّ مُدَّةٍ تَنْقَضِي فِيهَا عِدَّتُهَا اثْنَانِ وَتِسْعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ لِأَنَّ السِّتِّينَ لَا يَحْصُلُ فِيهَا دَمٌ يُحْسَبُ حَيْضًا فَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهَا إلَّا طُهْرٌ وَاحِدٌ ثُمَّ تَحِيضُ بَعْدَ السِّتِّينَ يَوْمًا وَلَيْلَةً ثم تطهر خمسة عشر ثم تحيض يوما وليلة ثم تطهر خمسة عشر ثم ترى الدم لحظة والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ وَعَبَرَ الدَّمُ السِّتِّينَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ وَالْعَادَةِ وَالْأَقَلِّ وَالْغَالِبِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْحَيْضِ فِي أَحْكَامِهِ فَكَذَلِكَ فِي الرَّدِّ عند الاشكال]

*

ص: 529

[الشَّرْحُ] إذَا عَبَرَ دَمُ النُّفَسَاءِ السِّتِّينَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالْحَيْضِ إذَا عَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فِي الرَّدِّ إلَى التَّمْيِيزِ إنْ كَانَتْ مُمَيِّزَةً أَوْ الْعَادَةِ إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ أَوْ الْأَقَلِّ أَوْ الْغَالِبِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا الطَّرِيقُ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حكاه المحاملي وبن الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ كَالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَنَّ السِّتِّينَ كُلَّهَا نِفَاسٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ اسْتِحَاضَةٌ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ وَاخْتَارَهُ الْمُزَنِيّ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَهُ الْمُزَنِيّ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَيْضِ بِأَنَّ الْحَيْضَ مَحْكُومٌ بِهِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ وَلَيْسَ مَقْطُوعًا بِهِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ إلَى ظَاهِرٍ آخَرَ وَالنِّفَاسُ مَقْطُوعٌ بِهِ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ مُجَاوَزَةُ الْأَكْثَرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْقَائِلُ يَجْعَلُ الزَّائِدَ اسْتِحَاضَةً إلَى تَمَامِ طُهْرِهَا الْمُعْتَادِ ان كانت معتادة أو المردود

إلَيْهِ إنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً ثُمَّ مَا بَعْدَهُ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ السِّتِّينَ نِفَاسٌ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ حَيْضٌ عَلَى الِاتِّصَالِ بِهِ لِأَنَّهُمَا دَمَانِ مُخْتَلِفَانِ فَجَازَ أَنْ يَتَّصِلَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قال أبو الحسن بن المرزبانى قال صاحبا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا فَعَلَى هَذَا إنْ زَادَ الدَّمُ بَعْدَ السِّتِّينَ حَكَمْنَا بِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ فِي الْحَيْضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَهُوَ أَضْعَفُ مِنْ الَّذِي قَبْلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَصْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ أَنْ يَتَّصِلَ دَمُ الْحَيْضِ بِدَمِ النِّفَاسِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ طُهْرٍ فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ حَكَاهُمَا أَبُو اسحق الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفُ فِي الْحَيْضِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ رَأَتْ الْحَامِلُ خَمْسَةَ أَيَّامٍ دَمًا ثُمَّ وَلَدَتْ قَبْلَ مُجَاوَزَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَقُلْنَا الْحَامِلُ تَحِيضُ فَهَلْ تَكُونُ الْخَمْسَةَ عَشَرَ حَيْضًا أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مَنْ يَقُولُ لَا يَتَّصِلُ الْحَيْضُ بِالنِّفَاسِ كَمَا لَا يَتَّصِلُ حَيْضٌ بِحَيْضٍ وَالثَّانِي يَتَّصِلُ لِاخْتِلَافِهِمَا ثُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةَ الَّذِينَ حكو الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ أَطْلَقُوهَا وَخَصَّصَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ الْأَوْجُهَ بِغَيْرِ الْمُمَيِّزَةِ وَقَطَعُوا بِأَنَّ الْمُمَيِّزَةَ تُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا كَالْحَائِضِ إذَا عَبَرَ دَمُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً غَيْرَ مُمَيِّزَةٍ وَذَكَرَتْ عَادَتَهَا فَقَالَتْ كُنْتُ أَنْفُسُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَثَلًا رُدَّتْ إلَى عَادَتِهَا وَكَانَ نِفَاسُهَا أَرْبَعِينَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الْعَادَةِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَصِيرُ مُعْتَادَةً بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِذَا رُدَّتْ إلَى الْعَادَةِ فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ ايضا فيحكم لها بالطهر بعد الاربعين عل قَدْرِ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ ثُمَّ تَحِيضُ عَلَى قدر عادتها

ص: 530

فِي الْحَيْضِ ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ فَيُجْعَلُ لَهَا بَعْدَ الْأَرْبَعِينَ دَوْرُ الْمُبْتَدَأَةِ فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي قَدْرِ دَوْرِ الْمُبْتَدَأَةِ وَيَكُونُ الطُّهْرُ مُتَّصِلًا بِالْأَرْبَعِينَ وَالْحَيْضُ بَعْدَهُ فَلَوْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ مِرَارًا وَهِيَ ذَاتُ جَفَافٍ ثُمَّ وَلَدَتْ مَرَّةً وَنَفِسَتْ وَجَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا نَقُولُ عَدَمُ النِّفَاسِ عَادَةٌ لَهَا بَلْ هِيَ مُبْتَدَأَةٌ فِي النِّفَاسِ كَاَلَّتِي لَمْ تَلِدْ قَطُّ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ فِي النِّفَاسِ غَيْرُ الْمُمَيِّزَةِ إذَا جَاوَزَ دَمُهَا السِّتِّينَ وَهِيَ غَيْرُ مُمَيِّزَةٍ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي الْحَيْضِ أَصَحُّهُمَا الرَّدُّ إلَى أَقَلِّ النِّفَاسِ وَهُوَ لَحْظَةٌ لَطِيفَةٌ نَحْوُ مَجَّةٍ وَالثَّانِي الرَّدُّ إلَى غَالِبِهِ وَهُوَ

أَرْبَعُونَ يَوْمًا هَكَذَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَزَادَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَوْلًا ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّهَا تُرَدُّ إلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَهُوَ سِتُّونَ يَوْمًا وَهَذَا غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ عن المزني مذهبنا للمزني وحكاه الشيخ أبو حامد وغيره وجها لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا طَرِيقًا آخَرَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وابي اسحق وَهِيَ الرَّدُّ إلَى الْأَقَلِّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَإِذَا عُلِمَ حَالُهَا فِي مَرَدِّهَا فِي النِّفَاسِ فَلَهَا فِي الْحَيْضِ حَالَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْتَادَةً فَيُجْعَلَ لَهَا بَعْدَ مَرَدِّ النِّفَاسِ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الطُّهْرِ طُهْرًا ثُمَّ بَعْدَهُ قَدْرُ عَادَتِهَا فِي الْحَيْضِ حَيْضًا ثُمَّ تَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (الْحَالَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ تَكُونَ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ أَيْضًا فَقَدْرُ مَرَدِّهَا فِي الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ كَالْمُعْتَادَةِ أَمَّا الْمُبْتَدَأَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَتُرَدُّ إلَى التَّمْيِيزِ بِشَرْطِ أَلَّا يَزِيدَ الْقَوِيُّ عَلَى أَكْثَرِ النِّفَاسِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ الْمُمَيِّزَةُ فَهَلْ يُقَدَّمُ تَمْيِيزُهَا أَمْ الْعَادَةُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مِثْلِهِ فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ التَّمْيِيزِ وَأَمَّا الْمُعْتَادَةُ النَّاسِيَةُ لِعَادَتِهَا فِي النِّفَاسِ فَفِيهَا الْخِلَافُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ فِي الْحَيْضِ فَفِي قَوْلٍ هِيَ كَالْمُبْتَدَأَةِ فَتُرَدُّ الي لحظة فِي قَوْلٍ وَإِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فِي قَوْلٍ وعلى المذهب تؤمر بالاحتياط ورجح إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا الرَّدَّ إلَى مَرَدِّ الْمُبْتَدَأَةِ لِأَنَّ أَوَّلَ النِّفَاسِ مَعْلُومٌ وَتَعْيِينُ أَوَّلِ الْهِلَالِ لِلْحَيْضِ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ فإذا قُلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ فَإِنْ كَانَتْ مُبْتَدَأَةً فِي الْحَيْضِ وَجَبَ الِاحْتِيَاطُ أَبَدًا لِأَنَّ أَوَّلَ حَيْضِهَا مَجْهُولٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُبْتَدَأَةَ إذَا جَهِلَتْ ابْتِدَاءَ دَمِهَا كَانَتْ كَالْمُتَحَيِّرَةِ وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فِي الْحَيْضِ نَاسِيَةً لِعَادَتِهَا اسْتَمَرَّتْ أَيْضًا عَلَى الِاحْتِيَاطِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَتْ ذَاكِرَةً لِعَادَةِ الْحَيْضِ فَقَدْ الْتَبَسَ عَلَيْهَا الدَّوْرُ لِالْتِبَاسِ آخِرِ النِّفَاسِ فَهِيَ كَمَنْ نَسِيَتْ وَقْتَ الْحَيْضِ دُونَ قَدْرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي زمن النفاس

ص: 531

حُكْمُهُمَا حُكْمُهُمَا فِي زَمَنِ الْحَيْضِ فَإِذَا اتَّصَلَتْ صُفْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ بِالْوِلَادَةِ وَلَمْ تُجَاوِزْ السِّتِّينَ فَإِنْ وَافَقَ عَادَتَهَا فَنِفَاسٌ وَإِلَّا فَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا فِي الْحَيْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ نِفَاسٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ نِفَاسٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ شَاهِدَةٌ لِلنِّفَاسِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ شَاهِدٌ فِي الدَّمِ بِخِلَافِ الْحَيْضِ قَالَ وَسَوَاءٌ الْمُبْتَدَأَةُ وَغَيْرُهَا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

*

[وَإِنْ كَانَتْ عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ شَهْرَهَا عِشْرُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا الدَّمَ ثُمَّ طَهُرَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَاتَّصَلَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ كَانَ حَيْضُهَا وَطُهْرُهَا عَلَى عَادَتِهَا فَتَكُونُ نُفَسَاءَ فِي مُدَّةِ الْعِشْرِينَ وَطَاهِرًا فِي مُدَّةِ الْخَمْسَةَ عَشَرَ وَحَائِضًا فِي خَمْسَةِ أَيَّامٍ بعدها وان كانت عَادَتُهَا أَنْ تَحِيضَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَتَطْهُرَ عِشْرِينَ فَإِنَّ شَهْرَهَا ثَلَاثُونَ يَوْمًا فَإِنْ وَلَدَتْ فِي وَقْتِ حَيْضِهَا وَرَأَتْ عِشْرِينَ يَوْمًا دَمًا وَانْقَطَعَ وَطَهُرَتْ شَهْرَيْنِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَبَرَ الْخَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّ حَيْضَهَا لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ هِيَ فِي الْحَيْضِ عَلَى عَادَتِهَا وَلَكِنْ زَادَ طُهْرُهَا فَصَارَ شَهْرَيْنِ بَعْدَ مَا كَانَ عشرين يوما فتكون نفساء في العشرين الاولة وَطَاهِرًا فِي الشَّهْرَيْنِ بَعْدَهَا وَحَائِضًا فِي الْعَشَرَةِ التى بعدها]

* [الشَّرْحُ] هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ ونقلوهما عن أبى اسحق كَمَا ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِمَا قَالَ وَهُمَا مُفَرَّعَتَانِ عَلَى ثُبُوتِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ وَهُوَ الْمَذْهَبُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي ثُبُوتِ حُكْمِ النِّفَاسِ أَنْ يَكُونَ الْوَلَدُ كَامِلَ الْخِلْقَةِ وَلَا حَيًّا بَلْ لَوْ وَضَعَتْ مَيِّتًا أَوْ لَحْمًا تَصَوَّرَ فِيهِ صُورَةُ آدَمِيٍّ أَوْ لَمْ يَتَصَوَّرْ وَقَالَ الْقَوَابِلُ إنَّهُ لَحْمُ آدَمِيٍّ ثَبَتَ حُكْمُ النِّفَاسِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ ضَابِطُهُ أَنْ تَضَعَ مَا تَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ وَتَصِيرَ بِهِ أُمَّ وَلَدٍ (فَرْعٌ)

إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ وَاغْتَسَلَتْ جَازَ وَطْؤُهَا كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ وَغَيْرُهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَطْئِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ قَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ وَلَا يَحْرُمُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَحْمَدَ رضي الله عنهم أَنَّهُ يُكْرَهُ وَطْؤُهَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِدُونِ أَرْبَعِينَ: دَلِيلُنَا أَنَّ لَهَا حُكْمَ الطَّاهِرَاتِ فِي كل شئ فكذا في الوطئ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ يُعْتَمَدُ: وَإِنَّمَا احْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ غَرِيبٍ وَلَيْسَ

ص: 532

فِيهِ دَلَالَةٌ لَوْ صَحَّ ثُمَّ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ أَنْ يَنْقَطِعَ الدَّمُ عَقِبَ الْوِلَادَةِ أو بعد ايام فللزوج الوطئ: قال صاحب الشَّامِلِ وَالْبَحْرِ إذَا انْقَطَعَ عَقِيبَ الْوِلَادَةِ فَعَلَيْهَا ان تغتسل ويباح الوطئ عَقِيبَ الْغُسْلِ

قَالَ فَإِنْ خَافَتْ عَوْدَ الدَّمِ استحب التوقف عن الوطئ احتياطا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [يَجِبُ عَلَى المستحاضة ان تغتسل الدَّمَ وَتَعْصِبَ الْفَرْجَ وَتَسْتَوْثِقَ بِالشَّدِّ وَبِالتَّلَجُّمِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ رضي الله عنها (أَنْعَتُ لَكِ الْكُرْسُفَ فَقَالَتْ إنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ تَلَجَّمِي) فَإِنْ اسْتَوْثَقَتْ ثُمَّ خَرَجَ الدَّمُ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ فِي الشَّدِّ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ رضي الله عنها اُسْتُحِيضَتْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا ثُمَّ تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلى حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) ]

* [الشرح] حديث حمنة صحيح راوه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذَا اللَّفْظِ إلَّا قَوْلَهُ تَلَجَّمِي فَإِنَّهُ فِي التِّرْمِذِيِّ خَاصَّةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بَدَلُهُ فَاِتَّخِذِي ثَوْبًا وَهُوَ بِمَعْنَى تَلَجَّمِي ثُمَّ هَذَا بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَسَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْكُرْسُفُ بِضَمِّ الْكَافِ وَالسِّينِ الْقُطْنُ وَأَنْعَتُ أَصِفُ وَأَمَّا حَدِيثُ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ والبيهقي وليس في روايتهم حتى يجئ ذَلِكَ الْوَقْتُ وَلَا فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد (إنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ) وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ وَبَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ وَنَقَلَ تَضْعِيفَهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وَهَؤُلَاءِ حُفَّاظُ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُ الْحَدِيثِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الباب بيان حَمْنَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَرَادَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ الصَّلَاةَ وَنَعْنِي بِالْمُسْتَحَاضَةِ الَّتِي يَجْرِي دَمُهَا مُسْتَمِرًّا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ لَزِمَهَا الِاحْتِيَاطُ فِي طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ فَتَغْسِلُ فَرْجَهَا قَبْلَ الْوُضُوءِ أَوْ التَّيَمُّمِ إنْ كَانَتْ تَتَيَمَّمُ وَتَحْشُوهُ بِقُطْنَةٍ وَخِرْقَةٍ دَفْعًا لِلنَّجَاسَةِ وَتَقْلِيلًا لَهَا فَإِنْ كَانَ دَمُهَا قَلِيلًا يَنْدَفِعُ بذلك وحده فلا شئ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَإِنْ

ص: 533

لَمْ يَنْدَفِعْ بِذَلِكَ وَحْدَهُ شَدَّتْ مَعَ ذَلِكَ عَلَى فَرْجِهَا وَتَلَجَّمَتْ وَهُوَ أَنْ تَشُدَّ عَلَى وَسَطِهَا خِرْقَةً أَوْ خَيْطًا

أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ عَلَى صُورَةِ التِّكَّةِ وَتَأْخُذَ خِرْقَةً أُخْرَى مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتُدْخِلَهَا بَيْنَ فَخْذَيْهَا وَأَلْيَتِهَا وَتَشُدَّ الطَّرَفَيْنِ فِي الْخِرْقَةِ الَّتِي فِي وَسَطِهَا أَحَدُهُمَا قُدَّامَهَا عِنْدَ سُرَّتِهَا وَالْآخَرُ خَلْفَهَا وَتُحْكِمَ ذَلِكَ الشَّدَّ وَتُلْصِقَ هَذِهِ الْخِرْقَةَ الْمَشْدُودَةَ بَيْنَ الْفَخْذَيْنِ بِالْقُطْنَةِ الَّتِي عَلَى الْفَرْجِ إلْصَاقًا جَيِّدًا وَهَذَا الْفِعْلُ يُسَمَّى تَلَجُّمًا وَاسْتِثْفَارًا لِمُشَابَهَتِهِ لِجَامَ الدَّابَّةِ وَثَفَرَهَا بِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْفَاءِ وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ رحمه الله التَّعْصِيبَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَشْوِ وَالشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ وَاجِبٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَتَأَذَّى بِالشَّدِّ وَيَحْرِقَهَا اجْتِمَاعُ الدَّمِ فَلَا يَلْزَمُهَا لِمَا فِيهِ من الضرر الثاني ان تكون صائمة فترك الحشو نهار أو تقتصر عَلَى الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ قَالُوا وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الشَّدِّ وَالتَّلَجُّمِ عَلَى الْوُضُوءِ وَتَتَوَضَّأُ عَقِبَ الشَّدِّ مِنْ غَيْرِ إمْهَالٍ فَإِنْ شَدَّتْ وَتَلَجَّمَتْ وَأَخَّرَتْ الْوُضُوءَ وَطَالَ الزَّمَانُ ثُمَّ تَوَضَّأَتْ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا الْوَجْهَانِ فِيمَنْ تَيَمَّمَ وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا اسْتَوْثَقَتْ بِالشَّدِّ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ثُمَّ خَرَجَ دَمُهَا بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهَا وَلَا صَلَاتُهَا وَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ فَرْضِهَا ما شاءت من النوفل لِعَدَمِ تَفْرِيطِهَا وَلِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) فَهَذَا مَعَ حَدِيثِ حَمْنَةَ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَيَنْضَمُّ إلَيْهِ الْمَعْنَى الَّذِي قَدَّمْنَاهُ واما إذا خرج الدم لتقصيرها فِي الشَّدِّ أَوْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا لِضَعْفِ الشَّدِّ فَزَادَ خُرُوجُ الدَّمِ بِسَبَبِهِ فَإِنَّهُ يَبْطُلُ طُهْرُهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بَطُلَتْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ فَرِيضَةٍ لَمْ تُسْتَبَحْ نَافِلَةٌ لِتَقْصِيرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* وَأَمَّا تَجْدِيدُ غَسْلِ الْفَرْجِ وَحَشْوِهِ وَشَدِّهِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَيُنْظَرُ إنْ زَالَتْ الْعِصَابَةُ عَنْ مَوْضِعِهَا زَوَالًا لَهُ تَأْثِيرٌ أَوْ ظَهَرَ الدَّمُ عَلَى جَوَانِبِ الْعِصَابَةِ وَجَبَ التَّجْدِيدُ بِلَا خِلَافٍ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَثُرَتْ وَأَمْكَنَ تَقْلِيلُهَا وَالِاحْتِرَازُ عَنْهَا فَوَجَبَ التَّجْدِيدُ كَنَجَاسَةِ النَّجْوِ إذَا خَرَجَتْ عَنْ الْأَلْيَيْنِ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْمَاءُ وان لم تزل العصابة عن موضعها ولاظهر الدَّمُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُمْ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ كَمَا يَجِبُ تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ إذْ لَا مَعْنَى لِلْأَمْرِ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ مَعَ اسْتِمْرَارِهَا بِخِلَافِ الْأَمْرِ

ص: 534

بِتَجْدِيدِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ فِي التَّيَمُّمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ سَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَإِذَا زَالَتْ الْعِصَابَةُ فَلَا أَثَرَ لِلزَّوَالِ وَإِنَّمَا الْأَثَرُ لِتَجَدُّدِ النَّجَاسَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَنَقَلَ الْمَسْعُودِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْخِلَافُ جَارٍ فِيمَا إذَا انْتَقَضَ وُضُوءُهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَاحْتَاجَتْ إلَى وُضُوءٍ آخَرَ بِأَنْ خَرَجَ مِنْهَا رِيحٌ فَيَلْزَمُهَا تَجْدِيدُ الْوُضُوءِ وَفِي تَجْدِيدِ الِاحْتِيَاطِ بِالشَّدِّ الْخِلَافُ وَلَوْ انْتَقَضَ وُضُوءُهَا بِالْبَوْلِ وَجَبَ تَجْدِيدُ الْعِصَابَةِ بِلَا خِلَافٍ لِظُهُورِ النَّجَاسَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وَلَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ لِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ لِأَنَّ النَّوَافِلَ تَكْثُرُ فَلَوْ أَلْزَمْنَاهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ لِكُلِّ نَافِلَةٍ شَقَّ عليها][الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تُصَلِّي بِطَهَارَةٍ وَاحِدَةٍ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةً كَانَتْ أَوْ مَقْضِيَّةً وَأَمَّا الْمَنْذُورَةُ فَفِيهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ الْمَذْكُورِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَلَا يَصِحُّ ذِكْرُ الْوُضُوءِ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كلام عروة ابن الزُّبَيْرِ وَإِذَا بَطُلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ تَعَيَّنَ الِاحْتِجَاجُ بِغَيْرِهِ فَيُقَالُ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ وُجُوبُ الطَّهَارَةِ مِنْ كُلِّ خَارِجٍ مِنْ الْفَرْجِ خَالَفْنَا ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ الْوَاحِدَةِ لِلضَّرُورَةِ وَبَقِيَ مَا عَدَاهَا عَلَى مُقْتَضَاهُ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْ النَّوَافِلِ بِطَهَارَةٍ مُفْرَدَةٍ وَتَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ مِنْهَا بِطَهَارَةِ الْفَرِيضَةِ قَبْلَ الْفَرِيضَةِ وَبَعْدَهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فِي اسْتِبَاحَتِهَا النَّافِلَةَ وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِبَاحَةِ المعضوب والميت في حج القطوع وَحَكَوْا مِثْلَهُمَا وَجْهَيْنِ فِي اسْتِبَاحَةِ النَّافِلَةِ بِالتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ كُلِّهِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ هَذَا بَيَانُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ إنَّهُ لَا يَصِحُّ بوضوئها اكثر من فريضة عروة ابن الزُّبَيْرِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةٌ بِالْوَقْتِ فَتُصَلِّي مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ الْفَائِتَةِ فِي الْوَقْتِ فَإِذَا خَرَجَ بَطُلَتْ طَهَارَتُهَا وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَدَاوُد دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَإِذَا تَطَهَّرَتْ صَلَّتْ مَا شَاءَتْ مِنْ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ إلَى أَنْ تُحْدِثَ بِغَيْرِ الِاسْتِحَاضَةِ وَاحْتَجَّ مَنْ جَوَّزَ فَرَائِضَ بِحَدِيثٍ رَوَاهُ (الْمُسْتَحَاضَةُ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ) وَهَذَا حديث باطل لا يصرف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

مَذْهَبُنَا أَنَّ طَهَارَةَ الْمُسْتَحَاضَةِ الوضوء ولا يجب عليها الغسل لشئ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا مَرَّةً

ص: 535

وَاحِدَةً فِي وَقْتِ انْقِطَاعِ حَيْضِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وبه قال عروة ابن الزُّبَيْرِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ قَالُوا يَجِبُ عَلَيْهَا الْغُسْلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ غُسْلًا وَاحِدًا وَعَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ أَنَّهُمَا قَالَا تَغْتَسِلُ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ إلَى الظُّهْرِ دَائِمًا وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ إلَّا مَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْغُسْلِ إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً عِنْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَهُوَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي) أو ليس فِي هَذَا مَا يَقْتَضِي تَكْرَارَ الْغُسْلِ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أمرها بالغسل لكل صلاة فليس فيها شئ ثَابِتٌ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ قَبْلَهُ ضَعْفَهَا وَإِنَّمَا صَحَّ فِي هَذَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ جَحْشٍ رضي الله عنها اسْتَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ صَلِّي) فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه إنَّمَا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ قَالَ وَلَا أَشُكُّ أَنَّ غُسْلَهَا كَانَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَذَلِكَ وَاسِعٌ لَهَا هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَكَذَا قَالَهُ شَيْخُهُ سُفْيَانُ بن عيينة والليث ابن سَعْدٍ وَغَيْرُهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ ارْتَفَعَ حَدَثُهَا السَّابِقُ وَلَمْ يَرْتَفِعْ الْمُسْتَقْبَلُ وَلَا الْمُقَارَنُ وَلَكِنْ تَصِحُّ صَلَاتُهَا وَطَوَافُهَا وَنَحْوُهُمَا مَعَ قِيَامِ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ هَذَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ أَنَّ الْقَفَّالَ وَغَيْرَهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا فِي ارْتِفَاعِ حَدَثِهَا بِالْوُضُوءِ قَوْلَانِ وَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ قَالَا هَذَا غَلَطٌ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ قَالَا وَيَسْتَحِيلُ ارْتِفَاعُ

حَدَثِهَا مَعَ مُقَارَنَتِهِ لِلطَّهَارَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُنَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمُسْتَقْبَلُ وَفِي ارْتِفَاعِ الْمَاضِي وَجْهَانِ وَالْمُقَارَنُ لَيْسَ بِحَدَثٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ أَشْهُرُهَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهَا الْمَاضِي دُونَ الْمُقَارَنِ وَالْمُسْتَقْبَلِ وَالثَّانِي فِي الْجَمِيعِ قَوْلَانِ والثالث وهو الصحيح دليلا لا يرتفع شئ مِنْ حَدَثِهَا لَكِنْ تَسْتَبِيحُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا مَعَ الْحَدَثِ لِلضَّرُورَةِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّتِهَا فِي الْوُضُوءِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ

ص: 536

نِيَّةِ الْوُضُوءِ أَصَحُّهَا تَجِبُ نِيَّةُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَلَا تَجِبُ نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ وَلَا تُجْزِئُ وَالثَّانِي يَكْفِيهَا نِيَّةُ رَفْعِ الْحَدَثِ أَوْ الِاسْتِبَاحَةِ والثالث يجب الجمع بينهما والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [ولا يجوز ان تتوضأ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا تجوز قبل الضَّرُورَةِ فَإِنْ تَوَضَّأَتْ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَأَخَّرَتْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ بِسَبَبٍ يَعُودُ إلَى مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ كَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْإِقَامَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا تُصَلِّي مَعَ نَجَاسَةٍ يُمْكِنُ حِفْظُ الصَّلَاةِ مِنْهَا وَالثَّانِي يَصِحُّ لِأَنَّهُ وُسِّعَ فِي الْوَقْتِ فَلَا يُضَيَّقُ عَلَيْهَا وان اخرتها حتى خرج الوقت لم يجزها أَنْ تُصَلِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهَا فِي ذَلِكَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بَعْدَ خُرُوجِ الْوَقْتِ لِأَنَّا لَوْ منعنا مِنْ ذَلِكَ صَارَتْ طَهَارَتُهَا مُقَدَّرَةً بِالْوَقْتِ وَذَلِكَ لا يجوز عندنا]

* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وُضُوءُ الْمُسْتَحَاضَةِ لِفَرِيضَةٍ قَبْلَ وَقْتِهَا وَوَقْتُ الْمُؤَدَّاةِ مَعْرُوفٌ وَوَقْتُ الْمَقْضِيَّةِ بِتَذَكُّرِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا فِي باب التيمم فتجئ تِلْكَ الْفُرُوعُ كُلُّهَا هُنَا وَقَدْ سَبَقَ فِي النَّافِلَةِ الْمُؤَقَّتَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا إلَّا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي وُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهَا لَوْ شَرَعَتْ فِي الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ أَطْبَقَ آخِرُهُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ صَحَّ وُضُوءُهَا وَصَلَّتْ بِهِ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ وهذا ليس بشئ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّهَا طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ شئ مِنْهَا قَبْلَ الْوَقْتِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يَجُوزُ وُضُوءُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَنْبَغِي أَنْ تُبَادِرَ بِالصَّلَاةِ عَقِيبَ طَهَارَتِهَا فَإِنْ أَخَّرَتْ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا إنْ أَخَّرَتْ لِاشْتِغَالِهَا بِسَبَبٍ

