الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
*
(كتاب الصلاة)
*
* (الصلاة المكتوبة خمس لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قال " جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رجل من أهل نجد ثائر الرأس نسمع دوى صوته ولا نفقه ما يقول حتي دنا فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ قَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ ")
*
* (الشَّرْحُ)
* الصَّلَاةُ فِي اللُّغَةِ الدُّعَاءُ وَسُمِّيَتْ الصَّلَاةُ الشرعية صلاة لاشمالها عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحْقِيقِ وَقِيلَ فِي اشْتِقَاقِهَا وَمَعْنَاهُ أَقْوَالٌ كَثِيرَةٌ أَكْثَرُهَا فاسدة لاسيما قَوْلُ مَنْ قَالَ هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ صَلَيْتُ الْعُودَ عَلَى النَّارِ إذَا قَوَّمْتُهُ وَالصَّلَاةُ تُقِيمُ الْعَبْدَ عَلَى الطَّاعَةِ وَبُطْلَانُ هَذَا الْخَطَأِ أَظْهَرُ مِنْ أَنْ نَذْكُرَهُ لِأَنَّ لَامَ الْكَلِمَةِ فِي الصَّلَاةِ وَاوٌ وَفِي صَلَيْتُ يَاءٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ الِاشْتِقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْحُرُوفِ الْأَصْلِيَّةِ وَأَمَّا حَدِيثُ طَلْحَةَ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ وَقَوْلُهُ ثَائِرُ أَيْ مُنْتَفِشٌ شَعْرُهُ وَهُوَ بِرَفْعِ الرَّاءِ وَقَوْلُهُ نَسْمَعُ وَلَا نَفْقَهُ هو بِالنُّونِ الْمَفْتُوحَةِ فِيهِمَا وَرُوِيَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تحث مَضْمُومَةً وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ النُّونَ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ وَقَوْلُهُ دَوِيَّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْمَطَالِعِ ضَمَّهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَاهُ بُعْدُهُ فِي الْهَوَاءِ وَعُلُوُّهُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ " هُوَ
بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَالْوَاوِ عَلَى إدْغَامِ إحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الطَّاءِ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُ الطَّاءِ عَلَى الْحَذْفِ وَأَمَّا
طَلْحَةُ الرَّاوِي فَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ رضي الله عنهم وَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ طلحة بن عبيد الله ابن عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ ابن تيم بن مرة بن كعب بْنِ لُؤَيٍّ الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ يَلْتَقِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَلْحَةَ الْخَيْرِ وَطَلْحَةَ الْجُودِ قُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ لِعَشْرٍ خَلَوْنَ من جمادى الاول سَنَةَ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَدُفِنَ بِالْبَصْرَةِ وَحَدِيثُهُ هَذَا مُشْتَمِلٌ عَلَى فَوَائِدَ كَثِيرَةٍ جَمَعْتُهَا وَاضِحَةً فِي أَوَّلِ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّ فِيهِ بِطُولِهِ وُجُوبَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَوُجُوبَ الصِّيَامِ وَوُجُوبَ الزَّكَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا الْخَمْسُ وَلَا مِنْ الصِّيَامِ غَيْرُ رَمَضَانَ وَأَنَّ مَنْ حَافَظَ عَلَى الْوَاجِبَاتِ وَلَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ النَّوَافِلِ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَأَنَّ الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ يُطْلَقُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الطَّاعَاتِ وَفِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ مُتَأَصِّلٌ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الشَّهْرِ وَجَوَازُ الْحَلِفِ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ وَتَقْرِيرُ هذه الفوائد وما يتعلق بها موضح هناك: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ فَرْضُ عَيْنٍ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا فَرْضَ عَيْنٍ سِوَاهُنَّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْعِيدِ هَلْ هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ وَفِي الْوِتْرِ هَلْ هُوَ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ مَعَ إجْمَاعِهِمْ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَأَمَّا صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِهِمَا فَإِنَّمَا وَجَبَتَا عِنْدَهُ لِعَارِضٍ وَهُوَ الطَّوَافُ لَا بِالْأَصَالَةِ فَأَشْبَهَتْ الْمَنْذُورَةَ وَقَدْ كَانَ قِيَامُ اللَّيْلِ وَاجِبًا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ وَهَلْ نُسِخَ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا قَالَ أَكْثَرُهُمْ لَمْ يُنْسَخْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ نُسِخَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حديث سعد ابن هِشَامٍ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ قَالَ فِيهِ قُلْتُ " أَنْبِئِينِي عَنْ قِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَالَتْ " أَلَسْتَ تَقْرَأُ القرآن فَذَكَرَتْهُ " إلَى أَنْ قَالَتْ " فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرِيضَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ في صحيحه والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
** (ولا يجب ذلك الا على مسلم بالغ عاقل طاهر فأما الكافر فان كان أصليا لم يجب عليه وإذا
أسلم لا يخاطب بقضائها لقوله تَعَالَى (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قد سلف) ولان في ايجاب ذلك عليهم تنفيرا فعفى عنه وان كان مرتدا وجبت عليه وإذا أسلم لزمه قضاؤها لانه اعتقد وجوبها وقدر علي التسبب الي أدائها فهو كالمحدث)
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا الْكَافِرُ الْمُرْتَدُّ فَيَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ وَإِذَا أَسْلَمَ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ في لردة لما ذكره المصنف هذا مذهبا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَدَاوُد لَا يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِي الرِّدَّةِ وَلَا فِي الْإِسْلَامِ قَبْلَهَا وَجَعَلُوهُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ مَا قَدْ سَلَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَالصَّوْمُ وَالْحَجُّ وَغَيْرُهَا من فروع الاسلام وأما فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِالْفُرُوعِ كَمَا هُوَ مُخَاطَبٌ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَقِيلَ لَا يُخَاطَبُ بِالْفُرُوعِ وَقِيلَ يُخَاطَبُ بِالْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَالرِّبَا وَأَشْبَاهِهَا دُونَ الْمَأْمُورِ بِهِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي الْفُرُوعِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا غَيْرُ الْمُرَادِ هُنَاكَ فَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ أَنَّهُمْ لَا يُطَالَبُونَ بِهَا فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِمْ وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الْمَاضِي وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِعُقُوبَةِ الْآخِرَةِ وَمُرَادُهُمْ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ زِيَادَةً عَلَى عَذَابِ الْكُفْرِ فَيُعَذَّبُونَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْكُفْرِ جَمِيعًا لَا عَلَى الْكُفْرِ وَحْدَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْمُطَالَبَةِ فِي الدُّنْيَا فَذَكَرُوا فِي الْأُصُولِ حُكْمَ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَفِي الْفُرُوعِ حُكْمَ الطَّرَفِ الْآخَرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ أَصْلِيٍّ وَلَا مُرْتَدٍّ صَلَاةٌ وَلَوْ صَلَّى في كفره ثم أسلم لم نتبين صِحَّتُهَا بَلْ هِيَ بَاطِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا فَعَلَ الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ قُرْبَةً لَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ لِصِحَّتِهَا كَالصَّدَقَةِ وَالضِّيَافَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَالْإِعْتَاقِ وَالْقَرْضِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْمِنْحَةِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَإِنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ فَلَا ثَوَابَ لَهُ عَلَيْهَا فِي الآخرة لكن يطعم بها في الذنيا وَيُوَسَّعُ فِي رِزْقِهِ وَعَيْشِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ فَالصَّوَابُ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ
فَحَسُنَ إسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَسَنَةٍ كَانَ زَلَفَهَا " أَيْ قَدَّمَهَا وَمَعْنَى حَسُنَ إسْلَامُهُ أَيْ أَسْلَمَ إسْلَامًا مُحَقَّقًا لَا نِفَاقَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه قَالَ قُلْتُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ
أُمُورًا كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ إعْتَاقٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ أَفِيهَا أَجْرٌ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ مِنْ خَيْرٍ " وفى رواية في الصَّحِيحِ " أَسْلَمْتَ عَلَى مَا أَسْلَفْتَ لَك مِنْ الْخَيْرِ " قَوْلُهُ أَتَحَنَّثُ أَيْ أَتَعَبَّدُ فَهَذَانِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ لَا يَمْنَعُهُمَا عَقْلٌ وَلَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِخِلَافِهِمَا فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِمَا وَقَدْ نُقِلَ الْإِجْمَاعُ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إثْبَاتِ ثَوَابِهِ إذَا أَسْلَمَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بها مبسوطا في أول شرحي صحيح الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ لَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ عِبَادَةٌ وَلَوْ أَسْلَمَ لَمْ يعتد بها فمرادهم لَا يُعْتَدُّ بِهَا فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِثَوَابِ الْآخِرَةِ فَإِنْ أَطْلَقَ مُطْلِقٌ أَنَّهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ وَصَرَّحَ بِذَلِكَ فَهُوَ مُجَازِفٌ غَالِطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إذَا لَزِمَ الْكَافِرَ كَفَّارَةُ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَكَفَّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَجْزَأَهُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَوَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ بَاقٍ لَمْ يَجِبْ إعَادَتُهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ وَالْمَسْأَلَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَصْلٍ سَبَقَ وَهُوَ أَنَّ عندنا لا تبطل الاعمال بالردة الا أن يتصل بالموت وَعِنْدَهُمْ يَبْطُلُ بِنَفْسِ الِارْتِدَادِ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حبطت أعمالهم) فَعَلَّقَ الْحُبُوطَ بِشَرْطَيْنِ الرِّدَّةِ وَالْمَوْتِ عَلَيْهَا وَالْمُعَلَّقُ بِشَرْطَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِأَحَدِهِمَا وَالْآيَةُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا مُطْلَقَةٌ وَهَذِهِ مُقَيَّدَةٌ فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُ الْمُرْتَدَّ إذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِيَ كُلَّ مَا فَاتَهُ فِي الرِّدَّةِ أَوْ قَبْلَهَا وَهُوَ مُخَاطَبٌ فِي حَالِ الرِّدَّةِ بِجَمِيعِ مَا يُخَاطَبُ بِهِ الْمُسْلِمُ وَإِذَا أَسْلَمَ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا كَانَ فَعَلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ حَجٍّ وَصَلَاةٍ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ هَاجَرَ فَإِنْ تَرَكَهَا لَزِمَهُ
الْقَضَاءُ سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَهَا أَمْ جَهِلَهُ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حنيفة رحمه الله لا يلزمه وما لَمْ يَعْلَمْ وُجُوبَهَا دَلِيلُنَا عُمُومُ النُّصُوصِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وأما الصبى فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وعن المجنون حتى يفيق " ولا يجب عليه القضاء إذا بلغ لان زمن الصغر يطول فلو أوجبنا القضاء شق فعفى عنه)
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهما رواه أبو داود النسائي فِي كِتَابِ الْحُدُودِ مِنْ سُنَنِهِمَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَيَاهُ هُمَا وَابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَقَدْ كَرَّرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمُهَذَّبِ وقل أن يذكر رواية وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَمَّا الْمَسْأَلَتَانِ اللَّتَانِ ذَكَرَهُمَا وَهُمَا أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا صَبِيَّةٍ وَلَا يَلْزَمُهُمَا قَضَاؤُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ وَيُقَالُ زَمَنٌ وَزَمَانٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ لا تكليف عليه ولا يأثم بفعل شي ولا بترك شئ لَكِنْ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّهِ أَدَاءُ الزَّكَاةِ وَنَفَقَةُ الْقَرِيبِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَرَامَةُ إتْلَافِهِ وَنَحْوُهَا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وأما مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِجُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ مرض فلا يجب عليه لقوله صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثة " فنص على المجنون وقسنا عليه كل من زال عقله بسبب مباح وان زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق لانه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الغرض)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* مَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ كَمَنْ جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ زَالَ عَقْلُهُ بِمَرَضٍ أَوْ بِشُرْبِ دَوَاءٍ لِحَاجَةٍ أَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ فَزَالَ عَقْلُهُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِ وَإِذَا أَفَاقَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ سَوَاءٌ قَلَّ زَمَنُ الْجُنُونِ والاغماء ام كَثُرَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله إنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ دُونَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَلَا وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَعَطَاءٍ
وَمُجَاهِدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَتَادَةَ أَنَّ الْمُغْمَى عَلَيْهِ يَقْضِي دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمَجْنُونِ وَعَلَى مَا فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَمَّا إذَا زَالَ عَقْلُهُ بِمُحَرَّمٍ بِأَنْ شَرِبَ الْمُسْكِرَ عَمْدًا عَالِمًا بِهِ مُخْتَارًا أَوْ شَرِبَ دَوَاءً لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَهُوَ مِمَّا يَزُولُ بِهِ الْعَقْلُ فَزَالَ عَقْلُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ فَإِذَا عَادَ عَقْلُهُ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ أَقَلُّ السُّكْرِ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُ لِغَلَبَتِهِ بَعْضُ مَا لَمْ يَكُنْ يَذْهَبُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخر " السكران من اختل كلامه المنظوم باح بِسِرِّهِ الْمَكْتُومِ " وَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ أَنْ تَخْتَلَّ أَحْوَالُهُ فَلَا تَنْتَظِمَ أَفْعَالُهُ وَأَقْوَالُهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ بَقِيَّةُ تَمْيِيزٍ وَفَهْمِ كَلَامٍ فَأَمَّا مَنْ حَصَلَ لَهُ بِشُرْبِ الْخَمْرِ نَشَاطٌ وَهِزَّةٌ لِدَبِيبِ الْخَمْرِ وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَوْلِ عَلَيْهِ بَعْدُ وَلَمْ يختل شئ مِنْ عَقْلِهِ فَهُوَ فِي حُكْمِ الصَّاحِي فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَجَمِيعُ تَصَرُّفَاتِهِ بِلَا خلاف ولا ينتقض وضوؤه وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء وسنعيده ايضاحا فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ وَحَيْثُ بَسَطَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْجُنُونَ وَالْإِغْمَاءَ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا مِمَّا يُزِيلُ الْعَقْلَ بِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ يَمْنَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَا إعَادَةَ سَوَاءٌ كَثُرَ زَمَنُ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ قَلَّ حَتَّى لَوْ كَانَ لَحْظَةً أَسْقَطَ فَرْضَ الصَّلَاةِ وَيُتَصَوَّرُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ بِجُنُونِ لَحْظَةٍ وَإِغْمَاءِ لَحْظَةٍ فِيمَا إذَا بَلَغَ مَجْنُونًا وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَحْظَةٌ ثُمَّ زَالَ الْجُنُونُ عَقِبَ خُرُوجِ الْوَقْتِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ يَلْزَمُ الْمُغْمَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ قَضَاءُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ مَا زَادَ وَقَالَ أَحْمَدُ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ وان كثر وروى هذا عن طاووس وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَرُوِيَ مِثْلُ مَذْهَبِنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ شُرْبُ الدَّوَاءِ الْمُزِيلِ لِلْعَقْلِ لِلْحَاجَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ شُرْبِ دَوَاءٍ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَإِذَا زَالَ عَقْلُهُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ لِأَنَّهُ زَالَ بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَلَوْ اُحْتِيجَ فِي قَطْعِ يَدِهِ الْمُتَآكِلَةِ إلَى تَعَاطِي مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ وَسَنُوَضِّحُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بِفُرُوعِهَا فِي بَابِ حَدِّ الْخَمْرِ أَمَّا إذَا أَرَادَ تَنَاوُلَ دَوَاءٍ فِيهِ سُمٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَسْلَمُ مِنْهُ جَازَ تَنَاوُلُهُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ لَمْ يَجُزْ وَذَكَرَ فِي كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ أَنَّ فِي تَنَاوُلِهِ
إذَا كَانَ الْغَالِبُ مِنْهُ السَّلَامَةَ قَوْلَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ فَإِنْ حَرَّمْنَاهُ وَزَالَ عَقْلُهُ بِتَنَاوُلِهِ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَإِنْ لَمْ نُحَرِّمْهُ فَلَا قَضَاءَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَ الشَّرَابِ مُسْكِرًا أَوْ كَوْنَ الدَّوَاءِ مُزِيلًا لِلْعَقْلِ لَمْ يَحْرُمْ تَنَاوُلُهُ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَهُ مُسْكِرٌ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُسْكِرُ وَجَبَ الْقَضَاءُ لِتَقْصِيرِهِ وَتَعَاطِيهِ الْحَرَامَ وَأَمَّا مَا يُزِيلُ الْعَقْلَ مِنْ غَيْرِ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَدْوِيَةِ كَالْبَنْجِ وَهَذِهِ الْحَشِيشَةِ الْمَعْرُوفَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَمْرِ فِي التَّحْرِيمِ وَوُجُوبِ قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ وَيَجِبُ فِيهِ التَّعْزِيرُ دُونَ الْحَدِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ وثب من موضع فزال عقله ان فَعَلَهُ لِحَاجَةٍ فَلَا قَضَاءَ وَإِنْ فَعَلَهُ عَبَثًا لَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ النَّصِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَلَوْ وَثَبَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَلَا قَضَاءَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ مَعَ نظائرها إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وأما الحائض والنفساء فلا يجب عليهما فعل الصلاة لما ذكرنا في باب الحيض وان جن في حال الردة ففاته صلوات لزمه قضاؤها وان حاضت المرأة في حال الردة ففاتها صلوات لم يلزمها قضاؤها لان سقوط الصلاة عن المجنون للتخفيف والمرتد لا يستحق التخفيف وسقوط القضاء عن الحائض عزيمة وليس لاجل التخفيف والمرتد من أهل العزائم)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ فَلَا صَلَاةَ عَلَيْهِمَا وَلَا قَضَاءَ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ فِي حَالِ جُنُونِ الْمُرْتَدِّ يَجِبُ قَضَاؤُهَا إذَا أَسْلَمَ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ وَالْفَائِتَةُ فِي حَالِ رِدَّةِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ لَا يَجِبُ قَضَاؤُهَا فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ
سقوط القضاء لِلتَّخْفِيفِ وَسُقُوطُهُ عَنْهَا عَزِيمَةٌ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَهُوَ ظَاهِرٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله أَنَّ الْغَزَالِيَّ رحمه الله قَالَ فِي دَرْسِهِ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا عَسِرٌ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ وُجُوبَ
قَضَاءِ الصَّوْمِ عَلَيْهَا قَالَ الشَّيْخُ وَنَحْنُ نُقَرِّرُ الْفَرْقَ فَنَقُولُ: الْعَزِيمَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى وَفْقِ الدَّلِيلِ وَالرُّخْصَةُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَلَى خلاف الدليل ولمعارض رَاجِحٍ وَإِنَّمَا كَانَ سُقُوطُ قَضَاءِ الصَّلَاةِ عَنْ الْحَائِضِ عَزِيمَةً لِأَنَّهَا مُكَلَّفَةٌ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ فَإِذَا تَرَكَتْهَا فَقَدْ امْتَثَلَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ مِنْ التَّرْكِ فَلَمْ تُكَلَّفْ مَعَ ذَلِكَ بِالْقَضَاءِ وَلَا نَقُولُ الْفَرْقُ بَيْنَ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ كَثْرَتُهَا وَنَدُورُهُ فَيَكُونُ إسْقَاطُ قَضَائِهَا تَخْفِيفًا وَرُخْصَةً بَلْ سَبَبُ إسْقَاطِ قَضَائِهَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا يَقْتَضِي إسْقَاطَ قَضَاءِ الصَّوْمِ أَيْضًا لَكِنْ لِلشَّرْعِ زِيَادَةُ اعْتِنَاءٍ بِصَوْمِ رَمَضَانَ فَأَوْجَبَ قَضَاءَهُ بِأَمْرٍ مَحْدُودٍ فِي وَقْتٍ ثَانٍ وَتَسْمِيَتُهُ قَضَاءً مَجَازٌ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ فَرْضٌ مُبْتَدَأٌ فَمُخَالَفَةُ الدَّلِيلِ إنْ حَصَلَتْ فهى في وُجُوبُ قَضَاءِ الصَّوْمِ لَا فِي عَدَمِ قَضَاءِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ أَنَّ عَدَمَ قَضَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَ رُخْصَةً وَأَنَّ الْمُرْتَدَّةَ سَاوَتْ الْمُسْلِمَةَ فِي مُسْتَنَدِهِ فَتَسَاوَيَا فِي الْحُكْمِ فِيهِ وَأَمَّا كَوْنُ سُقُوطِ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً فَلِأَنَّ الدَّلِيلَ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مُكَلَّفًا بِتَرْكِهَا فِي وَقْتِهَا يُؤْمَرُ بِقَضَائِهَا فِي وَقْتٍ آخَرَ لِئَلَّا يَخْلُوَ مِنْ وَظِيفَتِهَا وَلِهَذَا وَجَبَ قَضَاؤُهَا عَلَى النَّائِمِ وَإِنَّمَا سَقَطَ ذَلِكَ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةً وَتَخْفِيفًا وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرٍو: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَجْلِ التَّخْفِيفِ فَهُوَ مِمَّا أُنْكِرَ عَلَى الْفُقَهَاءِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَقِيلَ إنَّ صَوَابَهُ مِنْ أَجْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كتبنا على بنى اسرائيل) وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَفِيهِ لُغَتَانِ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَكِرَ ثُمَّ جُنَّ ثُمَّ أَفَاقَ وَجَبَ قَضَاءُ الْمُدَّةِ الَّتِي قَبْلَ الْجُنُونِ وَفِي مُدَّةِ الْجُنُونِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ سَكْرَانَ فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ بِخِلَافِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهَا إذَا تَعَقَّبَهَا الْجُنُونُ كَانَ مُرْتَدًّا فِي مُدَّةِ الْجُنُونِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِذَا لم
يُعْرَفْ وَقْتُ الْجُنُونِ وَجَبَ قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ الَّتِي يَمْتَدُّ إلَيْهَا السُّكْرُ غَالِبًا وَلَوْ سَكِرَتْ ثُمَّ حَاضَتْ لَمْ تَقْضِ أَيَّامَ الْحَيْضِ كَمَا لَوْ ارْتَدَّتْ ثُمَّ حَاضَتْ وَلَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِلْحَيْضِ فَحَاضَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَضَاءُ وَكَذَا لَوْ شَرِبَتْ دَوَاءً لِتُلْقِيَ الْجَنِينَ فَأَلْقَتْهُ وَنَفِسَتْ لَمْ يَلْزَمْهَا قَضَاءُ صَلَوَاتِ مُدَّةِ النِّفَاسِ عَلَى الصَّحِيحِ
مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ سُقُوطَ الْقَضَاءِ مِنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ عَزِيمَةٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي النِّفَاسِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا حَكَاهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِالتَّرْكِ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يُؤْمَرَ بِالْقَضَاءِ فَإِذَا لَمْ يُؤْمَرْ كَانَ تَخْفِيفًا وَمَنْ أُمِرَ بِالتَّرْكِ فامنثل الْأَمْرَ لَا يُؤْمَرُ بِالْقَضَاءِ إلَّا الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ فِي الصَّوْمِ فَإِنَّهُمَا يُؤْمَرَانِ بِتَرْكِهِ وَبِقَضَائِهِ وَهُوَ خارج عن القياس للنص والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يؤمر أحد ممن لا يجب عليه فعل الصلاة بفعلها الا الصبى فانه يؤمر بفعلها لسبع سنين ويضرب على تركها لعشر لما روى سبرة الجهنى رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " علموا الصبي الصلاة لسبع سنين واضربوه عليها ابن عشر ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ سَبْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " مُرُوا الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ وَإِذَا بَلَغَ عَشْرَ سِنِينَ فَاضْرِبُوهُ عَلَيْهَا " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ كَلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَسَبْرَةُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ سَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وغيره ويقال سبرة بن عوسجة الجهنى أبوثربة بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَقِيلَ كُنْيَتُهُ أَبُو الرَّبِيعِ حَكَاهُ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الدِّمَشْقِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ عَسَاكِرَ رحمه الله وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مروا أولادكم بالصلاة وهو أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ بِمَنْطُوقِهِ الصَّبِيَّ
وَالصَّبِيَّةَ فِي الْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ أُخْرَى وَهِيَ التَّفْرِيقُ فِي الْمَضَاجِعِ وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ " لَيْسَ أَمْرًا مِنْهُ صلى الله عليه وسلم لِلصَّبِيِّ وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ لِلْوَلِيِّ فَأَوْجَبَ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْأَمْرِ بالشئ ليس امرا بالشئ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (خذ من أموالهم صدقة) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ لَا يُؤْمَرُ بِفِعْلِهَا لَا إيجَابًا وَلَا نَدْبًا الا الصبى والصبية فيؤمر ان بها ندبا
إذا بلغا سَبْعَ سِنِينَ وَهُمَا مُمَيِّزَانِ وَيُضْرَبَانِ عَلَى تَرْكِهَا إذَا بَلَغَا عَشْرَ سِنِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا مميزين لم يؤمرا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ مُمَيِّزٍ وَقَدْ اقْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّبِيِّ وَلَوْ قَالَ الصَّبِيُّ وَالصَّبِيَّةُ لَكَانَ أَوْلَى وَأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَهَذَا الْأَمْرُ وَالضَّرْبُ وَاجِبٌ عَلَى الْوَلِيِّ سَوَاءٌ كَانَ أَبًا أَوْ جَدًّا أَوْ وَصِيًّا أَوْ قَيِّمًا مِنْ جِهَةِ الْقَاضِي صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَآخَرُونَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فِي آخِرِ باب موقف الامام والمأموم وهناك ذكره الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُ هَذِهِ القاعدة قوله تعالي (وأمر أهلك بالصلاة) وقوله تعالى (قو أنفسكم وأهليكم نارا) وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَإِنَّ لِوَلَدِكَ عَلَيْك حَقًّا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " كُلُّكُمْ راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته " رواه البخاري ومسلم قال الشافي في المختصر " وعلي الاباء والامهات أو يُؤَدِّبُوا أَوْلَادَهُمْ وَيُعَلِّمُوهُمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَيَضْرِبُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ إذَا عَقَلُوا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَأْمُرُهُ الْوَلِيُّ بِحُضُورِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَةِ وَبِالسِّوَاكِ وَسَائِرِ الْوَظَائِفِ الدِّينِيَّةِ وَيُعَرِّفُهُ تَحْرِيمَ الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَشَبَهِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَئِمَّةُ يَجِبُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ تَعْلِيمُ أَوْلَادِهِمْ الطَّهَارَةَ وَالصَّلَاةَ وَالشَّرَائِعَ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ وَضَرْبُهُمْ عَلَى تَرْكِهَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ وَأُجْرَةُ تَعْلِيمِ الْفَرَائِضِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَعَلَى الْأَبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى الْأُمِّ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى أُجْرَةَ تَعْلِيمِ مَا سِوَى الْفَاتِحَةِ وَالْفَرَائِضِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ: فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجُوزُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا مَعَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ في بيان أقسام العلم والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فان دخل في الصلاة ثم بلغ في أثنائها قال الشافعي رحمه الله " أحببت أن يتم ويعيد ولا يبين لي أن أن عليه الاعادة " قال أبو اسحق يلزمه الاتمام ويستحب له أن يعيد وقوله أحببت يرجع الي الجمع بين الاتمام والاعادة وهو الظاهر من المنصوص والدليل عليه أن صلاته صحيحة وقد أدركه الوجوب وهو فيها فلزمه الاتمام ولا يلزمه أن يعيد لانه صلي الواجب بشروطه فلا يلزمه الاعادة وعلى هذا لو صلى في أول الوقت ثم بلغ
في آخره اجزأه ذلك عن الفرض لانه صلى صلاة الوقت بشروطها فلا يلزمه الاعادة وحكي عن ابى العباس ابن سريج مثل قول أبي اسحق وحكى عنه أنه قال يستحب الاتمام وتجب الاعادة فعلي هذا لو صلي في أول الوقت وبلغ في آخره لزمه أن يعيد لان ما صلي قبل البلوغ نفل فاستحب اتمامه فيلزمه أن يعيد لانه أدرك وقت الفرض ولم يأت به فيلزمه أن يأتي به ومن أصحابنا من قال أن خرج منها ثم بلغ ولم يبق من وقتها ما يمكن قضاؤها فيه لم تلزمه الاعادة وان بقى من وقتها ما يمكنه القضاء فيه لزمه وهذا غير صحيح لانه لو وجبت الاعادة إذا بقى من الوقت قدر الصلاة لوجبت إذا أدرك مقدار ركعة)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ بِالسِّنِّ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ أن يَلْزَمُهُ إتْمَامُ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا وَلَا يَجِبُ والثانى يستجب الْإِتْمَامُ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالثَّالِثُ قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) صَلَّى وَفَرَغَ مِنْهَا وَهُوَ صَبِيٌّ ثُمَّ بَلَغَ فِي الْوَقْتِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَلَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ سَوَاءٌ قل الباقي من الوقت ام كثر الثالث قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ إنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَ الْجَمِيعِ هذا كله في غير الجمعة أما إذ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ بَلَغَ وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ قُلْنَا فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ يَجِبُ أَيْضًا لِأَنَّهُ كَانَ مَأْمُورًا بِالْجُمُعَةِ وَالصَّحِيحُ لَا تَجِبُ كَالْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ إذَا صَلَّيَا الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُمَا وَأَمْكَنَهُمَا لَا يَلْزَمُهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّ الصَّبِيَّ إذَا بَلَغَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ صَلَّى لَا يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ دُونَ الطَّهَارَةِ وَقَالَ دَاوُد يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بان صلاته وقعت نقلا فَلَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا وَقِيَاسًا عَلَى الْمُصَلِّي قَبْلَ الْوَقْتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَدَّى وَظِيفَةَ يَوْمِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُمْ لَا تَنْقَلِبُ فَرْضًا نُوَافِقُهُمْ عَلَيْهِ فَنَقُولُ قَدْ صَلَّى
صَلَاةَ مِثْلِهِ وَوَقَعَتْ نَفْلًا وَامْتَنَعَ بِهِ وُجُوبُ الْفَرْضِ عَلَيْهِ لَا أَنَّهُ انْقَلَبَ فَرْضًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْمُصَلِّي قَبْلَ
الْوَقْتِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ وَلَا مَنْدُوبٍ إلَيْهِ وَلَا مَأْذُونٍ فِيهِ بخلاف مسألتنا * قال المصنف رحمه الله
*
* (ومن وجبت عليه الصلاة وامتنع من فعلها فان كان جاحدا لوجوبها فهو كافر ويجب قتله بالردة لانه كذب الله تعالي في خبره وان تركها وهو معتقد لوجوبها وجب عليه القتل وقال المزني يضرب ولا يقتل والدليل علي أنه يقتل قوله صلى الله عليه وسلم " نهيت عن قتل المصلين " ولانه إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ ولا مال فقتل بتركها كالشهادتين ومتى فيقتل فيه وجهان قال أبو سعيد الاصطخرى يقتل بترك الصلاة الرابعة إذا ضاق وقتها فيقال له ان صليت والا قتلناك لانه يجوز أن يكون ما دون ذلك تركها لعذر.
قال أبو إسحق يقتل بترك الصلاة الثانية إذا ضاق وقتها ويقال له ان صليت والا قتلناك ويستتاب كما يستتاب المرتد لانه ليس باكثر من المرتد وفى استتابة المرتد قولان أحدهما ثلاثة أيام والثانى يستتاب في الحال فان تاب والا قتل وكيف يقتل المنصوص انه يقتل ضربا بالسيف وقال أبو العباس لا يقصد قتله لكن يضرب بالخشب وينخس بالسيف حتى يصلي أو يموت كما يفعل بمن قصد النفس أو المال ولا يكفر بترك الصلاة لان الكفر بالاعتقاد واعتقاده صحيح فلم يحكم بكفره ومن أصحابنا من قال يكفر بتركها لقوله صلي الله عليه وسلم " بين الكفر والعبد ترك الصلاة فمن تركها فقد كفر " والمذهب الاول والخبر متاول)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا حَدِيثُ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ فِي بَابِ حُكْمِ الْمُخَنَّثِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِمُخَنَّثٍ قَدْ خَضَّبَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ بِالْحِنَّاءِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَا بَالُ هَذَا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ فَأَمَرَ بِهِ فنفى إلى القنيع فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَقْتُلهُ فَقَالَ انى نهيت عن قتل المسلمين " واسناده ضعيف فيه مجهول النقيع بالنون وهو الْحِمَى الْمَذْكُورُ فِي بَابِ إحْيَاءِ الْمَوَاتِ وَرَوَى هذا الحديث البيهقي من رواية عبيد الله بن عدى بن الخبار عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُرْسَلًا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا حَدِيثُ " بَيْنَ الْكُفْرِ وَالْعَبْدِ تَرْكُ الصَّلَاةِ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ كما سنذكره فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " لِأَنَّهُ إحْدَى دَعَائِمِ الْإِسْلَامِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ فَيُقْتَلُ
بِتَرْكِهَا كَالشَّهَادَتَيْنِ " فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ يَعُودُ إلَى فَرْضِ الصَّلَاةِ المعلوم من سياق الكلام وان لم يذكره بلفظه
وَالدَّعَائِمُ الْقَوَاعِدُ وَاحِدَتُهَا دِعَامَةٌ بِكَسْرِ الدَّالِ وَقَوْلُهُ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ بِنَفْسٍ وَلَا مَالٍ احْتِرَازٌ مِنْ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا يُقْتَلُ بترك واحد منها ولا بتركها كلها: أما حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا تَرَكَ الصَّلَاةَ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا أَوْ جَحَدَ وُجُوبَهَا وَلَمْ يَتْرُكْ فِعْلَهَا فِي الصُّورَةِ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ قَتْلُهُ بِالرِّدَّةِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ جَمِيعُ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّينَ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا الْجَاحِدُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً هَذَا إذَا كَانَ قَدْ نَشَأَ بَيْنَ المسلين فَأَمَّا مَنْ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِ وُجُوبُهَا فَلَا يُكَفَّرُ بِمُجَرَّدِ الْجَحْدِ بَلْ نُعَرِّفُهُ وُجُوبَهَا فَإِنْ جَحَدَ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ مُرْتَدًّا فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَيْدَ وَهُوَ كَوْنُهُ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَعَ أَنَّهُ شَرْطٌ بِلَا خِلَافٍ فَالْجَوَابُ أَنَّ فِي لَفْظِهِ مَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَهُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ جَاحِدًا لِأَنَّ الْجَاحِدَ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ مَنْ أَنْكَرَ شَيْئًا سَبَقَ اعْتِرَافُهُ به هكذا صرح به صاحب المحمل وَغَيْرُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ
* (فَرْعٌ)
من جحد وجوب صوم رمضان والزكاة أَوْ الْحَجِّ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ وَاجِبَاتِ الْإِسْلَامِ أَوْ جَحَدَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ الْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا اشتهر واشترك الخواص والعوام فِي مَعْرِفَتِهِ كَالْخَمْرِ وَالزِّنَا فَهُوَ مُرْتَدٌّ وَإِنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الخواص كاستحققاق بِنْتِ الِابْنِ السُّدُسَ مَعَ بِنْتِ الصُّلْبِ وَتَحْرِيمِ نِكَاحِ الْمُعْتَدَّةِ وَكَإِجْمَاعِ أَهْلِ عَصْرٍ عَلَى حُكْمِ حَادِثَةٍ لَمْ يُكَفَّرْ بِجَحْدِهِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بَلْ نُعَرِّفُهُ الصَّوَابَ لِيَعْتَقِدَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا زِيَادَةٌ سَنُوَضِّحُهَا فِي كِتَابِ الرِّدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ غَيْرَ جَاحِدٍ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا تَرَكَهَا لعذر كنوم ونسيان وَنَحْوِهِمَا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ فَقَطْ وَوَقْتُهُ مُوَسَّعٌ وَلَا اثم عليه الثاني تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ تَكَاسُلًا وَتَهَاوُنًا فَيَأْثَمُ بِلَا شَكٍّ وَيَجِبُ قَتْلُهُ إذَا أَصَرَّ وَهَلْ يُكَفَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يُكَفَّرُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَنْصُورٍ الْفَقِيهِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ عَنْ أَبِي الطَّيِّبِ بْنِ سَلَمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي لَا يُكَفَّرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ الْمُزَنِيّ يُحْبَسُ وَيُؤَدَّبُ وَلَا يُقْتَلُ وَإِذَا قُلْنَا يُقْتَلُ فَمَتَى يُقْتَلُ فِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إذا ضاق
وَقْتُهَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التنبيه ولم يذكره هنا والثاني يقتل إذَا ضَاقَ وَقْتُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثُ إذَا ضَاقَ وَقْتُ الرَّابِعَةِ وَالرَّابِعُ إذَا تَرَكَ أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ وَالْخَامِسُ إذَا تَرَكَ مِنْ الصَّلَوَاتِ قَدْرًا يَظْهَرُ لَنَا بِهِ اعْتِيَادُهُ التَّرْكَ وَتَهَاوُنُهُ بِالصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا الِاعْتِبَارُ بِإِخْرَاجِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِ الضَّرُورَةِ فَإِذَا تَرَكَ الظُّهْرَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَإِذَا تَرَكَ الْمَغْرِبَ لَمْ يُقْتَلْ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَكَذَا حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَوْجُهِ كُلِّهَا لَا يُقْتَلُ حَتَّى يُسْتَتَابَ وَهَلْ تَكْفِي الِاسْتِتَابَةُ فِي الْحَالِ أَمْ يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي الْحَالِ وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِ الِاسْتِتَابَةِ عَلَى الْأَصَحِّ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهَا (الرَّابِعَةُ) الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِالسَّيْفِ ضَرْبًا لِلرَّقَبَةِ كَمَا يُقْتَلُ الْمُرْتَدُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُنْخَسُ بِحَدِيدَةٍ أَوْ يُضْرَبُ بِخَشَبَةٍ وَيُقَالُ لَهُ صَلِّ وَإِلَّا قَتَلْنَاكَ وَلَا يَزَالُ يُكَرَّرُ عليه حتي يصلي أو يموت هذا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُتِلَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَيُرْفَعُ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ وَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ السُّلْطَانُ قَتْلَهُ فَقَالَ صَلَّيْتُ فِي بَيْتِي تَرَكَهُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ عَلَى صَلَاتِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَ الصَّلَاةَ وَقَالَ تَرَكْتُهَا نَاسِيًا أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةٍ كَانَتْ عَلَيَّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَعْذَارِ صَحِيحَةً كَانَتْ الْأَعْذَارُ أَمْ بَاطِلَةً قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُقَالُ لَهُ صَلِّ فَإِنْ امْتَنَعَ لَمْ يُقْتَلْ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُسْتَحَقُّ بِسَبَبِ تَعَمُّدِ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَحَقَّقْ ذَلِكَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُقْتَلُ لِعِنَادِهِ وَلَوْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا وَلَا أُرِيدُ فِعْلَهَا قُتِلَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ تَرْكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَقُلْ وَلَا أُصَلِّيهَا قُتِلَ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِتَحَقُّقِ جِنَايَتِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ مَا لَمْ
يُصَرِّحْ بِتَرْكِ الْقَضَاءِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الْوُضُوءِ قُتِلَ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ أُصَلِّيهَا ظُهْرًا بِلَا عُذْرٍ فَقَدْ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى بِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ لِأَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّوْمِ فَالْجُمُعَةُ أَوْلَى لِأَنَّ لَهَا بَدَلًا وَتَسْقُطُ بِأَعْذَارٍ كَثِيرَةٍ وَتَابَعَ الرَّافِعِيُّ
الْغَزَالِيَّ عَلَى هَذَا فَحَكَاهُ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ وَجَزَمَ الشَّاشِيُّ فِي فَتَاوِيهِ بِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّيهَا ظُهْرًا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ قَضَاؤُهَا وَلَيْسَتْ الظُّهْرُ قَضَاءً عَنْهَا وَاخْتَارَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ مَا قَالَهُ الشاسى وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِي أَدِلَّتِهِ وَقَرَّرَهُ تَقْرِيرًا حَسَنًا فِي فَتَاوِيهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ امْتَنَعَ مِنْ فِعْلِ الصَّلَاةِ الْمَنْذُورَةِ لَمْ يُقْتَلْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَتَلَ إنْسَانٌ تَارِكَ الصَّلَاةِ فِي مُدَّةِ الِاسْتِتَابَةِ فَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ يَأْثَمُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَقَاتِلِ الْمُرْتَدِّ وَكَذَا قَالَ الْقَفَّالُ فِي الْفَتَاوَى إنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ هَذَا جَوَابًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الزَّانِي الْمُحْصَنِ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي قَتْلِهِ قَالَ الْقَفَّالُ فَلَوْ جُنَّ قَبْلَ فِعْلِهَا لَمْ يُقْتَلْ فِي حَالِ الجنون فلو قتله انسان لزمه القصاص قال وَكَذَا لَوْ سَكِرَ: وَلَوْ جُنَّ الْمُرْتَدُّ أَوْ سَكِرَ فَقَتَلَهُ رَجُلٌ فَلَا قِصَاصَ لِقِيَامِ الْكُفْرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ تكا سلا مَعَ اعْتِقَادِهِ وُجُوبَهَا: فَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ مَا سَبَقَ أَنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا يُكَفَّرُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكَفَّرُ وَيُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ فِي كُلِّ شئ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِ قَالَ مَنْصُورٌ الْفَقِيهُ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمُزَنِيُّ لَا يُكَفَّرُ وَلَا يُقْتَلُ بَلْ يُعَزَّرُ وَيُحْبَسُ حَتَّى يُصَلِّيَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ
وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهَكَذَا الرواية " الشرك والكفر بالواو " قالوا وَفِي غَيْرِ مُسْلِمٍ " الشِّرْكِ أَوْ الْكُفْرِ " وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ قَوْلُهُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ فَلَيْسَتْ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأُصُولِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ شَقِيقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعُقَيْلِيِّ التَّابِعِيِّ الْمُتَّفَقِ عَلَى جَلَالَتِهِ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكُهُ كُفْرٌ غَيْرَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الايمان باسناد صيحيح وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ الثَّيِّبُ الزَّانِ وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا الرِّوَايَةُ " الزَّانِ " وَهِيَ لُغَةٌ وَاللُّغَةُ الْفَاشِيَةُ الزَّانِي بِالْيَاءِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى تَرْكِ الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى قَتْلِهِ بِقَوْلِ الله تعالي (اقتلوا المشركين) إلَى قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم) وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ " نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ وَاحْتَجُّوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ لِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ مَنْ أَحْسَنَ وُضُوءَهُنَّ وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ إنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْعَامَّةِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَشْبَاهُهُ كَثِيرَةٌ وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يُوَرِّثُونَ تَارِكَ الصَّلَاةِ وَيُوَرَّثُونَ عَنْهُ وَلَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يُغْفَرْ لَهُ وَلَمْ يَرِثْ وَلَمْ يُورَثْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ مَنْ كَفَّرَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ وَرِوَايَةِ شَقِيقٍ فَهُوَ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ شَارَكَ
الْكَافِرَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِهِ وَهُوَ وُجُوبُ الْقَتْلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيِّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ نُصُوصِ الشَّرْعِ وَقَوَاعِدِهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ فَمَتْرُوكٌ بِالنُّصُوصِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقِيَاسُهُمْ لَا يُقْبَلُ مَعَ النُّصُوصِ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ مَا جَاءَ فِي فَضْلِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ: فَمِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ درنه شئ قالوا لا يبقى من درنه شئ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ
الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لَمْ يغش الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: الْبَرْدَانِ الصُّبْحُ وَالْعَصْرُ وَسَتَأْتِي جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي نَحْوِ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ صلاة الجماعة إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
*
(باب مواقيت الصلاة)
*
* (أول وقت الظهر إذا زالت الشمس وآخره إذا صار ظل كل شئ مثله غير الظل الذى يكون للشخص عند الزوال والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَمَّنِي جِبْرِيلُ عليه السلام عند باب البيت مرتين فصلى بي الظهر في المرة الاولى حين زالت الشمس والفئ مثل الشراك ثم صلى المرة الاخيرة حين كان ظل كل شئ مثليه ")
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَصْلٌ فِي الْمَوَاقِيتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُقَطَّعًا وَالْوَجْهُ أَنْ نَذْكُرَهُ هُنَا بِكَمَالِهِ وَنَضُمُّ إلَيْهِ الْأَحَادِيثَ الَّتِي هِيَ أُصُولُ الْمَوَاقِيتِ: عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ عِنْدَ الْبَيْتِ مَرَّتَيْنِ فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى حين كان الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حِينَ كَانَ كل شئ مِثْلَ ظِلَّيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ وَجَبَتْ الشَّمْسُ وَأَفْطَرَ الصَّائِمُ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ وَصَلَّى الْمَرَّةَ الثانية الظهر حين كان ظل كل شئ مِثْلَهُ لِوَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ صَلَّى الْعَصْرَ حين كان ظل كل شئ مِثْلَيْهِ ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ لِوَقْتِهِ الْأَوَّلِ ثُمَّ صَلَّى الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ أَسْفَرَتْ الْأَرْضُ ثُمَّ الْتَفَتَ إلَيَّ جِبْرِيلُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا وَقْتُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ وَالْوَقْتُ فِيمَا بَيْنَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْمَذْكُورُ
لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَلَفْظُ الْبَاقِينَ بِمَعْنَاهُ وَرَوَى حَدِيثَ إمَامَةِ جِبْرِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ ابن عباس وليس في هذا الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ قَوْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ " عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ " إنَّمَا فِيهَا عِنْدَ الْبَيْتِ ثُمَّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَمَّنِي جِبْرِيلُ قَالَ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِمَعْنَاهُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ محمد يعنى البخاري اصح شئ فِي الْمَوَاقِيتِ حَدِيثُ جَابِرٍ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ صَلِّ مَعَنَا هَذَيْنِ يَعْنِي الْيَوْمَيْنِ فَلَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ أَمَرَ بِلَالًا رضي الله عنه فَأَذَّنَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْمَغْرِبَ حِينَ غَابَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَمَّا ان كان اليوم الثاني أمره فابرد الظهر فَأَبْرَدَ بِهَا فَأَنْعَمَ أَنْ يُبْرِدَ بِهَا وَصَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ أَخَّرَهَا فَوْقَ الَّذِي كَانَ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَصَلَّى الْعِشَاءَ بَعْدَمَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَصَلَّى الْفَجْرَ فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَقْتُ صَلَاتِكُمْ بَيْنَ مَا رَأَيْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ قَالَ فِي الْمَغْرِبِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ أَمَرَهُ بِالْإِقَامَةِ لِلْمَغْرِبِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَفِعَ الشَّفَقُ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ أَتَاهُ سَائِلٌ يَسْأَلُهُ عَنْ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ شَيْئًا قَالَ فَأَقَامَ الْفَجْرَ حِينَ انْشَقَّ
الْفَجْرُ وَالنَّاسُ لَا يَكَادُونَ يَعْرِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثم أمره فاقام بالظهر حين زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ وَهُوَ كَانَ أَعْلَمَ مِنْهُمْ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْعَصْرِ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ بِالْمَغْرِبِ حِينَ وَقَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ الْعِشَاءَ حِينَ غَابَ الشَّفَقُ ثُمَّ أَخَّرَ الْفَجْرَ مِنْ الْغَدِ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ طَلَعَتْ الشَّمْسُ أَوْ كَادَتْ ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ
سُقُوطِ الشَّفَقِ ثُمَّ أَخَّرَ الْعِشَاءَ حَتَّى كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَصْبَحَ فَدَعَا السَّائِلَ فَقَالَ " الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ سَنَذْكُرُهَا فِي مَوَاضِعِهَا مِنْ الْكِتَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " أَمَّنِي جِبْرِيلُ " هُوَ الْمَلَكُ الْكَرِيمُ رَسُولُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى رُسُلِهِ الْآدَمِيِّينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ تِسْعُ لُغَاتٍ حَكَاهَا ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَحَكَاهَا عَنْهُ أَيْضًا أبو منصور موهوب ابن أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَضِرِ الْجَوَالِيقِيُّ فِي كِتَابِ الْمُعَرَّبِ وَهِيَ جِبْرِيلُ وَجَبْرِيلُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وفتحها وجبرئيل بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهَمْزَةٍ بَعْدَ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وجبرائيل بهمزة ثم ياء مع الالف وجبراييل بياءين بعد الالف وجبرئيل بهمزة بعد الراء وياء وجبرئيل بكسر الهمزة تخفيف اللَّامِ وَجَبْرِينُ وَجَبْرِينُ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ أَنَّ جَبْرَ وَمِيكَ اسْمَانِ أُضِيفَا إلَى إيَّلَ وَآلَ قَالُوا وَإِيَّلُ وَآلُ اسْمَانِ لِلَّهِ تَعَالَى قَالُوا وَمَعْنَى جَبْرَ وَمِيكَ بِالسُّرْيَانِيَّةِ عَبْدٌ فَتَقْدِيرُهُ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ هَذَا خطأ من وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ إيَّلَ وَآلَ لَا يُعْرَفَانِ في اسماء الله في اللغة والعربية: وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَنْصَرِفْ آخِرُ الِاسْمِ فِي وُجُوهِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَكَانَ آخِرُهُ مَجْرُورًا أَبَدًا كَعَبْدِ اللَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ أَرَادَ بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ هَذَا فِي الْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَقَدْ قَالَ بِالْأَوَّلِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ قُلْتُ الصَّوَابُ قَوْلُ أبي على فان ما ادعوه لا أصيل لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا لَفْظُ الظُّهْرِ فَمُشْتَقٌّ مِنْ الظُّهُورِ لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ فِي وَسَطِ النَّهَارِ: وقوله صلي الله عليه وسلم (والفئ مثل الشراك) هو بسكر الشِّينِ وَهُوَ أَحَدُ سُيُورِ النَّعْلِ الَّتِي تَكُونُ عَلَى وَجْهِهَا وَلَيْسَ الشِّرَاكُ هُنَا لِلتَّحْدِيدِ وَالِاشْتِرَاطِ بَلْ لِأَنَّ الزَّوَالَ لَا يَبِينُ بِأَقَلَّ مِنْهُ وأما الظل والفئ فَقَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ فِي أَوَائِلِ أَدَبِ
الْكَاتِبِ يَتَوَهَّمُ الناس ان الظل والفئ بِمَعْنًى وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الظِّلُّ يَكُونُ غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وَمِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ إلَى آخِرِهِ وَمَعْنَى الظِّلِّ السَّتْرُ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ " أَنَا فِي ظِلِّكَ " ومنه " ظل الجنة " وظل شجرها انما هو سِتْرُهَا وَنَوَاحِيهَا وَظِلُّ اللَّيْلِ سَوَادُهُ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ كل شئ وَظِلُّ الشَّمْسِ مَا سَتَرَتْهُ الشُّخُوصُ مِنْ مَسْقَطِهَا قال وأما الفئ فَلَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَلَا يُقَالُ لما قبل الزوال فئ وانما سمي بعد الزوال فيأ لِأَنَّهُ ظِلٌّ فَاءَ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ أي رجع والفيئ الرُّجُوعُ هَذَا كَلَامُ ابْنِ قُتَيْبَةَ وَهُوَ كَلَامٌ
نَفِيسٌ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الظُّهْرِ زَوَالُ الشَّمْسِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ خَلَائِقُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَالْمُرَادُ بِالزَّوَالِ مَا يَظْهَرُ لَنَا لَا الزَّوَالُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَتَقَدَّمُ عَلَى مَا يَظْهَرُ وَلَكِنْ لَا اعْتِبَارَ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ وَيَدْخُلُ الْوَقْتُ بِالزَّوَالِ الذى يظهر لنا فلو شرع في تكببرة الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ ظُهُورِ الزَّوَالِ ثُمَّ ظَهَرَ عَقِبَهَا أَوْ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَصِحَّ الظُّهْرُ وَإِنْ كَانَتْ التَّكْبِيرَةُ حَاصِلَةً بَعْدَ الزَّوَالِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَكِنْ قَبْلَ ظُهُورِهِ لَنَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالُوا وَأَمَّا قَبْلَ ظُهُورِ الظِّلِّ فَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ وَقْتِ الِاسْتِوَاءِ قَالَ وَكَذَا الصُّبْحُ وَلَوْ اجْتَهَدَ فِيهَا وَطَلَعَ الْفَجْرُ بِحَيْثُ عَلِمَ وُقُوعَهَا بَعْدَ طُلُوعِهِ لَكِنْ فِي وَقْتٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبِينَ الْفَجْرُ لِلنَّاظِرِ لَمْ تَصِحَّ الصُّبْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا آخِرُ وقت الظهر فهو إذا صار ظل الشئ مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَإِذَا خَرَجَ هَذَا دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ مُتَّصِلًا بِهِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ إذَا صَارَ ظل الشئ مِثْلَهُ دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَمَا بَعْدَهُ وَقْتُ للظهر وَالْعَصْرِ عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِرَاكِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ فَقَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ بعده وقت للظهر وَالْعَصْرِ ثُمَّ يَتَمَحَّضُ الْوَقْتُ لِلْعَصْرِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ فَهُوَ آخِرُ وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالِاشْتِرَاكِ فَإِذَا زَادَ عَلَى الْمِثْلِ زِيَادَةً بَيِّنَةً خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَبْقَى وَقْتُ الظُّهْرِ حَتَّى يَصِيرَ الظِّلُّ مِثْلَيْنِ فَإِذَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ يَسِيرًا
كَانَ أَوَّلَ وَقْتِ الْعَصْرِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ غَيْرُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِالِاشْتِرَاكِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ قَالُوا فَصَلَّى الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فِي الْوَقْتِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْعَصْرَ فِي الْأَوَّلِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا قَالَ " جَمَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ فَدَلَّ عَلَى اشْتِرَاكِهِمَا قَالُوا وَلِأَنَّ الصَّلَوَاتِ زِيدَ فِيهَا عَلَى بَيَانِ جِبْرِيلَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَلِلِاخْتِيَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" إذَا صَلَّيْتُمْ الْفَجْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ يَطْلُعَ قَرْنُ الشَّمْسِ الْأَوَّلُ ثُمَّ إذَا صَلَّيْتُمْ الظُّهْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ تَحْضُرَ الْعَصْرُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعَصْرَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى أَنْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْمَغْرِبَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ الي أن يسفط الشَّفَقُ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ الْعِشَاءَ فَإِنَّهُ وَقْتٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي بَعْضِهَا " وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ ابى موسي السابق عن صحيح مسلم قال فيه في صلاة الطهر فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ثُمَّ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ بِالْأَمْسِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ " الْوَقْتُ مَا بَيْنَ هَذَيْنِ " وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَمْتَدُّ وَرَاءَ ذَلِكَ فَيَلْزَمُ مِنْهُ عَدَمُ الِاشْتِرَاكِ وَبِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَلَا إنَّهُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى من لم يصل الصلاة حتي يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا مَا لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَبِأَقْيِسَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى بِي الْعَصْرَ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشئ مِثْلَهُ وَصَلَّى بِي الظُّهْرَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حين صار ظل كل شئ مِثْلَهُ " فَمَعْنَاهُ بَدَأَ بِالْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ حين صار ظل كل شئ مِثْلَهُ وَفَرَغَ مِنْ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي حِينَ صَارَ الظِّلُّ مِثْلَهُ وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَحْصُلُ بَيَانُ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَآخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَوْ حُمِلَ عَلَى الِاشْتِرَاكِ لَمْ يَحْصُلْ تَحْدِيدُ آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَفَاتَ بَيَانُهُ وَقَدْ قَالَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ " الْوَقْتُ بَيْنَ هَذَيْنِ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلِأَنَّ حَقِيقَةَ الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشئ مثله فمعنا
الْإِجْمَاعُ مِنْ إرَادَةِ ذَلِكَ فِي الْعَصْرِ فَتَأَوَّلْنَاهَا عَلَى أَنَّهُ ابْتَدَأَ حِينَئِذٍ وَبَقِيَتْ الظُّهْرُ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَنَظِيرُ مَا تَأَوَّلْنَا عَلَيْهِ لَفْظَ الْحَدِيثِ قول الله تعالى (فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن) وقال تعالى (فإذا بلغن أجلهن فلا تعضلوهن) المراد بالبلوغ الاول مقارنته وبالثانى حقيقة القضاء الْأَجَلِ وَيُقَالُ بَلَغَ الْمُسَافِرُ الْبَلَدَ إذَا انْتَهَى إلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْهُ وَبَلَغَهُ إذَا دَخَلَهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْجَمْعِ بِالْمَدِينَةِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَقَدَّمَ الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فَصَارَ صُورَتُهُ صُورَةَ جَمْعٍ وَلَيْسَ بِجَمْعٍ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَمَلَهُ إمَامَانِ تَابِعِيَّانِ مِنْ رُوَاتِهِ وَهُمَا أَبُو الشَّعْثَاءِ جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ رواية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْآخَرُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ والثانى أنه
جَمْعٌ بِعُذْرٍ إمَّا بِمَطَرٍ وَإِمَّا مَرَضٍ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ بِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُهُمْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى بَيَانِ جِبْرِيلَ فَتِلْكَ الزِّيَادَاتُ ثَبَتَتْ بِنُصُوصٍ وَلَا نَصَّ هُنَا فِي الزِّيَادَةِ وَلَا مَدْخَلَ لِلْقِيَاسِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَقُولُ إنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ مِنْ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ كَمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غروب الشمس أوبى أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ الْإِنْجِيلَ فَعَمِلُوا إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ فَعَجَزُوا فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فعلمنا إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَيْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلَاءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا وَنَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ من شئ قَالُوا لَا قَالَ فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعَصْرِ أَقْصَرُ مِنْ وَقْتِ الظهر ومن حين يصير ظل الشئ مِثْلَهُ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ هُوَ رُبْعُ النَّهَارِ وَلَيْسَ بِأَقَلَّ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ بَلْ هُوَ مِثْلُهُ وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ وَمُنَاسِبَاتٍ لَا أَصْلَ لَهَا وَلَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْأَوْقَاتِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَيْهِمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي دَلَالَةِ بَعْضِهَا نَظَرٌ وَيُغْنِي عَنْهَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَوْجَزَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ عُمْدَتُنَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَلَا حُجَّةَ لِلْمُخَالِفِ إلَّا حَدِيثٌ سَاقَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَسَاقَ ضَرْبِ الْأَمْثَالِ
وَالْأَمْثَالُ مَظِنَّةُ التَّوَسُّعَاتِ وَالْمَجَازِ ثُمَّ التَّأْوِيلُ مُتَطَرِّقٌ إلَى حَدِيثِهِمْ وَلَا يَتَطَرَّقُ إلَى مَا اعْتَمَدْنَاهُ تَأْوِيلٌ وَلَا مَطْمَعٌ فِي الْقِيَاسِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَرْبَعَةِ أَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) جَوَابُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْمَذْكُورُ (الثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِمْ أَكْثَرُ عَمَلًا أَنَّ مَجْمُوعَ عَمَلِ الْفَرِيقَيْنِ أَكْثَرُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مَعَ التَّأَهُّبِ لَهَا بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالطَّهَارَةِ وَصَلَاةِ السُّنَّةِ أَقَلُّ مِمَّا بَيْنَ الْعَصْرِ وَنِصْفِ النَّهَارِ الرَّابِعُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ قَالَ كَثْرَةُ الْعَمَلِ لَا يَلْزَمُ مِنْهَا كَثْرَةُ الزَّمَانِ فَقَدْ يَعْمَلُ الْإِنْسَانُ فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْمَلُ غَيْرُهُ فِي زَمَنٍ مِثْلِهِ أَوْ أطول منه
(فَرْعٌ)
لِلظُّهْرِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اختيار ووقت عذر فوقت أَوَّلُهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْخِلَافِ فِيمَا تَحْصُلُ بِهِ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ مَا بَعْدَ وَقْتِ الْفَضِيلَةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ وَوَقْتُ الْعُذْرِ وَقْتُ الْعَصْرِ فِي حَقِّ مَنْ يَجْمَعُ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ هَكَذَا قَالَ الْأَكْثَرُونَ إنَّ أَوْقَاتَ الظُّهْرِ ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَهَا أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ فَوَقْتُ الْفَضِيلَةِ إذا صار ظل الشئ مِثْلَ رُبْعِهِ وَالِاخْتِيَارِ إذَا صَارَ مِثْلَ نِصْفِهِ وَالْجَوَازِ إذَا صَارَ ظِلُّهُ مِثْلَهُ وَهُوَ آخِرُ الْوَقْتِ وَالْعُذْرِ وَقْتُ الْعَصْرِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ
* (فَرْعٌ)
بَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا بَدَأَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَأَسِّيًا بِإِمَامَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام فَإِنَّهُ بَدَأَ بِالظُّهْرِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بَدَأَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ بِالظُّهْرِ وَفِي الْقَدِيمِ بِالصُّبْحِ قَالَ وَعَلَيْهِ كُلُّ الْفُقَهَاءِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ بَدَأَ بِالظُّهْرِ وَالْإِسْرَاءُ كَانَ فِي اللَّيْلِ وَوَجَبَتْ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ فِي اللَّيْلِ فَأَوَّلُ صَلَاةٍ تَحْضُرُ بَعْدَ ذَلِكَ هِيَ الصُّبْحُ فَالْجَوَابُ أَنَّ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ نَصَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وُجُوبِ الْخَمْسِ مِنْ الظُّهْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَبَتْ الظُّهْرُ وَيُسْتَحَبُّ فِعْلُهَا حِينَئِذٍ ولا ينتظر بها مصير الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ وَحَكَى السَّاجِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ
وَلَيْسَ بشئ قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ أن يصلي حتى يصير الفئ مِثْلَ الشِّرَاكِ لِحَدِيثِ جِبْرِيلَ عليه السلام وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ قَالَ وَهُوَ خِلَافُ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ وَخِلَافُ الْأَحَادِيثِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي مُوسَى السَّابِقُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقُ قَرِيبًا " وَقْتُ الظُّهْرِ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ " وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حِينَ زالت الشمس كان الفيئ حِينَئِذٍ مِثْلَ الشِّرَاكِ مِنْ وَرَائِهِ لَا أَنَّهُ أَخَّرَ إلَى أَنْ صَارَ مِثْلَ الشِّرَاكِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَعْرِفَةِ الزَّوَالِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله الزَّوَالُ هُوَ مَيْلُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ بَعْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَعَلَامَتُهُ زِيَادَةُ الظِّلِّ بَعْدَ تَنَاهِي نُقْصَانِهِ وَذَلِكَ أَنَّ ظِلَّ الشَّخْصِ يَكُونُ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ طَوِيلًا مُمْتَدًّا فَكُلَّمَا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ نَقَصَ فَإِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَقَفَ الظِّلُّ فَإِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ عَادَ الظِّلُّ إلَى الزِّيَادَةِ فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ هَلْ زَالَتْ فَانْصِبْ عَصًا أَوْ غَيْرَهَا فِي الشَّمْسِ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ وَعَلِّمْ عَلَى طَرْفِ ظِلِّهَا ثُمَّ رَاقِبْهُ فَإِنْ نَقَصَ الظِّلُّ عَلِمْتَ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ وَلَا تَزَالُ تُرَاقِبُهُ حَتَّى يَزِيدَ فَمَتَى زَادَ عَلِمْتَ الزَّوَالَ حِينَئِذٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَخْتَلِفُ قَدْرُ مَا يَزُولُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنْ الظِّلِّ باختلاف
الْأَزْمَانِ وَالْبِلَادِ فَأَقْصَرُ مَا يَكُونُ الظِّلُّ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي الصَّيْفِ عِنْدَ تَنَاهِي طُولِ النَّهَارِ وَأَطْوَلُ مَا يَكُونُ فِي الشِّتَاءِ عِنْدَ تَنَاهِي قِصَرِ النَّهَارِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا جَعْفَرٍ الرَّاسِبِيَّ قَالَ فِي كِتَابِ الْمَوَاقِيتِ إنَّ عِنْدَ انْتِهَاءِ طُولِ النَّهَارِ فِي الصَّيْفِ لا يكون بمكة ظل لشئ من الاشخاص عند الزوال لستة وَعِشْرِينَ يَوْمًا قِبَلَ انْتِهَاءِ الطُّولِ وَسِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا بَعْدَ انْتِهَائِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَيَّامِ مَتَى لَمْ يُرَ لِلشَّخْصِ ظِلٌّ فَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَزُلْ فَإِذَا رَأَى الظِّلَّ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الشَّمْسَ قَدْ زَالَتْ وَبَاقِي أَيَّامِ السَّنَةِ مُعَرَّفَةُ الزَّوَالِ بِمَكَّةَ كَمَعْرِفَتِهَا بِغَيْرِهَا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يَكُونُ للانسان فيئ بِمَكَّةَ عِنْدَ الزَّوَالِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فِي السَّنَةِ لَا غَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا قَامَةُ الْإِنْسَانِ سِتَّةُ أَقْدَامٍ وَنِصْفٌ بِقَدَمِ نَفْسِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أَقِمِ الصَّلاةَ لدلوك الشمس الي غسق الليل) أَمَّا غَسَقُ اللَّيْلِ فَظَلَامُهُ وَأَمَّا الدُّلُوكُ فَاخْتَلَفَ فِيهِ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَاللُّغَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَأَصْحَابُنَا هُوَ زَوَالُ
الشَّمْسِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي بُرْدَةَ وَعَائِشَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ الْغُرُوبُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَهُمَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَجَزَمَ الزُّبَيْدِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ وَابْنُ فَارِسٍ بِأَنَّهُ الزَّوَالُ وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَاخْتَارَ ابْنُ قُتَيْبَةَ الْغُرُوبَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّ الظُّهْرَ هَلْ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أم لا مذهبنا الْوُجُوبُ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِخِلَافِهِ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا إنْ شاء الله * قال المصنف رحمه الله
*
* (وأول وقت العصر إذا صار ظل كل شئ مثله وزاد أدنى زيادة وآخره إذا صار ظل كل شئ مثليه لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وصلي بى جبريل العصر حين صار ظل كل شئ مثل ظله ثم صلى المرة الاخيرة حين صار ظل كل شئ مثليه " ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز والاداء إلى غروب الشمس وقال أبو سعيد الاصطخرى إذا صار ظل كل شئ مثليه فاتت الصلاة ويكون ما بعده وقت القضاء والمذهب الاول لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ليس التفريط في النوم انما التفريط في اليقظة ان تؤخر صلاة حتي يدخل وقت صلاة أخرى ")
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى من لم يصل الصلاة حتى يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " وَالْيَقَظَةُ بِفَتْحِ الْيَاءِ
وَالْقَافِ وَأَبُو قَتَادَةَ اسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ النُّعْمَانُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ عَمْرُو بْنُ رِبْعِيِّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ سَلَمِيٌّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ مَدَنِيٌّ يُقَالُ لَهُ فَارِسُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ أُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَمَا بَعْدَهُمَا مِنْ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِينَ سَنَةً رضي الله عنه: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ العصر إذا صار ظل كل شئ مِثْلَهُ غَيْرَ الظِّلِّ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِنْدَ الزَّوَالِ وَهُوَ إذَا
انْقَضَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا وَلَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ " وَزَادَ أَدْنَى زِيَادَةٍ " فَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا لِبَيَانِ انْتِهَاءِ الظِّلِّ إلَى الْمِثْلِ وَإِلَّا فَالْوَقْتُ قَدْ دَخَلَ قَبْلَ حُصُولِ الزِّيَادَةِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الْمِثْلِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَالثَّانِي أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِنَّمَا تَدْخُلُ الْعَصْرُ عَقِبَهَا قَالَ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَالْعِرَاقِيِّينَ وَعَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالثَّالِثُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ وَلَا مِنْ وَقْتِ العصر بل هي فاصل بين الوقتين هذا مَا حَكَاهُ فِي الذَّخَائِرِ وَهَذَا الثَّالِثُ لَيْسَ بشئ لقوله صلي الله عليه وسلم " وقت الظهر مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعَصْرِ فَهُوَ غُرُوبُ الشَّمْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ آخِرُهُ إذَا صَارَ ظل الشئ مِثْلَيْهِ فَإِنْ أَخَّرَ عَنْ ذَلِكَ أَثِمَ وَكَانَتْ قَضَاءً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لَمْ يُخَرِّجْهُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ وقتها يمتد حتى تغرب الشمس وانما هُوَ اخْتِيَارٌ لِنَفْسِهِ
وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ عَنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الْعَصْرَ حَتَّى انْصَرَفَ مِنْهَا وَالْقَائِلُ يَقُولُ قَدْ احْمَرَّتْ الشَّمْسُ وَأَمَّا حَدِيثُ جِبْرِيلَ فَإِنَّمَا ذُكِرَ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَا وَقْتِ الْجَوَازِ بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مُتَأَخِّرَةٌ عَنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ فَيَكُونُ الْعَمَلُ عَلَيْهَا وَلِأَنَّهَا أَصَحُّ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَيْضًا صَحِيحًا
ولان الحائض وغيرها من أهل العذار إذَا زَالَ عُذْرُهُمْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِرَكْعَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْعَصْرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ الْوَقْتُ قد خرج لم يلزمهم وَهَذَا الْإِلْزَامُ حَسَنٌ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَدْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي دَرْسِهِ إنَّ الْإِصْطَخْرِيَّ يَحْمِلُ حَدِيثَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِلْعَصْرِ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَوَقْتُ اخْتِيَارٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَوَقْتُ جَوَازٍ وَكَرَاهَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ فَالْفَضِيلَةُ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ إلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّخْصِ مِثْلَهُ وَنِصْفَ مِثْلِهِ وَوَقْتُ الِاخْتِيَارِ إلَى أَنْ يَصِيرَ مِثْلَيْنِ وَالْجَوَازِ بِلَا كَرَاهَةٍ إلَى اصْفِرَارِ الشَّمْسِ وَالْجَوَازِ مَعَ الْكَرَاهَةِ حَالَ الِاصْفِرَارِ حَتَّى تَغْرُبَ وَالْعُذْرُ
وَقْتُ الظُّهْرِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ كَرَاهَةَ تَأْخِيرِ الْعَصْرِ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " تِلْكَ صَلَاةُ الْمُنَافِقِينَ يَجْلِسُ يَرْقُبُ الشَّمْسَ حَتَّى إذَا كَانَتْ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ قَامَ فَنَقَرَهَا أَرْبَعًا لَا يذكر الله فيها الا قليلا " رواه مُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ لِلْعَصْرِ يَمْتَدُّ إلَى مصير ظل كل شئ مِثْلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يمتد الي اصفرار الشمس * قال المصنف رحمه الله
*
* (وأول وقت المغرب إذا غابت الشمس لما روى ان جبرائيل عليه السلام صلي المغرب حين غابت وافطر الصائم وليس لها الا وقت واحد وهو بقدر ما يتطهر ويستر العورة ويؤذن ويقيم ويدخل فيها فان الدخول عن هذا الوقت اثم لما روى ابن عباس ان جبريل عليه السلام صلي المغرب في المرة الاخيرة كما صلاها في المرة الاولى ولو كان لها وقت آخر لبين كما بين في سائر الصلوات فان دخل فيها في وقتها ففيه ثلاثة أوجه أحدها ان له ان يستديمها إلى غيبوبة الشفق لان النبي صلي الله عليه وسلم قرأ الاعراف في صلاة المغرب والثاني لا يجوز أن يستديمها اكثر من قدر ثلاث ركعات لان جبريل صلي ثلاث ركعات والثالث له ان يصلى مقدار أول الوقت في سائر الصلوات لانه لا يكون مؤخرا في هذا القدر ويكون مؤخرا فيما زاد عليه ويكره ان يسمى صلاة المغرب العشاء
لما روى عبد الله ابن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " لا تغلبنكم الاعراب علي اسم صلاة المغرب وتقول الاعراب هي العشاء ")
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ جِبْرِيلَ عليه السلام صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ هُوَ تَمَامُ الْأَوَّلِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْأَعْرَابُ سُكَّانُ الْبَادِيَةِ وَحَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَعْرَافِ فِي الْمَغْرِبِ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ فَرَوَاهُ عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثابت " مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِأَطْوَلِ الطوليين " هذا لفظ البخاري وفى رواية النسائي واسادها صَحِيحٌ عَنْ زَيْدٍ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِيهَا بِأَطْوَلِ الطوليين المص " وَأَمَّا مُغَفَّلٌ فَبِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة والفاء وكنية عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ أَبُو زِيَادٍ الْمُزَنِيّ مِمَّنْ بَايَعَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ سَكَنَ الْمَدِينَةَ ثُمَّ الْبَصْرَةَ وَبِهَا تُوُفِّيَ سَنَةَ سِتِّينَ وَكَانَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَوَّلُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَتَكَامَلَ غُرُوبُهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِبَارُ سُقُوطُ قُرْصِهَا بِكَمَالِهِ وَذَلِكَ ظَاهِرٌ فِي الصَّحْرَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَلَا نَظَرَ بَعْدَ تَكَامُلِ الْغُرُوبِ إلَى بَقَاءِ شُعَاعِهَا بَلْ يَدْخُلُ وَقْتُهَا مَعَ بَقَائِهِ وأما في العمران وقلل الجبال فالاعتبار بان لا يرى شئ مِنْ شُعَاعِهَا عَلَى الْجُدَرَانِ وَقُلَلِ الْجِبَالِ وَيُقْبِلُ الظَّلَّامُ مِنْ الْمَشْرِقِ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَنَقَلَ أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا ينتهي إلى مغيب الشفق هكخذا نَقَلَهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كُتُبِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ ثَانِيهِمَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَقَالَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَانِيًا قَالَ وَأَنْكَرَهُ جُمْهُورُهُمْ لِأَنَّ الزَّعْفَرَانِيَّ وَهُوَ أَثْبَتُ أَصْحَابِ القديم
حَكَى عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتًا وَاحِدًا وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِأَنَّ لَهَا وَقْتًا فَقَطْ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْجُمْهُورِ كَمَا سَبَقَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَمْتَدُّ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَلَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالصَّلَاةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاهِيرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ أَبَا ثَوْرٍ ثِقَةٌ إمَامٌ وَنَقْلُ الثِّقَةِ مَقْبُولٌ وَلَا يَضُرُّهُ كَوْنُ غَيْرِهِ لَمْ يَنْقُلْهُ وَلَا كَوْنُهُ لَمْ يُوجَدْ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ فَعَلَى هَذَا الطَّرِيقِ اُخْتُلِفَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَصَحَّحَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الْقَوْلَ الْجَدِيدَ وَهُوَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الْقَدِيمَ وَهُوَ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَأَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي إحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَفِي دَرْسِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَنَقَلَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ قَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْعِجْلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ قُلْتُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَحَادِيثَ صَحِيحَةٍ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مَا لَمْ يَسْقُطْ الشَّفَقُ " وَفِي رِوَايَةٍ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كُلِّهَا وَقَوْلُهُ ثَوْرُ الشَّفَقِ هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ: أَيْ ثَوَرَانُهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد فَوْرُ الشَّفَقِ بِالْفَاءِ وَهُوَ بِمَعْنَى ثَوْرِهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلسَّائِلِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ قَالَ " ثُمَّ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى كَانَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَعَنْ بُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ فِي حَدِيثِهِ السَّابِقِ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فَإِذَا عُرِفَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِهِ جَزْمًا لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ كَمَا نَقَلَهُ أَبُو ثَوْرٍ وَعَلَّقَ الشَّافِعِيُّ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَقَدْ ثَبَتَ الْحَدِيثُ بَلْ أَحَادِيثُ وَالْإِمْلَاءُ مِنْ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَةِ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَهَذَا كُلُّهُ مَعَ الْقَاعِدَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي أَوْصَى بِهَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ إذَا صَحَّ الحديث
خِلَافَ قَوْلِهِ يُتْرَكُ قَوْلُهُ وَيُعْمَلُ بِالْحَدِيثِ وَأَنَّ مَذْهَبَهُ مَا صَحَّ فِيهِ الْحَدِيثُ وَقَدْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَمْ يَتْرُكْهُ الشَّافِعِيُّ إلَّا لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ عِنْدَهُ وَلِهَذَا عَلَّقَ الْقَوْلَ بِهِ فِي الْإِمْلَاءِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ جِبْرِيلَ عليه السلام فِي الْيَوْمَيْنِ فِي وَقْتٍ فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ بَيَانَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ لَا وَقْتِ الْجَوَازِ فَهَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الصَّلَوَاتِ وَهِيَ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ وَالصُّبْحُ وَكَذَا الْمَغْرِبُ (وَالثَّانِي) أَنَّ حَدِيثَ جِبْرِيلَ مُقَدَّمٌ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَأَخِّرَةٌ بِالْمَدِينَةِ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا فِي الْعَمَلِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ أَقْوَى مِنْ حَدِيثِ جِبْرِيلَ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ رُوَاتَهَا أَكْثَرُ وَالثَّانِي أَنَّهَا أَصَحُّ إسْنَادًا وَلِهَذَا خَرَّجَهَا مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ دُونَ حَدِيثِ جِبْرِيلَ وَهَذَا لَا شَكَّ فِيهِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ أَنَّ لِلْمَغْرِبِ وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ مَا بَيْنَهُمَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَيَجُوزُ ابْتِدَاؤُهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ هَذَا فَعَلَى هَذَا لَهَا ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالثَّانِي وَقْتُ جَوَازٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَالثَّالِثُ وَقْتُ عُذْرٍ وَهُوَ وَقْتُ الْعِشَاءِ فِي حَقِّ مَنْ جَمَعَ لِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ وَقْتَ الْفَضِيلَةِ وَوَقْتَ الِاخْتِيَارِ وَاحِدٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ هُوَ الصَّوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ عَلَى هَذَا يَكُونُ النِّصْفُ الْأَوَّلُ مِمَّا بَيْنَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَمَغِيبِ الشَّفَقِ وَقْتَ اخْتِيَارٍ وَالنِّصْفُ الثَّانِي وَقْتَ جَوَازٍ وَهَذَا ليس بشئ وَيَكْفِي فِي رَدِّهِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَقَدْ نَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً مِنْ الصحابة فمن بعدهم كراهة تأخير المغرب واما إذَا قُلْنَا لَيْسَ لِلْمَغْرِبِ إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَهُوَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ وَمَضَى قَدْرُ طَهَارَةٍ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَأَذَانٌ وَإِقَامَةٌ وَخَمْسُ رَكَعَاتٍ هَذَا هو الصحيح
وَبِهِ قَطَعَ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ لِلْفَرْضِ فَقَطْ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَادَّعَى الرُّويَانِيُّ أَنَّهُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا انه لا يتقدر بالصلاة بل بالعرف فمن أَخَّرَ عَنْ الْمُتَعَارَفِ فِي الْعَادَةِ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهَذَا قَوِيٌّ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ اعْتِبَارُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ مِنْهَا رَكْعَتَانِ لِلسُّنَّةِ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ السُّنَّةَ تَكُونُ مَقْضِيَّةً فَإِذَا مَضَى
هَذَا الْقَدْرُ فَقَدْ انْقَضَى الْوَقْتُ وَمَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْغُرُوبِ كَالطَّهَارَةِ وَالسَّتْرِ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وفيه وجه ان يَجِبُ تَقْدِيمُ مَا يُمْكِنُ تَقْدِيمُهُ وَهُوَ الْوُضُوءُ وَالسَّتْرُ دُونَ التَّيَمُّمِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَوُضُوءِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهَا حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي كل لك الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ بِلَا إطَالَةٍ وَلَا اسْتِعْجَالٍ هَكَذَا اطلق الجمهور قال الفقال تُعْتَبَرُ هَذِهِ الْأُمُورُ مُتَوَسِّطَةً لَا طَوِيلَةً وَلَا قَصِيرَةً لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ كُلِّ إنْسَانٍ فِعْلُ نَفْسِهِ لِأَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ فَبَعْضُهُمْ خَفِيفُ الْحَرَكَاتِ وَالْجِسْمِ وَالْقِرَاءَةِ وَبَعْضُهُمْ عَكْسُهُ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَيُحْتَمَلُ مَعَ ذَلِكَ أَيْضًا أَكْلُ لُقَمٍ يَكْسِرُ بِهَا حِدَةَ الْجُوعِ هَكَذَا قَالُوا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ الْجَوَازُ فِي لُقَمٍ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قدم العشاء فابدؤا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَلَا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ " فَإِنْ أَخَّرَ الدُّخُولَ فِيهَا عَنْ هَذَا الْقَدْرِ الْمَذْكُورِ أَثِمَ وَصَارَتْ قَضَاءً وَإِنْ لَمْ يُؤَخِّرْ بَلْ دَخَلَ فِيهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمُدَّهَا وَيَسْتَدِيمَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وآخرون قال البندنجي هذه الاوجه حكاها أبو اسحاق المروزى في الشرح وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَدِلَّتَهَا أَحَدُهَا لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى الْقَدْرِ الَّذِي يَتَمَادَى إلَيْهِ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ يَجُوزُ اسْتِدَامَتُهَا إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَغْرِبِ الاعراف
وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ قَرَأَ بِالْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا يَمْنَعُ تَأْوِيلَ مَنْ قَالَ قَرَأَ بِبَعْضِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ قَوْلَهُمْ هَلْ لِلْمَغْرِبِ وَقْتٌ أَمْ وَقْتَانِ وَقَالَ عِبَارَتُهُمْ هَذِهِ غَلَطٌ قَالَ بَلْ لِلصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَلَكِنَّ الْمَغْرِبَ يَقْصُرُ وقتها وغيرها بطول وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ عَنْ هَذَا الْإِنْكَارِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لِلصُّبْحِ وَغَيْرِهَا وَقْتَانِ أَنْ يَكُونَ وَقْتَانِ مُنْفَرِدَيْنِ وَلَكِنْ وَقْتٌ وَاحِدٌ لَهُ أَوَّلُ وَآخِرٌ
كَالصُّبْحِ وَقْتُهَا أَوَّلُ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَوَقْتُهَا الثَّانِي مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ وَحِينَئِذٍ لَا إنْكَارَ عَلَى طَائِفَةٍ اصْطَلَحَتْ عَلَى هَذَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ قِيلَ كَيْفَ قُلْتُمْ لِلْمَغْرِبِ وَقْتٌ وَاحِدٌ عَلَى الْجَدِيدِ مَعَ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ بِالسَّفَرِ وَالْمَطَرِ وَمِنْ شَرْطِ الْجَمْعِ وُقُوعُ الصلاتين في احداهما فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وقوع الصلاتين في وقت أحداهما إنَّمَا يُشْتَرَطُ وُقُوعُ إحْدَاهُمَا عَقِبَ الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنَّ وَقْتَ الْمَغْرِبِ بَعْدَ الطَّهَارَةِ وَنَحْوِهَا قَدْرُ خَمْسِ رَكَعَاتٍ لِلْفَرِيضَةِ وَالسُّنَّةِ وَهَذَا الْقَدْرُ يُمْكِنُ فيه الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ مَقْصُورَةً وَكَذَا تَامَّةً تَفْرِيعًا عَلَى الاصح أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَدَاءٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالسُّؤَالُ قَوِيٍّ وَالْجَوَابَانِ ضَعِيفَانِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيُنْتَقَضُ بِمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ بِحَيْثُ وَقَعَتْ الظُّهْرُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَالْعَصْرُ بَعْدَ الْغُرُوبِ فَإِنْ قِيلَ الْمُرَادُ بِالْجَمْعِ جَمْعُ التَّقْدِيمِ قُلْنَا إنَّمَا صَحَّتْ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فِي آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ بِحَيْثُ وَقَعَتْ الْعَصْرُ فِي وَقْتِهَا لِأَنَّ الْوَقْتَ قَابِلٌ لَهَا بِخِلَافِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَإِنَّ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ لَا يَصْلُحُ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ عَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَصِحَّ وَقَدْ صَحَّتْ بِالِاتِّفَاقِ فَدَلَّ عَلَى امْتِدَادِ الْوَقْتِ وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي فَظَاهِرُ الْفَسَادِ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْمَعُونَ بِحَيْثُ يَقَعُ بَعْضُ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَا فِي وَقْتِ الْأُولَى وَلَا فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّهُ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ جَازَ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَ الْقَاضِي لَكَانَ فِي صِحَّةِ الْقَصْرِ خِلَافٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَدَاءٌ أم قضاء وبناء علي المقتضية فِي السَّفَرِ فَظَهَرَ بِمَا قُلْنَاهُ أَنَّ الصَّحِيحَ امْتِدَادُ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ: قَدْ ذَكَرْنَا إجْمَاعَهُمْ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِهَا غُرُوبُ الشَّمْسِ وَبَيَّنَّا الْمُرَادَ بِالْغُرُوبِ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشِّيعَةِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَدْخُلُ وَقْتُهَا حَتَّى يَشْتَبِكَ النُّجُومُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِهَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ لَهَا وَقْتًا وَاحِدًا وَهُوَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ لَهَا وَقْتَيْنِ يَمْتَدُّ ثَانِيهِمَا إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَمِمَّنْ قَالَ
بِالْوَقْتَيْنِ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ بِوَقْتٍ وَاحِدٍ الاوزاعي ونقل أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِهِ وَأَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا إلَّا وَقْتٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَنْقُلْ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُ غَيْرَهَا وَالثَّانِيَةُ وَقْتَانِ إلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ وَالثَّالِثَةُ يَبْقَى إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَقَدْ سَبَقَتْ دَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لِلشِّيعَةِ بِحَدِيثٍ يُرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الْمَغْرِبَ عِنْدَ اشْتِبَاكِ النُّجُومِ " وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ جِبْرِيلَ عليه السلام وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى وَبُرَيْدَةَ أَنَّهُ " صَلَّى الْمَغْرِبَ حِينَ غَرَبَتْ الشَّمْسُ " وَهِيَ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَمَا سبق وعن رافع
ابن خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بالحجاب " رواه البخاري ومسلم: وعن أبى أيوب رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ لِعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه وَقَدْ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ أَمَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ إلَى أَنْ تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ: وَعَنْ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلَبِ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَزَالُ أُمَّتِي عَلَى الْفِطْرَةِ مَا لَمْ يُؤَخِّرُوا الْمَغْرِبَ حَتَّى تَشْتَبِكَ النُّجُومُ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ
* وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمُحْتَجُّ لَهُمْ بِهِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا يَصِحُّ وَلَوْ نُقِلَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا كَذَلِكَ مَرَّةً لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَقَدْ صَحَّ فِي أَحَادِيثَ سَبَقَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ الْمَغْرِبَ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ تَسْمِيَةُ الْمَغْرِبِ عِشَاءً كَذَا صَرَّحَ به المصنف وغيره للحديث للسابق
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وأول وقت العشاء إذا غاب الشفق وهو الحمرة وقال المزني الشفق البياض والدليل عليه
ان جبريل عليه السذم صلي العشاء الاخيرة حين غاب الشفق والشفق هو الحمرة وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ " ولانها صلاة تتعلق باحد النيرين والمتفقين في الاسم الخاص فتعلقت باظهرهما وانورهما كالصبح: وفى آخره قولان قال في الجديد الي ثلث الليل لما روي ان جبريل عليه السلام صلي في المرة الاخيرة العشاء الاخيرة حين ذهب ثلث الليل وقال في القديم والاملاء الي نصف الليل لما روى عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وقت العشاء ما بينك وبين نصف لليل " ثم يذهب وقت الاختيار ويبقى وقت الجواز الي طلوع الفجر قال أبو سعيد الاصطخري إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه فاتت الصلاة وتكون قضاء والمذهب الاول لما روينا من حديث أبى قتادة رضى الله عنه ويكره ان تسمي العشاء العتمة لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يغلبنكم الاعراب علي اسم صلاتكم " قال ابن عيينة انها العشاء وانهم يعتمون بالابل ويكره النوم قبلها والحديث بعدها لما روى أبو برزة رضي الله عنه قَالَ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن النوم قبلها والحديث بعدها)
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ إحْدَاهَا فِي الْأَحَادِيثِ أَمَّا حَدِيثَا جِبْرِيلَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي فَصَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاصي " وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ " فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالثَّابِتُ مِنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَسْقُطْ ثَوْرُ الشَّفَقِ " كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَحْصِيلُ الدَّلَالَةِ بِهَذَا لِأَنَّ ثَوْرَهُ هُوَ ثَوَرَانُهُ وَهَذِهِ صِفَةُ الْأَحْمَرِ لَا الْأَبْيَضِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْآخَرُ فَصَحِيحٌ أيضا رواه مسلم ولفظه في مسلم عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الْأَوْسَطِ " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ فَصَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهما لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلَاتِكُمْ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُ أَنَّ رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ " لَا يَغْلِبَنَّكُمْ الْأَعْرَابُ علي اسما صَلَاتِكُمْ إلَّا أَنَّهَا الْعِشَاءُ وَهُمْ يُعْتِمُونَ بِالْإِبِلِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ قَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ إنَّهَا الْعِشَاءُ إلَى آخِرِهِ كَانَ يَنْبَغِي حذف ذكر ابن عيينة: واما أَبِي بَرْزَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَكِنَّ لَفْظَهُ عِنْدَهُمَا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ قَالَ كَانَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا يَعْنِي الْعِشَاءَ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَسْمَاءِ الرِّجَالِ فَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو قَتَادَةَ وَالْمُزَنِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُمْ وَذِكْرُ أَحْوَالِهِمْ فِي مَوَاضِعِهِمْ: وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو بِفَتْحِ الْعَيْنِ فَرَوَى عَنْهُ هُنَا حَدِيثَيْنِ حَدِيثَ وَقْتُ الْمَغْرِبِ إلَى أَنْ تَذْهَبَ حُمْرَةُ الشَّفَقِ وَالْحَدِيثَ الْآخَرَ وَقْتُ الْعِشَاءِ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ نِصْفِ اللَّيْلِ وهو عبد الله ابن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي بِالْيَاءِ عَلَى الْفَصِيحِ وَبِحَذْفِهَا عَلَى لُغَةٍ قَلِيلَةٍ وَهُوَ الْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي أَلْسِنَتِهِمْ ابْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ سُعَيْدٍ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ بن سهم بن عمرو بن هصيص بضم الهاء بصادين مهملتين بن كَعْبِ بْنِ لُؤَيِّ بْنِ غَالِبٍ الْقُرَشِيُّ السَّهْمِيُّ كنية عبد الله أبو محمد وقبل أبو عبد الرحمن وقيل أبو نصير أَسْلَمَ قَبْلَ أَبِيهِ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَبِيهِ فِي السِّنِّ إلَّا إحْدَى عَشْرَةَ سُنَّةً وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " نِعْمَ أَهْلُ الْبَيْتِ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأُمُّ عَبْدِ اللَّهِ " وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ مُجْتَهِدًا فِي الْعِبَادَةِ اجْتِهَادًا بَلِيغًا وَكَانَ كَثِيرَ الْعِلْمِ وَالسَّمَاعِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ وَقِيلَ بِالطَّائِفِ وَقِيلَ بِمِصْرَ فِي ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ خَمْسٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَسِتِّينَ وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ سِتٍّ وَسِتِّينَ وَقِيلَ سَبْعٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً: وَأَمَّا أَبُو بَرْزَةَ فَبِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبَعْدَهَا زَايٌ وَهُوَ أَبُو بَرْزَةَ نَضْلَةُ بْنُ عُبَيْدٍ الْأَسْلَمِيُّ أَسْلَمَ قَدِيمًا وَشَهِدَ فَتْحَ مَكَّةَ ثُمَّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ ثُمَّ غَزَا خُرَاسَانَ وَتُوُفِّيَ بِهَا وَقِيلَ بِالْبَصْرَةِ وقيل بنيسابور وقيل في مفازة بَيْنَ سِجِسْتَانَ وَهَرَاةَ سَنَةَ سِتِّينَ وَقِيلَ أَرْبَعٍ وستين
واما ابن عيينة فهو أبو محمد سفين بْنُ عُيَيْنَةَ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ الْهِلَالِيُّ كُوفِيٌّ سَكَنَ مَكَّةَ وَكَانَ إمَامَ أَهْلِهَا فِي عَصْرِهِ وهو أحد شيوخ الشافعي أحد أَجْدَادِنَا فِي سِلْسِلَةِ التَّفَقُّهِ سَمِعَ خَلَائِقَ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ
رَوَى عَنْهُ الْأَعْمَشُ وَهُوَ تَابِعِيٌّ وَأَحَدُ شُيُوخِهِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ كَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالشَّافِعِيِّ وَوَكِيعٍ وَابْنِ مَهْدِيٍّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَكَانَ مِنْ أَعْلَمِ النَّاسِ بِالْقُرْآنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فِيهِ مِنْ آلَةِ الْعِلْمِ مَا في سفين بْنِ عُيَيْنَةَ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَحْسَنَ تَفْسِيرًا للحديث منه روينا عن سفين قَالَ قَرَأْت الْقُرْآنَ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعِ سِنِينَ وكتبت الحديث وانا ابن سبع سنين وُلِدَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ يَوْمَ السَّبْتِ غُرَّةَ رَجَبٍ سَنَةَ ثَمَانٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ رحمه الله
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي الْأَحْكَامِ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ وَقْتَ الْعِشَاءِ مَغِيبُ الشَّفَقِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ هَلْ هُوَ الْحُمْرَةُ أَمْ الْبَيَاضُ وَسَنَذْكُرُ فِيهِ فَرْعًا مُسْتَقِلًّا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحُمْرَةُ دُونَ الْبَيَاضِ وَأَمَّا الصُّفْرَةُ الَّتِي بَعْدَ الْحُمْرَةِ وَقَبْلَ الْبَيَاضِ فَاخْتَلَفَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهَا فَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ دُونَ الصُّفْرَةِ وَالْبَيَاضِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِزَوَالِ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُمَا بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي فِي الْمَغْرِبِ فَإِذَا ذَهَبَتْ الْحُمْرَةُ وَلَمْ يُرَ مِنْهَا شئ فَقَدْ دَخَلَ وَقْتُهَا وَمَنْ افْتَتَحَهَا وَقَدْ بَقِيَ من الحمرة شئ أَعَادَهَا فَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ الْحُمْرَةَ تَرِقُّ وَتَسْتَحِيلُ لَوْنًا آخَرَ بِحَيْثُ يُعَدُّ بَقِيَّةً لِلَوْنِ الْحُمْرَةِ وَفِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْهَا وَلَكِنْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَهَكَذَا عِبَارَاتُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ يَدْخُلُ الْوَقْتُ بمغيب الحمرة
وَإِنْ بَقِيَتْ الصُّفْرَةُ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
* وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارُ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أحدهما وهو المشهور في الجديد أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ وَالثَّانِي وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ الْجَدِيدِ يَمْتَدُّ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ وَاخْتَلَفَ الْمُصَنِّفُونَ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ صَحَّحَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ كَوْنَهُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَصَحَّحَ أَصْحَابُنَا ثُلُثَ اللَّيْلِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ ثُلُثَ اللَّيْلِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْإِقْنَاعِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْعُمْدَةِ وَدَلِيلُ الثُّلُثِ حَدِيثُ جِبْرِيلَ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَ النِّصْفَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمَانُ فِي
رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَأَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَالرُّويَانِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ وَسُلَيْمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي: هَذِهِ طَرِيقَةُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ فِي وَقْتِ الِاخْتِيَارِ أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَهِيَ طَرِيقَةُ الْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ طَرِيقَةُ ابْنِ سُرَيْجٍ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْأَمْرَيْنِ وَالنَّصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ مَحْمُولَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ فَالْمُرَادُ بالثلث أئه آخِرُ وَقْتِ الِابْتِدَاءِ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالنِّصْفِ أَنَّهُ آخِرُ وَقْتِ الِانْتِهَاءِ وَهَذَا الطَّرِيقُ غَرِيبٌ وَالْمُخْتَارُ ثُلُثُ اللَّيْلِ فَإِذَا ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ بَقِيَ وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ إذَا ذَهَبَ وَقْتُ الِاخْتِيَارِ فَاتَتْ الْعِشَاءُ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِهَا وَتَصِيرُ قَضَاءً وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ أَيْضًا أَحَدُ احْتِمَالَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ فَلَا أَرَاهَا إلَّا فَائِتَةً
فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ وَافَقَ الْإِصْطَخْرِيَّ لِظَاهِرِ هَذَا النص وتأوله الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ وَقْتَ الِاخْتِيَارِ فَاتَ دُونَ وَقْتِ الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي هَذَا الْكِتَابِ إنَّ الْمَعْذُورِينَ إذَا زَالَتْ أَعْذَارُهُمْ قَبْلَ الْفَجْرِ بِتَكْبِيرَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَقْتًا لَهَا لَمَا لَزِمَتْهُمْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ إذَا كَمَلَ الصَّبِيُّ وَالْكَافِرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَائِضُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِرَكْعَةٍ لَزِمَتْهُمْ الْعِشَاءُ بِلَا خِلَافٍ وَوَافَقَ عَلَيْهِ الْإِصْطَخْرِيُّ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَقْتًا لَهَا لَمْ يَلْزَمْهُمْ فَهَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَقَدْ غَلِطَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ الشَّارِحِينَ لِلتَّنْبِيهِ فَنَقَلَ عَنْهُ مُوَافَقَةَ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهَذِهِ غَبَاوَةٌ مِنْ هَذَا الشَّارِحِ وَكَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ لِطُولِهِ وَالصَّوَابُ عَنْ أَبِي حَامِدٍ مُوَافَقَةُ الْجُمْهُورِ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ الْعِشَاءِ إلَى الْفَجْرِ وَإِنْكَارُهُ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لِلْعِشَاءِ أَرْبَعَةُ أَوْقَاتٍ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ وَعُذْرٍ فَالْفَضِيلَةُ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَالِاخْتِيَارُ
بَعْدَهُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ فِي الْأَصَحِّ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ وَالْجَوَازُ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي وَالْعُذْرُ وَقْتُ الْمَغْرِبِ لِمَنْ جَمَعَ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فِي بِلَادِ الْمَشْرِقِ نَوَاحٍ تَقْصُرُ لَيَالِيهِمْ فَلَا يَغِيبُ الشَّفَقُ عِنْدَهُمْ فَأَوَّلُ وَقْتِ الْعِشَاءِ عِنْدَهُمْ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الزَّمَانِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَدْرٌ يَغِيبُ الشَّفَقُ فِي مِثْلِهِ فِي أَقْرَبِ الْبِلَادِ إلَيْهِمْ
* (فَرْعٌ)
قِيلَ إنَّ مَا بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ نِصْفُ سُدُسِ اللَّيْلِ فَإِنْ طَالَ اللَّيْلُ طَالَ نِصْفُ السُّدُسِ وَإِنْ قَصُرَ قَصُرَ
* (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى عَتَمَةً وَكَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ عَتَمَةً وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَطَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى عَتَمَةً: فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِتَسْمِيَتِهَا عَتَمَةً كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ: فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الِاسْتِعْمَالَ وَرَدَ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَحْوَالِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ خُوطِبَ بِهِ مَنْ قَدْ يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ الْعِشَاءُ بِالْمَغْرِبِ فَلَوْ قِيلَ الْعِشَاءُ لَتَوَهَّمَ إرَادَةَ الْمَغْرِبِ لانها كانت
مَعْرُوفَةً عِنْدَهُمْ بِالْعِشَاءِ وَأَمَّا الْعَتَمَةُ فَصَرِيحَةٌ فِي العشاء الآخرة فاحتمل اطلاق العتمة هنا لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ وَالْعِشَاءُ فَقَطْ مِنْ غَيْرِ وَصْفٍ بِالْآخِرَةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ العشاء) وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَصَابَتْ بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ اسْتِعْمَالُ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ مِنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَقَدْ أَنْكَرَ الْأَصْمَعِيُّ قَوْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقَالَ الصَّوَابُ الْعِشَاءُ فَقَطْ وَهَذَا غَلَطٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذَا كُلَّهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ (الْخَامِسَةُ) يُكْرَهُ النَّوْمُ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثُ بَعْدَهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي يُكْرَهُ بَعْدَهَا
ما كان مباحا في؟ فير هَذَا الْوَقْتِ أَمَّا الْمَكْرُوهُ فِي غَيْرِهِ فَهُنَا أشد كراهة وسبب الكراهة انه يتأخر نومه فَيُخَافُ تَفْوِيتُهُ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ إنْ كَانَتْ لَهُ صَلَاةُ لَيْلٍ أَوْ تَفْوِيتُهُ الصُّبْحَ عَنْ وَقْتِهَا أو عن أوله وهذ الْكَرَاهَةُ إذَا لَمْ تَدَعْ حَاجَةً إلَى الْكَلَامِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَمَّا الْحَدِيثُ لِلْحَاجَةِ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَكَذَا الْحَدِيثُ بِالْخَيْرِ كَقِرَاءَةِ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ومذاكرة الفقه وحكايات الصالحين والحاديث مع الضيف ونحوها فلا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا كُلِّهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ وَجَمَعْتُهَا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَسَبَبُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِي هَذَا النَّوْعِ أَنَّهُ خَيْرٌ نَاجِزٌ فَلَا يُتْرَكُ لِمَفْسَدَةٍ مُتَوَهَّمَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ خَيْرٌ فَإِنَّهُ مُخَاطَرَةٌ بِتَفْوِيتِ الصَّلَاةِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الشَّفَقِ وَآخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَمَّا الشَّفَقُ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ يَدْخُلُ وَقْتُ الْعِشَاءِ بِمَغِيبِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الشَّفَقِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ الْحُمْرَةُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَشَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنهم وَمَكْحُولٍ وسفين الثَّوْرِيِّ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ بِثَابِتٍ مَرْفُوعًا وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن
ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَهُوَ قَوْلُ أبى ثور وداود
* وقال أبوحينيفة وَزُفَرُ وَالْمُزَنِيُّ هُوَ الْبَيَاضُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ والاوزاعي واختاره ابن المذر قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لِلْحُمْرَةِ بِأَشْيَاءَ مِنْ الْحَدِيثِ وَالْقِيَاسِ لَا يظهر منها دلالة لشئ يَصِحُّ مِنْهَا وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْتَمَدَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ الْعَرَبِ أَنَّ الشَّفَقَ الْحُمْرَةُ وَذَلِكَ مَشْهُورٌ فِي شِعْرِهِمْ وَنَثْرِهِمْ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا نَقْلُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الشَّفَقُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْحُمْرَةُ قَالَ الْفَرَّاءُ سَمِعْتُ بَعْضَ الْعَرَبِ يَقُولُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مَصْبُوغٌ كَأَنَّهُ الشَّفَقُ وَكَانَ أحمر وقال ابن فارس في الجمل قَالَ الْخَلِيلُ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ الَّتِي مِنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلَى وَقْتِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ قَالَ وَقَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ أَيْضًا الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ قَوْلَ الْفَرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا وَقَالَ
الربيدى فِي مُخْتَصَرِ الْعَيْنِ الشَّفَقُ الْحُمْرَةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الشَّفَقُ بَقِيَّةُ ضَوْءِ الشَّمْسِ وَحُمْرَتُهَا فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ إلَى قَرِيبٍ مِنْ الْعَتَمَةِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا فَهَذَا كَلَامُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ وبالله التوفيق
* قال المصنف رحمة الله
*
* (ووقت الصبح إذا طلع الفجر الثاني وهو الفجر الصادق الذى يحرم به الطعام والشراب على الصائم وآخره إذا اسفر لما روى ان جبربل عليه السلام صلي الصبح حين طلع الفجر وصلى من الغد حين اسفر ثم التفت وقال هذا وقت الانبياء من قبل قبلك وفيما بين هذين وقت ثم يذهب وقت الاختيار ويبقي وقت الجواز الي طلوع الشمس وقال أبو سعيد الاصطخرى يذهب الوقت وما بعده وقت القضاء والمذهب الاول لحديث أبي قتادة رضي الله عنه ويكره ان تسمى صلاة الغداة لان الله تعالى سماها بالفجر فقال تعالي (وقرآن الفجر) وسماها رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ فقال " من ادرك ركعة من الصبح فقد ادركها ")
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ جِبْرِيلَ عليه السلام صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَذَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ وَحَدِيثُ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ وَقْتِ الصُّبْحِ طُلُوعُ الْفَجْرِ الصَّادِقِ وَهُوَ الْفَجْرُ الثَّانِي وَآخِرَ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ إذَا أَسْفَرَ أَيْ أَضَاءَ ثُمَّ يَبْقَى وَقْتُ الْجَوَازِ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ يَخْرُجُ الْوَقْتُ بِالْإِسْفَارِ وَيَكُونُ مَا بَعْدَهُ قَضَاءً وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ إلَيْهِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُهُ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ
وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُ الصُّبْحِ بِغَيْرِ عُذْرٍ إلَى طُلُوعِ الْحُمْرَةِ يَعْنِي الْحُمْرَةَ الَّتِي قُبَيْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْفَجْرُ فَجْرَانِ أَحَدُهُمَا يُسَمَّى الْفَجْرَ الْأَوَّلَ وَالْفَجْرَ الْكَاذِبَ وَالْآخَرُ يُسَمَّى الْفَجْرَ الثَّانِي وَالْفَجْرَ الصَّادِقَ فَالْفَجْرُ الْأَوَّلُ يَطْلُعُ مُسْتَطِيلًا نَحْوَ السَّمَاءِ كَذَنْبِ السَّرْحَانِ وَهُوَ الذِّئْبُ ثُمَّ يَغِيبُ ذَلِكَ سَاعَةً ثُمَّ يَطْلُعُ الْفَجْرُ الثَّانِي الصَّادِقُ مُسْتَطِيرًا بِالرَّاءِ أَيْ مُنْتَشِرًا عَرْضًا فِي الاوفق قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْأَحْكَامُ كُلُّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْفَجْرِ الثَّانِي فبه يَدْخُلُ وَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَخْرُجُ وَقْتُ الْعِشَاءِ وَيَدْخُلُ فِي الصَّوْمِ وَيَحْرُمُ بِهِ الطَّعَامُ وَالشَّرَابُ عَلَى الصَّائِمِ وَبِهِ يَنْقَضِي اللَّيْلُ وَيَدْخُلُ النَّهَارُ ولا
يتعلق بالفجر الاول شئ مِنْ الْأَحْكَامِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ سمي الفجر الاول كاذبا لانه يضئ ثم يسود ويذهب وسمي الثَّانِي صَادِقًا لِأَنَّهُ صَدَقَ عَنْ الصُّبْحِ وَبَيَّنَهُ ومما يستدل للفجرين به مِنْ الْحَدِيثِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَوْ وَاحِدًا مِنْكُمْ اذان بلال من سحوره فان يُؤَذِّنُ أَوْ يُنَادِي بِلَيْلٍ لِيَرْجِعَ قَائِمُكُمْ وَلِيَتَنَبَّهَ نَائِمُكُمْ وَلَيْسَ أَنْ يَقُولَ الْفَجْرُ أَوْ الصُّبْحُ وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ وَرَفَعَهَا إلَى فَوْقُ وَطَأْطَأَهَا إلَى أَسْفَلَ حَتَّى يَقُولَ هَكَذَا وَقَالَ بِسَبَّابَتَيْهِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَدَّهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سُمْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَغُرَّنَّكُمْ أَذَانُ بِلَالٍ وَلَا هَذَا الْعَارِضُ لِعَمُودِ الصُّبْحِ حَتَّى يَسْتَطِيرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَمْنَعَنَّكُمْ مِنْ سُحُورِكُمْ اذان بلال ولا الفجر المستطيل لكن الْفَجْرُ الْمُسْتَطِيرُ فِي الْأُفُقِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (كلوا واشربوا ولا يهمنكم السَّاطِعُ الْمُصْعِدُ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَعْتَرِضَ لَكُمْ الْأَحْمَرُ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ العلم انه لَا يَحْرُمُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ عَلَى الصَّائِمِ حَتَّى يكون الفجر المتعرض وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
صَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَوَاتِ النها وأول النهار طلوع الفجر الثاني هذا مذهبا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْفَجْرِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ بَلْ زَمَنٌ مُسْتَقِلٌّ فَاصِلٌ بَيْنَهُمَا قَالُوا وَصَلَاةُ الصُّبْحِ لَا فِي اللَّيْلِ وَلَا فِي النَّهَارِ وَحَكَى الشيخ أبو حامد أيضا عن حذيفة ابن الْيَمَانِ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالْأَعْمَشِ رضى الله عنهم انهم قالو آخِرُ اللَّيْلِ طُلُوعُ الشَّمْسِ وَهُوَ أَوَّلُ النَّهَارِ قَالُوا وَصَلَاةُ الصُّبْحِ مِنْ صَلَوَاتِ اللَّيْلِ قَالُوا وَلِلصَّائِمِ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ هَكَذَا نقله أبو حامد عن هؤلاء ولا أظله يَصِحُّ عَنْهُمْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَحُكِيَ عَنْ الْأَعْمَشِ أَنَّهُ قَالَ هِيَ مِنْ صَلَوَاتِ اللَّيْلِ وَإِنَّمَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ من الليل يحل فيه الاكل للصائم قالا وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ بَعِيدٌ صِحَّتُهَا مَعَ ظُهُورِ
تَحْرِيمِ الْأَكْلِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ فِي كُلِّ عَصْرٍ مَعَ ظاهر القرآن قان اُحْتُجَّ لَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وجعلنا آنة النهار مبصرة) وَآيَةُ النَّهَارِ هِيَ الشَّمْسُ فَيَكُونُ النَّهَارُ مِنْ طلوعها وبقول أمية ابن أيى الصلت
* والشمس تطله كُلَّ آخِرِ لَيْلَةٍ
* حَمْرَاءَ تُبْصِرُ لَوْنَهَا تَتَوَقَّدُ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ يَثْبُتُ كَوْنُهُ مِنْ النَّهَارِ بِقَوْلِهِ تعالي (فكلوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الخيط الاسود من الفجر) وَبِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَعْصَارِ عَلَى تَحْرِيمِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عليه السلام إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (ثُمَّ صَلَّى الْفَجْرَ حِينَ بَرَقَ الْفَجْرُ وَحَرُمَ الطَّعَامُ عَلَى الصَّائِمِ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ
فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ) وَاللَّيْلُ لَا يَصِحُّ الصَّوْمُ فِيهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي اُحْتُجَّ لَهُ بِهَا فَلَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الشَّمْسَ آيَةٌ لِلنَّهَارِ وَلَمْ يَنْفِ كَوْنَ غَيْرِهَا آيَةً فَإِذَا قَامَتْ الدَّلَائِلُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَقْتَ مِنْ النَّهَارِ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا وَلِأَنَّ الْآيَةَ الْعَلَامَةُ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يقارن جميع الشئ كَمَا أَنَّ الْقَمَرَ آيَةُ اللَّيْلِ وَلَا يَلْزَمُ مُقَارَنَتُهُ لِجَمِيعِ اللَّيْلِ وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَدْ نَقَلَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ إمَامُ اللُّغَةِ أَنَّ النَّهَارَ هُوَ الضِّيَاءُ الَّذِي بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ وَحِينَئِذٍ يُحْمَلُ قَوْلُ الشَّاعِرِ أَنَّهُ أَرَادَ قَرِيبَ آخِرِ كُلِّ لَيْلَةٍ لَا آخِرَهَا حَقِيقَةً فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ) قُلْنَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ هَذَا لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُرْوَ عَنْهُ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَأَلْتُ عَنْهُ أَبَا الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ فَقَالَ لَا أَعْرِفُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَحِيحًا وَلَا فَاسِدًا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ مُعْظَمُ صَلَوَاتِ النَّهَارِ وَلِهَذَا يُجْهَرُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ عَلَى مَنْ قَالَ إنَّ مَا بَيْنَ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ لَا مِنْ اللَّيْلِ وَلَا مِنْ النَّهَارِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النهار ويولج النهار في الليل) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا فَاصِلَ بَيْنَهُمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
لِصَلَاةِ الصُّبْحِ اسْمَانِ الْفَجْرُ وَالصُّبْحُ جاء القرآن بِالْفَجْرِ وَالصُّبْحِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ في الاول أُحِبُّ أَنْ لَا تُسَمَّى إلَّا بِأَحَدِ هَذَيْنِ الاسمين لا أُحِبُّ أَنْ تُسَمَّى الْغَدَاةَ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَكَذَا قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالُوا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا صُبْحًا وَفَجْرًا وَلَا يُسْتَحَبُّ تَسْمِيَتُهَا غَدَاةً وَلَمْ يَقُولُوا تُكْرَهُ تَسْمِيَتُهَا غَدَاةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وشيخه القاضى أبو الطَّيِّبِ يُكْرَهُ أَنْ تُسَمَّى غَدَاةً غَرِيبٌ ضَعِيفٌ لَا دَلِيلَ لَهُ وَمَا ذَكَرَهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ غَيْرُ جَازِمٍ وَلَمْ يَرِدْ فِي الْغَدَاةِ نهى بل اشهر اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْغَدَاةِ فِيهَا فِي الْحَدِيثِ وَفِي كَلَامِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ غَيْرِ مُعَارِضٍ فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ الْفَجْرُ وَالصُّبْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ فِي الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَخَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى فِي الْوَقْتِ رَكْعَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ لَكِنْ هَلْ تَكُونُ أَدَاءً أَمْ قَضَاءً فِيهِ خِلَافٌ سَنُوَضِّحُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الصُّبْحُ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ فَبَطَلَتْ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فِيهَا كَطَهَارَةِ مَسْحِ الْخُفِّ: دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْخُفِّ أَنَّ صَلَاتَهُ إنَّمَا بَطَلَتْ هُنَاكَ لِبُطْلَانِ طَهَارَتِهِ وَهُنَا لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ " ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الدَّجَّالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا لُبْثُهُ قَالَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا يَوْمٌ كَسَنَةٍ وَيَوْمٌ كَشَهْرٍ وَيَوْمٌ كَجُمُعَةٍ وَسَائِرُ أَيَّامِهِ كَأَيَّامِكُمْ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَسَنَةٍ أَتَكْفِينَا فِيهِ صَلَاةُ يَوْمٍ قَالَ لَا اُقْدُرُوا لَهُ قَدْرَهُ " فَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ سَيُحْتَاجُ إلَيْهَا نَبَّهْتُ عَلَيْهَا لِيُعْلَمَ حُكْمُهَا بِنَصِّ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الحديث الصحيح وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
** (وتجب الصلاة في أول الوقت لان الامر تناول أول الوقت فاقتضى الوجوب فيه)
*
* (الشرح)
* مذهبنا الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وُجُوبًا مُوَسَّعًا وَيَسْتَقِرُّ الْوُجُوبُ بِإِمْكَانِ فِعْلِهَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الفقهاء: وعن أبي حنيفة روايات احداهما كَمَذْهَبِنَا وَهِيَ غَرِيبَةٌ وَالثَّانِيَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ زُفَرَ عَنْهُ يَجِبُ إذَا بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ صَلَاةَ الْوَقْتِ وَالثَّالِثَةُ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ عَنْهُ وَحَكَاهَا عَنْهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تَجِبُ بِآخِرِ الْوَقْتِ إذَا بَقِيَ مِنْهُ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَلَوْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ قَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقَعُ صَلَاتُهُ مَوْقُوفَةً فَإِنْ بَقِيَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُكَلَّفًا تَبَيَّنَّا وُقُوعَهَا فَرْضًا وَإِلَّا كَانَتْ نَفْلًا وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْهُمْ تَقَعُ نَفْلًا فَإِنْ بَقِيَ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مُكَلَّفًا منع ذلك النقل وُجُوبَ الْفَرْضِ عَلَيْهِ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي كَوْنِهَا لَا تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهَا لَوْ وَجَبَتْ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَلِأَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ كَحَوْلِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ كَالصَّلَاةِ ثُمَّ الزَّكَاةُ تَجِبُ بِآخِرِهِ فَكَذَا الصَّلَاةُ وَلِأَنَّ مَنْ دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ حَاضِرٌ وَمَضَى مَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ ثُمَّ سَافَرَ فَلَهُ قَصْرُ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَوْ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ
الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ قَصْرُهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ بَعْدَ الْوَقْتِ وَلِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَتَرْكِهَا فَإِذَا فَعَلَهَا فِيهِ كَانَتْ نفلا
* واحتج اصحابنا بقول اللَّهِ تَعَالَى (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غسق الليل) وَالدُّلُوكُ الزَّوَالُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ: وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَيْفَ أَنْتَ إذَا بَقِيَتْ فِي قَوْمٍ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا قَالَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا ثُمَّ اذْهَبْ لِحَاجَتِك فَإِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ وَقْتِهَا فَهَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ أُولَئِكَ الْأُمَرَاءِ وَهُوَ التَّأَخُّرُ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَا عَنْ الْوَقْتِ كُلِّهِ وَمَعْنَى صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا أَيْ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَقْصُودَةٌ لَا لِغَيْرِهَا تَجِبُ فِي الْبَدَنِ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْمَالِ تَجُوزُ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ فَكَانَ كُلُّ وَقْتٍ لِجَوَازِهَا وَقْتًا لِوُجُوبِهَا كَالصَّوْمِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا مَقْصُودَةٌ لَا لِغَيْرِهَا عَنْ الْوُضُوءِ وَبِقَوْلِنَا تَجِبُ فِي الْبَدَنِ عَنْ الزَّكَاةِ وَبِقَوْلِنَا لَا تتعلق بِالْمَالِ عَنْ الْحَجِّ وَبِقَوْلِنَا فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ عَنْ
صَلَاةِ الْجَمْعِ فَإِنَّهُ تَجُوزُ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ تَبَعًا وَإِنْ كَانَتْ الْآنَ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَكِنَّهَا لَا تَجُوزُ فِي هَذَا الْوَقْتِ فِي عُمُومِ الْأَوْقَاتِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ فِي سَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ أَوْ فِي نُسُكِ الْحَجِّ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَوْ وَجَبَتْ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا كَصَوْمِ رَمَضَانَ أَنَّ الْوَاجِبَ ضربان موسع ومضيق فالموسع تبع فِيهِ التَّوَسُّعَ وَلَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ ذَلِكَ الزَّمَنِ الْمَحْدُودِ لِلتَّوَسُّعِ وَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ الصَّلَاةُ وَأَمَّا الْمُضَيَّقُ فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِهِ وَمِنْ هَذَا صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى حَوْلِ الزَّكَاةِ أَنَّ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ جُوِّزَ رُخْصَةً لِلْحَاجَةِ وَإِلَّا فقياس العبادات ان لا تُقَدَّمَ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِالِاتِّفَاقِ وَاتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ فِي الْوَقْتِ لَكِنْ قُلْنَا نَحْنُ تَجِبُ بِأَوَّلِهِ وَهُمْ بِآخِرِهِ فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهَا بِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَافِرِ أن لنا فيها خلافا ففى وجه قاله الْمُزَنِيّ وَابْنُ سُرَيْجٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَعَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فَعَلَى هَذَا إنَّمَا جَازَ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ صِفَةٌ لِلصَّلَاةِ وَالِاعْتِبَارُ فِي صِفَتِهَا بِحَالِ فِعْلِهَا لَا بِحَالِ وُجُوبِهَا وَلِهَذَا لَوْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْمَاءِ ثُمَّ عجز
عَنْهُمَا صَلَّاهَا قَاعِدًا بِالتَّيَمُّمِ وَأَجْزَأَتْهُ وَلَوْ فَاتَتْهُ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْهُمَا فَقَضَاهَا وَهُوَ قَادِرٌ لَزِمَهُ القيام والوضوء: والجواب عن قياسهم علي النوفل أَنَّهُ يَجُوزُ تَرْكُهَا مُطْلَقًا وَالْمَكْتُوبَةُ لَا يَجُوزُ تَرْكُهَا مُطْلَقًا بِالْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِمَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي يَوْمِ كَذَا فَلَهُ ان يصليها في أي وقت منه شاء فلو صلاها فِي أَوَّلِهِ وَقَعَتَا فَرْضًا: قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْوَجْهُ أَنْ نَقُولَ لَهُمْ أَتُسَلِّمُونَ الْوَاجِبَ الْمُوَسَّعَ أَمْ تُنْكِرُونَهُ فَإِنْ أَنْكَرُوهُ أَقَمْنَا عَلَيْهِ قَوَاطِعَ الْأَدِلَّةِ وَالْقَوْلُ الْوَجِيزُ فِيهِ أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ أَنْ يَقُولَ الشَّارِعُ قَدْ أَوْجَبْتُ عَلَيْكَ تَحْصِيلَ هَذَا الْفِعْلِ وَضَرَبْتُ لِتَحْصِيلِكَ إيَّاهُ هَذَا الْأَمَدَ فَمَتَى فَعَلْتَهُ فِيهِ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ فَقَدْ امْتَثَلْتَ مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فَهَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ عَقْلًا وَلَهُ نَظَائِرُ ثَابِتَةٌ بِالِاتِّفَاقِ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَنْسِيَّاتِ وَالصَّوْمِ الْمَتْرُوكِ بِعُذْرٍ وَإِنْ اعْتَرَفُوا بِالْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ قُلْنَا لَهُمْ الْمُكَلَّفُ مَأْمُورٌ بِتَحْصِيلِ الصَّلَاةِ فِي وَقْتٍ مُوَسَّعٍ وَمَتَى أَوْقَعَهَا فِيهِ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ وعبادات البدن لا تصح قبل وقت وُجُوبِهَا فَإِنْ قَالُوا لَوْ وَجَبَتْ لَعَصَى بِتَأْخِيرِهَا عن أول الوقت قلنا هذه صفة الواجب الْمُضَيَّقِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ هَذَا وَاجِبٌ مُوَسَّعٌ كَالْكَفَّارَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا دَخَلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَأَرَادَ تَأْخِيرَهَا إلَى أَثْنَاءِ الْوَقْتِ أَوْ آخره هل يلزمه العزم علي فعلها فيه وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِأَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي اللُّمَعِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُمَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ صَاحِبُ الْحَاوِي أَحَدُهُمَا لَا يَلْزَمُهُ الْعَزْمُ وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا بِلَا عَزْمٍ وَصَلَّاهَا فِي الْوَقْتِ أَثِمَ وَكَانَتْ أَدَاءً وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي كُلِّ وَاجِبٍ مُوَسَّعٍ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى بِوُجُوبِ الْعَزْمِ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ فَإِنْ قِيلَ قَوْلُهُ صَلِّ فِي هَذَا الْوَقْتِ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِلْعَزْمِ فَإِيجَابُهُ زِيَادَةٌ عَلَى مُقْتَضَى الصِّيغَةِ وَلِأَنَّهُ لَوْ غَفَلَ عَنْ الْعَزْمِ وَمَاتَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا قُلْنَا قَوْلُكُمْ لَوْ غَفَلَ عَنْ الْعَزْمِ لَا يَكُونُ عَاصِيًا صَحِيحٌ وَسَبَبُهُ أَنَّ الْغَافِلَ لَا يُكَلَّفُ أَمَّا إذَا لَمْ يَغْفُلْ عَنْ الْأَمْرِ فَلَا يُتْرَكُ الْعَزْمُ إلَّا بِضِدِّهِ وَهُوَ الْعَزْمُ علي الترك مطلقا وهذا حرام ومالا خَلَاصَ مِنْ الْحَرَامِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ فَهَذَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ بِمُجَرَّدِ الصِّيغَةِ مِنْ حَيْثُ وَضْعُ اللِّسَانِ لَكِنَّ دَلِيلَ الْعَقْلِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الصِّيغَةِ وَاَللَّهُ اعلم
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَخَّرَ الصَّلَاةَ وَقُلْنَا لَا يَجِبُ الْعَزْمُ أَوْ أَوْجَبْنَاهُ وَعَزَمَ ثُمَّ مَاتَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ فَجْأَةً فَهَلْ يَمُوتُ عَاصِيًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ الصَّحِيحُ لَا يَمُوتُ عَاصِيًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى وَمَنْ قَالَ يَمُوتُ عَاصِيًا فَقَدْ خَالَفَ إجْمَاعَ السَّلَفِ فَإِنَّا نَعْلَمُ انهم كانوا لا يأثمون مَنْ مَاتَ فَجْأَةً بَعْدَ مُضِيِّ قَدْرِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ الزَّوَالِ وَلَا يَنْسُبُونَهُ إلَى تَقْصِيرٍ لاسيما إذَا اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَنَهَضَ إلَى الْمَسْجِدِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بَلْ مُحَالٌ أَنْ يَعْصِيَ وَقَدْ جَازَ لَهُ التَّأْخِيرُ وَمَتَى فَعَلَ مَا يَجُوزُ لَهُ كَيْفَ يُمْكِنُ تَعْصِيَتُهُ: فَإِنْ قِيلَ جَازَ التَّأْخِيرُ بِشَرْطِ سَلَامَةِ الْعَاقِبَةِ قُلْنَا مُحَالٌ لِأَنَّ الْعَاقِبَةَ مَسْتُورَةٌ عَنْهُ فَإِذَا سَأَلْنَا وَقَالَ الْعَاقِبَةُ مسورة عَنِّي وَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ وَأُرِيدُ تَأْخِيرَهُ إلَى الْغَدِ فَهَلْ لِي تَأْخِيرُهُ مَعَ جَهْلِ الْعَاقِبَةِ أَمْ أَعْصِي بِالتَّأْخِيرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَعْصِي قَالَ فَلِمَ آثَمُ بِالْمَوْتِ الَّذِي لَيْسَ إلَيَّ وَإِنْ قُلْنَا يَعْصِي خَالَفْنَا الْإِجْمَاعَ فِي الْوَاجِبِ الْمُوَسَّعِ وَإِنْ قُلْنَا إنْ كَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّكَ تَمُوتُ قَبْلَ الْغَدِ عَصَيْتَ وَإِنْ كَانَ فِي عِلْمِهِ أَنَّكَ تَحْيَا فَلَكَ التَّأْخِيرُ قَالَ فَمَا يُدْرِينِي مَا فِي عِلْمِ اللَّهِ تعالى فما قولكم في حق الجاهل فلابد مِنْ الْجَزْمِ بِتَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ فَإِنْ قِيلَ إذَا جَوَّزْتُمْ تَأْخِيرَهُ
أَبَدًا وَلَا يَعْصِي إذَا مَاتَ فَلَا مَعْنَى لِوُجُوبِهِ قُلْنَا تَحَقَّقَ الْوُجُوبُ بِأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ إلَّا بِشَرْطِ الْعَزْمِ وَلَا يَجُوزُ الْعَزْمُ عَلَى التَّأْخِيرِ إلَّا إلَى مدة تغلب عَلَى ظَنِّهِ الْبَقَاءُ إلَيْهَا كَتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ مِنْ سَاعَةٍ إلَى سَاعَةٍ وَتَأْخِيرِ الصَّوْمِ مِنْ يَوْمٍ إلَى يَوْمٍ مَعَ الْعَزْمِ عَلَى التَّفَرُّغِ لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَتَأْخِيرِ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ فَلَوْ عَزَمَ الْمَرِيضُ الْمُشْرِفُ عَلَى الْهَلَاكِ عَلَى التَّأْخِيرِ شَهْرًا أَوْ الشَّيْخُ الضَّعِيفُ علي التأخير سِنِينَ وَغَالِبُ ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَبْقَى إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ عَصَى بِهَذَا التَّأْخِيرِ وَإِنْ لَمْ يَمُتْ وَوُفِّقَ لِلْعَمَلِ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِظَنِّهِ كَالْمُعَزَّرِ إذا ضرب ضربا يهلك أو قطع سلعة وَغَالِبُ ظَنِّهِ الْهَلَاكُ بِهَا يَأْثَمُ وَإِنْ سَلِمَ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْحَجِّ مِنْ سَنَةٍ إلَى سَنَةٍ لِأَنَّ الْبَقَاءَ إلَى سَنَةٍ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وَرَآهُ الشَّافِعِيُّ غَالِبًا عَلَى الظَّنِّ فِي الشَّابِّ الصَّحِيحِ دون الشيح وَالْمَرِيضِ ثُمَّ الْمُعَزَّرُ إذَا فَعَلَ مَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ السَّلَامَةُ فَهَلَكَ مِنْهُ ضَمِنَ لِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ وَالْمُخْطِئُ ضَامِنٌ غَيْرُ آثِمٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ رحمه الله
* وَلَنَا فِيمَنْ أَخَّرَ الْحَجَّ حَتَّى مَاتَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ اصحها يموت عاصيا الشيخ والشاب الصحيح الثاني لَا يَمُوتُ عَاصِيًا وَالثَّالِثُ يَعْصِي الشَّيْخُ دُونَ الشَّابِّ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ هُنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْعِصْيَانُ مُطْلَقًا وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْعِصْيَانِ مِنْ الْأَحْكَامِ فِي
كِتَاب الْحَجِّ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قال المصنف رحمه الله
*
* (والافضل فيما سوى الظهر والعشاء التقديم في أول الوقت لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ فقال " الصلاة في اول وقتها " ولان الله تعالى أمر بالمحافظة عليها قال الشافعي رحمه الله ومن المحافظة عليها تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا عرضها للنسيان وحوادث الزمان)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورُ وَهُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ فَرْوَةَ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعْفُهُ بَيِّنٌ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَفْضَلُ تَعْجِيلُ
الصُّبْحِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَهُوَ إذَا تَحَقَّقَ طُلُوعُ الْفَجْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ وَأَبِي مُوسَى وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ واحمد واسحق وَدَاوُد وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْإِسْفَارِ أَفْضَلُ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْإِسْفَارِ بِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " أَسْفِرُوا بِالْفَجْرِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " أَصْبِحُوا بِالصُّبْحِ فانه أعظم للاجر " وعن عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً لِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ يَعْنِي الْمُزْدَلِفَةَ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيقَاتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا صَلَّاهَا بَعْدَ طُلُوعِهِ مُغَلِّسًا بِهَا فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ مُسْفِرًا بِهَا قَالُوا وَلِأَنَّ الْإِسْفَارَ يُفِيدُ كَثْرَةَ الْجَمَاعَةِ وَاتِّصَالَ الصُّفُوفِ وَلِأَنَّ الْإِسْفَارَ يَتَّسِعُ بِهِ وَقْتُ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَمَا أَفَادَ كَثْرَةَ النَّافِلَةِ كَانَ أَفْضَلَ
* وَاحْتَجَّ اصحابنا يقول الله تعالى (حافظوا على الصلوات) وَمِنْ الْمُحَافَظَةِ تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ إذا أخرها عرضها للفوات وبقول اللَّهُ تَعَالَى (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) والصلاة تحصل ذلك وبقوله تعالي (واستبقوا الخيرات) وبحديث
عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كُنَّ نِسَاءَ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ لَا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْغَلَسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْمُتَلَفِّعَاتُ المتلفات وَالْمُرُوطُ الْأَكْسِيَةُ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْفَتِلُ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ وَالْعِشَاءَ إذَا رَأَى فِي النَّاسِ قِلَّةً أَخَّرَ وَإِذَا رَأَى كَثْرَةً عَجَّلَ وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " تَسَحَّرَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ فَصَلَّى قُلْتُ لِأَنَسٍ كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَمُسْلِمٌ بمعناه وعن سهل بن سعدر رضي الله عنه قَالَ " كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلَاةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الصُّبْحَ مَرَّةً بِغَلَسٍ ثُمَّ صَلَّى مَرَّةً أُخْرَى فَأَسْفَرَ بِهَا ثُمَّ كَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ التَّغْلِيسَ حَتَّى مَاتَ لَمْ يَعُدْ إلَى أَنْ يُسْفِرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَعَنْ مُغِيثِ بْنِ سُمَيٍّ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ صلاة الفجر
فَصَلَّى بِغَلَسٍ وَكَانَ يُسْفِرُ بِهَا فَلَمَّا سَلَّمَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ إلَى جَانِبِي فَقَالَ هَذِهِ صَلَاتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَلَمَّا قُتِلَ عُمَرُ أسفر بهما عُثْمَانُ رضي الله عنه " قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِسْفَارِ طُلُوعُ الْفَجْرِ وَهُوَ ظُهُورُهُ يُقَالُ سَفَرَتْ الْمَرْأَةُ أَيْ كَشَفَتْ وَجْهَهَا فَإِنْ قِيلَ لَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْأَجْرِ) لِأَنَّ هَذَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصلاة قبل الاسقار لَكِنَّ الْأَجْرَ فِيهَا أَقَلُّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ دُخُولُ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَيَقَّنْهُ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّ التَّأْخِيرَ إلَى إسْفَارِ الْفَجْرِ وَهُوَ ظُهُورُهُ الَّذِي يُتَيَقَّنُ بِهِ طُلُوعُهُ أَفْضَلُ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالْإِسْفَارِ فِي اللَّيَالِي الْمُقْمِرَةِ فَإِنَّهُ لَا يُتَيَقَّنُ فِيهَا الْفَجْرُ إلَّا بِاسْتِظْهَارٍ فِي الْإِسْفَارِ وَالثَّانِي ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ لَمَّا أُمِرُوا بِالتَّعْجِيلِ صَلَّوْا بَيْنَ الْفَجْرِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي طَلَبًا لِلثَّوَابِ فَقِيلَ لَهُمْ صَلُّوا بَعْدَ الْفَجْرِ الثَّانِي وَأَصْبِحُوا بِهَا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِكُمْ فَإِنْ قِيلَ لَوْ صَلَّوْا قَبْلَ الْفَجْرِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَجْرٌ فَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ يُؤْجَرُونَ عَلَى نِيَّتِهِمْ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَمَعْنَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْفَجْرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ قَبْلَ عَادَتِهِ فِي بَاقِي الْأَيَّامِ وَصَلَّى فِي هَذَا الْيَوْمِ فِي أَوَّلِ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِيَتَّسِعَ الْوَقْتُ لِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَفِي غَيْرِ هَذَا الْيَوْمِ كَانَ يُؤَخِّرُ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرَ مَا يَتَوَضَّأُ الْمُحْدِثُ وَيَغْتَسِلُ الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ فَقَوْلُهُ قبل
ميقاتها معناه قبل ميقاتها المعتاد بشئ يَسِيرٍ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِسْفَارُ تُفِيدُ كَثْرَةَ الْجَمَاعَةِ وَيَتَّسِعُ بِهِ وَقْتُ النَّافِلَةِ أَنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَا تَلْتَحِقُ بِفَائِدَةِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُغَلِّسُ بِالْفَجْرِ
*
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الظُّهْرُ فِي غيره شِدَّةِ الْحَرِّ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ تَعْجِيلَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ أحب ان تصلى في الصيف والشتاء والفئ ذِرَاعٌ كَمَا قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ إذَا دَحَضَتْ الشَّمْسُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ وَالشَّمْسُ دَحَضَتْ أَيْ زَالَتْ
*
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْعَصْرُ فَتَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ مَا لَمْ تَتَغَيَّرْ الشَّمْسُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَأَقِمِ الصلاة طرفي النهار) وبحديث علي ابن شَيْبَانَ رضي الله عنه قَالَ " قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يُؤَخِّرُ الْعَصْرَ مَا دَامَتْ الشَّمْسُ نَقِيَّةً " وَعَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَأْخِيرِ الْعَصْرِ " وَلِأَنَّهَا إذَا أُخِّرَتْ اتَّسَعَ وَقْتُ النَّافِلَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (حافظوا على الصلوات) وقد سبق تقرير وجه الدليل وبالآيتين السَّابِقَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى قُبَاءَ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إلَى الْعَوَالِي " قَالَ الْعُلَمَاءُ الْعَوَالِي قُرَى عِنْدَ الْمَدِينَةِ أَقْرَبُهَا مِنْهَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ وَقِيلَ ثَلَاثَةٌ وَأَبْعَدُهَا عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعَنْ أَبِي أمامة بن سهل بن حبيب وهو صحابي بن صَحَابِيٍّ رضي الله عنهما قَالَ " صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ فَقُلْتُ يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّيْتَ قَالَ الْعَصْرُ وَهَذِهِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ
رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نم تُنْحَرُ الْجَزُورُ فَتُقْسَمُ عَشْرَ قِسَمٍ فَنَأْكُلُ لَحْمًا نَضِيجًا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّمْسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نُرِيدُ أَنْ نَنْحَرَ جَزُورًا لَنَا وَنُحِبُّ أَنْ تَحْضُرَهَا فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْنَا مَعَهُ فَوَجَدْنَا الْجَزُورَ لَمْ تُنْحَرْ فَنُحِرَتْ ثُمَّ قُطِّعَتْ ثُمَّ طُبِخَ مِنْهَا ثُمَّ أَكَلْنَا قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنْ صَلِّ الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ بَيْضَاءُ نَقِيَّةٌ قَدْرَ مَا يَسِيرُ الرَّاكِبُ ثَلَاثَ فَرَاسِخَ " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ هِشَامٍ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الطَّرْفُ مَا بَعْدَ النِّصْفِ وَعَنْ حَدِيثِ عَلِيِّ ابن شَيْبَانَ أَنَّهُ بَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَعَنْ حَدِيثِ رَافِعٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَاهُ وَبَيَّنَّا ضَعْفَهُ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ وَأَبُو القسم اللالكائ وغيرهما وقولهم يسع وَقْتُ النَّافِلَةِ سَبَقَ جَوَابُهُ فِي تَقْدِيمِ الصُّبْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَتَعْجِيلُهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَفْضَلُ بِالْإِجْمَاعِ
*
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْعِشَاءُ فذكر المصنف والاصحاب فيها قولين أَحَدُهُمَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ
والقديم أن تقديمها فضل كَغَيْرِهَا وَلِأَنَّهُ الَّذِي وَاظَبَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وقد روى النعمان ابن بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِوَقْتِ هَذِهِ الصَّلَاةِ صَلَاةِ عِشَاءِ الْآخِرَةِ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصليها لِسُقُوطِ الْقَمَرِ لِثَالِثَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهَذَا نَصٌّ فِي تَقْدِيمِهَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي تَأْخِيرُهَا أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُؤَخِّرُوا الْعِشَاءَ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أبو داود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَقَالَ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ لَأَمَرْتُهُمْ بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَبِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ
صَلَاةٍ " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ " لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ وَلَأَخَّرْتُ الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ " فَهُوَ بِهَذَا اللَّفْظِ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ وَقَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَيْسَ بِمَقْبُولٍ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ الآخرة " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ رضي الله عنه الصَّلَاةَ نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَخَرَجَ وَقَالَ مَا يَنْتَظِرُهَا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ غَيْرُكُمْ وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم " اغتم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَخَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَالَ الصَّلَاةَ فَخَرَجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى
أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " مَكَثْنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ نَنْتَظِرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ فَخَرَجَ إلَيْنَا حِينَ ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ أَوْ بعده فلا ندرى أشئ شَغَلَهُ فِي أَهْلِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقَالَ حِينَ خَرَجَ إنَّكُمْ تَنْتَظِرُونَ صَلَاةً مَا يَنْتَظِرُهَا أَهْلُ دِينٍ غَيْرُكُمْ وَلَوْلَا أَنْ تَثْقُلَ عَلَى أُمَّتِي لَصَلَّيْتُ بِهِمْ هَذِهِ السَّاعَةَ ثُمَّ أَمَرَ الْمُؤَذِّنَ فَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَصَلَّى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ (7) وَالْبُخَارِيُّ بَعْضَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " أَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا أَمَا إنَّكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " أَعْتَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ وَحَتَّى نَامَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى فَقَالَ إنَّهُ لَوَقْتُهَا لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ أَحَادِيثُ صِحَاحٌ فِي فَضِيلَةِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ مَذْهَبُ أبى حنيفة وأحمد واسحق وَآخَرِينَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ تَقْدِيمَهَا أَفْضَلُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ سَلِيمٌ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ في كتابيه والشيخ نصر في الكافي والغزالي في الخلاصة والشاشبى فِي الْعُمْدَةِ وَقَطَعَ الزُّبَيْرِيُّ فِي الْكَافِي بِتَفْضِيلِ التَّأْخِيرِ وَهُوَ أَقْوَى دَلِيلًا لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أُخِّرَتْ إلَى وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَهُوَ نِصْفُ اللَّيْلِ فِي قَوْلٍ وَثُلُثُهُ فِي قَوْلٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالُوا وَلَا يُؤَخِّرُهَا عَنْ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْخِيرِ الْعِشَاءِ وَتَقْدِيمِهَا قَوْلَيْنِ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَالَ ابْنُ أَبِي هريرة ليست علي قولين بل على
(7) بهامش الاصل لعله يمعناه اه
حَالَيْنِ فَإِنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إذَا أَخَّرَهَا لَا يَغْلِبُهُ نَوْمٌ وَلَا كَسَلٌ اُسْتُحِبَّ تَأْخِيرُهَا وَإِلَّا فَتَعْجِيلُهَا وَجُمِعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ بِهَذَا وَضَعَّفَ الشَّاشِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ كَمَا زَعَمَ بَلْ وظاهر أَوْ الْأَرْجَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يَحْصُلُ به فضيلة أول لوقت فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَآخَرُونَ يَحْصُلُ بِأَنْ يشتغل أَوَّلَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِأَسْبَابِ الصَّلَاةِ كَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَضُرُّ الشُّغْلُ الْخَفِيفُ كَأَكْلِ لُقَمٍ وَكَلَامٍ قَصِيرٍ وَلَا يُكَلَّفُ الْعَجَلَةَ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَشَرَطَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ تَقْدِيمَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ قَبْلَ الْوَقْتِ لِنَيْلِ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ لِأَنَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَضَعَّفَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَنَقَلُوا عن عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُهُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَبْقَى وَقْتُ الْفَضِيلَةِ إلَى نِصْفِ الْوَقْتِ
وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ الْمَشْهُورُ وَكَذَا أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ آخَرُونَ إلَى نِصْفِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ وَالثَّالِثُ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ حَتَّى يُقَدِّمَ قَبْلَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنْ تَقْدِيمُهُ مِنْ الْأَسْبَابِ لِتَنْطَبِقَ الصَّلَاةُ عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا قِيلَ لَا يَنَالُ الْمُتَيَمِّمُ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّالِثُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الْمُسْتَفِيضَةِ عَنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَصْحَابِهِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ وَسَائِرِ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ الْأَخِيرَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَهُمَا ضَعِيفَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ يَوْمُ غَيْمٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ تُؤَخَّرَ الصَّلَاةُ حَتَّى يُتَيَقَّنَ الْوَقْتُ أَوْ لَا يَبْقَى إلَّا وَقْتٌ لَوْ أَخَّرَ عَنْهُ خَافَ خُرُوجَ الْوَقْتِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ عَادَةُ الْإِمَامِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ تَقْدِيمُهَا فِي أَوَّلِ الوقت لحيازة فضيلة أَمْ تَأْخِيرُهَا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ خِلَافٌ مُنْتَشِرٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ تُسْتَثْنَى مِنْهُ صُوَرٌ مِنْهَا مَنْ يُدَافِعُ الْحَدَثَ وَمَنْ
حضره طعام وتاق إليه والمتيمم الذى يتيقين الماء في آخر الوقت كذا الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَيَعْلَمُ قُدْرَتَهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِهِ بِالْعَادَةِ وَالْمُنْفَرِدُ الَّذِي يَعْلَمُ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ إذَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ لَهَا التَّأْخِيرُ عَلَى ما سبق في باب التيمم * قال المصنف رحمه الله
*
* (واما الظهر فانه ان كان في غير حر شديد فتقديمها أفضل لما ذكرناه وان كان في حر شديد وتصلي جماعة في موضع تقصده الناس من البعد استحب الابراد بها بقدر ما يحصل فيئ يمشى فيه القاصد الي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فان شدة الحر من فيح جهنم) وفى صلاة الجمعة وجهان أحدهما انها كالظهر لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (كَانَ إذَا اشتد البرد بكربها وإذا اشتد الحر ابرد بها والثاني تقديمها أفضل بكل حال لان الناس لا يتأخرون عنها لانهم ندبوا الي التبكير إليها فلم يكن للتأخير وجه:)
*
** (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفَيْحُ جَهَنَّمَ بِفَتْحِ الْفَاء وَإِسْكَانِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَبِالْحَاءِ وَهُوَ غَلَيَانُهَا وَانْتِشَارُ لَهَبِهَا وَوَهَجِهَا وَحَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ لَكِنَّ لَفْظَهُ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ " هَذَا لَفْظُهُ وَتَرْجَمَ لَهُ الْبُخَارِيُّ بَابُ " إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ "
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتَقْدِيمُ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْحَرِّ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ أَمَّا فِي شِدَّةِ الْحَرِّ لِمَنْ يَمْضِي إلَى جَمَاعَةٍ وَطَرِيقُهُ فِي الْحَرِّ فَالْإِبْرَادُ بِهَا سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ العراقيين والخرسانيين وفيه وجه شاذ حكاه الخراسانيون أن الايراد رُخْصَةٌ وَأَنَّهُ لَوْ تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَصَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ كَانَ أَفْضَلَ هَكَذَا حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمِنْهُمْ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَزَعَمَ أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَنِ الْمُتَظَاهِرَةِ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِالْإِبْرَادِ وَأَنَّهُ فَعَلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ وَالْمَشْيَ إلَيْهَا يَسْلُبُ الْخُشُوعَ أَوْ كَمَالَهُ فَاسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ لِتَحْصِيلِ الْخُشُوعِ كَمَنْ حَضَرَهُ طَعَامٌ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ أَوْ كَانَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثَيْنِ وَحَقِيقَةُ الْإِبْرَادِ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ
بقدر ما يحصل للحيطان فيئ يَمْشِي فِيهِ طَالِبُ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُؤَخِّرُ عَنْ النِّصْفِ الْأَوَّلِ مِنْ الْوَقْتِ وَلِلْإِبْرَادِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَأَنْ تَكُونَ بلاد حارة وان تصلي جَمَاعَةً وَأَنْ يَقْصِدَهَا النَّاسُ مِنْ الْبُعْدِ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذِهِ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ الْبِلَادِ الْحَارَّةِ وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ قَوْلٌ أَنَّهُ لَوْ قَرُبَتْ مَنَازِلُهُمْ مِنْ الْمَسْجِدِ اُسْتُحِبَّ الْإِبْرَادُ كَمَا لَوْ بَعُدُوا وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَطَرَدُوهُ فِي جَمَاعَةٍ هُمْ فِي مَوْضِعٍ لَا يَأْتِيهِمْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَفِيمَنْ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ إلَى الْمَسْجِدِ فِي ظِلٍّ وَفِيمَنْ صَلَّى فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا وَالْأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ لَا يُبْرِدُونَ بَلْ تُشْتَرَطُ الشُّرُوطُ الْأَرْبَعَةُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ مُتَابَعَةً
لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ غَيْرُ اشْتِدَادِ الْحَرِّ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ لَا يُبْرِدُونَ بِهَا وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا حَدِيثُ زُهَيْرٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عن سعيد ابن وَهْبٍ عَنْ خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ " شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يُشْكِنَا قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَفِي الظُّهْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ أَفِي تَعْجِيلِهَا قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ نسخه * قال المصنف رحمه الله
*
* (واوكد الصلوات في المحافظة عليها الصلاة الوسطى لان الله تعالى خصها بالذكر فقال تعالى (والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين) فقرنها بالقنوت ولا قنوت الا في الصبح ولان الصبح يدخل وقتها والناس في أطيب نوم فخص بالمحافظة حتى لا يتغافل عنها بالنوم ولهذا خص بالتثويب)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الْوُسْطَى آكَدُّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَاخْتَلَفُوا فِيهَا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ الصُّبْحُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عُمَرَ ومعاذ ابن جَبَلٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ رضي الله عنهم وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَمُجَاهِدٍ وَالرَّبِيعِ بْنِ أنس رحمهم
اللَّهُ وَقَالَ طَائِفَةٌ هِيَ الْعَصْرُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالْكَلْبِيِّ وَمُقَاتِلٍ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ رحمه الله وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هِيَ الظُّهْرُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ واسامة ابن زَيْدٍ وَعَائِشَةَ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ وَقَالَ قَبِيصَةُ بْنُ ذُؤَيْبٍ هِيَ الْمَغْرِبُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الْعِشَاءُ الْآخِرَةِ وَبَعْضُهُمْ إنَّهَا إحْدَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ مُبْهَمَةٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا الجملة وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوُسْطَى جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فَهَذِهِ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا وَالصَّحِيحُ مِنْهَا مَذْهَبَانِ الْعَصْرُ وَالصُّبْحُ وَاَلَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهَا الْعَصْرُ وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهَا الصُّبْحُ وَصَحَّتْ الْأَحَادِيثُ أَنَّهَا الْعَصْرُ
وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ الْحَدِيثِ فَصَارَ مَذْهَبُهُ أَنَّهَا الْعَصْرُ قَالَ وَلَا يَكُونُ فِي الْمَسْأَلَةِ قولان كما فهم بَعْضُ أَصْحَابِنَا هَذَا كَلَامُ صَاحِبُ الْحَاوِي
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ أَنَّهَا الْعَصْرُ بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَوْمَ الْأَحْزَابِ شَغَلُونَا عَنْ الصَّلَاةِ الْوُسْطَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مَلَأَ اللَّهُ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ الْحَدِيثِ بان العصر تسعى وُسْطَى وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهَا الْمُرَادَةُ فِي الْقُرْآنِ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ وَاحْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِقَوْلِهِ تعالى (وقوموا لله قانتين) مِمَّا يُنْكِرُهُ الْمُخَالِفُونَ وَيَقُولُونَ لَا نُسَلِّمُ إثْبَاتَ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ وَإِنْ سَلَّمْنَاهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُنُوتِ هَذَا الْقُنُوتُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَكُمْ بَلْ الْقُنُوتُ الطَّاعَةُ وَالْعِبَادَةُ كَذَا قَالَ أَهْلُ اللغة
إنَّ هَذَا أَشْهَرُ مَعَانِيهِ وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا الْإِنْكَارِ أَنَّ الْقُنُوتَ فِي اللُّغَةِ يُطْلَقُ عَلَى طُولِ الْقِيَامِ وَعَلَى الدُّعَاءِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ " وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَالِاسْتِعْمَالِ أَنَّ الْقُنُوتَ الْعِبَادَةُ وَالدُّعَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى فِي حَالِ الْقِيَامِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ فَتَظْهَرُ الدَّلَالَةُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ الْوُسْطَى الصبح لانه لا فرض يدعا فِيهِ قَائِمًا غَيْرُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ عَلَى أَنَّهَا الصُّبْحُ وَلَيْسَتْ الْعَصْرَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّهَا قَالَتْ لِمَنْ يَكْتُبُ لَهَا مُصْحَفًا اُكْتُبْ حَافِظُوا عَلَى الصلوات والصلاة الوسطي وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ قَالَتْ عَائِشَةُ سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ فَعَطْفُ الْعَصْرِ عَلَى الوسطي يدل علي انها غيرها * قال المصنف رحمه الله
*
* (ويجوز تأخير الصلاة إلى آخر الوقت لقوله صلي الله عليه وسلم أول الوقت رضوان الله وآخره عفو الله) ولانا لو لم نجوز التأخير ضاق علي الناس فسمح لهم بالتأخير فان صلى ركعة في الوقت ثم خرج الوقت ففيه وجهان أحدهما وهو ظاهر المذهب وهو قول ابي علي بن خيران انه مؤد للجميع لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ من العصر ركعة قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ) ومن أصحابنا من قال هو مؤد لما صلي في الوقت قاض لما صلي بعد خروج الوقت
اعتبارا بما في الوقت وبعده)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مَحْذُورَةَ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ وَجَمَعَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ أَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَيُغْنِي عَنْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي قَدَّمْتُهَا فِي الْبَابِ كَحَدِيثِ " لَيْسَ التَّفْرِيطُ فِي النَّوْمِ " وَحَدِيثِ إمَامَةِ جِبْرِيلَ عليه السلام وَحَدِيثِ " وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ تَحْضُرْ الْعَصْرُ وَصَلَّى الْمَغْرِبَ عِنْدَ سُقُوطِ الشَّفَقِ " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ ركعة إلى آخره " فرواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَقَدْ ذَكَرْتُهُ قَبْلَ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ "
