الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
(بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ)
اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حَدِّ التَّطَوُّعِ وَالنَّافِلَةِ وَالسُّنَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أن تطوع الصلاة مَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ نَقْلٌ بِخُصُوصِيَّتِهِ بَلْ يفعله الْإِنْسَانُ ابْتِدَاءً وَالذَّاهِبُونَ إلَى هَذَا قَالُوا مَا عَدَا الْفَرَائِضِ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (سُنَنٌ) وَهِيَ الَّتِي وَاظَبَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (وَمُسْتَحَبَّاتٌ) وَهِيَ الَّتِي فَعَلَهَا أَحْيَانًا وَلَمْ يُوَاظِبْ عَلَيْهَا (وَتَطَوُّعَاتٌ) وَهِيَ الَّتِي ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ النَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ لَفْظَانِ مُتَرَادِفَانِ مَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُمَا مَا سِوَى الْفَرَائِضِ وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ السُّنَّةَ وَالنَّفَلَ وَالتَّطَوُّعَ وَالْمَنْدُوبَ وَالْمُرَغَّبَ فِيهِ وَالْمُسْتَحَبَّ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ وَهِيَ مَا سِوَى الْوَاجِبَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ فِعْلُ الطَّاعَةِ وَصَارَ فِي الشَّرْعِ مَخْصُوصًا بِطَاعَةٍ غَيْرِ واجبة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (أفضل عبادات البدن الصلاة لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قال " استقيموا واعلموا ان خير اعمالكم الصلاة ولا يحافظ علي الوضوء الا مؤمن " ولانها تجمع من القرب ما لا يجمع غيرها من الطهارة واستقبال القبلة والقراءة وذكر الله تعالى وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ويمنع فيها من كل ما يمنع منه في سائر العبادات وتزيد عليها بالامتناع من الكلام والمشي وسائر الافعال وتطوعها أفضل التطوع)
*.
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هَذَا رَوَاهُ ابْنُ ماجه فيه فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْوُضُوءِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِيهِ وفى فضائل الصلوات
قيل اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ رَوَيَاهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ وَمِنْ حَدِيثِ ثَوْبَانَ بِلَفْظِهِ هُنَا وَفِيهِ زِيَادَةٌ قَالَ " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ
تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ " إلَخْ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ مِنْ خَيْرِ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةَ " وَفِي بعض روايات البيهقى ثبات مِنْ وَفِي بَعْضِهَا حَذْفُهَا وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ فِيهِ ضَعْفٌ وَإِسْنَادُ رِوَايَةِ ثَوْبَانَ جَيِّدٌ لكن من رواية سالم بن ابى الجعدى عَنْ ثَوْبَانَ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَمْ يَسْمَعْ سَالِمٌ مِنْ ثَوْبَانَ وَذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مُرْسَلًا مُعْضَلًا فَقَالَ بَلَغَنِي إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْوُضُوءِ إلَّا مُؤْمِنٌ " قَالَ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ الْزَمُوا طَرِيقَ الِاسْتِقَامَةِ وَقَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَإِنَّكُمْ لَا تُطِيقُونَ جَمِيعَ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَلَنْ تحصو أن تطيقو الِاسْتِقَامَةَ فِي جَمِيعِ الْأَعْمَالِ وَقِيلَ لَنْ تُحْصُوا مالكم فِي الِاسْتِقَامَةِ مِنْ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّ الصَّلَاةَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ وَسَائِرِ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ اُخْتُلِفَ فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ فَقَالَ قَوْمٌ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ وقال آخرن الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ أَفْضَلُ وَالصَّوْمُ بِالْمَدِينَةِ أَفْضَلُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَيُحْتَجُّ بِتَرْجِيحِ الصَّوْمِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " قَالَ اللَّهُ عز وجل كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصَّوْمُ جُنَّةٌ وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يفرحهما إذا افطر فرح وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إلَى سَبْعمِائَةٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ فِيهِ الصَّائِمُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ غَيْرُهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا الدَّلِيلُ لِتَرْجِيحِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ (مِنْهَا) " حَدِيثُ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ " وَقَدْ سَبَقَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ علي الصوم والعرب تبدأ بالاهم (وَحَدِيثُ) ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلي الله تعالى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ وَفِي رِوَايَةٍ أَفْضَلُ فَقَالَ الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلًا أَصَابَ مِنْ امْرَأَةٍ قُبْلَةً فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يذهبن السيئات) فَقَالَ الرَّجُلُ أَلِي هَذَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ قال لجميع أمتى " روه الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَرَأَيْتُمْ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خمس مرات هل يبقى من درنه قالوا لا يبقي من درنه شئ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمُعَةُ إلَى الْجُمُعَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُنَّ مَا لم تفشو الْكَبَائِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْبَرْدَانِ
الصبح والعصر وعن عمارة بن رويبة رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَصْرَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جُنْدُبٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَانْظُرْ يا ابن آدم لا يطالبنك الله من ذمته بشئ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَيُسْتَدَلُّ أَيْضًا لِتَرْجِيحِ الصَّلَاةِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ كَوْنِهَا تَجْمَعُ الْعِبَادَاتِ وَتَزِيدُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ يُقْتَلُ بِتَرْكِهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لا تسقط في حال من الاحوال مادام مُكَلَّفًا إلَّا فِي حَقِّ الْحَائِضِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَتَطَوُّعُهَا أَفْضَلُ التَّطَوُّعِ يُرَدُّ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالُ بِالْعِلْمِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ تَطَوُّعِ الصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا الْإِيرَادَ غَلَطٌ وَغَفْلَةٌ مِنْ مُورِدِهِ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْعِلْمِ فَرْضُ كِفَايَةٍ لَا تَطَوُّعٌ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي التَّطَوُّعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ الِاشْتِغَالُ بِحِفْظِ مَا زَادَ عَلَى الْفَاتِحَةِ مِنْ الْقُرْآنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ لِأَنَّ حِفْظَهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ
* (فَرْعٌ)
اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ الصَّلَاةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّوْمِ أَنَّ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صِيَامِ أَيَّامٍ أَوْ يَوْمٍ فَإِنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الِاسْتِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَحَدِهِمَا أو يكون غالب عَلَيْهِ مَنْسُوبًا إلَى الْإِكْثَارِ مِنْهُ وَيَقْتَصِرَ مِنْ الْآخَرِ عَلَى الْمُتَأَكَّدِ مِنْهُ فَهَذَا مَحِلُّ الْخِلَافِ وَالتَّفْضِيلِ وَالصَّحِيحُ تَفْضِيلُ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ المصنف رحمه الله
*
(وَتَطَوُّعُهَا ضَرْبَانِ ضَرْبٌ تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ (وَضَرْبٌ) لَا تُسَنُّ لَهُ فَمَا سُنَّ لَهُ الْجَمَاعَةُ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَهَذَا الضَّرْبُ أَفْضَلُ مِمَّا لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ فِي سُنَّةِ الْجَمَاعَةِ وَأَوْكَدُ ذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهَا رَاتِبَةٌ بِوَقْتٍ كَالْفَرَائِضِ ثُمَّ صَلَاةُ الْكُسُوفِ لِأَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَيْهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لله الذى خلقهن) وَلَيْسَ هَهُنَا صَلَاةٌ تَتَعَلَّقُ بِالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ إلَّا صَلَاةُ الْكُسُوفِ ثُمَّ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ وَلِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَبْوَابٌ نَذْكُرُ فِيهَا أَحْكَامَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَبِهِ الثِّقَةُ
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَطَوُّعُ الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ (ضَرْبٌ) تُسَنُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالِاسْتِسْقَاءُ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ عَلَى الْأَصَحِّ (وَضَرْبٌ) لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ لَكِنْ لَوْ فَعَلَ جَمَاعَةٌ صَحَّ وَهُوَ مَا سِوَى ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَفْضَلُهَا وَآكَدُهَا صَلَاةُ الْعِيدِ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْفَرَائِضَ وَلِأَنَّهَا يُخْتَلَفُ فِي كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ ثُمَّ الْكُسُوفَيْنِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ: وَأَمَّا التَّرَاوِيحُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا الِانْفِرَادُ بِهَا أَفْضَلُ فَالنَّوَافِلُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَغَيْرِهِمَا أَفْضَلُ مِنْهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ التَّرَاوِيحَ أَفْضَلُ مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ لِأَنَّهَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَأَشْبَهَتْ العيد وهذا اختيار القاضي أبو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ السُّنَنَ الرَّاتِبَةَ أَفْضَلُ وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ لِأَنَّ النبي وَاظَبَ عَلَى الرَّاتِبَةِ دُونَ التَّرَاوِيحِ وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَبَبُ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَمَّا قِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فمن أصحابنا
مَنْ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الِانْفِرَادَ بِالتَّرَاوِيحِ أَفْضَلُ مِنْ إقَامَتِهَا جَمَاعَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ أَنَّ الرَّاتِبَةَ الَّتِي لَا تُصَلَّى جَمَاعَةً أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ التَّرَاوِيحِ وَإِنْ شُرِعَتْ لَهَا الْجَمَاعَةُ وَهَذَا التَّأْوِيلُ الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاسْتَدَلَّ لَهُ بِسِيَاقِ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ ثُمَّ قَالَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا أَفْضَلُ: بَلْ قَالَ صَلَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ آكَدُ مِنْ صَلَاةِ كُسُوفِ الْقَمَرِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ طُرُقٍ مُتَكَاثِرَاتٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ " الْحَدِيثَ فَقَدَّمَ الشَّمْسَ فِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ مَعَ كَثْرَتِهَا وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالشَّمْسِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَمَرِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ بِدْعَةٌ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَسْتَسْقِي تَارَةً بِالصَّلَاةِ وَتَارَةً بِالدُّعَاءِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَلَمْ يَتْرُكْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ عِنْدَ وُجُودِهَا وَلِأَنَّ الْكُسُوفَ يُخَافُ فَوْتُهَا بِالِانْجِلَاءِ كَمَا يُخَافُ فَوْتُ الْفَرِيضَةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ فَتَتَأَكَّدُ لِشَبَهِهَا بِهَا بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْكُسُوفَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَالِاسْتِسْقَاءُ لِطَلَبِ الرِّزْقِ فَإِنْ قِيلَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْكُسُوفَ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ بَلْ فِيهَا طَلَبٌ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ لَا يُكْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَصَلُّوا وَادْعُوَا حَتَّى يُكْشَفَ مَا بِكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " لَا يُكْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِمَا عِبَادَهُ وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى يُفَرِّجَ اللَّهُ عَنْكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " يُخَوِّفُ اللَّهُ بهما عباده فإذا رأيتم منهما شَيْئًا فَصَلُّوا وَادْعُوا اللَّهَ حَتَّى يَكْشِفَ مَا بِكُمْ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ كُلُّهَا فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ ومسلم بعضها فِيهِمَا وَبَعْضُهَا فِي أَحَدِهِمَا وَفِيهِمَا أَلْفَاظٌ كَثِيرَةٌ نَحْوُهَا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْكُسُوفَ غَالِبًا لَا يَحْصُلُ مِنْهُ ضَرَرٌ بِخِلَافِ الْقَحْطِ فَتَمَحَّضَ الْكُسُوفِ عِبَادَةٌ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