مِنْ أَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالِاجْتِهَادِ فِي الْقِبْلَةِ وَالذَّهَابِ إلَى الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَالسَّعْيِ فِي تَحْصِيلِ سُتْرَةٍ تُصَلِّي إلَيْهَا وَانْتِظَارِ الْجَمَاعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ جَازَ وَإِنْ أَخَّرَتْ بِلَا عُذْرٍ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا لِتَفْرِيطِهَا وَالثَّانِي تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا سَوَاءٌ أَخَّرَتْ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ أَوْ لِغَيْرِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَإِنْ خَرَجَ الْوَقْتُ وَلَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهَا قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ مَا لَمْ تُصَلِّ الْفَرِيضَةَ يَعْنِي بَعْدَ الْوَقْتِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْقَفَّالِ وَشَيْخِهِ الْخُضَرِيِّ قِيَاسًا عَلَى التَّيَمُّمِ وَلِأَنَّ الْوَقْتَ مُوَسَّعٌ فَلَا نُضَيِّقُهُ عَلَيْهَا وَخُرُوجُ الْوَقْتِ لَا يُوجِبُ نَقْضَ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ الْمُبَادَرَةَ لَوْ وَجَبَتْ خَوْفًا مِنْ كَثْرَةِ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ لَوَجَبَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَالرَّابِعُ لَهَا التَّأْخِيرُ

ص: 537

مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَلَيْسَ لَهَا الصَّلَاةُ بَعْدَ الْوَقْتِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ لِأَنَّ جَمِيعَ الوقت في حق الصلاة كالشئ الْوَاحِدِ فَضُبِطَتْ الطَّهَارَةُ بِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَعِيدٌ عَنْ قِيَاسِ الشَّافِعِيِّ مُشَابِهٌ لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله قَالَ الْإِمَامُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الْمُبَادَرَةُ فَقَدْ ذَهَبَ ذَاهِبُونَ مِنْ أَئِمَّتِنَا إلَى الْمُبَالَغَةِ فِي الْأَمْرِ بِالْبِدَارِ وَقَالَ آخَرُونَ وَلَوْ تَخَلَّلَ فَصْلٌ يَسِيرٌ لَمْ يَضُرَّ قَالَ وَضَبْطُهُ عَلَى التَّقْرِيبِ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَى قَدْرِ الزَّمَنِ الْمُتَخَلِّلِ بَيْنَ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْمَذْهَبَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمُتَيَمِّمَ الْمُبَادَرَةُ وَأَنَّهَا تَلْزَمُ الْمُسْتَحَاضَةَ وَأَنَّ بَعْضَ الْأَصْحَابِ خَرَجَ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ إلَى الْأُخْرَى وَجَعَلَ فِيهِمَا خِلَافًا وَأَنَّ الْمَذْهَبَ الْفَرْقُ وَسَبَقَ بَيَانُ الْفَرْقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ لِلْفَرِيضَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا تَسْتَبِيحُ مَا شَاءَتْ من النوافل وتبقى هذه الاستباحة مادام وَقْتُ الْفَرِيضَةِ بَاقِيًا فَإِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَسْتَبِيحُ النَّفَلَ بَعْدَ الْوَقْتِ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالِاسْتِبَاحَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ فَلَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الْوَقْتِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهَا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَدَثَهَا مُتَجَدِّدٌ وَنَجَاسَتَهَا متزايدة بخلاف المتيمم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَإِنْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا كَالْمُتَيَمِّمِ إذَا رَأَى

الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّ عَلَيْهَا طَهَارَةَ حَدَثٍ وَطَهَارَةَ نَجَسٍ وَلَمْ تأت عن طهارة النجس بشئ وَقَدْ قَدَرَتْ عَلَيْهَا فَلَزِمَهَا الْإِتْيَانُ بِهَا وَإِنْ انْقَطَعَ دَمُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهَا غَسْلُ الدَّمِ وَإِعَادَةُ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ حَتَّى عَادَ الدَّمُ فَإِنْ كَانَ عَوْدُ الدَّمِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِأَنَّهُ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ وَلَا نَجَسٍ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّا تَيَقَّنَّا بِعَوْدِ الدَّمِ أَنَّ الِانْقِطَاعَ لَمْ يَكُنْ لَهُ حُكْمٌ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّ صَلَاتَهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا اسْتَفْتَحَتْ الصَّلَاةَ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهَا فَلَمْ تَصِحَّ بِالتَّبْيِينِ كَمَا لَوْ اسْتَفْتَحَ لَابِسُ الْخُفِّ الصلاة وهو شاك في انقضاء مدة المسخ ثم تبين ان المدة لم تنقض]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا تَوَضَّأَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ فَانْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا مُحَقَّقًا حَصَلَ مَعَهُ بُرْؤُهَا وَشِفَاؤُهَا مِنْ عِلَّتِهَا وَزَالَتْ اسْتِحَاضَتُهَا نُظِرَ إنْ حَصَلَ هَذَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهَا صَحِيحَةً وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهَا فَلَا تَسْتَبِيحُ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ نَافِلَةً وَإِنْ كَانَ قَبْلَ

ص: 538

الصَّلَاةِ بَطَلَتْ طَهَارَتُهَا وَلَمْ تَسْتَبِحْ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَلَا غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ الشِّفَاءُ بِآخِرِ الْوُضُوءِ لَمْ تَبْطُلْ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا يُعَدُّ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهَا إذَا شُفِيَتْ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ الطَّهَارَةِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ وَحْدَهَا وَلَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا فَلَهَا أَنْ تُصَلِّيَهَا بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ قَالَ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَبْطُلُ بِرُؤْيَةِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ شَاذَانَ مَرْدُودَانِ: وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ الْأَصْحَابِ إذَا شُفِيَتْ يَلْزَمُهَا اسْتِئْنَافُ الْوُضُوءِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْهَا دَمٌ فِي أَثْنَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَلَا يَلْزَمُهَا الْوُضُوءُ بَلْ تُصَلِّي بِوُضُوئِهَا الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرِهِ أَمَّا إذَا حَصَلَ الِانْقِطَاعُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ بُطْلَانُ صَلَاتِهَا وَطَهَارَتِهَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ كَالْمُتَيَمِّمِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَصَّ عَلَى بُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُسْتَحَاضَةِ دُونَ الْمُتَيَمِّمِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ نَقَلَ وَخَرَّجَ فَجَعَلَ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ قَوْلَيْنِ

وَقَرَّرَ الْجُمْهُورُ النَّصَّيْنِ وَفَرَّقُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ حَدَثَهَا ازْدَادَ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُسْتَصْحِبَةٌ لِلنَّجَاسَةِ وَهُوَ يُخَالِفُهَا فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَتَوَضَّأُ وَتُزِيلُ النَّجَاسَةَ وَتَبْنِي عَلَى صَلَاتِهَا وَهَذَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ فِي سَبْقِ الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا حُكْمُ انْقِطَاعِ الشِّفَاءِ أَمَّا إذَا تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا وَهِيَ تَعْتَادُ الِانْقِطَاعَ وَالْعَوْدَ أَوْ لَا تَعْتَادُ لَكِنْ أَخْبَرَهَا بِذَلِكَ مَنْ يُعْتَمَدُ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ فَيُنْظَرُ إنْ كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ يَسِيرَةً لاتسع الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ الَّتِي تَطَهَّرَتْ لَهَا فَلَهَا الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ فِي حَالِ الِانْقِطَاعِ وَلَا تَأْثِيرَ لِهَذَا الِانْقِطَاعِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَوْدُ الدَّمِ عَلَى قُرْبٍ فَلَا يُمْكِنُهَا إكْمَالُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ بِلَا حَدَثٍ فَلَوْ امْتَدَّ الِانْقِطَاعُ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهَا أَوْ خِلَافِ مَا أَخْبَرَتْ بِهِ تَبَيَّنَّا بُطْلَانَ طَهَارَتِهَا وَوَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الِانْقِطَاعِ تَسَعُ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ فَيَلْزَمُهَا إعَادَةُ الْوُضُوءِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِتَمَكُّنِهَا مِنْهُ فِي حَالِ الْكَمَالِ فَلَوْ عَادَ الدَّمُ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ فَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ فَلَوْ شَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ هَذَا الِانْقِطَاعِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَاةِ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا حَالَ الشُّرُوعِ كَانَتْ شَاكَّةً فِي بَقَاءِ الطَّهَارَةِ وَصِحَّةِ الصَّلَاةِ: هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَتْ عَوْدَ الدَّمِ أَمَّا إذَا انْقَطَعَ وَهِيَ لَا تَدْرِي أَيَعُودُ أَمْ لا واخبرها به من تثق بمرفتة فَتُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ فِي الْحَالِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُصَلِّيَ بِالْوُضُوءِ السَّابِقِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الِانْقِطَاعَ شِفَاءٌ وَالْأَصْلُ دَوَامُ هَذَا الِانْقِطَاعِ فَإِنْ عَادَ الدَّمُ قَبْلَ

ص: 539

إمْكَانِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّ الْوُضُوءَ صَحِيحٌ بِحَالِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ انْقِطَاعٌ يغني عَنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْحَدَثِ: وَالثَّانِي يَجِبُ الْوُضُوءُ نَظَرًا إلَى أَوَّلِ الِانْقِطَاعِ وَلَوْ خَالَفَتْ أَمْرَنَا أَوَّلًا وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ الْوُضُوءِ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ الدَّمُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهَا لِظُهُورِ الشِّفَاءِ وَكَذَا إنْ عَادَ بَعْدَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ لِتَفْرِيطِهَا فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الامكان ففى وجوب اعادة الصلاة لوجهان كَمَا فِي الْوُضُوءِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِأَنَّهَا شَرَعَتْ مُتَرَدِّدَةً وَعَلَى هَذَا لَوْ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَشَرَعَتْ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ عَادَ الدَّمُ فَهُوَ حَدَثٌ جَدِيدٌ فَيَلْزَمُهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ وَتَسْتَأْنِفَ الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ:

فَهَذَا الْمَجْمُوعُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي طُرُقِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ مُعْظَمُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ بَعْضُ الِاخْتِلَافِ فَإِنَّهُ جَعَلَ الِانْقِطَاعَ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا أَلَّا يَبْعُدَ مِنْ عَادَتِهَا عَوْدُ الدَّمِ وَالثَّانِي أَنْ يَبْعُدَ وَذَكَرَ التَّفْصِيلَ وَالْخِلَافَ وَهَذَانِ الْقِسْمَانِ يُفْرَضَانِ فِي الَّتِي لَهَا عَادَةٌ بِالْعَوْدِ قَالَ وَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ يَقْتَضِي جَوَازَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ مَتَى كَانَ الْعَوْدُ مُعْتَادًا بَعُدَ أَوْ قَرُبَ وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ الشُّرُوعُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْنَافِ الْوُضُوءِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْعَوْدُ مُعْتَادًا أَصْلًا قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَوَّلَ كَلَامُهُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُعْظَمُ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُلْحَقَ نُدْرَةُ الْعَوْدِ وَبُعْدُهُ فِي عَادَتِهَا بِعَدَمِ اعْتِيَادِ الْعَوْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ كَانَ دَمُهَا يَنْقَطِعُ فِي حَالٍ وَيَسِيلُ فِي حَالٍ لَزِمَهَا الْوُضُوءُ وَالصَّلَاةُ فِي وَقْتِ انْقِطَاعِهِ إلَّا أَنْ تَخَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَتَتَوَضَّأَ وَتُصَلِّيَ فِي حَالِ سَيَلَانِهِ فَإِنْ كَانَتْ تَرْجُو الِانْقِطَاعَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَا تَتَحَقَّقُهُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَمْ تَأْخِيرُهَا إلَى آخِرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بناء علي القولين فِي مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ

* (فَرْعٌ)

تَوَضَّأَتْ ثُمَّ انْقَطَعَ دَمُهَا انْقِطَاعًا يُوجِبُ بُطْلَانَ الطَّهَارَةِ فَتَوَضَّأَتْ بَعْدَ ذَلِكَ وَدَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فَعَادَ الدَّمُ بَطَلَ وُضُوءُهَا وَلَزِمَهَا اسْتِئْنَافُهُ وَهَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ أَمْ يَجُوزُ الْبِنَاءُ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ غَيْرُ سَائِلٍ

ص: 540

فَانْفَجَرَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ أَوْ ابْتَدَأَتْ الِاسْتِحَاضَةُ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَجَبَ الِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ لغسل النجاسة وتتوضأ المستحاضة وتستأنف الصلاة ويجئ قَوْلٌ فِي الْبِنَاءِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدَثِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَسَلِسُ الْبَوْلِ وَسَلِسُ الْمَذْيِ حُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَمَنْ بِهِ نَاصُورٌ أَوْ جُرْحٌ يَجْرِي مِنْهُ الدَّمُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ عِنْدَ كُلِّ فَرِيضَةٍ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ متصل لعلة فهي كالاستحاضة]

* [الشَّرْحُ] سَلِسُ الْبَوْلِ هُنَا بِكَسْرِ اللَّام وَهِيَ صِفَةٌ لِلرَّجُلِ الَّذِي بِهِ هَذَا الْمَرَضُ وَأَمَّا سَلَسٌ

بِفَتْحِ اللَّامِ فَاسْمٌ لِنَفْسِ الْخَارِجِ فَالسَّلِسُ بالكسر كالمستحاضة وبالفتح كالاستحاضة وأما الناصور فكذا وَقَعَ هُنَا بِالنُّونِ وَالصَّادِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ إحْدَاهَا هَذِهِ وَالثَّانِيَةُ نَاسُورٌ بِالسِّينِ وَالثَّالِثَةُ بَاسُورٌ بِالْبَاءِ وَالسِّينِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ الِاسْتِطَابَةِ: قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ سَلِسِ الْبَوْلِ وَسَلِسِ الْمَذْيِ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ وَحَشْوِ رَأْسِ الذَّكَرِ وَالشَّدِّ بِخِرْقَةٍ وَالْوُضُوءِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالْمُبَادَرَةِ بِالْفَرِيضَةِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَحُكْمُ الِانْقِطَاعِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ: وَأَمَّا صَاحِبُ النَّاصُورِ وَالْجُرْحِ السَّائِلِ فَهُمَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الدَّمِ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ وَالشَّدِّ عَلَى مَحَلِّهِ وَلَا يَجِبُ الْوُضُوءُ فِي مَسْأَلَةِ الْجُرْحِ وَلَا فِي مَسْأَلَةِ النَّاسُورِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي دَاخِلِ مَقْعَدَتِهِ بِحَيْثُ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ إنَّمَا هُوَ فِي السَّلَسِ الَّذِي هُوَ عَادَةٌ وَمَرَضٌ أَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنْهُ مَذْيٌ بِسَبَبٍ حَادِثٍ كَنَظَرٍ إلَى امْرَأَةٍ وَقُبْلَتِهَا فَلَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّهُ لا حرج فيه اما مَنْ اسْتَطْلَقَ سَبِيلَهُ فَدَامَ خُرُوجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالرِّيحِ مِنْهُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا أَمَّا مَنْ دَامَ خُرُوجُ الْمَنِيِّ مِنْهُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ قَالَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَلَّ مَنْ يَدُومُ بِهِ خُرُوجُ الْمَنِيِّ لِأَنَّ مَعَهُ تَلَفَ النَّفْسِ أَمَّا ذَاتُ دَمِ الْفَسَادِ وَهِيَ الَّتِي اسْتَمَرَّ بِهَا دَمٌ غَيْرُ متصل

ص: 541

بِالْحَيْضِ فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ كَدَمٍ تَرَاهُ مَنْ لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ رَأَتْهُ حَامِلٌ وَقُلْنَا لَيْسَ هُوَ بِحَيْضٍ أَوْ رَأَتْهُ غَيْرُهُمَا فِي وَقْتٍ لَا يَصْلُحُ لِلْحَيْضِ بِأَنْ رَأَتْهُ قَبْلَ مُضِيِّ خَمْسَةَ عَشَرَ لِلطُّهْرِ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ السَّابِقَةِ قَالَ وهذا قول أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَيْسَ بِأَنْدَرَ مِنْ الْمَذْيِ وَقَدْ جَعَلْنَاهُ كَالِاسْتِحَاضَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ حَدَثٌ كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ فَإِذَا خَرَجَ هَذَا الدَّمُ بَعْدَ صَلَاتِهَا فَرِيضَةً لَمْ تَصِحَّ النَّافِلَةُ بَعْدَهَا لِأَنَّ دَمَ الْفَسَادِ لَا يَدُومُ بِخِلَافِ الِاسْتِحَاضَةِ وَإِذَا دَامَ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ فَاسِدًا وَصَارَ حَيْضًا وَاسْتِحَاضَةً هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا كَالْمُسْتَحَاضَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَطَهَّرَتْ الْمُسْتَحَاضَةُ طَهَارَتَيْ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوطِ

وَصَلَّتْ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهَا وَكَذَا كُلُّ مَنْ أَلْحَقْنَاهُ بِهَا مِنْ سَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ حَدَثٌ دَائِمٌ وَجُرْحٌ سَائِلٌ وَنَحْوُهُمْ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ التَّيَمُّمِ مَعَ نَظَائِرِهَا

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ كَانَ سَلِسَ الْبَوْلِ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا سَالَ بَوْلُهُ وَلَوْ صَلَّى قَاعِدًا اسْتَمْسَكَ فَكَيْفَ يُصَلِّي فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا قَاعِدًا حِفْظًا لِلطَّهَارَةِ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ قَالَ الْقَفَّالُ يُصَلِّي قَائِمًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُصَلِّي قَاعِدًا

* (فرع)

يجوز وطئ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي الزَّمَنِ الْمَحْكُومِ بِأَنَّهُ طُهْرٌ وَلَا كراهة في ذلك وإن كان الدم هذا مذهبنا ومذهب جمهور العلماء وقد سيقت الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَهَا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَإِذَا تَوَضَّأَتْ اسْتَبَاحَتْ مَسَّ الْمُصْحَفِ وَحَمْلَهُ وَسُجُودَ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَعَلَيْهَا الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِبَادَاتِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَجَامِعُ الْقَوْلِ في المستحاضة انه لا يثبت لها شئ مِنْ أَحْكَامِ الْحَيْضِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَأَنَّ عَلَيْهَا جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي عَلَى الطَّاهِرِ وَرَوَى عن إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ أَنَّهَا لَا تَمَسُّ مُصْحَفًا

ص: 542

وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الْحَيْضِ (إحْدَاهَا) لَا تُكْرَهُ مُؤَاكَلَةُ الْحَائِضِ وَمُعَاشَرَتُهَا وَقُبْلَتُهَا وَالِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَتَحْتَ الرُّكْبَةِ وَلَا تَمْتَنِعُ من فعل شئ مِنْ الصَّنَائِعِ وَلَا مِنْ الطَّبْخِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَإِدْخَالِ يَدِهَا فِي الْمَائِعَاتِ وَلَا يَجْتَنِبُ الزَّوْجُ مُضَاجَعَتَهَا إذَا سَتَرَتْ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَسُؤْرُهَا وَعَرَقُهَا طَاهِرَانِ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ جَرِيرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَدَلَائِلُهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ ظَاهِرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ: وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ عز وجل (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يطهرن) فَالْمُرَادُ بِهِ اعْتِزَالُ وَطْئِهِنَّ وَمَنْعُ قُرْبَانِ وَطْئِهِنَّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (اصنعوا كل شئ إلَّا النِّكَاحَ) وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمَعْنَاهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْحَائِضِ أَنْ تُخَضِّبَ يَدَهَا بِخِضَابٍ يَبْقَى أَثَرُهُ فِي يَدِهَا بَعْدَ غَسْلِهِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لَهَا فِي آخِرِ صِفَةِ الْوُضُوءِ (الثَّالِثَةُ) الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ فِي الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ سَوَاءٌ بِخِلَافِ الْعِدَّةِ (الرَّابِعَةُ) عَلَامَةُ انْقِطَاعِ

الْحَيْضِ وَوُجُودِ الطُّهْرِ أَنْ يَنْقَطِعَ خُرُوجُ الدَّمِ وَخُرُوجُ الصفرة والكدرة فإذا انقطع ظهرت سَوَاءٌ خَرَجَتْ بَعْدَهُ رُطُوبَةٌ بَيْضَاءُ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ التَّرِيَّةُ رُطُوبَةٌ خَفِيَّةٌ لَا صُفْرَةَ فِيهَا وَلَا كُدْرَةَ تَكُونُ فِي الْقُطْنَةِ أثر لا لون قَالَ وَهَذَا يَكُونُ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْحَيْضِ وَكَذَا قال البيهقى في السنن الترية هي الشئ الخفى اليسير (قلت) هي التربة بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ الرَّاءِ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ مُشَدَّدَةٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها للنساء (لا تعجلن حتى ترين القضة البيضاء) تريد بذلك الطهر وقدمنا معناه قال أَصْحَابُنَا وَإِذَا مَضَى زَمَنُ حَيْضِهَا لَزِمَهَا أَنْ تغتسل في الحال لاول صلاة تدركبا وَلَا يَجُوزُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ تَتْرُكَ صوما ولا صلاة ولا تمتنع من الوطئ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الطاهر ولا تستطهر بشئ أَصْلًا: وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله تَسْتَطْهِرُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ

* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فاغتسلي

ص: 543

وَصَلِّي) وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

(فَصْلٌ)

فِي أَشْيَاءَ أُنْكِرَتْ عَلَى الْغَزَالِيِّ رحمه الله فِي بَابِ الْحَيْضِ مِنْ الْوَسِيطِ: مِنْهَا قَوْلُهُ أَمَّا حُكْمُ الْحَيْضِ فَهُوَ الْمَنْعُ مِنْ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ الْأَوَّلُ كُلُّ مَا يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ الثَّانِي الِاعْتِكَافُ الثَّالِثُ الصَّوْمُ الرَّابِعُ الْجِمَاعُ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ يُطْلِقُهَا لِلْحَصْرِ وَلَيْسَ حُكْمُ الْحَيْضِ مُنْحَصِرًا فِي هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ بَلْ لَهُ أَحْكَامٌ أُخَرُ مِنْهَا بُطْلَانُ الطَّهَارَةِ وَامْتِنَاعُ صِحَّتِهَا وَوُجُوبُ الْغُسْلِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ إمَّا بِالِانْقِطَاعِ وَإِمَّا بِخُرُوجِهِ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَمِنْهَا حُصُولُ الِاسْتِبْرَاءِ وَالْبُلُوغُ بِهِ وَتَحْرِيمُ الطَّلَاقِ وَسُقُوطُ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَعَدَمُ انْقِطَاعِ التَّتَابُعِ فِي صَوْمِ الْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَمَنْعُ وُجُوبِ طَوَافِ الْوَدَاعِ وَمِنْهَا تَحْرِيمُ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ (وَنَالَ مِنِّي مَا يَنَالُ الرَّجُلُ مِنْ امْرَأَتِهِ إلَّا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ) هَذِهِ الزِّيَادَةُ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ وَهِيَ مَوْضِعُ الِاسْتِدْلَالِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَحَادِيثُ تُغْنِي عَنْهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي فَرْعَانِ الْأَوَّلُ الْمُبْتَدَأَةُ إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَى لَوْنٍ وَاحِدٍ فَفِي الشَّهْرِ الثَّانِي تحيضها خَمْسَةً لِأَنَّ التَّمْيِيزَ أَثَبْتَ لَهَا عَادَةً هَذِهِ الْعِبَارَةُ تُوهِمُ خِلَافَ الصَّوَابِ فَمُرَادُهُ أَنَّهَا رَأَتْ خَمْسَةً

سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ إلَى آخِرِ الشَّهْرِ ثُمَّ رَأَتْ الشَّهْرَ الثَّانِيَ سَوَادًا مُسْتَمِرًّا فَتَرُدُّ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي إلَى الْخَمْسَةِ وَتَثْبُتُ الْعَادَةُ فِي التَّمْيِيزِ بِمَرَّةٍ عَلَى اخْتِيَارِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي فَصْلِ الْمُمَيِّزَةِ أَمَّا إذَا رَأَتْ خَمْسَةً سَوَادًا ثُمَّ أَطْبَقَتْ الْحُمْرَةُ فَإِنَّ حَيْضَهَا خَمْسَةُ السَّوَادِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ مِنْ الْحُمْرَةِ طُهْرًا وَإِنْ اسْتَمَرَّتْ سَنَةً وَأَكْثَرَ كما سبق ومن ذلك قوله حَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ (كُنَّا لَا نَعْتَدُّ بِالصُّفْرَةِ) المعروف فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا مِنْ كلام ام عطية ومن لك قَوْلُهُ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ تُرَدُّ إلَى أَوَّلِ الْأَهِلَّةِ فَإِنَّهَا مَبَادِئُ أَحْكَامِ الشَّرْعِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِأَوَائِلِ الْأَهِلَّةِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ إنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْأَخْذِ بِأَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي أُمُورٍ الثَّالِثُ الِاعْتِدَادُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ هَذَا مَا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ الِاعْتِدَادَ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ لَيْسَ مِنْ أَسْوَأِ الِاحْتِمَالَاتِ

ص: 544

بَلْ الْأَسْوَأُ صَبْرُهَا إلَى سِنِّ الْيَأْسِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ هُوَ فِي كِتَابِ الْعِدَّةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ لِأَنَّ الِانْقِطَاعَ فِي صَلَاةٍ لَا تُفْسِدُ مَا مَضَى كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ الطَّرَآنَ وَيُمْكِنُ تَكَلُّفُ وَجْهٍ لِمَا ذَكَرَهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ الرَّابِعِ فِي الصُّورَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ بَعْدَهُ إلَى آخِرِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ يُحْتَمَلُ الْحَيْضُ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ إلَى قُبَيْلِ آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَمِنْ ذلك قوله إذا قالت اضلت خَمْسَةً فِي شَهْرٍ فَإِذَا جَاءَ شَهْرُ رَمَضَانَ تَصُومُهُ كُلُّهُ ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً هَكَذَا قَالَ وَكَذَا قَالَهُ الْفُورَانِيُّ وَكَأَنَّ الْغَزَالِيَّ أَخَذَهُ مِنْ كِتَابِ الْفُورَانِيِّ عَلَى عَادَتِهِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ تَقْضِي سِتَّةً لِاحْتِمَالِ الطَّرَآنِ فِي وَسَطِ النَّهَارِ بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ جُمْهُورِ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يُفْسِدُ عَلَى الْمُتَحَيِّرَةِ مِنْ رَمَضَانَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي بَابِ التَّلْفِيقِ لو حاضت عشر أو طهرت خَمْسَ سِنِينَ فَدَوْرُهَا تِسْعُونَ يَوْمًا لِأَنَّهُ اكْتَفَى بِهِ فِي عِدَّةِ الْآيِسَةِ فَلَوْ تَصَوَّرَ أَنْ يَزِيدَ الدَّوْرُ عَلَيْهِ لَمَا اكْتَفَى بِهِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَكَيْفَ يُقَالُ لَا تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ وَهُوَ مُتَصَوَّرٌ يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ وَالنَّقْلِ وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِهِ لِأَنَّهُ الْغَالِبُ وَنَحْنُ لَا نَكْتَفِي فِي الْمُتَحَيِّرَةِ بِالْغَالِبِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الثَّانِيَةِ الْمُبْتَدَأَةِ إذَا رَأَتْ يَوْمًا دَمًا وَيَوْمًا نَقَاءً وَصَامَتْ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ وَجَاوَزَ دَمُهَا وَفِي مَرَدِّهَا قَوْلَانِ فَإِنْ رَدَّتْ إلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَحَيْضُهَا يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ثُمَّ لَا يَلْزَمُهَا إلَّا قَضَاءُ تِسْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهَا صامت سبعة في أيام