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ حَيْثُ تَقَعُ جَمِيعًا فِي الْوَقْتِ فَإِذَا وَقَعَ بَعْضُ صَلَاتِهِ فِي الْوَقْتِ وَبَعْضُهُ خَارِجَهُ نُظِرَ إنْ وَقَعَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَصَاعِدًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ البندبنجي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ أَنَّ الْجَمِيعَ اداء:
وَالثَّانِي الْجَمِيعُ قَضَاءٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ: وَالثَّالِثُ مَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ وَمَا بَعْدَهُ قَضَاءٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَدَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْكِتَابِ وَدَلِيلُ الْقَضَاءِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِآخِرِ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَاءِ الْجُمُعَةِ أَتَمُّوهَا ظُهْرًا وَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ فِي الْوَقْتِ دُونَ رَكْعَةٍ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّ الْجَمِيعَ قَضَاءٌ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْأَوْجُهِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قُلْنَا الْجَمِيعُ قَضَاءٌ أَوْ الْبَعْضُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسَافِرِ قَصْرُ تِلْكَ الصلاة علي قولنا لا تفصر الْمَقْضِيَّةُ وَلَوْ أَرَادَ إنْسَانٌ تَأْخِيرَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ إلَى حَدٍّ يُخْرِجُ بَعْضَهَا عَنْ الْوَقْتِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا قَضَاءٌ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءٌ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الَّذِي صَوَّبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِالْجَوَازِ وليس بشئ أَمَّا إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُ جَمِيعَهَا فَمَدَّهَا بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ لَكِنَّهُ خلاف
الاولي والثاني يُكْرَهُ وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ حَدِيثَ أَوَّلُ الْوَقْتِ رِضْوَانُ اللَّهِ ضَعِيفٌ وَالرِّضْوَانُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى إنَّمَا يَكُونُ لِلْمُحْسِنِينَ وَالْعَفْوُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُقَصِّرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَوْلُهُ لِلْمُقَصِّرِينَ قَدْ يُسْتَشْكَلُ مِنْ حَيْثُ إنَّ التَّأْخِيرَ لَا إثْمَ فِيهِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلُهُ مُقَصِّرًا وَأَجَابُوا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَنْ صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ لَا إثْمَ عَلَيْهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَفْوِيتِ الْأَفْضَلِ كَمَا يُقَالُ مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الضُّحَى فَهُوَ مقصر وان لم يأثم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يعذر أحد من أهل الفرض في تأخير الصلاة عن وقتها الا نائم أو ناس أو مكره أو من يؤخرها للجمع بعذر السفر أو المطر لقوله صلى الله عليه وسلم " ليس التفريط في النوم انما التفريط في اليقظة " فنص علي النائم وقسنا عليك الناسي والمكره لانهما في معناه واما من يؤخر الصلاة لسفر أو مطر فنذكره فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه وَقَوْلُهُ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قِيلَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمَرْأَةُ إذَا رَأَتْ دَمًا يَحْتَمِلُ الْحَيْضَ فَإِنَّهَا تُمْسِكُ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَقَدْ يَنْقَطِعُ لدون يوم
وليلة ونتيقن وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الصَّلَاةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْحُكْمِ حِينَ أَخَّرَتْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ إنَّ مَنْ يُؤَخِّرُهَا لِلْجَمْعِ بِالْمَطَرِ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ فِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّأْخِيرُ وَإِنَّمَا يَجُوزُ التَّقْدِيمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَوْ مَنْ أُكْرِهَ علي تأخيرها فمحمول علي مَنْ أُكْرِهَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَمُنِعَ مِنْ الْإِيمَاءِ بِهَا أَوْ أُكْرِهَ عَلَى التَّلَبُّسِ بِمَا يُنَافِيهَا فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَأَمْكَنَهُ الْإِيمَاءُ بِرَأْسِهِ وَعَيْنِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي الْوَقْتِ لِحُرْمَتِهِ وَيُعِيدُ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْغَرِيقِ وَالْمَصْلُوبِ وَالْمَرِيضِ وغيرهم مِمَّنْ عَجَزَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامِ الْأَرْكَانِ أَنَّهُ يَجِبُ الصَّلَاةُ فِي الْحَالِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَسَبَقَ
بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَالْخِلَافِ فِيهَا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الْمُكْرَهِ فَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجَنَائِزِ بِدُونِ وَرَقَةٍ وَلَوْ أُسِرَ رَجُلٌ وَمُنِعَ مِنْ الصَّلَاةِ فقدر ان يصليها إبماء صَلَّاهَا وَلَمْ يَدَعْهَا وَأَعَادَهَا (قُلْتُ) وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (إذا بلغ الصبي أو اسلم الكافر أو طهرت الحائض أو النفساء أو افاق المجنون أو المغمى عليه وقد بقى من وقت الصلاة قدر ركعة لزمه فرض الوقت لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العصر) فان بقي من الوقت دون ركعة ففيه قولان روى المزني عنه انه لا يلزمه لحديث أبى هريرة رضي الله عنه ولان بدون الركعة لا يدرك الجمعة فكذلك ههنا وقال في كتاب استقبال القبلة يلزمه بقدر تكبيرة لانه ادراك حرمة فاستوى فيه الركعة والتكبيرة كادراك الجماعة وتخالف الجمعة فانه ادراك فعل فاعتبر فيه الركعة وهذا ادراك حرمة فهو كالجماعة وأما الصلاة التى قبلها فينظر فيها فان كان ذلك في وقت الصبح أو الظهر أن المغرب لم يلزمه ما قبلها لان ذلك ليس بوقت لما قبلها وان كان ذلك في وقت العصر أو في وقت العشاء قال في الجديد يلزمه الظهر بما يلزم به العصر ويلزم المغرب بما يلزم به العشاء وفيما يلزم به العصر والعشاء قولان أحدهما ركعة والثانى تكبيرة والدليل عليه أن وقت العصر وقت الظهر ووقت العشاء وقت المغرب في حق أهل العذر وهو المسافر وهؤلاء من أهل العذر فجعل ذلك وقتا لها في حقهم وقال في القديم فيه قولان أحدهما يجب بركعة وطهارة
والثاني يجب الظهر والعصر بمقدار خمس ركعات أربع للظهر وركعة للعصر وتجب المغرب مع العشاء بأربع ركعات ثلاث للمغرب وركعة للعشاء لان الوقت اعتبر لادراك الصلاتين فاعتبر وقت يكن الفراغ من أحداهما والشروع في الاخرى وغلط أبو إسحق في هذا فقال أربع من العصر وركعة من الظهر وأربع من العشاء وركعة من المغرب وهذا خلاف النص في القديم وخلاف النظر لان
العصر تجب بركعة فدل على أن الاربع للظهر وخرج أبو إسحق في المسألة قولا خامسا انه يدرك الظهر والعصر بمقدار احدى الصلاتين وتكبيرة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا زَالَ الصِّبَا أَوْ الْكُفْرُ أَوْ الْجُنُونُ أَوْ الْإِغْمَاءُ أَوْ الْحَيْضُ أَوْ النِّفَاسُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ رَكْعَةٍ لَزِمَتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَالْمُعْتَبَرُ فِي الرَّكْعَةِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ وَحَكَى إمَامُ الحرمين عن والده أن قَالَ مَرَّةً يَكْفِي رَكْعَةُ مَسْبُوقٍ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهَا زَمَنُ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ فِيهِ قولان حكاهما الخراسانيون وبعضهم يحكيا وجهين اصحهما وبه قطع العراقيون يُشْتَرَطُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ فعل الركعة وان بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ فَمَا فَوْقَهَا مِمَّا لَا يَبْلُغُ رَكْعَةً فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَلْزَمُهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْهُ كَإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ وَالثَّانِي لَا لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَقِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَفِي اشْتِرَاطِ زَمَنِ الطَّهَارَةِ الْقَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا تَلْزَمُ بِتَكْبِيرَةٍ فَأَدْرَكَ زَمَنَ نِصْفِ تَكْبِيرَةٍ إنْ تَصَوَّرَ ذَلِكَ فَفِي اللُّزُومِ بِهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ لِأَنَّهُ إدْرَاكُ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسَعُ رُكْنًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَشَرْطُ الْوُجُوبِ بِرَكْعَةٍ أَوْ تَكْبِيرَةٍ أَنْ يَمْتَدَّ السَّلَامَةُ مِنْ الْمَانِعِ قَدْرَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ وَفِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَادَ مَانِعٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ تَجِبْ مِثَالُهُ بَلَغَ صَبِيٌّ فِي آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَفَاقَ مَجْنُونٌ ثُمَّ عَادَ جُنُونُهُ أَوْ طَهَرَتْ ثُمَّ جُنَّتْ أَوْ أَفَاقَتْ ثُمَّ حَاضَتْ فَإِنْ مَضَى فِي حَالِ السَّلَامَةِ مَا يَسَعُ طَهَارَةً وَأَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَجَبَتْ الْعَصْرُ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْتَوِي فِي الْإِدْرَاكِ بِرَكْعَةٍ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَتْ الْمُدْرَكَةُ صُبْحًا أَوْ ظُهْرًا أَوْ مَغْرِبًا لَمْ يَجِبْ غَيْرُهَا وَإِنْ كَانَتْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَجَبَ مَعَ الْعَصْرِ الظُّهْرُ وَمَعَ الْعِشَاءِ الْمَغْرِبُ بلا خلاف
وَفِيمَا تَجِبُ بِهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ تَجِبُ بِمَا تَجِبُ به الاولي فتجب الصلاتين بركعة في قول وبتكيرة فِي قَوْلٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا تَجِبُ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ إلَّا بِإِدْرَاكِ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مَعَ مَا تَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ فَعَلَى قَوْلٍ يُشْتَرَطُ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَعَلَى قَوْلٍ أَرْبَعٌ وَتَكْبِيرَةٌ وَعَلَى هَذَا تَكُونُ الْأَرْبَعُ لِلظُّهْرِ وَالرَّكْعَةُ أَوْ التَّكْبِيرَةُ لِلْعَصْرِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ لِيُمْكِنَ الْفَرَاغُ مِنْ الظُّهْرِ
وَالشُّرُوعُ فِي الْعَصْرِ وَتُدْرَكُ الْمَغْرِبُ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثَلَاثٌ لِلْمَغْرِبِ وَرَكْعَةٌ لِلْعِشَاءِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ الْأَرْبَعُ لِلْعَصْرِ وَالرَّكْعَةُ لِلظُّهْرِ قَالَ وَيُشْتَرَطُ فِي الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ خَمْسُ رَكَعَاتٍ أَرْبَعٌ لِلْعِشَاءِ وَرَكْعَةٌ لِلْمَغْرِبِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو إِسْحَاقَ غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَالدَّلِيلِ فَكَيْفَ يَصِحُّ أَنْ يُشْتَرَطَ لِلثَّانِيَةِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَيُكْتَفَى فِي الْأُولَى بِرَكْعَةٍ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ زَمَنُ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ أَظْهَرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَإِذَا جُمِعَتْ الْأَقْوَالُ حَصَلَ فِيمَا يَلْزَمُ بِهِ كُلُّ صَلَاةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ وَالثَّانِي تَكْبِيرَةٌ وَطَهَارَةٌ وَالثَّالِثُ رَكْعَةٌ وَالرَّابِعُ رَكْعَةٌ وَطَهَارَةٌ وَفِيمَا يَلْزَمُ بِهِ الظُّهْرُ مَعَ الْعَصْرِ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ وَالْخَامِسُ قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٍ وَالسَّادِسُ هَذَا وَزِيَادَةُ طَهَارَةٍ وَالسَّابِعُ خَمْسُ رَكَعَاتٍ وَالثَّامِنُ هَذَا وَطَهَارَةٌ وَفِيمَا تَلْزَمُ بِهِ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ اثْنَا عَشَرَ قَوْلًا هَذِهِ الثَّمَانِيَةُ وَالتَّاسِعُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٌ وَالْعَاشِرُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَتَكْبِيرَةٌ وَطَهَارَةٌ وَالْحَادِي عَشَرَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَالثَّانِي عَشَرَ هَذَا وَطَهَارَةٌ
* (فَرْعٌ)
عَادَةُ أَصْحَابِنَا يُسَمُّونَ هَؤُلَاءِ أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ فَأَمَّا غَيْرُ الْكَافِرِ فَتَسْمِيَتُهُ مَعْذُورًا ظَاهِرَةٌ وَيُسَمَّى الْكَافِرُ مَعْذُورًا لِأَنَّهُ لَا يُطَالَبُ بالقضاء بعد الاسلام نخفيفا عَنْهُ كَمَا لَا يُطَالَبُونَ تَخْفِيفًا عَنْهُمْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى وُجُوبِ الظُّهْرِ بِإِدْرَاكِ آخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَوُجُوبِ الْمَغْرِبِ بِإِدْرَاكِ آخِرِ وَقْتِ الْعِشَاءِ بِأَنَّهُمَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَوَقْتُ إحْدَاهُمَا وَقْتُ الْأُخْرَى فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِسَفَرٍ وَهَذَا الْحُكْمُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ رضي الله عنهم وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا اشْتِرَاطَ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ لِلُزُومِ الظُّهْرِ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُسَافِرِ أَمَّا الْمُسَافِرُ فَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ لِلظُّهْرِ رَكْعَتَانِ فَقَطْ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَعْذُورِ الظُّهْرُ بِإِدْرَاكِ مَا تَجِبُ بِهِ الْعَصْرُ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَفُقَهَاءُ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةُ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد لا تجب * قال المصنف رحمه الله
*
* (فاما إذا ادرك جزءا من أول الوقت ثم طرأ العذر بان كان عاقلا في أول الوقت فجن أو
طاهرا فحاضت نظرت فان لم يدرك ما يسع فرض الوقت سقط الوجوب ولم يلزمه القضاء وقال أبويحيى البلخى حكم حكم آخر الوقت فيلزمه في أحد القولين بركعة وفى الثاني بتكبيرة والمذهب الاول لانه لم يتمكن من فعل الفرض فسقط وجوبه ويخالف آخر الوقت فانه يمكنه ان يبني ما بقى على ما أدرك بعد الوقت فلزمه وان أدرك من الوقت ما يسع للفرض ثم طرأ الجنون أو الحيض استقر الوجوب ولزم القضاء إذا زال العذر وحكي عن ابى العباس انه قال لا يستقر حتى يدرك آخر الوقت والمذهب الاول لانه وجب عليه وتمكن من ادائه فاشبه إذا وجبت الزكاة وتمكن من ادائها فلم يخرج حتى هلك المال وأما الصلاة التي بعدها فلا تلزمه وقال أبويحيي البلخي تلزمه العصر بادراك وقت الظهر وتلزمه العشاء بادراك وقت المغرب كعكسه والمذهب الاول لان وقت الاولي وقت للثانية علي سبيل التبع ولهذا لا يجوز فعل الثانية في الجمع حتى يقدم الاولى بخلاف وقت الثانية فانه وقت للاولي لا علي وجه التبع ولهذا يجوز فعلها قبل الاولى)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا طَرَأَ الْعُذْرُ الَّذِي يُمْكِنُ طَرَآنُهُ وَهُوَ الْجُنُونُ وَالْإِغْمَاءُ وَالْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ فَإِنْ كَانَ الْمَاضِي مِنْ الْوَقْتِ دُونَ قَدْرِ الْفَرْضِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يَجِبُ شئ ولا يجب القضاء وقال أبويحيي الْبَلْخِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا حُكْمُ أَوَّلِ الْوَقْتِ حُكْمُ آخِرِهِ فَيَجِبُ الْقَضَاءُ بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي قَوْلٍ وَتَكْبِيرَةٍ فِي قَوْلٍ وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ كَانَ قَدْ مَضَى مِنْ الوقت قبل وجود العذر ما يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ وَجَبَ قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَخَرَّجَ ابْنُ سُرَيْجٍ قَوْلًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقَضَاءُ إلَّا إذَا أَدْرَكَ جَمِيعَ الْوَقْتِ خَرَّجَهُ مِنْ الْمُسَافِرِ إذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ نَصَّ عَلَى أَنَّ لَهُ الْقَصْرَ وَلَوْ كَانَتْ تَجِبُ باول الوقت لم يقصر والمذهب الْوُجُوبُ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ مَسْأَلَةِ الْقَصْرِ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُعْتَبَرِ أَخَفُّ مَا يُمْكِنُ مِنْ الصَّلَاةِ حَتَّى لَوْ دَخَلَتْ فِي الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَطَوَّلَتْهَا فَحَاضَتْ فِيهَا وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يَسَعُهَا لَوْ خَفَّفَتْهَا لَزِمَهَا الْقَضَاءُ لِأَنَّهَا فَوَّتَتْهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مُسَافِرًا فَطَرَأَ جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ أَوْ كانت مسافرة فطرأ الحيض بعدما مَضَى مِنْ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمَقْصُورَةِ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَجَبَ قَضَاؤُهَا لِأَنَّهُ لَوْ قَصَرَهَا لَأَمْكَنَهُ أَدَاؤُهَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ
مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ مع امكان فعلها امكان الطَّهَارَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِإِمْكَانِ تَقْدِيمِهَا قَبْلَ الْوَقْتِ إلَّا إذَا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُ طَهَارَةِ صَاحِبِ الْوَاقِعَةِ كَالْمُتَيَمِّمِ
وَالْمُسْتَحَاضَةِ وَالثَّانِي فِي اشْتِرَاطِهِ لِمَنْ يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُهَا الْخِلَافُ الَّذِي فِي آخِرِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ التَّقْدِيمُ لَا يَجِبُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الظُّهْرَ أَوْ الْمَغْرِبَ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِهَا لَمْ تَجِبْ الْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَوْجَبَهُمَا الْبَلْخِيُّ إذَا أدرك من أول الظهر ثمان رَكَعَاتٍ وَمِنْ أَوَّلِ الْمَغْرِبِ سَبْعَ رَكَعَاتٍ هَكَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْحَابُ وَأَخَلَّ الْمُصَنِّفُ بِبَيَانِ اشْتِرَاطِ ثمان رَكَعَاتٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِ أَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ فِي هَذَا لِأَنَّ وَقْتَ الظُّهْرِ لَا يَصْلُحُ لِلْعَصْرِ إلَّا إذَا صَلَّيْتَ الظُّهْرَ جَمْعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْحُكْمَ بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ وَقْتِهَا مَا يَسَعُهَا لَا يَخْتَصُّ بِأَوَّلِهِ بَلْ لَوْ كَانَ الْمُدْرَكُ مِنْ وَسَطِهِ لَزِمَتْ الصَّلَاةُ مِثَالُهُ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَعَادَ جُنُونُهُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ ثُمَّ جُنَّ أَوْ أَفَاقَتْ مَجْنُونَةٌ ثُمَّ حَاضَتْ أَوْ طَهُرَتْ ثُمَّ جُنَّتْ فِي الْوَقْتِ وَقَدْ تَلْزَمُ الظُّهْرُ بِإِدْرَاكِ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ كَمَا تَلْزَمُ بِآخِرِهِ مِثَالُهُ أَفَاقَ مُغْمًى عَلَيْهِ بَعْد أَنْ مَضَى مِنْ وَقْتِ الْعَصْرِ مَا يَسَعُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا فالمعتبر قدر ثمن رَكَعَاتٍ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا يُقْصِرُ كَفَى قَدْرُ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَيُقَاسُ الْمَغْرِبُ مَعَ الْعِشَاءِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ بِالظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفُ سَقَطَ الْوُجُوبُ مَجَازٌ والمراد امتنع الوجوب وابو يحيي اليلخى مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ سَافَرَ إلَى أَقَاصِي الدُّنْيَا فِي طَلَبِ الْفِقْهِ حَتَّى بَلَغَ فِيهِ الْغَايَةَ وَكَانَ حَسَنَ الْبَيَانِ فِي النَّظَرِ عَذْبَ اللِّسَانِ فِي الْجَدَلِ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ سُرَيْجٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَضِيَ عَنْهُمَا)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ومن وجب عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى فَاتَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ لِلْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فَإِنْ أَخَّرَهَا جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ الْوَادِي وَلَوْ كَانَتْ عَلَى الْفَوْرِ لَمَا أَخَّرَهَا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ إنْ تَرَكَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا
عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ في التأخير وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى التَّرْتِيبِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَقَضَاهَا عَلَى التَّرْتِيبِ فَإِنْ قَضَاهَا مِنْ غَيْرِ تَرْتِيبٍ جَازَ لِأَنَّهُ تَرْتِيبٌ اُسْتُحِقَّ لِلْوَقْتِ فَسَقَطَ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ كَقَضَاءِ الصَّوْمِ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْحَاضِرَةِ لِأَنَّ الْوَقْتَ تَعَيَّنَ لَهَا فوجبت البداءة بِهَا كَمَا لَوْ حَضَرَهُ رَمَضَانُ وَعَلَيْهِ صَوْمُ رَمَضَانَ قَبْلَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخَّرَ الْحَاضِرَةَ فَاتَتْ فوجبت البداءة بها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَصَحِيحٌ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَ) وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (إذَا رَقَدَ أَحَدُكُمْ عَنْ الصَّلَاةِ أَوْ غَفَلَ عَنْهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا) وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ (كُنَّا فِي سَفَرٍ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا أَسْرَيْنَا حَتَّى كُنَّا فِي آخر الليل وقعنا وقعة ولا وقعة أحلا عِنْدَ الْمُسَافِرِ مِنْهَا فَمَا أَيْقَظَنَا إلَّا حَرُّ الشَّمْسِ فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم شَكَوْا إلَيْهِ الَّذِي أَصَابَهُمْ فَقَالَ لَا ضَيْرَ وَلَا ضَرَرَ ارْتَحِلُوا فَارْتَحَلُوا فَسَارَ غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ نَزَلَ فَدَعَا بِالْوَضُوءِ فَتَوَضَّأَ وَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ) وَأَمَّا حَدِيثُ فَوَاتِ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ فَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جاء يوم الخندق بعدما غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي صلى الله عليه وسلم (وَاَللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إلَى بَطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فصلى العصر بعدما غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ) رَوَاهُ البخاري ومسلم قوله الْبِدَايَةُ لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَالصَّوَابُ الْبُدَاءَةُ بضمن الْبَاءِ وَالْمَدِّ وَالْبَدْأَةُ بِفَتْحِهَا وَإِسْكَانِ الدَّالِ بَعْدَهَا همزة والبدوءة مَمْدُودَةٌ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا مَنْ لَزِمَهُ صَلَاةٌ فَفَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا سَوَاءٌ فَاتَتْ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ فَوَاتُهَا بِعُذْرٍ كَانَ قَضَاؤُهَا عَلَى التَّرَاخِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْضِيَهَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَقِيلَ يَجِبُ قَضَاؤُهَا حين ذكر للحديث وَاَلَّذِي قَطَعَ
بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لحديث عمران ابن حُصَيْنٍ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَإِنْ فَوَّتَهَا بِلَا عُذْرٍ فَوَجْهَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَيَجُوزُ التَّأْخِيرُ كَمَا لَوْ فَاتَتْ بِعُذْرٍ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى الْفَوْرِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ الَّتِي فَاتَتْ وَلَوْ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّرَاخِي لَمْ يُقْتَلْ
* (فَرْعٌ)
الصَّوْمُ الْفَائِتُ مِنْ رَمَضَانَ كَالصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فِي فَوَاتِهِ كَالْفَائِتِ بِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَالْمَرَضِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسَّفَرِ فَقَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي مَا لَمْ يَحْضُرْ رَمَضَانُ السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فِي فَوَاتِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ كَالصَّلَاةِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ قَضَاؤُهُ عَلَى التَّرَاخِي وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَبَعْضِ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الصَّوَابُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ وَأَمَّا قَضَاءُ الْحَجِّ الْفَاسِدِ فَهَلْ هُوَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مَوْضِعِهِمَا أَصَحُّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِفْسَادِ وَأَمَّا الْكَفَّارَةُ فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ عُدْوَانٍ كَكَفَّارَةِ الْقَتْلِ خَطَأً وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَهِيَ عَلَى التَّرَاخِي بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا فَهَلْ هِيَ عَلَى الْفَوْرِ أَمْ عَلَى التَّرَاخِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَفَّالُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا عَلَى الْفَوْرِ قَالَ الْقَفَّالُ هُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَضَاءِ الْحَجِّ لان الكفارة كالحج الثانية إذ فَاتَهُ صَلَاةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَدِّمَ الْفَائِتَةَ عَلَى فَرِيضَةِ الْوَقْتِ الْمُؤَدَّاةِ وَأَنْ يُرَتِّبَ الْفَوَائِتَ فَيَقْضِيَ الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ ثُمَّ الثَّالِثَةَ وَهَكَذَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعٍ وَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ أَوْ قَدَّمَ الْمُؤَدَّاةَ عَلَى الْمَقْضِيَّةِ أَوْ قَدَّمَ الْمُتَأَخِّرَةَ عَلَى الْفَوَائِتِ جَازَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ ذَكَرَ الْفَائِتَةَ وَقَدْ ضَاقَ وَقْتُ الْحَاضِرَةِ لَزِمَهُ تَقْدِيمُ الْحَاضِرَةِ لِمَا ذكره المصنف ولو شرع في الجاضرة ثم ذكر الفائتة وهو فيها أثم الْحَاضِرَةَ سَوَاءٌ اتَّسَعَ الْوَقْتُ أَمْ ضَاقَ لِأَنَّ الْحَاضِرَةَ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ مِنْهَا وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَكِنْ يُتِمُّهَا ثُمَّ يَقْضِي الْفَائِتَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ الْحَاضِرَةَ هَكَذَا صَرَّحَ جَمَاعَةٌ مِنْ اصحابنا بهذه المسألة منهم الشيخ أو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ
دَخَلَ فِي الْفَائِتَةِ مُعْتَقِدًا أَنَّ فِي الْوَقْتِ سَعَةً فَبَانَ ضِيقُهُ وَجَبَ قَطْعُهَا وَالشُّرُوعُ فِي الْحَاضِرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ يَجِبُ إتْمَامُ الْفَائِتَةِ وَلَوْ تَذَكَّرَ فَائِتَةً وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ يُصَلُّونَ الْحَاضِرَةَ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّيَ الْفَائِتَةَ أَوَّلًا مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُصَلِّيَ الْحَاضِرَةَ مُنْفَرِدًا ايضا ان لم يدرك جماعة لان الرتيب مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَالْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ فِيهِ أَيْضًا خِلَافُ السَّلَفِ فَاسْتُحِبَّ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ ترتيبها ولكن يستحب وبه قال طاووس وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يَجِبُ مَا لَمْ تَزِدْ الْفَوَائِتُ عَلَى صَلَوَاتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ قالا فان كان فِي حَاضِرَةٍ فَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا أَنَّ عَلَيْهِ فَائِتَةً بَطَلَتْ الْحَاضِرَةُ وَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْفَائِتَةِ ثُمَّ يُصَلِّي الْحَاضِرَةَ وَقَالَ زُفَرُ وَأَحْمَدُ التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ قَلَّتْ الْفَوَائِتُ أَمْ كَثُرَتْ قَالَ أَحْمَدُ وَلَوْ نسى الفوائت صحت الصلوات التى يصلي بَعْدَهَا قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَلَوْ ذَكَرَ فَائِتَةً وَهُوَ فِي حَاضِرَةٍ تَمَّمَ الَّتِي هُوَ فِيهَا ثُمَّ قَضَى الْفَائِتَةَ ثُمَّ يَجِبُ إعَادَةُ الْحَاضِرَةِ واحتج لهم بحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا وَهُوَ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَلْيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي نَسِيَ ثُمَّ لِيُعِدْ الصَّلَاةَ الَّتِي
صَلَّاهَا مَعَ الْإِمَامِ) وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ موسى بن هرون الْحَمَّالُ بِالْحَاءِ الْحَافِظُ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ ضَعِيفَةٍ أَيْضًا وَالْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ أَنَّهَا ديون عليه فلا يَجِبُ تَرْتِيبُهَا إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ وَلِأَنَّ مَنْ صَلَّاهُنَّ بِغَيْرِ تَرْتِيبٍ فَقَدْ فَعَلَ الصَّلَاةَ الَّتِي أُمِرَ بِهَا فَلَا يَلْزَمُهُ وَصْفٌ زَائِدٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ يُعْتَدُّ بِهِمْ عَلَى أَنَّ مَنْ تَرَكَ صَلَاةً عَمْدًا لَزِمَهُ قضاؤها وخالفهم أبو محمد على ابن حزم فقالا لَا يَقْدِرُ عَلَى قَضَائِهَا أَبَدًا وَلَا يَصِحُّ فِعْلُهَا أَبَدًا قَالَ بَلْ يُكْثِرُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ وَصَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِيَثْقُلَ مِيزَانُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَتُوبُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ وَبَسَطَ هُوَ الْكَلَامَ فِي الِاسْتِدْلَالِ لَهُ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَ دَلَالَةٌ أَصْلًا
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم (أَمَرَ الْمُجَامِعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ يَوْمًا مَعَ الْكَفَّارَةِ أَيْ بَدَلَ الْيَوْمِ الَّذِي أَفْسَدَهُ بِالْجِمَاعِ عَمْدًا) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ وَلِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ الْقَضَاءُ عَلَى التَّارِكِ نَاسِيًا فَالْعَامِدُ أَوْلَى
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً وَلَمْ يَعْرِفْ عَيْنَهَا لَزِمَهُ ان يصلي خمس صلوات وقال المزني يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَيَنْوِيَ الْفَائِتَةَ وَيَجْلِسَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَجْلِسَ فِي الثَّالِثَةِ ثُمَّ يَجْلِسَ في الرابعة ويسلم وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ تَعْيِينَ النِّيَّةِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بأن يصلي خمس صلوات بخمس نيات)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا نَسِيَ صَلَاةً أَوْ صَلَاتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا مِنْ الْخَمْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ وَفِيهِ مَذْهَبُ الْمُزَنِيِّ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَذْكُورٌ وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي أول بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهُنَاكَ ذَكَرَ كَثِيرُونَ الْمَسْأَلَةَ قال لان لجهر يَكُونُ فِي ثَلَاثِ صَلَوَاتٍ فَغَلَبَ وَلَوْ نَسِيَ صَلَاتَيْنِ مِنْ يَوْمَيْنِ إنْ عِلْمَ اخْتِلَافَهُمَا وَجَهِلَ عَيْنَهُمَا كَفَاهُ أَنْ يُصَلِّيَ الْخَمْسَ وَإِنْ عَلِمَ اتِّفَاقَهُمَا أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَشْرَ صَلَوَاتٍ كُلَّ صَلَاةٍ مَرَّتَيْنِ
وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ لَوْ كان عليه ظهر أو عصر وجهل أَيَّتَهُمَا هِيَ فَدَخَلَ بِنِيَّةِ إحْدَاهُمَا ثُمَّ شَكَّ أَيَّتَهُمَا نَوَى لَمْ تُجْزِهِ هَذِهِ الصَّلَاةُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ فَوَائِتُ لَا يَعْرِفُ عَدَدَهَا وَيَعْلَمُ الْمُدَّةَ الَّتِي فَاتَهُ فِيهَا بِأَنْ قَالَ تَرَكْتُ صَلَوَاتٍ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ وَلَا أَعْلَمُ قَدْرَهَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَالشَّاشِيُّ أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يُقَالُ لَهُ كَمْ تَتَحَقَّقَ أَنَّك تَرَكْتُ فَإِنْ قَالَ عَشْرَ صَلَوَاتٍ وَأَشُكّ فِي الزِّيَادَةِ لَزِمَهُ الْعَشْرُ دُون الزِّيَادَةِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ يُقَالُ لَهُ كَمْ تَتَحَقَّقُ أَنَّكَ صَلَّيْتَ فِي هَذَا الشَّهْرِ فَإِذَا قَالَ كَذَا وَكَذَا أَلْزَمْنَاهُ قَضَاءَ مَا زَادَ لِأَنَّ الْأَصْلَ شَغْلُ ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا مَا تَحَقَّقَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ مَنْ شَكَّ بَعْدَ سَلَامِهِ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا شئ عَلَيْهِ
وَالثَّانِي يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْأَقَلِّ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِنْ بَعُدَ لَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ فَعَلَى قِيَاسِ الْأَوَّلِ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَحَقَّقَ تَرْكُهُ فَحَسْبُ وَعَلَى الثَّانِي يَلْزَمُهُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَحَقَّقَ فِعْلُهُ قُلْتُ قَوْلُ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَصَحُّ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُخْتَارَ وَجْهٌ ثَالِثٌ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَادَتُهُ الصَّلَاةَ وَيَنْدُرُ تَرْكُهُ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا مَا تَيَقَّنَ تَرْكَهُ كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ ركن فان المذهب انه لا يلزمه شئ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مُضِيُّهَا عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي وَقْتٍ وَيَتْرُكُ فِي وَقْتٍ وَلَمْ تَغْلِبْ مِنْهُ الصَّلَاةُ لَزِمَهُ قَضَاءُ مَا زَادَ عَلَى مَا تَيَقَّنَ فِعْلَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ يُعَارِضْهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ إحداهما إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ تَرَكَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ وَهِيَ مُهِمَّةٌ وَمَشْهُورَةٌ فِي كُلِّ الْكُتُبِ حَتَّى فِي التَّنْبِيهِ قَالَ أصحابنا إذا اشتبه وقتها لغيم أو حبس فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَيُسْتَدَلُّ بِالدَّرْسِ وَالْأَوْرَادِ وَالْأَعْمَالِ وَشِبْهِهَا وَيَجْتَهِدُ الْأَعْمَى كَالْبَصِيرِ لِأَنَّهُ يُشَارِكُ الْبَصِيرَ فِي هَذِهِ الْعَلَامَاتِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا يَجْتَهِدَانِ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُمَا ثِقَةٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ عَنْ مُشَاهَدَةٍ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ مُشَاهَدَةٍ بِأَنْ قَالَ رَأَيْتُ الْفَجْرَ طَالِعًا أَوْ الشَّفَقَ غَارِبًا لَمْ يَجُزْ الِاجْتِهَادُ وَوَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِهِ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَ ثِقَةٌ عن أخبار ثقة عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَجَبَ قَبُولُهُ فَإِنْ أَخْبَرَ عَنْ اجْتِهَادٍ لَمْ يَجُزْ لِلْبَصِيرِ الْقَادِرِ عَلَى الِاجْتِهَادِ تَقْلِيدُهُ لِأَنَّ الْمُجْتَهِدَ لَا يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُ مُجْتَهِدٍ وَيَجُوزُ لِلْأَعْمَى وَالْبَصِيرِ الْعَاجِزِ عَنْ الِاجْتِهَادِ تَقْلِيدُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِضَعْفِ أَهْلِيَّتِهِ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي تَقْلِيدِ الْأَعْمَى وَإِذَا وَجَبَ الِاجْتِهَادُ فَصَلَّى بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ وَإِنْ صَادَفَ الْوَقْتَ لِتَقْصِيرِهِ وَتَرْكِهِ الِاجْتِهَادَ الْوَاجِبَ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ فِي التَّتِمَّةِ لَوْ ظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَصَلَّى بِالظَّنِّ بِغَيْرِ عَلَامَةٍ
ظَهَرَتْ فَصَادَفَ الْوَقْتَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِتَفْرِيطِهِ بِتَرْكِ الِاجْتِهَادِ وَالْعَلَامَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ دَلَالَةٌ أَوْ كَانَتْ فَلَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شئ لَزِمَهُ الصَّبْرُ حَتَّى يَظُنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُؤَخِّرَ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَهُ أَوْ يَظُنَّهُ وَيَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ أَخَّرَ خَرَجَ الْوَقْتُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَإِذَا قَدَرَ عَلَى الصَّبْرِ إلَى اسْتِيقَانِ دُخُولِ الْوَقْتِ جَازَ لَهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ قَوْلُ
جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ اختاره أبو اسحاق الاسفرايني وهو نظير مسألة الاواني إذا اشتبه أناآن وَمَعَهُ ثَالِثٌ يَتَيَقَّنُ طَهَارَتَهُ وَلَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَقَدَرَ عَلَى الْخُرُوجِ لِرُؤْيَةِ الشَّمْسِ فَهَلْ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَا لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْيَقِينِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ كَمَا لِلصَّحَابِيِّ اعْتِمَادُ رِوَايَةِ صَحَابِيٍّ وَفَتْوَاهُ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى سَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَتَحْصِيلُ الْعِلْمِ الْقَطْعِيِّ بِذَلِكَ وَحَيْثُ جَازَ الِاجْتِهَادُ فَصَلَّى بِهِ ان لم يتبين الحال فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ بَانَ وُقُوعُ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ أو بعده فلا شئ عَلَيْهِ وَقَدْ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْوَاقِعَةَ فِيهِ أَدَاءٌ وَالْوَاقِعَةَ بَعْدَهُ قَضَاءٌ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا وَقَصَرَهَا وَجَبَتْ إعَادَتُهَا تَامَّةً إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ قَصْرُ المقضية وان بان وُقُوعُهَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَدْرَكَهُ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَقَوْلَانِ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ وَهَذَا الْخِلَافُ وَالتَّفْصِيلُ كَنَظِيرِهِ فِيمَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ شَهْرُ رَمَضَانَ وَلَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ أَنَّ صَلَاتَهُ وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ فَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ عِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ كَالْحَاكِمِ إذَا وَجَدَ النَّصَّ بِخِلَافِ حُكْمِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ نَقْضُ حُكْمِهِ وَإِنْ أَخْبَرَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَلَا إعَادَةَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ عَلِمَ الْمُنَجِّمُ الْوَقْتَ بِالْحِسَابِ حَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَعْمَلُ بِهِ غَيْرُهُ
*
(فَرْعٌ)
الْمُؤَذِّنُ الثِّقَةُ الْعَارِفُ بِالْمَوَاقِيتِ هَلْ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجُوزُ لِلْأَعْمَى فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ وَيَجُوزُ لِلْبَصِيرِ فِي الصَّحْوِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي الْغَيْمِ لِأَنَّهُ فِي الْغَيْمِ مُجْتَهِدٌ وَالْمُجْتَهِدُ لَا يُقَلِّدُ الْمُجْتَهِدَ وَفِي الصَّحْوِ يُشَاهِدُ فَهُوَ مُخْبِرٌ عَنْ مُشَاهَدَةٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا: وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يَجُوزُ لِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى فِي الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ قَالَهُ ابْنُ سريج والشيخ أبو حامد وصححه صاحبا التَّهْذِيبِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وقطع به البندنيجى وصاحب العدة قال البندبيجى وَلَعَلَّهُ إجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ فِي الْعَادَةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ: وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ لَهُمَا لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ وَهُمَا مُجْتَهِدَانِ حَكَاهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرَّابِعُ يَجُوزُ لِلْأَعْمَى دُونَ الْبَصِيرِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ
بَيْنَ الْغَيْمِ وَالصَّحْوِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَوْ كَثُرَ الْمُؤَذِّنُونَ فِي يَوْمِ صَحْوٍ أَوْ غَيْمٍ وَغَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ لَا يُخْطِئُونَ لِكَثْرَتِهِمْ جَازَ اعْتِمَادُهُمْ لِلْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
الدِّيكُ الَّذِي جُرِّبَتْ إصَابَتُهُ فِي صِيَاحِهِ لِلْوَقْتِ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ
* (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ الْوَقْتُ لِلصَّلَاةِ وَقْتَانِ وَقْتُ مَقَامٍ وَرَفَاهِيَةٍ وَوَقْتُ عُذْرٍ وَضَرُورَةٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الْمَقَامِ وَالرَّفَاهِيَةِ وَقْتُ الْمُقِيمِ فِي وَطَنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَطَرٌ وَأَمَّا وَقْتُ الْعُذْرِ وَالضَّرُورَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِمُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ شَارِحِي الْمُخْتَصَرِ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَهُوَ قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَقْتٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْوَقْتُ الْجَامِعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِسَفَرٍ أَوْ مَطَرٍ وَوَقْتُ صَبِيٍّ بَلَغَ وَكَافِرٍ أَسْلَمَ وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ أَفَاقَ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ طَهُرَتَا قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَتَلْزَمُهُمْ الصَّلَاتَانِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِوَقْتِ الْعُذْرِ وَقْتُ الْجَامِعِ وَالْمُرَادَ بِوَقْتِ الضَّرُورَةِ وَقْتُ الصَّبِيِّ وَالْبَاقِينَ قَالَ الْجُمْهُورُ هَذَا التَّفْسِيرُ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ قَطْعُهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَيْضًا تَحْرِيمُ قَطْعِ الصوم الْوَاجِبِ بِقَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ وَأَوْضَحْنَا جَمِيعَ ذَلِكَ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ إيقَاظُ النَّائِمِ لِلصَّلَاةِ لاسيما إنْ ضَاقَ وَقْتُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى البر والتقوى) وَلِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم يُصَلِّي صَلَاتَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ " وَفِي رواية " فإذا
أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فَكَانَ لَا يَمُرُّ بِرَجُلٍ إلَّا نَادَاهُ بِالصَّلَاةِ أَوْ حَرَّكَهُ بِرِجْلِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ والله أعلم
*
*
(باب الاذان)
*
قال أهل اللغة أصل الاذان الاعلم وَالْأَذَانُ لِلصَّلَاةِ مَعْرُوفٌ يُقَالُ فِيهِ الْأَذَانُ وَالْأَذِينُ والتأذين قاله الهروي فِي الْغَرِيبَيْنِ قَالَ وَقَالَ شَيْخِي الْأَذِينُ الْمُؤَذِّنُ الْمُعْلِمُ بِأَوْقَاتِ الصَّلَاةِ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مُفْعِلٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يُقَالُ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ تَأْذِينًا وَأَذَانًا أَيْ أَعْلَمَ النَّاسَ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ فَوُضِعَ الِاسْمُ مَوْضِعَ الْمَصْدَرِ قَالَ وَأَصْلُهُ مِنْ الْأُذُنِ كَأَنَّهُ يُلْقِي فِي آذَانِ النَّاسِ بِصَوْتِهِ مَا يَدْعُوهُمْ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رحمه الله اعْلَمْ أَنَّ الْأَذَانَ كَلَامٌ جَامِعٌ لِعَقِيدَةِ الْإِيمَانِ مُشْتَمِلٌ علي نوعه من التعليقات وَالسَّمْعِيَّاتِ فَأَوَّلُهُ إثْبَاتُ الذَّاتِ وَمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنْ الْكَمَالِ وَالتَّنْزِيهِ عَنْ أَضْدَادِهَا وَذَلِكَ بِقَوْلِهِ " اللَّهُ أَكْبَرُ " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعَ اخْتِصَارِ لَفْظِهَا دَالَّةٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ الْوَحْدَانِيَّةِ وَنَفَى ضِدَّهَا مِنْ الشَّرِكَةِ الْمُسْتَحِيلَةِ فِي حَقِّهِ سبحانه وتعالى وَهَذِهِ عُمْدَةُ الْإِيمَانِ وَالتَّوْحِيدِ الْمُقَدَّمَةُ عَلَى كُلِّ وَظَائِفِ الدِّينِ ثُمَّ صَرَّحَ بِإِثْبَاتِ النُّبُوَّةِ وَالشَّهَادَةِ بِالرِّسَالَةِ لِنَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم وَهِيَ قَاعِدَةٌ عَظِيمَةٌ بَعْدَ الشَّهَادَةِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَمَوْضِعُهَا بَعْدَ التَّوْحِيدِ لِأَنَّهَا مِنْ بَابِ الْأَفْعَالِ الْجَائِزَةِ الْوُقُوعَ وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَاتُ مِنْ بَابِ الْوَاجِبَاتِ وَبَعْدَ هَذِهِ الْقَوَاعِدِ كَمُلَتْ الْعَقَائِدُ الْعَقْلِيَّاتُ فِيمَا يَجِبُ وَيَسْتَحِيلُ وَيَجُوزُ فِي حَقِّهِ سبحانه وتعالى ثُمَّ دَعَا إلَى مَا دَعَاهُمْ إلَيْهِ مِنْ الْعِبَادَاتِ فَدَعَا إلَى الصَّلَاةِ وَجَعَلَهَا عَقِبَ إثْبَاتِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ وُجُوبِهَا مِنْ جِهَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ ثُمَّ دَعَا إلَى الْفَلَاحِ وَهُوَ الْفَوْزُ وَالْبَقَاءُ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ مِنْ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ وَهِيَ آخِرُ تَرَاجِمِ عَقَائِدِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ لِلْإِعْلَامِ بِالشُّرُوعِ فِيهَا وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِتَأْكِيدِ الْإِيمَانِ وَتَكْرَارِ ذِكْرِهِ عِنْدَ الشُّرُوعِ فِي الْعِبَادَةِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَلِيَدْخُلَ الْمُصَلِّي فِيهَا عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ أَمْرِهِ وَبَصِيرَةٍ مِنْ إيمَانِهِ وَيَسْتَشْعِرَ عَظِيمَ مَا دَخَلَ فِيهِ وَعَظَمَةَ حَقِّ مَنْ يَعْبُدُهُ وَجَزِيلَ ثَوَابِهِ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَهُوَ مِنْ النفائس الجليلة وبالله التوفيق
*
*
(فصل)
* الْأَصْلُ فِي الْأَذَانِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كان المسلمون
حين قاموا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلَوَاتِ لَيْسَ يُنَادَى بِهَا فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ بوقا مثل قرن اليهود فقال عمر أو لا تَبْعَثُونَ
رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا النِّدَاءُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ غَيْرُ الْأَذَانِ كَانَ قَبْلَ شَرْعِ الْأَذَانِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ ابن عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ " لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ فَقُلْتُ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتبع الناقوس فقال وَمَا تَصْنَعُ بِهِ فَقُلْتُ نَدْعُو بِهِ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ بَلَى فَقَالَ تَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ قَالَ ثُمَّ تَقُولُ إذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ علي الصلاة حى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَلَمَّا أَصْبَحْتُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ فَقَالَ إنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ فَيُؤَذِّنُ بِهِ فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ يَقُولُ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلِلَّهِ الْحَمْدُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بَعْضَهُ بِطَرِيقِ أَبِي دَاوُد وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَلِلَّهِ الحمد وذلك أثبت
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (الاذان والاقامة مشروعان للصلوات الخمس لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم استشار المسلمين فيما يجمعهم علي الصلاة فقالوا البوق فكرهه من أجل اليهود ثم ذكر الناقوس فكرهه من أجل النصارى فأرى تلك الليلة عبد الله بن زيد النداء فأخبر النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فاذن به)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ
الصَّحِيحَةِ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ: وَقَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأُرِيَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ هَذَا التَّقْيِيدُ بِاللَّيْلَةِ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا سَبَقَ وَالنَّاقُوسُ هُوَ الَّذِي يُضْرَبُ بِهِ لِصَلَاةِ النَّصَارَى جَمْعُهُ نَوَاقِيسُ وَقَوْلُهُ مِنْ أَجْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ
* وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ هَذَا هُوَ أَبُو مُحَمَّدِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ الْأَنْصَارِيُّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَكَانَتْ رُؤْيَاهُ الْأَذَانَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْ الْهِجْرَةِ بَعْدَ بِنَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَسْجِدَهُ تُوُفِّيَ رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ سَنَةً: وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ مَشْرُوعَانِ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بِالنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ وَالْإِجْمَاعِ وَلَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ لِغَيْرِ الْخَمْسِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتْ مَنْذُورَةً أَوْ جِنَازَةً أَوْ سُنَّةً وَسَوَاءٌ سُنَّ لَهَا الْجَمَاعَةُ كَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ أَمْ لَا كَالضُّحَى وَلَكِنْ يُنَادَى لِلْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَبْوَابِهَا وَكَذَا يُنَادِي لِلتَّرَاوِيحِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً إذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً وَلَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْأَذَانِ مِنْ الْأُمِّ لَا أَذَانَ وَلَا إقَامَةَ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ فَأَمَّا الْأَعْيَادُ وَالْكُسُوفُ وَقِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَأُحِبُّ أَنْ يُقَالَ فِيهِ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَكُلُّ نَافِلَةٍ غَيْرِ الْعِيدِ وَالْخُسُوفِ فَلَا أَذَانَ فِيهَا وَلَا قَوْلَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً هَذَا نَصُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الذَّخَائِرِ أَنَّ الْمَنْذُورَةَ يُؤَذَّنُ لَهَا وَيُقِيمُ إذَا قُلْنَا يَسْلُكُ بِالنَّذْرِ مَسْلَكَ وَاجِبِ الشَّرْعِ فَغَلَطٌ مِنْهُ وَهُوَ كَثِيرُ الْغَلَطِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُؤَذَّنُ لِلنَّذْرِ وَلَا يُقَامُ وَلَا يُقَالُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً وَهَذَا مَشْهُورٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ لَا يُشْرَعَانِ لِغَيْرِ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَنَقَلَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ رؤوس المسائل وغيره عن معاوية ابن أَبِي سُفْيَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا قَالَا هُمَا سُنَّةٌ فِي صلاة العيدين وهذا إنْ صَحَّ
عَنْهُمَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُمَا فِيهِ السُّنَّةُ وَكَيْفَ كَانَ هُوَ مَذْهَبٌ مَرْدُودٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جابر ابن سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وفى المسألة أحاديث كثيرة صحيحة * قال المصنف رحمه الله
*
* (وهو أفضل من الامامة ومن أصحبنا من قال الامامة أفضل لان الاذان يراد للصلاة فكان القيام بامر الصلاة اولي من القيام بما يراد لها والاول اصح لقوله تعالي (ومن أحسن قولا ممن دعا الي الله وعمل صالحا) قالت عائشة رضى الله عنها نزلت في المؤذنين ولقوله صلى الله عليه وسلم " الائمة ضمناء والمؤذنون امناء فارشد الله الائمة وغفر للمؤذنين " والامين أحسن حالا من الضمين وعن عمر رضى الله عنه قال " لو كنت مؤذنا لما باليت أن لا اجاهد ولا احج ولا اعتمر بعد حجة الاسلام ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا التَّفْسِيرُ الْمَنْقُولُ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَشْهُورٌ عَنْهَا وَوَافَقَهَا عَلَيْهِ عِكْرِمَةُ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ بِالدَّاعِي إلَى اللَّهِ تَعَالَى هُنَا هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وهذا قول ابن عباس وابن سيرين وَابْنِ زَيْدٍ وَالسُّدِّيِّ وَمُقَاتِلٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَئِمَّةُ ضُمَنَاءُ إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَكِنْ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ إمَامِ هَذَا الْفَنِّ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ عَنْ رَجُلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا لَيْسَ بِقَوِيٍّ ولكن يغني عنه ما سنذكره وان شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالضَّمَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْكَفَالَةُ وَالْحِفْظُ وَالرِّعَايَةُ قَالَهُ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ ضُمَنَاءُ لِمَا غَابُوا عَلَيْهِ مِنْ الْإِسْرَارِ بِالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَقِيلَ المراد ضمناء الدعاء أي يعم القوم وَلَا يَخُصُّ نَفْسَهُ بِهِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِفِعْلِهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الضَّامِنُ الرَّاعِي قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَحْفَظُ عَلَى الْقَوْمِ صَلَاتَهُمْ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الضمان الموجب للغرامة وأما أمانة المؤذين فَقِيلَ لِأَنَّهُمْ أُمَنَاءُ عَلَى مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَقِيلَ
أُمَنَاءُ عَلَى حُرُمِ النَّاسِ يُشْرِفُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَقِيلَ أُمَنَاءُ فِي تَبَرُّعِهِمْ بِالْأَذَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْأَمِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنْ الضَّمِينِ الضَّمِينُ هُوَ الضَّامِنُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ لِأَنَّ الْأَمِينَ مُتَطَوِّعٌ بِعَمَلِهِ وَالضَّامِنُ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهَلْ الْأَذَانُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِمَامَةِ أَمْ هِيَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَالسَّرْخَسِيِّ وَالْبَغَوِيِّ الْأَذَانُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا وَغَلِطَ مَنْ قَالَ غَيْرَهُ وَكَذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَالثَّانِي الْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ
الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَطَعَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالثَّالِثِ هُمَا سواء حكاه صاحب البيان والرافعي وَغَيْرُهُمَا وَالرَّابِعُ إنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ الْقِيَامَ بِحُقُوقِ الْإِمَامَةِ وَجَمِيعِ خِصَالِهَا فَهِيَ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالْأَذَانُ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي الْقَاسِمِ بْنِ كَجٍّ وَالْمَسْعُودِيِّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمَذْهَبُ تَرْجِيحُ الْأَذَانِ وَقَدْ نُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى كَرَاهَةِ الْإِمَامَةِ فَقَالَ أُحِبُّ الْأَذَانَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ اغفر للمؤذين " وَأَكْرَهُ الْإِمَامَةَ لِلضَّمَانِ وَمَا عَلَى الْإِمَامِ فِيهَا هَذَا نَصُّهُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ رَجَّحَ الْإِمَامَةَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ أَمُّوا وَلَمْ يُؤَذِّنُوا وَكَذَا كِبَارُ الْعُلَمَاءِ بعدهم وفى الصحيحين عن مالك بن الحويرت رضي الله عنه قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ "
* وَاحْتَجَّ مَنْ رَجَّحَ الْأَذَانَ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول الْمُؤَذِّنُونَ أَطْوَلُ النَّاسِ أَعْنَاقًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " لَا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلَا إنْسٌ ولا شئ الا شهد له لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نودى للصلاة أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قَضَى النِّدَاءَ أَقْبَلَ حَتَّى إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطِرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اُذْكُرْ كَذَا
وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَذَّنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَكُتِبَ لَهُ بِتَأْذِينِهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ سِتُّونَ حَسَنَةً وَلِكُلِّ إقَامَةٍ ثَلَاثُونَ حَسَنَةً " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَّحَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ وَثَّقَهُ وَلَهُ شَاهِدٌ يُقَوِّيهِ وَأَجَابَ هَؤُلَاءِ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْإِمَامَةِ وَكَذَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَالْأَئِمَّةِ وَلَمْ يُؤَذِّنُوا بِأَنَّهُمْ كَانُوا مَشْغُولِينَ بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُمْ فِيهَا مَقَامَهُمْ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا لِلْأَذَانِ وَمُرَاعَاةِ أَوْقَاتِهِ وأما الامامة فلابد لَهُمْ مِنْ صَلَاةٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ " لَوْ كُنْتُ أُطِيقُ الْأَذَانَ مَعَ الْخِلَافَةِ لَأَذَّنْتُ "
* (فَرْعٌ)
قَالَ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَه أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ
أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِحَدِيثٍ عَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ مُؤَذِّنًا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هُوَ ضَعِيفٌ بِمُرَّةَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَتَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِيهِ حَدِيثٌ جَيِّدٌ سَنَذْكُرُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذَانِ قَائِمًا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَيْضًا أَنَّهُ اُسْتُحِبَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا قَالَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْأَذَانَ لِقَوْمٍ وَالْإِمَامَةَ لِآخَرِينَ (قُلْتُ) وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا نَهْيٌ فَكَرَاهَتُهُ خَطَأٌ فَحَصَلَ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ انه يستخب وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ لَا يَقُومُ حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى جَوَازِ كَوْنِ الْمُؤَذِّنِ إمَامًا وَاسْتِحْبَابِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَذَانِ وَالْإِمَامَةِ فَضْلٌ وَلِلْإِنْسَانِ فِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ حَالٌ يُمْكِنُهُ الْقِيَامُ بِهِمَا وَالْفَرَاغُ لَهُمَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا وَحَالٌ يَعْجِزُ عَنْ الْإِمَامَةِ لِقِلَّةِ عِلْمِهِ وَضَعْفِ قِرَاءَتِهِ وَيَقْدِرُ عَلَى الْأَذَانِ لِعُلُوِّ صَوْتِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالْأَوْقَاتِ فَالِانْفِرَادُ لِلْأَذَانِ أَفْضَلُ وَحَالٌ يَعْجِزُ عَنْ الْأَذَانِ لِضَعْفِ صَوْتِهِ وَقِلَّةِ إبْلَاغِهِ وَيَكُونُ قيما بالامامة لمعرفة أحكامه
الصلاة وحسن قرآنه فَالْإِمَامَةُ أَفْضَلُ وَحَالٌ يَقْدِرُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَيَصْلُحُ لَهُ وَلَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ فَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فيه وجهان * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ تَنَازَعَ جَمَاعَةٌ فِي الْأَذَانِ وَتَشَاحُّوا أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لاستهموا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية أبى هريرة والاستهام الاقتراع والنداء بكيسر النُّونِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَقَوْلُهُ إذَا تَنَازَعُوا أُقْرِعَ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ أَوْ كَانَ لَهُ مُؤَذِّنُونَ وَتَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا وَأَدَّى اخْتِلَافُ أَصْوَاتِهِمْ إلَى تَهْوِيشٍ فَيُقْرَعُ وَيُؤَذِّنُ وَاحِدٌ وَهُوَ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ رَاتِبٌ وَنَازَعَهُ غَيْرُهُ فَيُقَدَّمُ الرَّاتِبُ وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ مُرَتَّبُونَ وَأَمْكَنَ أَذَانُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لِكِبَرِهِ أَذَّنَ كُلُّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا وَلَمْ يُؤَدِّ اخْتِلَافُ أَصْوَاتِهِمْ إلَى تَهْوِيشٍ أَذَّنُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
* (ومن أصحابنا من قال هما مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَإِنْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أو صَقْعٍ عَلَى تَرْكِهَا قُوتِلُوا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ فَلَا يَجُوزُ تَعْطِيلُهُ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ هُوَ سُنَّةٌ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْكِفَايَةِ فِيهَا لِأَنَّهَا لَمَّا اخْتَصَّتْ الْجُمُعَةُ بِوُجُوبِ
الْجَمَاعَةِ اخْتَصَّتْ بِوُجُوبِ الدُّعَاءِ إلَيْهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ تَجِبْ كَقَوْلِهِ الصَّلَاةَ جامعة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الصُّقْعُ بِضَمِّ الصَّادِ النَّاحِيَةُ وَالْكُورَةُ وَيُقَالُ صُقْعٌ وَسُقْعٌ وَزُقْعٌ بِالصَّادِ وَالسِّينِ وَالزَّايِ ثَلَاثُ لغات وقوله الصلاة جامعة هو بِنَصَبِهِمَا الصَّلَاةَ عَلَى الْإِغْرَاءِ وَجَامِعَةً عَلَى الْحَالِ وَقَوْلُهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ تَجِبْ كَقَوْلِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً يَعْنِي حَيْثُ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ جَامِعَةً كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَهَذَا الْقِيَاسُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قَوْلِهِ الصَّلَاةَ جَامِعَةً شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ الْأَذَانِ وَقَوْلُهُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ هِيَ جَمْعُ شَعِيرَةٍ بِفَتْحِ الشِّين قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ هِيَ مُتَعَبِّدَاتُ الْإِسْلَامِ وَمَعَالِمُهُ الظَّاهِرَةُ
مَأْخُوذَةٌ مِنْ شَعَرْتُ أي علمت فهي ظاهرات معلومات.
واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كما ذكر المصنف أصحهما أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرْضُ كِفَايَةٍ وَالثَّالِثُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ فِي غَيْرِهَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ وَالْإِصْطَخْرِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَحَكَاهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَحْمَدَ السَّيَّارِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِمَّا احْتَجُّوا بِهِ لِكَوْنِهِمَا سُنَّةً قَوْلُهُ صلي الله عليه وسلم للاعرابي المسيئ صَلَاتَهُ افْعَلْ كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يَذْكُرْهُمَا مَعَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ الْوُضُوءَ وَاسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَأَرْكَانَ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَأَقَلُّ مَا يَتَأَدَّى بِهِ الْفَرْضُ أَنْ يَنْتَشِرَ الْأَذَانُ فِي جَمِيعِ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَكَانِ فَإِنْ كَانَتْ قَرْيَةً صَغِيرَةً بِحَيْثُ إذَا أَذَّنَ وَاحِدٌ سَمِعُوا كُلُّهُمْ سَقَطَ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ بَلَدًا كَبِيرًا وَجَبَ أَنْ يُؤَذَّنَ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَاحِدٌ بِحَيْثُ يَنْتَشِرُ الاذان في جميعهم فان أذن واحد فخسب سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ النَّاحِيَةِ الَّتِي سَمِعُوهُ دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَيَسْقُطُ فَرْضُ الْكِفَايَةِ بِالْأَذَانِ لِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَلَا يَجِبُ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْهُ وَلَمْ يَحْكِ عَنْ غَيْرِهِ وَقَالَ لم أر لاصحبنا ايجابه لكل صلاته قَالَ وَدَلِيلُهُ أَنَّهُ إذَا حَصَلَ مَرَّةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَمْ تَنْدَرِسْ الشِّعَارُ وَاقْتَصَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرُوهُ خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فَإِنَّ مُقْتَضَى كَلَامِهِمْ وَإِطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ إذَا قِيلَ إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَجَبَ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ تَفْرِيعًا عَلَى
قَوْلِنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ وَلَا يَحْصُلُ الشِّعَارُ إلَّا بِهِ وَإِذَا قُلْنَا الْأَذَانُ سُنَّةٌ حَصَلَتْ بِمَا يَحْصُلُ بِهِ إذَا قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَاتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهِ وطلبوا بِهِ فَامْتَنَعُوا وَجَبَ قِتَالُهُمْ كَمَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ترك غير مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَإِنْ قُلْنَا هُوَ سُنَّةٌ فَتَرَكُوهُ فَهَلْ يُقَاتَلُونَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُمَا قَلِيلُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يُقَاتَلُونَ كَمَا لَا يُقَاتَلُونَ عَلَى ترك سنة الظهر والصبح وغيرهما والثانى يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ سُنَّةِ الظُّهْرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا يُقَاتَلُونَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُقَاتَلُونَ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ رُجُوعٌ إلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِلَّا فَلَا قِتَالَ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْإِمَامُ وَإِذَا قُلْنَا إنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا
لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ إلَّا بِأَذَانٍ يُفْعَلُ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ وَالثَّانِي يَسْقُطُ بِأَنْ يُؤْتَى بِهِ لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِأَذَانٍ يُفْعَلُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِغَيْرِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْإِمَامُ وَالْقَوْلُ فِي الْإِقَامَةِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَذَانِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا سُنَّةٌ لِكُلِّ الصَّلَوَاتِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْجَمَاعَةِ وَالْمُنْفَرِدِ لَا يَجِبَانِ بِحَالٍ فَإِنْ تَرَكَهُمَا صَحَّتْ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ وَالْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واصحابه واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وقال ابى الْمُنْذِرِ هُمَا فَرْضٌ فِي حَقِّ الْجَمَاعَةِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ تَجِبُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنْ نَسِيَ الْإِقَامَةَ أَعَادَ الصَّلَاةَ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يعيد مادام الْوَقْتُ بَاقِيًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُمَا سُنَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَفَرْضَا كِفَايَةٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَقَالَ دَاوُد هُمَا فَرْضٌ لِصَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَيْسَا بِشَرْطٍ لِصِحَّتِهَا وقال مجاهدان نَسِيَ الْإِقَامَةَ فِي السَّفَرِ أَعَادَ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ هُمَا وَاجِبَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ واختلفوا في اشتراطهما لصحتها * قال المصنف رحمه الله
*
* (وهل بسن لِلْفَوَائِتِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الْأُمِّ يُقِيمُ لَهَا وَلَا يُؤَذِّنُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ
الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ " حُبِسْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ حَتَّى كُفِينَا وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل وَكَفَى الله المؤمنين القتال فدعي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَالًا فأمره فاقام الظهر واحسن كما يصلي فِي وَقْتِهَا ثُمَّ أَقَامَ الْعَصْرَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْمَغْرِبَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ ثُمَّ أَقَامَ الْعِشَاءَ فَصَلَّاهَا كَذَلِكَ " وَلِأَنَّ الْأَذَانَ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ وقد فات الوقت والاقامة لِاسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ وَذَلِكَ مَوْجُودٌ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ لِلْأُولَى وَحْدَهَا وَيُقِيمُ لِلَّتِي بَعْدَهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه " أَنَّ الْمُشْرِكِينَ شَغَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ حَتَّى ذَهَبَ مِنْ اللَّيْلِ مَا شَاءَ الله فامر بِلَالًا فَأَذَّنَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ " وَلِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ جَمَعَهُمَا وَقْتٌ وَاحِدٌ فَكَانَتَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ كَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلاهما باذان واقامتين وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ أَمَّلَ اجْتِمَاعَ
النَّاسِ أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّلْ أَقَامَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَذَانَ يُرَادُ لِجَمْعِ النَّاسِ فَإِذَا لم يؤمل الجمع لذم يَكُنْ لِلْأَذَانِ وَجْهٌ وَإِذَا أَمَّلَ كَانَ لَهُ وَجْهٌ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ أَيْضًا إذَا أَمَّلَ الِاجْتِمَاعَ لَهَا أَذَّنَ وَأَقَامَ وَإِنْ لَمْ يُؤَمِّلْ أَقَامَ وَلَمْ يؤذن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه صَحِيحٌ رَوَاهُ الْإِمَامَانِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدَيْهِمَا بِلَفْظِهِ هُنَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مُرْسَلٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْهُ وَابْنُهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ لِصِغَرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي آخِرِ بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ الْمَغْرِبَ والعشاء بالمزدلفة بأذن وَإِقَامَتَيْنِ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَيَوْمُ الْخَنْدَقِ هُوَ يَوْمُ الْأَحْزَابِ وَكَانَ ذَلِكَ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسٍ وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ أَيْضًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَيُجَابُ عَنْ اخْتِلَافِهِمَا بِأَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ جَرَتَا فِي أَيَّامِ الْخَنْدَقِ فَإِنَّ أَيَّامَ الْخَنْدَقِ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَكَانَ فَوَاتُ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ
لِلِاشْتِغَالِ بِالْقِتَالِ وَكَانَ ذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَذَا صَرَّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا وَقَوْلُهُ ذَهَبَ هَوِيٌّ مِنْ اللَّيْلِ هُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الْوَاوِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا بِضَمِّ الْهَاءِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَغَيْرُهُ لَكِنَّ الْفَتْحَ هُوَ الْمَشْهُورُ الْأَفْصَحُ وَمَعْنَاهُ طَائِفَةٌ مِنْهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أَرَادَ قَضَاءَ فَوَائِتَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِغَيْرِ الْأُولَى مِنْهُنَّ وَهَلْ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفِ بِدَلَائِلِهَا أَصَحُّهَا عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يُؤَذِّنُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَقَطَعَ بِهِ سُلَيْمٌ الرازي في الكفاية وصححه في رؤوس الْمَسَائِلِ فَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ الرَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ منع الاذان ولو أراد قضاء فائته وحدهما أَقَامَ لَهَا وَفِي الْأَذَانِ هَذِهِ الْأَقْوَالُ أَصَحُّهَا يُؤَذِّنُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَذَانُ فِي الْجَدِيدِ حَقُّ الْوَقْتِ وَفِي
الْقَدِيمِ حَقُّ الْفَرِيضَةِ وَفِي الْإِمْلَاءِ حَقُّ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ أَرَادَ قَضَاءَ الْفَوَائِتَ مُتَفَرِّقَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي وَقْتٍ فَفِي الْأَذَانِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ أَصَحُّهَا يُؤَذِّنُ وَلَوْ قَضَى فَائِتَةً فِي جَمَاعَةٍ جَاءَ الْقَوْلَانِ الْجَدِيدُ وَالْقَدِيمُ دُونَ نَصِّ الْإِمْلَاءِ وَلَوْ وَالَى بَيْنَ فَرِيضَةِ الْوَقْتِ وَمَقْضِيَّةٍ فَإِنْ قَدَّمَ فَرِيضَةَ الْوَقْتِ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ لِلْمَقْضِيَّةِ وَلَمْ يُؤَذِّنْ وَإِنْ قَدَّمَ الْمَقْضِيَّةَ أَقَامَ لَهَا وَفِي الْأَذَانِ لَهَا الْأَقْوَالُ وَأَمَّا فَرِيضَةُ الْوَقْتِ فَقَالَ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا يُؤَذِّنُ لِلْمَقْضِيَّةِ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهَا وَإِلَّا أَذَّنَ وَقَطَعَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي بِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لَهَا وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ بِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ لِفَرِيضَةِ الْوَقْتِ إلَّا أَنْ يُؤَخِّرَهَا عَنْ الْمَقْضِيَّةِ بِحَيْثُ يَطُولُ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُؤَذِّنُ لِفَرِيضَةِ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ تَوَالِي أَذَانَيْنِ إلَّا فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا إذَا أَخَّرُوا الْمُؤَدَّاةَ إلَى آخِرِ وَقْتِهَا فَأَذَّنُوا لَهَا وَصَلَّوْا ثُمَّ دَخَلَتْ فَرِيضَةٌ أُخْرَى فَيُؤَذِّنُ لَهَا قَطْعًا الثَّانِيَةُ إذَا صَلَّى فَائِتَةً قُبَيْلَ الزَّوَالِ مَثَلًا وَأَذَّنَ لَهَا عَلَى قَوْلِنَا يُشْرَعُ الْأَذَانُ لَهَا فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ دَخَلَتْ الظُّهْرُ فَيُؤَذِّنُ وَلَمْ
يَسْتَثْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ غَيْرَ هَذِهِ الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ولابد مِنْ اسْتِثْنَاءِ الْأُولَى أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ لِلْفَائِتَةِ: قَدْ ذكرنا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ مَشْرُوعٌ لَهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ لَا يُؤَذِّنُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَرَادَ فَوَائِتَ أَذَّنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ زِيَادَةً عَلَى أَذَانٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّابِقَةِ أَنَّهُ لَمْ يُوَالِ بَيْنَ أَذَانَيْنِ
* (فَرْعٌ)
الْمُنْفَرِدُ فِي صَحْرَاءَ أَوْ بَلَدٍ يُؤَذِّنُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَفِيهِ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ أَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ وَوَجْهٌ خَرَّجَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ مِنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ إنْ رَجَا حُضُورَ جَمَاعَةٍ أَذَّنَ وَإِلَّا فَلَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمُنْفَرِدَ أَذَانُ غَيْرِهِ فَإِنْ بَلَغَهُ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْلُغْهُ فَيَكُونُ فِيهِ الْخِلَافُ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ يُؤَذِّنُ وَالْقَدِيمُ لَا والطريق التأني لَا يُؤَذِّنُ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْأَذَانِ حَصَلَ بِأَذَانِ غَيْرِهِ فَإِنْ قُلْنَا يُؤَذِّنُ أَقَامَ وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤَذِّنُ فَهَلْ يُقِيمُ فِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُقِيمُ وَالثَّانِي
حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهَذَا غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا يُؤَذِّنُ فَهَلْ يَرْفَعُ صَوْتَهُ نُظِرَ إنْ صَلَّى فِي مَسْجِدٍ قَدْ صُلِّيَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ لَمْ يَرْفَعْ لِئَلَّا يُوهَمَ دُخُولُ وَقْتِ صَلَاةٍ أُخْرَى نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يَرْفَعُ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْأَذَانِ وَالثَّانِي إنْ رَجَا جَمَاعَةً رَفَعَ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ فِي مَسْجِدٍ فَحَضَرَ قَوْمٌ لَمْ يُصَلُّوا فَهَلْ يُسَنُّ لَهُمْ الْأَذَانُ قَوْلَانِ الصَّحِيحُ نَعَمْ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَرْفَعُ الصَّوْتَ لِخَوْفِ اللَّبْسِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حَيْثُ قُلْنَا فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي أَذَّنَ فِيهِ مُؤَذِّنٌ وَصُلِّيَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ لَا يُرْفَعُ الصَّوْتُ لَا نَعْنِي بِهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الرَّفْعُ بَلْ نَعْنِي بِهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُرْفَعَ وَإِذَا قُلْنَا الْمُنْفَرِدُ لَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَلَا نَعْنِي بِهِ أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَرْفَعَ صَوْتَهُ فَإِنَّ الرَّفْعَ أَوْلَى فِي حَقِّهِ وَلَكِنْ نَعْنِي أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَرْفَعْ هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَعِنْدَهُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي
رَفْعِ الْمُنْفَرِدِ صَوْتَهُ هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يعتد بأذانه أَمْ لَا وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِهِ بِلَا رَفْعٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في استحباب الرفع قالوا فيكفى انه يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَشَرَطَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَذَانُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ وَإِقَامَتُهُ كَهُمَا فِي غَيْرِ بَيْتِهِ سَوَاءٌ سَمِعَ الْمُؤَذِّنِينَ حَوْلَهُ أَمْ لَا هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا في وقت الاولي مِنْهُمَا أَذَّنَ وَأَقَامَ لِلْأُولَى وَأَقَامَ لِلثَّانِيَةِ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ وان جمع بينهما في وقت الثانية فهي كالفائتين لِأَنَّ الْأُولَى قَدْ فَاتَ وَقْتُهَا وَالثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ رضي الله عنه وَقَوْلُهُ فَهِيَ يَعْنِي الْمَسْأَلَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْأُولَى أَذَّنَ لِلْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَأَقَامَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَبَدَأَ بِالْأُولَى كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ لَمْ يُؤَذِّنْ لِلثَّانِيَةِ وَهَلْ يُؤَذِّنُ لِلْأُولَى فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي فِي الْفَوَائِتِ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب في كل الطريق وَخَالَفَهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي فَقَالَا إنْ قُلْنَا يؤذن للفائتة فهنا أولي والا فوجهان لانهما مُؤَدَّاةٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ عَلَى
الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي فِي الْفَوَائِتِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الْفَوَائِتِ فِي الْجَمْعِ بِمُزْدَلِفَةَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الصَّلَاتَيْنِ بِمُزْدَلِفَةَ بِإِقَامَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِأَذَانٍ وَرَوَى الْأَذَانَ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إنَّمَا حَفِظَ الْإِقَامَةَ وَقَدْ حَفِظَ جَابِرٌ الْأَذَانَ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُ لِأَنَّ مَعَهُ زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالثَّانِي ان جابر اسْتَوْفَى أُمُورَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَتْقَنَهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِمَادِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوْ خَالَفَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ الْجَمْعُ أَذَّنَ لِلْعَصْرِ الَّتِي بَدَأَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَلَا يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ وَيُقِيمُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَالَ لَا يُؤَذِّنُ لِلثَّانِيَةِ سَوَاءٌ قُلْنَا التَّرْتِيبُ شَرْطٌ أَمْ لَا لِأَنَّا إنْ شَرَطْنَاهُ صَارَتْ الثَّانِيَةُ فَائِتَةً وَالْفَائِتَةُ الْمَفْعُولَةُ بَعْدَ فَرْضِ الْوَقْتِ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَإِنْ لَمْ نَشْرِطْهُ فَالثَّانِيَةُ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ لَا يُؤَذَّنُ لَهَا وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ إذَا شَرَطْنَا التَّرْتِيبَ فَبَدَأَ بِالْعَصْرِ فَهِيَ كَالْمَقْضِيَّةِ فَفِي الْأَذَانِ لَهَا الْخِلَافُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ صَلَاةَ الْعَصْرِ مُؤَدَّاةٌ فِي وَقْتِهَا قَطْعًا وَإِنَّمَا يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ بِتَرْكِ التَّرْتِيبِ إلَى الظُّهْرِ فَقَطْ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ بَدَأَ بالعصر أَذَّنَ لَهَا وَهَلْ
يُؤَذِّنُ لِلظُّهْرِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا صَحِيحٌ فِي الْعَصْرِ وَغَيْرُ صَحِيحٍ فِي الظُّهْرِ بَعْدَهَا فَإِنْ قِيلَ إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ وَبَدَأَ بِالظُّهْرِ لِمَ لَا يُؤَذِّنُ لِلْعَصْرِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَهَا فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْعَصْرَ فِي حُكْمِ التَّابِعَةِ لِلظُّهْرِ هُنَا وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ ابى الحسن بْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ صَلَاتَيْ الْجَمْعِ سَوَاءٌ قَدَّمَ أَوْ أَخَّرَ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ مخالف للاحاديث الصحيحة ولما قاله الشافعي والأصحاب والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يَجُوزُ الْأَذَانُ لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ واما الصبح فيجوز ان يؤذن له بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ " وَلِأَنَّ الصُّبْحَ يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَالنَّاسُ
نِيَامٌ وَفِيهِمْ الْجُنُبُ وَالْمُحْدِثُ فَاحْتِيجَ إلَى تَقْدِيمِ الْأَذَانِ لِيُتَأَهَّبَ لِلصَّلَاةِ وسائر الصلوات يَدْخُلُ وَقْتُهَا وَالنَّاسُ مُسْتَيْقِظُونَ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَقْدِيمِ الْأَذَانِ وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْوَقْتِ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِاسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ فَلَا يجوز قبل الوقت)
*
*
* (الشرح)
* هذا الحديث صحيح وواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا من رواية عائشة وغيرها أن النبي صل الله عليه وسلم قال " ان ابن ام مَكْتُومٍ يُنَادِي بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ بلال " قال البيهقي وابن خُزَيْمَةَ إنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَبِلَالٍ نَوْبٌ فَكَانَ بِلَالٌ فِي نَوْبَةٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَكَانَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي نَوْبَةٍ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ قَالَ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَى تَقْدِيمَ أَذَانِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَدْ صَحَّ خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَسَمُرَةَ وَعَائِشَةَ أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ وَاَللَّهُ أَعْلَم
* واسم ابن ام مكتوم عمرو ابن قيس وقيل عبد الله ابن زَائِدَةَ الْقُرَشِيُّ الْعَامِرِيُّ وَهُوَ ابْنُ خَالِ خَدِيجَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها اسْتَخْلَفَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَرَّةً في غزواته وشهد فتح القادسية واشتشهد بِهَا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه وَاسْمُ أُمِّ مَكْتُومٍ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ اللَّهِ أما حكم المسألة فلا يجوز الاذان لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ وَقْتِهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَوْ أَوْقَعَ بَعْضَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ لِغَيْرِ الصُّبْحِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْضَهَا فِي الْوَقْتِ لَمْ
يَصِحَّ بَلْ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْأَذَانِ كُلِّهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَوْ وَقَعَ بَعْضُ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْضُهَا بَعْدَهُ بُنِيَ عَلَى الْوَاقِعِ فِي الْوَقْتِ قَالَ وَمُرَادُهُ قَوْلُهُ فِي آخِرِ الْأَذَانِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَيَأْتِي بَعْدَهُ بِالتَّكْبِيرِ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ الشَّهَادَةِ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ تكبيرات وليس مراده ان غير ذلك يحسب لَهُ فَإِنَّ التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ قَالَ وَلَا يَضُرُّ قَوْلُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ خَلَّلَ بَيْنَهَا كَلَامًا يَسِيرًا لَا يَضُرُّ فَالذِّكْرُ أَوْلَى وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ عَنْ الْأَصْحَابِ نَحْوَ هَذَا.
وَيَجُوزُ لِلصُّبْحِ قَبْلَ وَقْتِهَا
بِلَا خِلَافٍ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَجُوزُ فِيهِ من الليل علي خمسة أوجه أصحها وقول أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ يَدْخُلُ وقت اذانها مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ وَالثَّانِي أَنَّهُ قُبَيْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي السَّحَرِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَالثَّالِثُ يُؤَذَّنُ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ عَلَى خِلَافِ عَادَتِهِ فِي التَّحْقِيقِ وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ بَعْدَ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَارِ وَهُوَ ثُلُثُ اللَّيْلِ فِي قَوْلٍ وَنِصْفُهُ فِي قَوْلٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا الْإِبَانَةِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَالْخَامِسُ جَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِأَذَانِ الصُّبْحِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ بَلْ غَلَطٌ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْلَا عُلُوِّ قَدْرِ الْحَاكِي لَهُ وَهُوَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَأَنَّهُ لَا يَنْقُلُ إلَّا مَا صَحَّ وَتَنَقَّحَ عِنْدَهُ لَمَا اسْتَجَزْتُ نَقْلَ هَذَا الْوَجْهِ وَكَيْفَ يَحْسُنُ الدُّعَاءُ لِصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي وَقْتِ الدُّعَاءِ إلَى المغرب والسرف في كل شئ مُطَّرَحٌ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ صَاحِبَ هذا القول لا يقوله عليه الْإِطْلَاقِ الَّذِي ظَنَّهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بَلْ إنَّمَا يُجَوِّزُهُ بَعْدَ مُضِيِّ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَقِطْعَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَأَمَّا الْوَجْهُ الَّذِي نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يُؤَذَّنُ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ فَهُوَ أَيْضًا تَقْيِيدٌ بَاطِلٌ وَكَأَنَّهُمْ بَنَوْهُ عَلَى حَدِيثٍ بَاطِلٍ نَقَلَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِنِصْفِ سُبْعٍ " وَهَذَا الْحَدِيثُ بَاطِلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ سَعْدِ الْقَرَظِ قَالَ " أَذَّنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقُبَاءَ وَفِي زَمَنِ عُمَرَ رضي الله عنه بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ أَذَانُنَا فِي الصُّبْحِ فِي الشِّتَاءِ لِسُبْعٍ وَنِصْفٍ يَبْقَى مِنْ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ لِسُبْعٍ يَبْقَى مِنْهُ وهذا المنقول
مَعَ ضَعْفِهِ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ فَالصَّحِيحُ اعْتِبَارُ نِصْفِ اللَّيْلِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَلَا يَصِحُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا عَلَى إرَادَةِ الدُّخُولِ فِيهَا ولابد مِنْ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ وَهُمَا دُخُولُ الْوَقْتِ وَإِرَادَةُ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ أَقَامَ قُبَيْلَ الْوَقْتِ بِجُزْءٍ لَطِيفٍ بِحَيْثُ
دَخَلَ الْوَقْتُ عَقِبَ الْإِقَامَةِ ثُمَّ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ عَقِبَ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ إقَامَتُهُ وَإِنْ كَانَ مَا فَصَلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ لِكَوْنِهَا وَقَعَتْ قَبْلَ الْوَقْتِ وَقَدْ نُصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى هَذَا وَإِنْ أَقَامَ فِي الْوَقْتِ وَأَخَّرَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ إقَامَتُهُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ لِأَنَّهَا تُرَادُ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ الْفَصْلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذَّنَ لِلصُّبْحِ مرتان إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْأُخْرَى عَقِبَ طُلُوعِهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مكتوم " والافضل أن يكون مُؤَذِّنَانِ يُؤَذِّنُ وَاحِدٌ قَبْلَ الْفَجْرِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فان اقتصر علي أذان واحد جار أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَأَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ وَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْكَلِمَاتِ قَبْلَ الْفَجْرِ وبعضها بعده إذا لم يطل بينهما فضل وَإِذَا اُقْتُصِرَ عَلَى أَذَانٍ وَاحِدٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْفَجْرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَعْهُودُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَذَانِ لِلصُّبْحِ وَغَيْرِهَا: أَمَّا غَيْرُهَا فَلَا يَصِحُّ الْأَذَانُ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا الصُّبْحُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ بَعْدَهُ وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ بِلَالًا رضي الله عنه أَذَّنَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَرْجِعَ فَيُنَادِي " أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ أَلَا إنَّ الْعَبْدَ نَامَ ثَلَاثًا " دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ " وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَرَوَاهُ أَبُو داود والبيهقي وغيرهما وضعفوه
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْأَذَانُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ وَيَقُولُ
أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ رضي الله عنه قَالَ " أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّأْذِينَ بِنَفْسِهِ فَقَالَ قُلْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ " فذكر نحو ما قلناه وان كان في اذان الصبح زاد فيه وَهُوَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ مَرَّتَيْنِ وَكُرِهَ ذَلِكَ فِي الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا كره فِي الْجَدِيدِ لِأَنَّ أَبَا مَحْذُورَةٍ لَمْ يَحْكِهِ وَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَأَنَّهُ قَالَ لَهُ " حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا الله " والاقامة إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ الْإِقَامَةُ مرة لانه لفظ في الاقامة فكان فرادا كَالْحَيْعَلَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه قَالَ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الاقامة الا الاقامة ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَنَسٍ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بلفظه واما حديث أبى محذورة في الترجيع فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنَّهُ وَقَعَ التَّكْبِيرُ فِي أَوَّلِهِ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ فَقَطْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرِهِمَا التَّكْبِيرُ أَرْبَعًا كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي مَحْذُورَةَ فِي التَّثْوِيبِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ فِي أَذَانِ الْفَجْرِ حَيَّ عَلَى الفلاح قال الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ اللَّهُ أَكْبَرُ
اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَأَبُو مَحْذُورَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ اسْمُهُ سَمُرَةُ بْنُ مِعْيَرٍ بِمِيمٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ مُثَنَّاةٍ تَحْتِ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَيُقَالُ أَوْسُ بْنُ مِعْيَرٍ وَيُقَالُ سَمُرَةُ بْنُ عُمَيْرٍ وَيُقَالُ أَوْسُ بْنُ مُعَيَّرٍ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ الْمُشَدَّدَةِ: كَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ صَوْتًا أَسْلَمَ بَعْدَ الْفَتْحِ تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ
وَخَمْسِينَ وَقِيلَ تِسْعٍ وَسَبْعِينَ: وَأَمَّا التَّثْوِيبُ فَمَأْخُوذٌ مِنْ ثَابَ إذَا رَجَعَ كَأَنَّهُ رَجَعَ إلَى الدُّعَاءِ إلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً أُخْرَى لِأَنَّهُ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ دَعَا إلَيْهَا بِقَوْلِهِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ في جامعه ويقال فيه التثوب: وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَهِيَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهِيَ قَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ لَا تَأْتَلِفُ الْعَيْنُ وَالْحَاءُ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي الْحُرُوفِ لِقُرْبِ مخرجيهما إلا أن يتألف فعل من كمتين مِثْلَ حَيَّ عَلَى فَيُقَالُ حَيْعَلَةٌ وَمِثْلُ الْحَيْعَلَةِ مِنْ الْمُرَكَّبَاتِ الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ وَالْحَوْقَلَةُ فِي بِسْمِ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَأَشْبَاهُهَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ " هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَقَوْلُهُ " إلَّا الْإِقَامَةَ " يَعْنِي قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ فَيَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ وَقَوْلُهُ " ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَمُدُّ صَوْتَهُ " لَوْ قَالَ فَيَرْفَعُ صَوْتَهُ كَانَ أَحْسَنُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ الْمَدِّ الرَّفْعُ وَالْمُرَادُ الرَّفْعُ وَقَوْلُهُ يَرْجِعُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَضُمُّ الْيَاءَ وَيُشَدِّدُ الْجِيمَ وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِأَنَّ التَّرْجِيعَ اسْمٌ لِلَّذِي يَأْتِي بِهِ سرا: أما احكام الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا ذُكِرَ بِإِثْبَاتِ التَّرْجِيعِ وَهُوَ ذِكْرُ الشَّهَادَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ سِرًّا قَبْلَ الْجَهْرِ وَهَذَا التَّرْجِيعُ سُنَّةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ فَلَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا صَحَّ أَذَانُهُ وَفَاتُهُ الْفَضِيلَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ رُكْنٌ لَا يَصِحُّ الْأَذَانُ إلَّا بِهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَقَلَ أَحْمَدُ الْبَيْهَقِيُّ الامام
عن الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنْ تَرَكَ التَّرْجِيعَ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ جَاءَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِحَذْفِهِ مِنْهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَوْ كَانَ رُكْنًا لَمْ يُتْرَكْ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِي حَذْفِهِ إخْلَالٌ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ بَاقِي الْكَلِمَاتِ وَالْحِكْمَةُ فِي التَّرْجِيعِ أَنَّهُ يَقُولُهُ سِرًّا بِتَدَبُّرٍ وَإِخْلَاصٍ وَأَمَّا التثويب في الصبح فَفِيهِ طَرِيقَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ مَسْنُونٌ قَطْعًا لِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَهُوَ الْقَدِيمُ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَيَكُونُ مَنْصُوصًا فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ والثاني وهو الجديد انه يُكْرَهُ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِطَرِيقَةِ الْقَوْلَيْنِ الدَّارِمِيُّ وَادَّعَى
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهَا أَشْهَرُ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ مَشْرُوعٌ فعلى هذا هو سُنَّةٌ لَوْ تَرَكَهُ صَحَّ الْأَذَانُ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي اشْتِرَاطِهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَهُوَ بِالِاشْتِرَاطِ أَوْلَى مِنْ التَّرْجِيعِ ثُمَّ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْرَعُ فِي كُلِّ أَذَانٍ لِلصُّبْحِ سَوَاءٌ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ وَبَعْدَهُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ ثُوِّبَ فِي الْأَذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُثَوَّبْ فِي الثَّانِي فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ: وَأَمَّا الْإِقَامَةُ فَفِيهَا خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ وَالثَّانِي أَنَّهَا عَشْرُ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَهَذَا قَوْلٌ قَدِيمٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالثَّالِثُ قَدِيمٌ أَيْضًا أَنَّهَا تِسْعُ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ أَيْضًا التَّكْبِيرَ فِي آخِرِهَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّابِعُ قَدِيمٌ أَيْضًا أَنَّهَا ثَمَانِ كَلِمَاتٍ يُفْرِدُ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا مَعَ لَفْظِ الْإِقَامَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَجْهًا
وَحَكَاهُ الْبَغَوِيّ قَوْلًا وَالْخَامِسُ أَنَّهُ إنْ رَجَعَ فِي الْأَذَانِ ثَنَّى جَمِيعَ كَلِمَاتِ الْإِقَامَةِ فَيَكُونُ سبع عشرة كلمة وانه لَمْ يَرْجِعْ أَفْرَدَ الْإِقَامَةَ فَجَعَلَهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي بَكْرٍ محمد ابن اسحاق بن خزيمة من أصحابنا والمذهب اتها إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً سَوَاءٌ رَجَعَ أَمْ لَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَحَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ هُنَا فَإِنْ قِيلَ فَقَدْ قَالَ أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ فَهَذَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ مَرَّةً فَقَطْ وَقَدْ قُلْتُمْ يَأْتِي بِهِ مَرَّتَيْنِ فَالْجَوَابِ أَنَّهُ وِتْرٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى تَكْبِيرِ الْأَذَانِ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَوَّلِ الْأَذَانِ أَرْبَعُ كَلِمَاتٍ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ فِي تَكْبِيرَاتِ الاذان الْأَرْبَعِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا فِي نَفَسَيْنِ كُلُّ تَكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ وَفِي الْإِقَامَةِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَتَيْنِ فِي نَفَسٍ فَصَارَتْ وِتْرًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَلْفَاظِ الاذان: قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحِجَازِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ مَالِكٌ هُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً أَسْقَطَ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ أَوَّلِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ كَلِمَةً أَسْقَطَا التَّرْجِيعَ وَجَعَلَا التَّكْبِيرَ أَرْبَعًا كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إثْبَاتُ التَّرْجِيعِ وَحَذْفُهُ كِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَحَكَى الْخِرَقِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ
وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ فِي إسْقَاطِ التَّرْجِيعِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ قَالُوا وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى حَدِيثِ عبد الله بن ريد لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ فِيهِ زيادة وزيادة الثقة مقبولة (والثالث) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَقَّنَهُ إيَّاهُ (وَالرَّابِعُ) عَمَلُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ بِالتَّرْجِيعِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي التَّثْوِيبِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فِي أَذَانِ الصُّبْحِ وَمِمَّنْ قَالَ بِالتَّثْوِيبِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَلَمْ يَقُلْ أَبُو حَنِيفَةَ بِالتَّثْوِيبِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِيهِ
*
* (فَرْعٌ)
* فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْإِقَامَةِ: مَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ أَنَّهَا إحْدَى عَشْرَةَ كَلِمَةً كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَنَسٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَيَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّنْ قَالَ بِإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ سَعِيدُ بن المسيب وعروة ابن الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَشَايِخُ جُلَّةٌ مِنْ التَّابِعِينَ سِوَاهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ عَشْرُ كَلِمَاتٍ جَعَلَ قَوْلَهُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّةً وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ هُوَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً مِثْلُ الْأَذَانِ عِنْدَهُمْ مَعَ زِيَادَةِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ مَرَّتَيْنِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " عَلَّمَهُ الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح وعن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " كَانَ أَذَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَفْعًا شَفْعًا فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ " وعن عبد الرحمن ابن أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ مِثْلُهُ وَقِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَذْكُورِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " أُمِرَ بِلَالٌ أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ إلَّا الْإِقَامَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " أَمَرَ بِلَالًا أَنْ يَشْفَعَ الْأَذَانَ وَيُوتِرَ الْإِقَامَةَ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " قَالَ إنَّمَا كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً غَيْرَ أَنَّهُ يَقُولُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ " رَوَاهُ أَبُو داود وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ: وَاحْتَجُّوا بِأَقْيِسَةٍ كَثِيرَةٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالُوا وَالْحِكْمَةُ فِي إفْرَادِ الْإِقَامَةِ أَنَّ السَّامِعَ يَعْلَمُ أَنَّهَا إقَامَةٌ فَلَوْ ثُنِيَتْ لَاشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ بِالْأَذَانِ وَلِأَنَّهَا لِلْحَاضِرِينَ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى تَكْرِيرٍ لِلتَّأْكِيدِ بِخِلَافِ الْأَذَانِ: وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ بِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يُدْرِكْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ وَلَمْ يُدْرِكْ أَيْضًا مُعَاذًا هَكَذَا أَجَابَ بِهِ حُفَّاظُ الْحَدِيثِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْمَشْهُورَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ إفْرَادُ الْإِقَامَةِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فِي حَدِيثِ بَدْءِ الْأَذَانِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ سَمِعْتُ الامام محمد بن يحيى الدهلي يَقُولُ لَيْسَ فِي أَخْبَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي الْأَذَانِ أَصَحُّ مِنْ هَذَا يَعْنِي الرِّوَايَةَ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ أَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ فَرَوَى جَمَاعَةٌ عَنْهُ إفْرَادُ الْإِقَامَةِ وَآخَرُونَ تَثْنِيَتُهَا وَقَدْ رَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهُمْ وَبَيَّنُوهَا وَقَدْ اتَّفَقْنَا نَحْنُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي مَحْذُورَةَ هَذَا لَا يُعْمَلُ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّ فِيهِ التَّرْجِيعَ وَتَثْنِيَةَ الْإِقَامَةِ
وَهُمْ لَا يَقُولُونَ بِالتَّرْجِيعِ وَنَحْنُ لَا نَقُولُ بتثنية الاقامة فلابد لَنَا وَلَهُمْ مِنْ تَأْوِيلِهِ فَكَانَ الْأَخْذُ بِالْإِفْرَادِ أَوْلَى لِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِبَاقِي الرِّوَايَاتِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَحَدِيثِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ فِي الْإِفْرَادِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَجْمَعُوا أَنَّ الْإِقَامَةَ لَيْسَتْ كَالْأَذَانِ فِي عَدَدِ الْكَلِمَاتِ إذَا كَانَ بِالتَّرْجِيعِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جِنْسُ الْكَلِمَاتِ وَأَنَّ تَفْسِيرَهَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ تَوَهُّمًا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ وَلِهَذَا لَمْ يَرْوِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ الْإِقَامَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي مَحْذُورَةَ مَعَ رِوَايَتِهِ الْأَذَانَ عَنْهُ ثُمَّ ذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدِهِ الصَّحِيحَةِ رِوَايَاتٍ عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ تُبَيِّنُ صِحَّةَ قَوْلِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ خُزَيْمَةَ قَالَ التَّرْجِيعُ فِي الْأَذَانِ مَعَ تَثْنِيَةِ الْإِقَامَةِ مِنْ جِنْسِ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ فَيُبَاحُ أَنْ يُرَجِّعَ فِي الْأَذَانِ وَيُثَنِّيَ الْإِقَامَةَ وَيُبَاحُ أَنْ يُثَنِّيَ الْأَذَانَ وَيُفْرِدَ الْإِقَامَةَ لِأَنَّ الْأَمْرَيْنِ صَحَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَمَّا تَثْنِيَةُ الْأَذَانِ بِلَا تَرْجِيعٍ وَتَثْنِيَةُ الْإِقَامَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَفِي صِحَّةِ التَّثْنِيَةِ فِي الْإِقَامَةِ سِوَى لَفْظِ التَّكْبِيرِ وَكَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ نَظَرٌ فَفِي اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ مَا يُوهِمُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِالتَّثْنِيَةِ عَادَ إلَى كَلِمَتَيْ الْإِقَامَةِ وفى روايه أَبِي مَحْذُورَةَ وَأَوْلَادِهِ عَلَى تَرْجِيعِ الْأَذَانِ وَإِفْرَادِ الْإِقَامَةِ مَا يُؤْذِنُ بِضَعْفِ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى تَثْنِيَتَهَا وَيَقْتَضِي أَنَّ الْأَمْرَ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ هُوَ وَأَوْلَادُهُ وَسَعْدُ الْقَرَظِ وَأَوْلَادُهُ فِي حَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إلَى أَنْ وَقَعَ التَّغْيِيرُ فِي أَيَّامِ الْمِصْرِيِّينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَدْرَكْتُ إبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عَبْدِ الملك ابن أَبِي مَحْذُورَةَ يُؤَذِّنُ كَمَا حَكَى ابْنُ مُحَيْرِيزٍ يَعْنِي بِالتَّرْجِيعِ قَالَ وَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ
عَنْ أَبِي مَحْذُورَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعْنَى مَا حَكَى ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ وَسَمِعْته يُفْرِدُ الْإِقَامَةَ إلَّا لَفْظَ الْإِقَامَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ الرِّوَايَةُ فِي الْأَذَانِ تَكَلُّفٌ لِأَنَّهُ خَمْسُ مَرَّاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فِي الْمَسْجِدَيْنِ يَعْنِي مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى رؤوس الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَمُؤَذِّنُو مَكَّةَ آلُ أَبِي مَحْذُورَةَ وَقَدْ أَذَّنَ أَبُو مَحْذُورَةَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَّمَهُ الْأَذَانَ ثُمَّ وَلَدُهُ بِمَكَّةَ وأذن آل سعد القرظ منذر مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه كُلُّهُمْ يَحْكِي الاذان والاقامة والتثويب ووقت الْفَجْرِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا غَلَطًا مِنْ جَمَاعَتِهِمْ وَالنَّاسُ بِحَضْرَتِهِمْ وَيَأْتِينَا مِنْ طَرَفِ الْأَرْضِ مَنْ يُعَلِّمُنَا ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَسْأَلَنَا عَنْ عَرَفَةَ وَمِنًى ثُمَّ يخالفنا ولو خلفنا فِي الْمَوَاقِيتِ لَكَانَ أَجْوَزُ لَهُ مِنْ مُخَالِفَتِنَا فِي هَذَا الْأَمْرِ الظَّاهِرِ الْمَعْمُولِ بِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ مَالِكٍ قَالَ أَذَّنَ سَعْدُ الْقَرَظِ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَافِرُونَ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَكَانَ سَعْدٌ وَبَنُوهُ يُؤَذِّنُونَ بِأَذَانِهِ إلَى الْيَوْمِ فَقِيلَ لَهُ كَيْفَ أَذَانُهُمْ فَقَالَ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَذَكَرُهُ بِالتَّرْجِيعِ قَالَ وَالْإِقَامَةُ مَرَّةً مَرَّةً قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ نَصْرٍ فَأَرَى فُقَهَاءَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ قَدْ أَجْمَعُوا علي افراد الاقامة واختفوا فِي الْأَذَانِ يَعْنِي إثْبَاتَ التَّرْجِيعِ وَحَذْفَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ التَّثْوِيبُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حامد
وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّثْوِيبُ سُنَّةٌ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ كَالصُّبْحِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فِي أَذَانِ الْعِشَاءِ أَيْضًا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَنَامُ عَنْهَا دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى التَّابِعِيِّ عَنْ بِلَالٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يثوبن في شى مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَ إسْنَادَهُ وَهُوَ مَعَ ضَعْفِ إسْنَادِهِ مُرْسَلٌ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي لَيْلَى لَمْ يَسْمَعْ بلالا ومن مُجَاهِدٍ قَالَ " كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَثَوَّبَ رَجُلٌ فِي الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ فَقَالَ اُخْرُجْ بِنَا فَإِنَّ هَذِهِ بِدْعَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَالْمُعْتَمَدُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها
* (فَرْعٌ)
يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ فِي الْأَذَانِ حَيَّ عَلَى خَيْرِ الْعَمَلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِيهِ شَيْئًا مَوْقُوفًا عَلَى ابن عمر وعلي ابن الحسين رضى الله عنهم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَمْ تَثْبُتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَنَحْنُ نَكْرَهُ الزيادة في الاذان والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يصح الاذان الا من مسلم عاقل فاما الكافر والمجنون فلا يصح أذانهما لانهما ليسا من أهل العبادات ويصح من الصبى العاقل لانه من أهل العبادات ويكره للمرأة أن تؤذن ويستحب لها أن تقيم لان في الاذان ترفع الصوت وفى الاقامة لا ترفع فإذا أذنت للرجال لم يعتد باذانها لانه لا يصح امامتها للرجال فلا يصح تأذينها لهم)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا يَصِحُّ أَذَانُ كَافِرٍ عَلَى أَيِّ مِلَّةٍ كَانَ فَإِنْ أَذَّنَ فَهَلْ يَكُونُ أَذَانُهُ إسْلَامًا يُنْظَرُ إنْ كَانَ عِيسَوِيًّا وَالْعِيسَوِيَّةُ طَائِفَةٌ مِنْ الْيَهُودِ يُنْسَبُونَ إلَى عِيسَى الْيَهُودِيِّ الْأَصْبَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ اخْتِصَاصَ رِسَالَةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم بِالْعَرَبِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ بِالْأَذَانِ مُسْلِمًا لِأَنَّهُ إذَا نَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ اعْتَقَدَ فِيهَا الِاخْتِصَاصَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عِيسَوِيٍّ فَلَهُ فِي نُطْقِهِ بِالشَّهَادَةِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ أَحَدُهَا أَنْ يَقُولَهَا حِكَايَةً بِأَنْ يَقُولَ سَمِعْتُ فُلَانًا يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَهَذَا لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا
بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ كَمَا لَا يَصِيرُ الْمُسْلِمُ كَافِرًا بِحِكَايَتِهِ الْكُفْرَ وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَهَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ إنْسَانٌ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فيقولهما قَصْدًا فَهَذَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ وَالثَّالِثُ أن يقولها ابتداء لا حكاية ولا بِاسْتِدْعَاءٍ فَهَلْ يَصِيرُ مُسْلِمًا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يَصِيرُ لِنُطْقِهِ بِهِمَا اخْتِيَارًا وَالثَّانِي لَا يَصِيرُ لِاحْتِمَالِ الْحِكَايَةِ وَسَوَاءٌ حَكَمْنَا بِإِسْلَامِهِ أَمْ لَا لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ لِأَنَّهُ وَإِنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يُحْكَمُ بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ فَيَكُونُ بَعْضُ الْأَذَانِ جَرَى فِي الْكُفْرِ.
وَلَوْ أَذَّنَ الْمُسْلِمُ ثُمَّ ارْتَدَّ عَقِبَ فَرَاغِهِ اُعْتُدَّ بِأَذَانِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ عَرَضَتْ لَهُ الرِّدَّةُ قَبْلَ فَرَاغِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا الشَّافِعِيُّ (1)(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لِأَنَّ كَلَامَهُمَا لَغْوٌ وَلَيْسَا فِي الحال من أهل العبادة
(1) ياض بالاصل اه
وَأَمَّا السَّكْرَانُ فَلَا يَصِحُّ أَذَانُهُ عَلَى الصَّحِيحِ كالمجنون وفيه وجه انه يصح إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الفتاوى بناء علي صحة تصرفاته وليس بشئ وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِي أَوَّلِ النَّشْوَةِ فَيَصِحُّ أَذَانُهُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّالِثَةُ) يَصِحُّ أَذَانُ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ كَمَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالُوا وَلِأَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُهُ فِيمَا طَرِيقُهُ الْمُشَاهَدَةُ كَمَا لَوْ دَلَّ أَعْمَى عَلَى مِحْرَابٍ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ في الاذن في دخول الدر وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَصِحُّ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَصِحُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ كَرَاهَتَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مُرَاهِقًا أَوْ دُونَهُ يُكْرَهُ أَنْ يُرْتَبَ لِلْأَذَانِ: (الرَّابِعَةُ) لَا يَصِحُّ أَذَانُ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ خَبَرُهَا وَأَمَّا إذَا أَرَادَ جَمَاعَةُ النِّسْوَةِ صَلَاةً فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الاقامة
دون الاذان لما ذكره المصنف والثاني لَا يُسْتَحَبَّانِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالثَّالِثُ يُسْتَحَبَّانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ فَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا أَذَّنَتْ ولم ترفع الصوت لم يكره وكان ذكر الله تَعَالَى هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمْ وَشَذَّ الْمُصَنِّفُ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ فَقَالَا يُكْرَهُ لَهَا الْأَذَانُ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا تُؤَذِّنُ فَلَا تَرْفَعُ الصَّوْتَ فَوْقَ مَا تَسْمَعُ صَوَاحِبُهَا اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ فَإِنْ رَفَعَتْ فَوْقَ ذَلِكَ حَرُمَ كما يحرم تكشفها بحضرة الرِّجَالِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَنُ بِصَوْتِهَا كَمَا يُفْتَتَنُ بِوَجْهِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي رَفْعُ صَوْتِهَا مَكْرُوهٌ وَلَوْ أَرَادَتْ الصَّلَاةَ امْرَأَةٌ مُنْفَرِدَةٌ فَإِنْ قُلْنَا الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ لَا يُؤَذِّنُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَعَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي جَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فِي هَذَا كُلِّهِ كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ أَبُو الْفُتُوحِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَلِلنِّسَاءِ الْإِقَامَةُ دُونَ الْأَذَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يسن الاقامة لهن * قال المصنف رحمه الله
*
* (والمستحب ان يكون المؤذن حرا بالغا لما روى ابن عباس رضى عنهما مرفوعا " يؤذن لكم خياركم " وقال عمر رضى الله عنه لرجل " من مؤذنوكم فقال موالينا أو عبيدنا فقال ان ذلك لنقص كبير " والمستحب ان يكون عدلا لانه امين علي المواقيت ولانه يؤذن على موضع عال فإذا لم يكن أمينا لم يؤمن ان ينظر إلى العورات)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا أَيْ مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقْدِيرُهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَمَّا الاثر المذكور عن عمر فرواه البيهقى باسناد (1) وَهَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَالَ لَهُ عُمَرُ مَنْ مُؤَذِّنُوكُمْ هُوَ قَيْسُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ رَوَى عَنْ الْعَشَرَةِ وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ رَوَى عَنْ الْعَشَرَةِ غَيْرَهُ وَقِيلَ لَمْ يَسْمَعْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَقَوْلُهُ مَوَالِينَا أَوْ عَبِيدُنَا هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ أَوْ عَبِيدُنَا بِأَوْ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَعَبِيدُنَا بِالْوَاوِ وَأَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَصِحُّ أَذَانُ الْعَبْدِ كَمَا يَصِحُّ خَبَرُهُ لَكِنَّ الْحُرَّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أكمل
قال صاحب الماوى قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَالْعَبْدُ فِي الْأَذَانِ كَالْحُرِّ قَالَ فَاحْتَمَلَ مُرَادُهُ بِذَلِكَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا كَالْحُرِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ لِصَلَاتِهِ كَالْحُرِّ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ مَسْنُونَاتِ الصَّلَاةِ وَفُرُوضَهَا يَسْتَوِي فِيهَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ لَكِنْ إنْ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ لِنَفْسِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْذَانُ سَيِّدِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنًا لِلْجَمَاعَةِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِخِدْمَتِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى مُرَاعَاةِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةُ) سَبَقَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ صِحَّةُ أَذَانِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ وَيَتَأَدَّى بِهِ الشِّعَارُ وَفَرْضُ الْكِفَايَةِ إذَا قُلْنَا بِهِ وَلَكِنَّ الْبَالِغَ أَوْلَى مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِنَا قَالُوا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مؤذنا لانه فيه تغريرا فانه يخاف غَلَطَهُ (الثَّالِثَةُ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ عَدْلًا ذَا صِيَانَةٍ فِي دِينِهِ وَمُرُوءَتِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ فَاسِقًا صَحَّ أَذَانُهُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَيْهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَابْنُ
الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَذَانُهُ فِي تَحْصِيلِ وَظِيفَةِ الْأَذَانِ وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُ وَقَبُولُ خَبَرِهِ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ لِأَنَّ خَبَرَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَإِنْ أَذَّنَ خَصِيٌّ أَوْ مَجْبُوبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَمَنْ أَذَّنَ مِنْ عَبْدٍ وَمُكَاتَبٍ أَجْزَأَ قال وكذلك الخصي المجبوب وَالْأَعْجَمِيُّ إذَا أَفْصَحَ بِالْأَذَانِ وَعَلِمَ الْوَقْتَ قَالَ وَأَحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ خِيَارَ النَّاسِ
* (فَرْعٌ)
قال الامام الشافعي في الامام والمختصر " واحب ان لا بجعل مُؤَذِّنُ الْجَمَاعَةِ إلَّا عَدْلًا ثِقَةً " قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قِيلَ جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا وَقِيلَ أَرَادَ عَدْلًا إنْ كَانَ حُرًّا ثِقَةً إنْ كَانَ عَبْدًا لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالثِّقَةِ وَالْأَمَانَةِ وَقِيلَ أَرَادَ عَدْلًا فِي دِينِهِ ثِقَةً فِي مَعْرِفَتِهِ بِالْمَوَاقِيتِ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَارِفًا غَرَّ النَّاسَ بِأَذَانِهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ مَنْ جُعِلَ الْأَذَانُ فِيهِمْ أَوْ مِنْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَحْذُورَةَ رضي الله عنه قَالَ " جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَذَانَ لَنَا " وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْمُلْكُ فِي قُرَيْشٍ وَالْقَضَاءُ فِي الْأَنْصَارِ وَالْأَذَانُ فِي الْحَبَشَةِ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ يَعْنِي يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ هَكَذَا صَرَّحَ بِاشْتِرَاطِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ وَوَقَعَ فِي كَلَامِ الْمَحَامِلِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُهُ عَارِفًا بِالْمَوَاقِيتِ فَمُؤَوَّلٌ وَيَعْنِي بِالِاشْتِرَاطِ فِيمَنْ يُوَلَّى وَيُرْتَبُ لِلْأَذَانِ وَأَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ أَوْ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ مَرَّةً فَلَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَتُهُ بِالْمَوَاقِيتِ بَلْ إذَا عَلِمَ دُخُولَ وَقْتِ الْأَذَانِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ صَحَّ أَذَانُهُ لَهَا بِدَلِيلِ أَذَانِ الْأَعْمَى وَأَمَّا قَوْلُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَدِ مَنْ جُعِلَ الْأَذَانُ فِيهِمْ ثُمَّ مِنْ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ إلَيْهِمْ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله والمخاملي وَزَادَ الشَّافِعِيُّ مَنْ جَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ الْأَذَانَ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي أَوْلَادِ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا مَرْفُوعًا قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ علي أبى هريرة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ صَيِّتًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اخْتَارَ أَبَا مَحْذُورَةَ لِصَوْتِهِ
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الصَّوْتِ لِأَنَّهُ أَرَقُّ لِسَامِعِيهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ أَعْمَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلِطَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كان يؤذن مع بلال)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسَائِلُ حُكْمُهَا كَمَا ذُكِرَ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَيْهَا كُلِّهَا وَالصَّيِّتُ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ هُوَ شَدِيدُ الصَّوْتِ وَرَفِيعُهُ وَحَدِيثُ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سبق وحديث ابي محذورة صحيح أيضا رمما يُسْتَدَلُّ بِهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " أَلْقِهِ عَلَى بِلَالٍ فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ إذَا كَانَ مَعَ الْأَعْمَى بصير بخبره بِالْوَقْتِ وَلَا يُؤَذِّنُ لَمْ يُكْرَهْ كَوْنُ الْأَعْمَى مُؤَذِّنًا كَمَا لَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ مَعَهُ بَصِيرٌ يُؤَذِّنُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَرِهْنَا انْفِرَادَ الْأَعْمَى وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ بِسُؤَالِ
غَيْرِهِ وَبِالِاجْتِهَادِ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ عَلَى النَّاسِ فَضِيلَةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ بِاشْتِغَالِهِ بِذَلِكَ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " حَقٌّ وسنة أن لا يؤذن أَحَدٌ إلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ " وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يكن علي طهارة الصرف لاجل الطهارة فيجئ مَنْ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا فَيَنْصَرِفُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ لِأَنَّ الَّذِي رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ كَانَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا وَهُوَ رَاكِبٌ أَذَّنَ قَاعِدًا كَمَا يُصَلِّي قَاعِدًا وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِذَا بَلَغَ الْحَيْعَلَةَ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَسْتَدِيرُ لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا خَرَجَ إلَى الْأَبْطُحِ فَأَذَّنَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ " وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ جِهَةٍ فَجِهَةُ الْقِبْلَةِ أُولَى وَالْمُسْتَحَبُّ أن
يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قُبَّةٍ لَهُ حَمْرَاءَ " وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ للصوت)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ مُرْسَلٌ لِأَنَّ أَئِمَّةَ الْحَدِيثِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ عَبْدَ الْجَبَّارِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنَّمَا وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَحُجْرٌ بحاء مهملة مضمومة ثم جيم ساكنة كنية وَائِلٍ أَبُو هُنَيْدَةَ وَهُوَ مِنْ بَقَايَا مُلُوكِ حِمْيَرَ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَعَاشَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ الَّذِي رَآهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ كَانَ عَلَى جِذْمِ حَائِطٍ فَرَوَى أَبُو دَاوُد مَعْنَاهُ قَالَ قَامَ عَلَى الْمَسْجِدِ وَجِذْمُ الْحَائِطِ أَصْلُهُ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الذال المعجمة واما حديث " يا بلال قوم فَنَادِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ اللَّذَانِ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ فَصَحِيحَانِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ فجعلت اتتبع فاه ههنا وههنا يَمِينًا وَشِمَالًا يَقُول حَيَّ
عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَلَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ لَوَى عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَمْ يَسْتَدِرْ " وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " رَأَيْتُ بِلَالًا يُؤَذِّنُ وَأَتَتَبَّعُ فَاهُ هَهُنَا وَهَهُنَا وَأُصْبُعَاهُ فِي أُذُنَيْهِ " قال التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَبُو جُحَيْفَةَ بِجِيمٍ مضمومة ثم حاء مهملة مفتوحة وهو صاحبي مَشْهُورٌ رضي الله عنه وَاسْمُهُ وَهْبُ بْنُ عبد الله وقيل وهب الله السؤاى بِضَمِّ السِّينِ تُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ قِيلَ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ لَمْ يَبْلُغْ الْحُلُمَ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى طَهَارَةٍ فَإِنْ أَذَّنَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ أَوْ أَقَامَ الصَّلَاةَ وَهُوَ مُحْدِثٌ أَوْ جُنُبٌ صَحَّ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهَا وَدَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالُوا وَالْكَرَاهَةُ فِي الْجُنُبِ أَشَدُّ مِنْهَا فِي الْمُحْدِثِ وَفِي الْإِقَامَةِ أَغْلَظُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ وَلَوْ ابْتَدَأَ فِي الْأَذَانِ طَاهِرًا ثُمَّ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَمْ يَقْطَعْهُ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ جَنَابَةً أَوْ غَيْرَهَا قَالَ وَلَوْ قَطَعَهُ وَتَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ بَنَى عَلَى أَذَانِهِ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ
هَذَا نَصُّهُ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ إتْمَامُهُ وَلَا يَقْطَعُهُ لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَإِنَّمَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ إذَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ طُولًا فَاحِشًا وَإِنْ طَالَ طُولًا غَيْرَ فَاحِشٍ فَفِي صِحَّةِ الْبِنَاءِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا يَصِحُّ الْبِنَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي الْمَسْجِدِ أَثِمَ بِلُبْثِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَصَحَّ أَذَانُهُ وَإِقَامَتُهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ حُصُولُ الْإِعْلَامِ وَقَدْ حَصَلَ وَالتَّحْرِيمُ لِمَعْنًى آخَرَ وَهُوَ حُرْمَةُ الْمَسْجِدِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ الْجُنُبُ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ يَأْثَمُ وَيَصِحُّ أَذَانُهُ قَالَ وَالرَّحْبَةُ كَالْمَسْجِدِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى الْجُنُبِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَوْ أَذَّنَ مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ أَثِمَ وَأَجْزَأَهُ (فَرْعٌ)
فِي مذاهب العلماء في الاذان بغير طهارة: قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَذَانَ الْجُنُبِ وَالْمُحْدِثِ وَإِقَامَتَهُمَا صَحِيحَانِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَصِحُّ أَذَانُهُ وَلَا إقَامَتُهُ
مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ مَالِكٌ يَصِحُّ الْأَذَانُ وَلَا يُقِيمُ إلَّا مُتَوَضِّئًا وَأَصَحُّ مَا يُحْتَجُّ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ الْمُهَاجِرُ بْنُ قُنْفُذٍ رضي الله عنه قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ييول فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ حَتَّى تَوَضَّأَ ثُمَّ اعْتَذَرَ إلَيَّ فَقَالَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلَّا عَلَى طُهْرٍ أَوْ قَالَ عَلَى طَهَارَةٍ " حديث صحيح رواه أحمد ابن حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يُؤَذِّنُ إلَّا مُتَوَضِّئٌ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ الزُّهْرِيَّ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا هُرَيْرَةَ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ مِنْ مَنَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَاحْتَجَّ لَهُ الْأَصْحَابُ بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إن بلالا يؤذن بليل فكلوا أو اشربوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ قَالَ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا إلَّا أَنْ يَنْزِلَ هَذَا وَيَرْقَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ
بَنِي النَّجَّارِ قَالَتْ " كَانَ بَيْتِي أَطْوَلَ بَيْتٍ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَكَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ عَلَيْهِ الْفَجْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَلَا يُسْتَحَبُّ فِي الْإِقَامَةِ أَنْ تَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَسْجِدٌ كَبِيرٌ تَدْعُو الْحَاجَةَ فِيهِ إلَى الْعُلُوِّ لِلْإِعْلَامِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُؤَذِّنَ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ أَذَّنَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كُرِهَ وَصَحَّ أَذَانُهُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِعْلَامُ وَقَدْ حَصَلَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَذَكَرَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ وَجْهَيْنِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَجْهًا أَنَّهُ يَصِحُّ أَذَانُ الْقَاعِدِ دُونَ الْمُضْطَجِعِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ الْجَمِيعِ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لَهُ حَدِيثُ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُمْ " كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي مَسِيرٍ فَانْتَهَوْا إلَى مَضِيقٍ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَمَطَرَتْ السَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَالْبِلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ فَأَذَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَقَامَ فَتَقَدَّمَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فَصَلَّى بِهِمْ يُومِئُ إيمَاءً
يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ كَانَتْ فَرِيضَةً وَلِهَذَا أَذَّنَ لَهَا وَصَلَّاهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِلْعُذْرِ وَيَجِبُ إعَادَتُهَا وَأَمَّا حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ " أَذَّنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِلصُّبْحِ وانا علي راحلنى " فَضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَلْتَفِتَ فِي الحيعلتين يمينا وشمالا ولا يستدبر لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي كَيْفِيَّةِ الِالْتِفَاتِ الْمُسْتَحَبِّ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَمِينِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَلْتَفِتُ عَنْ يَسَارِهِ فَيَقُولُ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَالثَّالِثُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ يَقُولُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ مَرَّةً عَنْ يَمِينِهِ وَمَرَّةً عَنْ يَسَارِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ فَإِنْ قِيلَ اسْتَحْبَبْتُمْ الْتِفَاتَ الْمُؤَذِّنِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَكَرِهْتُمْ
التفات الخطيب في شئ من الخطبة فما الفرق قلنا الخطب وَاعِظٌ لِلْحَاضِرِينَ فَالْأَدَبُ أَنْ لَا يَعْرِضَ عَنْهُمْ بِخِلَافِ الْمُؤَذِّنِ فَإِنَّهُ دَاعٍ لِلْغَائِبِينَ فَإِذَا الْتَفَتَ كَانَ أَبْلَغَ فِي دُعَائِهِمْ وَإِعْلَامِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ تَرْكُ أَدَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِالِالْتِفَاتِ أَنْ يَلْوِيَ رَأْسَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَا يُزِيلَ قَدَمَهُ عَنْ مَكَانِهَا وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَلَا يَسْتَدِيرُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَدِيرُ فِي الْمَنَارَةِ وَغَيْرِهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ بَلَدًا صَغِيرًا وَعَدَدًا قَلِيلًا لَمْ يَسْتَدِرْ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِي جَوَازِ الِاسْتِدَارَةِ وَجْهَانِ وَهُمَا فِي مَوْضِعِ الْحَيْعَلَتَيْنِ وَلَا يَسْتَدِيرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالسُّنَّةُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَقَائِمًا كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْأَذَانِ فَإِنْ تَرَكَ الِاسْتِقْبَالَ وَالْقِيَامَ فِيهَا فَهُوَ كَتَرْكِهِ فِي الْأَذَانِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْإِقَامَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يُسْتَحَبُّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ يَعْنِي الْفُورَانِيَّ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ مَرَّةً لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ
الْبَغَوِيّ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِالْتِفَاتِ وَالثَّالِثُ لَا يَلْتَفِتُ إلَّا أَنْ يَكْبُرَ الْمَسْجِدُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا شَرَعَ فِي الْإِقَامَةِ فِي مَوْضِعٍ تَمَّمَهَا فِيهِ وَلَا يَمْشِي فِي أَثْنَائِهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِالْتِفَاتَاتِ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ وَالِاسْتِدَارَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِالْتِفَاتُ فِي الْحَيْعَلَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَدُورُ وَلَا يَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ أَوْ عَلَى مَنَارَةٍ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يُكْرَهُ الِالْتِفَاتُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَدُورُ وَلَا يَلْتَفِتُ الا أن يربد إسْمَاعَ النَّاسِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ يَلْتَفِتُ وَلَا يَدُورُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى مَنَارَةٍ فَيَدُورُ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يدور بحديث الحجاج ابن ارطاة عن عوف بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِالْأَبْطَحِ فخرج بلال فاذن فاستدار في اذانه " رواه ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّهُ لَمْ يَسْتَدِرْ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَجَّاجِ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْحَجَّاجَ ضَعِيفٌ وَمُدَلِّسٌ وَالضَّعِيفُ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ عن من لا يحتج به لو كَانَ عَدْلًا ضَابِطًا (وَالْجَوَابُ
الثَّانِي) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ (الثَّالِثُ) أَنَّ الِاسْتِدَارَةَ تُحْمَلُ عَلَى الِالْتِفَاتِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ غَيْرِ جِهَةِ الحجاج ابن أَرْطَاةَ بِطَرِيقٍ ضَعِيفٍ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعْفَهُ (الرَّابِعَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَجْعَلَ أُصْبُعَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِيهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّهُ رُبَّمَا لَمْ يَسْمَعْ إنْسَانٌ صَوْتَهُ لِصَمَمٍ أَوْ بُعْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيُسْتَدَلُّ بِأُصْبُعَيْهِ عَلَى أَذَانِهِ فَإِنْ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ ذَلِكَ جَعَلَ الْأُصْبُعَ الْأُخْرَى فِي صِمَاخِهِ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَضْعُ الْأُصْبُعِ فِي الْأُذُنِ فِي الْإِقَامَةِ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَذَّنَ رَاكِبًا وَأَقَامَ الصَّلَاةَ رَاكِبًا أَجْزَأَهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ إنْ كَانَ مُسَافِرًا فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسَافِرٍ كُرِهَ وَالْإِقَامَةُ أَشَدُّ كَرَاهَةً وَالْأَوْلَى أَنْ يُقِيمَهَا الْمُسَافِرُ بعد نزوله لانه لابد مِنْ نُزُولِهِ لِلْفَرِيضَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَلَوْ أَذَّنَ إنْسَانٌ مَاشِيًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ انْتَهَى فِي آخِرِ أَذَانِهِ إلَى حَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ مَنْ كَانَ فِي
مَوْضِعِ ابْتِدَائِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ كَانَ يَسْمَعُهُ أَجْزَأَهُ هَذَا كَلَامُهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْزِئَهُ فِي الْحَالَيْنِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (والمستحب ان يترسل في الاذان ويدرج الاقامة لما روى عن ابن الزبير مؤذن بيت المقدس أن عمر رضى الله عنه قال " إذا أذنت فترسل وإذا اقمت فاحذم " ولان الاذان للغائبين فكان الترسل فيه ابلغ والاقامة للحاضرين فكان الادراج فيه اشبه ويكره التمطيط وهو التمديد والبغى وهو التطريب لما روى ان رجلا قال لابن عمر " انى لاحبك في الله قال وانا ابغضك في الله انك تبغي في اذانك " قال حماد يعني التطريب)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ وكيف ما أَتَى بِالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَجْزَأَ غَيْرَ أَنَّ الِاخْتِيَارَ مَا وَصَفْتُ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَيْفَ أَتَى بِهِ قَالَ الشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ الصَّوَابُ أَنْ يَكُونَ صَوْتُهُ بِتَحْزِينٍ وترقيق ليس فيه جفاء كلام الاعراب ولالين كَلَامِ الْمُتَمَاوِتِينَ وَهَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِذَا أَقَمْتَ فَاحْذِمْ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ وَبَعْدَهَا مِيمٌ وَهَمْزَتُهُ هَمْزَةُ وَصْلٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ أَحَدُهُمَا هَكَذَا وَالثَّانِي فَاحْذَرْ بِالرَّاءِ بَدَلَ الْمِيمِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْإِسْرَاعُ وَتَرْكُ التَّطْوِيلِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ كل شئ أَسْرَعْت فِيهِ فَقَدْ حَذَمْته وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أبو بكر ابن أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمَغَازِي وَقَالَ فِيهِ تَخْتَالُ فِي أَذَانِكَ بَدَلَ تَبْغِي وَجَاءَ فِي التَّرَسُّلِ حَدِيثَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قال لبلال إذا اذنت فترسل وإذا اقمت فاحذر " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُنَا ان نرسل الاذان ونحذر الْإِقَامَةَ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَوْلُهُ يَتَرَسَّلُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ التَّرْتِيلُ وَالتَّأَنِّي وَتَرْكُ الْعَجَلَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْمُتَرَسِّلُ الْمُتَمَهِّلُ فِي تَأْذِينِهِ ويبين كلامه تبينا يَفْهَمُهُ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِكَ جَاءَ عَلَى رِسْلِهِ وَفَعَلَ كَذَا عَلَى رسله أي علي هينته غَيْرُ مُسْتَعْجِلٍ وَلَا مُتْعِبِ نَفْسِهِ وَقَوْلُهُ يُدْرِجُ هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الياء ضم الرَّاءِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيُقَالُ دَرَّجْتُهُ أَيْضًا بِالتَّشْدِيدِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ابْنِ
الْأَعْرَابِيِّ قَالَ أَفْصَحُهُنَّ أَدْرَجْتُهُ وَكَذَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ الْإِدْرَاجُ أَشْبَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَصْحَابُنَا إدْرَاجُ الاقامة هوان يَصِلَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَتَرَسَّلُ تَرَسُّلَهُ فِي الْأَذَانِ وَأَصْلُ الْإِدْرَاجِ وَالدَّرَجِ الطَّيُّ وَقَوْلُهُ الْبَغْيُ هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ
الصَّوْتِ وَمُجَاوَزَةِ الْحَدِّ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْبَغْيُ أَنْ يَكُونَ فِي رَفْعِ صَوْتِهِ يَحْكِي كَلَامَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَفَيْهِقِينَ قَالَ وَالْبَغْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ الضَّلَالُ وَالْبَغْيُ الْفَسَادُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْبَغْيُ تَفْخِيمُ الْكَلَامِ وَالتَّشَادُقُ فِيهِ قَالَ وَيُكْرَهُ تَلْحِينُ الْأَذَانِ لِأَنَّهُ يُخْرِجُهُ عَنْ الْإِفْهَامِ وَلِأَنَّ السَّلَفَ تَجَافُوهُ وَإِنَّمَا أُحْدِثَ بَعْدَهُمْ وَقَوْلُهُ أَنَّكَ تَبْغِي فِي أَذَانِكَ يَجُوزُ فَتْحُ هَمْزَةِ أَنَّكَ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَحْسَنُ لِلتَّعْلِيلِ وَقَوْلُهُ تَبْغِي هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ وابو الزُّبَيْرِ الْمَذْكُورُ لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ كَذَا قَالَهُ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُهُ بَيْتُ الْمَقْدِسِ فِيهِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ فَتْحُ الْمِيمِ وَإِسْكَانُ الْقَافِ وَكَسْرُ الدَّالِ وَالثَّانِيَةُ الْمُقَدَّسُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْقَافِ وَالدَّالِ الْمُشَدَّدَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْقُدْسِ وَهُوَ الطُّهْرُ وَيُقَالُ فِيهِ الْقُدْسُ وَالْقُدُسُ بِإِسْكَانِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَإِيلْيَا وَغَيْرُ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ فِي الْأَذَانِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِلْجَمَاعَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " يغفر
لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ " وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي جَمْعِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُبَالِغُ بِحَيْثُ يَشُقُّ حَلْقَهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه سَمِعَ أَبَا مَحْذُورَةَ قَدْ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ لَهُ " أَمَا خَشِيتَ أَنْ يَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ فَقَالَ أَحْبَبْتُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتِي " فَإِنْ أَسَرَّ بِالْأَذَانِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ وَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاتِهِ وَحْدَهُ لَمْ يَرْفَعْ الصَّوْتَ لِأَنَّهُ لَا يَدْعُو غَيْرَهُ فَلَا وَجْهَ لِرَفْعِ الصَّوْتِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْإِقَامَةِ دُونَ رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لِلْحَاضِرِينَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ " يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَكَذَا وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لِلْبَيْهَقِيِّ " وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ " كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ سَمِعَهُ " وَفِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ الله ابن عبد الرحمن أَبِي صَعْصَعَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ " لَهُ إنِّي أَرَاك تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ لِلصَّلَاةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لَا يَسْمَعُ مَدَى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شئ إلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَالْمَدَى بِفَتْحِ الْمِيمِ مَقْصُورٌ يُكْتَبُ بالياء وهو غاية الشئ وَقَوْلُهُ يُغْفَرُ لِلْمُؤَذِّنِ مَدَى صَوْتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ ذُنُوبَهُ لَوْ كَانَتْ أَجْسَامًا غُفِرَ لَهُ مِنْهَا قَدْرُ مَا يَمْلَأُ الْمَسَافَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُنْتَهَى صَوْتِهِ وَقِيلَ تُمَدُّ لَهُ الرَّحْمَةُ بِقَدْرِ مَدِّ الْأَذَانِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنْ يَسْتَكْمِلَ مَغْفِرَةَ اللَّهِ تَعَالَى إذَا اسْتَوْفَى وُسْعَهُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ فَيَبْلُغَ الْغَايَةَ مِنْ الْمَغْفِرَةِ إذَا بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ الصَّوْتِ وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لِأَبِي مَحْذُورَةَ " أَمَا خَشِيتَ أَنْ تَنْشَقَّ مُرَيْطَاؤُكَ " فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ منه هَذَا الْقَدْرَ دُونَ قَوْلِهِ أَحْبَبْتُ أَنْ تَسْمَعَ صَوْتِي وَالْمُرَيْطَاءُ بِمِيمٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم طَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ
لُغَتَانِ أَشْهُرُهُمَا الْمَدُّ وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ وَهِيَ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ مَمْدُودَةٌ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ وَجَمَاعَةٌ سِوَى الْمَدِّ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْمَدَّ وَالْقَصْرَ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي شَرْحِ الْفَصِيحِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هِيَ كَلِمَةٌ جَاءَتْ مُصَغَّرَةً وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالْعَانَةِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ مَا بَيْنَ الصَّدْرِ إلَى الْعَانَةِ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِجَمَاعَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ مَا أَمْكَنَهُ بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُ ضَرَرٌ فَإِنْ اسربه لَمْ يَصِحَّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا لَوْ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ وَفِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْإِسْرَارِ بِبَعْضِهِ وَلَا يَجُوزُ الْإِسْرَارُ بِالْجَمِيعِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ لَكِنْ تَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مَنْ لَمْ يُبَالِغْ فِي الْجَهْرِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَهُ عَلَى مَنْ أَذَّنَ لِنَفْسِهِ لَا لِجَمَاعَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَ بِظَاهِرِهِ وموضع الخلاف إذا أسمع نَفْسَهُ فَحَسْبُ فَإِنْ لَمْ يُسْمِعْ نَفْسَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِأَذَانٍ وَلَا كَلَامٍ وَإِنْ أَسْمَعَ بَعْضَ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ حَصَلَ الْأَذَانُ قَطْعًا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَسْمَعَ وَاحِدًا مِنْ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ تَحْصُلُ بِهِمَا وَلَوْ اقْتَصَرَ
فِي الْإِقَامَةِ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهِ لَمْ تَصِحَّ إقَامَتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ لِجَمَاعَةٍ أَمَّا مَنْ يُؤَذِّنُ لِنَفْسِهِ وَحْدَهُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يَكْفِيهِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يُشْتَرَطُ إسْمَاعُ مَنْ عِنْدَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَرْعٍ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَمَنْ يَقُولُ لَا يَرْفَعُ الْمُنْفَرِدُ يَحْمِلُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي فَضْلِ رَفْعِ الصَّوْتِ عَلَى الاذان للجماعة والله اعلم)
*
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَجِبُ أَنْ يُرَتِّبَ الْأَذَانَ لِأَنَّهُ إذَا نَكَسَهُ لَا يَعْلَمُ السَّامِعُ أَنَّ ذَلِكَ أَذَانٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي أَذَانِهِ فَإِنْ تَكَلَّمَ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ تَبْطُلْ الْخُطْبَةُ بِالْكَلَامِ فَلَأَنْ لَا يَبْطُلَ الْأَذَانُ أَوْلَى وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الْأَذَانِ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَذَانَ مِنْ اثْنَيْنِ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ لِأَنَّ السَّامِعَ يَظُنُّهُ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَاللَّعِبِ فَإِنْ أَفَاقَ فِي الْحَالِ وَبَنَى عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّ المقصود يحصل وَإِنْ ارْتَدَّ فِي الْأَذَانِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي الْحَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ لِأَنَّ
مَا فَعَلَهُ قَدْ بَطَلَ بِالرِّدَّةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ إنَّمَا تَبْطُلُ إذَا اتَّصَلَ بِهَا الْمَوْتُ وَهَهُنَا رَجَعَ قَبْلَ الْمَوْتِ فَلَمْ يبطل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* اتَّفَقُوا عَلَى اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ فِي الْأَذَانِ لِمَا ذَكَرَهُ فَإِنْ نَكَسَهُ فَمَا وَقَعَ فِي مَوْضِعِهِ صَحِيحٌ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِأَنْ أَتَى بِالنِّصْفِ الثَّانِي مِنْ الْأَذَانِ ثُمَّ بِالنِّصْفِ الْأَوَّلِ فَالنِّصْفُ الثَّانِي بَاطِلٌ وَالْأَوَّلُ صَحِيحٌ لِوُقُوعِهِ فِي مَوْضِعِهِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ فَيَأْتِي بِالنِّصْفِ الثَّانِي وَلَوْ اسْتَأْنَفَ الْأَذَانَ كَانَ أَوْلَى لِيَقَعَ مُتَوَالِيًا وَلَوْ تَرَكَ بَعْضَ كَلِمَاتِهِ أَتَى بِالْمَتْرُوكِ وَمَا بَعْدَهُ وَلَوْ اسْتَأْنَفَ كَانَ أَوْلَى وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْأَذَانِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ الْأَذَانِ مَأْمُورٌ بِهَا فَإِنْ سَكَتَ يسير الم يَبْطُلْ أَذَانُهُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يَبْنِي وَإِنْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَائِهِ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ فِي نَفْسِهِ وَبَنَى وَإِنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ أَوْ عَطَسَ لَمْ يُجِبْهُ وَلَمْ يُشَمِّتْهُ حَتَّى يَفْرُغَ فَإِنْ أَجَابَهُ أَوْ شَمَّتَهُ أَوْ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةٍ لَمْ يُكْرَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْفَضْلِ وَلَوْ رَأَى أَعْمَى يَخَافُ وُقُوعَهُ فِي بِئْرٍ أَوْ حَيَّةً تَدِبُّ إلَى غَافِلٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وجب انذاره
وَيَبْنِي عَلَى أَذَانِهِ وَاذَا تَكَلَّمَ فِيهِ لِمَصْلَحَةٍ أَوْ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ إنْ كَانَ يَسِيرًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ فَالْأَذَانُ أَوْلَى أَنْ لَا يَبْطُلَ فَإِنَّهُ يَصِحُّ مَعَ الْحَدَثِ وَكَشْفِ الْعَوْرَةِ وَقَاعِدًا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ التَّخْفِيفِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ أَذَانُهُ بِالْيَسِيرِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ إلَّا الشَّيْخَ أَبَا مُحَمَّدٍ فَتَرَدَّدَ فِيهِ إذَا رُفِعَ بِهِ الصَّوْتُ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْأَصْحَابِ وَإِنْ طَالَ الْكَلَامُ أَوْ سَكَتَ سُكُوتًا طَوِيلًا أَوْ نَامَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي الْأَذَانِ ثُمَّ أَفَاقَ فَفِي بُطْلَانِ أَذَانِهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَبْطُلُ قَوْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَالثَّانِي فِي بُطْلَانِهِ قَوْلَانِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَالنَّوْمُ وَالْإِغْمَاءُ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ الْكَلَامِ وَالْكَلَامُ أَوْلَى بِالْإِبْطَالِ مِنْ السُّكُوتِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَشْبَهُ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَحَمْلُ النَّصِّ عَلَى الْفَصْلِ الْيَسِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجُنُونُ هُنَا كَالْإِغْمَاءِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ ثُمَّ فِي الْإِغْمَاءِ وَالنَّوْمِ إذَا لَمْ نُوجِبْ الِاسْتِئْنَافَ لِقِلَّةِ الْفَصْلِ أَوْ مَعَ طُولِهِ عَلَى قَوْلِنَا لَا يَبْطُلُ الطَّوِيلُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي السُّكُوتِ وَالْكَلَامِ الْكَثِيرَيْنِ إذَا لَمْ نُوجِبْهُ فَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ يَسِيرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ كَمَا لَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ عِنْدَ السُّكُوتِ الْيَسِيرِ بِلَا خِلَافٍ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْكَلَامِ بِخِلَافِ السُّكُوتِ ثُمَّ إذَا قُلْنَا يَبْنِي مَعَ الْفَصْلِ الطَّوِيلِ فَالْمُرَادُ مَا لَمْ يَفْحُشْ الطُّولُ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ مَعَ الْأَوَّلِ أَذَانًا وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَبْطُلُ بِالْفَصْلِ الْمُتَخَلَّلِ فَلَهُ أَنْ يَبْنِيَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إعْلَامٌ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ
واما إذا تكلم في الاقامة كلاما يسيزا فَلَا يَضُرُّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ تبطل اقامته دليلنا انه إذا لَمْ تَبْطُلْ الْخُطْبَةُ وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ فَالْإِقَامَةُ
أَوْلَى قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مَا كَرِهْتُ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ فِي الْأَذَانِ كُنْتُ لَهُ فِي الْإِقَامَةِ أَكْرَهَ: قَالَ فَإِنْ تَكَلَّمَ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ أَوْ سَكَتَ فِيهِمَا سُكُوتًا طَوِيلًا أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ وَلَمْ أُوجِبْهُ أَمَّا إذَا ارْتَدَّ بَعْدَ فَرَاغِ أَذَانِهِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَلَا يَبْطُلُ أَذَانُهُ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ لَا يُعْتَدَّ بِهِ وَيُؤَذِّنَ غَيْرُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ رِدَّتَهُ تُورِثُ شُبْهَةً فِيهِ فِي حَالِ الْأَذَانِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَأَقَامَ صَحَّ وَإِنْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ لَمْ يَصِحَّ بِنَاؤُهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنْ أَسْلَمَ وَبَنَى فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ جَازَ الْبِنَاءُ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ الصَّحِيحُ مَنْعُهُ وَقِيلَ فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْبِنَاءَ فَفِي جَوَازِهِ لِغَيْرِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَالْمَذْهَبُ انه لا يجوز وكذا الحكم لو مات في خلاف الْأَذَانِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أن الْأَذَانُ لَا يَبْطُلُ بِالْكَلَامِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحُكِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أَبْطَلَهُ بِالْكَلَامِ قَالَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عَنْهُ وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْخُطْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَالَ أَحَدُكُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا الله قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قال أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ حى على الصلاة قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال حي علي الفلاح قَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ قال الله أكبر أكبر قال اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ قَالَ لَا اله الا الله قال لا اله الا الله من
قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ " فَإِنْ سَمِعَ ذَلِكَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يَأْتِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ أَتَى بِهَا فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ أَتَى بِهَا ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْقِرَاءَةِ لِأَنَّهَا تَفُوتُ وَالْقِرَاءَةُ لَا تَفُوتُ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثم صلوا علي فان مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا " ثُمَّ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْوَسِيلَةَ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ آتِ سَيِّدَنَا مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ: لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ ذَلِكَ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَإِنْ كَانَ الْأَذَانُ لِلْمَغْرِبِ قَالَ اللَّهُمَّ هَذَا إقْبَالُ لَيْلِكَ وَإِدْبَارُ نَهَارِكَ وَأَصْوَاتُ دُعَاتِكَ اغْفِرْ لِي: لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنْ تقول ذلك ويدعوا اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ الدُّعَاءَ لَا يرد بين الاذان والاقامة "(الشَّرْحُ) حَدِيثَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهم رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرَهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ هَذَا وَحَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ مَجْهُولٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ " وَقَوْلُهُ الْوَسِيلَةَ هِيَ مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ الله لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ "
وَقَوْلُهُ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ هِيَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَهِيَ دَعْوَةُ الْأَذَانِ سُمِّيَتْ دَعْوَةً تَامَّةً لِكَمَالِهَا وَعِظَمِ مَوْقِعِهَا وَسَلَامَتِهَا مِنْ نَقْصٍ يَتَطَرَّقُ إلَى غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ الصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ أَيْ الَّتِي سَتَقُومُ أَيْ تقام وتحضر وقوله مقاما محمودا هكذا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ مَقَامًا مَحْمُودًا بِالتَّنْكِيرِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَجَمِيعِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَيَكُونُ قَوْلُهُ الَّذِي وَعَدْتَهُ بَدَلًا مِنْهُ أَوْ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ أَعْنِي الَّذِي
وَعَدْتَهُ أَوْ مَرْفُوعًا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ هُوَ الَّذِي وَعَدْتَهُ وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ وَكَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي الرِّوَايَةِ وَإِنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم التَّأَدُّبَ مَعَ الْقُرْآنِ وَحِكَايَةَ لَفْظِهِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عز وجل (عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافَظَ عَلَى هَذَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي أَيْ غَشِيَتْهُ وَنَالَتْهُ وَنَزَلَتْ بِهِ وَقِيلَ حَقَّتْ لَهُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْمُؤَذِّنِ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ فَرَاغِ أَذَانِهِ هَذِهِ الْأَذْكَارَ الْمَذْكُورَةَ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُؤَالِ الْوَسِيلَةِ وَالدُّعَاءِ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالدُّعَاءِ عِنْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ وَيُسْتَحَبُّ لِسَامِعِهِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَيَقُولَ عِنْدَ الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ هَذِهِ الْأَذْكَارَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا وَيَقُولَ إذَا سَمِعَ قَوْلَ الْمُؤَذِّنِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَقُولُ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ النَّوْمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ فِي كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ أَقَامَهَا اللَّهُ وَأَدَامَهَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إلَّا الْغَزَالِيَّ فَحَكَى فِي الْبَسِيطِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَتُهُ
إلَّا فِي كَلِمَةِ الْإِقَامَةِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَابِعَ الْمُؤَذِّنَ فِي كُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْهَا وَلَا يُقَارِنَهُ وَلَا يُؤَخِّرَ عَنْ فَرَاغِهِ مِنْ الْكَلِمَةِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه وَيَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الْأَذَانِ وَمَرَّتَيْنِ فِي الْإِقَامَةِ فَيَقُولُهَا عَقِبَ كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ وَيَقُولُ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ مَرَّتَيْنِ ذَكَرَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرِهِ وَتُسْتَحَبُّ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْفَرَاغِ ثم سؤال الوسيلة بعدها للموذن وَالسَّامِعِ وَكَذَا الدُّعَاءُ بَيْنَ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْمُتَابِعِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ الْمُؤَذِّنِ فِي غَيْرِ الْحَيْعَلَتَيْنِ لِيَدُلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَمُوَافَقَتِهِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الْحَيْعَلَةُ فَدُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا لَا يَلِيقُ بِغَيْرِ الْمُؤَذِّنِ فَاسْتُحِبَّ لِلْمُتَابِعِ ذِكْرٌ آخَرُ فَكَانَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضٌ مَحْضٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ
مُتَابَعَتُهُ لِكُلِّ سَامِعٍ مِنْ طَاهِرٍ وَمُحْدِثٍ وَجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَكَبِيرٍ وَصَغِيرٍ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ وَكُلُّ هَؤُلَاءِ مِنْ أَهْلِ الذِّكْرِ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الْمُصَلِّي وَمَنْ هُوَ عَلَى الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْخَلَاءِ وَالْجِمَاعِ تَابَعَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَإِذَا سَمِعَهُ وَهُوَ فِي قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دَرْسِ عِلْمٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَطَعَهُ وَتَابَعَ الْمُؤَذِّنَ ثُمَّ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُتَابِعُهُ فِي الصَّلَاةِ فَإِذَا فَرَغَ مِنْهَا قَالَهُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي اسْتِحْبَابِ مُتَابَعَتِهِ فِي حَالِ الصَّلَاةِ قَوْلًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ فَتَابَعَهُ فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يُكْرَهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى وَقِيلَ إنَّهُ مُبَاحٌ لَا يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ وَلَا تَرْكُهُ وَلَا يُكْرَهُ وَهَذَا اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمَذْهَبُ كَرَاهَتُهُ فَإِذَا تَابَعَهُ فِي أَلْفَاظِ الْأَذْكَارِ وَقَالَ فِي الْحَيْعَلَتَيْنِ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا أَذْكَارٌ وَالصَّلَاةُ لَا يُبْطِلُهَا الْأَذْكَارُ وَإِنْ قَالَ فِي الْحَيْعَلَةِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَهَذَا كَلَامُ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّ هَذَا كَلَامُ آدَمِيٍّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ
كَانَ عَالِمًا بِالصَّلَاةِ جَاهِلًا بِأَنَّ ذَلِكَ كَلَامُ آدَمِيٍّ وَأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْإِبَانَةِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالُوا وَيَسْجُدُ للسهو الناسي وكذا الجاهل إذا لم نبطلها لِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي صَلَاتِهِ نَاسِيًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلَوْ قَالَ فِي مُتَابَعَتِهِ فِي التَّثْوِيبِ صَدَقْتَ وَبَرَرْتَ فَهُوَ كَقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ كَلَامُ آدَمِيٍّ قَالَ وَكَذَا لَوْ قَالَ مثله الصلاة خير من النوم قَالَ صَدَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَوْ قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ قَالَ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَالَ أَقَامَهَا اللَّهُ أَوْ اللَّهُمَّ أَقِمْهَا وَأَدِمْهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهُوَ كَمَا قَالَ.