واما ما لا يسن له الجماعة ضربان راتبة بوقت وغير راتبه فاما الراتبة فمنها السنن الراتبة مع الفرائض وأدنى الكمال فيها عشر ركعات غير الوتر وهى ركعتان قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قبل الظهر سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب سجدتين وبعد العشاء سجدتين " وحدثتني حفصة بنت عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كان يصلى سجدتين خفيفتين
إذا طلع الفجر " والاكمل أن يصلي ثمانى عشرة ركعة غير الوتر ركعتين قبل الفجر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء لما ذكرناه من حديث ابن عمر وأربعا قبل الظهر وأربعا بعدها لما روت ام حبيبة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ من حافظ علي أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرم علي النار " وأربعا قبل العصر لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ أربعا يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة ومن معهم من المؤمنين " والسنة فيها وفى الاربع قبل الظهر وبعدها أن يلم من كل ركعتين لما رويناه من حديث علي رضى الله عنه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَالسَّجْدَتَانِ رَكْعَتَانِ وَحَدِيثُ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ السَّلَامِ مِنْ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَاسْمُ أُمِّ حَبِيبَةَ رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرْبٍ وَقِيلَ اسْمُهَا هِنْدٌ كُنِّيَتْ بِابْنَتِهَا حبيبة بنت عبد الله ابن جَحْشٍ وَكَانَتْ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ تَزَوَّجَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَبْعٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهَا: وَفِي الْفَصْلِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ أَيْضًا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ لَا يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ ثُمَّ يَخْرُجُ وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إذَا لَمْ يُصَلِّ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ صَلَّاهُنَّ بَعْدَهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امرءا صَلَّى قَبْلَ الْعَصْرِ أَرْبَعًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْأَكْمَلُ فِي الرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ غَيْرِ الْوِتْرِ ثَمَانِ عَشْرَةَ رَكْعَةً كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَدْنَى الْكَمَالِ عَشْرٌ كَمَا ذَكَرَهُ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ ثمان فاسقط سنة العشاء قاله الْخُضَرِيُّ وَنَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ فَزَادَ قبل الظهر ركعتين أخرتين وَقِيلَ بِزِيَادَةِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَكُلُّ هَذَا سُنَّةٌ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْمُؤَكَّدِ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِحْبَابِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا
الِاسْتِحْبَابُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ شَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه " قَالَ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يبتدرن السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ فَقُلْتُ أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا قَالَ كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ وَإِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ بِصَلَاةِ المغرب ابتدروا
السَّوَارِيَ فَرَكَعُوا رَكْعَتَيْنِ حَتَّى أَنَّ الرَّجُلَ الْغَرِيبَ لَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ فَيَحْسَبُ أَنَّ الصَّلَاةَ قَدْ صُلِّيَتْ مِنْ كَثْرَةِ مَنْ يُصَلِّيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه " أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رواه الْبُخَارِيُّ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي اسْتِحْبَابِهَا وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا أَبُو إِسْحَاقَ الطُّوسِيُّ وَأَبُو زَكَرِيَّا السُّكَّرِيُّ حَكَاهُ عَنْهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ إنَّمَا هُوَ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَقَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا إذَا شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ فَيُكْرَهُ أن يشرع في شئ مِنْ الصَّلَوَاتِ غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ وَأَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ عَنْهُ بِأَنَّهُ نَفَى مَا لَمْ يَعْلَمْهُ وَأَثْبَتَهُ غَيْرُهُ مِمَّنْ عَلِمَهُ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ رِوَايَةِ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لِكَثْرَتِهِمْ وَلِمَا مَعَهُمْ مِنْ عِلْمِ مَا لَا يَعْلَمُهُ ابْنُ عُمَرَ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ لِمَنْ يَشَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَذَانَيْنِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ
* (فَرْعٌ)
فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا: تُسَنُّ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا صَلَاةٌ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَالْأَكْمَلُ أَرْبَعٌ قَبْلَهَا وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا هَذَا مُخْتَصَرُ الْكَلَامِ فِيهَا: وَأَمَّا تَفْصِيلُهُ فَقَالَ أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي الْمِفْتَاحِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ سُنَّتُهَا أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي بَابِ (1)
صَلَاةِ التَّطَوُّعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ كَهِيَ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ لَا نَصَّ لِلشَّافِعِيِّ فِيمَا يُصَلَّى بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَاَلَّذِي يُجْزِئُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا مَا يُصَلِّي بَعْدَ الظُّهْرِ إنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَكَذَا يُصَلِّي قَبْلَهَا مَا يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ (قُلْتُ) وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ أَبُو نَصْرٍ وَأَقَرَّهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا نَصَّ لَهُ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ غَلَطٌ بَلْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَهَا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ مِنْ كِتَابِ اخْتِلَافِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما وَهُوَ مِنْ أَوَاخِرِ كُتُبِ الْأُمِّ قَبْلَ كِتَابِ سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ كَذَلِكَ رَأَيْتُهُ فِيهِ وَنَقَلَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يُصَلِّي بَعْدَ الجمعة ركعتان فهذا ما حضرني
(1) كذا بالاصل فحرر اه
*
الْآنَ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَكَلَامِ الْأَصْحَابِ رحمهم الله: وَأَمَّا دَلِيلُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلِيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من كَانَ مِنْكُمْ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أَرْبَعًا " وَفِي رِوَايَةٍ إذَا صَلَّيْتُمْ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فصلوا بعدها أربعة " رواه مُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " إذَا صَلَّيْتُمْ الْجُمُعَةَ فَصَلُّوا بَعْدَهَا أَرْبَعًا ": وَأَمَّا السُّنَّةُ قَبْلَهَا فَالْعُمْدَةُ فِيهَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ الْمَذْكُورُ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ " بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ " وَالْقِيَاسُ عَلَى الظُّهْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا لَا يَفْصِلُ في شئ مِنْهُنَّ " فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفٌ جدا ليس بشئ وَذَكَرَ أَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَإِلَيْهِ ذَهَبَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ لِمَنْ صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثِ " صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى " وَسَيَأْتِي أَدِلَّةُ الْمَسْأَلَةِ وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَغَيْرِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَيْسَ فِيهَا تَسْلِيمٌ يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وما يفعل قبل الْفَرَائِضِ مِنْ هَذِهِ السُّنَنِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرْضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتُ الْفَرْضِ وَمَا كَانَ بَعْدَ الْفَرْضِ يَدْخُلُ وَقْتُهَا بِالْفَرَاغِ مِنْ الْفَرْضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا إلَى ان يذهب وَقْتِ الْفَرْضِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَبْقَى وَقْتُ سُنَّةِ الْفَجْرِ إلَى الزَّوَالِ وَهُوَ ظَاهِرُ والنص الاول اظهر)
*
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَدْخُلُ وَقْتُ السُّنَنِ الَّتِي قَبْلَ الْفَرَائِضِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْفَرَائِضِ وَيَبْقَى وَقْتُهَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْفَرِيضَةِ لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْفَرِيضَةِ وَيَدْخُلُ وَقْتُ السُّنَنِ الَّتِي بعد الفرائض بفعل الفريضة ويبقى مادام وَقْتُ الْفَرِيضَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ يَبْقَى وَقْتُ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي أَنَّ سُنَّةَ الصُّبْحِ يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِفِعْلِ فَرِيضَةِ الصُّبْحِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ سُنَّةَ فَرِيضَةِ الظُّهْرِ الَّتِي قَبْلَهَا يَخْرُجُ وَقْتُهَا بِفِعْلِ الظُّهْرِ وَيَصِيرُ قَضَاءً وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى غُرُوبِ الشَّفَقِ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَمْتَدُّ وَقْتُ الْمَغْرِبِ وَفِي وَجْهٍ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا أَنَّ وَقْتَ سُنَّةِ الْمَغْرِبِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ وَوَقْتُ الْعِشَاءِ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَأَمَّا الْوِتْرُ فَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَى أَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " وَأَكْثَرُهُ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ فِيهَا بِوَاحِدَةٍ " وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (سبح اسم ربك الأعلى) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) وَفِي الثَّالِثَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ) لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ ذَلِكَ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَوْتَرَ بِمَا زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوِتْرِ وَلِأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ وَلَوْ كَانَتْ مَوْصُولَةً بِالرَّكْعَتَيْنِ لَمَا جَهَرَ فِيهَا كَالثَّالِثَةِ مِنْ الْمَغْرِبِ وَيَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَهَا بِتَسْلِيمَةٍ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتَيْ الْوِتْرِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقْنُتَ فِي الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ
رمضان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ إذَا انْتَصَفَ الشَّهْرُ مِنْ رَمَضَانَ أن تلعن الكفرة في الوتر بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثم يقول اللهم قاتل الكفرة وقال أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيُّ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السُّنَّةِ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَحَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ غَيْرُ ثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَمَحِلُّ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ مَحِلُّهُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْتُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلِأَنَّهُ فِي الصُّبْحِ يَقْنُتُ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَكَذَلِكَ الْوِتْرُ وَوَقْتُ الْوِتْرِ مَا بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام إنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يُصَلِّيَهُ بَعْدَ التَّهَجُّدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَوْلَى أَنْ يُصَلِّيَهُ بَعْدَ سُنَّةِ الْعِشَاءِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ خَافَ مِنْكُمْ أَنْ لَا يَسْتَيْقِظَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ لِيَرْقُدْ وَمَنْ طَمَعَ مِنْكُمْ أَنْ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ)
* (الشَّرْحُ) الْوِتْرُ سُنَّةٌ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَدْنَى كَمَالِهِ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَأَكْمَلُ مِنْهُ خَمْسٌ ثُمَّ سَبْعٌ ثُمَّ تِسْعٌ ثُمَّ إحْدَى عَشْرَةَ وَهِيَ أَكْثَرُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ
وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّ أَكْثَرَهُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَمَنْ قال باحدى عشرة بتأولها عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ حَسَبَ مَعَهَا سُنَّةَ الْعِشَاءِ ولو زاد على ثلاثة عَشْرَةَ لَمْ يَجُزْ وَلَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَهُ عَلَى أَوْجُهٍ مِنْ أَعْدَادٍ مِنْ الرَّكَعَاتِ فَدَلَّ عَلَى عَدَمِ انْحِصَارِهِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ عَنْ هَذَا بِأَنَّ اخْتِلَافَ الْأَعْدَادِ إنَّمَا هُوَ فيما لم يجاوز ثلاثة عَشْرَةَ وَلَمْ يُنْقَلْ مُجَاوَزَتُهَا فَدَلَّ عَلَى امْتِنَاعِهَا وَالْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي جَوَازِ الْقَصْرِ فِيمَا زَادَ عَلَى إقَامَةِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَفِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى انْتِظَارَيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَإِذَا أَوْتَرَ بِإِحْدَى عَشْرَةَ فَمَا دُونَهَا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ أَرَادَ جَمْعَهَا بِتَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخِرِهَا كُلِّهَا جَازَ وَإِنْ أَرَادَهَا بِتَشَهُّدَيْنِ وَسَلَامٍ وَاحِدٍ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا جَازَ وَحَكَى الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِتَشَهُّدَيْنِ بَلْ يُشْتَرَطُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَحَمَلَ هَذَا الْقَائِلُ الْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ بِتَشَهُّدَيْنِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ فِي كل تشهد قال الامام وهذا الوجه ردئ لَا تَعْوِيلَ عَلَيْهِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَكْسَهُ
أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ الِاقْتِصَارُ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ غَلَطٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مُصَرِّحَةٌ بِإِبْطَالِهِمَا والصواب جواز ذلك كله كما قدمناه ولكن (1) الافضل تشهد ام تشهدان ام هما معافى الْفَضِيلَةِ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ وَاخْتَارَ الرُّويَانِيُّ تَشَهُّدًا فَقَطْ أَمَّا إذَا زَادَ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ وَجَلَسَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاقْتَصَرَ عَلَى السَّلَامِ فِي الْآخِرَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ وَيَصِحُّ وِتْرُهُ كَمَا لَوْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً بِتَشَهُّدَاتٍ وَسَلَامٍ وَاحِدٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَنْقُولِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهَذَا قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ قَالَ الْإِمَامُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ أَنَّ النَّوَافِلَ الْمُطْلَقَةَ لَا حَصْرَ لِرَكَعَاتِهَا وَتَشَهُّدَاتِهَا بِخِلَافِ الْوِتْرِ وَإِذَا أَرَادَ الْإِتْيَانَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَفِي الْأَفْضَلِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَهَا مَفْصُولَةً بِسَلَامَيْنِ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَلِكَثْرَةِ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّهُ تَتَجَدَّدُ النِّيَّةُ وَدُعَاءُ التَّوَجُّهِ وَالدُّعَاءُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامُ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَالثَّانِي إنْ وَصَلَهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَفْضَلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رحمه الله
لَا يُصَحِّحُ الْمَفْصُولَةَ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالْوَصْلُ حَتَّى تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِكُلِّ الْمُقْتَدِينَ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وهل الثلاث الموصولة أفضل أم ركعة فَرْدَةً فِيهِ أَوْجُهٌ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الصَّحِيحُ أَنَّ الثَّلَاثَ أَفْضَلُ وَبِهِ قَالَ الْقَفَّالُ وَالثَّانِي الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَلَا هَذَا الْقَائِلُ فَقَالَ الرَّكْعَةُ الْفَرْدَةُ أَفْضَلُ مِنْ إحْدَى عَشْرَةَ مَوْصُولَةً وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ مُنْفَرِدًا فَالْفَرْدَةُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ إمَامًا فَالثَّلَاثُ الْمَوْصُولَةُ أَفْضَلُ ثُمَّ إنَّ الْخِلَافَ فِي التَّفْضِيلِ بَيْنَ الْفَصْلِ وَالْوَصْلِ إنَّمَا هُوَ فِي الْوَصْلِ بِثَلَاثٍ أَمَّا الْوَصْلُ بِزِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاثٍ فَالْفَصْلُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ نَوَى بِهَا الْوِتْرَ وَإِنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ نوى الوتر ايضا وإذا فصل الركعتان بِالسَّلَامِ وَسَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ نَوَى بِكُلِّ ركعتين رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْوِتْرِ هَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ غَيْرَ هَذَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ الْوِتْرِ أَمَّا أَوَّلُهُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَدْخُلُ بِفَرَاغِهِ مِنْ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ سَوَاءٌ صَلَّى بينه وبين العشاء نافلة ام لا سواء أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ أَمْ بِأَكْثَرَ فَإِنْ أَوْتَرَ قَبْلَ فِعْلِ الْعِشَاءِ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ أَمْ سَهَا وَظَنَّ أَنَّهُ صَلَّى الْعِشَاءَ أَمْ ظَنَّ جَوَازَهُ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ ظَانًّا أَنَّهُ تَطَهَّرَ ثُمَّ أَحْدَثَ فَتَوَضَّأَ فَأَوْتَرَ فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ مُحْدِثًا فِي الْعِشَاءِ فَوِتْرُهُ بَاطِلٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي يَدْخُلُ وَقْتُ الْوِتْرِ بِدُخُولِ وَقْتِ الْعِشَاءِ وَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهُ قَبْلَهَا حَكَاهُ إمَامُ الحرمين
(1) كذا بالاصل ولعل اداة الاستفهام سقطت من الناسخ
*
وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالُوا سواء تعمد ام سَهَا وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ أَوْتَرَ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَةٍ دَخَلَ وَقْتُهُ بِفِعْلِ الْعِشَاءِ وَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ فَشَرْطُ صِحَّتِهَا أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَافِلَةٌ بَعْدَ فَرِيضَةِ الْعِشَاءِ فَإِنْ أَوْتَرَ بِرَكْعَةٍ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا نَفْلٌ لَمْ يَصِحَّ وِتْرُهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي صِحَّتِهَا نَفْلًا وَبُطْلَانِهَا بِالْكُلِّيَّةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الزَّوَالِ
* وَأَمَّا آخِرُ وَقْتِ الْوِتْرِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَيَخْرُجُ وَقْتُهُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصبح وأما الوقت المستحب للاتيار فقطع المنصف وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَكُونَ الْوِتْرُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ فَإِنْ كَانَ لَا يَتَهَجَّدُ اُسْتُحِبَّ
أن يوتر بعد فريضة العشاء وسنتها فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ وَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ لِيَفْعَلَهُ بَعْدَ التَّهَجُّدِ وَيَقَعُ وِتْرُهُ آخِرَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ تَقْدِيمُ الْوِتْرِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ أَفْضَلُ وَهَذَا خِلَافُ مَا قَالَهُ غَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ نَفْلُهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَعْتَادُ قِيَامَ اللَّيْلِ وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلٍ وَالْأَمْرُ فِيهِ قَرِيبٌ وَكُلٌّ سَائِغٌ (قُلْتُ) وَالصَّوَابُ التَّفْصِيلُ الَّذِي سَبَقَ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ تَأْخِيرُ الْوِتْرِ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَهَجُّدٌ وَوَثِقَ بِاسْتِيقَاظِهِ أَوَاخِرَ اللَّيْلِ إمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِإِيقَاظِ غَيْرِهِ أَنْ يُؤَخِّرَ الْوِتْرَ لِيَفْعَلَهُ آخِرَ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَإِذَا بَقِيَ الْوِتْرُ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْتُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِ الْإِيتَارِ آخِرَ اللَّيْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ مَنْ كل الليل قَدْ أَوْتَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَانْتَهَى وِتْرُهُ إلَى السَّحَرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وترا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " بَادِرُوا الصُّبْحَ بِالْوِتْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَافَ أَلَّا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمَعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهَذَا صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ التَّفْصِيلِ وَلَا مَعْدِلَ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما " أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لَا أَدَعُهُنَّ
حَتَّى أَمُوتَ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَصَلَاةُ الضُّحَى وَأَلَّا أَنَامَ إلَّا عَلَى وِتْرٍ رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَحْمُولَانِ عَلَى مَنْ لَا يَثِقُ بِالْقِيَامِ آخِرَ اللَّيْلِ وَهَذَا التَّأْوِيلُ مُتَعَيَّنٌ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ جَابِرٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَفِعْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْتَرَ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ ثُمَّ قَامَ وَتَهَجَّدَ لَمْ يُنْقَضْ الْوِتْرُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بَلْ يَتَهَجَّدُ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ شَفْعًا وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُصَلِّي مِنْ أَوَّلِ قِيَامِهِ رَكْعَةً يُشْفِعُهُ ثُمَّ يَتَهَجَّدُ مَا شَاءَ ثُمَّ يُوتِرُ ثَانِيًا وَيُسَمَّى هَذَا نَقْضُ الْوِتْرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ
لِحَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَحْبَبْنَا الْجَمَاعَةَ فِي التَّرَاوِيحِ اُسْتُحِبَّتْ الْجَمَاعَةُ أَيْضًا فِي الْوِتْرِ بَعْدَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهَجُّدٌ لَمْ يُوتِرْ مَعَهُمْ بَلْ يُؤَخِّرُهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَرَادَ الصَّلَاةَ مَعَهُمْ صَلَّى نَافِلَةً مُطْلَقَةً وَأَوْتَرَ آخِرَ اللَّيْلِ وَأَمَّا فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْجَمَاعَةُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانِ وَجْهَيْنِ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِيهِ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ: وَالْمَذْهَبُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَقْنُتَ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ صَلَاةِ الْوِتْرِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَفِي وَجْهٍ يُسْتَحَبُّ فِي جَمِيعِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْوِتْرِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ كبار أصحابنا أي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَأَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ وَأَبِي الْفَضْلِ بْنِ عَبْدَانِ وَأَبِي مَنْصُورِ بْنِ مِهْرَانَ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ فِي الدَّلِيلِ لِحَدِيثِ الْحَسَنِ ابن عَلِيٍّ رضي الله عنهما السَّابِقِ فِي الْقُنُوتِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ مَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله كَرَاهَةُ الْقُنُوتِ فِي غَيْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَلَوْ تَرَكَ الْقُنُوتَ فِي مَوْضِعٍ اسْتَحَبَّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَوْ قَنَتَ حَيْثُ لَا يَسْتَحِبُّهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَحَكَى الرُّويَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَقْنُتُ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِهِ مِنْ غَيْرِ النِّصْفِ الْآخَرِ مِنْ رَمَضَانَ قَالَ وَهَذَا حَسَنٌ وَهُوَ اخْتِيَارُ مَشَايِخِ طَبَرِسْتَانَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَوْضِعِ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ أَوْجُهٌ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مِنْ حَرْمَلَةَ وَقَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَالثَّانِي قَبْلَ الرُّكُوعِ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالثَّالِثُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي دَلِيلُ الْجَمِيعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِذَا قُلْنَا يُقَدِّمُهُ علي الركوع فالصحيح المشهور
أنه يقيت بِلَا تَكْبِيرٍ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُكَبِّرُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَقْنُتُ ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَفْظُ الْقُنُوتِ هُنَا كَهُوَ فِي الصُّبْحِ وَلِهَذَا لَمْ يذكره المصنف قالوا؟ ؟ ؟ باللهم
اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ وَبِقُنُوتِ عُمَرَ رضي الله عنهما وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ الْأَفْضَلُ تَقْدِيمُ قُنُوتِ عُمَرَ عَلَى قَوْلِهِ اللَّهُمَّ اهدني أم تأخيره فيه وجها قَالَ الرُّويَانِيُّ تَقْدِيمُهُ أَفْضَلُ قَالَ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي غَيْرِ تَعْلِيقِهِ عَنْ شُيُوخِهِمْ تَأْخِيرَهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ لِأَنَّ قَوْلَهُمْ اللَّهُمَّ اهْدِنِي ثَابِتٌ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا آكَدُ وَأَهَمُّ فَقُدِّمَ قَالَ الرُّويَانِيُّ قَالَ ابْنُ الْقَاصِّ يَزِيدُ فِي الْقُنُوتِ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إلَى آخِرِ السُّورَةِ وَاسْتَحْسَنَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ كَرَاهَةُ الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ
* (فَرْعٌ)
حُكْمُ الْجَهْرِ بِالْقُنُوتِ وَرَفْعِ الْيَدِ وَمَسْحِ الْوَجْهِ كَمَا سَبَقَ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَغَيْرَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْوِتْرِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ وَأَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ فَفِيهِمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَوْتَرَ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ نَافِلَةً أَمْ غَيْرَهَا فِي اللَّيْلِ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ وَلَا يُعِيدُ الْوِتْرَ كَمَا سَبَقَ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَقَدْ سُئِلَتْ عَنْ وِتْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ كُنَّا نعدله سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهِنَّ إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يَقْعُدُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيُمَجِّدُهُ وَيَدْعُوهُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعُنَا ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ مَا يُسَلِّمُ وَهُوَ قَاعِدٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ بَيَانًا لِجَوَازِ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ مَعَ رِوَايَةِ خَلَائِقَ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي الصَّحِيحَيْنِ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ آخِرَ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي اللَّيْلِ كَانَتْ وِتْرًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
أحاديث كثيرة بالامر بكون آخِرُ صَلَاةِ اللَّيْلِ وِتْرًا كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الصَّحِيحَيْنِ " كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " رَوَيَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَشْبَاهِهَا أَنَّهُ كَانَ يُدَاوِمُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ بَيَانِ الْجَوَازِ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِأَنِّي رَأَيْتُ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ جَالِسًا وَيَفْعَلُ ذَلِكَ وَيَدْعُو النَّاسَ إليه وهذه جهالة وغباوة أُنْسِهِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَتَنَوُّعِ طُرُقِهَا وَكَلَامِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فَاحْذَرْ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ وَاعْتَمِدْ مَا ذَكَرْتُهُ أَوَّلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ فِي فَضْلِ الْوِتْرِ: الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ هَكَذَا أَيْضًا الْحَاكِمُ علي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِيهِ وَهِيَ قَوْلُهُ الْوِتْرُ حَقٌّ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فَغَرِيبَةٌ لَا أَعْرِفُ لَهَا إسْنَادًا صَحِيحًا وَيُغْنِي عَنْهَا مَا سَأَذْكُرُهُ مِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِ الْوِتْرِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله تعالي عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّالِثُ) حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الوتر فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ (قل يا أيها الكافرون وفي والثالثة (قل هو الله احد)(والمعوذتين) ورواه أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ أبى بن كعب راه الترمذي النسائي ابن ماجه من راية بن عَبَّاسٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا ذِكْرُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (الرَّابِعُ) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفْصِلُ بَيْنَ الشَّفْعِ وَالْوَتْرِ بِتَسْلِيمَةٍ يُسْمِعُنَاهَا رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ بِهَذَا اللفظ (الخامس) قيل فان كَانَ يَعْلَمُ حَدِيثَ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لا يسلم في ركعتي الوتر رواه النسائي بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ
بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا اخْتِصَارًا مِنْ حَدِيثِهَا فِي الْإِيتَارِ بِتِسْعٍ يَعْنِي حَدِيثَهَا السَّابِقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (السَّادِسُ) حَدِيثُ قنوت عمر بن الخطاب رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَكَانَ يُصَلِّي لَهُمْ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَلَا يَقْنُتُ بِهِمْ إلَّا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي فَإِذَا كَانَ الْعَشْرُ الْأَوَاخِرُ تَخَلَّفَ فَصَلَّى فِي بَيْتِهِ فَكَانُوا يَقُولُونَ أَبَقَ أُبَيٌّ هذا لفظ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ الْحَسَنَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ بَلْ وُلِدَ لِسَنَتَيْنِ بَقِيَتَا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضًا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ أَمَّهُمْ يَعْنِي فِي رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي النِّصْفِ الْآخِرِ مِنْهُ وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ مَجْهُولٍ (السَّابِعُ) حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَضَعَّفَهُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ الْقُنُوتَ فِي الْوِتْرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَّفَهَا كُلَّهَا وَبَيَّنَ سَبَبَ ضَعْفِهَا (الثَّامِنُ) حَدِيثُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ خَارِجَةَ بْنِ حُذَافَةَ رضي الله عنه قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ اللَّهَ قَدْ امدكم بصلاة هي خير لكم مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ وَهِيَ الْوِتْرُ فَجَعَلَهَا لَكُمْ فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَفِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ ضَعْفٌ وَأَشَارَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ رَجُلَانِ لَا يُعْرَفَانِ إلَّا بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يُعْرَفُ سَمَاعُ رِوَايَةِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ (التَّاسِعُ) حَدِيثُ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال من خَافَ أَلَّا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ أَوَّلَهُ وَمَنْ طَمَعَ الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي لُغَاتِ أَلْفَاظِ الْفَصْلِ الْوَتْرُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ وَأَبُو أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيُّ اسْمُهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ شَهِدَ بَدْرًا وَالْعَقَبَةَ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَزَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ شهرا حتي يثبت امساكنه توفى في الغزو بالقسطنطنينية رضي الله عنه وَأَمَّا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَهُوَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَيُقَالُ أَبُو الطُّفَيْلِ شَهِدَ الْعَقَبَةَ الثَّانِيَةَ وَبَدْرًا وَمَنَاقِبُهُ
كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَجَلِّهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ عليه (لم يكن الذين كفروا) السُّورَةَ وَقَالَ أَمَرَنِي اللَّهُ تَعَالَى أَنْ أَقْرَأَهَا عَلَيْكَ وَحَدِيثُهُ هَذَا مَشْهُورٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ تِسْعَ عَشْرَةَ
وقيل عشرين وقيل ثنتين وَعِشْرِينَ رضي الله عنه (قَوْلُهُ) الْوِتْرُ حَقٌّ أَيْ مَشْرُوعٌ مَأْمُورٌ بِهِ وَالتَّهَجُّدُ هُوَ الصَّلَاةُ فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْوِتْرِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً حَتَّى أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَحْدَهُ هُوَ وَاجِبٌ وَلَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِنْ تَرَكَهُ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ الْوِتْرُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَيْسَ بِفَرْضٍ وَلَا وَاجِبٍ وَبِهِ قَالَتْ الْأُمَّةُ كُلُّهَا إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ هُوَ وَاجِبٌ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ فَرْضٌ وَخَالَفَهُ صَاحِبَاهُ فَقَالَا هُوَ سُنَّةٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي هَذَا
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يوتر بخمس " الخ وهو حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ قَرِيبًا وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " ياهل الْقُرْآنِ أَوْتِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا الْوِتْرُ حَقٌّ فَمَنْ لَمْ يُوتِرْ فَلَيْسَ مِنَّا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً فَحَافِظُوا عَلَيْهَا وَهِيَ الْوِتْرُ " وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا " وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَإِذَا أَوْتَرَ قَالَ قُومِي فَأَوْتِرِي يَا عَائِشَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وذكروا اقسية وَمُنَاسِبَاتٍ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا مَعَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
* واحتج اصحابنا والجمهور بحديث طلحة بن عبيد الله
رضي الله عنه قَالَ جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ فَإِذَا هُوَ يَسْأَلُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَقَالَ هَلْ عَلِيَّ غَيْرُهَا فَقَالَ لَا إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ وَسَأَلَهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَاسْتَنْبَطَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْهُ أَرْبَعَةَ أَدِلَّةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّلَوَاتِ إنَّمَا هُوَ الْخَمْسُ (الثَّانِي) قَوْلُهُ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قال لا
(الثَّالِثُ) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ تَطَّوَّعَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى الْخَمْسِ إنَّمَا تَكُونُ تَطَوُّعًا (الرَّابِعُ) أَنَّهُ قَالَ لَا أَزِيدُ وَلَا أَنْقُصُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَفْلَحَ إنْ صَدَقَ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِتَرْكِ غَيْرِ الْخَمْسِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ إلَى فُقَرَائِهِمْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْأَدِلَّةِ لِأَنَّ بَعْثَ مُعَاذٍ رضي الله عنه إلَى الْيَمَنِ كَانَ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِقَلِيلٍ جِدًّا وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَيْرِيزٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ يُقَالُ لَهُ الْمُخْدَجِيُّ قَالَ كَانَ بِالشَّامِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ قَالَ الْوِتْرُ وَاجِبٌ فرحت إلي عبادة - يعنى بن الصَّامِتِ - فَقُلْتُ إنَّ أَبَا مُحَمَّدٍ يَزْعُمُ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ قَالَ كَذَبَ أَبُو مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ عَلَى الْعِبَادِ مَنْ أَتَى بِهِنَّ لَمْ يُضَيِّعْ مِنْهُنَّ شَيْئًا جَاءَ وَلَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ وَمَنْ ضَيَّعَهُنَّ اسْتِخْفَافًا بِحَقِّهِنَّ جَاءَ وَلَا عَهْدَ لَهُ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه قال ليس الوتر بحتم كهيئة المكتوبة ولكنه سَنَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ الْوِتْرُ أَمْرٌ حَسَنٌ جَمِيلٌ عَمَل بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مِنْ بَعْدِهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَعَنْ
ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي الْوِتْرَ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْتَدَلَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْوِتْرَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ (فَإِنْ قِيلَ) لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّ مَذْهَبَكُمْ أَنَّ الْوِتْرَ وَاجِبٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ سُنَّةً فِي حَقِّ الْأُمَّةِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى الْعُمُومِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الرَّاحِلَةِ كَالْمَكْتُوبَةِ وَكَانَ مِنْ خَصَائِصِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جَوَازُ هَذَا الْوَاجِبِ الْخَاصِّ عَلَيْهِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ هِيَ الَّتِي يَعْتَمِدُهَا فِي الْمَسْأَلَةِ.
وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مَشْهُورَةٍ غَيْرَ مَا سَبَقَ لَكِنْ اكثرها ضعيفة لا استحل الاحتجاج بها فيما ذَكَرْتُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَمِنْ الضَّعِيفِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ حَدِيثُ أَبِي جَنَابٍ - بِجِيمٍ وَنُونٍ - عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثٌ هُنَّ عَلِيَّ فَرَائِضُ
وَهُنَّ لَكُمْ تَطَوُّعٌ النَّحْرُ وَالْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الضُّحَى " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ أَبُو جَنَابٍ الْكَلْبِيُّ اسْمُهُ يحيي بن أبي حيينه ضَعِيفٌ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا الْحَدِيثَ لِأُبَيِّنَ ضَعْفَهُ وَأُحَذِّرَ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِهِ قَالَ اصحابنا ولانها صلاة لا تشرع لَهَا الْأَذَانُ وَلَا الْإِقَامَةُ فَلَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً عَلَى الْأَعْيَانِ كَالضُّحَى وَغَيْرِهَا وَاحْتَرَزُوا بِقَوْلِهِمْ عَلَى الْأَعْيَانِ مِنْ الْجِنَازَةِ وَالنَّذْرِ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَمَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ وَالنَّدْبِ الْمُتَأَكِّدِ ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِلْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدْلَلْنَا بِهَا فَهَذَا جَوَابٌ يَعُمُّهَا وَيُجَابُ عَنْ بَعْضِهَا خُصُوصًا بِجَوَابٍ آخَرَ فَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ لَا يَقُولُونَ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِثَلَاثٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ وَهُمْ يَقُولُونَ لَا يَكُونُ الوتر إلا ثلاث ركعات وحديث عمر بن شعيب في إسناد الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ في روايته عبيد الله بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَتَكِيُّ أَبُو الْمُنِيبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِهِ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَوَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُ وَادَّعَى الْحَاكِمُ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي فِعْلِ الْوِتْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ مَذْهَبُنَا: أَنَّهُ جَائِزٌ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ فَمِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ واحمد واسحق وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَصَاحِبَاهُ لَا يَجُوزُ إلَّا لِعُذْرٍ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي وَقْتِ الْوِتْرِ وَاسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهِ وَتَأْخِيرِهِ: قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ وَقْتٌ لِلْوِتْرِ ثُمَّ حَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُمْ قَالُوا يَمْتَدُّ وَقْتُهُ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ وَعَنْ جَمَاعَةٍ انهم قالوا يفوت لطلوع الفجر ومن استحب الاتيان أَوَّلَ اللَّيْلِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمَا أَسَنَّ رضي الله عنهم وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّ تَأْخِيرَهُ إلَى آخِرِ اللَّيْلِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ رضي الله عنهم وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِنَا كَمَا سَبَقَ وَذَكَرْنَا دَلِيلَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ الْوِتْرِ: قَدْ سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ وَأَكْثَرَهُ إحْدَى عَشْرَةَ
وَفِي وَجْهٍ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ جَائِزٌ وَكُلَّمَا قَرُبَ مِنْ أَكْثَرِهِ كَانَ أَفْضَلَ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْوِتْرُ إلَّا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ مَوْصُولَةٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَهَيْئَةِ الْمَغْرِبِ قَالَ لَوْ أَوْتَرَ بِوَاحِدَةٍ أَوْ بِثَلَاثٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ لَمْ يَصِحَّ وَوَافَقَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ان الركعة الواحدة لا يصح الا ينار بِهَا غَيْرُهُمَا وَمَنْ تَابَعَهُمَا وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ محمد بن كعب القرظبى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ الْبُتَيْرَاءِ " وَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ كَوِتْرِ النَّهَارِ الْمَغْرِبُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا صَحِيحٌ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا مَا أَجْزَأَتْ رَكْعَةٌ قَطُّ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ لَا يُسَلِّمُ فِي رَكْعَتِي الْوِتْرِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوِتْرُ ركعة من آخر الليل " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قالت " كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ كُلَّ رَكْعَتَيْنِ وَيُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْوِتْرُ
حَقٌّ فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِخَمْسٍ فَلْيَفْعَلْ وَمَنْ أحب أن يوثر بثلاث فليفعل ومن أحب أن يوثر بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناده صَحِيحٍ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يَجْلِسُ فِي شئ إلَّا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تُوتِرُوا بِثَلَاثٍ أَوْتِرُوا بِخَمْسٍ أَوْ بسبع ولا تشبهوا بصلاة المغرب " رواه الدارقطني وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ كِفَايَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رَوَيْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمْ التَّطَوُّعَ أَوْ الْوِتْرَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ مَفْصُولَةٍ عَمَّا قَبْلَهَا ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ طُرُقٍ بِأَسَانِيدِهَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وسعد بن أبى وقاص وتميم الدارمي وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي أَيُّوبَ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم: والجواب عما احتجوا به من حديث الثيراء أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَمُرْسَلٌ وَعَنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْوِتْرُ ثَلَاثٌ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا ثَلَاثٌ فَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُقَدَّمَةٌ عَلَيْهِ: والجواب عن قوله ما أجزأته صَلَاةُ رَكْعَةٍ قَطُّ أَنَّهُ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْهُ ولو ثبت لحمل علي الفرائض فقد أَنَّهُ ذَكَرَهُ رَدًّا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ إنَّ الْوَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ الرَّبَاعِيَةِ فِي حَالِ الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَا أَجْزَأَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ قَطُّ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِيتَارِ بِتِسْعِ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْجَوَازِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَا يَقْرَأُ مَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُولَى سَبِّحْ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَفِي الثَّالِثَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد مرة والمعوذتين وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو دَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَإِسْحَاقُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُمْ قَالُوا لَا تقرأ المعوذتين وَحُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ مِثْلُهُ وَنَقَلَهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ دَلِيلُنَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ فِي فَرْعِ بَيَانِ الْأَحَادِيثِ وَاعْتَمَدُوا أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْمُعَوِّذَتَيْنِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ بِإِثْبَاتِ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فَإِنَّ
الزِّيَادَةَ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ والله أعلم
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ هَلْ يَفْصِلُ الرَّكْعَتَيْنِ عَنْ الثَّلَاثَةِ بِسَلَامٍ: فَذَكَرْنَا اخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي الْأَفْضَلِ مِنْ ذَلِكَ وَأَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الْفَصْلَ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمُعَاذٍ الْقَارِئِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ ابن ابي ربيعة ومالك واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كِلَاهُمَا حَسَنٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا مَوْصُولَاتٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَدِلَّةِ عَلَيْهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْقُنُوتُ فِيهِ فِي النِّصْفِ الْأَخِيرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ خَاصَّةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ سِيرِينَ وَالزُّبَيْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ والحسن البصري والنخعي واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمْ قَالُوا يَقْنُتُ فِيهِ فِي كُلِّ السَّنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَعَنْ طَاوُسٍ أَنَّهُ قَالَ الْقُنُوتُ فِي الْوِتْرِ بِدْعَةٌ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحِلِّ الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ الرُّكُوعِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ رضي الله عنهم قَالَ بِهِ أَقُولُ وَحَكَى الْقُنُوتَ قَبْلَ الركوع عن عمر وعلي رضى الله عنهما أَيْضًا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيِّ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى واصحاب الرأى واسحق وَحُكِيَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُمَا جَائِزَانِ وَقَدْ سَبَقَتْ أَدِلَّةُ الْمَسْأَلَةِ فِي قُنُوتِ الصُّبْحِ وَسَبَقَ هُنَاكَ مَذَاهِبُهُمْ فِي اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْيَدَيْنِ وَمِمَّا اُحْتُجَّ بِهِ لِلْقُنُوتِ قَبْلَ الرُّكُوعِ مَا رُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُوتِرُ بِثَلَاثٍ يُسَلِّمُ مِنْهَا وَيَقْنُتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ وهذا حديث ضعيف ضعفه بن الْمُنْذِرِ وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ وَحَدِيثٌ آخَرُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَفَعَهُ مِثْلَ حَدِيثِ أُبَيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي نَقْضِ الْوِتْرِ: قَدْ ذَكَرْتُ أَنَّ مَذْهَبَنَا الْمَشْهُورَ أَنَّهُ إذَا أَوْتَرَ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَهَجَّدَ لَا يُنْقَضُ وِتْرُهُ بَلْ يُصَلِّي مَا شَاءَ شَفْعًا وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَسَعْدٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِذِ بْنِ عَمْرٍو وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وعلقمة والنخعي
وَأَبِي مِجْلَزٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ رضى الله عنهم قالت طَائِفَةٌ يَنْقُضُهُ فَيُصَلِّي فِي أَوَّلِ تَهَجُّدِهِ رَكْعَةً تَشْفَعُهُ ثُمَّ يَتَهَجَّدُ ثُمَّ يُوتِرُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَعَلِيٍّ وَسَعْدٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ وَابْنِ سِيرِينَ واسحق رضي الله عنهم دليلنا السَّابِقُ عَنْ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ " وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ قَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْوِتْرَ الْأَوَّلَ مَضَى عَلَى صِحَّتِهِ فلا يتوجه إبطاله بَعْدَ فَرَاغِهِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا يُفْهَمُ مِمَّا سَبَقَ فِي هَذَا الْفَصْلِ فَحَذَفْتُهَا ههنا اختصارا لطول الكلام وبالله التوفيق
* قال المنصف رحمه الله
* (وآكد هذه السنن الراتبة مع الفرائض سنة الفجر والوتر لانه ورد فيهما ما لم يرد في غيرهما وأيهما أفضل فيه قولان قال في الجديد الوتر افضل لقوله صلي الله عليه وسلم " إن الله امدكم بصلاة هي خير لكم من حمر النعم وهى الوتر " وقال صلى الله عليه وسلم " من لم يوتر فليس منا " ولانه مختلف في وجوبه وسنة الفجر مجمع علي كونها سنة فكأن الوتر آكد وقال في القديم ستة الفجر آكد لقوله صلي الله عليه وسلم " صلوها ولو طردتكم الخيل " ولانها محصورة لا تحتمل الزيادة والنقصان فهي بالفرائض أشبه من الوتر)
*