النقاء ولولا ذَلِكَ النَّقَاءُ لَمَا لَزِمَهَا إلَّا سِتَّةَ عَشَرَ فَإِذَا احْتَسَبْنَا سَبْعَةً مِنْهَا بَقِيَ تِسْعَةٌ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوا عَلَيْهِ فِيهِ أَشْيَاءَ قَوْلُهُ تِسْعَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَصَوَابُهُ ثَمَانِيَةٌ وَقَوْلُهُ سِتَّةَ عَشَرَ وَصَوَابُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ فَإِنَّهَا صَامَتْ سَبْعَةً فَاَلَّذِي بَقِيَ ثَمَانِيَةٌ فَإِنَّ الطَّرَآنِ وَسَطَ النَّهَارِ لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى الصَّوَابِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ الرَّابِعَةِ النَّاسِيَةِ فِي الْمُتَحَيِّرَةِ الَّتِي تَقَطَّعَ دَمُهَا يَوْمًا وَيَوْمًا أَنَّهَا عَلَى قَوْلِ السَّحْبِ إذَا أَمَرْنَاهَا بِالِاحْتِيَاطِ حُكْمُهَا حُكْمُ مَنْ أَطْبَقَ الدَّمُ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا تُفَارِقُهَا فِي أَنَّا لَا نَأْمُرُهَا بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فِي وَقْتِ النَّقَاءِ وَلَا بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ الْمُتَحَيِّرَةَ عِنْدَ إطْبَاقِ الدَّمِ مَأْمُورَةٌ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ فَإِنَّ هَذِهِ تُفَارِقُهَا فِي ذَلِكَ وَلَيْسَتْ الْمُتَحَيِّرَةُ مَأْمُورَةً بِتَجْدِيدِ

ص: 545

الْوُضُوءِ وَإِنَّمَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ تُفَارِقُهَا فِي الْأَمْرِ بِتَجْدِيدِ الْغُسْلِ وَكَذَلِكَ لَا تُؤْمَرُ بِتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ فِي آخِرِ بَابِ النِّفَاسِ إذَا انْقَطَعَ دَمُ النُّفَسَاءِ فَرَأَتْ دَمًا ثُمَّ انْقَطَعَ خَمْسَةَ عشر ثم عاد فالعائد حيض أم نِفَاسٌ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِذَا قُلْنَا نِفَاسٌ وَرَأَيْنَا تَرْكَ التَّلْفِيقِ فَالْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وصوابه نفاس وقد سبق أيضاح كَذَا قَالَ هُنَا وَفِي الْبَسِيطِ وَكَذَا قَالَ شَيْخُهُ فِي النِّهَايَةِ الْأَشْهَرُ أَنَّ مُدَّةَ النَّقَاءِ حَيْضٌ وَصَوَابُهُ نِفَاسٌ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ فِي مَوَاضِعِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والعصمة

*

* ‌

(باب ازالة النجاسة)

*

* قال المصف رحمه الله

* [والنجاسة هي البول والقئ والمذى والودى ومنى غير الادمى والدم والقيح وماء القروح والعلقة والخمر والنبيذ والكلب والخنزير وما ولد منهما وما تولد من أحدهما ولبن ما لا يؤكل غير الآدمى ورطوبة فرج المرأة وما تنجس بذلك]

* [الشَّرْحُ] فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) فِي لُغَاتِ النَّجَاسَةِ وَحْدَهَا: قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّجِسُ هو القذر قالوا ويقال شئ نجس ونجس بكسر الجيم وفتحها والنجاسة الشئ المستقذر ونجس الشئ يَنْجَسُ كَعَلِمَ يَعْلَمُ قَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ النِّجْسُ والنجس والنجس القذر من كل شئ يَعْنِي بِكَسْرِ النُّونِ وَفَتْحِهَا مَعَ إسْكَانِ الْجِيمِ فِيهِمَا وَبِفَتْحِهِمَا جَمِيعًا قَالُوا وَرَجُلٌ نَجَسٌ وَنَجِسٌ يَعْنِي بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا

مَعَ فَتْحِ النُّونِ فِيهِمَا الْجَمْعُ أَنْجَاسٌ قَالَ وَقِيلَ النَّجَسُ يَكُونُ لِلْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمْعِ وَالْمُؤَنَّثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ فَإِذَا كَسَرُوا النُّونَ ثَنَّوْا وَجَمَعُوا وَهِيَ النَّجَاسَةُ وَقَدْ أَنْجَسَهُ وَنَجَّسَهُ وَأَمَّا حَدُّ النَّجَاسَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي حَدُّهَا كُلُّ عَيْنٍ حَرُمَ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ لَا لِحُرْمَتِهَا قَالَ وَقَوْلُنَا عَلَى الْإِطْلَاقِ احْتِرَازٌ مِنْ السُّمُومِ الَّتِي هِيَ نَبَاتٌ فَإِنَّهَا لَا يَحْرُمُ تَنَاوُلُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ بَلْ يُبَاحُ الْقَلِيلُ مِنْهَا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْكَثِيرُ الَّذِي فِيهِ ضَرَرٌ قَالَ وَقَوْلُنَا مَعَ إمْكَانِ التَّنَاوُلِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَشْيَاءِ الصُّلْبَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا وَقَوْلُنَا لَا لِحُرْمَتِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْآدَمِيِّ وَهَذَا الَّذِي

ص: 546

حَدَّدَ بِهِ الْمُتَوَلِّي لَيْسَ مُحَقَّقًا فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ التُّرَابُ وَالْحَشِيشُ الْمُسْكِرُ وَالْمُخَاطُ وَالْمَنِيُّ وَكُلُّهَا طَاهِرَةٌ مَعَ أَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ وَفِي الْمَنِيِّ وَجْهٌ أَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَمَّ إلَيْهَا لَا لِحُرْمَتِهَا أَوْ اسْتِقْذَارِهَا أَوْ ضَرَرِهَا فِي بَدَنٍ أَوْ عَقْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: الثَّانِيَةُ هَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا إنَّمَا يُطْلِقُهَا الْفُقَهَاءُ لِلْحَصْرِ وَهِيَ مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ وَالْكَلَامِ وَإِذَا عُلِمَ أَنَّهَا لِلْحَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا نَجَاسَةَ إلَّا هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَهَذَا الْحَصْرُ صَحِيحٌ فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ أَشْيَاءُ مِنْ النَّجَاسَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا منها شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ نَجَسٌ علي المذهب كما سبق في باب الآتية وَمِنْهَا الْجَدْيُ إذَا ارْتَضَعَ كَلْبَةً أَوْ خِنْزِيرَةً فَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي وَغَيْرُهُ أَظْهَرُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَمِنْهَا الْمَاءُ الَّذِي يَنْزِلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ فِي حَالِ النَّوْمِ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: فالجواب عن الاول أن شعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ يَكُونُ مَيْتَةً فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ وَالْمَيْتَةُ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مَا انْفَصَلَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ مَيِّتٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يَتَكَلَّفَ فَيَقُولَ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الشَّعْرَ هُنَا لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الآتية بَلْ الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَالْجَوَابُ عَنْ الْجَدْيِ وَالْمَاءِ أَنَّهُ اخْتَارَ طَهَارَتَهُمَا وَأَمَّا الْمَنِيُّ وَالْمَذْيُ وَالْوَدْيُ فَسَبَقَ بَيَانُ صِفَاتِهَا وَلُغَاتِهَا فِي باب ما وجب الْغُسْلَ وَسَبَقَ الْغَائِطُ فِي الِاسْتِطَابَةِ وَالْخَمْرُ مُؤَنَّثَةٌ وَيُقَالُ فِيهَا خَمْرَهُ بِالْهَاءِ فِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَقَدْ غَلِطَ مَنْ أَنْكَرَهَا عَلَى الْغَزَالِيِّ رحمه الله وَقَدْ بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي نُونِ خِنْزِيرٍ هَلْ هِيَ أَصْلٌ أَمْ زَائِدَةٌ وَالْأَظْهَرُ

أَنَّهَا أَصْلِيَّةٌ كَعِرْنِيبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَرُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَحْذِفَ الْمَرْأَةَ وَيَقُولَ وَرُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّ الْحُكْمَ فِي رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ وسائر الحيوانات الطهارة سَوَاءٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [فأما البول فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه) ]

*

ص: 547

[الشَّرْحُ] هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٌ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ عُدُولٌ ضَابِطُونَ بِشَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وهو أبويحيى الْقَتَّاتُ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَجَرَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَهُ مُتَابِعٌ عَلَى حَدِيثِهِ وَشَوَاهِدُ يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا حُسْنَهُ وَجَوَازَ الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ قَالَ فِيهَا الْمَحْفُوظُ إنَّهُ مُرْسَلٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (مَرَّ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) وَرُوِيَ (يَسْتَنْزِهُ مِنْ الْبَوْلِ) وَرُوِيَ (يَسْتَتِرُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَوْلُهُ تَنَزَّهُوا مَعْنَاهُ تَبَاعَدُوا وَتَحَفَّظُوا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْأَبْوَالِ فَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ وَبَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ وَبَوْلُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ وَبَوْلُ غَيْرِ الْمَأْكُولِ وَكُلُّهَا نَجِسَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ نَذْكُرُهَا مُفَصَّلَةً لِبَيَانِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَدَلَائِلِهَا فَأَمَّا بَوْلُ الْآدَمِيِّ الْكَبِيرِ فَنَجِسٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا بَوْلُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَمْ يُطْعَمْ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ هُوَ طَاهِرٌ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْكَبِيرِ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَضَحَ ثَوْبَهُ مِنْ بَوْلِ الصَّبِيِّ

وَأَمَرَ بِالنَّضْحِ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمْ يُنْضَحْ وَأَمَّا بَوْلُ بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ الَّتِي لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهَا فَنَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّخَعِيِّ طَهَارَتَهُ وَمَا أظنه يصح عنه فان صح فمردود بما ذكرنا وَحَكَى ابْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِهِ الْمُحَلَّى عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ الْأَبْوَالُ وَالْأَرْوَاثُ طَاهِرَةٌ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ إلَّا الْآدَمِيَّ وَهَذَا فِي نِهَايَةٍ من الفساد واما بول الحيوانات

ص: 548

لمأكولة وَرَوْثُهَا فَنَجِسَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَغَيْرِهِمَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ بَوْلُهُ وَرَوْثُهُ طَاهِرَانِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ وَسَبَقَهُمْ بِاخْتِيَارِهِ إمَامُ الْأَئِمَّةِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ اسحق بْنِ خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ فِي صَحِيحِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا الْجَزْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّ بَوْلَ الْمَأْكُولِ طَاهِرٌ دُونَ رَوْثِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ذَرْقُ الْحَمَامِ طَاهِرٌ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ (قَدِمَ نَاسٌ مِنْ عُكْلَ أَوْ عُرَيْنَةَ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِ إبِلِ الصَّدَقَةِ وَأَلْبَانِهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعُكْلُ وَعُرَيْنَةُ بِضَمِّ الْعَيْنِ فِيهِمَا وَهُمَا قَبِيلَتَانِ وَقَوْلُهُ اجْتَوَوْا بِالْجِيمِ أَيْ اسْتَوْخَمُوا وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ البراء موفوعا (مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَلَا بَأْسَ بِبَوْلِهِ) وَعَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالْعَرَبُ تَسْتَخْبِثُ هَذَا وَبِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَعَلَى دَمِ الْمَأْكُولِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ لِلتَّدَاوِي وَهُوَ جَائِزٌ بِجَمِيعِ النَّجَاسَاتِ سِوَى الْخَمْرِ كَمَا سَنُقَرِّرُهُ بِدَلَائِلِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ حَدِيثَيْ الْبَرَاءِ وَجَابِرٍ أَنَّهُمَا ضَعِيفَانِ وَاهِيَانِ ذَكَرَهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَهُمَا وَبَيَّنَ ضَعْفَهُمَا وَرُوِيَ وَلَا بَأْسَ بِسُؤْرِهِ وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله

* [وأما الغائط فَهُوَ نَجِسٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لعمار رضى الله عنه (انما تغسل ثوبك من الغائط والبول والمني والدم والقيح) ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَمَّارٍ هَذَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ

الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبَيَّنَ ضَعْفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَيُغْنِي عَنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى نَجَاسَةِ الْغَائِطِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ غَائِطِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِالْإِجْمَاعِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى بِصِيغَةِ الْجَزْمِ فِي حَدِيثٍ بَاطِلٍ وَقَدْ سَبَقَ نَظَائِرُ هَذَا الْإِنْكَارِ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ خِلَافٌ

ص: 549

لِأَصْحَابِنَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْفَضَلَاتِ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ كَانَتْ نَجِسَةً وَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ عَمَّارٍ فِي بَابِ السِّوَاكِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وَأَمَّا سِرْجِينُ الْبَهَائِمِ وَذَرْقُ الطُّيُورِ فَهُوَ كَالْغَائِطِ فِي النَّجَاسَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ (أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ إنَّهَا رِكْسٌ) فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ وَالرِّكْسُ الرَّجِيعُ وَهَذَا رَجِيعٌ فَكَانَ نَجِسًا وَلِأَنَّهَا خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ فَكَانَ نَجِسًا كَالْغَائِطِ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ جميع الارواث والدرق وَالْبَوْلِ نَجِسَةٌ مِنْ كُلِّ الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ الْمَأْكُولُ وَغَيْرُهُ وَالطَّيْرُ وَكَذَا رَوْثُ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالذُّبَابِ فَرَوْثُهَا وَبَوْلُهَا نَجِسَانِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا فِي طَهَارَةِ رَوْثِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَمَا لَا نَفْسَ له سائل وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ وَرَوْثَهُ طَاهِرَانِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ نَجَاسَةِ ذَرْقِ الطُّيُورِ كُلِّهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ كلها طاهرة الا ذرق الدجاج لانه لانتن إلَّا فِي ذَرْقِ الدَّجَاجِ وَلِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْمَسَاجِدِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ الْمُسْلِمُونَ كَمَا غَسَلُوا بَوْلَ الْآدَمِيِّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ عَدَمِ النَّتِنِ بِأَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِبَعْرِ الْغِزْلَانِ وَعَنْ الْمَسَاجِدِ بِأَنَّهُ تَرْكٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي إزَالَتِهِ مَعَ تَجَدُّدِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعِنْدِي أَنَّهُ إذَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَتَعَذَّرَ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ يُعْفَى عَنْهُ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ كَمَا يُعْفَى عَنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الرِّكْسُ الرَّجِيعُ فَكَذَا قَالَهُ وَمِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ يَقُولُ الرِّكْسُ الْقَذَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ فَعَلَّلَ نَجَاسَتَهُ بِأَنَّهُ رِكْسٌ فَكَلَامٌ عَجِيبٌ وَصَوَابُهُ فَعَلَّلَ تَرْكَهُ فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا فِيهِ تَرْكُ الِاسْتِنْجَاءِ

بِالرَّوْثِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ كَمَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْ تَرْكِهِ بِالْعَظْمِ وَالْمُحْتَرَمَاتِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (إنَّهَا رِكْسٌ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ مُجَرَّدُ إخْبَارٍ بِأَنَّهُمَا

ص: 550

رِكْسٌ وَرَجِيعٌ فَإِنَّ ذَلِكَ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ فَيُؤَدِّي الْحَمْلُ عَلَيْهِ إلَى خُلُوِّ الْكَلَامِ عَنْ الْفَائِدَةِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ التَّعْلِيلُ بِأَنَّهَا رِكْسٌ يَشْمَلُ رَوْثَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ الدُّبُرِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ أَحَالَتْهُ الطَّبِيعَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الدُّودِ وَالْحَصَى وَقَاسَهُ عَلَى الْغَائِطِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ السِّرْجِينِ لَفَظَّةٌ عَجَمِيَّةٌ وَيُقَالُ بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا وَيُقَالُ سِرْقِينُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وأما القئ فَهُوَ نَجِسٌ لِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَلِأَنَّهُ طَعَامٌ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ فَكَانَ نَجِسًا كالغائط]

* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ حَدِيثَ عَمَّارٍ بَاطِلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ فِي الْجَوْفِ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَيْضَةِ إذَا صَارَتْ دَمًا فَإِنَّهَا لَا تَنْجُسُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَقَوْلُهُ اسْتَحَالَ إلَى النَّتِنِ وَالْفَسَادِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وهذا الذى ذكره من نجاسة القئ متفق عليه وسواء فيه قئ الْآدَمِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْحَيَوَانَاتِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وغيره وسواء خرج القئ مُتَغَيِّرًا أَوْ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إنْ خَرَجَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ فَهُوَ طَاهِرٌ وَهَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي هُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ نَقَلَهُ الْبَرَاذِعِيُّ مِنْهُمْ فِي التَّهْذِيبِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا الرُّطُوبَةُ الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ الْمَعِدَةِ نَجِسَةٌ وَحَكَى الشَّاشِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ طَهَارَتَهَا: دَلِيلُنَا أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَسَمَّى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذِهِ الرُّطُوبَةَ بِالْبَلْغَمِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فَلَيْسَ الْبَلْغَمُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَالْمَذْهَبُ طَهَارَتُهُ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَجَاسَتِهِ الْمُزَنِيّ وَأَمَّا النُّخَاعَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الصَّدْرِ فَطَاهِرَةٌ كَالْمُخَاطِ

* (فَرْعٌ)

الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ الْإِنْسَانِ حَالَ النَّوْمِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرًا فَنَجِسٌ وَإِلَّا فَطَاهِرُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ مِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ اللَّهَوَاتِ

فَهُوَ طَاهِرٌ وَمِنْهُ مَا يَسِيلُ مِنْ المعدة فهو نجس بالاجماع وطريق التمييز مِنْهَا أَنْ يُرَاعَى عَادَتُهُ فَإِنْ كَانَ

ص: 551

يَسِيلُ مِنْ فَمِهِ فِي أَوَائِلِ نَوْمِهِ بَلَلٌ وَيَنْقَطِعُ حَتَّى إذَا طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ انْقَطَعَ ذَلِكَ الْبَلَلُ وَجَفَّتْ شَفَتُهُ وَنَشِفَتْ الْوِسَادَةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْفَمِ لَا مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِنْ طَالَ زَمَانُ النَّوْمِ وَأَحَسَّ مَعَ ذَلِكَ بِالْبَلَلِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَإِذَا أَشْكَلَ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَالِاحْتِيَاطُ غَسْلُهُ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَسَأَلْتُ أَنَا عُدُولًا مِنْ الْأَطِبَّاءِ فَأَنْكَرُوا كَوْنَهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَأَنْكَرُوا عَلَى مَنْ أَوْجَبَ غَسْلَهُ وَالْمُخْتَارُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ إلَّا إذَا عُرِفَ أَنَّهُ مِنْ الْمَعِدَةِ وَمَتَى شَكَّ فَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ احْتِيَاطًا وَحَيْثُ حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهِ وَعَمَّتْ بَلْوَى إنْسَانٍ بِهِ وَكَثُرَ فِي حَقِّهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ فِي حَقِّهِ وَيَلْتَحِقُ بِدَمِ الْبَرَاغِيثِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالِاسْتِحَاضَةِ وَنَحْوَهَا مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَّةُ نَجِسَةٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقُ فِي مَسَائِلِ الْمِيَاهِ الْمَرَارَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ الْمُرَّةِ نَجِسَةٌ

* (فَرْعٌ)

الْجِرَّةُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ مَا يُخْرِجُهُ الْبَعِيرُ مِنْ جَوْفِهِ إلَى فَمِهِ لِلِاجْتِرَارِ قال اصحابنا هي نجسة صرح به الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى نجاستها * قال المصنف رحمه الله

* [وأما المذى فهو نجس لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ كُنْت رَجُلًا مَذَّاءً فذكرت ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ (إذَا رأت المذى فاغسل ذكرك وتوضأ وضوءك للصلاة) ولانه خارج من سبيل الحدث لا يخلق منه طاهر فهو كالبول وأما الودى فنجس لما ذكرنا من العلة ولانه يخرج مع البول فكان حكمه حكمه]

* [الشَّرْحُ] أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى نَجَاسَةِ الْمَذْيِ وَالْوَدْيِ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ الْمَذْيِ وَلَا يَكْفِي نَضْحُهُ بِغَيْرِ غَسْلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله أَرْجُو أَنْ يجزيه النضح

ص: 552

وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ (تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَكَ) وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ اغْسِلْ

وَهِيَ أَكْثَرُ وَالْقِيَاسُ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَأَمَّا رِوَايَةُ النَّضْحِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الْغَسْلِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ أَمَرَ الْمِقْدَادَ أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَبَيْنَ فَوَائِدِ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِمَّا يُنْكَرُ لِأَنَّهُ صِيغَةُ تَمْرِيضٍ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ وَقَوْلُهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلِ الْحَدَثِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُخَاطِ وَالْعَرَقِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الطَّاهِرَاتِ وَقَوْلُهُ لَا يُخْلَقُ مِنْهُ طَاهِرٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَقَوْلُهُ فِي الْوَدْي يَخْرُجُ مَعَ الْبَوْلِ الاجود أن يقال عقبه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وأما منى الادمى فطاهر لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تحت الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يصلى ولو كان نجسا لما انعقدت معه الصلاة ولانه مبتدا خلق بشر فكان طاهرا كالطين]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّ لَفْظَهُ (لَقَدْ رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) هَذَا لَفْظُهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَأَمَّا اللَّفْظُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُهُ تَحُتُّ المنى أي تفركه وتحته وقوله ولانه مُبْتَدَأُ خَلْقِ بَشَرٍ احْتِرَازٌ مِنْ مَنِيِّ الْكَلْبِ: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنِيُّ الْآدَمِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي كُتُبِهِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَبَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْقَوْلَانِ فِي مَنِيِّ الْمَرْأَةِ فَقَطْ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَةِ مَنِيِّهِ وَمَنِيِّهَا وَسَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ لَكِنْ إنْ قُلْنَا رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ مَنِيُّهَا بِمُلَاقَاتِهَا كَمَا لَوْ بَالَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَغْسِلْ ذَكَرَهُ بِالْمَاءِ ثُمَّ أَمْنَى فَإِنَّ مَنِيَّهُ يَنْجَسُ بِمُلَاقَاةِ الْمَحَلِّ النَّجِسِ وَإِذَا حَكَمْنَا بِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ اُسْتُحِبَّ غَسْلُهُ مِنْ الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عن عائشة

ص: 553

رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّهَا كَانَتْ تَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهِ

*

(فَرْعٌ)

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وعطاء واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ نَجِسٌ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُجْزِي فَرْكُهُ يَابِسًا وَأَوْجَبَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ غَسْلَهُ يَابِسًا وَرَطْبًا وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِنَجَاسَتِهِ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَغْسِلُ الْمَنِيَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ (كُنْتُ أَغْسِلُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رواية لمسلم أنها قالت لرجل أصاب ثوب مَنِيٌّ فَغَسَلَهُ كُلَّهُ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ إنْ رَأَيْتَهُ أَنْ تَغْسِلَ مَكَانَهُ فَإِنْ لَمْ تَرَهُ نضحت حوله لقدر رَأَيْتُنِي أَفْرُكُهُ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرْكًا فَيُصَلِّي فِيهِ) وَذَكَرُوا أَحَادِيثَ كَثِيرَةً ضَعِيفَةً مِنْهَا حَدِيثٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَأْمُرُ بِحَتِّ الْمَنِيِّ) قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى الْبَوْلِ والحيض ولانه يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ وَلِأَنَّ الْمَذْيَ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ لِأَنَّ الشَّهْوَةَ تُحَلِّلُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاشْتَرَكَا فِي النَّجَاسَةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ فَرْكِهِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمْ يَكْفِ فَرْكُهُ كَالدَّمِ وَالْمَذْيِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْقَدْرُ كَافٍ وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدْتُهُ أَنَا فِي طَهَارَتِهِ وَقَدْ أَكْثَرَ أَصْحَابُنَا مِنْ الِاسْتِدْلَالِ بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا وَعَلَى هَذَا إنَّمَا فَرْكُهُ تَنَزُّهًا وَاسْتِحْبَابًا وَكَذَا غَسْلُهُ كَانَ لِلتَّنَزُّهِ وَالِاسْتِحْبَابِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيِّنٌ أَوْ كَالْمُتَعَيِّنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَأَمَّا قَوْلُ عَائِشَةَ (إنَّمَا كَانَ يُجْزِيكَ) فَهُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبَ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا حَمْلُهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لِأَنَّهَا احْتَجَّتْ بِالْفَرْكِ فَلَوْ وَجَبَ الْغَسْلُ لَكَانَ كَلَامُهَا حُجَّةً عَلَيْهَا لَا لَهَا وَإِنَّمَا أَرَادَتْ الْإِنْكَارَ عَلَيْهِ فِي غَسْلِ كُلِّ الثَّوْبِ فَقَالَتْ غَسْلُ كُلِّ الثَّوْبِ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ وَإِنَّمَا يُجْزِيكَ فِي تَحْصِيلِ الْأَفْضَلِ وَالْأَكْمَلِ كَذَا وَكَذَا وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً وَمُنَاسَبَاتٍ كَثِيرَةً غَيْرَ طَائِلَةٍ وَلَا نَرْتَضِيهَا وَلَا نَسْتَحِلُّ

ص: 554

الِاسْتِدْلَالَ بِهَا وَلَا نَسْمَحُ بِتَضْيِيعِ الْوَقْتِ فِي كِتَابَتِهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْبَوْلِ وَالدَّمِ بِأَنَّ الْمَنِيَّ أَصْلُ الْآدَمِيِّ الْمُكَرَّمِ فَهُوَ بِالطِّينِ أَشْبَهُ بِخِلَافِهِمَا وَعَنْ قولهم يخرج من مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ بِالْمَنْعِ قَالُوا بَلْ مَمَرُّهُمَا مُخْتَلِفٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَدْ شُقَّ ذَكَرُ الرَّجُلِ بِالرُّومِ

فَوُجِدَ كَذَلِكَ فَلَا نُنَجِّسُهُ بِالشَّكِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ مَخْرَجِ الْبَوْلِ لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ النَّجَاسَةُ لِأَنَّ مُلَاقَاةَ النَّجَاسَةِ فِي الْبَاطِنِ لَا تُؤَثِّرُ وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ مُلَاقَاتُهَا فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ قَوْلِهِمْ الْمَذْيُ جُزْءٌ مِنْ الْمَنِيِّ بِالْمَنْعِ أَيْضًا قَالُوا بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالْخِلْقَةِ وَكَيْفِيَّةِ الْخُرُوجِ لِأَنَّ النَّفْسَ وَالذَّكَرَ يَفْتُرَانِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ وَأَمَّا الْمَذْيُ فَعَكْسُهُ وَلِهَذَا مَنْ بِهِ سَلَسُ الْمَذْيِ لَا يَخْرُجُ مَعَهُ شئ من المنى والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا مَنِيُّ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ إلَّا مَنِيَّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ يُخْلَقُ مِنْهُ مِثْلُ أَصْلِهِ فَكَانَ طَاهِرًا كَالْبَيْضِ وَمَنِيِّ الْآدَمِيِّ وَالثَّانِي الْجَمِيعُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مِنْ فُضُولِ الطَّعَامِ الْمُسْتَحِيلِ وَإِنَّمَا حُكِمَ بِطَهَارَتِهِ مِنْ الْآدَمِيِّ لَحُرْمَتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَهَذَا لَا يُوجَدُ فِي غَيْرِهِ وَالثَّالِثُ مَا أُكِلَ لَحْمُهُ فَمَنِيُّهُ طَاهِرٌ كَلَبَنِهِ وَمَا لا يؤكل لحمه فمنيه نجس كلبنه]

* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَشْهُورَةٌ وَدَلَائِلُهَا ظَاهِرَةٌ وَالْأَصَحُّ طَهَارَةُ الْجَمِيعِ غَيْرَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ إلَى تَرْجِيحِهِ وَصَحَّحَ الرَّافِعِيُّ النَّجَاسَةَ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ أَمَّا مَنِيُّ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنَّهُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ

* (فَرْعٌ)

الْبَيْضُ مِنْ مَأْكُولِ اللَّحْمِ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِنْ غَيْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَنِيِّهِ الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِهِ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ إلَى الْقَطْعِ بِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي بِزْرِ الْقَزِّ لِأَنَّهُ أَصْلُ الدُّودِ كَالْبَيْضِ وَأَمَّا دُودُ الْقَزِّ فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ

ص: 555

الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطيب) وفى الصحيحين أن وبيض الطِّيبِ كَانَ يُرَى مِنْ مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي فَأْرَةِ الْمِسْكِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَالِ حَيَاةِ الظَّبْيَةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ كَالْجَنِينِ وَالثَّانِي النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الْفَضَلَاتِ وَالْأَجْزَاءِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنْ انْفَصَلَتْ بَعْدَ مَوْتِهَا فَنَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَاللَّبَنِ وَقِيلَ طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ

الْمُتَصَلِّبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ

* (فَرْعٌ)

الْبَيْضَةُ الطَّاهِرَةُ إذَا اسْتَحَالَتْ دَمًا فَفِي نَجَاسَتِهَا وَجْهَانِ الْأَصَحُّ النَّجَاسَةُ كَسَائِرِ الدِّمَاءِ وَالثَّانِي الطَّهَارَةُ كَاللَّحْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَطْعِمَةِ إذَا تَغَيَّرَتْ وَلَوْ صَارَتْ مُدِرَّةً وَهِيَ الَّتِي اخْتَلَطَ بَيَاضُهَا بِصُفْرَتِهَا فَطَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا اللَّحْمُ إذَا خَنِزَ وَأَنْتَنَ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ نَجِسٌ حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ الْأَطْعِمَةِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا

* (فَرْعٌ)

هَلْ يَحِلُّ أَكْلُ الْمَنِيِّ الطَّاهِرِ فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِأَنَّهُ مستخبث قال الله تعالي (ويحرم عليهم الخبائث) وَالثَّانِي يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهِ وَفِي الْمُخَاطِ وَأَشْبَاهِهِ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا قُلْنَا بطهارة ببض مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقْذَرٍ وَهَلْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِ الْبَيْضِ إذَا وَقَعَ عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ رُطُوبَةَ الْفَرْجِ طَاهِرَةٌ أَمْ نَجِسَةٌ وَقَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ وَقَالَ الْوَلَدُ إذَا خَرَجَ طَاهِرٌ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكَذَا الْبَيْضُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وأما الدم فنجس لحديث عمار رضى الله عنه وفى دم السمك وجهان أحدهما نجس كغيره والثانى طاهر لانه ليس بأكثر من الميتة وميتة السمك طاهرة فكذا دمه][الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ

ص: 556

عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُسْتَحَاضَةِ (إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي) رَوَاهُ البخاري ومسلم وعن أسماء رضى الله عنها قَالَتْ (جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ إحْدَانَا يُصِيبُ ثَوْبُهَا مِنْ دَمِ الْحَيْضِ كَيْفَ تَصْنَعُ بِهِ قَالَ (تحته ثم تقرضه بِالْمَاءِ ثُمَّ تَنْضَحُهُ ثُمَّ تُصَلِّي فِيهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالدَّلَائِلُ عَلَى نَجَاسَةِ الدَّمِ مُتَظَاهِرَةٌ وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا مَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ بَعْضِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَنَّهُ قَالَ

هُوَ طَاهِرٌ وَلَكِنَّ الْمُتَكَلِّمِينَ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَالْخِلَافِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ أَهْلِ الاصول من اصحابنا وغيرهم لاسيما فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّاتِ وَأَمَّا الْوَجْهَانِ فِي دَمِ السَّمَكِ فَمَشْهُورَانِ وَنَقَلَهُمَا الْأَصْحَابُ أَيْضًا فِي دَمِ الْجَرَادِ وَنَقَلَهُمَا الرَّافِعِيُّ أَيْضًا فِي الدَّمِ الْمُتَحَلِّبِ مِنْ الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ النَّجَاسَةُ وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ دَمِ السَّمَكِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وداود وقال أبو حنيفة طاهر وأما دم القمل والبراغيت والقراد والبق ونحوها مِمَّا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَنَجِسَةٌ عِنْدَنَا كَغَيْرِهَا مِنْ الدِّمَاءِ لَكِنْ يُعْفَى عَنْهَا فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ لِلْحَاجَةِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ قَالَ بِنَجَاسَةِ هَذِهِ الدِّمَاءِ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ طَاهِرَةٌ وَهِيَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَكَلَامٌ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِدَمِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ نَجِسٌ مَعَ أَنَّ مَيْتَتَهُ طَاهِرَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فَيُقَالَ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةٌ مَأْكُولَةٌ

* (فَرْعٌ)

مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى الدَّمُ الْبَاقِي عَلَى اللَّحْمِ وَعِظَامِهِ وَقَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فقد ذكره أبو إسحق الثَّعْلَبِيُّ الْمُفَسِّرُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنُقِلَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَدَلِيلُهُ الْمَشَقَّةُ فِي الِاحْتِرَازِ مِنْهُ وَصَرَّحَ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُهُ بِأَنَّ مَا يَبْقَى مِنْ الدَّمِ فِي اللَّحْمِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ وَلَوْ غَلَبَتْ حُمْرَةُ الدَّمِ فِي الْقَدْرِ لَعَسُرَ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَحَكَوْهُ عَنْ عَائِشَةَ وَعِكْرِمَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ

ص: 557

وأبى يوسف واحمد واسحق وَغَيْرِهِمْ وَاحْتَجَّتْ عَائِشَةُ وَالْمَذْكُورُونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا) قَالُوا فَلَمْ يَنْهَ عَنْ كُلِّ دَمٍ بَلْ عن المسفوح خاصة وهو السائل * قال المصنف رحمه الله

* [واما القيح فهو نجس لانه دم استحال الي نتن فإذا كان الدم نجسا فالقيح أولي واما ماء القروح فان كان له رائحة فهو نجس كالقيح وان لم يكن له رائحة فهو طاهر كرطوبة البدن وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا طاهر كالعرق والثانى نجس لانه تحلل بعلة فهو كالقيح]

* [الشَّرْحُ] الْقَيْحُ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا مَاءُ الْقُرُوحِ الْمُتَغَيِّرُ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَغَيِّرِ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ

فِي الْإِمْلَاءِ وَقِيلَ فِي نَجَاسَتِهِ قَوْلَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَقَوْلُهُ تَحَلَّلَ بِعِلَّةٍ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّمْعِ وَالْعَرَقِ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَرُطُوبَاتِ الْبَدَنِ فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَقَدْ ضَبْطَ الْغَزَالِيُّ وَتَابَعَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا بِعِبَارَةٍ وَجِيزَةٍ فَقَالَ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَيْسَ لَهُ اجْتِمَاعٌ وَاسْتِحَالَةٌ فِي الْبَاطِنِ وَإِنَّمَا يَرْشَحُ رَشْحًا وَالثَّانِي مَا يَسْتَحِيلُ وَيَجْتَمِعُ فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَالْأَوَّلُ كَالدَّمْعِ وَاللُّعَابِ وَالْعَرَقِ وَالْمُخَاطِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيَوَانِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهُ إنْ كَانَ نَجِسًا وَهُوَ الْكَلْبُ وَالْخِنْزِيرُ وَفَرْعُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ نَجِسٌ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا وَهُوَ سَائِرُ الْحَيَوَانَاتِ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ وأما الثاني

ص: 558

فكالدم والبول والعذرة والروث والقئ وَالْقَيْحِ وَكُلُّهُ نَجِسٌ وَيُسْتَثْنَى اللَّبَنُ وَالْمَنِيُّ وَالْعَلَقَةُ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ

* وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْعَرَقِ وَاللُّعَابِ وَالْمُخَاطِ وَالدَّمْعِ بَيْنَ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالطَّاهِرِ وَالْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ وَالْبَغْلِ وَالْحِمَارِ والفرس والفار وَجَمِيعِ السِّبَاعِ وَالْحَشَرَاتِ بَلْ هِيَ طَاهِرَةٌ مِنْ جَمِيعِهَا وَمِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ طَاهِرٍ وَهُوَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرْعِ أَحَدِهِمَا وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَكَذَا لَا كَرَاهَةَ فِي سؤر شئ مِنْهَا وَهُوَ بَقِيَّةُ مَا شَرِبَتْ مِنْهُ وَاَللَّهُ أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وأما العلقة ففيها وجهان قال أبو اسحق هِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ مِنْ الرَّحِمِ فَهُوَ كَالْحَيْضِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ هِيَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ دَمٌ غَيْرُ مَسْفُوحٍ فَهُوَ كَالْكَبِدِ والطحال][الشَّرْحُ] الْعَلَقَةُ هِيَ الْمَنِيُّ إذَا اسْتَحَالَ فِي الرَّحِمِ فَصَارَ دَمًا عَبِيطًا فَإِذَا اسْتَحَالَ بَعْدَهُ فَصَارَ قِطْعَةَ لَحَمِ فَهُوَ مُضْغَةٌ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ فِي الْعَلَقَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا الطَّهَارَةُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الصَّيْرَفِيِّ وَعَامَّةِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَآخَرُونَ وَأَمَّا الْمُضْغَةُ فَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهَا كَالْوَلَدِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِ الْوَسِيطِ وَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ إنْكَارُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنِسْبَتُهُ إلَى الِانْفِرَادِ بِنَقْلِ وَجْهٍ فِي نَجَاسَةِ الْمُضْغَةِ فَإِنَّ الْوَجْهَ نَقَلَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَاهُ وَقَوْلُهُ مَسْفُوحٌ أَيْ سَائِلٌ وَقَوْلُهُ كَالْكَبِدِ هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ

ص: 559

الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهَا وَالطِّحَالُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَإِنَّمَا قَاسَ عَلَى الْكَبِدِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا طَاهِرَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ الْكَبِدَ وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ (أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ فَالْمَيْتَتَانِ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالدَّمَانِ الْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رُوِيَ هَكَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ الْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ قُلْتُ وَيَحْصُلُ الِاسْتِدْلَال بِهَا لِأَنَّهَا مَرْفُوعَةٌ أَيْضًا فَإِنَّهَا كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ أُمِرْنَا بِكَذَا وَنُهِينَا عَنْ كَذَا وهذا عند أصحابنا الْمُحَدِّثِينَ وَجُمْهُورِ الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَرِيحًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ: وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ الصَّيْرَفِيُّ فَهَذَا أَوَّلُ مَوْضِعٍ جَرَى فِيهِ ذِكْرُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ إمَامًا بَارِعًا مُتْقِنًا صَاحِبَ مُصَنَّفَاتٍ كَثِيرَةٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِ قَالَ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ تُوُفِّيَ لِثَمَانٍ بَقَيْنَ من شهر ربيع الاول سنة ثلاثين وثلثمائة رحمه الله * قال المصنف رحمه الله

* [وأما الميتة غَيْرِ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ فَهِيَ نَجِسَةٌ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الْأَكْلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا السَّمَكُ وَالْجَرَادُ فَهُمَا طَاهِرَانِ لِأَنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُهُمَا وَلَوْ كَانَا نَجِسَيْنِ لَمْ يَحِلَّ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّهُ مَيِّتٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَكَانَ نَجِسًا كَسَائِرِ الْمَيْتَاتِ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (ولا تُنَجِّسُوا مَوْتَاكُمْ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا غسل كسائر الميتات][الشَّرْحُ] أَمَّا الْحَدِيثُ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَصَاحِبُهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: قَالَ الْحَاكِمُ فِي آخِرِ كِتَابِ الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ تَعْلِيقًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْمُسْلِمُ لَا يَنْجُسُ حَيًّا وَلَا مَيِّتًا) وَرِوَايَةُ الْمَرْفُوعِ مُقَدَّمَةٌ لِأَنَّ فِيهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

ص: 560

(إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ) وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذَا مَاتَا طَاهِرَانِ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وطعامه) وقال تعالي (وهو

الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحما طريا) وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْبَحْرِ (هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ) وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَفَوَائِدُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه قَالَ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا الَّذِي مَاتَ بِالِاصْطِيَادِ أَوْ حَتْفَ نَفْسِهِ وَالطَّافِي مِنْ السَّمَكِ وَغَيْرُ الطَّافِي وَسَوَاءٌ قُطِعَ رَأْسُ الْجَرَادَةِ أَمْ لَا وَكَذَا بَاقِي مَيْتَاتِ الْبَحْرِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْجَمِيعَ حَلَالٌ فَمَيْتَتُهَا طَاهِرَةٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهَا فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا الْآدَمِيُّ هَلْ يَنْجُسُ بِالْمَوْتِ أَمْ لَا فِيهِ هَذَانِ الْقَوْلَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ

ص: 561

وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ: وَعَجَبٌ إرْسَالُ الْمُصَنِّفُ الْقَوْلَيْنِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الرَّاجِحِ مِنْهُمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهَا وَقَدْ ذَكَرَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَنَّ الْقَوْلَ بِالطَّهَارَةِ هُوَ نصفه فِي الْأُمِّ وَبِالنَّجَاسَةِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَسَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَأَمَّا قوله تعالي (انما المشركون نجس) فَلَيْسَ الْمُرَادُ نَجَاسَةَ الْأَعْيَانِ وَالْأَبَدَانِ بَلْ نَجَاسَةُ الْمَعْنَى وَالِاعْتِقَادِ وَلِهَذَا رَبَطَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْأَسِيرَ الْكَافِرَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا بَاقِي الْمَيْتَاتِ فَنَجِسَةٌ وَدَلِيلُهَا الْإِجْمَاعُ وَاسْتَثْنَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَقَالُوا الْمَيْتَاتُ نَجِسَةٌ إلَّا خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ وَالْآدَمِيُّ وَالصَّيْدُ إذَا قَتَلَهُ سَهْمٌ أَوْ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ أَرْسَلَهُ أَهْلٌ لِلذَّكَاةِ وَالْجَنِينُ إذَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ ذَكَاةِ أُمِّهِ وَزَادَ الْقَفَّالُ فَحَكَمَ بِطَهَارَةِ مَا لَيْسَ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فِي قَوْلٍ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّاشِيُّ عَنْهُ وَجْهَيْنِ فِي نَجَاسَةِ الضُّفْدَعِ بالموت ولا يرد شئ مِنْ هَذَا عَلَى الْمُصَنِّفِ أَمَّا الصَّيْدُ وَالْجَنِينُ فَلَيْسَا مِنْهُ بَلْ جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا ذَكَاتَهُمَا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ) فَصَرَّحَ بِأَنَّهُ مُذَكًّى شَرْعًا وَإِنْ لَمْ تَنَلْهُ السِّكِّينُ مُبَاشَرَةً وَأَمَّا مَا زَادَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فَضَعِيفٌ انْفَرَدَا بِهِ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالصَّحِيحُ النَّجَاسَةُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَاكَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَحْرُمُ الْأَكْلُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَكَانَ نَجِسًا فَيَنْتَقِضُ بِالْمُخَاطِ وَالْمَنِيِّ وَجِلْدِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ فَإِنَّهَا

مُحَرَّمَةُ الْأَكْلِ عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَلَيْسَتْ نَجِسَةً فَكَانَ يَنْبَغِي أن يقول من غير ضرر وَلَا اسْتِقْذَارٍ وَقَوْلُهُ فِي السَّمَكِ وَالْجَرَادِ يَحِلُّ أَكْلُهَا يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا حَاجَةٍ والا فالميتة يحل أكلها فِي الْمَخْمَصَةِ وَيَحِلُّ أَكْلُ الدَّوَاءِ النَّجِسِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

الْعُضْوُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ حَيَوَانٍ حَيٍّ كَأَلْيَةِ الشَّاةِ وَسَنَامِ الْبَعِيرِ وَذَنَبِ الْبَقَرَةِ وَالْأُذُنِ وَالْيَدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ نَجِسٌ بِالْإِجْمَاعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ رضي الله عنه قال:

ص: 562

قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وهم يحبون أَسْنِمَةَ الْإِبِلِ وَيَقْطَعُونَ أَلَيَاتِ الْغَنَمِ فَقَالَ (مَا تَقَطَّعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَهُوَ مَيْتَةٌ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَأَمَّا الْعُضْوُ الْمُبَانُ مِنْ السَّمَكِ وَالْجَرَادِ وَالْآدَمِيِّ كَيَدِهِ وَرِجْلِهِ وَظُفُرِهِ وَمَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ فَفِيهَا كُلِّهَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا طَهَارَتُهَا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ كَمَيْتَاتِهَا وَالثَّانِي نَجَاسَتُهَا وَإِنَّمَا يُحْكَمُ بِطَهَارَةِ الْجُمْلَةِ لِحُرْمَتِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ فِي يَدِ الْآدَمِيِّ وَسَائِرِ أَعْضَائِهِ وَتَكَرَّرَ نَقْلُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ يَدِ السَّارِقِ وَغَيْرِهِ إذَا قُطِعَتْ أَوْ سَقَطَتْ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَيْضًا الِاتِّفَاقَ عَلَى نَجَاسَةِ مَشِيمَةِ الْآدَمِيِّ وَالصَّحِيحُ الطَّهَارَةُ كَمَا ذكرناه وأما مشيمة غير الْآدَمِيِّ فَنَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَجْزَائِهِ الْمُنْفَصِلَةِ فِي حَيَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

عَصَبُ الْمَيْتَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الشَّعْرِ وَالْعَظْمِ لِأَنَّهُ يَحُسُّ وَيَأْلَمُ بِخِلَافِهِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَةِ الْآدَمِيِّ بِالْمَوْتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَنْجُسُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْجُسُ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ وَعَنْ مَالِكٍ وأحمد رواية بنجاسته * قال المصنف رحمه الله

* [واما الخمر فهي نجسة لقوله عز وجل (انما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان) وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ وَأَمَّا النبيذ

فهو نجس لانه شراب فيه شدة مطربة فكان نجسا كالخمر]

* [الشرح] الخمر نجسة عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْخِ مَالِكٍ وَدَاوُد أَنَّهُمَا قَالَا هِيَ طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةً كَالسُّمِّ الَّذِي هُوَ نَبَاتٌ وَكَالْحَشِيشِ الْمُسْكِرِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَتِهَا وَاحْتَجَّ

ص: 563

أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ قَالُوا وَلَا يَضُرُّ قَرْنُ الْمَيْسِرِ وَالْأَنْصَابِ وَالْأَزْلَامِ بِهَا مَعَ أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ طَاهِرَةٌ لِأَنَّ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ خَرَجَتْ بِالْإِجْمَاعِ فَبَقِيَتْ الْخَمْرُ عَلَى مُقْتَضَى الْكَلَامِ وَلَا يَظْهَرُ مِنْ الْآيَةِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الرِّجْسَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ الْقَذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ النَّجَاسَةُ وَكَذَا الْأَمْرُ بِالِاجْتِنَابِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ يَحْرُم تَنَاوُلُهُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَكَانَ نَجِسًا كَالدَّمِ لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُنْتَقِضٌ بِالْمَنِيِّ وَالْمُخَاطِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَرِيبًا وَالثَّانِي أَنَّ الْعِلَّةَ فِي مَنْعِ تَنَاوُلِهِمَا مُخْتَلِفَةٌ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الدَّمِ لِكَوْنِهِ مُسْتَخْبَثًا وَالْمَنْعَ مِنْ الْخَمْرِ لِكَوْنِهَا سَبَبًا لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَتَصُدُّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَأَقْرَبُ مَا يُقَالُ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِنَجَاسَتِهَا تَغْلِيظًا وَزَجْرًا عَنْهَا قِيَاسًا عَلَى الْكَلْبِ وَمَا وَلَغَ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي نَجَاسَةِ الْخَمْرِ بَيْنَ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ وَغَيْرِهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَحَالَ بَاطِنُ حَبَّاتِ الْعِنَبِ خَمْرًا فَإِنَّهُ نَجِسٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَمْرَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَوَجْهًا أَنَّ باطن حبات العنب المستحيل طاهر وَهُمَا شَاذَّانِ وَالصَّوَابُ النَّجَاسَةُ وَأَمَّا النَّبِيذُ فَقِسْمَانِ مُسْكِرٌ وَغَيْرُهُ فَالْمُسْكِرُ نَجِسٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَشُرْبُهُ حَرَامٌ وَلَهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّنْجِيسِ وَالتَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ الْحَدِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ هُوَ طَاهِرٌ وَيَحِلُّ شُرْبُهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي السَّفَرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ بَيَانُ مَذْهَبِنَا ومذهبه والدلائل من الطرفين مستقصاة وقد ثبتت الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّذِي يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا الِاسْتِفَاضَةَ أَوْ التَّوَاتُرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ مَرْوِيَّةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّ النَّبِيذَ الْمُسْكِرَ طَاهِرٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي إبَاحَتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ

هُوَ بشئ وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ النَّبِيذِ فَهُوَ مَا لَمْ يَشْتَدَّ: وَلَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَذَلِكَ كَالْمَاءِ الَّذِي وُضِعَ فِيهِ حَبَّاتُ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٌ أَوْ مِشْمِشٌ أَوْ عَسَلٌ أَوْ نَحْوُهَا فَصَارَ حُلْوًا وَهَذَا الْقِسْمُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ وَسَائِرُ التَّصَرُّفَاتِ فِيهِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَةٍ

ص: 564

عَلَى طَهَارَتِهِ وَجَوَازِ شُرْبِهِ ثُمَّ إنَّ مَذْهَبَنَا وَمَذْهَبَ الْجُمْهُورِ جَوَازُ شُرْبِهِ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا وَإِنْ جَاوَزَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ أَحْمَدُ رحمه الله لَا يَجُوزُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْبَذُ لَهُ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ فيشربه إذا أصبح يومه ذاك والليلة التي تجئ وَالْغَدَ وَاللَّيْلَةَ الْأُخْرَى وَالْغَدَ إلَى الْعَصْرِ فَإِنْ بقى شئ سَقَى الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَأْمُرُ بِهِ فَيُسْقَى أَوْ يُهْرَاقُ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ (يُنْبَذُ لَهُ الزَّبِيبُ فِي السِّقَاءِ فَيَشْرَبُهُ يَوْمَهُ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ فَإِذَا كَانَ مَسَاءُ الثَّالِثَةِ شَرِبَهُ وَسَقَاهُ فَإِنْ فضل شئ أَهْرَاقَهُ) وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الِانْتِبَاذِ إلَّا فِي سِقَاءٍ فَانْتَبِذُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَثْبُتْ نَهْيٌ فِي الزِّيَادَةِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِإِبَاحَةِ مَا لَمْ يَصِرْ مسكرا وان زاد علي الثلاثة وَالْجَوَابُ عَنْ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اُحْتُجَّ بِهَا لِأَحْمَدَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمٍ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بَلْ فِيهَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بحرام بعد الثلاثة لانه صلى الله عليه وسلم (كَانَ يَسْقِيهِ الْخَادِمَ) وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يَسْقِهِ وَإِنَّمَا مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَشْرَبُهُ مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا فَإِذَا مَضَتْ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوُهَا امْتَنَعَ مِنْ شُرْبِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ قَدْ صَارَ مُسْكِرًا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ صَارَ نَجِسًا مُحَرَّمًا وَلَا يَسْقِيهِ الْخَادِمَ لِأَنَّهُ حَرَامٌ عَلَى الْخَادِمِ كَمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا سَقَاهُ الخادم ولا بريقه لِأَنَّهُ حَلَالٌ وَمَالٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُحْتَرَمَةِ وَلَا يَجُوزُ إضَاعَتُهَا وَإِنَّمَا تَرَكَ صلى الله عليه وسلم شُرْبَهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ تَنَزُّهًا وَاحْتِيَاطًا كَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكْلَ الضَّبِّ وَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَقِيلَ لَهُ (أَحَرَامٌ هُوَ) قَالَ (لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ) وَقَدْ حَصَلَ

مِمَّا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ لَفْظَةَ أَوْ فِي قَوْلِهِ سَقَاهُ الْخَادِمَ أَوْ أَمَرَ بِهِ فَصُبَّ لَيْسَتْ لِلشَّكِّ وَلَا لِلتَّخْيِيرِ بَلْ لِلتَّقْسِيمِ وَاخْتِلَافِ الْحَالِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا الْحَدِيثَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ

ص: 565

وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

* (فَرْعٌ)

مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِبَاذُ فِي جَمِيعِ الْأَوْعِيَةِ مِنْ الْخَزَفِ وَالْخَشَبِ وَالْجُلُودِ وَالدُّبَّاءِ وَهِيَ الْقَرْعُ وَالْمُزَفَّتِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرُهَا وَيَجُوزُ شُرْبُهُ مِنْهَا مَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا كَمَا سَبَقَ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ) وَهِيَ جِرَارٌ خُضْرٌ وَقِيلَ كُلُّ الْجِرَارِ وَالنَّقِيرِ وَهِيَ الْخَشَبَةُ الْمَنْقُورَةُ مِنْ النَّخْلِ وَالْمُزَفَّتِ وَالْمُقَيَّرِ وَهُوَ المطلي بالزفت والقار فهي منسوخة بحديث يريدة الَّذِي قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا وَقَدْ بَسَطْتُ ذَلِكَ بِدَلَائِلِهِ فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ثُمَّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ

* (فَرْعٌ)

شُرْبُ الْخَلِيطِينَ وَالْمُنَصَّفِ إذَا لَمْ يَصِرْ مُسْكِرًا لَيْسَ بِحَرَامٍ لَكِنْ يُكْرَهُ فَالْخَلِيطَانِ مَا نُقِعَ مِنْ بُسْرٍ أَوْ رُطَبٍ أَوْ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ وَالْمُنَصَّفُ مَا نُقِعَ مِنْ تَمْرٍ وَرُطَبٍ وَسَبَبُ الْكَرَاهَةِ أَنَّ الْإِسْكَارَ يُسْرِعُ إلَيْهِ بِسَبَبِ الْخَلْطِ قَبْلَ أَنْ يَتَغَيَّرَ طَعْمُهُ فَيَظُنُّ الشَّارِبُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْكِرًا وَهُوَ مُسْكِرٌ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُخْلَطَ الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ وَالْبُسْرُ وَالتَّمْرُ) وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا) وَفِي رِوَايَةٍ (لَا تَجْمَعُوا بَيْنَ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ وَبَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ نَبِيذًا) وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (من شَرِبَ النَّبِيذَ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا) وَعَنْ قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (لَا تَنْبِذُوا الزَّهْوَ وَالرُّطَبَ جَمِيعًا وَلَا تَنْبِذُوا الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ جَمِيعًا وَانْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَتِهِ) وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَحْوُهُ وَرَوَى هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ بَعْضَهَا

أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

ص: 566

قال المصنف رحمه الله

* [وأما الكلب فهو نجس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (دعى ألى دار فأجاب ودعى إلى دار فلم يجب فقيل له في ذلك فقال ان في دار فلان كلبا فقيل له وفى دار فلان هرة فقال الهرة ليست بنجسة) فدل علي أن الكلب نجس]

* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّ الْكِلَابَ كُلَّهَا نَجِسَةٌ الْمُعَلَّمُ وَغَيْرُهُ الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حنيفة واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَدَاوُد هُوَ طَاهِرٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ تَعَبُّدًا وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِ الله تعالى (فكلوا مما أمكن عليكم) وَلَمْ يَذْكُرْ غَسْلَ مَوْضِعِ إمْسَاكِهَا وَبِحَدِيثِ ابْنِ عمر رضي الله عنهما قَالَ (كَانَتْ الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فَقَالَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبٍ حَدَّثَنَا أَبِي إلَى آخِرِ الْإِسْنَادِ وَالْمَتْنِ وَأَحْمَدُ هَذَا شَيْخُهُ وَمِثْلُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّصَالِ وَأَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ عَنْهُ كَمَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الْفَنِّ وَذَلِكَ وَاضِحٌ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وغيره هذا الحديث متصلا وقال فيه (وكان الْكِلَابُ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أو لاهن بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ (طُهْرُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ) وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ نَجِسًا لَمَا أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حِينَئِذٍ إتْلَافُ مَالٍ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَالدَّلَالَةُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي ظَاهِرَةٌ أَيْضًا فَإِنَّ الطَّهَارَةَ تَكُونُ مِنْ حَدَثٍ أَوْ نَجَسٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْحَمْلُ هُنَا عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَتَعَيَّنَتْ طَهَارَةُ النَّجِسِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ بِأَنَّ لَنَا خِلَافًا مَعْرُوفًا فِي أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ مَا أَصَابَهُ الْكَلْبُ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فهو