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ إذَا كَانَ فِي أَثْنَاءِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالُوا فَلَوْ تَابَعَ فِيهَا وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَبٍّ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَمَّنَ فِيهَا لِتَأْمِينِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِئْنَافَ عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ التَّأْمِينَ مُسْتَحَبٌّ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَلَيْسَ التَّأْكِيدُ فِي مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمُصَلِّي كَالتَّأْكِيدِ فِي مُتَابَعَةِ مَنْ لَيْسَ هُوَ فِي صَلَاةٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي
وَلَوْ سَمِعَهُ وَهُوَ فِي الطَّوَافِ تَابَعَهُ وَهُوَ عَلَى طَوَافِهِ لِأَنَّ الطَّوَافَ لَا يَمْنَعُ الْكَلَامَ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَمِعَ مُؤَذِّنًا بَعْدَ مُؤَذِّنٍ هَلْ يَخْتَصُّ اسْتِحْبَابُ الْمُتَابَعَةِ بِالْأَوَّلِ أَمْ يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ كُلِّ مُؤَذِّنٍ فِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَمْ أَرَ فِيهِ شَيْئًا لِأَصْحَابِنَا وَالْمَسْأَلَةُ مُحْتَمِلَةٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ الْمُتَابَعَةُ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا لتصريح الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالْأَمْرِ بِهَا وَهَذَا يَخْتَصُّ بِالْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ وَأَمَّا أَصْلُ الْفَضِيلَةِ وَالثَّوَابِ فِي الْمُتَابَعَةِ فَلَا يَخْتَصُّ وَاَللَّهُ أعلم
* (فرع)
مذهينا أَنَّ الْمُتَابَعَةَ سُنَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ خِلَافًا لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي إيجَابِهَا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُتَابِعُ الْمُؤَذِّنَ فِي جَمِيعِ الكلمات وعن مالك روايتان
احداهما كَالْجُمْهُورِ وَالثَّانِيَةُ يُتَابِعُهُ إلَى آخِرِ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَطْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا بَعْدَهُ بَعْضُهُ لَيْسَ بِذِكْرٍ وَبَعْضُهُ تَكْرَارٌ لِمَا سَبَقَ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه
* (فَرْعٌ)
لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي أَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ مُتَابَعَةُ الْمُؤَذِّنِ فِي التَّرْجِيعِ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ لَا يَسْمَعُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَحَبُّ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ " وَالتَّرْجِيعُ مِمَّا يَقُولُ وَلَمْ يقل فقولوا مثل ما ثسمعون وَهَذَا الِاحْتِمَالُ أَظْهَرُ وَأَحْوَطُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ رَأَى الْمُؤَذِّنَ وَعَلِمَ أَنَّهُ يُؤَذِّنُ وَلَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ أَوْ صَمَمٍ الظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا تُشْرَعُ لَهُ الْمُتَابَعَةُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ مُعَلَّقَةٌ بِالسَّمَاعِ وَالْحَدِيثُ مُصَرِّحٌ بِاشْتِرَاطِهِ وَقِيَاسًا عَلَى تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ فَإِنَّهُ لَا يشرع لِمَنْ يَسْمَعُ تَحْمِيدَهُ (فَرْعٌ)
لِمَنْ سَمِعَ الْمُؤَذِّنَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ حَتَّى فَرَغَ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا تعرضا لِأَنَّهُ هَلْ يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ الْمُتَابَعَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَدَارَكُ عَلَى الْقُرْبِ وَلَا يَتَدَارَكُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ سَمِعَهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُتَابِعْهُ يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَذْكَارِ بِمُجَرَّدِ السَّلَامِ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَهُوَ كَتَرْكِ سُجُودِ
السَّهْوِ فِيهِ تَفْصِيلٌ فِي مَوْضِعِهِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي مُتَابَعَتُهُ فِي الصَّلَاةِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ السلف وعن مالك ثلاث روايات احداهما يتابعه والثانية لا والثالثة يتابعه في النافلة دون الفرض
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (والمستحب ان يقعد بين الاذان والاقامة قعدة ينتظر فيها الجماعة لان الذى رآه عبد الله ابن زيد رضى الله عنه في المنام اذن وقعد قعدة ولانه إذا الاذان أوصل بالاقامة فات الناس الجماعة فلم يحصل المقصود بالاذان ويستحب ان يتحول من موضع الاذان الي غيره للاقامة لما رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا ")
*
*
* (الشرح)
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْقَعْدَةِ قَدْرَ مَا تَجْتَمِعُ الْجَمَاعَةُ إلَّا فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَخِّرُهَا لِضِيقِ وَقْتِهَا وَلِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَةِ يَجْتَمِعُونَ لَهَا قَبْلَ وَقْتِهَا وَمَنْ تَأَخَّرَ عَنْ التَّقَدُّمِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ أَذَانِهَا وَإِقَامَتِهَا فَصْلًا يَسِيرًا بِقَعْدَةٍ أَوْ سُكُوتٍ أَوْ نَحْوِهِمَا هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ التَّحَوُّلِ لِلْإِقَامَةِ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَذَانِ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُقِيمُ هُوَ الْمُؤَذِّنُ لِأَنَّ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ أَذَّنَ فَجَاءَ بِلَالٌ لِيُقِيمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يقيم " فان اذن واحد وَأَقَامَ غَيْرُهُ جَازَ لِأَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ وَأَقَامَ عبد الله بن زيد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَعَلَّقَ الْبَيْهَقِيُّ الْقَوْلَ فِيهِ فَقَالَ إنْ ثَبَتَ كَانَ أَوْلَى مِمَّا رُوِيَ فِي حديث عبد الله ابن زَيْدٍ " أَنَّ بِلَالًا أَذَّنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرَى الرُّؤْيَا وَيُؤَذِّنُ بِلَالٌ قَالَ فَأَقِمْ أَنْتَ " لِمَا فِي
إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ مِنْ الِاخْتِلَافِ وَأَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ كَانَ بَعْدَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ الْبَيْهَقِيّ فِيهِ وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ الْحَازِمِيُّ فِي كِتَابِهِ النَّاسِخُ وَالْمَنْسُوخُ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ قَالَ وَاتَّفَقَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الرَّجُلِ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ غَيْرُهُ أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَوْلَوِيَّةِ فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ لَا فَرْقَ وَالْأَمْرُ مُتَّسِعٌ وَمِمَّنْ رَأَى ذَلِكَ مَالِكٌ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْأَوْلَى أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا أَذَّنَ الرَّجُلُ أَحْبَبْتُ أن يتولي الاقامة لشئ يُرْوَى أَنَّ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ قَالَ الْحَازِمِيُّ وَحُجَّةُ هَذَا الْمَذْهَبِ حَدِيثُ الصُّدَائِيِّ لِأَنَّهُ أَقَوْمُ إسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ زَيْدٍ كَانَ فِي أَوَّلِ مَا شُرِعَ الْأَذَانُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَحَدِيثُ الصُّدَائِيِّ بَعْدَهُ بِلَا شَكٍّ وَالْأَخْذُ بِآخِرِ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى قَالَ وَطَرِيقُ الْإِنْصَافِ أَنْ يُقَالَ الْأَمْرُ فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى التَّوْسِعَةِ وَادِّعَاءُ النَّسْخِ مَعَ إمْكَانِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ: أَمَّا الصُّدَائِيُّ فَبِضَمِّ الصَّادِ وَتَخْفِيفِ الدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَبِالْمَدِّ مَنْسُوبٌ إلَى صُدَاءٍ تُصْرَفُ وَلَا تُصْرَفُ وَهُوَ أَبُو هَذِهِ الْقَبِيلَةِ
وَاسْمُهُ يَزِيدُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ صُدَاءٌ حَيٌّ مِنْ الْيَمَنِ وَكَانَ أَذَانُ زِيَادٍ الصُّدَائِيِّ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فِي السَّفَرِ وَلَمْ يَكُنْ بِلَالٌ حَاضِرًا حِينَئِذٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ أَذَّنَ وَاحِدٌ فَقَطْ فَهُوَ الَّذِي يُقِيمُ وَإِنْ أَذَّنَ جَمَاعَةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَاتَّفَقُوا عَلَى مَنْ يُقِيمُ مِنْهُمْ أَقَامَ وَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ وَإِنْ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُؤَذِّنَ الرَّاتِبَ أَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُؤَذِّنٌ رَاتِبٌ فَاَلَّذِي يُقِيمُ هُوَ الْأَوَّلُ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَذَّنَ أَوَّلًا أَجْنَبِيًّا وَأَذَّنَ بَعْدَهُ الرَّاتِبُ فَمَنْ أَوْلَى بِالْإِقَامَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا الرَّاتِبُ لِأَنَّهُ صَاحِبُ وِلَايَةِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَقَدْ أَذَّنَ وَالثَّانِي الْأَجْنَبِيُّ لِأَنَّ بِأَذَانِ الْأَوَّلِ حَصَلَتْ سُنَّةُ الْأَذَانِ أَوْ فَرْضُهُ وَلَوْ أَقَامَ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ غَيْرُ من له ولاية الاقامة ممن أذن لو أَجْنَبِيٌّ اُعْتُدَّ بِإِقَامَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يعتقد بِهِ تَخْرِيجًا مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَخْطُبَ وَاحِدٌ وَيُصَلِّي آخَرُ وَهَذَا ليس بشئ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُقِيمَ فِي الْمَسْجِدِ الْوَاحِدِ إلَّا وَاحِدٌ إلَّا إذَا لَمْ تَحْصُلْ بِهِ الْكِفَايَةُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ
بِأَنْ يُقِيمُوا جَمِيعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا أَقَامَ غَيْرُ مَنْ أَذَّنَ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَا يُقَالُ مَكْرُوهٌ وَقِيلَ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَبِهِ جَزَمَ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَ مِثْلَهُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حنيفة لا يكره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَ الْإِقَامَةَ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ مَا يَقُولُ إلَّا فِي الْحَيْعَلَةِ فَإِنَّهُ يَقُولُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَفِي لفظ الاقامة يقول أقامها الله وأدامها لِمَا رَوَى أَبُو أُمَامَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذلك)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ ثَابِتٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَوْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الرَّجُلَ مَجْهُولٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ ثَابِتِ الْعَبْدِيُّ ضَعِيفٌ بِالِاتِّفَاقِ وَشَهْرٌ مُخْتَلَفٌ فِي عَدَالَتِهِ وَعَلَى الْمُصَنِّفِ إنْكَارٌ فِي جَزْمِهِ بِرِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّكِّ كَمَا ذَكَرْنَا لَكِنَّ الشَّكَّ فِي أَعْيَانِ الصَّحَابَةِ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ عُدُولٌ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الْجَزْمُ بِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ مَعَ الشَّكِّ وَكَيْفَ كَانَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَكِنَّ الضَّعِيفَ يُعْمَلُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهَذَا مِنْ ذَاكَ وَاسْمُ أَبِي أُمَامَةَ صُدَيُّ بْنُ عَجْلَانَ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ مُتَابَعَتِهِ فِي الْإِقَامَةِ
كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ إلَّا الْوَجْهَ الشَّاذَّ الَّذِي قدمناه عن البسيط * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ لِلْجَمَاعَةِ اثْنَيْنِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَهُ مُؤَذِّنَانِ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ رضي الله عنهما فَإِنْ احْتَاجَ إلَى الزِّيَادَةِ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَةً لِأَنَّهُ كَانَ لِعُثْمَانَ رضي الله عنه أَرْبَعَةٌ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ كَمَا فَعَلَ بِلَالٌ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أبلغ في الاعلام)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثَا بِلَالٍ وَابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مُؤَذِّنٍ وَاحِدٍ لِلْمَسْجِدِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنَانِ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ احْتَاجَ
إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ إلَى أَرْبَعَةٍ كَمَا فَعَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه وَلَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ وَتَابَعَ أَبَا عَلِيٍّ الطَّبَرِيَّ عَلَى هَذَا الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَرَجَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَكَثِيرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَأَنْكَرَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا عَلَى أَبِي عَلِيٍّ وَقَالُوا إنَّمَا الضَّبْطُ بِالْحَاجَةِ وَرُؤْيَةِ الْمَصْلَحَةِ فَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ الْمَصْلَحَةَ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ فَعَلَهُ وَإِنْ رَأَى الِاقْتِصَارَ عَلَى اثْنَيْنِ لَمْ يَزِدْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إذَا جَازَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَاجَةِ فَالزِّيَادَةُ عَلَى مَا كَانَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ لِلْحَاجَةِ أَوْلَى.
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا تَضْيِيقَ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يُزَادُ عَلَى أَرْبَعَةٍ قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا لَا يُعْرَفُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُحْدِدْ شَيْئًا وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا التَّقْدِيرُ الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا غَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ جَوَازُ الزِّيَادَةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَكُونُ لَهُ مُؤَذِّنَانِ فَإِنْ لَمْ يَكْفِ اثْنَانِ لِكَثْرَةِ النَّاسِ جَعَلَهُمْ أَرْبَعَةً فَإِنْ لَمْ يَكْفُوا جَعَلَهُمْ سِتَّةً فَإِنْ زَادَ فَثَمَانِيَةً لِيَكُونُوا شَفْعًا لَا وِتْرًا وَأَقْوَالُ أَصْحَابِنَا بِنَحْوِ مَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مَشْهُورَةٌ فَالصَّوَابُ أَنَّ الضَّبْطَ بِالْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَإِنْ بَلَغُوا مَا بَلَغُوا وَقَدْ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى أَرْبَعَةٍ (قُلْتُ) وَهَذَا قَدِيمٌ لَمْ يُعَارِضْهُ جَدِيدٌ فَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ بِهَذَا الْمُؤَذِّنُونَ الَّذِينَ يُرَتِّبُهُمْ الْإِمَامُ لَهُ عَلَى الدَّوَامِ وَإِلَّا فَلَوْ أَذَّنَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ كُلُّهُمْ لَمْ يُمْنَعُوا يَعْنِي أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ وَاخْتِلَاطٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ مُؤَذِّنَانِ فَأَكْثَرُ أَذَّنُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ كَمَا صَحَّ عَنْ بِلَالٍ وَابْنِ ام
مَكْتُومٍ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الِابْتِدَاءِ أُقْرِعَ فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ وَالْمَسْجِدُ كَبِيرٌ أَذَّنُوا فِي أَقْطَارِهِ كُلُّ وَاحِدٍ فِي قُطْرٍ لِيُسْمِعَ أَهْلَ تِلْكَ النَّاحِيَةِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَذَّنُوا مَعًا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى تَهْوِيشٍ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَقِفُونَ جَمِيعًا عَلَيْهِ كَلِمَةً كَلِمَةً فَإِنْ أَدَّى إلَى تَهْوِيشٍ أَذَّنَ
وَاحِدٌ فَقَطْ فَإِنْ تَنَازَعُوا أُقْرِعَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ فَإِنْ أَذَّنُوا جَمِيعًا وَاخْتَلَفَتْ أَصْوَاتُهُمْ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِيهِ تَهْوِيشًا عَلَى النَّاسِ وَمَتَى أَذَّنَ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ لَمْ يَتَأَخَّرْ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ لِئَلَّا يَذْهَبَ أَوَّلُ الْوَقْتِ وَلِئَلَّا يَظُنَّ مَنْ سَمِعَ الْأَخِيرَ أَنَّ هَذَا أَوَّلُ الْوَقْتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا أُحِبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ الْأَوَّلُ أَنْ يُبْطِئَ بِالصَّلَاةِ لَيَفْرُغَ مَنْ بَعْدَهُ بَلْ يَخْرُجُ وَيَقْطَعُ مَنْ بَعْدَهُ الْأَذَانَ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْأَذَانِ لِلْجُمُعَةِ فَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ لِلْجُمُعَةِ أَذَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَ الْمِنْبَرِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا بِلَالٌ هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَذِّنُ الْجُمُعَةِ وَاحِدًا بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ إذَا كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ لَا جَمَاعَةً مُؤَذِّنِينَ وَصَرَّحَ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ بِأَنَّهُ يُؤَذِّنُ لِلْجُمُعَةِ مُؤَذِّنٌ وَاحِدٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَكُونُ الْمُؤَذِّنُونَ يَسْتَفْتِحُونَ الْأَذَانَ فَوْقَ الْمَنَارَةِ جُمْلَةً حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ لِيُسْمِعَ النَّاسَ فَيَأْتُونَ إلَى الْمَسْجِدِ فَإِذَا فَرَغُوا خَطَبَ الْإِمَامُ بِهِمْ وَمَنَعَ النَّاسَ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ تِلْكَ السَّاعَةَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي بَابِ رَجْمِ الْحُبْلَى مِنْ الزِّنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " جَلَسَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَمَّا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُونَ قَامَ فَأَثْنَى عَلَى الله تعالي: وذكر الحديث " * قال المصنف رحمه الله
*
* (ويجوز استدعاء الامراء إلى الصلاة لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ بلالا رضى الله عنه جاء فقال " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته الصلاة رحمك اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مرى أبا بكر فليصل بالناس " قال ابن قسيط وكان بلال يسلم علي أبى بكر وعمر رضي الله عنهما كما كان يسلم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
*
*
* (الشرح)
* ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ " وَأَمَّا هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَلَيْسَتْ
فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ مُرِي هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي الصَّحِيحَيْنِ مُرُوا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مُرُوا مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ عَائِشَةَ.
وَأَمَّا ابْنُ قُسَيْطٍ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِ السِّينِ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى جَدِّهِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطِ بْنِ أُسَامَةَ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيُّ الْمَدَنِيُّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَغَيْرَهُمَا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَقَوْلُهُ إنَّ بِلَالًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ يَعْنِي عِنْدَ اسْتِدْعَائِهِمَا إلَى الصَّلَاةِ وَهَذَا النَّقْلُ بَعِيدٌ أَوْ غَلَطٌ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ الْمَعْرُوفَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْفَنِّ أَنَّ بِلَالًا لَمْ يُؤَذِّنْ لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَقِيلَ أَذَّنَ لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهم وَرِوَايَةُ ابْنِ قُسَيْطٍ هَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ فَإِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا بَكْرٍ وَلَا عُمَرَ وَلَا بِلَالًا رضي الله عنهم وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ جَوَازِ الِاسْتِدْعَاءِ هُوَ كَمَا قَالَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ سَلَامُ الْمُؤَذِّنِ بَعْدَ الْأَذَانِ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَقَوْلُهُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ علي الفلاح مكروه وقال صاحب العدة والشيخ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ بَعْدَ الْأَذَانِ إلَى بَابِ الْأَمِيرِ وَغَيْرِهِ وَيَقُولَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَيُّهَا الْأَمِيرُ فَإِنْ أَتَى بَابَهُ وَقَالَ الصلاة أيها الامير فلا بأس * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ وُجِدَ مَنْ يَتَطَوَّعُ بِالْأَذَانِ لَمْ يُرْزَقْ المؤذن من بيت المال لان الْمَالِ جُعِلَ لِلْمَصْلَحَةِ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ يَتَطَوَّعُ رُزِقَ مَنْ خُمُسِ الْخُمُسِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عليه كالامامة في الصلاة والثاني يجوز لانه عمل معلوم يجوز أخذ الرِّزْقَ عَلَيْهِ فَجَازَ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الاعمال)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ قُرْبَةٌ فِي حَقِّهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ وَقَوْلُهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْقَضَاءِ وَقَوْلُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَيْهِ احْتِرَازٌ مِنْ عَمَلِ الْمَعْصِيَةِ وَقِيلَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُؤَذِّنُونَ مُتَطَوِّعِينَ قَالَ وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَهُمْ وَهُوَ يَجِدُ مَنْ يُؤَذِّنُ مُتَطَوِّعًا مِمَّنْ لَهُ أَمَانَةٌ إلَّا أَنْ يَرْزُقَهُمْ مِنْ مَالِهِ قَالَ وَلَا أَحْسَبُ أَحَدًا بِبَلَدٍ كَثِيرِ الْأَهْلِ يَعُوزُهُ أَنْ يَجِدَ مُؤَذِّنًا أَمِينًا لَازِمًا يؤذن متطوعا فان لمه يَجِدْهُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَلَا يَرْزُقُهُ إلَّا مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ
سَهْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَجُوزُ أن يرزقه من غيره من الفئ لان لكله مالكا موضوفا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَهُ مِنْ الصَّدَقَاتِ شَيْئًا وَيَجُوزُ لِلْمُؤَذِّنِ أَخْذُ الرِّزْقِ إذَا رُزِقَ مِنْ حَيْثُ وَصَفْتُ أَنْ يُرْزَقُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَخْذُهُ مِنْ غَيْرِهِ بِأَنْ يُرْزَقَ هَذَا نَصُّهُ بِحَرْفِهِ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ رضي الله عنه قال " آخر ما عبد إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أجرا " رواه الترمذي وقال حديت حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ مُؤَذِّنًا وَهُوَ يَجِدُ مُتَبَرِّعًا عَدْلًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَالْوَصِيِّ فِي مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ الْوَصِيُّ لَوْ وَجَدَ مَنْ يَعْمَلُ فِي مَالِ الْيَتِيمِ مُتَبَرِّعًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَأْجِرَ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ فَكَذَا الْإِمَامُ فَلَوْ وَجَدَ فَاسِقًا مُتَبَرِّعًا وَعَدْلًا لَا يُؤَذِّنُ إلَّا بِرِزْقٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْزُقُ الْعَدْلَ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُعْتَمَدِ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَذَكَرَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا يَرْزُقُ الْعَدْلَ وَالثَّانِي الفاسق اولي وهذا ليس بشئ وَلَوْ وَجَدَ مُتَطَوِّعًا غَيْرَ حَسَنِ الصَّوْتِ وَغَيْرَهُ رَفِيعَهُ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَرْزُقَ حَسَنَ الصَّوْتِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ يَرْزُقُهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْزُقُهُ إنْ رَآهُ مَصْلَحَةً لِظُهُورِ تَفَاوُتِهِمَا وَتَعَلُّقِ الْمَصْلَحَةِ بِهِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأُمِّ إذَا طَلَبَتْ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ وَوَجَدَ الْأَبُ مُتَبَرِّعَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرِّزْقُ يَكُونُ من خمس خمس الفئ والغنيمة وكذا من أربعة اخماس الفئ إذَا قُلْنَا إنَّهُ لِلْمَصَالِحِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِذَلِكَ بَلْ يَرْزُقُهُ مِنْ كُلِّ مَالٍ هُوَ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَالْأَمْوَالِ الَّتِي يَرِثُهَا بَيْتُ الْمَالِ وَالْمَالِ الضَّائِعِ الَّذِي أَيِّسْنَا مِنْ صَاحِبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالرِّزْقُ يَكُونُ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ مَسْجِدٌ وَاحِدٌ رَزَقَ مَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَيْهِ مِنْ مُؤَذِّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَسَاجِدُ وَلَمْ يُمْكِنْ جَمْعُ النَّاسِ
فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ رَزَقَ عَدَدًا مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لِلْمَسَاجِدِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ بِهِمْ الْكِفَايَةُ وَيَتَأَدَّى الشِّعَارُ وَإِنْ أَمْكَنَ بِلَا مَشَقَّةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَحَدُهُمَا يَجْمَعُهُمْ وَيَرْزُقُ وَاحِدًا فَقَطْ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجْمَعُهُمْ بَلْ يَرْزُقُ الْجَمِيعَ لِئَلَّا تَتَعَطَّلَ الْمَسَاجِدُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَلِأَنَّ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَاتِ
وَفِعْلَهَا فِي مَسَاجِدَ أَكْثَرُ فَضِيلَةً مِنْ أَدَائِهَا فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ سَعَةٌ بَدَأَ بِالْأَهَمِّ وَهُوَ رزق مؤذن الجامع واذان صلاد الْجُمُعَةِ أَهَمُّ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَرْزُقَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلِآحَادِ الرَّعِيَّةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَرْزُقَ كَمْ شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ فَيَرْزُقُ مَا شَاءَ مِنْ الْعَدَدِ وَمَعَ وُجُودِ المتبرع وفوق قدر الكفاية صرح بِهِ فِي التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ (فَرْعٌ)
فِي جَوَازِ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْأَذَانِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ وَمِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَلِآحَادِ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَمِنْ غَيْرِهِمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وكذا نقله المتولي وصاحب الذخائر والعبد رى عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَإِلْكِيَا الْهِرَّاسِيُّ فِي كِتَابِهِ الزَّوَايَا فِي الْخِلَافِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِأَحَدٍ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَفَّالُ وَصَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ دُونَ آحَادِ النَّاسِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ ظَاهِرٌ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا جَوَّزْنَا لِلْإِمَامِ الِاسْتِئْجَارَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنَّمَا يَجُوزُ حَيْثُ يَجُوزُ الرِّزْقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ خِلَافًا وَوِفَاقًا قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُفْتَقَرْ إلَى بَيَانِ الْمُدَّةِ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتُؤَذِّنَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اسْتَأْجَرَ آحَادُ النَّاسِ فَفِي اشْتِرَاطِ بَيَانِ الْمُدَّةِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِاشْتِرَاطُ قَالَ وَالْإِقَامَةُ تَدْخُلُ فِي الِاسْتِئْجَارِ لِلْأَذَانِ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ لِلْإِقَامَةِ وَحْدَهَا إذْ لَا كُلْفَةَ فِيهَا بِخِلَافِ الْأَذَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا تَخْلُو هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ إشْكَالٍ وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي إنْ شَرَطَ لَهُ الْإِمَامُ الْجَعْلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ آخِرِ الْمُدَّةِ بَلْ يَكْفِيهِ كُلُّ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ بِكَذَا كَالْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَإِنْ شَرَطَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَشْتَرِطُ كَالْإِجَارَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَعْمَالِ قَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّزْقِ وَالْأُجْرَةِ أَنَّ الرِّزْقَ أَنْ يُعْطِيَهُ كِفَايَتَهُ هُوَ وَعِيَالُهُ وَالْأُجْرَةُ مَا يقع
بِهِ التَّرَاضِي وَأَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ آخِرُ مَا عَهِدَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانِهِ أَجْرًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْأَذَانُ بِقُرْبِ الْمَسْجِدِ (الثَّانِيَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ بَعْدَ الْأَذَانِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إلَّا لِعُذْرٍ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ وَذَكَرَهَا فِي هَذَا الْبَابِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَكْتَفِي أَهْلُ الْمَسَاجِدِ الْمُتَقَارِبَةِ بِأَذَانِ بَعْضِهِمْ بَلْ يُؤَذِّنُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَاحِدٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْمُؤَذِّنُ عَلَى أَوَاخِرِ الْكَلِمَاتِ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ رُوِيَ مَوْقُوفًا قَالَ الْهَرَوِيُّ وَعَوَامُّ النَّاسِ يَقُولُونَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَانَ أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ يَفْتَحُ الرَّاءَ فَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرَ اللَّهُ أَكْبَرْ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ وَالثَّانِيَةُ سَاكِنَةٌ قَالَ لِأَنَّ الْأَذَانَ سُمِعَ مَوْقُوفًا كَقَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ فَكَانَ الْأَصْلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ أَكْبَرْ اللَّهُ أَكْبَرْ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ فَحُرِّكَتْ فَتْحَةُ الْأَلْفِ مِنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي اللَّفْظَةِ الثَّانِيَةِ لِسُكُونِ الرَّاءِ قَبْلَهَا فَفُتِحَتْ كَقَوْلِهِ تعالى " الم الله لا إله الا هو " وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ تَكْبِيرَتَيْنِ بِصَوْتٍ لِأَنَّهُ خَفِيفٌ وَأَمَّا بَاقِي الْكَلِمَاتِ فَيُفْرِدُ كُلَّ كَلِمَةٍ بِصَوْتٍ وَفِي الْإِقَامَةِ يَجْمَعُ كُلَّ كَلِمَتَيْنِ بِصَوْتٍ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْبَغَوِيّ لَوْ زَادَ فِي الْأَذَانِ ذِكْرًا أَوْ زَادَ فِي عَدَدِ كَلِمَاتِهِ لَمْ يَبْطُلْ أَذَانُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى اشْتِبَاهِهِ بِغَيْرِ الْأَذَانِ عَلَى السَّامِعِينَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ لَوْ قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ بَدَلَ اللَّهُ أَكْبَرُ صَحَّ أَذَانُهُ كَمَا لَوْ قَالَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَوَاجِبٌ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَحْوَالَ الْمُؤَذِّنِينَ لِيُؤَذِّنُوا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يَنْتَظِرُهُمْ بِالْإِقَامَةِ وَأَنْ يَأْمُرَهُمْ فَيُقِيمُوا فِي الْوَقْتِ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُ الْأَذَانِ مَنُوطٌ بِنَظَرِ الْمُؤَذِّنِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى مُرَاجَعَةِ الْإِمَامِ وَوَقْتُ الْإِقَامَةِ مَنُوطٌ بِالْإِمَامِ فَلَا يُقِيمُ الْمُؤَذِّنُ إلَّا بِإِشَارَتِهِ فَلَوْ أَقَامَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الِاعْتِدَادِ بِهِ تَرَدُّدٌ لِلْأَصْحَابِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الرَّاجِحَ وَالظَّاهِرُ تَرْجِيحُ الِاعْتِدَادِ (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَتَرْكُ الْأَذَانِ فِي السَّفَرِ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْحَضَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَجْهُ
ذَلِكَ أَنَّ السَّفَرَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَفِعْلِ الرُّخَصِ وَلِأَنَّ أَصْلَ الْأَذَانِ لِلْإِعْلَامِ بِالْوَقْتِ وَالْمُسَافِرُونَ لَا يَتَفَرَّقُونَ غَالِبًا قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ الْإِقَامَةَ لِصَلَاتِهَا لَمْ أَكْرَهُ لَهَا مِنْ تَرْكِهَا مَا أَكْرَهُ مِنْ تَرْكِهَا لِلرِّجَالِ وان كنت احب ان نقيم قَالَ فِي الْأُمِّ وَيُصَلِّي الرَّجُلُ بِأَذَانِ رَجُلٍ لَمْ يُؤَذِّنْ لَهُ يَعْنِي لَمْ يَقْصِدْ الْأَذَانَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهَذَا الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هُوَ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ قَالُوا لَوْ اجْتَازَ رَجُلٌ بِمَسْجِدٍ قَدْ أُذِّنَ فِيهِ اكْتَفَى بِذَلِكَ الْأَذَانِ وَإِنْ كَانَ الْمُؤَذِّنُ لَمْ يَقْصِدْهُ (الثَّامِنَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ أَذَّنَ بِالْفَارِسِيَّةِ إنْ كَانَ يُؤَذِّنُ لِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ لَمْ يَجُزْ سَوَاءٌ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا: لِأَنَّ غَيْرَهُ قَدْ يُحْسِنُ وَإِنْ كَانَ أَذَانُهُ لِنَفْسِهِ فان كان لم يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ لَمْ يُجْزِئْهُ كَأَذْكَارِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ هَذَا كَلَامُهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ أَنَّ مُؤَذِّنَ الْجَمَاعَةِ لَا يُجْزِئُهُ بِالْفَارِسِيَّةِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَحَّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ فِي تَعْلِيقِهِ (التاسعة) قاله الدَّارِمِيُّ لَوْ لُقِّنَ الْأَذَانَ أَجْزَأَهُ لِحُصُولِ الْإِعْلَامِ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ أَبْوَابِ الْأَذَانِ إذَا كَانَتْ لَيْلَةً مَطِيرَةً أَوْ ذَاتَ رِيحٍ وَظُلْمَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الْمُؤَذِّنُ إذَا فَرَغَ مِنْ أَذَانِهِ أَلَا صَلُّوا في رحالكم قال فَإِنْ قَالَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ بَعْدَ الْحَيْعَلَةِ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَهَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ ذَكَرُوهُ بِحُرُوفِهِ الَّتِي نَقَلْتُهَا وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ وَقَالَ تَغْيِيرُ الْأَذَانِ من غير ثبت مُسْتَبْعَدٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الَّذِي اسْتَبْعَدَهُ لَيْسَ بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالسُّنَّةُ فَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ بَعْدَ الْأَذَانِ وَفِي أَثْنَائِهِ فَرَوَى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَذَّنَ بِالصَّلَاةِ فِي لَيْلَةٍ ذَاتِ بَرْدٍ وَرِيحٍ ثُمَّ قَالَ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ ثُمَّ قَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةً ذَاتَ بَرْدٍ وَمَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهُ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ مُؤَذِّنَهُ بِهِ فِي السَّفَرِ " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي ردع فَلَمَّا بَلَغَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ أَمَرَهُ أَنْ
يُنَادِيَ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا قَدْ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي وَإِنَّهَا عَزْمَةٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ وَهُوَ يَوْمُ جُمُعَةٍ " إذَا قُلْتَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَلَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ صَلُّوا فِي بُيُوتِكُمْ فَكَأَنَّ النَّاسَ اسْتَنْكَرُوا فَقَالَ فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي إنَّ الْجُمُعَةَ عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَخْرُجَكُمْ فَتَمْشُوا فِي الطِّينِ وَالدَّحَضِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَعَلَهُ مَنْ هُوَ
خَيْرٌ مِنِّي " يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " أَذَّنَ مُؤَذِّنُ ابْنِ عَبَّاسٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ فِي يَوْمٍ مَطِيرٍ فَذَكَرَهُ " * قال المصنف رحمه الله
*
*
(باب طهارة البدن وما يصلي فيه وعليه)
*
* (الطَّهَارَةُ ضَرْبَانِ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ وَطَهَارَةٌ عَنْ نجس فأما الطهارة عن الحدث فهى شرط في صحة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة بغير طهور ولا صدقة من غلول " وقد مضى حكمها في كتاب الطهارة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَالطُّهُورُ بِضَمِّ الطَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَالْمُرَادُ فِعْلُ الطَّهَارَةِ وَالْغُلُولُ بِضَمِّ الْغَيْنِ لَا غَيْرُ وَهُوَ الْخِيَانَةُ يُقَالُ غَلَّ وَأَغَلَّ أَيْ خَانَ وَقَوْلُهُ هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاةٌ بِغَيْرِ طَهُورٍ إمَّا بِالْمَاءِ وَإِمَّا بالتيمم بشرطه سراء صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ جَوَازَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لِلْمُحْدِثِ لِأَنَّهَا دُعَاءٌ وَهَذَا بَاطِلٌ فَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم صَلَاةً وَلَا تُقْبَلُ صَلَاةٌ بغير طهور
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وأما طهارة البدن عن النجاسة فهي شرط في صحة الصلاة والدليل عليها قوله صلى الله عليه وسلم " تنزهوا من البول فان عامة عذاب القبر منه ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ إزَالَةَ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ
فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ
وفيه خلاف نذكره حيث ذكرء الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ فَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ شَرْطٌ لِجَمِيعِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَعَنْ مَالِكٍ فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا أَنَّهُ إنْ صَلَّى عَالِمًا بِهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا صَحَّتْ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِيَةُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلِمَ أَوْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ وَالثَّالِثَةُ تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ النَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا مُتَعَمِّدًا وَإِزَالَتُهَا سُنَّةٌ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جبير نحوه وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَعَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ إزَالَتَهَا شَرْطٌ إلَّا مَالِكًا وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَمَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى الْقَوْمُ ذَلِكَ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إلْقَائِكُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد خَبَثًا بَدَل قَذَرًا وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى وَفِي رِوَايَةٍ دَمَ حَلَمَةٍ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِ اللَّهِ تعالي (وثيابك فطهر) وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ ثِيَابَكَ الْمَلْبُوسَةَ وَأَنَّ مَعْنَاهُ طَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَقَدْ قِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا لَكِنَّ الْأَرْجَحَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِحَدِيثِ " تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ " وَهُوَ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَنْزِهُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ من وجهين أحدهما أن القذر هو الشئ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمُخَاطِ وَالْبُصَاقِ وَالْمَنِيِّ وَالْبَوْلِ وَغَيْرِهِ
فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ نَجِسًا الثَّانِي لَعَلَّهُ كَانَ دَمًا يَسِيرًا أَوْ شَيْئًا يَسِيرًا مِنْ طِينِ الشَّوَارِعِ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ
* والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالنَّجَاسَةُ ضَرْبَانِ دِمَاءٌ وَغَيْرُ دِمَاءٍ فَأَمَّا غَيْرُ الدماء فينظر فيه فان كان قدرا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يشق الاحتراز منه وان كان قدرا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَكُ بِالطَّرَفِ فَعُفِيَ عَنْهُ كَغُبَارِ السِّرْجِينِ وَالثَّانِي لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَلَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَاَلَّذِي يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ وَالثَّالِثُ عَلَى قَوْلَيْنِ أَحَدُهُمَا يُعْفَى عَنْهُ وَالثَّانِي لَا يُعْفَى وَوَجْهُ الْقَوْلَيْنِ مَا ذَكَرْنَا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ كَمَا ذَكَرَ وَأَصَحُّ الطُّرُقِ أَنَّهُ يُعْفَى عَنْهُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْمِيَاهِ أَنَّ فِي مَسْأَلَةِ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرَفُ سَبْعَ طُرُقٍ فِي الْمَاءِ وَالثَّوْبِ وَالْأَصَحُّ يُعْفَى فِيهِمَا وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ يَقْتَضِي أَنَّ وَنِيمَ الذُّبَابِ لَا يُعْفَى عَنْهُ بِلَا خِلَافٍ إذَا أَدْرَكَهُ الطَّرَفُ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ دَمِ الْبَرَاغِيثِ لِأَنَّهُ تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَيَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كدم البراغيث
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَأَمَّا الدِّمَاءُ فَيُنْظَرُ فِيهَا فَإِنْ كَانَ دَمَ القمل والبراغيث وما أشبهها فَإِنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ لِأَنَّهُ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَلَوْ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ شَقَّ وَضَاقَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يُعْفَى عَنْهُ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَشُقُّ غَسْلُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُعْفَى عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لانه هَذَا الْجِنْسَ يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فِي الْغَالِبِ فالحق نادره بغالبه وان كان دم غيرها مِنْ الْحَيَوَانَاتِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ قَالَ فِي الام يغفى عَنْ قَلِيلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَافَاهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ بَثْرَةٍ وَحِكَّةٍ يَخْرُجُ مِنْهَا هَذَا الْقَدْرُ فَعُفِيَ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَلَا عَنْ كَثِيرِهِ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهَا فَلَمْ يُعْفَ عَنْهَا كَالْبَوْلِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يُعْفَى عَمَّا دُونَ الْكَفِّ ولا يعفى عن الكلف والاول اصح)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْبَثْرَةُ بِإِسْكَانِ الثَّاءِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا لُغَتَانِ الاسكان أَشْهُرُ وَهِيَ خُرَّاجٌ صَغِيرٌ
وَيُقَالُ بَثِرَ وَجْهُهُ بِكَسْرِ الثَّاءِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْحِكَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ الْجَرَبُ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ أَمَّا دَمُ الْقَمْلِ وَالْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ والقردان وغيرها مِمَّا لَا نَفْسَ
لَهُ سَائِلَةٌ فَهُوَ نَجِسٌ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَذَكَرْنَا خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ فِيهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَفِي كَثِيرِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أحدهما قاله الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يُعْفَى عَنْهُ وَأَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُعْفَى عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ وَسَائِرِ أَصْحَابِنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الْقَلِيلُ هُوَ مَا تَعَافَاهُ النَّاسُ أَيْ عَدُّوهُ عَفْوًا وَتَسَاهَلُوا فِيهِ والكثير ما غلب علي الثوب وطبقه وَذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ كَلَامًا طَوِيلًا اخْتَصَرَهُ الرَّافِعِيُّ وَلَخَصَّهُ فَقَالَ فِي قَوْلٍ قَدِيمٍ الْقَلِيلُ قَدْرُ دِينَارٍ وَفِي قَدِيمٍ آخَرَ الْقَلِيلُ ما دون الكلف وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا الْكَثِيرُ مَا يَظْهَرُ لِلنَّاظِرِ مِنْ غَيْرِ تَأَمُّلٍ وَإِمْعَانِ طَلَبٍ وَالْقَلِيلُ دُونَهُ وَأَصَحُّهُمَا الرُّجُوعُ إلَى الْعَادَةِ فَمَا يَقَعُ التَّلَطُّخُ بِهِ غَالِبًا وَيَعْسُرُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَقَلِيلٌ وَمَا لَا فَكَثِيرٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ وَعَلَى الثَّانِي وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعْتَبَرُ الْوَسَطُ الْمُعْتَدِلُ فَلَا يُعْتَبَرُ مِنْ الْبِلَادِ وَالْأَوْقَاتِ مَا يَنْدُرُ ذَلِكَ فِيهِ أَوْ يَتَفَاحَشُ وَأَصَحُّهُمَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَوْقَاتِ وَالْبِلَادِ وَيَجْتَهِدُ الْمُصَلِّي هَلْ هُوَ قَلِيلٌ أَمْ كَثِيرٌ فَلَوْ شَكَّ فَفِيهِ احْتِمَالَانِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ أَرْجَحُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ لَهُ حُكْمُ الْقَلِيلِ وَالثَّانِي لَهُ حُكْمُ الْكَثِيرِ وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الدَّمِ فِي الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ قَلِيلًا فَعَرِقَ وَانْتَشَرَ التَّلَطُّخُ بِسَبَبِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الْكَثِيرِ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَاصِمٍ يُعْفَى عنه وقال
القاضي حسين لا يعفى.
وَلَوْ أَخَذَ قَمْلَةً أَوْ بُرْغُوثًا وَقَتَلَهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ فَتَلَوَّثَتْ بِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي إنْ كَثُرَ ذَلِكَ لَمْ يُعْفَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُعْفَى عَنْهُ قَالَ وَلَوْ كَانَ دَمُ الْبَرَاغِيثِ فِي ثَوْبٍ فِي كُمِّهِ وَصَلَّى بِهِ أَوْ بَسَطَهُ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَوَجْهَانِ
أَمَّا دم ماله نَفْسٌ سَائِلَةٌ مِنْ آدَمِيٍّ وَسَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَفِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ أَصَحُّهَا بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ فِي الْأُمِّ إنَّهُ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يَتَعَافَاهُ النَّاسُ فِي الْعَادَةِ يَعْنِي يَعُدُّونَهُ عَفْوًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَعُدُّونَهُ عَفْوًا قَدْ عُفِيَ لَهُمْ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفُوا إزَالَتَهُ لِلْمَشَقَّةِ فِي التَّحَفُّظِ مِنْهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَدَّرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِلُمْعَةٍ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ فِي دَمِ غَيْرِهِ مِنْ آدَمِيٍّ وَحَيَوَانٍ آخَرَ وَأَمَّا دَمُ نَفْسِهِ فَضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا مَا يَخْرُجُ مِنْ بَثْرَةٍ مِنْ دَمٍ وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ فَلَهُ حُكْمُ دَمِ الْبَرَاغِيثِ بِالِاتِّفَاقِ يُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ قَطْعًا وَفِي كَثِيرِهِ الْوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْعَفْوُ فَلَوْ عَصَرَ بَثْرَةً فَخَرَجَ مِنْهَا دَمٌ قَلِيلٌ عُفِيَ عَنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ السابقين في دوم الْقَمْلَةِ وَنَحْوِهَا إذَا عَصَرَهُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا مِنْ الْبَثَرَاتِ بَلْ مِنْ الدَّمَامِيلِ وَالْقُرُوحِ وَمَوْضِعِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَدَمٍ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَثَرَاتِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهِ وَفِي كَثِيرِهِ الْوَجْهَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ كَدَمِ الْأَجْنَبِيِّ فَأَمَّا دَمُ الِاسْتِحَاضَةِ وَمَا يَدُومُ غَالِبًا فَسَبَقَ حُكْمُهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَأَمَّا مَاءُ الْقُرُوحِ فَسَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَتْ رَائِحَتُهُ فَهُوَ نَجِسٌ وَإِلَّا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ طَاهِرٌ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ وَحَيْثُ نَجَّسْنَاهُ فَهُوَ كَالْبَثَرَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَيْحُ الْأَجْنَبِيِّ وَصَدِيدُهُ وَسَائِرُ الْحَيَوَانِ كَدَمِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ ثُمَّ الْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْكَلَامَ فِي الدِّمَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ وَقَيَّدَ صَاحِبُ الْبَيَانِ الْخِلَافَ فِي الْعَفْوِ بِغَيْرِ دم
الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَشَارَ الي انه لا يعفى عن شئ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْبَغَوِيّ وَحُكْمُ وَنِيمِ الذُّبَابِ وَبَوْلِ الْخُفَّاشِ حُكْمُ الدَّمِ لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لَوْ كَانَ في صلاة فأصابه شئ جَرَحَهُ وَخَرَجَ الدَّمُ يَدْفُقُ وَلَمْ يُلَوِّثْ الْبَشَرَةَ أَوْ كَانَ التَّلْوِيثُ قَلِيلًا بِأَنْ خَرَجَ كَخُرُوجِ الْفَصْدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه في الرجلين الدين حَرَسَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجُرِحَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ يُصَلِّي فَاسْتَمَرَّ فِي صَلَاتِهِ وَدِمَاؤُهُ تَسِيلُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ قَالُوا وَلِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ
عَنْ الْبَشَرَةِ لَا يُضَافُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الدَّمِ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ وَلِهَذَا لَوْ صَبَّ الْمَاءَ مِنْ أَبِرِيقٍ عَلَى نَجَاسَةٍ وَاتَّصَلَ طَرَفُ الْمَاءِ بِالنَّجَاسَةِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الَّذِي فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ مُتَّصِلًا بِبَعْضٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الدِّمَاءِ: ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُعْفَى عَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ وَلَا يُعْفَى عَنْ نِصْفِهِ وَعَنْ أَحْمَدَ يُعْفَى عَمَّا دُونَ شِبْرٍ فِي شِبْرٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مِنْ الدَّمِ وَغَيْرِهِ إنْ كَانَتْ قدر درهم بعلي عُفِيَ عَنْهَا وَيُعْفَى عَنْ أَكْثَرَ وَعَنْ النَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ يُعْفَى عَنْ قَدْرٍ دُونَ دِرْهَمٍ لَا عن درهم * قال المصنف رحمه الله
*
* (إذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ مَا يَغْسِلُهَا بِهِ صَلَّى وَأَعَادَ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَإِنْ كَانَ عَلَى قَرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ صَلَّى وَأَعَادَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ يُعْذَرُ فِي تَرْكِهَا فَسَقَطَ مَعَهَا الْفَرْضُ كَأَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ صَلَّى بِنَجَسٍ نَادِرٍ غَيْرِ مُتَّصِلٍ فَلَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ صَلَّى بنجاسة نسيها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْقَرْحُ بِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَقَوْلُهُ صَلَّى بِنَجَسٍ نَادِرٍ احْتِرَازٌ مِنْ أَثَرِ الِاسْتِنْجَاءِ وَقَوْلُهُ غَيْرِ مُتَّصِلٍ احْتِرَازٌ مِنْ دَمِ الْمُسْتَحَاضَةِ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَعَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالِهِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ فاتوا منه ما استطتم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَوْلٌ غَرِيبٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ أَمَرْنَاهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ.
أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى قَرْحِهِ دَمٌ يَخَافُ مِنْ غَسْلِهِ وَهُوَ كَثِيرٌ بِحَيْثُ لَا يُعْفَى عَنْهُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ: الْجَدِيدُ الْأَصَحُّ وُجُوبُهَا وَالْقَدِيمُ لَا يَجِبُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخَوْفِ مَا سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا هَذَا عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ مَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ عِنْدَهُمْ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا فَلَمْ يَعْلَمْهَا قَطُّ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي النَّاسِي خِلَافٌ مُرَتَّبٌ عَلَى الْجَاهِلِ وَسَنُوضِحُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَإِنْ جَبَرَ عَظْمَهُ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَإِنْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ مِنْ قَلْعِهِ لَزِمَهُ قَلْعُهُ لِأَنَّهُ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا أَوْصَلَهَا إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ لَا يُخَافُ التَّلَفُ مِنْ إزَالَتِهَا فَأَشْبَهَ إذَا وَصَلَتْ الْمَرْأَةُ شَعْرَهَا بِشَعْرٍ نَجِسٍ فَإِنْ امْتَنَعَ مِنْ قَلْعِهِ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ تَدْخُلهُ النِّيَابَةُ فإذا امتنع لزم السلطان أن يفعله كَرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَإِنْ خَافَ التَّلَفَ مِنْ قَلْعِهِ لَمْ يَجِبْ قَلْعُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِهِ وَعِدْوَانِهِ فَانْتُزِعَ مِنْهُ وَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ التَّلَفُ كَمَا لَوْ غَصَبَ مَالًا وَلَمْ يُمْكِنْ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ إلَّا بِضَرْبٍ يُخَافُ مِنْهُ التَّلَفُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ يَسْقُطُ حُكْمُهَا عِنْدَ
خَوْفِ التَّلَفِ وَلِهَذَا يَحِلُّ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ خَوْفِ التَّلَفِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَإِنْ مَاتَ فَقَدْ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُقْلَعُ حَتَّى لَا يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يُقْلَعُ لِأَنَّ قَلْعَهُ عِبَادَةٌ وَقَدْ سَقَطَتْ الْعِبَادَةُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ وَإِنْ فَتَحَ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ وَطَرَحَ فِيهِ دَمًا وَالْتَحَمَ وَجَبَ فَتْحُهُ وَإِخْرَاجُهُ كَالْعَظْمِ وَإِنْ شَرِبَ خَمْرًا فَالْمَنْصُوصُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَقَايَأَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْعَظْمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يلزمه لان النجاسة حصلت في معدنها فَصَارَ كَالطَّعَامِ الَّذِي أَكَلَهُ وَحَصَلَ فِي الْمَعِدَةِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا انْكَسَرَ عَظْمُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْبُرَهُ بِعَظْمٍ طَاهِرٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْبُرَهُ بِنَجِسٍ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى طَاهِرٍ يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ جَبَرَهُ بِنَجِسٍ نُظِرَ إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى الْجَبْرِ وَلَمْ يَجِدْ طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ أو وجد طَاهِرًا يَقُومُ مَقَامَهُ أَثِمَ وَوَجَبَ نَزْعُهُ إنْ لَمْ يَخَفْ مِنْهُ تَلَفَ نَفْسِهِ وَلَا تَلَفَ عُضْوٍ وَلَا شَيْئًا مِنْ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورَةِ فِي التَّيَمُّمِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ مَعَهُ وَلَا يُعْذَرُ بِالْأَلَمِ الَّذِي يَجِدُهُ إذَا لَمْ يَخَفْ مِنْهُ وَسَوَاءٌ اكْتَسَى الْعَظْمُ لَحْمًا أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ حَصَلَتْ فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا اكْتَسَى اللَّحْمُ لَا يُنْزَعُ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ الْهَلَاكَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَمَال إلَيْهِ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَإِنْ خَافَ مِنْ النَّزْعِ هَلَاكَ النَّفْسِ أو عضوا أَوْ فَوَاتَ مَنْفَعَةِ عُضْوٍ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ التَّلَفَ وَخَافَ كَثْرَةَ الْأَلَمِ وَتَأَخُّرَ الْبُرْءِ وَقُلْنَا لَوْ خَافَ التَّلَفَ لَمْ يَجِبْ النَّزْعُ فَهَلْ يَجِبُ هُنَا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي نَظِيرِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا النَّزْعَ فَتَرَكَهُ لَزِمَهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا مَعَهُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ مُتَعَمِّدًا وَمَتَى وَجَبَ النَّزْعُ فَمَاتَ قَبْلَهُ لَمْ يَنْزِعْ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِيهِ وَجْهُ أَبِي الْعَبَّاسِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَهُمَا جَارِيَانِ سَوَاءٌ اسْتَتَرَ بِاللَّحْمِ أَمْ لَا وَقِيلَ إنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَنْزِعْ وَجْهًا وَاحِدًا فَإِذَا قُلْنَا يَنْزِعُ فَهَلْ النَّزْعُ وَاجِبٌ أَمْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي
*
(فَرْعٌ)
مُدَاوَاةُ الْجُرْحِ بِدَوَاءٍ نَجِسٍ وَخَيَّاطَتُهُ بِخَيْطٍ نَجِسٍ كَالْوَصْلِ بِعَظْمٍ نَجِسٍ فَيَجِبُ النَّزْعُ حَيْثُ يَجِبُ نَزْعُ الْعَظْمِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَكَذَا لَوْ فَتَحَ مَوْضِعًا مِنْ بَدَنِهِ وَطَرَحَ فِيهِ دَمًا أَوْ نَجَاسَةً أُخْرَى أَوْ وَشَمَ يَدَهُ أَوْ غَيْرَهَا فَإِنَّهُ يَنْجُسُ عِنْدَ الْغَرْزِ فَلَهُ حُكْمُ الْعَظْمِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ قال الرافعى وفى تعليق الفرا أَنَّهُ يُزَالُ الْوَشْمُ بِالْعِلَاجِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إلَّا بِالْجُرْحِ لَا يُجْرَحُ وَلَا إثْمَ عَلَيْهِ بعد التوبة
* (فرع)
إذا شرب حمرا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى أَكْلِ مُحَرَّمٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ وَلَوْ أُسِرَ رَجُلٌ فَحُمِلَ عَلَى شُرْبِ مُحَرَّمٍ أَوْ أَكْلِ مُحَرَّمٍ وَخَافَ إنْ لَمْ يَفْعَلْهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَقَايَأَهُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَهَذَانِ النَّصَّانِ ظَاهِرَانِ أَوْ صَرِيحَانِ فِي وُجُوبِ الِاسْتِقَاءَةِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهَا وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَعْذُورِ فِي الشُّرْبِ وَغَيْرِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ انْقَلَعَتْ سِنُّهُ فَرَدَّهَا مَوْضِعَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى طَرِيقَتِهِمْ أَنَّ عُضْوَ الْآدَمِيِّ الْمُنْفَصِلَ فِي حَيَاتِهِ نَجِسٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَلَكِنَّ الْمَذْهَبَ
طَهَارَتُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَلَوْ تَحَرَّكَتْ سِنُّهُ فَلَهُ أَنْ يَرْبِطَهَا بِفِضَّةٍ وَذَهَبٍ وَهِيَ طهارة بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا تَصِلُ المرأة بشعرها شعر انسان ولا شعر مالا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ بِحَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ آدَمِيٍّ فَهُوَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ شَعْرَ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ وَسَوَاءٌ شَعْرُ الْمَحْرَمِ وَالزَّوْجِ وَغَيْرِهِمَا بِلَا خِلَافٍ لِعُمُومِ
الاحاديث الصحيحة في لعن الواصلة المستوصلة وَلِأَنَّهُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِشَعْرِ الْآدَمِيِّ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ لِكَرَامَتِهِ بَلْ يُدْفَنُ شَعْرُهُ وَظُفْرُهُ وَسَائِرُ أَجْزَائِهِ وَإِنْ وَصَلَتْهُ بِشَعْرِ غَيْرِ آدَمِيٍّ فَإِنْ كَانَ شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يُؤْكَلُ إذَا انْفَصَلَ فِي حَيَاتِهِ فَهُوَ حَرَامٌ أيضا بلا خلاف للحديث ولانه حَمَلَ نَجَاسَةً فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عَمْدًا وَسَوَاءٌ فِي هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ وَأَمَّا الشَّعْرُ الطَّاهِرُ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ فَهُوَ حَرَامٌ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَحَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَرَجَّحَهُ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ وَجَزَمَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَيُبْطِلُهُ عُمُومُ الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إنْ وصلت باذنه جاز والاحرم وَالثَّانِي يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَالثَّالِثُ لَا يَحْرُمُ وَلَا يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ أَوْ سَيِّدٌ جَازَ لَهَا ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ كُرِهَ فَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّحِيحُ مَا صَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ بِالتَّحْرِيمِ مُطْلَقًا أَقْوَى لِظَاهِرِ إطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَتَحْمِيرُ الْوَجْهِ وَالْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ حَرَامٌ بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وباذنه وجهان اصحهما التحريم وقال الرابعي تَحْمِيرُ الْوَجْنَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ أَوْ فَعَلَتْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَحَرَامٌ وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَجَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ وَجْهَانِ كَالْوَصْلِ
قَالَ وَأَمَّا الْخِضَابُ بِالسَّوَادِ وَتَطْرِيفُ الْأَصَابِعِ فَأَلْحَقُوهُ بِالتَّحْمِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَقْرَبُ مِنْهُ تَجْعِيدُ الشَّعْرِ وَلَا بَأْسَ بِتَصْفِيفِ الطُّرَرِ وَتَسْوِيَةِ الْأَصْدَاغِ وَأَمَّا الْخِضَابُ بِالْحِنَّاءِ فَمُسْتَحَبٌّ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ فِي يَدَيْهَا وَرِجْلَيْهَا تَعْمِيمًا لَا تَطْرِيفًا وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ اسْتِحْبَابَ الْخِضَابِ لِلْمَرْأَةِ وَمُرَادُهُمْ الْمُزَوَّجَةُ
* وَأَمَّا الرَّجُلُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخِضَابُ إلَّا لِحَاجَةٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي نَهْي الرِّجَالِ عَنْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا فِي آخِرِ بَابِ السِّوَاكِ وَأَمَّا الْوَشْمُ وَالْوَشْرُ وَهُوَ تَحْدِيدُ الْأَسْنَانِ فحرام عَلَى الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُزَوَّجَةِ الْخَلُوقُ وَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي بَابِ السِّوَاكِ وَمِمَّا جَاءَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْوَشْمِ وَالْوَصْلِ وَالْوَشْرِ وَغَيْرِهَا حَدِيثُ أَسْمَاءَ رضي الله عنها أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي أَصَابَتْهَا الْحَصْبَةُ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا وَإِنِّي زَوَّجْتُهَا أَفَأَصِلُ فِيهِ فَقَالَ " لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمَوْصُولَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ قَوْلُهَا تَمَرَّقَ هو بالراء المهملة يعنى انتثر وَسَقَطَ: وَعَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِنْ شَعْرٍ كَانَتْ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ ويقول انما هلكت بنوا إسْرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَهَا نِسَاؤُهُمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَة وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والمنتمصات وَالْمُتَفَلِّجَات لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ فَقَالَتْ لَهُ امرأة في ذلك فقال ومالى لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْمُتَفَلِّجَةُ الَّتِي تَبْرُدُ مِنْ أَسْنَانِهَا لِيَتَبَاعَدَ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ وَتُحَسِّنُهَا وَهُوَ الْوَشْرُ وَالنَّامِصَةُ الَّتِي تَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ الْحَاجِبِ وترققه ليصير حسنا والمنتمصة الَّتِي تَأْمُرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْوَصْلِ فِي الْجُمْلَةِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَ وَلَا يَصِحُّ عَنْهَا بَلْ الصَّحِيحُ عَنْهَا كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَالْوَصْلُ بِالصُّوفِ وَالْخِرَقِ كَالْوَصْلِ بِالشَّعْرِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَجَوَّزَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ
بِغَيْرِ الشَّعْرِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِحَدِيثِ جَابِرٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِرَأْسِهَا شَيْئًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وهذا عام في كل شئ فَأَمَّا رَبْطُ الشَّعْرِ بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا يُشْبِهُ الشَّعْرَ فَلَيْسَ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ وَأَشَارَ الْقَاضِي إلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْلٍ وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى مَقْصُودِ الْوَصْلِ وَإِنَّمَا هُوَ لِلتَّجَمُّلِ وَالتَّحْسِينِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ وَصْلَ الشَّعْرِ مِنْ الْمَعَاصِي الكبائر للعن فاعله
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَأَمَّا طَهَارَةُ الثَّوْبِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ فَهِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تعالي " وثيابك فطهر " فَإِنْ كَانَ عَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا وَلَمْ يَجِدْ مَاءً يَغْسِلُهَا بِهِ صَلَّى عريانا ولا يصلي في الثوب قال في الْبُوَيْطِيُّ وَقَدْ قِيلَ يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيدُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ الْعُرْيِ يَسْقُطُ بِهَا الفرض ومع النجاسة لا يسقط فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُتْرَكَ صَلَاةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ إلَى صَلَاةٍ لَا يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* طَهَارَةُ الثَّوْبِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ إلَّا عَلَى ثَوْبٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ لَا يُعْفَى عَنْهَا وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَسْلِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا يُصَلِّي عُرْيَانًا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا وَالثَّانِي يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قُلْنَا يُصَلِّي عُرْيَانًا فَلَا إعَادَةَ وَإِنْ قُلْنَا يُصَلِّي فِيهِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَوْضِعًا نَجِسًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْإِبَانَةِ وَغَيْرِهِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ أَنْ يَنْزِعَهُ فَيَبْسُطَهُ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ وَالثَّانِي يُصَلِّي فِيهِ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُعِيدُ وَوَجْهُهُمَا مَا سَبَقَ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لِأَنَّهُ طَاهِرٌ يَسْقُطُ الْفَرْضُ به وانما يحرم في غير محل الضَّرُورَةِ وَالثَّانِي يُصَلِّي عَارِيًّا لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِسُتْرَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَلَا إعَادَةَ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَلْزَمُهُ لُبْسُ الثَّوْبِ النَّجَسِ وَالْحَرِيرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لِلسَّتْرِ عَنْ الْأَعْيُنِ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا
*
(فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ طَرَفُهُ نَجِسٌ وَلَيْسَ مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُهُ بِهِ وَأَمْكَنَهُ قَطْعُ موضع النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَ يَنْقُصُ بِالْقَطْعِ قَدْرَ أُجْرَةِ مِثْلِ السُّتْرَةِ لَزِمَهُ قَطْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فلا يلزمه ذكره الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وقال مالك والمزني يصلي فيه وَلَا يُعِيدُ وَقَالَ أَحْمَدُ يُصَلِّي فِيهِ وَيُعِيدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ شَاءَ صَلَّى فِيهِ وَإِنْ شَاءَ عُرْيَانًا وَلَا إعَادَةَ فِي الْحَالَيْنِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فان اضطر الي لبس الثوب لحر أو برد صلى فيه وأعاد إذا قدر لانه صلي بنجس نادر غير متصل فلا يَسْقُطْ مَعَهُ الْفَرْضُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نسيها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ نَادِرٍ احْتِرَازًا مِنْ دَمِ الْبَرَاغِيثِ ونحوه قوله غير متصل احتراز من دم الاستحضاضة وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَنَحْوِهِمَا وَإِذَا اُضْطُرَّ إلَى لُبْسِ الثَّوْبِ النَّجِسِ لِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا صَلَّى فِيهِ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِمَا ذَكَرَهُ * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان قدر علي غسله وخفى عليه موضع النجاسة لزمه أن يغسل الثوب كله ولا يتحرى فيه لان التحرى انما يكون في عينين فان شقه نصفين لم يتحر فيه لانه يجوز أن يكون الشق في موضع النجاسة فتكون القطعتان نجستين)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ حَكَى فِيمَا إذَا خَفِيَ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ الثَّوْبِ وَجْهًا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ إذَا غَسَلَ بَعْضَهُ كَفَاهُ وَيُصَلِّي فِيهِ لِأَنَّهُ يَشُكُّ بَعْدَ ذَلِكَ في نجاسته والاصل طهارته وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ فِي هَذَا الثَّوْبِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ غَسْلِ جَمِيعِهِ هُوَ إذَا احْتَمَلَ وُجُودَ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ مِنْهُ فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي مُقَدَّمِهِ وَجَهِلَ مَوْضِعَهَا وَعَلِمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مُؤَخَّرِهِ وَجَبَ غَسْلُ مُقَدَّمِهِ فَقَطْ فَلَوْ أَصَابَتْ يَدُهُ الْمُبْتَلَّةُ بَعْضَ هَذَا الثَّوْبِ قَبْلَ غَسْلِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِنَجَاسَةِ الْيَدِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الَّذِي أَصَابَتْهُ طَاهِرٌ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وغيره * قال المصنف رحمه الله
** (وَإِنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَاشْتَبَهَا تَحَرَّى وَصَلَّى فِي الطَّاهِرِ عَلَى الْأَغْلَبِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَيْهِ بِالِاجْتِهَادِ فَجَازَ التَّحَرِّي فِيهِ كَالْقِبْلَةِ فَإِنْ اجتهد فلم يؤد
الِاجْتِهَادُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا صَلَّى عُرْيَانًا وَأَعَادَ لِأَنَّهُ صَلَّى وَمَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ وَإِنْ أَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا وَنَجَاسَةِ الْآخَرِ فَغَسَلَ النَّجِسَ عِنْدَهُ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا وَصَلَّى فيهما ففيه وجهان قال أبو إسحق تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَقَدْ تَيَقَّنَ حُصُولَ النَّجَاسَةِ وَشَكَّ فِي زَوَالِهَا لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي غَسَلَهُ هُوَ الطَّاهِرُ فلم تصح صلاته كالثوب الواحد إذا أصابته نجاسة وخفى مَوْضِعُهَا فَتَحَرَّى وَغَسَلَ مَوْضِعَ النَّجَاسَةِ بِالتَّحَرِّي وَصَلَّى فِيهِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى فِي ثَوْبٍ طَاهِرٍ بِيَقِينٍ وَثَوْبٍ طَاهِرٍ فِي الظَّاهِرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى في ثوب اشتراه لا يعلم حاله وَثَوْبٍ غَسَلَهُ فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي أَحَدِ الكمين واشتبه فوجهان قال أبو إسحق لَا يَتَحَرَّى لِأَنَّهُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَتَحَرَّى لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ مُتَمَيِّزَتَانِ هُمَا كَالثَّوْبَيْنِ فَإِنْ فَصَلَ أَحَدَ الْكُمَّيْنِ جَازَ التَّحَرِّي فِيهِ بلا خلاف)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اشْتَبَهَ ثَوْبٌ طاهر بثوب نَجِسٌ لَزِمَهُ التَّحَرِّي فِيهِمَا وَيُصَلِّي فِي الَّذِي يُؤَدِّي اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَتِهِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَفِيهِ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَبَقَ بَيَانُهُ بِأَدِلَّتِهِ فِي بَابِ التَّحَرِّي فِي الْمَاءِ وَسَوَاءٌ كَانَ عَدَدُ الطَّاهِرِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى لَوْ اشْتَبَهَ عَشْرَةُ ثِيَابٍ أَحَدُهَا طَاهِرٌ وَالْبَاقِي نَجِسٌ اجْتَهَدَ وَلَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبَانِ طَاهِرٌ وَنَجِسٌ وَاشْتَبَهَا وَمَعَهُ ثَالِثٌ طَاهِرٌ بِيَقِينٍ أَوْ مَعَهُ مَا يُمْكِنُ بِهِ غَسْلُ ثَوْبٍ هَلْ لَهُ الِاجْتِهَادُ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي مِثْلِهِ فِي الْأَوَانِي أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ إذَا كَانَ مَعَهُ ثَالِثٌ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي إتْلَافِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْأَصَحُّ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ فِيهِ احْتِرَازَاتٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ شَرْطٌ هُوَ الصَّوَابُ بِخِلَافِ قَوْلِهِ هُنَاكَ لِأَنَّهُ سَبَبٌ وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى هَذَا هُنَاكَ وَقَاسَ عَلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ فِيهَا مَعَ أَنَّ جِهَاتِ الْخَطَأِ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ جِهَةِ الصَّوَابِ (الثَّانِيَةُ) إذَا اجْتَهَدَ فَتَحَيَّرَ ولم يظهر له بالاجتهاد شئ لَزِمَهُ
أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَيَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى عُرْيَانًا وَمَعَهُ ثَوْبٌ طَاهِرٌ وَعُذْرُهُ نَادِرٌ غَيْرُ مُتَّصِلٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ قَوْلٌ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَحَدِهِمَا وَهُوَ الْقَوْلُ الضَّعِيفُ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا سَبَقَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا نَجِسًا صَلَّى فِيهِ وَأَعَادَ لِئَلَّا يَكْشِفَ عَوْرَتَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ غَرِيبٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَيَانِ أَنَّهُ يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً وَلَا إعَادَةَ حينئذ وهذا ليس بشئ لِأَنَّهُ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ بِيَقِينٍ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يُصَلِّي عُرْيَانًا وَيُعِيدُ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ
مَعَهُ مَاءٌ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا فَإِنْ كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ غَسْلُ أَحَدِهِمَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْغَسْلُ لِأَنَّ الثَّوْبَ الَّذِي يُرِيدُ غَسْلَهُ لَا يَتَيَقَّنُ نَجَاسَتَهُ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُ غسل مالا يَعْلَمُ نَجَاسَتَهُ وَهَذَا خَيَالٌ عَجِيبٌ وَخَطَأٌ ظَاهِرٌ وَإِنَّمَا أَذْكُرُ مِثْلَهُ لِأُبَيِّنَ بُطْلَانَهُ وَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فِي جَوَابِ هَذَا إنَّمَا يَجِبُ غَسْلُ النَّجِسِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الصَّلَاةُ إلَّا بِغَسْلِهِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا: (الثَّالِثَةُ) إذَا أَدَّى اجْتِهَادُهُ إلَى طَهَارَةِ أَحَدِهِمَا فَغَسَلَ الْآخَرَ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ عَلَى الِانْفِرَادِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا إلَّا وَجْهًا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الَّذِي لَمْ يَغْسِلْهُ وَهَذَا لَيْسَ بشئ فَلَوْ لَبِسَهُمَا مَعًا وَصَلَّى فَفِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي أَحَدِ كُمَّيْنِ وَاشْتَبَهَ فَفِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ فَلَوْ فَصَلَ أَحَدَهُمَا جَازَ الِاجْتِهَادُ فِيهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمَا عَيْنَانِ مُتَمَيِّزَتَانِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ نُجِّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ أَوْ أَحَدُ أَصَابِعِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَغَسَلَ مَا ظَنَّ نَجَاسَتَهُ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ غسل أحد كميه بالاجتهاد ثم فصله عَنْ الثَّوْبِ فَجَوَازُ الصَّلَاةِ فِيمَا لَمْ يَغْسِلْهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ ثِقَةٌ بِأَنَّ النَّجِسَ هُوَ هَذَا الْكُمُّ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَقْبَلُ قَوْلَهُ
وَيَغْسِلُهُ وَحْدَهُ وَيُصَلِّي فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الِاجْتِهَادِ فِيهِمَا إنْ جَوَّزْنَاهُ قَبْلَ قَوْلِهِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ النَّجَاسَةَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ زَوَالَهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَلِفَ أَحَدُ الثَّوْبَيْنِ الْمُشْتَبَهِينَ قَبْلَ الِاجْتِهَادِ فَفِي جَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الْآخَرِ وَجْهَانِ
كَنَظِيرِهِ فِي الْإِنَاءَيْنِ إذَا تَلِفَ أَحَدُهُمَا حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ وَلَوْ غَسَلَ أَحَدَ الْمُشْتَبَهِينَ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ فَلَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَهَلْ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْآخَرِ قَالَ الْمُتَوَلِّي فِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ لِأَنَّ الْمَغْسُولَ أُسْقِطَ فِيهِ الِاجْتِهَادُ فَصَارَ كَالتَّالِفِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اشْتَبَهَ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِثَوْبٍ نَجِسٍ فَلَمْ يَجْتَهِدْ بَلْ صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً تِلْكَ الصلاد قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ كَمَا لَوْ تَرَكَ الِاجْتِهَادَ فِي الْقِبْلَةِ وَصَلَّى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي كُلِّ ثَوْبٍ مَرَّةً كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ صَلَاتَيْنِ يَلْزَمُهُ فِعْلُهُمَا دَلِيلُنَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِلصَّلَاةِ فَأَشْبَهَ الْقِبْلَةَ وَيُخَالِفُ مَسْأَلَةَ النَّاسِي مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الِاشْتِبَاهَ هُنَاكَ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ اليقين بأن يصليهما والفرص هُنَا مُتَعَيَّنٌ وَالِاشْتِبَاهُ فِي شَرْطٍ فَأَشْبَهَ الْقِبْلَةَ الثَّانِي أَنَّ هُنَاكَ لَا يُؤَدِّي إلَى ارْتِكَابِ حَرَامٍ بَلْ غَايَتُهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً لَيْسَتْ عَلَيْهِ فَتَقَعُ نَافِلَةً وَهُنَا
يُؤَدِّي إلَيْهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَعَ النَّجَاسَةِ حَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ظَنَّ بِالِاجْتِهَادِ طَهَارَةَ ثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ أَوْ أَثْوَابٍ وَصَلَّى فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ أُخْرَى هَلْ يُجَدِّدُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يُجَدِّدُهُ كَمَا يُجَدِّدُهُ فِي الْقِبْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ وَأَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يُجَدِّدُهُ قَالَ وَيُخَالِفُ الْقِبْلَةَ فَإِنَّهَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَوَاضِعِ وَيَخْتَلِفُ إدْرَاكُهَا بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ فَلَوْ اجْتَهَدَ وَقُلْنَا الِاجْتِهَادُ وَاجِبٌ أَوْ غَيْرُ وَاجِبٍ فَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ اجْتِهَادُهُ أَوْ ظَهَرَ لَهُ طَهَارَةُ الَّذِي كَانَ يَظُنُّ طهارته أو لا صَلَّى فِيهِ وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَظَهَرَ لَهُ طَهَارَةُ الْآخَرِ لَمْ تَلْزَمْهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ الْأُولَى بِلَا خِلَافٍ وَكَيْفَ يُصَلِّي الْآنَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الْحَاوِي وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالتَّتِمَّةِ وَغَيْرِهَا أَصَحُّهُمَا وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي ظَهَرَ لَهُ الْآنَ أَنَّهُ الطَّاهِرُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي الْقِبْلَةِ يُصَلِّي إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَانِي لِأَنَّهُ فِي الْأَوَانِي إنْ تَوَضَّأَ بِالثَّانِي وَلَمْ يَغْسِلْ مَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَوَّلِ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ قَطْعًا وَإِنْ ألزمناه بغسله نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا ممتتع وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَاحِدٍ مِنْ
الثَّوْبَيْنِ بَلْ يُصَلِّي عُرْيَانًا وتلزمه الاعادة كمسألة الاواني وهذا ضعيف والصحيع الْأَوَّلُ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الصَّلَاةِ بِنَجَاسَةٍ أَوْ نَقْضِ اجْتِهَادٍ بِاجْتِهَادٍ: أَمَّا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الَّذِي صَلَّى فِيهِ أَوَّلًا كَانَ نَجِسًا وَتَيَقَّنَ أَنَّ الثَّانِيَ طَاهِرٌ فَيُصَلِّي فِي الثَّانِي وَفِي وُجُوبِ إعَادَةِ الصَّلَاةِ الْأُولَى طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الدَّارِمِيُّ أَحَدُهُمَا الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ كَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا عَلَى طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كان عليه ثوب طاهر وطرفه موضوع علي نجاسة كالعمامة علي رأسه وطرفها علي أرض نجسة لم تجز صلاته لانه حامل لما هو متصل بنجاسة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ تحرك الطرف الذي يلاقى النجاسة بحركته في قيامه وَقُعُودِهِ وَرُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ أَمْ لَمْ يَتَحَرَّكْ هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى طَرَفِ عِمَامَتِهِ إنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّجَاسَةِ أَنْ لَا يَكُونَ ثَوْبُهُ الْمَنْسُوبُ إلَيْهِ مُلَاقِيًا لِنَجَاسَةٍ وَهَذِهِ الْعِمَامَةُ مُلَاقِيَةٌ وَأَمَّا السُّجُودُ فَالْمَأْمُورُ بِهِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى قَرَارٍ وَإِنَّمَا تَخْرُجُ الْعِمَامَةُ عن كونها قرارا بالحركة بحركة فَإِذَا لَمْ تَتَحَرَّكْ فَهِيَ فِي مَعْنَى الْقَرَارِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ان تحركت بحركته لم تصح والا فتصح * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ كَانَ فِي وَسَطِهِ حَبْلٌ مَشْدُودٌ إلَى كَلْبٍ صَغِيرٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكَلْبِ لِأَنَّهُ إذَا مَشَى انْجَرَّ مَعَهُ وَإِنْ كَانَ مَشْدُودًا إلَى كَلْبٍ كَبِيرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالْعِمَامَةِ عَلَى رَأْسِهِ وطرفها علي نجاسة والثانى تصح لان لِلْكَلْبِ اخْتِيَارًا وَإِنْ كَانَ الْحَبْلُ مَشْدُودًا إلَى سَفِينَةٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ وَالشَّدُّ فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْ السَّفِينَةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّفِينَةُ صَغِيرَةً لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَالْحَبْلُ
مَشْدُودٌ إلَى بَابِ دَارٍ فيها حش)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسَائِلُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرَ وَدَلَائِلُهَا وَاضِحَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ إنْ شَدَّهُ إلَى كَلْبٍ صَغِيرٍ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى كَلْبٍ كَبِيرٍ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى سَفِينَةٍ صَغِيرَةٍ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى كَبِيرَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ شَدَّهُ إلَى بَابِ دَارٍ فِيهَا حَشٌّ وَهُوَ الْخَلَاءُ صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَدَّهُ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ مِنْ السَّفِينَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً هَذِهِ طَرِيقَةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْأَكْثَرِينَ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ وَأَمَّا طَرِيقَةُ
الْخُرَاسَانِيِّينَ فَمُضْطَرِبَةٌ وَقَدْ لَخَصَّهَا الرَّافِعِيُّ وَمُخْتَصَرُهَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ طَرَفَ حَبْلٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ شَدَّهُ فِي يَدِهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ وَسَطِهِ وَطَرَفُهُ الْآخَرُ نَجِسٌ أَوْ مُتَّصِلٌ بِنَجَاسَةٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ الطَّرَفُ نَجِسًا أَوْ مُتَّصِلًا بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ بِأَنْ كَانَ فِي عُنُقِ كَلْبٍ بَطَلَتْ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا بِطَاهِرٍ وَذَلِكَ الطَّاهِرُ مُتَّصِلًا بِنَجَاسَةٍ بِأَنْ شَدَّ فِي سَاجُورٍ أَوْ خِرْقَةٍ وَهُمَا فِي عُنُقِ كَلْبٍ أَوْ شَدَّهُ فِي عُنُقِ حِمَارٍ عَلَيْهِ حِمْلٌ نَجِسٌ لَمْ تَبْطُلْ وَالْأَوْجُهُ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ تَحَرَّكَ الطَّرَفُ بِحَرَكَتِهِ أَمْ لَا كَذَا قَالَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ إمَامُ الحرمين والغزالي ومن تابعهما بالبطلان إذا تحركم وَخَصُّوا الْخِلَافَ بِغَيْرِ الْمُتَحَرِّكِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْبُطْلَانِ فِي صُورَةِ الشَّدِّ وَخَصَّ الْخِلَافَ بِصُورَةِ الْقَبْضِ بِالْيَدِ وَاتَّفَقَتْ طُرُقُ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ جَعَلَ طَرَفَ الْحَبْلِ تَحْتَ رِجْلِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ دَارٌ فِيهَا حَشٌّ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْفَتْحُ أَشْهُرُ وَهُوَ الْخَلَاءُ وَأَصْلُهُ الْبُسْتَانُ وَكَانُوا يَقْضُونَ الْحَاجَةَ فِيهِ فَسُمِّيَ مَوْضِعَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ حَشًّا كَالْغَائِطِ وَالْعُذْرَةِ فَإِنَّ الْغَائِطَ فِي الاصل المكان المطمئن والعذرة فناء الدار
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمَلَ أُمَامَةَ
بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ فِي صَلَاتِهِ وَلِأَنَّ مَا فِي الْحَيَوَانِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي مَعْدِنِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ كَالنَّجَاسَةِ الَّتِي فِي جَوْفِ الْمُصَلِّي وَإِنْ حَمَلَ قَارُورَةً فِيهَا نَجَاسَةٌ وَقَدْ سَدَّ رَأْسَهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَخْرُجُ مِنْهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ حَمَلَ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا فِي غَيْرِ مَعْدِنِهَا فَأَشْبَهَ إذَا حَمَلَ النَّجَاسَةَ فِي كمه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أُمَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهِيَ أُمَامَةُ بِنْتُ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ مِهْشَمٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَقِيلَ لَقِيطٌ وَقِيلَ يَاسِرٌ وَقِيلَ الْقَاسِمُ بْنُ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيَّةُ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّهَا تَزَوَّجَهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَعْدَ وَفَاةِ فَاطِمَةَ وَكَانَتْ فَاطِمَةُ أَوْصَتْهُ بِذَلِكَ رضي الله عنهم (أَمَّا) حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا حَمَلَ حَيَوَانًا طَاهِرًا لَا نَجَاسَةَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ حَمَلَ حَيَوَانًا مَذْبُوحًا بَعْدَ غَسْلِ مَوْضِعِ الدَّمِ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ وَجْهٌ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّ فِي بَاطِنِهِ نَجَاسَةٌ لَا حَاجَةَ إلَى اسْتِصْحَابِهَا بِخِلَافِ الْحَيِّ وَلَوْ تَنَجَّسَ مَنْفَذُ الْحَيَوَانِ الْحَيِّ كَطَائِرٍ وَنَحْوِهِ فَحَمَلَهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الصِّحَّةُ وَيُعْفَى عَنْهُ كَالْبَاقِي عَلَى مَحَلِّ نَجْوِ الْمُصَلِّي وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْأَصَحُّ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى احْتِمَالِهَا وَلَوْ وَقَعَ هَذَا الْحَيَوَانُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ أَوْ مَائِعٍ لَمْ يُنَجِّسْهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْمِيَاهِ وَلَوْ حَمَلَ بيضة صار باطنها دما وظاهرها ظاهرا أَوْ حَمَلَ عُنْقُودًا صَارَ بَاطِنُ حَبَّاتِهِ خَمْرًا وَلَا رَشْحَ عَلَى ظَاهِرِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ اسْتِتَارٍ خَلْقِيٍّ.
أَمَّا إذَا حَمَلَ قَارُورَةً مُصَمَّمَةَ الرَّأْسِ بِرَصَاصٍ أَوْ نَحْوِهِ وَفِيهَا نَجَاسَةٌ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ وَدَلِيلُهُمَا مَذْكُورٌ فِي الْكِتَابِ وَالْقَائِلُ بِالصِّحَّةِ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ رَأْسُهَا مَسْدُودًا بِخِرْقَةٍ لَمْ تَصِحَّ
صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ بِشَمْعٍ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا كَالْخِرْقَةِ وَالثَّانِي كَالرَّصَاصِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ
الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَسْدُودَةَ بِخِرْقَةٍ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهَا وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فَلْيُحْمَلْ كَلَامُهُ عَلَى الْمُصَمَّمَةِ بِرَصَاصٍ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الرَّصَاصِ لبوافق الْأَصْحَابَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ حَمَلَ الْمُصَلِّي مُسْتَجْمِرًا بِالْأَحْجَارِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ وَحَدِيثُ أُمَامَةَ رضي الله عنها مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ قَدْ نَجَيَتْ بِالْمَاءِ وَلَوْ حَمَلَ مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَنْ اسْتَنْجَى بِالْأَحْجَارِ وَعَرِقَ مَوْضِعُ النَّجْوِ فَتَلَوَّثَ به غيره ففى صحة صلاته وجهان لكن الْأَصَحَّ هُنَا الصِّحَّةُ لِعُسْرِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ بِخِلَافِ حمل غَيْرِهِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (طهارة الموضع الذى يصلي فيه شرط في صحة الصلاة لِمَا رَوَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَبْعَةُ مواطن لا تجوز فيها الصلاة المجزرة والمزبلة والمقبرة ومعاطن الابل والحمام وقارعة الطريق وفوق بيت الله العتيق "
* فذكر المجزرة والمزبلة وانما منع الصلاة فيها للنجاسة فدل على أن طهارة الموضع الذي يصلى فيه شرط)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه هَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ لَا مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عُمَرَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ الْقَوِيِّ وكذا ضعفه غيره والمجزرة بفتح الميم ولزاى مَوْضِعُ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ وَالْمَزْبَلَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَجْوَدُ وَالْمَقْبَرَةُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا وَمَعَاطِنُ الْإِبِلِ وَاحِدُهَا مَعْطِنٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَيُقَالُ فِيهَا عَطَنٌ وَجَمْعُهُ أَعْطَانٍ وَسَنُوضِحُ تَفْسِيرَهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْبَيْتُ الْعَتِيقُ هُوَ الْكَعْبَةُ زَادَهَا اللَّهُ شَرَفًا سُمِّيَ عَتِيقًا لِعِتْقِهِ مِنْ الْجَبَابِرَةِ فَلَمْ يسلطوا اعلي انْتِهَاكِهِ وَلَمْ يَتَمَلَّكْهُ أَحَدٌ مِنْ الْخَلْقِ كَذَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَقِيلَ عَتِيقٌ أَيْ مُتَقَدِّمٌ وَقِيلَ كَرِيمٌ من قولهم فرس عتيق: واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَطَهَارَةُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُلَاقِيهِ فِي قيامه وقعوده
وَسُجُودِهِ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ سَوَاءٌ مَا تَحْتَهُ وَمَا فَوْقَهُ مِنْ سَقْفٍ وَمَا بِجَنْبَيْهِ من حائط وغيره فلو ماس
في شئ مِنْ صَلَاتِهِ سَقْفًا نَجِسًا أَوْ حَائِطًا أَوْ غَيْرِهِ بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَدَلِيلُهُ مَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ هُنَا فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ حَدِيثُ بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ وَقَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (فَإِنْ صَلَّى عَلَى بِسَاطٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ معفو عنها فان صَلَّى عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُلَاقٍ لِلنَّجَاسَةِ وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلَاقٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا حَامِلٍ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ طاهرة وفى موضع منها نجاسة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا كَانَ عَلَى الْبِسَاطِ أَوْ الْحَصِيرِ وَنَحْوِهِمَا نَجَاسَةٌ فَصَلَّى عَلَى الْمَوْضِعِ النَّجِسِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَلَّى عَلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ تَحَرَّكَ الْبِسَاطُ بِتَحَرُّكِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ غَيْرُ حَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ لِلنَّجَاسَةِ وَهَكَذَا لَوْ صَلَّى عَلَى سَرِيرٍ قَوَائِمُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَحَرَّكَ بِحَرَكَتِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا تَحَرَّكَ الْبِسَاطُ أَوْ السَّرِيرُ بِحَرَكَتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا عِنْدَهُ طَرَفُ الْعِمَامَةِ الَّذِي يُلَاقِي النَّجَاسَةَ وَلَوْ كَانَ مَا يُلَاقِي بَدَنَهُ وَثِيَابَهُ طَاهِرًا وَمَا يُحَاذِي صَدْرَهُ أَوْ بَطْنَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ فِي سُجُودِهِ أَوْ غَيْرِهِ نَجِسًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَلَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجَاسَةِ ثَوْبًا مُهَلْهَلَ النَّسْجِ وَصَلَّى عَلَيْهِ فَإِنْ حَصَلَتْ مُمَاسَّةُ النَّجَاسَةِ مِنْ الْفَرْجِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لم تحصل حصلت المحاذاة فعلي الوجهين الاصح لا تبطل * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ صَلَّى عَلَى أَرْضٍ فِيهَا نَجَاسَةٌ فَإِنْ عرف موضعها تجنيها وَصَلَّى فِي غَيْرِهَا وَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهَا شَيْئًا وَصَلَّى عَلَيْهِ جَازَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُبَاشِرٍ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا حَامِلٍ لِمَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِالنَّجَاسَةِ وَإِنْ خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ فَإِنْ كَانَتْ فِي أرض واسعة فصلي في موضع منها جاز لان الْأَصْلَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي بَيْتٍ وَخَفِيَ مَوْضِعُهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ فيه حي يَغْسِلَهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُصَلِّي فِيهِ حيث شاء كالصحراء وليس بشئ لِأَنَّ الصَّحْرَاءَ لَا يُمْكِنُ حِفْظُهَا مِنْ النَّجَاسَةِ وَلَا يُمْكِنُ غَسْلُ
جَمِيعِهَا وَالْبَيْتُ يُمْكِنُ حِفْظُهُ من النجاسة وغسله)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ نَجَاسَةٌ فِي بَيْتٍ أَوْ صَحْرَاءَ تَنَحَّى عَنْهَا وَصَلَّى فِي مَوْضِعٍ لَا يُلَاقِي النَّجَاسَةَ فَإِنْ فَرَشَ عَلَيْهَا شَيْئًا بِحَيْثُ لا يلاقيه منها شئ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الثَّوْبُ مُهَلْهَلَ النَّسْجِ فَقَدْ سَبَقَ حُكْمُهُ قَرِيبًا (الثَّانِيَةُ) إذَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْضٍ إنْ كَانَتْ وَاسِعَةً صَلَّى فِي مَوْضِعٍ مِنْهَا بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى مَوْضِعٍ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ كَمَا لَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ مَسَاجِدِ الْبَلَدِ يُبَالُ فِيهِ وَجَهِلَهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَيُّهَا شَاءَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَتَحَرَّى فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ يَجِبُ الِاجْتِهَادُ فَهُوَ شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ فِي بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ لَا هُجُومًا وَلَا بِاجْتِهَادٍ حَتَّى يَغْسِلَهُ أَوْ يبسط عليه شيئا والثاني له انه يُصَلِّيَ فِيهِ حَيْثُ شَاءَ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وهذا الثاني ليس بشئ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ وَشَيْخَهُ الْقَاضِي أَبَا الطَّيِّبِ وَابْنَ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيَّ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ عَلَى هَذَا الثَّانِي يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ مِنْهُ بِلَا اجْتِهَادٍ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَلَى هَذَا الثَّانِي يَجْتَهِدُ فِيهِ وَهَذَا أَصَحُّ (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي احد بيتين تجرى كَالثَّوْبَيْنِ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى مَوْضِعٍ ثَالِثٍ أَوْ شئ يَبْسُطُهُ أَوْ مَاءٍ يَغْسِلُ بِهِ أَحَدَهُمَا فَفِي جواز
الِاجْتِهَادِ الْوَجْهَانِ فِي الْأَوَانِي وَالثَّوْبِ الثَّالِثُ أَصَحُّهُمَا الجواز وممن ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ صَاحِبُ الْبَيَانِ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَفِيَ عَلَيْهِ مَوْضِعُ النَّجَاسَةِ مِنْ أَرْضٍ كَبِيرَةٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ بِسَاطٍ وَجَوَّزْنَا الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَوَاتٍ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ مِنْهُ وله أن يصلى في مواضع حَتَّى يَبْقَى مَوْضِعٌ بِقَدْرِ النَّجَاسَةِ فَلَا تَصِحُّ بَعْدَ ذَلِكَ صَلَاتُهُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ كَمَسْأَلَةِ مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ تَمْرَةً فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ كَثِيرٍ يَأْكُلهُ إلَّا تَمْرَةً هَكَذَا ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي وَقَدْ سَبَقَ فِي الْأَوَانِي أَنَّهُ لَوْ اشْتَبَهَ إنَاءٌ بِأَوَانٍ غَيْرِ مَحْصُورَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْ وَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى يَبْقَى وَاحِدٌ فِي وَجْهٍ وَفِي وَجْهٍ حَتَّى يَبْقَى عَدَدٌ لَوْ كَانَ الِاشْتِبَاهُ فِيهِ ابْتِدَاءً لَمْ يَجُزْ الهجوم فيحتمل أن يجئ الوجهان ويمكن الفرق * قال المصنف رحمه الله
** (وان حبس في حش ولم يقدر أن يتجنب النجاسة في قعوده وسجوده تجافى عن النجاسة وتجنبها في قعوده وأومأ إلى السجود إلى الحد الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَلَا يسجد على الارض لان الصلاة قد تجزى مع الايماء ولا تجزى مع النجاسة وإذا قدر فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لانه صلي علي حسب حاله فهو كالمريض وقال في الاملاء يعيد لانه ترك الفرض لعذر نادر غير متصل فلم يسقط الفرض عنه كما لو ترك السجود ناسيا وإذا أعاد ففى الفرض أقوال قال في الام الفرض هو الثاني لان الفرض به يسقط وقال في القديم الفرض هو الاول لان الاعادة مستحبة غير واجبة في القديم وقال في الاملاء الجميع فرض لان الجميع يجب فعله فكان الجميع فرضا وخرج أبو إسحق قولا رابعا ان الله تعالي يحتسب له بأيهما شاء قياسا علي ما قال في القديم فيمن صلى الظهر ثم سعى الي الجمعة فصلاها ان الله تعالى يحتسب له بما شاء)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْحَشَّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا هُوَ الْخَلَاءُ فَإِذَا حُبِسَ إنْسَانٌ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ لَا يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بشئ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقِيَاسًا عَلَى الْمَرِيضِ الْعَاجِزِ عَنْ بَعْضِ الْأَرْكَانِ وَإِذَا صَلَّى يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَجَافَى عَنْ النَّجَاسَةِ بِيَدَيْهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَغَيْرِهِمَا الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ وَيَجِبُ أَنْ يَنْحَنِيَ لِلسُّجُودِ إلَى الْقَدْرِ الَّذِي لَوْ زَادَ عَلَيْهِ لَاقَى النَّجَاسَةَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يصع جبهته على الارض وليس بشئ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِذَا صَلَّى كَمَا أَمَرْنَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ إذَا خَرَجَ إلَى مَوْضِعٍ طَاهِرٍ وَهَذِهِ الْإِعَادَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحِّ وَمُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْقَدِيمِ فَإِذَا أَعَادَ فَهَلْ الْفَرْضُ الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةُ أَمْ كِلَاهُمَا أو احداهما مُبْهَمَةٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أصحهما عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْفَرْضَ الثَّانِيَةُ وَادَّعَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ أَنَّ الْفَرْضَ كِلَاهُمَا وَهُوَ قَوِيٌّ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَنَظَائِرِهَا فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَذَكَرْنَا فِي آخِرِ التَّيَمُّمِ فَرْعًا جَامِعًا لِلصَّلَوَاتِ
الْمَفْعُولَاتِ عَلَى نَوْعِ خَلَلٍ وَمَا يَجِبُ قَضَاؤُهُ مِنْهَا وَمَا لَا يَجِبُ وَاسْتَوْفَيْنَاهُ اسْتِيفَاءً بَلِيغًا ولله الحمد وقوله لان الصلاة قد تجزى مع الايماء انما قال قد تجزى لانها في بعض المواضع تجزى كَصَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَصَلَاةِ الْمَرِيضِ وَفِي بَعْضِهَا لَا تُجْزِي كَصَلَاةِ مَنْ رُبِطَ عَلَى خَشَبَةٍ ونحوه وقد سبن بيانه في باب التيمم * قال المصنف رحمه الله
*
* (إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ ثُمَّ رَأَى عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ أَوْ مَوْضِعِ صَلَاتِهِ نَجَاسَةً غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهَا نُظِرَتْ فَإِنْ جَوَّزَ أَنْ تَكُونَ حَدَثَتْ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَلَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بِالشَّكِّ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ وَصَلَّى ثُمَّ وَجَدَ فِي الْبِئْرِ فَأْرَةً وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ عَلِمَ بِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ فَرَّطَ فِي تَرْكِهَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يُعِيدُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه سلم " خلع نعله في الصلاة فخلع الناس نعالهم فقال مالكم خلعتم نعالكم قالوا رأيناك خلعت نعلك فخلعنا نعلنا فقال أتانى جبريل فأخبرني ان فيها قَذَرًا أَوْ قَالَ دَمَ حَلَمَةٍ " فَلَوْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ لَاسْتَأْنَفَ الْإِحْرَامَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ وَاجِبَةٌ فَلَا تَسْقُطُ بالجهل كالوضوء)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ وَذَكَرْنَا لَفْظُهُ هُنَاكَ وَالْحَلَمَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ الْقُرَادُ الْعَظِيمُ وَالْجَمَاعَةُ حَلَمٌ كَقَصَبَةِ وَقَصَبٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْفَوَائِدِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ان الصلاة في النعل الطهارة جَائِزَةٌ وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْمَشْيُ فِي الْمَسْجِدِ بِالنَّعْلِ وَأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ فِي الصَّلَاةِ جَائِزٌ وَأَنَّ أَفْعَالَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُقْتَدَى بِهَا كَأَقْوَالِهِ وَأَنَّ الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا يجوز سواء كان لمصلحتها أو لغيرها ولولا ذَلِكَ لَسَأَلَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ نَزْعِهِمْ وَلَمْ يُؤَخِّرْ سُؤَالَهُمْ: وَقَوْلُهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ وَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ دُونَ قُلَّتَيْنِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ ثُمَّ يَجِدُ فِيهِ فَأْرَةً مَيِّتَةً يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهِ حَالَ الْوُضُوءِ وَيُحْتَمَلُ حُدُوثُهَا بَعْدَهُ وَمَنْ قَالَ بِالْجَدِيدِ أجاب عن الحديث بأن المراد بالقذر الشئ الْمُسْتَقْذَرُ كَالْمُخَاطِ وَنَحْوِهِ وَبِدَمِ الْحَلَمَةِ إنْ ثَبَتَ الشئ الْيَسِيرُ الْمَعْفُوُّ
عَنْهُ وَإِنَّمَا خَلَعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَنَزُّهًا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ رَأَى عَلَيْهِ نَجَاسَةً يَجُوزُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ وَيَجُوزُ أَنَّهَا حَدَثَتْ بَعْدَهَا فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا احْتِيَاطًا وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَقَوْلَانِ الْجَدِيدُ الْأَصَحُّ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَ عَلِمَهَا ثُمَّ نَسِيَهَا فَطَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ تَجِبُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَفْرِيطِهِ وَالثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ كَالْجَاهِلِ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الْإِعَادَةَ وَجَبَ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ وُجُودُ النَّجَاسَةِ فِيهَا وَلَا يَجِبُ مَا شَكَّ فِيهِ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَلَوْ رَأَى النَّجَاسَةَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ إذَا رَآهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَزَالَهَا وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَإِلَّا بَطَلَتْ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا رَأَى فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً لَمْ يَعْلَمْ مَتَى أَصَابَتْهُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ كُلَّ صَلَاةٍ تَيَقَّنَ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ ما يشك كَمَا لَوْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهَا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ كُلَّ صَلَاةٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ فِيهَا وَهَذَا كَمَا سَبَقَ فِيمَنْ رَأَى الْمَنِيَّ في ثوبه
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا: ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُجَاهِدٍ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ واسحق وأبو ثَوْرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ رَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَهُوَ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ وهو المختار * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَلَا يُصَلِّي فِي مَقْبَرَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ " فَإِنْ صَلَّى فِي مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ فِيهَا النَّبْشُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ قَدْ اخْتَلَطَ بِالْأَرْضِ صَدِيدُ الْمَوْتَى وَإِنْ كَانَتْ جَدِيدَةً لَمْ تُنْبَشْ كُرِهَتْ صَلَاتُهُ فِيهَا لِأَنَّهَا مَدْفَنُ النَّجَاسَةِ وَالصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ لِأَنَّ الَّذِي بَاشَرَ بِالصَّلَاةِ طَاهِرٌ وَإِنْ شَكَّ هَلْ نُبِشَتْ أَمْ لَا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْفَرْضِ فِي ذِمَّتِهِ وَهُوَ يَشُكُّ فِي إسْقَاطِهِ وَالْفَرْضُ لَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ وَالثَّانِي تَصِحُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الْأَرْضِ فَلَا يحكم بنجاستها بالشك)
*
** (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ مُضْطَرِبٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَسَانِيدُهُ صَحِيحَةٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا نَزَلَ بِهِ أَيْ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ: يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ نَحْوُهُ عن ابى هريرة ايضا وعن جندب ابن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِخَمْسٍ يَقُولُ " إنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ كَانُوا يَتَّخِذُونَ قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ وَصَالِحِيهِمْ مَسَاجِدَ أَلَا فَلَا تَتَّخِذُوا الْقُبُورَ مَسَاجِدَ إنِّي أَنْهَاكُمْ عَنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مَرْثَدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " لا تجلسوا على القبول وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْمَقْبَرَةَ مَنْبُوشَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يبسط تحته شئ وَإِنْ تَحَقَّقَ عَدَمُ نَبْشِهَا صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِنْ شَكَّ فِي نَبْشِهَا فَقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَالثَّانِي لَا تَصِحُّ هَكَذَا ذَكَرَ الْجُمْهُورُ الْخِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ قَوْلَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا قَوْلَيْنِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمُعْظَمُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ مِنْهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ فِي الْحَاوِي الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ هُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِالْبُطْلَانِ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ وَالصَّوَابُ طَرِيقَةُ مَنْ قَالَ قَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ في الام تصح وقال في الاملاء لا يصح وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ الصِّحَّةُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى الْقَبْرِ هَكَذَا قَالُوا يُكْرَهُ وَلَوْ قِيلَ يَحْرُمُ لِحَدِيثِ أَبِي مَرْثَدٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَبْعُدْ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عِنْدَ رَأْسِ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتَوَجِّهًا إلَيْهِ فَحَرَامٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا فِيهَا وَأَنَّهَا ثَلَاثَةُ اقسام قال ابن المندر رَوَيْنَا عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الصَّلَاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ ولم يكرها
أبو هريرة وواتلة بْنُ الْأَسْقَعِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ أَشْهُرُهُمَا لَا يُكْرَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهَا وَقَالَ أَحْمَدُ الصَّلَاةُ فِيهَا حَرَامٌ وَفِي صِحَّتِهَا رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَحَقَّقَ طَهَارَتُهَا وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ دَاوُد أَنَّهُ قَالَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَإِنْ تَحَقَّقَ نَبْشُهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَزْبَلَةٍ وَغَيْرِهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ فَوْقَ حَائِلٍ طَاهِرٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَقْبَرَةِ
* (فَرْعٌ)
تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الْكَنِيسَةِ وَالْبِيعَةِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمَالِكٍ رضي الله عنهم وَنَقَلَ التَّرْخِيصَ فِيهَا عَنْ أَبِي مُوسَى وَالْحَسَنِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعُمَرَ بن
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* (فَرْعٌ)
فِي نَبْشِ قُبُورِ الْكُفَّارِ لِطَلَبِ الْمَالِ الْمَدْفُونِ مَعَهُمْ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَجَازَهُ أَصْحَابُهُ قَالَ وَاخْتُلِفَ فِي عِلَّةِ كَرَاهَتِهِ فَقِيلَ مَخَافَةُ نُزُولِ عَذَابٍ عَلَيْهِمْ وَسُخْطٍ لِأَنَّهَا مَوَاضِعُ الْعَذَابِ وَالسُّخْطِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ دُخُولِ دِيَارِ الْمُعَذَّبِينَ وَهُمْ ثَمُودُ أَصْحَابُ الْحِجْرِ " خَشْيَةَ أَنْ يُصِيبَ الدَّاخِلَ مَا أَصَابَهُمْ قَالَ إلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَمَنْ دَخَلَهَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا فَهُوَ ضِدُّ ذَلِكَ وَقِيلَ مَخَافَةَ أَنْ يُصَادِفَ قَبْرَ نَبِيٍّ أَوْ صَالِحٍ بَيْنَهُمْ قَالَ وَحُجَّةُ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ نَبْشُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَبْرَ أَبِي رغال واستخراجهم منه قضيب الذهب لذى أَعْلَمهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مَدْفُونٌ مَعَهُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا جَوَازُ نَبْشِهِ إنْ كَانَ دَارِسًا أَوْ كَانَ جديدا وعلمنا ان فيه مالا لحربي
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يصلي في الحمام لحديث أبى سعيد واختلف اصحابنا لاى معنى منعت الصلاة فيه فمنهم من قال انما منع لانه تغسل فيه النجاسات فعلي هذا إذا صلي في موضع تحقق طهارته صحت صلاته وأن صلي في موضع تحقق نجاسته لم تصح وان شك فعلي قولين كالمقبرة ومنهم من قال انما منع لانه مأوى الشياطين لما يكشف فيه من العورات فعلي هذا تكره الصلاة فيه وان تحقق طهارته والصلاة صحيحة لان المنع لا يعود إلى الصلاة)
*
** (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ سَبَبَ النَّهْيِ كَوْنُهُ مَأْوَى الشَّيَاطِينِ فَتُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ وَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ فِي الْمَسْلَخِ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تُكْرَهُ وَالْحَمَّامُ مُذَكَّرٌ هَكَذَا نَقَلَهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ الْعَرَبِ يُقَالُ حَمَّامٌ مُبَارَكٌ وَجَمْعُهُ حَمَّامَاتٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْحَمِيمِ وَهُوَ الماء الحار * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَلَا تُكْرَهُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ الْمُزَنِيّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ " وَلِأَنَّ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ لَا يُمْكِنُ الْخُشُوعُ لِمَا يُخَافُ مِنْ نُفُورِهَا وَلَا يُخَافُ نُفُورُ الْغَنَمِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ هَكَذَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُغَفَّلٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَالَ نَعَمْ قَالَ أُصَلِّي فِي مَبَارِكِ الْإِبِلِ قَالَ لَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ وَلَا تُصَلُّوا فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْأَعْطَانُ فَهِيَ جَمْعُ عَطَنٍ وَاتَّفَقَ تَفْسِيرُ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَتَفْسِيرُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْعَطَنَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَقْرَبُ مَوْضِعَ شُرْبِ الْإِبِلِ تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ الشَّارِبَةُ لِيَشْرَبَ غَيْرُهَا ذَوْدًا ذَوْدًا فَإِذَا شَرِبَتْ كُلُّهَا وَاجْتَمَعَتْ فِيهِ سِيقَتْ إلَى الْمَرَاعِي قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الْعَطَنُ هو الْمَوْضِعُ الَّذِي تُنَحَّى إلَيْهِ الْإِبِلُ إذَا شَرِبَتْ الشَّرْبَةَ الْأُولَى فَتُتْرَكُ فِيهِ ثُمَّ يُمْلَأُ لَهَا الْحَوْضُ ثَانِيًا فَتَعُودُ مِنْ عَطَنِهَا إلَى الْحَوْضِ لِتُعَلَّ وَتَشْرَبَ الشَّرْبَةَ الثَّانِيَةَ وَهُوَ الْعَلَلُ قَالَ وَلَا تَعْطَنُ الْإِبِلُ عَنْ الْمَاءِ إلَّا فِي حَمَارَّةِ الْقَيْظِ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ قَالَ وَمَوْضِعُهَا الَّذِي تُتْرَكُ فِيهِ عَلَى الْمَاءِ يُسَمَّى عَطِنًا وَمَعْطِنًا وَقَدْ عَطِنَتْ تَعْطُنُ وَتَعْطِنُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَضَمِّهَا عُطُونًا.
وَأَمَّا مُرَاحُ الْغَنَمِ بِضَمِّ
الْمِيمِ هُوَ مَأْوَاهَا لَيْلًا هَكَذَا فَسَّرَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ مَأْوَاتُهَا فَإِذَا صَلَّى فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ أَوْ مُرَاحِ الْغَنَمِ وَمَاسَّ شَيْئًا مِنْ أَبْوَالِهَا أَوْ أَبِعَارِهَا أَوْ غَيْرِهَا مِنْ النجسات بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ بَسَطَ شَيْئًا طَاهِرًا وَصَلَّى عَلَيْهِ أَوْ صَلَّى فِي مَوْضِعٍ طَاهِرٍ مِنْهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَلَا تُكْرَهُ فِي مُرَاحِ الْغَنَمِ وَلَيْسَتْ الْكَرَاهَةُ بِسَبَبِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي نَجَاسَةِ الْبَوْلِ والبعر وانما سبب كراهة اعطان لابل ما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ مَا يُخَافُ مِنْ نِفَارِهَا بِخِلَافِ الْغَنَمِ فَإِنَّهَا ذَاتُ سَكِينَةٍ وَلِهَذَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا مِنْ نَبِيٍّ إلَّا رَعَى الْغَنَمَ " وَقَالَ فِي الْإِبِلِ " إنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ الشَّيَاطِينِ " قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لما فيها من النفار والشرور وَرُبَّمَا أَفْسَدَتْ عَلَى الْمُصَلِّي صَلَاتَهُ قَالَ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَارِدٍ شَيْطَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْغَنَمِ مِثْلُ عَطَنِ الْإِبِلِ فَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ عَطَنِ الْإِبِلِ وَأَمَّا مَأْوَى الْإِبِلِ لَيْلًا فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ أَيْضًا لَكِنْ أَخَفُّ من كراهة العطن * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اخرجوا
مِنْ هَذَا الْوَادِي فَإِنَّ فِيهِ شَيْطَانًا " فَلَمْ يصل فيه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الصَّلَاةُ فِي مَأْوَى الشَّيْطَانِ مَكْرُوهَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَذَلِكَ مِثْلُ مَوَاضِعِ الْخَمْرِ وَالْحَانَةِ وَمَوَاضِعِ الْمُكُوسِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْمَعَاصِي الْفَاحِشَةِ وَالْكَنَائِسِ وَالْبِيَعِ وَالْحُشُوشِ ونحو ذلك فان صلي في شئ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمَاسَّ نَجَاسَةً بِيَدِهِ وَلَا ثَوْبِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ صَحِيحٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " عَرَّسْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيَأْخُذْ كُلُّ رَجُلٍ بِرَأْسِ رَاحِلَتِهِ فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعٌ حَضَرَنَا فِيهِ الشَّيْطَانُ " وَذَكَرَ الْحَدِيث رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ: وَاعْلَمْ أَنَّ بُطُونَ الْأَوْدِيَةِ لَا تُكْرَهُ فِيهَا الصَّلَاةُ كَمَا لَا تُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَبَاطِلٌ أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَرِهَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الصَّلَاةَ فِي الْوَادِي الَّذِي نَامَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ لَا فِي كُلِّ وَادٍ وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي ذَلِكَ الْوَادِي أَيْضًا لِأَنَّا لَا نَتَحَقَّقُ
بَقَاءَ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُصَلِّيَ فِي مَوْضِعٍ حَضَرَهُ فِيهِ الشيطان لهذا الحديث
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَلَا يُصَلِّي فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ عُمَرَ رضى الله عنه " سبع مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَذَكَرَ قَارِعَةَ الطَّرِيقِ " وَلِأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّاسَ مِنْ الْمَمَرِّ وَيَنْقَطِعُ خُشُوعُهُ بِمَمَرِّ النَّاسِ فَإِنْ صَلَّى فِيهَا صَحَّتْ صلاته لان المنع لترك الخشوع أو لمنع النَّاسِ مِنْ الطَّرِيقِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ بُطْلَانَ الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه ضَعِيفٌ سبق بيانه وقارعة الطريق اعلاه قاله الْأَزْهَرِيُّ وَالْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ صَدْرُهُ وَقِيلَ مَا بَرَزَ مِنْهُ وَكُلُّهُ مُتَقَارِبٌ وَالطَّرِيقُ تُذَكَّرُ وَتُؤَنَّثُ وَالصَّلَاةُ فيها مكروهة
لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْعِلَّتَيْنِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ عِلَّةً ثَالِثَةً وَهِيَ غَلَبَةُ النَّجَاسَةِ فِيهَا قَالُوا وَعَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ فِي الْبَرَارِيِّ وَإِنْ قُلْنَا الْعِلَّةُ فَوَاتُ الْخُشُوعِ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْبَرَارِي إذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ طَارِقُونَ وَإِذَا صَلَّى فِي شَارِعٍ أَوْ طَرِيقٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ نَجَاسَتُهُ وَلَا يَتَيَقَّنُ فَفِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الْقَوْلَانِ السابقان في أبواب المياه في تعارض الاضل وَالظَّاهِرُ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فَإِنْ بَسَطَ عَلَيْهِ شَيْئًا طَاهِرًا صَحَّتْ وَبَقِيَتْ الْكَرَاهَةُ لِمُرُورِ النَّاسِ وَفَوَاتِ الخشوع والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لِأَنَّ اللُّبْثَ فِيهَا يَحْرُمُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لَا يَخْتَصُّ بالصلاة فلا يمنع صحتها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الصَّلَاةُ فِي الْأَرْضِ الْمَغْصُوبَةِ حَرَامٌ بِالْإِجْمَاعِ وَصَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَصْحَابِ الْأُصُولِ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْجُبَّائِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ بَاطِلَةٌ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ الْأُصُولِيُّونَ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُمْ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ لَيْسَتْ اجْتِهَادِيَّةً وَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ لِأَنَّ مَنْ صَحَّحَ الصَّلَاةَ أَخَذَهُ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ قَطْعِيٌّ وَمَنْ أَبْطَلَهَا أَخَذَهُ مِنْ التَّضَادِّ الَّذِي بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَالْمَعْصِيَةِ وَيَدَّعِي كَوْنَ ذَلِكَ مُحَالًا بِالْعَقْلِ فَالْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ وَمَنْ صَحَّحَهَا يَقُولُ هُوَ عَاصٍ مِنْ وَجْهٍ مُتَقَرِّبٌ
مِنْ وَجْهٍ وَلَا اسْتِحَالَةَ فِي ذَلِكَ إنَّمَا الِاسْتِحَالَةُ فِي أَنْ يَكُونَ مُتَقَرِّبًا مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عاص به وقال القاضى أبو بكر بن الباقلانى يسقط الفرض عند هذه الصلاة لَا بِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا صَلَّى وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ ثَوَابٌ أَمْ لَا فَفِي الْفَتَاوَى الَّتِي نَقَلَهَا الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنْ عَمِّهِ ابى نص بْنِ الصَّبَّاغِ صَاحِبِ الشَّامِلِ رحمه الله قَالَ الْمَحْفُوظُ مِنْ كَلَامِ أَصْحَابِنَا بِالْعِرَاقِ أَنَّ الصَّلَاةَ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ صَحِيحَةٌ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ وَلَا ثَوَابَ فِيهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو مَنْصُورٍ وَرَأَيْتُ أَصْحَابَنَا بِخُرَاسَانَ اخْتَلَفُوا مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَالَ وَذَكَرَ شَيْخُنَا يَعْنِي ابْنَ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ الْكَامِلِ إنَّا إذَا قُلْنَا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ يَحْصُلَ الثَّوَابُ فَيَكُونُ مُثَابًا عَلَى فِعْلِهِ عَاصِيًا بِمُقَامِهِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ إذَا صَحَّحْنَاهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ وَاللُّبُودِ وَالْبُسُطِ وَالطَّنَافِسِ وَجَمِيعِ الْأَمْتِعَةِ وَلَا يُكْرَهُ فِيهَا أَيْضًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ قَالَ وَقَالَتْ الشِّيعَةُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الصُّوفِ وَتَجُوزُ فيه لانه ليس ثابتا مِنْ الْأَرْضِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِي ثَوْبِ الْحَائِضِ وَالثَّوْبِ التي تُجَامَعُ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ قَالُوا وَتَجُوزُ فِي ثِيَابِ الصِّبْيَانِ وَالْكُفَّارِ وَالْقَصَّابِينَ وَمُدْمِنِي الْخَمْرِ وَغَيْرِهِمْ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ نَجَاسَتُهَا لَكِنَّ غَيْرَهَا أَوْلَى وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيَانُ خِلَافٍ ضَعِيفٍ فِي هَؤُلَاءِ (الثَّالِثَةُ) إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ نجاسة يابسة فنفضها ولم يبق شئ منها وصلي صحت صلاته بالاجماع
*
*
(باب ستر العورة)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ستر العورة واجب لقوله تعالى (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها اباءنا) قال ابن عباس كانوا يطوفون بالبيت عراة فهى فاحشة وروى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " لا تبرز فخذك ولا تنظر الي فخذ حي ولا ميت " فان اضطر الي الكشف للمداواة أو لختان
جاز ذلك لانه موضع ضرورة وهل يجب سترها في حال الخلوة فيه وجهان اصحهما يجب لحديث علي رضى الله عنه والثاني لا يجب لان المنع من الكشف للنظر وليس في الخلوة من ينظر فلم يجب الستر)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا التَّفْسِيرُ مَشْهُورٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضى الله عنهما ووافقه في غَيْرُهُ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْجِنَازَةِ ثُمَّ فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَقَالَ هَذَا الْحَدِيثُ فيه نكارة ويعنى عَنْهُ حَدِيثُ جَرْهَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ " غَطِّ فَخِذَكَ فَإِنَّ الْفَخِذَ مِنْ الْعَوْرَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْحَمَّامِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الِاسْتِئْذَانِ مِنْ ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَقَالَ فِي كُلِّ طَرِيقٍ مِنْهَا هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ فِي بَعْضِهَا حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَا أَرَى إسْنَادَهُ بِمُتَّصِلٍ وَعَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ رضي الله عنه قَالَ " أَقْبَلْتُ بِحَجَرٍ ثَقِيلٍ أَحْمِلُهُ وَعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ فَانْحَلَّ إزَارِي ومعي الحجر لم استطع أضعه حى بَلَغْتُ بِهِ إلَى مَوْضِعِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ارْجِعْ إلَى ثَوْبِكَ فخذه ولا تمثبوا عُرَاةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي مِنْهَا وَمَا نَذَرُ قَالَ " احْفَظْ عَوْرَتَكَ إلَّا مِنْ زَوْجَتِكَ أَوْ مَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ الْقَوْمُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ قَالَ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا يَرَيَنَّهَا أَحَدٌ فَلَا تَرَيَنَّهَا أَحَدًا قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إذَا كَانَ أَحَدُنَا خَالِيًا قَالَ اللَّهُ أَحَقُّ أن يستحى مِنْهُ مِنْ النَّاسِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ سُمِّيَتْ الْعَوْرَةَ لِقُبْحِ ظُهُورِهَا وَلِغَضِّ الْأَبْصَارِ عَنْهَا مَأْخُوذَةٌ مِنْ الْعَوَرِ وَهُوَ النَّقْصُ وَالْعَيْبُ وَالْقُبْحُ وَمِنْهُ عَوَرُ الْعَيْنِ وَالْكَلِمَةُ الْعَوْرَاءُ القبيحة
*
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَنْ الْعُيُونِ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ لِمَا سَبَقَ مَنْ الْأَدِلَّةِ وَأَصَحُّ الْوَجْهَيْنِ وُجُوبُهُ فِي الْخَلْوَةِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدِيثِ بَهْزٍ وَغَيْرِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَصْحِيحِهِ المصنف والبندنيجى فان احتاج إلى الشكف جَازَ أَنْ يَكْشِفَ قَدْرَ الْحَاجَةِ فَقَطْ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ اُضْطُرَّ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَاجَةِ لَا عَلَى حَقِيقَةِ الضَّرُورَةِ وَلَوْ قَالَ احْتَاجَ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ
أَصْوَبَ لِئَلَّا يُوهَمَ اشْتِرَاطُ الضَّرُورَةِ فَمِنْ الْحَاجَةِ حَالَةُ الِاغْتِسَالِ يَجُوزُ فِي الْخَلْوَةِ عَارِيًّا وَالْأَفْضَلُ التَّسَتُّرُ بِمِئْزَرٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَاضِحًا فِي بَابِ صفة الغسل والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (يَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ لِلصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صلاة حائض إلا بخمار " فان انكشف شئ من العورة مع القدرة لم تصح صلاته)
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سُمِّيَتْ حَائِضًا لِأَنَّهَا بَلَغَتْ سِنَّ الْحَيْضِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهَا وَيَقَعُ فِي كَثِيرٍ مِنْ كُتُبِ شُرُوحِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَائِضِ الَّتِي بَلَغَتْ سِنَّ الْمَحِيضِ وَهَذَا تَسَاهُلٌ لِأَنَّهَا قَدْ تَبْلُغُ سِنَّ الْمَحِيضِ وَلَا تَبْلُغُ الْبُلُوغَ الشَّرْعِيَّ ثُمَّ إنَّ التَّقْيِيدَ بِالْحَائِضِ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ وهو أن التى دون البلوغ لا ثصلى والا فلا يقبل صَلَاةُ الصَّبِيَّةِ الْمُمَيِّزَةِ إلَّا بِخِمَارٍ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَخْصُوصٌ بِالْحُرَّةِ وَإِلَّا فَالْأَمَةُ تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَسَتْرُ الْعَوْرَةِ شرط لصحة الصلاة فان انكشف شئ مِنْ عَوْرَةِ الْمُصَلِّي لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ أكثر المنكشف أم قَلَّ وَكَانَ أَدْنَى جُزْءٍ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَسَوَاءٌ الْمُصَلِّي فِي حَضْرَةِ النَّاسِ وَالْمُصَلِّي فِي الْخَلْوَةِ وَسَوَاءٌ صَلَاةُ النَّفْلِ وَالْفَرْضِ وَالْجِنَازَةِ وَالطَّوَافِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَلَوْ صَلَّى فِي سُتْرَةٍ ثُمَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ فِيهَا خَرْقٌ تَبِينُ مِنْهُ الْعَوْرَةُ وَجَبَتْ إعَادَةُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ كَانَ عَلِمَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ أَمْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهُ وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا أَوْ نَسِيَهَا فَإِنْ احْتَمَلَ حُدُوثَ الْخَرْقِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ فِي نَظِيرِهِ مِنْ النَّجَاسَةِ فِي آخِرِ بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ شَرْطٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ ظَهَرَ رُبُعُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ ظَهَرَ مِنْ السَّوْأَتَيْنِ قَدْرُ دِرْهَمٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ لَمْ تَبْطُلْ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ ظَهَرَ نِصْفُ الْعُضْوِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
وَإِنْ زَادَ لَمْ تَصِحَّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ فَإِنْ صَلَّى مَكْشُوفَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَ أَوْ سَهَا وَقَالَ أَكْثَرُ الْمَالِكِيَّةِ السُّتْرَةُ شَرْطٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَإِنْ عَجَزَ أَوْ نَسِيَ السَّتْرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ظَهَرَ شئ يَسِيرٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ الْعَوْرَةُ الْمُخَفَّفَةُ وَالْمُغَلَّظَةُ: دليلنا أنه ثبت وجوب التسر بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا ثَبَتَ السَّتْرُ اقْتَضَى جَمِيعَ الْعَوْرَةِ فَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُ الْبَعْضِ إلَّا بِدَلِيلٍ ظَاهِرٍ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَعَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَالسُّرَّةُ والركبة ليسا مِنْ الْعَوْرَةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هُمَا مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " عَوْرَةُ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ إلَى رُكْبَتِهِ " وَأَمَّا الْحُرَّةُ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ منها) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى الْمَرْأَةَ الْحَرَامَ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ " وَلَوْ كَانَ الْوَجْهُ وَالْكَفُّ عَوْرَةً لَمَا حَرَّمَ سَتْرَهُمَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى إبْرَازِ الْوَجْهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَإِلَى إبراز الكلف لِلْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ فَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ عَوْرَةً وَأَمَّا الامة ففيها وجهان أحدهما أن جيمع بَدَنِهَا عَوْرَةٌ إلَّا مَوَاضِعَ التَّقْلِيبِ وَهِيَ الرَّأْسُ وَالذِّرَاعُ لِأَنَّ ذَلِكَ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَمَا سِوَاهُ لَا تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى كَشْفِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ أَنَّ عَوْرَتَهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ " أَلَا لَا أَعْرِفَنَّ أَحَدًا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً فَيَنْظُرَ إلَى مَا فَوْقَ الرُّكْبَةِ أَوْ دُونَ السُّرَّةِ لَا يَفْعَلُ
ذَلِكَ أَحَدٌ إلَّا عَاقَبْتُهُ " وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَكُونُ رَأْسُهُ عَوْرَةً لَا يَكُونُ صَدْرُهُ عَوْرَةً كالرجل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا التَّفْسِيرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنهم وَقِيلَ فِي الْآيَةِ غَيْرُ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثُ نَهْيِ الْمُحْرِمَةِ عَنْ لُبْسِ الْقُفَّازَيْنِ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ وَلَا تَلْبِسُ الْقُفَّازَيْنِ "
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه (1) أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي عَوْرَةِ الرَّجُلِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهَا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة وليست السرة والكربة مِنْ الْعَوْرَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّ عَوْرَةَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ مَا بين سرته وركبته وأن السرة والركبة ليسا عَوْرَةً فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ: وَالثَّانِي أَنَّهُمَا عَوْرَةٌ وَالثَّالِثُ السُّرَّةُ عَوْرَةٌ دُونَ الرُّكْبَةِ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَالْخَامِسُ أَنَّ الْعَوْرَةَ هِيَ الْقُبُلُ وَالدُّبُرُ فَقَطْ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَهُوَ شَاذٌّ مُنْكَرٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَأَمَّا عَوْرَةُ الْحُرَّةِ فَجَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ إلَى الْكُوعَيْنِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّ بَاطِنَ قَدَمَيْهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ الْقَدَمَانِ لَيْسَا بِعَوْرَةٍ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا الْأَمَةُ فَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَوْرَتُهَا كَعَوْرَةِ الرَّجُلِ فَتَجْرِي فِيهَا الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى دُونَ الْخَامِسِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ كَعَوْرَةِ الحرة الا رأسها فليس بِعَوْرَةٍ وَمَا عَدَاهُ عَوْرَةٌ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْخِلَافِ الْأَمَةُ الْقِنَّةُ وَالْمُعَلَّقُ عَتْقُهَا عَلَى صِفَةٍ وَالْمُدَبَّرَةُ وَالْمُكَاتَبَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَمَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ ولا خلاف في شئ مِنْهُنَّ عِنْدَنَا إلَّا الَّتِي بَعْضُهَا حُرٌّ فَفِيهَا وَجْهَانِ فِي الْحَاوِي أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالْحُرَّةِ وَصَحَّحَهُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِتَغْلِيبِ الِاحْتِيَاطِ قَالَ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِي عَوْرَتِهَا فِي نَظَرِ سَيِّدِهَا والاجانب إليها أحدها انها كالحرة في
(1) بياص الاصل اه
حَقِّ السَّيِّدِ وَغَيْرِهِ وَالثَّانِي كَأَمَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا كَالْأَمَةِ الْقِنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا بَعْدَ وَضْعِ الْوَلَدِ كَالْحُرَّةِ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَإِنْ كَانَ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ كَالرَّجُلِ فَهُوَ كَالرَّجُلِ وَإِنْ كَانَ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا وَقُلْنَا عَوْرَةُ الْأَمَةِ أَكْثَرُ مِنْ عَوْرَةِ الرَّجُلِ وَجَبَ سَتْرُ الزِّيَادَةِ عَلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ أَيْضًا لِاحْتِمَالِ الْأُنُوثَةِ فَلَوْ خَالَفَ فَاقْتَصَرَ عَلَى سَتْرِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ والركبة ففى صحة صلاة وَجْهَانِ أَفْقَهُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّ السَّتْرَ شَرْطٌ وَشَكَكْنَا فِي حُصُولِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ فِي فَصْلِ أَحْكَامِ الْخُنْثَى أَنَّ صَاحِبَ التَّهْذِيبِ وَالْقَاضِيَ أَبَا الْفُتُوحِ وَكَثِيرِينَ قَطَعُوا بِأَنَّهُ لَا تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِلشَّكِّ فِيهَا
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَوْرَةِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ عَوْرَةَ الرَّجُلِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَكَذَلِكَ الْأَمَةُ وَعَوْرَةَ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَطَائِفَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عَوْرَةُ الرَّجُلِ مِنْ رُكْبَتِهِ إلَى سُرَّتِهِ وَلَيْسَتْ السُّرَّةُ عَوْرَةً وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَقَالَ دَاوُد وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَحَكَاهُ فِي التَّتِمَّةِ عَنْ عَطَاءَ عَوْرَتُهُ الْفَرْجَانِ فَقَطْ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْحُرَّةِ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ قَدَمَاهَا أَيْضًا ليسصا بِعَوْرَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ جَمِيعُ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا فَقَطْ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّابِعِيِّ أَنَّ جَمِيعَ بَدَنِهَا عَوْرَةٌ وَمِمَّنْ قَالَ عَوْرَةُ الْأَمَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهَا إذَا زُوِّجَتْ أَوْ تَسَرَّاهَا سَيِّدُهَا لَزِمَهَا سَتْرُ رَأْسِهَا وَلَمْ يُوَافِقْهُ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي عَنْ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ يَلْزَمُهَا سَتْرُ الرَّأْسِ فِي الصَّلَاةِ
* دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ " كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ فقال
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ فَسَلِمَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ قَاعِدًا فِي مَكَان فِيهِ مَاءٌ قَدْ انْكَشَفَ عَنْ رُكْبَتِهِ أَوْ رُكْبَتَيْهِ فَلَمَّا دَخَلَ عُثْمَانُ غَطَّاهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِلَفْظِهِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْأَحَادِيثِ فِي أَنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِهَا كَاشِفًا عن فخذيه أو ساقيا فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَتَحَدَّثَ ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " فَهَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَخِذَ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْمَكْشُوفِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَحَّ الْجَزْمُ بِكَشْفِ الْفَخِذِ تَأَوَّلْنَاهُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كَشْفُ بَعْضِ ثِيَابِهِ لَا كُلِّهَا قَالُوا وَلِأَنَّهَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ فَلَا عُمُومَ لَهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " غزى خَيْبَرَ فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ ثُمَّ حَسَرَ الْإِزَارَ عن فخذه حتي أنى لانظر إلى بَيَاضَ فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ انْكَشَفَ الْإِزَارُ وَانْحَسَرَ
بِنَفْسِهِ لَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَعَمَّدَ كَشْفَهُ بَلْ انْكَشَفَ لِإِجْرَاءِ الْفَرَسِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ثبت في رواية في الصحيحن فانحصر الْإِزَارُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْأَمَةِ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ مُزَوَّجَةً كَانَتْ أَوْ غَيْرَهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْأَمَةَ الْمُزَوَّجَةَ الَّتِي أَسْكَنَهَا الزوج منزله كالحرة والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ بِمَا لَا يَصِفُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ صَفِيقٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ وَرَقٍ فَإِنْ سَتَرَ بِمَا يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الْبَشَرَةِ مِنْ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الستر لا يحصل بذلك)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ السَّتْرُ بِمَا يَحُولُ بَيْنَ النَّاظِرِ وَلَوْنِ الْبَشَرَةِ فَلَا يَكْفِي ثَوْبٌ رَقِيقٌ يُشَاهَدُ مِنْ وَرَائِهِ سَوَادُ الْبَشَرَةِ أَوْ بَيَاضُهَا وَلَا يَكْفِي أَيْضًا الْغَلِيظُ الْمُهَلْهَلُ النَّسْجِ الذى يظهر بعض الْعَوْرَةَ مِنْ خَلَلِهِ فَلَوْ سَتَرَ اللَّوْنَ وَوَصَفَ حَجْمَ الْبَشَرَةِ كَالرُّكْبَةِ وَالْأَلْيَةِ وَنَحْوِهِمَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ فِيهِ لِوُجُودِ السَّتْرِ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا وَصَفَ الْحَجْمَ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ
وَيَكْفِي السَّتْرُ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ وَالْجُلُودِ وَالْوَرَقِ وَالْحَشِيشِ الْمَنْسُوجِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَسْتُرُ لَوْنَ الْبَشَرَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَتَرَ بعض عورته بشئ مِنْ زُجَاجٍ بِحَيْثُ تُرَى الْبَشَرَةُ مِنْهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ صَافٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا غَلَبَتْ الْخُضْرَةُ لِتَرَاكُمِ الْمَاءِ فَإِنْ انْغَمَسَ إلَى عُنُقِهِ وَمَنَعَتْ الْخُضْرَةُ رُؤْيَةَ لَوْنِ الْبَشَرَةِ أَوْ وَقَفَ فِي مَاءٍ كَدِرٍ صَحَّتْ عَلَى الْأَصَحِّ وَصُورَةُ الصَّلَاةِ فِي الْمَاءِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جِنَازَةٍ وَلَوْ طَيَّنَ عَوْرَتَهُ فَاسْتَتَرَ اللَّوْنُ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ سَوَاءٌ وَجَدَ ثَوْبًا أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ أَعْلَى وَمِنْ الْجَوَانِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ مِنْ أَسْفَلِ الذَّيْلِ وَالْإِزَارِ حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ مُتَّسِعُ الذَّيْلِ فَصَلَّى عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ وَرَأَى عَوْرَتَهُ مَنْ يَنْظُرُ إلَيْهِ مِنْ أَسْفَلَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إلَّا إمَامَ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّاشِيَّ فَحَكَيَا مَا ذَكَرْنَا وَتَوَقَّفَا فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ فِي مَسْأَلَةِ السَّطْحِ وَرَأَيَا فَسَادَهَا وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْقَمِيصِ الْوَاسِعِ الْجَيْبِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ أَنْ يَشْمَلَ الْمَسْتُورَ إمَّا بِاللُّبْسِ كَالثَّوْبِ وَالْجِلْدِ وَنَحْوِهِمَا وَإِمَّا بِغَيْرِهِ
كَالتَّطَيُّنِ فَأَمَّا الْخَيْمَةُ الضَّيِّقَةُ ونحوها فإذا دخل إنسان وصلي مشكوف الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ سُتْرَةً وَلَا يُسَمَّى مُسْتَتِرًا وَلَوْ وَقَفَ فِي جُبٍّ وَهُوَ الْخَابِيَةُ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَإِنْ كَانَ وَاسِعَ الرَّأْسِ يَرَى هُوَ أَوْ غَيْرُهُ مِنْهُ العورة لم تصح صلاته وان كان صفيقة فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ كَثَوْبٍ وَاسِعِ الذَّيْلِ وَلَوْ حَفَرَ حُفَيْرَةً فِي الْأَرْضِ وَصَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ إنْ رَدَّ التُّرَابَ فَوَارَى عَوْرَتَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وإلا فكالجب ذكره المتولي وغيره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ خمار تغطي به الرأس والعنق ودرع يغطى به البدن والرجلين وملحفة ضيقة تَسْتُرُ الثِّيَابَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ دِرْعٍ وَخِمَارٍ وَإِزَارٍ " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " تُصَلِّي في الدرع والخمار
والملحفة " والمستحب أن تكشف جلبابها حى لَا يَصِفَ أَعْضَاءَهَا وَتُجَافِيَ الْمِلْحَفَةَ عَنْهَا فِي الركوع والسجود حتى لا يصف ثيابها)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشافعي واتفق عليه الاصحاب وقوله تكشف جلبابها هذا لفظ الشافعي رحمه الله وضبطاه فِي الْمُهَذَّبِ وَالتَّنْبِيهِ تُكَثِّفُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي ضَبْطِهَا عَنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهَا تُكَثِّفُ كَمَا سَبَقَ ومعناه تتخذه كثيفا أي غليظا ضفيقا والثاني تكثف بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ قَالُوا وَأَرَادَ بِهَا تَعْقِدُ إزَارَهَا حَتَّى لَا يَنْحَلَّ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَتَبْدُو عَوْرَتُهَا وَالثَّالِثُ تَكْفِتُ بِفَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ تَجْمَعُ إزَارَهَا عَلَيْهَا وَالْكَفْتُ الجمع وأما الجباب فَقَالَ فِي الْبَيَانِ هُوَ الْخِمَارُ وَالْإِزَارُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ أَوْسَعُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَلْطَفُ مِنْ الْإِزَارِ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ هُوَ الْإِزَارُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ هُوَ ثَوْبٌ أَقْصَرُ مِنْ الْخِمَارِ وَأَعْرَضُ مِنْ الْمِقْنَعَةِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ ثَوْبٌ وَاسِعٌ دُونَ الرِّدَاءِ تُغَطِّي بِهِ الْمَرْأَةُ ظَهْرَهَا وَصَدْرَهَا وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْإِزَارُ وَقِيلَ هُوَ كَالْمُلَاءَةِ وَالْمِلْحَفَةِ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْمُلَاءَةُ الَّتِي تَلْتَحِفُ بِهَا الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثِيَابِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ
رحمه الله وَالْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ هُنَا وَهُوَ مُرَادُ الْمَحَامِلِيِّ وغيره وبقولهم هُوَ الْإِزَارُ وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ الْإِزَارَ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ الْمِئْزَرُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتُجَافِي الْمِلْحَفَةَ فِي الرُّكُوعِ لَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ فَالْمِلْحَفَةُ هِيَ الْجِلْبَابُ وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ عَبَّرَ بِأَحَدِهِمَا فِي الْأَوَّلِ وَبِالْآخَرِ فِي الثَّانِي وَيُوَضِّحُ هَذَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ لَهَا أَنْ تَكْتِفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيَهُ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا سَأَلَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَتُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي دِرْعٍ وَخِمَارٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ قَالَ إذَا كَانَ الدِّرْعُ سَابِغًا يُغَطِّي ظُهُورَ قَدَمَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ لَكِنْ قَالَ رَوَاهُ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ جز ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يرخين شبرا فقالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ صحيح
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبَيْنِ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَلْبَسْ ثَوْبَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ مَنْ تَزَّيَّنُ لَهُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ثَوْبَانِ فَلْيَتَّزِرْ إذَا صَلَّى وَلَا يَشْتَمِلْ اشتمال اليهود ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَ قَالَ عُمَرُ " إذَا كَانَ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ فَلْيُصَلِّ فِيهِمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَلْيَتَّزِرْ بِهِ وَلَا يَشْتَمِلْ اشْتِمَالَ الْيَهُودِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ هُوَ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ويسبله من غير أن يرفع طرق قَالَ وَاشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ أَنْ يُخَلِّلَ بَدَنَهُ بِالثَّوْبِ ثُمَّ يَرْفَعَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ هَذَا عَنْ الْخَطَّابِيِّ قَالَ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ قَالَ وَفَسَّرَ الْأَصْمَعِيُّ الصَّمَّاءَ بِالْأَوَّلِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الصَّمَّاءِ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ " فَجَعَلَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي أَحْسَنِ ثِيَابِهِ الْمُتَيَسِّرَةِ لَهُ
وَيَتَقَمَّصَ وَيَتَعَمَّمَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ثَوْبَيْنِ فَالْأَفْضَلُ قَمِيصٍ وَرِدَاءٍ أَوْ قَمِيصٍ وَإِزَارٍ أَوْ قَمِيصٍ وسراويل * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعَمُّ فِي السَّتْرِ وَلِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيَحْصُلُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ إذَا نَظَرَ رَأَى الْعَوْرَةَ زَرَّهُ لِمَا رَوَى سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَصِيدُ أَفَنُصَلِّي فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ فَقَالَ نَعَمْ وَلْتَزُرَّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ " فَإِنْ لَمْ يَزُرَّهُ وَطَرَحَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا جَازَ لِأَنَّ التسر يَحْصُلُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ ضَيِّقَ الْفَتْحِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ مَحْلُولَ الْإِزَارِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مَحْلُولَ الْإِزَارِ " فَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ فَالرِّدَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ وَيَبْقَى مِنْهُ مَا يَطْرَحُهُ عَلَى الْكَتِفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِزَارُ أَوْلَى مِنْ السَّرَاوِيلِ لِأَنَّ الْإِزَارَ يَتَجَافَى عَنْهُ وَلَا يَصِفُ الْأَعْضَاءَ وَالسَّرَاوِيلُ يَصِفُ الْأَعْضَاءَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَلْتَزُرَّهُ " يَجُوزُ فِي هَذِهِ اللَّامِ الْإِسْكَانُ وَالْكَسْرُ وَالْفَتْحُ وَهُوَ أَضْعَفُهَا وَالرَّاءُ مَضْمُومَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ وَجَوَّزَ ثَعْلَبٌ فِي الْفَصِيحِ كَسْرَهَا وَفَتْحَهَا أَيْضًا وَغَلَّطُوهُ فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَالْقَمِيصُ أَوْلَى ثُمَّ الرِّدَاءُ ثُمَّ الْإِزَارُ ثُمَّ السَّرَاوِيلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ الْقَمِيصُ وَاسِعَ الْفَتْحِ بِحَيْثُ تُرَى عَوْرَتُهُ فِي قِيَامِهِ أَوْ رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ فَإِنْ زَرَّهُ أَوْ وَضَعَ عَلَى عُنُقِهِ شَيْئًا يَسْتُرُهُ أَوْ شَدَّ وَسَطَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ تَرَكَهُ عَلَى حَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ الْبَنْدَنِيجِيَّ ذَكَرَ أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِزَارَ أَفْضَلُ مِنْ السَّرَاوِيلِ كَمَا قدمناه عن الشافعي واذصحاب ثُمَّ قَالَ اخْتِيَارًا لِنَفْسِهِ إنَّ السَّرَاوِيلَ أَفْضَلُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ بِحَيْثُ تُرَى مِنْهُ الْعَوْرَةُ فِي رُكُوعِهِ وَلَا تَظْهَرُ فِي الْقِيَامِ فَهَلْ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ ثُمَّ إذَا رَكَعَ تَبْطُلُ أَمْ لَا تَنْعَقِدُ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الِانْعِقَادُ وَفَائِدَتُهُمَا فِيمَا لَوْ اقْتَدَى بِهِ غَيْرُهُ
قَبْلَ الرُّكُوعِ وَفِيمَا لَوْ أَلْقَى ثَوْبًا عَلَى عُنُقِهِ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَلَوْ كَانَتْ لِحْيَتُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ يَسْتُرُ جَيْبَهُ وَيَمْنَعُ
رُؤْيَةَ الْعَوْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى إزَارِهِ خَرْقٌ فَجَمَعَ عَلَيْهِ الثَّوْبَ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ سَتَرَ الْخَرْقَ بِيَدِهِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي بِالْبُطْلَانِ فِي مَسْأَلَةِ اللِّحْيَةِ وَنَحْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ أَيْضًا فِي اللِّحْيَةِ وَالْيَدِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي بَابِ الْإِحْرَامِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَأَمَّا إذَا كَانَ الْجَيْبُ ضَيِّقًا بِحَيْثُ لَا تُرَى الْعَوْرَةُ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِ صَلَاتِهِ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ زَرَّهُ أَمْ لَا هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الجبب وَاسِعًا تُرَى مِنْهُ عَوْرَتُهُ كَمَا لَوْ رَآهَا غيره من أسفل ذيله
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ كَانَ الْإِزَارُ ضَيِّقًا اتَّزَرَ بِهِ وَإِنْ كَانَ وَاسِعًا الْتَحَفَ بِهِ وَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ كَمَا يَفْعَلُ الْقِصَارُ فِي الْمَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا صَلَّيْتَ وَعَلَيْكَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا فَالْتَحِفْ بِهِ وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بِهِ " وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ أَبِي سَلَمَةَ رضي الله عنهما قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُلْتَحِفًا بِهِ مُخَالِفًا بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْهِ " فَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزَرَ بِهِ أَوْ صَلَّى فِي سَرَاوِيلَ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى عَاتِقِهِ شَيْئًا لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يَطْرَحُهُ عَلَى عَاتِقِهِ طرح حبلا حتى لا تخلو من شئ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا يُصَلِّيَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبُ الْوَاحِدِ لَيْسَ علي عاتقه منه شئ " نهى كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ لَا تَحْرِيمٍ فَلَوْ صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَاتِقَيْنِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وقال احمد وطائفة قليلة يجب وضع شئ عَلَى عَاتِقِهِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فَإِنْ تَرَكَهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ وَخَصَّ أَحْمَدُ ذَلِكَ بِصَلَاةِ الْفَرْضِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَّزَرَ بِهِ هَكَذَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ به الاصحاب
وغيرهم والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (ويكره اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَهُوَ أَنْ يَلْتَحِفَ بِثَوْبٍ ثُمَّ يُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ قِبَلِ صَدْرِهِ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثوب واحد ليس علي فرجه منه شئ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالصَّمَّاءُ بِالْمَدِّ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا تَفْسِيرُهَا وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اشْتِمَالِ الْيَهُودِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ المصنف من تفسيرها فغريب قال صاحب المطامع اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ إدَارَةُ الثَّوْبِ عَلَى جَسَدِهِ لَا يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَهُ نَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا أَتَاهُ مَا يَتَوَقَّاهُ لَمْ يُمْكِنْهُ إخْرَاجُ يَدِهِ بِسُرْعَةٍ وَلِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ يَدَهُ انْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ وَهَذَا تَفْسِيرُ الْأَصْمَعِيِّ وَسَائِرِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاَلَّذِي سَبَقَ عَنْ الْخَطَّابِيِّ تَفْسِيرُ الْفُقَهَاءِ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ سُمِّيَتْ صَمَّاءَ لِأَنَّهُ سَدَّ مَنَافِذَهَا كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ لَيْسَ فِيهَا خَرْقٌ وَلَا صَدْعٌ وَقَوْلُهُ وَأَنْ يَحْتَبِيَ هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ الْحُبْوَةِ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الِاحْتِبَاءُ أَنْ يَقْعُدَ الْإِنْسَانُ عَلَى أَلْيَيْهِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَحْتَوِيَ عَلَيْهَا بِثَوْبٍ أَوْ نَحْوِهِ أو بيده والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْدُلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا وَهُوَ أَنْ يُلْقِيَ طَرَفَيْ الرِّدَاءِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى قَوْمًا سَدَلُوا فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ " كَأَنَّهُمْ الْيَهُودُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى أَعْرَابِيًّا عَلَيْهِ شَمْلَةٌ قَدْ ذَيَّلَهَا وَهُوَ يُصَلِّي " قَالَ إنَّ الَّذِي يَجُرُّ ثَوْبَهُ مِنْ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حِلٍّ وَلَا حرام ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يُقَالُ سَدَلَ بِالْفَتْحِ يَسْدُلُ وَيَسْدِلُ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ أَنْ يُرْسِلَ الثَّوْبَ حَتَّى يُصِيبَ الْأَرْضَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ محمول على هذا والشملة كاء يُشْتَمَلُ بِهِ وَقِيلَ إنَّمَا تَكُونُ شَمْلَةً إذَا كَانَ لَهَا هُدْبٌ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ هِيَ كِسَاءٌ يُؤْتَزَرُ بِهِ وَقَوْلُهُ ذَيَّلَهَا بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مَعْنَاهُ أَرْخَى ذَيْلَهَا وَهُوَ طَرَفُهَا الَّذِي فِيهِ الْأَهْدَابُ وَقَوْلُهُ خَرَجُوا مِنْ فُهُورِهِمْ بِضَمِّ الْفَاءِ وَاحِدُهَا فُهْرٌ بِضَمِّ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ قَالَ الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبَطِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُهُ
بُهْرٌ وَهِيَ عِبْرَانِيَّةٌ عُرِّبَتْ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ فُهْرُهُمْ مَوْضِعُ مِدْرَاسِهِمْ الَّذِي يَجْتَمِعُونَ إلَيْهِ فِي عِيدِهِمْ قَالَ وَقِيلَ هُوَ يَوْمٌ يَأْكُلُونَ فِيهِ وَيَشْرَبُونَ قَالَ وَالنَّصَارَى يَقُولُونَ فُخْرٌ يَعْنِي بِضَمِّ الْفَاءِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُؤْمِنُ بِحَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَحَرَامِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ ليس من الله في شئ أي ليس من دين الله في شئ وَمَعْنَاهُ قَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَفَارَقَ دِينَهُ وَهَذَا الْكَلَامُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بغير اسناد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَبَعْضُهُمْ يَرْوِيهِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
* أَمَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي غَيْرِهَا سَوَاءٌ فَإِنْ سَدَلَ لِلْخُيَلَاءِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فَمَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يَجُوزُ السَّدْلُ فِي الصَّلَاةِ ولا في غَيْرِهَا لِلْخُيَلَاءِ فَأَمَّا السَّدْلُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ خَفِيفٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه وَقَالَ لَهُ إنَّ إزَارِي يَسْقُطُ مِنْ أَحَدِ شِقَّيِّ فَقَالَ لَهُ " لَسْت مِنْهُمْ " هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا رَأَيْتُهُ أَنَا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ إزَارَهُ " قَالَ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ دَلِيلٌ عَلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ إذَا كَانَ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَمَالِكٍ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونُوا فَرَّقُوا بَيْنَ إجَازَتِهِ فِي الصَّلَاةِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَمْشِي فِي الثَّوْبِ وغيره يمشى عليه ويسبله وذلك من الخيلاء الْمَنْهِيُّ عَنْهُ وَكَانَ الثَّوْرِيُّ يَكْرَهُ السَّدْلَ فِي الصلاة وكرهه
الشَّافِعِيُّ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِمَّنْ كَرِهَ السَّدْلَ فِي الصَّلَاةِ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَمَكْحُولٌ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّهْرِيُّ وعبد الله ابن الْحَسَنِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ النَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّهُ رَخَّصَ فِي سَدْلِ الْقَمِيصِ وَكَرِهَهُ فِي الْإِزَارِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ فِي النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ خَبَرًا يَثْبُتُ فَلَا نَهْيَ عَنْهُ بِغَيْرِ حُجَّةٍ (قُلْتُ) احْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ
بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ طَرِيقِ عِسْلِ بن سفين وقد ضعفه احمد ابن حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ عَدِيٍّ وَاَلَّذِي نَعْتَمِدُهُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ إسْبَالِ الْإِزَارِ وَجَرِّهِ مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا يَنْظُرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فَفِي النَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وعنه قال " بينما رجل يصلي مسبل إزَارَهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اذْهَبْ فَتَوَضَّأَ فَذَهَبَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ جاء فقال اذهب فتوضأ فقال رجل يا رسول الله مالك أَمَرْتَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَكَتَ عَنْهُ قَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ مُسْبِلٌ إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ - أَوْ قَالَ لَا جُنَاحَ - فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارَ وَمَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَرَرْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي إزَارِي اسْتِرْخَاءٌ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ ارْفَعْ إزَارَكَ فَرَفَعْتُ ثُمَّ قَالَ زِدْ فَزِدْتُ فَمَا زِلْتُ أَتَحَرَّاهَا بَعْدُ فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ إلَى أَيْنَ قَالَ إلَى أَنْصَافِ السَّاقَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا إسْبَالَ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ مَنْ جَرَّ شَيْئًا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وفى المسألة
أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ وَهُوَ مُتَلَثِّمٌ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ فِي الصَّلَاةِ " وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْتَقِبَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْوَجْهَ من المرأة ليس بعورة فهي كالرجل)
*
** (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ وَقَدْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ لَكِنْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَيُكْرَه أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَلَثِّمًا أَيْ مُغَطِّيًا فَاهُ بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَيُكْرَه أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَمِهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا إذَا تَثَاءَبَ فَإِنَّ السُّنَّةَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى فِيهِ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فِيهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ " وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى كَالرَّجُلِ فِي هَذَا وَهَذِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لا تمنع صحة الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَلَا عَلَى ثَوْبٍ حَرِيرٍ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ فِي الصَّلَاةِ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَا يختص يالصلاة وَلَا النَّهْيَ يَعُودُ إلَيْهَا فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّتَهَا ويجوز المرأة أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ وَعَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُهُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي الثَّوْبِ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّورَةُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ لِي ثَوْبٌ فِيهِ صُورَةٌ فَكُنْتُ أَبْسُطُهُ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَيْهِ فَقَالَ لِي أَخِّرِيهِ عنى فجعلت منه وسادتين ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ جَانِبَ بَيْتِهَا فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَمِيطِي عَنَّا قِرَامَكَ هَذَا فَإِنَّهُ لَا تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ تَعْرِضُ فِي صَلَاتِي " الْقِرَامُ بِكَسْرِ القاف
سِتْرٌ رَقِيقٌ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ خِلَافُ أَحْمَدَ السَّابِقِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَهَذَا التَّحْرِيمُ إذَا وَجَدَ سُتْرَةً غَيْرَ الْحَرِيرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ الْحَرِيرِ لَزِمَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تُصَلِّيَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهَا أَنْ تَجْلِسَ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهُمَا وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَسَائِرِ الْعِرَاقِيِّينَ يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ لُبْسُهُ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا " وَهَذَا عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْجُلُوسَ وَاللُّبْسَ وَغَيْرَهُمَا وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهَا اللُّبْسُ تَزَيُّنًا لِزَوْجِهَا وَسَيِّدِهَا وَإِنَّمَا يَحْصُلُ
كَمَالُ ذَلِكَ بِاللُّبْسِ لَا بِالْجُلُوسِ وَلِهَذَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا اسْتِعْمَالُ إنَاءِ الذَّهَبِ فِي الشُّرْبِ وَنَحْوِهِ مَعَ أَنَّهَا يَجُوزُ لَهَا التَّحَلِّي بِهِ وَالْمُخْتَارُ الال وَالْخُنْثَى فِي هَذَا كَالرَّجُلِ وَأَمَّا الثَّوْبُ الَّذِي فِيهِ صُوَرٌ أَوْ صَلِيبٌ أَوْ مَا يُلْهِي فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِيهِ وَإِلَيْهِ وَعَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِي ثَوْبٍ حَرِيرٍ وَثَوْبٍ مَغْصُوبٍ وَعَلَيْهِمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لَا يَصِحُّ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُمْ بِمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " مَنْ اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَفِيهِ دِرْهَمٌ حَرَامٌ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صلاة مادام عَلَيْهِ ثُمَّ أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ صَمْتًا إنْ لَمْ أَكُنْ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى الله عليه يَقُولُهُ " وَهَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ فِي رُوَاتِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَدَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ في الدار المغصوبة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ وَوَجَدَ طِينًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْتُرَ بِهِ الْعَوْرَةَ لِأَنَّهُ سُتْرَةٌ ظَاهِرَةٌ فَأَشْبَهَتْ الثوب وقال أبو اسحق لا يلزم لانه يتلوث به البدن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ السَّتْرِ بِهِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَإِذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ التَّطَيُّنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ كَانَ الطِّينُ ثَخِينًا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ وَيُغَطِّي الْبَشَرَةَ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا لَا يَسْتُرُ الْعَوْرَةَ لَكِنْ يُغَطِّي الْبَشَرَةَ اُسْتُحِبَّ وَلَا يَجِبُ وَصَرَّحَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْوَجْهَيْنِ فِي الطِّينِ الثَّخِينِ وَالرَّقِيقِ أما
إذ اوجد وَرَقَ شَجَرٍ وَنَحْوَهُ وَأَمْكَنَهُ خَصْفُهُ وَالتَّسَتُّرُ بِهِ فيجب بلا خلاف نص على في الامام واتفق الاصحاب عليه * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ سَتَرَ بِهِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ لِأَنَّهُمَا أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِمَا وَإِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ يَسْتُرُ بِهِ الْقُبُلَ لِأَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهِ الْقِبْلَةَ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِغَيْرِهِ وَالدُّبُرُ يَسْتَتِرُ بِالْأَلْيَيْنِ وَالثَّانِي يَسْتُرُ بِهِ الدُّبُرَ لانه أفخش في حال الركوع والسجود)
*
** (الشَّرْحُ)
* إذَا وَجَدَ مَا يَسْتُرُ بِهِ بَعْضَ الْعَوْرَةِ فَقَطْ لَزِمَهُ التَّسَتُّرُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَبَقَ ذِكْرُهُ مَرَّاتٍ وَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مَسَائِلُ مُتَشَابِهَةٌ فِيمَا إذَا وَجَدَ الْمُكَلَّفُ بَعْضَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَنْ وَجَدَ بَعْضَ مَا يَكْفِيهِ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ أَوْ التَّيَمُّمِ وَفِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَفِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَفِي صَاعِ الْفِطْرَةِ وَفِي الْمَاءِ الَّذِي يَغْسِلُ بِهِ النَّجَاسَةَ وَبَعْضِ رَقَبَةِ الْكَفَّارَةِ وَأَحْكَامُهَا مُخْتَلِفَةٌ وَسَبَقَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَيَسْتُرُ بِهَذَا الْمَوْجُودِ الْقُبُلَ وَالدُّبُرَ بلا خلاف لانهما أغلظ فان لم يكن إلَّا أَحَدُهُمَا فَأَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْتُرُ الْقُبُلَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ النَّصِّ أَيْضًا وَالثَّانِي يَسْتُرُ الدُّبُرَ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالثَّالِثُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا هُمَا سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَالرَّابِعُ حَكَاهُ القاضى حسين تستر المرأة القبل والرجل والدبر ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ أَوْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْفَخِذِ وَغَيْرِهِ وَمِنْ تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ هَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْوُجُوبُ وَأَنَّهُ شَرْطٌ
وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَمَّا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ وَجَدَ مَا يَسْتُرُ قُبُلَيْهِ وَدُبُرَهُ سَتَرَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا مَا يَسْتُرُ وَاحِدًا وَقُلْنَا يَسْتُرُ عَيْنَ الْقُبُلِ سَتَرَ أَيَّ قُبُلَيْهِ شَاءَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتُرَ آلَةَ الرِّجَالِ إنْ كَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ وَآلَةَ النِّسَاءِ إنْ كَانَ هناك رجل * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَامْرَأَةٌ وَهُنَاكَ سُتْرَةٌ تَكْفِي أحدهما قدمت المرأة لان عورتها أعظم)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذِهِ الصُّورَةُ فِيمَا لَوْ أَوْصَى إنْسَانٌ بثوبه لاحوج النسان إلَيْهِ فِي الْمَوْضِعِ الْفُلَانِيِّ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَحْوَجِ أَوْ وَقَفَهُ عَلَى لُبْسِ الْأَحْوَجِ فَتُقَدَّمُ الْمَرْأَةُ عَلَى الْخُنْثَى وَيُقَدَّمُ الْخُنْثَى عَلَى الرَّجُلِ لِأَنَّهُ الْأَحْوَجُ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ لِوَاحِدٍ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَهُ لِغَيْرِهِ وَيُصَلِّيَ عُرْيَانًا لَكِنْ يُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيرَهُ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ خَالَفَ وَوَهَبَ لِغَيْرِهِ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ هَلْ تلزمه الاعادة
فيه تفصيل يجئ هنا مثله سواء والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ صَلَّى عُرْيَانًا وَلَا يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا لِأَنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِالْقُعُودِ سِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَسِتْرُ بَعْضِ الْعَوْرَةِ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ لِأَنَّ الْقِيَامَ يَجُوزُ تَرْكُهُ مع القدرة بحال والستر لا يجوز تركه فَوَجَبَ تَقْدِيمُ السَّتْرِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ يَتْرُكُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ عَلَى التَّمَامِ وَيَحْصُلُ سَتْرُ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الْأَرْكَانِ أولي من المحافظة علي بعض الفرض)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً يَجِبُ لُبْسُهَا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عُرْيَانًا قَائِمًا وَلَا اعادة عليه هذا
مذهبتا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يُصَلِّي قَاعِدًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَاعِدًا مُومِيًا بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقُعُودُ أَفْضَلُ وعن احمد روايتان أحدهما يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِيَةُ الْقُعُودُ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ أَنَّ الْخُرَاسَانِيِّينَ حَكَوْا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا يَجِبُ الْقِيَامُ وَالثَّانِي القعود والثالث يتخير والمذهب الصحيح وجب القيام وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
*
* قَالَ المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ صَلَّى عُرْيَانًا ثُمَّ وَجَدَ السُّتْرَةَ لَمْ تلزمه الْإِعَادَةُ لِأَنَّ الْعُرْيَ عُذْرٌ عَامٌّ وَرُبَّمَا اتَّصَلَ ودام فلو أوجبنا الاعادة لشق فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ عُرْيَانٌ ثُمَّ وجد السترة في اثنائها فان كانت بقريه سَتَرَ الْعَوْرَةَ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ فَلَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى عَمَلٍ كَثِيرٍ وَإِنْ دَخَلَتْ الْأَمَةُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَكْشُوفَةُ الرَّأْسِ فَأُعْتِقَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَإِنْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً مِنْهَا سَتَرَتْ وَأَتَمَّتْ صَلَاتَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَلَمْ تَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا حتي فرغ من الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا عَدِمَ السُّتْرَةَ الْوَاجِبَةَ فَصَلَّى عَارِيًّا أَوْ سَتَرَ بَعْضَ الْعَوْرَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْبَاقِي وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ قَوْمٍ يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ أَمْ غَيْرِهِمْ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيمَنْ لَا يَعْتَادُونَ الْعُرْيَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الْوَجْهُ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ
التَّيَمُّمِ وهو ضعيف ليس بشئ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ لا أعلم خلافا بعنى بين المسلمين أنه لا بجب الْإِعَادَةُ عَلَى مَنْ صَلَّى عَارِيًّا لِلْعَجْزِ عَنْ السُّتْرَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ السَّتْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ عَنْهُ بِبَدَلٍ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى بالتيمم ثم رأى الماء في أثنا
صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةً سَتَرَ وبنى والاوجب الِاسْتِئْنَافُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ مَعَ الْبُعْدِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَالُوا فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَبْنِي فَلَهُ السَّعْيُ فِي طَلَبِ السُّتْرَةِ كَمَا يَسْعَى فِي طَلَبِ الْمَاءِ وَإِنْ وَقَفَ حَتَّى أَتَاهُ غَيْرُهُ بِالسُّتْرَةِ نَظَرَ إنْ وَصَلَتْهُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي لَوْ سَعَى لَوَصَلَهَا فِيهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ زَادَ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ قَرِيبَةً وَلَا يُمْكِنُ تَنَاوُلُهَا إلَّا بِاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا لَمْ يُنَاوِلْهُ غَيْرُهُ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَلَوْ كَانَتْ السُّتْرَةُ بِقُرْبِهِ وَلَمْ يَعْلَمْهَا فَصَلَّى عَارِيًّا ثُمَّ عَلِمَهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا بِهَا وَالثَّانِي تَجِبُ الْإِعَادَةُ هُنَا قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِبَدَلٍ وَلِأَنَّهُ نَادِرٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْأَمَةِ أَنْ تَسْتُرَ فِي صَلَاتِهَا مَا تَسْتُرُهُ الْحُرَّةُ فَلَوْ صَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ فَعَتَقَتْ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهَا بِإِعْتَاقِ السَّيِّدِ أَوْ بِمَوْتِهِ إذَا كَانَتْ مُدَبَّرَةً أَوْ مُسْتَوْلَدَةً فَإِنْ كَانَتْ عَاجِزَةً عَنْ السَّتْرِ مَضَتْ فِي صَلَاتِهَا وَأَجْزَأَتْهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَمَنْ وَجَدَ السُّتْرَةَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ جَهِلَتْ الْعِتْقَ فَهِيَ كَجَهْلِهَا وُجُودَ السُّتْرَةِ فَتَكُونُ عَلَى الطَّرِيقِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قَالَ لِأَمَتِهِ إذَا صَلَّيْتِ صَلَاةً صَحِيحَةً فَأَنْتِ حرة قبلها فَصَلَّتْ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ إنْ كَانَ فِي حَالِ عَجْزِهَا عَنْ سُتْرَةٍ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَعَتَقَتْ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى السُّتْرَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَلَا تُعْتَقُ لِأَنَّهَا لَوْ عَتَقَتْ لَصَارَتْ حُرَّةً قَبْلَ الصَّلَاةِ وَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ وَإِذَا لَمْ تَصِحَّ لَا تُعْتَقُ فَإِثْبَاتُ الْعِتْقِ يُؤَدِّي إلَى بُطْلَانِهِ وَبُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَبَطَلَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطيب وابن الصباغ وفرضها ابن الصَّبَّاغِ فِيمَنْ قَالَ إنْ صَلَّيْتِ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ
فأنت حرة الآن * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان اجتمع جماعة عراة قال في القديم الاولى ان يصلوا فرادى لانهم إذا صلوا جماعة لم يمكنهم ان يأتوا بسنة الجماعة وهو تقديم الامام وقال في الام صلوا جماعة وفرادي فسوى بين الجماعة والفرادي لان في الجماعة ادراك فضيلة الجماعة وفوات فضيلة سنة الموقف وفى الفرادى ادراك فضيلة الموقف وفوات فضيلة الجماعة فاستويا فان كان معهم مكتس يصلح للامامة فالافضل أن يصلوا جماعة لانهم يمكنهم الجمع بين فضيلة الجماعة وفضيلة الموقف بان يقدموه فان لم يكن فيهم مكتس واردوا الجماعة استحب أن يقف الامام وسطهم ويكون المأمون صفا واحدا حتى لا ينظر بعضهم الي عورة بعض فان لم يمكن الا صفين صلوا وغضوا الابصار.