(الشَّرْحُ) الْحَدِيثَانِ الْأَوَّلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي مَسَائِلِ الْوِتْرِ وَأَمَّا حَدِيثُ سُنَّةِ الْفَجْرِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَدَعُوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ " وَفِي إسْنَادِهِ مَنْ اُخْتُلِفَ فِي تَوْثِيقِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم علي شئ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
وَعَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا " مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم في شئ مِنْ النَّوَافِلِ أَسْرَعَ مِنْهُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْفَجْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا أَفْضَلُ النَّوَافِلِ الَّتِي لَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَأَفْضَلُ الرَّوَاتِبِ الْوِتْرُ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ الْوِتْرُ أَفْضَلُ وَالْقَدِيمُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ أَفْضَلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ سُنَّةَ الْفَجْرِ تَلِي الْوِتْرَ فِي الْفَضِيلَةِ لِلْأَحَادِيثِ الَّتِي ذَكَرْتُهَا وَفِيهِ وَجْهٌ حكاه الرافعى عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " الصَّلَاةُ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ " ثُمَّ أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الرَّوَاتِبِ وَالتَّرَاوِيحِ الضُّحَى ثُمَّ مَا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلٍ كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ إذَا لَمْ نُوجِبْهُمَا وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ سُنَّةِ الْوُضُوءِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَسُنَّةُ الْفَجْرِ مُجْمَعٌ عَلَى كَوْنِهَا سُنَّةً فَكَذَا يَقُولُهُ أَصْحَابُنَا وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ أَوْجَبَهَا لِلْأَحَادِيثِ وَحَكَاهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ بَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ (إحْدَاهَا) قَدْ سَبَقَ أَنَّهُ إذَا صَلَّى أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ أَوْ بَعْدَهَا أَوْ قَبْلَ الْعَصْرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَتَجُوزُ بِتَسْلِيمَةٍ بِتَشَهُّدٍ وَبِتَشَهُّدَيْنِ فَإِذَا صَلَّى أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَتَيْنِ يَنْوِي بِكُلٍّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ سُنَّةِ الظُّهْرِ وَإِذَا صَلَّاهَا بِتَسْلِيمَةٍ وَتَشَهُّدَيْنِ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ خِلَافٌ فِي أَنَّهُ هَلْ يُسَنُّ قِرَاءَةُ السُّورَةِ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ كَالْخِلَافِ فِي الْفَرِيضَةِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُ سُنَّةِ الْفَجْرِ وقد
سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ أَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ الينا الْآيَةَ وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تعالوا الآية أو قل يا أيها الكافرون وقل هو الله احد وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي هَذَا وَمِمَّا يستدل به لا يُسْتَحَبُّ تَخْفِيفُهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّفُ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى إنِّي لَأَقُولُ هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ
إذَا سَمِعَ الْأَذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ بَعْدَ صَلَاةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَيُصَلِّيَهَا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَلَا يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ مَا أَمْكَنَهُ فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْفَرِيضَةِ بِكَلَامٍ
وَدَلِيلُ تَقْدِيمِهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَدَلِيلُ الِاضْطِجَاعِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَذَكَرَتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ ثُمَّ قَالَتْ فَإِذَا سَكَتَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَتَبَيَّنَ لَهُ الْفَجْرُ قَامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُؤَذِّنُ لِلْإِقَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ أَمَا يَجْزِي أَحَدَنَا مَمْشَاهُ إلَى الْمَسْجِدِ حَتَّى يَضْطَجِعَ عَلَى يَمِينِهِ قَالَ لَا " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَلْيَضْطَجِعْ عَلَى يَمِينِهِ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهَا حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ صلى الله عليه وسلم يَضْطَجِعُ يَسِيرًا وَيُحَدِّثُهَا وَإِلَّا فَيَضْطَجِعُ كَثِيرًا وَالثَّانِي أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْقَلِيلَةِ كَانَ
يَتْرُكُ الِاضْطِجَاعَ بَيَانًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَمَا كَانَ يَتْرُكُ كَثِيرًا مِنْ الْمُخْتَارَاتِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ كَالْوُضُوءِ مَرَّةً مَرَّةً وَنَظَائِرِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ الِاضْطِجَاعُ وتركه سواء ولابد مِنْ أَحَدِ هَذَيْنِ التَّأْوِيلَيْنِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرِوَايَاتِ عَائِشَةَ السَّابِقَةِ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُصَرِّحِ بِالْأَمْرِ بِالِاضْطِجَاعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ اسْتِحْبَابَ الِاضْطِجَاعِ بَعْدَ سُنَّةِ الْفَجْرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ قَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لَيْسَ هُوَ سُنَّةٌ بَلْ سَمَّوْهُ بِدْعَةً وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ أَحَادِيثَ عَائِشَةَ فِي بَعْضِهَا الِاضْطِجَاعُ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ وَفِي بَعْضِهَا بَعْدَ
رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَبْلَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَرْدُودٌ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّرِيحِ فِي الْأَمْرِ بِهَا وَكَوْنُهُ صلى الله عليه وسلم اضْطَجَعَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ كُلِّهَا بَعْدَ صَلَاةِ اللَّيْلِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَضْطَجِعَ أَيْضًا بَعْدَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَقَدْ صَحَّ اضْطِجَاعُهُ بَعْدَهُمَا وَأَمْرُهُ بِهِ فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَيَكُونُ سُنَّةً وَتَرْكُهُ يَجُوزُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الِاضْطِجَاعِ الْفَصْلُ بَيْنَ النَّافِلَةِ وَالْفَرِيضَةِ فَيَحْصُلُ بِالِاضْطِجَاعِ وَالتَّحَدُّثِ أَوْ التَّحَوُّلِ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يَتَعَيَّنُ الِاضْطِجَاعُ هَذَا مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُخْتَارُ الِاضْطِجَاعُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ هِيَ بِدْعَةٌ فَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ نَفْيٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْإِثْبَاتِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ فِي السَّفَرِ لَكِنَّهَا فِي الْحَضَرِ آكَدُ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ بِفُرُوعِهَا وَدَلِيلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِمَّا تَقَدَّمَ الِاسْتِدْلَال بِهِ حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ رضي الله عنه الطَّوِيلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مُعْجِزَاتٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَجُمَلٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْأَحْكَامِ وَالْآدَابِ قَالَ فِيهِ أَنَّهُمْ " كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصبح حتى طلعت الشمس فصاروا حَتَّى ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَظَاهِرُهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ هُمَا سُنَّةُ الصُّبْحِ (الْخَامِسَةُ) مَنْ وَاظَبَ عَلَى تَرْكِ الرَّاتِبَةِ أَوْ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِتَهَاوُنِهِ بِالدِّينِ وَقَدْ ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الشَّهَادَاتِ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ ان شاء الله تعالي بدلائلها
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن السنن الراتبة قيام رمضان وهو عشرون ركعة بعشر تسليمات والدليل عليه ما رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير ان يأمرهم بعزيمة فيقول مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ ما تقدم من ذنبه والافضل ان يصليها في جماعة نص عليه البويطي لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه جمع الناس علي ابى بن كعب ومن اصحابنا من قال فعلها منفردا أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى ليالي فصلوها معه ثم تأخر وصلى في بيته باقى الشهر والمذهب الاول وانما تأخر النبي صلي الله عليه وسلم لئلا تفرض عليهم وقد رُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ خشيت ان تفرض عليكم فتعجزوا عنها)
*
(الشرح) حديث ابي هريرة رواه مسلم يلفظه وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ جَمِيعًا مُخْتَصَرًا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " وَأَمَّا حَدِيثُ جَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنهما فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ وَأَمَّا الْحَدِيثَانِ الْآخَرَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ ثم تأخروا لحديث الْآخَرُ " خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا " فَرَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها (قَوْلُهُ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِعَزِيمَةٍ مَعْنَاهُ لَا يَأْمُرُهُمْ بِهِ أَمْرَ تَحْتِيمٍ وَإِلْزَامٍ وَهُوَ الْعَزِيمَةُ بَلْ أَمْرُ نَدْبٍ وَتَرْغِيبٍ فِيهِ بِذِكْرِ فَضْلِهِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم إيمَانًا أَيْ تَصْدِيقًا بِأَنَّهُ حَقٌّ وَاحْتِسَابًا أَيْ يَفْعَلُهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا رِيَاءً وَلَا نَحْوَهُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَصَلَاةُ التَّرَاوِيحِ سُنَّةٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهَا عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ وَتَجُوزُ مُنْفَرِدًا وَجَمَاعَةً وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَحَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ أصحابنا المتقدمين (والثاني) الِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْخِلَافُ فِيمَنْ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَلَا يَخَافُ الْكَسَلَ عَنْهَا لَوْ انْفَرَدَ وَلَا تَخْتَلُّ الْجَمَاعَةُ فِي المسجد بتخلفه فَإِنْ فُقِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ فَالْجَمَاعَةُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَأَطْلَقَ جَمَاعَةٌ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ ثَالِثُهَا هَذَا الْفَرْقُ
وَمِمَّنْ حَكَى الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ صَاحِبُ الشامل قال أبو العباس وأبو إسحق صَلَاةُ التَّرَاوِيحِ جَمَاعَةً أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى ذَلِكَ
* (فَرْعٌ)
يَدْخُلُ وَقْتُ التَّرَاوِيحِ بِالْفَرَاغِ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَبْقَى إلَى طُلُوعِ
الْفَجْرِ وَلْيُصَلِّهَا رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَمَا هُوَ الْعَادَةُ فَلَوْ صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ لَمْ يَصِحَّ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الْمَشْرُوعِ قَالَ وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ بَلْ يَنْوِي سُنَّةَ التَّرَاوِيحِ أَوْ صَلَاةَ التَّرَاوِيحِ أَوْ قِيَامَ رَمَضَانَ فَيَنْوِي فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِ التَّرَاوِيحِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهَا عِشْرُونَ رَكْعَةً بِعَشْرِ تَسْلِيمَاتٍ غَيْرَ الْوِتْرِ وَذَلِكَ خَمْسُ تَرْوِيحَاتٍ وَالتَّرْوِيحَةُ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحُكِيَ أن الاسود بن مزيد كَانَ يَقُومُ بِأَرْبَعِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ بِسَبْعٍ وَقَالَ مالك التراويح تسع ترويحات وهى ستة وَثَلَاثُونَ رَكْعَةً غَيْرَ الْوِتْرِ