ص: 567

مَعْفُوٌّ لِلْحَاجَةِ وَالْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ بِخِلَافِ الْإِنَاءِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ مُجِيبًا عَنْهُ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ وَوُجُوبِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ فَالْكَلْبُ أَوْلَى قَالَ فَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَبْلَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ أَوْ أَنَّ بَوْلَهَا خَفِيَ مَكَانُهُ فَمَنْ تَيَقَّنَهُ لَزِمَهُ غسله والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وأما الخنزير فنجس لانه اسوأ حالا من الكلب لانه مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ ومنصوص على تحريمه فإذا كان الكلب نجسا فالخنزير أولي واما ما تولد منهما أو من أحدهما فنجس لانه مخلوق من نجس فكان مثله]

* [الشَّرْحُ] نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِ الْإِجْمَاعِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهُوَ أَوْلَى مَا يُحْتَجُّ بِهِ لَوْ ثَبَتَ الْإِجْمَاعُ وَلَكِنَّ مذهب مالك طهارة الخنزير مادام حَيًّا وَأَمَّا مَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَذَا احْتَجَّ بِهِ غَيْرُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَلَيْسَ لَنَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَقَوْلُهُ مَنْدُوبٌ إلَى قَتْلِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَالْحِدَأَةِ وَسَائِرِ الْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا فَإِنَّهَا طَاهِرَةٌ وَإِنْ كَانَ مَنْدُوبًا إلَى قَتْلِهَا لَكِنْ لِضَرَرِهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الْمُتَوَلِّدَ مِنْهُمَا أَوْ من احدهما وحيوان طاهر نَجِسٍ فَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا: وَلَوْ ارْتَضَعَ جَدْيٌ مِنْ كَلْبَةٍ وَنَبَتَ لَحْمُهُ عَلَى لَبَنِهَا فَفِي نَجَاسَتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَيْسَ بِنَجِسٍ وَقَدْ سَبَقَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَجِسٍ فَكَانَ مِثْلَهُ يُنْقَضُ بِالدُّودِ الْمُتَوَلَّدِ مِنْ الْمَيْتَةِ وَمِنْ السِّرْجِينِ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ حَيَوَانٍ نَجِسٍ لِيَحْتَرِزَ عَمَّا ذَكَرْنَاهُ فَإِنَّ الْمَيْتَةَ لَا تُسَمَّى حَيَوَانًا وقد يمنع من هَذَا الِاعْتِرَاضُ وَيُقَالُ الدُّودُ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْمَيْتَةِ وَنَفْسِ السَّرْجِينِ وَإِنَّمَا يَتَوَلَّدُ فِيهَا كَدُودِ الْخَلِّ لَا يُخْلَقُ مِنْ نَفْسِ الْخَلِّ بَلْ يَتَوَلَّدُ فِيهِ وَقَدْ أَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ بِهَذَا الْجَوَابِ عَنْ نَحْوِ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي مَسْأَلَةِ طَهَارَةِ الْمَنِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ: وَأَمَّا بَاقِي الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا فَهِيَ طَاهِرَةٌ كُلُّهَا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي

ص: 568

مسائل الفرع

* قاله المصنف رحمه الله

* [وأما لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ غَيْرُ الْآدَمِيِّ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ هُوَ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ حَيَوَانٌ طاهر فكان لبنه طاهرا كالشاة وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ نَجِسٌ لِأَنَّ اللَّبَنَ كَلَحْمِ الْمُذَكَّى بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُتَنَاوَلُ مِنْ الْحَيَوَانِ وَيُؤْكَلُ كَمَا يتناول اللحم المذكى ولحم مالا يؤكل نجس فكذا لبنه]

* [الشَّرْحُ] الْأَلْبَانُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا لَبَنُ مَأْكُولِ اللَّحْمِ كَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيُودِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا طَاهِرٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ

* (وَالثَّانِي) لَبَنُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْمُتَوَلَّدِ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهُوَ نَجِسٌ بِالِاتِّفَاقِ (الثَّالِثُ) لَبَنُ الْآدَمِيِّ وَهُوَ طَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ نَجِسٌ وَإِنَّمَا يَحِلُّ شُرْبُهُ لِلطِّفْلِ لِلضَّرُورَةِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَحَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ وَحَكَاهُ هُنَاكَ الشَّاشِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَهَذَا ليس بشئ بَلْ هُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا حَكَى مِثْلَهُ لِلتَّحْذِيرِ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَقِبَ كِتَابِ السَّلَمِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَهَارَتِهِ قَالَ الرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْآدَمِيَّةَ لَا تَنْجُسُ بِالْمَوْتِ فَمَاتَتْ وَفِي ثَدْيِهَا لَبَنٌ فَهُوَ طَاهِرٌ يَجُوزُ شُرْبُهُ وَبَيْعُهُ (الرَّابِعُ) لَبَنُ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ نَجَاسَتُهَا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ طَاهِرَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنْ قَالَ بِطَهَارَتِهِ أَبُو حَنِيفَةَ وَبِنَجَاسَتِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد فَإِنْ قُلْنَا بِالطَّهَارَةِ فَهَلْ يَحِلُّ شُرْبُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا جَوَازُ شُرْبِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَالثَّانِي تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لِأَنَّهُ يُقَال إنَّهُ يُؤْذِي وَلِأَنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ فَأَشْبَهَ الْمُخَاطَ: وَجَمَعَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْخِلَافَ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ السَّلَمِ فِي لَبَنِ الْأَتَانِ وَنَحْوِهَا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَاهِرٌ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَشُرْبُهُ وَالثَّالِثُ طَاهِرٌ لَا يَجُوزُ بيعه ولا شربه: وقول المصنف لبن مالا يؤكل

ص: 569

غَيْرَ الْآدَمِيِّ فِيهِ وَجْهَانِ: إطْلَاقُهُ يَقْتَضِي دُخُولَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَهُ لِظُهُورِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

(فَرْعٌ)

الْإِنْفَحَةُ إنْ أُخِذَتْ مِنْ السَّخْلَةِ بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ بَعْدَ ذَبْحِهَا وَقَدْ أَكَلَتْ غَيْرَ اللَّبَنِ فَهِيَ نَجِسَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أخذت من سخلة بحت قَبْلَ أَنْ تَأْكُلَ غَيْرَ اللَّبَنِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ طَهَارَتُهَا لِأَنَّ السَّلَفَ لَمْ يَزَالُوا يُجْبِنُونَ بِهَا وَلَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ أَكْلِ الْجُبْنِ الْمَعْمُولِ بِهَا

* وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ نَجَاسَةَ الْإِنْفَحَةِ الْمَيْتَةِ كَمَذْهَبِنَا: وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهَا طَاهِرَةٌ كَالْبَيْضِ

* دَلِيلُنَا أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ السَّخْلَةِ فَأَشْبَهَتْ الْيَدَ بِخِلَافِ الْبَيْضَةِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ جُزْءًا: وَلَنَا فِي الْبَيْضَةِ في جوف الدجاحة الْمَيْتَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ الْآنِيَةِ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَأَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ تَصَلَّبَتْ فَطَاهِرَةٌ وَإِلَّا فَنَجِسَةٌ وَأَمَّا اللَّبَنُ فِي ضَرْعِ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَنَجِسٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

* [وَأَمَّا رطوبة فرج المرأة فالمنصوص أنها نجسة لانها رطوبة متولدة في محل النجاسة فكانت نجسة ومن اصحابنا من قال هي طاهرة كسائر رطوبات البدن]

* [الشَّرْحُ] رُطُوبَةُ الْفَرْجِ مَاءٌ أَبْيَضُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْمَذْيِ وَالْعَرَقِ فَلِهَذَا اُخْتُلِفَ فِيهَا ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رحمه الله رَجَّحَ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ النَّجَاسَةَ وَرَجَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الْأَصَحُّ الطَّهَارَةُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي بَعْضِ كُتُبِهِ عَلَى طَهَارَةِ رُطُوبَةِ الْفَرْجِ وَحُكِيَ التَّنْجِيسُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْآخَرُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصَحُّ طهارتها ويستدل للنجاسة

ص: 570

أَيْضًا بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ (أَرَأَيْتَ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُمْنِ قَالَ عُثْمَانُ يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ قَالَ عُثْمَانُ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ زَادَ الْبُخَارِيُّ فَسَأَلَ عَلِيَّ بن أبى طالب والزبير ابن الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ: وَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه: أَنَّهُ قَالَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ قَالَ يَغْسِلُ مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي) رَوَاهُ

الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ بِالْوُضُوءِ بِلَا غُسْلٍ مَنْسُوخَانِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَأَمَّا الْأَمْرُ بِغَسْلِ الذَّكَرِ وَمَا أَصَابَهُ مِنْهَا فَثَابِتٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الْحُكْمِ بنجاسة رطوبة الفرج والقائل الآخر يحمله عَلَى الِاسْتِحْبَابِ لَكِنْ مُطْلَقُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُطُوبَةُ فَرْجِ الْمَرْأَةِ فِيهِ نَقْصٌ وَالْأَحْسَنُ رُطُوبَةُ الْفَرْجِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ رُطُوبَةِ فَرْجِ الْمِرْأَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الطَّاهِرِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وَأَمَّا مَا تَنَجَّسَ بِذَلِكَ فَهُوَ الْأَعْيَانُ الطَّاهِرَةُ إذا لاقاها شئ من هذه النجاسات واحدهما رطب فينجس بملاقاتها]

* [الشرح] هذا الذى قاله واضح لاخفاء بِهِ لَكِنْ يُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشْيَاءُ أَحَدُهَا الْمَيْتَةُ الَّتِي لَا نَفْسَ لَهَا سَائِلَةٌ فَإِنَّهَا نَجِسَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَلَا تُنَجِّسُ مَا مَاتَتْ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ (الثَّانِي) النَّجَاسَة الَّتِي لَا يُدْرِكُهَا الطَّرْفُ لَا تُنَجِّسُ الْمَاءَ وَالثَّوْبَ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) الْهِرَّةُ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أو مائع قبل ان تغيب لا ننجسه عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ (الرَّابِعُ) إذَا لَاقَتْ النَّجَاسَةُ قُلَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ الْمَاءِ

ص: 571

فَلَمْ تُغَيِّرْهُ لَا تُنَجِّسُهُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالنَّجَاسَاتِ (أَحَدُهَا) شَعْرُ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ عَلَى الْمَذْهَبِ إلَّا مِنْ الْآدَمِيِّ فَطَاهِرٌ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ الشُّعُورِ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ فِيهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ نَجَاسَةُ عَظْمِ الْمَيْتَةِ وسبق فيه ان مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا ذُبِحَ كَانَ نَجِسًا (الثَّانِيَةُ) قال اصحابنا الاعيان جماد وحيوان وماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ فَالْجَمَادُ كُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا الْخَمْرَ وَكُلَّ نَبِيذٍ مُسْكِرٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّ النَّبِيذَ طَاهِرٌ وَوَجْهٌ أَنَّ الْخَمْرَةَ الْمُحْتَرَمَةَ طَاهِرَةٌ وَأَنَّ بَاطِنَ الْعُنْقُودِ إذَا اسْتَحَالَ خَمْرًا طَاهِرٌ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهِيَ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْمُرَادُ بِالْجَمَادِ مَا لَيْسَ بِحَيَوَانٍ وَلَا كَانَ حَيَوَانًا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ وَقَوْلُنَا وَلَا كَانَ حَيَوَانًا احْتِرَازٌ مِنْ الْمَيْتَةِ وَقَوْلُنَا وَلَا جُزْءًا مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْعُضْوِ الْمُبَانِ مِنْ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا فِي الْحَيَاةِ وَقَوْلُنَا وَلَا خَرَجَ مِنْ حَيَوَانٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْبَوْلِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ النَّجَاسَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ عَنْ بَاطِنِ الْحَيَوَانِ

* وَأَمَّا الْحَيَوَانُ فَكُلُّهُ طَاهِرٌ إلَّا

الْكَلْبَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَحَكَى صاحب البيان وجهان عَنْ الصَّيْدَلَانِيِّ أَنَّ الدُّودَ الْمُتَوَلَّدَ مِنْ الْمَيْتَةِ نَجِسٌ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِطَهَارَتِهِ كسائر الحيوان واما ماله تَعَلُّقٌ بِالْحَيَوَانِ كَالْمَيْتَةِ وَالْفَضَلَاتِ فَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَبَيَانُ الطَّاهِرِ مِنْهُ مِنْ النَّجِسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) النَّجَاسَةُ الْمُسْتَقِرَّةُ فِي الْبَاطِنِ لَا حُكْمَ لها ما لم يتصل بها شئ مِنْ الظَّاهِرِ مَعَ بَقَاءِ حُكْمِ الظَّاهِرِ عَلَيْهِ كَمَا إذَا ابْتَلَعَ بَعْضَ خَيْطٍ فَحَصَلَ بَعْضُهُ فِي الْمَعِدَةِ وَبَعْضُهُ خَارِجٌ فِي الْفَمِ أَوْ أَدْخَلَ فِي دُبُرِهِ إصْبَعَهُ أَوْ عُودًا وَبَقِيَ بَعْضُهُ خَارِجًا فَوَجْهَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يَثْبُتُ لَهَا حُكْمُ النَّجَاسَةِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَلَا طَوَافُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ لِأَنَّهُ مُسْتَصْحَبٌ بِمُتَّصِلٍ بِالنَّجَاسَةِ وَالثَّانِي لَا يَثْبُت حُكْمُ النَّجَاسَةِ وقد سبق هناك توجيهما وَبَيَانُ قَائِلِهِمَا وَمَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِمَا مِنْ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) فِي الْفَتَاوَى الْمَنْقُولَةِ عَنْ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّ الْوَلَدَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ طَاهِرٌ لَا يُحْتَاجُ إلَى غُسْلِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ كَذَلِكَ فَلَا يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ وَالنَّجَاسَةُ الْبَاطِنَةُ لَا حكم لها ولهذا اللبن يخرج بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ وَهُوَ طَاهِرٌ حَلَالٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إنَّ النَّجَاسَةَ الْبَاطِنَةَ لَا حُكْمَ

ص: 572

لَهَا وَفِي الْبَيْضِ هُوَ اخْتِيَارُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْخِلَافَ فِيهِمَا (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ مِنْ بَدَنِ الْآدَمِيِّ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَةِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ مُتَوَلَّدٌ مِنْ الْبَشَرَةِ قَالَ وَكَذَا الْوَسَخُ الْمُنْفَصِلُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ حُكْمُهُ حُكْمُ مَيْتَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي وَسَخِ الْآدَمِيِّ ضَعِيفٌ لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَالْمُخْتَارُ الْقَطْعُ بِطَهَارَتِهِ لِأَنَّهُ عَرَقٌ جَامِدٌ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا أَكَلَتْ الْبَهِيمَةُ حَبًّا وَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا صَحِيحًا فَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ بَاقِيَةً بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ نَبْتَ فَعَيْنُهُ طَاهِرَةٌ لَكِنْ يَجِبُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ لِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لانه وان صار غذاءا لَهَا فَمِمَّا تَغَيَّرَ إلَى الْفَسَادِ فَصَارَ كَمَا لَوْ ابْتَلَعَ نَوَاةً وَخَرَجَتْ فَإِنَّ بَاطِنَهَا طَاهِرٌ وَيَطْهُرُ قِشْرُهَا بِالْغَسْلِ وَإِنْ كَانَتْ صَلَابَتُهُ قَدْ زَالَتْ بِحَيْثُ لَوْ زُرِعَ لَمْ يَنْبُتْ فَهُوَ نَجِسٌ ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ هَكَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (السَّابِعَةُ) الزَّرْعُ النَّابِتُ عَلَى السِّرْجِينِ قَالَ الْأَصْحَابُ لَيْسَ هُوَ نَجِسَ الْعَيْنِ لَكِنْ يَنْجُسُ بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ نَجَاسَةً مُجَاوِرَةً وَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ وَإِذَا سَنْبَلَ فَحَبَّاتُهُ الْخَارِجَةُ طَاهِرَةٌ قَطْعًا وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهَا وَهَكَذَا الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَشَبَهُهُمَا يَكُونُ طَاهِرًا

وَلَا حَاجَةَ إلَى غَسْلِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَكَذَا الشَّجَرَةُ إذَا سُقِيَتْ مَاءً نَجِسًا فَأَغْصَانُهَا وَأَوْرَاقُهَا وَثِمَارُهَا طَاهِرَةٌ كُلُّهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ فَرْعُ الشَّجَرَةِ وَنَمَاؤُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهِ دُودٌ فَهُوَ طَاهِرُ الْعَيْنِ وَلَكِنَّ ظَاهِرَهُ نَجِسٌ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ

* (فَرْعٌ)

الْمِسْكُ طَاهِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ غَلَطٌ فَاحِشٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِلْإِجْمَاعِ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا نُهِيَ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الْغَرَرِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ فِي آخِرِ بَابِ بَيْعِ الْغَرَرِ أَمَّا الزَّبَادُ فَهُوَ لَبَنُ سِنَّوْرٍ فِي الْبَحْرِ رَائِحَتُهُ كَرَائِحَةِ الْمِسْكِ قَالَا فَإِذَا قُلْنَا بنجاسة لبن مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَفِي هَذَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ نَجِسٌ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ اعْتِبَارًا بِجِنْسِهِ وَالثَّانِي طَاهِرٌ كَالْمِسْكِ هَذَا كَلَامُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيِّ وَالصَّوَابُ طَهَارَتُهُ وَصِحَّةُ بَيْعِهِ لِأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ جَمِيعَ حَيَوَانِ الْبَحْرِ طَاهِرٌ يَحِلُّ لَحْمُهُ وَلَبَنُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ لَبَنُ هَذَا السِّنَّوْرِ الْبَحْرِيِّ وَقَدْ سَمِعْتُ جماعة من

ص: 573

اهل الخبرة بهذا من الثقاة يَقُولُونَ بِأَنَّ الزَّبَادَ إنَّمَا هُوَ عَرَقُ سِنَّوْرٍ بَرِّيٍّ فَعَلَى هَذَا هُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ قَالُوا إنَّهُ يَغْلِبُ فِيهِ اخْتِلَاطُهُ بِمَا يَتَسَاقَطُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَسَ عَمَّا فيه شئ مِنْ شَعْرِهِ لِأَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا نَجَاسَةُ شَعْرِ مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ غَيْرَ الْآدَمِيِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سِنَّوْرَ الْبَرِّ لَا يُؤْكَلُ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [ولا يطهر من النجاسات بالاستحالة الا شيئان أحدهما جلد الميتة وقد دللنا عليه في موضعه والثانى الخمرة إذا استحالت بنفسها خلا فتطهر بذلك لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ خطب فقال (لا يحل خل من خمر قد أفسدت حتى يبدأ الله افسادها فعند ذلك يطيب الخل وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ خلا ما لم يتعمدوا الي افساده) ولانه انما حكم بنجاستها للشدة المطربة الداعية إلى الفساد وقد زال ذلك من غير نجاسة خلفتها فوجب أن يحكم بطهارته]

* [الشَّرْحُ] أَمَّا قَوْلُهُ لَا يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ إلَّا شَيْئَانِ فَقَدْ يُورَدُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ وَهِيَ الْعَلَقَةُ

وَالْمُضْغَةُ إذَا نَجَّسْنَاهُمَا فَإِنَّهُمَا يَطْهُرَانِ بِمَصِيرِهِمَا حَيَوَانًا وَالثَّالِثُ الْبَيْضَةُ فِي جَوْفِ الدَّجَاجَةِ الْمَيِّتَةِ إذَا حَكَمْنَا بِنَجَاسَتِهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ بِمَصِيرِهَا فَرْخًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْآنِيَةِ ويجاب عن البيضة بأنها ليست نَجِسَةُ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا تَنَجَّسَتْ بِالْمُجَاوَرَةِ وَأَمَّا الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ فَفَرْعُهُمَا عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ طَهَارَتُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا فَاكْتُفِيَ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فَآخِرُهُ قَوْلُهُ يَتَعَمَّدُوا إلى فساده وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ دُونَ قَوْلِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا إلَى آخِرِهِ: قَوْلُهُ أُفْسِدَتْ هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَمَعْنَاهُ خُلِّلَتْ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَبْدَأَ اللَّهُ إفْسَادَهَا هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَبْدَأُ وبهمزة آخِرُهُ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ الْخَمْرَ إذَا خُلِّلَتْ فَصَارَتْ خَلًّا لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَلَكِنْ لَوْ قَلْبَ اللَّهُ الْخَمْرَ خَلًّا بِغَيْرِ عِلَاجِ آدَمِيِّ حَلَّ ذَلِكَ الْخَلُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ يَبْدَأُ اللَّهُ إفْسَادَهَا يَعْنِي بِإِفْسَادِهَا جَعْلَهَا خَلًّا وَهُوَ إفْسَادٌ لِلْخَمْرِ وَإِنْ كَانَ صَلَاحًا لِهَذَا الْمَائِعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَارَ حَلَالًا وَمَالًا: وَأَمَّا قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ

ص: 574

خَلًّا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَاحُ ذَلِكَ وَلَا يَمْتَنِعُ لِكَوْنِهِمْ كُفَّارًا لَا يُوثَقُ بِأَقْوَالِهِمْ بَلْ يُبَاحُ كَمَا تُبَاحُ ذَبَائِحُهُمْ وَغَيْرُهَا مِنْ أَطْعِمَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الْخَلَّ وَغَيْرَهُ وَلَا يُقْبَلُ دَعْوَى أَكْثَرِ الْمُفَسِّرَيْنِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ فِي تَخْصِيصِهِمْ ذَلِكَ بِالذَّبَائِحِ وَمِمَّنْ تَابَعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ الربا والصواب ما ذكرنا وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ نَجَاسَةٍ خَلَفَتْهَا هُوَ بِتَخْفِيفِ اللَّامِ أَيْ جَاءَتْ بَعْدَهَا

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا اسْتَحَالَتْ الْخَمْرُ خَلًّا بِنَفْسِهَا طَهُرَتْ وَسَأَذْكُرُ فَرْعًا مُشْتَمِلًا عَلَى نَفَائِسَ مِنْ أَحْكَامِ التَّخَلُّلِ والتخليل إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

*

* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وان خللت بخل أو ملح لم تطهر لما روى ان أبا طلحة رضى الله عنه سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال (اهرقها فقال افلا اخللها قال لا) فنهاه من التخليل فدل علي انه لا يجوز ولانه لو جاز لندبه إليه لما فيه من اصلاح مال اليتيم ولانه إذا طرح فيها الخل نجس الخل فإذا زالت بقيت نجاسة الخل النجس فلم يطهر وان نقلها من شمس إلى ظل أو من ظل إلى شمس حتي تخللت ففيه وجهان احدهما تطهر لان الشدة قد زالت من غير نجاسة خلفتها والثاني لا تطهر لانه فعل محظور يوصل به الي استعجال ما يحل في الثاني فلم يحل به

كما لو قتل مورثه أو نفر صيدا حتى خرج من الحرم إلى الحل]

*

ص: 575

[الشَّرْحُ] أَمَّا حَدِيثُ أَبِي طَلْحَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكره بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَتَّخِذُ الْخَمْرَ خَلًّا قَالَ لَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ رُوِيَ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ حَيْثُ ذَكَرَهُ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَبُو طَلْحَةَ اسْمُهُ زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ

* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالتَّخْلِيلُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْأَكْثَرِينَ حَرَامٌ فَلَوْ فَعَلَهُ فَصَارَ خَلًّا لَمْ يَطْهُرْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ بَعْدَ هَذَا بِطَرِيقٍ كَالْخَلِّ إذَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ

* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالتَّخْلِيلِ دَلِيلُنَا هَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ وَأَمَّا مَسْأَلَةُ النَّقْلِ مِنْ ظِلٍّ إلَى شَمْسٍ وَعَكْسِهِ فَالْأَصَحُّ فِيهَا الطَّهَارَةُ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ فَتَحَ رَأْسَهَا لِيُصِيبَهَا الْهَوَاءُ اسْتِعْجَالًا لِلْحُمُوضَةِ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ

* (فَرْعٌ)

الْخَمْرُ نَوْعَانِ مُحْتَرَمَةٌ وَغَيْرُهَا فَالْمُحْتَرَمَةُ هِيَ الَّتِي اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِيَصِيرَ خَلًّا وَغَيْرُهَا مَا اُتُّخِذَ عَصِيرُهَا لِلْخَمْرِيَّةِ وَفِي النَّوْعَيْنِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَخْلِيلُهَا بِطَرْحِ عَصِيرٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ خُبْزٍ حَارٍّ أَوْ مِلْحٍ أَوْ غَيْرِهَا فِيهَا حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا فَإِذَا خُلِّلَتْ فَهَذَا الْخَلُّ نَجِسٌ لِعِلَّتَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إحْدَاهُمَا تَحْرِيمُ التَّخْلِيلِ وَالثَّانِيَةُ نَجَاسَةُ الْمَطْرُوحِ بِالْمُلَاقَاةِ فَتَسْتَمِرُّ نَجَاسَتُهَا إذْ لَا مزيل لها

ص: 576

وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْحُكْمِ بِانْقِلَابِهَا بِهِ طَاهِرًا بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا وَالْمَطْرُوحُ قَصْدًا وَالْوَاقِعُ فِيهَا اتفاقا بالقاء الربح وَغَيْرِهَا وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَجُوزُ تَخْلِيلُ الْمُحْتَرَمَةِ وَتَطْهُرُ بِهِ وَفِي وَجْهٍ تَطْهُرُ الْمُحْتَرَمَةُ وَغَيْرُهَا إذَا طُرِحَ بِلَا قَصْدٍ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا سَبَقَ (الثَّانِيَةُ) لَوْ طَرَحَ فِي الْعَصِيرِ بَصَلًا أَوْ مِلْحًا وَاسْتَعْجَلَ بِهِ الْحُمُوضَةَ قَبْلَ الِاشْتِدَادِ فَصَارَ خَمْرًا ثُمَّ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا وَالْبَصَلُ فِيهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَحَدُهُمَا) يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَاقَاهُ فِي حَالِ طَهَارَتِهِ كَأَجْزَاءِ الدَّنِّ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَطْرُوحَ يَنْجُسُ بِالتَّخَمُّرِ فَتَسْتَمِرُّ

نَجَاسَتُهُ بِخِلَافِ أَجْزَاءِ الدَّنِّ لِلضَّرُورَةِ وَلَوْ طَرَحَ الْعَصِيرَ عَلَى خَلٍّ وَكَانَ الْعَصِيرُ غَالِبًا بِحَيْثُ يَغْمُرُ الْخَلَّ عِنْدَ الِاشْتِدَادِ فَفِي طَهَارَتِهِ إذَا انْقَلَبَتْ خَلًّا هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَلَوْ كَانَ الْخَلُّ غَالِبًا يَمْنَعُ الْعَصِيرَ مِنْ الِاشْتِدَادِ فَلَا بَأْسَ بَلْ يَطْهُرُ قَطَعَا (الثَّالِثَةُ) إمْسَاكُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ لِتَصِيرَ خَلًّا جَائِزٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْخِلَافِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ مَرْدُودٌ وَأَمَّا غَيْرُ الْمُحْتَرَمَةِ فَيَجِبُ إرَاقَتُهَا فَلَوْ لَمْ يُرِقْهَا فَتَخَلَّلَتْ طَهُرَتْ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لِلشِّدَّةِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ لِأَنَّهُ عَاصٍ بِإِمْسَاكِهَا فَصَارَ كَالتَّخْلِيلِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الرَّابِعَةُ) مَتَى عَادَتْ الطَّهَارَةُ بِالتَّخَلُّلِ طَهُرَتْ أَجْزَاءُ الظَّرْفِ لِلضَّرُورَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَ الدَّارِمِيُّ إنْ لَمْ تَتَشَرَّبْ شَيْئًا مِنْ الْخَمْرِ كَالْقَوَارِيرِ طَهُرَتْ وَإِنْ تَشَرَّبَتْ لَمْ تَطْهُرْ وَالصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجَمَاهِيرُ الطَّهَارَةُ مُطْلَقًا لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ كَمَا يَطْهُرُ مَا يُلَاقِي الْخَلَّ بَعْدَ التَّخَلُّلِ يَطْهُرُ مَا فَوْقَهُ مِمَّا أَصَابَهُ الْخَمْرُ فِي حَالِ الغليان قاله القاضي حسين وأبو الربيع الا يلاقى وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَهَذَا الا يلاقى بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ مِنْ تَحْتُ وَآخِرُهُ قَافٌ وَاسْمُهُ طَاهِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَنْسُوبٌ إلَى إيلَاق وَهِيَ بِلَادُ الشَّاشِ الْمُتَّصِلَةُ بِالتُّرْكِ قَالَهُ السَّمْعَانِيُّ وَهِيَ أَحْسَنُ بِلَادِ الْإِسْلَامِ وَأَنْزَهُهَا قَالَ وَكَانَ أَبُو الرَّبِيعِ هَذَا بَارِعًا فِي الْفِقْهِ تَفَقَّهَ بِمَرْوٍ عَلَى الْقَفَّالِ الْمَرْوَزِيِّ وَبِنَيْسَابُورَ عَلَى أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ وَبِبُخَارَى عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ وَأَخَذَ الْأُصُولَ عَنْ أبى اسحق الاسفراينى وعليه تفقه أهل الشاش وقد