وان اجتمع نسوة عراة استحب لهن الجماعة لان سنة الموقف في حقهن لا تتعين بالعرى)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا اجْتَمَعَ رِجَالٌ عُرَاةٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً وَفُرَادَى فَإِنْ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَهُمْ بُصَرَاءَ وَقَفَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ قُدَّامَهُمْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهُمْ وَيَغُضُّونَ أَبْصَارَهُمْ فَإِنْ نَظَرُوا لَمْ يُؤْثِرْ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً أَمْ فُرَادَى يُنْظَرُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ بِحَيْثُ لَا يَرَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا اُسْتُحِبَّ الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَيَقِفُ إمَامُهُمْ قُدَّامَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِحَيْثُ
يَرَوْنَ فَثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجَمَاعَةَ وَالِانْفِرَادَ سَوَاءٌ وَالثَّانِي الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَالثَّالِثُ الْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُكْتَسٍ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُقَدِّمُوهُ وَيُصَلُّوا جَمَاعَةً قَوْلًا وَاحِدًا وَيَكُونُونَ وَرَاءَهُ صَفًّا فَإِنْ تَعَذَّرَ فَصَفَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ فَلَوْ خَالَفُوا فَأَمَّهُمْ عَارٍ وَاقْتَدَى بِهِ اللَّابِسُ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ كَمَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ وَصَلَاةُ الْقَائِمِ خَلْفَ الْمُضْطَجِعِ.
أَمَّا إذَا اجْتَمَعَ نِسَاءٌ عَارِيَّاتٌ فَالْجَمَاعَةُ مُسْتَحَبَّةٌ لَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ إمَامَتَهُنَّ تَقِفُ وَسْطَهُنَّ فِي حَالِ اللُّبْسِ أَيْضًا وَإِنْ اجْتَمَعَ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ عُرَاةٌ لَمْ يُصَلُّوا جَمِيعًا لَا فِي صَفٍّ وَلَا فِي صَفَّيْنِ بَلْ يُصَلِّي الرِّجَالُ وَيَكُونُ النِّسَاءُ جَالِسَاتٍ خَلْفَهُمْ مُسْتَدْبِرَاتِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يُصَلِّي النِّسَاءُ وَيَجْلِسُ الرِّجَالُ خَلْفَهُنَّ
مُسْتَدْبِرِينَ فَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ تَتَوَارَى كُلُّ طَائِفَةٍ فِي مَكَان آخَرَ حَتَّى تُصَلِّيَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَهُوَ أَفْضَلُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ فِي الفرادي ادراك فضبلة الْمَوْقِفِ قَدْ يَسْتَشْكِلُ إذْ لَيْسَ لِلْمُنْفَرِدِ مَوْقِفَانِ يَقِفُ فِي أَفْضَلِهِمَا وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَأْتِي بِالْمَوْقِفِ الْمَشْرُوعِ لَهُ بِخِلَافِ إمَامِ الْعُرَاةِ وَقَوْلُهُ وَسْطَهُمْ هُوَ بِإِسْكَانِ السِّينِ وَقَوْلُهُ نِسْوَةٌ عُرَاةٌ لَحْنٌ وَصَوَابُهُ عَارِيَّاتٌ وَيُقَالُ نِسْوَةٌ بِكَسْرِ النُّونِ وضمها لغتان
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ اجْتَمَعَ جَمَاعَةٌ عُرَاةٌ وَمَعَ إنْسَانٍ كِسْوَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيرَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُغْصَبْ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمْ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ سُتْرَةٍ وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ وَصَلَّى عُرْيَانًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ السَّتْرَ مَعَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبُولُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي قبوله منة وان اعار جماعتهم صلي فيه واحد بعد واحد فان خافوا ان صلي واحد بَعْدَ وَاحِدٍ أَنْ يَفُوتَهُمْ الْوَقْتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله
يَنْتَظِرُونَ حَتَّى يُصَلُّوا فِي الثَّوْبِ وَقَالَ فِي قَوْمٍ فِي سَفِينَةٍ وَلَيْسَ فِيهَا مَوْضِعٌ يَقُومُ فيه إلَّا وَاحِدٌ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ مِنْ قُعُودٍ وَلَا يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَقَلَ الْجَوَابَ في كل واحدة من المسئلتين إلَى الْأُخْرَى وَقَالَ فِيهِمَا قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُمَا عَلَى ظَاهِرِهِمَا فَقَالَ فِي السُّتْرَةِ يَنْتَظِرُونَ وَإِنْ خَافُوا الْفَوْتَ وَلَا يَنْتَظِرُونَ فِي الْقِيَامِ لان القيام يسقط مَعَ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَتْرُكُهُ إلَى بَدَلٍ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالسَّتْرُ يَتْرُكُهُ إلَى غَيْرِ بدل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يُسْتَحَبُّ لِمَنْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ أَنْ يُعِيرَهُ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِعَارَةُ كَمَا لَا يَلْزَمُهُ بَذْلُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ بِخِلَافِ بَذْلِهِ لِلْعَطْشَانِ إذْ لَا بَدَلَ لِلْعَطَشِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بِالتَّيَمُّمِ وَعَارِيًّا وَإِذَا امْتَنَعَ مِنْ إعَارَتِهِ لَمْ يَجُزْ قَهْرُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ أَعَارَ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ قَبُولُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وبه قطح الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ فِيهِ مِنَّةً وَهَذَا لَيْسَ بشئ وَإِنْ وَهَبَهُ لَهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا الصَّحِيحُ لَا يَجِبُ الْقَبُولُ لِلْمِنَّةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَالثَّانِي يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَيْسَ لَهُ رَدُّهُ عَلَى الْوَاهِبِ بَعْدَ قَبْضِهِ إلَّا بِرِضَى الْوَاهِبِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ الْقَبُولُ وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِيهِ عَلَى الْوَاهِبِ وَيَلْزَمُ الْوَاهِبَ بَعْدَ ذَلِكَ قَبُولُهُ
وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَإِذَا ضَمَمْنَا مَسْأَلَةَ الْعَارِيَّةِ إلَى الْهِبَةِ حَصَلَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَجِبُ قَبُولُ الْعَارِيَّةِ دُونَ الْهِبَةِ وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الْقَبُولُ فِيهِمَا وَالثَّالِثُ يَجِبُ فِيهِمَا وَالرَّابِعُ يَجِبُ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْعَارِيَّةِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَكَأَنَّ قَائِلَهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْعَارِيَّةَ مضمومة بخلاف الهبة وهذا ليس بشئ وَحَيْثُ وَجَبَ الْقَبُولُ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى عُرْيَانًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فِي حَالِ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ أَمَّا إذَا أَعَارَ جَمَاعَتَهُمْ وَلَمْ يُعَيِّنْ وَاحِدًا فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ صَلَّى فِيهِ وَاحِدٌ بَعْدَ وَاحِدٍ فَإِنْ تَنَازَعُوا فِي الْمُتَقَدِّمِ أُقْرِعَ بينهم وان ضلق الْوَقْتُ فَفِيهِ نُصُوصٌ لِلشَّافِعِيِّ وَطُرُقٌ لِلْأَصْحَابِ وَكَلَامٌ مَبْسُوطٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ولو رجع المعير في العاريد فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَزَعَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ ولا اعادة
عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا وَجَدَ سُتْرَةً تُبَاعُ أَوْ تُؤَجَّرُ وَقَدِرَ عَلَى الثَّمَنِ أَوْ الْأُجْرَةِ لَزِمَهُ الشِّرَاءُ أَوْ الِاسْتِئْجَارُ بِثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الحاوى وغيره ويجئ فِيهِ التَّفْرِيعُ السَّابِقُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَإِذَا وَجَبَ تَحْصِيلُهُ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ فَتَرَكَهُ وَصَلَّى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِقْرَاضُ الثَّمَنِ كَإِقْرَاضِ ثَمَنِ الْمَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي التَّيَمُّمِ وَلَوْ احْتَاجَ إلَى شِرَاءِ الثَّوْبِ وَالْمَاءِ لِلطَّهَارَةِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا اشْتَرَى الثَّوْبَ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لَهُ وَلِأَنَّهُ يَدُومُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا فِي التَّيَمُّمِ: (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ الْعَارِي إلَّا ثَوْبًا لِغَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَ اسْتِئْذَانُ صَاحِبِهِ فِيهِ فَعَلَ وَإِلَّا حَرُمَتْ الصَّلَاةُ فيه وصلى عريانا والا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ وَاضِحًا فَقَدْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي سَوَاءٌ كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِذْنِ صَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الثَّالِثَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا ثَوْبٌ طَرَفُهُ نَجِسٌ وَلَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ بِقَطْعِهِ مِنْ النَّقْصِ قَدْرَ أُجْرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ قَطْعُهُ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْهُ وَقَدْ سَبَقَتْ فِي طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَسَبَقَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ مَنْ كَانَ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَمَعَهُ ثَوْبٌ لَا يَكْفِي الْعَوْرَةَ وَسَتْرَ النَّجَاسَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَظْهَرُهُمَا يَبْسُطُهُ عَلَى النَّجَاسَةِ وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَ مَعَهُ ثَوْبٌ
وَأَتْلَفَهُ أَوْ خَرَقَهُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ عَصَى وَيُصَلِّي عَارِيًّا وَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَفَهًا وَقَدْ سَبَقَتْ مَسْأَلَةُ الْإِرَاقَةِ وَإِتْلَافِ الثَّوْبِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مُسْتَوْفَاتَيْنِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الدَّارِمِيُّ لَوْ قَدَرَ الْعُرْيَانُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الماء ويسجد في الشط لا يلزمه
*
* قال المصنف رحمه الله
*
*
(باب استقبال القبلة)
*
* (استقبال القبلة شرط في صحة الصلاة الا في حالين في شدة الخوف وفى النافلة في السفر والاصل فيه قوله تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره))
*
*
* (الشَّرْحُ)
* اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْحَالَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى تَفْصِيلٍ يَأْتِي فِيهِمَا فِي مَوْضِعِهِمَا وَهَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْصِيلِهِ وَالْمُرَادُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ هُنَا الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا وشطر الشئ يُطْلَقُ عَلَى جِهَتِهِ وَنَحْوِهِ وَيُطْلَقُ عَلَى نِصْفِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا الْأَوَّلُ: وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ قَدْ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْكَعْبَةُ فَقَطْ وَقَدْ يراد به المسجد وحولها مَعَهَا وَقَدْ يُرَادُ بِهِ مَكَّةُ كُلُّهَا وَقَدْ يراد به مكة مع الحرم حولها بِكَمَالِهِ وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الشَّرْعِ
بِهَذِهِ الْأَقْسَامِ الْأَرْبَعَةِ فَمِنْ الْأَوَّلِ قَوْلُ اللَّهِ تعالي (فول وجهك شطر المسجد الحرام) وَمِنْ الثَّانِي قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إلَى آخِرِهِ " وَمِنْ الرَّابِعِ قَوْله تَعَالَى (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام) وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ مَكَّةُ فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) وَكَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ دُورِ مَكَّةَ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المسجد الحرام) قِيلَ مَكَّةُ وَقِيلَ الْحَرَمُ وَهُمَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَنُوَضِّحُهُمَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى
(وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سواء العاكف فيه والباد) هُوَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ الْمَسْجِدُ حَوْلَ الْكَعْبَةِ مَعَ الْكَعْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَا إجَارَتُهُ وَالنَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ وَأَمَّا دُورُ مَكَّةَ وَسَائِرُ بِقَاعِهَا فَيَجُوزُ بَيْعُهَا وَإِجَارَتُهَا وَحَمَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ عَلَى جَمِيعِ الْحَرَمِ فَلَمْ يجوزوا بيع شئ مِنْهُ وَلَا إجَارَتَهُ وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَبْسُوطَةً حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يتعلق بالمسجد الحرام وَقَدْ بَسَطْته فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَصْلِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ: عن البراء بن عازم رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَلَّى قُبُلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةُ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ وَهُمْ رَاكِعُونَ فَقَالَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُبُلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قُبُلَ الْبَيْتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِمَكَّةَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَالْكَعْبَةُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ثُمَّ صُرِفَ إلَى الْكَعْبَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ أَصْلُ الْقِبْلَةِ الْجِهَةُ وَسُمِّيَتْ الْكَعْبَةُ قبلة لان المصلى يقابها ووتقابله * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِهِ لِمَا رَوَى أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُصَلِّ وَخَرَجَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ قِبَلَ الْكَعْبَةِ وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أُسَامَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ وَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلُهُ قُبُلَ الْكَعْبَةِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَالْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْبَاءِ قِيلَ مَعْنَاهُ مَا اسْتَقْبَلَك مِنْهَا وَقِيلَ مُقَابِلُهَا وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِقُبُلِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْقِبْلَةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ أَنَّ أَمْرَ الْقِبْلَةِ قَدْ اسْتَقَرَّ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ فَلَا يُنْسَخُ بَعْدَ الْيَوْمِ فَصَلُّوا إلَيْهِ أَبَدًا فَهُوَ قِبْلَتُكُمْ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَّمَهُمْ سُنَّةَ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَأَنَّهُ يَقِفُ
فِي وَجْهِهَا دُونَ أَرْكَانِهَا وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي جَمِيعِ جِهَاتِهَا مُجْزِئَةً هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَيَحْتَمِلُ مَعْنًى ثَالِثًا وَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْكَعْبَةُ هِيَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ لَا كُلَّ الْحَرَمِ وَلَا مَكَّةَ وَلَا الْمَسْجِدَ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ بَلْ هِيَ الْكَعْبَةُ نَفْسُهَا فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ دَخَلَ الْبَيْتَ وَلَمْ يُصَلِّ
قَدْ رَوَى بِلَالٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " صلي في الكعية " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَخَذَ الْعُلَمَاءُ بِرِوَايَةِ بِلَالٍ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلِأَنَّهُ مُثْبِتٌ فَقُدِّمَ عَلَى النَّافِي وَمَعْنَى قَوْلِ أُسَامَةَ لَمْ يُصَلِّ لَمْ أَرَهُ صَلَّى وَسَبَبُ قَوْلِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الْكَعْبَةَ هُوَ وَبِلَالٌ وَأُسَامَةُ وَعُثْمَانُ بْنُ شَيْبَةَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ وَصَلَّى فلم يره اسامة لا غلاق الْبَابِ وَلِاشْتِغَالِهِ بِالدُّعَاءِ وَالْخُضُوعِ وَقَوْلُهُ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ يَجُوزُ فَتْحُ الْحَاءِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ بِحَضْرَةِ الْكَعْبَةِ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ إلَى عَيْنِهَا لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَيَّ جِهَةٍ مِنْهَا أَرَادَ فَلَوْ وَقَفَ عِنْدَ طَرَفِ رُكْنٍ وَبَعْضُهُ يُحَاذِيهِ وَبَعْضُهُ يَخْرُجُ عَنْهُ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَصِحُّ قَالَ الْإِمَامُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَقْبِلْهَا كُلُّهُ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْحِجْرَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَلَمْ يَسْتَقْبِلْ الْكَعْبَةَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مِنْ الْبَيْتِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " الْحِجْرُ مِنْ الْبَيْتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " سِتُّ أَذْرُعٍ مِنْ الْحِجْرِ مِنْ الْبَيْتِ " وَلِأَنَّهُ لَوْ طَافَ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ وَأَصَحُّهُمَا بِالِاتِّفَاقِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّ كَوْنَهُ مِنْ الْبَيْتِ مَظْنُونٌ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِقُرْبِ الْكَعْبَةِ وَالْمَأْمُومُونَ خَلْفَهُ مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ جَازَ وَلَوْ وَقَفُوا فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَامْتَدَّ صَفٌّ طَوِيلٌ جَازَ وَإِنْ وَقَفَ بِقُرْبِهِ وَامْتَدَّ الصَّفُّ فَصَلَاةُ الْخَارِجِينَ عَنْ مُحَاذَاةِ الكعبة باطلة * قال المصنف رحمه الله
*
* (فان دخل البيت وصلي فيه جاز لانه متوجه الي جزء من البيت والافضل أن يصلي النفل في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الحرام "
والافضل أن يصلي الفرض خارج البيت لانه يكثر الجمع فكان أعظم للاجر)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْكَعْبَةِ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
* وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ لَا يَجُوزُ الْفَرْضُ وَلَا النَّفَلُ وَبِهِ قَالَ أَصْبَغُ بن الفرج
الْمَالِكِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الظَّاهِرِيَّةِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ النَّفَلُ الْمُطْلَقُ دُونَ الْفَرْضِ وَالْوِتْرِ: دَلِيلُنَا حَدِيثُ بِلَالٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ قَرِيبًا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى فِي الْكَعْبَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَيَّ جِدَارٍ شَاءَ وَلَهُ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْبَابَ إنْ كَانَ مَرْدُودًا أَوْ مَفْتُوحًا وَلَهُ عَتَبَةٌ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَقْرِيبًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَلَنَا وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْعَتَبَةِ كَوْنُهَا بِقَدْرِ ذراع وقيل بشترط قَدْرُ قَامَةِ الْمُصَلِّي طُولًا وَعَرْضًا وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَكْفِي شُخُوصُهَا بِأَيِّ قَدْرٍ كَانَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنَّفَلُ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ منه خارجها
وَكَذَا الْفَرْضُ إنْ لَمْ يَرْجُ جَمَاعَةً أَوْ أَمْكَنَ الْجَمَاعَةُ الْحَاضِرِينَ الصَّلَاةُ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَخَارِجَهَا أَفْضَلُ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ مُطْلَقًا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَضَاءُ الْفَرِيضَةِ الْفَائِتَةِ فِي الْكَعْبَةِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَضَائِهَا خَارِجَهَا قَالَ وكل ما قرب منها كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا بَعُدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَذَا الْمَنْذُورَةُ فِي الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَا مَوْضِعَ أَفْضَلُ وَلَا أَطْهَرُ لِلصَّلَاةِ مِنْ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِالْحَدِيثِ عَلَى فَضْلِ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ فَمِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ خَصَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِالْكَعْبَةِ وَلَيْسَ هُوَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُخْتَصًّا بِهَا بَلْ يَتَنَاوَلُهَا هِيَ وَالْمَسْجِدَ حَوْلَهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ عَنْ الْمُصَنِّفِ وَيُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ اخْتِصَاصَ الْحَدِيثِ بِالْكَعْبَةِ بَلْ أَرَادَ بَيَانَ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَقَدْ عَلِمَ أن الكعبة افضله فكانت الصلاة فيها أفضل.
فان قيل كيف جزمتم بان الصلاة في الْكَعْبَةَ أَفْضَلُ مِنْ خَارِجِهَا مَعَ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّتِهَا وَالْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ مُسْتَحَبٌّ فَالْجَوَابُ أَنَّا إنَّمَا نَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ مِنْ خِلَافٍ مُحْتَرَمٍ وَهُوَ الْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةٍ اجْتِهَادِيَّةٍ
أَمَّا إذَا كَانَ الْخِلَافُ مُخَالِفًا سُنَّةً صَحِيحَةً كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا حُرْمَةَ لَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مِنْهُ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ تَبْلُغْهُ هَذِهِ السُّنَّةُ وَإِنْ بَلَغَتْهُ وَخَالَفَهَا فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَيْسَ فِي الْأَرْضِ مَوْضِعٌ أَحَبَّ إلَيَّ أَنْ أَقْضِيَ فِيهِ الصَّلَاةَ الْفَائِتَةَ مِنْ الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْفَضِيلَةَ فِي الْقُرْبِ مِنْهَا لِلْمُصَلِّي فَكَانَتْ الْفَضِيلَةُ فِي بَطْنِهَا أَوْلَى
*
(فَرْعٌ)
فِي قَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ صَرَّحَ بِهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهِيَ مَفْهُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْبَاقِينَ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْعِبَادَةِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى فَضِيلَةٍ تَتَعَلَّقُ بِمَكَانِ الْعِبَادَةِ وَتَتَخَرَّجُ عَلَى هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسَائِلُ مَشْهُورَةٌ فِي الْمَذْهَبِ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَهِيَ أَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ خَارِجَ الْكَعْبَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الصَّلَاةِ وَالْكَعْبَةُ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْمَوْضِعِ وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ فِي كُلِّ الْمَسَاجِدِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ مَسْجِدٌ لَيْسَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَهُنَاكَ جَمَاعَةٌ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ فَصَلَاتُهُ مَعَ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْهَا أَنَّ صَلَاةَ النَّفْلِ فِي بَيْتِ الْإِنْسَانِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ شَرَفِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ فَضِيلَةٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا فَإِنَّهُ سَبَبٌ لِتَمَامِ الْخُشُوعِ وَالْإِخْلَاصِ وَأَبْعَدُ مِنْ الرِّيَاءِ وَالْإِعْجَابِ وَشَبَهِهِمَا حَتَّى أَنَّ صَلَاتَهُ النَّفَلَ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلصَّحَابَةِ رضي الله عنهم حِينَ صَلَّوْا فِي مَسْجِدِهِ النَّافِلَةَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهِ فِي مَسْجِدِي هَذَا " وَمِنْهَا أَنَّ الْقُرْبَ مِنْ الْكَعْبَةِ فِي الطَّوَافِ مُسْتَحَبٌّ وَالرَّمَلُ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ فَلَوْ مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّمَلُ مَعَ الْقُرْبِ وَأَمْكَنَهُ مَعَ الْبَعْدِ فَالْمُحَافَظَةُ عَلَى الرَّمَلِ مَعَ الْبَعْدِ أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْقُرْبِ بِلَا رَمَلٍ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَنَظَائِرُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَشْهُورَةٌ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ صَلَّى عَلَى سَطْحِهِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ مُتَّصِلَةٌ بِهِ جَازَ لِأَنَّهُ مُتَوَجِّهٌ إلَى جُزْءٍ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ
بين يديه سترة متصلة لَمْ يَجُزْ لِمَا رَوَى عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " سَبْعَةُ مَوَاطِنَ لَا تَجُوزُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَذَكَرَ فَوْقَ بَيْتِ اللَّهِ الْعَتِيقِ " وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم ولم يصل إليه مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى طَرَفِ السَّطْحِ وَاسْتَدْبَرَهُ فَإِنْ كَانَ بين يديه عصا مغروزة غير مبنية وَلَا مُسَمَّرَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ
أَحَدُهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمَغْرُوزَ مِنْ الْبَيْتِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ الْأَوْتَادُ الْمَغْرُوزَةُ فِي بَيْعِ الدَّارِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَّصِلَةٍ بِالْبَيْتِ وَلَا مَنْسُوبَةٍ إلَيْهِ وَإِنْ صَلَّى فِي عَرْصَةِ الْبَيْتِ وَلَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِأَنَّهُ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يُصَلِّ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ عذر فاشبه إذا صلي علي السطح وقالوا أَبُو الْعَبَّاسِ يَجُوزُ لِأَنَّهُ صَلَّى إلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَرْضِ الْبَيْتِ فَأَشْبَهَ إذَا خرج من البيت وصلي إلى أرضه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه ضَعِيفٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ احْتِرَازٌ مِنْ حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالنَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ وَقَوْلُهُ غَيْرُ مَبْنِيَّةٍ هِيَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَقَدْ يُقَالُ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ ثُمَّ تَاءٌ مُثَنَّاةٌ فَوْقُ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وَالْعَرْصَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ لَا غَيْرُ (أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْعَالِيَةِ عَلَى الْكَعْبَةِ بِقُرْبِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَقْبِلًا وَإِنْ وَقَفَ عَلَى سَطْحِ الْكَعْبَةِ نُظِرَ إنْ وَقَفَ على طرفها واستدبر باقبها لم تصح صلاته بالاتفاق لعدم استقبال شئ مِنْهَا وَهَكَذَا لَوْ انْهَدَمَتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ فَوَقَفَ علي طَرَفَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَدْبَرَ بَاقِيَهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَلَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَهَا صَحَّ بِلَا خلاف اما إذا وقف في وَسْطَ السَّطْحِ أَوْ الْعَرْصَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بين يديه شئ شَاخِصٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ
عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ تَصِحُّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ وَكَمَا لَوْ وَقَفَ خَارِجَ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ هُنَا مُسْتَقْبِلًا بِخِلَافِ مَا قَاسَ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي لِابْنِ سُرَيْجٍ جَارٍ فِي الْعَرْصَةِ وَالسَّطْحِ كَمَا ذَكَرْنَا كَذَا نَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَقُولُ بِهِ فِي السَّطْحِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بين يديه شئ شَاخِصٌ مِنْ أَجْزَاءِ
الْكَعْبَةِ كَبَقِيَّةِ جِدَارٍ وَرَأْسِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِرَاعٌ وَقِيلَ يَكْفِي أَدْنَى شُخُوصٍ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَدْرَ قَامَةِ المصلي طولا دون عرضا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الذى قطع به الجمهور الاول هو ثُلُثًا ذِرَاعٍ وَلَوْ وَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ مَتَاعًا وَاسْتَقْبَلَهُ لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ شَجَرَةً ثَابِتَةً أَوْ جَمَعَ تُرَابَ الْعَرْصَةِ أَوْ السطح واستقبله أَوْ حَفَرَ حُفْرَةً وَوَقَفَ فِيهَا أَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ السَّطْحِ أَوْ الْعَرْصَةِ وَاسْتَقْبَلَ الطَّرَفَ الآخر وهو مرتفع عن موقفه صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اسْتَقْبَلَ حَشِيشًا نَابِتًا عَلَيْهَا أَوْ خَشَبَةً أَوْ عَصًا مَغْرُوزَةً غَيْرَ مسمرة
فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِحُّ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ كَانَتْ الْعَصَا مُثَبَّتَةً أَوْ مُسَمَّرَةً صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَكِنَّهُ يُخْرِجُ بَعْضَهُ عَنْ مُحَاذَاتِهَا وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيمَنْ خَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ بَعْضِ الْكَعْبَةِ لِوُقُوفِهِ عَلَى طَرَفِ رُكْنٍ قَالَ فَفِي هَذَا تَرَدُّدٌ ظَاهِرٌ عِنْدِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ هَذَا يَصِحُّ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ بَدَنِهِ عَنْ مُحَاذَاةِ الْعَصَا لِأَنَّهُ يُعَدُّ مُسْتَقْبِلًا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْخَارِجِ بَعْضُهُ عَنْ مُحَاذَاةِ الْكَعْبَةِ وَلِهَذَا قَطَعَ الْأَصْحَابُ بِالصِّحَّةِ إذَا كَانَتْ الْعَصَا مُسَمَّرَةً وَقَطَعُوا بِهَا أَيْضًا فِيمَا إذَا بَقِيَتْ بَقِيَّةٌ مِنْ أَصْلِ الْجِدَارِ قَدْرَ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَإِنْ كَانَتْ أَعَالِي بَدَنِهِ خَارِجَةً عَنْ مُحَاذَاتِهِ لِكَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا بِبَعْضِهِ جُزْءًا شَاخِصًا وَبِبَاقِيهِ هَوَاءَ الْكَعْبَةِ وَأَمَّا الْوَاقِفُ عَلَى طَرَفِ الرُّكْنِ فَلَمْ يَسْتَقْبِلْ ببعضه شيئا أصلا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَةِ الْبَيْتِ نَظَرْتَ فَإِنْ عَرَفَ الْقِبْلَةَ صَلَّى إلَيْهَا وَإِنْ أَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ عَنْ عِلْمٍ قَبِلَ قَوْلَهُ وَلَا يَجْتَهِدُ كَمَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ النَّصَّ مِنْ الثِّقَةِ وَلَا يَجْتَهِدُ وَإِنْ رَأَى مَحَارِيبَ الْمُسْلِمِينَ فِي بَلَدٍ صَلَّى إلَيْهَا وَلَا يَجْتَهِدُ لِأَنَّ ذَلِكَ بمنزلة الخبر)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا غَابَ عَنْ الْكَعْبَةِ وَعَرَفَهَا صَلَّى إلَيْهَا وَإِنْ جَهِلَهَا فَأَخْبَرَهُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي بَابِ نَجَاسَةِ الْمَاءِ بَيَانُ مَنْ يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُقْبَلُ خَبَرُ الْكَافِرِ فِي الْقِبْلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الصَّبِيُّ
الْمُمَيِّزُ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ فِيهِ نَصَّيْنِ لِلشَّافِعِيِّ أَحَدُهُمَا يُقْبَلُ وَالثَّانِي لَا قَالُوا فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِي قَبُولِ قَوْلِهِ هُنَا قَوْلَانِ لِلنَّصَّيْنِ وَقَالَ الْقَفَّالُ فيه
وَجْهَانِ وَكَذَا فِي قَبُولِ رِوَايَتِهِ حَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِ الْوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يُقْبَلُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ النَّصَّانِ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ دَلَّهُ عَلَى الْمِحْرَابِ أَوْ أَعْلَمَهُ بِدَلِيلٍ قَبِلَ مِنْهُ وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يَقْبَلُ مِنْهُ وَأَمَّا الْفَاسِقُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ هُنَا كَسَائِرِ أَخْبَارِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي فِي قَبُولِهِ وَجْهَانِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ هُنَا وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَاخْتَارَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْقَبُولَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّ الْكَافِرَ وَالْفَاسِقَ يُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي الْإِذْنِ فِي دُخُولِ الدَّارِ وَحَمْلِ الْهَدِيَّةِ.
أَمَّا الْمِحْرَابُ فَيَجِبُ اعْتِمَادُهُ وَلَا يَجُوزُ مَعَهُ الِاجْتِهَادُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَاحْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْمَحَارِيبَ لَا تُنْصَبُ إلَّا بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِسَمْتِ الْكَوَاكِبِ وَالْأَدِلَّةِ فَجَرَى ذَلِكَ مَجْرَى الْخَبَرِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْمِحْرَابَ إنَّمَا يُعْتَمَدُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ فِي بَلَدٍ كَبِيرٍ أَوْ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ يَكْثُرُ الْمَارُّونَ بِهَا بِحَيْثُ لَا يُقِرُّونَهُ عَلَى الْخَطَأِ فَإِنْ كَانَ فِي قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لَا يَكْثُرُ الْمَارُّونَ بِهَا لَمْ يَجُزْ اعْتِمَادُهُ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَا التَّفْصِيلَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَوْ رَأَى عَلَامَةً فِي طَرِيقٍ
يَقِلُّ فِيهِ مُرُورُ النَّاسِ أَوْ فِي طَرِيقٍ يَمُرُّ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَلَا يَدْرِي مَنْ نَصَبَهَا أَوْ رَأَى مِحْرَابًا فِي قَرْيَةٍ لَا يَدْرِي بَنَاهُ الْمُسْلِمُونَ أَوْ الْمُشْرِكُونَ أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً صَغِيرَةً لِلْمُسْلِمِينَ اتَّفَقُوا عَلَى جِهَةٍ يَجُوزُ وُقُوعُ الْخَطَأِ لِأَهْلِهَا فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَلَا يَعْتَمِدُهُ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ كَانَ فِي صَحْرَاءَ أَوْ قَرْيَةٍ صغيرة أو في مَسْجِدٍ فِي بَرِّيَّةٍ لَا يَكْثُرُ بِهِ الْمَارَّةُ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ قَالَ وَلَوْ دَخَلَ بَلَدًا قَدْ خَرِبَ وَانْجَلَى أَهْلُهُ فَرَأَى فِيهِ مَحَارِيبَ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ اعْتَمَدَهَا وَلَمْ يَجْتَهِدْ وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَاحْتُمِلَ أَنَّهَا مِنْ بِنَاءِ الْكُفَّارِ لَمْ يَعْتَمِدْهَا بَلْ يَجْتَهِدُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
فِي تَعْلِيقِهِ هَذَا التَّفْصِيلَ فِي الْبَلَدِ الْخَرَابِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى فِي مَدِينَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَقِّهِ كَالْكَعْبَةِ فَمَنْ يُعَايِنُهُ يَعْتَمِدُهُ وَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ بِالِاجْتِهَادِ بِحَالٍ وَيَعْنِي بِمِحْرَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَلَّاهُ وَمَوْقِفَهُ لانه لم يكن هذا المحراب الْمَعْرُوفُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا أُحْدِثَتْ الْمَحَارِيبُ بَعْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى مِحْرَابِ الْمَدِينَةِ سَائِرُ الْبِقَاعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا ضُبِطَ الْمِحْرَابُ وَكَذَا الْمَحَارِيبُ الْمَنْصُوبَةُ في
بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ فَلَا يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فِي الْجِهَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الِاجْتِهَادُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَإِنْ كَانَ مِحْرَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجُزْ بِحَالٍ وَإِنْ كَانَ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ فَفِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَجُوزُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ فِي الْكُوفَةِ خَاصَّةً وَالثَّالِثُ لَا يَجُوزُ فِيهَا وَلَا فِي الْبَصْرَةِ لِكَثْرَةِ مَنْ دَخَلَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَعْمَى يَعْتَمِدُ الْمِحْرَابَ بِمَسٍّ إذَا عَرَفَهُ بِالْمَسِّ حَيْثُ يَعْتَمِدُهُ الْبَصِيرُ وَكَذَا الْبَصِيرُ فِي الظُّلْمَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ الْأَعْمَى انه يَعْتَمِدُ مِحْرَابًا رَآهُ قَبْلَ الْعَمَى وَلَوْ اشْتَبَهَ عَلَى الْأَعْمَى مَوَاضِعَ لَمَسَهَا صَبَرَ حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُخْبِرُهُ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ صَلَّى علي حسب حاله وتجب الاعادة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان لم يكن شئ من ذلك فأن كان ممن يعرف الدلائل فان كان غائبا عن مَكَّةَ اجْتَهَدَ فِي طَلَبِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا إلَى مَعْرِفَتِهَا بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالْجِبَالِ وَالرِّيَاحِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يهتدون) فَكَانَ لَهُ أَنْ يَجْتَهِدَ كَالْعَالِمِ فِي الْحَادِثَةِ وَفِي فَرْضِهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ فَرْضُهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الْقِبْلَةِ لَزِمَهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ كَالْمَكِّيِّ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْجِهَةُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَرْضُ هُوَ الْعَيْنُ لَمَا صَحَّتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الطَّوِيلِ لِأَنَّ فِيهِمْ مَنْ
يَخْرُجُ عَنْ العين)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْغَائِبُ عَنْ أَرْضِ مَكَّةَ الْقِبْلَةَ وَلَمْ يَجِدْ مِحْرَابًا وَلَا مَنْ يُخْبِرُهُ عَلَى مَا سَبَقَ لَزِمَهُ الِاجْتِهَادُ فِي الْقِبْلَةِ وَيَسْتَقْبِلُ مَا أَدَّى إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِأَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ وَهِيَ كثيرة وفيها كتبء صنفة وَأَضْعَفُهَا الرِّيَاحُ لِاخْتِلَافِهَا وَأَقْوَاهَا الْقُطْبُ وَهُوَ نَجْمٌ صغير
فِي بَنَاتِ نَعْشٍ الصُّغْرَى بَيْنَ الْفَرْقَدَيْنِ وَالْجَدْيِ وَإِذَا اجْتَهَدَ وَظَنَّ الْقِبْلَةَ فِي جِهَةٍ بِعَلَامَةٍ صَلَّى إلَيْهَا وَلَا يَكْفِي الظَّنُّ بِلَا عَلَامَةٍ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْأَوَانِي فَإِنَّ فِيهَا وَجْهًا ضعيفا ان يكتفى الظَّنُّ فِيهَا بِغَيْرِ عَلَامَةٍ وَذَلِكَ الْوَجْهُ لَا يجئ هُنَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ هُنَاكَ الْفَرْقُ وَلَوْ تَرَكَ الْقَادِرُ عَلَى الِاجْتِهَادِ الِاجْتِهَادَ وَقَلَّدَ مُجْتَهِدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَادَفَ الْقِبْلَةَ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَظِيفَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَلَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى بِغَيْرِ تَقْلِيدٍ وَلَا اجْتِهَادٍ وَصَادَفَ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَسَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَمْ يَضِقْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ لِابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يُقَلِّدُ عِنْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ وَخَوْفِ الْفَوَاتِ
وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي فَرْضِ الْمُجْتَهِدِ وَمَطْلُوبِهِ قَوْلَانِ أحدهما جهة الكعبة بدليل صحة صلاته الصف الوطيل وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى صِحَّةِ صَلَاتِهِمْ وَأَصَحُّهُمَا عَيْنُهَا اتَّفَقَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَفَّالُ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ صَلَاةِ الصَّفِّ الطَّوِيلِ بِأَنَّ مَعَ طُولِ الْمَسَافَةِ تَظْهَرُ الْمُسَامَتَةُ وَالِاسْتِقْبَالُ كَالنَّارِ عَلَى جَبَلٍ وَنَحْوِهَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ فرضه
الْجِهَةُ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَلَيْسَ هُوَ بِمَعْرُوفٍ لِلشَّافِعِيِّ وكذا أنكره الشيخ أبو حامد وآخرون سلك إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ طَرِيقَةً أُخْرَى شَاذَّةً ضَعِيفَةً اخْتَرَعَهَا الْإِمَامُ تَرَكْتُهَا لِشُذُوذِهَا وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ لِلْقَوْلِ بِالْعَيْنِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ الْكَعْبَةَ خَرَجَ فَصَلَّى إلَيْهَا وَقَالَ هَذِهِ الْقِبْلَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهُوَ حَدِيثُ أسامة ابن زَيْدٍ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَاحْتَجُّوا لِلْجِهَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ " رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مَوْقُوفًا عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الْوَاجِبَ إصَابَةُ عَيْنِ الْكَعْبَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَاجِبُ الْجِهَةُ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عمرو ابن الْمُبَارَكِ وَسَبَقَ دَلِيلُهُمَا
* (فَرْعٌ)
فِي تَعَلُّمِ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَالثَّانِي) فَرْضُ عَيْنٍ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ كَتَعَلُّمِ الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانِهَا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ إلَّا أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا فَيَتَعَيَّنُ لِعُمُومِ حَاجَةِ الْمُسَافِرِ وَكَثْرَةِ الِاشْتِبَاهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ
أَطْلَقَ أَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إذْ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ السلف الزموا آحاد الناس يعلم أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى الْقِبْلَةِ سَهْلٌ غَالِبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وإن كان في أرض مكة فان كان بينه وبين البيت حائل أصلى كالجبل فهو كالغائب عن
مكة وإن كان بينهما حائل طارئ وهو البناء ففيه وجهان احدهما لا يجتهد لانه في أي موضع كان فرضه الرجوع إلى العين فلا يتغير بالحائل الطارئ والثانى يجتهد وهو ظاهر المذهب لان بينه وبين البيت حائل يمنع المشاهدة فاشبه إذا كان بينهما جبل)
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى بِمَكَّةَ خَارِجَ المسجد فان عاين الكعبة كمن يصل على أبى
قُبَيْسٍ أَوْ سَطْحِ دَارٍ وَنَحْوِهِ صَلَّى إلَيْهَا وَإِذَا بَنَى مِحْرَابَهُ عَلَى الْعِيَانِ صَلَّى إلَيْهِ أَبَدًا وَلَا يَحْتَاجُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ إلَى الْمُعَايَنَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْعِيَانِ مَنْ نَشَأَ بِمَكَّةَ وَتَيَقَّنَ إصَابَةَ الْكَعْبَةِ وَإِنْ لَمْ يُشَاهِدْهَا فِي حَالِ الصَّلَاةِ فَهَذَا فَرْضُهُ إصَابَةُ الْعَيْنِ قَطْعًا وَلَا اجْتِهَادَ فِي حَقِّهِ فَأَمَّا من لا بعاين الْكَعْبَةَ
وَلَا يَتَيَقَّنُ الْإِصَابَةَ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَائِلٌ أَصْلِيٌّ كَالْجَبَلِ فَلَهُ الِاجْتِهَادُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَلَا يَلْزَمُهُ صُعُودُ الْجَبَلِ لِتَحْصِيلِ الْمُشَاهَدَةِ لِأَنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ مَشَقَّةً وَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ طَارِئًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيِّ وَالرَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاجْتِهَادُ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ والمحاملي والجرجاني * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ اجْتَهَدَ رَجُلَانِ فَاخْتَلَفَا فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يُقَلِّدْ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ وَلَا يُصَلِّي أَحَدُهُمَا خَلْفَ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ بطلان اجتهاد صاحبه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الَّذِي قَالَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ قَالَ تَصِحُّ صَلَاةُ أَحَدِهِمَا خَلْفَ الْآخَرِ وَيَسْتَقْبِلُ كُلُّ واحد ما طهر لَهُ بِالِاجْتِهَادِ فَلَوْ تَعَاكَسَ ظَنُّهُمَا صَارَ وَجْهُهُ الي وجهه
كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلُّوا حَوْلَ الْكَعْبَةِ وَكُلُّ واحد الي جهة دليلنا ما ذكره المصنف والفرق أن في مسألة الكعبة كل وَاحِدٍ يَعْتَقِدُ صِحَّةَ صَلَاةِ إمَامِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ كَانَ اخْتِلَافُهُمَا فِي تَيَامُنٍ قَرِيبٍ وَتَيَاسُرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ مُرَاعَاةُ ذلك لم يصح الاقتداء والا فيصح
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ إلَى جِهَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ صلاة أخرى ففيه وجهان
(أحدهما)
يُصَلِّي بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ أَنْ يُعِيدَ الِاجْتِهَادَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ كَمَا تَقُولُ فِي الْحَاكِمِ إذا اجتهد في حادثة ثم حدثث تلك الحادثة مرة أخرى)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ إعَادَةِ الِاجْتِهَادِ وَبِهِ قَطَعَ
كثيرون وهو المنصوص في الام وقد سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي الْمُتَيَمِّمِ إذَا طَلَبَ الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ وَصَلَّى وَبَقِيَ فِي مَوْضِعِهِ حَتَّى حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى قَالَ الرَّافِعِيُّ قِيلَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يُفَارِقْ مَوْضِعَهُ فَإِنْ فَارَقَهُ وَجَبَ الِاجْتِهَادُ وَجْهًا وَاحِدًا كَالتَّيَمُّمِ قَالَ وَلَكِنَّ الْفَرْقَ ظَاهِرٌ وَلَا يُحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الِاجْتِهَادِ للنافلة بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ اجْتَهَدَ لِلصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ فَأَدَّاهُ الِاجْتِهَادُ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى صَلَّى الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَلَا يَلْزَمُهُ إعَادَةُ مَا صَلَّاهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى كَالْحَاكِمِ إذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُنْقَضْ مَا حَكَمَ فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ الْأَوَّلِ وَإِنْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةً بِاجْتِهَادَيْنِ كَمَا لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ فِي قَضِيَّةٍ بِاجْتِهَادَيْنِ وَالثَّانِي يجوز لانا لو ألزمناه أن يستأنف نقضناه مَا أَدَّاهُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ بِاجْتِهَادٍ بَعْدَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ شَكَّ فِي اجْتِهَادِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ ظَاهِرٌ وَالظَّاهِرُ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ)
*
*
* (الشرح)
* في الفصل ثلاث مسائل (احداهما) لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ حَضَرَتْ صَلَاةٌ أُخْرَى فَاجْتَهَدَ لَهَا سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الِاجْتِهَادَ ثَانِيًا أَمْ لَا فَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ يَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يلزم اعادة شئ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ فَلَا إعَادَةَ فِي شئ مِنْهُنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا
أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُنَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ هُوَ قول الاستاذ أبي اسحق الْإسْفَرايِينِيّ وَحَكَوْا وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ غَيْرِ الْأَخِيرَةِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ: (الثَّانِيَةُ) لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا أَحَدُهُمَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَسْتَأْنِفُ بَلْ يَنْحَرِفُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَيَبْنِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الثَّانِي لو
صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ بِاجْتِهَادَاتٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ كَالصَّلَوَاتِ وَخَصَّ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَ الدَّلِيلُ الثَّانِي أَوْضَحَ مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ فَإِنْ اسْتَوَيَا تَمَّمَ صَلَاتَهُ إلَى الْجِهَةِ الْأُولَى وَلَا إعَادَةَ وَالْمَشْهُورُ إطْلَاقُ الْوَجْهَيْنِ (الثَّالِثَةُ) إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ شَكَّ فِيهِ ولم يترجح له شئ مِنْ الْجِهَاتِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى جِهَتِهِ وَلَا إعَادَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا
عليه * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان صلي ثم تيقن الخطأ ففيه قولان قال في الام يلزمه أن يعيد لانه تَعَيَّنَ لَهُ يَقِينُ الْخَطَأِ فِيمَا يَأْمَنُ مِثْلَهُ في القضاء فلم يعتد بما مضى كالحاكم إذا حكم ثم وجد النص بخلافه وقال في القديم والصيام من الجديد لا يلزمه لانه جهة تجوز الصلاة إليها بالاجتهاد فأشبه إذا لم يتيقن الخطا وان صلي إلى جهة ثم رأى القبلة في يمينها أو شمالها لم يعد لان الخطأ في ليمين والشمال لا يعلم قطعا فلا ينقض به الاجتهاد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ تَعَيَّنَ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَلَّى صَلَاتَيْنِ بِاجْتِهَادَيْنِ إلَى جِهَتَيْنِ فَإِنَّهُ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي إحْدَاهُمَا فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتَعَيَّنْ الَّتِي أَخْطَأَ فِيهَا وَقَوْلُهُ يَقِينُ الْخَطَأِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا صَلَّى إلَى جِهَةٍ ثُمَّ ظَهَرَ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْقِبْلَةَ غَيْرُهَا فَقَدْ تَعَيَّنَ الخطأ بالظن لا باليقين وقوله فيما يُؤْمَنُ مِثْلُهُ فِي الْقَضَاءِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ أَكَلَ فِي الصَّوْمِ نَاسِيًا أَوْ وَقَفَ لِلْحَجِّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ غَالِطًا
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ اصحابنا رحمهم
اللَّهُ إذَا صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ الْخَطَأُ فِي الِاجْتِهَادِ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي اجْتِهَادِهِ أَعْرَضَ عَنْهُ وَاعْتَمَدَ الْجِهَةَ الَّتِي يَعْلَمُهَا أَوْ يَظُنُّهَا الْآنَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَقَّنْ بَلْ ظَنَّ أَنَّ الصَّوَابَ جِهَةٌ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ دَلِيلُ الثَّانِي عِنْدَهُ أَوْضَحَ مِنْ الْأَوَّلِ اعْتَمَدَ الثَّانِي وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ أَوْضَحَ اعْتَمَدَهُ وَإِنْ تَسَاوَيَا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَتَخَيَّرُ فِيهِمَا وَالثَّانِي يُصَلِّي إلَى الْجِهَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ (الْحَالُ
الثَّانِي) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَيَقَّنَهُ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ فَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ سَوَاءٌ تَيَقَّنَ مَعَ الْخَطَأِ جِهَةَ الصَّوَابِ أَمْ لَا وَقِيلَ الْقَوْلَانِ إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ وَلَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّوَابَ فَأَمَّا إذَا تَيَقَّنَهُمَا فَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وقيل القولان إذا تيقن الخطأ وتيقن الصَّوَابَ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الصَّوَابَ فَلَا إعَادَةَ قَوْلًا وَاحِدًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ تَيَقَّنَ خَطَأَ الَّذِي قَلَّدَهُ الْأَعْمَى فَهُوَ كَمَا لَوْ تَيَقَّنَ الْمُجْتَهِدُ خَطَأَ نَفْسِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَيَقَّنْ الْخَطَأَ وَلَكِنْ ظَنَّهُ فَلَا إعَادَةَ حَتَّى لَوْ صَلَّى أَرْبَعَ صَلَوَاتٍ إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَظْهَرَ الْخَطَأُ فِي أَثْنَائِهَا وَهُوَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا يَظْهَرُ الْخَطَأُ وَيَظْهَرُ الصَّوَابُ مُقْتَرِنًا بِهِ فَإِنْ كَانَ الْخَطَأُ مُتَيَقَّنًا بَنَيْنَاهُ عَلَى تَيَقُّنِ الْخَطَأِ بَعْدَ الْفَرَاغِ فَإِنْ قُلْنَا بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يَنْحَرِفُ إلَى جِهَةِ الصَّوَابِ وَيَبْنِي وَالثَّانِي تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْخَطَأُ مُتَيَقَّنًا بَلْ مَظْنُونًا فَفِيهِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ أَوْ الْقَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ السَّابِقِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ رُجْحَانِ الدَّلِيلِ الثَّانِي وَعَدَمِهِ: الضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ لَا يَظْهَرَ الصَّوَابُ مَعَ الْخَطَأِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوَابِ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى الْقُرْبِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ عَلَى الْقُرْبِ فَهَلْ يَنْحَرِفُ وَيَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ فِيهِ طريقان أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى غَيْرِ قِبْلَةٍ مَحْسُوبَةٍ: مِثَالُ ظُهُورِ الْخَطَأِ دُونَ الصَّوَابِ أَنْ يَعْرِفَ أَنَّ قِبْلَتَهُ عَنْ يَسَارِ الْمَشْرِقِ وَكَانَ هُنَاكَ غَيْمٌ فَذَهَبَ وَظَهَرَ كَوْكَبٌ قَرِيبٌ مِنْ الْأُفُقِ وَهُوَ مُسْتَقْبِلُهُ فَعَلِمَ الْخَطَأَ يَقِينًا وَلَمْ يَعْلَمْ الصَّوَابَ إذْ يُحْتَمَلُ كَوْنُ الْكَوْكَبِ فِي الْمَشْرِقِ وَيُحْتَمَلُ الْمَغْرِبُ لَكِنْ قَدْ يَعْرِفُ الصَّوَابَ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ يَرْتَفِعَ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَشْرِقٌ أَوْ يَنْحَطَّ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ مَغْرِبٌ وَتُعْرَفُ بِهِ الْقِبْلَةُ وَقَدْ يَعْجِزُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنْ يُطْبِقُ الْغَيْمُ عَقِبَ ظُهُورِ الْكَوْكَبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: هَذَا كُلُّهُ إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي الْجِهَةِ أَمَّا إذَا ظَهَرَ الْخَطَأُ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ فَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ بِالِاجْتِهَادِ وَظَهَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ قَطْعًا وَالصَّلَاةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا انْحَرَفَ وَأَتَمَّهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ ظُهُورُهُ يَقِينًا وَقُلْنَا الْفَرْضُ جِهَةُ الْكَعْبَةِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا
عَيْنُهَا فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَوُجُوبِ الِاسْتِئْنَافِ فِي الْأَثْنَاءِ الْقَوْلَانِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ
وَغَيْرُهُ وَلَا يُتَيَقَّنُ الْخَطَأُ فِي الِانْحِرَافِ مَعَ الْبُعْدِ مِنْ مَكَّةَ وَإِنَّمَا يُظَنُّ وَمَعَ الْقُرْبِ يُمْكِنُ الْيَقِينُ وَالظَّنُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا كَالتَّوَسُّطِ بَيْنَ خِلَافٍ أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ هَلْ يُتَيَقَّنُ الْخَطَأُ فِي الِانْحِرَافِ مِنْ غَيْرِ مُعَايَنَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ بَيْنَ الْقُرْبِ مِنْ مَكَّةَ وَالْبُعْدِ فَقَالُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِالْمُعَايَنَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُتَصَوَّرُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اجْتَهَدَ جَمَاعَةٌ فِي الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ اجْتِهَادُهُمْ فَأَمَّهُمْ أَحَدُهُمْ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ مَأْمُومٍ لَزِمَهُ الْمُفَارَقَةُ وَيَنْحَرِفُ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ وَهَلْ لَهُ الْبِنَاءُ أَمْ عَلَيْهِ الِاسْتِئْنَافُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي تَغَيُّرِ الِاجْتِهَادِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَهَلْ هُوَ مُفَارِقٌ بِعُذْرٍ أَمْ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِتَرْكِهِ كَمَالَ الْبَحْثِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا بِعُذْرٍ وَلَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُ الْإِمَامِ انْحَرَفَ إلَى الْجِهَةِ الثَّانِيَةِ بَانِيًا أَوْ مُسْتَأْنِفًا عَلَى الْخِلَافِ وَيُفَارِقُهُ الْمَأْمُومُ وَهِيَ مُفَارَقَةٌ بِعُذْرٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي التَّيَامُنِ وَالتَّيَاسُرِ وَالْجِهَةُ وَاحِدَةٌ فَإِنْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمُجْتَهِدِ رِعَايَةَ ذَلِكَ وَجَعَلْنَاهُ مُؤَثِّرًا فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِهَةِ فَلَا يَقْتَدِي أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ وَيَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ وَلَوْ شَرَعَ الْمُقَلِّدُ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّقْلِيدِ فَقَالَ لَهُ عَدْلٌ أَخْطَأَ بِكَ فُلَانٌ فَلَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يكون قوله عن اجتهاد فان كان قول الْأَوَّلُ أَرْجَحَ عِنْدَهُ لِزِيَادَةِ عَدَالَتِهِ أَوْ مَعْرِفَتِهِ أَوْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ شَكَّ لَمْ يَجِبْ الْعَمَلُ بِقَوْلِ الثَّانِي وَفِي جَوَازِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمُقَلِّدَ إذَا اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ اثْنَيْنِ هَلْ يَجِبُ
الْأَخْذُ بِأَعْلَمِهِمَا أَمْ يَتَخَيَّرُ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ لَا يَجُوزُ أَيْضًا وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ فَهُوَ كَتَغَيُّرِ اجْتِهَادِ الْبَصِيرِ فَيَنْحَرِفُ وَهَلْ يَبْنِي أَمْ يَسْتَأْنِفُ فِيهِ الْخِلَافُ وَلَوْ قَالَ لَهُ الْمُجْتَهِدُ الثَّانِي بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي أَرْجَحَ كَمَا لَوْ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ الْحَالُ الثَّانِي أَنْ يُخْبِرَ عَنْ عِلْمٍ وَمُشَاهَدَةٍ فَيَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِهِ وَإِنْ كَانَ قَوْلُ الْأَوَّلِ أَرْجَحَ عِنْدَهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَنْ يَقُولَ لِلْأَعْمَى أَنْتَ مُسْتَقْبِلُ الشَّمْسِ وَالْأَعْمَى يَعْلَمُ أَنَّ قِبْلَتَهُ إلَى غَيْرِ الشَّمْسِ فَيَلْزَمُ الِاسْتِئْنَافُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَلَوْ قَالَ الثَّانِي أَنْتَ عَلَى الْخَطَأِ قَطْعًا وَجَبَ قَبُولُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ تَقْلِيدَ الاول بطل بقطع هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُ الدَّلَائِلَ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا عُرِّفَ يُعْرَفُ وَالْوَقْتُ واسع لزمه أن يتعرف
ويجتهد في طلبها لانه يمنكه أَدَاءُ الْفَرْضِ بِالِاجْتِهَادِ فَلَا يُؤَدِّيهِ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ إذَا عُرِّفَ لَا يَعْرِفُ فَهُوَ كالاعمى لا فرق بين أن لا يَعْرِفَ لِعَدَمِ الْبَصَرِ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَعْرِفَ لِعَدَمِ الْبَصِيرَةِ وَفَرْضُهُمَا التَّقْلِيدُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمَا الِاجْتِهَادُ فَكَانَ فَرْضُهُمَا التَّقْلِيدُ كَالْعَامِّيِّ فِي أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ صَلَّى مِنْ غَيْرِ تَقْلِيدٍ وَأَصَابَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى وَهُوَ شَاكٌّ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ قَلَّدَ أَوْثَقَهُمَا وَأَبْصَرَهُمَا فَإِنْ قَلَّدَ الْآخَرَ جَازَ وَإِنْ عَرَفَ الْأَعْمَى الْقِبْلَةَ بِاللَّمْسِ صَلَّى وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ التَّقْلِيدِ وَإِنْ قَلَّدَ غَيْرَهُ وَدَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ أَبْصَرَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَعْرِفُ بِهِ الْقِبْلَةَ مِنْ مِحْرَابٍ أو مسجد
أَوْ نَجْمٍ يَعْرِفُ بِهِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَإِنْ لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ صَارَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالتَّقْلِيدِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْوَقْتُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِذَا وَجَدَ مَنْ يقلده اعاد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِي أَنَّ تَعَلُّمَ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ فَرْضُ عَيْنٍ أَمْ كِفَايَةٍ فَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقِبْلَةَ وَلَا دَلَائِلَهَا فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ وَالْوَقْتُ وَاسِعٌ فَإِنْ قُلْنَا التَّعَلُّمُ فَرْضُ عَيْنٍ لَزِمَهُ التَّعَلُّمُ فَإِنْ تَرَكَ التَّعَلُّمَ وَقَلَّدَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ وَظِيفَتَهُ فِي الِاسْتِقْبَالِ فَعَلَى هَذَا إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ فَهُوَ كَالْعَالِمِ إذَا تَحَيَّرَ وَسَنَذْكُرُهُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي يَلِيه إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ قُلْنَا التَّعَلُّمُ لَيْسَ بِفَرْضِ عَيْنٍ صَلَّى بِالتَّقْلِيدِ وَلَا يُعِيدُ كَالْأَعْمَى وَقَدْ جَزَمَ الْمُصَنِّفُ بِالْأَوَّلِ (الثَّانِيَةُ) إذَا لَمْ يَعْرِفْ الْقِبْلَةَ وَكَانَ مِمَّنْ لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ التَّعَلُّمُ لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لَمْ يجد من لم يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَضَاقَ الْوَقْتُ أَوْ كَانَ أَعْمَى فَفَرْضُهُمْ التَّقْلِيدُ وَهُوَ قَوْلُ الْغَيْرِ الْمُسْتَنِدُ إلَى اجْتِهَادٍ فَلَوْ قَالَ بَصِيرٌ رَأَيْتُ الْقُطْبَ أَوْ رأيت الخلق العظيم من المسلمين يُصَلُّونَ إلَى هُنَا كَانَ الْأَخْذُ بِهِ قَبُولَ خَبَرٍ لَا تَقْلِيدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَشَرْطُ الَّذِي يُقَلِّدُهُ أَنْ يَكُونَ بَالِغًا عَاقِلًا مُسْلِمًا ثِقَةً عَارِفًا بِالْأَدِلَّةِ سَوَاءٌ فِيهِ اجْتِهَادُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ له تقليد صبى مميز حكاه (1) والرافعي فَإِنْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ اجْتِهَادُ مُجْتَهِدَيْنِ قَلَّدَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالْأَوْلَى تَقْلِيدُ الْأَوْثَقِ وَالْأَعْلَمِ وَهُوَ مراد
(1) بياض بالاصل اه
الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ أَبْصَرَهُمَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ وَقِيلَ يُصَلِّي إلَى الْجِهَتَيْنِ مَرَّتَيْنِ حَكَاهُ (1)(الثَّالِثَةُ) إذَا عَرَفَ الْأَعْمَى الْقِبْلَةَ بِاللَّمْسِ بِأَنْ لَمَسَ الْمِحْرَابَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ الْمِحْرَابَ عَلَى مَا سَبَقَ صَلَّى إلَيْهِ وَلَا إعَادَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ (الرَّابِعَةُ) إذَا دَخَلَ الْأَعْمَى وَالْجَاهِلُ الَّذِي هُوَ كَالْأَعْمَى فِي الصَّلَاةِ بِالتَّقْلِيدِ ثُمَّ أَبْصَرَ الْأَعْمَى أَوْ عَرَفَ الْجَاهِلُ الْأَدِلَّةَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَا يَعْتَمِدُهُ مِنْ مِحْرَابٍ أَوْ نَجْمٍ أَوْ خَبَرٍ ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا اسْتَمَرَّ فِي صلاته ولا اعادة وان لم يكن شئ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَاجَ إلَى الِاجْتِهَادِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَجِدْ مَنْ فَرْضُهُ التَّقْلِيدُ مَنْ يُقَلِّدُهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عذر نادر * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كان ممن يعرف الدلائل ولكن خفيت عليه لظلمة أو غيم فقد قال الشافعي رحمه الله ومن خفيت عليه الدلائل فهو كالاعمى وقال في موضع آخر ولا يسع بصيرا أن يقلد فقال أبو اسحق لا يقلد لانه يمكنه الاجتهاد وقوله كالاعمى أراد به كالاعمي في أنه يصلي ويعيد لا أنه يقلد وقال أبو العباس ان ضاق الوقت قلد وان اتسع لم يقلد وعليه يأول قول الشافعي وقال المزني وغيره المسألة على قولين وهو الاصح أحدهما يقلد وهو اختيار المزني لانه خفيت عليه الدلائل فهو كالاعمي والثانى لا يقلد لانه يمكنه التوصل بالاجتهاد)
*
*
(1) بياص بالاصل اه
* (الشَّرْحُ)
* إذَا خَفِيَتْ الْأَدِلَّةُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ لِغَيْمٍ أَوْ ظُلْمَةٍ أَوْ تَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ أَوْ غَيْرِهَا ففيه أَرْبَعُ طُرُقٍ أَصَحُّهَا فِيهِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يقلد والثاني لا يُقَلِّدُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يُقَلِّدُ قَطْعًا وَالثَّالِثُ لَا يُقَلِّدُ قَطْعًا وَالرَّابِعُ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ قَلَّدَ وَإِلَّا فَلَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ فَإِنْ قلنا لا يقاد صلي حَسَبِ حَالِهِ وَوَجَبَتْ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَإِنْ قُلْنَا يُقَلِّدُ فَقَلَّدَ وَصَلَّى فَلَا إعَادَةَ عليه علي الصحيح وبه قطع المجهور وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ لِعُذْرٍ نَادِرٍ غَيْرِ دَائِمٍ هَلْ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الطُّرُقَ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ ضَاقَ الْوَقْتُ أَمْ لَا
هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ الطُّرُقُ إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ وَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ قَبْلَ ضِيقِهِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ قَالَ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ التَّيَمُّمِ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَالْمَذْهَبُ ما حكيناه عن الجمهور
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وأما في شدة الخوف والتحام القتال فيجوز أن يترك القبلة إذا اضطر الي تركها ويصلي حيث امكنه لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر رضى الله عنهما " مستقبلي القبلة وغير مستقبليها " ولانه فرض اضطر الي تركه فصلي مع تركه كالمريض إذا عجز عن القيام)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ سِيَاقُهُ مُخَالِفٌ لِهَذَا فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا سُئِلَ عَنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ قَالَ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ وَطَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فَذَكَرَ صِفَتَهَا قَالَ فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا قَالَ نَافِعٌ لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ ذَكَرَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ مِنْ صَحِيحِهِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ فَإِنْ خِفْتُمْ أي عدوا قال والرجال جمع راجل كصحب وصحاب وهو
الْكَائِنُ عَلَى رِجْلِهِ مَاشِيًا كَانَ أَوْ وَاقِفًا قال وجمعه رجل ورجالة وجالة وَرُجَّالٌ وَرِجَالٌ وَالرُّكْبَانُ جَمْعُ رَاكِبٍ كَفَارِسٍ وَفُرْسَانٍ قَالَ وَمَعْنَى الْآيَةِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْكُمْ أَنْ يصلوا قَائِمِينَ مُوفِينَ لِلصَّلَاةِ حُقُوقَهَا فَصَلُّوا مُشَاةً وَرُكْبَانًا قان ذلك يجزيكم قال المفسروه هَذَا فِي حَالَةِ الْمُسَايَفَةِ وَالْمُطَارَدَةِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ وَغَيْرُ مُسْتَقْبِلِيهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْوَاحِدِيِّ فَصَرَّحَ بِأَنَّ كَلَامَ ابْنِ عُمَرَ تَفْسِيرٌ لِلْآيَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذَا لَيْسَ تَفْسِيرًا لِلْآيَةِ بَلْ هُوَ بَيَانُ حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ فِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ الصَّلَاةُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ أَمْكَنَهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَسَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ اُضْطُرَّ إلَى تَرْكِهِ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَرْضٌ أَنَّهُ شَرْطٌ فَإِنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ شَرْطٌ وَلَيْسَ مُرَادُهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا
لَمْ تَدْخُلْ فِيهِ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَبِيحُهَا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَالْفَرِيضَةِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ قَائِمًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ رَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى رَاكِبًا إلَى الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَائِمًا لِأَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ آكَدُ مِنْ الْقِيَامِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْقِيَامُ فِي النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ بِلَا عُذْرٍ وَلَمْ يَسْقُطْ الِاسْتِقْبَالُ بِلَا عذر
*
* قال المصنف رحمة الله
*
* (وَأَمَّا النَّافِلَةُ فَيُنْظَرُ فِيهَا فَإِنْ كَانَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ عَلَى دَابَّتِهِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ يمكنه أن يدور على ظهرها كالعمارية والمحمول الْوَاسِعِ لَزِمَهُ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا كَالسَّفِينَةِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَتْرُكَ الْقِبْلَةَ وَيُصَلِّيَ عَلَيْهَا حَيْثُ تَوَجَّهَ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِهِ " وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي السَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ لِأَنَّهُ أُجِيزَ حَتَّى لَا يَنْقَطِعَ عَنْ السَّيْرِ وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْقَصِيرِ وَالطَّوِيلِ)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُهُ وَنَحْوُهُ وَالْمَحْمِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ بِكَسْرِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ لُغَتَانِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي التَّهْذِيبِ وَالْعُمَارِيَّةُ ضَبَطَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ تَكَلَّمُوا فِي أَلْفَاظِ الْمُهَذَّبِ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالْيَاءِ وَضَبَطَهَا غَيْرُهُمْ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ الْأَجْوَدُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهَا فِي التَّهْذِيبِ وَهُوَ مَرْكَبٌ صَغِيرٌ عَلَى هَيْئَةِ مَهْدِ الصَّبِيِّ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ صُورَتِهِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا أراد الراكب في فِي السَّفَرِ نَافِلَةً نُظِرَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَدُورَ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ كَانَ فِي مَحْمِلٍ أَوْ عُمَارِيَّةٍ أَوْ هَوْدَجٍ وَنَحْوِهَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَإِتْمَامُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَجْزِيهِ الْإِيمَاءُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا فَأَشْبَهَ رَاكِبَ السَّفِينَةِ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ وَالْإِيمَاءُ بِالْأَرْكَانِ كَالرَّاكِبِ عَلَى سَرْجٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ
مَشَقَّةً فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ السَّفِينَةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ
الْجَوَازَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ غَرِيبٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ سَوَاءٌ كَانَتْ الدَّابَّةُ مَقْطُورَةً أَوْ مُفْرَدَةً يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ أَمَّا الرَّاكِبُ فِي سَفِينَةٍ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ سواء كانت واقفة أَوْ سَائِرَةً لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَذَا فِي حَقِّ رُكَّابِهَا الْأَجَانِبِ اما ملاحها الذى يسبرها فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَأَبُو الْمَكَارِمِ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ فِي نَوَافِلِهِ فِي حَالِ تَسْيِيرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لِلْمَاشِي تَرْكُ الْقِبْلَةِ لِئَلَّا يَنْقَطِعَ عَنْ سَيْرِهِ فَلَأَنْ يَجُوزَ لِلْمَلَّاحِ الَّذِي يَنْقَطِعُ هُوَ وَغَيْرُهُ أَوْلَى وَأَمَّا رَاكِبُ الدَّابَّةِ مِنْ بَعِيرٍ وَفَرَسٍ وَحِمَارٍ وَغَيْرِهَا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدُورَ عَلَى ظَهْرِهَا بِأَنْ رَكِبَ عَلَى سَرْجٍ وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا فله ان يتنفل إلَى أَيِّ جِهَةٍ تَوَجَّهَ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ التَّنَفُّلُ فِي السَّفَرِ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ لَانْقَطَعَ بَعْضُ النَّاسِ عَنْ أَسْفَارِهِمْ لِرَغْبَتِهِمْ فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى الْعِبَادَةِ وَانْقَطَعَ بَعْضُهُمْ عَنْ التَّنَفُّلِ لِرَغْبَتِهِمْ فِي السَّفَرِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ سَأَلَ الشَّيْخَ أَبَا زَيْدٍ فَعَلَّلَ بِالْعِلَّةِ الْأُولَى وَسَأَلَ الشَّيْخَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْخُضَرِيَّ فَعَلَّلَ بِالثَّانِيَةِ وَالتَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرْتُهُ أَحْسَنُ وهذا معنى قول الغزالي في البسيط لكيلا ينقطع المتعبد عن السفر والمسافر عن التفل وَهَذَا التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ مِنْ غَيْرِ اسْتِقْبَالٍ جائز في السفر الطويل والقصير هذا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَقَالَ فِي
الْبُوَيْطِيِّ وَقَدْ قِيلَ لَا يَتَنَفَّلُ أَحَدٌ عَلَى ظَهْرِ دَابَّتِهِ إلَّا فِي سَفَرٍ تُقْصَرُ فِيهِ الصلاة فعجل الْخُرَاسَانِيُّونَ ذَلِكَ قَوْلًا آخَرَ لِلشَّافِعِيِّ فَجَعَلُوا فِي المسألة قولين احدهما يختص باالسفر الطَّوِيلِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَخْتَصُّ وقطع الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ قَالُوا وَقَوْلُهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ حِكَايَةٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ لَا قَوْلَ لَهُ وَعِبَارَتُهُ ظَاهِرَةٌ فِي الْحِكَايَةِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْقَصِيرِ لِإِطْلَاقِ الْأَحَادِيثِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَصْرِ وَالْفَطْرِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ ثَلَاثًا بان بلك الرُّخَصَ تَتَعَلَّقُ بِالْفَرْضِ فَاحْتَطْنَا لَهُ بِاشْتِرَاطِ طَوِيلِ السَّفَرِ وَالتَّنَفُّلُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا جَازَ قَاعِدًا فِي الْحَضَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
** (ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ وَاقِفًا نُظِرَتْ فَإِنْ كان في قطار لا يمكنه ان يدبر الدَّابَّةَ إلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَ وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا لَزِمَهُ أَنْ يُدِيرَ رَأْسَهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فَإِنْ كَانَ فِي قِطَارٍ أَوْ مُنْفَرِدًا وَالدَّابَّةُ حَرُونٌ يَصْعُبُ عَلَيْهِ إدَارَتُهَا صَلَّى حَيْثُ تَوَجَّهَ وَإِنْ كَانَ سَهْلًا فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُدِيرَ رَأْسَهَا إلَى الْقِبْلَةِ فِي حَالِ الْإِحْرَامِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا سَافَرَ فَأَرَادَ أَنْ يَتَطَوَّعَ اسْتَقْبَلَ بِنَاقَتِهِ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ ثُمَّ صَلَّى حَيْثُ وَجْهَهُ رِكَابُهُ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يلزم لِأَنَّهُ يَشُقُّ إدَارَةُ الْبَهِيمَةِ فِي حَالِ السَّيْرِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْمُتَنَفِّلَ الرَّاكِبَ فِي السَّفَرِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالِاسْتِقْبَالُ فِي جَمِيعِ صَلَاتِهِ بِأَنْ كَانَ عَلَى سَرْجٍ وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا فَفِي وجوب استقباله القلبة عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا إنْ سَهُلَ وَجَبَ وَإِلَّا فَلَا فَالسَّهْلُ أَنْ تَكُونَ الدَّابَّةُ واقفة وأمكن انحرافه عليها أو تحريفا أَوْ كَانَتْ سَائِرَةً وَبِيَدِهِ زِمَامُهَا فَهِيَ سَهْلَةٌ وَغَيْرُ السَّهْلَةِ أَنْ تَكُونَ مُقَطِّرَةً أَوْ صَعْبَةً وَالثَّانِي لَا يَجِبُ الِاسْتِقْبَالُ مُطْلَقًا وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وشيخه القاضى أبو الطيب والثالث مُطْلَقًا فَإِنْ تَعَذَّرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ مُتَوَجِّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ طَرِيقِهِ أَحْرَمَ كَمَا هُوَ وَإِنْ كَانَتْ إلَى غَيْرِهِمَا لَمْ يَصِحَّ الْإِحْرَامُ إلَّا الي
الْقِبْلَةِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مَوْضِعٍ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِقْبَالِ وَفِي مَوْضِعٍ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَقِيلَ قَوْلَانِ وَقِيلَ حَالَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ السَّهْلِ وَغَيْرِهِ وَالِاعْتِبَارُ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِالرَّاكِبِ دُونَ الدَّابَّةِ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ هُوَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالدَّابَّةُ مُنْحَرِفَةٌ أَوْ مُسْتَدِيرَةٌ أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَعَكْسُهُ لَا يَصِحُّ إذَا شَرَطْنَا الاستقبال وإذا لم نشرط الِاسْتِقْبَالَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَعِنْدَ السَّلَامِ أَوْلَى وَإِنْ شَرَطْنَاهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ فَفِي اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ السَّلَامِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ يُشْتَرَطُ لزوج جِهَةِ الْمَقْصِدِ فِي جَمِيعِهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي التَّنْبِيهِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ مِنْ اشْتِرَاطِ الِاسْتِقْبَالِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَبَاطِلٌ لَا يُعْرَفُ وَلَا أَصْلَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ وَضْعُ الْجَبْهَةِ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ عَلَى
السَّرْجِ وَالْإِكَافِ وَلَا عُرْفِ الدَّابَّةِ وَلَا الْمَتَاعِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ فَعَلَ جَازَ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنْ يَنْحَنِيَ إلَى جِهَةِ مَقْصِدِهِ وَيَكُونُ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْفَصْلُ بَيْنَهُمَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ مَحْتُومٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ غَايَةَ وُسْعِهِ فِي الانحناء واما باقى الاركان فكيفيتها ظاهرة * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ صَلَّى عَلَى الرَّاحِلَةِ مُتَوَجِّهًا إلَى مَقْصِدِهِ فعدلت الي جهة نظرت فان كانت جِهَةَ الْقِبْلَةِ جَازَ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَرْضِهِ جِهَةُ الْقِبْلَةِ فَإِذَا عَدَلَتْ إلَيْهِ فَقَدْ أُتِيَ بِالْأَصْلِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ جِهَةَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ مَعَ الْعِلْمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِبْلَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ وَإِنْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ طَرِيقُ بَلَدِهِ أَوْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِذَا عَلِمَ رَجَعَ إلَى جِهَةِ الْمَقْصِدِ قال الشافعي رحمه الله ويسجد للسهو)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يَنْبَغِي لِلْمُتَنَفِّلِ مَاشِيًا أَوْ رَاكِبًا أَنْ يَلْزَمَ جِهَةَ مَقْصِدِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ سُلُوكُ نَفْسِ الطَّرِيقِ بَلْ الشَّرْطُ جِهَةُ الْمَقْصِدِ فَلَوْ انْحَرَفَ الْمُتَنَفِّلُ مَاشِيًا أَوْ حَرَفَ الرَّاكِبُ دَابَّتَهُ أَوْ انْحَرَفَتْ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ الِانْحِرَافُ وَالتَّحْرِيفُ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ وَجِهَاتِهِ وَمَعَاطِفِهِ لَمْ يُؤْثِرْ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ طَالَ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ جُمْلَةِ مَقْصِدِهِ وَمُوصِلٌ إلَيْهِ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَسَوَاءٌ طَالَ هذا التحريف
وَكَثُرَ أَمْ لَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ التَّحْرِيفُ وَالِانْحِرَافُ إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ لَمْ يُؤَثِّرْ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ وَإِنْ كَانَ إلَى غَيْرِ جِهَةِ الْمَقْصِدِ وَهُوَ عَامِدٌ مُخْتَارٌ عَالِمٌ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا ظَنَّ أَنَّهَا جِهَةُ مَقْصِدِهِ فَإِنْ عَادَ عَلَى قُرْبٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَالَ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ الْأَصَحُّ تَبْطُلُ كَكَلَامِ النَّاسِي لَا تَبْطُلُ بِقَلِيلِهِ وَتَبْطُلُ بِكَثِيرِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهَذَا قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَإِنْ غَلَبَتْهُ الدَّابَّةُ فَانْحَرَفَ بِجِمَاحِهَا وَطَالَ الزَّمَانُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ تَبْطُلُ كَمَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ فأما له إنْسَانٌ قَهْرًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ كَالطَّوِيلِ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَأَشَارَ إلَيْهِ فِي الْوَسِيطِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ لَمْ نَرَ هَذَا الْخِلَافَ
لِغَيْرِهِ: وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لا تبطل قطعا لعموم الحاجة تم إذَا لَمْ تَبْطُلْ فِي صُورَةِ النِّسْيَانِ فَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قَصُرَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يَسْجُدُ وَفِي صُورَةِ الْجِمَاحِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَسْجُدُ: وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ إنْ طَالَ سَجَدَ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّفَلَ يَدْخُلُهُ سُجُودُ السَّهْوِ وَفِيهِ قَوْلٌ غَرِيبٌ سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يَدْخُلُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا انْحَرَفَ الْمُصَلِّي عَلَى الْأَرْضِ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا عَنْ الْقِبْلَةِ نُظِرَ إنْ اسْتَدْبَرَهَا أَوْ تَحَوَّلَ إلَى جِهَةٍ أُخْرَى عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَعَلَهُ نَاسِيًا وَعَادَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ عَلَى قُرْبٍ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي كَلَامِ النَّاسِي إذَا كَثُرَ وَلَوْ أَمَالَهُ غَيْرُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ قَهْرًا فَعَادَ إلَى الِاسْتِقْبَالِ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَادَ عَلَى قُرْبٍ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ أَيْضًا لِأَنَّهُ نَادِرٌ كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لانه
نادر * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كان المسافر ماشيا جاز أن يصلى النافلة حيث توجه لان الراكب أجيز له ترك القبلة حتى لا يقطع الصلاة في السفر وهذا المعنى موجود في الماشي غير أنه يلزم الماشي أن يحرم ويركع ويسجد علي الارض مستقبل القبلة لانه يمكنه أن يأتي بذلك من غير أن ينقطع عن السير)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* يَجُوزُ لِلْمَاشِي فِي السَّفَرِ التَّنَفُّلُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي لُبْثِهِ فِي الْأَرْكَانِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْخُرَاسَانِيُّونَ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَلَهُ التَّشَهُّدُ مَاشِيًا كَمَا لَهُ الْقِيَامَ مَاشِيًا وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ أَيْضًا قَاعِدًا وَلَا يَمْشِي إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ وَالثَّالِثُ لَا يُشْتَرَطُ اللُّبْثُ فِي الْأَرْضِ فِي شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُوَ ذَاهِبٌ فِي جِهَةِ مَقْصِدِهِ كَالرَّاكِبِ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُهُ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَوْلِ الثَّانِي وَجَبَ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ غَيْرَ الْقِيَامِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ اسْتَقْبَلَ فِي الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَ السَّلَامِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّالِثِ لَمْ يُشْتَرَطْ الِاسْتِقْبَالُ فِي غَيْرِ
حَالَتَيْ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ وَحُكْمُهُ فِيهِمَا حُكْمُ رَاكِبٍ بِيَدِهِ زِمَامُ دَابَّتِهِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْأَصَحُّ وُجُوبَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ دُونَ السَّلَامِ وَحَيْثُ لَمْ نُوجِبْ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ يُشْتَرَطُ مُلَازَمَةُ جِهَةِ الْمَقْصِدِ كَمَا سَبَقَ فِي الرَّاكِبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ النَّافِلَةَ مَاشِيًا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وداود
* ومنعها أبو حنيفة ومالك
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ دَخَلَ الرَّاكِبُ أَوْ الْمَاشِي إلَى الْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّ صَلَاتَهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِي طَرِيقِهِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ تَوَجَّهَ مَا لَمْ يقطع السير لانه باق علي السير)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ التَّنَفُّلِ رَاكِبًا وَمَاشِيًا دَوَامُ السَّفَرِ وَالسَّيْرِ فَلَوْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ فِي خِلَالِ صَلَاتِهِ اُشْتُرِطَ إتْمَامُهَا الي القبلة متمكنا وينزل ان كَانَ رَاكِبًا وَيُتِمُّ الْأَرْكَانَ وَلَوْ دَخَلَ وَطَنَهُ ومحل اقامته أو خل الْبَلَدَ الَّذِي يَقْصِدُهُ فِي خِلَالِهَا اُشْتُرِطَ النُّزُولُ وَإِتْمَامُ الصَّلَاةِ بِأَرْكَانِهَا مُسْتَقْبِلًا بِأَوَّلِ دُخُولِهِ الْبُنْيَانَ إلَّا إذَا جَوَّزْنَا لِلْمُقِيمِ التَّنَفُّلَ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِقَرْيَةٍ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ صَارَتْ كَمَقْصِدِهِ وَوَطَنِهِ وَلَوْ مَرَّ بِقَرْيَةٍ مُجْتَازًا فله اتام الصَّلَاةِ رَاكِبًا أَوْ مَاشِيًا حَيْثُ تَوَجَّهَ فِي مَقْصِدِهِ فَإِنْ كَانَ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَلَيْسَتْ وَطَنَهُ فَهَلْ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ يَجْرِيَانِ فِي التَّنَفُّلِ وَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ وَسَائِرِ الرُّخَصِ أَصَحُّهُمَا لَا يَصِيرُ فَيَكُونُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَالثَّانِي يَصِيرُ فَيُشْتَرَطُ النُّزُولُ وَإِتْمَامُهَا مُسْتَقْبِلًا وَحَيْثُ أَمَرْنَاهُ بِالنُّزُولِ فَذَلِكَ عِنْدَ تَعَذُّرِ الدَّابَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ مُسْتَقْبِلًا فَلَوْ أَمْكَنَ الِاسْتِقْبَالُ وَإِتْمَامُ الْأَرْكَانِ عَلَيْهِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ جَازَ وَإِذَا نَزَلَ وَبَنَى ثُمَّ أَرَادَ الرُّكُوبَ وَالسَّفَرَ فَلِيُتِمَّهَا وَيُسَلِّمَ مِنْهَا ثُمَّ يَرْكَبَ فَإِذَا رَكِبَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَعِنْدَ الْمُزَنِيِّ لَا تَبْطُلُ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِالنُّزُولِ قَالَ وَهَذَا خَطَأٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الْمُصَلِّي سَائِرًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَلْزَمُهُ الْعُدُولُ إلَى الْقِبْلَةِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ أَحَدُهَا إذَا دَخَلَ بَلْدَتَهُ أَوْ مَقْصِدَهُ فَيَلْزَمُهُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ لم يفعل بطلت الثاثي إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا بَقِيَ
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْهُ بَطَلَتْ الثَّالِثُ أَنْ يَصِلَ الْمَنْزِلَ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ السَّفَرِ فَقَدْ انْقَطَعَ سَيْرُهُ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ الرَّابِعُ أَنْ يَقِفَ عَنْ السَّيْرِ بِغَيْرِ نُزُولٍ لِاسْتِرَاحَةٍ أَوْ انْتِظَارِ رَفِيقٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ فِيمَا بَقِيَ فَإِنْ تَرَكَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ سَارَ بَعْدَ أَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَقَبْلَ إتْمَامِ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِسَيْرِ الْقَافِلَةِ جَازَ أَنْ يُتِمَّهَا إلَى جِهَةِ سَيْرِهِ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي تَأَخُّرِهِ عَنْ الْقَافِلَةِ وَإِنْ كَانَ هُوَ الْمُرِيدُ لِإِحْدَاثِ السَّيْرِ اُشْتُرِطَ أَنْ يُتِمَّهَا قَبْلَ رُكُوبِهِ لانه بالوفوف لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلَمْ
يجز تركه كما لنازل إذَا ابْتَدَأَ الصَّلَاةَ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ رَكِبَ سَائِرًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا ابْتَدَأَ النَّافِلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ بَلَدًا فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ وَلَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ لَكِنْ وَقَفَ علي راحلة لانتظار شغل ونحوه وهو في النافة فَلَهُ إتْمَامُهَا بِالْإِيمَاءِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ في جميعها مادام وَاقِفًا صَرَّحَ بِهِ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وآخرون
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وإذا كانت النافلة في الحضر لم يجز أن يصليها إلى غير القبلة وقال أبو سعيد الاصطخرى يجوز لانه انما رخص في السفر حتى لا ينقطع الركوع وهذا موجود في الحضر والمذهب الاول لان الغالب من حال الحضر اللبث والمقام فلا مشقة عليه في الاستقبال)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي تَنَفُّلِ الْحَاضِرِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لَا يَجُوزُ لِلْمَاشِي وَلَا لِلرَّاكِبِ بَلْ لِنَافِلَتِهِ حُكْمُ الفريضة في كل شئ غَيْرَ الْقِيَامِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّنَفُّلُ قَاعِدًا وَالثَّانِي قَالَهُ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَجُوزُ لَهُمَا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَكَانَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ مُحْتَسِبَ بَغْدَادَ وَيَطُوفُ فِي السِّكَكِ وَهُوَ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ: وَالثَّالِثُ يَجُوزُ لِلرَّاكِبِ دُونَ الْمَاشِي حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ الْمَاشِيَ يُمْكِنُهُ أَنْ بدخل مَسْجِدًا بِخِلَافِ الرَّاكِبِ وَالرَّابِعُ يَجُوزُ بِشَرْطِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) شَرْطُ جَوَازِ التَّنَفُّلِ فِي السَّفَرِ مَاشِيًا وراكبا أن لا يكون
سفره مَعْصِيَةٍ وَكَذَا جَمِيعُ رُخَصِ السَّفَرِ شَرْطُهَا أَنْ لَا يَكُونَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ في باب
مَسْحِ الْخُفِّ وَسَنَبْسُطُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَا يُلَاقِي بَدَنَ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ وَثِيَابِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْمَتَاعِ وَاللِّجَامِ وَغَيْرِهَا طَاهِرًا وَلَوْ بَالَتْ الدَّابَّةُ أَوْ وَطِئَتْ نَجَاسَةً أَوْ كَانَ عَلَى السَّرْجِ نَجَاسَةٌ فَسَتَرَهَا وَصَلَّى عَلَيْهِ لَمْ يَضُرَّ وَلَوْ أَوْطَأَهَا الرَّاكِبُ نَجَاسَةً لَمْ يَضُرَّ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ النَّجَاسَةَ وَلَا حَمَلَ مَا يُلَاقِيهَا وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَلَوْ دَمِيَ فَمُ الدَّابَّةِ وَفِي يَدِهِ لِجَامُهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ حَبْلٌ طَاهِرٌ طَرَفُهُ عَلَى نَجَاسَةٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلَوْ وَطِئَ الْمُتَنَفِّلُ مَاشِيًا عَلَى نَجَاسَةٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يُكَلَّفُ أَنْ يَتَحَفَّظَ وَيَتَصَوَّنَ وَيَحْتَاطَ فِي الْمَشْيِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ يَغْلِبُ فِيهَا النَّجَاسَةُ وَالتَّصَوُّنُ مِنْهَا عَسِرٌ فَمُرَاعَاتُهُ تَقْطَعُ الْمُسَافِرَ عَنْ أَغْرَاضِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ انْتَهَى إلَى نَجَاسَةٍ يَابِسَةٍ لَا يَجِدُ عَنْهَا مَعْدِلًا فَهَذَا فِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَلَا شَكَّ لَوْ كَانَتْ رَطْبَةً فَمَشَى عَلَيْهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ حَامِلَ نَجَاسَةٍ (الثَّالِثَةُ) يُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فَإِنْ رَكَضَ الدَّابَّةَ لِلْحَاجَةِ فَلَا بَأْسَ وَكَذَا لَوْ ضَرَبَهَا أَوْ حَرَّكَ رِجْلَهُ لِتَسِيرَ فَلَا بَأْسَ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي فَإِنْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَلِيلًا فَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ وَلَوْ أَجْرَاهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ أَوْ كَانَ مَاشِيًا فَعَدَا بِلَا عُذْرٍ قَالَ الْبَغَوِيّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَ الْمُسَافِرُ رَاكِبَ تَعَاسِيفَ وَهُوَ الْهَائِمُ الَّذِي يَسْتَقْبِلُ تَارَةً وَيَسْتَدْبِرُ تَارَةً وَلَيْسَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَلَا مَاشِيًا كما ليس له القصر ولا الترخص بشئ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ فَلَوْ كَانَ لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ لَكِنْ لَمْ يَسِرْ إلَيْهِ فِي طَرِيقٍ معين فهل لها التَّنَفُّلُ مُسْتَقْبِلًا جِهَةَ مَقْصِدِهِ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ أَصَحُّهُمَا جَوَازُهُ لِأَنَّ لَهُ طَرِيقًا مَعْلُومًا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُكْ طَرِيقًا مَضْبُوطًا فَقَدْ لَا يُؤَدِّي
سَيْرُهُ إلَى مَقْصِدِهِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا كَانَ مُتَوَجِّهًا إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ فَتَغَيَّرَتْ نِيَّتُهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَنَوَى السَّفَرَ إلَى غَيْرِهِ أَوْ الرُّجُوعَ إلَى وَطَنِهِ فَلْيَصْرِفْ وَجْهَ دَابَّتِهِ إلَى تِلْكَ الْجِهَةِ فِي الْحَالِ وَيَسْتَمِرَّ
عَلَى صَلَاتِهِ وَتَصِيرُ الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ قِبْلَتَهُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ (السَّادِسَةُ) لَوْ كَانَ ظَهْرُهُ فِي طَرِيقِ مَقْصِدِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فَرَكِبَ الدَّابَّةَ مَقْلُوبًا وَجَعَلَ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَحَدُهُمَا لَا تَصِحُّ لِأَنَّ قِبْلَتَهُ طَرِيقُهُ وَأَصَحُّهُمَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا إذَا صَحَّتْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلَهَا أَوْلَى (السَّابِعَةُ) حَيْثُ جَازَتْ النَّافِلَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَمَاشِيًا فَجَمِيعُ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ فِي الْجَوَازِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِشَبَهِهَا بِالْفَرَائِضِ فِي الْجَمَاعَةِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلَوْ سَجَدَ لِشُكْرٍ أَوْ تِلَاوَةٍ خارج الصلاة بالايماء على الرحلة فَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ فَأَمَّا رَكْعَتَا الطَّوَافِ فَإِنْ قلنا هما سنة جازت علي الراحلة وَإِنْ قُلْنَا وَاجِبَةٌ فَلَا وَلَا تَصِحُّ الْمَنْذُورَةُ وَلَا الْجِنَازَةُ مَاشِيًا وَلَا عَلَى الرَّاحِلَةِ عَلَى المذهب فيهما وَفِيهِمَا خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ (الثَّامِنَةُ) شَرْطُ الْفَرِيضَةِ الْمَكْتُوبَةِ أَنْ يَكُونَ مُصَلِّيًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقِرًّا فِي جَمِيعِهَا فَلَا تَصِحُّ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فِي غَيْرِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْمَاشِي الْمُسْتَقْبِلِ وَلَا مِنْ الرَّاكِبِ الْمُخِلِّ بِقِيَامٍ أَوْ اسْتِقْبَالٍ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ فِي هَوْدَجٍ أَوْ سَرِيرٍ أَوْ نَحْوِهِمَا عَلَى ظَهْرِ دَابَّةٍ وَاقِفَةٍ ففى صحة فريضة وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْمُعْتَمَدِ وَالْبَحْرِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ كَالسَّفِينَةِ وَالثَّانِي لَا يَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فَإِنْ كانت االدابة سَائِرَةً وَالصُّورَةُ كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُمْ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرَارًا وَالثَّانِي تَصِحُّ كَالسَّفِينَةِ وَتَصِحُّ الْفَرِيضَةُ فِي السَّفِينَةِ الواقفة
وَالْجَارِيَةِ وَالزَّوْرَقِ الْمَشْدُودِ بِطَرَفِ السَّاحِلِ بِلَا خِلَافٍ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَأَتَمَّ الْأَرْكَانَ فَإِنْ صَلَّى كَذَلِكَ فِي سَرِيرٍ يَحْمِلُهُ رِجَالٌ أَوْ أُرْجُوحَةٍ مَشْدُودَةٍ بِالْحِبَالِ أَوْ الزَّوْرَقِ الْجَارِي فِي حَقِّ الْمُقِيمِ بِبَغْدَادَ وَنَحْوِهِ فَفِي صِحَّةِ فَرِيضَتِهِ وَجْهَانِ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ كَالسَّفِينَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَقَالَ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى سَرِيرٍ فَحَمَلَهُ رِجَالٌ وَسَارُوا بِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا صَلَّى الْفَرِيضَةَ فِي السَّفِينَةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ مَعَ الْقُدْرَةِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ إذَا كَانَتْ سَائِرَةً قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ دَوَرَانِ الرَّأْسِ وَنَحْوِهِ جَازَتْ الْفَرِيضَةُ قَاعِدًا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ فَإِنْ هَبَّتْ الرِّيحُ وَحَوَّلَتْ السَّفِينَةَ فَتَحَوَّلَ وَجْهُهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَجَبَ رَدُّهُ إلى القبلة ويبى عَلَى صَلَاتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي الْبَرِّ وَحَوَّلَ إنْسَانٌ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ قَهْرًا فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ هَذَا فِي الْبَرِّ نَادِرٌ وَفِي الْبَحْرِ غَالِبٌ وَرُبَّمَا تَحَوَّلَتْ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ مِرَارًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ حَضَرَتْ الصَّلَاةُ الْمَكْتُوبَةُ وَهُمْ سَائِرُونَ وَخَافَ لَوْ نَزَلَ لِيُصَلِّيَهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لَمْ يَجُزْ تَرْكُ الصَّلَاةِ وَإِخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بَلْ يُصَلِّيهَا عَلَى الدَّابَّةِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ هَكَذَا ذَكَر الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يُصَلِّي عَلَى الدَّابَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ وَوُجُوبُ الْإِعَادَةِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا لَا تَجِبُ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ وَالثَّانِي تَجِبُ لِأَنَّ هَذَا نَادِرٌ وَمِمَّا يُسْتَدَلُّ لِلْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ يَعْلَى بن مرة رضى الله عنه الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِيَامِ فِي الْأَذَانِ
*
(فَرْعٌ)
الْمَرِيضُ الَّذِي يَعْجِزُ عَنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يُحَوِّلُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا مُتَبَرِّعًا وَلَا بِأُجْرَةِ مِثْلِهِ وَهُوَ وَاجِدُهَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ وَالْمَرْبُوطُ عَلَى خَشَبَةٍ وَالْغَرِيقُ وَنَحْوُهُمَا تَلْزَمُهُمَا الصَّلَاةُ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُ أَمْكَنَهُمْ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ وَفِيهِمْ خِلَافٌ سَبَقَ فِي باب التيمم والصحيح وُجُوبُ الْإِعَادَةِ (التَّاسِعَةُ) إذَا تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ أَنْ لَا إعَادَةَ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْهَا أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ صَلَّوْا رَكْعَةً إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَعْدَ نَسْخِهِ وَوُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ عَلِمُوا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ النَّسْخَ فَاسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ وَأَتَمُّوا إلَى الْكَعْبَةِ وَكَانَتْ الرَّكْعَةُ الْأُولَى إلَى غَيْرِ الْكَعْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِ اسْتِقْبَالِ الْكَعْبَةِ وَلَمْ يُؤْمَرُوا بِالْإِعَادَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي جَوَابِهِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النَّسْخِ إذَا وَرَدَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَلْ يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْأُمَّةِ قَبَلَ بُلُوغُهُ إلَيْهِمْ أَمْ
لَا يَكُونُ نَسْخًا فِي حَقِّهِمْ حَتَّى يَبْلُغَهُمْ وَفِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمْ حَتَّى يبلغهم فَأَهْلُ قُبَاءَ لَمْ تَصِرْ الْكَعْبَةُ قِبْلَتَهُمْ إلَّا حِينَ بَلَغَتْهُمْ فَلَا إعَادَةَ عَلَى أَهْلِ قُبَاءَ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ فِي الْمُخْطِئِ قَوْلَانِ قال الفرق أَنَّ أَهْلَ قُبَاءَ اسْتَقْبَلُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِالنَّصِّ فَلَا يَجُوزُ لَهُمْ الِاجْتِهَادُ فِي خِلَافِهِ فَلَا ينسبوا إلَى تَفْرِيطٍ بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي أَخْطَأَ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّى كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا حِيَالَهُ
فلما أصبحنا ذكرنا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فَنَزَلَ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فثم وجه الله " بحديث جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا فِي مَسِيرٍ فَأَصَابَنَا غَيْمٌ فتحيرنا في الفبلة فصلي كل رجل علي وحدة وجعل أحدنا يخط بين يديد فَلَمَّا أَصْبَحْنَا إذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أُجِيزَتْ صَلَاتُكُمْ " وَالْجَوَابُ أَنَّ الْحَدِيثَيْنِ ضَعِيفَانِ ضَعَّفَ الْأَوَّلَ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفَ الثَّانِي الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا نَعْلَمُ لَهُ إسْنَادًا صَحِيحًا وَلَوْ صَحَّا لَأَمْكَنَ حَمْلُهُمَا عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ اجْتَهَدَ فَدَخَلَ فِي الصلاة فعمى فيما اتمه وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّ اجْتِهَادَهُ الْأَوَّلَ أَوْلَى مِنْ اجْتِهَادِ غَيْرِهِ قَالَ فَإِنْ دَارَ عَنْ تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ أَدَارَهُ غَيْرُهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ واستأنفها باجتهاد غيره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (المستحب لمن يصلي إلى سترة أن يدنو منها لما روى عن سهل بن أبى حثمة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى سترة فليدن منها لا يقطع الشيطان صلاته " والمستحب أن يكون بينه وبينها قدر ثلاثة أذرع لما روى سهل بن يعد الساعدي رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلى وبينه وبين القبلة قدر ممر العنز " وممر العنز قدر ثلاث أذرع فان كان يصلي في موضع ليس بين يديه بناء فالمستحب أن ينصب بين يديه عصا لِمَا رَوَى أَبُو جُحَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خرج في حلة حمراء فركز عنزة فجعل
يصلى إليها بالبطحاء يمرون الناس من ورائها الكلب والحمار والمرأة " والمستحب ان يكون ما يستره
قدر مؤخرة الرحل لما روى طلحة رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل ولا يبال من مر وراء ذلك " قال عطاء مؤخرة الرحل ذراع فان لم يجد عصا فليخط بين يديه خطا الي القبلة لما روى أبو هريرة رصي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذا صلي احدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئا فان لم يجد شيئا فلينصب عصا فان لم يجد عصا فليخط خطا ولا يضره ما مر بين يديه " ويكره أن يصلي وبين يديد رجل يستقبله بوجهه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه " رأى رجلا يصلى ورجل جالس مستقبله فضربهما بالدرة " فان صلي ومر بين يديه مار دفعه ولم تبطل بذلك لقوله صلى الله عليه وسلم " لا يقطع صلاة المرء شئ وادرء واما استطعتم)
*
*
* (الشرح)
* حديث سهل بن حَثْمَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُمَا " كَانَ بَيْنَ مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ " وَحَدِيثُ أَبِي جحيفة رواه مسلم وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وَحَدِيثُ طَلْحَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ " وَلَا يُبَالِي مَنْ وَرَاءَ ذَلِكَ " وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ " مَنْ مر وراء ذلك " بزيادة لفظة مرو في رواية
التِّرْمِذِيِّ " مَنْ مَرَّ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ " وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْخَطِّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ تَضْعِيفَهُ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ أَخَذَ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَسُنَنِ حَرْمَلَةَ وَقَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خطا إلا أن يكون في ذلك حَدِيثٌ ثَابِتٌ فَيُتَّبَعُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَدِيثِ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ أَحَدِ رُوَاتِهِ وَقَالَ غَيْرُ الْبَيْهَقِيّ هُوَ ضَعِيفٌ لِاضْطِرَابِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ " لَا يَقْطَعُ الصلاة شئ وادرأوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ قَالَ عَطَاءٌ مُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ ذِرَاعٌ فَرَوَاهُ عَنْهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَفِيهِ سَهْلُ بْنُ أَبِي
حَثْمَةَ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُ ابى حثمة عبد الله وقيل عامر ابن ساعدة الانصاري المدنى كنية سَهْلٍ أَبُو يَحْيَى وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ ابْنُ ثمان سينن وَحَفِظَ جُمْلَةَ أَحَادِيثَ وَأَمَّا سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ فَهُوَ أَبُو الْعَبَّاسِ سَهْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَالِدٍ الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ الْمَدَنِيُّ مَنْسُوبٌ إلَى سَاعِدَةَ أَحَدِ أَجْدَادِهِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَهُوَ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِالْمَدِينَةِ لَيْسَ بَيْنَنَا فِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ: وَأَمَّا أَبُو جُحَيْفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَطَلْحَةُ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَعُمُرَ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْمِيَاهِ وعطاء في الحيض: وفى الذراع لغلتان التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ وَهُوَ الْأَفْصَحُ الْأَكْثَرُ قَوْلُهُ وَمَمَرُّ الْعَنَزِ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ هُوَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ وَقَوْلُهُ فَرَكَزَ عَنَزَةً هو بفتح النون وهو عَصًا نَحْوُ نِصْفِ رُمْحٍ فِي أَسْفَلِهَا زُجٌّ كزج الرمح الذى فِي أَسْفَلِهِ وَالْحُلَّةُ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ قَالَ أهل اللغلة لَا تَكُونُ إلَّا ثَوْبَيْنِ وَمُؤَخِّرَةُ الرَّحْلِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي الْبَابِ وَالْبَطْحَاءُ بِالْمَدِّ هِيَ بَطْحَاءُ مَكَّةَ وَيُقَالُ فِيهَا الْأَبْطُحُ وَهُوَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ علي باب مكة وادرؤ اما استطعتم أي ادفعو وَقَوْلُهُ يَمُرُّونَ النَّاسُ مِنْ وَرَائِهَا كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ يَمُرُّ النَّاسُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ لُغَةً قَلِيلَةً ضَعِيفَةً وهى لغة اكلو في البراغيث: أما احكام الفصل ففيه مسائل (احداهما) السُّنَّةُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ مِنْ جِدَارٍ أَوْ سَارِيَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيَدْنُوَ مِنْهَا وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَائِطٌ وَنَحْوُهُ غَرَزَ عَصًا وَنَحْوَهَا أَوْ جَمَعَ مَتَاعَهُ أو مرحله ويكون ارتفاع العصا ونحوها ثلثى ذراع فصاعد وَهُوَ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ ذِرَاعٌ كَمَا حَكَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا شَاخِصًا فَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يخطر بَيْنَ يَدَيْهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَسُنَنِ حَرْمَلَةَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ لَا يُسْتَحَبُّ وَلِلْأَصْحَابِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ يُسْتَحَبُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَنُقِلَ فِي الْبَيَانِ اتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ (وَالطَّرِيقُ
الثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْخَطِّ فَفِي كَيْفِيَّتِهِ اخْتِلَافٌ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَصَاحِبُ الشَّافِعِيِّ يَجْعَلُهُ مِثْلَ الْهِلَالِ
وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ سَمِعْتُ مُسَدِّدًا يَقُولُ قَالَ ابْنُ دَاوُد الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا إلَى الْقِبْلَةِ وقال غيره بخطه يَمِينًا وَشِمَالًا كَالْجِنَازَةِ وَالْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ الْخَطِّ لِأَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَدِيثُ فَفِيهِ تَحْصِيلُ حَرِيمٍ للمصلي وقد قدما اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ دُونَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَهَذَا مِنْ نَحْوِ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَالْمُخْتَارُ فِي كَيْفِيَّتِهِ مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِاسْتِحْبَابِ الْخَطِّ الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَإِذَا لَمْ يَجِدْ شَاخِصًا بَسَطَ مُصَلَّاهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ وَلَا يُسْتَتَرُ بِامْرَأَةٍ وَلَا دَابَّةٍ فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْمَرْأَةِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهَا رُبَّمَا شَغَلَتْ ذِهْنَهُ وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَعْرِضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا " زَادَ الْبُخَارِيُّ فِي رِوَايَتِهِ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ " وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَيَتَعَيَّنُ الْعَمَلُ بِهِ لاسيما وَقَدْ أَوْصَانَا الشَّافِعِيُّ رحمه الله بِأَنَّهُ إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ فَهُوَ مَذْهَبُهُ
* (فَرْعٌ)
الْمُعْتَبَرُ فِي السُّتْرَةِ أَنْ يَكُونَ طُولُهَا كَمُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ وَأَمَّا عَرْضُهَا فَلَا ضَابِطَ فِيهِ بَلْ يَكْفِي الْغَلِيظُ وَالدَّقِيقُ عِنْدَنَا وَقَالَ مَالِكٌ أَقَلُّهُ كَغِلَظِ الرُّمْحِ تَمَسُّكًا بِحَدِيثِ الْعَنَزَةِ وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يُجْزِئُ مِنْ السُّتْرَةِ مِثْلُ مؤخرة الرجل ولو بدقة شعرة " وعن سبرة ابن مَعْبَدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اسْتَتِرُوا فِي صَلَاتِكُمْ وَلَوْ بِسَهْمٍ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ الْأَوَّلُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ
وَمُسْلِمٍ وَالثَّانِي عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ بْنُ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودِ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ لَكِنَّ فِي إسْنَادِهِ الْوَلِيدَ بْنَ كَامِلٍ وَضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ وَقَدْ قَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهُ عَجَائِبُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذا صلى الي سترة حرم علي غبره الْمُرُورُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ وَلَا يَحْرُمُ وَرَاءَ السُّتْرَةِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ وَالصَّحِيحُ بل الصواب انه حرام وبه قطع التغوى والمحققون واحتجوا بحديث أبى الجهيم الانصاري الصاحبي رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يقف أربعين خيرا له من أن بمر بَيْنَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ رَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَرْبَعِينَ لِلْحَافِظِ عَبْدِ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيِّ " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إذَا صلي احدكم إلى شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمُصَلِّي دَفْعُ مَنْ أَرَادَ الْمُرُورَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورِ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعْ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَإِنْ ابى فا؟ قاتله فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَدْفَعُهُ دَفْعَ الصَّائِلِ بِالْأَسْهَلِ ثُمَّ الْأَسْهَلِ وَيَزِيدُ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهُ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ كَالصَّائِلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَكَذَا لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْخَطِّ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَالْعَصَا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سترة لو كَانَتْ وَتَبَاعَدَ عَنْهَا فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِ الْمَارِّ وَأَصَحُّهُمَا لَيْسَ لَهُ الدَّفْعُ لِتَقْصِيرِهِ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى احدكم الي شئ يَسْتُرُهُ " وَلَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُرُورُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَجَدَ الدَّاخِلُ فُرْجَةً فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَلَهُ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدْيِ الصَّفِّ الثَّانِي وَيَقِفُ فِيهَا لِتَقْصِيرِ أَهْلِ الصَّفِّ الثَّانِي بِتَرْكِهَا
*
(فَرْعٌ)
قَالَ إمام الحرمين النهى عن المرور الامر بِالدَّفْعِ إنَّمَا هُوَ إذَا وَجَدَ الْمَارُّ سَبِيلًا سِوَاهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَازْدَحَمَ النَّاسُ فَلَا نَهْيَ عَنْ الْمُرُورِ وَلَا يُشْرَعُ الدَّفْعُ وَتَابَعَ الْغَزَالِيُّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ مُشْكِلٌ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ خِلَافُهُ وَأَكْثَرُ كُتُبِ الْأَصْحَابِ سَاكِتَةٌ عَنْ التَّقْيِيدِ
بِمَا إذَا وَجَدَ سِوَاهُ سَبِيلًا.