ص: 577

لسطت؟ ؟ أَحْوَالَهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ

* (فَرْعٌ)

لَا يَصِحُّ بَيْعُ الْخَمْرِ الْمُحْتَرَمَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ: بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْجِيمِ: وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَصِحُّ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهِ الشَّاذِّ فِي طَهَارَتِهَا وَلَوْ اسْتَحَالَتْ أَجْوَافُ حَبَّاتِ الْعَنَاقِيدِ خَمْرًا فَفِي صِحَّةِ بَيْعِهَا اعْتِمَادًا عَلَى طَهَارَةِ ظَاهِرِهَا وَتَوَقُّعِ طَهَارَةِ بَاطِنِهَا وَجْهَانِ وَطَرَدَهُمَا فِي الْبَيْضَةِ الْمُسْتَحِيلِ بَاطِنُهَا دَمًا وَالصَّحِيحُ الْبُطْلَانُ فِي الْجَمِيعِ

* (فَرْعٌ)

مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ إمْسَاكُ ظُرُوفِ الْخَمْرِ وَالِانْتِفَاعُ بِهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي كُلِّ شئ إذَا غُسِلَتْ وَغَسْلُهَا مُمْكِنٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ أَحْمَدَ رحمه الله أَنَّهُ يَجِبُ كَسْرُ دِنَانِهَا وَشَقُّ زُقُوقِهَا دَلِيلُنَا

أَنَّهَا مَالٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ إضَاعَتِهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ لا وجوب ولا يثبت شئ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ (كُنْت أَسْقِي أَبَا عُبَيْدَةَ وَأَبَا طَلْحَةَ وَأُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَخَمْرٍ فَأَتَاهُمْ آتٍ فَقَالَ إنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ يَا أَنَسُ قُمْ إلَى هَذِهِ الْجَرَّةِ فَاكْسِرْهَا فَقُمْتُ وَكَسَرْتُهَا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَسْرِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ بِذَلِكَ بَلْ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (أَهْرِقْهَا) وَلَمْ يَذْكُرْ إتْلَافَ ظَرْفِهَا وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِي

* (فَرْعٌ)

قَالَ الْمُتَوَلِّي فِي كِتَابِ الْبَيْعِ التَّصَرُّفُ فِي الْخَمْرِ حَرَامٌ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحْرُمُ قَالَ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِطَابِ الْكُفَّارِ بِالْفُرُوعِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ وَسَأُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ التَّوْفِيقُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَخَلُّلِ الْخَمْرِ وَتَخْلِيلِهَا: أَمَّا إذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا فَتَطْهُرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ سَحْنُونَ الْمَالِكِيِّ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَأَمَّا إذَا خُلِّلَتْ بوضع شئ فِيهَا فَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ

ص: 578

أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ تَطْهُرُ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا عَنْهُ أَنَّ التَّخْلِيلَ حَرَامٌ فَلَوْ خَلَّلَهَا طَهُرَتْ وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ وَلَا تَطْهُرُ والثالثة حلال وتطهر دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله

* [وان احرق السرجين أو العذرة فصار رمادا لم يطهر لان نجاستها لعينها ويخالف الخمر فان نجاستها لمعنى معقول وقد زال]

* [الشَّرْحُ] مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ السِّرْجِينُ وَالْعَذِرَةُ وَعِظَامُ الْمَيْتَةِ وَسَائِرُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِالْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَكَذَا لَوْ وَقَعَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي مَمْلَحَةٍ أَوْ وَقَعَ كَلْبٌ وَنَحْوُهُ وَانْقَلَبَتْ مِلْحًا وَلَا يطهر شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَدَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ طَهَارَةَ هَذَا كُلِّهِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ وَالْخُضَرِيُّ

مِنْ أَصْحَابِنَا كُلُّ عَيْنٍ نَجِسَةٍ رَمَادُهَا طَاهِرٌ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ إذْ الشَّمْسُ وَالرِّيحُ والنار تطهر الارض النجسة وهذا ليس بشئ وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخَمْرِ إذَا تخللت والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وأما دخان النجاسة إذا أحرقت ففيه وجهان احدهما انه نجس لانها اجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد والثانى ليس بنجس لانه بخار نجاسة فهو كالبخار الذى يخرج من الجوف]

* [الشَّرْحُ] الْوَجْهَانِ فِي نَجَاسَةِ دُخَانِ النَّجَاسَةِ مَشْهُورَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ النَّجَاسَةُ وَجَمْعُ الدُّخَانِ دَوَاخِنُ وَيُقَالُ فِي الدُّخَانِ دخن أيضا بالفتح ودخ بضم الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْخَاءِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَالْبُخَارُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ هَذَا الْمُرْتَفِعُ كَالدُّخَانِ وَسَوَاءٌ دُخَانُ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ كَالسِّرْجِينِ وَدُخَانُ الزَّيْتِ الْمُتَنَجِّسِ فَفِي الْجَمِيعِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ

* (فَرْعٌ)

قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا قُلْنَا دُخَانُ النَّجَاسَةِ نَجِسٌ فَهَلْ يُعْفَى عَنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُعْفَى فَحَصَلَ فِي التَّنُّورِ فَإِنْ مَسَحَهُ بِخِرْقَةٍ يَابِسَةٍ طَهُرَ وَإِنْ مَسَحَهُ بِرَطْبَةٍ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغَسْلِ بِالْمَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالنَّجَاسَةِ فَعَلِقَ بِالثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا عُفِيَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ

ص: 579

كَثِيرًا لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِالْغُسْلِ وَإِنْ سُوِّدَ التَّنُّورُ فَأُلْصِق عَلَيْهِ الْخُبْزُ قَبْلَ مَسْحِهِ فَظَاهِرُ أَسْفَلِ الرَّغِيفِ نَجِسٌ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ أَوْ أَدْخَلَ عُضْوًا مِنْهُ فِيهِ وَهُوَ رَطْبٌ لَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ حَتَّى يُغْسَلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) فَعَلَّقَ طَهَارَتَهُ بِسَبْعِ مَرَّاتٍ فدل أنه لا يحصل بما دونه]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلَ هَذَا لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ (أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) وَأَمَّا رِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ (إحْدَاهُنَّ) فَغَرِيبَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ إلَّا الدَّارَقُطْنِيّ فَذَكَرَهَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي وُلُوغِ الْكَلْبِ

فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُنَجِّسُ مَا وَلَغَ فِيهِ وَيَجِبُ غَسْلُ إنَائِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الْغَسْلِ سَبْعًا عَنْ أَبِي هريرة وابن عباس وعروة بن الزبير وطاووس وعمرو بن دينار ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يَكْفِيهِ غَسْلُهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ غَسْلُهُ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى الظَّنِّ طَهَارَتُهُ فَلَوْ حَصَلَ ذَلِكَ بِمَرَّةٍ أَجْزَأَهُ وَكَذَا عِنْدَهُ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْعَيْنِيَّةِ قَالَ وَيَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ ثَلَاثًا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُهُ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ دَاوُد أَيْضًا وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَنْجُسُ الطَّعَامُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ بَلْ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ بِهِ قَالَا وَيَجِبُ غَسْلُ الْإِنَاءِ تَعَبُّدًا قَالَ مَالِكٌ وَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ جَازَ أَنْ يُتَوَضَّأَ بِهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ وَفِي جَوَازِ غَسْلِ هَذَا الْإِنَاءِ بِهَذَا الْمَاءِ رِوَايَتَانِ عَنْهُ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ الضَّحَّاكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

ص: 580

عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْكَلْبِ يَلَغُ فِي الْإِنَاءِ قَالَ (يَغْسِلُهُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ رحمه الله بِحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الْإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ فِي عَدَمِ نَجَاسَتِهِ وَجَوَازِ الِانْتِفَاعِ بِالطَّعَامِ بِأَنَّ الْأَمْرَ بِغَسْلِ الْإِنَاءِ كَانَ تَعَبُّدًا وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَجَاسَةُ الطَّعَامِ وَإِتْلَافُهُ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِ الْغَسْلِ سَبْعًا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يُغْسَلَ سَبْعًا أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا شَرِبَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْسِلْهُ سَبْعًا) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى هَذَا الْمَتْنَ فِي الصَّحِيحِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَقْيِسَةً كَثِيرَةً وَمُنَاسِبَاتٍ لاقوة فِيهَا وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ: وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ فَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إذا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ

ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مِرَارٍ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا نَصٌّ فِي وُجُوبِ إرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ فَلَوْلَا النَّجَاسَةُ لَمْ تَجُزْ إرَاقَتُهُ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ) ظَاهِرٌ فِي نَجَاسَتِهِ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ لِأَنَّ رَاوِيَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِهِ قَالَ الْإِمَامُ الْعُقَيْلِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ هو متروك الحديث وهذا الْعِبَارَةُ هِيَ أَشَدُّ الْعِبَارَاتِ تَوْهِينًا وَجَرْحًا بِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عنده عجائب وهذه ايضا من اوهن العبارت وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ قَالَ أَبِي كَانَ عَبْدُ الْوَهَّابِ يَكْذِبُ قَالَ وَحَدَّثَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَوْضُوعَةٍ فَخَرَجْتُ إلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا تَخَافُ اللَّهَ عز وجل فَضَمِنَ لِي أَنْ لَا يُحَدِّثَ فَحَدَّثَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَأَقْوَالُ أَئِمَّةِ هَذَا الْفَنِّ فِيهِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْتُهُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِأَنَّ مَدَارَ الْحَدِيثِ عليه ومدار

ص: 581

مَذْهَبِهِمْ عَلَيْهِ فَأَرَدْتُ إيضَاحَ الْحَدِيثِ وَرَاوِيهِ فَقَدْ يُقَالُ لَا يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا مُفَسَّرًا فَفَسَّرْتُهُ وَأَمَّا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وفى رِوَايَتِهِ عَنْ الْحِجَازِيِّينَ وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ عَنْ الشَّامِيِّينَ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ حِجَازِيٌّ فَلَا يحتج به لو لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ سَبَبٌ آخَرُ يُضَعِّفُهُ وَكَيْفَ وَفِيهِ عَبْدُ الْوَهَّابِ الَّذِي حَالُهُ مَا وَصَفْنَاهُ وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى سَائِرِ النَّجَاسَاتِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ مَعَ هَذِهِ السُّنَنِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى مُخَالَفَتِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ حَدِيثُكُمْ رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَقَدْ أَفْتَى بِغَسْلِهِ ثَلَاثًا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا أَنَّ هَذَا لَيْسَ بثابت عنه فلا يُقْبَلْ دَعْوَى مَنْ نَسَبَهُ إلَيْهِ بَلْ قَدْ نقل بن الْمُنْذِرِ عَنْهُ وُجُوبَ الْغُسْلِ سَبْعًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُنْصِفٍ مِمَّنْ لَهُ أَدْنَى عِنَايَةٍ أَنَّ ابْنَ الْمُنْذِرِ إمَامُ هَذَا الْفَنِّ أَعْنِي نَقَلَ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فمن بعدهم ان مُعَوَّلَ الطَّوَائِفِ فِي نَقْلِ الْمَذَاهِبِ عَلَيْهِ الْجَوَابُ الثَّانِي أَنَّ عَمَلَ الرَّاوِي وَفَتْوَاهُ بِخِلَافِ حَدِيثٍ رَوَاهُ لَيْسَ بِقَادِحٍ فِي صِحَّتِهِ وَلَا مَانِعَ مِنْ الِاحْتِجَاجِ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِ الرَّاوِي عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ إذَا كَانَ قَوْلُهُ تَفْسِيرًا لِلْحَدِيثِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِظَاهِرِهِ وَمَعْلُومٌ ان هذا لا يجئ فِي مَسْأَلَتِنَا فَكَيْفَ نَجْعَلُ السَّبْعَ ثَلَاثًا

وَأَمَّا الجواب عن ما احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ اغْسِلُوهُ سَبْعَ مِرَارٍ إحْدَاهُنَّ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ فَيَكُونُ التُّرَابُ مَعَ الْمَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْغَسْلَتَيْنِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُحْتَمَلٌ فَيُقَالُ بِهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ سَبْعُ مَرَّاتٍ فَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُ هَذِهِ الرواية علي موافقتها سرنا إلَيْهِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَصَّ عَلَى الْأَمْرِ بِإِرَاقَتِهِ وَإِتْلَافِهِ فَوَجَبَ العمل به والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُجْعَلَ التُّرَابُ فِي غَيْرِ السَّابِعَةِ لِيَرِدَ عَلَيْهِ مَا يُنَظِّفُهُ وَفِي أَيُّهَا جُعِلَ جاز لعموم الخبر]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى وَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ مُسْلِمٍ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا فَالْحَاصِلُ

ص: 582

أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ جَعْلُ التُّرَابِ فِي الْأُولَى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِي غَيْرِ السَّابِعَةِ أَوْلَى فَإِنْ جَعَلَهُ فِي السَّابِعَةِ جَازَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَاتٍ فِي الصَّحِيحِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَاهُنَّ بَدَلَ أُولَاهُنَّ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ السَّابِعَةُ بِتُرَابٍ وَفِي رِوَايَةٍ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَعَفِّرُوهُ الثَّامِنَةَ فِي التُّرَابِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ كُلَّهَا وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْيِيدَ بِالْأَوْلَى وَغَيْرِهَا لَيْسَ لِلِاشْتِرَاطِ بَلْ الْمُرَادُ إحْدَاهُنَّ وَهُوَ الْقَدْرُ الْمُتَيَقَّنُ مِنْ كُلِّ الرِّوَايَاتِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ جَعَلَ بَدَلَ التُّرَابِ الْجِصَّ أَوْ الْأُشْنَانَ وما أشبهما فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ نُصَّ فِيهِ عَلَى التُّرَابِ فَاخْتَصَّ بِهِ كَالتَّيَمُّمِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ تَطْهِيرُ نَجَاسَةٍ نُصَّ فِيهِ عَلَى جَامِدٍ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِهِ كَالِاسْتِنْجَاءِ وَالدِّبَاغِ وفى موضع القولين وجهان

(أحدهما)

أنهما فِي حَالِ عَدَمِ التُّرَابِ فَأَمَّا مَعَ وُجُودِ التُّرَابِ فَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ قَوْلًا وَاحِدًا وَالثَّانِي انهما في الاحوال كلها]

* [الشَّرْحُ] قَوْلُهُ بَدَلَ التُّرَابِ مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَالْجِصُّ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَالْأُشْنَانُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْجَوَالِيقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ بِالْعَرَبِيَّةِ حُرْضٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ رَابِعُهَا مُخَرَّجٌ أَظْهَرُهَا عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ لَا يَقُومُ غَيْرُ

التُّرَابِ مَقَامَهُ وَالثَّانِي يَقُومُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَالثَّالِثُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَالرَّابِعُ يَقُومُ فِيمَا يُفْسِدُهُ التُّرَابُ كَالثِّيَابِ دُونَ الْأَوَانِي وَنَحْوِهَا وَدَلَائِلُ الْأَقْوَالِ ظَاهِرَةٌ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالِاحْتِرَازَاتُ أيضا ظاهرة والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ غَسَلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْمَاءَ أَبْلُغُ مِنْ التُّرَابِ فَهُوَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى وَالثَّانِي لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ مَعُونَةً لِلْمَاءِ لِتَغْلِيظِ النَّجَاسَةِ وَهَذَا لا يحصل بالماء وحده]

* [الشَّرْحُ] صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَغْسِلَ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ ثَمَانِ مَرَّاتٍ فَهَلْ يُجْزِئُهُ وَتَقُومُ الثَّامِنَةُ مَقَامَ

ص: 583

التُّرَابِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ لَا يَقُومُ وَقَدْ ذَكَرَ دَلِيلَهُمَا وَلَكِنَّ دَلِيلَ الْأَوَّلِ فَاسِدٌ جِدًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ عَدَمِ التُّرَابِ دُونَ وُجُودِهِ وَطَرَدُوا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ غَمَسَ الْإِنَاءَ أَوْ الثَّوْبَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بل لابد من التراب والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ وَلَغَ كَلْبَانِ فَوَجْهَانِ

(أَحَدُهُمَا)

يَجِبُ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعُ مَرَّاتٍ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ وَالثَّانِي يُجْزِئُهُ فِي الْجَمِيعِ سَبْعُ مَرَّاتٍ وهو المنصوص في حرملة لان النجاسة لاتتضاعف بعدد الكلاب بخلاف البول]

* [الشَّرْحُ] إذَا تَكَرَّرَ الْوُلُوغُ مِنْ كَلْبٍ أَوْ كِلَابٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَكْفِي لِلْجَمِيعِ سَبْعٌ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ عَلَى النَّجَاسَةِ مِنْ جِنْسهَا لَا أَثَرَ لَهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا وَلَغَ كَلْبٌ فِي إنَاءٍ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَقَوْلُنَا مِنْ جِنْسهَا احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا وَقَعَ فِيهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَإِنَّهَا تُؤَثِّرُ فَيَجِبُ غَسْلُهُ سَبْعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مَرَّةً وَالثَّانِي يَجِبُ لِكُلِّ وَلْغَةٍ سَبْعٌ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ فَصَارَ كَمَا لَوْ غَسَلَهُ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ والثالث انه إن مكان تَعَدُّدُ الْوُلُوغِ مِنْ كَلْبٍ كَفَى سَبْعٌ لِجَمِيعِ وَلَغَاتِهِ وَإِنْ تَعَدَّدَتْ الْكِلَابُ وَجَبَ لِكُلِّ كَلْبٍ سَبْعٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ كَمَا أَمَرَ فِي بَوْلِ رَجُلٍ بِذَنُوبٍ ثُمَّ يَجِبُ فِي بَوْلِ رَجُلَيْنِ ذَنُوبَانِ كَلَامٌ عَجِيبٌ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ

عُمْدَةَ الدَّلِيلِ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ عِنْدَ احْتِجَاجِهِ لِلْوَجْهِ الثَّانِي بَلْ سَلَّمَهُ وَقَرَّرَهُ وَذَكَرَ الْفَرْقَ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَ بَعْدَ أَسْطُرٍ أَنَّ التَّقْدِيرَ فِي بَوْلِ الرَّجُلَيْنِ بِذَنُوبَيْنِ ضَعِيفٌ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هِيَ الدَّلْوُ الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً هَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ هِيَ الَّتِي فِيهَا قَرِيبٌ مِنْ الْمُدِّ وَفِيهَا لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَجَمْعُهَا فِي الْقِلَّةِ أَذْنِبَةٌ وَفِي الْكَثْرَةِ ذَنَايِبُ كَقَلُوصٍ وَقَلَايِصَ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وإن ولغ في اناء وقعت فيه نجاسة أخرى أجزأ سَبْعُ مَرَّاتٍ لِلْجَمِيعِ لِأَنَّ النَّجَاسَاتِ تَتَدَاخَلُ

ص: 584

وَلِهَذَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ بَوْلٌ وَدَمٌ أَجْزَأَهُ لهما غسل مرة]

* [الشَّرْحُ] هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي حَرْمَلَةَ قَالَ وَلَوْ غَسَلَهُ مَرَّةً ثم وقعت فيه نجاسة غسل ستا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ أَصَابَ الثَّوْبَ مِنْ مَاءِ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَغْسِلُ مِنْ كُلِّ غَسْلَةٍ مَرَّةً لِأَنَّ كُلَّ غَسْلٍ يُزِيلُ سُبْعَ النَّجَاسَةِ وَالثَّانِي حُكْمُهُ حُكْمُ الْإِنَاءِ الَّذِي انْفَصَلَ عَنْهُ لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ كَالْبَلَلِ الْبَاقِي فِي الْإِنَاءِ وَذَلِكَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِمَا بَقِيَ مِنْ الْعَدَدِ فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ وَإِنْ جَمَعَ مَاءَ الْغَسَلَاتِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّهُ مَاءٌ انْفَصَلَ مِنْ الْإِنَاءِ وَهُوَ طَاهِرٌ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَجِسٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ السَّابِعَةَ طَاهِرَةٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ فَإِذَا اخْتَلَطَ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ نجسا]

* [الشَّرْحُ] قَدْ سَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ غُسَالَةِ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ الِاسْتِعْمَالِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرًا فَإِذَا انْفَصَلَتْ غُسَالَةُ وُلُوغِ الْكَلْبِ مُتَغَيِّرَةً بِالنَّجَاسَةِ فَهِيَ نَجِسَةٌ قَطْعًا وَإِنْ انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَوْ أَقْوَالٍ كَمَا سَبَقَ أَحَدُهَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَالثَّانِي نَجِسَةٌ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ غَيْرَ الْأَخِيرَةِ فَنَجِسَةٌ وَإِنْ كَانَتْ الْأَخِيرَةَ فَطَاهِرَةٌ تَبَعًا لِلْمَحَلِّ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا فَجُمِعَتْ السَّابِعَةُ إلَى السِّتِّ وَلَمْ تَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْجَمِيعُ طَاهِرٌ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ الْآنَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْجَمِيعَ نَجِسٌ لما ذكره المصنف ولو أصاب شئ مِنْ مَاءِ غُسْلِهِ ثَوْبًا فَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا طاهرة فالثوب طاهر ولا يشترط أَمَّا إنْ قُلْنَا نَجِسَةٌ تَنَجَّسَ

الثَّوْبُ وَفِيمَا يَكْفِي فِي غَسْلِ ذَلِكَ الثَّوْبِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا له حكم ذلك المحل بعد هذه الغسل فَيَجِبُ لَهُ حُكْمُهُ قَبْلَ هَذِهِ الْغَسْلَةِ فَيَجِبُ بِعَدَدِ غَسْلِهِ فَيَجِبُ غَسْلُهُ بِعَدَدِ مَا بَقِيَ ويجب التتريب ان كان إنْ كَانَ لَمْ يُتَرِّبْ وَالثَّانِي لَهُ حُكْمُهُ قبل هذه الغسلة فيجب بعددما كَانَ قَبْلَهَا وَالتَّتْرِيبُ إنْ كَانَ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا وَالثَّالِثُ يَكْفِيهِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دليله

* قال المصف رحمه الله

* [فَإِنْ وَلَغَ الْخِنْزِيرُ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُغْسَلُ مَرَّةً وَقَالَ سَائِرُ اصحابنا يحتاج

ص: 585

إلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ وَقَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ مُطْلَقٌ لِأَنَّهُ قَالَ يُغْسَلُ وَأَرَادَ بِهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْخِنْزِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الكلب فهو باعتبار العدد أولى]

* [الشَّرْحُ] حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ أَنَّ فِي وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ طَرِيقِينَ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ الْقَاصِّ أَحَدُهُمَا يَكْفِي مَرَّةً بِلَا تُرَابٍ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ وَالثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ مَعَ التُّرَابِ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَجِبُ سَبْعٌ قَطْعًا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَتَأَوَّلُوا نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّاجِحَ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ بِلَا تُرَابٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِنَجَاسَةِ الْخِنْزِيرِ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الوجوب حتى يرد الشرع لاسيما فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْمَبْنِيَّةِ عَلَى التَّعَبُّدِ وَمِمَّنْ قال يجب غسله سبعا أحمد ومالك وفى رِوَايَةٍ عَنْهُ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَيَجْرِي هَذَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي الْخِنْزِيرِ فِيمَا أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِي الْمُتَوَلَّدِ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ قَوْلَيْنِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ فِي الْكَلْبِ وَهَذَا الْمُتَوَلَّدُ لَا يُسَمَّى كَلْبًا

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْوُلُوغِ مُخْتَصَرَةٍ جِدًّا (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَجْزَائِهِ فَإِذَا أَصَابَ بَوْلُهُ أَوْ رَوْثُهُ أَوْ دَمُهُ أَوْ عَرَقُهُ أَوْ شَعْرُهُ أَوْ لعابه أو عضو منه شيثا طَاهِرًا مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا فِي أَوَائِلِ مَسَائِلِ الْوُلُوغِ وَقِيلَ يَكْفِي غَسْلُهُ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ مَرَّةً كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّجَهٌ وَقَوِيٌّ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلُ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ سَبْعًا مِنْ الولوغ انما كان لينفرهم عن مواكلة الْكَلْبِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي غَيْرِ الْوُلُوغِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَجِبُ سَبْعًا مَعَ

التُّرَابِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي التَّنْفِيرِ مِنْ مُقَارَبَتِهَا وَاقْتِنَائِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) لَا يَكْفِي التُّرَابُ النَّجِسُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ ليس بطهور والثاني يكفى لان الغرض الاستطهار بِهِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ تَنَجَّسَتْ أَرْضٌ تُرَابِيَّةٌ بِنَجَاسَةِ الْكَلْبِ كَفَى الْمَاءُ وَحْدَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ مِنْ غَيْرِ تُرَابٍ أَجْنَبِيٍّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ إذْ لَا مَعْنَى لِتَتْرِيبِ التُّرَابِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لا يكفى في استعمال التراب دره على المحل

ص: 586

بل لابد مِنْ مَاءٍ يَمْزُجُهُ بِهِ لِيَصِلَ التُّرَابُ بِوَاسِطَتِهِ الي جميع أجزاء المحل ويتكرر بِهِ وَسَوَاءٌ طُرِحَ الْمَاءُ عَلَى التُّرَابِ أَوْ التُّرَابُ عَلَى الْمَاءِ أَوْ أُخِذَ الْمَاءُ الْكَدِرُ مِنْ مَوْضِعٍ وَغُسِلَ بِهِ وَلَا يَجِبُ إدْخَالُ الْيَدِ فِي الْإِنَاءِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يُلْقِيَهُ فِي الْإِنَاءِ وَيُحَرِّكَهُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي فِي قَدْرِ التُّرَابِ الْوَاجِبِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا يَقَعُ عليه الاسم والثاني ما يستوعب مَحَلَّ الْوُلُوغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ (الْخَامِسَةُ) لَوْ غَسَلَهُ سِتًّا بِالْمَاءِ ثُمَّ مزج بالتراب بِمَاءِ وَرْدٍ أَوْ خَلٍّ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ وَغَسَلَهُ بِهَا السَّابِعَةَ لَمْ يَكْفِهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ خَطَأٌ ظَاهِرٌ كَمَا لَوْ غَسَلَ السَّبْعَ بخل وتراب فانه لا يجزى بِالِاتِّفَاقِ (السَّادِسَةُ) لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ طَعَامٌ جَامِدٌ أَلْقَى مَا أَصَابَهُ وَمَا حَوْلَهُ وَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى طَهَارَتِهِ السَّابِقَةِ وَيُنْتَفَعُ به كما كان كَمَا فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ وَنَحْوِهِ قاله اصحابنا وممن صرح به صاحب الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ: قَالَ أَصْحَابُنَا ضَابِطُ الْجَامِدِ انه إذا اخذ منه قطعة لايتراد مِنْ الْبَاقِي مَا يَمْلَأُ مَوْضِعَ الْقِطْعَةِ عَلَى الْقُرْبِ فَإِنْ تَرَادَّ فَهُوَ مَائِعٌ (السَّابِعَةُ) لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ فَأَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ أَوْ الْمَائِعُ ثَوْبًا أَوْ بَدَنًا أَوْ إنَاءً آخَرَ وَجَبَ غَسْلُهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِتُرَابٍ (الثَّامِنَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَلَغَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَمْ يَنْقُصْ بِوُلُوغِهِ عَنْ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ وَلَا يَنْجُسُ الْإِنَاءُ إن لم يكن اصابه جرمه الذى لم يصله المائع مَعَ رُطُوبَةِ أَحَدِهِمَا (التَّاسِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَقَعَ الْإِنَاءُ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَجَّسَهُ وَلَمْ يَطْهُرْ الْإِنَاءُ وَإِنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ كَثِيرٍ لَمْ يَنْجُسْ الْمَاءُ وَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْأَصْحَابُ مُفَرَّقَةً وَجَمَعَهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهَا يَطْهُرُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ ابْتِدَاءً لَمْ يَنْجُسْ وَالثَّانِي يُحْسَبُ ذَلِكَ غَسْلَةً فَيَجِبُ بَعْدَهُ سِتُّ مَرَّاتٍ مَعَ التُّرَابِ لِأَنَّ الْإِنَاءَ مَا لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْ الْمَاءِ فَهُوَ فِي حُكْمِ غَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ وَالثَّالِثُ يُحْسَبُ سِتًّا وَيَجِبُ سَابِعَةٌ بِتُرَابٍ

وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ الْكَلْبُ أَصَابَ نَفْسَ الْإِنَاءِ حُسِبَ ذَلِكَ غَسْلَةً وَإِنْ كَانَ أَصَابَ الْمَاءَ الَّذِي فِي الْإِنَاءِ

ص: 587

وَتَنَجَّسَ الْإِنَاءُ تَبَعًا حُسِبَ سَبْعًا لِأَنَّهُ تَنَجَّسَ تَبَعًا لِلْمَاءِ الَّذِي وَقَعَ الْآنَ فِيهِ وَالْخَامِسُ إنْ كَانَ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ حُسِبَ مَرَّةً وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا طَهُرَ وَلَا حَاجَةَ إلَى مَاءٍ آخَرَ وَلَا تُرَابٍ لِأَنَّ الْمَاءَ يَجُولُ فيه مرارا ولم يصح شئ مِنْ الْأَوْجُهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً (الْعَاشِرَةُ) لَوْ كَانَتْ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ عَيْنِيَّةً كَدَمِهِ وَرَوْثِهِ فَلَمْ تَزُلْ إلَّا بِسِتِّ غَسَلَاتٍ مَثَلًا فَهَلْ يُحْسَبُ ذَلِكَ سِتًّا أَمْ وَاحِدَةً أَمْ لَا يُحْسَبُ شَيْئًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَصَحِّهَا وَلَعَلَّ أَصَحَّهَا أَنَّهُ يُحْسَبُ مَرَّةً كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ غَسْلُ النَّجَاسَةِ فِي غَيْرِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ لَمْ تَزُلْ عَيْنُهَا إلَّا بِغَسَلَاتٍ اُسْتُحِبَّ بَعْدَ زَوَالِ العين غسلة ثانية وثالثة فجعل مازالت بِهِ الْعَيْنُ غَسْلَةً وَاحِدَةً (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا لَمْ يُرِدْ اسْتِعْمَالَ الْإِنَاءِ الَّذِي وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إرَاقَتُهُ أَمْ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَحْرِ الْأَصَحُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ قِيَاسًا عَلَى بَاقِي الْمِيَاهِ النَّجِسَةِ بِخِلَافِ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ يجب اراقتها لان النفوس تطلبها فيخاف الوقع فِي شُرْبِهَا وَالثَّانِي يَجِبُ وَيَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (وَلْيُرِقْهُ) حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سائر النجاسات بل الْمُرَادَ هُنَا الزَّجْرُ وَالتَّنْفِيرُ مِنْ الْكِلَابِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي التَّغْلِيظِ فِي ذَلِكَ وَلِهَذَا غَلَّظَ بِالْعَدَدِ وَالتُّرَابِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ كَانَ الْمَاءُ أَكْثَرَ مِنْ قُلَّتَيْنِ وَتَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ ثُمَّ وَلَغَ فِيهِ كَلْبٌ ثُمَّ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجِبُ غَسْلُ الثَّوْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِالنَّجَاسَةِ كَالْخَلِّ الَّذِي وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ وَكَذَا رَأَيْتُهُ فِي فَتَاوَى الْقَاضِي حُسَيْنٍ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَدْخَلَ الْكَلْبُ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ أَوْ مَائِعٌ وَأَخْرَجَهُ وَلَا يَعْلَمُ هَلْ وَلَغَ فِيهِ أَمْ لَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى فَمِهِ رُطُوبَةٌ فَالْمَائِعُ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ رُطُوبَةٌ فَطَاهِرٌ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ يَلَغُ بِفَتْحِ اللَّامِ فِيهِمَا وَحَكَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ عَنْ ثَعْلَبٍ عَنْ ابْنِ الْأَعْرَابِيِّ أَنَّ مِنْ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ وَلَغَ بِكَسْرِهَا وَالْمَصْدَرُ مِنْهُمَا وَلْغًا وَوُلُوغًا وَيُقَالُ أَوْلَغَهُ صَاحِبُهُ قَالَ الْوُلُوغُ فِي

الْكَلْبِ وَالسِّبَاعِ كُلِّهَا أَنْ يُدْخِلَ لِسَانَهُ فِي الْمَائِعِ فَيُحَرِّكَهُ وَلَا يُقَالُ وَلَغَ بشئ مِنْ جَوَارِحِهِ غَيْرِ اللِّسَانِ وَلَا يَكُونُ الْوُلُوغُ لشئ مِنْ الطَّيْرِ إلَّا الذُّبَابِ قَالَ وَيُقَالُ لَحِسَ الْكَلْبُ الْإِنَاءَ وَقَفَنَهُ وَلَجِنَهُ وَلَجَدَهُ بِالْجِيمِ فِيهِمَا كُلُّهُ بِمَعْنَى إذَا كَانَ فَارِغًا فَإِنْ كَانَ فيه شئ قِيلَ وَلَغَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الشُّرْبُ أَعَمُّ مِنْ الْوُلُوغِ فَكُلُّ وُلُوغٍ شُرْبٌ وَلَا عَكْسَ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ أَبُو زَيْدٍ يُقَالُ وَلَغَ الْكَلْبُ بِشَرَابِنَا وَفِي شَرَابِنَا

ص: 588

وَمِنْ شَرَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

سُؤْرُ الْهِرَّةِ والبغل والحمار والسباع والفار وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا طَاهِرٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا فَإِذَا وَلَغَ فِي طَعَامٍ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا كَرَاهَةٍ وَإِذَا شَرِبَ مِنْ مَاءٍ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَسَبَقَ هُنَاكَ الْأَوْجُهُ فِي الْهِرَّةِ إذَا أَكَلَتْ نَجَاسَةً ثُمَّ وَلَغَتْ فِي ماء أو مائع والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [ويجزئ في بول الصبي الذى لم يطعم الطعام النضح وهو أن يبله بالماء وان لم ينزل عنه ولا يجزى في بول الصبية الا الغسل لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي بول الرضيع (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام) ]

* [الشَّرْحُ] فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَأْكُلَا غَيْرَ اللَّبَنِ مِنْ الطَّعَامِ لِلتَّغَذِّي ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيُجْزِئُ النَّضْحُ فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَكْفِي النَّضْحُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْغَسْلُ فِيهِمَا حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ضَعِيفَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَبَوْلُ الْخُنْثَى كَبَوْلِ الْأُنْثَى مِنْ أَيِّ فَرْجَيْهِ خَرَجَ وَيُشْتَرَطُ فِي النَّضْحِ إصَابَةُ الْمَاءِ جَمِيعَ مَوْضِعِ الْبَوْلِ وَأَنْ يَغْمُرَهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْزِلَ عَنْهُ وَالْغَسْلُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيَنْزِلَ عَنْهُ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْجُمْهُورِ وَشَرَحَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَقَالَ النَّضْحُ أَنْ يَغْمُرَهُ وَيُكَاثِرَهُ بِالْمَاءِ مُكَاثَرَةً لَا يُبْلَغُ جَرَيَانُهُ وَتَرَدُّدُهُ وَتَقَطُّرُهُ بِخِلَافِ الْغَسْلِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ جَرَيَانُ بَعْضِ الْمَاءِ وَتَقَاطُرُهُ وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطُ عَصْرُهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يُرَادُ الْمَاءُ ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ الْأُولَى النَّضْحُ الْمُجَرَّدُ الثَّانِيَةُ مَعَ الْغَلَبَةِ وَالْمُكَاثَرَةِ وَالثَّالِثَةُ أَنْ يُضَمَّ إلَى ذَلِكَ السَّيَلَانُ فَلَا تَجِبُ الثَّالِثَةُ قَطْعًا

وَتَجِبُ الثَّانِيَةُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يَكْفِي الْأَوَّلُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَهُ شَاهِدَانِ صَحِيحَانِ فَرَوَاهُ بِلَفْظِهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ لُبَابَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ زَوْجَةِ الْعَبَّاسِ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي السَّمْحِ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَخَادِمُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَاهُمَا أَيْضًا أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ أَبِي السَّمْحِ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بنت محسن رضي الله عنها أَنَّهَا (جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ

ص: 589

صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِجْرِهِ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ يُؤْتَى بِالصِّبْيَانِ فَيُبَرِّكُ عَلَيْهِمْ وَيُحَنِّكُهُمْ فَأُتِيَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَيْهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ بَوْلَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ) وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى فَرْقَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ بَوْلَهَا أَثْخَنُ وَأَلْصَقُ بِالْمَحَلِّ وَالثَّانِي أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي الْعَادَةِ وَالصَّبِيَّةُ لَا يَحْمِلُهَا إلَّا النِّسَاءُ غَالِبًا فَالِابْتِلَاءُ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ

* وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ يُجْزِئُ فِي بَوْلِ الْغُلَامِ الرَّشُّ وَاسْتَدَلَّ بِالسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّبِيَّةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الرَّشِّ عَلَى بَوْلِ الصَّبِيِّ مَا لَمْ يَأْكُلْ وَاحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَبِينُ لِي فِي بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالْجَارِيَةِ فَرْقٌ مِنْ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ وَلَوْ غُسِلَ بَوْلُ الْجَارِيَةِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ احْتِيَاطًا وَإِنْ رُشَّ عَلَيْهِ مَا لَمْ تَأْكُلْ الطَّعَامَ أَجْزَأَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْ الشافعي غير هذا قال الْبَيْهَقِيُّ كَأَنَّ أَحَادِيثَ الْفَرْقِ بَيْنَ بَوْلِ الصَّبِيِّ وَالصَّبِيَّةِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ إنْكَارًا عَلَى الْغَزَالِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي قَوْلِهِ (وَمِنْهُمْ مَنْ قَاسَ الصَّبِيَّةَ عَلَى الصَّبِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ النَّصَّ) قَالَ قَوْلُهُ هَذَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ جَعَلَهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ مَعَ أَنَّهُ الْقَوْلُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالثَّانِي جَعْلُهُ إيَّاهُ غَلَطًا

وَهُوَ يَرْتَفِعُ عَنْ ذَلِكَ ارْتِفَاعًا ظَاهِرًا فَإِنَّهُ الْمَنْصُوصُ ثُمَّ ذَكَرَ النَّصَّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا حِينَئِذٍ كَأَنَّهُ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ لَا مَنْصُوصٌ وَمَعَ هَذَا لَا يَذْكُرُ كَثِيرٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ غَيْرَهُ قَالَ وَلَا يَقْوَى مَا يُذْكَرُ مِنْ الْفَرْقِ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى قَالَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَبِينُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا ثُمَّ قَالَ وَأَصْحَابُنَا يَجْعَلُونَ فِي بَوْلِ الصَّبِيَّةِ قَوْلَيْنِ أَقْيَسُهُمَا أَنَّهُ كَبَوْلِ الصَّبِيِّ وَالثَّانِي يَجِبُ غَسْلُهُ قَالَ أَبُو عَمْرٍو وَمَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ رُجْحَانِ التَّسْوِيَةِ مِنْ حَيْثُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَالصَّحِيحُ الْفَرْقُ لِوُرُودِ الْحَدِيثِ مِنْ وُجُوهٍ تَعَاضَدَتْ بِحَيْثُ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ

* (فَرْعٌ)

فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْجَارِيَةِ وَيَكْفِي نَضْحُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأُمُّ سلمة والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُشْتَرَطُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَكْفِي نَضْحُهُمَا جَمِيعًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الاوزاعي * قال المصنف رحمه الله

*

ص: 590

[وما سوى ذلك من النجاسات ينظر فيه فان كانت جامدة كالعذرة أزيلت ثم غسل موضعها علي ما نبينه ان شاء الله تعالى وان كانت ذائبة كالبول والدم والخمر فانه يستحب منه ثلاثا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامِهِ فَلَا يَغْمِسْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثلاثا فانه لا يدرى أين بانت يده) فندب صلي الله عليه وسلم الي الثالث للشك في النجاسة فدل علي أن ذلك يستحب إذا تيقن ويجوز الاقتصار علي مرة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قال (كانت الصلاة خمسين والغسل من النجاسة سبع مرات وغسل الثوب من البول سبع مرات فلم يَزَلْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ حتى جعل الصلاة خمسا والغسل من الجنابة مرة وغسل الثوب من البول مرة) والغسل الواجب من ذلك ان تكاثر النجاسة بالماء حتي تستهلك فيه فان كانت النجاسة علي الارض أجزأته المكاثرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أمر في بول الاعرابي بذنوب) وانما أمر بالدنوب لان ذلك يغمر النجاسة وتستهلك فيه وقال أبو سعيد الاصطخرى وابو القاسم الانماطى الذنوب تقدير فيجب في بول واحد ذنوب وفى بول اثنين ذنوبان والمذهب أن ذلك ليس بتقدير لان ذلك يؤدى الي أن يطهر

البول الكثير من رجل بذنوب وما دون ذلك من رجلين لا يطهر الا بذنوبين وان كانت النجاسة علي الثوب ففيه وجهان أحدهما يجزئه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئه حتى يعصر لانه يمكن عصره بخلاف الارض والاول أصح وان كانت النجاسة في اناء فيه شئ فوجهان أحدهما يجزئ فيه المكاثرة كالارض والثاني لا يجزئ حتى يراق ما فيه ثم يغسل لقوله صلى الله عليه وسلم: فِي الْكَلْبِ يَلَغُ في الاناء (فليهرقه ثم ليغسله سبع مرات) ]

* [الشَّرْحُ] هَذِهِ الْقِطْعَةُ فِيهَا أَحَادِيثُ وَمَسَائِلُ: أَمَّا الاحاديث فالاول حيث (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنْ الْفَوَائِدِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِيهِ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ أَيُّوبُ بْنُ جَابِرٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي تَضْعِيفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى الله عليه أَنْ يَصُبُّوا عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ ذَنُوبًا) فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا حَدِيثُ (فَلْيُهْرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ) فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وقد قدمناه

ص: 591

فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَقَوْلُهُ يَلَغُ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ: أَمَّا الْمَسَائِلُ فَإِحْدَاهَا الْأَعْيَانُ النَّجِسَةُ كَالْمَيْتَةِ وَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَطْهُرُ بِالْغُسْلِ بَلْ إذَا وَقَعَتْ عَلَى طاهر ونجسته لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ حَتَّى تَزُولَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ وَهَكَذَا إذَا اخْتَلَطَتْ هَذِهِ النَّجَاسَاتُ بِتُرَابٍ وَغَيْرِهِ فَصُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَمْ يَطْهُرْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا طَرِيقَ إلَى طَهَارَةِ هَذِهِ الْأَرْضِ إلَّا بِأَنْ يُحْفَرَ تُرَابُهَا وَيُرْمَى فَلَوْ أَلَقَى عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا أَوْ طِينَهَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا: الثَّانِيَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ ذَائِبَةً كَأَثَرِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَغَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ غَسْلُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْوَاجِبُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وعن أحمد ابن حَنْبَلٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَجِبُ غَسْلُ النَّجَاسَةِ كُلِّهَا سبع مرات كالكلب ودليلنا حديث ابن عمرو هو صَرِيحٌ فِي الْمَرَّةِ وَإِطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ كَحَدِيثِ غَسْلِ دَمِ الْحَيْضِ (وَصُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِمَذْهَبِنَا قَالَ الْجُمْهُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَزُلْ عَيْنُ الدَّمِ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ طَعْمُ

سَائِرِ النَّجَاسَاتِ إلَّا بِغَسَلَاتٍ كَفَاهُ زَوَالُ الْعَيْنِ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَ ذَلِكَ غَسْلُهُ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً لِحَدِيثِ (إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ) : الثَّالِثَةُ الْوَاجِبُ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ الذَّائِبَةِ مِنْ الارض المكاثرة بالماء بحيث يستهلك فِيهِ وَتَطْهُرُ الْأَرْضُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَنْصَبَّ الْمَاءُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً أَمْ رِخْوَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَطْهُرُ حَتَّى يَنْصَبَّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ فِي الثَّوْبِ وَوَجْهٌ حَكَاهُ الخراسانيون وجماعة من العراقين أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْمَاءِ الْمَصْبُوبِ سَبْعَةَ أَمْثَالِ الْبَوْلِ وَوَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي بَوْلِ كُلِّ رَجُلٍ ذَنُوبٌ مِنْ مَاءٍ فَلَوْ كَانَ مِائَةً وَجَبَ مِائَةُ ذَنُوبٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْأَنْمَاطِيِّ وَالْإِصْطَخْرِيِّ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يُصَبُّ عَلَى الْبَوْلِ سَبْعَةُ أَضْعَافِهِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ بَالَ اثْنَانِ لَمْ يَطْهُرْ إلَّا بِذَنُوبَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَحْصُلْ الْمُكَاثَرَةُ إلَّا بِذَلِكَ أَوْ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالِاحْتِيَاطِ وَلَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَا يُشْتَرَطُ جَفَافُ الثَّوْبِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَرَطْنَا الْعَصْرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ وَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ وَالثَّوْبِ وَغَيْرِهِمَا مَاءُ الْمَطَرِ حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ الْخَمْرُ وَالْبَوْلُ وَالدَّمُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الذَّائِبَةِ حُكْمُهَا مَا ذَكَرْنَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ رِخْوَةً يَنْزِلُ الْمَاءُ فِيهَا أَجْزَأَهُ صَبُّهُ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ صُلْبَةً لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَفْرُهَا وَنَقْلُ تُرَابِهَا دَلِيلُنَا حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَصَبِّ الذَّنُوبِ عَلَيْهِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي الْأَمْرِ بِحَفْرِهِ فَضَعِيفٌ

* الرَّابِعَةُ إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ

ص: 592

فَالْوَاجِبُ الْمُكَاثَرَةُ بِالْمَاءِ وَفِيهِ وَجْهُ سَبْعَةِ الْأَمْثَالِ الذى سبق وليس بشئ وَفِي اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْخِلَافِ فِي طَهَارَة غُسَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْأَصَحُّ طَهَارَتُهَا إذَا انْفَصَلَتْ غَيْرَ مُتَغَيِّرَةٍ وَقَدْ طَهُرَ الْمَحَلُّ وَلِهَذَا كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَصْرُ فان شرطناه لم يحكم بطهارة الثوب مادام الْمَاءُ فِيهِ فَإِنْ عَصَرَهُ طَهُرَ حِينَئِذٍ وَإِنْ لَمْ يَعْصِرْهُ حَتَّى جَفَّ فَهَلْ يَطْهُرُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ الصَّحِيحُ يَطْهُرُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي زَوَالِ الْمَاءِ وَالثَّانِي لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الْمَاءَ الَّذِي وَجَبَتْ إزَالَتُهُ بَاقٍ وَلِأَنَّ وُجُوبَ الْعَصْرِ مُفَرَّعٌ عَلَى نَجَاسَةِ الْغُسَالَةِ وَهِيَ

بَاقِيَةٌ فِي الثوب حكما وهذا ضعيف والمعتمد بالجزم بِالطَّهَارَةِ وَلَوْ عَصَرَهُ وَبَقِيَتْ رُطُوبَةٌ فَهُوَ طَاهِرٌ بِلَا خِلَافٍ (الْخَامِسَةُ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ مَائِعًا فِي إنَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ غَمَرَهُ وَلَمْ يُرِقْهُ فَهَلْ يَطْهُرُ الْإِنَاءُ وَمَا فِيهِ: فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يَطْهُرُ وَلَوْ غُمِسَ الثَّوْبُ النَّجِسُ فِي إنَاءٍ دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَلَا يَنْجُسُ الْمَاءُ وَلَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ نَجُسَ الْمَاءُ وَلَمْ يَطْهُرْ الثَّوْبُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ ابْنُ سُرَيْجٍ عَلَى النَّجَاسَةِ هُنَا وَاسْتَدَلُّوا بِهَذَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ النِّيَّةَ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَنْكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الِاسْتِدْلَالَ (السَّادِسَةُ) إذَا كَانَ دَاخِلُ الْإِنَاءِ مُتَنَجِّسًا فَصُبَّ فِيهِ مَاءٌ غَمَرَ النَّجَاسَةَ فَهَلْ يَطْهُرُ فِي الْحَالِ قَبْلَ إرَاقَةِ الْغُسَالَةِ: وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَصْرِ أصحهما الطهارة كالارض والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وإن كانت النجاسة خمرا فغسلها وبقيت الرائحة ففيه قولان أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ والثاني يطهر لان الخمر لها رائحة شديدة فيجوز أن تكون لقوة رائحتها تبقى الرائحة من غير جزء من النجاسة وان كانت النجاسة دما فغسله ولم يذهب الاثر اجزأه لما روى أن خولة بنت يسار قالت (يا رسول الله ارأيت لو بقى أثر) فقال صلى الله عليه وسلم (الماء يكفيك ولا يضرك أثره) ]

* [الشَّرْحُ] حَدِيثُ خَوْلَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ ثُمَّ رَوَى عَنْ إبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيِّ الْإِمَامِ قَالَ لَمْ نَسْمَعْ بِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ إلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ مُحَاوَلَةُ إزَالَةِ طَعْمِ النَّجَاسَةِ وَلَوْنِهَا وَرِيحِهَا فَإِنْ حَاوَلَهُ فَبَقِيَ طَعْمُ النَّجَاسَةِ لَمْ يَطْهُرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ جُزْءٍ مِنْهَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَحْدَهُ وَهُوَ سَهْلُ الْإِزَالَةِ لَمْ يَطْهُرْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا كَدَمِ

ص: 593

الْحَيْضِ يُصِيبُ ثَوْبًا وَلَا يَزُولُ بِالْمُبَالَغَةِ فِي الحت والقرص طَهُرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَهُوَ شَاذٌّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالصَّحِيحُ الذى قطع به الجمهور أن الحث والقرص مستحبان وليسا بشرط وفى وجه شاذهما شَرْطٌ وَإِنْ بَقِيَتْ الرَّائِحَةُ وَحْدَهَا وَهِيَ عَسِرَةُ الْإِزَالَةِ كَرَائِحَةِ الْخَمْرِ وَبَوْلِ الْمُبَرْسَمِ وَبَعْضِ أَنْوَاعِ الْعَذِرَةِ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَطْهُرُ وَمِمَّنْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُمَا

قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَالرَّائِحَةُ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِذَا لَمْ تَزُلْ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ وَأُمْكِنَ إزَالَتُهَا بِأُشْنَانٍ وَنَحْوِهِ وَجَبَ ثُمَّ مَا حَكَمْنَا بِطَهَارَتِهِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ مَعَ بَقَاءِ لَوْنٍ أَوْ رَائِحَةٍ فَهُوَ طَاهِرٌ حقيقة هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ نَجِسًا مَعْفُوًّا عَنْهُ وليس بشئ هَذَا تَلْخِيصُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ كَمَا لَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ فَمُرَادُهُ لَوْنٌ يَسْهُلُ إزَالَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَكَذَا مَنْ أَطْلَقَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ مُرَادُهُمْ مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ إذَا بَقِيَ اللَّوْنُ لَا يَطْهُرُ وَمُرَادُهُمَا مَا ذَكَرْنَا وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلَهُ كَاللَّوْنِ وَزَعَمَ أَنَّ صَوَابَهُ كَالطَّعْمِ قَالَ لِأَنَّ اللَّوْنَ لَا يَضُرُّ بَقَاؤُهُ قَطْعًا وَهَذَا الْإِنْكَارُ خَطَأٌ مِنْ قَائِلِهِ فَإِنَّهُ بِجَهَالَتِهِ فَهِمَ خِلَافَ الصَّوَابِ ثُمَّ اعْتَرَضَ وَالصَّوَابُ صِحَّةُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَمْلُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فَقَدْ صَرَّحَ غَيْرُهُ بِمَا تَأَوَّلْنَاهُ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْبَيَانِ الْقَوْلَانِ فِي بَقَاءِ رَائِحَةِ الْخَمْرِ فَإِنْ بَقِيَ رَائِحَةٌ غَيْرُهَا فَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا لَا يَطْهُرُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْخَمْرِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ عَلَى مَا سَبَقَ وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ قَلَّدَ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى صَاحِبَ الْعُدَّةِ عَلَى عَادَتِهِ فِي النَّقْلِ عَنْهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِطَرْدِهِمَا فِي غَيْرِ الْخَمْرِ الشيخ أبو حامد والله أعلم * قال المصنف رحمه الله

* [وإن كان ثوب نجس فغمسه في اناء فيه دون القلتين من الماء نجس الماء ولم يطهر الثوب ومن أصحابنا من قال ان قصد ازالة النجاسة لم ينجسه وليس بشئ لان القصد لا يعتبر في ازالة النجاسة ولهذا يطهر بماء المطر وبغسل المجنون قال أبو العباس بن القاص إذا كان ثوب كله نجس فغسل بعضه في جفنة ثم عاد فغسل ما بقى لم يطهر حتى يغسل الثوب كله دفعة واحدة لانه إذا صب علي بعضه ماء ورد جزء من البعض الآخر علي الماء فنجسه وإذا نجس الماء نجس الثواب]

*

ص: 594

[الشَّرْحُ] أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ مِنْ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ وَقَوْلُهُ (وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ) هُوَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَقَوْلُهُ (وَلِهَذَا يَطْهُرُ بِمَاءِ الْمَطَرِ وَبِغَسْلِ الْمَجْنُونِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ ابْنَ

سُرَيْجٍ يُوَافِقُ عَلَى هَذَا وَلَا يَبْعُدُ أَنَّهُ يُخَالِفُ فِيهِ فَقَدْ نُقِلَ عَنْهُ اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ مَسْأَلَةُ ابْنِ الْقَاصِّ فَهِيَ مَشْهُورَةٌ عَنْهُ لَكِنْ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي بَابِ الْمِيَاهِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابْنِ الْقَاصِّ قَالَ وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ وَقَالَ صاحب البيان حكي صاحب الافصاح والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا كَانَ الثَّوْبُ كُلُّهُ نَجِسًا فَغَسَلَ نِصْفَهُ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَطْهُرْ حَتَّى يَغْسِلَهُ كُلَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فَالْجُزْءُ الرَّطْبُ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ الْيَابِسَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ مُلَاصِقٌ لِمَا هُوَ نَجِسٌ ثُمَّ الْجُزْءُ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ ثُمَّ الَّذِي بَعْدَهُ يَنْجُسُ بِمُلَاصَقَتِهِ حَتَّى يَنْجُسَ جَمِيعُ الْأَجْزَاءِ إلَى آخِرِ الثَّوْبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ غَلِطَ ابْنُ الْقَاصِّ بل بطهر الثَّوْبُ لِأَنَّ الْجُزْءَ الَّذِي يُلَاصِقُ الْجُزْءَ النَّجِسَ يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ فَأَمَّا الْجُزْءُ الَّذِي يُلَاصِقُ ذَلِكَ الْجُزْءَ فَلَا يَنْجُسُ بِهِ لِأَنَّهُ لَاقَى مَا هُوَ نَجِسٌ حُكْمًا لَا عَيْنًا وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْفَأْرَةِ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ الْجَامِدِ (أَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا وَكُلُوا سَمْنَكُمْ) فَحَكَمَ صلى الله عليه وسلم بِنَجَاسَةِ مَا لَاقَى عَيْنَ النَّجَاسَةِ دُونَ الْجُزْءِ الْمُتَّصِلِ بِذَلِكَ الْمُتَنَجِّسِ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ لَنَجُسَ السَّمْنُ كُلُّهُ وَأَمَّا ابْنُ الصَّبَّاغِ فَحَكَى أَنَّ ابْنَ الْقَاصِّ قَالَ إذَا غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ النصف الآخر لم يطهر حتى بغسله كُلَّهُ وَحَكَى عَنْهُ الْعِلَّةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْحُكْمُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَكِنْ أَخْطَأَ فِي الدَّلِيلِ بَلْ الدَّلِيلُ لِمَا قَالَهُ أَنَّ الثَّوْبَ إذَا وُضِعَ نِصْفُهُ فِي الْجَفْنَةِ وَصُبَّ عَلَيْهِ مَاءٌ يَغْمُرُهُ لَاقَى هَذَا الْمَاءُ جُزْءًا مِمَّا لَمْ يَغْسِلْهُ وَذَلِكَ الْجُزْءُ نَجِسٌ وَهُوَ وَارِدٌ عَلَى دُونَ الْقُلَّتَيْنِ فَنَجَّسَهُ وَإِذَا نَجُسَ الْمَاءُ نَجُسَ الثَّوْبُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعِنْدِي أَنَّهُمَا مَسْأَلَتَانِ فَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ فِي جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَإِنْ غَسَلَ نِصْفَهُ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ جَفْنَةٍ فَالْحُكْمُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَا الْمَسْأَلَةَ فِي التَّلْخِيصِ لِابْنِ الْقَاصِّ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ فَإِنَّهُ قَالَ لَوْ أَنَّ ثَوْبًا نَجِسًا كُلَّهُ غَسَلَ بَعْضَهُ فِي جَفْنَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا بَقِيَ فَغَسَلَهُ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَغْسِلَ الثَّوْبَ دَفْعَةً وَاحِدَةً هَذَا كَلَامُهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وجهان الصحيح ما قاله ابن القاص هو أَنَّ جَمِيعَ الثَّوْبِ نَجِسٌ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الافصاح