قُلْتُ الْحَدِيثُ الَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السمان فال " رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه في يوم جمعة يصلى الي شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ شَابٌّ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إلَّا بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنْ الْأَوَّلِ فَنَالَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا إلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ وَدَخَلَ أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ على مروان فقال مالك ولابن أخبك يَا أَبَا سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلى شئ يَسْتُرُهُ مِنْ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا صَلَّى إلَى سُتْرَةٍ فَمَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ كَلْبٌ أَسْوَدُ أَوْ حِمَارٌ أَوْ غَيْرُهَا مِنْ الدَّوَابِّ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ أهل العلم الا الحسن البصري قانه قَالَ تَبْطُلُ بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَالْكَلْبِ الْأَسْوَدِ وقال احمد واسحق تَبْطُلُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ فَقَطْ وَاحْتَجَّ لِلْحَسَنِ وَلَهُمَا فِي الْكَلْبِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ الْأَسْوَدُ قَالَ قُلْت يَا أَبَا ذَرٍّ مَا بَالُ الكلب الاسود من الكلب مِنْ الْكَلْبِ الْأَحْمَرِ مِنْ الْكَلْبِ الْأَصْفَرِ قَالَ يَا ابْنَ أَخِي سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا سَأَلْتنِي فَقَالَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ وَالْكَلْبُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ " يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ الْحَائِضُ وَالْكَلْبُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَحْسَبُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إلَى غَيْرِ سُتْرَةٍ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلَاتَهُ الْحِمَارُ وَالْخِنْزِيرُ
وَالْيَهُودِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالْمَرْأَةُ وَيُجْزِئُ عَنْهُ إذَا مَرُّوا بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى قَذْفَةٍ بِحَجَرٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَجَعَلَهُ مُنْكَرًا وَرَوَى أَبُو دَاوُد أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مِنْ هَذَا النَّوْعِ ضَعِيفَةً وَاحْتَجَّ لِأَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ بِحَدِيثِ مَسْرُوقٍ قَالَ ذَكَرُوا عِنْدَ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ فَذَكَرُوا الْكَلْبَ وَالْحِمَارَ وَالْمَرْأَةَ فَقَالَتْ " شَبَّهْتُمُونَا بِالْحُمُرِ وَالْكِلَابِ لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَأَنَا عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَقْبَلْتُ راكبا على حماراتان وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ يَمِينًا إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ وَأَرْسَلْتُ الْأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أحد " رواه البخاري ومسلم وعن الفضل ابن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي بَادِيَةٍ لَنَا فَصَلَّى فِي صَحْرَاءَ
لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ وَحِمَارَةٌ لَنَا وَكَلْبَةٌ تَعْبَثَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا بَالَى ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَإِذَا اخْتَلَفَ الْخَبَرَانِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نظر إلي عَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كُنْتُ رَدِيفَ الْفَضْلِ عَلَى أَتَانٍ فَجِئْنَا وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ بِمِنًى فَنَزَلْنَا عَنْهَا فَوَصَلْنَا الصَّفَّ فَمَرَّتْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْطَعْ صَلَاتَهُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَصَحُّهُمَا وَأَحْسَنُهُمَا مَا أَجَابَ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَطْعِ الْقَطْعُ عَنْ الْخُشُوعِ وَالذِّكْرِ لِلشُّغْلِ بِهَا وَالِالْتِفَاتِ إلَيْهَا لَا أَنَّهَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ ابْنَ عباص أَحَدُ رُوَاةٍ (1) قَطَعَ الصَّلَاةَ بِذَلِكَ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَمَلَهُ عَلَى الْكَرَاهَةِ فَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُهُ وَأَمَّا مَا يَدَّعِيهِ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ النَّسْخِ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وهى في آخر الامران يَكُونَ نَاسِخًا إذْ يُمْكِنُ كَوْنُ أَحَادِيثِ الْقَطْعِ بَعْدَهُ وَقَدْ عُلِمَ وَتَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يَكُونُ نَاسِخًا مَعَ أَنَّهُ لَوْ احْتَمَلَ النَّسْخَ لَكَانَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ مقدما عليه إذ ليس فيه رد شئ مِنْهَا وَهَذِهِ أَيْضًا قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ يَسْتَقْبِلُهُ وَيَرَاهُ وَقَدْ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنهما وَلِأَنَّهُ يَشْغَلُ الْقَلْبَ غَالِبًا فَكُرِهَ كَمَا كُرِهَ النَّظَرُ إلَى مَا يُلْهِيهِ كَثَوْبٍ لَهُ أَعْلَامٌ وَرَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ كَرِهَ عُثْمَانُ رضي الله عنه أَنْ يَسْتَقْبِلَ الرَّجُلَ وَهُوَ يُصَلِّي قَالَ الْبُخَارِيُّ وَإِنَّمَا هَذَا إذَا اشْتَغَلَ بِهِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِهِ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مَا بَالَيْتُ أَنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلَاةَ الرَّجُلِ ثُمَّ احْتَجَّ الْبُخَارِيُّ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَلَيْسَ فِي حديث عائشة ما يخالف ما ذكرناه أو لا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي وَهِيَ مُسْتَقْبِلَتُهُ بَلْ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً واضطجاعها في ظلام الليل فوجودها كعدمها إذْ لَا يَنْظُرُ إلَيْهَا وَلَا يَسْتَقْبِلُهَا
* (فَرْعٌ)
لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى النَّائِمِ وَتُكْرَهُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ الَّذِينَ يَشْتَغِلُ بِهِمْ فَأَمَّا عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِي النَّائِمِ فَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ السَّابِقِ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ في المتحدت فلشغل القب وَلِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تُصَلُّوا خَلْفَ النَّائِمِ وَلَا المتحدث " فرواه أبو داود ولكن ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَاده رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَمْ يُسَمَّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يَصِحُّ وَقَدْ ثَبَتَ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَ فَأَمَّا الصَّلَاةُ إلَى الْمُتَحَدِّثِينَ فَقَدْ كَرِهَهَا الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ يَشْغَلُ المصلى عن صلاته
*
(1) بياض بالاصل اه
إذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَبِجَنْبِهِ امْرَأَةٌ لَمْ تَبْطُلْ طلاته وَلَا صَلَاتُهَا سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا هذا مذهبا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ فِي صَلَاةٍ أَوْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ غَيْرَ مُشَارِكَةٍ لَهُ فِي صَلَاتِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاتُهَا فَإِنْ كَانَتْ فِي صَلَاةٍ يُشَارِكُهَا فِيهَا وَلَا تَكُونُ مُشَارِكَةً لَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا إذَا نَوَى الْإِمَامُ إمَامَةَ النِّسَاءِ فَإِذَا شَارَكَتْهُ فَإِنْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ رَجُلٍ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ إلَى جَنْبَيْهَا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهَا وَلَا صَلَاةُ مَنْ يَلِي الَّذِي يَلِيهَا لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا حَاجِزًا وَإِنْ كَانَتْ فِي صَفٍّ بَيْنَ يَدَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاةُ مَنْ يحاذيها من ورائها ولم تبطل صلاة يُحَاذِي مَحَاذِيهَا لِأَنَّ دُونَهُ حَاجِزًا فَإِنْ صَفَّ نِسَاءٌ خَلْفَ الْإِمَامِ وَخَلْفَهُنَّ صَفَّ رِجَالٌ بَطَلَتْ صَلَاةُ الصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِنَّ قَالَ وَكَانَ الْقِيَاسُ
أَنْ لَا تَبْطُلَ صَلَاةُ مَنْ وَرَاءَ هَذَا الصَّفِّ مِنْ الصُّفُوفِ بِسَبَبِ الْحَاجِزِ وَلَكِنْ نَقُولُ تَبْطُلُ صُفُوفُ الرِّجَالِ وَرَاءَهُ وَلَوْ كَانَتْ مِائَةَ صَفٍّ اسْتِحْسَانًا فَإِنْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا إلَى جَنْبِهِ وَمَذْهَبُهُ أَنَّهَا إذا بطلت صلاة الامام بطت صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ أَيْضًا وَتَبْطُلُ صَلَاتُهَا أَيْضًا لِأَنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَأْمُومِينَ وَهَذَا الْمَذْهَبُ ضَعِيفُ الْحُجَّةِ ظَاهِرُ التَّحَكُّمِ وَالتَّمَسُّكِ بِتَفْصِيلٍ لَا أَصْلَ لَهُ وَعُمْدَتُنَا أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الصَّلَاةَ صَحِيحَةٌ حَتَّى يَرِدَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ فِي الْبُطْلَانِ وَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ وَيَنْضَمُّ إلَى هَذَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ فَإِنْ قَالُوا نَحْنُ نَقُولُ بِهِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُصَلِّيَةً قَالَ أَصْحَابُنَا نَقُولُ إذَا لَمْ تَبْطُلْ وَهِيَ فِي غَيْرِ عِبَادَةٍ فَفِي الْعِبَادَةِ أَوْلَى وَقَاسَ أَصْحَابُنَا عَلَى وُقُوفِهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ والهداية العصمة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
*
(باب صفة الصلاة)
*
* (إذا أراد أن يصلى في جماعة لم يقم حتي يفرغ المؤذن من الاقامة لانه ليس بوقت للدخول في الصلاة والدليل علنه ما روى أبو أمامة أن بلالا أخذ في الاقامة فلما قال قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم " أقامها الله وأدامها " وقال في سائر الاقامة مثل ما يقول له فإذا فرغ المؤذن قام)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَذَانِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ وقول المصنف إذا أراد أن يصلي جَمَاعَةٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ يَقُومُ أَوَّلًا ثُمَّ يُقِيمُ قَائِمًا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتٍ لِلدُّخُولِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الدُّخُولُ فِيهَا قبل الفراع مِنْ الْإِقَامَةِ لَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فَإِنَّهَا يَصِحُّ الدُّخُولُ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْإِقَامَةِ وَقَبْلَهَا وَقَوْلُهُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ يَعْنِي الدَّلِيلَ عَلَى انه ليس بوقت الدخول لِأَنَّ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَابَعَهُ فِي جَمِيعِ أَلْفَاظِ الْإِقَامَةِ وَلَا يُتَابِعُهُ إلَّا قَبْلَ الدُّخُولِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَقُومَا حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ فإذا فرع قاما مُتَّصِلًا بِفَرَاغِهِ قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَهْلُ الْحِجَازِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ نَهَضَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ فَإِذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ كَبَّرَ وَكَبَّرُوا وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ كَانَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ إذَا قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَثَبَ وَكَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو قِلَابَةَ وَعِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ وَالزُّهْرِيُّ وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيُّ يَقُومُونَ إلَى الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ بُدُوِّهِ مِنْ الْإِقَامَةِ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ إذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَ مَالِكُ لا يؤقف فِيهِ شَيْئًا هَذَا مَا نَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَوَافَقَنَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ عَلَى انه لا يكبر الامام حتى يفرع الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ نَقَلَهُ عَنْهُمْ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ أَنْ بِلَالًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ فَرُّوخَ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى قَالَ " كَانَ بِلَالٌ إذَا قَالَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ نَهَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَكَبَّرَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالُوا وَلِأَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَلَمْ يُكَبِّرْ الْإِمَامُ يَكُونُ كَاذِبًا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا الْمُحَدِّثُونَ مِنْهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ قَالُوا وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ إلَى الصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْرَعْ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ كَالْأَذَانِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ بِلَالٍ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحْسَنُهُمَا وَهُوَ جَوَابُ الْبَيْهَقِيّ والمحققين
أَنَّهُ ضَعِيفٌ رُوِيَ مُرْسَلًا وَفِي رِوَايَةٍ مُسْنَدًا فاسناده ضعيف ليس بشئ وَإِنَّمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مُرْسَلًا وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ قَالَ بِلَالٌ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَيَرْجِعُ الْحَدِيثُ إلَى أَنَّ بِلَالًا كَأَنَّهُ كَانَ يُؤَمِّنُ قَبْلَ تَأْمِينِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَا تَسْبِقْنِي بِآمِينَ وَالْجَوَابُ الثَّانِي جَوَابُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ طَلَب ذَلِكَ حِينَ عُرِضَ لَهُ حَاجَةٌ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم التَّمَهُّلَ لِيُدْرِكَ تَأْمِينَهُ الدَّلِيلُ عَلَى هَذَا أَنَّ بَيْنَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَبَيْنَ آخِرِ الْإِقَامَةِ زَمَنًا يَسِيرًا جدا يمكنه إتمام الاقامة وإدراك آخر
الفاتحة بل أدراك أَوَّلِهَا بَلْ مَا قَبْلَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ بَعْدَ تَكْبِيرِهِ ثُمَّ يَتَعَوَّذُ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي الْفَاتِحَةِ فَيَتَعَيَّنُ مَا قُلْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَا يَرْوِيهِ إلَّا حَجَّاجُ بْنُ فَرُّوخَ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ يُضَعِّفُهُ: قُلْتُ اتَّفَقُوا عَلَى جَرْحِ الْحَجَّاجِ هَذَا فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ يَحْيَى بن معين ليس هو بشئ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ شَيْخٌ مَجْهُولٌ وَقَالَ النسائي ضعيف وقال الدارقطني متروك وهذه أوضع الْعِبَارَاتِ عِنْدَهُمْ وَفِي الْحَدِيثِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةٍ أخرى وهى أن ابن العوام بن حوشب لم يدرك بن أَبِي أَوْفَى كَذَا قَالَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وَلَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا رِوَايَتُهُ عَنْ التَّابِعِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّهُ يَكُونُ كَاذِبًا فَجَوَابُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ قَدْ قَرُبَ الدُّخُولُ فِي الصَّلَاةِ فَهَكَذَا قَالَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ وَالْفُقَهَاءُ وَالْمُحَدِّثُونَ وَهُوَ مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ حَسَنٌ كَقَوْلِ اللَّهِ تعالي (فإذا بلغن أجلهن) أَيْ قَارَبْنَهُ وَفِي الْحَدِيثِ " مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فقد ثم حَجُّهُ " أَيْ قَارَبَ التَّمَامَ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَلِأَنَّ مَا أَلْزَمُونَا بِهِ يَلْزَمُهُمْ عَلَى مُقْتَضَاهُ تَقْدِيمُ الْإِحْرَامِ عَلَى قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يسحب لِلْمَأْمُومِ وَالْإِمَامِ أَنْ لَا يَقُومَا حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي آخِرِ بَابِ الْأَذَانِ ينبغى لمن كان شيخا بطئ النَّهْضَةِ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ قَوْلِهِ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ وَلِسَرِيعِ النَّهْضَةِ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لِيَسْتَوُوا قِيَامًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَأَرَادَ الشُّرُوعَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ أَوْ غَيْرِهَا فَشَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلْيَسْتَمِرَّ قَائِمًا وَلَا يَشْرَعْ فِي التَّحِيَّةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَلَا يَجْلِسُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَإِذَا اسْتَمَرَّ قَائِمًا لَا يَكُونُ قَدْ قَامَ لِلصَّلَاةِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ هَذَا لَمْ يَبْتَدِ الْقِيَامَ لَهَا صَرَّحَ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ ظَاهِرَةٌ وَفِي كِتَابِ الزِّيَادَاتِ لِأَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ يَجْلِسُ وَهَذَا غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَلَيْسَ الْإِمَامُ مَعَ الْقَوْمِ بَلْ يَخْرُجُ إلَيْهِمْ فَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَقِبَ فَرَاغِ المؤذن منه الْإِقَامَةِ وَهَذَا مُشْكِلٌ فَقَدْ ثَبَتَ
فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " حَتَّى تَرَوْنِي قَدْ خَرَجْتُ " فَإِنْ قِيلَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عن قَالَ " كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَأْخُذُ النَّاسُ مَصَافَّهُمْ قَبْلَ أن يقوم مقاممه " قُلْنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ إذَا رَأَوْهُ قَدْ خَرَجَ قَبْلَ وُصُولِهِ مَقَامَهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ بِلَالٌ يُؤَذِّنُ إذَا دَحَضَتْ وَلَا يُقِيمُ حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا خَرَجَ أَقَامَ الصَّلَاةَ حِينَ يَرَاهُ ": فَإِنْ قِيلَ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَقُمْنَا فَعَدَلْنَا الصُّفُوفَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا أَقَامَ فِي مُصَلَّاهُ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " قُلْنَا هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَكَانَ الْغَالِبُ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَوْ انه اراد بقوله قبل ان يخرح الينا أي قبل ان يصلنا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (والقيام فرض في الصلاة المفروضة لما روى عمران ابن الحصين رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لم تستطع فعلي جنب " واما في النافلة فليس بفرض لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يتنفل علي الراحلة وهو قاعد " ولان النوافل تكثر فلو وجب فيها القيام شق وانقطعت النوافل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عِمْرَانَ رضي الله عنه رَوَاهُ البخاري بلفظه وابو حصين صَحَابِيٌّ عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ لَمْ يُسْلِمْ كُنْيَةُ عِمْرَانَ أَبُو نُجَيْدٍ بِضَمِّ النُّونِ أَسْلَمَ عَامَ خَيْبَرَ وَهُوَ خُزَاعِيٌّ نَزَلَ الْبَصْرَةَ وَوَلِيَ قَضَاءَهَا ثُمَّ اسْتَقَالَ فَأُقِيلَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وخمسين واما حديث تنقل النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الرَّاحِلَةِ فَثَابِتٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وجابر وانس وعامر ابن رَبِيعَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْقِيَامُ فِي الْفَرَائِضِ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مِنْ الْقَادِرِ عَلَيْهِ إلَّا بِهِ حَتَّى قَالَ
أَصْحَابُنَا لَوْ قَالَ مُسْلِمٌ أَنَا أَسْتَحِلُّ الْقُعُودَ فِي الْفَرِيضَةِ بِلَا عُذْرٍ أَوْ قَالَ الْقِيَامُ فِي الْفَرِيضَةِ لَيْسَ بِفَرْضٍ كَفَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقِيَامِ
(إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي الْقِيَامِ الِانْتِصَابُ وَهَلْ
يُشْتَرَطُ الِاسْتِقْلَالُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَنِدُ فِيهِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالرَّافِعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ اسْتَنَدَ إلَى جِدَارٍ أَوْ إنْسَانٍ أَوْ اعْتَمَدَ عَلَى عَصًا بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ السِّنَادُ لَسَقَطَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى قَائِمًا وَالثَّانِي يُشْتَرَطُ وَلَا تَصِحُّ مَعَ الِاسْتِنَادِ فِي حَالِ الْقُدْرَةِ بِحَالٍ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ الِاسْتِنَادُ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ رُفِعَ السِّنَادُ لَمْ يَسْقُطْ وَإِلَّا فَلَا هَذَا فِي اسْتِنَادٍ لَا يَسْلُبُ اسْمَ الْقِيَامِ فَإِنْ اسْتَنَدَ مُتَّكِئًا بِحَيْثُ لَوْ رَفَعَ عَنْ الْأَرْضِ قَدَمَيْهِ لَأَمْكَنَهُ الْبَقَاءُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِمٍ بَلْ معلق نفسه بشئ فَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِاسْتِقْلَالِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَنْتَصِبَ مُتَّكِئًا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الِانْتِصَابِ وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ الِانْتِصَابُ بَلْ لَهُ الصَّلَاةُ قَاعِدًا: أَمَّا
الِانْتِصَابُ الْمَشْرُوطُ فَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ نَصْبُ فَقَارِ الظَّهْرِ ليس لِلْقَادِرِ أَنْ يَقِفَ مَائِلًا إلَى أَحَدِ جَانِبَيْهِ زَائِلًا عَنْ سُنَنِ الْقِيَامِ وَلَا أَنْ يَقِفَ مُنْحَنِيًا فِي حَدِّ الرَّاكِعِينَ فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ انْحِنَاؤُهُ حَدَّ الرَّاكِعِينَ لَكِنْ كَانَ إلَيْهِ أَقْرَبُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَصِبٍ وَالثَّانِي تَصِحُّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَوْ أَطْرَقَ رَأْسَهُ بِغَيْرِ انْحِنَاءٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُنْتَصِبٌ وَلَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى النُّهُوضِ إلَّا بِمُعِينٍ ثُمَّ إذَا
نَهَضَ لَا يَتَأَذَّى بِالْقِيَامِ لَزِمَهُ الِاسْتِعَانَةُ إمَّا بِمُتَبَرِّعٍ وَإِمَّا بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ إنْ وَجَدَهَا هَذَا كُلُّهُ فِي الْقَادِرِ عَلَى الِانْتِصَابِ فَأَمَّا الْعَاجِزُ كَمَنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ وَصَارَ فِي حَدِّ الرَّاكِعِينَ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ زَادَ فِي الِانْحِنَاءِ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا قَالَا فَإِنْ قَدَرَ
عِنْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الِارْتِفَاعِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَزِمَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ دُونَ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ تَمْنَعُ الِانْحِنَاءَ لَزِمَهُ الْقِيَامُ وَيَأْتِي بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِحَسْبِ الطَّاقَةِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ حَنَى رَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ فَإِنْ احْتَاجَ فِيهِ إلَى شئ يعتمد عليه أو ليتكئ إلَى جَنْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الِانْحِنَاءَ أَصْلًا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَالِاضْطِجَاعُ دُونَ الْقُعُودِ
قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْتِي بِالْقُعُودِ قَائِمًا لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ مَسَائِلِ الْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَفُرُوعُهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى شئ فِي حَالِ الْقِيَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَسَائِلِ قِيَامِ اللَّيْلِ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي جَوَازِ التَّعَلُّقِ بِالْحِبَالِ وَنَحْوِهَا
فِي صَلَاةِ النَّفْلِ لِطُولِهَا فَنَهَى عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَحُذَيْفَةُ رضي الله عنهما وَرَخَّصَ فيه آخرون قال واما الاتكاء على العصي فَجَائِزٌ فِي النَّوَافِلِ بِاتِّفَاقِهِمْ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ كَرَاهَتِهِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ بِقَدْرِهِ قَالَ وَأَمَّا فِي الْفَرَائِضِ فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالُوا مَنْ اعْتَمَدَ عَلَى عَصًا أَوْ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ بِحَيْثُ يَسْقُطُ لَوْ زَالَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ قَالَ وَأَجَازَ ذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَجَمَاعَةٌ
مِنْ الصَّحَابَةِ وَالسَّلَفِ قَالَ وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ ضَرُورَةً فَإِنْ كَانَتْ جَازَ وَكَانَ أَفْضَلَ مِنْ الصَّلَاةِ جَالِسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَوْ قَامَ عَلَى إحْدَى رِجْلَيْهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ فَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا فَلَا كَرَاهَةَ وَيُكْرَهُ أَنْ يُلْصِقَ الْقَدَمَيْنِ بَلْ يُسْتَحَبُّ التَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا وَيُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَجِّهَ أَصَابِعَهُمَا إلَى الْقِبْلَةِ
*
(فَرْعٌ)
فِي التَّرْوِيحِ بَيْنَ الْقَدَمَيْنِ فِي الْقِيَامِ قال بن الْمُنْذِرِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا أَيْضًا مُقْتَضَى مَذْهَبِنَا (الثَّالِثَةُ) تَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سثل أَيُّ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ قَالَ " طُولُ الْقُنُوتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ مِنْ الْقُنُوتِ الْقِيَامُ وَتَطْوِيلُ السُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ بَاقِي الْأَرْكَانِ
غَيْرَ الْقِيَامِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ تَطْوِيلُ السُّجُودِ وَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ الْقِيَامِ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَغَوِيُّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
" أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ " وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " عَلَيْكَ بكثرة السجود " رواه مسلم وقال بعض العلماء هما سواء وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَلَمْ يقض فيها بشئ وقال اسحاق ابن رَاهْوَيْهِ أَمَّا فِي النَّهَارِ فَتَكْثِيرُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَفْضَلُ وَأَمَّا بِاللَّيْلِ فَتَطْوِيلُ الْقِيَامِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ جُزْءٌ بِاللَّيْلِ يَأْتِي عَلَيْهِ فتكثير الركوع والسجود افضل لانه يقرأ جزءه ويربح كثرة
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّمَا قَالَ إِسْحَاقُ هَذَا لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ بِطُولِ الْقِيَامِ وَلَمْ يُوصَفْ مِنْ تَطْوِيلِهِ بِالنَّهَارِ مَا وُصِفَ بِاللَّيْلِ: دَلِيلُنَا عَلَى تَفْضِيلِ إطَالَةِ
الْقِيَامِ حَدِيثُ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ طُولُ الْقُنُوتِ " وَلِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ " كَانَ يُطَوِّلُ الْقِيَامَ أَكْثَرَ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " وَلِأَنَّ ذِكْرَ الْقِيَامِ الْقِرَاءَةُ وَهِيَ أَفْضَلُ من ذكر الركوع
والسجود
(الرابعة) الواجب مِنْ الْقِيَامِ قَدْرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَجِبُ مَا زَادَ وَالْوَاجِبُ مِنْ الرُّكُوعِ
وَالسُّجُودِ قَدْرُ أَدْنَى طُمَأْنِينَةٍ وَلَا يَجِبُ مَا زَادَ فَلَوْ زَادَ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى مَا يُجْزِئُهُ فَهَلْ
يَقَعُ الْجَمِيعُ وَاجِبًا أَمْ الْوَاجِبُ مَا يُجْزِئُهُ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ (فِيهِ وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ وَالْأَصَحُّ
أَنَّ الْجَمِيعَ يَقَعُ وَاجِبًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةِ وَهُمَا مِثْلُ الْوَجْهَيْنِ فِي مَسْحِ كُلِّ الرَّأْسِ وَفِي الْبَعِيرِ الْمُخْرَجُ فِي الزَّكَاةِ عَنْ خَمْسٍ وَفِي الْبَدَنَةِ الْمُضَحَّى بِهَا بَدَلًا عَنْ شَاةٍ مَنْذُورَةٍ: قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ فِي الزَّكَاةِ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَفِيهِ قَوْلَانِ (وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَمَسْحِ الرَّأْسِ) فِي تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فَإِنَّ ثَوَابَ الْفَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ ثَوَابِ التَّطَوُّعِ: وَفِي الزَّكَاةِ فِي الرُّجُوعِ عِنْدَ التَّعْجِيلِ وَفِي الْبَدَنَةِ فِي الْأَكْلِ مِنْهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَسْأَلَةِ مَسْحِ الرَّأْسِ
(الْخَامِسَةُ) لَوْ جَلَسَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ فَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا رَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ التَّدْبِيرُ فَلَهُمْ الصَّلَاةُ قُعُودًا وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ لِنُدُورِهِ: وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي غَيْرِ الرَّقِيبِ إنْ خَافَ لَوْ قَامَ أَنْ يَقْصِدَهُ الْعَدُوُّ صَلَّى قاعدا واجزأته عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ وَلَوْ صَلَّى الْكَمِينُ فِي وَهْدَةٍ قُعُودًا فَفِي صِحَّتِهَا قَوْلَانِ: قُلْت أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ فِعْلُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرُهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ لَكِنْ ثَوَابُهَا يَكُونُ نِصْفَ ثَوَابِ الْقَائِمِ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَالْمُرَادُ بِالنَّائِمِ الْمُضْطَجِعِ
*
وَلَوْ تَنَفَّلَ مُضْطَجِعًا بِالْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ صُورَتَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهَذَا أَرْجَحُهُمَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ صِحَّتُهَا لِحَدِيثِ عِمْرَانَ وَلَوْ صَلَّى النَّافِلَةَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَثَوَابُهُ ثَوَابُ الْقِيَامِ
بِلَا خِلَافٍ كَمَا فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ فَإِنَّ ثَوَابَهَا ثَوَابُ الْقَائِمِ بِلَا خِلَافٍ وَالْحَدِيثُ وَرَدَ فِيمَنْ يُصَلِّي النَّفَلَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْقِيَامِ يَسْتَوِي فِيمَا ذَكَرْنَاهُ جَمِيعُ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ وَالرَّاتِبَةِ وَصَلَاةُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْفَرَائِضِ وَبِهِ قَطَعَ ابْنُ كَجٍّ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ: وَأَمَّا الْجِنَازَةُ فَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ بَيَانُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قاعدا مع القدرة لان القيام ومعظم أَرْكَانِهَا وَالثَّانِي يَجُوزُ وَالثَّالِثُ إنْ تَعَيَّنَتْ لَمْ يجز والاجاز قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا جَوَّزْنَا الِاضْطِجَاعَ فِي النَّفْلِ مَعَ قُدْرَتِهِ فَهَلْ يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَرْكَعَ وَيَسْجُدَ كَالْقَاعِدِ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي قَالَ إمَامُ الحرمين عندي أَنَّ مَنْ جَوَّزَ الِاضْطِجَاعَ لَا يُجَوِّزُ الِاقْتِصَارَ فِي الْأَرْكَانِ الذِّكْرِيَّةِ كَالتَّشَهُّدِ وَالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِمَا عَلَى ذِكْرِ الْقَلْبِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لابد منه فلا يجزى ذِكْرُ الْقَلْبِ قَطْعًا لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَبْقَى لِلصَّلَاةِ صُورَةٌ أَصْلًا وَإِنَّمَا وَرَدَ الْحَدِيثُ بِالتَّرْخِيصِ فِي الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ فَيَبْقَى مَا عَدَاهُمَا عَلَى مقتضاه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم ينوى والنية فرض من فروض الصلاة لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ولكل امرئ ما نوى " ولانها قربة محضة فلم تصح من غير نية كالصوم ومحل النية القلب فان نوى بقلبه دون لسانه أجزأه ومن اصحابنا من قال ينوى بالقلب ويتلفظ باللسان وليس بشئ لان النية هي القصد بالقلب)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ: وَقَوْلُهُ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالصَّوْمِ إنَّمَا قَاسَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ خَاصٌّ " لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ " وَهَذَا الْقِيَاسُ يُنْتَقَضُ بِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ طَرِيقُهَا الْأَفْعَالُ كَمَا قَالَهُ فِي نِيَّةِ الْوُضُوءِ لِيَحْتَرِزَ عَنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالنِّيَّةُ فَرْضٌ لَا تَصِحُّ الصلاة الا بها ونقل بن الْمُنْذِرِ فِي كِتَابِهِ الْأَشْرَافِ وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ وَالشَّيْخُ أبو حامد الاسفراينى وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى وَآخَرُونَ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنِّيَّةِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ رواية
عن احمد ليست بصحيحة عنه (1) فَإِنْ نَوَى بِقَلْبِهِ وَلَمْ يَتَلَفَّظْ بِلِسَانِهِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يُجْمِعَ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَتَلَفُّظِ اللِّسَانِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فِي الْحَجِّ إذَا نَوَى حَجًّا أَوْ عمرة أجزأ وَإِنْ لَمْ يَتَلَفَّظْ وَلَيْسَ كَالصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِالنُّطْقِ قَالَ أَصْحَابُنَا غَلِطَ هَذَا الْقَائِلُ وَلَيْسَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ بِالنُّطْقِ فِي الصَّلَاةِ هَذَا بَلْ مُرَادُهُ التَّكْبِيرُ: وَلَوْ تَلَفَّظَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَنْوِ بِقَلْبِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فِيهِ: وَلَوْ نَوَى بِقَلْبِهِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ صَلَاةُ الْعَصْرِ انْعَقَدَتْ صَلَاةُ الظُّهْرِ
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي النِّيَّةِ هَلْ هِيَ فَرْضٌ أَمْ شَرْطٌ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ هِيَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا كَالتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ شَرْطٌ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَاخْتَارَهُ الْغَزَالِيُّ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يُجْزِئُ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ بن الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ رُكْنٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أنه شرط لا ركن والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويجب أن تكون النية مقارنة للتكبير لانه أول فرض من فروض الصلاة فيجب أن تكون مقارنة له)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ (وَإِذَا أَحْرَمَ نَوَى صَلَاتَهُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ لَا بَعْدَهُ وَلَا قَبْلَهُ) وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ النَّصَّ بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ (يَنْوِي مَعَ التَّكْبِيرِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ الْمُقَارَنَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ أَنْ يَبْتَدِئَ النِّيَّةَ بِالْقَلْبِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ بِاللِّسَانِ ويفرع مِنْهَا مَعَ فَرَاغِهِ مِنْهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ بل لا يجوز لئلا يخلو أول التكببر عَنْ تَمَامِ النِّيَّةِ فَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وهو قول أبي منصور ابن مِهْرَانَ شَيْخِ أَبِي بَكْرٍ الْأَوْدَنِيِّ يَجِبُ أَنْ يقدم النية على أول التكبير بشئ يسبر لِئَلَّا يَتَأَخَّرَ أَوَّلُهَا عَنْ أَوَّلِ التَّكْبِيرِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَجِبُ ذَلِكَ بَلْ الِاعْتِبَارُ بِالْمُقَارَنَةِ
وَسَوَاءٌ قَدَّمَ أَمْ لَمْ يُقَدِّمْ وَيَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ إلَى انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَاخْتَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وغيره انه لا يجب التدقيق المذكور
(1) هكذا بالاصل وفى غير هذا الكتاب نسبة هـ سذا القول لداود فليحرر اه
فِي تَحْقِيقِ مُقَارَنَةِ النِّيَّةِ وَأَنَّهُ تَكْفِي الْمُقَارَنَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْعَامِّيَّةُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُسْتَحْضِرًا لِصَلَاتِهِ غَيْرَ غَافِلٍ عَنْهَا اقْتِدَاءً بِالْأَوَّلِينَ فِي تَسَامُحِهِمْ فِي ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَاهُ هُوَ الْمُخْتَارُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالنِّيَّةُ هِيَ الْقَصْدُ فَيُحْضِرُ فِي ذِهْنِهِ ذَاتَ الصَّلَاةِ وَمَا يَجِبُ التَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ صِفَاتِهَا كَالظُّهْرِيَّةِ وَالْفَرْضِيَّةِ وَغَيْرِهِمَا ثُمَّ يَقْصِدُ هَذِهِ الْعُلُومَ قَصْدًا مُقَارِنًا لِأَوَّلِ التَّكْبِيرِ وَيَسْتَصْحِبُهُ حَتَّى يَفْرُغَ التَّكْبِيرُ وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِمُنَاقِضٍ لَهَا فَلَوْ نَوَى فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ الْخُرُوجَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ النِّيَّةُ عَلَى التَّكْبِيرِ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يَعْرِضُ شَاغِلٌ عَنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ
* (1) يَجِبُ أَنْ تَتَقَدَّمَ النِّيَّةُ عَلَى التَّكْبِيرِ وَيُكَبِّرَ عَقِبَهَا بِلَا فَصْلٍ وَلَا يَجِبُ فِي حَالِ التَّكْبِيرِ
* وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا خَرَجَ مِنْ مَنْزِلِهِ قَاصِدًا صَلَاةَ الظُّهْرِ مَعَ الْإِمَامِ فَانْتَهَى إلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَدَخَلَ مَعَهُ فِيهَا وَلَمْ يَحْضُرْهُ أَنَّهَا تِلْكَ الصَّلَاةُ أَجْزَأَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْكَفَّارَةِ: وَيَنْوِي مَعَ التَّكْفِيرِ أَوْ قَبْلَهُ قَالَ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْكَفَّارَةِ مَعَ التَّكْفِيرِ كَالصَّلَاةِ قَالَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَوْ قَبْلَهُ يَعْنِي أَوْ قُبَيْلَهُ وَيَسْتَدْعِي ذِكْرَ النِّيَّةِ حَتَّى يَكُونَ ذَاكِرًا لَهَا حَالَ التَّكْفِيرِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ قَبْلَ التكفير وفرق بينهما وَبَيْنَ الصَّلَاةِ بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ أَحَدُهَا أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ آكَدُ وَلِهَذَا يُشْتَرَطُ تَعَيُّنُهَا بِخِلَافِ الْكَفَّارَةِ والثاني ان الكفارة والزكاة تدخلهما النِّيَابَةُ فَتَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى تَقْدِيمِ نِيَّتِهِمَا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الثَّالِثُ أَنَّ الزَّكَاةَ وَالْكَفَّارَةَ يَجُوزُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى وُجُوبِهِمَا فَجَازَ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً لَزِمَهُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ فَيَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ غَيْرِهَا وَهَلْ تَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْفَرْضِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو اسحق يَلْزَمُهُ لِتَتَمَيَّزَ عَنْ ظُهْرِ الصَّبِيِّ وَظُهْرِ مَنْ صَلَّى وَحْدَهُ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً فَصَلَّاهَا
مَعَهُمْ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَكْفِيهِ نية الظهر وَالْعَصْرِ لِأَنَّ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ لَا يَكُونَانِ فِي حَقِّ هَذَا إلَّا فَرْضًا وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَنْوِيَ الْأَدَاءَ أَوْ الْقَضَاءَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فانه قَالَ فِيمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْغَيْمِ بِالِاجْتِهَادِ فَوَافَقَ مَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا فِي الْوَقْتِ وَقَالَ فِي الاسير
إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الشُّهُورُ فَصَامَ يَوْمًا بِالِاجْتِهَادِ فَوَافَقَ رَمَضَانَ أَوْ مَا بَعْدَهُ أَنَّهُ يُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَنَّهُ يَصُومُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا أَرَادَ فَرِيضَةً وَجَبَ قَصْدُ أَمْرَيْنِ بِلَا خِلَافٍ أَحَدُهُمَا فِعْلُ الصَّلَاةِ تَمْتَازُ عَنْ سَائِرِ الْأَفْعَالِ وَلَا يَكْفِي إحْضَارُ نَفْسِ الصَّلَاةِ بِالْبَالِ غَافِلًا عَنْ الْفِعْلِ وَالثَّانِي تَعْيِينُ الصَّلَاةِ الْمَأْتِيِّ بِهَا هَلْ هِيَ ظُهْرٌ أَمْ عصر أو غيرها فَلَوْ نَوَى فَرِيضَةَ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَحَدُهُمَا يُجْزِيهِ لِأَنَّهَا هِيَ الظُّهْرُ مَثَلًا وَأَصَحُّهُمَا لَا يُجْزِيهِ لِأَنَّ الْفَائِتَةَ الَّتِي يَتَذَكَّرُهَا تُشَارِكُهَا فِي كَوْنِهَا فَرِيضَةَ الْوَقْتِ وَلَوْ نَوَى فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الْجُمُعَةَ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَصِحُّ وَيَحْصُلُ لَهُ الظُّهْرُ وَهُوَ غَلَطٌ ظَاهِرٌ وَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الظُّهْرِ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ الْمَقْصُورَةِ إنْ قُلْنَا إنَّهَا صَلَاةٌ بِحِيَالِهَا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ صَحَّتْ وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ أُمُورٍ (أَحَدُهَا) الْفَرِيضَةُ وَفِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ اشْتِرَاطُهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَضَاءً أَمْ أَدَاءً وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّاوِي بَالِغًا أَوْ صَبِيًّا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ الصَّبِيَّ لَا يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ نِيَّةُ الْفَرِيضَةِ وَكَيْفَ يَنْوِي الْفَرِيضَةَ وَصَلَاتُهُ لَا تَقَعُ فَرْضًا وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ (الثَّانِي) الْإِضَافَةُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْ يَقُولَ لِلَّهِ أَوْ فَرِيضَةَ اللَّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاشْتِرَاطَ عَنْ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَغَيْرِهِ (الثَّالِثُ) الْقَضَاءُ وَالْأَدَاءُ وَفِيهِمَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يُشْتَرَطَانِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي يُشْتَرَطَانِ وَهَذَا الْقَائِلُ يُجِيبُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُصَلِّي فِي الْغَيْمِ أَوْ الْأَسِيرِ بِأَنَّهُمَا مَعْذُورَانِ وَالثَّالِثُ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ دُونَ الْأَدَاءِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَتَمَيَّزُ الوقت بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الْأَدَاءِ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ أَوْ فَوَائِتُ فَلَا خِلَافَ
أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ ظُهْرَ يَوْمِ الْخَمِيسِ مَثَلًا بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الظُّهْرِ وَالظُّهْرُ الْفَائِتَةُ إذَا اشْتَرَطْنَا نِيَّةَ الْقَضَاءِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا لَوْ ظَنَّ أَنَّ وَقْتَ الصَّلَاةِ قَدْ خَرَجَ فَصَلَّاهَا بِنِيَّةِ القضاء فبان انه باق اجزأته بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى يَوْمَ الْغَيْمِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَهُوَ يَظُنُّ بَقَاءَ الْوَقْتِ فَبَانَ وُقُوعُ الصَّلَاةِ خَارِجَ الْوَقْتِ أَجْزَأَتْهُ وَاسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّ نِيَّةَ الْقَضَاءِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي المسالة وقال الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَضَاءِ وَالْأَدَاءِ بَلْ يَصِحُّ الْأَدَاءُ بِنِيَّةِ الْقَضَاءِ وَعَكْسُهُ هَذَا كَلَامُهُمْ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكَ أَنْ تَقُولَ الْخِلَافُ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْأَدَاءِ فِي الْأَدَاءِ وَنِيَّةِ الْقَضَاءِ فِي الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ أَمَّا الْخِلَافُ فِي صِحَّةِ الْقَضَاءِ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ فَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّهُ إنْ جَرَتْ هَذِهِ النِّيَّةُ عَلَى لِسَانِهِ أَوْ فِي قَلْبِهِ وَلَمْ يَقْصِدْ حَقِيقَةَ مَعْنَاهَا فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَصَدَ مَعْنَاهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَصِحَّ بِلَا خلاف وَقَدْ صَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مَنْ نَوَى الْأَدَاءَ إلَى وَقْتِ الْقَضَاءِ عَالِمًا بِالْحَالِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ مِمَّنْ نَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَلَكِنْ لَيْسَ هُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ بِقَوْلِهِمْ الْقَضَاءُ بِنِيَّةِ الْأَدَاءِ وَعَكْسُهُ بَلْ مُرَادُهُمْ مَنْ نَوَى ذَلِكَ وَهُوَ جَاهِلُ الْوَقْتِ لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعُ) نِيَّةُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَعَدَدُ الرَّكَعَاتِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ لَكِنْ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ خَمْسًا أَوْ ثَلَاثًا لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِتَقْصِيرِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي الْعِبَادَاتُ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أَحَدُهَا) يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ دُونَ الْوُجُوبِ وَالتَّعْيِينِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ وَالطَّهَارَةُ لِأَنَّهُ لَوْ نَوَى نَفْلًا فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَقَعَ عَنْ الْوَاجِبِ
(وَالثَّانِي)
يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبِ دُونَ التَّعْيِينِ وَهُوَ الزَّكَاةُ وَالْكَفَّارَةُ (وَالثَّالِثُ) يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةِ الْفِعْلِ وَالْوُجُوبِ وَالتَّعْيِينِ وَهُوَ الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَفِي نِيَّةِ الوجوب وجهان
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان كانت الصلاة سنة راتبة كالوتر وسنة الفجر لم يصح حتى تعين النية لتتميز عن غيرها وان كانت نافلة غير راتبة اجزأته نية الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا النَّوَافِلُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا لَهَا وَقْتٌ أَوْ سَبَبٌ كَسُنَنِ الْمَكْتُوبَاتِ
وَالضُّحَى وَالْوِتْرِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْعِيدِ وَغَيْرِهَا فَيُشْتَرَطُ فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ وَالتَّعْيِينِ فَيَنْوِي مَثَلًا صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَالْخُسُوفِ وَعِيدِ الْفِطْرِ أَوْ الْأَضْحَى أَوْ الضُّحَى وَنَحْوِهَا وَفِي الرَّوَاتِبِ تُعَيَّنُ بِالْإِضَافَةِ فَيَنْوِي سُنَّةَ الصُّبْحِ أَوْ سُنَّةَ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا أَوْ الَّتِي بَعْدَهَا أَوْ سُنَّةَ الْعَصْرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا ضَعِيفًا وَهُوَ اخْتِيَارُ صَاحِبِ الشَّامِلِ أَنَّهُ يَكْفِي فِي الرَّوَاتِبِ سِوَى سُنَّةِ الصُّبْحِ نية أصل الصلاة
لتأكد سنة الصبح فالتحققت بِالْفَرَائِضِ: وَأَمَّا الْوِتْرُ فَيَنْوِي سُنَّةَ الْوِتْرِ وَلَا يُضِيفُهَا إلَى الْعِشَاءِ لِأَنَّهَا مُسْتَقِلَّةٌ فَإِنْ أَوْتَرَ باكثر من ركعة نوى بالجميع الوتر إنْ كَانَ بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ كَانَ بِتَسْلِيمَاتٍ نَوَى بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ وَقِيلَ يَنْوِي بما قبل الاخيرة صَلَاةَ اللَّيْلِ وَقِيلَ يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْوِتْرِ وَقِيلَ مُقَدِّمَةَ الْوِتْرِ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْأَفْضَلِ وَالْأَوْلَوِيَّةِ دُونَ الِاشْتِرَاطِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ (الضَّرْبُ الثَّانِي) النَّوَافِلُ الْمُطْلَقَةُ فَيَكْفِي فِيهَا نِيَّةُ فِعْلِ الصَّلَاةِ فَقَطْ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ النَّفْلِيَّةِ فِي الضَّرْبِ الْأَوَّلِ وَجْهَيْنِ قَالَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَهَا فِي الضَّرْبِ الثَّانِي قَالَ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِجَرَيَانِهِمَا (قُلْتُ) الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا تُشْتَرَطُ النَّفْلِيَّةُ فِي الْأَوَّلِ وَلَا فِي الثَّانِيَةِ لِعَدَمِ الْمَعْنَى الَّذِي عَلَّلَ بِهِ الِاشْتِرَاطَ فِي الْفَرِيضَةِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (وان احرم ثم شك هل نوى ثم ذكر انه نوى قبل ان يحدث شيئا من افعال الصلاة اجزأه وان ذكر ذلك بعدما فعل شيئا من ذلك بطلت صلاته لانه فعل فعلا وهو شاك في صلاته)
*
*
* (الشرح)
* إذا شك هل نوى أم لَا أَوْ هَلْ أَتَى بِبَعْضِ شُرُوطِ النِّيَّةِ أَمْ لَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ شَيْئًا فِي حَالِ الشَّكِّ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ أَتَى بِكَمَالِهَا قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا عَلَى الشَّكِّ وَقِصَرِ الزَّمَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِانْقِطَاعِ نَظْمِهَا حَكَى الْوَجْهَيْنِ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ أَتَى مَعَ الشَّكِّ بِرُكْنٍ فِعْلِيٍّ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ اعْتِدَالٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لما ذكره المصنف وان ابي بر كن قَوْلِيٍّ كَالْقِرَاءَةِ وَالتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ أَيْضًا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ كَالْفِعْلِيِّ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَبِهِ
قَطَعَ الْغَزَالِيُّ لِأَنَّ تَكْرِيرَهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى ظُهْرًا أَوْ عَصْرًا لَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فَإِنْ تَيَقَّنَهَا فَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إذَا فَعَلَ رُكْنًا فِي حَالِ الشَّكِّ أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ إنْ فَعَلَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَإِطْلَاقُهُمْ الْبُطْلَانَ مُشْكِلٌ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُعْذَرَ لِجَهْلِهِ (قُلْتُ) إنَّمَا لَمْ يَعْذُرُوهُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِالْفِعْلِ فِي حَالِ الشَّكِّ فَإِنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ الصَّبْرُ بِخِلَافِ مَنْ زَادَ فِي صَلَاتِهِ رُكْنًا نَاسِيًا فَإِنَّهُ لَا حيلة في النسيان
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيَخْرُجُ أَوْ شَكَّ هَلْ يَخْرُجُ أَمْ لَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَطَعَ ذَلِكَ بِمَا أَحْدَثَ فبطلت صلاته كالطهارة إذا قطعها بالحدث)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِبَادَاتُ فِي قَطْعِ النِّيَّةِ عَلَى أَضْرُبٍ
(الضَّرْبُ الْأَوَّلُ) الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ فَيَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا وَبِالتَّرَدُّدِ فِي أَنَّهُ يَخْرُجُ أَمْ يَبْقَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمُرَادُ بِالتَّرَدُّدِ أَنْ يَطْرَأَ شَكٌّ مُنَاقِضٌ جَزْمَ النِّيَّةِ وَأَمَّا مَا يَجْرِي فِي الْفِكْرِ أَنَّهُ لَوْ تَرَدَّدَ فِي الصَّلَاةِ كَيْفَ يَكُونُ الْحَالُ فَهَذَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ الْمُوَسْوِسُ فَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ قَطْعًا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ يَقَعُ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَأْثِيرَ لَهُ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ وَلَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بشئ يُوجَدُ فِي صَلَاتِهِ قَطْعًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فِي الْحَالِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ
قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ بَلْ لَوْ رَفَضَ هَذَا التَّرَدُّدَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى الْغَايَةِ الْمَنْوِيَّةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ عَلَّقَ الْخُرُوجَ بِدُخُولِ شَخْصٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُحْتَمَلُ حُصُولُهُ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَمُهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ هَكَذَا فَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِلَا خِلَافٍ وَكَمَا لَوْ عَلَّقَ بِهِ الْخُرُوجَ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ فَعَلَى هَذَا إنْ وُجِدَتْ الصِّفَةُ وَهُوَ ذَاهِلٌ عَنْ التَّعْلِيقِ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ غَافِلٌ وَالنِّيَّةُ الْأُولَى لَمْ تُؤَثِّرْ وَأَصَحُّهُمَا تبطل وبه قطع الشيخ أبو علي البندنيجي وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَظْهَرُ عَلَى هَذَا ان يقال تبينا بِالصِّفَةِ بُطْلَانُهَا مِنْ حِينِ التَّعْلِيقِ أَمَّا إذَا وُجِدَتْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلتَّعْلِيقِ فَتَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ يَأْكُلَ أَوْ يَفْعَلَ فِعْلًا مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ لَمْ تَبْطُلْ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا مُرَادُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله بِقَوْلِهِ وَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمَلِ الْقُلُوبِ والفرق
بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ نَوَى تَعْلِيقَ النِّيَّةِ أَوْ قَطْعَهَا فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِجَزْمِ النِّيَّةِ فِي كُلِّ صَلَاتِهِ وَهَذَا لَيْسَ بِجَازِمٍ وَأَمَّا مَنْ نَوَى الْفِعْلَ فَاَلَّذِي يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِفِعْلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ فَإِذَا أَتَى بِهِ بَطَلَتْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِثْلُ هَذَا إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ بِنِيَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ وَقُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهِ مَعْرُوفٍ فَقَدْ نَوَى فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ أَنْ يَفْعَلَ فِي أَثْنَائِهَا فِعْلًا مُبْطِلًا وَلَمْ تَبْطُلْ فِي الْحَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الضَّرْبُ الثَّانِي) الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ: فَإِذَا نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُمَا وَنَوَى قَطْعَهُمَا لَمْ يَنْقَطِعَا بِلَا خِلَافٍ وَلِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ
(الضَّرْبُ الثَّالِثُ) الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ فَإِذَا جَزَمَ فِي أَثْنَائِهِمَا بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا
فَفِي بُطْلَانِهِمَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابَيْهِمَا أَصَحُّهُمَا لَا يَبْطُلُ كَالْحَجِّ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّوْمِ الْبُطْلَانَ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ كَثِيرُونَ ولكن الاكثرون قَالُوا لَا تَبْطُلُ وَلَوْ تَرَدَّدَ الصَّائِمُ فِي قَطْعِ نِيَّةِ الصَّوْمِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ أَوْ عَلَّقَهُ عَلَى دُخُولِ شَخْصٍ وَنَحْوِهِ فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ جَزَمَ بِالْخُرُوجِ مِنْهُ وَالثَّانِي وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا تَبْطُلُ وَجْهًا وَاحِدًا
(الضَّرْبُ الرَّابِعُ) الْوُضُوءُ فَإِنْ نَوَى قَطْعَهُ فِي أَثْنَائِهِ لَمْ يَبْطُلْ مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَلَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ وَإِنْ نَوَى قَطْعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَقِيلَ فِي بُطْلَانِ الْوُضُوءِ وَجْهَانِ لِأَنَّ أَثَرَهُ بَاقٍ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَقْصًى فِي آخِرِ بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ مَسَائِلَ كَثِيرَةً تتعلق بالنية في الصوم وَفِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ
وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
واحمد وقال أبو حنيفة لا تبطل * قال المصنف رحمه الله
*
* (فان دخل في الظهر ثم صرف النية الي العصر بطل الظهر لانه قطع بنيته ولم تصح العصر لانه لم ينوه عند الاحرام وان صرف نية الظهر الي التطوع بطل الظهر لما ذكرناه وفى التطوع قولان أحدهما لا تصح لما ذكرناه في العصر والثانى تصح لان نية الفرض تتضمن نية النفل بدليل ان من دخل في الظهر قبل الزوال وهو يظن انه بعد الزوال كانت صلاته نافلة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* مَتَى دَخَلَ فِي فَرِيضَةٍ ثُمَّ صَرَفَ نِيَّتَهُ إلَى فَرِيضَةٍ أُخْرَى أَوْ نَافِلَةٍ بَطَلَتْ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَلَمْ يَحْصُلْ الَّتِي نَوَاهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ وَفِي انْقِلَابِهَا نَافِلَةً خِلَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ أَتَى بِمَا يُنَافِي الْفَرِيضَةَ دُونَ النَّفْلِيَّةِ فِي أَوَّلِ فَرِيضَةٍ أَوْ اثنائها بطل فرضه هل تَبْقَى صَلَاتُهُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ فِيهِ قَوْلَانِ اخْتَلَفَ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا بِحَسْبِ الصُّوَرِ فَمِنْهَا إذَا قَلَبَ ظُهْرَهُ إلَى عَصْرٍ أَوْ إلَى نَفْلٍ بِلَا سَبَبٍ أَوْ وَجَدَ الْمُصَلِّي قَاعِدًا خِفَّةً فِي صَلَاتِهِ وَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فَلَمْ يَقُمْ أَوْ أَحْرَمَ الْقَادِرُ عَلَى الْقِيَامِ فِي الْفَرْضِ قَاعِدًا فَالْأَظْهَرُ فِي
هَذِهِ الْمَسَائِلِ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا لَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِحَقِيقَةِ الْحَالِ فَالْأَصَحُّ الْبُطْلَانُ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَإِنْ جَهِلَ وَظَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ فَالصَّحِيحُ انْعِقَادُهَا نَفْلًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَمِنْهَا لَوْ وَجَدَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَأَتَى بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ بَعْضِهَا فِي الرُّكُوعِ لَا يَنْعَقِدُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهَا وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ نَفْلًا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ تَحْرِيمَهَا
فَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهَا نَفْلًا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تعليقيهما وَمِنْهَا لَوْ أَحْرَمَ بِفَرِيضَةٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أُقِيمَتْ جَمَاعَةٌ فَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيُدْرِكَهَا الْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَالثَّانِي تَبْطُلُ وَمِنْهَا لَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِيهَا فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَتُجْزِيهِمْ وَقَطَعَ بِهَذَا الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا هَذَا وَالثَّانِي لَا تُجْزِيهِمْ
عَنْ الظُّهْرِ بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ فَعَلَى هَذَا هَلْ يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ فِيهِ الْقَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا تَنْقَلِبُ نَفْلًا
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تتعلق بالنية
(أحداهما) لَوْ عَقَّبَ النِّيَّةَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ بِقَلْبِهِ أَوْ لِسَانِهِ فَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّبَرُّكَ وَوُقُوعَ الْفِعْلِ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ التَّعْلِيقَ أَوْ الشَّكَّ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّانِيَةُ) لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ النِّيَّةَ فِي احداهما وجهل عينها لزمه اعادنهما جَمِيعًا (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ لَهُ إنْسَانٌ صَلِّ الظُّهْرَ لِنَفْسِكَ وَلَك عَلَيَّ دِينَارٌ فَصَلَّاهَا بِهَذِهِ النِّيَّةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْتَحِقُّ الدِّينَارَ ذَكَرُوهُ فِي كِتَابِ الْكَفَّارَاتِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ الْكَفَّارَةِ عَبْدًا بِعِوَضٍ وَيَقْرُبُ مِنْهُ مَنْ صَلَّى وَقَصَدَ دَفْعَ غَرِيمِهِ عَنْهُ فِي ضِمْنِ الصَّلَاةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَدْ سبقت المسألة في نية الوضوء
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يكبر والتكبير للاحرام فرض من فروض الصلاة لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مفتاح الصلاة الوضوء وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عَبْدَ اللَّهِ بن محمد ابن عقيل قال الترمذي هذا الحديث أصح شئ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَحْسَنُهُ قَالَ وَعَبْدُ اللَّهِ بن محمد ابن عقيل صدوق وقد تكلم فيه وبعض أهل العلم من قبل حفطه قال وسمعت البخاري يقول كان احمد واسحق وَالْحُمَيْدِيُّ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثِهِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْوُضُوءُ مِفْتَاحًا لان الحديث مَانِعٌ مِنْ الصَّلَاةِ كَالْغَلْقِ عَلَى الْبَابِ يَمْنَعُ مِنْ دُخُولِهِ إلَّا بِمِفْتَاحٍ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ التَّحْرِيمِ مِنْ قَوْلِكَ حَرَمْتُ فُلَانًا كَذَا أَيْ مَنَعْتُهُ وَكُلُّ مَمْنُوعٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَحِرْمٌ فَسَمَّى التَّكْبِيرَ تَحْرِيمًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الْمُصَلِّي مِنْ الْكَلَامِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ
لَا تَصِحُّ إلَّا بِهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَجُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَصْحَابُنَا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَنْعَقِدُ الصَّلَاةُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بِلَا تَكْبِيرٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَلَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ وَحَكَى أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ عَنْ ابْنِ عُلَيَّةَ وَالْأَصَمِّ كَقَوْلِ الزُّهْرِيِّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ شَرْطٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا وَلَكِنْ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ هِيَ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فِيمَا لَوْ كَبَّرَ وَفِي يَدِهِ نَجَاسَةٌ ثُمَّ القاها في اثناء التكبيرة لو شَرَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ قَبْلَ ظُهُورِ زَوَالِ الشَّمْسِ ثُمَّ ظَهَرَ الزَّوَالُ قَبْلَ فَرَاغِهَا فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا فِي الصُّورَتَيْنِ وَتَصِحُّ عِنْدَهُ كَسَتْرِ الْعَوْرَةِ وَاحْتُجَّ لِلزُّهْرِيِّ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَلِلْكَرْخِيِّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) فَعَقَّبَ الذِّكْرَ بِالصَّلَاةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ منها وبقول صلى الله عليه وسلم وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُضَافَ غَيْرُ الْمُضَافِ إلَيْهِ كَدَارِ زيد ودلينا عَلَى الزُّهْرِيِّ حَدِيثُ تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَحَدِيثُ أَبِي هريرة رضى الله عنه في المسئ صَلَاتَهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ " إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا أَحْسَنُ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَذْكُرْ لَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا الْفُرُوضَ خَاصَّةً وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يكبر الاحرام " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَهَذَا مُقْتَضَى وُجُوبِ كُلِّ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَّا مَا خَرَجَ وُجُوبُهُ بِدَلِيلٍ كرفع اليدين ونحوه فان قليل الْمُرَادُ مَا يَرَى وَهِيَ الْأَفْعَالُ دُونَ الْأَقْوَالِ فَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ بِجَوَابَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ رُؤْيَةُ شَخْصِهِ صلى الله عليه وسلم وكل شئ فَعَلَهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ قَالَهُ وَجَبَ عَلَيْنَا مِثْلُهُ الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ أَيْ صَلُّوا كَمَا عَلِمْتُمُونِي أُصَلِّي
وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْحَجِّ أَنَّهُمَا لَيْسَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى النُّطْقِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَدَلِيلُنَا عَلَى الْكَرْخِيِّ حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ تَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَامٌّ وَلَا يُقْبَلُ تَخْصِيصُهُ إلَّا بِدَلِيلٍ والثاني ان
حمله علي تكبيرة لابد منها بالاتفاق أولي من تكبيرة لا يجب وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فصلي) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِالذِّكْرِ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَ خِلَافِ الْمُخَالِفِ وَالْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ الْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ أَنَّ الْإِضَافَةَ ضَرْبَانِ أَحَدُهُمَا تقتضي المغايرة كثوب زبد وَالثَّانِي تَقْتَضِي الْجُزْئِيَّةَ كَقَوْلِهِ رَأْسُ زَيْدٍ وَصَحْنُ الدَّارِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الثَّانِي لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا فَلَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ أَوْ الْمَأْمُومُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَلَا تُجْزِئُ عَنْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ وَلَا غَيْرُهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إذَا نَسِيَهَا فِيهَا أَجْزَأَتْهُ عَنْهَا تَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ حَكَاهُ ابن المنذر عن سعيد بن المسيت وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالْحَكَمِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَرِوَايَةً عن حامد ابن أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَأْمُومِ مِثْلُهُ لَكِنَّهُ قَالَ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ بعد سلام الامام * قال المصنف رحمه الله
*
* (والتكبير أن يقول الله اكبر لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدخل به في الصلاة وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي اصلي " فان قال الله الاكبر اجزأته لانه اتي بقول الله اكبر وزاد زيادة لا تخل المعنى فهو كقوله الله الكبر كبيرا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا قَوْلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدخل في الصلاة بقويه الله اكبر
فَالْأَحَادِيثُ فِيهِ مَشْهُورَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَإِنْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ قَالَ اللَّهُ الْأَكْبَرُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وصاحب التتمة وغيرهما قولان أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ التَّكْبِيرَةِ وَلَا يُجْزِئُ مَا قَرُبَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ وَاَللَّهُ أَعْظَمُ وَاَللَّهُ كَبِيرٌ وَالرَّبُّ أَكْبَرُ وَغَيْرُهَا وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُجْزِيهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَأَمَّا إذَا كَبَّرَ وزاد مالا يُغَيِّرُهُ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَاَللَّهُ اكبر كبيرا والله اكبر من كل شئ فَيُجْزِيهِ بِلَا خِلَافٍ
لِأَنَّهُ أَتَى بِالتَّكْبِيرِ وَزَادَ مالا يُغَيِّرُهُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ الْجَلِيلُ أَكْبَرُ أَجْزَأَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَيَجْرِيَانِ فِيمَا لَوْ أَدْخَلَ بَيْنَ لَفْظَتَيْ التَّكْبِيرِ لَفْظَةً أُخْرَى مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَطُولَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ عز وجل أَكْبَرُ فَإِنْ طَالَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ الذى لا له إلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ أَكْبَرُ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ اسْمِ التَّكْبِيرِ وَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ فِي التَّكْبِيرِ عَنْ الْوَقْفَةِ بَيْنَ كَلِمَتَيْهِ وَعَنْ زِيَادَةٍ تُغَيِّرُ الْمَعْنَى فَإِنْ وَقَفَ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ بِمَدِّ هَمْزَةِ اللَّهِ أَوْ بِهَمْزَتَيْنِ أَوْ قَالَ اللَّهُ أَكْبَارُ أَوْ زَادَ وَاوًا سَاكِنَةً أَوْ مُتَحَرِّكَةً بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ تَكْبِيرُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَلَا يَجُوزُ الْمَدُّ إلَّا عَلَى الْأَلِفِ الَّتِي بَيْنَ اللَّامِ وَالْهَاءِ وَلَا يُخْرِجُهَا بِالْمَدِّ عَنْ حَدِّ الِاقْتِصَادِ لِلْإِفْرَاطِ وَإِذَا قَالَ أُصَلِّي الظُّهْرَ مَأْمُومًا أَوْ إمَامًا اللَّهُ أَكْبَرُ فليقطع الهمزة من قوله الله الكبر وَيُخَفِّفُهَا فَلَوْ وَصَلَهَا فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ تصح صلاته وممن صرح به (1)
* قال المصنف رحمه لله
*
* (فَإِنْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُجْزِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يُجْزِيهِ وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فِي الذِّكْرِ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَدَّمَ آيَةً عَلَى آية وهذا يبطل بالتشهد والسلام)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ أَوْ الْأَكْبَرُ اللَّهُ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ وَنَصَّ أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ عَلَيْكُمْ السلام يجزيه فقيل فيهما قرلان بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ يُجْزِيهِ فِي السَّلَامِ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَسْلِيمًا وَهُوَ كَلَامٌ مُنْتَظِمٌ مَوْجُودٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمْ مُعْتَادٌ وَلَا يُجْزِيهِ فِي التَّكْبِيرِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَكْبِيرًا وَقِيلَ يُجْزِيهِ فِي قَوْلِهِ الْأَكْبَرُ اللَّهُ دُونَ أَكْبَرُ اللَّهُ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا عَنْ وَالِدِهِ أَبِي مُحَمَّدٍ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا زَلَلٌ غَيْرُ لَائِقٍ بِتَمَيُّزِهِ فِي عِلْمِ اللِّسَانِ وصحح القاضى
(1) بياض بالاصل
أَبُو الطَّيِّبِ الْإِجْزَاءَ فِيهِمَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ التَّعْلِيلِ بانه لا يسمي تكبيرا هو اصواب وَأَمَّا تَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ فَضَعِيفٌ وَمِمَّنْ قَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ أَكْبَرُ اللَّهُ وَالْأَكْبَرُ اللَّهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَحَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ سريج وغير وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَرُوذِيُّ
وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي البسيط
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (فَإِنْ كَبَّرَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُ بِالْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَضَاقَ الْوَقْتُ عن أن يتعلم كبر بلسانه لانه عجر عَنْ اللَّفْظِ فَأَتَى بِمَعْنَاهُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ وَكَبَّرَ بِلِسَانِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ اللَّفْظَ مَعَ القدرة عليه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَإِذَا كَبَّرَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَهُوَ يُحْسِنُهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ كَلِمَةِ التَّكْبِيرِ أَوْ بَعْضِهَا فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يُمْكِنَهُ كَسْبُ الْقُدْرَةِ بِأَنْ كَانَ بِهِ خَرَسٌ وَنَحْوُهُ وَجَبَ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ وَشَفَتَيْهِ وَلَهَاتَهُ بِالتَّكْبِيرِ قَدْرَ إمْكَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَاطِقًا لَا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِتَرْجَمَةِ التَّكْبِيرِ وَلَا يُجْزِيهِ العدول الي ذكر آخر ثم جميع اللغاب فِي التَّرْجَمَةِ سَوَاءٌ فَيَتَخَيَّرُ بَيْنَهَا هَكَذَا قَطَعَ باالاكثرون مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إنْ أَحْسَنَ السُّرْيَانِيَّةَ أَوْ الْعِبْرَانِيَّةَ تَعَيَّنَتْ لِشَرَفِهَا بِإِنْزَالِ الْكِتَابِ بِهَا وَبَعْدَهُمَا الْفَارِسِيَّةُ أَوْلَى مِنْ التُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَأَحْسَنَ الْفَارِسِيَّةَ وَالسُّرْيَانِيَّة فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُكَبِّرُ بِالْفَارِسِيَّةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ اللُّغَاتِ إلَى الْعَرَبِيَّةِ (وَالثَّانِي) بِالسُّرْيَانِيَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ بِهَا كِتَابًا وَلَمْ يُنْزِلْ بِالْفَارِسِيَّةِ والثالث يتخير بينههما قَالَ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التُّرْكِيَّةَ وَالْفَارِسِيَّةَ فَهَلْ تَتَعَيَّنُ الْفَارِسِيَّةُ أَمْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُ النَّبَطِيَّةَ وَالسُّرْيَانِيَّة فَهَلْ تَتَعَيَّنُ السُّرْيَانِيَّةُ أَمْ يَتَخَيَّرُ فِيهِ وَجْهَانِ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ التُّرْكِيَّةَ وَالْهِنْدِيَّةَ تَخَيَّرَ بِلَا خِلَافٍ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُمْكِنَهُ الْقُدْرَةُ بِتَعَلُّمٍ أَوْ نَظَرٍ فِي مَوْضِعِ كُتُبٍ عَلَيْهِ لَفْظُ التَّكْبِيرِ فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ وَلَوْ كَانَ بِبَادِيَةٍ
أَوْ مَوْضِعٍ لَا يَجِدُ فِيهِ مَنْ يُعَلِّمُهُ التكبير لزمه المسير الي قربة يتعلم بها على الصحيح فيه وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يُجْزِيهِ التَّرْجَمَةُ كما لا يلزمه المسير إلى قرية للوضوء بَلْ لَهُ التَّيَمُّمُ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّ نَفْعَ تَعَلُّمِ التَّكْبِيرِ يَدُومُ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْوَجْهَيْنِ فِي الْمَسِيرِ لِتَعَلُّمِ الْفَاتِحَةِ
وَالتَّكْبِيرِ وَقَالَ عدم الجواب ضَعِيفٌ وَلَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ لمن امكنه التعلم آخِرِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُعَلِّمُهُ الْعَرَبِيَّةَ ترجم ومتى أمكنه التعليم وَجَبَ وَإِذَا صَلَّى بِالتَّرْجَمَةِ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ فَلَا إعَادَةَ وَأَمَّا فِي الْحَالِ الثَّانِي فَإِنْ ضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ التَّعَلُّمِ لِبَلَادَةِ ذِهْنِهِ أَوْ قِلَّةِ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا وَإِنْ أَخَّرَ التَّعَلُّمَ مَعَ التَّمَكُّنِ وَضَاقَ والوقت صَلَّى بِالتَّرْجَمَةِ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الصَّحِيحِ لِتَقْصِيرِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَهُوَ غَرِيبٌ وغلط
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَإِنْ كَانَ بِلِسَانِهِ خَبْلٌ أَوْ خَرَسٌ حَرَّكَهُ بِمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَمَرْتُكُمْ بأمر فأتوا منه ما استطعم ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَهُوَ حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْفَوَائِدِ وَهُوَ أَحَدُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ الْإِسْلَامِ وَقَدْ جَمَعْتُهَا فِي جُزْءٍ فَبَلَغَتْ أَرْبَعِينَ حَدِيثًا قَوْلُهُ وَإِنْ كان بلسانه حبل هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُوَ الْفَسَادُ وَجَمْعُهُ خُبُولٌ فَإِذَا كَانَ بِلِسَانِهِ خَبْلٌ أَوْ خَرَسٌ لَزِمَهُ أَنْ يُحَرِّكَهُ قَدْرَ إمْكَانِهِ وَلَوْ شُفِيَ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَفْصَحَ بِالتَّكْبِيرِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ تَحْرِيكِهِ قَدْرَ إمْكَانِهِ هُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حكم تشهد وَسَلَامِهِ وَسَائِرِ أَذْكَارِهِ وَلِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ فِي وُجُوبِ تَحْرِيكِ اللِّسَانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ جُزْءًا مِنْ القراءة * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ خَلْفَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ أَنْ يُسِرَّ بِهِ وَأَدْنَاهُ ان يسمع نفسه)
*
*
* (الشرح)
* يستحب الامام أَنْ يَجْهَرَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَبِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ لِيُسْمِعَ الْمَأْمُومِينَ فَيَعْلَمُوا صِحَّةَ صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا لَا يَبْلُغُ صَوْتُهُ إلَى جَمِيعِ أَهْلِهِ أو كان ضعيف الوصت لمرض
وَنَحْوِهِ أَوْ مِنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ بَلَّغَ عَنْهُ الْمَأْمُومِينَ أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى حَسْبِ الْحَاجَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى فِي مَرَضِهِ بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم من رواية عائشة وسأبسط هذا الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَّلِ فَصْلِ الرُّكُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
تَعَالَى وَأَمَّا غَيْرُ الْإِمَامِ فَالسُّنَّةُ الْإِسْرَارُ بِالتَّكْبِيرِ سَوَاءٌ الْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَأَدْنَى الْإِسْرَارِ أَنْ يسمع نفسه إذا كان صحيح المسع ولا عارض عند من لغط وَغَيْرِهِ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَالدُّعَاءِ سَوَاءٌ واجبها ونفلها لا يحسب شئ مِنْهَا حَتَّى يُسْمِعَ نَفْسَهُ إذَا كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا عَارِضَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ رفع بحيث يسمع لو كان كذالك لَا يُجْزِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى إسْمَاعِ نَفْسِهِ قَالَ الشافعي في الام يسمع وَمَنْ يَلِيهِ لَا يَتَجَاوَزُهُ
*
(فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرِ
(إحْدَاهَا) يَجِبُ أَنْ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا حَيْثُ يَجِبُ الْقِيَامُ وَكَذَا الْمَسْبُوقُ الَّذِي يُدْرِكُ الْإِمَامَ رَاكِعًا يَجِبُ أَنْ تَقَعَ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِجَمِيعِ حُرُوفِهَا فِي حَالِ قِيَامِهِ فَإِنْ أَتَى بِحَرْفٍ مِنْهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا نَفْلًا الْخِلَافُ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي فَصْلِ النِّيَّةِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّهُ تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ فَرْضًا إذَا كَبَّرَ وَهُوَ مَسْبُوقٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْمُدَوَّنَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ فَلَوْ شَكَّ هَلْ وَقَعَتْ تَكْبِيرَتُهُ كُلُّهَا فِي الْقِيَامِ أَمْ وَقَعَ حَرْفٌ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا لان
الاصل عدم التكبير فِي الْقِيَامِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ جُمْهُورَ الْأَصْحَابِ أَطْلَقُوا أَنَّ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ إذَا وَقَعَ بَعْضُهَا فِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ ثُمَّ قَالَ إنْ وَقَعَ بَعْضُ تَكْبِيرَتِهِ فِي حَالِ رُكُوعِهِ لَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا وَإِنْ وَقَعَ بَعْضُهَا فِي انْحِنَائِهِ وَتَمَّتْ قَبْلَ بُلُوغِهِ حَدَّ الرَّاكِعِينَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا لِأَنَّ مَا قَبْلَ حَدِّ الرُّكُوعِ مِنْ جُمْلَةِ الْقِيَامِ وَلَا يَضُرُّ الِانْحِنَاءُ الْيَسِيرُ قَالَ وَالْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ حَدِّ الرُّكُوعِ وَحَدِّ الْقِيَامِ أَنْ تَنَالَ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ فَهَذَا حَدُّ الرُّكُوعِ وَمَا قَبْلَهُ حَدُّ الْقِيَامِ فَإِنْ كَانَتْ يَدَاهُ أَوْ إحْدَاهُمَا طَوِيلَةً خَارِجَةً عَنْ الْعَادَةِ اُعْتُبِرَ عَادَةُ مِثْلِهِ فِي الْخِلْقَةِ هَذَا كَلَامُ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَتَى انْحَنَى بِحَيْثُ يَكُونُ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ أَقْرَبُ لَمْ يَكُنْ قَائِمًا وَلَا تَصِحُّ تَكْبِيرَتُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي فَصْلِ الْقِيَامِ
(الثَّانِيَةُ) ذَكَرَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ اللَّهُ كَبِيرٌ قَالُوا
وَقَدْ جَاءَ أَفْعَلُ نَعْتًا فِي حُرُوفٍ مَشْهُورَةٍ كقولهم هذا أمر أهوى أَيْ هَيِّنٌ قَالَ الزَّجَّاجُ هَذَا غَيْرُ مُنْكَرٍ والثاني معناه الله اكبر كبيرا كَقَوْلِك هُوَ أَعَزُّ عَزِيزٍ كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ
* إنَّ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا * بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أَرَادَ دَعَائِمَهُ أَعَزَّ عَزِيزٍ وَأَطْوَلَ طَوِيلٍ وَقِيلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ مَعْنَاهُ اللَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ أَوْ يُذْكَرَ بِغَيْرِ الْمَدْحِ وَالتَّمْجِيدِ وَالثَّنَاءِ الْحَسَنِ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ في شرح صحيح مسلم هذا أحسن الاقول لما فيه من زيادة المعنى لاسيما عَلَى أَصْلِنَا فَإِنَّا لَا نُجَوِّزُ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ الْكَبِيرُ بَدَلَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا فَنَصَبَ كَبِيرًا عَلَى تَقْدِيرِ كَبَّرْتُ كَبِيرًا
(الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَتَابَعَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ الْأَصْحَابِ كَافَّةً لَوْ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَوْتَارِ وَبَطَلَتْ بِالْأَشْفَاعِ وَصُورَتُهُ أَنْ يَنْوِيَ بِكُلِّ تَكْبِيرَةٍ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ وَلَا يَنْوِي الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ فَبِالْأُولَى دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالثَّانِيَةِ خَرَجَ مِنْهَا وَبَطَلَتْ وَبِالثَّالِثَةِ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَبِالرَّابِعَةِ خَرَجَ وَبِالْخَامِسَةِ دَخَلَ وَبِالسَّادِسَةِ خَرَجَ وَهَكَذَا أَبَدًا لِأَنَّ مَنْ افْتَتَحَ صَلَاةً ثُمَّ افْتَتَحَ أُخْرَى بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ قَطْعَ الْأُولَى فَلَوْ نَوَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ افْتِتَاحَ الصَّلَاةِ أَوْ الْخُرُوجَ مِنْهَا فَبِالنِّيَّةِ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ وَبِالتَّكْبِيرِ يَدْخُلُ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا افْتِتَاحًا وَلَا دُخُولًا ولا خروخا صع دُخُولُهُ بِالْأُولَى وَيَكُونُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ ذِكْرًا لَا تبطل به الصلاة بل له ويكون باقى
الْأَذْكَارِ
(الرَّابِعَةُ) نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَكْبِيرٍ (الْخَامِسَةُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِسُرْعَةٍ وَلَا يَمُدَّهَا لِئَلَّا تَزُولَ النِّيَّةُ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَدُّهَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الام: يرفع الامام صوته بالتكبير ويبينه مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تَحْرِيفٍ: قَالَ الْأَصْحَابُ أَرَادَ بِالتَّمْطِيطِ الْمَدَّ وَبِالتَّحْرِيفِ إسْقَاطَ بَعْضِ الْحُرُوفِ كَالرَّاءِ مِنْ أَكْبَرَ وَأَمَّا تَكْبِيرَاتُ الِانْتِقَالَاتِ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَفِيهَا قَوْلَانِ الْقَدِيمُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمُدَّهَا وَالْجَدِيدُ الصَّحِيحُ يُسْتَحَبُّ مَدُّهَا إلَى أَنْ يصل إلى الركن المستقل إلَيْهِ حَتَّى لَا يَخْلُو جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ مِنْ ذِكْرٍ (السَّادِسَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ أَنْ يُعَلِّمَ مَمْلُوكَهُ التَّكْبِيرَ وَسَائِرَ الاذكار المفروضة ومالا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ أَوْ يُخَلِّيَهُ حَتَّى يَتَعَلَّمَ وَيَلْزَمُ الْأَبَ تَعْلِيمُ وَلَدِهِ وَقَدْ سَبَقَ بيان تعليم الوالد في مقدمة هذا لشرح وَفِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ (السَّابِعَةُ) يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ أَنْ يَتَعَلَّمَ التَّكْبِيرَ وَسَائِرَ الْأَذْكَارِ الْوَاجِبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ (الثَّامِنَةُ) فِي بَيَانِ مَا يُتَرْجِمُ عَنْهُ بالعجمة ومالا يُتَرْجِمُ أَمَّا الْفَاتِحَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا يَجُوزُ تَرْجَمَتُهُ بِالْعَجَمِيَّةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ يُذْهِبُ الْإِعْجَازَ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالتَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَعَلَى الْآلِ إذَا أَوْجَبْنَاهَا فَيَجُوزُ تَرْجَمَتُهَا لِلْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا يَجُوزُ لِلْقَادِرِ وَأَمَّا مَا عَدَا الْأَلْفَاظِ الْوَاجِبَةِ فَقِسْمَانِ دُعَاءٌ وَغَيْرُهُ أَمَّا الدُّعَاءُ الْمَأْثُورُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ
أَصَحُّهَا تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ لِلْعَاجِزِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا تَجُوزُ لِلْقَادِرِ فَإِنْ تُرْجِمَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَالثَّانِي تَجُوزُ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَغَيْرِهِ وَالثَّالِثُ لَا تَجُوزُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَرِعَ دَعْوَةً غَيْرَ مَأْثُورَةٍ وَيَأْتِي بها العجمية بِلَا خِلَافٍ وَتَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ اخْتَرَعَ دَعْوَةً بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا سَائِرُ الْأَذْكَارِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَالْقُنُوتِ وَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ فَإِنْ جَوَّزْنَا الدُّعَاءَ بِالْعَجَمِيَّةِ فَهَذِهِ أَوْلَى وَإِلَّا فَفِي جَوَازِهَا لِلْعَاجِزِ أَوْجُهٌ أَصَحُّهَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَا وَالثَّالِثُ يُتَرْجِمُ لِمَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ دُونَ غَيْرِهِ (1) وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِكُلِّ الْأَذْكَارِ بِالْعَجَمِيَّةِ وان كان
(1) وقع هنا في بعض النسخ " هذا؟ ؟ ؟ ؟ ؟ المذهب " ولم نجد لها مذاقا فليحرر
يحسنها أبي بِهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ خَالَفَ وَقَالَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ فَمَا كَانَ وَاجِبًا كَالتَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ لَمْ يُجْزِهِ وَمَا كَانَ سُنَّةً كَالتَّسْبِيحِ وَالِافْتِتَاحِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ الْكَافِرُ الْإِسْلَامَ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ بِلِسَانِهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ فَهَلْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ صِحَّتُهُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَصِيرُ مُسْلِمًا وَقَالَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا يَصِيرُ وَكَذَا نَقَلَهُ عَنْ الْإِصْطَخْرِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حامد والبدنيجي والمحاملي وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَقَاسَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ عَلَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِكُلِّ لِسَانٍ وَأَمَّا التَّكْبِيرُ فَتَعَبَّدَ الشَّرْعُ فِيهِ بِلَفْظٍ فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ (التَّاسِعَةُ) فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّكْبِيرِ بِالْعَجَمِيَّةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا تَجُوزُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ لِمَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ وَتَجُوزُ لِمَنْ لَا يُحْسِنُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجُوزُ التَّرْجَمَةُ لِمَنْ يحسن العربية ولغيره واحتج قوله بقول الله تعالى (وذكر اسم ربه فصلي) وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْعَرَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَبِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَقِيَاسًا عَلَى إسْلَامِ الْكَافِرِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَكَانَ يُكَبِّرُ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ قَالُوا التَّكْبِيرَةُ عِنْدَنَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ شَرْطٌ خَارِجٌ عَنْهَا قُلْنَا قَدْ سَبَقَ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَنَّهَا مِنْ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ أَنَّ المفسرين وغيرهم مجموعون عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ
فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُمْ فِيهَا وَعَنْ حَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى التكبير المعهود وعن قياسم عَلَى الْإِسْلَامِ أَنَّ الْمُرَادَ الْإِخْبَارُ عَنْ اعْتِقَادِ الْقَلْبِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْعَجَمِيَّةِ بِخِلَافِ التَّكْبِيرِ (الْعَاشِرَةُ) تنعقد الصلاة بقوله الله الاكبر بالاجماع وتنعقد بقوله الله اكبر عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا تَنْعَقِدُ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ كَمَا سَبَقَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ اللَّهُ أَعْظَمُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَنَحْوُهَا لَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ تَنْعَقِدُ بِكُلِّ ذِكْرٍ يَقْصِدُ بِهِ تَعْظِيمَ اللَّهِ تَعَالَى كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَجَلُّ أَوْ اللَّهُ أَعْظَمُ أَوْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ
إلَّا اللَّهُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَبِأَيِّ أَسْمَائِهِ شَاءَ كَقَوْلِهِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ أَوْ أَجَلُّ أَوْ الرَّحِيمُ أَكْبَرُ أَوْ أَعْظَمُ وَالْقُدُّوسُ أَوْ الرَّبُّ أَعْظَمُ وَنَحْوُهَا وَلَا تَنْعَقِدُ بِقَوْلِهِ يَا اللَّهُ ارْحَمْنِي أَوْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ بِاَللَّهِ أَسْتَعِينُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ تَنْعَقِدُ بِأَلْفَاظِ التَّكْبِيرِ كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَلَوْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ صِفَةٍ فَفِي انْعِقَادِ صَلَاتِهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وذكر اسم ربه فصلي) وَلَمْ يَخُصَّ ذِكْرًا وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما " كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظٍ آخَرَ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ فَأَجْزَأَ كَالتَّكْبِيرِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَلَمْ يَخْتَصَّ بِلَفْظٍ كَالْخُطْبَةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَلَيْسَ هُوَ تَمَسُّكًا بِدَلِيلِ الْخِطَابِ بَلْ بِمَنْطُوقٍ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَهُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " يَقْتَضِي الِاسْتِغْرَاقَ وَأَنَّ تَحْرِيمَهَا لَا يَكُونُ إلَّا بِهِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ وَلَهُمْ عَلَيْهِ اعْتِرَاضٌ سَبَقَ هُوَ وَجَوَابُهُ
* وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُفَسِّرِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَرِدْ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ الْمُرَادَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ فَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ الْقِرَاءَةَ بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا " وَبَيَّنَهُ حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ قَوْلِهِمْ ذِكْرٌ فِيهِ تَعْظِيمٌ أَنَّهُ قِيَاسٌ يُخَالِفُ السُّنَّةَ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِقَوْلِهِمْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَالْجَوَابُ عَنْ الْخُطْبَةِ أَنَّ المراد
الْمَوْعِظَةُ وَيَحْصُلُ بِكُلِّ لَفْظٍ وَهُنَا الْمُرَادُ الْوَصْفُ بِآكَدِ الصِّفَاتِ وَلَيْسَ غَيْرُ قَوْلِنَا اللَّهُ أَكْبَرُ فِي مَعْنَاهُ وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ بِحَدِيثِ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " وَهُوَ حَاصِلٌ بِقَوْلِنَا اللَّهُ الْكَبِيرُ وَلِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ وَأَمَّا حَدِيثُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ " فَمَحْمُولٌ عَلَى الْمَعْهُودِ وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّهُ بِمَعْنَاهُ فَمَمْنُوعٌ لِأَنَّ فِي الله اكبر مبالغة وتعظيم لَيْسَ فِي غَيْرِهِ وَاحْتُجَّ لِمَالِكٍ وَمُوَافِقِيهِ بِأَنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَا يَجُوزُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ كَمَا لَا يَجُوزُ اللَّهُ الْكَبِيرُ وَكَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأَذَانِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ دَلِيلُنَا أَنَّ قَوْلَهُ اللَّهُ الْأَكْبَرُ هُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَزِيَادَةٌ لَا تغير المعنى فَجَازَ كَقَوْلِهِ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالُوا يَجُوزُ اللَّهُ الْكَبِيرُ الْأَكْبَرُ الْمَوْضُوعُ لِلْمُبَالَغَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ فِي الْأَذَانِ اللَّهُ الْأَكْبَرُ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَا نُسَلِّمُهُ بَلْ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْأَذَانِ كَالصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَاحِدَةٌ وَلَا تُشْرَعُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَيْهِ وَحَكَى الْقَاضِي أبو الطيب والعبد رى عَنْ الرَّافِضَةِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ وَهُوَ مَرْدُودٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى دَلِيلٍ عَلَى رَدِّهِ فَلَوْ كَبَّرَ ثَلَاثًا أَوْ كَبَّرَ (1) فَفِيهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثالثة
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويستحب أن يرفع يديه مع تكبيرة الاحرام حذو منكبيه لما روى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ
(1) بياض بالاصل
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الركوع ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الزَّيْدِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالزَّيْدِيَّةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ بَعْضِ العلماء انه أوجب الرفع ورأيت ان فِيمَا عَلِقَ مِنْ فَتَاوَى الْقَفَّالِ أَنَّ الْإِمَامَ الْبَارِعَ فِي الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ أَبَا الْحَسَنِ أَحْمَدَ بْنَ سَيَّارٍ الْمَرْوَزِيَّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي طَبَقَةِ الْمُزَنِيِّ قَالَ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَوَجَبَ الرَّفْعُ بِخِلَافِ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ لَا يَجِبُ الرَّفْعُ لَهَا لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَمَّا مَحَلُّ الرَّفْعِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ يَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَالْمُرَادُ أَنْ تُحَاذِي رَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَرْفَعُهُمَا بِحَيْثُ يُحَاذِي أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ أَعْلَى أُذُنَيْهِ وَإِبْهَامَاهُ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَرَاحَتَاهُ مَنْكِبَيْهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رحمهم الله يَرْفَعُهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وهكذا قاله المتولي والبغوى والعزالى وَقَدْ جَمَعَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِمَا
ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ
بِهَذَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَجِيزِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فَمُنْكَرٌ لَا يُعْرَفُ لِغَيْرِهِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْفَعُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ
(وَالثَّانِي)
حَذْوَ الْأُذُنَيْنِ وَهَذَا الثَّانِي غَرِيبٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَدُّوهُ مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَقَدْ رَوَى الرَّفْعَ إلَى حَذْوِ الْمَنْكِبَيْنِ مَعَ ابْنِ عُمَرَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَرَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا أُذُنَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ نَحْوُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لابي دواود فِي حَدِيثِ وَائِلٍ " رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى كَانَتَا حِيَالَ مَنْكِبَيْهِ وَحَاذَى بِإِبْهَامَيْهِ أُذُنَيْهِ " لَكِنَّ إسْنَادَهَا مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَقِيلَ أَنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله جَمَعَ بَيْنَ رِوَايَةِ الْمَنْكِبَيْنِ وَرِوَايَةِ الْأُذُنَيْنِ عَلَى مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ أَيْضًا عَنْ وَائِلٍ " رَفَعَ إبْهَامَيْهِ إلَى شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ " وَالْمَذْهَبُ الرَّفْعُ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ أَصَحُّ إسْنَادًا وَأَكْثَرُ رِوَايَةً لِأَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ عَمَّنْ رَوَى إلَى مُحَاذَاةِ الْأُذُنَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ رَوَى حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ وَاَللَّهُ أعلم
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي مَحَلِّ رَفْعِ الْيَدَيْنِ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ يَرْفَعُ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رضي الله عنهما ومالك واحمد واسحق وابن المندر وقال أبو حنيفة حذو اذنيه وعن حمد رِوَايَةٌ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا فَضِيلَةَ لِأَحَدِهِمَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَحَكَى الْعُبَيْدِيُّ عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ رَفَعَ بديه حتى تجاوز لهما رأسه وهذا باطل لا أصل له)
*
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويفرق بين اصابعه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ ينشر اصابعه في الصلاة نشرا ")
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ وَبَالَغَ فِي تَضْعِيفِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اسْتِحْبَابِ
تَفْرِيقِ الاصابع هنا ففطع الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِاسْتِحْبَابِهِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا وَقَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَتَكَلَّفُ الضَّمَّ وَلَا التَّفْرِيقَ بَلْ يَتْرُكُهَا مَنْشُورَةً عَلَى هَيْئَتِهَا وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يُفَرِّقُ تَفْرِيقًا وَسَطًا وَالْمَشْهُورُ الاول قال صاحب التهذيب بالتفريق فِي كُلِّ مَوْضِعٍ أَمَرْنَاهُ بِرَفْعِ الْيَدَيْنِ)
*
* (فَرْعٌ)
لِلْأَصَابِعِ فِي الصَّلَاةِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) حَالَةُ الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ استحباب التفريق فيها (الثاني) حَالَةُ الْقِيَامِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَا تَفْرِيقَ فِيهَا (الثَّالِثُ) حَالَةُ الرُّكُوعِ يُسْتَحَبُّ تَفْرِيقُهَا عَلَى الركبتين (الرابع) حالة الركوع يُسْتَحَبُّ ضَمُّهَا وَتَوْجِيهُهَا إلَى الْقِبْلَةِ (الْخَامِسُ) حَالَةُ لجلوس بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا كَحَالَةِ السُّجُودِ
(وَالثَّانِي)
يَتْرُكُهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَلَا يَتَكَلَّفُ ضَمَّهَا (السَّادِسُ) حَالَةُ التَّشَهُّدِ بِالْيُمْنَى مَقْبُوضَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَالْإِبْهَامَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَالْيُسْرَى مَبْسُوطَةً وَفِيهَا الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ فِي حَالَةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السجدتين الصحيح يضمها ويوجهها للقبلة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويكون ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انتهائه فان سبق اليد اثبتها مرفوعة حتى يفرغ من التكبير لان الرفع للتكبير فكان معه)
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي وَقْتِ اسْتِحْبَابِ الرَّفْعِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا هَذَا الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءُ الرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَانْتِهَاؤُهُ مَعَ انْتِهَائِهِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ: يَرْفَعُ مَعَ افْتِتَاحِ التَّكْبِيرِ ويرفع يديه عن الرفع مع اقضائه وَيُثْبِتُ يَدَيْهِ مَرْفُوعَةً حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ كُلِّهِ قَالَ فَإِنْ أَثْبَتَ يَدَيْهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ التَّكْبِيرِ مَرْفُوعَتَيْنِ قَلِيلًا لَمْ يَضُرَّهُ وَلَا آمُرُهُ بِهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حامد في
فِي التَّعْلِيقِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالرَّفْعِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَحُطُّ يَدَيْهِ قَبْلَ انْتِهَاءِ التَّكْبِيرِ
(وَالثَّانِي)
يَرْفَعُ بِلَا تَكْبِيرٍ ثُمَّ يَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مَعَ إرْسَالِ الْيَدَيْنِ وَيُنْهِيهِ مَعَ انْتِهَائِهِ (وَالثَّالِثُ) يَرْفَعُ بِلَا تَكْبِيرٍ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَدَاهُ قَارَّتَانِ ثُمَّ يُرْسِلُهُمَا بَعْدَ فَرَاغِ التَّكْبِيرِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ (وَالرَّابِعُ) يَبْتَدِئُ بِهِمَا مَعًا وَيُنْهِي التَّكْبِيرَ مَعَ انْتِهَاءِ الْإِرْسَالِ (وَالْخَامِسُ) وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ يَبْتَدِئُ الرَّفْعَ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَلَا اسْتِحْبَابَ فِي الِانْتِهَاءِ فَإِنْ فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ
قَبْلَ تَمَامِ الرَّفْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَتَمَّ الْبَاقِي وَإِنْ فَرَغَ مِنْهُمَا حَطَّ يَدَيْهِ وَلَمْ يَسْتَدِمْ الرَّفْعَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ يُسْتَدَلُّ بِهَا لِهَذِهِ الْأَوْجُهِ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا (مِنْهَا) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ يُكَبِّرُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ كَبَّرَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ ثُمَّ كبروهما كَذَلِكَ " - وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ بِكَسْرِ الْقَافِ - أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه إذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وفى رواية للبخاري " كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يديه " والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (فإن لم يمكنه رفعهما أو أمكنه رفع احداهما أَوْ رَفْعُهُمَا إلَى دُونِ الْمَنْكِبِ رَفَعَ مَا أَمْكَنَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَإِنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ إذَا رَفَعَ الْيَدَ جَاوَزَ الْمَنْكِبَ رَفَعَ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَبِزِيَادَةٍ هُوَ مَغْلُوبٌ عَلَيْهَا وَإِنْ نَسِيَ الرَّفْعَ وَذَكَرَهُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرِ أَتَى بِهِ لان محله باق)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ أَقْطَعَ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مِنْ الْمِعْصَمِ رَفَعَ السَّاعِدَ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ قُطِعَ مِنْ الْمِرْفَقِ رَفَعَ الْعَضُدَ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالثَّانِي لَا يَرْفَعُ لِأَنَّ الْعَضُدَ لَا يُرْفَعُ فِي حَالِ الصِّحَّةِ وَجَزَمَ الْمُتَوَلِّي بِرَفْعِ الْعَضُدِ وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِزِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَوْ نَقْصٍ أَتَى بِالْمُمْكِنِ فَإِنْ قَدَرَ
عَلَى الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَشْرُوعِ أَتَى بِالزِّيَادَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ مَقْطُوعَةً مِنْ أَصْلِهَا أَوْ شَلَّاءَ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهَا رَفَعَ الْأُخْرَى فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا صَحِيحَةً وَالْأُخْرَى عَلِيلَةً فَعَلَ بِالْعَلِيلَةِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَرَفَعَ الصَّحِيحَةَ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى أَتَى بِبَعْضِ التَّكْبِيرِ رَفَعَهُمَا فِي الْبَاقِي فَإِنْ أَتَمَّ التَّكْبِيرَ لَمْ يَرْفَعْ بَعْدَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالرَّفْعِ:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ: اُسْتُحِبَّ الرَّفْعُ لِكُلِّ مُصَلٍّ إمَامٍ أَوْ مَأْمُومٍ أَوْ مُنْفَرِدٍ أَوْ امْرَأَةٍ قَالَ وَكُلُّ مَا قلت يصنعه في تكبيره الاحرام امرته يصنعه فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لمن حمده قَالَ وَرَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ وَفَرِيضَةٍ سَوَاءٌ قَالَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَسُجُودِ الْقُرْآنِ وَسُجُودِ الشُّكْرِ قَالَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ صَلَّى أَوْ سجد وهو قائم أو قاعدا أَوْ مُضْطَجِعٌ يُومِئُ إيمَاءً فِي أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي مَوْضِعِ قِيَامٍ قَالَ وَإِنْ تَرَكَ رَفْعَ يَدَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا أَمَرْتُهُ بِهِ أَوْ رَفَعَهُمَا حَيْثُ لَمْ آمُرُهُ فِي فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ عِيدٍ أَوْ جِنَازَةٍ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَلَا سُجُودُ سَهْوٍ عَمَدَ ذَلِكَ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ جَهِلَهُ لِأَنَّهُ هَيْئَةٌ فِي الْعَمَلِ وَهَكَذَا أَقُولُ فِي كُلِّ هَيْئَةِ عَمَلٍ تَرَكَهَا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ عِنْدَ الرَّفْعِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالسُّنَّةُ كَشْفُ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الرَّفْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي كُلِّ هَذَا
* (فَرْعٌ)
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ
عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ صَلَّى بِجَنْبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ فَرَفَعَ الشَّافِعِيُّ يَدَيْهِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ فَقَالَ لَهُ مُحَمَّدٌ لِمَ رَفَعْتَ يَدَيْكَ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ إعْظَامًا لِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتِّبَاعًا لِسُنَّةِ رَسُولِهِ وَرَجَاءً لِثَوَابِ اللَّهِ وَقَالَ التَّمِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ تَعَبُّدٌ لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى التَّوْحِيدِ وَقَالَ الْمُهَلَّبُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ الْمَالِكِيُّ فِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ حِكْمَةُ الرَّفْعِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ أَنْ يَرَاهُ مَنْ لَا يَسْمَعُ التَّكْبِيرَ فَيَعْلَمُ دُخُولَهُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِي بِهِ وَقِيلَ هُوَ اسْتِسْلَامٌ وَانْقِيَادٌ وَكَانَ الْأَسِيرُ إذَا غُلِبَ مَدَّ يَدَيْهِ عَلَامَةً لِاسْتِسْلَامِهِ وَقِيلَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى طَرْحِ أُمُورِ الدُّنْيَا والاقبال بكليته على صلاته
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فإذا فرغ من التكبير فالمستحب ان يضع اليمين علي اليسار فيضع اليمني علي بعض الكف
وبعض الرسغ لما روى وائل بن حجر قَالَ " قُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كيف يصلي فنظرت إليه وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى والرسغ والساعد " والمستحب أن يجعلهما تحت الصدر لما روى وائل قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يصلي فوضع يديه علي صدره احداهما علي الاخرى ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَسَنُبَيِّنُهُ فِي فَرْعَيْ مسئلتي الْخِلَافَيْنِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْيَدُ الْيَسَارُ - فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ - وَالرُّسْغُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ - وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ بِضَمِّ السِّينِ وَجَمْعُهُ أَرْسَاغٌ وَيُقَال رُصْغٌ بِالصَّادِ وَكَذَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسِّينُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْمَفْصِلُ بَيْنَ الْكَفِّ وَالسَّاعِدِ وَوَائِلُ بْنُ حُجْرٍ - لضم الحاء المهملة وبعدها جيم مضمومة - وَكَانَ وَائِلٌ مِنْ كِبَارِ الْعَرَبِ وَأَوْلَادِ مُلُوكِ حِمْيَرٍ كُنْيَتُهُ أَبُو هُنَيْدَةَ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَعَاشَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ أَنْ يَحُطَّ يَدَيْهِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ وَيَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى اليسرى ويقبض بكف المينى كُوعَ الْيُسْرَى وَبَعْضَ رُسْغِهَا وَسَاعِدِهَا قَالَ الْقَفَّالُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَسْطِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى فِي عَرْضِ الْمَفْصِلِ وَبَيْنَ نَشْرِهَا فِي صَوْبِ السَّاعِدِ وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَفَوْقَ سُرَّتِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ المنصوص وفيه وجه مشهور لابي اسحق المروزى انه تجعلهما تحت
سُرَّتِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ يَدَيْهِ هَلْ يُرْسِلُهُمَا إرْسَالًا بَلِيغًا ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ رَفْعَهُمَا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ وَوَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَمْ يُرْسِلُهُمَا إرْسَالًا خَفِيفًا إلَى تَحْتِ صَدْرِهِ فَقَطْ ثُمَّ يَضَعُ قُلْتُ الثَّانِي أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيبِهِ وَجَزَمَ فِي الْخُلَاصَةِ بِالْأَوَّلِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَضْعِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَسَعِيدِ بْنِ جبير والنخعي وابو مجلذ وَآخَرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأصحابه وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُ يُرْسِلُ يَدَيْهِ وَلَا يَضَعُ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى وَحَكَاهُ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ يُرْسِلُهُمَا فَإِنْ طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى
لِلِاسْتِرَاحَةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَضْعِ وَالْإِرْسَالِ وَرَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ الْوَضْعَ وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ الْإِرْسَالَ وَهُوَ الْأَشْهَرُ وَعَلَيْهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ مِنْ أَصْحَابِهِ أو جمهورهم واحتج لهم بحديث المسئ صَلَاتَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْ وَضْعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ فِي الصَّلَاةِ " قَالَ أَبُو حَازِمٍ لَا أَعْلَمُهُ إلَّا يُنْمِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ صَرِيحَةٌ فِي الرَّفْعِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ أَيْضًا قَالَ " قُلْتُ لَأَنْظُرَنَّ إلَى صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ يُصَلِّي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَكَبَّرَ فَرَفَعَ يَدَهُ حَتَّى حَاذَى أُذُنَيْهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَغَيْرِهِمَا الرُّصْغِ بِالصَّادِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَرَآهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ هُلْبٍ الطَّائِيِّ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَؤُمُّنَا فَيَأْخُذُ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ " صَفُّ الْقَدَمَيْنِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ مِنْ السُّنَّةِ " رَوَاهُ أبو داود باسناد حسن وعن محمد
ابن أَبَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " ثَلَاثَةٌ مِنْ النُّبُوَّةِ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبَانَ (قُلْتُ) مُحَمَّدٌ هَذَا مَجْهُولٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ لَا يُعْرَفُ لَهُ سَمَاعٌ مِنْ عَائِشَةَ وَفِي الْبَابِ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَدْ رَوَاهَا الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ وَضْعَ الْيَدِ عَلَى الْيَدِ أَسْلَمُ لَهُ مِنْ الْعَبَثِ وَأَحْسَنُ فِي التَّوَاضُعِ وَالتَّضَرُّعِ وَالتَّذَلُّلِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَلِّمْهُ إلَّا الْوَاجِبَاتِ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَلِّ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ جَعْلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ فَوْقَ سُرَّتِهِ وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَدَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ واسحق يجعلها تحت سرته وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَالثَّانِيَةُ تَحْتَهَا وَعَنْ أَحْمَدَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ هَاتَانِ وَالثَّالِثَةُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَلَا تَفْضِيلَ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي غَيْرِ الْأَشْرَافِ أَظُنُّهُ فِي الْأَوْسَطِ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي ذلك شئ وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُمَا (وَاحْتَجَّ) مَنْ قَالَ تَحْتَ السُّرَّةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ مِنْ السُّنَّةِ فِي الصَّلَاةِ وضع الكف على الاكف تَحْتَ السُّرَّةِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى صَدْرِهِ " رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عبد الرحمن بن اسحق الْوَاسِطِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (المستحب ان ينظر الي موضع سجوده لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا استفتح الصلاة لم ينظر الا الي موضع سجوده ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا غَرِيبٌ لَا أَعْرِفُهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وغيره بمعناه وكلها ضعيفة: واما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَغَضِّ الْبَصَرِ عَمَّا يُلْهِي وَكَرَاهَةِ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ وَتَقْرِيبِ نَظَرِهِ وَقَصْرِهِ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ فِي ضَبْطِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ أَنَّهُ يَجْعَلُ نَظَرَهُ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فِي قِيَامِهِ وَقُعُودِهِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي يَكُونُ نَظَرُهُ فِي الْقِيَامِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي الرُّكُوعِ إلَى ظَهْرِ قَدَمَيْهِ وَفِي السُّجُودِ إلَى أَنْفِهِ وَفِي الْقُعُودِ إلَى حِجْرِهِ لِأَنَّ امْتِدَادَ الْبَصَرِ يُلْهِي فَإِذَا قَصَرَهُ كَانَ أَوْلَى وَدَلِيلُ الْأَوَّلِ أَنَّ تَرْدِيدَ الْبَصَرِ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيَمْنَعُ كَمَالَ الْخُشُوعِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ وَزِيَادَاتٌ سَنَبْسُطُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا تَغْمِيضُ الْعَيْنِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي بَابِ اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ يُكْرَهُ أَنْ يُغْمِضَ الْمُصَلِّي عَيْنَيْهِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَهُوَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ مَالِكٌ لَا بَأْسَ بِهِ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ
* دَلِيلُنَا أَنَّ الثَّوْرِيَّ قَالَ إنَّ الْيَهُودَ تَفْعَلُهُ قَالَ الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ يُكْرَهُ تَغْمِيضُ الْعَيْنِ فَكَذَا تَغْمِيضُ الْعَيْنَيْنِ هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْعَبْدَرِيُّ وَلَمْ أَرَ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا لِأَنَّهُ يُجْمِعُ الْخُشُوعَ وَحُضُورَ (1) الْقَلْبِ وَيَمْنَعُ مِنْ إرْسَالِ النَّظَرِ وَتَفْرِيقِ الذِّهْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَا تَغْمِيضَ الْعَيْنَيْنِ في الصلاة وفيه حديث قال وليس بشئ
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يقرأ دعاء الاستفتاح وهو سنة والافضل ان يقول ما رواه عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " انه كان إذا قام للصلاة قال وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي ومحياى ومماتي لله رب العالمين لا شريك له
(1) في نسخة خضوع
وبذلك امرت وانا من المسلمين اللهم انت الملك لا اله إلا انت ربى وانا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا لا يغفر الذنوب الا انت واهدنى لاحسن الاخلاق لا يهدى لاحسنها إلا انت واصرف عنى سيئها لا يصرف عنى سيئها الا انت لبيك وسعديك والخير كله بيديك والشر ليس اليك انا بك واليك تباركت وتعاليت استغفرك واتوب اليك ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ الْمَذْكُورَةِ وَمِنْ صَحِيحِ مُسْلِمٍ نَقَلْتُهُ وفى نسخ المذهب مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي بَعْضِ الْحُرُوفِ مِنْهَا أَنَّهُ في المذهب فِي أَوَّلِهِ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الْمَكْتُوبَةِ وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ قَامَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ أَعَمُّ وَقَوْلُهُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمُهَذَّبِ أَنَّ لَفْظَةَ مِنْ لَيْسَتْ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا غَلَطٌ بَلْ ثَابِتَةٌ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَفِي بَعْضِهَا وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ رَوَاهُ أَكْثَرُهُمْ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ وَسَقَطَ فِي الْمُهَذَّبِ قَوْلُهُ أَنْتَ رَبِّي وَيَا لَيْتَهُ نَقَلَهُ من صحيح مسلم أما تَفْسِيرُ أَلْفَاظِ هَذَا الْحَدِيثِ فَتَحْتَمِلُ جُزْءًا كَبِيرًا لَكِنِّي أُشِيرُ إلَى مَقَاصِدِهِ رَمْزًا لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ مَأْمُورٌ بِتَدَبُّرِ الْأَذْكَارِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَاهَا لِيُمْكِنَهُ تَدَبُّرُ مَعَانِيهَا قَوْلُهُ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ قَوْلُهُ وَجَّهْت وَجْهِي قال الازهرى وغيره معناه أَقْبَلْتُ بِوَجْهِي وَقِيلَ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي إلَيْهِ وَيَجُوزُ فِي وَجْهِي إلَيْهِ إسْكَانُ الْيَاءِ وَفَتْحُهَا وَأَكْثَرُ الْقُرَّاءِ عَلَى الْإِسْكَانِ وَقَوْلُهُ (فَطَرَ السَّمَوَاتِ) أَيْ ابْتَدَأَ خَلْقَهَا عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَابِقٍ وَجَمَعَ السَّمَوَاتِ دُونَ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَتْ سَبْعًا كَالسَّمَوَاتِ لِأَنَّهُ أَرَادَ جِنْسَ الْأَرَضِينَ وَجَمَعَ السَّمَوَاتِ لِشَرَفِهَا وَهَذَا يُؤَيِّدُ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الْمُخْتَارَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ السَّمَوَاتِ أَفْضَلُ مِنْ الْأَرَضِينَ وَقِيلَ الْأَرْضُونَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَدْفِنُهُمْ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَقَوْلُهُ (حَنِيفًا) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ: أَيْ مُسْتَقِيمًا وَقَالَ الزَّجَّاجُ وَالْأَكْثَرُونَ الْحَنِيفُ الْمَائِلُ وَمِنْهُ قِيلَ أَحْنَفَ الرَّجُلُ قَالُوا وَالْمُرَادُ هُنَا الْمَائِلُ إلَى الْحَقِّ وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ مخالفيه: وقال أبو عبيدة الْحَنِيفُ عِنْدَ الْعَرَبِ مَنْ كَانَ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم وَانْتَصَبَ حَنِيفًا عَلَى الْحَالِ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِي فِي حَالِ حَنِيفِيَّتِي وَقَوْلُهُ (وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ) بَيَانٌ لِلْحَنِيفِ وَإِيضَاحٌ لِمَعْنَاهُ وَالْمُشْرِكُ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ كَافِرٍ مِنْ عَابِدِ وَثَنٍ أَوْ صَنَمٍ وَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَزِنْدِيقٍ وَغَيْرِهِمْ وَقَوْلُهُ (إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي) قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الصَّلَاةُ اسْمٌ جَامِعٌ لِلتَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالدُّعَاءِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِهَا قَالَ وَالنُّسُكُ الْعِبَادَةُ وَالنَّاسِكُ الَّذِي يُخْلِصُ عِبَادَتَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَصْلُهُ مِنْ النَّسِيكَةِ وَهِيَ النَّقْرَةُ الْخَالِصَةُ الْمُذَابَةُ الْمُصَفَّاةُ مِنْ كُلِّ خَلْطٍ وَالنَّسِيكَةُ أَيْضًا الْقُرْبَانُ الَّذِي يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ النُّسُكُ مَا أَمَرَ بِهِ الشَّرْعُ وَقَوْلُهُ (ومحياى ومماتي)
أَيْ حَيَاتِي وَمَمَاتِي وَيَجُوزُ فِيهِمَا فَتْحُ الْيَاءِ وَإِسْكَانُهَا وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى فَتْحِ مَحْيَايَ وَإِسْكَانِ مَمَاتِي لِلَّهِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذِهِ لَامُ الْإِضَافَةِ وَلَهَا مَعْنَيَانِ الْمِلْكُ كَقَوْلِكَ الْمَالُ لِزَيْدٍ وَالِاسْتِحْقَاقُ كَالسَّرْجِ لِلْفَرَسِ وَكِلَاهُمَا مُرَادٌ هُنَا
* وَقَوْلُهُ (لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فِي مَعْنَى رَبٍّ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ.
الْمَالِكُ.
وَالسَّيِّدُ: وَالْمُدَبِّرُ.
وَالْمُرَبِّي: قَالَ فَإِنْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بِأَنَّهُ رَبٌّ أَوْ مَالِكٌ أَوْ سَيِّدٌ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ الذَّاتِ وَإِنْ قِيلَ لِأَنَّهُ مُدَبِّرُ خَلْقِهِ أَوْ مُرَبِّيهِمْ فَهُوَ مِنْ صِفَاتِ فِعْلِهِ.
قَالَ وَمَتَى أَدْخَلْتَ عَلَيْهِ الْأَلْفَ وَاللَّامَ فَهُوَ مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى دُونَ خَلْقِهِ وَإِنْ حَذَفْتَهَا كَانَ مُشْتَرَكًا فَتَقُولُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَرَبُّ الدَّارِ وَأَمَّا الْعَالَمُونَ فَجَمْعُ عَالَمٍ وَالْعَالَمُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي حَقِيقَتِهِ فَقَالَ الْمُتَكَلِّمُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْمُفَسِّرُونَ: الْعَالَمُ كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هُمْ الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ.
وَقِيلَ هُوَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ: الْمَلَائِكَةُ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ.
قَالَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَالْفَرَّاءُ وَقِيلَ بَنُو آدَمَ قَالَهُ الْحَسَنُ بْنُ الْفَضْلِ وَأَبُو مُعَاذٍ النَّحْوِيُّ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: اخْتَلَفُوا فِي اشْتِقَاقِ الْعَالَمِ فَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَلَامَةِ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ دَلَالَةٌ وَعَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ صَانِعِهِ كالعالم اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ وَدَلِيلُهُ اسْتِعْمَالُ النَّاسِ فِي قَوْلِهِمْ الْعَالَمُ مُحْدَثٌ
وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَقَتَادَةَ وَدَلِيلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ قَوْلُهُ عز وجل (قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رب العالمين قال رب السموات والارض وما بينهما) وَقِيلَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعِلْمِ فَالْعَالَمُونَ عَلَى هَذَا مَنْ يَعْقِلُ خَاصَّةً قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهُ أبو الهيثم والازهري لقول الله تعالى (فيكون للعالمين نذيرا) قَوْلُهُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ مَذْهَبَانِ لِلنَّحْوِيِّينَ قَالَ الْفَرَّاءُ أَصْلُهُ يَا اللَّهُ امنا بخير فكثرت في الكلام واخناطت فقيل اللهم وتركت مفتوحة الميم قال الْخَلِيلُ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ وَالْمِيمُ الْمُشَدَّدَةُ عِوَضٌ عَنْ يَاءِ النِّدَاءِ وَالْمِيمُ مَفْتُوحَةٌ لِسُكُونِهَا وَسُكُونِ الْمِيمِ قَبْلَهَا وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُقَالُ يَا اللَّهُمَّ وَقَوْلُهُ: أَنْتَ الْمَلِكُ أَيْ الْقَادِرُ على كل شئ قَوْلُهُ: وَأَنَا عَبْدُكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ إنِّي لَا أَعْبُدُ غَيْرَكَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَا مُعْتَرِفٌ بِأَنَّكَ مَالِكِي وَمُدَبَّرِي وَحُكْمُكَ نَافِذٌ فِي: قَوْلُهُ ظَلَمْتُ نَفْسِي.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ اعْتِرَافٌ بِالذَّنْبِ قَدَّمَهُ عَلَى سُؤَالِ الْمَغْفِرَةِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ عليهما السلام (قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ": قَوْلُهُ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ.
أَيْ أَرْشِدْنِي لِصَوَابِهَا وَوَفِّقْنِي لِلتَّخَلُّقِ بِهِ وَسَيِّئُهَا قَبِيحُهَا قَوْلُهُ: لَبَّيْكَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ مَعْنَاهُ أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِكَ إقَامَةً بَعْدَ إقَامَةٍ يُقَالُ لَبَّ بِالْمَكَانِ لَبًّا وَأَلَبَّ إلْبَابًا أَقَامَ بِهِ وَأَصْلُ لَبَّيْكَ لبين فحذفت النون للاضافة وقوله: وَسَعْدَيْكَ.
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ مُسَاعَدَةً لِأَمْرِكَ بَعْدَ مساعدة ومتابعة بعد متابعة لدين الَّذِي ارْتَضَيْتَهُ بَعْدَ: مُتَابَعَةٍ: قَوْلُهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ إلَيْكَ.
فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ
(أَحَدُهَا) مَعْنَاهُ لا يتقرب به اليك قاله الخليل واحمد والنضر بن شميل واسحق بن راهويه ويحيى ابن مَعِينٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ خُزَيْمَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمْ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْمُزَنِيِّ وقاله ايضا غير مَعْنَاهُ لَا يُضَافُ إلَيْكَ عَلَى انْفِرَادِهِ فَلَا يُقَالُ يَا خَالِقَ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ وَيَا رَبَّ الشَّرِّ وَنَحْوُ هَذَا وَإِنْ كَانَ يُقَالُ يَا خالق كا شئ وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ الشَّرُّ فِي الْعُمُومِ (وَالثَّالِثُ)
مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَا يَصْعَدُ إلَيْكَ وَإِنَّمَا يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ (وَالرَّابِعُ) مَعْنَاهُ وَالشَّرُّ لَيْسَ شَرًّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْكَ فَإِنَّك خَلَقْتَهُ لِحِكْمَةٍ بَالِغَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ شَرٌّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ أَنَّهُ كَقَوْلِهِ فُلَانٌ إلَى بنى فلان إذا كان عداده فيهم أوصفوه إليهم قال الشيخ أبو حامد ولابد مِنْ تَأْوِيلِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِظَاهِرِهِ لِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ الْخَيْرُ وَالشَّرُّ جَمِيعًا اللَّهُ فَاعِلُهُمَا وَلَا إحْدَاثَ للعبد فيهما والمتزلة يَقُولُونَ يَخْلُقُهُمَا وَيَخْتَرِعُهُمَا وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِمَا صُنْعٌ وَلَا يَسْمَعُ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْخَيْرَ مِنْ عِنْدِ الله والشر من نفسك الاهمج الْعَامَّةِ وَلَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لا سني ولا بدعى: قوله أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ أَيْ الْتِجَائِي وَانْتِمَائِي إلَيْكَ وَتَوْفِيقِي بِكَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ أَعْتَصِمُ بِكَ وَأَلْجَأُ إلَيْكَ: قَوْلُهُ تَبَارَكْتَ اسْتَحْقَقْتَ الثَّنَاءَ وَقِيلَ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَكَ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: تَبَارَكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ إمَامٍ وَمَأْمُومٍ وَمُنْفَرِدٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمُسَافِرٍ وَمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ وَقَاعِدٍ وَمُضْطَجِعٍ وَغَيْرِهِمْ أَنْ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَوْ تَرَكَهُ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَتَّى شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ لَمْ يَعُدْ إلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَلَا يَتَدَارَكُهُ فِي بَاقِي الرَّكَعَاتِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا تَرَكَهُ وَشَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ يَعُودُ إلَيْهِ مِنْ بَعْدِ التَّعَوُّذِ وَالْمَذْهَبُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَكِنْ لَوْ خَالَفَ فَأَتَى بِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ذكر ولا يسجد للسهو كَمَا لَوْ دَعَا أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ موضعه قال الشافعي في الامم: وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ حَيْثُ لَا آمُرُهُ به فلا شئ عَلَيْهِ وَلَا يَقْطَعُ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِي أَيِّ حَالٍ ذَكَرَهُ.
قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَحْرَمَ مَسْبُوقٌ فَأَمَّنَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِهِ أَمَّنَ ثُمَّ أَتَى بِالِاسْتِفْتَاحِ لِأَنَّ التَّأْمِينَ يَسِيرٌ.
وَلَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَكَبَّرَ وَقَعَدَ فَسَلَّمَ مع قعودة قام ولا يأتي بدعا الِاسْتِفْتَاحِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَذَكَرَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالُوا:
وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ قَبْلَ قُعُودِهِ لَا يَقْعُدُ ويأتى بدعاء الاستفتاح وهذا الذى ذكره مِنْ اسْتِحْبَابِ دُعَاءِ
الِاسْتِفْتَاحِ لِكُلِّ مُصَلٍّ يَدْخُلُ فِيهَا النَّوَافِلُ الْمُرَتَّبَةُ وَالْمُطْلَقَةُ وَالْعِيدُ وَالْكُسُوفُ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ وَالِاسْتِسْقَاءُ وغيرها يستثني مِنْهُ مَوْضِعَانِ
(أَحَدُهُمَا)
صَلَاةُ الْجِنَازَةِ: فِيهَا وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَنَائِزِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَهُ وَعِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْرَعُ فِيهَا دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ لِأَنَّهَا مبنية علي الاختصار والثانى تستحب كغيرها (الوضع الثَّانِي) الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ حَتَّى قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ لَوْ أَدْرَكَ الامام رفعا مِنْ الِاعْتِدَالِ حِينَ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ لَمْ يَأْتِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ بَلْ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الْقِيَامِ وَعَلِمَ أَنَّهُ يمكنه دعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة أنى بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الاصحاب قال الشيخ بو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَجِّلَ فِي قِرَاءَتِهِ وَيَقْرَأَ إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَطْ ثُمَّ يُنْصِتُ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ أَوْ شَكَّ لَمْ يأت بدعاء الاستفتاح فلو خَالَفَ وَأَتَى بِهِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فَهَلْ يَرْكَعُ مَعَهُ وَيَتْرُكُ بَقِيَّةَ الْفَاتِحَةِ أَمْ يُتِمُّهَا وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ في الصلاة الْجَمَاعَةِ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِبَعْضِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ مَعَ التَّعَوُّذِ وَالْفَاتِحَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ كُلُّهُ أَتَى بِالْمُمْكِنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ
* (فَرْعٌ)
فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْكُتُ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ فَقُلْتُ بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ لله فِي إسْكَاتِكَ بَيْنَ التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ مَا تَقُولُ قَالَ أَقُولُ اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ مِثْلُهَا إلَّا أَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ خَطَايَايَ (1) اللَّهُمَّ وَاغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ " رواه أبو داود الترمذي وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَضَعَّفَهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " رواه أبو داود
(1) رواية مسلم اللهم نقني من خطاياى كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ اللَّهُمَّ الخ فاقتصر الشارح على موضع الخلاف بين الروايتين
وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يصل هَذَا الْحَدِيثُ وَجَاءَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ نَفْثِهِ الشَّرُّ وَنَفْخِهِ الكبر وهمزة المؤتة أَيْ الْجُنُونُ وَرَوَى الِاسْتِفْتَاحَ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَحَادِيثُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّ مَا فِيهَا الْأَثَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ " وَهَذَا الْأَثَرُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ لَمْ يُصَرِّحْ أَنَّهُ قَالَهُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بَلْ رَوَاهُ عَنْ عَبْدَةَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ يَجْهَرُ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ وَقَعَتْ فِي مُسْلِمٍ مُرْسَلَةً لِأَنَّ عَبْدَةَ بْنَ أبي لبابة لم يسمع عمرو وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ مُتَّصِلًا والفاتحة وفى رواية التَّصْرِيحُ بِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَهُ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إلَهَ غَيْرُكَ وَجَّهْتُ وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طيبا مباركا فيه فلما قضى اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ قَالَ ايكم المتكلم بالكمات فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ أَيُّكُمْ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِي النَّفَسُ فَقُلْتُهَا فَقَالَ رَأَيْتُ اثْنَيْ عَشْرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَوْلُهُ أَرَمَّ - بِالرَّاءِ أَيْ سَكَتَ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مع رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَالَ رَجُلٌ فِي القوم الله اكبر كبيرا والحمد كثيرا أو سبحان اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الْقَائِلُ كَذَا وَكَذَا قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ عَجِبْتُ لَهَا كَلِمَةً فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُتَّصِلًا بِحَدِيثِ أنس
الَّذِي قَبْلَهُ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الِاسْتِفْتَاحِ بِأَيَّتِهَا اسْتَفْتَحَ حَصَّلَ سُنَّةَ الِاسْتِفْتَاحِ لَكِنَّ أَفْضَلَهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَيَلِيهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو حَامِدٍ يَجْمَعُ بَيْنَ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهَا لِحَدِيثِ جَابِرٍ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يَزِدْ عَلَى قَوْلِهِ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى قَوْلِهِ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ: وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامًا لِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ لَا يَتَوَقَّعُونَ مَنْ يَلْحَقُ بِهِمْ وَرَضُوا بِالتَّطْوِيلِ اسْتَوْفَى حَدِيثَ عَلِيٍّ بِكَمَالِهِ وَيُسْتَحَبُّ مَعَهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِفْتَاحِ وَمَا يسنفتح بِهِ: أَمَّا الِاسْتِفْتَاحُ فَقَالَ بِاسْتِحْبَابِهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ من الصاحبة وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَا يُعْرَفُ مَنْ خَالَفَ فيه الا مالكا رحمه الله فَقَالَ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ولا بشئ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ أَصْلًا بَلْ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إلَى آخِرِ الفاتحة
* واحتج له بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَلَيْسَ فِيهِ اسْتِفْتَاحٌ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما يفتتحون الصلاة بالحمد الله رب العالمين " وَدَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا جَوَابَ لَهُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " المسئ صَلَاتَهُ " مَا قَدَّمْنَاهُ فِي مَسْأَلَةِ رَفْعِ الْيَدِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا عَلَّمَهُ الْفَرَائِضَ فَقَطْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ما سبق في قصل التكبير أن المراد يفتتح الْقِرَاءَةِ كَمَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كانوا يقرؤن الْفَاتِحَةَ قَبْلَ السُّورَةِ وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ أَنَّهُ لَا يأتي بدعاء الاستفتاح وبينه حديث عائشة رضى الله عنها الذي ذكرناه هناك وكيف كان فليس تَصْرِيحٌ بِنَفْيِ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَلَوْ صَرَّحَ بِنَفْيِهِ كَانَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَظَاهِرَةُ بِإِثْبَاتِهِ مُقَدَّمَةً لِأَنَّهَا زيادة ثقاه وَلِأَنَّهَا
إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا مَا يُسْتَفْتَحُ بِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَفْتَحُ بِوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأصحابه واسحق وَدَاوُد يُسْتَفْتَحُ بِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إلَى آخِرِهِ وَلَا يَأْتِي بِوَجَّهْتُ وَجْهِي وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالْقَاضِي أَبِي حَامِدٍ
مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيَّ ذَلِكَ قَالَ أَجْزَأَهُ وَأَنَا إلَى حَدِيثِ وَجَّهْتُ وَجْهِي أَمِيلُ دَلِيلُنَا أَنَّا قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الاستفتاح بسبحانك اللهم شئ وثبت وجهت وجهي فتعين اعتماده والعلم به والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يتعوذ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك " قال في الام كان ابن عمر رضي الله عنه يتعوذ في نفسه وأبو هريرة رضي الله عنه يجهر به وأيهما فعل قال أبو علي الطبري استحب أن يسر به لانه ليس بقراءة ولا علم على الاتباع ويستحب ذلك في الركعة الاولى قال في الام: يقول في أول كل ركعة: وقد قيل ان قاله في كل ركعة فحسن ولا آمر به أمرى في أول كل ركعة فمن أصحابنا من قال فيما سوى الاولي قولان
(أحدهما)
يستحب لانه يستفتح القراءة فيها فهي كالاولى (الثانية) لا يستحب استفتاح القراءة في الاولى ومن أصحابنا من قال يستحب في الجميع قولا واحدا وانما في الركعة الاولي اشد استحبابا وعليه يدل قول الشافعي رضى الله عنه)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فَقَالَ فِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ
وَالْمُعْتَمَدُ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم) وَإِنَّمَا ابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ دُونَ الْآيَةِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ فِيهَا كَيْفِيَّةُ الِاسْتِعَاذَةِ فَاسْتَدَلَّ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانَ الْمَحَلِّ وَلَكِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ فَالْجَوَابُ الِاحْتِجَاجُ بِالْآيَةِ وَمَعْنَى أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَلُوذُ وَأَعْتَصِمُ بِهِ وَأَلْجَأُ إلَيْهِ وَالشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ سُمِّيَ شَيْطَانًا لِشُطُونِهِ عَنْ الْخَيْرِ أَيْ تَبَاعُدِهِ وَقِيلَ لِشَيْطِهِ أَيْ هَلَاكِهِ وَاحْتِرَاقِهِ فَعَلَى الْأَوَّلِ النُّونُ أَصْلِيَّةٌ وَعَلَى الثَّانِي زَائِدَةٌ وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ والمعبد وَقِيلَ الْمَرْجُومُ بِالشُّهُبِ وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ وَلَا عَلَمٍ عَلَى الِاتِّبَاعِ الْعَلَمُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَاللَّامِ الْعَلَامَةُ وَالدَّلِيلُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ التَّكْبِيرِ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَهُوَ أَنَّ التَّعَوُّذَ مَشْرُوعٌ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ فَيَقُولُ بَعْدَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَرِيبٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يَحْصُلُ التَّعَوُّذُ بِكُلِّ مَا اشْتَمَلَ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ لَكِنَّ أَفْضَلَهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبَعْدَهُ فِي الْفَضِيلَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَبَعْدَ هَذَا أَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ مِنْ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ قَالَ أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْ الشَّيْطَانِ أَوْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ
اللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَجْزَأَهُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سَرِيَّةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ بِهِ قَوْلًا وَاحِدًا كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ الْإِسْرَارُ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْقِرَاءَةِ فَأَشْبَهَ التَّأْمِينَ كَمَا لَوْ قَرَأَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّعَوُّذِ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يُخَيَّرُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَلَا تَرْجِيحَ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَاخْتَلَفُوا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ فَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَنَقَلَا التَّعَوُّذَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَغَلَطَا فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ التَّعَوُّذِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَلَوْ تَرَكَهُ فِي الْأُولَى عَمْدًا أَوْ سَهْوًا اُسْتُحِبَّ فِي الثَّانِيَةِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ قُلْنَا يَخْتَصُّ بِالْأُولَى أَمْ لَا بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ فِي الْأُولَى لَا يَأْتِي بِهِ فِيمَا بَعْدَهَا بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاسْتِفْتَاحَ مَشْرُوعٌ
فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَقَدْ فَاتَ فَصَارَ كَالْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَشْرُوعٌ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ وَالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِيهَا قِرَاءَةٌ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ مُتَعَلِّقَةٍ بِالتَّعَوُّذِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ عَمْدًا (1) فَإِنْ تَرَكَهُ عمدا أو سهوا فليس عليه سجود سهو
(الثاني) فِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وهما كالخلاف
(1) هذا بالاصل وفيها سقط ولعله (تداركه في الثانية) كما يفهم من عبارة الروضة والام وقد حكي الشارح عبارة الام بالمعني اه
فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ التَّعَوُّذُ فِي كُلِّ صَلَاةٍ فَرِيضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ لِكُلِّ مصل من امام ومأموم ومنفرد وَرَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَحَاضِرٍ وَمُسَافِرٍ وَقَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُحَارِبٍ إلَّا الْمَسْبُوقَ الَّذِي يَخَافُ فَوْتَ بَعْضِ الْفَاتِحَةِ لَوْ اشْتَغَلَ بِهِ فَيَتْرُكُهُ وَيَشْرَعُ فِي الْفَاتِحَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى وَفِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا التَّعَوُّذُ كَالتَّأْمِينِ وَالثَّانِي لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (الرَّابِعَةُ) التَّعَوُّذُ يُسْتَحَبُّ لكل من يريد الشروع في قراءة أَوْ غَيْرِهَا وَيَجْهَرُ الْقَارِئُ خَارِجَ الصَّلَاةِ بِاتِّفَاقِ القراء يكفيه التَّعَوُّذُ الْوَاحِدُ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ فَإِنْ قَطَعَهَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا اسْتَأْنَفَ التَّعَوُّذَ وَإِنْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْقِرَاءَةِ لَمْ يَتَعَوَّذْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَصْلٍ أَوْ هُوَ فَصْلٌ يَسِيرٌ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّعَوُّذِ وَمَحَلِّهِ وَصِفَتِهِ والجهر به وتكراره في الركعات واستحابه لِلْمَأْمُومِ وَأَنَّهُ سُنَّةٌ أَمْ وَاجِبٌ
* أَمَّا أَصْلُهُ فَاسْتَحَبَّهُ لِلْمُصَلِّي جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَمِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ اصحاب الرأى واحمد واسحق وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ أَصْلًا لحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْآيَةُ وَاسْتَدَلُّوا بِأَحَادِيثَ لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فَالْآيَةُ أَوْلَى
* وَأَمَّا مَحَلُّهُ فَقَالَ الْجُمْهُورُ هُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ
يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ مَعْنَاهَا إذَا أَرَدْتَ الْقِرَاءَةَ فَاسْتَعِذْ وَهُوَ اللَّائِقُ السَّابِقُ إلَى الْفَهْمِ
* وَأَمَّا صِفَتُهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ الله هو السميع العليم) وقال الحسن ابن صَالِحٍ يَقُولُ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَنَقَلَ الشَّاشِيُّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ (أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ واحتج بقول الله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزع فاستعذ بالله انه سميع عليم) وَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تعلى (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرجيم) فَقَدْ امْتَثَلَ الْأَمْرَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا فَلَيْسَتْ بَيَانًا لِصِفَةِ الِاسْتِعَاذَةِ بَلْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى
بِالِاسْتِعَاذَةِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَمِيعُ الدُّعَاءِ عَلِيمٌ فَهُوَ حَثَّ عَلَى الِاسْتِعَاذَةِ وَالْآيَةُ الَّتِي أَخَذْنَا بِهَا أَقْرَبُ إلَى صِفَةِ الِاسْتِعَاذَةِ وَكَانَتْ أَوْلَى وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه فَسَبَقَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ
* وَأَمَّا الْجَهْرُ بِالتَّعَوُّذِ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الرَّاجِحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَجْهَرُ وَقَالَ ابْنُ لَيْلَى الْإِسْرَارُ وَالْجَهْرُ سَوَاءٌ وَهُمَا حَسَنَانِ
* وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ فِي مَذْهَبِنَا اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَخْتَصُّ التَّعَوُّذُ بِالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَأَمَّا اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَأْمُومِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ كَمَا يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَتَعَوَّذُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ لَا قِرَاءَةَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا
* وَأَمَّا حُكْمُهُ فَمُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمَا أَوْجَبَاهُ قَالَ وَعَنْ دَاوُد رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) وُجُوبُهُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَدَلِيلُهُ ظاهر الآية ودليلنا حديث " المسئ صلاته " والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (ثُمَّ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَهُوَ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب ")
*
** (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ عُبَادَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِلْقَادِرِ عَلَيْهَا فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَمُتَعَيِّنَةٌ لَا يَقُومُ مَقَامَهَا تَرْجَمَتُهَا بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ وَلَا قِرَاءَةُ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَيَسْتَوِي فِي تَعَيُّنِهَا جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا جَهْرُهَا وَسِرُّهَا وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْمُسَافِرُ وَالصَّبِيُّ وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ وَفِي حَالِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ فِي تَعَيُّنِهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَفِي الْمَأْمُومِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَتَسْقُطُ الْفَاتِحَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَيَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ بِشَرْطِ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ مَحْسُوبَةٌ
للامام احتراز من الامام المحدث والذى قام الخامسة نَاسِيًا وَسَنُوَضِّحُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ مُتَعَيَّنَةٌ فِي كُلِّ صَلَاةٍ وَهَذَا عَامٌّ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَلْ نُسَمِّيهَا فِي النَّافِلَةِ وَاجِبَةً أَمْ شَرْطًا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعَ أَصَحُّهَا ركن والله أعلم هـ (فرع)
في مذاهب العلما في القراءة في الصلاة.
مذهبا أَنَّ الْفَاتِحَةَ مُتَعَيَّنَةٌ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَادِرِ عَلَيْهَا إلَّا بِهَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَدْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بن الْعَاصِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَخَوَّاتِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ عَوْنٍ والاوزاعي ومالك وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الثَّوْرِيِّ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لَكِنْ تستحب وفى رواية عنه تجب ولا يشترط وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ وَفِي قَدْرِ الْوَاجِبِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْهُ (إحْدَاهَا) آيَةٌ تامة (والثانية) ما يتناوله الِاسْمَ قَالَ الرَّازِيّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمْ (وَالثَّالِثَةُ) ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حنيفة بقول الله تعالي (فاقرؤا ما تيسر منه) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صَلَاتَهُ " كَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ من القرآن " رواه البخاري ومسلو بحديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ أَوْ غَيْرِهَا " وَفِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " قَالُوا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهَا يَقُومُ مَقَامَهَا قَالُوا وَلِأَنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ بِدَلِيلِ تَحْرِيمِ قِرَاءَةِ الْجَمِيعِ عَلَى الْجُنُبِ وَتَحْرِيمِ مس المحدث وغيرهما وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بفاتحة الكتاب "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ قَالُوا مَعْنَاهُ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً قُلْنَا هَذَا خِلَافُ الْحَقِيقَةِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ وَالسَّابِقِ إلَى الْفَهْمِ فَلَا يُقْبَلُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " من صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فهى خداج " يقولها ثلاثا غَيْرُ تَمَامٍ " فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ إنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ قَالَ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي وَإِذَا قَالَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي وَإِذَا قَالَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قَالَ مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إلَيَّ عَبْدِي - فَإِذَا قَالَ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ قَالَ هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ فَإِذَا قَالَ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غير المغضوب
عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُبَادَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " لا تجزى صَلَاةٌ لَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رواه الدارقطني وقال اسناده صحيح حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تُجْزِي صَلَاةٌ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُو حَاتِمٍ ابن حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " أُمِرْنَا أَنْ نَقْرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا يتيسر " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَا فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ الْحَدِيثِ أَنَّ الْفَاتِحَةَ تَتَيَسَّرُ فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يُحْسِنُهَا وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ " أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَجَوَابٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ مَعْنَى
هَذَا الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ أَنَّ أَقَلَّ مَا يُجْزِي فَاتِحَةُ الْكِتَابِ كَمَا يُقَالُ صُمْ وَلَوْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ الشَّهْرِ أَيْ أَكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنْ نَقَصْتَ فَلَا تَنْقُصْ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ قَوْلِهِمْ إنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ سَوَاءٌ فِي الْحُرْمَةِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ منه استواؤها في الاجزاء في الصلاة لاسيما وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي نَفْسِ الْفَاتِحَةِ فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهَا هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ مِنْ الدَّلَائِلِ لَنَا وَلَهُمْ اقْتَصَرْتُ فِيهَا عَلَى الصَّوَابِ مِنْ الدَّلَائِلِ الصَّحِيحَةِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي الْإِطْنَابِ فِي الْوَاهِيَاتِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي أَصْلِ الْقِرَاءَةِ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وُجُوبُهَا وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَمُتَابِعُوهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَبِي بَكْرٍ الْأَصَمِّ أَنَّهُمَا قَالَا لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَاحْتُجَّ لَهُمَا بِمَا رَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " صَلَّى الْمَغْرِبَ فَلَمْ يَقْرَأْ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَيْفَ كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ قَالُوا حَسَنًا قَالَ فَلَا بَأْسَ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه إنِّي صَلَّيْتُ وَلَمْ أَقْرَأْ قَالَ أَتْمَمْتُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَمَّتْ صَلَاتُكَ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ.
الْقِرَاءَةُ سُنَّةٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَلَا مُعَارِضَ لَهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فَجَوَابُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ أَبَا سَلَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ لَمْ يُدْرِكَا عُمَرَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْبَيْهَقِيَّ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ مَوْصُولَيْنِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ صَلَّى الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَقْرَأْ فَأَعَادَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مَوْصُولَةٌ مُوَافِقَةٌ لِلسُّنَّةِ فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَلِلْقِيَاسِ فِي أَنَّ الْأَرْكَانَ لَا تَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَتُرِكَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ.
وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ زَيْدٍ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مُرَادُهُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا عَلَى حَسْبِ مَا فِي الْمُصْحَفِ فَلَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَقَايِيسِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ حُرُوفُ الْقِرَاءَةِ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ أَيْ طَرِيقٌ يُتَّبَعُ وَلَا يُغَيَّرُ وَاَللَّهُ اعلم
*
(فَرْعٌ)
لِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ حَكَاهَا الْإِمَامُ أبو اسحق الثَّعْلَبِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهَا) فَاتِحَةُ الْكِتَابِ وَجَاءَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَسْمِيَتِهَا بِذَلِكَ.
قَالُوا سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهُ يُفْتَتَحُ بِهَا الْمُصْحَفُ وَالتَّعَلُّمُ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مُفْتَتَحَةٌ بِالْحَمْدِ الَّذِي يُفْتَتَحُ بِهِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ وَقِيلَ لِأَنَّ الْحَمْدَ فَاتِحَةُ كُلِّ كِتَابٍ (الثَّانِي) سُورَةُ الْحَمْدِ لِأَنَّ فِيهَا الْحَمْدَ (الثَّالِثُ) وَ (الرَّابِعُ) أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ لِأَنَّهَا مُقَدَّمَةٌ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَنَّ مَكَّةَ أُمُّ الْقُرَى حَيْثُ دُحِيَتْ الدُّنْيَا مِنْ تَحْتِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الْعُلُومِ وَالْخَيْرَاتِ كَمَا سُمِّيَ الدِّمَاغُ أُمُّ الرَّأْسِ لِأَنَّهُ مَجْمَعُ الْحَوَاسِّ وَالْمَنَافِعِ قَالَ ابْنُ دُرَيْدٍ الْأُمُّ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الرَّايَةُ يَنْصِبُهَا الْأَمِيرُ لِلْعَسْكَرِ يَفْزَعُونَ إلَيْهَا في حياتهم وموتهم وقال الحسن ابن الْفَضْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا إمَامٌ لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ يُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُقَدَّمُ عَلَى كُلِّ سُورَةٍ كَأُمِّ الْقُرَى لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ.
وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى رضي الله عنه قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي الْقُرْآنِ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَأَخَذَ بِيَدَيَّ فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ قُلْتُ لَهُ أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ "(الْخَامِسُ) الصَّلَاةُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي " وَهُوَ صَحِيحٌ كما سبق بيانه قريبا (السادس) لسبع الْمَثَانِي لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَرِيبًا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ فَتُقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ (السَّابِعُ) الْوَافِيَةُ - بِالْفَاءِ - لِأَنَّهَا لَا تَنْقُصُ فَيُقْرَأُ بَعْضُهَا فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضُهَا فِي أُخْرَى بِخِلَافِ غَيْرِهَا (الثَّامِنُ) الْكَافِيَةُ لِأَنَّهَا تَكْفِي عَنْ غَيْرِهَا وَلَا يَكْفِي عَنْهَا غَيْرُهَا (التَّاسِعُ) الْأَسَاسُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ (الْعَاشِرُ) الشِّفَاءُ فِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَسْمِيَتِهَا أُمَّ الْكِتَابِ فَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ لِأَنَّ الْكِتَابَ تَبَعٌ لَهَا وَمَنَعَهُ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَزَعَمَا أَنَّ
هَذَا اسْمٌ لِلَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَلَا يُسَمَّى بِهِ غَيْرُهُ (قُلْتُ) هَذَا غَلَطٌ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ
" مَنْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ أَجْزَأَتْ عَنْهُ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الكتاب والسبع الثاني " * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ تَرَكَهَا نَاسِيًا فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ تُجْزِيهِ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ كيف كان الركوع والسجود قالوا احسنا قَالَ فَلَا بَأْسَ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا تُجْزِيهِ لِأَنَّ مَا كَانَ رُكْنًا فِي الصَّلَاةِ لم يسقط فرضه بالنسيان كالركوع والسجود)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فِي الْفَرْعِ السَّابِقِ فِي مَذْهَبِهِمْ فِي الْقِرَاءَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وانه جاء انه أَعَادَ الصَّلَاةَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِيمَنْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ نَاسِيًا حَتَّى سَلَّمَ أَوْ رَكَعَ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ بَلْ إنْ تَذَكَّرَ فِي الركوع أو بعده قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الثَّانِيَةِ عَادَ إلَى الْقِيَامِ وَقَرَأَ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ قِيَامِهِ إلَى الثَّانِيَةِ لَغَتْ الْأُولَى وَصَارَتْ الثَّانِيَةُ هِيَ الْأُولَى وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الصَّلَاةِ وَيَبْنِي عَلَى مَا فَعَلَ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ يَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَالْقَوْلُ الثَّانِي الْقَدِيمُ أَنَّهُ تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ فَعَلَى هَذَا إنْ تذكر بعد السلام فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ تَذَكَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَمَا بَعْدَهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِرَاءَةِ كَمَا لَوْ نسى سجدة ونحوها
(والثانى)
لا شئ عَلَيْهِ وَرَكْعَتُهُ صَحِيحَةٌ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَمَا لَوْ تَذَكَّر بَعْدَ السَّلَامِ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ
* (فَرْعٌ)
لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَظَائِرُ فِيهَا خِلَافٌ كَهَذِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تَصِحُّ (مِنْهَا) تَرْكُ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ نَاسِيًا (وَنِسْيَانُ) الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ (وَمَنْ) صَلَّى أَوْ صَامَ بِالِاجْتِهَادِ فَصَادَفَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ حَمَلَهَا أَوْ نَسِيَهَا أَوْ أَخْطَأَ فِي الْقِبْلَةِ بِيَقِينٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ سبق بيانها في باب صفة الوضوء
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويجب ان يبتدئها بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَإِنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَتْهُ أُمُّ سَلَمَةَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَعَدَّهَا آيَةً " وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم أَثْبَتُوهَا فِيمَا جَمَعُوا مِنْ الْقُرْآنِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ بِهَا كَمَا يَجْهَرُ بِسَائِرِ الْفَاتِحَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " جَهَرَ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَلِأَنَّهَا تُقْرَأُ عَلَى أَنَّهَا آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا تُقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ فَكَانَ سُنَّتُهَا الْجَهْرَ كَسَائِرِ الْفَاتِحَةِ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ وَسَنَذْكُرُ مَا يُغْنِي عَنْهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةَ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا بَاقِي السُّوَرِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَبَرَاءَةَ فَفِي الْبَسْمَلَةِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ مِنْهَا ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون اصحهما وَأَشْهَرُهَا وَهُوَ الصَّوَابُ أَوْ الْأَصْوَبُ أَنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا قُرْآنٌ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ غَيْرَ بَرَاءَةَ ثُمَّ هَلْ هِيَ فِي الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ أَمْ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا.
فِيهِ وجهان مشهوران لاصحابنا حكاهما المحاملي وصحاب الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ (أَحَدُهُمَا) عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِقِرَاءَتِهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يَكُونُ قَارِئًا لِسُورَةٍ غَيْرِهَا بِكَمَالِهَا إلَّا إذَا ابْتَدَأَهَا بِالْبَسْمَلَةِ (وَالصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ إذْ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ نَافِيهَا لَا يَكْفُرُ وَلَوْ كَانَتْ قُرْآنًا قَطْعًا لَكَفَرَ كَمَنْ نَفَى غَيْرَهَا فَعَلَى هَذَا يُقْبَلُ فِي إثْبَاتِهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ الْأَحْكَامِ وَإِذَا قَالَ هِيَ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ لَمْ يُقْبَلْ فِي إثْبَاتِهَا خَبَرُ الْوَاحِدِ كَسَائِرِ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْرِيرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إنَّهَا قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ القطع قال امام هَذِهِ غَبَاوَةٌ عَظِيمَةٌ مِنْ قَائِلِ هَذَا لِأَنَّ ادِّعَاءَ الْعِلْمِ حَيْثُ لَا قَاطِعَ مُحَالٌ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هِيَ آيَةٌ حكما لا قطعا وقال أبو علي ابن أَبِي هُرَيْرَةَ هِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سورة غير براءة قطعا ولا خلاف اعندنا أنها تجب قراءتها فِي أَوَّلِ
الْفَاتِحَةِ وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بها لانها كباقي الفاتحة قال الشافعي ولاصحاب وَيُسَنُّ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ
فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَفِي السُّورَةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ وَعَدَمِهَا (اعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَسْمَلَةِ عَظِيمَةٌ مُهِمَّةٌ يَنْبَنِي عَلَيْهَا صِحَّةُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ الْأَرْكَانِ بَعْدَ التَّوْحِيدِ وَلِهَذَا الْمَحَلِّ الْأَعْلَى الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ وَصْفِهَا اعْتَنَى الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِشَأْنِهَا وَأَكْثَرُوا التَّصَانِيفَ فِيهَا مُفْرَدَةً وَقَدْ جَمَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْمَقْدِسِيُّ الدِّمَشْقِيُّ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ وَحَوَى فِيهِ مُعْظَمَ الْمُصَنَّفَاتِ فِي ذَلِكَ مُجَلَّدًا كَبِيرًا (1) وَأَنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَذْكُرُ هُنَا جَمِيعَ مَقَاصِدِهِ مُخْتَصَرَةً وَأَضُمُّ إلَيْهَا تَتِمَّاتٍ لابد مِنْهَا فَأَقُولُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ بِلَا خِلَافٍ فَكَذَلِكَ هِيَ آيَةٌ كَامِلَةٌ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ غَيْرَ بَرَاءَةَ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهَذَا قَالَ خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ من السلف قال الحافظ أبو عمرو بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَمَكْحُولٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَطَائِفَةٍ وَقَالَ وَوَافَقَ الشَّافِعِيَّ فِي كونها من الفاتحة احمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَمَكَّةَ وأكثر أهل العراق وحكاه الخطابي أ؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِيَّاتُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَالزُّهْرِيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَفِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ لَهُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهم
* وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد لَيْسَتْ الْبَسْمَلَةُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ كُلِّهَا قُرْآنًا لَا فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَقَالَ أَحْمَدُ هِيَ آيَةٌ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَلَيْسَتْ بِقُرْآنٍ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَيْضًا وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ هِيَ آيَةٌ بَيْنَ كُلِّ سُورَتَيْنِ غَيْرَ الْأَنْفَالِ وَبَرَاءَةَ وَلَيْسَتْ مِنْ السُّوَرِ بَلْ هِيَ قرآن كسورة قَصِيرَةٍ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ دَاوُد وَأَصْحَابِهِ أَيْضًا ورواية عن احمد وقال محمد ابن الْحَسَنِ مَا بَيْنَ دَفَّتَيْ الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ مَنْ أَثْبَتَهَا وَلَا مَنْ نَفَاهَا لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ نَفَى حَرْفًا مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَوْ أَثْبَتَ مَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ بِالْإِجْمَاعِ وَهَذَا فِي الْبَسْمَلَةِ الَّتِي فِي اوائل السور
غَيْرَ بَرَاءَةَ وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فِي أَثْنَاءِ سُورَةِ النَّمْلِ (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحين) فَقُرْآنٌ بِالْإِجْمَاعِ فَمَنْ جَحَدَ مِنْهَا حَرْفًا كَفَرَ بِالْإِجْمَاعِ (وَاحْتَجَّ) مَنْ نَفَاهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ بِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ بِالظَّنِّ وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ قَرِيبًا بِطُولِهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ مِنْ الْقُرْآنِ سورة ثلاثون آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ " وَهِيَ (تبارك الذى بيده الملك) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد تَشْفَعُ قَالُوا وَقَدْ أَجْمَعَ الْقُرَّاءُ عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً سِوَى الْبَسْمَلَةِ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ فِي مَبْدَأِ الْوَحْيِ " أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهم فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ له " فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا آخِرِهَا " قَالُوا وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ الْقُرْآنِ لَكَفَرَ جَاحِدُهَا وَأَجْمَعْنَا أَنَّهُ لَا يَكْفُرُ (قَالُوا) وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعَدَدِ مُجْمِعُونَ عَلَى تَرْكِ عَدِّهَا آيَةً مِنْ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّهَا فِي الْفَاتِحَةِ قَالُوا وَنَقَلَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ بِأَسْرِهِمْ عَنْ آبَائِهِمْ التَّابِعِينَ عَنْ الصحابة رضى الله عنهم افتتاح الصلاة بالحمد لله رب العالمين قَالُوا وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فقال الحمد لله رب العالمين "
* وَاحْتَجَّ
* أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اجمعوا علي اثباتها في المصحف جميعا في اوائل السور سِوَى بَرَاءَةَ بِخَطِّ الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ فَإِنَّ الْعَادَةَ كِتَابَتُهَا
بِحُمْرَةٍ وَنَحْوِهَا فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا اسْتَجَازُوا إثْبَاتَهَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْمَلُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهَا قُرْآنٌ فَيَكُونُونَ مُغَرِّرِينَ بِالْمُسْلِمِينَ حَامِلِينَ لَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا فَهَذَا مِمَّا لَا يَجُوزُ
اعْتِقَادُهُ فِي الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا أَقْوَى أَدِلَّتِنَا فِي إثْبَاتِهَا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ أَحْسَنُ مَا يَحْتَجُّ بِهِ أَصْحَابُنَا كِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ الَّتِي قصدوا بكتابتها ففى الْخِلَافِ عَنْ الْقُرْآنِ فَكَيْفَ يُتَوَهَّمُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا مِائَةً وَثَلَاثَ عَشَرَةَ آيَةً لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى أَظْهَرُ الْأَدِلَّةِ كِتَابَتُهَا بِخَطِّ الْقُرْآنِ قَالَ وَنَحْنُ نَقْنَعُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِالظَّنِّ وَلَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهَا أُثْبِتَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا فِيهِ تَغْرِيرٌ لَا يَجُوزُ ارْتِكَابُهُ لِمُجَرَّدِ الْفَصْلِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِلْفَصْلِ لَكُتِبَتْ بَيْنَ بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالِ وَلَمَا حَسُنَ كِتَابَتُهَا فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْفَصْلَ كَانَ مُمْكِنًا بِتَرَاجِمِ السُّوَرِ كَمَا حَصَلَ بَيْنَ بَرَاءَةَ وَالْأَنْفَالِ (فَإِنْ قِيلَ) لَعَلَّهَا كُتِبَتْ لِلتَّبَرُّكِ بِذِكْرِ اللَّهِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (وَمِنْ وَجْهٍ رَابِعٍ) أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلتَّبَرُّكِ لَاكْتَفَى بِهَا فِي أَوَّلِ الْمُصْحَفِ أَوْ لَكُتِبَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةَ وَلَمَا كُتِبَتْ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ اللَّهِ كَالْفَاتِحَةِ وَالْأَنْعَامِ وَسُبْحَانَ وَالْكَهْفِ وَالْفُرْقَانِ وَالْحَدِيدِ وَنَحْوِهَا فَلَمْ يَكُنْ حَاجَةً إلَى الْبَسْمَلَةِ وَلِأَنَّهُمْ قَصَدُوا تَجْرِيدَ الْمُصْحَفِ مِمَّا لَيْسَ بِقُرْآنٍ وَلِهَذَا لَمْ يَكْتُبُوا التَّعَوُّذَ وَالتَّأْمِينَ مَعَ أَنَّهُ صَحَّ الْأَمْرُ بِهِمَا وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَلَا الْآيَاتِ النَّازِلَةَ فِي بَرَاءَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها لَمْ يُبَسْمِلْ وَلَمَّا تلا سورة الكوثر حين نزوله بَسْمَلَ فَلَوْ كَانَتْ لِلتَّبَرُّكِ لَكَانَتْ الْآيَاتُ فِي براءة عائشة اولي مما تبرك فِيهِ لِمَا دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ مِنْ السُّرُورِ بِذَلِكَ وَعَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَدَّهَا آيَةً " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي قَوْله تَعَالَى (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سبعا من المثانى) قَالَ " هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ قَالَ فَأَيْنَ السَّابِعَةُ قَالَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) " رَوَاهُمَا ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ بَيْنَ أَظْهُرِنَا إذْ أَغْفَى إغْفَاءً ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ
لله قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ سُورَةٌ فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم انا اعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الابتر " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال " كانت مداثم قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَمُدُّ بِسْمِ اللَّهِ وَيَمُدُّ الرَّحْمَنِ وَيَمُدُّ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ
" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَيْضًا ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ كُلِّهَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (الْأَوَّلُ) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عليه السلام فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ عَلِمَ أَنَّهَا سُورَةٌ (الثَّانِي) " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْلَمُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " الثَّالِثُ " كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم " أَنَّ الْفَاتِحَةَ هِيَ السَّبْعُ مِنْ الْمَثَانِي وَهِيَ السَّبْعُ آيَاتٍ وَأَنَّ الْبَسْمَلَةَ هِيَ الْآيَةُ السَّابِعَةُ " وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحين إحْدَى آيَاتِهَا " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُ إسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثقاة وَرُوِيَ مَوْقُوفًا.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُتَعَاضِدَةٌ مُحَصِّلَةٌ لِلظَّنِّ الْقَوِيِّ بِكَوْنِهَا قُرْآنًا حَيْثُ كُتِبَتْ وَالْمَطْلُوبُ هُنَا هُوَ الظَّنُّ لَا الْقَطْعُ خِلَافُ مَا ظَنَّهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ حَيْثُ شَنَّعَ عَلَى مَذْهَبِنَا وَقَالَ لَا يَثْبُتُ الْقُرْآنُ بِالظَّنِّ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ الظَّنَّ يَكْفِي فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (مِمَّا) ذَكَرَهُ حَدِيثَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَعْرِفُ خَتْمَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ
عليه بسم الله الرحمن الرحيم " قال والقاضي معترف بهذا ولكنه تَأَوَّلَهُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ تَنْزِلُ وَلَمْ تَكُنْ قُرْآنًا قَالَ وَلَيْسَ كُلُّ مُنَزَّلٍ قُرْآنًا قَالَ الغزالي: وما من منصف إلَّا وَيَرُدُّ هَذَا التَّأْوِيلَ وَيُضَعِّفُهُ وَاعْتَرَفَ أَيْضًا بِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ كُتِبَتْ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ مَعَ إخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ وهذا موهم كل أحد انها قرآنا وَدَلِيلٌ قَاطِعٌ أَوْ كَالْقَاطِعِ أَنَّهَا قُرْآنٌ فَلَا وَجْهَ لِتَرْكِ بَيَانِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا (فان قيل) لو كانت قرآن لَبَيَّنَهَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اكتفى بقوله أنها منزلة وباملاتها عَلَى كُتَّابِهِ وَبِأَنَّهَا تُكْتَبُ بِخَطِّ الْقُرْآنِ كَمَا يُبَيِّنْ عِنْدَ إمْلَاءِ كُلِّ آيَةٍ أَنَّهَا قُرْآنٌ اكْتِفَاءً بِعِلْمِ ذَلِكَ مِنْ قَرِينَةِ الْحَالِ وَمِنْ التَّصْرِيحِ بِالْإِنْزَالِ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّوَرِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لِلْفَصْلِ (قُلْنَا) مَوْضِعُ الدَّلَالَةِ قَوْلُهُ حَتَّى يَنْزِلَ فَأَخْبَرَ بِنُزُولِهَا وهذه صِفَةُ كُلِّ الْقُرْآنِ وَتَقْدِيرُ اللَّهِ لَا يُعْرَفُ
بِالشُّرُوعِ فِي سُورَةٍ أُخْرَى إلَّا بِالْبَسْمَلَةِ فَإِنَّهَا لَا تَنْزِلُ إلَّا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي آخِرِ كَلَامِهِ الْغَرَضُ بَيَانُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ قَطْعِيَّةً بَلْ ظَنِّيَّةً وَأَنَّ الْأَدِلَّةَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَعَارِضَةً فَجَوَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهَا أَرْجَحُ وَأَغْلَبُ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِمْ لَا يَثْبُتُ القران إلا بالتواثر فَمِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ إثْبَاتَهَا فِي الْمُصْحَفِ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ التَّوَاتُرَ إنَّمَا يُشْتَرَطُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَالْبَسْمَلَةُ قُرْآنٌ عَلَى سَبِيلِ الْحُكْمِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " فَمِنْ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا (أَحَدُهَا) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ إنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ لِانْدِرَاجِهَا فِي الْآيَتَيْنِ بَعْدَهَا (الثَّانِي) أَنْ يُقَالَ مَعْنَاهُ فَإِذَا انْتَهَى الْعَبْدُ فِي قِرَاءَتِهِ إلَى " الْحَمْدُ لله رب العالمين " وَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْبَسْمَلَةُ دَاخِلَةً (الثَّالِثُ) أَنْ يُقَالَ الْمَقْسُومُ مَا يَخْتَصُّ بِالْفَاتِحَةِ مِنْ الْآيَاتِ الْكَامِلَةِ وَاحْتَرَزْنَا بِالْكَامِلَةِ عَنْ قَوْله تَعَالَى (وَقِيلَ الْحَمْدُ لله رب العالمين) وعن قوله تعالى (وسلام علي المرسلين والحمد لله رب العالمين) وَأَمَّا الْبَسْمَلَةُ فَغَيْرُ مُخْتَصَّةٍ (الرَّابِعُ) لَعَلَّهُ قَالَهُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْآيَةُ فَيَقُولُ ضَعُوهَا فِي سُورَةِ كَذَا (الْخَامِسُ) أَنَّهُ جَاءَ ذكر البسملة في رواية الدارقطني والبيهقي فقال " فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يَقُولُ اللَّهُ ذَكَرَنِي عَبْدِي " وَلَكِنَّ إسْنَادَهَا ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعُ آيَاتٍ وَاخْتُلِفَ فِي السَّابِعَةِ فَمَنْ جَعَلَ الْبَسْمَلَةَ آيَةً قَالَ السَّابِعَةُ (صِرَاطَ الَّذِينَ) إلَى آخِرِ السُّورَةِ: وَمَنْ نَفَاهَا قَالَ (صِرَاطَ الذين انعمت عليهم) سادسة (وغير المغضوب عليهم) إلَى آخِرِهَا هِيَ السَّابِعَةُ قَالُوا وَيَتَرَجَّحُ هَذَا لان به يحصل حقيقة التنصيف فيكون لله تعالى ثلاث آيات ونصف وللعبد مِثْلُهَا وَمَوْضِعُ التَّنْصِيفِ
(إياك نعبد وإياك نستعين) فَلَوْ عُدَّتْ الْبَسْمَلَةُ آيَةً وَلَمْ يُعَدَّ (غَيْرِ المغضوب عليهم) صار لِلَّهِ تَعَالَى أَرْبَعُ آيَاتٍ وَنِصْفٌ وَلِلْعَبْدِ آيَتَانِ وَنِصْفٌ وَهَذَا خِلَافُ تَصْرِيحِ الْحَدِيثِ بِالتَّنْصِيفِ (فَالْجَوَابُ) من أوجه (أحدها) منع إرادة حقيقة التنيصف بَلْ هُوَ مِنْ بَابِ قَوْلِ الشَّاعِرِ
* إذَا مِتُّ كَانَ النَّاسُ نِصْفَيْنِ شَامِتٌ
* وَآخَرُ مُثْنٍ بِاَلَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ فَيَكُونُ الْمُرَادُ أَنَّ الْفَاتِحَةَ قِسْمَانِ فَأَوَّلُهَا لِلَّهِ تَعَالَى وَآخِرُهَا لِلْعَبْدِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنْصِيفِ قِسْمَانِ
الثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِعَدَدِ الْآيَاتِ (الثَّالِثُ) أَنَّ الْفَاتِحَةَ إذَا قُسِمَتْ بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَالْبَسْمَلَةُ مِنْهَا كان التنصف فِي شَطْرَيْهَا أَقْرَبَ مِمَّا إذَا قُسِمَتْ بِحَذْفِ الْبَسْمَلَةِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ تَقْسِيمُهَا بِاعْتِبَارِ الْحُرُوفِ (فَإِنْ قِيلَ) يَتَرَجَّحُ جَعْلُ الْآيَةِ السَّابِعَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ) لقوله فإذا قال العبد (اهدنا الصراط إلَى آخِرِ السُّورَةِ قَالَ فَهَؤُلَاءِ لِعَبْدِي فَلَفْظَةُ هؤلاء جمع يقتضى ثلاثة آيَاتٍ وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ لِلْعَبْدِ إلَّا آيَتَانِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ رَوَوْهُ فَهَذَا لِعَبْدِي وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَإِنْ كَانَ هَؤُلَاءِ ثَابِتَةً فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادَيْهِمَا الصَّحِيحَيْنِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَكُونُ الْإِشَارَةُ بِهَؤُلَاءِ إلَى الْكَلِمَاتِ أَوْ إلَى الْحُرُوفِ أَوْ إلَى آيَتَيْنِ وَنِصْفٍ مِنْ قَوْله تعالى (وإياك نستعين) إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَمِثْلُ هَذَا يُجْمَعُ كَقَوْلِ الله تعالى (الحج أشهر معلومات) وَالْمُرَادُ شَهْرَانِ وَبَعْضُ الثَّالِثِ أَوْ إلَى آيَتَيْنِ فَحَسْبُ وَذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ حَقِيقَةٌ أَمْ مَجَازٌ وَحَقِيقَتُهُ ثَلَاثَةٌ وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّهُ مَجَازٌ فِي الِاثْنَيْنِ حَقِيقَةٌ فِي الثَّلَاثَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ هَذَا كُلُّهُ إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ التَّنَصُّفَ تَوَجَّهَ إلَى آيَاتِ الْفَاتِحَةِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ مِنْ أَصْلِهِ وَإِنَّمَا التَّنَصُّفُ مُتَوَجِّهٌ إلَى الصَّلَاةِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ (فَإِنْ قَالُوا) الْمُرَادُ قِرَاءَةُ الصَّلَاةِ (قُلْنَا) بَلْ الْمُرَادُ قِسْمَةُ ذِكْرِ الصَّلَاةِ أَيْ الذِّكْرِ الْمَشْرُوعِ فِيهَا وَهُوَ ثَنَاءٌ وَدُعَاءٌ فَالثَّنَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَمَا وَقَعَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهِمَا وَالدُّعَاءُ مُنْصَرِفٌ إلَى الْعَبْدِ سَوَاءٌ مَا وَقَعَ مِنْهُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَغَيْرِهَا وَلَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي ذَلِكَ لِمَا سَبَقَ ثُمَّ ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ إخْبَارِهِ بِقِسْمَةِ أَذْكَارِ الصَّلَاةِ أَمْرًا آخَرَ وَهُوَ مَا يَقُولُهُ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ قِرَاءَةِ الْعَبْدِ هَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي هِيَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْسُومِ لَا أَنَّ ذَلِكَ تَفْسِيرُ بَعْضِ الْمَقْسُومِ (فَإِنْ قِيلَ) يَتَرَجَّحُ كَوْنُهُ تَفْسِيرًا لَذَكَرَهُ عَقِيبَهُ (قُلْنَا) لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الصَّلَاةِ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي الْفَاتِحَةِ فَحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى قِسْمَةِ الذِّكْرِ أَعَمُّ وَأَكْثَرُ فَائِدَةً فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ عُمْدَةُ نُفَاةِ الْبَسْمَلَةِ وَقَدْ بَانَ أَمْرُهُ وَالْجَوَابُ عَنْهُ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ شَفَاعَةِ تبارك وهو ان المراد
مَا سِوَى الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُخْتَصَّةٍ بِهَذِهِ السُّورَةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ الْبَسْمَلَةِ فِيهَا فَلَمَّا نَزَلَتْ أُضِيفَتْ إلَيْهَا بدليل كتابتها في المصحف ويؤيد تأويل هذ الْحَدِيثِ أَنَّهُ رِوَايَةُ أَبِي
هُرَيْرَةَ فَمَنْ يُثْبِتُ الْبَسْمَلَةَ فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مَبْدَأِ الْوَحْيِ وَهُوَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَنَظَائِرَ لَهَا مِنْ الْآيَاتِ الْمُتَأَخِّرَةِ عَنْ سُوَرِهِ فِي النُّزُولِ فَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَغَيْرُهُمَا (وَجَوَابٌ آخَرُ) وَهُوَ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ نَزَلَتْ أَوَّلًا وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَوَّلُ مَا أَلْقَى عَلَيَّ جِبْرِيلُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَنَقَلَهُ الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَنْ الْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَهَذَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا اعْتِمَادَ عَلَيْهِ
* وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَسَيَأْتِي جَوَابُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا فَجَوَابُهُ من وجهين (أحدها) أَنْ يُقْلَبَ عَلَيْهِمْ فَيُقَالَ لَوْ لَمْ تَكُنْ قرآن لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا (الثَّانِي) أَنَّ الْكُفْرَ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ بَلْ بِالْقَطْعِيَّاتِ وَالْبَسْمَلَةُ ظَنِّيَّةٌ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعَدَدِ عَلَى أَنَّهُ لَا تُعَدُّ آيَةً فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ أَهْلَ العدد ليسوا كل الامة فيكون إجْمَاعُهُمْ حُجَّةً بَلْ هُمْ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ عدوا كذلك اما لانه مذهبهم ففى الْبَسْمَلَةِ وَإِمَّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ وَأَنَّهَا مَعَ أَوَّلِ السُّورَةِ آيَةٌ (الثَّانِي) أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ " مَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ تَرَكَ مِائَةً وَثَلَاثَ عَشَرَةَ آيَةً " وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ نَقْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَإِجْمَاعِهِمْ بَلْ قَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَبَقَ الْخِلَافُ عَنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَغَيْرِهِمْ وَسَتَأْتِي قِصَّةُ مُعَاوِيَةَ حِينَ تَرَكَهَا فِي صَلَاتِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ فَأَيُّ إجْمَاعٍ مَعَ هَذَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْخِلَافُ فِي الْمَسْأَلَةِ مَوْجُودٌ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) أَوَّلُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَوْ ثَبَتَ إجْمَاعُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً مَعَ وُجُودِ الْخِلَافِ لِغَيْرِهِمْ هَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ " كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " فَجَوَابُهُ أَنَّ هَذَا غَيْرُ ثَابِتٍ وَإِنَّمَا لَفْظُهُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ " كَيْفَ تَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ فَقَرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ " وَهَذَا لَا دَلِيلَ فِيهِ وَفِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَكْسُ مَا ذَكَرُوهُ وَهُوَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لبريدة " بأى شئ تَسْتَفْتِحُ الْقُرْآنَ إذَا افْتَتَحْتَ الصَّلَاةَ قَالَ قُلْتُ ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَعَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعْنَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَهْرِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنْ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ بِهَا حَيْثُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ جَمِيعًا فَلَهَا فِي الْجَهْرِ حُكْمُ بَاقِي الْفَاتِحَةِ وَالسُّورَةِ هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ والقراء فأما الصحابة الذين قالو بِهِ فَرَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَقَيْسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وشداد بن أوس وعبد الله ابن جعفر والحسين بن علي وعبد الله جَعْفَرٍ (1) وَمُعَاوِيَةَ وَجَمَاعَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ حَضَرُوهُ لَمَّا صَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَتَرَكَ الْجَهْرَ فَأَنْكَرُوا عَلَيْهِ فَرَجَعَ إلَى الْجَهْرِ بِهَا رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ (قَالَ الْخَطِيبُ) وَأَمَّا التَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ قَالَ بِالْجَهْرِ بِهَا فَهُمْ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُذْكَرُوا وَأَوْسَعُ مِنْ أَنْ يُحْصَرُوا وَمِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَأَبُو وَائِلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَعِكْرِمَةُ وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ومحمد ابن كَعْبٍ وَنَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو الشَّعْثَاءِ وَمَكْحُولٌ وَحَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ وَالزُّهْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَابْنُهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْأَزْرَقُ بْنُ قَيْسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مغفل بْنِ مُقَرِّنٍ فَهَؤُلَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ الْخَطِيبُ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ بَعْدَ التَّابِعِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْعُمَرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ زَيْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَسَنٍ وَزَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ وَابْنُ أبي ذئب والليث بن سعد واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ بَعْضِ هَؤُلَاءِ وَزَادَ فِي التَّابِعِينَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ صَفْوَانَ ومحمد بن الحنفية وسليمان التيمي ومن تابعهم المعنمر بْنُ سُلَيْمَانَ وَنَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَنْ بعض
(1) كذا بالاصل
هَؤُلَاءِ وَزَادَ فَقَالَ هُوَ قَوْلٌ جَمَاعَةِ أَصْحَابِ ابْنِ عَبَّاسٍ طَاوُسٌ وَعِكْرِمَةُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَقَوْلُ ابْنِ جُرَيْجٍ وَمُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ وَسَائِرِ أَهْلِ مَكَّةَ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ وَهْبٍ صَاحِبِ مَالِكٍ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَبِي ثَوْرٍ.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ وَالْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ هُوَ الَّذِي قَرَّرَهُ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ وَاخْتَارُوهُ وَصَنَّفُوا فِيهِ مِثْلَ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَأَبِي حَاتِمِ بْنِ حِبَّانَ وَأَبِي
الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبِي عَبْدِ الله الحاكم وأبي بكر البيهقى والخطيب وابى عمرو بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرِهِمْ رحمهم الله.
وَفِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قال اجتمع آل مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْجَهْرِ " بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَنَقَلَ الْخَطِيبُ عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَجْهَرُ " بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ لَا يَنْبَغِي الصَّلَاةُ خَلْفَ مَنْ لَا يَجْهَرُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَاعْلَمْ أَنَّ أَئِمَّةَ الْقِرَاءَةِ السَّبْعَةِ (مِنْهُمْ) من يري الْبَسْمَلَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ (وَمِنْهُمْ) مِنْ رُوِيَ عَنْهُ الْأَمْرَانِ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يُبَسْمِلْ بِلَا خِلَافٍ عَنْهُ فَقَدْ بَحَثْتُ عَنْ ذَلِكَ أَشَدَّ الْبَحْثِ فَوَجَدْتُهُ كَمَا ذَكَرْتُهُ.
ثُمَّ كُلُّ مَنْ رُوِيَتْ عَنْهُ الْبَسْمَلَةُ ذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْجَهْرِ بها إلَّا رِوَايَاتٍ شَاذَّةً جَاءَتْ عَنْ حَمْزَةَ رحمه الله بالاسرار بها وهذا كله ما يَدُلُّ مِنْ حَيْثُ الْإِجْمَالُ عَلَى تَرْجِيحِ إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ وَالْجَهْرِ بِهَا.
وَفِي كِتَابِ الْبَيَانِ لِابْنِ أبى هاشم عن أبى القاسم بن المسلسى قَالَ كُنَّا نَقْرَأُ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فِي أَوَّلِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَبَيْنَ السُّورَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي الْفَرْضِ كَانَ هَذَا مَذْهَبَ الْقُرَّاءِ بِالْمَدِينَةِ
* وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ بِهَا فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَهَذَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمِ أَنَّ الْجَهْرَ وَالْإِسْرَارَ سَوَاءٌ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مَسْأَلَةَ الْجَهْرِ لَيْسَتْ مَبْنِيَّةً عَلَى
مَسْأَلَةِ إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِمَّنْ يَرَى الاسرار بها لا يعتقدونه قرآنا بل يرونها من سنته كَالتَّعَوُّذِ وَالتَّأْمِينِ وَجَمَاعَةً مِمَّنْ يَرَى الْإِسْرَارَ بِهَا يَعْتَقِدُونَهَا قُرْآنًا وَإِنَّمَا أَسَرُّوا بِهَا وَجَهَرَ أُولَئِكَ لِمَا تَرَجَّحَ عِنْدَ كُلِّ فَرِيقٍ مِنْ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ يَرَى الْإِسْرَارَ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العالمين " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ " صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وعمر وعثمان فكانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين لَا يَذْكُرُونَ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وفى رواية الدراقطنى " فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ".
وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يستفتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بن مغفل قال " سَمِعَنِي أَبِي وَأَنَا أَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرحيم فقل أَيْ بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَدَثَ فَإِنِّي صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ رَجُلًا مِنْهُمْ يَقُولُهُ فَإِذَا قَرَأْتَ فَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " مَا جَهَرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَلَا أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ رضي الله عنهما " قَالُوا وَلِأَنَّ الْجَهْرَ بِهَا مَنْسُوخٌ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يجهر بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِمَكَّةَ وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَدْعُونَ مُسَيْلِمَةَ الرَّحْمَنَ فَقَالُوا إنَّ مُحَمَّدًا يَدْعُو إلَى إلَهِ الْيَمَامَةِ فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْفَاهَا فَمَا جَهَرَ بِهَا حَتَّى مَاتَ " قَالُوا وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيّ بِمِصْرَ حِين صَنَّفَ كتاب لجهر فَقَالَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْجَهْرِ بِهَا حَدِيثٌ.
قَالُوا وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ الْجَهْرُ بِهَا بِدْعَةٌ قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى التَّعَوُّذِ.
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَهْرُ ثَابِتًا لَنُقِلَ نَقْلًا مُتَوَاتِرًا أَوْ مُسْتَفِيضًا كَوُرُودِهِ فِي سَائِرِ الْقِرَاءَةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا والجمهور علي استحباب الجهر بأحاديث وَغَيْرِهَا جَمَعَهَا وَلَخَّصَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَقَالَ (اعْلَمْ) أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي الْجَهْرِ كَثِيرَةٌ (مِنْهُمْ) مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فهم من
عبارته ولم يرد تصريح بالاسرار بها علي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَّا رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عَنْ ابْنِ مُغَفَّلٍ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ (وَالثَّانِيَةُ) عَنْ أَنَسٍ وَهِيَ مُعَلَّلَةٌ بِمَا أَوْجَبَ سُقُوطَ الاحتجاج بها كما سنوضح إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهُمْ) مَنْ اسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " السَّابِقِ وَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى الْإِسْرَارِ (وَمِنْهُمْ) مَنْ يَسْتَدِلُّ بِحَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ وَحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاعْتِمَادُهُمْ عَلَى حديثى أنس وابن مغفل لم يَدَعْ أَبُو الْفَرَجِ بْنِ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِهِ التَّحْقِيقُ غَيْرَهُمَا فَقَالَ لَنَا حَدِيثَانِ فَذَكَرَهُمَا وَسَنُوَضِّحُ أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِمَا وَأَمَّا أَحَادِيثُ الْجَهْرِ فَالْحُجَّةُ قَائِمَةٌ بِمَا يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّحَّةِ (مِنْهَا)
وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَسَمُرَةَ بْنُ جُنْدُبٍ رضي الله عنهم: أَمَّا أَبُو هُرَيْرَةَ فَوَرَدَتْ عَنْهُ أَحَادِيثُ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (الْأَوَّلُ) مَا هُوَ مُسْتَنْبَطٌ مِنْ مُتَّفَقٍ عَلَى صِحَّتِهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " قَالَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ " بِقِرَاءَةٍ " وَفِي أُخْرَى " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ " فَمَا أَعْلَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَنَّاهُ لَكُمْ وَمَا أَخْفَاهُ أَخْفَيْنَاهُ لَكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَمَا أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى مِنَّا أَخْفَيْنَاهُ مِنْكُمْ " كُلُّ هذه الالفاظ في الصحيح بعضها وفى الصَّحِيحَيْنِ وَبَعْضُهَا فِي أَحَدِهِمَا وَمَعْنَاهُ يَجْهَرُ بِمَا جَهَرَ بِهِ وَيُسِرُّ بِمَا أَسَرَّ بِهِ ثُمَّ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ فِي صَلَاتِهِ بِالْبَسْمَلَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَ الْجَهْرَ بِهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْخَطِيبُ أَبُو بَكْرٍ الْحَافِظُ الْبَغْدَادِيُّ الْجَهْرُ بِالتَّسْمِيَةِ مَذْهَبٌ لِأَبِي هُرَيْرَةَ حفظ عنه واشتهر به رواه عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ (الْوَجْهُ الثَّانِي) حَدِيثُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ قَالَ " صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَقَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ حَتَّى إذَا بَلَغَ وَلَا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ وَقَالَ النَّاسُ آمِينَ وَيَقُولُ كُلَّمَا سَجَدَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَإِذَا قَامَ مِنْ الْجُلُوسِ مِنْ الِاثْنَيْنِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ يَقُولُ إذَا سَلَّمَ وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَشْبَهُكُمْ صلاة برسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي مُصَنَّفِهِ فَأَمَّا الْجَهْرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ صَحَّ وَثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ مُتَّصِلٍ لَا شَكَّ وَلَا ارْتِيَابَ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْأَخْبَارِ فِي صِحَّةِ سَنَدِهِ وَاتِّصَالِهِ فَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ ثُمَّ قَالَ فَقَدْ بَانَ وَثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي الصَّلَاةِ وَأَخْرَجَهُ أَبُو حاتم ابن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ هذا حديث صحيح وكلهم ثِقَاتٌ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْخِلَافِيَّاتِ ثُمَّ قَالَ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مُجْمَعٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ مُحْتَجٌّ بِهِمْ فِي الصحيح: وقال في السنن الكببر وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ فِي أَوَّلِ
كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ فِي الصَّلَاةِ فرواه من وجوه متعددة مرضية ثم هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتٌ صَحِيحٌ لَا يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ تَعْلِيلٌ فِي اتِّصَالِهِ وَثِقَةِ رِجَالِهِ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ مِنْ طَرِيقَيْنِ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ أَبِي مُزَاحِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا إدْرِيسُ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْقُوبَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَرَأَ وَهُوَ يَؤُمُّ النَّاسَ افْتَتَحَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ هِيَ آية من كتاب الله اقرؤوا إنْ شِئْتُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا الْآيَةُ السَّابِعَةُ " في رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا أَمَّ النَّاسَ قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُ إسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ.
وَقَالَ الْخَطِيبُ قَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَيَأْمُرُ بِهِ: فَذَكَر هَذَا الْحَدِيثَ " وَقَالَ بَدَلَ قَرَأَ جَهَرَ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَعَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِقِرَاءَةِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَلَا عُذْرَ لِمَنْ يَتْرُكُ صَرِيحَ هَذِهِ
الاحاديث عن أبي هريرة ويعتمد روايته حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " وَيَحْمِلُهُ عَلَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ مُطْلَقًا أَوْ عَلَى الْإِسْرَارِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ تصريح بشئ مِنْهُمَا وَالْجَمِيعُ رِوَايَةُ صَحَابِيٍّ وَاحِدٍ فَالتَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِهِ أَوْلَى مِنْ اعْتِقَادِ اخْتِلَافِهَا مَعَ أَنَّ هذا الحديث الذى رواه الدارقطني باسناده حَدِيثِ " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ " بِعَيْنِهِ فَوَجَبَ حَمْلُ الْحَدِيثَيْنِ عَلَى مَا صُرِّحَ بِهِ فِي أَحَدِهِمَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الثِّقَاتِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْهَا رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ يقطع قراءته بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين " وفى رواية " كان النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يُقَطِّعُهَا حَرْفًا حَرْفًا " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ النَّبِيُّ صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَرَأَ يَقْطَعُ قِرَاءَتَهُ آيَةً آية " رواه الحلاكم هـ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ إسْنَادُهُ كلهم ثقات أو هو إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الخبارى وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ عُمَرُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم فعدها آية الحمد لله رب العالمين آيتين الرحمن الرحيم ثلاث آيات مالك يوم الدين أَرْبَع آيَاتٍ وَقَالَ هَكَذَا إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نستعين وَجَمَعَ خَمْسَ أَصَابِعِهِ " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ لَمَّا وَقَفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى هَذِهِ الْمَقَاطِيعِ أُخْبِرَ عَنْهُ أَنَّهُ عِنْدَ كُلِّ مَقْطَعٍ آيَةٌ لِأَنَّهُ جَمَعَ عَلَيْهِ أَصَابِعَهُ فَبَعْضُ الرُّوَاةِ حِينَ حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ نَقَلَ ذلك زيادة في البيان وفى عُمَرَ بْنِ هَارُونَ هَذَا كَلَامٌ لِبَعْضِ الْحُفَّاظِ إلَّا أَنَّ حَدِيثَهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي حَدِيثِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ قَرَأَ فِي الصَّلَاةِ فَرَوَاهَا الطَّحَاوِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ بِسَنَدِهِ وَذَكَرَ الرَّازِيّ لَهُ تأويلات ضَعِيفَةً أَبْطَلْتُهَا فِي الْكِتَابِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَالْحَاكِمُ في المستدرك باسنادهما عن سعيد بن جيير عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ لَهُ عِلَّةٌ وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيّ حَدِيثَيْنِ كِلَاهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَيْسَ فِي رُوَاتِهِ مَجْرُوحٌ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " جَهَرَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ "(وَالثَّانِي)" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَهَذَا الثَّانِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِذَاكَ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ فَحَصَلَ لَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحَّحَهَا الْأَئِمَّةُ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ شَيْئًا مِنْهَا بَلْ ذَكَرَ حَدِيثًا رَوَاهُ عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ الْمَكِّيُّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزُلْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي السُّورَتَيْنِ حَتَّى قُبِضَ " قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَعُمَرُ بْنُ حَفْصٍ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِهِ وَلَيْسَ هَذَا بِإِنْصَافٍ وَلَا تَحْقِيقٍ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ لَيْسَ عَنْ ابْن عَبَّاسٍ فِي الْجَهْرِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ: وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فالاستدلال به من اوجه (اولال) أَنَّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ هَمَّامٍ وَجَرِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " سُئِلَ أَنَسٌ كَيْفَ كَانَتْ قِرَاءَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَتْ مَدًّا " ثُمَّ قَرَأَ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم " قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَازِمِيُّ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُ لَهُ
عِلَّةً قَالَ وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ مُطْلَقًا يَتَنَاوَلُ الصَّلَاةَ وَغَيْرَهَا لِأَنَّ قِرَاءَةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ اخْتَلَفَتْ فِي الْجَهْرِ بَيْنَ حَالَتَيْ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا لَبَيَّنَهَا أَنَسٌ ولما أطلق جوابه وحيث اجاب بالبسلمة دل علي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِهَا في قراءته ولولا ذلك لاجاب أنس (بالحمد لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
أَوْ غَيْرِهَا (الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يوم بين اظهرنا إذا أغفى إغفاء ثم رَأْسَهُ مُتَبَسِّمًا فَقُلْنَا مَا أَضْحَكَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أُنْزِلَتْ عَلَيَّ آنِفًا سُورَةٌ فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فصل لربك وانحر) إلَى آخِرِهَا " وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِالْجَهْرِ بِهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَا فِي الصَّلَاةِ كَسَائِرِ الْآيَاتِ وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِهِ عَقِبَ الْحَدِيثِ الْمُحْتَجِّ بِهِ فِي نَفْيِ الْجَهْرِ كَالتَّعْلِيلِ لَهُ بِهِ لِأَنَّ الْحَدِيثَيْنِ
مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ (فَإِنْ قِيلَ) إنَّمَا جَهَرَ بِهَا فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ تَلَا مَا أُنْزِلَ ذَلِكَ الْوَقْتَ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُبَلِّغَهُ جَمِيعَهُ فَجَهَرَ كَبَاقِي السُّوَرِ (قُلْنَا) فَهَذَا دَلِيلٌ لَنَا لِأَنَّهَا تَكُونُ مِنْ السُّورَةِ فَيَكُونُ لَهُ حُكْمُ بَاقِيهَا فِي الْجَهْرِ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ خِلَافَهُ (الْوَجْهُ الثَّالِثُ) مَا اعْتَمَدَهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم خِلَافًا لِمَا ادَّعَتْهُ الْمَالِكِيَّةُ مِنْ الْإِجْمَاعِ: قال الشافعي أخبرنا عبد المجيد ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَيْثَمٍ أَنْ أَبَا بَكْرِ بْنَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنْ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ صَلَّى مُعَاوِيَةُ بِالْمَدِينَةِ صَلَاةً يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَقْرَأْ بِهَا لِلسُّوَرِ الَّتِي بَعْدَهَا حَتَّى قَضَى تِلْكَ الْقِرَاءَةَ وَلَمْ يُكَبِّرْ حِينَ يَهْوِي حَتَّى قَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ فَلَمَّا سَلَّمَ نَادَاهُ مَنْ شَهِدَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ كُلِّ مَكَان يَا مُعَاوِيَةُ أَسَرَقْتَ الصَّلَاةَ أَمْ نَسِيتَ فَلَمَّا صَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِلَّتِي بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ وَكَبَّرَ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْإِمَامُ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ وَاعْتَمَدَ عَلَيْهِ يَعْقُوبُ أَيْضًا فِي إثْبَاتِ الْجَهْرِ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَدْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ احْتَجَّ بِعَبْدِ الْمَجِيدِ وَسَائِرُ رُوَاتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَى عَدَالَتِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ
وَرَوَاهُ ابْنُ خَيْثَمٍ بِإِسْنَادٍ آخَرَ وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ رجالهم كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ قال ثنا الشَّافِعِيُّ فَذَكَرَهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ فَلَمْ يَقْرَأْ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يقرأ للسورة بعدها فذكر الحديث وزاد والانصاري ثُمَّ قَالَ فَلَمْ يُصَلِّ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) لِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلِلسُّورَةِ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَقَالَ فَنَادَاهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ حِينَ سَلَّمَ يَا مُعَاوِيَةُ أَسَرَقْتَ صَلَاتَكَ أَيْنَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وَقَدْ حَصَلَ الْجَوَابُ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ عَمَّا اورد في إسناد هَذَا الْحَدِيثِ وَمَتْنِهِ وَيَكْفِينَا أَنَّهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْوَجْهُ الرَّابِعُ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيّ فِي سُنَنِهِ وَمُسْنَدِهِ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ صَالِحٌ وَفِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيِّ قَالَ صَلَّيْتُ خلف المعتمر بن سلمان مالا أُحْصِي صَلَاةَ الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ فَكَانَ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَبْلَ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَبَعْدَهَا وسمعت المعتمر يقول ما آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أُبَيِّ وَقَالَ أُبَيٌّ مَا آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَقَالَ أنس رضي الله عنه ما آلوا أَنْ أَقْتَدِيَ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ وَأَخْرَجَ الْحَاكِمُ أَيْضًا عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْحَاكِمُ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ الْحَاكِمُ فَفِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُعَارَضَةٌ لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي تَرْكِ قراءة البسملة وهو كما قال لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِعْلًا ورواية
فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَرْوِي مَا يَفْهَمُ خِلَافَهُ فَهُوَ لَمْ يَقْتَدِ فِي جَهْرِهِ بِهَا إلَّا بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ ثابت عن أنس " إني لا آلوا أَنْ أُصَلِّيَ بِكُمْ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا " قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ قَدْ حَصَلَ لَنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ جِيَادٍ فِي الْجَهْرِ وَتَعَرَّضَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لِتَضْعِيفِ بَعْضِ رُوَاتِهِ عَنْ أَنَسٍ لَمْ نَذْكُرْهَا نَحْنُ وَتَعَرَّضَ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ لِرِوَايَةِ شَرِيكٍ
وَطَعَنَ فِيهِ (وَجَوَابُ) مَا قَالَ أَنَّ شَرِيكًا مِنْ رِجَالِ الصَّحِيحَيْنِ وَيَكْفِينَا أَنْ نَحْتَجَّ بِمَنْ احْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالصِّحَّةِ مَا يَرُدُّ قَوْلَ ابْنِ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عن أنس شئ فِي الْجَهْرِ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه الَّذِي بَدَأَ الدَّارَقُطْنِيّ بِذَكَرِهِ فِي سُنَنِهِ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) فِي صَلَاتِهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا إسْنَادٌ عَلَوِيٌّ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ احْتَجَّ بِهِ ابْنُ الْجَوْزِيِّ عَلَى الْمَالِكِيَّةِ فِي تَرْكِهِمْ الْبَسْمَلَةَ فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يحتج في المسألة بغيره ثم ساق الدارقطى الروايات في ذلك عن غَيْرِ عَلِيٍّ مِنْ الصَّحَابَةِ ثُمَّ خَتَمَهَا بِرِوَايَةٍ عَنْهُ حِينَ قَالَ سُئِلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ السَّبْعِ الْمَثَانِي فَقَالَ (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فَقِيلَ إنَّمَا هِيَ سِتُّ آيَاتٍ فَقَالَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) آيَةٌ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَإِذَا صَحَّ أَنَّ عَلِيًّا يَعْتَقِدُهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ فَلَهَا حُكْمُ بَاقِيهَا فِي الْجَهْرِ
* وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ رضي الله تعالي عَنْهُ قَالَ " كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَانِ سَكْتَةٌ إذَا قَرَأَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَسَكْتَةٌ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ " وَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ فَكَتَبُوا إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَكَتَبَ أَنْ صَدَقَ سَمُرَةُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ يُثْبِتُ سَمَاعَ الْحَسَنِ مِنْ سَمُرَةَ قَالَ الْخَطِيبُ فَقَوْلُهُ سَكْتَةٌ إذَا قَرَأَ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّ السَّكْتَةَ إنَّمَا هِيَ قَبْلَ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ لَا بَعْدَهَا (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ اسْتِدْلَالِهِمْ بحديث انس " كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ " وَعَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ كَانُوا يَفْتَتِحُونَ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ لَا بِالسُّورَةِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّ الْبَسْمَلَةَ مَرْوِيَّةٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِعْلًا وَرِوَايَةً عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ مثل هذه العبارة وَرَدَتْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم وَهُمَا مِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ الْجَهْرُ بِالْبَسْمَلَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مُرَادَ جَمِيعِهِمْ اسْمُ السُّورَةِ فَهُوَ كَقَوْلِهِ بِالْفَاتِحَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ الْبَسْمَلَةُ فَتَعَيَّنَ الِابْتِدَاءُ بِهَا وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ " فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا منهم يقرأ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " فَقَالَ أَصْحَابُنَا هِيَ رِوَايَةٌ لِلَّفْظِ الْأَوَّلِ بِالْمَعْنَى الَّذِي فَهِمَهُ الرَّاوِي عَبَّرَ عَنْهُ عَلَى قَدْرِ فَهْمِهِ فَأَخْطَأَ وَلَوْ بَلَّغَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِهِ الْأَوَّلِ لَأَصَابَ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ هُوَ الَّذِي اتَّفَقَ
عَلَيْهِ الْحُفَّاظُ وَلَمْ يخرج البخاري والترمذي وابو داؤد غَيْرَهُ وَالْمُرَادُ بِهِ اسْمُ السُّورَةِ كَمَا سَبَقَ وتبث فِي سُنَنِ الدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وعمر وعمثان رضي الله عنهم فَكَانُوا يَفْتَتِحُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فِيمَا يُجْهَرُ بِهِ " قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ هَذَا صَحِيحٌ وَهُوَ دَلِيلٌ صَرِيحٌ لِتَأْوِيلِنَا فَقَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بالبسملة عن أنس وغيره كما سبق فلابد مِنْ تَأْوِيلِ مَا ظَهَرَ خِلَافَ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيُّ ثُمَّ لِلنَّاسِ فِي تَأْوِيلِهِ وَالْكَلَامِ عَلَيْهِ خَمْسُ طُرُقٍ (إحْدَاهَا) وَهِيَ الَّتِي اخْتَارَهَا ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِتَلَوُّنِهِ وَاضْطِرَابِهِ وَاخْتِلَافِ أَلْفَاظِهِ مع تغاير معانيها فلا حجة في شئ مِنْهَا عِنْدِي لِأَنَّهُ قَالَ مَرَّةً كَانُوا يَفْتَتِحُونَ (بِالْحَمْدِ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وَمَرَّةً كَانُوا لَا يجهرون (بسم الله الرحمن الرحيم) ومرة كانوا لا يقرؤنها ومرة لم أسمعهم يقرؤنها ومرة قال وقد سئل عن ذلك كبرت ونسيت فحاصل هذه الطريقة إنما نَحْكُمُ بِتَعَارُضِ الرِّوَايَاتِ وَلَا نَجْعَلُ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ وَنَظِيرُ مَا فَعَلُوا فِي رَدِّ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ رَدَّ حَدِيثَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِي الْمُزَارَعَةِ لِاضْطِرَابِهِ وَتَلَوُّنِهِ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ كَثِيرُ الْأَلْوَانِ (الطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ) أَنْ نُرَجِّحَ بَعْضَ أَلْفَاظِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ عَلَى بَاقِيهَا وَنَرُدَّ مَا خَالَفَهَا إلَيْهَا فَلَا نَجِدُ الرُّجْحَانَ إلَّا لِلرِّوَايَةِ الَّتِي عَلَى لَفْظِ حَدِيثِ عَائِشَةَ " أَنَّهُمْ كانوا يفتتحون بالحمد لله " أَيْ بِالسُّورَةِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ تَبِعَهُ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ
عَلَى هَذَا اللَّفْظِ وَلِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " بأم القرآن " فكأن أنسا أخرج هذ الْكَلَامَ مُسْتَدِلًّا بِهِ عَلَى مَنْ يُجَوِّزُ قِرَاءَةَ غير الفاتحة أو يبدأ بغيرها ثم اقترقت الرُّوَاةُ عَنْهُ (فَمِنْهُمْ) مَنْ أَدَّاهُ بِلَفْظِهِ فَأَصَابَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فَهِمَ مِنْهُ حَذْفَ الْبَسْمَلَةِ فَعَبَّرَ عنه بقوله " كانوا لا يقرؤن " أو فلم أسمعهم يقرؤن الْبَسْمَلَةَ (وَمِنْهُمْ) مَنْ فَهِمَ الْإِسْرَارَ فَعَبَّرَ عَنْهُ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُ رِوَايَاتِ حَدِيثٍ قَضَى الْمُبَيَّنُ مِنْهَا عَلَى الْمُجْمَلِ فَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ رِوَايَةَ يَفْتَتِحُونَ مُحْتَمَلَةٌ فَرِوَايَةُ لَا يَجْهَرُونَ تُعَيِّنُ الْمُرَادَ (قُلْنَا) وَرِوَايَةُ " بِأُمِّ الْقُرْآنِ " تُعَيِّنُ الْمَعْنَى الْآخَرَ فَاسْتَوَيَا وَسَلِمَ لَنَا مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُصَرِّحَةِ بِالْجَهْرِ عَنْ أَنَسٍ وَغَيْرِهِ وَتِلْكَ لَا تَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا وَهَذِهِ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَأُوِّلَتْ وَجُمِعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ
وَأَلْفَاظِهَا (الطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ) أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَا يُنَافِي أَحَادِيثَ الْجَهْرِ الصَّحِيحَةَ السَّابِقَةَ أَمَّا الرِّوَايَةُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ لَا يَجْهَرُونَ فَالْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بين ذلك سبيلا) فَنَفَى أَنَسٌ رضي الله عنه الْجَهْرَ الشَّدِيدَ دُونَ أَصْلِ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ هُوَ رَوَى الْجَهْرَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ وَأَمَّا رِوَايَةُ مَنْ رَوَى يُسِرُّونَ فَلَمْ يُرِدْ حَقِيقَةَ الْإِسْرَارِ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ يُسِرُّونَ التَّوَسُّطَ الْمَأْمُورَ بِهِ الَّذِي هُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَهْر الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَالْإِسْرَارِ وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ مُبَالَغَةً فِي نَفْيِ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَهَذَا مَعْنَى مَا رُوِيَ عن ابن عباس انه قال الجهر (بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ أَرَادَ الْجَهْرُ الشَّدِيدُ قِرَاءَةُ الْأَعْرَابِ لِجَفَائِهِمْ وَشِدَّتِهِمْ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ مِمَّنْ رَأَى الْجَهْرَ
بالبسملة كما سبق (الطريقة الرابعة) رجحها امام ابْنُ خُزَيْمَةَ وَهِيَ رَدُّ جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ إلَى مَعْنَى أَنَّهُمْ كَانُوا يُسِرُّونَ بِالْبَسْمَلَةِ دُونَ تَرْكِهَا وَقَدْ ثَبَتَ الْجَهْرُ بِهَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ عَنْ أَنَسٍ وَكَأَنَّ أَنَسًا بَالَغَ فِي الرَّدِّ عَلَى من انكر الاسرار بِهَا فَقَالَ " أَنَا صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخُلَفَائِهِ فَرَأَيْتُهُمْ يُسِرُّونَ بِهَا " أَيْ وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهُمْ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَلَمْ يُرِدْ الدَّوَامَ بِدَلِيلِ مَا ثَبَتَ عَنْهُ مِنْ الْجَهْرِ رِوَايَةً وَفِعْلًا كَمَا سَبَقَ فَتَكُون أَحَادِيثُ أَنَسٍ قَدْ دَلَّتْ عَلَى جَوَازِ الْأَمْرَيْنِ وَوُقُوعِهِمَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمَا الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَلِهَذَا اخْتَلَفَتْ أَفْعَالُ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ قَالَ أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ هَذَا عِنْدِي مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ وَالْجَهْرُ أَحَبُّ إلَيَّ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ مَنْ رَوَى " لَمْ يَقْرَأْ " أَيْ لَمْ يَجْهَرْ وَلَمْ أَسْمَعْهُمْ يقرؤن أَيْ يَجْهَرُونَ (الطَّرِيقَةُ الْخَامِسَةُ) أَنْ يُقَالَ نَطَقَ أَنَسٌ بِكُلِّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمَرْوِيَّةِ فِي مَجَالِسَ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَالْبَيَانِ (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا حَمَلْتُمْ حَدِيثَ أَنَسٍ رضي الله عنه عَلَى أَنَّ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَرْكُ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ حَكَى ذَلِكَ عَنْ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ (قُلْنَا) مَنَعَ ذَلِكَ أَنَّ الْجَهْرَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَنَسٍ مِنْ فِعْلِهِ كَمَا سَبَقَ مِنْ حَدِيثِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ فَلَا يَخْتَارُ أَنَسٌ لِنَفْسِهِ إلَّا مَا كَانَ آخِرَ الْأَمْرَيْنِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَإِنْ رُمْنَا تَرْجِيحَ الْجَهْرِ فِيمَا نَقَلَ أَنَسٌ قُلْنَا
هَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي انْفَرَدَ بِهَا مُسْلِمٌ الْمُصَرِّحَةُ بِحَذْفِ الْبَسْمَلَةِ أَوْ بِعَدَمِ الْجَهْرِ بِهَا قَدْ عُلِّلَتْ وَعُورِضَتْ بِأَحَادِيثِ الْجَهْرِ الثَّابِتَةِ عَنْ أَنَسٍ وَالتَّعْلِيلُ يُخْرِجُهَا مِنْ الصِّحَّةِ إلَى الضَّعْفِ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الصَّحِيحِ أَنْ لَا يَكُونَ شَاذًّا وَلَا مُعَلَّلًا وَإِنْ اتَّصَلَ سَنَدُهُ بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطٍ عَنْ مِثْلِهِ فالتعليل بضعفه لِكَوْنِهِ اطَّلَعَ فِيهِ عَلَى عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ قَادِحَةٍ فِي صِحَّتِهِ كَاشِفَةٍ عَنْ وَهْمٍ لِبَعْضِ رُوَاتِهِ وَلَا يَنْفَعُ حِينَئِذٍ إخْرَاجُهُ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ضَعِيفٌ وَقَدْ خَفِيَ ضَعْفُهُ وَقَدْ تَخْفَى الْعِلَّةُ عَلَى أَكْثَرِ الْحُفَّاظِ وَيَعْرِفُهَا الْفَرْدُ مِنْهُمْ فَكَيْفَ وَالْأَمْرُ هُنَا بِالْعَكْسِ وَلِهَذَا امْتَنَعَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ إخْرَاجِهِ وَقَدْ عُلِّلَ حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا بِثَمَانِيَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَهَا أَبُو مُحَمَّدٍ مُفَصَّلَةً وَقَالَ الثَّامِنُ فِيهَا أَنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ قَالَ سَأَلْتُ أَنَسًا " أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يستفتح بالحمد لله رب العالمين أَوْ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَقَالَ إنَّكَ لتسألني عن شئ مَا أَحْفَظُهُ وَمَا سَأَلَنِي عَنْهُ أَحَدٌ قَبْلَكَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي كِتَابِهِ وَالدَّارَقُطْنِيِّ فِي سُنَنِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى تَوَقُّفِ أَنَسٍ وَعَدَمِ جَزْمِهِ بِوَاحِدٍ مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَرُوِيَ عَنْهُ الْجَزْمُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَاضْطَرَبَتْ أَحَادِيثُهُ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ فَتَعَارَضَتْ فَسَقَطَتْ وَإِنْ تَرَجَّحَ بَعْضُهَا فَالتَّرْجِيحُ الجهر لكثرة
أَحَادِيثِهِ وَلِأَنَّهُ إثْبَاتٌ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ وَلَعَلَّ النِّسْيَانَ عَرَضَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مَنْ حُفِظَ عَنْهُ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ سَأَلَهُ فِي حَالِ نِسْيَانِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ فَقَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحُفَّاظُ هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ مَجْهُولٌ: قَالَ ابْنُ خُزَيْمَةَ هَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ جِهَةِ النَّقْلِ لِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ لَا يَقُومُ بِهِ حجة وقال الخطيب أو بَكْرٍ وَغَيْرُهُ هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ عبد الله مجهول لا يَرُدُّ عَلَى هَؤُلَاءِ الْحُفَّاظِ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ حَدِيثٌ حَسَنٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى مَجْهُولٍ وَلَوْ صَحَّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ السَّابِقَةِ وَذَكَرُوا فِي تَأْوِيلِهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) قَالَ أَبُو الْفَتْحِ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ فِي الْبَسْمَلَةِ إنَّ ذَلِكَ فِي صَلَاةٍ سِرِّيَّةٍ لَا جَهْرِيَّةٍ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ يَرْفَعُ قِرَاءَتَهُ بِالْبَسْمَلَةِ وَغَيْرِهَا رَفْعًا يَسْمَعُهُ مَنْ عِنْدَهُ فَنَهَاهُ أَبُوهُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ هَذَا مُحْدَثٌ وَالْقِيَاسُ أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لَهَا حُكْمُ غَيْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ (الثَّانِي) جَوَابُ أَبِي بَكْرٍ الْخَطِيبِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ وَلَوْ صَحَّ حَدِيثُهُ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْجَهْرِ لِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ مِنْ أَحْدَاثِ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ شُيُوخِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لِأَصْحَابِهِ " لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " فَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَقْرُبُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ يَبْعُدُ لِحَدَاثَةِ سِنِّهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقَارِئَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ وَيَجْهَرُ بِقِرَاءَتِهِ فِي أَثْنَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ أَوَّلِهَا فَلَمْ يَحْفَظْ عَبْدُ اللَّهِ الْجَهْرَ بِالْبَسْمَلَةِ لِأَنَّهُ بَعِيدٌ وَهِيَ أَوَّلُ الْقِرَاءَةِ وَحَفِظَهَا أَبُو هُرَيْرَةَ لِقُرْبِهِ وَإِصْغَائِهِ وَجَوْدَةِ حِفْظِهِ وَشِدَّةِ اعْتِنَائِهِ
* وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ جابر التمامى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ومحمد بن جابر ضعيف باتفاق الحافظ مضطرب الحديث لاسيما فِي رِوَايَتِهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
هَذَا (وَفِيهِ) ضَعْفٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ بِالِاتِّفَاقِ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ ضَعِيفٌ وَإِذَا ثَبَتَ ضَعْفُهُ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ (وَلَوْ كَانَتْ) لَكَانَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ الْمُصَرِّحَةُ بِالْجَهْرِ مُقَدَّمَةً لِصِحَّتِهَا وَكَثْرَتِهَا وَلِأَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهَذَا نَفْيٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ سَعِيد بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ الجهر منسوخ
فَلَا حُجَّةَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ مُتَّصِلًا عَنْهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ فَأَنْزَلَ الله تعالى (ولا تجهر بصلاتك) فيسمع المشركون فيهزءون (ولا تخافت) عَنْ أَصْحَابِكَ فَلَا تُسْمِعُهُمْ (وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سبيلا) وَفِي رِوَايَةٍ " فَخَفَضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يَعْنِي - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - فَخَفَضَ بِهَا دُونَ الْجَهْرِ الشَّدِيدِ الَّذِي يَبْلُغُ أَسْمَاعَ الْمُشْرِكِينَ وَكَانَ يَجْهَرُ بها جهرا يسمع أصحابه.
وقال أَبُو مُحَمَّدٍ وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَمَا نَهَاهُ عَنْ الْجَهْرِ بِهَا نَهَاهُ عَنْ الْمُخَافَتَةِ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا وليس هذا الحكم مختصا بالبسملة بل كان الْقِرَاءَةِ فِيهِ سَوَاءٌ
* وَأَمَّا مَا حَكَوْا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ فَلَا يَصِحُّ عَنْهُ لِأَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ صَحَّحَ فِي سُنَنِهِ كَثِيرًا مِنْ أَحَادِيثِ الْجَهْرِ كَمَا سَبَقَ وَكِتَابُ السُّنَنِ صَنَّفَهُ الدَّارَقُطْنِيّ بَعْدَ كِتَابِ الْجَهْرِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ أَحَالَ فِي السُّنَنِ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّتْ تِلْكَ الْحِكَايَةُ حُمِلَ الْأَمْرُ عَلَى أَنَّهُ اطَّلَعَ آخِرًا عَلَى مَا لَمْ يَكُنْ اطلع عليه اولا ويجور أَنْ يَكُونَ أَرَادَ لَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْهَا شئ وَإِنْ كَانَ قَدْ صَحَّتْ فِي غَيْرِهَا وَهَذَا بَعِيدٌ فَقَدْ سَبَقَ اسْتِنْبَاطُ الْجَهْرِ مِنْ الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) قال بعض التابعين الجهر بالبسملة بدعة ولا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَنْ اعْتِقَادِهِ وَمَذْهَبِهِ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
الْعَقِيقَةُ بِدْعَةٌ وَصَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِدْعَةٌ وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ للاحاديث الصحيحة فيهما وَمَذْهَبُ وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لَا يَكُونُ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً عَلَى الْأَكْثَرِينَ مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ (وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ) عَلَى التَّعَوُّذِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَمَرْسُومَةٌ فِي الْمُصْحَفِ بِخِلَافِ التَّعَوُّذِ (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) لَوْ كَانَ الْجَهْرُ ثَابِتًا لَنُقِلَ تَوَاتُرًا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِلَازِمٍ لِأَنَّ التَّوَاتُرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِكُلِّ حُكْمٍ.
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والمنة * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهَا مُرَتَّبًا فَإِنْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا نَاسِيًا ثُمَّ أَتَى بِمَا بَقِيَ مِنْهَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ قَرَأَ عَامِدًا لَزِمَهُ أَنْ يستأنف القراءة كما لو تعمد في خلاف الصَّلَاةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا لَزِمَهُ أَنْ يَسْتَأْنِفَهَا وَإِنْ نَوَى قَطْعَهَا وَلَمْ يَقْطَعْ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْتِئْنَافُهَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِاللِّسَانِ وَلَمْ يَقْطَعْ ذَلِكَ بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى قَطْعَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ النية بالقلب وقطع ذلك)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ هَكَذَا " وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى الله وَسَلَّمَ قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ فَقَدَّمَ الْمُؤَخَّرَ وَأَخَّرَ الْمُقَدَّمَ فَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَا فَعَلَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةً أَوْ آيَاتٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَيَلْزَمُهُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ سَاهِيًا لَمْ يُعْتَدَّ بِالْمُؤَخَّرِ وَيَبْنِي عَلَى الْمُرَتَّبِ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَطُولَ الْفَصْلُ فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَ يَعْتَبِرُ التَّرْتِيبَ مبطلا للمعني تبطل صلاته كما إذا تعمد كما قالوا إذا تعمد تغيبر التَّشَهُّدِ تَغْيِيرًا يُبْطِلُ الْمَعْنَى فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَبْطُلُ.
وَأَمَّا الْمُوَالَاةُ فَمَعْنَاهَا أَنْ يَصِلَ الْكَلِمَاتِ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ وَلَا يَفْصِلَ إلَّا بِقَدْرِ التَّنَفُّسِ فَإِنْ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ فَلَهُ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ يَكُونَ عَامِدًا فَيُنْظَرُ إنْ سَكَتَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ طَوِيلًا بِحَيْثُ أَشْعَرَ بِقَطْعِهِ الْقِرَاءَةَ أَوْ إعْرَاضِهِ عَنْهَا مُخْتَارًا أَوْ لِعَائِقٍ بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى إمَامُ الحرمين والغزالي عن العرقيين أنه لا تبطل قراءة وليس بشئ وَالْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وُجُوبُ الِاسْتِئْنَافِ وَإِنْ قَصُرَتْ مُدَّةُ السُّكُوتِ لَمْ يُؤَثِّرْ بِلَا خِلَافٍ
وَإِنْ نَوَى قَطْعَ الْقِرَاءَةِ وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: قَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ حَدِيثُ نَفْسٍ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ وَإِنْ نَوَى قَطْعَهَا وَسَكَتَ طَوِيلًا بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ سَكَتَ يَسِيرًا بَطَلَتْ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ المشهور وبه الْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ الْفَرْدَةَ لَا تُؤَثِّرُ وَكَذَا السُّكُوتُ الْيَسِيرُ وَكَذَا إذَا اجْتَمَعَا وَإِنْ أَتَى فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ بِتَسْبِيحٍ أَوْ تَهْلِيلٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَذْكَارِ أَوْ قَرَأَ آيَةً مِنْ غَيْرِهَا عَمْدًا بَطَلَتْ قِرَاءَتُهُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَثُرَ ذَلِكَ أَوْ قَلَّ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِقِرَاءَتِهَا هَذَا فِيمَا لَا يُؤْمَرُ بِهِ الْمُصَلِّي فَأَمَّا مَا أُمِرَ بِهِ إلَيْهِ كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ لِتَأْمِينِ إمَامِهِ وَسُجُودِهِ لِتِلَاوَتِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نذكره قريبان إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُخِلَّ بِالْمُوَالَاةِ نَاسِيًا فَالصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ قِرَاءَتُهُ بَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ سَوَاءٌ كَانَ أَخَلَّ بِالْمُوَالَاةِ بِسُكُوتٍ أَمْ بِقِرَاءَةِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي أَثْنَائِهَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْأُمِّ لِأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ فِي
النِّسْيَانِ وَقَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ كُلَّهَا وَسَوَاءٌ قُلْنَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ الْفَاتِحَةِ نَاسِيًا أَمْ لَا وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إلَى انْقِطَاعِ الْمُوَالَاةِ بِالنِّسْيَانِ إذَا قُلْنَا لَا تَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ أُعْيِيَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَسَكَتَ للاعياء بَنَى عَلَى قِرَاءَتِهِ حِينَ أَمْكَنَهُ صَحَّتْ قِرَاءَتُهُ نص عليه في الامام لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجِبُ أَنْ يَقْرَأَهَا مُرَتَّبًا فَهُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا وَقَوْلُهُ فَإِنْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ مُرَادُهُ بِهِ تَفْسِيرَ التَّرْتِيبِ وَالتَّفْرِيعَ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ فِي هَذَا تَرْكُ تَرْتِيبٍ وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ أَنَّ الْمُوَالَاةَ وَاجِبَةٌ كَالتَّرْتِيبِ فَبَيَّنَّ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ عَمْدًا لَا تُجْزِيهِ الْقِرَاءَةُ وَاسْتَغْنَى بِهِ عن قوله ويجب الْمُوَالَاةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ أَوْ آيَةً مِنْهَا كَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ ذَلِكَ لِتَشَكُّكِهِ فِي أَنَّ الْكَلِمَةَ قَرَأَهَا جَيِّدًا كَمَا يَنْبَغِي أَمْ لَا لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ كَرَّرَ كَلِمَةً مِنْهَا بِلَا سَبَبٍ كَانَ شَيْخِي يَتَرَدَّدُ فِي إلْحَاقِهِ بِمَا لَوْ أَدْرَجَ فِي اثناء الفاتحة ذكر آخَرَ قَالَ الْإِمَامُ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ مُوَالَاتُهُ بِتَكْرِيرِ كَلِمَةٍ مِنْهَا كَيْفَ كَانَ: هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَدْ جَزَمَ شَيْخُهُ وَهُوَ وَالِدُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةِ
بِأَنَّهُ لَا تَنْقَطِعُ قِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ كَرَّرَهَا لِلشَّكِّ أَوْ لِلتَّفَكُّرِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إنْ كَرَّرَ آيَةً لَمْ تَنْقَطِعْ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ قَرَأَ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ شَكَّ هَلْ أَتَى بِالْبَسْمَلَةِ فَأَتَمَّهَا ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ أَتَى بِهَا يَجِبُ أَنْ يُعِيدَ مَا قَرَأَ بَعْدَ الشَّكِّ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْخِلْ فِيهَا غَيْرَهَا.
وَقَالَ ابن سريج يجب استئناف الفاتحة وقال التمولي إنْ كَرَّرَ الْآيَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ وَإِنْ أَعَادَ بَعْضَ الْآيَاتِ الَّتِي فرع منها بأن وصل إلى (أنعمت عليهم) ثم قرأ (مالك يوم الدين) فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْقِرَاءَةِ مِنْ (مَالِكِ يَوْمِ الدين) أَجْزَأَتْهُ قِرَاءَتُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى (مَالِكِ يَوْمِ الدين) ثن عَادَ فَقَرَأَ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) لم تصح قرأته وَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي التلاوة وهذا كَانَ عَامِدًا فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَنْقَطِعْ قِرَاءَتُهُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَكَذَا لَا تَبْطُلُ قِرَاءَتُهُ هُنَا وَأَمَّا صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ إنْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ أَوَّلَ آيَةً أَوْ آخِرَهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنَّهُ كَمَا لَوْ قَرَأَ فِي خِلَالِهَا غَيْرَهَا فَإِنَّهُ لو تعمده بطلت قراءته وان سهى بهى وَكَأَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ لَمْ يَقِفْ عَلَى النَّقْلِ الَّذِي حَكَيْتُهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَلِهَذَا قَالَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ وَهَذِهِ عَادَتُهُ فِيمَا لَمْ يَرَ فيه نقلا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فإن قرأ الامام الفاتحة فأمن والمأموم في أثناء الفاتحة فأمن بتأمينه ففيه وجهان (قال) الشيخ
أبو حامد الاسفراينى تنقطع القراءة كما لو قطعها بقراءة غيرها (وقال شيخنا) القاضى أبو الطيب لا تنقطع لان ذلك مأمور به فلا تنقطع القراءة كسؤال في آية الرحمة والاستعاذة من النار في آية العذاب فيما يقرأ في صلاته منفردا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَتَى فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ بِمَا نُدِبَ إلَيْهِ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا كَتَأْمِينِ الْمَأْمُومِ وَسُجُودِهِ مَعَهُ لِتِلَاوَتِهِ وَفَتْحِهِ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةَ وَسُؤَالِهِ الرَّحْمَةَ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهَا وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ الْعَذَابِ عِنْدَ قِرَاءَةِ آيَتِهِ ونحو ذلك فهل مُوَالَاةُ الْفَاتِحَةِ (فِيهِ وَجْهَانِ) مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تنقطع بَلْ يُبْنَى عَلَيْهَا وَتَجْزِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَأَبُو الْحَسَنِ
الْوَاحِدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ الْبَسِيطِ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ والشاشي والرافعي وغيرهم (الثاني) تَنْقَطِعُ فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَطَّرِدُ الْوَجْهَانِ فِي كُلِّ مَنْدُوبٍ فَلَوْ أَجَابَ الْمُؤَذِّنَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ فَتَحَ الْقِرَاءَةَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ أَوْ سَبَّحَ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ أَوْ نَحْوَهُ انْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَصْحَابُ قَالُوا وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي ذِكْرٍ مُتَعَلِّقٍ بِالصَّلَاةِ لِمُصَلِّيهَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ السُّؤَالَ فِي آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ لَا يقطع الموالاة وجها واحدا أو لا يَجْرِي فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي التَّأْمِينِ.
وَلَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ بَلْ الْوَجْهَانِ فِي السُّؤَالِ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ لِآيَةِ الْعَذَابِ مَشْهُورَانِ صَرَّحَ بِهِمَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَآخَرُونَ لَا يُحْصَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى جَرَيَانِهِ فِي سُجُودِهِ مَعَ إمَامِهِ لِلتِّلَاوَةِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ شَيْئَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قِيَاسُهُ عَلَى السُّؤَالِ فِي آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ الْخِلَافُ كَمَا ذَكَرْنَا
(وَالثَّانِي)
إضَافَتُهُ عَدَمَ الِانْقِطَاعِ إلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَحْدَهُ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ أَوْ لَمْ يُسْبَقْ إلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْإِفْصَاحِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ بِأَزْمَانٍ وَالْعَجَبُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فِي تَعْلِيقِهِ وَقَالَ فِيهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ فِي الْإِفْصَاحِ لَا يَنْقَطِعُ (وَالثَّانِي) قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يَنْقَطِعُ فَكَانَ يَنْبَغِي لَلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ كَمَا قَالَهُ شَيْخُهُ وَالثَّانِي لَا يَنْقَطِعُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا أَبُو الطَّيِّبِ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَقَرَأَ الْإِمَامُ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) فَقَالَ الْمَأْمُومُ بَلَى تَنْقَطِعُ قِرَاءَتُهُ يَعْنِي أَنَّهُ كَسُؤَالِ الرَّحْمَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَاف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْأَحْوَطُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْفَاتِحَةَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْخِلَافَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ أَتَى بِذَلِكَ عَامِدًا عَالَمًا أَمَّا مَنْ أَتَى بِهِ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا فَلَا تَنْقَطِعُ قراءة بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ وَاضِحٌ مَفْهُومٌ مِمَّا سَبَقَ قَرِيبًا أَنَّ الْفَاتِحَةَ لَا تَنْقَطِعُ بِمَا تَخَلَّلَهَا فِي حَالَةِ النسيان قال صاحب التتمة ودليله أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِمَا تَخَلَّلَهَا نَاسِيًا أو جاهلا فكذا الفاتحة * قال المصنف رحمه الله
** (وَتَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا رَوَى رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَرَجُلٌ يُصَلِّي فَلَمَّا انصراف أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ أَعِدْ صَلَاتَكَ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَقَالَ عَلِّمْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ إلَى أَنْ قال ثم ثُمَّ اصْنَعْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ذَلِكَ وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ فَوَجَبَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ مع القدرة كالركعة الاولى)
*
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ رِفَاعَةَ هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِبَعْضِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمْ قَوْلُهُ فِي الْمُهَذَّبِ " ثُمَّ اقْرَأْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ " بَلْ فِيهَا " فَاقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَك مِنْ الْقُرْآنِ " وَلَيْسَ فِي أَكْثَرِهَا " ثُمَّ اصْنَعْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ فَدَخَلَ رَجُلٌ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فصل فإنك لم تُصَلِّ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّك لَمْ تُصَلِّ ثَلَاثًا فَقَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أُحْسِنُ غَيْرَهُ فَعَلِّمْنِي فَقَالَ إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ ثُمَّ اقْرَأْ مَا تسير مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا افْعَلْ ذَلِكَ
فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا قُمْتَ إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ " وَذَكَرَ تَمَامَهُ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ الْمُتَّفَقُ عَلَى صِحَّتِهِ فِي الدَّلَالَةِ وَفِيهِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ فَائِدَةً قَدْ جَمَعْتُهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ إلَّا رَكْعَةَ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَتَصِحُّ لَهُ الرَّكْعَةُ وَهَلْ يُقَالُ يَحْمِلُهَا عَنْهُ الْإِمَامُ أَمْ لَمْ تَجِبْ أَصْلًا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَحْمِلُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ (1) لَمْ تُحْسَبَ هَذِهِ الرَّكْعَةُ لِلْمَأْمُومِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقِرَاءَةِ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ: قَدْ ذكرنا ان مذهبا وُجُوبُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا عَنْ عَلِيٍّ وَجَابِرٍ رضي الله عنهما وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَوْنٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ مَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
تَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ وَأَمَّا الْأُخْرَيَانِ فَلَا تَجِبُ فِيهِمَا قِرَاءَةٌ بَلْ إنْ شَاءَ قَرَأَ وَإِنْ شَاءَ سَبَّحَ وَإِنْ شَاءَ سَكَتَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَبَعْضُ أَصْحَابِ دَاوُد لَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ إلَّا فِي رَكْعَةٍ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ إنْ قَرَأَ فِي أَكْثَرِ الرَّكَعَاتِ أَجْزَأَهُ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ إنْ قَرَأَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ أَوْ الرُّبَاعِيَّةِ فَقَطْ لَمْ يُجْزِهِ وَعَنْ مَالِكٍ إنْ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ مِنْ الصُّبْحِ لَمْ تُجْزِهِ وَإِنْ تَرَكَهَا فِي رَكْعَةٍ مِنْ غَيْرِهَا أَجُزْأَهُ وَاحْتُجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْ قِرَاءَةً فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فاقرءوا ما تيسر منه) وبحديث عبد الله بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ قَالَ " دَخَلْنَا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْنَا لِشَابٍّ سَلْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ لَا لَا فَقِيلَ لَهُ لَعَلَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي نَفْسِهِ فقال خمشى هَذِهِ شَرٌّ مِنْ الْأُولَى كَانَ عَبْدًا مَأْمُورًا بَلَّغَ مَا أُرْسِلَ بِهِ وَمَا اخْتَصَّنَا دُونَ الناس بشئ إلا بثلات خِصَالٍ أَمَرَنَا أَنْ نُسْبِغَ الْوُضُوءَ وَأَنْ لَا نَأْكُلَ الصَّدَقَةَ وَأَنْ لَا نُنْزِيَ الْحِمَارَ عَلَى الْفَرَسِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَوْلُهُ خمشا هو بالخاء والشين والمعجمتين أي خمش
(1) كذا بالاصل وفيها سقط فحرره
الله وجهه وجلده خشما كقوهم عَقْرَى حَلْقَى.
وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " لَا أَدْرِي أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَمْ لَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالُوا وَهَذَا لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ وَبِحَدِيثِ ابى هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ إلَّا بِقُرْآنٍ وَلَوْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه نه قَرَأَ فِي الْأُولَيَيْنِ وَسَبَّحَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ فِي حَدِيثِ " المسئ صلاته " وقوله النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " وَفِي رِوَايَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " وَبِحَدِيثِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الركعتين
الاوليين بفاتحة الكتاب وسورتين وسمعنا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَصْلُهُ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لَكِنَّ قَوْلَهُ " يَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " انْفَرَدَ بِهِ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ قِرَاءَةِ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ " وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا بأشياء لا حاجة إليها مع ما ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَهُوَ أَنَّهَا وَرَدَتْ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ: وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَفَى وَغَيْرُهُ أَثْبَتَ وَالْمُثْبِتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي وَكَيْفَ وَهُمْ أَكْثَرُ مِنْهُ وَأَكْبَرُ سِنًّا وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاسيما أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ فَتَعَيَّنَ تَقْدِيمُ أَحَادِيثِهِمْ عَلَى حَدِيثِهِ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ تُبَيِّنُ أَنَّ نَفْيَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّخْمِينِ وَالظَّنِّ لَا عَنْ تَحْقِيقٍ فَلَا يُعَارِضُ الْأَكْثَرِينَ الْجَازِمِينَ بِإِثْبَاتِ الْقِرَاءَةِ وَعَنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ أَنَّ الْمُرَادَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَحَادِيثِ.
وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ جَوَابَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ ضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُ تَضْعِيفِهِ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْمُرَادَ الْفَاتِحَةُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ: وَعَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ وَهُوَ كَذَّابٌ مشهور بالضعف عند
الحافظ.
وقد روى عنه عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ خِلَافَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ فِي الْحَدِيثِ " بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ " قَالَ الْجَوْهَرِيُّ أَصْلُ بَيْنَا بَيْنَ فَأُشْبِعَتْ الْفَتْحَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا قَالَ وَبَيْنَمَا بِمَعْنَاهُ زِيدَتْ فِيهِ مَا قَالَ وَتَقْدِيرُهُ بَيْنَ أَوْقَاتِ جُلُوسِهِ جَرَى كَذَا وَكَذَا.
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ.
وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ فَوَجَبَ فِيهَا الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى وَهُوَ قَوْلُهُ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ احْتِرَازٌ مِنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَقَوْلُهُ مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَفِي هَذَا الْقِيَاسِ رَدٌّ عَلَى جَمِيعِ المخالفين في المسألة: وأما رفاعة ابن رَافِعٍ رَاوِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَهُوَ أَبُو مُعَاذٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ
عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الْأَنْصَارِيُّ الزُّرَقِيُّ شَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ أَبُوهُ صَحَابِيًّا نَقِيبًا تُوُفِّيَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلِ الِاعْتِدَالِ وَقَالَ فِيهِ رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ نِسْبَةً الي جده وهو صحيح
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وهل تجب على المأموم ينظر فيه فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُسِرُّ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يَجْهَرُ فِيهَا فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَجِبُ لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ إنِّي لَأَرَاكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إمَامِكُمْ قُلْنَا وَاَللَّهِ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ هَذَا قَالَ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَقْرَأُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةٍ جَهَرَ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ هَلْ قَرَأَ مَعِي أَحَدٌ مِنْكُمْ فَقَالَ رَجُلٌ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قال اني اقول مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَهَرَ فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَوَاتِ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَانِ الْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُمَا حَدِيثَانِ حَسَنَانِ وَصَحَّحَ الْبَيْهَقِيُّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ وَضَعَّفَ الثَّانِيَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ تَفَرَّدَ بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ أُكَيْمَةَ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْكَافِ - وَهُوَ مَجْهُولٌ قَالَ وَقَوْلُهُ فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَهَرَ فِيهِ هو مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ ابْنِ أُكَيْمَةَ قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَاسْتَدَلُّوا بِرِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ حِينَ مَيَّزَهُ مِنْ الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَوْلُهُ أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَفْعَلُ هَذَا هُوَ بتشديد الذال وتنوينها كهذا ضبطناه وهكذا
ضبطه البخاري في معالم السنين وكذا ظبطناه في سنن أبى داود والدارقطني والبيهقي وغيرها وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيّ " نَهُذُّهُ هَذًّا "" أَوْ نَدْرُسُهُ درسا " قال الخطابى وغيره: الهذا السُّرْعَةُ وَشِدَّةُ الِاسْتِعْجَالِ فِي الْقِرَاءَةِ هَذَا هُوَ المشهور: قال الخطايى وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْهَذِّ هُنَا الْجَهْرُ وَتَقْدِيرُهُ يَهُذُّ
هَذًّا وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَهُ وَضَبْطَهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ (وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ الْقِرَاءَةُ مَعَ الْقُدْرَةِ كَالْإِمَامِ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ قِيَامُ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْمَسْبُوقِ وَبِقَوْلِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَمَّنْ لَا يُحْسِنُ الْقِرَاءَةَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَلَى الْمَسْبُوقِ فِيمَا يُدْرِكُهُ مَعَ الْإِمَامِ بِلَا خِلَافٍ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمْلَاءَ مِنْ الْجَدِيدِ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَبَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ من الجديد وحكي الرافعي وجها أنها لا تجب عليه فِي السِّرِّيَّةِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِاَلَّتِي يُشْرَعُ فِيهَا الْجَهْرُ فَأَمَّا ثَالِثَةُ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَرَابِعَةُ الْعِشَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْجَهْرِيَّةِ بِأَنْ كَانَ أَصَمَّ أَوْ بَعِيدًا مِنْ (الْإِمَامِ لَا يَسْمَعُ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ فَفِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَصَحُّهُمَا تَجِبُ لِأَنَّهَا فِي حَقِّهِ كَالسِّرِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
لَا تَجِبُ لِأَنَّهَا جَهْرِيَّةٌ وَلَوْ جَهَرَ الْإِمَامُ فِي السِّرِّيَّةِ أَوْ أَسَرَّ فِي الْجَهْرِيَّةِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِفِعْلِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) بِصِفَةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ وَإِذَا لَمْ يَقْرَأْ الْمَأْمُومُ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ لَهُ التَّعَوُّذُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) لَا إذْ لَا قراءة (الثاني) نَعَمْ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ سِرِّيٌّ وَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ فِي الْجَهْرِيَّةِ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَجْهَرَ بِحَيْثُ يُؤْذِي جَارَهُ بَلْ يُسِرُّ بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لَوْ كَانَ سَمِيعًا وَلَا شَاغِلَ مِنْ لغط وغيره لان هذا اذنى القراءة المجزئة كما سنوضحه إن شاء تَعَالَى فِي مَسَائِلِ الْفَرْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ لَهَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي هَذِهِ السَّكْتَةِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ " اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَى آخِرِهِ "(قُلْت) وَمُخْتَارُ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ سِرًّا وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ لَيْسَ فِيهَا سُكُوتٌ حَقِيقِيٌّ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى قِرَاءَتِهِ فِي انْتِظَارِهِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَا تَمْنَعُ تَسْمِيَتُهُ سُكُوتًا مَعَ الذِّكْرِ فِيهِ كَمَا فِي السَّكْتَةِ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَلِأَنَّهُ سُكُوتٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْجَهْرِ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَدَلِيلُ هَذِهِ السَّكْتَةِ حَدِيثُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ وَعِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ تَذَاكَرَا فَحَدَّثَ سَمُرَةُ أَنَّهُ " حَفِظَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكْتَتَيْنِ سَكْتَةً
إذَا كَبَّرَ وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين) فَحَفِظَ ذَلِكَ سَمُرَةُ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ عِمْرَانُ وَكَتَبَا فِي ذَلِكَ إلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهم فَكَانَ فِي كِتَابِهِ إلَيْهِمَا أَنَّ سَمُرَةَ قَدْ حَفِظَ "
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهَةِ رَفْعِ الْمَأْمُومِ صَوْتَهُ حَدِيثٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ سَنَذْكُرُهُ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ مِنْ الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ والجهرية وهذا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ هِيَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالتَّابِعِينَ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ مَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ والشافعي واحمد واسحق وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ لَا قِرَاءَةَ عَلَى الْمَأْمُومِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدُ وإسحق لَا يَقْرَأُ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَتَجِبُ الْقِرَاءَةُ فِي السِّرِّيَّةِ وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وغيره من أصحاب (1) تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بجب عَلَى الْمَأْمُومِ وَكَانَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ لَا تَقْرَأُ وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَهُمْ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ فَذَكَرَ الْمَذَاهِبَ الَّتِي حَكَاهَا ابْنُ الْمُنْذِرُ وَحَكَى الْإِيجَابَ مُطْلَقًا عَنْ مَكْحُولٍ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الْإِمَامِ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَلَمْ يَسْكُتْ لَمْ يَقْرَأْ وَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً اُسْتُحِبَّتْ الْفَاتِحَةُ وَسُورَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطيب والعبد رى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ مَعْصِيَةٌ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ الْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ أَصَحُّ الْأَقْوَالِ عَلَى السُّنَّةِ وَأَحْوَطُهَا ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ فِيهِ ثُمَّ رَوَاهُ بِأَسَانِيدِهِ الْمُتَعَدِّدَةِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ الله بن مسعود وابى بن كعب ومعا ذبن جبل وابن عمر وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَهِشَامِ بْنِ عَامِرٍ وَعِمْرَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم قَالَ وَرَوَيْنَاهُ
عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ فَرَوَاهُ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ومكحول والشعبى وسعيد بن اجبير والحسن البصري رحمهم الله
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ لَا يَقْرَأُ مُطْلَقًا بِحَدِيثٍ يَرْوِيهِ مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَنْبَسَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
(1) بياض بالاصل
مِثْلُهُ وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَرَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ مَنْ الَّذِي يُخَالِجُنِي سُورَتِي " فَنَهَى عَنْ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ " سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفِي كُلِّ صَلَاةٍ قِرَاءَةٌ فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ وَجَبَتْ هَذِهِ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكُنْتُ أَقْرَبَ الْقَوْمِ إلَيْهِ مَا أَرَى الْإِمَامَ إذَا أَمَّ الْقَوْمَ إلَّا قَدْ كَفَاهُمْ " وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ " وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ " مَنْ قَرَأَ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ " قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ " الْإِمَامُ ضَامِنٌ " وَلَيْسَ يَضْمَنُ إلَّا الْقِرَاءَةَ عَنْ الْمَأْمُومِ قَالُوا وَلِأَنَّهَا قِرَاءَةٌ فَسَقَطَتْ عَنْ الْمَأْمُومِ كَالسُّورَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ وَكَرَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَهَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ مُصَلٍّ وَلَمْ يَثْبُتْ تَخْصِيصُهُ بِغَيْرِ الْمَأْمُومِ بِمُخَصَّصٍ صَرِيحٍ فَبَقِيَ عَلَى عُمُومِهِ وَبِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ وَرَاءَ إمَامِكُمْ قُلْنَا نَعَمْ هَذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لا تفعلوا لا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ إسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الْحَدِيثُ من رواية محمد بن اسحق ابن سيار عن مكحول ومحمد بن اسحق مُدَلِّسٌ وَالْمُدَلِّسُ إذَا قَالَ فِي رِوَايَتِهِ (عَنْ) لَا يحتج به عند جميح الْمُحَدِّثِينَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيَّ رَوَيَاهُ بِإِسْنَادِهِمَا عن ابي اسحق قَالَ حَدَّثَنِي مَكْحُولٌ
بِهَذَا فَذَكَرَهُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي إسْنَادِهِ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا رَوَى حَدِيثَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ قَالَ فِي إحْدَاهُمَا (عَنْ) وَفِي الْأُخْرَى (حَدَّثَنِي أَوْ أَخْبَرَنِي) كَانَ الطَّرِيقَانِ صَحِيحَيْنِ وَحُكِمَ بِاتِّصَالِ الْحَدِيثِ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ هنا رواه أَبُو دَاوُد مِنْ طُرُقٍ وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي بَعْضِهَا " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْضَ الصَّلَاةِ الَّتِي يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ إذَا جَهَرْتُ بِالْقِرَاءَةِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَقِبَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عَنْ عبادة عن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَهُ شَوَاهِدُ ثُمَّ رَوَى أَحَادِيثَ شَوَاهِدَ لَهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِدَاجٌ فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّا نَكُونُ وَرَاءَ الْإِمَامِ فَقَالَ اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ " إلَى آخِرِ حَدِيثِ
قَسَمْتُ الصَّلَاةَ وَهُوَ صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْيِينِ الْفَاتِحَةِ وَأَطْنَبَ أَصْحَابُنَا فِي الِاسْتِدْلَالِ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ بِإِسْقَاطِ الْقِرَاءَةِ بِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا شئ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَبَعْضُهَا مَوْقُوفٌ وَبَعْضُهَا مُرْسَلٌ وَبَعْضُهَا فِي رُوَاتِهِ ضَعِيفٌ أَوْ ضُعَفَاءُ وَقَدْ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله عِلَلَ جَمِيعِهَا وَأَوْضَحَ تَضْعِيفَهَا وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ لَوْ صَحَّ بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَسْبُوقِ أَوْ عَلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَالْجَوَابُ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّهَا سُنَّةٌ فَتُرِكَتْ لِاسْتِمَاعِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ وَعَنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهَا سَقَطَتْ تَخْفِيفًا عَنْهُ لِعُمُومِ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ هَذَا عِنْدَنَا فِي الْقِرَاءَةِ الَّتِي تُسْمَعُ خَاصَّةً وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيَّنَ لَنَا سُنَنَنَا وَعَلَّمَنَا صَلَاتَنَا فَقَالَ أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَحَدُكُمْ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فَقِيلَ لِمُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا فَقَالَ هُوَ عِنْدِي صَحِيحٌ فَقِيلَ لم لم تضعه ههنا فقال ليس كل
شئ عندي صحيح وضعته ههنا انما وضعت ههنا ما اجمعوا عليه وبحديث بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ " مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ: فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ " إلَى آخِرِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْمَانِعِينَ مُطْلَقًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْكُتَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَذَكَرْنَا دَلِيلَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَرِيبًا وَحِينَئِذٍ لَا يَمْنَعُهُ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ (الثَّانِي) أَنَّ القراءة التي يؤمر بالانصاف لَهَا فِي السُّورَةِ وَكَذَا الْفَاتِحَةُ إذَا سَكَتَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا وَهَذَا إذَا سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ حَيْثُ قُرِئَ الْقُرْآنُ وَهُوَ الَّذِي أَعْتَقِدُ رُجْحَانَهُ وَإِلَّا فَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْخُطْبَةِ وَسُمِّيَتْ قُرْآنًا لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهِ وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمَا قَالَا كَانَ النَّاسُ يَتَكَلَّمُونَ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا " فَمِنْ أَوْجُهٍ (مِنْهَا) الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرْنَاهُمَا فِي جَوَابِ الْآيَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ
الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً عَنْ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي سننه هذه اللفظة ليست بمحفوظة روى البيهقى عن الحافظ ابي علي النيسابوى أَنَّهُ قَالَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَخَالَفَ التَّيْمِيُّ جَمِيعَ أَصْحَابِ قَتَادَةَ فِي زِيَادَتِهِ هَذِهِ اللَّفْظَةَ ثُمَّ رَوَى عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ وابى حاتم الدارى أَنَّهُمَا قَالَا لَيْسَتْ مَحْفُوظَةً قَالَ يَحْيَى بْنُ معين ليست هي بشئ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ طُرُقَهَا وَعِلَلَهَا كُلَّهَا: وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مالي أُنَازَعُ الْقُرْآنَ " إلَى آخِرِهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا مِنْ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ (الْوَجْهَيْنِ) السَّابِقِينَ فِي جَوَابِ الْآيَةِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ابْنَ أُكَيْمَةَ مَجْهُولٌ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ابْنَ أُكَيْمَةَ مَجْهُولٌ لَمْ يُحَدِّثْ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَمْ يُحَدِّثْ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَ الزُّهْرِيِّ مِنْ مَعْرِفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ أُرَاهُ يحدث سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ ثُمَّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ أُكَيْمَةَ هَذَا حَدِيثُ رَجُلٍ لَمْ يَرْوِهِ عَنْهُ غَيْرُ الزُّهْرِيِّ فَقَطْ وَلِأَنَّ الْحُفَّاظَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ " فَانْتَهَى النَّاسُ عَنْ الْقِرَاءَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا جَهَرَ فِيهِ " لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ بَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ الزُّهْرِيِّ مُدْرَجَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَهُمْ قَالَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ
وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَإِمَامُ أَهْلِ نَيْسَابُورَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْخَطَّابِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بن لحينة نحو رواية بن أُكَيْمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَوَى عَنْ الْحَافِظِ يَعْقُوبَ بْنِ سُفْيَانَ قَالَ هَذَا خَطَأٌ لا شك فيه وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَمَّنَ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُؤَمِّنُ وَقَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَإِنْ كَانَ إمَامًا أَمَّنَ وَأَمَّنَ الْمَأْمُومُ لما روى أبو هريرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فأمنوا فان الملائكة يؤمن بِتَأْمِينِهِ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ يُجْهَرُ فِيهَا جَهَرَ الْإِمَامُ لِقَوْلِهِ صلي الله عليه وسلم " إذ أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا " وَلَوْ لَمْ يَجْهَرْ بِهِ لَمَا عُلِّقَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْفَاتِحَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهَا فِي الْجَهْرِ كَالسُّورَةِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ قَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجْهَرُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ يَجْهَرُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجْهَرُ لِمَا روى عطاء بن الزُّبَيْرِ " كَانَ يُؤَمِّنُ وَيُؤَمِّنُونَ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً "(وَالثَّانِي) لَا يَجْهَرُ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجْهَرُ بِهِ الْمَأْمُومُ كَالتَّكْبِيرَاتِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْمَسْجِدُ صَغِيرًا يَبْلُغُهُمْ تَأْمِينُ الْإِمَامِ لَا يَجْهَرُ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَهْرِ بِهِ وَإِنْ كَانَ كبيرا جهر لانه يحتاج الي الجهر لِلْإِبْلَاغِ وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ وَجَهَرَ
به ليسمع الامام فيأتي به)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الَّذِي أَخْتَارُهُ أُقَدِّمُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي التَّأْمِينِ فَيَحْصُلُ مِنْهَا بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِيمَا تذكره مِنْ الْأَحْكَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمِنْ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا امن الامام فأمنوا فلانه مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ قَالَتْ الْمَلَائِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَإِنْ وَافَقَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ مُسْلِمٍ " إذَا قَالَ الْقَارِئُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ولا الضالين فَقَالَ مَنْ خَلْفَهُ آمِينَ فَوَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ أَهْلِ السَّمَاءِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَمَّنَ الْقَارِئُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ وَائِلِ ابن حُجُرٍ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ غَيْرِ المغضوب عليهم ولا الضالين فقال آمين مد بها صوته " رواه ابودواد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " رَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ " وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ كُلُّ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ إلَّا مُحَمَّدَ بْنَ كَثِيرٍ الْعَبْدَيَّ جَرَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَوَثَّقَهُ غَيْرُهُ وَقَدْ رَوَى له البخاري وناهك بِهِ شَرَفًا وَتَوْثِيقًا لَهُ وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثوري عن سلمة بن كهيل عن حجر ابن عَنْبَسٍ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ عن سلمة بن كهيل فَاخْتَلَفَ عَلَيْهِ فِيهِ فَرَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الْوَلِيدِ الطيالسي كذلك ورواه عنه أبو داود الطالسي وَقَالَ فِيهِ " قَالَ آمِينَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ " وَرَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ عَنْ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِهِ " قَالُوا يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ " قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ أَخْطَأَ شُعْبَةُ إنَّمَا هُوَ جَهَرَ بِهَا وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ سُفْيَانَ أَصَحُّ فِي هَذَا مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ قَالَ وَأَخْطَأَ فِيهِ شُعْبَةُ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا
فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ أُمِّ الْقُرْآنِ رَفَعَ صَوْتَهُ فَقَالَ آمِينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيِّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَقَالَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي رواية ابي داود " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا تَلَا غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ قَالَ آمِينَ حَتَّى يَسْمَعَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ الصَّفِّ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَزَادَ فَيَرْتَجُّ بِهَا الْمَسْجِدُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا حكم بن خَالِدٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ كُنْتُ أَسْمَعُ الْأَئِمَّةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ وَمَنْ بَعْدَهُ يَقُولُونَ آمِينَ وَمَنْ خَلْفَهُمْ آمِينَ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ هَذَا الاثر عن ابن الزبير تعليقا فقال قال عطاء ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنْ وَرَاءَهُ
حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ تَعْلِيقَ الْبُخَارِيِّ إذَا كَانَ بِصِيغَةِ جَزْمٍ مِثْلَ هَذَا كَانَ صَحِيحًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ غَيْرِهِ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَادِيثِ الْفَصْلِ.
وَأَمَّا لُغَاتُهُ فَفِي آمِينَ لُغَتَانِ مشهورتان (أفصحهما) وأشهرهما وأجودهما عند العلماء آمى بِالْمَدِّ بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَبِهِ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ (وَالثَّانِيَةُ) أَمِينَ بِالْقَصْرِ وَبِتَخْفِيفِ الْمِيمِ حَكَاهَا ثَعْلَبٌ وَآخَرُونَ وَأَنْكَرَهَا جَمَاعَةٌ عَلَى ثَعْلَبٍ وَقَالُوا الْمَعْرُوفُ الْمَدُّ وَإِنَّمَا جَاءَتْ مَقْصُورَةً فِي ضَرُورَةِ الشِّعْرِ وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ الشِّعْرَ الَّذِي جَاءَ فِيهَا فَاسِدٌ مِنْ ضَرُورِيَّةِ الْقَصْرِ وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ لُغَةً ثَالِثَةً آمِينَ بِالْمَدِّ وَالْإِمَالَةِ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ وحكاها عن حمزة ولكسائي وَحَكَى الْوَاحِدِيُّ آمِّينَ بِالْمَدِّ أَيْضًا وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ قَالَ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْحُسَيْنِ ابن الْفَضْلِ قَالَ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ عَنْ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ قَاصِدِينَ إلَيْكَ وَأَنْتَ الْكَرِيمُ من أل تُخَيِّبَ قَاصِدًا وَحَكَى لُغَةَ الشَّدِّ أَيْضًا الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهِيَ شَاذَّةٌ مُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ وَنَصَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وَسَائِرُ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّهَا مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ وَنَصَّ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا خَطَأٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يَجُوزُ تَشْدِيدُ الْمِيمِ قَالُوا وَهَذَا أَوَّلُ لَحْنٍ سُمِعَ مِنْ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْلِ الْبَلْخِيّ حِينَ دَخَلَ خُرَاسَانَ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ فَإِنْ شَدَّدَ مُتَعَمِّدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ لَا تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا تَبْطُلُ بِهِ لِقَصْدِهِ الدُّعَاءَ وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ صَاحِبِ التَّتِمَّةِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ آمِينَ مَوْضُوعَةٌ مَوْضِعَ اسْمِ الِاسْتِجَابَةِ كَمَا أَنَّ صَهٍ مَوْضُوعَةٌ لِلسُّكُوتِ قَالُوا وَحَقُّ آمِينَ الْوَقْفُ لِأَنَّهَا كَالْأَصْوَاتِ فَإِنْ حَرَّكَهَا محرك ووصلها بشئ بَعْدَهَا فَتَحَهَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ تُكْسَرْ لِثِقَلِ الْحَرَكَةِ بَعْدَ الْيَاءِ كَمَا فَتَحُوا أَيْنَ وَكَيْفَ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَاهَا (فَقَالَ) الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَالْفِقْهِ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اسْتَجِبْ (وَقِيلَ) لِيَكُنَّ كَذَلِكَ (وَقِيلَ) افْعَلْ (وَقِيلَ) لَا تُخَيِّبْ رَجَاءَنَا (وَقِيلَ) لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُكَ (وَقِيلَ) هُوَ طَابَعُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ يَدْفَعُ بِهِ عَنْهُمْ الْآفَاتِ (وَقِيلَ) هُوَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْعَرْشِ لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلَّا اللَّهُ (وَقِيلَ) هُوَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا (وَقِيلَ) غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً هِيَ بِفَتْحِ اللامين
وَتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَقَوْلُهُ " لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلْفَاتِحَةِ فَكَانَ حُكْمُهُ فِي الْجَهْرِ حُكْمَهَا "
اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ تَابِعٌ عَنْ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَقَوْلُهُ لانه ذكر مسنون في الصلاة فلا بجهر بِهِ الْمَأْمُومُ قَالَ الْقَلَعِيُّ قَوْلُهُ فِي الصَّلَاةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ قَالَ وَقَوْلُهُ مَسْنُونٌ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فَلَوْ حَذَفَهُ لَمْ تُنْتَقَضْ الْعِلَّةُ وَإِنَّمَا أَتَى بِهِ لِتَقْرِيبِ الشَّبَهِ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَقَوْلُهُ وَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ أَمَّنَ الْمَأْمُومُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ لِيَتَنَاوَلَ تَرْكَهُ عَامِدًا وَنَاسِيًا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَخْتَلِفُ بِذَلِكَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَهُ وَأَمَّا عَطَاءٌ الرَّاوِي هُنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَهُوَ عَطَاء بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَحْوَالَهُ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَأَمَّا ابْنُ الزُّبَيْرِ فَهُوَ أَبُو خُبَيْبٍ - بِضَمِّ الخاء المعجمة - ويقال له أبو بكر بن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَامّ الْقُرَشِيُّ الْأَسَدِيُّ وَأُمُّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم وَهُوَ أَوَّلُ مَوْلُودٍ وُلِدَ لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ وُلِدَ بَعْدَ عِشْرِينَ شَهْرًا مِنْ الْهِجْرَةِ وَقِيلَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مِنْهَا وكان صَوَّامًا قَوَّامًا وَصُولًا لِلرَّحِمِ فَصِيحًا شُجَاعًا وَلِيَ الْخِلَافَةَ سَبْعَ سِنِينَ وَقَتَلَهُ الْحَجَّاجُ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ رَضِيَ اله عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) التَّأْمِينُ سُنَّةٌ لِكُلِّ مُصَلٍّ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْقَائِمُ وَالْقَاعِدُ وَالْمُضْطَجِعُ وَالْمُفْتَرِضُ وَالْمُتَنَفِّلُ فِي الصَّلَاةِ السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَنُّ التَّأْمِينُ لِكُلِّ مَنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ سَوَاءٌ كَانَ فِي صَلَاةٍ أَوْ خَارِجَهَا قَالَ الْوَاحِدِيُّ لَكِنَّهُ فِي الصَّلَاةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا
(الثَّانِيَةُ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ سِرِّيَّةً أَسَرَّ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ بِالتَّأْمِينِ تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً وَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ إشَارَةٌ إلَى وَجْهٍ فِيهِ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ أَوْ الْمُصَنِّفِ بِلَا شَكٍّ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ كَالْإِمَامِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَفِي تَعْلِيقِ الْقَاضِي حُسَيْنٍ أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ لَا يَجْهَرُ وَفِي الْقَدِيمِ يَجْهَرُ وَهَذَا أَيْضًا غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ أَوْ مِنْ الْمُصَنِّفِ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ مِنْ الْجَدِيدِ يَرْفَعُ الْإِمَامُ صَوْتَهُ بِالتَّأْمِينِ وَيُسْمِعُ مَنْ خَلْفَهُ أَنْفُسَهُمْ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَرْفَعُ الْإِمَامُ بِهَا صَوْتَهُ فَإِذَا قَالَهَا قَالُوهَا وَأَسْمَعُوا أَنْفُسَهُمْ وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَجْهَرُوا فان فعلوا فلا شئ عَلَيْهِمْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ رَأَى فِيهِ نَصًّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْجَدِيدِ ثُمَّ لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ طُرُقٌ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا وَاَلَّتِي قَالَهَا الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجْهَرُ (وَالثَّانِي) يُسِرُّ قال
الماوردى هذه طريقة ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَقَلَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) يَجْهَر قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّالِثُ) إنْ كَثُرَ الْجَمْعُ وَكَبُرَ الْمَسْجِدُ جَهَرَ وَإِنْ قَلُّوا أَوْ صَغُرَ الْمَسْجِدُ أَسَرَّ (وَالرَّابِعُ) حَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجْهَرْ الْإِمَامُ جَهَرَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَالْأَصَحُّ مِنْ حَيْثُ الْحُجَّةُ أَنَّ الْإِمَامَ يَجْهَرُ بِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ وَحِينَئِذٍ تَكُونُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ عَلَى مَا سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَهَذَا الْخِلَافُ إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ أَمَّا إذَا لَمْ يُؤَمِّنْ الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ التَّأْمِينُ جَهْرًا بلا خلاف نص عليه في الأم واتفقوا عَلَيْهِ لِيَسْمَعَهُ الْإِمَامُ فَيَأْتِي بِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ تَرَكَهُ الْإِمَامُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ الْجَهْرُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْإِمَامِ لَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَهُوَ مُقْتَضَى نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ قَالَهُ مَنْ خَلْفَهُ وَأَسْمَعَهُ لَعَلَّهُ يَذْكُرُ فَيَقُولُهُ وَلَا يَتْرُكُونَهُ لِتَرْكِهِ كَمَا لَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ وَالتَّسْلِيمَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَرْكُهُ هَذَا نَصُّهُ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْمَأْمُومِ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ لَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَمَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ تَأْمِينُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمَلَائِكَةِ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى هَذَا مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَوَلَدُهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وأمن المأموم معه قالوا فان فانه التَّأْمِينُ مَعَهُ أَمَّنَ بَعْدَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ كَانَ شَيْخِي يَقُولُ لَا يُسْتَحَبُّ مُقَارَنَةُ الْإِمَامِ في شئ إلَّا فِي هَذَا قَالَ الْإِمَامُ يُمْكِنُ تَعْلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْمُقَارَنَةِ بِأَنَّ الْقَوْمَ لَا يُؤَمِّنُونَ لِتَأْمِينِهِ وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُونَ لِقِرَاءَتِهِ وَقَدْ فَرَغَتْ قِرَاءَتُهُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا "(فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْحَدِيثَ الْآخَرَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عليهم ولا الضالين
فَقُولُوا آمِينَ " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ التَّأْمِينَ فَأَمِّنُوا لِيُجْمَعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ إذَا رحل الامير فارحلوا أي إذا انهيأ للرحيل فتيؤا لِيَكُنْ رَحِيلُكُمْ مَعَهُ وَبَيَانُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ آمِينَ وَقَالَتْ الْمَلَائِكَةُ آمِينَ فَوَافَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ " فَظَاهِرُهُ الْأَمْرُ بِوُقُوعِ تَأْمِينِ الْجَمِيعِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ فَهَذَا جَمْعٌ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ ذَكَرَ مَعْنَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا يُقَالُ آمِينَ إلَّا بَعْدَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنْ لَمْ يَقُلْ لَمْ يَقْضِهِ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ التَّأْمِينَ حَتَّى اشْتَغَلَ بِغَيْرِهِ فَاتَ وَلَمْ يَعُدْ إلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إنْ تَرَكَ التَّأْمِينَ نَاسِيًا فَذَكَرَهُ قَبْلَ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَمَّنَ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الرُّكُوعِ لَمْ يُؤَمِّنْ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي الْقِرَاءَةِ فَهَلْ يُؤَمِّنُ فِيهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَسِيَ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ وَذَكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ الْأَصَحُّ لَا يُؤَمِّنُ وَقَطَعَ غَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ لَا يُؤَمِّنُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَفَرَغَ مِنْهَا قَبْلَ فَرَاغِهِ فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَمِّنَ حَتَّى يُؤَمِّنَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ ثُمَّ يُؤَمِّنُ مَرَّةً أُخْرَى بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَإِذَا أَمَّنَ الْمَأْمُومُ بِتَأْمِينِ الْإِمَامِ ثُمَّ قَرَأَ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ أَمَّنَ ثَانِيًا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ قَالَ فَلَوْ فَرَغَا مِنْ الْفَاتِحَةِ مَعًا كَفَاهُ أَنْ يُؤَمِّنَ مَرَّةً وَاحِدَةً
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ أَصْحَابُنَا أَوْ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَصِلَ لَفْظَةَ آمِينَ بِقَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ بَلْ بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ جِدًّا لِيُعْلَمَ أَنَّ آمِينَ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِلْفَصْلِ اللَّطِيفِ نَظَائِرُهَا فِي السُّنَّةِ وَغَيْرِهَا سَتَرَاهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ هَذِهِ السَّكْتَةِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَأَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ بتبع التَّأْمِينَ الْقِرَاءَةَ فَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ الْجَمَاعَةِ وَيَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَسْكُتُ طَوِيلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ فِي التَّأْمِينِ أَنْ يَقُولَ آمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ لُغَاتِهَا وَأَنَّ الْمُخْتَارَ آمِينَ بِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ
وَبِهِ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ قَالَ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تعالي كان حسنا لا تنقطع الصلاة بشئ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ وَقَوْلُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ العبد وبه في الصلاة كلها في الدين والدينا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّأْمِينِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَأَنَّ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ يَجْهَرَانِ بِهِ وَكَذَا الْمَأْمُومُ على الاصح وحكى القاضى أبو الطيب والعبد رى الجهر به لجمعهم عن طاوس واحمد واسحق وَابْنِ خُزَيْمَةَ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يُسِرُّونَ بِالتَّأْمِينِ وَكَذَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي الْمَأْمُومِ وَعَنْهُ فِي الْإِمَامِ رِوَايَتَانِ (إحْدَاهُمَا) يُسِرُّ بِهِ (وَالثَّانِيَةُ) لَا يَأْتِي بِهِ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ عِنْدَهُ وَدَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْمَسْأَلَةِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ بَلْ احْتَجَّتْ الْحَنَفِيَّةُ بِرِوَايَةِ شُعْبَةَ وَقَوْلِهِ " وَخَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ "
وَاحْتَجَّتْ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ بِآمِينَ لِلسَّامِعِ دُونَ الدَّاعِي وَآخِرُ الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ دَاعٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا غَلَطٌ بَلْ إذَا اُسْتُحِبَّ التَّأْمِينُ لِلسَّامِعِ فالداعي أولى بالاستحباب والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ الْفَاتِحَةَ وَأَحْسَنَ غَيْرَهَا قَرَأَ سَبْعَ آيَاتٍ وَهَلْ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا بِقَدْرِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُعْتَبَرُ كَمَا إذَا فَاتَهُ صَوْمُ يَوْمٍ طَوِيلٍ لَمْ يُعْتَبَرْ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ فِي يَوْمٍ بِقَدْرِ سَاعَاتِ الْأَدَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُعْتَبَرُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا اُعْتُبِرَ عَدَدُ آيِ الْفَاتِحَةِ اُعْتُبِرَ قَدْرُ حُرُوفِهَا وَيُخَالِفُ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْمِقْدَارِ فِي السَّاعَاتِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِذِكْرٍ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنه " أنه رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَحْفَظَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي فِي الصَّلَاةِ فقال قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَلِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى بَدَلٍ كَالْقِيَامِ وَفِي الذِّكْرِ وَجْهَانِ (قَالَ) أَبُو إسحق رضي الله عنه يَأْتِي مِنْ الذِّكْرِ بِقَدْرِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ أُقِيمَ مَقَامَهَا فَاعْتُبِرَ قَدْرُهَا (وَقَالَ) أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رضي الله عنه يَجِبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الرَّسُولُ
صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ كَالتَّيَمُّمِ لَا تَجِبُ الزِّيَادَةُ فِيهِ عَلَى مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَحْسَنَ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَأَحْسَنَ غَيْرَهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَقْرَأُ الْآيَةَ ثُمَّ يَقْرَأُ سِتَّ آيَاتٍ مِنْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهَا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهَا فَإِذَا كَانَ يُحْسِنُ بَعْضَهَا وَجَبَ أَنْ يَنْتَقِلَ فِيمَا لَمْ يُحْسِنْ إلَى غَيْرِهَا كَمَا لَوْ عَدِمَ بَعْضَ الْمَاءِ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ تَكْرَارُ الْآيَةِ لِأَنَّهَا أَقْرَبُ إلَيْهَا فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ قَامَ بِقَدْرِ سَبْعِ آيَاتٍ وَعَلَيْهِ أَنْ يَتَعَلَّمَ فَإِنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ وَلَمْ يَفْعَلْ وَصَلَّى لَزِمَهُ أَنْ يُعِيدَ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِرَاءَةَ مَعَ القدرة فاشبه إذا تركها وهو يحسن)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْقَدْرِ بِتَعَلُّمٍ أَوْ تَحْصِيلُ مُصْحَفٍ يَقْرَؤُهَا فِيهِ بِشِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ فَإِنْ كَانَ فِي لَيْلٍ أَوْ ظُلْمَةٍ لَزِمَهُ تَحْصِيلُ السِّرَاجِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِمْكَانِ أَثِمَ وَلَزِمَهُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَدَلِيلُنَا الْقَاعِدَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ان مالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ وَهُوَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا قَبْلَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي الْحَاوِي وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ تَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى مِنْ حِينِ أَمْكَنَهُ التَّعْلِيمُ إلَى أَنْ شَرَعَ فِي التَّعْلِيمِ فَقَطْ وَالصَّحِيحُ
الْأَوَّلُ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ عَلَيْهِ الْفَاتِحَةُ لِتَعَذُّرِ التَّعْلِيمِ لِضِيقِ الْوَقْتِ أَوْ بَلَادَتِهِ أَوْ عَدَمِ الْمُعَلِّمِ أَوْ الْمُصْحَفِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ بَلْ يَنْظُرُ إنْ أَحْسَنَ غَيْرَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ وَلَا يُجْزِيهِ دُونَ سَبْعٍ وَإِنْ كَانَتْ طِوَالًا بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَآخَرُونَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا وَلَا يَضُرُّ طُولُ الْآيَاتِ وَزِيَادَةُ حُرُوفِهَا عَلَى حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ حُرُوفِهَا فِيهِ خِلَافٌ جَعَلَهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَجْهَيْنِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ قَوْلَيْنِ وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ وَنَقَلَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَوْلَيْنِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِعَدَدِ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وهو الذى نقل المزني (والثاني) لا تجب نص عله الشافعي في باب استبقال القبلة قال تجب سبع آيات طوا لاكن أَوْ قِصَارًا وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ بِشَرْطِ
أَنْ لَا يُنْقِصَ حُرُوفَ الْآيَاتِ السَّبْعِ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنَّ كُلَّ آيَةٍ بِقَدْرِ آيَةٍ بَلْ يجزيه أَنْ يَجْعَلَ آيَتَيْنِ بَدَلَ آيَةٍ بِحَيْثُ يَكُونُ مَجْمُوعُ الْآيَاتِ لَا يَنْقُصُ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ وَالْحَرْفُ الْمُشَدَّدُ بِحَرْفَيْنِ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْبَدَلِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَهُوَ وَاضِحٌ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَنْ يَعْدِلَ حُرُوفَ كُلِّ آيَةٍ مِنْ الْبَدَلِ حُرُوفُ آيَةٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ عَلَى التَّرْتِيبِ فَيَكُونُ مِثْلَهَا أَوْ أَطْوَلَ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَضَعَّفُوهُ (وَالثَّالِثُ) يَكْفِي سَبْعُ آيَاتٍ نَاقِصَاتٍ كَمَا يَكْفِي صَوْمٌ قَصِيرٌ عَنْ طَوِيلٍ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ السَّاعَاتِ إلَّا بِمَشَقَّةٍ لَا يُسَلَّمُ بَلْ يُمْكِنُهُ ذَلِكَ بِالِاسْتِظْهَارِ بِأَطْوَلَ مِنْهُ كَمَا قُلْنَا هُنَا ثُمَّ إنْ لَمْ يُحْسِنْ سَبْعَ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةً بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ كَانَ له العدول إلى مفرقة بلا خلاف عليه نص في الام واتفقوا عليه لكن الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَوْ كَانَتْ الْآيَةُ الْفَرْدَةُ لَا تُغَيِّرُ مَعْنًى مَنْظُومًا إذَا قُرِئَتْ وَحْدَهَا كَقَوْلِهِ (ثُمَّ نَظَرَ) فَيَظْهَرُ أَنْ لَا نَأْمُرَهُ بِقِرَاءَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ ونجعله كمن لَا يُحْسِنُ قُرْآنًا أَصْلًا فَسَيَأْتِي بِالذِّكْرِ وَالْمُخْتَارُ مَا سَبَقَ عَنْ إطْلَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ سَبْعَ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَغَيْرِهِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تُجْزِيهِ الْمُتَفَرِّقَةُ بَلْ تَجِبُ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) تُجْزِيهِ الْمُتَفَرِّقَةُ مِنْ سُورَةٍ أَوْ سُوَرٍ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَمَّا إذَا كَانَ يُحْسِنُ دُونَ سَبْعِ آيَاتٍ كَآيَةٍ أَوْ آيَتَيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقْرَأُ مَا يُحْسِنُهُ ثُمَّ يَأْتِي بِالذِّكْرِ عَنْ الْبَاقِي لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَاقِي فَانْتَقَلَ إلَى بَدَلِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ تَكْرَارُ مَا يُحْسِنُهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الذِّكْرِ فَلَوْ لَمْ يُحْسِنْ إلَّا بَعْضَ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يُحْسِنْ بَدَلًا مِنْ الذِّكْرِ وَجَبَ تَكْرَارُ مَا يُحْسِنُهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَحْسَنَ آيَةً أَوْ آيَاتٍ مِنْ الْفَاتِحَةِ ولم يحسن
جميعها فان لم يحسن لباقيها بد؟ وَجَبَ تَكْرَارُ مَا أَحْسَنَهُ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَ الفاتحة بلا خلاف وان حسن لِبَاقِيهَا بَدَلًا فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَجْهَيْنِ وَكَذَا حَكَاهُمَا الْجُمْهُورُ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَخُرَاسَانَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلَيْنِ وَكَذَلِكَ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ قِرَاءَةُ مَا يُحْسِنُهُ مِنْ الفاتحة ثم يأتي ببدل الباقي لان الشئ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ أَصْلًا
وَبَدَلًا
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ تَكْرَارُ مَا يَحْفَظُهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ حَتَّى يَبْلُغَ قَدْرَهَا وَيَجْرِي الْخِلَافُ سَوَاءٌ كَانَ الْبَدَلُ الَّذِي يُحْسِنُهُ قُرْآنًا أَوْ ذِكْرًا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الذِّكْرِ إلَّا بَعْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْقُرْآنِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْأَصَحِّ إنَّهُ يَقْرَأُ مَا يُحْسِنُهُ وَيَأْتِي بِالْبَدَلِ وَجَبَ التَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ أَوَّلَ الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالْبَدَلِ وَلَا يَجُوزُ الْعَكْسُ وَإِنْ كَانَ يَحْفَظُ آخِرَهَا أَتَى بِالْبَدَلِ ثُمَّ قَرَأَ الَّذِي يَحْفَظُهُ منها فلو عكس لم يجزيه عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجِبُ هَذَا التَّرْتِيبُ بَلْ كَيْفَ أَتَى بِهِ أَجْزَأَهُ فَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وقد قال امام الحرمين اثفق أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ هَذَا التَّرْتِيبَ وَاجِبٌ وَعُلِّلَ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَاجِبٌ وَعَلَيْهِ الْبَدَلُ قَبْلَ النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ القاتحة فَلْيُقَدِّمْهُ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْبَدَلَ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي نِصْفَيْ الْفَاتِحَةِ وَكَذَا فِي نِصْفِهَا وَمَا قَامَ مَقَامَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحْوَطَ وَالْمُسْتَحَبَّ لِمَنْ يُحَفِّظُ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ أَنْ يُكَرِّرَهَا سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيَأْتِيَ مَعَ ذَلِكَ بِبَدَلِ مَا زَادَ عَلَيْهَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ وَمِمَّنْ نَبَّهَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ هَذَا حُكْمُ مَنْ يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ مَتَى أَحْسَنَ سَبْعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتْرُكَهَا وَيَنْتَقِلَ إلَى الذِّكْرِ فَإِنْ كَانَ يُحْسِنُ دُونَ سَبْعٍ فَهَلْ يُكَرِّرُهُ أَمْ يَأْتِي بِبَدَلِ الْبَاقِي فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالذِّكْرِ بَدَلَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا فِيهِ بِحَدِيثِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي لَا أَسْتَطِيعُ أَنْ آخُذَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْئًا فَعَلِّمْنِي مَا يُجْزِينِي مِنْهُ قَالَ قُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " قَالَ يَا رسول الله هذا لله فمالى قَالَ " قُلْ اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَارْزُقْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي " فَلَمَّا قَامَ قَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَّا هَذَا فَقَدْ مَلَأَ يَدَهُ مِنْ الْخَيْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَلَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَدَخَلَ رَجُلٌ يُصَلِّي فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمُقُهُ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَقَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ قَالَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَقَالَ لَهُ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَقَدْ اجْتَهَدْتُ فِي نَفْسِي فَعَلِّمْنِي وَأَرِنِي فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَدْتَ أَنْ تُصَلِّيَ فَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَكَ اللَّهُ ثُمَّ تَشَهَّدْ فَأَقِمْ ثُمَّ كَبِّرْ فَإِنْ كَانَ مَعَكَ قُرْآنٌ فاقرأ به
وَإِلَّا فَاحْمَدْ اللَّهَ وَكَبِّرْهُ وَهَلِّلْهُ ثُمَّ ارْكَعْ فَاطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ اعْتَدِلْ قَائِمًا: وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الذِّكْرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ فَتَجِبُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ الْخَمْسُ وَتَكْفِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا تَتَعَيَّنُ وَيَجِبُ مَعَهَا كَلِمَتَانِ مِنْ الذِّكْرِ لِيَصِيرَ سَبْعَةَ أَنْوَاعٍ مَقَامَ سَبْعِ آيَاتٍ وَالْمُرَادُ بِالْكَلِمَاتِ أَنْوَاعُ الذِّكْرِ لَا الْأَلْفَاظُ الْمُسْرَدَةُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَيْضًا في الدليل أنه لا يتعين شئ مِنْ الذِّكْرِ بَلْ يُجْزِيهِ جَمِيعُ الْأَذْكَارِ مِنْ التَّهْلِيلِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ وَغَيْرِهَا فَيَجِبُ سَبْعَةُ أَذْكَارٍ وَلَكِنْ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُنْقِصَ حُرُوفَ مَا أَتَى بِهِ عَنْ حُرُوفِ الْفَاتِحَةِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْبَدَلِ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يُرَاعَى هُنَا إلَّا الْحُرُوفُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَحْسَنَ قرآنا غير الفاتحة فانا نراعين الْآيَاتِ وَفِي الْحُرُوفِ خِلَافٌ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجِبُ سبعة انوع مِنْ الذِّكْرِ يُقَامُ كُلُّ نَوْعٍ مَقَامَ آيَةٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا أَقْرَبُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ بِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى وَلَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ وَأَجَابَ الْقَائِلُونَ بِالصَّحِيحِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْيُ وُجُوبِ زِيَادَةٍ مِنْ الْأَذْكَارِ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ وَجَبَ زِيَادَةٌ لَذُكِرَتْ (قيل)
يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ إلَى وَقْتِ الْحَاجَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالْقُرْآنِ حَيْثُ جَوَّزْتُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي عَلِيٍّ خمس كلمات ولم تجوزوا من الْقُرْآنَ إلَّا سَبْعَ آيَاتٍ بِالِاتِّفَاقِ (فَالْفَرْقُ) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ أَنَّ الْقُرْآنَ بَدَلٌ لِلْفَاتِحَةِ مِنْ جِنْسِهَا فَاعْتُبِرَ فِيهِ قَدْرُهَا وَالذِّكْرُ بِخِلَافِهَا فَجَازَ أَنْ يَكُونَ دُونَهُ كَالتَّيَمُّمِ عَنْ الْوُضُوءِ
*.
(فَرْعٌ)
إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ وَانْتَقَلَ إلَى الْأَذْكَارِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُجْزِيهِ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ والتبكير وَالتَّحْمِيدُ وَالْحَوْقَلَةُ وَنَحْوُهَا وَأَمَّا الدُّعَاءُ الْمَحْضُ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَلَعَلَّ الْأَشْبَهَ أَنَّ الَّذِي يَتَعَلَّقُ مِنْهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ يُجْزِيهِ دُونَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ الْإِمَامُ هُوَ الْمُرَجَّحُ رَجَّحَهُ الغزالي في البسيط
* (فرع)
شرع الذِّكْرِ الَّذِي يَأْتِي بِهِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهِ شَيْئًا آخَرَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ الْبَدَلِيَّةَ أَمْ يَكْفِيهِ الْإِتْيَانُ بِهِ بِلَا قَصْدٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ (الْأَصَحُّ) لَا يُشْتَرَطُ فَلَوْ أَتَى بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ بِالتَّعَوُّذِ وَقَصَدَ به بدل الفاتحة احزأه عنها وان قَصَدَ الِاسْتِفْتَاحَ أَوْ التَّعَوُّذَ لَمْ يُجْزِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) يُجْزِيهِ عِنْدَ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَمْ يُحْسِنْ الذِّكْرَ بِالْعَرَبِيَّةِ وَأَحْسَنَهُ بِالْعَجَمِيَّةِ أَتَى بِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي كَمَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الْعَرَبِيَّةَ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُ مَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَتَى بِبَدَلِ الْفَاتِحَةِ مِنْ قِرَاءَةٍ أَوْ ذِكْرٍ حَيْثُ يَجُوزَانِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَاسْتَمَرَّ الْعَجْزُ عَنْ الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ فَلَوْ تَمَكَّنَ مِنْ الْفَاتِحَةِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ مَا بَعْدَهُ فَقَدْ مَضَتْ رَكْعَتُهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَلَا يَجُوزُ الرُّجُوعُ إلَى الْفَاتِحَةِ وَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ كَانَ
فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ فِي الاماملي قَوْلَيْنِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْفَاتِحَةُ بِكَمَالِهَا
(وَالثَّانِي)
يَكْفِيهِ أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مَا بَقِيَ وَإِنْ تَمَكَّنَ بَعْدَ فَرَاغِ الْبَدَلِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا السَّرَخْسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ قَدَرَ الْمُكَفِّرُ بلا صوم عَلَى الرَّقَبَةِ بَعْدَ الصَّوْمِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا لَوْ تَمَكَّنَ فِي أَثْنَاءِ الْبَدَلِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّمَكُّنُ قَدْ يَكُونُ بِتَلْقِينٍ وَقَدْ يَكُونُ بِمُصْحَفٍ وَغَيْرِهِمَا
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ الذِّكْرِ وَلَا أَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِقَدْرِ الْفَاتِحَةِ سَاكِتًا ثُمَّ يَرْكَعَ وَيُجْزِيهِ صَلَاتُهُ بِلَا إعَادَةٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ وَالْقِرَاءَةِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْ
أَحَدِهِمَا أَتَى بِالْآخَرِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي هَذَا الْفَصْلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَهُوَ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الحارث وكنيته عَبْدِ اللَّهِ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو مُعَاوِيَةَ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ وَنَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ قِيلَ هُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْهُ عِنْدَ الْعَجْزِ إلَى بَدَلٍ كالقيام قوله مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَا بَدَلَ لِأَرْكَانِهِ وَقَوْلُهُ فَجَازَ أَنْ يُنْتَقَلَ لَوْ قَالَ وَجَبَ كَانَ أَصْوَبَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ كَيْفَ يصلى إذا لم يمكنه التَّعَلُّمَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ سَبْعِ آيَاتٍ غَيْرَهَا فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ الذِّكْرُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهُ وَلَا أَمْكَنَهُ وَجَبَ أَنْ يَقِفَ بِقَدْرِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُرْآنِ قَامَ سَاكِتًا وَلَا يَجِبُ الذِّكْرُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجِبُ وَلَا الْقِيَامُ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُنَا عَلَيْهِمَا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وان قرأ القرآن بالفارسية لم تجزه لان القصد من القرآن اللفظ وذلك لا يوجد في غيره)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِغَيْرِ لِسَانِ الْعَرَبِ سَوَاءٌ أَمْكَنَهُ الْعَرَبِيَّةُ أَوْ عَجَزَ عَنْهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا فَإِنْ أَتَى بِتَرْجَمَتِهِ فِي صَلَاةٍ بَدَلًا عَنْ الْقِرَاءَةِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ
أَحْسَنَ الْقِرَاءَةَ أَمْ لَا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَجُوزُ وَتَصِحُّ بِهِ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجُوزُ لِلْعَاجِزِ دُونَ الْقَادِرِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (قل الله شهي؟ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنْذِرَكُمْ به) قَالُوا وَالْعَجَمُ لَا يَعْقِلُونَ الْإِنْذَارَ إلَّا بِتَرْجَمَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ " وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رضي الله عنه أَنَّ قَوْمًا مِنْ الْفُرْسِ سَأَلُوهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ شَيْئًا مِنْ
الْقُرْآنِ فَكَتَبَ لَهُمْ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ فَقَامَتْ تَرْجَمَتُهُ مَقَامَهُ كَالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ وَقِيَاسًا عَلَى جَوَازِ تَرْجَمَةِ حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقِيَاسًا عَلَى جَوَازِ التَّسْبِيحِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ هِشَامَ بْنَ حَكِيمٍ يَقْرَأُ سُورَةً عَلَى غَيْرِ ما يقرأ عمر فلقيه بِرِدَائِهِ وَأَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَلَوْ جَازَتْ التَّرْجَمَةُ لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم اعتراضه في شئ جَائِزٍ وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِأَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ قُرْآنًا لِأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ هَذَا النَّظْمُ الْمُعْجِزُ وَبِالتَّرْجَمَةِ يَزُولُ الْإِعْجَازُ فَلَمْ يَجُزْ وَكَمَا أَنَّ الشِّعْرَ يُخْرِجُهُ تَرْجَمَتُهُ عَنْ كَوْنِهِ شِعْرًا فَكَذَا الْقُرْآنُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَهُوَ أَنَّ الْإِنْذَارَ يَحْصُلُ لِيَتِمَّ بِهِ وَإِنْ نُقِلَ إلَيْهِمْ مَعْنَاهُ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ فَسَبْعُ لغاب للعزب وَلِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَجَاوَزُ هَذِهِ السَّبْعَةَ وَهُمْ يَقُولُونَ يَجُوزُ بِكُلِّ لِسَانٍ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا تَزِيدُ عَلَى سَبْعَةٍ وَعَنْ فِعْلِ سَلْمَانَ أَنَّهُ كَتَبَ تَفْسِيرَهَا لَا حَقِيقَةَ الْفَاتِحَةِ وَعَنْ الْإِسْلَامِ أَنَّ فِي جَوَازِ تَرْجَمَتِهِ لِلْقَادِرِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ وَجْهَيْنِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَصِحُّ فَظَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَصِحُّ إسْلَامُهُ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُرَادَ مَعْرِفَةُ اعْتِقَادِهِ الْبَاطِنِ وَالْعَجَمِيَّةُ كَالْعَرَبِيَّةِ فِي تَحْصِيلِ ذَلِكَ وَعَنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ وَالتَّسْبِيحِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْقُرْآنِ الْأَحْكَامُ وَالنَّظْمُ الْمُعْجِزُ بِخِلَافِ الْحَدِيثِ والتنسبيح هَذِهِ طَرِيقَةُ أَصْحَابِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَبَسَطَهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فَقَالَ عُمْدَتُنَا أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ وَالْمُعْتَمَدُ فِي إعْجَازِهِ اللَّفْظُ قَالَ ثُمَّ تَكَلَّمَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ فِي الْمُعْجِزِ مِنْهُ فَقِيلَ الاعجار؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وَجَزَالَتِهِ وَفَصَاحَتِهِ الْمُجَاوِزَةِ لِحُدُودِ جَزَالَةِ الْعَرَبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْإِعْجَازَ فِي جَزَالَتِهِ مَعَ أُسْلُوبِهِ الْخَارِجِ عَنْ أَسَالِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَالْجَزَالَةُ وَالْأُسْلُوبُ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأَلْفَاظِ ثُمَّ مَعْنَى الْقُرْآنِ فِي حُكْمِ التَّابِعِ لِلْأَلْفَاظِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ اللَّفْظَ هُوَ الْمَقْصُودُ الْمَتْبُوعُ وَالْمَعْنَى تَابِعٌ فَنَقُولُ بَعْدَ هَذَا التَّمْهِيدِ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ قُرْآنًا بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمُحَاوَلَةُ الدَّلِيلِ لِهَذَا تَكَلُّفٌ فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَالِفُ فِي أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ بِمَعْنَى الْقُرْآنِ بِالْهِنْدِيَّةِ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَلَيْسَ مَا لَفَظَ بِهِ قُرْآنًا وَمَنْ خَالَفَ فِي هَذَا كَانَ مُرَاغِمًا جَاحِدًا وَتَفْسِيرُ شِعْرِ امْرِئِ الْقِيسِ لَيْسَ شِعْرَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ قُرْآنًا وَقَدْ سَلَّمُوا أَنْ الْجُنُبَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذِكْرُ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَالْمُحْدِثُ لَا يُمْنَعُ مِنْ حَمْلِ كِتَابٍ فِيهِ مَعْنَى الْقُرْآنِ وَتَرْجَمَتُهُ فَعُلِمَ أَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَيْسَ قُرْآنًا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْقُرْآنَ معجز
وَلَيْسَتْ التَّرْجَمَةُ مُعْجِزَةً وَالْقُرْآنُ هُوَ الَّذِي تَحَدَّى بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْعَرَبَ وَوَصَفَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِكَوْنِهِ عَرَبِيًّا وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لَيْسَتْ قُرْآنًا وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِقُرْآنٍ حَصَلَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ بِالتَّرْجَمَةِ: هَذَا كُلُّهُ مَعَ ان الصلاة بناها عَلَى التَّعَبُّدِ وَالِاتِّبَاعِ وَالنَّهْيِ عَنْ الِاخْتِرَاعِ وَطَرِيقُ الْقِيَاسِ مُنْسَدَّةٌ وَإِذَا نَظَرَ النَّاظِرُ فِي أَصْلِ الصَّلَاةِ وَأَعْدَادِهَا وَاخْتِصَاصِهَا بِأَوْقَاتِهَا وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ عَدَدِ رَكَعَاتِهَا وَإِعَادَةِ رُكُوعِهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَتَكَرُّرِ سُجُودِهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهَا وَمَدَارُهَا عَلَى الِاتِّبَاعِ وَلَمْ يُفَارِقْهَا جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا فَهَذَا يَسُدُّ بَابَ الْقِيَاسِ حَتَّى لَوْ قَالَ قَائِلٌ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ فَيَقُومُ السُّجُودُ مَقَامَ الرُّكُوعِ لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ أَبْلَغَ فِي الْخُضُوعِ.
ثُمَّ عَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ التَّرْجَمَةَ لَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى الْجُنُبِ وَيَقُولُونَ لَهَا حُكْمُهُ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى التَّعَبُّدِ وَالِاتِّبَاعِ وَيُخَالِفُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ الَّتِي قُلْنَا يَأْتِي بِهَا الْعَاجِزُ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ بِلِسَانِهِ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَعْنَى مَعَ اللَّفْظِ وَهَذَا بِخِلَافِهِ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِلُغَةٍ لِبَعْضِ الْعَرَبِ غير اللغة المقروءيها لَمْ تَصِحَّ وَلَمْ يَجُزْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ وَمَنْ اتى بالترجمة ان كان متعمدا بطلث صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ يُعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ وَلَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ للسهود كسائر الكلام ناسيا أو جاهلا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة وذلك سنة والمستحب ان يقرأ في الصبح بطوال المفصل لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قرأ فيها بالواقعة فان كان يوم الجمعة استحب ان يقرأ فيها (الم تنزيل السجدة)(وهل أتي علي الانسان) لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ ذلك ويقرأ في الاوليين في الظهر بنحو ما يقرا في الصبح لما روى أبوسيعد الخدرى رضي الله عنه قَالَ " حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ اية قدر الم تنزيل السجدة وحزرنا قيامه في الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا
قِيَامَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ من ذلك " ويقرأ في الاوليين من العصر بأوساط المفصل لما رويناه من حديث أبي سيعد رضى الله عنه ويقرأ في الاوليين من العشاء الآخرة بنحو ما يقرأ في العصر لما روى عنه عليه السلام انه قرأ في العشاء الاخرة سورة الجمعة المنافقين ويقرأ في الاوليين من المغرب بقصار المفصل لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي المغرب بقصار المفصل " فان خالف وقرأ غير ما ذكرناه جاز لما روى رجل من جهينة " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الارض ")
*
* (الشَّرْحُ)
* الَّذِي أَخْتَارُهُ أَنَّ أَقْدَمَ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فَيَحْصُلُ مِنْهَا بَيَانُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَمَا يُحْتَاجُ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَتْ الصَّلَاةُ تُقَامُ فَيَنْطَلِقُ أَحَدُنَا إلَى الْبَقِيعِ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ ثُمَّ يَأْتِي أَهْلَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَيْضًا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً - أَوْ قَالَ نصف ذلك - وفي العصر في الركعتين الأوليين فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا قَالَ " حَزَرْنَا قِيَامَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ بِقَدْرِ ثَلَاثِينَ آيَةً قَدْرَ الم تنزيل السَّجْدَةَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى قَدْرِ الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَحَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعَصْرِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر بالليل إذَا يَغْشَى وَفِي الْعَصْرِ بِنَحْوِ ذَلِكَ وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى وَفِي الصُّبْحِ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذات البروج والسماء والطارق ونحوهما من
السور " رواه أبودواود وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِنَا الظُّهْرَ فَنَسْمَعُ مِنْهُ الْآيَةَ بَعْدَ الْآيَاتِ مِنْ سُورَةِ لُقْمَانَ وَالذَّارِيَاتِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا الْمَغْرِبُ فَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِالطُّورِ فِي الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ وَهِيَ أُمُّهُ رضي الله عنهما سَمِعَتْهُ وَهُوَ يَقْرَأُ وَالْمُرْسَلاتِ عرفا فَقَالَتْ يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ لَقَدْ ذَكَّرْتَنِي بِقِرَاءَتِكَ هَذِهِ السُّورَةَ أَنَّهَا لَآخِرُ
مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَا فِي الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وعن مروان ابن الْحَكَمِ قَالَ " قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه مالك تقرأ في المغرب بقصار وقد سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِطُولَى الطُّولَيَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا قَالَ ابْنُ أَبِي مليكة طول الطوليين الاعراف والمائدة رواه النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ " أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ لِمَرْوَانَ أَتَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَإِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ قَالَ نَعَمْ قال - يعنى زيدا - فمحلوقة لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها بأطول الطولين المص " وعن عائشة رضى اله عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِسُورَةِ الْأَعْرَافِ فَرَّقَهَا فِي رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " مَا صَلَّيْتُ وَرَاءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صَلَاةً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فُلَانٍ قَالَ سُلَيْمَانُ كَانَ يُطِيلُ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ وَيُخَفِّفُ الْأَخِيرَتَيْنِ وَيُخَفِّفُ الْعَصْرَ وَيَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَيَقْرَأُ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وعن عبد الله السانحي " أَنَّهُ صَلَّى وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه الْمَغْرِبَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مِنْ قِصَارِ الْمُفَصَّلِ ثُمَّ قَامَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ فَدَنَوْتُ حَتَّى أَنْ كَادَ تَمَسُّ ثِيَابِي بِثِيَابِهِ فَسَمِعْتُهُ قَرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَهَذِهِ الْآيَةِ: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رحمة انك انت الوهاب ": رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَعَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ وَمَا سَمِعْتُ احدا أحسن منه صوتا أو قراءة "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْعَتَمَةَ فَقَرَأَ إِذَا السماء انشقت فَسَجَدَ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ سَجَدْتُ خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمُعَاذٍ حِينَ طَوَّلَ فِي الْعِشَاءِ " يَا مُعَاذُ إذَا أَمَمْتَ النَّاسَ فَاقْرَأْ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَسَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَاقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ وَاللَّيْلِ إذَا يغشي " رواه البخاري ومسلم هذا لفظ أحد رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ فِي العشاة الْآخِرَةِ بِالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا مِنْ السُّوَرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَأَمَّا الصُّبْحُ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ الرَّجُلُ فَيَعْرِفُ جَلِيسَهُ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَسَائِرِ رِوَايَاتِهِ وَرِوَايَاتِ مُسْلِمٍ " يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ " عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ رضي الله عنه قال " صلى لنا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِمَكَّةَ فاستفتح سورة المؤمنين حتى جاء ذكر موسي وهرون أَوْ حَتَّى جَاءَ ذِكْرُ عِيسَى أَخَذَتْ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم سلعة فَرَكَعَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ قُطْبَةَ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ فَقَرَأَ فِي أَوَّلِ ركعة والنخل باسقات لها طلع نضيد أَوْ رُبَّمَا قَالَ فِي ق " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ في الفجر بقاف والقرآن المجيد وَكَانَ صَلَاتُهُ بَعْدُ تَخْفِيفًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ حُرَيْثٍ رضي الله عنه " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفجر والليل إذا عسعس " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الحفني أَنَّ رَجُلًا مِنْ جُهَيْنَةَ أَخْبَرَهُ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصبح إذا زلزلت الارض في الركعتين كلها فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْ قَرَأَ ذَلِكَ عَمْدًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الفجر الجمعة الم تنزيل السجدة وهل اتي علي الإنسان " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما.
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ فَفِيهِ حَدِيثُ أَبِي وَائِلٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ
قَرَأْتُ الْمُفَصَّلَ اللَّيْلَةَ فِي رَكْعَةٍ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه هَذًّا كهذا لشعر لَقَدْ عَرَفْتُ النَّظَائِرَ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرُنُ بَيْنَهُنَّ فَذَكَرَ عِشْرِينَ سُورَةً مِنْ الْمُفَصَّلِ سُورَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَهَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَفِي الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْحَسَنَةُ وَالضَّعِيفَةُ فِيهِ فَلَا تَنْحَصِرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الْعُلَمَاءُ وَاخْتِلَافُ قَدْرِ الْقِرَاءَةِ فِي الْأَحَادِيثِ كَانَ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ فَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْلَمُ مِنْ حَالِ الْمَأْمُومِينَ فِي وَقْتٍ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ فَيُطَوِّلُ وَفِي وَقْتٍ لَا يُؤْثِرُونَهُ لِعُذْرٍ وَنَحْوِهِ فَيُخَفِّفُ وَفِي وَقْتٍ يُرِيدُ إطَالَتَهَا فَيَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيَّ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا ضَبْطُ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ وَبَيَانُهَا فَالْمُفَصَّلُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ بَيْنَ سُوَرِهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ وَآخِرُهُ (قُلْ أَعُوذُ برب الناس) وَفِي أَوَّلِهِ مَذَاهِبُ قِيلَ (سُورَةُ الْقِتَالِ) وقيل من (الحجرات) وقيل من (قاف) وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَرُوِيَ هَذَا فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ مَشْهُورَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ قَوْلًا أَنَّهُ مِنْ (الْجَاثِيَةِ) وَهُوَ غَرِيبٌ وَالسُّورَةُ تُهْمَزُ لغتان الْهَمْزِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ قَوْلُهُ وَقَرَأَ فِيهَا بِالْوَاقِعَةِ هَذَا الْحَدِيثُ أَشَارَ إلَيْهِ التِّرْمِذِيُّ فَقَالَ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَرَأَ فِي الصُّبْحِ بِالْوَاقِعَةِ " وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كِفَايَةٌ عَنْهُ.
قَوْلُهُ يَقْرَأُ فِيهَا (الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةُ) أَمَّا تَنْزِيلُ فَمَرْفُوعَةُ اللَّامِ عَلَى حِكَايَةِ التِّلَاوَةِ وَأَمَّا السَّجْدَةُ فَيَجُوزُ رَفْعُهَا عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ وَيَجُوزُ نَصْبُهَا عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ الم أَوْ بِإِضْمَارِ أَعْنِي وَسُورَةُ السَّجْدَةِ ثَلَاثُونَ آيَةً مكية وقوله يقرأ في الاولبين وَالْأُخْرَيَيْنِ هُوَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتِ الْمُكَرَّرَةِ فِي حَزَرْنَا قِيَامَهُ فِي الظُّهْرِ قَدْرَ ثَلَاثِينَ آيَةً يَعْنِي فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَوْلُهُ الْعِشَاءُ الْآخِرَةُ صَحِيحٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْمَعِيُّ وَقَالَ لَا يُقَالُ الآخرة وليس كما بَلْ ثَبَتَ فِي مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَيُّمَا امْرَأَةٍ أصابت
بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة " وثبت ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فِي الصُّبْحِ وَفِي الاوليين من سائر الصلوات ويحصل أصل الاستحبات بقراءة شئ مِنْ
الْقُرْآنِ وَلَكِنَّ سُورَةً كَامِلَةً أَفْضَلُ حَتَّى أَنَّ سُورَةً قَصِيرَةً أَفْضَلُ مِنْ قَدْرِهَا مِنْ طَوِيلَةٍ لِأَنَّهُ إذَا قَرَأَ بَعْضَ سُورَةٍ فَقَدْ يَقِفُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْوَقْفِ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْكَلَامِ الْمُرْتَبِطِ وَقَدْ يَخْفَى ذَلِكَ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ (كَالْحُجُرَاتِ)(وَالْوَاقِعَةِ) وَفِي الظُّهْرِ بِقَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِهِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِهِ فَإِنْ خَالَفَ وَقَرَأَ بِأَطْوَلَ أَوْ أَقْصَرَ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِي صُبْحِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ (الم تَنْزِيلُ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَهَلْ أَتَى) فِي الثَّانِيَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ وَيَقْرَأُ السُّورَتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ طِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ هو فيما آثر المأمون التَّطْوِيلَ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ لَا يَزِيدُونَ وَإِلَّا فَلْيُخَفِّفْ وقد ذكره أَنَّ اخْتِلَافَ الْأَحَادِيثِ فِي قَدْرِ الْقِرَاءَةِ كَانَ بِحَسَبِ الْأَحْوَالِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فَأَكْثَرَ فِي رَكْعَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ عَلَى تَرْتِيبِ الْمُصْحَفِ مُتَوَالِيًا فَإِذَا قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سُورَةً قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا مُتَّصِلَةً بِهَا قَالَ الْمَتُولِي حَتَّى لَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى (قُلْ اعوذ برب الناس) يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَلَوْ قَرَأَ سُورَةً ثُمَّ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ التي قبلها فقد خالف الاولي ولا شئ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالسُّورَةِ لِلنَّوَافِلِ يُسْتَحَبُّ فِي رَكْعَتِي سُنَّةِ الصُّبْحِ التَّخْفِيفُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْرَأُ في الاولى منها قولوا آمنا بالله وما انزل الينا الْآيَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ الْآيَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يَقْرَأُ فِيهِمَا قُلْ يا ايها الكافرون وقل هو الله احد " وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْقِرَاءَةِ بِهِمَا فِيهِمَا وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " رَمَقْتُ النبي صلي الله عليه وسلم عشرين سية مَرَّةً يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالرَّكْعَتَيْنِ قبل الفجر قل يا ايها الكافرون وقل هو الله احد " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي تَوْثِيقِهِ وَجَرْحِهِ وَقَدْ رَوَى له مسلم والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وإن كان مأموما نظرت فان كان في صلاة يجهر فيها بالقراءة لم يزد على الفاتحة لقوله صلي الله عليه وسلم " إذا كنتم خلفي فلا تقرءون إلَّا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بها " وان كان في صلاة
يسر فيها بالقراءة أو في صلاة يجهر فيها الا انه في موضع لا يسمع القراءة قرأ لانه غير مأمور بالانصات
إلى غيره فهو كالامام والمنفرد)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي قِرَاءَةِ الْمَأْمُومِ الْفَاتِحَةَ فَلَا خِلَافَ أَنَّ المأموم لا يشرع له قراةء السُّورَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ إذَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ ولو جهر ولم يسمعه لبعده أو صممه فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ إذْ لَا مَعْنَى لِسُكُوتِهِ والثانى لا يقرؤها حكاه الخراسانيون * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ تَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فَهَلْ يقرأ السورة فيها زَادَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ (لَا يُسْتَحَبُّ) لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَكَانَ يُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَكَانَ يُطِيلُ فِي الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بفاتحة الكتاب " وقال في الام يستحب لما روينا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يُشْرَعُ فِيهَا الْفَاتِحَةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا السُّورَةُ كَالْأُولَيَيْنِ وَلَا يُفَضِّلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الْقِرَاءَةِ وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ رحمه الله يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ قِرَاءَتُهُ فِي الْأُولَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ أَطْوَلَ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَا يُفَضِّلُ لِمَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه وحديث قَتَادَةَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَطَالَ لِأَنَّهُ أَحَسَّ بداخل)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيٍّ وَقِيلَ النعمان بن ربعي وقيل عمرو بن ربعي الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ عَلَى الْأَصَحِّ وَقَوْلُهُ سَمِعْنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا أَيْ فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لِغَلَبَةِ الِاسْتِغْرَاقِ فِي التَّدَبُّرِ يَحْصُلُ الْجَهْرُ بِالْآيَةِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَوْ أَنَّهُ فَعَلَهُ لِبَيَانِ جَوَازِ الْجَهْرِ وَأَنَّهُ لا تبطل الصلاة ولا يقضي سُجُودَ سَهْوٍ أَوْ لِيُعْلِمَهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ أَوْ أَنَّهُ يَقْرَأُ السُّورَةَ الْفُلَانِيَّةَ وَأَمَّا أَبُو الْحَسَنِ الْمَاسَرْجِسِيُّ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَاسْمُهُ محمد بن علي بن سهل تفقه علي أبى الحسن المروزى وتفقه عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
الطَّبَرِيُّ وَكَانَ مُتْقِنًا لِلْمَذْهَبِ وَهُوَ أَحَدُ أَجْدَادِنَا فِي سِلْسِلَةِ الْفِقْهِ توفى رحمه الله سنة ثلاث وثمانين وثلثمائة وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا رَكْعَةٌ يُشْرَعُ فِيهَا الْفَاتِحَةُ احْتِرَازٌ مِنْ رَكْعَةِ الْمَسْبُوقِ: أَمَّا الْأَحْكَامُ فَهَلْ يُسَنُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ لَا يُسْتَحَبُّ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْإِمْلَاءِ أَيْضًا وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْهُمَا فَقَالَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ الاصح الاستحباب ممن صحه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ عَدَمَ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ أَفْتَى
الْأَكْثَرُونَ وَجَعَلُوا الْمَسْأَلَةَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ قُلْتُ وَلَيْسَ هُوَ قَدِيمًا فَقَطْ بَلْ مَعَهُ نَصَّانِ فِي الْجَدِيدِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا على انه إذا قلنا بالسورة في الثانية والرابعة تكون أَخَفَّ مِنْ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه وَهَلْ يُطَوِّلُ الْأُولَى فِي الْقِرَاءَةِ عَلَى الثَّانِيَةِ مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ لَا يُطَوِّلُ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ القاضي أبو الطيب في تعليعه الصَّحِيحُ أَنْ يُطَوِّلَ الْأُولَى مِنْ كُلِّ الصَّلَوَاتِ لَكِنَّهُ فِي الصُّبْحِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ وَهَذَا الْمَاسَرْجِسِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا بِخُرَاسَانَ وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِي الْفَجْرِ خَاصَّةً قَالَ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ يسوي بينهما ذكره اصحابنا العراقيون لنص فِي الْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُطَوِّلُهَا لحديث ابي قتادة ويدركها قاصدا الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا تَأْوِيلُ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ فَضَعِيفٌ لِوَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ قَالَ وَكَانَ يُطِيلُ وَهَذَا يُشْعِرُ بِتَكَرُّرِ هَذَا وَأَنَّهُ مَقْصُودٌ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ إنْ كَانَ يَقْتَضِي التَّكْرَارَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ مَنْ أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ فِي الْقِيَامِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ انْتِظَارُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي انْتِظَارِهِ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ تَطْوِيلِ الْأُولَى كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي أبو الطيب ونقله وقد وافقه غير وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَحَسْبُكَ بِهِ مُعْتَمَدًا فِي هَذَا وَإِذَا قُلْنَا بِتَطْوِيلِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُ الثَّالِثَةِ عَلَى الرَّابِعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ نَقَلَ
الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَوَّلُ لِعَدَمِ النَّصِّ فِيهَا وَلِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ فِي الْأُولَى وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِيهَا الْوَجْهَيْنِ وَإِذَا قلنا تسن السورة في الاخرتين فهي مَسْنُونَةً لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْمَأْمُومِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةُ الْمُتَنَفِّلُ بِرَكْعَتَيْنِ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ وَالْمُتَنَفِّلُ باكثر ان كان يقصر عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَإِنْ تَشَهَّدَ تَشَهُّدَيْنِ فَهَلْ تُسَنُّ لَهُ السُّورَةُ فِي الرَّكَعَاتِ الْمَفْعُولَةِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الفرائض
* (فرع)
المسبؤق بِرَكْعَتَيْنِ مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا بِالْفَاتِحَةِ وَسُورَتَيْنِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي استحباب السورة له القولان لانها آخر صلاة وَإِنَّمَا فَرَّعَهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى قَوْلِهِ تُسْتَحَبُّ السُّورَةُ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ أَبُو اسحق تستحب
لَهُ السُّورَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تُسْتَحَبُّ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ وَلَا أَدْرَكَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ للسورة فاستحب له لثلا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ سُورَتَيْنِ وَهَذَا الطَّرِيقُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عن ابي اسحق اكثر الاصحاب فان كان ذلك في الْعِشَاءِ وَثَالِثَةِ الْمَغْرِبِ لَمْ يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ فِي جَهْرِهِ قَوْلَيْنِ كَالسُّورَةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نُصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ يَجْهَرُ لِأَنَّ الْجَهْرَ قَدْ فَاتَهُ فَيَتَدَارَكُهُ كَالسِّرِّ وَنُصَّ فِي غَيْرِهِ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ لِأَنَّ سُنَّةَ آخِرِ الصَّلَاةِ الْإِسْرَارُ فَلَا يَفُوتُهُ وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّيْخِ أبو محمد في التبصرة لو كان الامام بطئ الْقِرَاءَةِ وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَقْرَأَ السُّورَةَ فِيمَا أَدْرَكَ فَقَرَأَهَا لَمْ يُعِدْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ إذَا قُلْنَا تَخْتَصُّ الْقِرَاءَةُ بِالْأُولَيَيْنِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ ثُمَّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَجْزَأَتْهُ الْفَاتِحَةُ وَلَا تُحْسَبُ لَهُ السُّورَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ لِأَنَّهُ أَتَى بِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي التَّبْصِرَةِ وَوَلَدُهُ
إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي الِاعْتِدَادِ بِالسُّورَةِ وَجْهَيْنِ لِأَنَّ مَحَلَّهَا الْقِيَامُ وَقَدْ أَتَى بِهَا فِيهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الصَّلَاةَ لَا تَبْطُلُ بِذَلِكَ لَمْ تُحْسَبْ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ عَنْ السُّورَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ مشروعة في الصلاة فرضا والشئ الْوَاحِدُ لَا يُؤَدَّى بِهِ فَرْضٌ وَنَفْلٌ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ التَّبْصِرَةُ لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ فَإِنْ تَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ فَقَرَأَهَا قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ حَصَلَتْ لَهُ فَضِيلَةُ السُّورَةِ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لِإِسْرَاعِ الْإِمَامِ وَكَانَ يَوَدُّ ان يتمكن فللمأموم ثواب السورة وعلي وَبَالُ تَقْصِيرِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عن أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " يصلون لكم فان اصابوا فلكم وان اخطأ وافلكم وَعَلَيْهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ وَرُبَّمَا تَأَخَّرَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ رُكُوعِ الْإِمَامِ لِقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْمُتَابَعَةِ إذَا هَوَى الْإِمَامُ لِلرُّكُوعِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْ الْفَرْضِ بِنَفْلٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا سنة فلو قتصر عَلَى الْفَاتِحَةِ أَجْزَأَتْهُ الصَّلَاةُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ
الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَطَائِفَةٍ أَنَّهُ تَجِبُ مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةٌ أَقَلُّهَا ثَلَاثُ آيَاتٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ويحتج له بانه المعتاد من فعل النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ " وَظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِهَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " فِي كُلِّ صلاه يقرأ فيما أَسْمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ أَسْمَعْنَاكُمْ وَمَا أَخْفَى عَنَّا أَخْفَيْنَا وَإِنْ لَمْ تُزِدْ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ اجرأت وَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم استدل الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِهَذَا الْأَثَرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِمَسْأَلَتِنَا فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم لَا يَحْتَجُّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ بَعْضٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
" صَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَقْرَأْ فِيهِمَا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " رَوَاهُ البخاري باسناد ضعيف
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ويستحب للامام أن يجهر بالقراءة في الصبح والاوليين من المغرب والاوليين من العشاء والدليل عليه نقل الخلف عن السلف ويستحب للمأموم ان يسر لانه إذا جهر نازع الامام في القراءة ولانه مأمور بالانصات إلى الامام وإذا جهر لم يمكنه الانصات لغيره فهو كالامام وان كانت امرأة لم تجهر في موضع فيه رجال أجانب لانه لا يؤمن ان يفتتن بها ويستحب الاسرار في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والاخريين من العشاء لانه نقل الخلف عن السلف وان فاتته صلاة بالنهار فقصاها بالليل اسر لانها صلاة نهار وان فاته صلاة بالليل فقضاها بالنهار اسر لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا رأيتم من يجهر بالقراءة في النهار فارموه بالبعر ويقول ان صلاة النهار عجماء " ويحتمل عندي ان يجهر كما يسر فيما فاته من صلاة النهار فقضاها بالليل)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* السَّلَفُ فِي اللُّغَةِ هُمْ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُرَادُ هنا أوائل هذه الامة والخلف بفتح الامام يقال بِإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُمْ السَّابِقُونَ لِمَنْ قَبْلَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَالْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَقَوْلُهُ صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ بِالْمَدِّ أَيْ لَا جَهْرَ فِيهَا تَشْبِيهًا بِالْعَجْمَاءِ مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يَتَكَلَّمُ وَهَذَا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَاطِلٌ غَرِيبٌ لَا أَصْلَ لَهُ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسُّنَّةُ الْجَهْرُ فِي رَكْعَتِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَفِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْإِسْرَارُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَثَالِثَةِ المغرب والثالة وَالرَّابِعَةِ مِنْ الْعِشَاءِ وَهَذَا كُلُّهُ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَظَاهِرَةِ عَلَى ذَلِكَ هَذَا حُكْمُ الْإِمَامِ وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسَنُّ لَهُ الْجَهْرُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ هُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ جَهْرُ المنفرد
وَإِسْرَارُهُ سَوَاءٌ دَلِيلُنَا أَنَّ الْمُنْفَرِدَ كَالْإِمَامِ فِي الْحَاجَةِ إلَى الْجَهْرِ لِلتَّدَبُّرِ فَسُنَّ لَهُ الْجَهْرُ كَالْإِمَامِ وَأَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَدَبُّرًا لِقِرَاءَتِهِ لِعَدَمِ ارْتِبَاطِ غَيْرِهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إطَاقَةِ الْقِرَاءَةِ وَيَجْهَرُ بِهَا لِلتَّدَبُّرِ كَيْفَ شَاءَ وَيُخَالِفُ الْمُنْفَرِدُ الْمَأْمُومَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِالِاسْتِمَاعِ وَلِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْإِمَامِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ
يُسَنُّ لَهُ الاسرار ويكره له الجهر سواء سمع قِرَاءَةَ الْإِمَامِ أَمْ لَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَدُّ الْجَهْرِ أَنْ يُسْمِعَ مَنْ يَلِيهِ وَحَدُّ الْإِسْرَارِ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَدَلِيلُ كَرَاهَةِ الْجَهْرِ لِلْمَأْمُومِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الظُّهْرَ فَجَعَلَ رَجُلٌ يَقْرَأُ خَلْفَهُ سبح اسم ربك الأعلى فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ أَيُّكُمْ قَرَأَ أَوْ أَيُّكُمْ الْقَارِئُ فَقَالَ رَجُلٌ أَنَا فَقَالَ قَدْ ظَنَنْتُ أَنَّ بَعْضَهُمْ خَالَجَنِيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَعْنَى خالجنيها جاذبنيها ونازعنبها وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا إنْ كَانَتْ تُصَلِّي خَالِيَةً أَوْ بِحَضْرَةِ نِسَاءٍ أَوْ رِجَالٍ محارم جهرت بالقراءة سواء صلت بنسوة أو مُنْفَرِدَةً وَإِنْ صَلَّتْ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ أَسَرَّتْ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا التَّفْصِيلِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَأَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الحاوى انها تسر سواء صلت مُنْفَرِدَةً أَمْ إمَامَةً وَبَالَغَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فَقَالَ هَلْ صَوْتُ الْمَرْأَةِ عَوْرَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ (الْأَصَحُّ) أَنَّهُ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا عَوْرَةٌ فَرَفَعَتْ صَوْتَهَا فِي الصَّلَاةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهَا وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيَكُونُ جَهْرُهَا أَخْفَضُ مِنْ جَهْرِ الرَّجُلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَحُكْمُ التَّكْبِيرِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ حُكْمُ الْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَيُسِرُّ بِحَضْرَةِ النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَيَجْهَرُ إنْ كَانَ خَالِيًا أَوْ بِحَضْرَةِ مَحَارِمِهِ فَقَطْ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا الْفَائِتَةُ فَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ اللَّيْلِ بِاللَّيْلِ جَهَرَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ بِالنَّهَارِ أَسَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَضَى فَائِتَةَ النَّهَارِ لَيْلًا أَوْ اللَّيْلِ نَهَارًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الْقَضَاءِ فِي الْإِسْرَارِ وَالْجَهْرِ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الْفَوَاتِ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ لَكِنْ يَكُونُ جَهْرُهُ نَهَارًا دُونَ جَهْرِهِ لَيْلًا وَطَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ مُخَالِفَةٌ لِهَؤُلَاءِ كُلِّهِمْ فَإِنَّهُ قَطَعَ بِالْإِسْرَارِ مُطْلَقًا (قُلْتُ) كَذَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ لَكِنَّ صَلَاةَ الصُّبْحِ وَإِنْ كَانَتْ نَهَارِيَّةً فَلَهَا فِي الْقَضَاءِ فِي الْجَهْرِ حُكْمُ اللَّيْلِيَّةِ وَلِوَقْتِهَا فِيهِ حُكْمُ اللَّيْلِ وَهَذَا مُرَادُ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ أَوْ عَكَسَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ فِيهِ ولكنه ارتكب
مَكْرُوهًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة واسحق يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ " وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
فِي حُكْمِ النَّوَافِلِ فِي الْجَهْرِ.
أَمَّا صَلَاةُ الْعِيدِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالتَّرَاوِيحِ وَخُسُوفِ الْقَمَرِ فَيُسَنُّ فِيهَا الْجَهْرُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا نَوَافِلُ النَّهَارِ فَيُسَنُّ فِيهَا الْإِسْرَارُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا نَوَافِلُ اللَّيْلِ غَيْرَ التَّرَاوِيحِ فَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُجْهَرُ فِيهَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُتَوَسَّطُ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَأَمَّا السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ فَيُسَرُّ بِهَا كُلِّهَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ بعض السلف بالجهر فِي سُنَّةِ الصُّبْحِ وَعَنْ الْجُمْهُورِ الْإِسْرَارَ كَمَذْهَبِنَا
* (فَرْعٌ)
فِي الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ.
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَتِّلًا وَإِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن ابى قتادة رضى الله أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ لَيْلَةً فَإِذَا هُوَ بِأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه يُصَلِّي يَخْفِضُ مِنْ صَوْتِهِ وَمَرَّ بِعُمَرَ بن الخطاب رضي الله عنه يُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَهُ فَلَمَّا اجْتَمَعَا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَرَرْتُ بِك يَا أَبَا بَكْرٍ وَأَنْتَ تُصَلِّي تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِكَ قَالَ قَدْ أَسْمَعْتُ مَنْ نَاجَيْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَالَ لِعُمَرَ مَرَرْتُ بِكَ وَأَنْتَ تُصَلِّي رَافِعًا صَوْتَكَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُوقِظُ الْوَسْنَانَ وَأَطْرُدُ الشَّيْطَانَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا وَقَالَ لِعُمَرَ اخْفِضْ مِنْ صَوْتِكَ شَيْئًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أبو داود اسناد صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة بِهَذِهِ الْقِصَّةِ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَهُ " فَقَالَ لِأَبِي بَكْرٍ ارْفَعْ مِنْ صوتك شئيا ولا لعمر اخفض وَقَدْ سَمِعْتُكَ يَا بِلَالُ وَأَنْتَ تَقْرَأُ هَذِهِ السُّورَةَ وَمِنْ هَذِهِ السُّورَةِ قَالَ كَلَامٌ طَيِّبٌ يَجْمَعُ اللَّهُ بَعْضَهُ إلَى بَعْضٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كُلُّكُمْ قَدْ أَصَابَ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " كَانَتْ قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ يَخْفِضُ طَوْرًا وَيَرْفَعُ طَوْرًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ عُصَيْفِ بْنِ حَارِثٍ وَهُوَ تَابِعِيٌّ جَلِيلٌ وَقِيلَ صَحَابِيٌّ قَالَ
" قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها أَرَأَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ أَوَّلَ اللَّيْلِ أَوْ آخِرَهُ قَالَتْ رُبَّمَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَرُبَّمَا أَوْتَرَ فِي آخِرِهِ قلت آخر اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً قُلْتُ أَرَأَيْتِ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ وَيَخْفِتُ بِهِ قَالَتْ رُبَّمَا جَهَرَ بِهِ وَرُبَّمَا خَفَتَ قُلْت الله اكبر الحمد الله الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ سَعَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَرَوَاهُ غَيْرُهُ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْجَاهِرُ بِالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بِالصَّدَقَةِ وَالْمُسِرُّ بِالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ " اعْتَكَفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فَكَشَفَ السِّتْرَ وَقَالَ أَلَا إنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَلَا يَرْفَعُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
*
(فَصْلٌ)
فِي
مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا فِي الصَّلَاةِ
وَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَكْثَرَهَا مُخْتَصَرَةً خَوْفًا مِنْ الْإِمْلَالِ بِكَثْرَةِ الْإِطَالَةِ (إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وغيرها بكل واحدة من القراءات السبع وَلَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا غَيْرِهَا بِالْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ قُرْآنًا فَإِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالتَّوَاتُرِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ السبع مُتَوَاتِرَةٌ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي لَا يُعْدَلُ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ غَيْرَهُ فَغَالِطٌ أَوْ جَاهِلٌ وَأَمَّا الشَّاذَّةُ فَلَيْسَتْ مُتَوَاتِرَةً فَلَوْ خَالَفَ وَقَرَأَ بِالشَّاذَّةِ أُنْكِرَ عَلَيْهِ قِرَاءَتُهَا فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا وَقَدْ اتَّفَقَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ عَلَى اسْتِتَابَةِ من قرأ بالشواذ وقد ذكرت قصة فِي التِّبْيَانِ فِي آدَابِ حَمَلَةِ الْقُرْآنِ وَنَقَلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِالشَّاذِّ وَأَنَّهُ لَا يُصَلَّى خَلْفَ مَنْ يَقْرَأُ بِهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ فَمَنْ قَرَأَ بِالشَّاذِّ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ أَوْ بِتَحْرِيمِهِ عُرِّفَ ذَلِكَ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عُزِّرَ تَعْزِيرًا بَلِيغًا إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ عَنْ ذَلِكَ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ قَادِرٍ عَلَى الْإِنْكَارِ أَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فِي الصَّلَاةِ بِالشَّاذَّةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَغَيُّرُ مَعْنًى وَلَا زِيَادَةُ حَرْفٍ وَلَا نَقْصُهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا قرأ بقراءة من السبع اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا فَلَوْ قَرَأَ بعض الآيات بها وبعضها بغيرها من السبع جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى (الثَّانِيَةُ) تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الصلاة بجميع حروفها وتشديد انها وَهُنَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً فِي الْبَسْمَلَةِ مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ فَلَوْ أَسْقَطَ حَرْفًا مِنْهَا أَوْ خَفَّفَ مُشَدَّدًا أَوْ أَبْدَلَ حَرْفًا بِحَرْفٍ مَعَ صِحَّةِ لِسَانِهِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ وَلَوْ أَبْدَلَ الضَّادَ بِالظَّاءِ فَفِي صِحَّةِ قِرَاءَتِهِ وَصَلَاتِهِ وَجْهَانِ لِلشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كَمَا لَوْ أَبْدَلَ غَيْرَهُ
(وَالثَّانِي)
تَصِحُّ لِعُسْرِ إدْرَاكِ مَخْرَجِهِمَا عَلَى
العوام وشبههم (الثالثا) إذَا لَحَنَ فِي الْفَاتِحَةِ لَحْنًا يُخِلُّ الْمَعْنَى بِأَنْ ضَمَّ تَاءَ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسَرَهَا أَوْ كَسَرَ كَافَ إيَّاكَ نَعْبُدُ أَوْ قَالَ إيَّاءَ بِهَمْزَتَيْنِ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَتُهُ وَصَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَتَجِبُ إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ إنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ وَإِنْ لَمْ يُخِلَّ الْمَعْنَى كَفَتْحِ دَالِ نَعْبُدُ وَنُونِ نَسْتَعِينُ وَصَادِ صِرَاطَ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا قِرَاءَتُهُ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ لَمْ تَبْطُلْ قِرَاءَتُهُ وَلَا صَلَاتُهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي التَّتِمَّةِ وَجْهٌ أَنَّ اللَّحْنَ الَّذِي لَا يُخِلُّ الْمَعْنَى لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَهُ قَالَ وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِعْجَازِ فِي النَّظْمِ وَالْإِعْرَابِ جَمِيعًا أَوْ فِي النَّظْمِ فَقَطْ (الرَّابِعَةُ) فِي دَقَائِقَ مُهِمَّةٍ ذَكَرَهَا الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ فِي التَّبْصِرَةِ تَتَعَلَّقُ بِحُرُوفِ الْفَاتِحَةِ قَالَ شَرْطُ السِّينِ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَسَائِرِ الْفَاتِحَةِ أَنْ تَكُونَ صَافِيَةً غير مشوبة تغيرها لَطِيفَةَ الْمَخْرَجِ مِنْ بَيْنِ الثَّنَايَا - يَعْنِي وَأَطْرَافِ اللِّسَانِ - فَإِنْ كَانَ بِهِ لُثْغَةٌ تَمْنَعُهُ مِنْ إصْفَاءِ السِّينِ فَجَعَلَهَا مَشُوبَةً بِالثَّاءِ فَإِنْ كَانَتْ لثغته فَاحِشَةً لَمْ يَجُزْ لِلْفَصِيحِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ كانت لثغته يسيرة لس قيها إبْدَالُ السِّينِ جَازَتْ إمَامَتُهُ وَيَجِبُ إظْهَارُ التَّشْدِيدِ فِي الْحَرْفِ الْمُشَدَّدِ فَإِنْ بَالَغَ فِي التَّشْدِيدِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْأَحْسَنَ اقْتِصَارُهُ عَلَى الْحَدِّ الْمَعْرُوفِ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ أَنْ يُشَدِّدَ التَّشْدِيدَ الْحَاصِلَ فِي الرُّوحِ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْفَاتِحَةِ فَصْلُ كُلِّ كَلِمَةٍ عَنْ الْأُخْرَى كَمَا يَفْعَلُهُ الْمُتَقَشِّفُونَ الْمُتَجَاوِزُونَ لِلْحَدِّ بَلْ الْبَصْرِيُّونَ يَعُدُّونَ هَذَا مِنْ الْعَجْزِ وَالْعِيِّ وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْصِلَ في قراءة بين البسملة والحمد لله رب العالمين قَطَعَ هَمْزَةَ الْحَمْدِ وَخَفَّفَهَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَصِلَ الْبَسْمَلَةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْهَا وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقِفَ عَلَى أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِوَقْفٍ وَلَا مُنْتَهَى آيَةٍ أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُبَالِغُ فِي التَّرْتِيلِ فَيَجْعَلُ الْكَلِمَةَ كَلِمَتَيْنِ وَأَصْلُ إظْهَارِ الْحُرُوفِ كَقَوْلِهِمْ نَسْتَعِينُ
يَقِفُونَ بَيْنَ السِّينِ وَالتَّاءِ وَقْفَةً لَطِيفَةً فَيَنْقَطِعُ الْحَرْفُ عَنْ الحرف والكلمة عن الكلمة وَهَذَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ الْوَاحِدَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّقْطِيعَ وَالْفَصْلَ وَالْوَقْفَ فِي أَثْنَائِهَا وَإِنَّمَا الْقَدْرُ الْجَائِزُ مِنْ التَّرْتِيلِ أَنْ يُخْرِجَ الْحَرْفَ مِنْ مَخْرَجِهِ ثُمَّ يَنْتَقِلَ إلَى مَا بَعْدَهُ متصلا بلا وقفة وترتيل القرآن وصل الحروف والكلمات علي ضرب من الثاني وليس من الترتيل فصل الحروف ولا الوقت فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَمِنْ تَمَامِ التِّلَاوَةِ إشْمَامُ الْحَرَكَةِ الْوَاقِعَةِ عَلَى الْحَرْفِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ اخْتِلَاسًا لَا إشْبَاعًا وَلَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْحُرُوفِ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ بِأَنْ يَقُولَ نَسْتَعِينُ تُشْبِهُ التَّاءُ الدَّالَ أَوْ الصَّادَ لَا بِصَادٍ مَحْضَةٍ وَلَا بِسِينٍ مَحْضَةٍ بَلْ بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ وَجَبَ التَّعَلُّمُ وَيَلْزَمُهُ قَضَاءُ كُلِّ صَلَاةٍ فِي زَمَنِ التَّفْرِيطِ فِي التَّعَلُّمِ.
هَذَا حُكْمُ الْفَاتِحَةِ فَأَمَّا غَيْرُهَا فَالْخَلَلُ فِي تِلَاوَتِهِ إنْ غَيَّرَ الْمَعْنَى وَهُوَ مُتَعَمِّدٌ بِأَنْ قَرَأَ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ من عباده العلماء) بِرَفْعِ اللَّهِ وَنَصْبِ الْعُلَمَاءِ أَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي فِي الشَّوَاذِّ كَقِرَاءَةِ (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فاقطعوا ايمانهما)(وفيمن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ)(وَأَقِيمُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ) فَهَذَا كُلُّهُ تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ كَانَ خَلَلًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا يَزِيدُ فِي الْكَلَامِ لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ وَلَكِنَّهَا تُكْرَهُ
هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ رحمه الله.
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِنْ كَانَ فِي الشَّاذَّةِ تَغْيِيرُ مَعْنًى فَتَعَمَّدَ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ لَوْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَهُوَ مُعْتَقِدٌ انه اتها وَلَا يَشُكُّ فِي ذَلِكَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ شَكٌّ فِي كَلِمَةٍ أَوْ حَرْفٍ مِنْهَا فَلَا أَثَرَ لِشَكِّهِ وَقِرَاءَتُهُ مَحْكُومٌ بِصِحَّتِهَا وَلَوْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ شَاكًّا فِي تَمَامِهَا لَزِمَهُ إعَادَتُهَا كَمَا لَوْ شَكَّ فِي أَثْنَائِهَا وَلَوْ كَانَ يَقْرَأُ غَافِلًا فَفَطِنَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ يَقْرَأُ غَيْرِ المغضوب عليهم ولا الضالين وَلَمْ يَتَيَقَّنْ قِرَاءَةَ جَمِيعِ السُّورَةِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ أَنَّهُ لَا يَصِلُ آخِرَهَا إلَّا بَعْدَ قِرَاءَةِ أَوَّلِهَا إلَّا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْهَا كَلِمَةً أَوْ حَرْفًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْنِفْهَا وَرَكَعَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ رَكَعَ نَاسِيًا فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ القراءة في الركعة الثانية لغو (السادسة) شرطا الْقِرَاءَةِ وَغَيْرِهَا أَنْ يَسْمَعَ نَفْسَهُ إنْ كَانَ صَحِيحَ السَّمْعِ وَلَا شَاغِلَ لِلسَّمْعِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حَقِيقَةُ الْإِسْمَاعِ وَهَكَذَا الْجَمِيعُ فِي التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا كُلِّهِ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِلَا خِلَافٍ (السَّابِعَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى الْأَخْرَسِ أَنْ يُحَرِّكَ لِسَانَهُ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ بِقَدْرِ مَا يُحَرِّكُهُ النَّاطِقُ
لان القراءة تتضمن نطقا وتحريك اللسان فقسط مَا عَجَزَ عَنْهُ وَوَجَبَ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ وَبَسَطْنَاهَا (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا أَرْبَعُ سَكَتَاتٍ لِلْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ الْجَهْرِيَّةِ (الْأُولَى) عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَقُولُ فِيهَا دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ (وَالثَّانِيَةُ) بَيْنَ قَوْلِهِ وَلَا الضَّالِّينَ وَآمِينَ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ (الثَّالِثَةُ) بَعْدَ آمِينَ سَكْتَةٌ طَوِيلَةٌ بِحَيْثُ يَقْرَأُ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ (الرَّابِعَةُ) بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ السُّورَةِ سَكْتَةٌ لَطِيفَةٌ جِدًّا لِيَفْصِلَ بِهَا بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَتَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَتَسْمِيَةُ الاولي سكتة مجاز فانه لا سكت حَقِيقَةً بَلْ يَقُولُ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ لَكِنْ سُمِّيَتْ سَكْتَةً فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كَمَا سَبَقَ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ أَحَدٌ كَلَامَهُ فَهُوَ كَالسَّاكِتِ وأما الثانية والرابعة فسكتتان حقيقتان وأما الثالثة فقد قدمنا عن السرخى أَنَّهُ قَالَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِيهَا دُعَاءً وَذِكْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَتْ دَلَائِلُ السَّكَتَاتِ الْأُوَلِ فِي مواضعها وأما الرابعة فاتفق اصحابنا علي استحتابها ممن صرح يها الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ يَسْكُتُ سَكْتَتَيْنِ إذَا اسْتَفْتَحَ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كُلِّهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا فَرَغَ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ عِنْدَ الرُّكُوعِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ فكتبوا في ذلك الي المدينة الي بْنِ كَعْبٍ فَصَدَّقَ سَمُرَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بهذين الفظين وفي رواية له والترمذي " سكتة إذ ااستفح وَسَكْتَةً إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تُخَالِفُ السَّابِقِينَ بَلْ يَحْصُلُ مِنْ الْمَجْمُوعِ إثْبَاتُ السَّكَتَاتِ الثلاث وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الْوِصَالِ فِي الصَّلَاةِ وَفَسَّرُوهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) وَصْلُ الْقِرَاءَةِ بِتَكْبِيرَةِ الركوع يكره ذلك بل يفصل بيهنهما (والثاني)
تَرْكُ الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالِاعْتِدَالِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ فَيَحْرُمُ أَنْ يَصِلَ الِانْتِقَالَ بِالِانْتِقَالِ بَلْ يَسْكُنَ لِلطُّمَأْنِينَةِ (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَرْتِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَدَبُّرُهَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَرَتِّلِ
الْقُرْآنَ ترتيلا) وَقَالَ تَعَالَى (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ) وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ فِي هَذَا فَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ وَقَدْ ذَكَرْتُ جُمَلًا مِنْهَا فِي كِتَابِ آدَابِ الْقُرَّاءِ وَذَكَرْتُ فِيهِ جُمَلًا مُهِمَّةً تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ مُعْظَمِ ذَلِكَ فِي هَذَا الشَّرْحِ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُوجِبْ الْغُسْلَ وَفِيهَا نَفَائِسُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ معرفتها وبالله التوفيق (العاشرة) أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَالْفَاتِحَةَ وَسَائِرَ السُّوَرِ الْمَكْتُوبَةِ فِي الْمُصْحَفِ قُرْآنٌ وَأَنَّ مَنْ جَحَدَ شَيْئًا مِنْهُ كَفَرَ وَمَا نُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الْفَاتِحَةِ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ بَاطِلٌ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَنْهُ قَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي أَوَّلِ كتابه المجاز هَذَا كَذِبٌ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْضُوعٌ وَإِنَّمَا صَحَّ عَنْهُ قِرَاءَةُ عَاصِمٍ عَنْ زِرٍّ عَنْ ابن مسعود وفيها الفاتحة والمعوذتان
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يركع وهو فرض من فروض الصلاة لقوله عز وجل (اركعوا واسجدوا) والمستحب أن يكبر للركوع لما روى أبو هريوة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يكبر حين يقوم وحين يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حين يرفع ورأسه ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يرفع رأسه يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا " ولان الهوى الي الركوع فعل فلا يخلو من ذكر كسائر الافعال)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالرُّكُوعُ فِي اللُّغَةِ الِانْحِنَاءُ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَأَصْحَابُنَا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَبَعْضُهُمْ هُوَ الْخُضُوعُ وَأَنْشَدُوا فِيهِ الْبَيْتَ الْمَشْهُورَ
* عَلَّكَ أَنْ تَرْكَعَ يَوْمًا وَالدَّهْرُ قَدْ رَفَعَهُ
* وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْهُوِيَّ هُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَهُوَ السُّقُوطُ وَالِانْخِفَاضُ وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ وَآخَرُونَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ الْهَوِيَّ بِالْفَتْحِ النُّزُولُ وَالسُّقُوطُ وَالْهُوِيُّ بِالضَّمِّ الصُّعُودُ قَالَ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى وُجُوبِ الرُّكُوعِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ والاجماع حديث " المسئ صَلَاتَهُ " مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَيُسَنُّ أَنْ يُكَبِّرَ لِلرُّكُوعِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَصِلُ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ بِالْقِرَاءَةِ بَلْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ كَمَا سَبَقَ قَالُوا وَيَبْتَدِئُ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِ يَدَيْهِ وهو قائما ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ فَإِذَا حَاذَى كَفَّاهُ مَنْكِبَيْهِ انْحَنَى وَيَمُدُّ التَّكْبِيرَ
إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى حَدِّ الراكعين هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَنُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الخراسانيين قولين
(أحدهما)
هذا وهو الْجَدِيدُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ لَا يَمُدُّ التَّكْبِيرَ بَلْ يَشْرَعُ بِهِ قَالُوا وَالْقَوْلَانِ جَارِيَانِ فِي جَمِيعِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَهَلْ تُحْذَفُ أَمْ تُمَدُّ حَتَّى يَصِلَ إلَى الذِّكْرِ الَّذِي بَعْدَهَا الصَّحِيحُ الْمَدُّ وَلَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا حَتَّى رَكَعَ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ (اعْلَمْ) أَنَّ الصَّلَاةَ الرُّبَاعِيَّةَ يُشْرَعُ فِيهَا اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ تَكْبِيرَةً مِنْهَا خَمْسُ تَكْبِيرَاتٍ فِي كُلِّ ركعة أربع للسجدتين والرفعتين مِنْهَا وَالْخَامِسَةُ لِلرُّكُوعِ فَهَذِهِ عِشْرُونَ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَتَكْبِيرَةُ الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الثُّلَاثِيَّةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا سَبْعَ عَشْرَةَ سَقَطَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتُ رَكْعَةٍ وَهُنَّ خَمْسٌ وَأَمَّا الثُّنَائِيَّةُ فَيُشْرَعُ فِيهَا أحد عشر لِلرَّكْعَتَيْنِ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَهَذِهِ كُلُّهَا عِنْدَنَا سُنَّةٌ الا تكبيرة الحرام فَهِيَ فَرْضٌ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدهمْ قَالَ ابْنُ المنذر وبهذا قال أبو بكر الصديق وعمرو ابن مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ جَابِرٍ وَقَيْسُ بْنُ عَبَّادٍ وَشُعَيْبٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا لَا يُشْرَعُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَقَطْ وَلَا يُكَبَّرُ غَيْرُهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَيْضًا عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَقَلَهُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْبَغَوِيِّ في سرح السُّنَّةِ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ فَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا نَقَلْنَاهُ أو أوراد اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ بَعْدَ التَّابِعِينَ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يقول اجماع بعد الْخِلَافَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْأُصُولِيِّينَ وَبِهِ قَالَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ والقفال والشاشى وغيرهما وقال احمد ابن حَنْبَلٍ جَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَثَبَتَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كان يكبرهن واحتج لمن أسقطهن غير تكبيرة الاحرام بحديث عن الحسن عن بْنِ عِمْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَكَذَا وَفِي رِوَايَةِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ زِيَادَةُ " لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ يَعْنِي إذَا خَفَضَ وإذا رفع " ودليلنا علي أحمد حديث " المسئ صَلَاتَهُ " فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْهُ بِتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَأَمَرَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَأَمَّا فِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَمَحْمُولٌ علي الاستحباب جمعا بين الا دلء وَدَلِيلُنَا عَلَى الْآخَرِينَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يرقع صلبه من الركوع ثم يقول وهو قائما ربنا ولك الحمد ثم يكبر حين يهوي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الْجُلُوسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وعن مطرف قال " صليت أنا وعمران
ابن حصين عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فكان إذا سجد كبر وإذا رفع كَبَّرَ وَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَخَذَ عِمْرَانُ بِيَدِي ثُمَّ قَالَ لَقَدْ صلي بنا هذا صلاة محمد بن صلى الله عليه وسلم أَوْ لَقَدْ ذَكَّرَنِي هَذَا صَلَاةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ إنَّهُ أَحْمَقُ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ: سُنَّةُ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وفيما ذكرناه كفاية والجواب عن حديث بن أَبْزَى مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ رواية الحسن عن ابن عمران ليس (1)
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ التَّكْبِيرَ وَقَدْ سَمِعَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا فَقُدِّمَتْ رِوَايَةُ الْمُثْبِتِ (وَالثَّالِثُ) لَعَلَّهُ تَرَكَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ نَحْوَهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَهَذَانِ الْجَوَابَانِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْجَوَابُ الْأَوَّلُ جَوَابُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
يُسَنُّ لِلْإِمَامِ الْجَهْرُ بِتَكْبِيرَاتِ الصَّلَاةِ كُلِّهَا وَبِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَعْلَمَ الْمَأْمُومُونَ
انْتِقَالَهُ فَإِنْ كَانَ ضَعِيفَ الصَّوْتِ لِمَرَضٍ وَغَيْرِهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْهَرَ الْمُؤَذِّنُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْمَأْمُومِينَ جَهْرًا يُسْمِعُ النَّاسَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَدَلِيلُنَا مِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ سَعِيدِ بن الحارث قال " صلي لنا أَبُو سَعِيدٍ فَجَهَرَ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَحِينَ سَجَدَ وَحِينَ رَفَعَ وَحِينَ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا يُصَلِّي " وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصيلنا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ يُسْمِعُ النَّاسَ تَكْبِيرَهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رواية ولمسلم أَيْضًا " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَأَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ خَلْفَهُ فَإِذَا كَبَّرَ كَبَّرَ أَبُو بَكْرٍ يسمعنا " وعن عائشة رضى الله عنهما في قصة مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ " فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أجلس إلَى جَنْبِهِ - يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بالياس وأبو بكر يسمعهم التكبير " رواه مسلم بفظه والبخاري بمعناه * قال المصنف رحمه الله
*
* (ويستحب أن يرفع يديه حذو منكبيه في التكبير لما ذكرناه من حديث ابى عمر رضى الله عنهما في تكبيرة الاحرام)
*
*
* (الشرح)
* حديث بن عمر رواه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ حَذْوَ الْمَنْكِبَيْنِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ وَفِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ لِكُلِّ مُصَلٍّ مِنْ قَائِمٍ وَقَاعِدٍ وَمُضْطَجِعٍ وَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمُفْتَرِضٍ وَمُتَنَفِّلٍ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِ وَهُوَ قَائِمٌ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ
(2) كذا بالاصل فليحرر اهـ
تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَنْ الْبَغَوِيِّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَفْرِيجُ الْأَصَابِعِ هُنَا وَفِي كُلِّ رَفْعٍ وَلَوْ كَانَتْ يداه أو احداهما عليلة فحكمه ما سَبَقَ فِي رَفْعِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَجَمِيعُ الْفُرُوعِ تجئ هُنَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ لِلرُّكُوعِ وَلِلرَّفْعِ مِنْهُ (اعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا فَإِنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّاتٍ مُتَكَاثِرَاتٍ لَا سِيَّمَا طَالِبُ الْآخِرَةِ وَمُكْثِرُ الصَّلَاةِ وَلِهَذَا اعْتَنَى
الْعُلَمَاءُ بِهَا أَشَدَّ اعْتِنَاءٍ حَتَّى صَنَّفَ الْإِمَامُ عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيِّ كِتَابًا كَبِيرًا فِي إثْبَاتِ الرَّفْعِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ وَالْإِنْكَارِ الشَّدِيدِ عَلَى من خالف ذلك فهو كتاب نفيس وهو سَمَاعِيٌّ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ فَسَأَنْقُلُ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مُعْظَمَ مُهِمَّاتِ مَقَاصِدِهِ وَجَمَعَ فِيهِ الْإِمَامُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا جُمْلَةً حَسَنَةً وَسَأَنْقُلُ مِنْ كِتَابِهِ هُنَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مهمات مقاصده ولولا خَوْفُ الْإِطَالَةِ لَأَرَيْتُكَ فِيهِ عَجَائِبَ مِنْ النَّفَائِسِ وَأَرْجُو أَنْ أَجْمَعَ فِيهِ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا: (اعْلَمْ) أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِإِجْمَاعِ من يعتد به وفيه شئ ذَكَرْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَأَمَّا) رَفْعُهُمَا فِي تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي الرَّفْعِ مِنْهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ طَاوُسٌ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَسَالِمُ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَأَحْمَدَ واسحق وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِر عَنْ أَكْثَرِ هَؤُلَاءِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَنَقَلَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى قَالَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَجْمَع عَلَيْهِ عُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ يُرْوَى هَذَا الرَّفْعُ عَنْ سَبْعَةَ عَشَرَ نَفْسًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ أَبُو قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَأَبُو أُسَيْدٍ السَّاعِدِيُّ الْبَدْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ الْبَدْرِيُّ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَوَائِلُ بْنُ حُجُرٍ ومالك ابن الْحُوَيْرِثِ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ وضى الله عنهم قال وقال الحسن وحميد
ابن هِلَالٍ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم فلم يستثن أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سلم قَالَ الْبُخَارِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لم يرفع يديه قال وروينا الرافع أيضا هنا وعن عِدَّةٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ وَالْيَمَنِ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُجَاهِدٌ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وعمر به عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَالْحَسَنُ بن سيرين وطاوس وَمَكْحُولٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
دِينَارٍ وَنَافِعٌ وَعُبَيْدُ الله بن عمر والحسن بن مسلم وقيسس بن سعيد وعدة كثينرة وكذلك روى عن ام الداراء رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَكَذَلِكَ عَامَّةُ اصحابه ومحديى أَهْلِ بُخَارَى مِنْهُمْ عِيسَى بْنُ مُوسَى وَكَعْبُ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابن مُحَمَّدٍ الْمُشَيِّدِي وَعِدَّةٌ مِمَّنْ لَا يُحْصَى لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ مَنْ وَصَفْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ - يَعْنِي الْحُمَيْدِيَّ شَيْخَهُ - وَعَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ واحمد بن حنبل واسحق بْنُ إبْرَاهِيمَ يُثْبِتُونَ عَامَّةَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَرَوْنَهَا حَقًّا وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِمْ هَذَا كَلَامُ الْبُخَارِيِّ وَنَقَلَهُ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ أَبِي بكر الصديق وعمر بن الخطاب بن وعلي أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ الصَّحَابِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ الْبُخَارِيُّ قَالَ وَرَوَيْنَا أَيْضًا عَنْ أَبِي قِلَابَةَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَاللَّيْثِ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَيَحْيَى بْنِ يَحْيَى وَعِدَّةٍ كَثِيرَةٍ مِنْ أَهْلِ الْآثَارِ بِالْبُلْدَانِ فَهَؤُلَاءِ هُمْ أَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا فِي كُلِّ عَصْرٍ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرأى لا يعرف يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ إلَّا لِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بن عازب رضي الله تعالي عنهما قال " رأيت رسو ل اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " لا صلين بِكُمْ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما فَلَمْ يَرْفَعُوا ايديهم الا عند افتتاح الصلاة " رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصلاة ثم لا يرفع في شئ منها " رواء البيقى وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الصَّلَاةِ " وعن جابر بن سمرة رضي اللله عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا الاناب خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ مِنْ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَفِي اسْتِقْبَالِ
الْقِبْلَةِ وَعَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَبِعَرَفَاتٍ وَجَمْعٍ فِي المقامين عند الجمرتين " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَعَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ رَأَى مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ " إذَا صَلَّى كَبَّرَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ.
وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَحَدَّثَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ هَكَذَا " وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وأراد أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ السجدتين رفع يديه كذكك وَكَبَّرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي بِهِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّد الْأُوَلِ كَذَا فَسَّرَهُ التِّرْمِذِيُّ وغيره وَهُوَ ظَاهِرٌ وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ في الصلاة كبر ووصف همام - وهو أحد الرواة حيال أذينه - ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنْ الثَّوْبِ ثُمَّ رَفَعَهُمَا ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ فَلَمَّا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رفع يديه فلما سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وعن محمد بن عمرو عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَدُهُمْ أَبُو قَتَادَةَ يَقُولُ " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا فَاعْرِضْ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ فَاعْتَدَلَ فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَنِّعْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ - ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَوْلُهُ قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي
رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ أَيْضًا قَالُوا فِي آخِرِهِ " صَدَقْتَ هَكَذَا صَلَّى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب قال أبو علي زوى الرَّفْعَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ثَلَاثُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه فَمِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ جَوَابُ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَحُفَّاظِهِمْ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى تَضْعِيفِهِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ والشافعي وعبد الله بن الزبيز الْحُمَيْدِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى ابن مَعِينٍ وَأَبُو سَعِيدٍ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ وَهَؤُلَاءِ أَرْكَانُ الْحَدِيثِ وأئمة الاسلام فيه وأما الحافظ والمتأخرون الذين ضعفوا فأكثروا من الْخَبَرِ وَسَبَبُ تَضْعِيفِهِ أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه وَاتَّفَقَ هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ الْمَذْكُورُونَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ يَزِيدَ بْنَ أَبِي زياد غلط عليه وَأَنَّهُ رَوَاهُ أَوَّلًا " إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ " قَالَ سُفْيَانُ فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ بِهِ وَيَزِيدُ فِيهِ ثُمَّ لَا يَعُودُ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ قَالَ سُفْيَانُ وَقَالَ لِي أَصْحَابُنَا ان حفظه قد تغير أو قد ساء قَالَ الشَّافِعِيُّ ذَهَبَ سُفْيَانُ إلَى تَغْلِيطِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ يَزِيدُ وَيَزِيدُ يَزِيدُ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ سَأَلْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَا يَصِحُّ وسمعت يحيي بن معين يضعف يزيد ابن أَبِي زِيَادٍ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَمِمَّا يُحَقِّقُ قَوْلَ سُفْيَانَ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ أَنَّ سُفْيَانَ الثوري وزهير ابن مُعَاوِيَةَ وَهِشَامًا وَغَيْرَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ ينهكروها إنَّمَا جَاءَ بِهَا مَنْ سَمِعَ مِنْهُ بِأَخِرَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ هَؤُلَاءِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ بِمَكَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ " قَالَ سُفْيَانُ فَلَمَّا قَدِمْتُ الْكُوفَةَ
سَمِعْتُهُ يَقُولُ " يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا اسْتَفْتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ لَا يَعُودُ " فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ لَقَّنُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ فِيهِ " ثُمَّ لَا يَعُودُ " وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالْحَدِيثِ مِنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فَصْلًا فِي تَضْعِيفِ حَدِيثِ يَزِيدَ بن أبي زياد هذا قال ولم هذا يرو الْحَدِيثَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَقْوَى مِنْ يَزِيدَ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي تَضْعِيفِهِ نحو ما سبق (والجواب الثاني) ذكره اصحابنا قالوا صَحَّ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى
أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَعُودُ إلَى الرَّفْعِ فِي ابْتِدَاءِ اسْتِفْتَاحِهِ وَلَا فِي أَوَائِلِ بَاقِي رَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (الْجَوَابُ الثَّالِثُ) أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ أَوْلَى لِأَنَّهَا إثْبَاتٌ وَهَذَا نَفْيٌ فَيُقَدَّمُ الْإِثْبَاتُ لِزِيَادَةِ الْعِلْمِ (الرَّابِعُ) أَنَّ أَحَادِيثَ الرَّفْعِ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَجَوَابُهُ مِنْ هَذِهِ الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَةِ فَأَمَّا الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ الْأَخِيرَةُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا تَضْعِيفُهُ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدِي حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ آدَمَ وَتَابَعَهُمَا الْبُخَارِيُّ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَضَعَّفَهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الدا قطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عثه فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ أَيْضًا (أَحَدُهَا) تَضْعِيفُهُ مِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُثْمَانَ الدَّارِمِيِّ أَنَّهُ قَالَ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ الْوَاهِي وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَفْعُ الْيَدِ فِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَالْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا سَبَقَ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ خِلَافَ مَا رَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يفعله " قال البيهقى قال الزعفراني قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَثْبُتُ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مسعود يعنى ما روى عنهما أنها كَانَا لَا يَرْفَعَانِ أَيْدِيَهُمَا فِي غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ كَانَ ثَابِتًا عَنْهُمَا لا شبه أَنْ يَكُونَ رَآهُمَا الرَّاوِي مَرَّةً أَغْفَلَا ذَلِكَ قَالَ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ ذَهَبَ عَنْهُمَا حِفْظُ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحَفِظَهُ ابْنُ عُمَرَ لَكَانَتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ مِنْ أَعْجَبِ الْأَشْيَاءِ وَأَقْبَحِ أَنْوَاعِ الْجَهَالَةِ
بِالسُّنَّةِ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَرِدْ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي في الركوع والرفع منه لكنهم كَانُوا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي حَالَةِ السَّلَامِ مِنْ الصلاة ويشيرون بها الي الجانبين ويريدون بِذَلِكَ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ الْجَانِبَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ لَهُ أَدْنَى اخْتِلَاطٍ بِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُبَيِّنُهُ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ الْحَجَّاجِ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِينَ (أَحَدِهِمَا) الطَّرِيقُ السَّابِقُ وَالثَّانِي عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورحمة الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " هَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُ مُسْلِمٍ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ
" صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكُنَّا إذَا سَلَّمْنَا قُلْنَا بِأَيْدِينَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَنَظَرَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قفال مَا شَأْنُكُمْ تُشِيرُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إذَا سَلَّمَ أَحَدُكُمْ فَلْيَلْتَفِتْ إلَى صَاحِبِهِ وَلَا يُومِئُ بِيَدِهِ " هَذَا لَفْظُ صَحِيحِ مُسْلِمٍ قال البخاري وأما احتحاج بَعْضِ مَنْ لَا يَعْلَمُ بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ فَإِنَّمَا كَانَ فِي الرَّفْعِ عِنْدَ السَّلَامِ لَا فِي الْقِيَامِ قَالَ وَلَا يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا مَنْ لَهُ حَظٌّ مِنْ الْعِلْمِ لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَلَوْ كَانَ كَمَا تَوَهَّمَهُ هَذَا الْمُحْتَجُّ لَكَانَ رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الِافْتِتَاحِ وَفِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ أَيْضًا مَنْهِيَّا عنه لانه يُبَيِّنْ رَفْعًا وَقَدْ بَيَّنَهُ حَدِيثُ أَبِي نُعَيْمٍ ثم ذكر باسناده رواية مسلم التى نقلها الْآنَ ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ فَلْيَحْذَرْ امْرُؤٌ أَنْ يَتَأَوَّلَ أَوْ يَتَقَوَّلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عز وجل (فليذر الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أو يصيبهم عذاب اليم) وَأَمَّا قَوْلُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ " فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ وَهَذَا جَوَابُ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ وَأَوْضَحَهُ (الثَّانِي) أَنَّ هَذَا نَفْيٌ وَغَيْرُهُ إثْبَاتٌ وَهُوَ مُقَدَّمٌ (الثَّالِثُ) أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ تَرْكُ السُّنَنِ وَالْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِهِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ الرَّفْعَ ثَابِتٌ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ غَيْرِ هَذِهِ السَّبْعَةِ قَدْ بَيَّنَهَا الْبُخَارِيُّ بِأَسَانِيدِهِ وَسَأُفَرِّعُ بِهَا بِفَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهَذَا تَنْقِيحُ
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ وَدَلَائِلِهَا مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَأَخْتِمُهَا بِمَا خَتَمَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ الْإِمَامِ أَبِي بَكْرِ بن اسحق الْفَقِيهِ قَالَ قَدْ صَحَّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ يَعْنِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ عَنْ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ ثُمَّ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَلَيْسَ فِي نِسْيَانِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مَا يُوجِبُ ان هؤلاء الصحابة لم يرووا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَدْ نَسِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ كَيْفِيَّةَ قِيَامِ الِاثْنَيْنِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ نَسْخَ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِذَا نَسِيَ هَذَا
كَيْفَ لَا يَنْسَى رَفْعَ الْيَدَيْنِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الرَّبِيعِ قَالَ قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ مَا معني رفع اليدين عند لركوع فَقَالَ مِثْلُ مَعْنَى رَفْعِهِمَا عِنْدَ الِافْتِتَاحِ تَعْظِيمًا لِلَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةً مُتَّبَعَةً نَرْجُو فِيهَا ثَوَابَ اللَّهِ تَعَالَى وَمِثْلُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَغَيْرِهِمَا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ اجْتَمَعَ الْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ عِشَاءً فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لِلثَّوْرِيِّ لِمَ لَا تَرْفَعُ يَدَيْكَ فِي خَفْضِ الرُّكُوعِ وَرَفْعِهِ فَقَالَ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ أَرْوِي لَك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تعارضني بيزيد ابن أَبِي زِيَادٍ وَيَزِيدُ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُهُ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فَاحْمَرَّ وَجْهُ الثَّوْرِيِّ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كَأَنَّكَ كَرِهْتَ مَا قُلْتُ قَالَ نَعَمْ فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ قُمْ بِنَا إلَى الْمَقَامِ نَلْتَعِنُ أَيُّنَا عَلَى الْحَقِّ فَتَبَسَّمَ الثَّوْرِيُّ لَمَّا رَأَى الْأَوْزَاعِيَّ قَدْ احْتَدَّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ نَافِعٍ " أَنَّ ابْنِ عُمَرَ كَانَ إذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ يديه إذ رَكَعَ وَإِذَا رَفَعَ رَمَاهُ بِالْحَصَى " وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عن ام الدارداء رضى الله تعالى عَنْهَا " أَنَّهَا كَانَتْ تَرْفَعُ يَدَيْهَا فِي الصَّلَاةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهَا وَحِينَ تَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ وَحِينَ تَرْكَعُ وإذا قالت سمع الله لمن حمد هـ رَفَعَتْ يَدَيْهَا وَقَالَتْ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " قَالَ الْبُخَارِيُّ وَنِسَاءُ بَعْضُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ هَؤُلَاءِ وَبِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ " رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ شئ تزيد به صلاتك " قال البخاري ولم يثبث عِنْدَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مِمَّنْ أَدْرَكْنَا مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْهُمْ الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ المثنى ويحيى بن معين واحمد ابن حنبل واسحق ابن إبْرَاهِيمَ وَهَؤُلَاءِ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ أَبْنَاءِ أَهْلِ زَمَانِهِمْ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْهُمْ عِلْمُهُ فِي تَرْكِ رَفْعِ الْأَيْدِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ قَالَ
وَكَانَ ابْنُ الْمُبَارَكِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَهُوَ أَكْثَرُ أَهْلِ زَمَانِهِ عِلْمًا فِيمَا يُعْرَفُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ عَنْ السَّلَفِ عِلْمٌ فَاقْتَدَى بِابْنِ الْمُبَارَكِ فِيمَا اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعِينَ لَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَنْ يَقْتَدِيَ بِقَوْلِ مَنْ لَا يَعْلَمُ وَقَالَ مَعْمَرٌ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ النُّعْمَانِ فَرَفَعْتُ يَدَيَّ فَقَالَ مَا حَسِبْتُ أن لم يطير قُلْتُ إنْ لَمْ أَطِرْ فِي الْأُولَى لَمْ أَطِرْ فِي الثَّانِيَةِ ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ رَفْعَ الْأَيْدِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ أَعْلَامِ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ ثُمَّ قَالَ فَهَؤُلَاءِ أَهْلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْيَمَنِ وَالْعِرَاقِ قَدْ اتفقوا علي رفع الايادي ثُمَّ رَوَاهُ عَنْ جَمَاعَاتٍ آخَرِينَ ثُمَّ قَالَ فَمَنْ زَعَمَ أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ بِدْعَةٌ فَقَدْ طَعَنَ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والسلف ومن بعدهم وَأَهْلِ الْحِجَازِ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ مَكَّةَ وَعِدَّةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ وَأَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَعُلَمَاءِ خُرَاسَانَ مِنْهُمْ ابْنُ الْمُبَارَكِ حَتَّى
شُيُوخِنَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم تَرْكُ الرَّفْعِ وَلَيْسَ أَسَانِيدُهُ أَصَحَّ مِنْ أَسَانِيدِ الرَّفْعِ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَأَمَّا رِوَايَةُ الَّذِينَ رَوَوْا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الرَّفْعَ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ وَعِنْدَ الرُّكُوعِ والرفع وَرِوَايَةُ الَّذِينَ رَوَوْا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَفْعَ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَفِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَالْجَمِيعُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا صَلَاةً وَاحِدَةً وَاخْتَلَفُوا فِيهَا بِعَيْنِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ أَهْلِ العلم وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (ويجب ينحنى إلي حد يبلغ راحتاه ركبتيه لانه لا يسمى بما دونه راكعا ويستحب أن يضع يديه علي ركبتيه ويفرق أصابعه لما زوى أبو حميد السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أمسك راحتيه على ركبتيه كالقابض عليهما وقرج بين اصابعه " ولا يطبق لما روى عن مصعب بن سعد رضى الله عنه صليت الي جنب سعد بن مالك فجعلت يدى بين ركبتي وبين فخذي وطبقتهما فضرب بيدى وقال اضرب بكفيك على ركبتيك وقال يا بنى انا قد كنا نفعل هذا فأمرنا ان نضرب بالاكف على الركب " والمستحب ان يمد ظهره وعنقه ولا يقنع رأسه ولا يصوبه لما روى ان ابا حميد الساعدي رضى الله عنه " وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فركع واعتدال ولم يصوب
رأسه ولم يقنعه " والمستحب أن يجافى مرفقيه عن جنيبه لما روى أبو حميد السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فعل فان كانت امرأة لم تجاف بل تضم المرفقين إلي الجنبين لان ذلك أستر لها ويجب ان يطمئن في الركوع لقوله صلي الله عليه وسلم للمسئ صلاته " ثم اركع حتى تطمئن راكعا ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي.
حُمَيْدٍ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُهُ الْأَخِيرُ صَحِيحَانِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَهُمَا مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِكَمَالِهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ إلَّا قَوْلَهُ وَيُفَرِّجُ أَصَابِعَهُ فَلَمْ يَذْكُرْهَا التِّرْمِذِيُّ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا لَكِنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِيهِ هَاتَانِ اللَّفْظَتَانِ كَمَا وَقَعَتَا هُنَا وَأَمَّا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عمرو ابن عطاء انه كان جالسا مع نفر أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فذكرناه صَلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أنا كنت أحفظكم لطلاة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَأَيْتُهُ إذا كبر جعل يديه حذاء منكبيه وإذ رَكَعَ أَمْكَنَ يَدَيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ اسْتَوَى حَتَّى يَعُودَ كُلُّ فَقَارِهِ مَكَانَهَا فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غير مفنرش وَلَا قَابِضَهَا وَاسْتَقْبَلَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً لِلْقِبْلَةِ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى عَلَى مَقْعَدَتِهِ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَأَمَّا رِوَايَةُ التِّرْمِذِيِّ فَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُهُ وَهُوَ فِي عشرة من اصحاب النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ " أَنَا أَعْلَمُكُمْ بِصَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا فَاعْرِضْ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اعْتَدَلَ قَائِمًا وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بهما منكيبه ثم قال الله اكبر ثم اعتدال فَلَمْ يُصَوِّبْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُقَنِّعْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ هَوَى إلَى الْأَرْضِ سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثُمَّ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ إبْطَيْهِ وَفَتَحَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَقَعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ اعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ مُعْتَدِلًا ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا ثُمَّ قَالَ اللَّهُ اكبر ثم ثنى
رجله وقد وَاعْتَدَلَ حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ فِي مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ ثُمَّ صَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ كَمَا صَنَعَ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ ثُمَّ صَنَعَ كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَنْقَضِي فِيهَا صلاته أخر رجله اليسيرى وَقَعَدَ عَلَى شِقِّهِ مُتَوَرِّكًا ثُمَّ سَلَّمَ قَالُوا صَدَقْتَ هَكَذَا صَلَّى صلى الله عليه وسلم " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَقَوْلُهُ إذَا قَامَ مِنْ السجدتين رفع يديه يعنى إذا قام الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ مِثْلَ رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَزَادَ بَعْدَهُ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ يَقْرَأُ وَقَالَ فيها ثم يركع ويضع على راحتيه على ركبته وقال ثم قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِهِمَا مَنْكِبَيْهِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى وَقَالَ " إذَا رَكَعَ أَمْكَنَ كَفَّيْهِ مِنْ رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ " لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فِي السُّجُودِ " وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ " فهذه طرق من حديث التبطبين رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ " صَلَّيْتُ إلَى جَنْبِ أَبِي فَطَبَّقْتُ بَيْنَ كَفَّيَّ وَوَضَعْتُهُمَا بَيْنَ فخذي فنهايي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُهُ فَنُهِينَا عَنْهُ وَأُمِرْنَا أَنْ نَضَعَ أَيْدِيَنَا عَلَى الرُّكَبِ " وَأَمَّا حَدِيثُ " المسئ صلاته " فراواه البخاري ومسلم من رواية ابي هريرة وأما الفاظ الفصل فالتطبيق هو ان يجعل بظن كَفَّيْهِ عَلَى بَطْنِ الْأُخْرَى وَيَجْعَلَهُمَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وفخذيه وقوله ولا يقنع رأسه أي يَرْفَعُهُ وَلَا يُصَوِّبُهُ - وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ
وَفَتْحِ الصَّادِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ لَا يُبَالِغُ في خفضه وتنكيسه وقوله يجافى هو غير مصور وَمَعْنَاهُ يُبَاعَدُ وَمِنْهُ الْجَفْوَةُ وَالْجَفَاءُ بِالْمَدِّ وَأَبُو حُمَيْدٍ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَقِيلَ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ السَّاعِدِيُّ مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بَطْنٍ مِنْ الْأَنْصَارِ الْمَدَنِيُّ رضي الله عنه تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه مصعب بن سعد أَبِي وَقَّاصٍ اسْمُ أَبِي وَقَّاصٍ مَالِكُ بْنُ وُهَيْبٍ وَيُقَالُ أَهْيَب فَسَعْدُ بْنُ مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَهُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ المشهود لهم بالجنة ومصعت ابْنُهُ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ ثُمَّ هَصَرَ ظَهْرَهُ وَهُوَ بِفَتْحِ الْهَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمُخَفَّفَةِ أَيْ ثَنَاهُ وَعَطَفَهُ وَالْفَقَارُ عِظَامُ الظَّهْرِ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَقَوْلُهُ " فَتَحَ أَصَابِعَ
رِجْلَيْهِ " وَهُوَ بالحاء المهلة أَيْ لَيَّنَهَا وَثَنَاهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَقَوْلُهُ وَرَكَعَ ثُمَّ اعْتَدَلَ أَيْ اسْتَوَى فِي رُكُوعِهِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تَنَالُ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَوْ أَرَادَ وَضْعَهُمَا عَلَيْهِمَا وَلَا يُجْزِيهِ دُونَ هَذَا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهَذَا عِنْدَ اعْتِدَالِ الْخِلْقَةِ وَسَلَامَةِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ انْخَنَسَ وَأَخْرَجَ رُكْبَتَيْهِ وَهُوَ مَائِلٌ مُنْتَصِبٌ وَصَارَ بِحَيْثُ لَوْ مَدَّ يَدَيْهِ بَلَغَتْ راحتاه ركبتيه لم يكن رُكُوعًا لِأَنَّ بُلُوغَهُمَا لَمْ يَحْصُلْ بِالِانْحِنَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ مَزَجَ الِانْحِنَاءَ بِهَذِهِ الْهَيْئَةِ وكان التمكن من وضع الراحتين علي الرُّكْبَتَيْنِ جَمِيعًا لَمْ يَكُنْ رُكُوعًا أَيْضًا ثُمَّ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الِانْحِنَاءِ إلَى الْحَدِّ المذكور الا بمعين أو باعتماد علي شئ أَوْ بِأَنْ يَنْحَنِيَ عَلَى جَانِبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى تَحْصِيلِ الرُّكُوعِ فَوَجَبَ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ انْحَنَى الْقَدْرَ الْمُمْكِنَ فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ مِنْ قِيَامٍ هَذَا بَيَانُ رُكُوعِ الْقَائِمِ أَمَّا رُكُوعُ الْمُصَلِّي قاعدا فأقله أن ينحنى بحيث يحاذي وجه مَا وَرَاءَ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ تُحَاذِي جَبْهَتُهُ مَوْضِعَ سُجُودِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ هَذَا الْقَدْرِ لِعِلَّةٍ بِظَهْرِهِ وَنَحْوِهَا فَعَلَ الْمُمْكِنَ مِنْ الِانْحِنَاءِ وَفِي رُكُوعِ الْعَاجِزِ وَسُجُودِهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهُوِيِّهِ غَيْرَ الرُّكُوعِ فَلَوْ قَرَأَ فِي قِيَامِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ فَهَوَى لِيَسْجُدَ ثُمَّ بَدَا له بعد بلوغه حد الركعتين أَنْ يَرْكَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ عَنْ الرُّكُوعِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ ثُمَّ يَرْكَعَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ سَقَطَ مِنْ قِيَامِهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ فَارْتَفَعَ مِنْ الارض فارتفع من الارض إلى حد الركعين لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعَ وَلَوْ انْحَنَى لِلرُّكُوعِ فَسَقَطَ قَبْلَ حُصُولِ أَقَلِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ أَنْ يعود الي الموضع الذى سقط منه وينبى عَلَى رُكُوعِهِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ رَكَعَ وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ سَقَطَ لَزِمَهُ أَنْ يَعْتَدِلَ قَائِمًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِئَلَّا يَزِيدَ رُكُوعًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقاضى وأبو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ
في الركوع بلا خلاف لحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَأَقَلُّهَا أَنْ يَمْكُثَ فِي هَيْئَةِ الرُّكُوعِ حَتَّى تَسْتَقِرَّ أَعْضَاؤُهُ وَتَنْفَصِلَ حَرَكَةُ هُوِيِّهِ عَنْ ارْتِفَاعِهِ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَوْ جَاوَزَ حَدَّ أَقَلِّ الركوع بلا خلاف لحديث
" المسئ صَلَاتَهُ " وَلَوْ زَادَ فِي الْهُوِيِّ ثُمَّ ارْتَفَعَ والحركات متصلة ولم يلبث لم تحصل المطمأنينة وَلَا يَقُومُ زِيَادَةُ الْهُوِيِّ مَقَامَ الطُّمَأْنِينَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا أَكْمَلُ الرُّكُوعِ فِي الْهَيْئَةِ فَأَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ يَسْتَوِي ظَهْرُهُ وَعُنُقُهُ وَيَمُدَّهُمَا كَالصَّفِيحَةِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَلَا يُثْنِي رُكْبَتَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَمُدُّ ظَهْرَهُ وَعُنُقَهُ وَلَا يَخْفِضُ ظَهْرَهُ عَنْ عُنُقِهِ وَلَا يَرْفَعُهُ وَيَجْتَهِدُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَوِيًا فَإِنْ رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ ظَهْرِهِ عَنْ رَأْسِهِ أَوْ جَافَى ظَهْرَهُ حَتَّى يَكُونَ كَالْمُحْدَوْدَبِ كَرِهْتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَيَأْخُذُهُمَا بِهِمَا وَيُفَرِّقُ أَصَابِعَهُ حِينَئِذٍ وَيُوَجِّهُهَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ في التبصرة ويوجههما نَحْوَ الْقِبْلَةِ غَيْرَ مُنْحَرِفَةِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ تَفْرِيقِهَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ وقطع به الاصحاب في جيمع الطُّرُقِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الواسيط يَتْرُكُهَا عَلَى حَالِهَا فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ إحْدَى يَدَيْهِ مقطوعة أو عليلة فعل بلاخرى مَا ذَكَرْنَا وَفَعَلَ بِالْعَلِيلَةِ الْمُمْكِنَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ أَرْسَلَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ مِنْ الزَّنْدَيْنِ لَمْ يبلغ يزنديه ركتبيه وَفِي الرَّفْعِ يَرْفَعُ زَنْدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَالْفَرْقُ ان في تبليغهما إلى الركتبين في الركوع مفارقة من استواء الظهر بخلاف الرافع وَلَوْ لَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَلَكِنْ بَلَغَ ذَلِكَ الْقَدْرَ أَجْزَأَهُ وَيُكْرَهُ تَطْبِيقُ الْيَدَيْنِ بين الركتبين لحديث سعد رضي الله تعالى عَنْهُ فَقَدْ صَرَّحَ فِيهِ بِالنَّهْيِ وَيُسَنُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ ضَمُّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَتَرْكُ الْمُجَافَاةِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ هَذَا كُلِّهِ مَعَ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَمَّا الْخُنْثَى فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَرْأَةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ ضَمُّ بَعْضِهِ إلَى بَعْضٍ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْمُجَافَاةُ وَلَا الضَّمُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخِرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ فِي السجود ان تض؟ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَتُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ لَهَا قَالَ وَهَكَذَا أُحِبُّ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَجَمِيعِ الصَّلَاةِ وَالْمُعْتَمَدُ فِي اسْتِحْبَابِ ضَمِّ الْمَرْأَةِ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ كَوْنُهُ أَسْتَرَ لَهَا كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرَ
الْبَيْهَقِيُّ بَابًا ذَكَرَ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَأَقْرَبُ مَا فِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد قَالَ الْعُلَمَاءُ
وَالْحِكْمَةُ فِي اسْتِحْبَابِ مُجَافَاةِ الرَّجُلِ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَنَّهَا أَكْمَلُ فِي هَيْئَةِ الصَّلَاةِ وَصُورَتِهَا وَلَا أَعْلَمُ فِي اسْتِحْبَابِهَا خِلَافًا لِأَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ اسْتِحْبَابَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مُطْلَقًا وَقَدْ ذَكَرْتُ حكم تفريق الاصباع وَالْمَوَاضِعَ الَّتِي يُضَمُّ فِيهَا أَوْ يُفَرَّقُ فِي فَصْلِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ رَكَعَ وَلَمْ يَضَعْ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ إلَى رُكْبَتَيْهِ أَمْ لا لزمه إعادة الركو ع الركرع لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَدِّ الرُّكُوعِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ ينحنى بحيث تنال راحتاه ركبته وَلَا يَجِبُ وَضْعُهُمَا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالْجُلُوسِ بين السحدتين وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يكفيه في لركوع أدنى انحناء ولا تجب الطمأنينة في شئ مِنْ هَذِهِ الْأَرْكَانِ (وَاحْتَجَّ لَهُ) بِقَوْلِهِ تَعَالَى (اركعوا واسجدوا) وَالِانْخِفَاضُ وَالِانْحِنَاءُ قَدْ أَتَى بِهِ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ المسئ صَلَاتَهُ " إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثُمَّ اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ لِبَيَانِ أَقَلِّ الْوَاجِبَاتِ كَمَا سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ "(فَإِنْ قِيلَ) لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِعَادَةِ (قُلْنَا) هَذَا غَلَطٌ وَغَفْلَةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ فِي آخِرِ مَرَّةٍ " ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ " فَقَالَ لَهُ عَلِّمْنِي فَعَلَّمَهُ وَقَدْ سَبَقَ أَمْرُهُ لَهُ بِالْإِعَادَةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَكْرَارِهِ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ وهب ابي حُذَيْفَةَ رضي الله عنه " رَأَى رَجُلًا لَا يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فَقَالَ مَا صَلَّيْتَ وَلَوْ مِتَّ مِتَّ عَلَى غَيْرِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ حَدِيثُهُ في قصة المسئ صلاته بمعني الحديث ابى هريرة وهو صحيح كما سبق صحيح كما سبق بيانه في فصل قراةء الفاتحة وعن ابى مسعود البدرى رضى اللله عَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
" لَا تجرئ صَلَاةُ الرَّجُلِ حَتَّى يُقِيمَ ظَهْرَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ " لَا تُجْزِئُ صَلَاةٌ لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ فِيهَا صُلْبَهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَالصُّلْبُ الظَّهْرُ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَجَوَابُهُ أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ الْمُرَادَ بِهَا فَوَجَبَ اتِّبَاعُهُ
* (فَرْعٌ)
في الركوع: اتفق العلماة من الصاحبة وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى كَرَاهَةِ التَّطْبِيقِ فِي الرُّكُوعِ إلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَإِنَّهُ كَانَ يَقُولُ التَّطْبِيقُ سُنَّةٌ وَيُخْبِرُ أَنَّهُ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ سَعْدٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي النَّسْخِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَحَدِيثُ ابي حميد الساعدي وغيرهما وعن ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ " قَالَ لَنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إنَّ الرُّكَبَ قَدْ سُنَّتْ لَكُمْ فَخُذُوا بِالرُّكَبِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وقال حديث صحيح والنسائي * قال المصنف رحمه الله
*
* (والمستحب ان يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الكمال لما روى عن ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " إذا ركع أحدكم فقال سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ وذلك أدناه " والافضل أن يضيف (اللهم لك ركعت ولك خشعت وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وبصرى وعظمي ومخي وعصبي) لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا ركع قال ذلك " فان ترك التسبيح لم تبطل صلاته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم للمسئ صلاته " ثم راكع حتى تطمئن راكعا " ولم يذكر التسبيح)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا هُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ عَوْنًا لَمْ يَلْقَ ابْنَ مسعود ولهذا قال السافعي فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ ثَابِتًا فانما يعنى بقوله ثم رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ أَيْ أَدْنَى مَا يُنْسَبُ إلَى كَمَالِ الْفَرْضِ وَالِاخْتِيَارِ مَعًا لَا كَمَالِ الْفَرْضِ وَحْدَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّمَا قَالَ إنْ كَانَ ثَابِتًا لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ مُغَايَرَةٌ في بعض
الالفاظ سأذكرها إن شاء اللله تعالي وحديث المسئ صَلَاتَهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ.
اما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الرَّاكِعُ فَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَيَقُولَ مَا حَكَيْتُهُ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي حديث علي رضي الله عنه قال أصحابنا يُسْتَحَبُّ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَيَحْصُلُ أَصْلُ السُّبْحَةِ بقوله سبحان الله أو سبحان ربي وأدني الْكَمَالِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ أَقَلُّ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ لَوْ سَبَّحَ مَرَّةً وَاحِدَةً كَانَ آتِيًا بِسُنَّةِ التَّسْبِيحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ أَوَّلَ الْكَمَالِ الثَّلَاثُ قَالَ وَلَوْ سَبَّحَ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ كَانَ أَفْضَلَ وَأَكْمَلَ لَكِنَّهُ إذَا كَانَ إمَامًا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَزِيدَ عَلَى ثَلَاثٍ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثٌ وَأَعْلَى الْكَمَالِ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ تِسْعٌ وَأَوْسَطُهُ خَمْسٌ وَلَوْ سَبَّحَ مَرَّةً حَصَلَ التَّسْبِيحُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِ قَوْلِهِ وَبِحَمْدِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ وَيُنْكَرُ عَلَى الرَّافِعِيِّ لانه قال وبعضم يُضِيفُ إلَيْهِ وَبِحَمْدِهِ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ وَجْهٌ شَاذٌّ مَعَ أَنَّهُ مَشْهُورٌ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا ويستحب أن يقول اللهم ركعت إلي آخر حديث على رضي الله تعالي عَنْهُ وَهَذَا أَتَمُّ الْكَمَالِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ أَوَّلًا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ الَّذِي قَدَّمْتُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِ الذِّكْرَيْنِ فَالتَّسْبِيحُ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ فِي الْأَحَادِيثِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْإِتْيَانُ بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتَ إلَى آخِرِهِ مَعَ ثَلَاثِ تسبيحات أفضل من حذفه وزيادة التسبيح على ثلاث وهذا الذى قاله واضح لا يجى فِيهِ خِلَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالزِّيَادَةُ عَلَى ثَلَاثِ تسبيحات تستحب المنفرد وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ وَقِيلَ خَمْسٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ وَيَكُونُوا مَحْصُورِينَ لَا يَزِيدُونَ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْدَأَ الرَّاكِعُ فَيَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ مَا حَكَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُهُ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ رضي الله عنه
قَالَ وَكُلُّ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَحْبَبْتُ أَنْ لَا يُقَصِّرَ عنه اما ما كان أو منفردا وهو تحفيف لا تثقيل هذا لفظ نصه وظاهر اسْتِحْبَابُ الْجَمِيعِ لِلْإِمَامِ لَكِنَّ الْأَقْوَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَيُتَأَوَّلُ نَصُّهُ عَلَى مَا إذَا رَضِيَ الْمَأْمُومُونَ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ: عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قال " كان رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ " سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم: وسبوح قدوس بضم أولهما وَفَتْحِهِ لُغَتَانِ وَعَنْهَا قَالَتْ " افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فحسبت ثُمَّ رَجَعْتُ فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ وَسَاجِدٌ يَقُولُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح آل عمران فقرأها افتتح النساء فقرأها نقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح وسبح وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الحمد ثم قام قيام طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَكَانَ سُجُودُهُ قَرِيبًا مِنْ قِيَامِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عن رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَإِذَا رَكَعَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي وَعَصَبِي وَإِذَا رَفَعَ قَالَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لك الحمد ملء السموات والارض وما بينهما وملء ما شئت من شئ بَعْدُ وَإِذَا سَجَدَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ " لَمَّا نَزَلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قَالَ اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
زَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى قَالَ " فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَكَعَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَإِذَا سَجَدَ قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا " قَالَ أَبُو داود ونخاف أن لا تكون هذه لزيادة مَحْفُوظَةً وَفِي رُوَاتِهَا مَجْهُولٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ ثَلَاثًا وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الاعلي وبحمده ثلاثا " رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ فِيهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ ضعيف وعن عوف ابن مالك رضى الله عنه قال قَالَ " قُمْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَامَ يَقْرَأُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ لَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ فَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ فَتَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ذِي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ سجد
بقدر ثم قال في سجوده ذَلِكَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ بِآلِ عِمْرَانَ ثُمَّ قَرَأَ سُورَةً سُورَةً) " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ سَتَأْتِي بَقِيَّةٌ مِنْهَا فِي السُّجُودِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي
* (فرع)
قال الشافعي وسائر الاصحاب وسائر العلماة قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ وَغَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ (1) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وأنا راكع أو ساجدت " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الاواني نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَأَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فاجتهد فِي الدُّعَاءِ فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَإِنْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَيْضًا لَمْ تَبْطُلْ عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ كَمَا لَوْ رَكَعَ أَوْ سجد في غيره مَوْضِعِهِ وَسَتَأْتِي فُرُوعُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَبْسُطُهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَرْعٌ)
فِي التَّسْبِيحِ وَسَائِرِ الْأَذْكَارِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَالتَّكْبِيرَاتُ غَيْرَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كُلُّ ذَلِكَ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَأْثَمْ وصلاته صحيحة سواء تركه عمدا أو سَهْوًا لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُ عَمْدًا هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وجمور الْعُلَمَاءِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ مَذْهَبُ الفقهاء كافة وقال اسحق بن راهويه التسبيح واجب ان تركه عكدا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَقَالَ دَاوُد وَاجِبٌ مُطْلَقًا وَأَشَارَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إلَى اخْتِيَارِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَقَوْلُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وربنا ولك الحمد وان نسيه بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ تَرَكَ شيئا منه عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَسِيَهُ لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَنْهُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ سُنَّةٌ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ بِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ فِي فَرْعِ أَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَبِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رأيتوني اصلي " وبالقياس وعلي القراءة واحتج الشافعي والجمهور بحديث المسئ صَلَاتَهُ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ وَلَمْ يُعَلِّمْهُ هَذِهِ الْأَذْكَارَ مَعَ أَنَّهُ عَلَّمَهُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةَ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَذْكَارُ وَاجِبَةً لَعَلَّمَهُ إيَّاهَا بَلْ هَذِهِ أَوْلَى بِالتَّعْلِيمِ لَوْ كَانَتْ وَاجِبَةً لِأَنَّهَا تقال سرا وتخفى كَانَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ مَعَ ظُهُورِهِمَا لَا يُعَلِّمُهَا فهذه اولي واما الاحاديث الواردة
(1) كذا بالاصل وفيه سقط لعله مكروهة أو نحوه فليحرر اه
بِهَذِهِ الْأَذْكَارِ فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الْقِرَاءَةِ فَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْأَفْعَالَ فِي الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مُعْتَادٌ لِلنَّاسِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْقِيَامُ وَالْقُعُودُ وَهَذَا لَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ فِيهِ عَنْ الْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهِ الذِّكْرُ لِيَتَمَيَّزَ (وَالثَّانِي) غَيْرُ مُعْتَادٍ وَهُوَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فَهُوَ خُضُوعٌ فِي نَفْسِهِ مُتَمَيِّزٌ لِصُورَتِهِ عَنْ أَفْعَالِ الْعَادَةِ فَلَمْ يُفْتَقَرْ إلَى مُمَيَّزٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
التَّسْبِيحُ فِي اللغة معناه التنزيه قال الواحدى اجمنع الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ الْمَعَانِي عَلَى أَنَّ مَعْنَى تَسْبِيحِ الله تعالي تنزيهه وتبرئته من السؤ قَالَ وَأَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ التَّبْعِيدُ مِنْ قَوْلِكَ سَبَحْتُ فِي الْأَرْضِ إذَا بَعُدْتَ فِيهَا وَسُبْحَانَ الله منصوب على المصدر عنه الْخَلِيلِ وَالْفَرَّاءِ كَأَنَّكَ قُلْتَ سُبْحَانًا وَتَسْبِيحًا فَجُعِلَ
السبحان موضع التسبيح قال سبيويه سَبَّحْتُ اللَّهَ سُبْحَانًا بِمَعْنًى وَاحِدٍ فَالْمَصْدَرُ التَّسْبِيحُ وَسُبْحَانَ اسْمٌ يَقُومُ مَقَامَ الْمَصْدَرِ وَبِحَمْدِهِ سَبَّحْتُهُ فحذف سبحته اختصار أو يكون قَوْلُهُ وَبِحَمْدِهِ حَالًا أَيْ حَامِدًا سَبَّحْتُهُ وَقِيلَ معناه وبحمده ابتدئ * قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يرفع رأسه وسيتحب ان يقول سمع الله لمن حمده لما ذكرناه من حديث ابى هريرة في الركوع ويستحب ان يرفع يديه حذو منكبيه في الرفع لما ذكرناه من حديث ابن عمر في تكبيرة الاحرام فان قال من حمد الله سمع الله له اجزأه لانه اتى باللفظ والمعنى فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ رَبَّنَا لك الحمد ملء السموات وملء الارض ملء ما شئت من شئ بعد أهل الثناء والمجد حق ما قال العبد كلنا لَك عَبْدُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ من الركوع قال ذلك " ويجب ان يطمئن قائما لما روى رفاعة بْنِ مَالِكٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فليتوضأ كما امره اللى تعالى الي ان قال ثم ليركع حتى يطمئن راكعا ثم ليقم حتي يطمئن قائما ثم ليسجد حتي يطمئن ساجدا ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* أَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدٌ " بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ فِي أَحَقَّ وَوَاوٍ فِي وَكُلُّنَا هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَائِرُ الْمُحَدِّثِينَ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكُتُبِ الْفِقْهِ " حَقٌّ مَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّنَا " بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُنْتَظِمَ الْمَعْنَى لَكِنَّ الصَّوَابَ مَا ثَبَتَ فِي كُتُبِ الحديث قال الشيخ أبو عمر بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله مَعْنَاهُ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ " قَوْلُهُ " لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ " الي آخره وقوله " وكلنا لك عبد " اعتراض بَيْنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ قَالَ أَبُو دَاوُد أَوْ يَكُونُ قَوْلُهُ " أَحَقُّ مَا قَالَ " خَبَرًا لِمَا قَبْلَهُ أَيْ قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ " أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ " وَالْأَوَّلُ أَوْلَى وَهَذَا الَّذِي رَجَّحَهُ هُوَ الرَّاجِحُ الَّذِي يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ لِمَا فِيهِ مِنْ كَمَالِ التَّفْوِيضِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالِاعْتِرَافِ بِكَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَقَهْرِهِ وَسُلْطَانِهِ وَانْفِرَادِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَتَدْبِيرِ مَخْلُوقَاتِهِ
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وحديث رفاعة صحيح تقديم بيانه بطوله في فصل
القراءة لكن وقع هُنَا " حَتَّى تَطْمَئِنَّ قَائِمًا " وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ " حتى تعتدل قائما " واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى احْتِرَازٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي التَّكْبِيرِ أَكْبَرُ اللَّهُ فانه لا يجزيه لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى وَقَوْلُهُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ " أَيْ تَقَبَّلَ اللَّهُ مِنْهُ حمده وجازاه به وقوله " ملء المسوات وملء الْأَرْضِ " هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَيَجُوزُ نَصْبُ آخِرِهِ وَرَفْعُهُ مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا جَمِيعًا ابْنُ خَالَوَيْهِ وَآخَرُونَ وَحُكِيَ عَنْ الزَّجَّاجِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا الرَّفْعُ وَرَجَّحَ ابْنُ خَالَوَيْهِ وَالْأَكْثَرُونَ النَّصْبَ وَهُوَ المعروف في الروايات الْحَدِيثِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَيْ مَالِئًا وَتَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ جِسْمًا لَمَلَأ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ وَذَكَرْتُ قَوْلَ الزَّجَّاجِ وَابْنِ خَالَوَيْهِ وَغَيْرِهِمَا وقوله " اهل " منصوب على النداء قيل وَيَجُوزُ رَفْعُهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْتَ أَهْلٌ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَالثَّنَاءُ الْمَجْدُ وَالْمَجْدُ الْعَظَمَةُ وَقَوْلُهُ " لَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " هُوَ بِفَتْحِ الجيم علي المشهور وقيل بكسرها والصحيح والاول وَالْجَدُّ الْحَظُّ وَالْمَعْنَى لَا يَنْفَعُ ذَا الْمَالِ وَالْحَظِّ وَالْغِنَى غِنَاهُ وَلَا يَمْنَعُهُ مِنْ عِقَابِكَ وانما ينفعه ويمنعه ومن عِقَابِكَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ وَعَلَى رِوَايَةِ الْكَسْرِ يَكُونُ مَعْنَاهُ لَا يَنْفَعُ ذَا الْإِسْرَاعِ فِي الْهَرَبِ إسْرَاعُهُ وَهَرَبُهُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَقَوْلُهُ رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ كَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قبل هَذَا فِي فَصْلِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ هُنَاكَ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَالِاعْتِدَالُ مِنْ الرُّكُوعِ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَدْ يُتَعَجَّبُ مِنْ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَالْقِرَاءَةِ وَالرُّكُوعِ كَأَنَّهُ تَرَكَهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَجِبُ أَنْ يَطْمَئِنَّ قَائِمًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالِاعْتِدَالُ الْوَاجِبُ هُوَ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ رُكُوعِهِ إلَى الْهَيْئَةِ الَّتِي كَانَ عليها قبل الركوع سواء صلى قائما أو قَاعِدًا فَلَوْ رَكَعَ عَنْ قِيَامٍ فَسَقَطَ فِي رُكُوعِهِ نَظَرَ إنْ لَمْ يَطْمَئِنَّ مِنْ رُكُوعِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَعْتَدِلَ مِنْهُ وَإِنْ اطْمَأَنَّ لَزِمَهُ أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا فَيَعْتَدِلَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ فَإِنْ عَادَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا وَلَوْ رَفَعَ الرَّاكِعُ رَأْسَهُ ثُمَّ سَجَدَ وَشَكَّ هَلَّ تَمَّ اعْتِدَالُهُ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الِاعْتِدَالِ ثُمَّ يَسْجُدَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الِاعْتِدَالِ وَيَجِبُ أَنْ لا يقصد بارتفاعه من الركوع شيئنا غَيْرَ الِاعْتِدَالِ فَلَوْ رَأَى فِي رُكُوعِهِ حَيَّةً وَنَحْوَهَا فَرَفَعَ فَزَعًا مِنْهَا لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطَوِّلَ الِاعْتِدَالَ زِيَادَةً عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ لِأَذْكَارِهِ فَإِنْ طَوَّلَ زِيَادَةً عَلَيْهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ أَتَى بِالرُّكُوعِ الْوَاجِبِ فَعَرَضَتْ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ الِانْتِصَابِ سَجَدَ مِنْ رُكُوعِهِ وَسَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِدَالُ لِتَعَذُّرِهِ فَلَوْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ بُلُوغِ جَبْهَتِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَجَبَ أَنْ يَرْتَفِعَ وَيَنْتَصِبَ قَائِمًا وَيَعْتَدِلَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَإِنْ زالت بعد وضع جبهه عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَرْجِعْ إلَى الِاعْتِدَالِ بَلْ سقط عنه فان خالف وعاد إليه بل تَمَامِ سُجُودِهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَعُودُ إلَى السُّجُودِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الِاعْتِدَالِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي قَلْبِي مِنْ ايجلبها شئ وَسَبَبُهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في حديث المسئ صَلَاتَهُ " حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا " وَقَالَ فِي بَاقِي الْأَرْكَانِ حَتَّى تَطْمَئِنَّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَطْمَئِنُّ وَقَالَ " صلوا كما رأنتمونى أُصَلِّي " هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِوَاجِبِ الِاعْتِدَالِ وَأَمَّا أَكْمَلُهُ وَمَنْدُوبَاتُهُ (فَمِنْهَا) أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الرَّفْعِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَيَكُونُ ابْتِدَاءُ رَفْعِهِمَا مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ وَدَلِيلُ الرَّفْعِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ غَيْرِهِ مِمَّا سَبَقَ في فصل الركوع وسبق هنا بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِمًا حَطَّ يَدَيْهِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي حَالِ ارْتِفَاعِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ قَالَ مَنْ حَمِدَ اللَّهَ سَمِعَ لَهُ أَجْزَأَهُ فِي تَحْصِيلِ هَذِهِ السَّنَةِ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى بِخِلَافِ مَا لَوْ قال في التكبير أَكْبَرُ اللَّهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يُحِيلُ مَعْنَاهُ بِالتَّنْكِيسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَكِنَّ قَوْلَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ أَوْلَى لانه الذى وردت من الْأَحَادِيثُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ " ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الارض وملء ما شئت من شئ بَعْدُ أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَك عَبْدُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأَذْكَارِ كُلِّهَا الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ فَيَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ قَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهِ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا لَكِنْ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي الْإِمَامُ بِهَذَا كُلِّهِ إذَا رَضِيَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيلِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ
كذلك اقتصر علي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي فِي رِوَايَةِ الْمُحَدِّثِينَ " أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد " وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْفِقْهِ " حَقٌّ مَا قَالَ الْعَبْدُ كُلُّنَا " بِخِلَافِ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْمُخْتَارَ مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ الصَّحِيحَةُ وَهُوَ إثْبَاتُ الْأَلِفِ وَالْوَاوِ وَثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَاتٍ كَثِيرَةٍ " رَبَّنَا لَكَ الحمد " وفى روايات الكثيرة " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " بِالْوَاوِ وَفِي رِوَايَاتٍ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " وَفِي رِوَايَاتٍ " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " وَكُلُّهُ فِي الصَّحِيحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب كله جائز قال الْأَصْمَعِيُّ سَأَلْتُ أَبَا عَمْرٍو عَنْ الْوَاوِ فِي قَوْلِهِ " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " فَقَالَ هِيَ زَائِدَةٌ يقول الْعَرَبُ يَعْنِي هَذَا الثَّوْبُ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ (قُلْتُ) وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ عَاطِفَةً عَلَى مَحْذُوفٍ أَيْ رَبَّنَا أَطَعْنَاك وَحَمَدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ قَالَ وَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى وَقَدْ سَبَقَ الْآنَ الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ أَكْبَرُ اللَّهُ قَالُوا وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ قَوْلُهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السَّنَةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَسْمَعَ الْمَأْمُومُونَ وَيَعْلَمُوا انْتِقَالَهُ كما يجهر بالكبير وَيُسِرُّ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الِاعْتِدَالِ فَأَسَرَّ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُسِرُّ بِهِمَا كَمَا يُسِرُّ بالتكبير فان أَرَادَ تَبْلِيغَ غَيْرِهِ انْتِقَالَ الْإِمَامِ كَمَا يُبَلَّغُ التكبيره جهر بقول سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِأَنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي حَالِ الِارْتِفَاعِ وَلَا يَجْهَرُ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُشْرَعُ فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ والله اعلم
*
(فرع)
ذكر صاحب التتمة في اشتراط الا عتدال في صلاة النقل وَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّفَلَ هَلْ يَصِحُّ مُضْطَجِعًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ قَالَ وَوَجْهُ السُّنَّةِ أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إكْمَالِ الْأَرْكَانِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه رُكْنٌ فِي الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ بَلْ لَوْ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ إلَى السُّجُودِ أَجْزَأَهُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (اركعوا واسجدوا)
واحتج اصحابنا بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ لَا تُعَارِضُهُ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رأيتوني أُصَلِّي "
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُقَالُ في الاعتدال: قد ذكرنا أن مذهبنا أنه يقول في حال ارتفاعه سمع الله لمن حَمِدَهُ فَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا قَالَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَبِهَذَا قَالَ عطاء وأبو بردة ومحمد بن سيرين واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ سمع الله لمن حمده فقط المأموم رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَقَطْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ يَجْمَعُ الْإِمَامُ الذِّكْرَيْنِ وَيَقْتَصِرُ الْمَأْمُومُ عَلَى رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ رواه البخاري ومسلم وراه مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ قَالَ اللم رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ حِينَ رَفَعَ رَأْسَهُ " سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَمِثْلُهُ فِي صَحِيحِ
الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُمَا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الله بن ابي أو في وَغَيْرِهِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَيَقْتَضِي هَذَا مَعَ مَا قَبْلَهُ أَنَّ كُلَّ مُصَلٍّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ كَالتَّسْبِيحِ فِي الركوع وغيره ولان لصلاة مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ لَا يَفْتُرَ عَنْ الذِّكْرِ في شئ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَقُلْ بِالذِّكْرَيْنِ فِي الرَّفْعِ وَالِاعْتِدَالِ بَقِيَ أَحَدُ الْحَالَيْنِ خَالِيًا عَنْ الذِّكْرِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " فَقَالَ أَصْحَابُنَا فَمَعْنَاهُ قُولُوا رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مَعَ مَا قَدْ عَلِمْتُمُوهُ مِنْ قَوْلِ سَمِعَ اللَّهُ
لِمَنْ حَمِدَهُ وَإِنَّمَا خَصَّ هَذَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَسْمَعُونَ جَهْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِنَّ السُّنَّةَ فِيهِ الْجَهْرُ وَلَا يَسْمَعُونَ قَوْلَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ سِرًّا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَكَانُوا يَعْلَمُونَ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مَعَ قَاعِدَةِ التَّأَسِّي بِهِ صلى الله عليه وسلم مُطْلَقًا وَكَانُوا يُوَافِقُونَ فِي سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى الْأَمْرِ بِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ فَأُمِرُوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
ثَبَتَ عَنْ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ مَنْ الْمُتَكَلِّمُ قال أنا قَالَ رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلَاثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَا أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ هَذِهِ الْأَذْكَارِ فَيَقُولُ فِي ارْتِفَاعِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَإِذَا انْتَصَبَ قَالَ اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد حمدا كثير طيبا مباركا فيه ملء السموات وملء الارض الي قوله منك الجد
* قال المنصف رحمه الله
*
* (ثم يسجد وهو فرض لقوله تعالى (اركعوا واسجدوا) ويستحب أن يبتدئ عند الهوى الي السجود بالتكبيرات لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله تعالي عنه في الركوع)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَصْلُ السُّجُودِ التَّطَامُنُ وَالْمَيْلُ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ أَصْلُهُ الْخُضُوعُ وَالتَّذَلُّلُ وَكُلُّ مَنْ تَذَلَّلَ وَخَضَعَ فَقَدْ سَجَدَ وَسُجُودُ كُلِّ مَوَاتٍ فِي الْقُرْآنِ طَاعَتُهُ لِمَا سَجَدَ لَهُ هَذَا
أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ وَقِيلَ لِمَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي الْأَرْضِ سَجَدَ لِأَنَّهُ غَايَةُ الْخُضُوعِ: وَالسُّجُودُ فرض بنص الكتاب والسنن وَالْإِجْمَاعِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّكْبِيرُ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ وَأَنَّ أَحْمَدَ أَوْجَبَ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عنه وجماعة ومن السلف لا يشرع وذكرنا الدليل علي الجيمع وَيُسْتَحَبُّ مَدُّ التَّكْبِيرِ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْهُوِيِّ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمُدَّهُ وَقَدْ سَبَقَ بيانه في فصل الركوع * قال المصنف رحمه الله
** (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجُرٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " فَإِنَّ وَضْعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ أَجْزَأُ إلا انه ترك هيئة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدِّمَ فِي السُّجُودِ الرُّكْبَتَيْنِ ثُمَّ الْيَدَيْنِ ثُمَّ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَبِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَالنَّخَعِيُّ وَمُسْلِمُ بْنُ بشار وسفيان الثوري واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ يُقَدِّمُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُقَدِّمُ أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَا تَرْجِيحَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ بِأَحَادِيثَ وَلِمَنْ قَالَ بِعَكْسِهِ بِأَحَادِيثَ وَلَا يَظْهَرُ تَرْجِيحُ أَحَدُ الْمَذْهَبَيْنِ مِنْ حَيْثُ السنة ولكني أَذْكُرُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمَا قِيلَ عَنْ وَائِلُ بْنُ حُجُرٍ رضي الله عنه قَالَ " رَأَيْتُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ تَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ وَهُوَ أَرْفَقُ بِالْمُصَلِّي وأحسن في الشكل ورأى العين وقال الدارقطني قَالَ ابْنُ أَبِي دَاوُد وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ تَفَرَّدَ بِهِ شَرِيكٌ الْقَاضِي عَنْ ابْنِ كُلَيْبٍ وَشَرِيكٌ لَيْسَ هُوَ مُنْفَرِدًا بِهِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ يُعَدُّ مِنْ أَفْرَادِ شَرِيكٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَزَادَ أَبُو دَاوُد فِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ " وَهِيَ زِيَادَةٌ ضَعِيفَةٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَسْمَعْهُ وَقِيلَ وُلِدَ بَعْدَهُ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبَّرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَقَالَ فِي السُّجُودِ سبقت ركبتاه يديه " رواه الدارقطني والبيهقي وأشار إلي تضعيفه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَلْيَضَعْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عبد الله
ابن سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا سَجَدَ
أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِرُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَلَا يَبْرُكُ بُرُوكَ الْجَمَلِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ ضَعِيفٌ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قَالَ " كُنَّا نَضَعُ الرُّكْبَتَيْنِ قَبْلَ الْيَدَيْنِ " رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ نَاسِخٌ لِتَقْدِيمِ الْيَدَيْنِ وَكَذَا اعْتَمَدَهُ أَصْحَابُنَا وَلَكِنْ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ التَّضْعِيفِ بَيِّنٌ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعَّفَهُ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يحيي ابن مسلمة بْنِ كُهَيْلٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ هُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي حَدِيثِهِ مَنَاكِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ يَبْتَدِئَ التَّكْبِيرَ قَائِمًا وَيَنْحَطَّ وَكَأَنَّهُ سَاجِدٌ ثُمَّ إنَّهُ يَكُونُ أَوَّلَ مَا يَضَعُ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ رُكْبَتَيْهِ ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ وَجْهَهُ فَإِنْ وَضَعَ وَجْهَهُ قَبْلَ يَدَيْهِ أَوْ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ كَرِهْتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ قَالَ وان أخر التبكير عن ذلك بعني عَنْ الِانْحِطَاطِ وَكَبَّرَ مُعْتَدِلًا أَوْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ كَرِهْتُ ذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ يُقَدِّمُ أَيُّهُمَا شاء
* قال المنصف رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَيَسْجُدُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ فَوَاجِبٌ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا سَجَدْتَ فَمَكِّنْ جَبْهَتَكَ من الارض ولا تنقر نَقْرًا " قَالَ فِي الْأُمِّ فَإِنْ وَضَعَ بَعْضَ الْجَبْهَةِ كَرِهْتُهُ وَأَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى الْجَبْهَةِ فان سجد على حائل دُونَ الْجَبْهَةِ لَمْ يُجْزِئْهُ لِمَا رَوَى خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ رضي الله عنه قَالَ " شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يَشْكُنَا " وَأَمَّا السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ فَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَجَدَ وَأَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ " فَإِنْ تَرَكَهُ أَجْزَأَهُ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ عَلَى قِصَاصِ الشَّعْرِ " وَإِذَا سَجَدَ بِأَعْلَى جَبْهَتِهِ لم يسجد على الانف)
*
*
* (الشرح)
* حديث بن عمر وجابر غربيان ضعيفان وقد روى الدارقطني حديث جابر بِلَفْظِهِ هُنَا لَكِنَّهُ ضَعَّفَهُ وَأَمَّا حَدِيثُ خَبَّابٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَرَوَاهُ مسلم بغير هذا فرواه عن زهير عن أبي اسحق السَّبِيعِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ " أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم فَشَكَوْنَا إلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَلَمْ يَشْكُنَا " قَالَ زُهَيْرٌ قُلْتُ لِأَبِي إِسْحَاقَ أَفِي الظُّهْرِ قَالَ نَعَمْ قُلْت فِي تَعْجِيلِهَا قَالَ نَعَمْ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَقَالَ " فَمَا أَشْكَانَا وَقَالَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فَصَلُّوا " وَقَدْ اعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ عَلَى اصحانا فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْحَدِيثِ
لِوُجُوبِ كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَقَالَ هَذَا وَرَدَ فِي الابراد وهذا الاعتراض ضعيف لانهم شكوا حز الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِهِمْ وَأَكُفِّهِمْ وَلَوْ كَانَ الْكَشْفُ غَيْرَ وَاجِبٍ لَقِيلَ لَهُمْ اُسْتُرُوهَا فَلَمَّا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَشْفِهَا وَقَوْلُهُ فَلَمْ يَشْكُنَا وَلَمْ يُجِبْنَا إلَى مَا طَلَبْنَاهُ ثُمَّ نُسِخَ هَذَا وَثَبَتَتْ السُّنَّةُ بِالْإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ ثَبَتَ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ صَحِيحَةٍ وَقَوْلُهُ قِصَاصُ الشَّعْرِ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ حَكَاهُنَّ ابْنُ السِّكِّيتِ وغيره وهو اصل منبته مِنْ مُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَأَمَّا خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ فَكُنْيَتُهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهو مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالسَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سَبْعٍ وَثَلَاثِينَ وَهُوَ ابن ثلاثة وَسَبْعِينَ سَنَةً
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالسُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهَا كُلِّهَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ مِنْهَا أَجْزَأَهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَالدَّارِمِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ وَضْعُ جَمِيعِهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى الْجَبِينِ وَهُوَ الَّذِي فِي جَانِبِ الْجَبْهَةِ أَوْ عَلَى خَدِّهِ أَوْ صُدْغِهِ أَوْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ أَوْ عَلَى أَنْفِهِ وَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا مِنْ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالصَّحِيحُ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي وَضْعِ الْجَبْهَةِ الْإِمْسَاسُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ بِثِقَلِ رَأْسِهِ وَعُنُقِهِ حَتَّى تَسْتَقِرَّ جَبْهَتُهُ فَلَوْ سَجَدَ عَلَى قُطْنٍ أَوْ حشيش أو شئ مَحْشُوٍّ بِهِمَا وَجَبَ أَنْ يَتَحَامَلَ حَتَّى يَنْكَبِسَ ويظهر اثره علي يدلو فُرِضَتْ تَحْتَ ذَلِكَ الْمَحْشُوِّ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي أَنَّهُ يَكْفِي إرْخَاءُ رَأْسِهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى التَّحَامُلِ كَيْفَ فُرِضَ مَحَلُّ السُّجُودِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجِبُ أَنْ
يَكْشِفَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَيُبَاشِرَ بِهِ مَوْضِعَ السُّجُودِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ فَإِنْ حَالَ دُونَ الْجَبْهَةِ حَائِلٌ مُتَّصِلٌ بِهِ فَإِنْ سَجَدَ علي كنفه أَوْ كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ طَرَفِ كُمِّهِ أَوْ عمامته وهما يتحركان بحركته في القيام والعقود أَوْ غَيْرِهِمَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى ذَيْلِهِ أَوْ كُمِّهِ أَوْ طَرَفِ عِمَامَتِهِ وَهُوَ طَوِيلٌ جِدًّا لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ فَوَجْهَانِ
(الصَّحِيحُ) أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ هَذَا الطَّرَفَ فِي مَعْنَى الْمُنْفَصِلِ (وَالثَّانِي) لَا تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَى ذَلِكَ الطَّرَفِ نَجَاسَةٌ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ وَقَدْ سَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ أَمَّا إذَا سَجَدَ عَلَى ذَيْلِ غَيْرِهِ أَوْ طَرَفِ عِمَامَةِ غَيْرِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ مِنْ غَيْرِ ان تقع بشرته علي بشرتها أو علي ظَهْرِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَيَوَانَاتِ الطَّاهِرَةِ كَالْحِمَارِ وَالشَّاةِ وَغَيْرِهِمَا أَوْ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ عَلَيْهِ ثَوْبٌ طَاهِرٌ بِحَيْثُ لَمْ يُبَاشِرْ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فَيَصِحُّ سُجُودُهُ وَصَلَاتُهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ بِلَا خِلَافٍ إذَا وُجِدَتْ هَيْئَةُ السُّجُودِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ عَلَى الظَّهْرِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي تَرْكِ الْمُبَاشَرَةِ بِالْجَبْهَةِ عُذْرٌ فَإِنْ كَانَ عَلَى جَبْهَتِهِ جِرَاحَةٌ وَعَصَبَهَا بِعِصَابَةٍ وَسَجَدَ عَلَى الْعِصَابَةِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا سَقَطَتْ الْإِعَادَةُ مَعَ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ لِلْعُذْرِ فَهُنَا أَوْلَى قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَفِيهِ وَجْهٌ يخرج من مسح الجبيرة أو عليه الاعادة والمذهب انه لا اعادة وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ وَشَرْطُ جَوَازِ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ في ازالة العصابة ولو عصب علي جبهة عِصَابَةً مَشْقُوقَةً لِحَاجَةٍ أَوْ لِغَيْرٍ حَاجَةٍ وَسَجَدَ وَمَاسَّ مَا بَيْنَ شِقَّيْهَا شَيْئًا مِنْ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ الْقَدْرُ وَكَذَا لَوْ سَجَدَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ ثَوْبٌ مُخَرَّقٌ فَمَسَّ مِنْ جَبْهَتِهِ الْأَرْضَ أَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عليه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ ابْنُ كَجٍّ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ أَوْ كُمِّهِ وَنَحْوِهِمَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ سُجُودَهُ بَاطِلٌ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ السُّجُودِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي التَّبْصِرَةِ
*
(فَرْعٌ)
السُّنَّةُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى أَنْفِهِ مَعَ جَبْهَتِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لَا يُقَدِّمُ أَحَدَهُمَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَنْفِهِ دون شئ مِنْ جَبْهَتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْجَبْهَةِ أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ في الام كرهت ذلك واجزأه وهذا هو الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي يَزِيدَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ إنَّهُ يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ جَمِيعًا وَهَذَا غَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا فِي الدَّلِيلِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْجَبْهَةِ والانف على الارض
* اما الجبهة جمهور الْعُلَمَاءِ عَلَى وُجُوبِهَا وَأَنَّ الْأَنْفَ لَا يُجْزِي عَنْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَنْفِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى
أَحَدِهِمَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يُحْفَظُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ غَيْرَ أَبِي حَنِيفَةَ
* وَأَمَّا الْأَنْفُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ السُّجُودُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَعِكْرِمَةَ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ: وَقَالَ سَعِيدُ بن جبير والنخعي واسحق يَجِبُ السُّجُودُ عَلَى الْأَنْفِ مَعَ الْجَبْهَةِ وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سبعة اعظم علي لجبهه ا - وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ - وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافِ الْقَدَمَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْجَبْهَةِ وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَهَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا سَجَدَ أَمْكَنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا يُصِيبُ الْجَبِينُ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ الْجَبْهَةِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَحَادِيثِ وَبِحَدِيثِ خَبَّابٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالسُّجُودِ التَّذَلُّلُ وَالْخُضُوعُ وَلَا يَقُومُ الْأَنْفُ مَقَامَ الْجَبْهَةِ فِي ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَنْفِ صريحا لا بفعل ولا يقول وَاحْتَجُّوا فِي أَنَّ الْأَنْفَ لَا يَجِبُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُطْلَقَةِ فِي الْأَمْرِ
بِالْجَبْهَةِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الْأَنْفِ وَفِي هَذَا الِاسْتِدْلَالِ ضَعْفٌ لِأَنَّ رِوَايَاتِ الْأَنْفِ زِيَادَةٌ مِنْ ثِقَةٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ أَحَادِيثِ الْأَنْفِ بِأَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ ثُمَّ أَبُو بَكْرِ بن ابى داود ثم الدارقطني ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْحُفَّاظِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ الدارقطني مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَعْنَاهُ وَضَعَّفَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السُّجُودِ عَلَى كُمِّهِ وَذَيْلِهِ وَيَدِهِ وَكَوْرِ عِمَامَتِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سجوده علي شئ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَأَحْمَدُ فِي رواية وقال مالك وابو حنيفة والاوزاعي واسحق وَأَحْمَدُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى يَصِحُّ قَالَ صَاحِبُ التهذيب وبه
قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ يَبْسُطُ ثَوْبَهُ فَيَسْجُدُ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " لقدر رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في يوم مطير وهو يبقى الطِّينَ إذَا سَجَدَ بِكِسَاءٍ عَلَيْهِ يَجْعَلُهُ دُونَ يَدَيْهِ " رَوَاهُ ابْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَعَنْ الحسن قال " كان اصحاب رسول اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُونَ وَأَيْدِيهِمْ فِي ثِيَابِهِمْ وَيَسْجُدُ الرَّجُلُ عَلَى عِمَامَتِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَبِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ " وَقِيَاسًا عَلَى بَاقِي الاعضاء واحتج اصحابنا وبحديث خَبَّابٍ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ فِيهِ وَبِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ للمسئ صَلَاتَهُ " إنَّهُ لَا يَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ - وَذَكَرَ صِفَةَ الصَّلَاةِ إلَى أَنْ قَالَ - فَيُمَكِّنَ وَجْهَهُ وَرُبَّمَا قَالَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ - وَذَكَرَ تَمَامَ صِفَةِ الصَّلَاةِ ثُمَّ قَالَ - لا يتم صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ قَالَ (فَيُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ) بِلَا شَكٍّ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى ثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ فَضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ مَجْرُوحٌ وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ لِسَتْرِ الْجَبْهَةِ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ
عَنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ يَسْجُدُ عَلَى الْعِمَامَةِ مع بعض الجهبة وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْمُخْتَارَ مُبَاشَرَةُ الْجَبْهَةِ لِلْأَرْضِ فَلَا يُظَنُّ بِالصَّحَابَةِ إهْمَالُ هَذَا وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَجَدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ " فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَلَا يَثْبُتُ في هذا شئ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى بَاقِي الْأَعْضَاءِ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ وَضْعُهَا عَلَى قَوْلٍ وَإِنْ وَجَبَ فَفِي كشفها مشقة بخلاف الجبهة
*
* قال المنصف رحمه الله
*
* (وأما السجود على اليدين والركبتين والقدمين ففيه قولان (أشهرهما) أنه لا يجب لانه لو وجب لوجب الايماء بها إذا عجز كالجبهة
(والثانى)
يجب لما ورى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ أَنْ يَسْجُدَ علي سبعة أعضاء يديه وركبتيه وأطراف أصابعه وجبهته "(فإذا قلنا) بهذا لم يجب كشف القدمين والركبتين لان كشف الركبة يفضى إلى كشف العورة فتبطل صلاته والقدم قد يكون في الخف فكشفها يبطل السمح والصلاة وأما اليد ففيه قولان (المنصوص) في
الكتب أنه لا يجب لانها لا تكشف الا لحاجة فهى كالقدم وقال في السبق والرمى قد قيل فيه قول آخر أنه يجب لحديث خباب بن الارت رضي الله عنه
*
*
* (الشرح)
* حديث ابن عباس رضى اله عَنْهُمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ قَالَ فِي السَّبَقِ وَالرَّمْيِ يَعْنِي قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ السَّبَقِ وَالرَّمْيِ وَهُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ.
أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَفِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ وَضْعَهَا مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ ظَاهِرُ حَدِيثِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَضْعُهَا وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ المصنف والبغوى هذا القول هو الْأَشْهَرُ وَصَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالرُّويَانِيُّ فِي الحلية ولارافعى وصحح جماعة قول الوجوب منهم الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَبِهِ قطع الشيخ أبو حامد في التبصرة وهذا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الرَّاجِحُ فِي الدَّلِيلِ فَإِنَّ الْحَدِيثَ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِوَضْعِهَا وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْقَائِلُ الْأَوَّلُ يحمل الحديث علي الاسحباب
وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ لَهُ لِأَنَّ أَصْلَهُ الْوُجُوبُ فَلَا يُصْرَفُ عَنْهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَالْمُخْتَارُ الصَّحِيحُ الْوُجُوبُ وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ إلَى تَرْجِيحِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَوْلَانِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا يَجِبُ لَمْ يَجِبْ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) لَا تَجِبُ الركبتان فالقدمان أول وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ الْمَذْهَبَ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ وَأَنَّ مِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ خَصَّهُمَا بِالْيَدَيْنِ وَقَالَ لَا تَجِبُ الرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ وَذَكَرَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَوْلَ ابن القاص أن في الجيمع قَوْلَيْنِ ثُمَّ قَالَ الْقَفَّالُ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا غَلَطٌ وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّ وَضْعَ الرُّكْبَتَيْنِ وَأَطْرَافَ الْقَدَمَيْنِ وَاجِبٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْقَفَّالُ عَنْ الْأَصْحَابِ عَجِيبٌ غَرِيبٌ وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ الْمُتَقَدِّمُونَ وَالْمُتَأَخِّرُونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَمِيعِ وَهَا أَنَا أَنْقُلُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله مِنْ الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ قَالَ فِي الْأُمِّ " كَمَالُ السُّجُودِ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى جَبْهَتِهِ وَأَنْفِهِ وَرَاحَتِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَقَدَمَيْهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَ أَنْفِهِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَأَجْزَأَهُ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى بَعْضِ جَبْهَتِهِ دُونَ جَمِيعِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ عليه اعادة قال واجب أَنْ يُبَاشِرَ بِرَاحَتَيْهِ الْأَرْضَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَلَا أُحِبُّ هَذَا فِي رُكْبَتَيْهِ بَلْ أُحِبُّ أَنْ يَكُونَا مُسْتَتِرَيْنِ بِالثِّيَابِ وَأُحِبُّ إنْ لَمْ يَكُنْ الرَّجُلُ مُتَخَفِّفًا أَنْ يُفْضِيَ بِقَدَمَيْهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا يَسْجُدُ مُتَنَعِّلًا
قال الشافعي وفي قولان
(أحدهما)
ان عليه أن يسجد على جيمع أعضائه التي أمرته بالسجود عليها من قَالَ بِهَذَا قَالَ إنْ تَرَكَ عُضْوًا مِنْهَا لَمْ يُوقِعْهُ الْأَرْضَ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إيقَاعِهِ لَمْ يَكُنْ سَاجِدًا كَمَا إذَا تَرَكَ جَبْهَتَهُ فلم يوقعها الارض وهو يقدر وان سجد علي ظهر كفيه لم يجزئه وَكَذَا إنْ سَجَدَ عَلَى حُرُوفِهَا وَإِنْ مَاسَّ الارض ببعض يديه أصابعهما أو بعضها أو راحتيه أو بعضها أو سجد على ما عدا جبهته متغطيا أجزأه وهكذا فِي الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا مَذْهَبٌ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ إذَا سَجَدَ علي جبهته أو على شئ مِنْهَا دُونَ مَا سِوَاهَا أَجْزَأَهُ هَذَا
نَصُّ الشَّافِعِيِّ بِحُرُوفِهِ نَقَلْته مِنْ الْأُمِّ مِنْ نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مُقَابَلَةٍ وَفِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فَحَصَلَ لِلْأَصْحَابِ أَرْبَعُ طُرُقٍ فِي الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَنَّ فِي وُجُوبِ وَضْعِ الْجَمِيعِ قَوْلَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ الْقَفَّالُ: وَهَذِهِ الطُّرُقُ الثَّلَاثَةُ سِوَى الْأَوَّلِ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ وَنَصَّ الشَّافِعِيِّ وَجُمْهُورَ الْأَصْحَابِ وَإِنَّمَا أَذْكُرُهَا لِبَيَانِ حَالِهَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهَا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا فَمَعْنَاهُ يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِهَا عَلَى الْبَدَلِ فَتَارَةً يَتْرُكُ الْيَدَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَتَارَةً يَتْرُكُ الْقَدَمَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَكَذَلِكَ الرُّكْبَتَانِ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَرْكُ الْجَمِيعِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا فأمنكنه أَنْ يَسْجُدَ عَلَى جَبْهَتِهِ دُونَهَا كُلِّهَا أَجْزَأَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ مِثْلَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ وَضْعُهَا اعْتَمَدَ مَا شَاءَ وَرَفَعَ مَا شَاءَ وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْجُدَ مَعَ رَفْعِ الْجَمِيعِ هَذَا هُوَ الْغَالِبُ وَالْمَقْطُوعُ به (قلت) ويتصور رفع لجميع فيما إذا صلي على حجرين بينهما حَائِطٌ قَصِيرٌ فَإِذَا سَجَدَ انْبَطَحَ بِبَطْنِهِ عَلَى الْحَائِطِ وَرَفَعَ هَذِهِ الْأَعْضَاءَ أَوْ اعْتَمَدَ بِوَسَطِ ساقه أو بظهر كفه فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ حُكْمُ رَفْعِ الْكَفِّ كَمَا سَبَقَ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ وَضْعُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ كَفَى وَضْعُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ كُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا كَمَا قُلْنَا فِي الْجَبْهَةِ وَالِاعْتِبَارُ فِي القدمين ببطون الاصابع فلو وضع
غيرذلك لَمْ يُجْزِئْهُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ أَنَّهُ إنْ سَجَدَ عَلَى ظَاهِرِ قَدَمِهِ أَجْزَأَهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي الْيَدَيْنِ بِبَاطِنِ الْكَفِّ سَوَاءٌ فِيهِ بَاطِنُ الْأَصَابِعِ وَبَاطِنُ الرَّاحَةِ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى بعض باطن الرَّاحَةِ أَوْ بَعْضِ بَاطِنِ الْأَصَابِعِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى ظَاهِرِ الْكَفَّيْنِ أَوْ حَرْفِهِمَا لَمْ يُجْزِئْهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ كما سبق بيانه وكذا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَخَالَفَهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فَقَالَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ السُّجُودُ هُوَ الرَّاحَتَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَأَنَّهُ يُجْزِيهِ بُطُونُ الْأَصَابِعِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى سَاجِدًا عَلَى يَدَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا وَضْعَ
هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَمْ يَجِبْ كَشْفُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ كَشْفُ الْقَدَمَيْنِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ كَشْفِ الرُّكْبَتَيْنِ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَفِي وُجُوبِ كَشْفِ الْيَدَيْنِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي عَامَّةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ كَشْفُ أَدْنَى جُزْءٍ مِنْ بَاطِنِ كُلِّ كَفٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَعَذَّرَ وَضْعُ أَحَدِ الْكَفَّيْنِ أَوْ أَحَدِ الْقَدَمَيْنِ لِقَطْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَحُكْمُ الْمَسْأَلَةِ كَمَا سَبَقَ وَلَا فَرْضَ فِي الْمُتَعَذِّرَةِ وَلَا يَجِبُ وَضْعُ طَرَفِ الزَّنْدِ مِنْ الْمَقْطُوعَةِ لِأَنَّ مَحَلَّ الْفَرْضِ فَاتَ فَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ فَوْقِ الْمِرْفَقِ لَا يَجِبُ غَسْلُ الْعَضُدِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ لِمَا روى أبو قتادة رضى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان إذا سجد جافى عضديه " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقِلَّ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ " إذَا سجد جخ " روى " جخي " والجح الْخَاوِي وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً ضَمَّتْ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ (جَخَّى) وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ (جَخَّ) وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ - وَهُوَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَبَعْدَهَا خَاءٌ مُعْجَمَةٌ مُشَدَّدَةٌ - قَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَى اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ وَالتَّجْخِيَةُ التَّخْوِيَةُ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ جَافَى رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسَنُّ أَنْ يُجَافِيَ مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَيَرْفَعَ بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ وَتَضُمُّ الْمَرْأَةُ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وعن عبد الله بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا صَلَّى فَرَّجَ بين يديه حتي يبدو بياض أبطيه من ورائه " رواه مسلم (1) والوضح البياضن وَعَنْ أَحْمَرَ بْنِ جُزْءٍ بِالزَّايِ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى عَضُدَيْهِ عَنْ جنبيه حتي
(1) كذا نالاصل وفيه سقط لعله " وفي رواية لمسلم وضح انطيه الخ " كما يتضح من مراجعة صحيح مسلم له
نأدى لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صحيح قوله نأدى لَهُ بِالْهَمْزَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ رَقَّ لَهُ ورئي لَهُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ بِنَحْوِ مَا ذكرناه * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيُفَرِّجُ بَيْنَ رِجْلَيْهِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا حُمَيْدٍ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ
" إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ رجليه " ويوجه بين اصابعه نحو القبلة لما روث عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَفْتَخُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ " والفتخ تعويج الاصابع ويضم أصابع يديه وَيَضَعُهَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ " وَيَرْفَعُ مِرْفَقَيْهِ ويعتمد على راحيته لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا سَجَدْتَ فَضُمَّ يَدَيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ وَهُمَا مُخْتَلَفٌ فِي تَوْثِيقِهِمَا وَجَرْحِهِمَا وَلَفْظُهُ " إذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ فَخِذَيْهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَغَرِيبٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَجَدَ وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَدْ سَبَقَ الْحَدِيثُ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ وَفَتَخَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ وَالْفَتَخُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ عَطَفَهَا إلَى الْقِبْلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ وَائِلٍ قَالَ " كان النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَكَعَ فَرَّجَ أَصَابِعَهُ وَإِذَا سَجَدَ ضَمَّ أَصَابِعَهُ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ وَائِلٍ " أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَلَمَّا سَجَدَ سَجَدَ بَيْنَ كَفَّيْهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَرَاءِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا سَجَدْتَ فَضَعْ كَفَّيْكَ وَارْفَعْ مِرْفَقَيْكَ " وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ فَوَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ اسْتَقْبَلَ بِكَفَّيْهِ وَأَصَابِعِهِ الْقِبْلَةَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَإِذَا سَجَدَ وَجَّهَ أَصَابِعَهُ قِبَلَ الْقِبْلَةِ فَتَفَاجَّ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " يُكْرَهُ أَنْ لَا يَمِيلَ بِكَفَّيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا سَجَدَ " وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ ولا يبسط أحدكم ذراعيه
بنساط الْكَلْبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَنْهَى أَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طويل قال الشافعي والاصحاب يستحب للساجدان يُفَرِّجَ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَبَيْنَ قَدَمَيْهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَكُونُ بَيْنَ قَدَمَيْهِ قَدْرُ شِبْرٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَأَنْ يَكُونَ أَصَابِعُ رِجْلَيْهِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ
تَوْجِيهُهَا بِالتَّحَامُلِ عَلَيْهَا وَالِاعْتِمَادِ عَلَى بُطُونِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظَاهِرُ النَّصِّ أَنَّهُ يَضَعُ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ فِي السُّجُودِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِهَا الْقِبْلَةَ وَهَذَا يَتَضَمَّنُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَيْهَا وَيُوَجِّهَ رؤوسها إلَى الْقِبْلَةِ قَالَ وَاَلَّذِي صَحَّحَهُ الْأَئِمَّةُ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ بَلْ يَضَعُ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحَامُلٍ عَلَيْهَا هَذَا كَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَمُحَمَّدُ بن لهى في المخيط وهو شاذ مردد مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضُمَّ أَصَابِعَ يَدَيْهِ وَيَبْسُطَهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَيَضَعَ كَفَّيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَعْتَمِدَ عَلَى رَاحَتَيْهِ وَيَرْفَعَ ذِرَاعَيْهِ وَيُكْرَهُ بَسْطُهُمَا وَافْتِرَاشُهُمَا وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ ذَلِكَ كُلِّهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا كَانَ يُصَلِّي وَحْدَهُ وَطَوَّلَ السُّجُودَ وَلَحِقَهُ مَشَقَّةٌ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى كَفَّيْهِ وَضَعَ سَاعِدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لِحَدِيثِ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " شكي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَشَقَّةَ السُّجُودِ عَلَيْهِمْ فَقَالَ اسْتَعِينُوا بِالرُّكَبِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ سُمَيٍّ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ تَابِعِيٌّ قَالَ " شَكَا أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْبُخَارِيُّ إرْسَالُهُ أَصَحُّ مِنْ وَصْلِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ كَأَنَّ رواية الارسال أصح
*
* قال المنف رحمه الله
*
* (ويجب أن يطمئن في سجوده لما رويناه من حديث رفاعة ثم يسجد حتي يطمئن ساجدا
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ رِفَاعَةَ صَحِيحٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ وَاجِبَةٌ فِي السُّجُودِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَدْ تَقَدَّمَ خِلَافُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ بَيَانُ حَدِّ الطُّمَأْنِينَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ به
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا وَذَلِكَ أَدْنَى الْكَمَالِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَقَالَ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ " اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) لِمَا
رَوَى عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سجد قال ذلك " وان قال في سجود سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ
" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ فِي سُجُودِهِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَمَا إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا أَمَّا الرُّكُوعُ فَعَظِّمُوا فِيهِ الرَّبَّ وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهَدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ فقمن أن يستجاب لكم
*
* (الشرح)
* حديث بن مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الرُّكُوعِ إذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ ربى العظيم ثلاثا فقد ثم رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ وَإِذَا قَالَ أَحَدُكُمْ فِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ثَلَاثًا فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ وَسَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ تَضْعِيفِهِ وَبَيَانُ مَعْنَى تَمَّ رُكُوعُهُ وَذَلِكَ أَدْنَاهُ: وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ " أَمَا إنِّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ رَاكِعًا " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهَا كُلَّهَا مُسْلِمٌ بِلَفْظِهَا هُنَا وَحَدِيثُ " أَمَا إنِّي نُهِيتُ " " مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: وَأَمَّا شَرْحُ أَلْفَاظِهَا فَتَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ حَقِيقَةِ التَّسْبِيحِ (وَقَوْلُهُ) وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْأُذُنُ مِنْ الْوَجْهِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ وَمَعْنَى شَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ أَيْ مَنْفَذَهُمَا (وَقَوْلُهُ) تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيْ تَعَالَى وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ وَالْعُلُوُّ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ عَنْ ثَعْلَبٍ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ تَبَرَّكَ الْعِبَادُ بِتَوْحِيدِهِ وَذِكْرِ اسْمِهِ وَقَالَ ابْنُ فَارِسٍ مَعْنَاهُ ثَبَتَ الْخَيْرُ عِنْدَهُ وَقِيلَ تَعَظَّمَ وَتَمَجَّدَ قَالَهُ الْخَلِيلُ وَهُوَ بِمَعْنَى تَعْظِيمٍ وَقِيلَ اسْتَحَقَّ التَّعْظِيمَ (وَقَوْلُهُ) أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ أَيْ الْمُصَوِّرِينَ وَالْمُقَدِّرِينَ (وَقَوْلُهُ) سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ بِضَمِّ اولهما ويفتح لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَكْثَرُهُمَا الضَّمُّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُمَا صِفَتَانِ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَالَ ابْنُ فارس والترمذي اسمان لغتان لِلَّهِ تَعَالَى وَتَقْدِيرُهُ وَمَعْنَاهُ مُسَبَّحٌ مُقَدَّسٌ رَبُّ الملائكة والروح عزوجل
وَمَعْنَاهُ الْمُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ وَمِنْ الشَّرِيكِ وَمِنْ كُلِّ مَا لَا يَلِيقُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَالرِّوَايَةُ هَكَذَا سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ بِالرَّفْعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضُ وَقِيلَ سُبُّوحًا قُدُّوسًا بِالنَّصْبِ أَيْ أُسَبِّحُ سُبُّوحًا أو اعظم أو اذكر أو ابعد (وَقَوْلُهُ) رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ قِيلَ الرُّوحُ جِبْرِيلُ وَقِيلَ مَلَكٌ عَظِيمٌ أَعْظَمُ الْمَلَائِكَةِ خَلْقًا وَقِيلَ اشرف
الْمَلَائِكَةِ وَقِيلَ خَلْقٌ كَالنَّاسِ لَيْسُوا بِنَاسٍ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " فَقَمِنٌ " هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَيُقَالُ فِي اللُّغَةِ أَيْضًا قَمِينٌ وَمَعْنَاهُ حَقِيقٌ وَقَدْ بَسَطْتُ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ أَكْمَلَ بَسْطٍ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُسَنُّ التَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ وَالِاجْتِهَادُ فِي الدُّعَاءِ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ " إلَى آخِرِ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضى الله عنه وادنى سنة التسبيح (1) وما في حديث علي وسبوح وقدوس والدعاء قال القاضى حسين وغيرء فَإِنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ فَعَلَى التَّسْبِيحِ أَوْلَى وَقَدْ سبق هذا وما يتعلقن بِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَكُلُّ ذَلِكَ يَعُودُ هُنَا وَسَبَقَ هُنَاكَ أَذْكَارُ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ جَمِيعًا وَمِمَّا لَمْ يَسْبِقْ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقُولُ فِي سُجُودِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجُلَّهُ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدَيَّ علي بطن قدمه فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَبِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ هَذَا كُلَّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَزِيدُ الْإِمَامُ عَلَى ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْقَوْمُ المحضورون وَفِيهِ كَلَامٌ ذَكَرْتُهُ فِي ذِكْرِ الرُّكُوعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيَجْتَهِدُ فِي الدُّعَاءِ مَا لَمْ يَكُنْ إمَامًا فَيُثْقِلُ عَلَى مَنْ خَلْفَهُ أَوْ مَأْمُومًا فَيُخَالِفُ إمَامَهُ قَالَ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي الذِّكْرِ سَوَاءٌ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا النَّصَّ عَنْ الْأُمِّ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّهُ لَا يَدْعُو لِئَلَّا يُثْقِلَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ النَّصَّانِ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى يَعْنِي أَنَّهُ يَدْعُو بِحَيْثُ لَا يُطَوِّلُ عَلَيْهِمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى كراهة قراءة القرآن في الركوع والسحود وَغَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ لِلْحَدِيثِ فَلَوْ قَرَأَ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَفِي الْفَاتِحَةِ خِلَافٌ سَبَقَ في فصل الركوع وسنو ضحه فِي بَابِ
سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ التَّسْبِيحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قال المصنف رحه الله
*
* (فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَوَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ انْقَلَبَ فَأَصَابَتْ جَبْهَتُهُ الْأَرْضَ فَإِنْ نَوَى السُّجُودَ حَالَ الِانْقِلَابِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ للتبرد وَنَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ كَمَا لَوْ تَوَضَّأَ لِلتَّبَرُّدِ وَلَمْ يَنْوِ رفع الحدث)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السُّجُودِ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِهُوِيِّهِ إلَيْهِ غَيْرَهُ وَلَوْ سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ مِنْ الِاعْتِدَالِ قَبْلَ قَصْدِ الْهُوِيِّ لَمْ يُحْسَبْ ذَلِكَ السُّجُودُ بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يعود الي الاعتدال يسجد منه لانه لا بد من نية أو فِعْلٍ وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى الْأَرْضِ بِجَبْهَتِهِ نُظِرَ إنْ وضع
جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ بِنِيَّةِ الِاعْتِمَادِ لَمْ يُحْسَبْ عَنْ السُّجُودِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ هَذِهِ النِّيَّةَ حسب سواء قصد السجود أَمْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ هَوَى لِيَسْجُدَ فَسَقَطَ عَلَى جَنْبِهِ فَانْقَلَبَ وَأَتَى بِصُورَةِ السُّجُودِ فَإِنْ قَصَدَ السُّجُودَ اُعْتُدَّ بِهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِقَامَةَ وَقَصَدَ أَيْضًا صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ وَإِنْ قَصَدَ الِاسْتِقَامَةَ وَلَمْ يَقْصِدْ صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَلْ غَفَلَ عَنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَخَرَجَ مِنْ الْخِلَافِ فِي مَسْأَلَةِ نِيَّةِ التَّبَرُّدِ فِي الْوُضُوءِ إذَا عَرَضَتْ فِي أَثْنَائِهَا الْغَفْلَةُ عَنْ نِيَّةِ الْحَدَثِ لَكِنْ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بَلْ يَكْفِيهِ أَنْ يَعْتَدِلَ جَالِسًا ثُمَّ يَسْجُدَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ لِيَسْجُدَ مِنْ قِيَامٍ فَلَوْ قَامَ كَانَ زَائِدًا قِيَامًا مُتَعَمَّدًا فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَلَكِنْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ احْتِمَالٌ لِنَفْسِهِ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ لِيَسْجُدَ مِنْهُ وَاسْتَضْعَفَهُ وَقَالَ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ السُّجُودَ وَلَا الِاسْتِقَامَةَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ السُّجُودِ بِلَا خِلَافٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسُّجُودِ
(إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ التَّنَكُّسُ فِي السُّجُودِ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ قَالُوا وَلِلسَّاجِدِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ أَسَافِلُهُ أَعْلَى مِنْ أَعَالِيهِ فَتَكُونَ عَجِيزَتُهُ مُرْتَفِعَةً عَنْ رَأْسِهِ وَمَنْكِبَيْهِ فَهَذِهِ هَيْئَةُ التَّنَكُّسِ الْمَطْلُوبَةُ وَمَتَى كَانَ الْمَكَانُ مُسْتَوِيًا فَحُصُولُهَا هَيِّنٌ وَلَوْ كَانَ مَوْضِعُ الرَّأْسِ مُرْتَفِعًا قَلِيلًا فَقَدْ رَفَعَ أَسَافِلَهُ وَتَحْصُلُ هَذِهِ الْهَيْئَةُ أَيْضًا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا شَكٍّ (الثَّانِيَةُ) الا أَنْ تَكُونَ أَعَالِيهِ أَرْفَعَ مِنْ أَسَافِلِهِ بِأَنْ يَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى ارْتِفَاعٍ فَيَصِيرَ رَأْسُهُ أَعْلَى مِنْ حِقْوَيْهِ فَلَا يُجْزِئُهُ لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أَكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ فانه لا يجزئه بِلَا شَكٍّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ السُّجُودُ إلَّا هَكَذَا فَيُجْزِئُهُ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يَسْتَوِيَ أَعَالِيهِ وَأَسَافِلُهُ لِارْتِفَاعِ مَوْضِعِ الْجَبْهَةِ وَعَدَمِ رَفْعِهِ الْأَسَافِلَ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَا تَصِحُّ لِفَوَاتِ الْهَيْئَةِ الْمَطْلُوبَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ وَالْبَغَوِيُّ وَدَلِيلُ وُجُوبِ أصل التنكس أنه تثبت إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنَكِّسُ وَعَنْ أَبِي اسحق السَّبِيعِيِّ قَالَ " وَصَفَ لَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما يَعْنِي السُّجُودَ - فَوَضَعَ يَدَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَرَفَعَ عَجِيزَتَهُ وَقَالَ هَكَذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْجُدُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو حَاتِمٍ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَهَذَا مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " يَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَلَوْ تَعَذَّرَ التَّنَكُّسُ لِمَرَضٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَهَلْ يَجِبُ وَضْعُ وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا لِيَضَعَ الْجَبْهَةَ عَلَى شئ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمَنْ تابعه (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْغَزَالِيِّ الْوُجُوبُ لِأَنَّهُ يَجِبُ التَّنَكُّسُ ووضع الجبهة على شئ فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا لَزِمَهُ الْآخَرُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يَجِبُ بَلْ يَكْفِيهِ الْخَفْضُ الْمَذْكُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ لِأَنَّ هيئة السجود متعذرة فكيفيه الْخَفْضُ الْمُمْكِنُ قَالَ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ عجز عن وضع الجهبة عَلَى الْأَرْضِ وَأَمْكَنَهُ وَضْعَهَا عَلَى وِسَادَةٍ مَعَ التنكيس لزمه ذلك
* قال المنصف رحمه الله تعالى
*
* (ثم يرفع رأسه لما رويناه مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الركوع ثم يجلس مفترشا يفرش رجله لا يسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى لما يروى أن ابا حميد الساعدي وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " ثم ثنى رجله اليسرى وقعد عليها واعتدل حتى يرجع كل عظم الي
موضعه " ويكره الاقعاء في الجلوس وهو أن يضع اليتيه علي عقبيه كانه قاعد عليها وقيل هو ان يجعل يديه في الارض ويقعد على اطراف أصابعه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الاقعاء افعاء القردة " ويجب ان يطمئن في جلوسه لقوله صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تطمئن جالسا " ويستحب ان يقول في جلوسه اللهم اغفر لي واجرني وعافنى وارزقني واهدني لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يقول بين السجدتين ذلك ")
*
*
* (الشرح)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي التَّكْبِيرِ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِيهِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَهَذَا لَفْظُ رواية أبي داود والترمذي وأما حديث الافعاء فرواه البيهقى باسناد ضعيف وروى لنهي عَنْ الْإِقْعَاءِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَنَسٌ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ رَوَاهَا كُلَّهَا الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ حَدِيثَ عَلِيٍّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ " ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَةِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ: وأما حديث
ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُ أَبِي دَاوُد " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ مثله لكنه ذكر " واجري وعافنى " وفى رواية بن مَاجَهْ وَارْفَعْنِي بَدَلَ وَاهْدِنِي وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " رب اغفر لي وارحمني واجرني وارفعني وَاهْدِنِي " فَالِاحْتِيَاطُ وَالِاخْتِيَارُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَأْتِيَ بِجَمِيعِ أَلْفَاظِهَا وَهِيَ سَبْعَةٌ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَعَافِنِي وَأَجِرْنِي وَارْفَعْنِي وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي " وَقَوْلُهُ يَفْرُشُ هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُ الرَّاءِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَرْضٌ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ فَرْضٌ لِلْحَدِيثِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَدِّ الطُّمَأْنِينَةِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرَّفْعِ شَيْئًا آخَرَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ طُولًا فَاحِشًا فَإِنْ طَوَّلَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالسُّنَّةُ أَنْ يُكَبِّرَ لِجُلُوسِهِ وَيَبْتَدِئَ
التَّكْبِيرَ مِنْ حِينِ يَبْتَدِئُ رَفْعَ الرَّأْسِ وَيَمُدَّهُ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ جَالِسًا فَيَكُونَ مَدُّهُ أَقَلَّ مِنْ مَدِّ تَكْبِيرَةِ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ إلَى السُّجُودِ لِأَنَّ الْفَصْلَ هُنَا قَلِيلٌ وَقَدْ سَبَقَ حِكَايَةُ قَوْلِ إنَّهُ لَا يَمُدُّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ أَوْضَحْتُهُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَجْلِسُ علي كعبها وينصب النبي هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَوْلًا أَنَّهُ يُضْجِعُ قَدَمَيْهِ وَيَجْلِسُ عَلَى صَدْرِهِمَا وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ عَلَى صِفَةِ هَذَا الْجُلُوسِ عِنْدَ تَفْسِيرِ الْإِقْعَاءِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ مَنْشُورَتَيْ الْأَصَابِعَ وَمُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَلَوْ انْقَطَعَتْ أَطْرَافُ أَعْلَى الرُّكْبَتَيْنِ فَلَا بَأْسَ كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ تَرَكَهُمَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ جَانِبَيْ فَخِذَيْهِ كَانَ كَإِرْسَالِهِمَا فِي الْقِيَامِ يَعْنِي يَكُونُ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَصَابِعُهُ مَضْمُومَةً كَمَا فِي السُّجُودِ أَوْ مُفَرَّقَةً فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) مَضْمُومَةً لِتَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ وَسَنُوضِحُهَا فِي فَصْلِ التَّشَهُّدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ وَالْمُخْتَارُ الْأَحْوَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْكَلِمَاتِ السَّبْعِ كَمَا سبق بيان قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَا يَتَعَيَّنُ هَذَا الدُّعَاءُ بل أي دعاء دعى بِهِ حَصَلَتْ السُّنَّةُ وَلَكِنَّ هَذَا الَّذِي فِي الْحَدِيثِ أَفْضَلُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذَا الدُّعَاءَ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَمْ يذكره الشافعي في هذا الموضع في شئ مِنْ كُتُبِهِ وَلَمْ
يَنْفِهِ قَالَ وَهُوَ سُنَّةٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ
* (فَرْعٌ)
فِي الْإِقْعَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْهُ مَعَ كَثْرَتِهَا لَيْسَ فِيهَا شئ ثَابِتٌ وَبَيَّنَّا رُوَاتَهَا وَثَبَتَ عَنْ طَاوُسٍ قَالَ " قُلْنَا لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْإِقْعَاءِ عَلَى الْقَدَمَيْنِ قَالَ هِيَ السُّنَّةُ فَقُلْنَا إنَّا لَنَرَاهُ جَفَاءً بِالرَّجُلِ قَالَ بَلْ هِيَ سُنَّةُ نَبِيِّكَ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " مِنْ سُنَّةِ الصَّلَاةِ أَنْ تَمَسَّ أَلْيَتَاكَ عَقِبَيْكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ " وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إذا رفع رأسه من السجدة الاولى يعقد عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ وَيَقُولُ إنَّهُ مِنْ السُّنَّةِ ثُمَّ رَوَى عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أَنَّهُمَا كَانَا يُقْعِيَانِ ثُمَّ رَوَى عَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ كَانَ يُقْعِي وَقَالَ رأيت العبادلة يفعلون
ذلك عبد الله ابن عَبَّاسٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَهَذَا الْإِقْعَاءُ الْمَرْضِيُّ فِيهِ وَالْمَسْنُونُ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ هُوَ أَنْ يَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ وَيَضَعَ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ رَوَى الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ بِأَسَانِيدِهَا عَنْ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ ذَكَرْنَاهُمْ ثُمَّ ضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا وَقَالَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَّهُ حَكَى عَنْ شَيْخِهِ أَبِي عُبَيْدَةَ أَنَّهُ قَالَ الْإِقْعَاءُ أَنْ يُلْصِقَ أَلْيَتَيْهِ بِالْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ بِالْأَرْضِ قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْإِقْعَاءُ جُلُوسُ الْإِنْسَانِ عَلَى أَلْيَتَيْهِ نَاصِبًا فَخِذَيْهِ مِثْلَ إقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالسَّبُعِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ الْإِقْعَاءِ غَيْرَ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم فَهَذَا مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ مَسْنُونٌ قَالَ وَأَمَّا حديث عائشة رضى الله تعالي عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ " كَانَ يَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ " فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ وَارِدًا فِي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلَا يَكُونُ مُنَافِيًا لِمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ رحمه الله وَلَقَدْ أَحْسَنَ وَأَجَادَ وَأَتْقَنَ وَأَفَادَ وَأَوْضَحَ إيضَاحًا شَافِيًا وَحَرَّرَ
تَحْرِيرًا وَافِيًا رحمه الله وَأَجْزَلَ مَثُوبَتَهُ وَقَدْ تابعه علي هذا الامام المحقق أبو عمر وبن الصَّلَاحِ فَقَالَ بَعْد أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ هَذَا الْإِقْعَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَنْصِبَ سَاقَيْهِ وَيَضَعَ يديه علي الارض وهذا الافعاء غَيْرُ مَا صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ فَذَلِكَ الْإِقْعَاءُ أَنْ يَضَعَ أَلْيَتَيْهِ عَلَى عَقِبَيْهِ قَاعِدًا عَلَيْهَا وَعَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ وَقَدْ اسْتَحَبَّهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْبُوَيْطِيُّ قَالَ وَقَدْ خَبَطَ فِي الْإِقْعَاءِ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ نَوْعَانِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ وَفِيهِ فِي فِي الْمُهَذَّبِ تَخْلِيطٌ: هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عَمْرٍو رحمه الله وهذا الَّذِي حَكَاهُ عَنْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَدْ حَكَاهُ عَنْهُمَا الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَأَمَّا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ فَلَمْ يحصل له ما حصل للبيهقي وخلاف فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَادَتَهُ فِي حَلِّ الْمُشْكِلَاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الْمُخْتَلِفَةِ بَلْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ ثُمَّ قَالَ وَأَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِقْعَاءِ وَأَنَّهُ عَقِبُ الشَّيْطَانِ وَقَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَوَائِلِ بْنُ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَعَدَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ
مُفْتَرِشًا قَدَمَهُ الْيُسْرَى " قَالَ وَرَوَيْتُ كَرَاهَةَ الْإِقْعَاءِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ واحمد واسحق وَأَهْلُ الرَّأْيِ وَعَامَّةُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَالْإِقْعَاءُ ان يضع اليتيه علي عقبيه ويعقد مُسْتَوْفِزًا غَيْرَ مُطْمَئِنٍّ إلَى الْأَرْضِ وَهَذَا إقْعَاءُ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَهْلُ مكة يستعلمون الْإِقْعَاءَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْسُوخًا وَالْعَمَلُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ فَاسِدٌ من وجه (مِنْهَا) أَنَّهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَحَادِيثِ النَّهْيِ فِيهِ وَادَّعَى أَيْضًا نَسْخَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالنَّسْخُ لَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَعَلِمْنَا التَّارِيخَ وَلَمْ يَتَعَذَّرْ هُنَا الْجَمْعُ بَلْ أَمْكَنَ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يُعْلَمْ أَيْضًا التَّارِيخُ وَجَعَلَ أَيْضًا الْإِقْعَاءَ نَوْعًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا هُوَ نَوْعَانِ فَالصَّوَابُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ نَوْعَانِ كَمَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَبُو عَمْرٍو
(أَحَدُهُمَا)
مَكْرُوهٌ (وَالثَّانِي) جَائِزٌ أَوْ سُنَّةٌ وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَحَادِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَوَائِلٍ وَغَيْرِهِمَا فِي صِفَةِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ووصفهم الاقتراش عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى فَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَتْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَحْوَالٌ حَالٌ يَفْعَلُ فِيهَا هَذَا وَحَالٌ يَفْعَلُ فِيهَا ذَاكَ كَمَا كَانَتْ لَهُ أَحْوَالٌ فِي تَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِهَا وَكَمَا تَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَكَمَا طَافَ رَاكِبًا وَطَافَ مَاشِيًا وَكَمَا أَوْتَرَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَآخِرَهُ وَأَوْسَطَهُ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلى الحسر وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ
أحواله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يَفْعَلُ الْعِبَادَةَ عَلَى نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعٍ لِيُبَيِّنَ الرُّخْصَةَ وَالْجَوَازَ بِمَرَّةٍ أَوْ مَرَّاتٍ قَلِيلَةٍ وَيُوَاظِبُ عَلَى الْأَفْضَلِ بَيْنَهُمَا عَلَى أَنَّهُ الْمُخْتَارُ وَالْأَوْلَى: فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِقْعَاءَ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى التَّفْسِيرِ الْمُخْتَارِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَفَعَلَ صلى الله عليه وسلم مَا رَوَاهُ أَبُو حُمَيْدٍ وَمُوَافِقُوهُ مِنْ جِهَةِ الِافْتِرَاشِ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ لَكِنَّ إحْدَى السُّنَّتَيْنِ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي حُمَيْدٍ لِأَنَّهُ رَوَاهَا وَصَدَّقَهُ عَشَرَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا سَبَقَ وَرَوَاهَا وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ على مواظبته صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَشُهْرَتِهَا عِنْدَهُمْ فَهِيَ أَفْضَلُ وَأَرْجَحُ مَعَ أَنَّ الْإِقْعَاءَ سُنَّةٌ أَيْضًا فَهَذَا مَا يَسَّرَ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْ تَحْقِيقِ أَمْرِ الْإِقْعَاءِ
وَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ لِتَكَرُّرِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَعَ تَكَرُّرِهِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَاسْتِشْكَالِ أَكْثَرِ النَّاسِ لَهُ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ الْكَرِيمُ بِإِتْقَانِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهب العلماء في الجلوس بين السجدين وَالطُّمَأْنِينَةِ فِيهِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا وَاجِبَانِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ وَلَا الْجُلُوسُ بَلْ يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ وَلَوْ كَحَدِّ السَّيْفِ وَعَنْهُ وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا قَالَا يَجِبُ أَنْ يَرْتَفِعَ بحيث يكون الي العقود أَقْرَبَ مِنْهُ وَلَيْسَ لَهُمَا دَلِيلٌ يَصِحُّ التَّمَسُّكُ بِهِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ فِي مسألة وجوب الاعتدال عن الركوع * قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يسجد سجدة أخرى مثل الاولى)
*
* (الشرح)
* قال القاضى أبو الطيب اجمع السملمون عَلَى وُجُوبِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَالْإِجْمَاعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ صفة الاولي في كل شئ ولله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* (ثم يرفع رأسه مكبرا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَقُومُ مِنْ السَّجْدَةِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ الْمَسْأَلَةُ علي قولين
(أحدهما)
لَا يَجْلِسُ لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ اسْتَوَى قَائِمًا بِتَكْبِيرَةٍ "(وَالثَّانِي) يَجْلِسُ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الحريوث أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ لَمْ
ينهض حتى يستوى قاعدا " وقال أبوا سحق إنْ كَانَ ضَعِيفًا جَلَسَ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرَاحَةَ وَإِنْ كَانَ قَوِيًّا لَمْ يَجْلِسْ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الِاسْتِرَاحَةِ وَحَمَلَ الْقَوْلَيْنِ عَلَى هذين الحالين فان قلنا يجلس جلس مفتر شا لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " ثَنَى رِجْلَهُ فَقَعَدَ عَلَيْهَا حَتَّى يَرْجِعَ كُلُّ عَظْمٍ إلَى مَوْضِعِهِ ثُمَّ نَهَضَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى يَدَيْهِ فِي الْقِيَامِ لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " اسْتَوَى قَاعِدًا ثُمَّ قَامَ وَاعْتَمَدَ عَلَى
الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّ هَذَا أَشْبَهُ بِالتَّوَاضُعِ وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَيَمُدُّ التَّكْبِيرَ إلَى أَنْ يَقُومَ حَتَّى لَا يخلو من ذكر)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَحَدِيثُ وَائِلٍ غَرِيبٌ وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الحويرث رواه البخاري في موضع مِنْ صَحِيحِهِ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَحَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ الْأَخِيرُ صَحِيحٌ أَيْضًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَسَأَذْكُرُهُ بِلَفْظِهِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّوَاةِ سَبَقَ ذِكْرُهُمْ وَبَيَانُ أَحْوَالِهِمْ إلَّا مَالِكَ بْنَ الْحُوَيْرِثِ وَهُوَ أَبُو سُلَيْمَانَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَيُقَالُ ابْنُ الْحَارِثِ اللَّيْثِيُّ رضي الله عنه تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ فِيمَا قِيلَ وَقَوْلُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا اسْتَوَى قَاعِدًا نَهَضَ يَعْنِي قَالَ هَذَا فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ: أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَيُسَنُّ التَّكْبِيرُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ مَدَّهُ حَتَّى يَجْلِسَ وَإِنْ كَانَتْ لَا يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ فَهَلْ تُسَنُّ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ فِيهَا النَّصَّانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أحدها) وهو قول ابي سحق المروزى هما محمولان علي حالين فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي ضَعِيفًا لِمَرَضٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا اُسْتُحِبَّ وَإِلَّا فَلَا (الطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الشيخ أبو حامد في تعليقه والبند نيجى والمحاملي في المقنع والفور انى فِي الْإِبَانَةِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (الطَّرِيقُ الثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ
(أحدهما)
يستحب و (الثاني) لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَشْهَرُ وَاتَّفَقَ الْقَائِلُونَ به علي أن الصيحح مِنْ الْقَوْلَيْنِ اسْتِحْبَابُهَا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الْمَذْهَبِ اسْتِحْبَابُهَا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِذَا قُلْنَا لَا تُسَنُّ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ ابتدأ الكبير مَعَ ابْتِدَاءِ الرَّفْعِ وَفَرَغَ مِنْهُ مَعَ اسْتِوَائِهِ قَائِمًا وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ قال أصحابنا بنى جِلْسَةٌ لَطِيفَةٌ جِدًّا وَفِي التَّكْبِيرِ ثَلَاثَةُ
أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَرْفَعُ مُكَبِّرًا وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا وَيُخَفِّفُ الْجِلْسَةَ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنْ لَا يَخْلُوَ جُزْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ ذِكْرٍ (الثَّانِي) يَرْفَعُ غَيْرَ مُكَبِّرٍ وَيَبْدَأُ بِالتَّكْبِيرِ جَالِسًا وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَقُومَ (الثالث) يَرْفَعُ مُكَبِّرًا فَإِذَا جَلَسَ قَطَعَهُ ثُمَّ يَقُومُ بِلَا تَكْبِيرٍ نَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي
اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِتَكْبِيرَتَيْنِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَجْلِسَ مُفْتَرِشًا لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا أَنَّهُ يَجْلِسُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ شَاذٌّ وَتُسَنُّ هَذِهِ الْجِلْسَةُ عَقِبَ السَّجْدَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ يَعْقُبُهَا قِيَامٌ سَوَاءٌ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ وَالْفَرَائِضُ وَالنَّوَافِلُ لِحَدِيثِ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ سَجَدَ الْمُصَلِّي لِلتِّلَاوَةِ لَمْ تُشْرَعْ جِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ لَمْ يَجْلِسْ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ فَجَلَسَهَا الْمَأْمُومُ جَازَ وَلَا يَضُرُّ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ يَسِيرٌ وَبِهَذَا فَرَّقَ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا لَوْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ هَلْ هِيَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَمْ جُلُوسٌ مُسْتَقِلٌّ عَلَى وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مِنْ الثَّانِيَةِ حَكَاهُ فِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ (الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا جُلُوسٌ فَاصِلٌ بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَيْسَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي تَعْلِيقِ الْيَمِينِ على شئ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَاعْلَمْ) أَنَّهُ يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُوَاظِبَ عَلَى هَذِهِ الْجِلْسَةِ لِصِحَّةِ الْأَحَادِيثِ فِيهَا وَعَدَمِ الْمُعَارِضِ الصَّحِيحِ لَهَا وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ الْمُتَسَاهِلِينَ بِتَرْكِهَا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقال تعالي (وما أتاكم لرسول فخذوه) قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَامَ مِنْ الْجِلْسَةِ أَوْ مِنْ السَّجْدَةِ يُسَنُّ أَنْ يَقُومَ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَكَذَا إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْقَوِيُّ وَالضَّعِيفُ وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَلَيْسَ لَهُ مُعَارِضٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم أَعْلَمُ وَإِذَا اعْتَمَدَ بِيَدَيْهِ جَعَلَ بَطْنَ رَاحَتَيْهِ وَبُطُونَ أَصَابِعِهِ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْوَسِيطِ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ كَمَا يَضَعُ الْعَاجِنُ " فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ بالنون ولو صح كان معناه قائم معتمد بِبَطْنِ يَدَيْهِ كَمَا يَعْتَمِدُ الْعَاجِزُ وَهُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَاجِنَ الْعَجِينِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ: مَذْهَبُنَا الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ وَأَبُو حُمَيْدٍ وَأَبُو قَتَادَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَأَبُو قِلَابَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ التَّابِعِينَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ نَهَضَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي الزياد ومالك والثوري وأصحاب الرأى واحمد واسحق قال قال النعمان ابن ابى عباس أَدْرَكْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُ هَذَا وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ أَكْثَرُ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا وَاحْتَجَّ لهم بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَلَا ذِكْرَ لَهَا فِيهِ وَبِحَدِيثِ وَائِلِ بن حجر المذكور في الكتاب قال الطَّحَاوِيُّ وَلِأَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَسُنَّ لَهَا ذِكْرٌ كَغَيْرِهَا (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ " رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ بِمَعْنَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حديث المسئ صَلَاتَهُ " اُسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا ثُمَّ ارْفَعْ حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حت تَطْمَئِنَّ جَالِسًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِ السَّلَامِ وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " ثُمَّ هَوَى سَاجِدًا ثُمَّ ثَنَى رِجْلَهُ وَقَعَدَ حَتَّى رَجَعَ كُلُّ عَظْمٍ مَوْضِعَهُ ثُمَّ نَهَضَ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " فَقَالُوا صَدَقْتَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْحَدِيثِ بِطُولِهِ فِي الرُّكُوعِ والجواب عن حديث المسئ صَلَاتَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا عَلَّمَهُ الْوَاجِبَاتِ دُونَ الْمَسْنُونَاتِ وَهَذَا مَعْلُومٌ سَبَقَ ذِكْرُهُ مَرَّاتٍ وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَلَوْ صَحَّ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ فِي إثْبَاتِ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَرْكِهَا وَلَوْ كَانَ صَرِيحًا لَكَانَ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَأَبِي حُمَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
صِحَّةُ أَسَانِيدِهَا (وَالثَّانِي) كَثْرَةُ رُوَاتِهَا وَيَحْتَمِلُ حَدِيثُ وَائِلٍ أَنْ يَكُونَ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي وَقْتٍ أَوْ أَوْقَاتٍ تَبَيُّنًا لِلْجَوَازِ
وَوَاظَبَ عَلَى مَا رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ بَعْدَ أَنْ قَامَ يُصَلِّي مَعَهُ وَيَتَحَفَّظُ الْعِلْمَ مِنْهُ عِشْرِينَ يَوْمًا وَأَرَادَ الِانْصِرَافَ مِنْ عِنْدِهِ إلَى أهله " اذهبوا إلي أهليكم ومرهم وَكَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَهَذَا كُلُّهُ ثَابِتٌ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ طُرُقٍ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا وقد رآه يجلس للاستراحة فَلَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْمَسْنُونُ لِكُلِّ أَحَدٍ لَمَا أَطْلَقَ صلى الله عليه وسلم قَوْلَهُ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَبِهَذَا يَحْصُلُ الجواب عن فرق أبى اسحق
الْمَرْوَزِيِّ مِنْ الْقَوِيِّ وَالضَّعِيفِ وَيُجَابُ بِهِ أَيْضًا عَنْ قَوْلِ مَنْ لَا مَعْرِفَةَ لَهُ لَيْسَ تَأْوِيلُ حَدِيثِ وَائِلٍ وَغَيْرِهِ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ إنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ عَلَى هَذَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَكْثَرَ الاحاديث ليس فيها ذكر الجلسة اثباتا لا نَفْيًا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحَادِيثِ تَنْفِيهَا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ يَقُولَ شَيْئًا عَلَى سَبِيلِ الْإِخْبَارِ عَنْ الْأَحَادِيثِ وَنَجِدُ فِيهَا خِلَافَهُ وَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ أَكْثَرَ الرِّوَايَاتِ لَيْسَ فِيهَا إثْبَاتُهَا وَلَا نَفْيُهَا لَمْ يَلْزَمْ رَدُّ سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ مِنْ جِهَاتٍ عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ إنَّهَا لَيْسَتْ فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فَمِنْ الْعَجَبِ الْغَرِيبِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ فِيهِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ لِلْمُتَقَدِّمِينَ وَأَمَّا قوله لو شرعت لَكَانَ لَهَا ذِكْرٌ فَجَوَابُهُ أَنَّ ذِكْرَهَا التَّكْبِيرُ فَإِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ يَمُدُّ حَتَّى يَسْتَوْعِبَهَا وَيَصِلَ إلَى الْقِيَامِ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا ذِكْرٌ لَمْ يَجُزْ رَدُّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ النُّهُوضِ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَسَائِرِ الرَّكَعَاتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَكْحُولٍ وَعُمَرَ ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَابْنِ أَبِي زَكَرِيَّا وَالْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد يَقُومُ غَيْرَ مُعْتَمِدٍ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ بَلْ يَعْتَمِدُ صُدُورَ قَدَمَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ مسعود وحكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عَنْهُ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا نَهَضَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ
أَنْ لَا يَعْتَمِدَ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وعن خالد بن الياس ويقال بن يَاسٍ عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى (1) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله
(1) كذا بالاصل
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَضُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى صُدُورِ قدميه " رواه الترمذي والبيهقي وعن ابن عمران النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ وَائِلِ بْن حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا نَهَضَ نَهَضَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَاعْتَمَدَ عَلَى فَخِذِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ رَأَى ابن مسعود يقوم علي صدور قَدَمَيْهِ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ قال " رأيت بن عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ وَأَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنهم يَقُومُونَ عَلَى صُدُورِ أَقْدَامِهِمْ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَاحْتَجَّ) الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قال جاءنا مالك ابن الحويرث فصلي بنا فقال " إني لا صلى بِكُمْ وَمَا أُرِيدُ الصَّلَاةَ أُرِيدُ أَنْ أُرِيَكُمْ كَيْفَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي " قَالَ أَيُّوبُ فَقُلْتُ لِأَبِي قِلَابَةَ " كَيْفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ فَقَالَ مِثْلُ شَيْخِنَا هَذَا يَعْنِي عَمْرَو بْنَ سَلَمَةَ قَالَ أَيُّوبُ وَكَانَ ذَلِكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَرْضِ ثُمَّ قَامَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَأَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي وَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْقَلِبَ وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِهِمْ أَنَّهَا كُلَّهَا لَيْسَ فيها شئ صَحِيحٌ إلَّا الْأَثَرُ الْمَوْقُوفُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ ترك السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضى الله تعالي عَنْهُ فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّ رِوَايَةَ خَالِدِ بن الياس وصالحا ضعيفتان واما حديث بن عُمَرَ فَضَعِيفٌ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِرِوَايَةِ الثِّقَاتِ لِأَنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ رَفِيقُ الْغَزَالِيِّ فِي الرِّوَايَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَقَالَ فِيهِ " نُهِيَ
أَنْ يَجْلِسَ الرَّجُلُ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ مُعْتَمِدٌ عَلَى يَدَيْهِ " وَرَوَاهُ آخَرَانِ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ خِلَافَ مَا رَوَاهُ الْغَزَالِيُّ وَقَدْ ذَكَرَ أَبُو دَاوُد ذَلِكَ كُلَّهُ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَاعِدَةِ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ مَا خَالَفَ الثِّقَاتِ كَانَ
حَدِيثُهُ شَاذًّا مَرْدُودًا وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِهِ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ أَبِيهِ شَيْئًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَقِيلَ إنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَمَّا حِكَايَةُ عَطِيَّةَ فَمَرْدُودَةٌ لِأَنَّ عَطِيَّةَ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّاشِيُّ يُكْرَهُ أَنْ يُقَدِّمَ إحْدَى رِجْلَيْهِ حَالَ الْقِيَامِ وَيَعْتَمِدَ عَلَيْهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْحَاقُ قَالَ إِسْحَاقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْخًا كَبِيرًا وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ وَقَالَ مَالِكٌ لا بأس به * قال المصنف رحمه الله
*
* (ولا يرفع اليد إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ رَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وإذا أراد أن يركع وبعد ما رفع رأسه من الركوع ولا يرفع بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ " وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ يُسْتَحَبُّ كُلَّمَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ التَّشَهُّدِ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَامَ مِنْ الركعتين يرفع يديه " والمذهب الاول)
*
* (الشَّرْحُ)
* الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كُتُبِهِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَهُوَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ مِنْ طُرُقٍ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " وَكَانَ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ مِنْ السُّجُودِ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُسْتَحَبُّ الرَّفْعُ كُلَّمَا قَامَ مِنْ السُّجُودِ وَمِنْ التَّشَهُّدِ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِمَا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا رَكَعَ وَإِذَا سَجَدَ " لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي كِتَابِ النَّسَائِيّ حَدِيثٌ
يَقْتَضِيهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ الرَّفْعُ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الاول وهذا هو الصواب ممن قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهِ وَفِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ مَذْهَبُ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ دَلِيلُهُ حَدِيثُ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما " كَانَ إذَا دَخَلَ الصَّلَاةَ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَفَعَ يَدَيْهِ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ وَرَفَعَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ فِيهَا " وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طاالب رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَيَصْنَعُ مِثْلَ ذَلِكَ إذَا قَضَى قِرَاءَتَهُ وَأَرَادَ أن يركع ويصنعه إذا رفع من الركوع ولا يرفع يديه في شئ مِنْ صَلَاتِهِ وَهُوَ قَاعِدٌ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ وَكَبَّرَ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْأَكْثَرُونَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ فِي أَوَاخِرَ كِتَابِهِ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " وَإِذَا قَامَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ " بَدَلَ الرَّكْعَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ الركعتان بلا شك كما جاء في فِي رِوَايَةِ الْبَاقِينَ وَهَكَذَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّ فَإِنَّهُ ظَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ السَّجْدَتَانِ الْمَعْرُوفَتَانِ ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ الْحَدِيثُ وَقَالَ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاءِ قَالَ بِهِ وكأنه لم يقف علي طرق روايته ولوقف عَلَيْهَا لَحَمَلَهُ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ كَمَا حَمَلَهُ الْأَئِمَّةُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كان رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ جَعَلَ يَدَيْهِ حذو منكبيه وإذا ركع فعل مثل ذَلِكَ وَإِذَا رَفَعَ لِلسُّجُودِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِيهِ رَجُلٌ فِيهِ أَدْنَى كَلَامٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَوْلُهُ رَفَعَ لِلسُّجُودِ يَعْنِي رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ
الرُّكُوعِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ مَا زَادَهُ عَلِيٌّ وَأَبُو حُمَيْدٍ رضي الله عنهما فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي وَابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَرْفَعُ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ " كُلُّهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَحْكُوا صَلَاةً وَاحِدَةً وَتَخْتَلِفُ رِوَايَاتُهُمْ فِيهَا بِعَيْنِهَا مَعَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ مَعَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا زَادَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَالزِّيَادَةُ مَقْبُولَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةُ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ في حديث أبى حميد وبهذا يقول
وفيه رفع اليدين إذا قام من الركعتين قال ومذهب الشافعي متابعة السنة إذا ثبتت وقد قال فِي حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَبِهَذَا أَقُولُ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لَمْ يَذْكُر الشَّافِعِيُّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ إذا قام الرَّكْعَتَيْنِ وَمَذْهَبُهُ اتِّبَاعُ السُّنَّةِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ وَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رَفْعَ الْيَدَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وَابْنُ عمرو أبو هريرة وَأَبُو حُمَيْدٍ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِهِ وَصَدَّقُوهُ كُلُّهُمْ عَلَى ذلك هذا الكلام الْبَغَوِيِّ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَاسْتِدْلَالُهُ بِالْإِجْمَاعِ عَلَى نَسْخِ الْحَدِيثِ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ وَلَمْ يَنْعَقِدْ الْإِجْمَاعُ عَلَى ذَلِكَ بَلْ قَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ فِي الْقِيَامِ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ على بن ابن عمرو أبى حُمَيْدٍ مَعَ أَصْحَابِهِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ فَحَصَلَ مِنْ مَجْمُوعِ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَأَنَّهُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَكَثْرَةِ رُوَاتِهَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَالشَّافِعِيُّ قَائِلٌ بِهِ لِلْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا ابْنَ الْمُنْذِرِ وَهُوَ الْإِمَامُ الْمَشْهُورُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُنْذِرِ النَّيْسَابُورِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي زَمَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ وَطَبَقَتِهِ تُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ وَهُوَ صَاحِبُ الْمُصَنَّفَاتِ الْمُفِيدَةِ التى يحتاج إليها كل الطوائف وقد ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ حَالِهِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ وَهُوَ مُسْتَقْصًى فِي الطَّبَقَاتِ وَتَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ * قال المصنف رحمه الله
*
* (ويصلى الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ الْأُولَى إلَّا فِي النِّيَّةِ ودعا الِاسْتِفْتَاحِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ للمسئ صَلَاتَهُ " ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِكَ كُلِّهَا " وَأَمَّا النِّيَّةُ
وَدُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَإِنَّ ذَلِكَ يُرَادُ لِلدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَذَلِكَ لَا يُوجَدُ إلا في الركعة الاولي)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِجَمِيعِ مَا يَفْعَلُهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ الْوَاجِبَاتُ فَقَطْ فَلَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ السُّنَنِ الْمَفْعُولَةِ فِي الْأُولَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى مِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ يُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ثُمَّ يقول وهو قائم ربنا ولك الحمد ثم يُكَبِّرُ حِينَ يَهْوِي سَاجِدًا ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ كُلِّهَا حَتَّى يَقْضِيَهَا وَيُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنْ الثنتين بعد الجلوس " رواه البخاري وملسم وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ حَدِيثُهُ السَّابِقُ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ بِطُولِهِ قَالَ فِي آخِرِهِ " ثُمَّ اصنع كَذَلِكَ حَتَّى كَانَتْ الرَّكْعَةُ الْأَخِيرَةُ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ حَدِيثٌ في معنى حديث أبي هريرة راوه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ لَكِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ ابن السَّائِبِ وَكَانَ اخْتَلَطَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَالرَّاوِي عنه هما أَخَذَ عَنْهُ فِي الِاخْتِلَاطِ فَلَا
يُحْتَجُّ بِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (واما الْمَسْأَلَةِ) فَقَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى إلَّا فِي النِّيَّةِ وَالِاسْتِفْتَاحِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي أَوَّلِهَا وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعَوُّذِ وَتَقْصِيرِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى فِي الْقِرَاءَةِ وَقَدْ ذَكَرَ المصنف الخلاف فيهما في الموضعه ولهذا لم يذكره وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ هُنَا تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَرَفْعَ الْيَدَيْنِ ولا بد منهما فان قيل تركها الشهر تهما قيل فالنية والافتتاح أشهر وقد ذكرهما * قال المصنف رحمه الله
*
* (فان كانت الصلاة يزيد عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ لِلتَّشَهُّدِ لِنَقْلِ الْخَلَفِ عَنْ السَّلَفِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى عَبْدُ الله بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنهما قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فقال مِنْ اثْنَتَيْنِ وَلَمْ يَجْلِسْ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ سَلَّمَ " وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَفَعَلَهُ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى السُّجُودِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ مُفْتَرِشًا لما روى أبو حميد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس كَانَ إذَا جَلَسَ فِي الْأُولَيَيْنِ جَلَسَ
عَلَى قَدَمِهِ اليسرى ونصب قدمه اليمنى)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَسَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَبُحَيْنَةُ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ المهلمة وَهِيَ صَحَابِيَّةٌ أَسْلَمَتْ رضي الله عنها وَبَايَعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ابْنُ سَعْدٍ اسْمُهَا عَبْدَةُ يَعْنِي وَبُحَيْنَةُ لَقَبٌ وَابْنُهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ يُكَنَّى أَبَا مُحَمَّدٍ أَسْلَمَ وَصَحِبَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قديما وكان فَاضِلًا نَاسِكًا يَصُومُ الدَّهْرَ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ رضي الله عنه
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا الْجُلُوسُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ صِفَةِ الِافْتِرَاشِ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجِلْسَةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَالْأُولَى وَالرَّابِعَةُ وَاجِبَتَانِ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّتَانِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَجْلِسَ فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الرَّابِعَةِ مُتَوَرِّكًا فَلَوْ عَكَسَ جَازَ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ مَا ذَكَرْنَاهُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَتَعَيَّنُ لِلْجُلُوسِ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ هَيْئَةٌ لِلْإِجْزَاءِ بَلْ كَيْفَ وُجِدَ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ تَوَرَّكَ أَوْ افْتَرَشَ أَوْ مد رجليه أو نصب ركبتيه أو احداهما أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَكِنَّ السُّنَّةَ التَّوَرُّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالِافْتِرَاشُ فِيمَا سِوَاهُ وَالِافْتِرَاشُ أَنْ يَضَعَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسَ عَلَى كَعْبِهَا وَيَنْصِبَ الْيُمْنَى وَيَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهَا عَلَى الْأَرْضِ مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَالتَّوَرُّكُ أَنْ يُخْرِجَ جليه وَهُمَا عَلَى هَيْئَةِ الِافْتِرَاشِ مِنْ جِهَةِ يَمِينِهِ وَيُمَكِّنَ وَرِكَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ الْأَرْضِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْجُلُوسِ لَهُ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُمَا سُنَّةٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ واسحق وَدَاوُد هُوَ وَاجِبٌ قَالَ أَحْمَدُ إنْ تَرَكَ التَّشَهُّدَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَأَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ وَقَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ
بُحَيْنَةَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " بِأَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ لِلْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَدْ قَامَتْ دَلَائِلُ عَلَى تَمَيُّزِهِمَا.