ص: 595

يَطْهُرُ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ فَأْرَةِ السَّمْنِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّوَابُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاصِّ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمْنِ بِأَنَّهُ جَامِدٌ لَا يَتَرَادُّ قَالَ وَنَظِيرُ مَسْأَلَتِنَا السَّمْنُ الذَّائِبُ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْآخَرِينَ عَلَى مَا حَمَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَوْ غُسِلَ أَحَدُ نِصْفَيْ ثَوْبٍ ثُمَّ نِصْفُهُ الْآخَرُ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ حَتَّى يُغْسَلَ كُلُّهُ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَأَصَحُّهُمَا أَنَّهُ إنْ غُسِلَ مَعَ النِّصْفِ الثَّانِي مَا يُجَاوِرُهُ مِنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ طَهُرَ الثَّوْبُ كُلُّهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى النِّصْفَيْنِ فَقَطْ طَهُرَ الطَّرَفَانِ وَبَقِيَ الْمُنْتَصَفُ نَجِسًا فيغسله وحده والله أعلم

*

* قال المصنف رحمه الله

* [إذا أصاب الارض نجاسة ذائبة في موضع ضاح فطلعت عليه الشمس وهبت عليه الريح فذهب اثرها ففيه قولان قال في القديم والاملاء يطهر لانه لم يبق شئ من النجاسة فهو كما لو غسل بالماء وقال في الام لا يطهر وهو الاصح لانه محل نجس فلا يطهر بالشمس كالثوب النجس]

* [الشَّرْحُ] هَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَطْهُرُ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ وَحَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا فِيهِ الْقَوْلَانِ وَالثَّانِي القطع بأنها لا تطهر وتأويل نصفه عَلَى أَرْضٍ مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ وَأَصَابَهَا الْمَطَرُ ثُمَّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ النجاسة طعم ولا لون ولا رائحة ومن قَالَ بِأَنَّهَا لَا تَطْهُرُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَزُفَرُ وَدَاوُد وَمِمَّنْ قَالَ بِالطَّهَارَةِ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ ثُمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ هُمَا إذَا زَالَتْ النَّجَاسَةُ بِالشَّمْسِ أَوْ الرِّيحِ فَلَوْ ذَهَبَ أَثَرُهَا بِالظِّلِّ لَمْ تَطْهُرْ عِنْدَهُمْ قَطْعًا وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ خِلَافٌ مُرَتَّبٌ وَأَمَّا الثَّوْبُ النَّجِسُ بِبَوْلٍ وَنَحْوِهِ إذَا زَالَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ مِنْهُ بِالشَّمْسِ فَالْمَذْهَبُ القطع بأنه لا يطهر وبه قطع العرقيون وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ طَرَدُوا فِيهِ الْقَوْلَيْنِ كَالْأَرْضِ قَالَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ أَنَّا إذَا قُلْنَا يَطْهُرُ الثَّوْبُ بِالشَّمْسِ فَهَلْ يَطْهُرُ بِالْجَفَافِ فِي الظِّلِّ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا ضَعِيفٌ قَالَ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْجَفَافَ لَا يَكْفِي فِي هَذِهِ الصُّورَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَجِفُّ بِالشَّمْسِ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَنْقَلِعْ

بَعْدُ آثَارُ النَّجَاسَةِ فَالْمُعْتَبَرُ انْقِلَاعُ الْآثَارِ عَلَى طُولِ الزَّمَانِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا الْقَوْلُ فِي الثِّيَابِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ (مَوْضِعٌ ضَاحٍ) هُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ الْبَارِزُ والله أعلم

*

ص: 596

* قال المصنف رحمه الله

* [وَإِنْ طُبِخَ اللَّبَنُ الَّذِي خُلِطَ بِطِينَةِ السَّرْجِينِ لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ النَّارَ لَا تُطَهِّرُ النَّجَاسَةَ وقال أبو الحسن ابن الْمَرْزُبَانِ إذَا غُسِلَ طَهُرَ ظَاهِرُهُ فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ لِأَنَّ مَا فيه من السرجين كالزئبر فيحترق بالنار ولهذا ينتقب مَوْضِعُهُ فَإِذَا غُسِلَ طَهُرَ فَجَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ والمذهب الاول]

* [الشَّرْحُ] قَالَ أَصْحَابُنَا اللَّبَنُ النَّجِسُ ضَرْبَانِ مُخْتَلِطٌ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَعِظَامِ الْمَيْتَةِ وَغَيْرُ مُخْتَلَطٍ بِهَا فَالْمُخْتَلِطُ نَجِسٌ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهِ لِأَنَّ الْأَعْيَانَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَهَذَا فِيهِ عَيْنٌ نَجِسَةٌ فَإِنْ طُبِخَ أَيْ أُحْرِقَ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور وخرج أبو زيد والخضرى وآخرون قولان أَنَّ النَّارَ تُؤَثِّرُ فَيَطْهُرُ خَرَّجُوهُ مِنْ الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّ الْأَرْضَ تَطْهُرُ بِالشَّمْسِ قَالُوا فَالنَّارُ أَبْلَغُ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ لَوْ غُسِلَ لَمْ يَطْهُرْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَقَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ وَالْقَفَّالُ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِالْإِحْرَاقِ فَكُسِرَ مِنْهُ مَوْضِعٌ فَمَا ظَهَرَ بِالْكَسْرِ نَجِسٌ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى مَا لَمْ يُكْسَرْ مِنْهُ وَلَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ غَيْرِ مَنْبُوشَةٍ لِكَوْنِهَا مَدْفَنَ النَّجَاسَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْنِيَ بِهِ مَسْجِدًا وَلَا يَفْرِشَ بِهِ فَإِنْ فَرَشَ بِهِ وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا صحت مع الكراهة ولو حمله مصل ففى صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَسَدَّ رَأْسَهَا بِنُحَاسٍ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ: وَالضَّرْبُ الثَّانِي غَيْرُ الْمُخْتَلِطِ بِنَجَاسَةٍ جَامِدَةٍ كَالْمَعْجُونِ بِبَوْلٍ أَوْ بِمَاءٍ نَجِسٍ أَوْ خَمْرٍ فَيَطْهُرُ ظَاهِرُهُ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَيَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُنْقَعَ فِي الْمَاءِ حَتَّى يَصِلَ إلَى جَمِيعِ أَجْزَائِهِ كَمَا لَوْ عُجِنَ عَجِينٌ بِمَاءٍ نَجِسٍ فَلَوْ طُبِخَ هَذَا اللَّبَنُ طَهُرَ عَلَى تَخْرِيجِ أَبِي زَيْدٍ ظَاهِرُهُ وَكَذَا بَاطِنُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَمَّا عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ فَهُوَ بَاقٍ

عَلَى نَجَاسَتِهِ وَيَطْهُرُ بِالْغَسْلِ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بَاطِنُهُ بِأَنْ يُدَقَّ حَتَّى يَصِيرَ تُرَابًا ثُمَّ يُفَاضَ الْمَاءُ عَلَيْهِ فلو كان بعد الطبخ رخوا لايمنع نُفُوذَ الْمَاءِ فَهُوَ كَمَا قَبْلَ الطَّبْخِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالزِّئْبِرِ هُوَ بِزَايٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَهُوَ مَا يَعْلُو الثَّوْبَ الْجَدِيدَ كَالزَّغَبِ وَقَوْلُهُ قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ هُوَ بِمِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ راء

ص: 597

سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَالْمَرْزُبَانُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ مُعَرَّبٌ وَهُوَ زَعِيمُ فَلَاحِي الْعَجَمِ وَجَمْعُهُ مَرَازِبَةٌ ذَكَر هَذَا كُلَّهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ وَابْنُ الْمَرْزُبَانِ هَذَا هُوَ أَبُو الحسن عل بْنُ أَحْمَدَ الْمَرْزُبَانُ الْبَغْدَادِيُّ صَاحِبُ ابْنِ الْقِطَّانِ تَفَقَّهَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَانَ إمَامًا فِي الْمَذْهَبِ وَرِعًا قَالَ مَا أَعْلَمُ أَنَّ لاحد علي مظلمة وهو يعلم ان الغيية مَظْلِمَةٌ تُوُفِّيَ فِي رَجَبٍ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وثلثمائة ذكرت احواله في الطبقات والتهذيب * قال المصنف رحمه الله

* [فَإِنْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ نَجَاسَةٌ فَدَلَكَهُ عَلَى الْأَرْضِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ نَجَاسَةً رَطْبَةً لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَتْ يَابِسَةً فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَغْسِلَهُ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يُجْزِئُ فِيهِ الْمَسْحُ كَالثَّوْبِ وَقَالَ في الامالي القديمة يَجُوزُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ كَانَ بِهِمَا خَبَثٌ فَلْيَمْسَحْهُ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ لْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَلِأَنَّهُ تَتَكَرَّرَ فِيهِ النَّجَاسَةُ فَأَجْزَأَ فِيهِ الْمَسْحُ كَمَوْضِعِ الاستنجاء]

* [الشَّرْحُ] إذَا أَصَابَتْ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ نَجَاسَةٌ رَطْبَةٌ فَدَلَكَهُ بِالْأَرْضِ فَأَزَالَ عَيْنَهَا وَبَقِيَ أَثَرُهَا نُظِرَ إنْ دَلَكَهَا وَهِيَ رَطْبَةٌ لَمْ يُجْزِئْهُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا تَنْتَشِرُ مِنْ مَحَلِّهَا إلَى غَيْرِهِ مِنْ أَجْزَاءِ الْخُفِّ الظَّاهِرَةِ وَإِنْ جَفَّتْ عَلَى الْخُفِّ فَدَلَكَهَا وَهِيَ جَافَّةٌ بِحَيْثُ لَمْ تَنْتَشِرْ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهَا مِنْهُ فَالْخُفُّ نَجِسٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ هَلْ يُعْفَى عَنْ هَذِهِ النَّجَاسَةِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِيهِ قَوْلَانِ وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ المصنف أصحهما عند الاصحاب الجدبد وَهُوَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ وَالْقَدِيمُ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ هَذَا الْخُفُّ فِي مَائِعٍ أَوْ في ما دُونَ قُلَّتَيْنِ مِنْ الْمَاءِ نَجَّسَهُ كَمَا لَوْ وَقَعَ فِيهِ مُسْتَنْجٍ بِالْأَحْجَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا

بِالْقَدِيمِ وَهُوَ الْعَفْوُ فَلَهُ شُرُوطٌ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِلنَّجَاسَةِ جُرْمٌ يَلْتَصِقُ بِالْخُفِّ أَمَّا الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ بِحَالٍ الثَّانِي أن يدلكه في حال الجفاف واما مادام رَطْبًا فَلَا يَكْفِي دَلْكُهُ قَطْعًا الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ حُصُولُ النَّجَاسَةِ بِالْمَشْيِ مِنْ غَيْرِ تَعَمُّدٍ فَلَوْ تَعَمَّدَ تَلْطِيخَ الْخُفِّ بِهَا وَجَبَ الْغُسْلُ قَطْعًا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِيمَا لَوْ أَصَابَ أَسْفَلَ الْخُفِّ وَأَطْرَافَهُ مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ الْمُتَيَقَّنِ نَجَاسَتُهُ الْكَثِيرُ الَّذِي لَا يُعْفَى عَنْهُ وَسَائِرُ النَّجَاسَاتِ الْغَالِبَةِ فِي الطُّرُقِ كَالرَّوْثِ وَغَيْرِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ الغزالي وصاحبه محمسد بن تحيى جَزَمَا بِالْعَفْوِ عَنْ النَّجَاسَةِ الْبَاقِيَةِ عَلَى أَسْفَلِ الْخُفِّ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَفْظُهُ (إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ

ص: 598

إلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا) وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِأَسَانِيدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذا وَطِئَ أَحَدُكُمْ بِنَعْلَيْهِ الْأَذَى فَإِنَّ التُّرَابَ لَهُ طَهُورٌ) رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَجَابَ فِي الْجَدِيدِ عَنْ الْحَدِيثِ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَذَرِ وَالْأَذَى مَا يُسْتَقْذَرُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ النَّجَاسَةُ وَذَلِكَ كَمُخَاطٍ وَنُخَامَةٍ وَشَبَهِهِمَا مِمَّا هُوَ طَاهِرٌ أَوْ مَشْكُوكٌ فِيهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَجَوَابُهُ تَقَدَّمَا فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْمَاءِ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ مَلْبُوسٌ نَجِسٌ فَلَا يَجُوزُ فِيهِ الْمَسْحُ فَاحْتَرَزَ بِمَلْبُوسٍ عَنْ مَحَلِّ الاستنجاء وبقوله نجس عن خف المحرم إذ عَلِقَ بِهِ طِيبٌ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إزَالَتُهُ بِالْمَسْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ مختصرة جدا خشية الاطالة وفرارا من السأآمة؟ ؟ ؟ وَالْمَلَالَةِ (إحْدَاهَا) أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ الَّتِي لَمْ يُعْصَ بِالتَّلَطُّخِ بِهَا فِي بَدَنِهِ لَيْسَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ إزَالَتِهَا (الثَّانِيَةُ) إذَا نَجُسَ الزيت والمسن وَالشَّيْرَجُ وَسَائِرُ الْأَدْهَانِ فَهَلْ يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفِ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم في الفأرة تقطع فِي السَّمْنِ (إنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ) وَلَمْ يَقُلْ اغْسِلُوهُ وَلَوْ جَازَ الْغَسْلُ لَبَيَّنَهُ لَهُمْ وَقِيَاسًا عَلَى الدِّبْسِ وَالْخَلِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْمَائِعَاتِ إذَا تَنَجَّسَتْ فَإِنَّهُ لَا طَرِيقَ إلَى تَطْهِيرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ بِأَنْ يُجْعَلَ فِي إنَاءٍ

وَيُصَبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَيُكَاثَرَ بِهِ وَيُحَرَّكَ بِخَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا تَحْرِيكًا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ وَصَلَ إلَى أَجْزَائِهِ ثُمَّ يُتْرَكَ حَتَّى يَعْلُوَ الدُّهْنُ ثُمَّ يُفْتَحَ أَسْفَلَ الْإِنَاءِ فَيَخْرُجَ الْمَاءُ وَيَطْهُرَ الدُّهْنُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ليس هو بصحيح وقال صحاب الْعُدَّةِ لَا يَطْهُرُ السَّمْنُ بِالْغَسْلِ قَطْعًا وَفِي غَيْرِهِ الْوَجْهَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ: أَمَّا الزِّئْبَقُ فَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وغيرهما أن اصابته نجاسة ولم ينقطع بَعْدَ إصَابَتِهَا طَهُرَ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَإِنْ انقطع فهو كالدهن ولا يمكن تطهيره عَلَى الْأَصَحِّ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَتْ النَّجَاسَةُ شَيْئًا صَقِيلًا كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِهَا لَمْ تَطْهُرْ بِالْمَسْحِ وَلَا تَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ كَغَيْرِهَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَطْهُرُ بِالْمَسْحِ (الرَّابِعَةُ) إذَا سُقِيَتْ السِّكِّينُ مَاءً نَجِسًا ثُمَّ غَسَلَهَا طَهُرَ ظَاهِرُهَا وَهَلْ يَطْهُرُ بَاطِنُهَا بِمُجَرَّدِ الْغَسْلِ أَمْ لَا يَطْهُرُ حَتَّى يَسْقِيَهُ مَرَّةً ثَانِيَةً بِمَاءٍ طَهُورٍ يُورِدُهُ عَلَيْهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَلَوْ طبخ لحم

ص: 599

بِمَاءٍ نَجِسٍ صَارَ بَاطِنُهُ وَظَاهِرُهُ نَجِسًا وَفِي كَيْفِيَّةِ طَهَارَتِهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُغْسَلُ ثُمَّ يُعْصَرُ كَالْبِسَاطِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ أَنْ يُغْلَى مَرَّةً أُخْرَى بِمَاءٍ طَهُورٍ وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي مَسْأَلَتَيْ السِّكِّينِ وَاللَّحْمِ بِأَنَّهُ يَجِبُ سَقْيُهَا وَإِغْلَاؤُهَا وَاخْتَارَ الشَّاشِيُّ أَنَّ الْغَسْلَ كَافٍ فِيهِمَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ فِي كتاب صلاة الخوف لو أحمى حديد ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهَا سُمًّا أَوْ غَسَلَهَا فِيهِ فَشَرِبَتْهُ ثُمَّ غُسِلَتْ بِالْمَاءِ طَهُرَتْ لِأَنَّ الطَّهَارَاتِ كُلَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا يَظْهَرُ فِيهِ لَيْسَ عَلَى الْأَجْوَافِ: هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا غُسِلَ السِّكِّينُ طَهُرَ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الرَّطْبَةِ كَمَا يَجُوزُ فِي الْيَابِسَةِ لَكِنْ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَهُوَ حَامِلُهُ وَإِنَّمَا جَازَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الرَّطْبِ مَعَ قَوْلِنَا بِنَجَاسَةِ بَاطِنِهِ لِأَنَّ الرُّطُوبَةَ لَا تَصِلُ بَاطِنَهُ إذْ لَوْ وَصَلَتْ لَطَهَرَتْ بِالْمَاءِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لِلْمَاءِ قُوَّةٌ عِنْدَ الْوُرُودِ عَلَى النَّجَاسَةِ فَلَا يَنْجُسُ بِمُلَاقَاتِهَا بَلْ يَبْقَى مُطَهِّرًا فَلَوْ صَبَّهُ عَلَى مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ فَانْتَشَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي الثَّوْبِ لَا يُحْكَمُ بِنَجَاسَةِ مَوْضِعِ الرُّطُوبَةِ وَلَوْ صُبَّ الماء فِي إنَاءٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ طهور فإذا اداره على جوابنه طَهُرَتْ الْجَوَانِبُ كُلُّهَا هَذَا كُلُّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ قَالَ فَلَوْ انْفَصَلَ الْمَاءُ مُتَغَيِّرًا وَقَدْ زَالَتْ النَّجَاسَةُ عَنْ الْمَحَلِّ فَالْمَاءُ نَجِسٌ وَفِي الْمَحَلِّ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ لِانْتِقَالِ النَّجَاسَةِ إلَى الْمَاءِ وَالثَّانِي

وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ الْمَحَلَّ نَجِسٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُنْفَصِلَ نَجِسٌ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنْهُ أَجْزَاءٌ فِي الْمَحَلِّ قَالَ وَلَوْ وَقَعَ بَوْلٌ عَلَى ثَوْبٍ فَغُسِلَ بِمَاءٍ مَوْزُونٍ فَانْفَصَلَ زَائِدَ الْوَزْنِ فَالزِّيَادَةُ بَوْلٌ وَالْمَاءُ نَجِسٌ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ وَفِي طَهَارَةِ الْمَحَلِّ الْوَجْهَانِ الصَّحِيحُ لَا يَطْهُرُ قُلْتُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمِيَاهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّ هَذَا الْمَاءَ طَاهِرٌ مَعَ زيادة الوزن وليس بشئ فَالْمَذْهَبُ نَجَاسَتُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اخْتَلَطَتْ الْعَذِرَةُ أَوْ الرَّوْثُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ بِتُرَابٍ نَجِسٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ لَمْ يَطْهُرْ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْعَيْنَ النَّجِسَةَ لَا تَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُزَالَ التُّرَابُ الَّذِي وَصَلَتْهُ أَوْ يُطْرَحَ عَلَيْهِ تُرَابٌ طَاهِرٌ يُغَطِّيهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لَوْ طَيَّنَ عَلَى النَّجَاسَةِ أَوْ طَرَحَ عَلَيْهَا تُرَابًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ لَكِنْ تُكْرَهُ

ص: 600

الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ وَكَذَا لَوْ دَفَنَ مَيْتَةً وَسَوَّى فَوْقَهَا الطَّاهِرَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وتكره (السابعة) ذكرها صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ ابْنِ الْقَاصِّ السَّابِقَةِ وَهِيَ إذَا غَسَلَ نِصْفَ الثَّوْبِ ثُمَّ عَادَ فَغَسَلَ نِصْفَهُ قَالَ لَوْ غَسَلَ الثَّوْبَ عَنْ النَّجَاسَةِ ثُمَّ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ غَسْلِهِ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ غَسْلُ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَمْ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ قُلْتُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُ مَوْضِعِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ هُنَاكَ: قَالَ وَلَوْ خَرَزَ الْخُفَّ بِشَعْرِ خِنْزِيرٍ رَطْبٍ صَارَ نَجِسًا فَإِذَا غَسَلَهُ هَلْ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَطْهُرُ لِأَنَّ الَّذِي يَتَخَلَّلُ نقب الْخُفِّ مِنْ الْخَيْطِ نَجِسٌ لِمُلَاصَقَتِهِ الشَّعْرَ مَعَ الرُّطُوبَةِ فَإِذَا غَسَلَ ظَاهِرَهُ اتَّصَلَتْ الرُّطُوبَةُ بِالْمَوْضِعِ النَّجِسِ وَلَا يَنْفُذُ الْمَاءُ فِيهِ لِيَطْهُرَ الْجَمِيعُ فَيَعُودَ الْمَغْسُولُ نَجِسًا وَالثَّانِي يَطْهُرُ فَيَجُوزُ أَنْ يصلى عليه لافيه وَلَوْ عَرِقَتْ رِجْلُهُ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَهَا فِيهِ رَطْبَةً لَمْ يَنْجُسْ وَلَا تَتَعَدَّى النَّجَاسَةُ مِنْ الْخَرَزِ الَّذِي فِي ثُقْبِ الْخُفِّ إلَى الْمَغْسُولِ وَكَانَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَخْتَارُ هَذَا الْوَجْهَ (الثَّامِنَةُ) صَبَّ الْمَاءَ عَلَى ثَوْبٍ نَجِسٍ وَعَصَرَهُ فِي إنَاءٍ وَهُوَ مُتَغَيِّرٌ ثُمَّ صَبَّ عَلَيْهِ مَاءً آخر وعصره فخرج غير متغير ثُمَّ جَمَعَ الْمَاءَيْنِ فَزَالَ التَّغَيُّرُ وَلَمْ يَبْلُغْ قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نَجِسٌ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَجْهًا أَنَّهُ طاهر وليس بشئ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ التَّبْصِرَةِ فِي الْوَسْوَسَةِ إذَا غَسَلَ فَمَهُ النَّجِسَ فَلْيُبَالِغْ فِي الْغَرْغَرَةِ لِيَغْسِلَ كُلَّ مَا هُوَ فِي حَدِّ الظَّاهِرِ وَلَا يَبْتَلِعْ

طَعَامًا وَلَا شَرَابًا قَبْلَ غَسْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ أَكَلَ نَجَاسَةً (الْعَاشِرَةُ) إذَا كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ رَطْبَةً فَهَبَّتْ

ص: 601

الرِّيحُ فَأَصَابَهُ غُبَارُ الطَّرِيقِ أَوْ غُبَارُ السَّرْجِينِ لَمْ يَضُرَّهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي باب المياه (الحادية عشر) لَوْ صَبَغَ يَدَهُ بِصَبْغٍ نَجِسٍ أَوْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ شَعْرَهُ بِحِنَّاءٍ نَجِسٍ بِأَنْ خُلِطَ بِبَوْلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ دَمٍ وَغَسَلَهُ فَزَالَتْ الْعَيْنُ وَبَقِيَ اللَّوْنُ فَهُوَ طَاهِرٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ قَالَ وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أبو إسحق لَا يَطْهُرُ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ بَقِيَ لَوْنُ النَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ وَإِنْ بَقِيَ لَوْنُ الْخِضَابِ فَوَجْهَانِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هَذَا عَنْ الْحَاوِي ثُمَّ ضَعَّفَهُ وَقَالَ هَذَا عَجِيبٌ وَاعْتِبَارُ زَوَالِ اللَّوْنِ لَا مَعْنَى لَهُ قَالَ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ مَعَ بَقَاءِ اللَّوْنِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ الْجَزْمُ بِالطَّهَارَةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَإِنْ قُلْنَا لَا يَطْهُرُ فَإِنْ كَانَ الْخِضَابُ عَلَى شَعْرٍ كَاللِّحْيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَلْقُهُ بَلْ يُصَلِّي فِيهِ وَيَتْرُكُهُ حَتَّى يَنْصُلَ لِأَنَّهُ يَنْصُلُ عَنْ قُرْبٍ فَإِذَا نَصَلَ أَعَادَ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ وَهُوَ مما ينصل كالحناء انتظر نصوله ثم يعيدما صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْصُلُ كَالْوَشْمِ فَإِنْ أَمِنَ التَّلَفَ فِي إزَالَتِهِ لَزِمَهُ كَشْطُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَمَدٌ يُنْتَظَرُ بِخِلَافِ الْحِنَّاءِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَكْرَهَهُ تَرَكَهُ بِحَالِهِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الَّذِي فَعَلَهُ فَوَجْهَانِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِعَظْمٍ نَجِسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

* (فَرْعٌ)

فِي اسْتِعْمَالِ النَّجَاسَاتِ فِي الْبَدَنِ وَغَيْرِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ نُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (الثانية عشر) إذَا تَوَضَّأَ إنْسَانٌ فِي طَسْتٍ ثُمَّ صَبَّ ذَلِكَ الْمَاءَ فِي بِئْرٍ فِيهَا مَاءٌ كَثِيرٌ لم يفسد الماء ولم يجب نزح شئ مِنْهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجِبُ نَزْحُ جَمِيعِهَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُنْزَحُ مِنْهُ عِشْرُونَ دَلْوًا (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) لَا يُشْتَرَطُ فِي غَسْلِ النَّجَاسَةِ فِعْلُ مُكَلَّفٍ وَلَا غَيْرُهُ بَلْ يَكْفِي وُرُودُ الْمَاءِ عَلَيْهَا وَإِزَالَةُ الْعَيْنِ سَوَاءٌ حَصَلَ ذَلِكَ بِغَسْلِ مُكَلَّفٍ أَوْ مَجْنُونٍ أو صبى أو لقاء الرِّيحِ أَوْ نَحْوِهَا أَوْ بِنُزُولِ الْمَطَرِ عَلَيْهِ أَوْ مُرُورِ السَّيْلِ أَوْ غَيْرِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ لكن يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ لَكِنَّهُ وَجْهٌ بَاطِلٌ

ص: 602

مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَلَوْ وَقَعَ الْبَوْلُ وَنَحْوُهُ عَلَى أَرْضٍ فَقَلَعَ التُّرَابَ الَّذِي أَصَابَهُ فَإِنْ اُسْتُظْهِرَ حَتَّى عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَنْزِلْ الْبَوْلُ عَنْ ذَلِكَ كَانَ الموضع طاهرا والا فلا والله أعلم

* قال مصححه عفا الله عنه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد انتهى بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الثاني) من كتابي المجموع للامام ابي زكريا محيي الدين النووي رضى الله عنه ونور ضريحه: والشرح الكبير للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقين من شهر جمادى الاولي سنة أربع وأربعين وثلاثمائة وألف

ص: 603