وَأَجَابُوا عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى إخْرَاجِهِ عَنْ الْوُجُوبِ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَجْبُرُهُ سُجُودُ السَّهْوِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
* (فرع)
في مذاهبهم في هيئته الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدَيْنِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ مُفْتَرِشًا وَفِي الثَّانِي مُتَوَرِّكًا فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ مُتَوَرِّكًا وَقَالَ مَالِكٌ يَجْلِسُ فِيهِمَا مُتَوَرِّكًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ يَجْلِسَ فِيهِمَا مُفْتَرِشًا وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ كَانَتْ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ افْتَرَشَ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعًا افْتَرَشَ فِي الْأَوَّلِ وَتَوَرَّكَ فِي الثَّانِي
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ يَفْرُشُ فِيهِمَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضى الله تعالي عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى وَيَنْهَى عَنْ عَقِبِ الشَّيْطَانِ " وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ " يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى " وَعَنْ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْرُشُ رِجْلَهُ الْيُسْرَى " وَاحْتَجَّ لِلتَّوَرُّكِ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ جَعَلَ قَدَمَهُ الْيُسْرَى بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " سُنَّةُ الصَّلَاةِ أَنْ تَنْصِبَ رِجْلَكَ الْيُمْنَى وَتَثْنِيَ الْيُسْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْجُلُوسَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ فِي عَشَرَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَيَنْصِبُ الْيُمْنَى فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْأُخْرَى وَقَعَدَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَدْ سَبَقَ بِطُولِهِ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَسَبَقَ هُنَاكَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ وَأَصْحَابِهِ صَرِيحٌ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ وَبَاقِي الْأَحَادِيثِ مُطْلَقَةٌ فَيَجِبُ حَمْلُهَا عَلَى مُوَافَقَتِهِ فَمَنْ رَوَى التَّوَرُّكَ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَمَنْ رَوَى الِافْتِرَاشَ أَرَادَ الْأَوَّلَ وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ لَا سِيَّمَا وَحَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عَشَرَةٌ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْحِكْمَةُ فِي الِافْتِرَاشِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الثَّانِي أَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى تذكر لصلاة وَعَدَمِ اشْتِبَاهِ عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ تَخْفِيفُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا لِيَكُونَ أَسْهَلَ لِلْقِيَامِ وَالسُّنَّةُ تَطْوِيلُ الثَّانِي وَلَا قِيَامَ بَعْدَهُ فَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا لِيَكُونَ أَعْوَنَ لَهُ وَأَمْكَنَ لِيَتَوَفَّرَ الدُّعَاءُ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا رَآهُ عَلِمَ فِي أَيِّ التَّشَهُّدَيْنِ
* (فَرْعٌ)
الْمَسْبُوقُ إذَا جَلَسَ مَعَ الْإِمَامِ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ يجلس مفترشا لانه ليس آخر صَلَاتِهِ
(وَالثَّانِي)
يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَالِدُهُ وَالرَّافِعِيُّ
(الثَّالِثُ) إنْ كَانَ جُلُوسُهُ فِي مَحَلِّ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لِلْمَسْبُوقِ افْتَرَشَ وَإِلَّا تَوَرَّكَ لِأَنَّ جُلُوسَهُ حِينَئِذٍ لِمُجَرَّدِ الْمُتَابَعَةِ فَيُتَابِعُ فِي الْهَيْئَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا جَلَسَ مَنْ عَلَيْهِ سُجُودُ سَهْوٍ فِي آخِرِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ
(أَحَدُهُمَا)
يَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ يَفْتَرِشُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ لِأَنَّهُ مُسْتَوْفِزٌ لِيُتِمَّ صَلَاتَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ تَوَرَّكَ ثُمَّ سَلَّمَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَتَشَهَّدَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ بِأَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَتَشَهَّدُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ يَفْتَرِشُ في ثلاثة منهن ويتورك في الرابعة
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ أَصَابِعَ يَدِهِ الْيُسْرَى عَلَى فخذه وَفِي الْيَدِ الْيُمْنَى ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَضَعُهَا علي فخذه مَقْبُوضَةَ الْأَصَابِعِ إلَّا الْمُسَبِّحَةَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا روى ابن عمر رضى الله تعالى عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ " إذَا قَعَدَ فِي التَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَعَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ " وَرَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا جَلَسَ افْتَرَشَ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عِنْدَ الْوُسْطَى وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ ووضع اليسرى علي فخذه اليسرى " وكيف يصنع بالابهام فِيهِ
وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَضَعُهَا بِجَنْبِ الْمُسَبِّحَةِ عَلَى حَرْفِ رَاحَتِهِ أَسْفَلَ مِنْ الْمُسَبِّحَةِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
(وَالثَّانِي)
يَضَعُهَا عَلَى حَرْفِ أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى لِحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى وَيَبْسُطُ الْمُسَبِّحَةَ وَالْإِبْهَامَ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَقْبِضُ الْخِنْصَرَ وَالْبِنْصِرَ وَيُحَلِّقُ الْإِبْهَامُ مَعَ الْوُسْطَى لِمَا رَوَى وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " وَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى ثُمَّ عقد اصابعه الخنصر والتي تليها وحلق حلقة بِأُصْبُعِهِ الْوُسْطَى عَلَى الْإِبْهَامِ وَرَفَعَ السَّبَّابَةَ وَرَأَيْتُهُ يشير بها ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ الزُّبَيْرِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا وَلَفْظُهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَعَدَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ قَدَمَهُ بَيْنَ فَخِذِهِ وَسَاقِهِ وَفَرَشَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْهُ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَعَدَ يَدْعُو وَضَعَ يده اليمنى علي فخذه وَيَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ وَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى وَيُلْقِمُ كَفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ " وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي حُمَيْدٍ فَاَلَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْهُ بِالْإِسْنَادِ الصحيح أنه قال " وضع كفه الْيُمْنَى وَكَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى رُكْبَتِهِ الْيُسْرَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ وَائِلٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ وَابْنُ مَاجَهْ بِمَعْنَاهُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَنَحْنُ نُخَيِّرُهُ وَنَخْتَارُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عمرو ابن الزُّبَيْرِ لِثُبُوتِ خَبَرِهِمَا وَقُوَّةِ إسْنَادِهِمَا وَمَزِيَّةِ رِجَالِهِمَا وَرُجْحَانِهِمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ راوي حديث وائل
* واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْمُسَبِّحَةُ هِيَ السَّبَّابَةُ سُمِّيَتْ مُسَبِّحَةً لِإِشَارَتِهَا إلَى التَّوْحِيدِ وَالتَّنْزِيهِ وَهُوَ التَّسْبِيحُ وَسُمِّيَتْ سَبَّابَةً لِأَنَّهُ يُشَارُ بِهَا عِنْدَ الْمُخَاصِمَةِ وَالسَّبِّ (وَقَوْلُهُ) عَقَدَ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ شَرْطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحِسَابِ أَنْ يَضَعَ طَرَفَ الْخِنْصَرِ عَلَى الْبِنْصِرِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مُرَادًا هُنَا بَلْ مُرَادُهُ أَنْ يَضَعَ الْخِنْصَرَ عَلَى الرَّاحَةِ كَمَا يَضَعُ الْبِنْصِرَ وَالْوُسْطَى عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أَرَادَ صِفَةَ الْإِبْهَامِ وَالْمُسَبِّحَةِ وَتَكُونُ الْيَدُ عَلَى الصُّورَةِ الَّتِي يُسَمِّيهَا أَهْلُ الْحِسَابِ تِسْعَةً وَخَمْسِينَ اتِّبَاعًا لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ السُّنَّةُ فِي التَّشَهُّدَيْنِ جَمِيعًا أَنْ يَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى
فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَالْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَيَنْشُرَ أَصَابِعَهُ الْيُسْرَى جِهَةَ الْقِبْلَةِ وَيَجْعَلَهَا قَرِيبَةً من طرف الركبة بحيث تساوى رؤوسها الرُّكْبَةَ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّجَ الْأَصَابِعَ أَمْ يضمها فيه وجهان قال الرافعى (الاصح) أنه يُفَرِّجَهَا تَفْرِيجًا مُقْتَصِدًا وَلَا يُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيجِ الْفَاحِشِ في شئ مِنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَأَكْثَرِ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ (وَالثَّانِي) يَضَعُهَا مُوَجَّهَةً إلَى الْقِبْلَةِ وَهَذَا الثَّانِي أَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَمَنْ تَابَعَهُمَا لَا يُؤْمَرُ بِضَمِّ الْأَصَابِعِ إلَّا فِي السُّجُودِ فَهُوَ اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أعلم: وأما ليمنى فَيَضَعُهَا عَلَى طَرَفِ الرُّكْبَةِ الْيُمْنَى وَيَقْبِضُ خِنْصَرَهَا وَبِنَصْرِهَا وَيُرْسِلُ الْمُسَبِّحَةَ وَفِيمَا يَفْعَلُ بِالْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الَّتِي حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ
فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرُوا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ والعزالي حيث حكياها أوجها وهى اقوال مشهورة
(أحدهما)
يَقْبِضُ الْوُسْطَى مَعَ الْخِنْصَرِ وَالْبِنْصِرِ وَيُرْسِلُ الْإِبْهَامَ مَعَ الْمُسَبِّحَةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُحَلِّقُ الْإِبْهَامَ وَالْوُسْطَى وَفِي كَيْفِيَّةِ التَّحْلِيقِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ قَالُوا (أَصَحُّهُمَا) يُحَلِّقُهُمَا بِرَأْسِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ (وَالثَّانِي) يَضَعُ أُنْمُلَةَ الْوُسْطَى بَيْن عُقْدَتَيْ الْإِبْهَامِ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَقْبِضُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ أَيْضًا وَفِي كَيْفِيَّةِ قَبْضِ الْإِبْهَامِ عَلَى هَذَا وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَضَعُهَا بِجَنْبِ الْمُسَبِّحَةِ كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثَةً وَخَمْسِينَ
(وَالثَّانِي)
يَضَعُهَا عَلَى حَرْفِ أُصْبُعِهِ الْوُسْطَى كَأَنَّهُ عَاقِدٌ ثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَيْفَ فَعَلَ مِنْ هَذِهِ الْهَيْئَاتِ فَقَدْ أَتَى بِالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَوْجُهِ كُلِّهَا يُسَنُّ أَنْ يُشِيرَ بِمُسَبِّحَةِ يُمْنَاهُ فَيَرْفَعُهَا إذَا بَلَغَ الْهَمْزَةَ مِنْ قَوْلِهِ لا آله إلا الله ونص الشافعي علي اسْتِحْبَابَ الْإِشَارَةِ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشِيرُ بِهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُشِيرُ بِهَا فِي جَمِيعِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَهَلْ يُحَرِّكُهَا عِنْدَ الرَّفْعِ بِالْإِشَارَةِ فِيهِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُحَرِّكُهَا فَلَوْ حَرَّكَهَا كَانَ مَكْرُوهًا وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ تَحْرِيكُهَا فَإِنْ حَرَّكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ حَكَاهُ (1) عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (وَالثَّالِث) يُسْتَحَبُّ
تَحْرِيكُهَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِحَدِيثِ وَائِلِ بْنِ حُجُرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ وَصَفَ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ وَضْعَ الْيَدَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ " ثُمَّ رَفَعَ أُصْبُعَهُ فَرَأَيْتُهُ يُحَرِّكُهَا يَدْعُو بِهَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالتَّحْرِيكِ الْإِشَارَةَ بِهَا لَا تَكْرِيرَ تَحْرِيكِهَا فَيَكُونَ مُوَافِقًا لِرِوَايَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إذَا دَعَا لَا يُحَرِّكُهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " تَحْرِيكُ الْأُصْبُعِ فِي الصَّلَاةِ مَذْعَرَةٌ لِلشَّيْطَانِ " فليس بصحيح قال البيهقى تفرد به
(1) بياض بالاصل
الْوَاقِدِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ الْحِكْمَةُ فِي وَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الْفَخِذَيْنِ فِي التَّشَهُّدِ أَنْ يَمْنَعَهُمَا مِنْ الْعَبَثِ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالاشارة بالمسبحة
(إحْدَاهَا) أَنْ تَكُونَ إشَارَتُهُ بِهَا إلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (الثَّانِيَةُ) يَنْوِي بِالْإِشَارَةِ الْإِخْلَاصَ وَالتَّوْحِيدَ ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثٍ فِيهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ عَنْ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان يشير بها للتوحيد " وعن ابن عباس رضى الله تعالي عَنْهُمَا قَالَ هُوَ الْإِخْلَاصُ وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ " مَقْمَعَةُ الشَّيْطَانِ "(الثَّالِثَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَتَيْنِ مِنْ الْيَدَيْنِ لِأَنَّ سُنَّةَ الْيُسْرَى أَنْ تَسْتَمِرَّ مَبْسُوطَةً (الرَّابِعَةُ) لَوْ كَانَتْ الْيُمْنَى مَقْطُوعَةً سَقَطَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ فَلَا يُشِيرُ بِغَيْرِهَا لِأَنَّهُ يَلْزَمُ تَرْكُ السُّنَّةِ فِي غَيْرِهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ نَظِيرُ مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ فِي الثَّلَاثَةِ لَا يَتَدَارَكُهُ فِي الْأَرْبَعَةِ لِأَنَّ سُنَّتَهَا تَرْكُ الرَّمَلِ وَقَدْ سَبَقَتْ لَهُ نَظَائِرُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ لَا يُجَاوِزَ بَصَرُهُ إشَارَتَهُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَلَا يُجَاوِزُ إشَارَتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
* (وَيَتَشَهَّدُ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ
أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أن محمد رَسُولُ اللَّهِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ فَيَقُولُ قُولُوا التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا قُلْنَاهُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ وَذِكْرُ التَّسْمِيَةِ غَيْرُ صَحِيحٍ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِي مِنْ ذَلِكَ خَمْسُ كَلِمَاتٍ وَهِيَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الجميع)
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي التَّشَهُّدِ أَحَادِيثُ (أَحَدُهَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُ هُوَ السَّلَامُ فَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَإِنَّكُمْ إذَا قُلْتُمُوهَا أَصَابَتْ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثم ليتخبر مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وفى رواية للبخاري كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مِنْ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ وَفُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تقولوا عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا كَانَ عِنْدَ الْقَعْدَةِ فَلْيَكُنْ مِنْ أَوَّلِ قَوْلِ أَحَدِكُمْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَرَوَى أَبُو دَاوُد نَحْوَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابن عمر وجابر وسمرة ابن جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ الْقَارِي بِتَشْدِيدِ الياء انه سمع عمر ابن الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يُعَلِّمُ النَّاسَ التَّشَهُّدَ يَقُولُ " قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَعَنْ الْقَاسِمِ بن
مُحَمَّدٍ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ إذَا تَشَهَّدَتْ قَالَتْ التَّحِيَّاتُ الطَّيِّبَاتُ الصَّلَوَاتُ الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي التَّشَهُّدِ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ وَأَشَدُّهَا صِحَّةً بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِأَيِّهَا تَشَهَّدَ أَجْزَأَهُ لَكِنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَفْضَلُ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَأَفْضَلُ التَّشَهُّدِ أَنْ يَقُولَ إلَى آخِرِهِ فَقَوْلُهُ أَفْضَلُ التَّشَهُّدِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ غَيْرِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَوَازِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا وَمِمَّنْ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا انما رجح الشافعي تشهد ابن عباس على تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ لِزِيَادَةِ لَفْظَةِ الْمُبَارَكَاتِ وَلِأَنَّهَا مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مباركة طيبة وَلِقَوْلِهِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ وَرَجَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ وَأَقْرَانِهِ مِنْ أَحْدَاثِ الصَّحَابَةِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَضْرَابِهِ
* وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدَ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ الَّذِي فِي أَوَّلِهِ بِاسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُمْ وَكَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَرَوَى التَّسْمِيَةَ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَضَعَّفَهَا وَنُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ
أَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ صحيح ولا يقبل ذلك منه فان الذى ضَعَّفُوهُ أَحْمَلُ مِنْ الْحَاكِمِ وَأَتْقَنُ
* وَأَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَسُمِّيَ التَّشَهُّدَ لِمَا فِيهِ مِنْ الشَّهَادَتَيْنِ وَقَوْلُهُ التَّحِيَّاتُ جَمْعُ تَحِيَّةٍ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ الْفَرَّاءُ (1) الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ وَتَقْدِيرُهُ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ حَكَاهَا الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ التَّحِيَّةُ الْحَيَا وَالْأَوَّلُ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَآخَرُونَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا قِيلَ التَّحِيَّاتُ بِالْجَمْعِ لِأَنَّهُ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَقِيلَ لَنَا قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ أَيْ الْأَلْفَاظُ الَّتِي تَدُلُّ عَلَى الْمُلْكِ مُسْتَحَقَّةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَحْدَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ لِأَنَّ شَيْئًا مِمَّا كَانُوا يُحَيُّونَ بِهِ الْمُلُوكَ لَا يَصْلُحُ لِلثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ قَالُوا تَقْدِيرُهُ وَالْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ بِالْوَاوِ كَمَا جَاءَ فِي الْأَحَادِيثِ الْبَاقِيَةِ ولكن حذفت الواو وحذف واو العطب جَائِزٌ (قَوْلُهُ) الصَّلَوَاتُ قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ الْعِبَادَاتُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ
الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَقِيلَ الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ والبيان قال صاحب المطالع علي هذا تقديره الصَّلَوَاتِ لِلَّهِ مِنْهُ أَيْ هُوَ الْمُتَفَضِّلُ بِهَا وَقِيلَ الْمَعْبُودُ بِهَا (قَوْلُهُ) الطَّيِّبَاتُ قِيلَ مَعْنَاهُ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَذِكْرٌ لَهُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ مَا طَابَ وَحَسُنَ مِنْ الْكَلَامِ فَيَصْلُحُ أَنْ يُثْنِيَ بِهِ عَلَيْهِ وَيُدْعَى بِهِ دُونَ مَا لَا يَلِيقُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ بَطَّالٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ مَعْنَاهُ الصَّالِحَةُ " قَوْلُهُ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَعْنَاهُ اسْمُ السَّلَامِ أَيْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ (وَالثَّانِي) مَعْنَاهُ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْكَ تَسْلِيمًا وَسَلَامًا وَمَنْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ سَلِمَ مِنْ الْآفَاتِ كُلِّهَا " قَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا " لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا وَفَاوَضْتُ فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ " وَقَوْلُهُ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " الْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ رَوَيْنَا عَنْ الْأُسْتَاذِ أَبِي الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَلِيٍّ الدَّقَّاقِ يَقُولُ ليس شئ أَشْرَفَ مِنْ الْعُبُودِيَّةِ وَلَا اسْمٌ أَتَمَّ لِلْمُؤْمِنِ مِنْ الْوَصْفِ بِالْعُبُودِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَكَانَتْ أَشْرَفَ أَوْقَاتِهِ (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ليلا)
وقال تعالي (فأوحى إلى عبده) والصالحون جمع صالح قال أبو اسحق الزَّجَّاجُ وَصَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ الْقَائِمُ بِمَا عَلَيْهِ من حقوق الله تعالي وَحُقُوقِ عِبَادِهِ وَقَوْلُهُ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " مَعْنَاهُ أَعْلَمُ وَأُبَيِّنُ " قَوْلُهُ رَسُولُ اللَّهِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّسُولُ هُوَ الَّذِي يُتَابِعُ أَخْبَارَ مَنْ بَعَثَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِتَتَابُعِ الْوَحْيِ إلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كذا وقع في المهذب وفيه مخذوف تَقْدِيرُهُ " عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " إلَى آخِرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا يَأْتِي عَلَى مَعْنَى الْجَمِيعِ فَيُنَازَعُ فِيهِ لِأَنَّ لَفْظَ التَّحِيَّاتِ لَا يَتَضَمَّنُ الْمُبَارَكَاتِ وَالصَّلَوَاتِ وَالطَّيِّبَاتِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَكْمَلُ التَّشَهُّدِ عِنْدَنَا تَشَهُّدُ ابْنِ عَبَّاسٍ بِكَمَالِهِ وَيَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْكَلَامِ (1) تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ تَشَهُّدُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَقَدْ بَيَّنَّا الْجَمِيعَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقُولَ " التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الزَّاكِيَاتُ وَالصَّلَوَاتُ لِلَّهِ " لِيَكُونَ جَامِعًا لَهَا كُلَّهَا وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو علي الطبري يستحب أَنْ يَقُولَ فِي أَوَّلِهِ بِسْمِ اللَّهِ وَبِاَللَّهِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ إلَى آخِرِهِ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّسْمِيَةُ وَلَمْ يَذْكُرْهَا الشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ ثُبُوتِ الْحَدِيثِ فِيهَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ التَّسْمِيَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم قَالَ وَلَمْ يَقُلْ بِهَا غَيْرُهُمَا مِنْ الْفُقَهَاءِ وَأَمَّا أَقَلُّ التَّشَهُّدِ فقال
(1) كذا في الاصل و؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ ؟ فحرره اه
الشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " وَقَالَ جَمَاعَةٌ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالرُّويَانِيُّ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ قَالَ وَنَقَلَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالصَّيْدَلَانِيّ فَأَسْقَطَا قَوْلَهُ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَا وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (قُلْتُ) وَكَذَا رَأَيْتُ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ كَمَا نَقَلَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عن الام وقال ابن سريج أَقَلُّهُ " التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ فِي الْحِكَايَةِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ لفظ السلام الثاني فقال
" السلام عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَأَسْقَطَ بَعْضُهُمْ الصَّالِحِينَ وَاخْتَارَهُ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيِّ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ تَكَرَّرَ فِي الْأَحَادِيثِ وَلَمْ يَسْقُطْ في شئ مِنْ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فَيَجِبُ الْإِتْيَانُ بِهِ كُلِّهِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَتَعَيَّنُ لَفْظَةُ التَّحِيَّاتِ لِثُبُوتِهَا فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ بِخِلَافِ الْمُبَارَكَاتِ وَمَا بَعْدَهَا وَمِمَّا يَدُلُّ لِسُقُوطِ لَفْظَةِ وَأَشْهَدُ رِوَايَةُ أَبِي مُوسَى السَّابِقَةُ وَأَمَّا إسْقَاطُ الصَّالِحِينَ فَخَطَأٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِالسَّلَامِ عَلَى كُلِّ الْعِبَادِ هُنَا بَلْ خَصَّ بِهِ الصَّالِحِينَ فَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ إسْقَاطُ عَلَيْنَا خَطَأً أَيْضًا لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ لَا يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ فَلَا يَجُوزُ حَذْفُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ فِي قَوْلِهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وُجُوبُهُمَا (وَالثَّانِي) حَذْفُهُمَا (وَالثَّالِثُ) وُجُوبُ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَفِي عَلَيْنَا والصالحين ثلاثة أوجه (أصحها) وجوبهما (والثاني) حذفهما (والثالث) وُجُوبُ الصَّالِحِينَ دُونَ عَلَيْنَا وَفِي الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ (وَالثَّالِثُ) وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي التَّشَهُّدِ سَلَامٌ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَا هُوَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَكَذَا جَاءَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْأَصْحَابِ السَّلَامُ عَلَيْكَ السَّلَامُ عَلَيْنَا بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِيهِمَا وَكَذَا جَاءَ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ وَأَكْثَرِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَوَقَعَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ سَلَامٌ عَلَيْنَا بِإِثْبَاتِ
الْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جَمِيعَ هَذَا جَائِزٌ لَكِنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ أَفْضَلُ لِكَثْرَتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ وَكَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَلِزِيَادَتِهِ فَيَكُونُ أَحْوَطَ وَلِمُوَافَقَتِهِ سَلَامَ التَّحَلُّلِ من الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ التَّرْتِيبَ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ مَعَ تَرْكِ التَّرْتِيبِ وَيُسْتَحَبُّ إذَا بَلَغَ الشَّهَادَةَ أَنْ يُشِيرَ بِالْمُسَبِّحَةِ لما روينا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَوَائِلِ بن حجر رضي الله تعالي عَنْهُمْ وَهَلْ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا التَّشَهُّدِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ
لَا يُصَلِّي لِأَنَّهَا لَوْ شُرِعَتْ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَيْهِ لَشُرِعَتْ عَلَى آلِهِ كَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُصَلِّي عَلَيْهِ لانه قعود شرع فيه التشهد فَشُرِعَ فِيهِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كالعقود في آخر الصلاة)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَوْلُهُ قُعُودٌ شُرِعَ فِيهِ التَّشَهُّدُ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَمِنْ جِلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) اسْتِحْبَابُ الْإِشَارَةِ بِالْمُسَبِّحَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفُرُوعِهَا وَبَيَانُ أَحَادِيثِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي السَّابِقِ (الثَّانِيَةُ) لَفْظُ التَّشَهُّدِ مُتَعَيَّنٌ فَلَوْ أَبْدَلَهُ بِمَعْنَاهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى لَفْظِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ عَجَزَ أَجْزَأَتْهُ تَرْجَمَتُهُ وَعَلَيْهِ التَّعَلُّمُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَعْلَمُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ بَدَلَ أَشْهَدُ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِ كَسَائِرِ الْكَلِمَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّشَهُّدِ مُرَتَّبًا فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهُ نُظِرَ إنْ غَيَّرَهُ تَغْيِيرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تعمده لانه كلام أجنبي وان لم يغيره فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ صِحَّتُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّانِي) فِي صِحَّتِهِ وَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ فِي التَّشَهُّدِ " أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا (الثَّالِثَةُ) هَلْ تُشْرَعُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَقِبَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) لَا يُشْرَعُ وَبِهِ قطع أبو حنيفة واحمد واسحق وَحُكِيَ عَنْ عَطَاءٍ وَالشُّعَبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ تُشْرَعُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَحَكَى الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ طَرِيقَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا وَحَكَى صَاحِبُ الْعُدَّةِ طريقين
(أَحَدُهُمَا) قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) لَا يُسَنُّ قَوْلًا وَاحِدًا فَحَصَلَ ثَلَاثُ طُرُقٍ الْمَشْهُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تُسَنُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَأَمَّا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ لَا يُشْرَعُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى وُجُوبِهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ
فَإِنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَمْ تُشْرَعْ هُنَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُسَنُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَا فِي القنوت ففعلهما في احدهما أو اوجبناها على الاول فِي الْأَخِيرِ وَلَمْ نَسُنَّهَا فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ أَتَى بِهَا فِيهِ فَقَدْ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ بِهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى لَفْظِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْآلِ إذَا سَنَنَّاهُمَا فَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهِ أَوْ يُطَوِّلَهُ بِذِكْرٍ آخر فال فَإِنْ فَعَلَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ سَوَاءٌ طَوَّلَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا هَكَذَا نَقَلَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهَا وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ كَأَنَّهُ عَلَى الرَّضْفِ قَالُوا حَتَّى يَقُومَ " رَوَاهُ أبو داود والترمزى وَالنَّسَائِيِّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ لَمْ يَسْمَعْ أَبَاهُ وَلَمْ يُدْرِكْهُ بِاتِّفَاقِهِمْ وَهُوَ حَدِيثٌ مُنْقَطِعٌ
* قال الصنف رحمه الله
*
* (ثُمَّ يَقُومُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا عَلَى الْأَرْضِ بِيَدَيْهِ لِمَا رَوَيْنَاهُ عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ مِثْلَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا فيما بيناه من الجهر وقراءة السورة)
*
* (الشَّرْحُ)
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ مُعْتَمِدًا بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَدَلِيلُنَا وَدَلِيلُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَقُومُ مُكَبِّرًا وَيَبْتَدِئُ التَّكْبِيرَ مِنْ حِينِ يَبْتَدِئُ
الْقِيَامَ وَيَمُدُّهُ إلَى أَنْ يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ حِكَايَةُ قَوْلٍ نَقَلَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يَمُدُّهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ تَرَكَ ذِكْرَ التَّكْبِيرِ وَهُوَ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا فِي فَصْلِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيرِ مِنْ الْقِيَامِ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ
(أحدهما)
هَكَذَا (وَالثَّانِيَةُ) وَهُوَ أَنَّ شِرْعَتَهُ أَنَّهُ لَا يكبر في قِيَامِهِ فَإِذَا انْتَصَبَ قَائِمًا ابْتَدَأَ التَّكْبِيرَ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ الْمَالِكِيُّ وَهَذَا الَّذِي
يُوَافِقُ الْجُمْهُورَ أَوْلَى قَالَ وَهُوَ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ كَالثَّانِيَةِ إلَّا فِي الْجَهْرِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَفِيهَا قَوْلَانِ سَبَقَا هَلْ تُشْرَعُ أَمْ لَا فَإِنْ شُرِعَتْ فَهِيَ أَخَفُّ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي الثَّانِيَةِ كَمَا سَبَقَ وَجْهَانِ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ إذَا قَامَ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَوْ الصَّوَابَ أَنَّهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَبَسَطْنَا دَلَائِلَهُ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (فَإِذَا بَلَغَ آخِرَ الصَّلَاةِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهُوَ فَرْضٌ لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السلام ولكن قولوا التحيات لله ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* إذَا بَلَغَ آخِرَ صَلَاتِهِ جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَتَشَهَّدَ وَهَذَا الْجُلُوسُ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ فَرْضَانِ عِنْدَنَا لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ وَنَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا
* وَقَالَ أبو حنيفة ومالك الجلوس بقدر التسهد وَاجِبٌ وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ الْأَخِيرُ وَلَا جُلُوسُهُ إلَّا أَنَّ الزُّهْرِيَّ وَمَالِكًا وَالْأَوْزَاعِيَّ قَالُوا لَوْ تَرَكَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْجُلُوسُ بِقَدْرِ السَّلَامِ فَقَطْ
* وَاحْتَجَّ لهم بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعَمَ الْأَفْرِيقِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " وَفِي رِوَايَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَلْفَاظُهُمْ مُخْتَلِفَةٌ وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ الله تعالى عنه موقوقا وَقِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالتَّسْبِيحِ لِلرُّكُوعِ
* وَاحْتَجَّ أصحاننا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ
الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِهَذَا اللَّفْظِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَا إسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ التَّشَهُّدُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فَرْضٌ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ " وَهَذَا أَمْرٌ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَلَمْ يثبت شئ صَرِيحٌ فِي خِلَافِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ التَّشَهُّدَ شَبِيهٌ بِالْقِرَاءَةِ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ لَا تَتَمَيَّزُ الْعِبَادَةُ مِنْهُمَا عَنْ الْعَادَةِ فَوَجَبَ فِيهِمَا ذِكْرٌ لِيَتَمَيَّزَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
* وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حديث المسئ صَلَاتَهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ لَهُ النِّيَّةَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْقُعُودَ لِلتَّشَهُّدِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى وُجُوبِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّلَامَ وَقَدْ وَافَقَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُجُوبِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابن عمر وأنه ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِقَوِيٍّ وَقَدْ اضْطَرَبُوا فِيهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَضَعْفُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَنَّهُ) مُضْطَرِبٌ وَالْأَفْرِيقِيُّ ضَعِيفٌ أَيْضًا بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَبَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَمَّا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه فَضَعِيفٌ أَيْضًا ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ هَذَا لَا يَصِحُّ.
وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ فَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ وَعَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى التَّشَهُّدِ الْأَوَّلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَبَرَ تَرْكَهُ بِالسُّجُودِ وَلَوْ كَانَ فَرْضًا لَمْ يُجْبَرْ وَلَمْ يَجُزْ هَذَا التَّشَهُّدُ: قَالَ إمَامُ الحرمين في (1) وَلَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَجْبُرُونَ الْأَوَّلَ بِالسُّجُودِ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْإِسْرَارِ بِالتَّشَهُّدَيْنِ وَكَرَاهَةِ الْجَهْرِ بِهِمَا وَاحْتَجُّوا لَهُ بحديث عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " مَنْ السُّنَّةِ أَنْ يُخْفِي التَّشَهُّدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَالسُّنَّةُ فِي هذا القعود أن يكون متوركا فيخرج رجليه مِنْ جَانِبِ وَرِكِهِ الْأَيْمَنِ وَيَضَعُ أَلْيَتَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا جلس في الاولتين جَلَسَ عَلَى قَدَمِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وإذا جلس في الاخيرة جَلَسَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَجَعَلَ بَطْنَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى تَحْتَ مَأْبِضِ الْيُمْنَى وَنَصَبَ قَدَمَهُ الْيُمْنَى وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ فِي هَذَا التَّشَهُّدِ يَطُولُ فَكَانَ التَّوَرُّكُ فِيهِ أَمْكَنَ وَالْجُلُوسُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ يَقْصُرُ فَكَانَ الِافْتِرَاشُ فِيهِ أَشْبَهَ وَيَتَشَهَّدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ)
** (الشَّرْحُ)
* وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ قَدْ سَبَقَتْ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قبل هذا * قال المصنف رحمه الله
*
* (فإذا فرغ من التشهد صلى علاى لنبي صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فَرْضٌ فِي هذا الجلوس لما روت عائشة
(1) بياض بالاصل ولعله في كتاب الاساليب
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ إلَّا بِطَهُورٍ وَبِالصَّلَاةِ عَلَيَّ " وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ انك حميد مجيد لما روى كعب ابن عجرة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال ذلك والواجب من ذلك اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَفِي الصَّلَاةِ عَلَى آلِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ لِمَا رَوَى أَبُو حُمَيْدٍ قَالَ " قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَقَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تجب للاجماع)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* الَّذِي أَرَاهُ تَقْدِيمَ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْنَا قَدْ عَلِمْنَا أَوْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَكَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " وَعَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ قَالَ " قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدُ مَجِيدٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ
عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي وَسَطِ كِتَابِ الدَّعَوَاتِ بِهَذِهِ الْأَحْرُفِ وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ الْحُفَّاظِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْكِبَارِ عَزَاهُ إلَى الْبُخَارِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَهِيَ لِمَا يَدُهُ حَيِيَّةٌ (1) وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ أَمَرَنَا اللَّهُ عز وجل أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمِ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلَامُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رِوَايَةٍ كَيْفَ " نُصَلِّي عَلَيْكَ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا قَالَ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صليت
(1) كذا بالاصل فحرر
عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ " رَوَاهَا أَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي صحيحهما والدارقطني والبيهقي واحتجوا بها قال الدارقطني هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَائِدَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَوْلُهُ إذَا نَحْنُ صَلَّيْنَا عَلَيْكَ فِي صَلَاتِنَا (وَالثَّانِيَةُ) قَوْلُهُ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ لِأَنَّ أَكْثَرَ رِوَايَاتِ هَذَا الْحَدِيثِ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا فِيهَا كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَعَنْ فُضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ لَمْ يُمَجِّدْ اللَّهَ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَجِلَ هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بما شاء " رواه أبو داود الترمذي وَالنَّسَائِيِّ وَأَبُو حَاتِمِ بْنُ حِبَّانَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وأبو عبد الله الحاكم في صحيحهما وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ
الْجِيمِ وَبِالرَّاءِ - فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَيُقَالُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ويقال أبو اسحق بْنُ عُجْرَةَ الْأَنْصَارِيُّ السَّالِمِيُّ شَهِدَ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ توفى بالمدينة سنه اثنين وَقِيلَ ثَلَاثٍ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) حَمِيدٌ مَجِيدٌ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْمَعَانِي وَالْمُفَسِّرُونَ الْحَمِيدُ بِمَعْنَى الْمَحْمُودِ وَهُوَ الَّذِي تُحْمَدُ أَفْعَالُهُ وَالْمَجِيدُ الْمَاجِدُ وَهُوَ مَنْ كَمُلَ فِي الشَّرَفِ وَالْكَرَمِ وَالصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَرْضٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عَنْ ابْنِ الْمُنْذِرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّهُ مِنْ أَصْحَابِنَا
* وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْآلِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَوْلَيْنِ وَالْمَشْهُورُ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَالثَّانِي تَجِبُ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْجُمْهُورُ قَائِلَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَدْ بَيَّنَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ وَأَبُو الْفَتْحِ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي تَقْرِيبِهِ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو الْفَتْحِ نَصْرُ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالُوا هُوَ قَوْلُ التُّرْبَجِيِّ مِنْ أصحابنا - بمثناه من فوق مضمومة ثم راء ساكنة ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ جِيمٍ - وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الْآلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْتَجَّ بِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُصَرِّحَةِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِالْآلِ الْأَهْلَ وَهُمْ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ فِي ذَلِكَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ مُسْتَقِلٍّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَرْدُودٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ قِيلَ قَائِلُهُ إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْآلِ لَا تَجِبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَأَمَّا أَقَلُّ الصَّلَاةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ فَلَوْ قال صلى الله علي محمد فوجهان حكلاهما صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْزِئُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى أَحْمَدَ أَجْزَأَهُ
وَكَذَا قَطَعَ الرَّافِعِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ أَجْزَأَهُ قَالَ وَفِي وَجْهٍ يَكْفِي أَنْ يَقُولَ صَلَّى الله عليه والكنابة تَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ فِي التَّشَهُّدِ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ وَهَذَا نَظَرٌ إلَى الْمَعْنَى وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى أَحْمَدَ أَوْ النَّبِيِّ بَلْ تَسْمِيَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَاجِبَةٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَقَلُّ الصلاة علي الآل اللهم صلي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ على النبي صلي الله عليه وآله بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ آلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَأْمُورِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ وَفِيهِمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (الصَّحِيحُ) فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي حَرْمَلَةَ وَنَقَلَهُ عَنْهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَطَعَ به جمهور الاصحاب
(والثانى)
أنهم عترته الذى يُنْسَبُونَ إلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ رضي الله عنها وَنَسْلُهُمْ أَبَدًا حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُمْ كُلُّ الْمُسْلِمِينَ التَّابِعِينَ لَهُ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الصحابي وسفيان الثور وَغَيْرِهِمَا
* وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) وَالْمُرَادُ جَمِيعُ أَتْبَاعِهِ كُلِّهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُحْتَجُّ لَهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لِنُوحٍ صلى الله عليه وسلم (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثنين وأهلك) وَ (قَالَ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين
قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ انه عمل غير صالح) فَأَخْرَجَهُ بِالشِّرْكِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ نُوحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ أَجَابَ الشَّافِعِيُّ عَنْ هَذَا فَقَالَ الَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الاية انه ليس من أهلك الذى أَمَرْنَاكَ بِحَمْلِهِمْ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ (وَأَهْلَكَ إِلا من سبق عليه القول منهم) فَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَحْمِلَ مِنْ أَهْلِهِ مَنْ يَسْبِقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْ أَهْلِ مَعْصِيَتِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) وعن وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ " جِئْتُ أَطْلُبُ عَلِيًّا رضي الله عنه فَلَمْ أَجِدْهُ فقالت فاطمة رضي الله تعالى عَنْهَا انْطَلَقَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعوه فاجلس فَجَاءَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَا فَدَخَلْتُ مَعَهُمَا فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
حَسَنًا وَحُسَيْنًا فَأَجْلَسَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى فَخِذِهِ وَأَدْنَى فَاطِمَةَ مِنْ حِجْرِهِ وَزَوْجَهَا ثُمَّ لَفَّ عَلَيْهِمْ ثَوْبَهُ وَأَنَّهُ مُنْتَبِزٌ فَقَالَ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت ويطهركم تطهيرا اللهم هؤلاء أهلي اللهم حق قال وائلة قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا مِنْ أَهْلِكَ قال وأنت من أهلي قال وائلة انها لمن أرجا مَا أَرْجُوهُ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قال وهو إلى تخصيص وائلة بذلك أقرب من تعميم الامامة كلها به وكانه جعل وائلة فِي حُكْمِ الْأَهْلِ تَشْبِيهًا بِمَنْ يَسْتَحِقُّ هَذَا الِاسْمَ لَا تَحْقِيقًا وَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرْمُزَةَ نَافِعٌ السُّلَمِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ مَنْ آلُ مُحَمَّدٍ " فقال كل مؤمن تَقِيٍّ " فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا ضَعِيفٌ لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ أَبَا هُرْمُزَةَ كَذَّبَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْحُفَّاظِ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْآلُ هُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا فَرْضٌ فِيهِ وَنَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُمَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ مسعود وابى مسعود البدرى رضي الله تعالى عَنْهُمَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ لَا وَاجِبَةٌ حكاه ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الرَّأْيِ وَجُمْلَةٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ وقال اسحق إنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا رَجَوْتُ أَنْ تُجْزِئَهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بحديث " المسئ صَلَاتَهُ " وَبِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِذَا فَعَلْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى (صَلُّوا عليه وسلموا تسليما) قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذِهِ الْآيَةِ الصَّلَاةَ وَأَوْلَى الْأَحْوَالِ بِهَا حَالُ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ فِي غَيْرِ الصلاة
قَالَ الْكَرْخِيُّ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بالاحاديث الصحيحة السابقة: واجابوا عن حديث " المسئ صَلَاتَهُ " بِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَعْلَمُ التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى
ذَكَرِهِمَا كَمَا لَمْ يَذْكُرْ الْجُلُوسَ وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى وُجُوبِهِ وَإِنَّمَا ترك للعلم به كما تُرِكَتْ النِّيَّةُ لِلْعِلْمِ بِهَا وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَسَيَأْتِي ايضا ج إدْرَاجِهَا وَقَوْلُ الْحُفَّاظِ فِيهِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (نم يَدْعُو بِمَا أَحَبَّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا تشهد أحدكم فليتعوذ من اربع من عَذَابِ النَّارِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَفِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يُطِلْ الدُّعَاءَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَدْعُوَ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر لا اله الا انت ")
*
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ دُونَ قَوْلِهِ ثُمَّ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِمَا بَدَا لَهُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ: قال أهل اللغة العذاب كل ما يفني الْإِنْسَانَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ وَأَصْلُهُ الْمَنْعُ وَسُمِّيَ عَذَابًا لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ الْمُعَاوَدَةِ وَيَمْنَعُ غَيْرَهُ مِنْ مِثْلِ مَا فَعَلَهُ (وَقَوْلُهُ) فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ أَيْ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ وَالْمَسِيحِ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ وَبِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الصَّوَابُ فِي ضَبْطِهِ (وَقِيلَ) أَشْيَاءُ أُخَرُ ضَعِيفَةٌ نَبْسُطُهَا فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْمَسِيحُ هُوَ الْمَمْسُوحُ الْعَيْنِ وَبِهِ سُمِّيَ الدَّجَّالُ وَقَالَ غَيْرُهُ لِمَسْحِهِ الْأَرْضَ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ (وَقِيلَ) الْمَسِيحُ الْأَعْوَرُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ وَالدَّجَّالُ مِنْ الدَّجْلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ سُمِّيَ بذلك لتمويهه وتغطيته
الحق بباطله وتجبب لَهُ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ أَيْ يُقَدِّمُ مَنْ لَطَفَ بِهِ إلَى رَحْمَتِهِ وَطَاعَتِهِ بِفَضْلِهِ وَيُؤَخِّرُ مَنْ شَاءَ عن ذلك بعد له
* أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَبْلَ السَّلَامِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَلَكِنَّ أُمُورَ الْآخِرَةِ أَفْضَلُ وَلَهُ الدُّعَاءُ بِالدَّعَوَاتِ الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَالْمَأْثُورَةِ فِي غَيْرِهِ وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِغَيْرِ الْمَأْثُورِ ومما يُرِيدُهُ مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَتَرَدَّدُ فِي قَوْلِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا وَيَمِيلُ إلَى مَنْعِهِ وَأَنَّهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ كُلُّ ذَلِكَ وَلَا تَبْطُلُ الصلاة بشئ مِنْهُ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا فِي فَرْعٍ مُفْرَدٍ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا شَاءَ " وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَلَا فَرْقَ فِي اسْتِحْبَابِ هَذَا الدُّعَاءِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْإِمَامِ وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ لِكُلِّ مُصَلٍّ أَنْ يَزِيدَ عَلَى التشهد وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذِكْرَ اللَّهِ عز وجل وَدُعَاءَهُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ زِيَادَةُ ذَلِكَ إنْ كَانَ إمَامًا أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَلِيلًا لِلتَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَلْفَهُ وَأَرَى أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ وَحْدَهُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْرَهُ مَا أَطَالَ مَا لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ إلَى سَهْوٍ أَوْ يَخَافُ بِهِ سَهْوًا وَإِنْ لَمْ يَزِدْ عَلَى التَّشَهُّدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ هَذَا نَصُّهُ نَقَلْتُهُ مِنْ الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ فَوَائِدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَدْعِيَةٍ صَحِيحَةٍ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ ايها النبي ورحمة الله وبر كاته السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ
مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إلَيْهِ فَيَدْعُو " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " ثُمَّ يَتَخَيَّرُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ مَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ
الدَّجَّالِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ وَفِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَشَرِّ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ " وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَدْعُو فِي الصَّلَاةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ؟ مِنْ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ فَقَالَ إنَّ الرَّجُلَ إذَا غَرِمَ حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُعَلِّمُهُمْ هَذَا الدُّعَاءَ كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يَقُولُ قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ثُمَّ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ طَاوُسًا قَالَ لِابْنِهِ دَعَوْتَ بِهِ فِي صَلَاتِكَ فَقَالَ لَا فَقَالَ أَعِدْ صلاتك وعن عبد الله بن عمر وبن الْعَاصِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عنهم قال لرسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي فَقَالَ " قُلْ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) ظُلْمًا كَثِيرًا - هُوَ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ - فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ كَبِيرًا بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَيُقَالُ كَبِيرًا
* وَاحْتَجَّ البخاري
وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَئِمَّةِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي الدُّعَاءِ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالسَّلَامِ وَعَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِرَجُلٍ كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَتَشَهَّدُ وَأَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ أَمَا إنِّي لَا أُحْسِنَ دَنْدَنَتَكَ وَلَا دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم حولهما ندندن " رواه ابودواود بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (قَالَ) أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّنْدَنَةُ كَلَامٌ لَا يُفْهَمُ وَمَعْنَى حَوْلَهُمَا نُدَنْدِنُ أَيْ حَوْلَ سُؤَالَيْهِمَا (إحْدَاهُمَا) سُؤَالُ طَلَبٍ (وَالثَّانِيَةُ) سُؤَالُ رَهَبٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بَيَانُ حُكْمِ الدُّعَاءِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ فِيمَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ فِي
الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِيهَا بِكُلِّ مَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِهِ خَارِجَ الصَّلَاةِ مِنْ أُمُورِ الدين والدنيا وله اللهم الرزقي كَسْبًا طَيِّبًا وَوَلَدًا وَدَارًا وَجَارِيَةً حَسْنَاءَ يَصِفُهَا وَاَللَّهُمَّ خَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا وغير ذلك ولا يبطل صلاته شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وابو ثور واسحق
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ إلَّا بِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ الْمُوَافِقَةِ لِلْقُرْآنِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ بِمَا يُطْلَبُ مِنْ آدَمِيٍّ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ إنْ دَعَا بِمَا يَقْصِدُ بِهِ اللَّذَّةَ وَشِبْهَ كَلَامِ الْآدَمِيِّ كَطَلَبِ جَارِيَةٍ وَكَسْبٍ طَيِّبٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
* وَاحْتُجَّ لهم بقوله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصِحُّ فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَبِالْقِيَاسِ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَأَمَّا السُّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِيهِ مِنْ الدُّعَاءِ " وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ " فَأَكْثِرُوا الدُّعَاءَ " وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فَأَطْلَقَ الْأَمْرَ بِالدُّعَاءِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ فَتَنَاوَلَ كُلَّ مَا يُسَمَّى دُعَاءً وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دَعَا فِي مَوَاضِعَ بِأَدْعِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَجْرَ فِيهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ في حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ " ثُمَّ لِيَتَخَيَّرْ مِنْ الدُّعَاءِ مَا اعجبه واحب إلَيْهِ وَمَا شَاءَ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ كَمَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي هريرة " ثم يدعو لفنسه مَا بَدَا لَهُ " قَالَ النَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ " اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَيَّاشَ بن ابى ربيعة وسلمة بْنَ هِشَامٍ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اُشْدُدْ وطأتك علي مضر واجعلهما عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ الْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " وَهَؤُلَاءِ قَبَائِلُ مِنْ الْعَرَبِ وَالْأَحَادِيثُ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ وَعَنْ التَّشْمِيتِ وَرَدِّ السَّلَامِ أَنَّهُمَا مِنْ كَلَامِ النَّاسِ لِأَنَّهُمَا خِطَابٌ لِآدَمِيٍّ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ جَلَسَ فِي آخِرِهَا مُتَوَرِّكًا وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَدَعَا عَلَى مَا وَصَفْنَاهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ حَالَةٌ مِنْ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ لَمْ يُشْرَعْ
فِيهَا الْقِرَاءَةُ فَكُرِهَتْ فِيهَا كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
*
*
* (الشرح)
* هذا الذى ذكره متفق عليه علي ما ذكره
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (ثُمَّ يُسَلِّمُ وَهُوَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " وَلِأَنَّهُ أَحَدُ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ فِيهِ نُطْقٌ كَالطَّرَفِ الْأَوَّلِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ وَالسَّلَامُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ الله حتى يرى بياض خده من ههنا ومن ههنا وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ إنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَكَثُرَ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَإِنْ صَغُرَ الْمَسْجِدُ وَقَلَّ النَّاسُ سَلَّمَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُسَلِّمُ
تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلِأَنَّ السَّلَامَ لِلْإِعْلَامِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَثُرَ النَّاسُ كَثُرَ اللَّغَطُ فَيُسَلِّمُ اثْنَتَيْنِ لِيُبَلِّغَ وَإِذَا قَلَّ النَّاسُ كَفَاهُمْ الْإِعْلَامُ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي تَسْلِيمَةٍ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ تَسْلِيمَةٌ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يَحْصُلُ بِتَسْلِيمَةٍ فَإِنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَنْصُوصِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي التَّشَهُّدِ وَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُجْزِئُهُ حَتَّى يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا كَمَا يَقُولُ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَيَنْوِي الْإِمَامُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَلَى يَسَارِهِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْإِمَامِ وَعَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى المأمومين من ناحيته في صفه وورائه وَقُدَّامِهِ وَيَنْوِي بِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَعَلَى الْمَأْمُومِينَ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ قُدَّامَهُ نَوَاهُ فِي أَيِّ التَّسْلِيمَتَيْنِ شَاءَ وَيَنْوِي الْمُنْفَرِدُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَبِالثَّانِيَةِ السَّلَامَ عَلَى الْحَفَظَةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى سَمُرَةُ رضي الله عنه قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ نُسَلِّمَ عَلَى أَنْفُسِنَا وَأَنْ يُسَلِّمَ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ وَرَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه وكرم اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ
الظُّهْرِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا يَفْصِلُ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَنْوِ مَا سِوَاهُ جَازَ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سُنَّةٌ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو العباس ابن سريج وابو العباس
ابن الْقَاصِّ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِأَنَّهُ نُطْقٌ فِي أَحَدِ طَرَفَيْ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَقَالَ أَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ الْجُرْجَانِيُّ رحمهم الله يَجْزِيهِ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ قَدْ أَتَتْ عَلَى جَمِيعِ الْأَفْعَالِ وَالسَّلَامُ مِنْ جُمْلَتِهَا أَوْ لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ النِّيَّةُ فِي السَّلَامِ لَوَجَبَ تَعَيُّنُهَا كَمَا قُلْنَا في تكبيرة الاحرام
*
* (الشَّرْحُ)
* حَدِيثُ مِفْتَاحِ الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ: أَمَّا حُكْمُ السَّلَامِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ السَّلَامَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ وَأَقَلُّهُ
أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَلَوْ أَخَلَّ بِحَرْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ لَمْ يَصِحَّ سَلَامُهُ فَلَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَوْ قَالَ سَلَامِي عَلَيْكَ أَوْ سَلَامُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ لَمْ يُجْزِهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ قَالَهُ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يسجد للسهو تجب إعَادَةُ السَّلَامِ وَإِنْ قَالَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا فِي قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِغَائِبٍ وَإِنْ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِالتَّنْوِينِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْجُرْجَانِيُّ قَوْلَيْنِ وَهُوَ غَرِيبٌ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ وَيَقُومُ التَّنْوِينُ مَقَامَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا يُجْزِئُهُ فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ فِي الشَّرْحِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا قَالَ وَمَنْ قَالَ يُجْزِئُهُ فَقَدْ غَلِطَ وَدَلِيلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَبَيَّنَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِخِلَافِ
التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ نُقِلَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِالتَّنْوِينِ وَبِالْأَلِفِ وَاللَّامِ (وَقَوْلُهُمْ) التَّنْوِينُ يَقُومُ مَقَامَ الْأَلْفِ وَاللَّامِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَكِنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَسُدُّ مَسَدَّهُ فِي الْعُمُومِ وَالتَّعْرِيفِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ قَوْلَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ (أَنَّهُ) يَجْزِي كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قِيَاسًا عَلَى التَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَرَكَ تَرْتِيبَ الْقِرَاءَةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يُجْزِئُهُ مَعَ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ نَصَّ عَلَيْهِ وَهَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ بِسَلَامِهِ الْخُرُوجَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَا يَجِبُ لِأَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَمِلَتْ السَّلَامَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَفْصِ بْنِ الْوَكِيلِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ قال المكصنف رحمه الله وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ الْقَاصِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ قِيَاسًا عَلَى أَوَّلِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الاول قال
الرَّافِعِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ مُعْظَمِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَحَمَلُوا نَصَّ الشَّافِعِيِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا يَجِبُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ لَمْ تَجِبْ عَنْ الصَّلَاةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا لِأَنَّ الْخُرُوجَ مُتَعَيَّنٌ لِمَا شُرِعَ بِخِلَافِ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ مُتَرَدِّدٌ قَالُوا فَلَوْ عَيَّنَ غَيْرَ الَّتِي هُوَ فِيهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ ثَانِيًا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ النِّيَّةُ لَمْ يَضُرَّ الْخَطَأُ فِي التَّعْيِينِ لِأَنَّهُ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ لَا يَضُرُّهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ وَظَنَّ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ ثُمَّ تَذَكَّرَ فِي الثَّالِثَةِ أَنَّهَا الظُّهْرُ لَمْ يَضُرَّهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تَجِبُ النِّيَّةُ فَمَعْنَاهُ ان يقصد سلامة الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ تَحَلَّلَ بِهِ فَتَكُونُ النِّيَّةُ مُقْتَرِنَةً بِالسَّلَامِ فَلَوْ أَخَّرَهَا عَنْهُ وَسَلَّمَ بِلَا نِيَّةٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ وَإِنْ سَهَا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يُعِيدُ السَّلَامَ مَعَ النِّيَّةِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَلَوْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ الْخُرُوجَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ سَيَنْوِي الْخُرُوجَ عِنْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ لَا تُجْزِئُهُ
هَذِهِ النِّيَّةُ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ السَّلَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُوقِعَ السَّلَامَ فِي حَالَةِ الْقُعُودِ فَلَوْ سَلَّمَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يُجْزِهِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِأَقَلِّ السَّلَامِ وَأَمَّا أَكْمَلُهُ فَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَلْ يُسَنُّ تَسْلِيمَةٌ ثَانِيَةٌ أَمْ يُقْتَصَرُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَلَا تُشْرَعُ الثَّانِيَةُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ يُسَنُّ تَسْلِيمَتَانِ (وَالثَّانِي) تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَيْضًا إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ وَلَا لَغَطَ عِنْدَهُمْ فَتَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِلَّا فَثِنْتَانِ هَكَذَا حَكَى الْأَصْحَابُ هَذَا الثَّالِثَ قَوْلًا قَدِيمًا وَحَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ رِوَايَةِ الرَّبِيعِ فَيَقْتَضِي ان يكون قولا آخر في الجديد (1) ثلاث وَالْمَذْهَبُ تَسْلِيمَتَانِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا وَلَمْ يَثْبُتْ حَدِيثُ التَّسْلِيمَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ ثَبَتَ فَلَهُ تَأْوِيلَاتٌ سَنَذْكُرُهَا (2) فَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ جَعَلَهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَسْلِيمَتَانِ فَالسُّنَّةُ أَنْ تَكُونَ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْأُخْرَى عَنْ يَسَارِهِ قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ يَبْتَدِئُ السَّلَامَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُتِمُّهُ مُلْتَفِتًا بِحَيْثُ يَكُونُ تَمَامُ سَلَامِهِ مَعَ آخِرِ الِالْتِفَاتِ فَفِي التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَمِينِهِ خَدَّهُ الْأَيْمَنَ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَفِتُ حَتَّى يَرَى مَنْ عَنْ يَسَارِهِ خَدَّهُ الْأَيْسَرَ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْجُمْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ إمَامُ لحرمين يَلْتَفِتُ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ حَتَّى يُرَى خَدَّاهُ مِنْ كل جانب قال وَهَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّهُ إسْرَافٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سلم التسليمتين
(1، 2) كذا الاصل فحرر
عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَجْزَأَهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلسُّنَّةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ بَدَأَ بِالْيَسَارِ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا إذَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ التَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ مِنْهَا وَقَدْ انْقَضَتْ الصَّلَاةُ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى حَتَّى لَوْ أَحْدَثَ مَعَ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ لَا يَأْتِي بِهَا إلَّا بِطَهَارَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى السلام علي من علي يَمِينِهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَمُسْلِمِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَبِالثَّانِيَةِ علي من علي يَسَارَهُ مِنْهُمْ وَيَنْوِي الْمَأْمُومُ
مِثْلَ ذَلِكَ وَيَخْتَصُّ بشئ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ نَوَى بِالتَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ الرَّدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ نَوَاهُ فِي الْأُولَى وَإِنْ كَانَ مُحَاذِيًا لَهُ نَوَاهُ فِي أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَالْأُولَى أَفْضَلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْوِيَ بَعْضُ المأمومين الرد علي بعض ولكل مِنْهُمْ أَنْ يَنْوِيَ بِالْأُولَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ لَمْ نُوجِبْهَا وَدَلِيلُ هَذِهِ النِّيَّاتِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَسَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ولا خلاف انه لا يجب شئ مِنْ هَذِهِ النِّيَّاتِ غَيْرُ نِيَّةِ الْخُرُوجِ فَفِيهَا الْخِلَافُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَمَا سَبَقَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَالصَّوَابُ الْمَوْجُودُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَوَقَعَ فِي كِتَابِ الْمَدْخَلِ إلَى الْمُخْتَصَرِ لِزَاهِرٍ السَّرَخْسِيِّ وَالنِّهَايَةِ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْحِلْيَةِ لِلرُّويَانِيِّ زِيَادَةُ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ لَا يُوثَقُ بِهِ وَهُوَ شَاذٌّ فِي نَقْلِ الْمَذْهَبِ وَمِنْ حَيْثُ الْحَدِيثِ فَلَمْ أَجِدْهُ في شئ
مِنْ الْأَحَادِيثِ إلَّا فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَعَنْ شِمَالِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ " وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ نَسَبَهَا الطبراني الي موسي ابن قَيْسٍ الْحَضْرَمِيِّ وَعَنْهُ رَوَاهَا أَبُو دَاوُد (قُلْتُ) هَذَا الْحَدِيثُ إسْنَادُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادٌ صَحِيحٌ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَرَدَ فِي السَّلَامِ: أَمَّا حَدِيثُ " تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ " فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ كُنْتُ أَرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى أَرَى بَيَاضَ خَدِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وعن مَعْمَرٍ أَنَّ أَمِيرًا كَانَ بِمَكَّةَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ أَنَّى علقها قال الحكم فِي حَدِيثِهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) علقها - هو بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ اللَّامِ - وَمَعْنَاهُ مِنْ أَيْنَ حَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ السُّنَّةُ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله تعالى عليه وسلم على م تومؤن بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَاهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ الْمَذْكُورُ قَبْلَ الْفَرْعِ رواه البيهقى من رواية ابن عمر ووائلة بْنِ الْأَسْقَعِ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ فَفِيهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رَضِيَ الله تعالي عنها أن النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ الحاكم في السمتدرك عَلَى الصَّحِيحَيْنِ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ ضَعِيفٌ كَمَا قال المصنف
فِي الْكِتَابِ إنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ " وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قال رأيت النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً " رَوَاهُمَا بن مَاجَهْ وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا ضَعِيفَةٌ (الثَّانِي) أَنَّهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَأَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ لِبَيَانِ الْأَكْمَلِ الْأَفْضَلِ وَلِهَذَا وَاظَبَ عَلَيْهَا صلى الله عليه وسلم فَكَانَتْ أَشْهَرَ وَرُوَاتُهَا أَكْثَرَ (الثَّالِثُ) أَنَّ فِي رِوَايَاتِ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً مِنْ ثِقَاتٍ فَوَجَبَ قَبُولُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيمَا يَنْوِي بِالسَّلَامِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ السَّابِقُ مِنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى الله تعالي عليه وسلم يصلى قبل العصر ابع رَكَعَاتٍ يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ
عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وفى رواية منه فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله " عَلَى الْمَلَائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ وَالنَّبِيِّينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُؤْمِنِينَ " وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله تعالي عَنْهُ قَالَ " أَمَرَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ نَرُدَّ عَلَى الْإِمَامِ وَأَنْ يُسَلِّمَ بعضنا علي بعض " رواه أبو داود والدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِ أَبِي دَاوُد سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَحْتَجُّونَ به واسناد روايتي الدارقطني وَالْبَيْهَقِيِّ حَسَنٌ وَاعْتَضَدَتْ طُرُقُ هَذَا الْحَدِيثِ فَصَارَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا
* (فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَيَجُوزُ كَسْرُهَا - لُغَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا مَرَّاتٍ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُ " حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ " - هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ - (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - قِيلَ ابْنُ هِلَالٍ أَبُو سَعِيدٍ (وَقِيلَ) غَيْرُ ذَلِكَ تُوُفِّيَ فِي آخِرِ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ (قَوْلُهُ) أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ - بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ الْمَفْتُوحَتَيْنِ - يصفه بذلك لِقُرْبِهِ مِنْ الْإِمَامِ الْحَافِظِ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الاسماعيلي ويقال له حسين أَبِي بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَيُقَالُ الْخَتَنُ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَاسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْجُرْجَانِيُّ وَكَانَ أَحَدَ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا فِي عَصْرِهِ مُقَدَّمًا فِي عِلْمِ الْأَدَبِ وَالْقِرَاءَاتِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ
مُبَرِّزًا فِي عِلْمِ الْجَدَلِ وَالنَّظَرِ وَالْفِقْهِ وَصَنَّفَ شَرْحَ التَّلْخِيصِ وَسَمِعَ الْحَدِيثَ تُوُفِّيَ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى يوم الاضحي سنة ست وثمانين وثلثمائة وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ السَّلَامِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ السَّلَامُ وَلَا هُوَ مِنْ الصَّلَاةِ بَلْ إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ بِمَا يُنَافِيهَا مِنْ سَلَامٍ أَوْ كَلَامٍ أَوْ حَدَثٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بحديث المسئ صَلَاتَهُ وَبِحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَهُ
التَّشَهُّدَ وَقَالَ إذَا قَضَيْتَ هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ " وَعَنْ ابْنِ عَمْرٍو قال " قال رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَحْدَثَ وَقَدْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَقَدْ جَازَتْ صَلَاتُهُ " وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " إذَا جَلَسَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تمت صلاته "
* واحتج أصحابنا بحديث " تحليلها لتسليم " وَبِالْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ مَعَ " قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي " والجواب عن حديث المسئ صَلَاتَهُ أَنَّهُ تَرَكَ بَيَانَ السَّلَامِ لِعِلْمِهِ بِهِ كَمَا تَرَكَ بَيَانَ النِّيَّةِ وَالْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ وَهُمَا وَاجِبَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ قَوْلَهُ " فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ أَوْ قُضِيَتْ صَلَاتُهُ " إلَى آخِرِهِ زِيَادَةٌ مُدْرَجَةٌ لَيْسَتْ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِاتِّفَاقِ الحفاظ وقد بين الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ وَحَدِيثُ ابن عمرو فضعيفان بانفاق الحفاظ، ضعفهما مَشْهُورٌ فِي كُتُبِهِمْ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ بَعْضِ هَذَا فِي ذِكْرِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ التَّشَهُّدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي اسْتِحْبَابِ تَسْلِيمَةٍ أَوْ تَسْلِيمَتَيْنِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعَلِيِّ بْنِ
أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَنَافِعِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ رضي الله عنهم وعن عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَعَلْقَمَةَ وَالشَّعْبِيِّ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ التَّابِعِينَ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ
* قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ وَأَنَسٌ وَسَلَمَةُ ابن الْأَكْوَعِ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ قال ابن المندر عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ كَانَ مَسْجِدُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَتَيْنِ وَمَسْجِدُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ فِيهِ تَسْلِيمَةً وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الْوَاجِبُ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَا تَجِبُ الثَّانِيَةُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ أَوْ كُلُّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَائِزَةٌ وَحَكَى الطَّحَاوِيُّ
وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ أَوْجَبَ التَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَبِهِمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْرِجَ لَفْظَةَ السَّلَامِ وَلَا يَمُدَّهَا وَلَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا لِلْعُلَمَاءِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو دَاوُد والترمذي والبيهقي وغيرهم من أثمة الْحَدِيثِ وَالْفُقَهَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " قَالَ
حَذْفُ السَّلَامِ سُنَّةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ مَعْنَاهُ لَا يَمُدُّ مَدًّا
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَبْتَدِئَ السَّلَامَ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ فَإِنَّهُ قَالَ وَمَنْ كَانَ خَلْفَ إمَامٍ فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ سَلَامِهِ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُسَلِّمَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْأُولَى وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَفْضَلِ وَلَوْ قَارَنَهُ فِي السَّلَامِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مفارقته كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي بَاقِي الْأَرْكَانِ بِخِلَافِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ فِي صَلَاةٍ حتي يفرق مِنْهَا فَلَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِمَنْ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي السَّلَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ لَمْ يَنْوِ مُفَارَقَتَهُ فَإِنْ نَوَاهَا فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَكُونُ مُسَلِّمًا بَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَبْتَدِئَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الْمِيمِ مِنْ قَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ لَا يَقُومَ لِيَأْتِيَ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مُخْتَصَرِ البويطي فقال ومن سبقه الامام بشئ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا يَقُومُ لِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ قَالَ اصحابنا فان قام بعد فراغه من قوله السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فِي الْأُولَى جَازَ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ قَامَ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي التَّسْلِيمَتَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ مفارقة الامام فيجئ فِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ قَامَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَامَ
قَبْلَ شُرُوعِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قام المسبوق مقارنا لِلتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى فَإِنْ قُلْنَا لِلْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ
أَنْ يُسَلِّمَ مُقَارِنًا لِلْإِمَامِ جَازَ قِيَامُ الْمَسْبُوقِ لِأَنَّ كُلَّ حَالٍ جَازَ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ فِيهَا جَازَ لِلْمَسْبُوقِ الْمُفَارَقَةُ فِيهَا كَمَا بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ لِلْمُوَافِقِ السَّلَامُ مُقَارِنًا لَهُ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ الْقِيَامُ مَعَ الْمُقَارَنَةِ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْمُفَارَقَةَ وَلَوْ سلم الامام فمكت الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِهِ جَالِسًا وَطَالَ جُلُوسُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ الْأَوَّلِ جَازَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ جُلُوسٌ مَحْسُوبٌ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْقُدْوَةُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ يَجُوزُ تَطْوِيلُهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ تَشَهُّدِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْلِسَ بَعْدَ تَسْلِيمِهِ لِأَنَّ جُلُوسَهُ كَانَ لِلْمُتَابَعَةِ وقد زالت فان جلس متعمدا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى انْقَضَتْ قُدْوَةُ الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ وَالْمَسْبُوقِ لِخُرُوجِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْمَأْمُومُ الْمُوَافِقُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ سَلَّمَ بَعْدَهُ وَإِنْ شَاءَ اسْتَدَامَ الْجُلُوسَ لِلتَّعَوُّذِ وَالدُّعَاءِ وَأَطَالَ ذَلِكَ هَكَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ نَقَلْتُهُ بِحُرُوفِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اقْتَصَرَ الْإِمَامُ عَلَى تَسْلِيمَةٍ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ تَسْلِيمَتَانِ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ بِالْأُولَى بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَوْ ترك لَزِمَ الْمَأْمُومَ تَرْكُهُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فَتَشَهَّدَ بَعْدَ الركعة الرابعة ثم قال قَبْلَ السَّلَامِ وَشَرَعَ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ فَعَلَ ذلك عمدا بطلت صلاته الظُّهْرِ بِقِيَامِهِ وَصَحَّتْ الْعَصْرُ وَإِنْ قَامَ نَاسِيًا لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ فِي الْعَصْرِ فَإِنْ ذَكَرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ مِنْ الظُّهْرِ وَأَجْزَأَتْهُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَوَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا * قَالَ المصنف رحمه الله
*
* (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى لِمَا رَوَى ابْنُ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يُهَلِّلُ فِي أَثَرِ كُلِّ صَلَاةٍ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل قَدِيرٌ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ
مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ثُمَّ يَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهَذَا فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ وَكَتَبَ الْمُغِيرَةُ إلَى مُعَاوِيَةَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* اتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ رحمهم الله عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِ وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَدْعُوَ أَيْضًا بَعْدَ السَّلَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَجَاءَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ فِي الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ قَدْ جَمَعْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الدُّعَاءِ أَسْمَعُ قَالَ جَوْفَ اللَّيْلِ الْآخِرَ وَدُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كُنْتُ أَعْرِفُ انْقِضَاءَ صَلَاةِ رَسُولِ الله صلي الله تعالي عليه وَسَلَّمَ بِالتَّكْبِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " كُنَّا نَعْرِفُ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَيْضًا أَنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ إذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إذَا سَمِعْتُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا انْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ " قِيلَ لِلْأَوْزَاعِيِّ وَهُوَ أَحَدُ رُوَاتِهِ كَيْفَ الِاسْتِغْفَارُ قَالَ تَقُولُ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا انْصَرَفَ مِنْ الصَّلَاةِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما " أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ حِينَ يُسَلِّمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ وَلَهُ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهَلِّلُ بِهِنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ويصوموا كَمَا نَصُومُ وَلَهُمْ فُضُولٌ مِنْ أَمْوَالِهِمْ يَحُجُّونَ بها ويعتمرون يجاهدون وَيَتَصَدَّقُونَ فَقَالَ أَلَا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ وَلَا يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَلَ مِنْكُمْ إلَّا مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ فَقَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُسَبِّحُونَ اللَّهَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كل صلاة ثلاثا وثلاثين " قال أَبُو صَالِحٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ كَيْفِيَّةِ ذِكْرِهَا يَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الدُّثُورُ) بِضَمِّ الدَّالِ جَمْعُ دَثْرٍ وبفتح الدَّالِ وَإِسْكَانِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الْمَالُ الْكَثِيرُ وَعَنْ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مُعَقِّبَاتٌ لَا يَخِيبُ قَائِلُهُنَّ أَوْ فَاعِلُهُنَّ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَسْبِيحَةً وَثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَحْمِيدَةً وَأَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " مَنْ سَبَّحَ اللَّهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَحَمِدَهُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَكَبَّرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير غفرت
خطاياه وإن كاتت مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ ابن أبي وقاص رضي الله تعالي عنه أن رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَتَعَوَّذُ دُبُرَ الصَّلَاةِ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وأعوذ بك من أن ارد إلى أرذال الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِهَادِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ " هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَهُوَ إسْنَادُ مُسْلِمٍ هَكَذَا فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ هَذَا بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي مَوْضِعِهِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَهُمَا صَحِيحَتَانِ وَكَانَ يَقُولُ الدُّعَاءَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ والله اعلم وعن معاذ رضى والله عنه " ان رسول الله صلي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَقَالَ يَا مُعَاذُ الله إنِّي لَأُحِبّكَ أُوصِيكَ يَا مُعَاذُ لَا تَدَعْهُنَّ دبر كل صلاة تقول
للهم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو داود والترمذي والنسائي وغيرهم وفى راية أَبِي دَاوُد " بِالْمُعَوِّذَاتِ " فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ قُلْ هو الله احد مع المعوذتين وروى الطبري فِي مُعْجَمِهِ أَحَادِيثَ فِي فَضْلِ آيَةِ الْكُرْسِيِّ دُبُرَ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ لَكِنَّهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرَ مَا ذَكَرْتُهُ هُنَا وَجَاءَ فِي الذِّكْرِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَالَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَهُوَ ثَانٍ رِجْلَهُ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وله الحميد يحيى ويميت وهو علي كل شئ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ كُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمُحِيَ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ وَكَانَ يَوْمَهُ ذَلِكَ كُلَّهُ فِي حِرْزٍ مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَحُرِسَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلَمْ يَنْبَغِ لِذَنْبٍ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إلَّا الشِّرْكَ بِاَللَّهِ تَعَالَى " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قال الترمذي حديث جسن غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى الْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ تَامَّةٍ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَاَللَّهُ اعلم
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ مِنْ هَذِهِ الْأَذْكَارِ بِحَدِيثِ الِاسْتِغْفَارِ وَحَكَى حديث ثوبان قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأُمِّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقَ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَحَدِيثَ ابْنِ الزُّبَيْرِ السَّابِقَ وَحَدِيثَ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَ في الفصل بعد هذا اختار للامام المأموم أَنْ يَذْكُرَا اللَّهَ تَعَالَى بَعْدَ السَّلَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَيُخْفِيَانِ الذِّكْرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ أَنْ يُتَعَلَّمَ مِنْهُ فَيَجْهَرَ حَتَّى يَرَى أَنَّهُ قَدْ تُعُلِّمَ مِنْهُ فَيُسِرَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بها) يَعْنِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ الدُّعَاءَ (وَلَا تَجْهَرْ) تَرْفَعْ (ولا تخافت) حتى لا تسمع نفسك قال وأحسب أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَهَرَ قَلِيلًا يَعْنِي فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ لِيَتَعَلَّمَ
النَّاسُ مِنْهُ لِأَنَّ عَامَّةَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي كَتَبْنَاهَا مَعَ هَذَا وَغَيْرِهَا لَيْسَ يُذْكَرُ فِيهَا بَعْدَ التَّسْلِيمِ تَهْلِيلٌ وَلَا تكبير وَقَدْ ذَكَرَتْ أُمُّ سَلَمَةَ " مُكْثَهُ صلى الله عليه وسلم ولم يذكر جَهْرًا وَأَحْسَبُهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَمْكُثْ إلَّا لِيَذْكُرَ سِرًّا " قَالَ وَأَسْتَحِبُّ لِلْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا أَوْ مَأْمُومًا أَنْ يُطِيلَ الذِّكْرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ وَيُكْثِرَ الدُّعَاءَ رَجَاءَ الْإِجَابَةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لتفسيره الاية بحديث عائشة رضى الله تعالى عَنْهَا قَالَتْ " فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) نَزَلَتْ فِي الدُّعَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ بَعْدَ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَرَّ بِهِمَا إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا يُرِيدُ تَعْلِيمَ النَّاسِ فَيَجْهَرَ لِيَتَعَلَّمُوا فَإِذَا تَعَلَّمُوا وَكَانُوا عَالِمِينَ أَسَرَّهُ وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ فِي الْإِسْرَارِ بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هللنا وكبرنا ارتفعت اصواتنا فقال النبي صل الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ (ارْبَعُوا) - بِفَتْحِ الْبَاءِ - أَيْ اُرْفُقُوا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا اسْتِحْبَابَ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ عَقِبَ كُلِّ الصَّلَوَاتِ بِلَا خلاف وأماما اعْتَادَهُ النَّاسُ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ مِنْ تَخْصِيصِ دُعَاءِ الْإِمَامِ بِصَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الحاوى فقال ان كانت صلاة لا يتنقل بَعْدَهَا كَالصُّبْحِ وَالْعَصْرِ اسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَاسْتَقْبَلَ النَّاسَ وَدَعَا وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا كَالظُّهْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَيُخْتَارُ أَنْ يَتَنَفَّلَ فِي مَنْزِلِهِ وَهَذَا الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ مِنْ التَّخْصِيصِ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُهُ فِي كُلِّ الصَّلَوَاتِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ فَيَدْعُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَأَمَّا هَذِهِ الْمُصَافَحَةُ الْمُعْتَادَةُ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله أَنَّهَا مِنْ الْبِدَعِ الْمُبَاحَةِ وَلَا تُوصَفُ بِكَرَاهَةٍ وَلَا اسْتِحْبَابٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ إنْ صَافَحَ مَنْ كَانَ مَعَهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَمُبَاحَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ صافح من
لم يكن معه قبل الصلاة عند اللقاء فسنة بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَسَأَبْسُطُ الْكَلَامَ فِي الْمُصَافَحَةِ وَالسَّلَامِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُشْبِهُهَا فِي فَصْلٍ عَقِبَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ أَوَّلَ النَّهَارِ وَآخِرَهُ وَفِي اللَّيْلِ وَعِنْدَ النَّوْمِ وَالِاسْتِيقَاظِ وَفِي ذَلِكَ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ وَقَدْ جَمَعْتُ مُعْظَمَ ذَلِكَ مُهَذَّبًا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
* (وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ فَإِنْ كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَلْبَثَ حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ لِئَلَّا يَخْتَلِطْنَ بِالرِّجَالِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سلمة رضى الله تعالي عَنْهَا " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذا
سلم قال النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي سَلَامَهُ فَيَمْكُثُ يَسِيرًا قَبْلَ أَنْ يَقُومَ " قَالَ الزُّهْرِيُّ رحمه الله فَنَرَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِيَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ الرِّجَالُ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ تَوَجَّهَ فِي جِهَةِ حَاجَتِهِ لِمَا رَوَى الْحَسَنُ رحمه الله قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلُّونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ فَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ بَنِي تَمِيمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَسَارِهِ وَمَنْ كَانَ بَيْتُهُ مما يَلِي بَنِي سُلَيْمٍ انْصَرَفَ عَنْ يَمِينِهِ يَعْنِي بِالْبَصْرَةِ " وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يَمِينِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي كل شئ)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا سَلَّمَ أَنْ يَقُومَ مِنْ مُصَلَّاهُ عَقِبَ سَلَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ نِسَاءٌ هَكَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَّلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ بِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) لِئَلَّا يَشُكَّ هُوَ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ هَلْ سَلَّمَ أَمْ لَا (وَالثَّانِيَةُ) لِئَلَّا يَدْخُلَ غَرِيبٌ فَيَظُنَّهُ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقْتَدِيَ بِهِ أَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ نِسَاءٌ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَلْبَثَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَيَثْبُتَ الرِّجَالُ قَدْرًا يَسِيرًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَنْصَرِفَ النِّسَاءُ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ الْمُسَارِعُونَ فِي سَيْرِهِمْ مِنْ الرِّجَالُ آخِرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُنَّ أَنْ يَنْصَرِفْنَ عَقِبَ سَلَامِهِ فَإِذَا انْصَرَفْنَ انْصَرَفَ الْإِمَامُ وَسَائِرُ الرِّجَالِ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَلَّمَ قَامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ وَمَكَثَ يَسِيرًا كَيْ يَنْصَرِفْنَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ شهاب " فأرى
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مُكْثَهُ لِكَيْ يَنْفَدَ النِّسَاءُ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَهُنَّ مَنْ انْصَرَفَ مِنْ الْقَوْمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ صَحِيحِهِ ولان الاختلاط بهن مظنة الفساد (1) لان مُزَيَّنَاتٌ لِلنَّاسِ مُقَدَّمَاتٌ عَلَى كُلِّ الشَّهَوَاتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ جَلَسَ أَطْوَلَ مِنْ ذَلِكَ فَلَا شئ عَلَيْهِ قَالَ وَلِلْمَأْمُومِ أَنْ يَنْصَرِفَ إذَا قَضَى الْإِمَامُ السَّلَامَ قَبْلَ قِيَامِ الْإِمَامِ قَالَ وَتَأْخِيرُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْصَرِفَ بَعْدَ انْصِرَافِ الْإِمَامِ أَوْ مَعَهُ أَحَبُّ إلَيَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ والاصحاب إذا انصرف المصلى أماما كان أوما مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا فَلَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ عَنْ يمينه وعن يساره وتلقاء وجهه رواه (2) ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ حَاجَةٌ فِي جِهَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَنْ يَتَوَجَّهَ إلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَاجَةٌ فَجِهَةُ الْيُمْنَى أَوْلَى وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ " بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي شَأْنِهِ كُلِّهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي ذَلِكَ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي فَصْلِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " لَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ لِلشَّيْطَانِ شَيْئًا مِنْ صَلَاتِهِ لَا يَرَى إلَّا أَنَّ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ إلَّا عَنْ يَمِينِهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثِيرًا يَنْصَرِفُ عَنْ يَسَارِهِ " رواه البخاري و (3) مسلم قَالَ " أَكْثَرُ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنْصَرِفُ عَنْ يَمِينِهِ " وَعَنْ هُلْبٍ بِضَمِّ الْهَاءِ الطَّائِيِّ رضي الله عنه " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ شِقَّيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُبَاحُ الِانْصِرَافُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَإِنَّمَا أَنْكَرَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَ ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَتِلَ فِي الْمِحْرَابِ وَيُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ لِلذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِمَا جَازَ أَنْ يَنْفَتِلَ كَيْفَ شَاءَ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ فَقَالَ الْبَغَوِيّ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْفَتِلَ عَنْ يَمِينِهِ وَقَالَ فِي كَيْفِيَّتِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُدْخِلُ يَمِينَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَسَارَهُ إلَى النَّاسِ وَيَجْلِسُ
عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ يُدْخِلُ يَسَارَهُ فِي الْمِحْرَابِ وَيَمِينَهُ إلَى الْقَوْمِ وَيَجْلِسُ عَلَى يَسَارِ الْمِحْرَابِ هَذَا لَفْظُ الْبَغَوِيِّ فِي التَّهْذِيبِ وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ بِهَذَا الثَّانِي وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عَنْ يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ أَوْ تَجْمَعُ عِبَادَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا حَدِيثٌ فَلَسْت أَرَى فِيهِ إلَّا التَّخْيِيرَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مِمَّا يُتَنَفَّلُ بَعْدَهَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بيته لفعل النافلة
(1 - 2) كذا بالاصل فحرر (3) كذا بالاصل ولعله وروى مسلم عن انس الخ كما يعلم من مراجعة صحيحة فحرر
لِأَنَّ فِعْلَهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ " لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اجْعَلُوا مِنْ صَلَاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ فِي مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ نَصِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ جَاعِلٌ فِي بَيْتِهِ مِنْ صَلَاتِهِ خَيْرًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَيْتِهِ وَأَرَادَ التَّنَفُّلَ فِي الْمَسْجِدِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَقِلَ عَنْ مَوْضِعِهِ قَلِيلًا لِتَكْثِيرِ مَوَاضِعِ سُجُودِهِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ بِكَلَامِ إنْسَانٍ وَاسْتَدَلَّ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ " أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إلَى السَّائِبِ بْنِ أُخْتِ نُمَيْرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شئ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ نَعَمْ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي
فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إلَيَّ فَقَالَ لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تُكَلِّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ
رَوَاهُ مُسْلِمٌ " فَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَتَحَوَّلَ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ عَطَاءٌ لَمْ يُدْرِكْ الْمُغِيرَةَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ شِمَالِهِ فِي الصَّلَاةِ يَعْنِي النَّافِلَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا صَلَّى النَّافِلَةَ فِي الْمَسْجِدِ جَازَ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَهَا وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَاقِيَ صَلَّاهَا فِي الْمَسْجِدِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَهُوَ صَلَاةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى ليالي في رمضان في المسجد غير المكتوبات " والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* (وَالسُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ أَنْ يَقْنُتَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ تعالي عنه " ان النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " وَمَحِلُّ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ " لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ أَنَسٌ هَلْ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ قال قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ إنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ " لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ فَقَالَ قُلْ " اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ " إلَى آخِرِهِ وَإِنْ قَنَتَ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ حَسَنًا وَهُوَ مَا رَوَى أَبُو رَافِعٍ قَالَ قَنَتَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الصُّبْحِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَلَا نَكْفُرُكَ وَنُؤْمِنُ بِك وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَفْجُرُكَ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ
وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ نَرْجُو رَحْمَتَكَ وَنَخْشَى عَذَابَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ يُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ اولياءك اللهم غفر لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وألف بين قلوبنهم وَاجْعَلْ فِي قُلُوبِهِمْ الْإِيمَانَ وَالْحِكْمَةَ وَثَبِّتْهُمْ عَلَى مِلَّةِ رَسُولِكَ وَأَوْزِعْهُمْ أَنْ يُوفُوا بِعَهْدِكَ الَّذِي عاهدتهم عليه وانصرهم على عدوك وعدوهم إلَهَ الْحَقِّ وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الدُّعَاءِ لِمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رضي الله عنه فِي الْوِتْرِ أَنَّهُ قَالَ " تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَسَلَّمَ " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَمِّنَّ عَلَى الدُّعَاءِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَكَانَ يُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُشَارِكَهُ فِي الثَّنَاءِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ التَّأْمِينُ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَتْ الْمُشَارَكَةُ أَوْلَى وَأَمَّا رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ رَفْعُ الْيَدِ كَالدُّعَاءِ فِي التَّشَهُّدِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَحَكَى فِي التَّعْلِيقِ أَنَّهُ يَرْفَعُ الْيَدَ وَالْأَوَّلُ عِنْدِي أَصَحُّ وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْفَرَائِضِ فَلَا يُقْنَتُ فيه من غير حاجة فان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ قَنَتُوا فِي جَمِيعِ الْفَرَائِضِ لِمَا رَوَى
أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَقْنُتُ إلَّا أَنْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ عَلَى أحد كَانَ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ قَالَ ربنا لك الحمد وذكر الدعاء)
*
*
* (الشَّرْحُ)
* فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّهُ لَا يُقْنَتُ فِي الصُّبْحِ لِأَنَّهُ صَارَ شِعَارَ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ فَهُوَ غَلَطٌ لَا يُعَدُّ مِنْ مَذْهَبِنَا وَأَمَّا غَيْرُ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ فَهَلْ يُقْنَتُ فِيهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قطع به الجمهور ان نزلت بالمسملين نَازِلَةٌ كَخَوْفٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ وَبَاءٍ أَوْ جَرَادٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ قَنَتُوا فِي جَمِيعِهَا وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَمُتَابِعُوهُ
(وَالثَّالِثُ) لَا يَقْنُتُونَ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الْمُسْتَفِيضَةِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ عِنْدَ نُزُولِ النَّازِلَةِ حِينَ قُتِلَ أَصْحَابُهُ الْقُرَّاءُ " وَأَحَادِيثُهُمْ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ هَكَذَا صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْجُمْهُورُ قَالَ الرَّافِعِيُّ مُقْتَضَى كَلَامِ أَكْثَرِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ فَحَيْثُ يَجُوزُ فَالِاخْتِيَارُ فِيهِ إلَى الْمُصَلِّي قَالَ ومنهم من يشعر كلامه بالاسحباب قلت وهذ أَقْرَبُ إلَى السُّنَّةِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ فَاقْتَضَى ان يكون سنة وممن صَرَّحَ بِأَنَّ الْخِلَافَ فِي الِاسْتِحْبَابِ صَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالَ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ مُطْلَقًا: وَأَمَّا غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَا يُقْنَتُ فِي شئ مِنْهُنَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ فِي الْعِيدَيْنِ وَلَا قُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ قَنَتَ عِنْدَ نَازِلَةٍ لَمْ أَكْرَهْهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْقُنُوتِ عِنْدَنَا بَعْدَ الرُّكُوعِ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ قَنَتَ قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ مَالِكِيًّا يَرَاهُ أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُجْزِئُهُ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيُعِيدُهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ
قَالَ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَوْ أَطَالَ الْقِيَامَ يَنْوِي بِهِ الْقُنُوتَ كَانَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ الْقُنُوتَ عَمَلٌ مِنْ عَمَلِ الصَّلَاةِ فَإِذَا عَمِلَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ أَوْجَبَ سُجُودَ السَّهْوِ هَذَا نَصُّهُ وَأَشَارَ فِي التَّهْذِيبِ إلَى وَجْهٍ فِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ لِأَنَّهُ قَالَ هُوَ كَمَا لَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ فِي الْقِيَامِ فَحَصَلَ فِيمَنْ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (وَالثَّالِثُ) يُجْزِئُهُ (وَالرَّابِعُ) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ غَلَطٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ فِي لَفْظِ الْقُنُوتِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ وَأَنَّهُ لا يذل من واليت تبارك رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِإِثْبَاتِ الْفَاءِ فِي فَإِنَّكَ وَالْوَاوِ فِي وَأَنَّهُ لَا يَذِلُّ وَتَبَارَكْتَ رَبَّنَا هَذَا لَفْظُهُ فِي رواية الترمذي (1) في رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد
وَجُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ وَلَمْ يُثْبِتْ الْفَاءَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَتَقَعُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مُغَيَّرَةً فَاعْتَمِدْ مَا حَقَّقْتُهُ فَإِنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ يُحَافَظُ فِيهَا عَلَى الثابت عن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قال " علمتي رسول الله صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي الْوِتْرِ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافَنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عليك
(1) كذا بالاصل
وأنه لا يذل من واليت تباركت ربنا وَتَعَالَيْتَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي القنوت شئ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وَفِي رِوَايَةٍ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ عن محمد بن الحنيفة وهو ابن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ " إنَّ هذا الدعاء هو الذى كان أبي يدعوا بِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي قُنُوتِهِ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يعلمهم هذا الدعاء ليدعوا بِهِ فِي الْقُنُوتِ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَفِي وِتْرِ اللَّيْلِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يَقُولُهَا في قنوت الليل " قال الْبَيْهَقِيُّ فَدَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّ تَعْلِيمَ هَذَا الدُّعَاءِ وَقَعَ لِقُنُوتِ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَقُنُوتِ الْوِتْرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَهَذِهِ الْكَلِمَاتُ الثِّمَانُ هُنَّ اللَّوَاتِي نَصَّ عَلَيْهِنَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِنَّ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِنَّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَبْلَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ وَبَعْدَهُ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ حَسَنَةٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ مَنْ عَادَيْتَ لَيْسَ بِحَسَنٍ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ لَا تُضَافُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَقَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء) وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ إمَامًا لَمْ يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ بَلْ يُعَمِّمُ فَيَأْتِي بِلَفْظِ الْجَمْعِ اللَّهُمَّ
اهْدِنَا إلَى آخِرِهِ وَهَلْ تَتَعَيَّنُ هَذِهِ الْكَلِمَاتُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا تَتَعَيَّنُ بَلْ يَحْصُلُ بِكُلِّ دُعَاءٍ
(وَالثَّانِي)
تَتَعَيَّنُ كَكَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ فَإِنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ بِالِاتِّفَاقِ وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى فِي كِتَابِهِ الْمُحِيطِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَلَوْ تَرَكَ مِنْ هَذَا كَلِمَةً أَوْ عَدَلَ إلَى غَيْرِهِ لَا يُجْزِئُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَخَلَائِقُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ قَوْلُ مَنْ قَالَ يَتَعَيَّنُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ بَلْ مُخَالِفٌ لِجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ فَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ اتِّفَاقَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فِي الْقُنُوتِ دُعَاءٌ إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ قُنُوتُ مُصْحَفِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه " اللهم إنا تستعينك وَنَسْتَغْفِرُكَ إلَى آخِرِهِ بَلْ مُخَالِفٌ لِفِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ كَانَ يقول " اللهم انج الوليد ابن الْوَلِيدِ وَفُلَانًا وَفُلَانًا اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا " فَلْيَعُدَّ هَذَا الَّذِي قِيلَ بِالتَّعَيُّنِ غَلَطًا غَيْرَ مَعْدُودٍ وَجْهًا هَذَا كُلُّهُ كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَقُلْنَا إنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَحْصُلُ بِالدُّعَاءِ الْمَأْثُورِ وَغَيْرِ الْمَأْثُورِ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ هِيَ دُعَاءٌ أَوْ شَبِيهَةٌ بِالدُّعَاءِ كَآخِرِ الْبَقَرَةِ أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الدُّعَاءَ وَلَمْ يُشْبِهْهُ كَآيَةِ الدَّيْنِ وَسُورَةِ تَبَّتْ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُجْزِئُهُ إذَا نَوَى الْقُنُوتَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أَفْضَلُ مِنْ الدُّعَاءِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْقُنُوتَ لِلدُّعَاءِ وهذا ليس
بِدُعَاءٍ وَالثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَنَتَ بِالْمَنْقُولِ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ كَانَ حَسَنًا وَهُوَ الدُّعَاءُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وغيره قال البيهقى هو صحيح عن عمرو اختلف الرُّوَاةُ فِي لَفْظِهِ وَالرِّوَايَةُ الَّتِي أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى اخْتِيَارِهَا رِوَايَةُ عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم قَنَتَ بَعْدَ الركوع فقال " اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ وَانْصُرْهُمْ عَلَى عَدُوِّكَ وَعَدُوِّهِمْ اللَّهُمَّ الْعَنْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِكَ وَيُكَذِّبُونَ رُسُلَكَ وَيُقَاتِلُونَ أَوْلِيَاءَكَ اللَّهُمَّ خَالِفْ بَيْنَ كَلِمَتِهِمْ وَزَلْزِلْ أَقْدَامَهُمْ وَأَنْزِلْ بِهِمْ بَأْسَكَ الَّذِي لَا تَرُدُّهُ عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ وَنُثْنِي عليك ولا نكفرك ونخلع ونترك من
مَنْ يَفْجُرُكَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ وَإِلَيْك نَسْعَى ونحفد ونخشى عذابك ونرجوا رَحْمَتَكَ إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ " هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ أُخْرَى أَخَصْرَ مِنْ هَذَا وَفِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَفِيهِ أَنَّهُ قَنَتَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ رَوَى عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قُنُوتَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو رَافِعٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَأَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ وَزَيْدُ بْنُ وَهْبٍ وَالْعَدَدُ أَوْلَى بِالْحِفْظِ مِنْ الْوَاحِدِ وَفِي حُسْنِ سِيَاقِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لِلْحَدِيثِ دَلَالَةٌ عَلَى حِفْظِهِ وَحِفْظِ مَنْ حَفِظَ عَنْهُ وَاقْتَصَرَ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَ هَذَا مَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّ إسْنَادَهُ مُرْسَلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ إنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهُمْ الَّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْعَصْرِ وَأَمَّا الْآنَ فَالْمُخْتَارُ أَنْ يُقَالَ عَذِّبْ الْكَفَرَةَ لِيَعُمَّ أَهْلَ الْكِتَابِ وَغَيْرَهُمْ مِنْ الْكُفَّارِ فَإِنَّ الْحَاجَةَ إلَى الدُّعَاءِ عَلَى غَيْرِهِمْ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَ قُنُوتِ عُمَرَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فَالْأَصَحُّ تَأْخِيرُ قُنُوتِ عُمَرَ وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُ وَإِنْ اقْتَصَرَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا أَوْ إمَامَ مَحْصُورِينَ يَرْضَوْنَ بِالتَّطْوِيلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ نَقَلَ رُكْنًا إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ الْبَغَوِيّ وَهُوَ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ " عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فِي الْوِتْرِ قَالَ اللَّهُمَّ اهْدِنِي فَذَكَرَ الْأَلْفَاظَ الثَّمَانِيَةَ وَقَالَ فِي آخِرِهَا تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ " هذا لَفْظُهُ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ يُكْرَهُ إطَالَةُ الْقُنُوتِ كَمَا يُكْرَهُ إطَالَةُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّل قَالَ وَتُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِيهِ فَإِنْ قَرَأَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ (الْخَامِسَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُسْتَحَبُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ وَالْقَفَّالِ وَالْبَغَوِيِّ وحكاه امام الحرمين عن
كثيرين من الاصحاب واشاروا الي ترجيحه واجتجوا بِأَنَّ الدُّعَاءَ فِي الصَّلَاةِ لَا تُرْفَعُ لَهُ الْيَدُ كَدُعَاءِ السُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَفِي الدَّلِيلِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ إمَامِ طَرِيقَةِ أَصْحَابِنَا الخراسانيين والقاضي أبو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي الْمِنْهَاجِ وَالشَّيْخِ أَبِي محمد وابن الصباغ والمتولي والغزالي والشيح نصر المقدسي في كتبه الثلاث الِانْتِخَابِ وَالتَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَآخَرِينَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِمَا رَوَاهُ بِإِسْنَادٍ لَهُ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه فِي قِصَّةِ الْقُرَّاءِ الَّذِينَ قتلوا رضي الله تعالى عَنْهُمْ قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ عَدَدًا من الصحابة رضي الله تعالى عَنْهُمْ رَفَعُوا أَيْدِيَهُمْ فِي الْقُنُوتِ ثُمَّ رَوَى عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَقَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَجَهَرَ بِالدُّعَاءِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا عَنْ عُمَرَ صَحِيحٌ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هريرة رضي الله تعالي عَنْهُمَا فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ وَأَمَّا مَسْحُ الْوَجْهِ بِالْيَدَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الدُّعَاءِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَرْفَعُ الْيَدَيْنِ لَمْ يُشْرَعْ الْمَسْحُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا يَرْفَعُ فَوَجْهَانِ (أَشْهُرُهُمَا) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي كُتُبِهِ وَالْغَزَالِيُّ
وَصَاحِبُ الْبَيَانِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَمْسَحُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ صَحَّحَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ لَسْتُ أَحْفَظُ فِي مَسْحِ الْوَجْهِ هُنَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ يُرْوَى عَنْ بَعْضِهِمْ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَأَمَّا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ عَمَلٌ لَمْ يثبت فيه خبر ولا أثر ولاقياس فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَيُقْتَصَرَ عَلَى مَا نَقَلَهُ السَّلَفُ عَنْهُمْ مِنْ رَفْعِ الْيَدَيْنِ دُونَ مَسْحِهِمَا بِالْوَجْهِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ حَدِيثًا مِنْ سُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ الله تعالي عَنْهُمَا " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَلُوا اللَّهَ بِبُطُونِ كُفُوفِكُمْ وَلَا تسألوه بظهورها فأذا
فرعتم فامسحوا بها وجوهكم " قال أبوا دَاوُد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ كُلُّهَا وَاهِيَةٌ هَذَا مَتْنُهَا وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ الْبَاشَانِيِّ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ - يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ - عَنْ الَّذِي إذَا دَعَا مَسَحَ وَجْهَهُ قَالَ لَمْ أَجِدْ لَهُ ثَبْتًا قَالَ عَلِيُّ وَلَمْ أَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ قَالَ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الْوِتْرِ وَكَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْبَيْهَقِيّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَلَهُ رِسَالَةٌ مَشْهُورَةٌ كَتَبَهَا إلَى الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنْكَرَ عَلَيْهِ فِيهَا أَشْيَاءَ مِنْ جُمْلَتِهَا مَسْحَهُ وَجْهَهُ بَعْدَ الْقُنُوتِ وَبَسَطَ الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ " رواه الترمذ ى وقال حديث غريب انفرد به حماد ابن عِيسَى وَحَمَّادُ هَذَا ضَعِيفٌ وَذَكَرَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْحَقِّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَغَلِطَ فِي قَوْلِهِ إنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا قَالَ غَرِيبٌ وَالْحَاصِلُ لِأَصْحَابِنَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ يَدَيْهِ دُونَ مَسْحِ الْوَجْهِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبَّانِ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبَّانِ وَأَمَّا غَيْرُ الْوَجْهِ مِنْ الصَّدْرِ وَغَيْرِهِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ هُوَ مَكْرُوهٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) إذَا قَنَتَ الْإِمَامُ فِي الصُّبْحِ هَلْ يَجْهَرُ بِالْقُنُوتِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَمِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجْهَرُ كَالتَّشَهُّدِ وَكَسَائِرِ الدَّعَوَاتِ (وَأَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا عَنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى مَا لَوْ سَأَلَ الرَّحْمَةَ أَوْ اسْتَعَاذَ مِنْ الْعَذَابِ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ الْمَأْمُومَ يُوَافِقُهُ فِي السُّؤَالِ وَلَا يُؤَمِّنُ وَبِهَذَا اسْتَدَلَّ الْمُتَوَلِّي وَأَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَيُسِرُّ بِهِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ قَنَتَ وَأَسَرَّ وَإِنْ قُلْنَا يَجْهَرُ الْإِمَامُ فَإِنْ كَانَ يسمع الامام فوجهان مشهوران للخراسانين (أَصَحُّهُمَا) يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَاءِ الْإِمَامِ وَلَا يَقْنُتُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
يَتَخَيَّرُ بَيْنَ التأمين والقنوت فان قلنا يؤمن فوجهان
(أَحَدِهِمَا)
يُؤَمِّنُ فِي الْجَمِيعِ (وَأَصَحُّهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ يُؤَمِّنُ فِي الْكَلِمَاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ دُعَاءٌ وَأَمَّا الثَّنَاءُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَإِنَّكَ تَقْضِي وَلَا
يُقْضَى عَلَيْكَ إلَى آخِرِهِ فَيُشَارِكُهُ فِي قَوْلِهِ أَوْ يَسْكُتُ وَالْمُشَارَكَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ ثَنَاءٌ وَذِكْرٌ لَا يَلِيقُ فِيهِ التَّأْمِينُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْمَعُ الْإِمَامَ لِبُعْدٍ أَوْ غيره وقلنا لو سمع لامن فهنا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقْنُتُ (وَالثَّانِي) يُؤَمِّنُ وَهُمَا كَالْوَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ هَذَا كُلُّهُ فِي الصُّبْحِ وَفِيمَا إذَا قَنَتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَأَمَّا إذَا قَنَتَ فِي بَاقِي الْمَكْتُوبَاتِ حَيْثُ قُلْنَا بِهِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ كَلَامُ الْغَزَالِيِّ يَقْتَضِي أَنَّهُ يُسِرُّ بِهِ فِي السِّرِّيَّاتِ وَفِي جَهْرِهِ بِهِ فِي الْجَهْرِيَّاتِ الْوَجْهَانِ قَالَ وَإِطْلَاقُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي طَرْدَ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ قَالَ وَحَدِيثُ قُنُوتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قُتِلَ الْقُرَّاءُ رضي الله عنهم يَقْتَضِي أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ اسْتِحْبَابُ الْجَهْرِ فَفِي الْبُخَارِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شئ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَهَرَ بِالْقُنُوتِ فِي قُنُوتِ النَّازِلَةِ " وَفِي الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقُنُوتِ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي اسْتِحْبَابِ تَأْمِينِ الْمَأْمُومِ عَلَى قُنُوتِ الْإِمَامِ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " قَنَتَ رسول الله شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمْدَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ (السَّابِعَةُ) فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ (الْقُنُوتُ) فِي اللُّغَةِ لَهُ مَعَانٍ (مِنْهَا) الدُّعَاءُ وَلِهَذَا سُمِّيَ هَذَا الدُّعَاءُ قُنُوتًا وَيُطْلَقُ عَلَى الدُّعَاءِ بِخَيْرٍ وَشَرٍّ يُقَالُ فنت له وقنت عليه (قوله) قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَهُ مَعْنَاهُ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو علي الكفار الذين قتلوا أصحابه القراةء بِبِئْرِ مَعُونَةَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالنُّونِ (وَقَوْلُهُ) ثُمَّ تَرَكَهُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله حَكَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ
(وَالثَّانِي)
تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَيْهِمْ وَلَعْنَتَهُمْ وَأَمَّا الدُّعَاءُ فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَتْرُكْهُ (قَوْلُهُ) لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ هُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الذَّالِ - (قَوْلُهُ) وَنَخْلَعُ مَنْ يَفْجُرُكَ أَيْ نَتْرُكُ مَنْ يَعْصِيكَ وَيُلْحِدُ فِي صِفَاتِكَ وَهُوَ - بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْجِيمِ - (قَوْلُهُ) وَإِلَيْك نَسْعَى وَنَحْفِدُ هُوَ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ نُسَارِعُ إلَى طَاعَتِكَ وَأَصْلُ الْحَفْدِ الْعَمَلُ وَالْخِدْمَةُ (قَوْلُهُ) إنَّ عَذَابَكَ الْجِدَّ - هُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ - أَيْ الْحَقَّ
وَلَمْ تَقَعْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ فِي الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ) مُلْحِقٌ الْأَشْهَرُ فِيهِ كَسْرُ الْحَاءِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحَكَى ابْنُ قُتَيْبَةَ وَآخَرُونَ فِيهِ
الفتح فمن افتح فَمَعْنَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَلْحَقَهُ بِهِمْ وَمَنْ كسر معناه لحق كما يقال أينبت الزَّرْعُ بِمَعْنَى نَبَتَ (قَوْلُهُ) وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِهِمْ أَيْ أُمُورَهُمْ وَمُوَاصَلَاتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ أي أجمعها علي الخير (قوله) الحكمة هي كُلُّ مَا مَنَعَ الْقَبِيحَ (قَوْلُهُ) وَأَوْزِعْهُمْ أَيْ أَلْهِمْهُمْ (قَوْلُهُ) وَاجْعَلْنَا مِنْهُمْ أَيْ مِمَّنْ هَذِهِ صفته (قوله) أن النبي صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَرْفَعْ الْيَدَ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ وَالِاسْتِنْصَارِ وَعَشِيَّةِ عَرَفَةَ وَالْمُرَادُ بِالِاسْتِنْصَارِ الدُّعَاءُ بِالنَّصْرِ عَلَى الْكُفَّارِ (قَوْلُهُ) لما روى الحسن ابن عَلِيٍّ هُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ سَبْطُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَيْحَانَتُهُ اُخْتُلِفَ فِي وَقْتِ وِلَادَتِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ فِي نِصْفِ شَهْرِ رَمَضَانَ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ وَدُفِنَ بِالْبَقِيعِ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ وَقِيلَ سَنَةَ خَمْسِينَ وَقِيلَ إحْدَى وَخَمْسِينَ وَمَنَاقِبُهُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ (وَأَمَّا أَبُو رَافِعٍ) الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ فِي الْكِتَابِ قُنُوتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَهُوَ أَبُو رافع الصائغ واسمه نقيع - بِضَمِّ النُّونِ - مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ وَأَخْيَارِهِمْ بَكَى حِينَ أُعْتِقَ وَقَالَ كَانَ لِي أَجْرَانِ فَذَهَبَ أحدهما
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إثْبَاتِ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِيهَا سواء نزلت نازلة أو لم تنزل وبها قَالَ أَكْثَرُ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهم رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَقَالَ بِهِ مِنْ التَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ خَلَائِقُ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي ليلي والحسن ابن صَالِحٍ وَمَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ لَا قُنُوتَ فِي الصُّبْحِ قَالَ أَحْمَدُ إلَّا الْإِمَامَ فَيَقْنُتُ إذَا بَعَثَ الْجُيُوشَ وَقَالَ إِسْحَاقُ يَقْنُتُ لَلنَّازِلَةِ خَاصَّةً وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ
يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ ثُمَّ تَرَكَهُ " رَوَاهُ البخاري ومسلم وفى صحيحهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي صَلَاتِهِ شَهْرًا يَدْعُو لِفُلَانٍ وَفُلَانٍ ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَعَنْ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ قَالَ " قُلْتُ لِأَبِي يَا أَبِي إنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَلْفَ رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ فَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ فَقَالَ أَيْ بُنَيَّ فَحَدِّثْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " مَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في شئ مِنْ صَلَاتِهِ " وَعَنْ أَبِي مَخْلَدٍ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا الصُّبْحَ فَلَمْ يَقْنُتْ فَقُلْتُ لَهُ أَلَا أَرَاك تقنت فقال ما احفظه عن احمد مِنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ بِدْعَةٌ " وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ " عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم قنت شهرا يدعوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ تَرَكَ فَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَلَمْ يَزَلْ يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْحُفَّاظِ وَصَحَّحُوهُ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى صِحَّتِهِ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْبَلْخِيُّ وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ في مواضع من كتبه والبيهقي ورواه الدارقطني
مِنْ طُرُقٍ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَعَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَمْزَةَ قَالَ " سَأَلْتُ أَبَا عُثْمَانَ عَنْ الْقُنُوتِ فِي الصُّبْحِ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قُلْتُ عَمَّنْ قَالَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا إسْنَادٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْقَافِ - التَّابِعِيِّ قَالَ " قَنَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي الْفَجْرِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ ذِكْرُ الْمَغْرِبِ وَلَا يَضُرُّ تَرْكُ النَّاسِ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَوْ دل الاجماع على نسخه فيها وأما الحواب عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما فِي قَوْلِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ فَالْمُرَادُ تَرَكَ الدُّعَاءَ عَلَى أُولَئِكَ الْكُفَّارِ وَلَعْنَتَهُمْ فَقَطْ لَا تَرَكَ جَمِيعَ الْقُنُوتِ أَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ فِي قَوْلِهِ " لَمْ يَزَلْ يَقْنُتْ فِي الصُّبْحِ
حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا " صَحِيحٌ صَرِيحٌ فَيَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُتَعَيَّنُ لِلْجَمْعِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ الْإِمَامِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا تَرَكَ اللَّعْنَ وَيُوَضِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ رِوَايَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ " ثُمَّ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ " وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ طَارِقٍ أَنَّ رواية الذين اثبتوا القنوت معهم زِيَادَةُ عِلْمٍ وَهُمْ أَكْثَرُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهُمْ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّهُ من رواية محمد بن جابر السحمى وَهُوَ شَدِيدُ الضَّعْفِ مَتْرُوكٌ وَلِأَنَّهُ نَفْيٌ وَحَدِيثُ أنس إثبات فقدم لزيادة العلم وحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْفَظْهُ أَوْ نَسِيَهُ وَقَدْ حَفِظَهُ أَنَسٌ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَغَيْرُهُمَا فَقُدِّمَ مَنْ حَفِظَ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ جِدًّا وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي لَيْلَى الْكُوفِيِّ وَقَالَ هَذَا لَا يَصِحُّ وَأَبُو لَيْلَى مَتْرُوكٌ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ " قَنَتَ فِي الصُّبْحِ " وَعَنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ يَعْلَى عَنْ عَنْبَسَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَافِعٍ عن ابيه عن ام سلمة قال الدارقطني هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ وَلَا يَصِحُّ لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ إذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ: قَدَّمْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهَا إنْ نزلت قنت
فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِالْقُنُوتِ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ مِنْهُ بَلْ قَدْ قَنَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه بِصِفِّينَ وَدَلِيلُنَا عَلَى مَنْ خَالَفَنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا لِقَتْلِ الْقُرَّاءِ رضي الله عنهم " وَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَبَاقِيهَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذهبهم فِي مَحِلِّ الْقُنُوتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَحِلَّهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الخطاب وعثمان وعلي رضى تَعَالَى عَنْهُمْ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْهُمْ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْهُمْ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروينا عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَرَاءِ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى رضي الله عنهم وَبِهَذَا قال مالك واسحق وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّخْيِيرَ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَبَعْدَهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَدْ جَاءَتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرَيْنِ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصُّبْحِ قَالَ نَعَمْ بَعْدَ الرُّكُوعِ يَسِيرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا بَعْدَ الرُّكُوعِ فِي الفجر يدعوا عَلَى بَنِي عُصَيَّةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَاصِمٍ قَالَ " سَأَلْتُ أَنَسًا عَنْ الْقُنُوتِ أَكَانَ قبل الركوع أو بعده قال قبله قُلْتُ فَإِنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ
انك قلت بعد الرُّكُوعِ قَالَ كَذَبَ إنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ سالم عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَكَ من الامر شئ " رواه البخاري وعن حفاف بْنِ إيمَاءٍ رضي الله عنه قَالَ " رَكَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ غِفَارٌ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ وَعُصَيَّةُ عَصَتْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَالْعَنْ رِعْلًا وَذَكْوَانَ ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَيْنَا عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ أَفْتَى بِالْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ ثُمَّ ذَكَرْنَا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " إنَّمَا قَنَتَ النبي صلى الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا فَقُلْتُ كَيْفَ الْقُنُوتُ قَالَ بَعْدَ الرُّكُوعِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَقَدْ أَخْبَرَنَا أَنَّ الْقُنُوتَ الْمُطْلَقَ الْمُعْتَادَ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَالَ وَقَوْلُهُ إنَّمَا قَنَتَ شَهْرًا يُرِيدُ بِهِ اللَّعْنَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوَاةُ الْقُنُوتِ بَعْدَ الرُّكُوعِ أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ فهو اولي وعلي هذا درج الخلفاء الرشدون رضي الله عنهم فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عَنْهُمْ وَأَكْثَرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الْقُنُوتِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ الصحيح في مذهبنا عند الاكثرين استحابه وَهُوَ الْمُخْتَارُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله تعالي عَنْهُمْ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَصْحَابُ الرأى قال وكان يزيد ابن أَبِي مَرْيَمَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَرَوْنَ ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الدُّعَاءِ خَارِجَ الصَّلَاةِ وَبَيَانِ جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ: اعْلَمْ أَنَّهُ
مُسْتَحَبٌّ لِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْقَى وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا فِي السَّمَاءِ قَزَعَةٌ فَثَارَ سَحَابٌ أَمْثَالُ الْجِبَالِ ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ مِنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ مِنْ لِحْيَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَا بِمَعْنَاهُ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَفِي رواية للبخاري
" فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدعو ورفع الناس أيديهم مع رسول صلى الله عليه وسلم يَدْعُونَ فَمَا خَرَجْنَا مِنْ الْمَسْجِدِ حَتَّى مُطِرْنَا فَمَا زِلْنَا بِمَطَرٍ حَتَّى كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْأُخْرَى وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " وَثَبَتَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَنَسٍ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ان الله حى كريم سخى إذَا رَفَعَ الرَّجُلُ يَدَيْهِ إلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَالصِّفْرُ) بِكَسْرِ الصَّادِ الْخَالِي وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله تعالي عنه في قصة القراء الدين قُتِلُوا قَالَ " لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا صَلَّى الْغَدَاةَ رَفْعَ يَدَيْهِ يَدْعُو عَلَيْهِمْ يَعْنِي عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ حَسَنٍ وَقَدْ سَبَقَ وعن عائشة رضي الله تعالى عَنْهَا فِي حَدِيثِهَا الطَّوِيلِ فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ لِلدُّعَاءِ لِأَهْلِ الْبَقِيعِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمْ قَالَتْ " أتى البقيع فقال فَأَطَالَ الْقِيَامَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ انْحَرَفَ قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَانِي فَقَالَ إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ وَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عمر بن الخطاب رضى تعالى عَنْهُ قَالَ " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رجلا فاستقبل نبى الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وعدتني اللهم آت ما وعدتني فما زال يهتف بربه مادا يديه حتى سقط رداءه عَنْ مَنْكِبَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهُ) يَهْتِفُ - بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ - يُقَالُ هَتَفَ يَهْتِفُ إذَا رَفَعَ صَوْتَهُ بِالدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما " أَنَّهُ كَانَ يرمى الجمرة سبع حصياة يُكَبِّرُ عَلَى أَثَرِ كُلِّ حَصَاةٍ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ فَيَقُومُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَرْمِي الْوُسْطَى ثُمَّ يَأْخُذُ ذَاتَ الشِّمَالِ
فَيَسْتَقْبِلُ وَيَقُومُ طَوِيلًا وَيَدْعُو ويرفع يديه ثم يرمى جمرة ذَاتَ الْعَقَبَةِ وَلَا يَقِفُ عِنْدَهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَيَقُولُ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خرجوا بالمساحى فرفع النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خيير " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي آخِرِ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ مِنْ
صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قال " لما فرع النبي صلى الله تعالي عليه وسلم من خبير بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى جَيْشٍ إلَى أَوْطَاسٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَأَنَّ أَبَا عَامِرٍ رضي الله عنه استشهد فقال لابي موسي يا ابن أخى امرني النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي وَمَاتَ أَبُو عَامِرٍ قَالَ أَبُو مُوسَى فَرَجَعْتُ إلَى النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفْعَ يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِكَ أَبِي عَامِرٍ وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ خَلْقِكَ وَمِنْ النَّاسِ فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ ذَنْبَهُ وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُدْخَلًا كَرِيمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سعد رضي الله تعالى عنه " أن رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَهَبَ إلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عوف ليصلح بينهم فحانت الصلا فَجَاءَ الْمُؤَذِّنُ إلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَقَالَ أَتُصَلِّي بِالنَّاسِ فَأُقِيمُ فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَصَلَّى بِهِمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ فِي الصَّلَاةِ فَتَخَلَّصَ حَتَّى وَقَفَ فِي الصَّفِّ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فَالْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ فَأَشَارَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عليه وسلم أن أئبت مَكَانَكَ فَرَفَعَ أَبُو بَكْرٍ يَدَيْهِ رضي الله عنه فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا أَمَرَهُ به رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذَلِكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تعالط عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو رَافِعًا يَدَيْهِ يَقُولُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي أَيُّمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ فَلَا تُعَاقِبْنِي فِيهِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قال " استقبل رسول الله صلي الله تعالى عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ وَتَهَيَّأَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللهم اهد أو ساو أت بهم " وعن جابر رضي الله تعال عَنْهُ " أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله تعالي عليه وسلم هل لك فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَنَعَةٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هِجْرَتِهِ مَعَ صَاحِبٍ لَهُ وَأَنَّ صَاحِبَهُ مَرِضَ فَجَزَعَ فَجَرَحَ يَدَيْهِ فَمَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ فِي الْمَنَامِ فَقَالَ مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ فَقَالَ غُفِرَ لِي بِهِجْرَتِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا شَأْنُ يَدَيْكَ قَالَ قِيلَ لَنْ يَصْلُحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ مِنْ نفسك فقصها الطفيلى على النبي صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ
رفع يديه " وعن علي رضي الله تعالي عَنْهُ " قَالَ جَاءَتْ امْرَأَةُ الْوَلِيدِ إلَى النَّبِيِّ صلي الله تعالى عليه وسلم تشكوا إلَيْهِ زَوْجَهَا أَنَّهُ يَضْرِبُهَا فَقَالَ اذْهَبِي إلَيْهِ فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ فَقَالَتْ إنَّهُ عَادَ يَضْرِبُنِي فَقَالَ اذْهَبِي فَقُولِي لَهُ كَيْتُ وَكَيْتُ فَقَالَتْ إنَّهُ يَضْرِبُنِي فَرَفَعَ رَسُولُ الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ عَلَيْكَ الْوَلِيدَ " وعن عائشة رضي الله تعالي عَنْهَا قَالَتْ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَافِعًا يَدَيْهِ حَتَّى بَدَا ضَبْعَاهُ يدعو لعود عثمان رضى الله تعالي عَنْهُ " وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ " أخبرني من رأى النبي صلي الله تعالي
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو عِنْدَ أَحْجَارِ الزَّيْتِ بَاسِطًا كَفَّيْهِ " وَعَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ " كَانَ عُمَرُ رضي الله تعالي عَنْهُ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " وَعَنْ الْأَسْوَدِ أن ابن مسعود رضي الله تعالي عَنْهُ " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ " هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَا تُعَاقِبْنِي إلَى آخِرِهَا رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ عَنْ رَسُولِ الله صلى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ وَالْمَقْصُودُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَصْرَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي وَرَدَتْ الْأَحَادِيثُ بِالرَّفْعِ فِيهَا فَهُوَ غَالِطٌ غَلَطًا فَاحِشًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
* (وَالْفَرْضُ مِمَّا ذَكَرْنَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ النِّيَّةُ وَتَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَالْقِيَامُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَالرُّكُوعُ
حَتَّى يَطْمَئِنَّ فِيهِ وَالرَّفْعُ مِنْ الرُّكُوعِ حَتَّى يَعْتَدِلَ وَالسُّجُودُ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ حَتَّى يَطْمَئِنَّ وَالْجُلُوسُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالتَّشَهُّدُ فِيهِ وَالصَّلَاةُ على رسول الله صلي الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى وَنِيَّةُ الْخُرُوجِ وترتيب افعالها علي ما ذكرناه وَالسُّنَنُ خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَوَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ وَالنَّظَرُ إلَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَدُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذُ وَالتَّأْمِينُ وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ وَالْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ وَالتَّكْبِيرَاتُ سِوَى
تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالتَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّسْبِيحُ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَمَدُّ الظَّهْرِ وَالْعُنُقِ فِيهِ وَالْبِدَايَةُ بِالرُّكْبَةِ ثُمَّ بِالْيَدِ فِي السُّجُودِ وَوَضْعُ الْأَنْفِ فِي السُّجُودِ وَمُجَافَاةُ الْمِرْفَقِ عَنْ الْجَنْبِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِقْلَالُ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذِ فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةُ الِاسْتِرَاحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالتَّوَرُّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالِافْتِرَاشُ فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُمْنَى مَقْبُوضَةً وَالْإِشَارَةُ بِالْمُسَبِّحَةِ وَوَضْعُ الْيَدِ الْيُسْرَى عَلَى الْفَخِذِ الْيُسْرَى مَبْسُوطَةً وَالتَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى آلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ وَنِيَّةُ السَّلَامِ علي الحاضرين)
*
*
* (الشرح)
* أما الفروض فهى علي ما ذكر الا أن فيه الْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا خِلَافٌ سَبَقَ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ وَضَمَّ ابْنُ الْقَاصِّ وَالْقَفَّالُ إلَى الْفُرُوضِ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بَلْ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّ نِيَّةَ الصَّلَاةِ شَرْطٌ لَا فَرْضٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهَا فَرْضٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوْضِعِهَا مَبْسُوطَةً وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ في البسيط وجهبن فِي أَنَّ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ رُكْنٌ مُسْتَقِلٌّ كَالرُّكُوعِ أَمْ رُكْنٌ مُتَكَرِّرٌ كَالرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ قَالَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَفْصِلُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ السَّجْدَةِ الْأُولَى رُكْنٌ قَالَ وَهَذَا الْخِلَافُ
إنَّمَا هُوَ فِي الْعِبَارَةِ وَأَمَّا السُّنَنُ فَمِنْهَا هَذِهِ الْخَمْسُ وَالثَّلَاثُونَ الَّتِي ذَكَرَهَا وَبَقِيَ مِنْهَا سُنَنٌ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ كَثِيرًا فِي مَوْضِعِهِ فَكَأَنَّهُ اسْتَغْنَى بِذَاكَ عَنْ ذِكْرِهِ هُنَا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْتَغْنِيَ بِهِ كَمَا لَمْ يَسْتَغْنِ فِي هَذِهِ الْخَمْسِ وَالثَّلَاثِينَ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ سَبَقَتْ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ مُرَادَهُ هُنَا حَصْرُهَا وَضَبْطُهَا بِالْعَدَدِ فَمِمَّا تَرَكَهُ تَفْرِيقُ أَصَابِعِ يَدَيْهِ إذَا رَفَعَهَا وَتَفْرِيقُهَا عَلَى الرُّكْبَةِ فِي الرُّكُوعِ وَضَمُّهَا إلَى القبلة
فِي السُّجُودِ وَتَوْجِيهُ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي السُّجُودِ وَالِاعْتِمَادُ عَلَيْهَا فِي السُّجُودِ وَالدُّعَاءُ فِي السُّجُودِ وَجَعْلُ الْيَدِ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى فَوْقَ السُّرَّةِ وَالْجَهْرُ بِالتَّأْمِينِ وَالِالْتِفَاتُ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ يَمِينًا وشمالا وغيرها مما سبق وكثير من هذا المذكورات يقال استغنى لكونه وصفا لشئ ذَكَرَهُ هُنَا وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِ الْمَوْصُوفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وقوله التَّسْمِيعُ وَالتَّحْمِيدُ فِي الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ التَّسْمِيعُ فِي الرَّفْعِ وَالتَّحْمِيدُ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ لِأَنَّ التَّحْمِيدَ لَا يُشْرَعُ فِي الرَّفْعِ إنَّمَا يُشْرَعُ إذَا اعْتَدَلَ وَكَأَنَّهُ اخْتَصَرَ وَاسْتَغْنَى بِذِكْرِهِ عَلَى وَجْهِهِ فِي مَوْضِعِهِ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلصَّلَاةِ أَرْكَانٌ وَأَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ وَشُرُوطٌ فَالْأَرْكَانُ هِيَ الْفُرُوضُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَتَكَلَّمْنَا عَلَيْهَا وَالْأَبْعَاضُ سِتَّةٌ أَحَدُهَا الْقُنُوتُ فِي الصُّبْحِ وَفِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالثَّانِي الْقِيَامُ لِلْقُنُوتِ وَالثَّالِثُ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالرَّابِعُ الْجُلُوسُ لَهُ وَالْخَامِسُ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ وَالسَّادِسُ الْجُلُوسُ لِلصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التَّشَهُّدَيْنِ إذَا قُلْنَا هِيَ سُنَّةٌ فِيهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ كُلِّ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِهِ
* وَأَمَّا الْهَيْئَاتُ وَهِيَ السُّنَّةُ الَّتِي لَيْسَتْ أَبْعَاضًا فَكُلُّ مَا يُشْرَعُ فِي الصَّلَاةِ غَيْرُ الْأَرْكَانِ وَالْأَبْعَاضِ
* وَأَمَّا الشُّرُوطُ فَخَمْسَةٌ الطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَعْرِفَتُهُ الْوَقْتَ يَقِينًا أَوْ ظَنَّا بِمُسْتَنَدٍ وَضَمَّ الفورانى والغزالي
الي الشروط ترك فِي الصَّلَاةِ وَتَرْكَ الْكَلَامِ وَتَرْكَ الْأَكْلِ وَالصَّوَابُ أَنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ بِشُرُوطٍ وَإِنَّمَا هِيَ مُبْطِلَاتُ الصلاة كقع النية وغير ذلك ولا تسمى شروطا لا فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ وَلَا فِي
اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ وَإِنْ أَطْلَقُوا عَلَيْهَا فِي مَوْضِعٍ اسْمَ الشَّرْطِ كَانَ مَجَازًا لِمُشَارَكَتِهَا الشَّرْطَ فِي عَدَمِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ اخْتِلَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ تَرَكَ رُكْنًا أَوْ شَرْطًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ إلَّا فِي مَوَاضِعَ مَخْصُوصَةٍ بِعُذْرٍ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَفَاقِدِ السُّتْرَةِ وَإِنْ تَرَكَ غَيْرَهُمَا صَحَّتْ وَفَاتَهُ الْفَضِيلَةُ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَكِنْ إنْ كَانَ الْمَتْرُوكُ مِنْ الْأَبْعَاضِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِلَّا فَلَا هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي هَذَا وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوَاضِعِهِ وبالله التوفيق
*
(فصل)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِصِفَةِ الصَّلَاةِ
(أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ دُخُولُهُ فِيهَا بِنَشَاطٍ وَإِقْبَالٍ عَلَيْهَا وَأَنْ يَتَدَبَّرَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ وَيُرَتِّلَهُمَا وَكَذَلِكَ الدُّعَاءُ وَيُرَاقِبَ اللَّهَ تعالي فيها ويسمع من الفكر في غير هذا حتي فرغ منها ويستحضر مَا أَمْكَنَهُ مِنْ الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ قال الله تعالي (قد افلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الآية قال الخشوع في القلب وان تُلِينَ جَانِبَكَ لِلْمَرْءِ الْمُسْلِمِ وَأَنْ لَا تَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِك.
وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ الْخُشُوعُ السُّكُونُ فِيهَا وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنهما قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " مَالِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْخَيْلُ الشُّمْسُ ذَاتُ التَّوَثُّبِ وَالنِّفَارِ.
وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يُقْبِلُ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَعَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ ذَكَرَ فضل الوضوء وفى آخره ان قال فَصَلَّى فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَمَجَّدَهُ بِاَلَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ وَفَرَّغَ قَلْبَهُ لِلَّهِ إلَّا انْصَرَفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كَهَيْئَةِ يَوْمِ وَلَدَتْهُ
أُمُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ: وَعَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يحضر صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا
مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ تُؤْتَ كَبِيرَةٌ وَذَلِكَ الدَّهْرُ كُلُّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الْيَسْرِ - بفتح المثناة تحت والعين
الْمُهْمَلَةِ - وَاسْمُهُ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ آخِرُ مَنْ تُوُفِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي الصَّلَاةَ كَامِلَةً وَمِنْكُمْ مَنْ يُصَلِّي النِّصْفَ وَالثُّلُثَ وَالرُّبْعَ وَالْخُمْسَ حَتَّى بَلَغَ الْعُشْرَ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى النَّسَائِيُّ أَيْضًا نَحْوَهُ أَوْ مِثْلَهُ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا صحيح وقد ذكر البيهقى اختلاف الرواة فيه وروى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ كَانَ ابن الزبير رضى الله عنهما إذا قام
فِي الصَّلَاةِ كَأَنَّهُ عُودٌ وَحَدَثَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ كَذَلِكَ قَالَ فَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ أَرَى فِي كُلِّ حَالٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يُرَتِّلَ التَّشَهُّدَ وَالتَّسْبِيحَ وَالْقِرَاءَةَ أَوْ يَزِيدَ فِيهَا شَيْئًا بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ وَرَاءَهُ ممن يثقل لسانه قد بلغ أو يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ أَرَى لَهُ فِي الحفض وَالرَّفْعِ أَنْ يَتَمَكَّنَ لِيُدْرِكَهُ الْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَالثَّقِيلُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَفَعَلَ بِأَخَفِّ الْأَشْيَاءِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِبَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ أَلْيَقُ لَكِنْ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا الباب وهنا
ذكرها الشافعي رحمه الله وسعيدها مَبْسُوطَةً بِفُرُوعِهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا فَرْضٌ وَمَعْرِفَةُ أَعْمَالِهَا قَالَ فَإِنْ جَهِلَ فَرْضِيَّةَ أَصْلِ الصَّلَاةِ أَوْ عَلِمَ أَنَّ بَعْضَ الصَّلَاةِ فَرِيضَةٌ وَلَمْ يَعْلَمْ فَرِيضَةَ الصَّلَاةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ فَرْضِيَّةَ الْوُضُوءِ أَمَّا إذَا عَلِمَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَرْكَانَهَا فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا سُنَّةً
(وَالثَّانِي)
أَنْ يَعْتَقِدَ بَعْضَ أَفْعَالِهَا فَرْضًا وَبَعْضَهَا سُنَّةً وَلَا يُمَيِّزُ الْفَرْضَ مِنْ السُّنَّةِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ فِي هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (الثَّالِثُ) أَنْ يَعْتَقِدَ جَمِيعَ أَفْعَالِهَا فَرْضًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَعْرِفَةَ ذَلِكَ
وَهِيَ وَاجِبَةٌ (وَأَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ أَدَّى سُنَّةً بِاعْتِقَادِ الْفَرْضِ وَذَلِكَ
لَا يُؤَثِّرُ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ لَمْ نُصَحِّحْ صَلَاتَهُ فَفِي صِحَّةِ وُضُوئِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَجْهَانِ هَكَذَا ذَكَرَ هَؤُلَاءِ هَذِهِ الْمَسَائِلَ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْعَامِّيِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى الْعَامِّيُّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ فَرَائِضَ صَلَاتِهِ مِنْ سُنَنِهَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَقْصِدَ التَّنَفُّلَ بِمَا هُوَ فَرْضٌ فَإِنْ نَوَى التَّنَفُّلَ بِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَلَوْ غَفَلَ عَنْ التَّفْصِيلِ فَنِيَّةُ الْجُمْلَةِ فِي الِابْتِدَاءِ كَافِيَةٌ هَذَا كَلَامُ الْغَزَالِيِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ أَحْوَالِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَلْزَمَ الْأَعْرَابَ وَغَيْرَهُمْ هَذَا التَّمْيِيزَ وَلَا أَمَرَ بِإِعَادَةِ صَلَاةِ مَنْ لَا يَعْلَمُ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَيَلْزَمُ الْمُكَلَّفَ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّشَهُّدَ وَتَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَصِفَةَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَحُكْمُهُ مَا سبق فيمن
لَا يُحْسِنُ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَصْلِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ (الرَّابِعَةُ) فِي التَّنْبِيهِ عَلَى حِفْظِ أَشْيَاءَ سَبَقَتْ مبسوطة في مواضعها (مِنْهَا) أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ مُسْتَحَبٌّ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَنَا عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَالرُّكُوعِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَكَذَا فِي الْقِيَامِ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُخْتَارِ وَتَكُونُ الْأَصَابِعُ مُفَرَّقَةً فِيهَا
كُلِّهَا وَلِلْأَصَابِعِ أَحْوَالٌ فِي الصَّلَاةِ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي فَصْلِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسَبَقَ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ تَكْبِيرَةً وَفِي الثُّلَاثِيَّةِ سَبْعَ عَشْرَةَ وَفِي الثُّنَائِيَّةِ إحْدَى عَشْرَةَ وَأَنَّ فِي الصَّلَاةِ الَّتِي تَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ أَرْبَعَ جِلْسَاتٍ الْجِلْسَةُ بَيْنَ سَجْدَتَيْنِ وَلِلِاسْتِرَاحَةِ وَلِلتَّشَهُّدَيْنِ يَتَوَرَّكُ فِي الْآخِرَةِ وَيَفْتَرِشُ فِي الْبَاقِي وَأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ في المغرب أريع تَشَهُّدَاتٍ فِي حَقِّ الْمَسْبُوقِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي عَمَلِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَحَبُّ لَهَا أَنْ تَضُمَّ بَعْضَهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْ تُلْصِقَ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا فِي السُّجُودِ كَأَسْتَرِ مَا يَكُونُ وَأُحِبُّ ذَلِكَ لَهَا فِي الرُّكُوعِ وَفِي جَمِيعِ الصَّلَاةِ وَأَنْ تُكَثِّفَ جِلْبَابَهَا وَتُجَافِيهِ رَاكِعَةً وَسَاجِدَةً لِئَلَّا تَصِفَهَا ثِيَابُهَا وَأَنْ تخفض صوتها وان نابها شئ فِي صَلَاتِهَا صَفَّقَتْ هَذَا نَصُّهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشُرُوطِهَا وَأَبْعَاضِهَا
وَأَمَّا الْهَيْئَاتُ الْمَسْنُونَاتُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي مُعْظَمِهَا وتخالفه فيما ذكر الشافعي يخالف النِّسَاءُ الرِّجَالَ فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِي أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا) لَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حق الرِّجَالِ (الثَّانِي) تَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسَطَهُنَّ (الثَّالِثُ) تَقِفُ وَاحِدَتُهُنَّ خَلْفَ الرَّجُلِ لَا بِجَنْبِهِ بِخِلَافِ الرَّجُلِ (الرَّابِعُ) إذَا صَلَّيْنَ صُفُوفًا مَعَ الرِّجَالِ فَآخِرُ صُفُوفِهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ أَوَّلِهَا وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسَائِلُ بِدَلَائِلِهَا وَفُرُوعِهَا مَبْسُوطَةً فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَمَوْقِفُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا صِفَةُ قُعُودِهَا فِي صَلَاتِهَا فَكَصِفَةِ قُعُودِ الرَّجُلِ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهَا
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا صَلَّتْ قَاعِدَةً جَلَسَتْ مُتَرَبِّعَةً وَهَذَا شَاذٌّ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَلِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّهَا كَالرَّجُلِ إلَّا فِيمَا اسْتَثْنَاهُ الشَّافِعِيُّ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله نَصَّ هُنَا عَلَى خَفْضِ صَوْتِهَا وَقَدْ سَبَقَ فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ
وبالله التوفيق
*