* وَاحْتَجَّ بِأَنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ يَفْعَلُونَهَا هَكَذَا وَعَنْ نَافِعٍ قَالَ أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَهُمْ يَقُومُونَ رَمَضَانَ بِتِسْعٍ وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً يُوتِرُونَ مِنْهَا بِثَلَاثٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانُوا يَقُومُونَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ ركعة وكانوا يقومون بالمائتين وكانوا يتوكؤون عَلَى عِصِيِّهِمْ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ مِنْ شِدَّةِ الْقِيَامِ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ قَالَ كَانَ النَّاسُ يَقُومُونَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ لَكِنَّهُ مُرْسَلٌ فَإِنَّ يَزِيدَ بْنَ رُومَانَ لَمْ يُدْرِكْ عُمَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَقُومُونَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَيُوتِرُونَ بِثَلَاثٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَيْضًا قِيَامَ رَمَضَانَ بِعِشْرِينَ رَكْعَةً وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا سَبَبُهُ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ طَوَافًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَطُوفُونَ بَعْدَ التَّرْوِيحَةِ الْخَامِسَةِ فَأَرَادَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مُسَاوَاتَهُمْ فَجَعَلُوا مَكَانَ كُلِّ طَوَافٍ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَزَادُوا سِتَّ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَأَوْتَرُوا بِثَلَاثٍ فَصَارَ الْمَجْمُوعُ تِسْعًا وَثَلَاثِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَفْعَلُوا فِي التَّرَاوِيحِ فِعْلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَيُصَلُّوهَا سِتًّا وَثَلَاثِينَ رَكْعَةً لِأَنَّ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ شَرَفًا بِمُهَاجَرَةِ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَدْفِنِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا غَيْرُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمَارُوا أَهْلَ مَكَّةَ وَلَا يُنَافِسُوهُمْ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا كَانَ السَّلَفُ يَقْرَءُونَ فِي التَّرَاوِيحِ: رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ قَالَ مَا أَدْرَكْتُ النَّاسَ إلَّا وَهُمْ يَلْعَنُونَ الْكُفْرَ فِي رَمَضَانَ قال وكان
الْقَارِئُ يَقُومُ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي ثَمَانِ رَكَعَاتٍ وإذا قام في ثنتى عَشْرَةَ رَكْعَةٍ رَأَى النَّاسُ أَنَّهُ قَدْ خَفَّفَ وَرَوَى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ كُنَّا نَنْصَرِفُ فِي رَمَضَانَ مِنْ الْقِيَامِ فَنَسْتَعْجِلُ الخدم بالسحور مخافة الفجر وروى مَالِكٌ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ أَمَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَتَمِيمًا الدَّارِيَّ أَنْ يَقُومَا لِلنَّاسِ وَكَانَ الْقَارِئُ يَقْرَأُ بِالْمِائَتَيْنِ حَتَّى كُنَّا نَعْتَمِدُ عَلَى الْعَصَا مِنْ طُولِ الْقِيَامِ وَمَا كُنَّا نَنْصَرِفُ إلَّا فِي فُرُوعِ الْفَجْرِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابي عثمان الهندي قال؟ ؟ ؟ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِثَلَاثَةِ قُرَّاءٍ فَاسْتَقْرَأَهُمْ فَأَمَرَ أَسْرَعَهُمْ قِرَاءَةً أَنْ يَقْرَأَ لِلنَّاسِ ثَلَاثِينَ آيَةً وَأَمَرَ أَوْسَطَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَأَمَرَ أَبْطَأَهُمْ أَنْ يَقْرَأَ عِشْرِينَ آيَةً
* (فَرْعٌ)
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه جَمَعَ النَّاسَ عَلَى قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ الرِّجَالُ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ والنساء علي سليمان ابن أَبِي حَثْمَةَ وَعَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ قَالَ كَانَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَأْمُرُ النَّاسَ بِقِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَجْعَلُ لِلرِّجَالِ إماما وللنساء فَكُنْتُ أَنَا إمَامَ النِّسَاءِ رَوَاهُمَا الْبَيْهَقِيُّ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ فِعْلَ التَّرَاوِيحِ فِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى أَنَّ عَلِيَّ بْنَ مُوسَى الْقُمِّيَّ ادَّعَى فِيهِ الْإِجْمَاعَ وَقَالَ رَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَآخَرُونَ الِانْفِرَادُ بِهَا أَفْضَلُ دَلِيلُنَا إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى فِعْلِهَا جَمَاعَةً كما سبق
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن السنن الراتبة صلاة الضحي وافضلها ثمان ركعات لما روت ام هاني بنت أَبِي طَالِبٍ
رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلاها ثمان ركعات واقلها ركعتان لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " يصح على كل سلامى من احدكم صدقة ويجزى من ذلك ركعتان يصليهما من الضحى " ووقتها إذا اشرقت الشمس الي الزوال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُمِّ هَانِئٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاسْمُ أُمِّ هَانِئٍ فَاخِتَةُ وَقِيلَ هِنْدُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ أَسْلَمَتْ يَوْمَ الْفَتْحِ وَكُنِّيَتْ بِابْنِهَا هَانِئٍ الْحُرَّةُ وَاسْمُ أَبِي طَالِبٍ عَبْدُ مَنَافٍ وَاسْمُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه جُنْدُبٌ وَقِيلَ بُرْبُرٌ - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ - وَهُوَ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنَاقِبُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَشْهُورَةٌ قِيلَ كَانَ رَابِعَ مَنْ أَسْلَمَ وَقِيلَ خَامِسَ وَهُوَ كنانى غفاري توفى في خلافة عثمان اثنين وَثَلَاثِينَ بِالرَّبَذَةِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ سُلَامَى هُوَ بِضَمِّ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَهُوَ الْمَفْصِلُ وَجَمْعُهُ سُلَامَيَاتٌ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَهِيَ الْمَفَاصِلُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهُ خَلَقَ كُلَّ إنْسَانٍ مِنْ بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلَاثِمِائَةِ مَفْصِلٍ وَقَوْلُهُ إذَا
أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَشْرَقَتْ بِالْأَلِفِ وَمَعْنَاهُ أَضَاءَتْ وَارْتَفَعَتْ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى وأشرقت الارض قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَشْرَقَتْ الشَّمْسُ إذَا أَضَاءَتْ وَشَرَقَتْ طَلَعَتْ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا صَلَاةُ الضُّحَى سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا ثَمَانِ رَكَعَاتٍ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وقال الروياتى وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَكْثَرُهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَفِيهِ حَدِيثٌ فِيهِ ضَعْفٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ سِتٌّ قال اصحابنا ويسلم من كل ركعتين وينوى رَكْعَتَيْنِ مِنْ الضُّحَى وَوَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقْتُهَا الْمُخْتَارُ قال إذَا مَضَى رُبْعُ النَّهَارِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ تَرْمَضُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَالرَّمْضَاءُ الرَّمْلُ الَّذِي اشْتَدَّتْ حَرَارَتُهُ مِنْ الشَّمْسِ أَيْ حِينَ يَبُولُ الْفُصْلَانُ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي أَخْفَافِهَا
(فَرْعٌ)
فِي مُخْتَصَرٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي صَلَاةِ الضُّحَى وَبَيَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّيهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَيَتْرُكُهَا فِي بَعْضِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ وُجُوبَهَا أَوْ خَشْيَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْهِمْ كَمَا تَرَكَ الْمُوَاظَبَةَ عَلَى التَّرَاوِيحِ لِهَذَا الْمَعْنَى
* فَمِنْ الاحاديث حديث ابي ذر وأم هاني وَهُمَا صَحِيحَانِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " أَوْصَانِي خَلِيلِي صلى الله عليه وسلم بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ نَحْوُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ حَافَظَ عَلَى شُفْعَةِ الضُّحَى غُفِرَ لَهُ ذُنُوبُهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ اللَّهُ في بَعْضِهَا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ رضي الله عنها " أَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الضُّحَى قَالَتْ لَا الا ان يجئ مِنْ مَغِيبِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْهَا قَالَتْ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَبِّحُ سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ وَإِنِّي لَأُسَبِّحُهَا وَإِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُدَاوِمُ عَلَى صَلَاةِ الضُّحَى مَخَافَةَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَى الْأُمَّةِ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا كَمَا ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَكَانَ يَفْعَلُهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ عَائِشَةُ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَكَمَا ذَكَرَتْهُ أُمُّ هَانِئٍ وَأَوْصَى بِهَا أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ مَا رَأَيْتُهُ صَلَّاهَا لَا يُخَالِفُ قَوْلَهَا كَانَ يُصَلِّيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يَكُونُ عِنْدَهَا فِي وَقْتِ الضُّحَى إلَّا فِي نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي وَقْتٍ يَكُونُ مُسَافِرًا وَفِي وَقْتٍ يَكُونُ حَاضِرًا وَقَدْ يَكُونُ فِي الْحَضَرِ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ فِي بَيْتٍ فَلَهُ
تِسْعُ نِسْوَةٍ وَكَانَ يَقْسِمُ لَهُنَّ فَلَوْ اعْتَبَرْتَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَمَا صَادَفَ وَقْتَ الضُّحَى عِنْدَ عَائِشَةَ إلَّا فِي
نَادِرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ وَمَا رَأَتْهُ صَلَّاهَا فِي تِلْكَ الْأَوْقَاتِ النَّادِرَةِ فَقَالَتْ مَا رَأَيْتُهُ وَعَلِمَتْ بِغَيْرِ رُؤْيَةٍ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّيهَا بِإِخْبَارِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِإِخْبَارِ غَيْرِهِ فَرَوَتْ ذَلِكَ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا وَلَكِنْ (2) وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ صَلَّى سُبْحَةَ الضُّحَى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنْ صَلَّيْتَ الضُّحَى رَكْعَتَيْنِ لَمْ تُكْتَبْ مِنْ الْغَافِلِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا أَرْبَعًا كُتِبْتَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا سِتًّا كُتِبْتَ مِنْ القانتين وان صليتها ثمانى كُتِبْتَ مِنْ الْفَائِزِينَ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا عَشْرًا لَمْ يُكْتَبْ لَكَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ذَنْبٌ وَإِنْ صَلَّيْتَهَا ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ فَقَالَ فِي اسناده نظر وعن نعيم بن همار رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنَ آدَمَ لَا تُعْجِزْنِي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ نَهَارِكَ أَكْفِكَ آخِرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(2) بياض بالاصل فحرر
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ صَلَاةَ الضُّحَى مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ لَمْ يَذْكُرْ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا الضُّحَى مِنْ الرَّوَاتِبِ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ (قُلْتُ) وَالْأَمْرُ فِي هَذَا قَرِيبٌ وَتَسْمِيَةُ الْمُصَنِّفِ لَهَا رَاتِبَةً صَحِيحَةٌ وَمُرَادُهُ أَنَّهَا رَاتِبَةٌ فِي وَقْتٍ مَضْبُوطٍ لَا أَنَّهَا رَاتِبَةٌ مَعَ فَرْضٍ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الضُّحَى سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَأَخِّرُونَ كَافَّةً وَثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ يَرَاهَا بِدْعَةً وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوَهُ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ وَيُتَأَوَّلُ قَوْلُهُ بِدْعَةً علي انه لم يبلغه الاحاديث المذكورة؟ ؟ ؟ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا أَوْ أَنَّ الْجَهَارَةَ فِي الْمَسَاجِدِ وَنَحْوِهَا بِدْعَةٌ وَإِنَّمَا سُنَّةُ النَّافِلَةِ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ بَسَطْتُ جَوَابَهُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (ومن فاته من هذه السنن الراتبة شئ فِي وَقْتِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَفْلٍ فَلَمْ تُقْضَ كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالثَّانِي تُقْضَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ
نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا " وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ رَاتِبَةٌ فِي وَقْتٍ فَلَمْ تَسْقُطْ بِفَوَاتِ الْوَقْتِ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاتِبَةٍ وَإِنَّمَا تُفْعَلُ لِعَارِضٍ وَقَدْ زَالَ الْعَارِضُ)
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ رَاتِبَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْكُسُوفِ وَقَوْلُهُ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا النَّوَافِلُ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
غَيْرُ مُؤَقَّتٍ وَإِنَّمَا يُفْعَلُ لِعَارِضٍ كَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فهذا إذا فات لا يقضى
(والثانى)
مُؤَقَّتٌ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى وَالرَّوَاتِبِ مَعَ الْفَرَائِضِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَغَيْرِهَا فَهَذِهِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي
الْجَدِيدِ وَالثَّانِي لَا تُقْضَى وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّالِثُ مَا اسْتَقَلَّ كَالْعِيدِ وَالضُّحَى قُضِيَ وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ كالرواتب مع الفرائض فلا يقضي وإذا تُقْضَى فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهَا تُقْضَى أَبَدًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يَقْضِي فَائِتَ النَّهَارِ مَا لَمْ تَغْرُبْ شَمْسُهُ وَفَائِتَ اللَّيْلِ مَا لَمْ يَطْلُعْ فَجْرُهُ وَعَلَى هَذَا تُقْضَى سُنَّةُ الْفَجْرِ مَا دَامَ النَّهَارُ بَاقِيًا وَحَكَوْا قَوْلًا آخَرَ ضَعِيفًا أَنَّهُ يَقْضِي كُلَّ تَابِعٍ مَا لَمْ يُصَلِّ فَرِيضَةً مُسْتَقْبَلَةً فَيَقْضِي الْوَتْرَ مَا لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ وَيَقْضِي سُنَّةَ الصُّبْحِ مَا لَمْ يُصَلِّ الظُّهْرَ والباقى علي هَذَا الْمِثَالُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ يَكُونُ الِاعْتِبَارُ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ لَا بِفِعْلِهَا وَهَذَا الْخِلَافُ كُلُّهُ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ الْجَمِيعِ أَبَدًا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَحَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ السَّابِقُ قَرِيبًا فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ مِنْ مَسَائِلِ الْفَرْعِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " فَاتَهُ الصُّبْحُ فِي السَّفَرِ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْغَدَاةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَانِ وَحَدِيثُ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا
هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ لَمْ يُصَلِّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُصَلِّهِمَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَعَنْ أَبَى سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ نَامَ عَنْ وِتْرِهِ أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّ إذَا ذَكَرَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وتلكم عَلَى إسْنَادِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِكَلَامِ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ بِطُرُقِ الْحَدِيثِ وَالْأَسْمَاءِ فَيَتَوَهَّمَ ضَعْفَ مَا لَيْسَ هُوَ بِضَعِيفٍ وَإِنْ كَانَ طَرِيقُ التِّرْمِذِيِّ فِيهِ ضَعِيفًا وَعَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ مِنْ اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَدَلَالَةُ هَذَا الْحَدِيثِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ نُسِخَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَصَارَ سُنَّةً وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ بِأَدِلَّتِهَا فِي الْخَصَائِصِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْتُهَا وَفِي هَذَا أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا اسْتِحْبَابُ قَضَاءِ النَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدٌ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأبو يوسف في أشهر الرواية عنهما لا يقضي دليلنا هذه الاحاديث الصحيحة
* قال المصنفة رحمه الله
* (وأما غير الراتبة فهي الصلوات التي يتطوع الانسان بها في الليل والنهار وأفضلها التهجد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بعد المفروضة صلاة الليل " وانها تفعل في وقت غفلة الناس وتركهم الطاعات فكانت افضل وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " ذاكروا الله في الغافلين كشجرة خضراء بين أشجار يابسة " وآخر الليل أفضل من أوله لقوله تَعَالَى (كَانُوا قَلِيلا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وبالاسحار هم يستغفرون) ولان الصلاة بعد النوم اشق ولان المصلين فيه اقل فكان افضل فان جزأ الليل ثلاثة أجزاء فالثلث الاوسط أفضل لما روى عبد الله ابن عمر ورضي اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " أحب الصلاة الي الله تعالى صلاة داود كان ينادى
نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه " ولان الطاعات في هذا الوقت أقل فكانت الصلاة فيه أفضل ويكره أن يقوم الليل كله لما روى عبد الله ابن عمر وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ " تصوم النهار قلت نعم قال وتقوم الليل فقلت نعم قال لكنى أصوم وافطر واصلي وانام وآتي النساء فمن رغب عن سنتى فليس منى ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُهُ الْآخَرُ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَفْظُهُ عندهما ان عبد الله ابْنِ عَمْرٍو قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ فَقُلْتُ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِعَيْنِك عَلَيْك حَقًّا " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَرُوِيَا فِي الصَّحِيحَيْنِ هَذَا اللَّفْظُ الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ في الحديث الاول عبد الله ابن عُمَرَ بِغَيْرِ وَاوٍ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ عَبْدَ الله بن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه وَهَذَا غَلَطٌ صَرِيحٌ لَا شَكَّ فِيهِ وَلَا تأويل له وصوابه عبد الله ابن عمرو ابن الْعَاصِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَحَدِيثُهُ هَذَا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ الْعُلَمَاءُ التَّهَجُّدُ اصله الصلاة
فِي اللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ وقَوْله تَعَالَى كَانُوا قليلا من الليل ما يهجعون قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَأَهْلُ اللُّغَةِ الْهُجُوعُ النَّوْمُ فِي اللَّيْلِ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَقِيلَ إنَّ مَا صِلَةٌ وَالْمَعْنَى كَانُوا يَهْجَعُونَ قَلِيلًا مِنْ الليل ويصلون أكثره وقيل معناه كان الليل الذى ينامونه قَلِيلًا وَقِيلَ بِالْوَقْفِ عَلَى قَلِيلًا أَيْ كَانُوا قَلِيلًا مِنْ النَّاسِ ثُمَّ يُبْتَدَأُ مِنْ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ أَيْ لَا يَنَامُونَ شَيْئًا مِنْهُ وَضُعِّفَ هَذَا الْقَوْلُ وَالْأَسْحَارُ جَمْعُ سَحَرٍ وَهُوَ آخِرُ اللَّيْلِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ قَالَ ابْنُ زَيْدٍ السَّحَرُ السُّدُسُ الْآخِرُ مِنْ اللَّيْلِ وقوله فان جزأ اليل ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ يُقَالُ جَزَّأَ بِتَشْدِيدِ الزَّايِ وَتَخْفِيفِهَا لغتان فصيحتان حكاهما ابن السكيت وغيره وبعدهما هَمْزَةٌ أَيْ قَسَّمَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقِيَامُ الليل سنة متؤكدة وَقَدْ تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِيهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَشْهَرُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ وَأَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَالتَّطَوُّعُ الْمُطْلَقُ بِلَا سَبَبٍ فِي اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي النَّهَارِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَعَ ما ذكره المصنف فان قسم لليل
نِصْفَيْنِ فَالنِّصْفُ الْآخِرُ أَفْضَلُ وَإِنْ قَسَمَهُ أَثْلَاثًا مُسْتَوِيَةً فَالثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُهَا وَأَفْضَلُ مِنْهُ السُّدُسُ الرَّابِعُ وَالْخَامِسُ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فِي صَلَاةِ دَاوُد صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَالشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمْ بِقَوْلِهِمْ الثُّلُثُ الْأَوْسَطُ أَفْضَلُ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُخِلَّ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ وَإِنْ قَلَّتْ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُومَ كُلَّ اللَّيْلِ دَائِمًا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَوْمِ الدَّهْرِ غَيْرَ أَيَّامِ النَّهْيِ فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ عِنْدَنَا فَالْجَوَابُ أَنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ كُلِّهِ دَائِمًا يَضُرُّ الْعَيْنَ وَسَائِرَ الْبَدَنِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَسْتَوْفِي فِي اللَّيْلِ ما فاته
مِنْ أَكْلِ النَّهَارِ وَلَا يُمْكِنُهُ نَوْمُ النَّهَارِ إذَا صَلَّى اللَّيْلَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ مَصَالِحِ دِينِهِ وَدُنْيَاهُ هَذَا حُكْمُ قِيَامِ اللَّيْلِ دَائِمًا فَأَمَّا بَعْضُ اللَّيَالِي فَلَا يُكْرَهُ إحْيَاؤُهَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا دَخَلَ لعشر الْأَوَاخِرُ مِنْ رَمَضَانَ أَحْيَا اللَّيْلَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى إحْيَاءِ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ مُهِمَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِصَلَاةِ اللَّيْلِ
(إحْدَاهَا) يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْلِ أَنْ يَمْسَحَ النَّوْمَ عَنْ وَجْهِهِ وَأَنْ يَتَسَوَّكَ وَأَنْ يَنْظُرَ فِي السَّمَاءِ وَأَنْ يَقْرَأَ الْآيَاتِ الَّتِي فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والارض الْآيَاتِ ثَبَتَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَفْتَتِحَ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّيَ بَعْدَهُمَا كَيْفَ شَاءَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ لِيُصَلِّيَ افْتَتَحَ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا قال أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا بِدَلَائِلِهِ وَفُرُوعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الرَّابِعَةُ) تَطْوِيلُ الْقِيَامِ عِنْدَنَا أَفْضَلُ مِنْ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِمَا وَأَفْضَلُ مِنْ تَكْثِيرِ الرَّكَعَاتِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (الْخَامِسَةُ) هَلْ يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ أَمْ الْإِسْرَارُ أَمْ التَّوَسُّطُ بَيْنَهُمَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْتُ هُنَاكَ جُمْلَةً مِنْ
الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَنْ لَا يتاذى؟ ؟ ؟ أَحَدٌ وَلَا يُخَافُ بِهِ رِيَاءٌ وَنَحْوُهُ فَإِنْ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ أَسَرَّ بِلَا خِلَافٍ وَالسُّنَّةُ تَرْتِيلُ قِرَاءَتِهِ وَتَدَبُّرُهَا وَلَا بَأْسَ بِتَرْدِيدِ الْآيَةِ لِلتَّدَبُّرِ وَإِنْ طَالَ تَرْدِيدُهَا (السَّادِسَةُ) إذَا نَعَسَ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتْرُكْهَا وَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ وَهُوَ نَاعِسٌ لعله يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبُّ نَفْسَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَاسْتَعْجَمَ الْقُرْآنُ عَلَى لِسَانِهِ فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ فَلْيَضْطَجِعْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ " دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ وَحَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ سَارِيَتَيْنِ فَقَالَ ما هذا قالو الزينب تُصَلِّي فَإِذَا كَسِلَتْ أَوْ فَتَرَتْ أَمْسَكَتْ بِهِ فَقَالَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ فَإِذَا كَسِلَ أَوْ فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى مَشْهُورَةٌ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ إذَا اسْتَيْقَظَ لِصَلَاةِ اللَّيْلِ أَنْ يُوقِظَ لَهَا امْرَأَتَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ إذَا اسْتَيْقَظَتْ لَهَا أَنْ تُوقِظَ زَوْجَهَا لَهَا وَيُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا لِحَدِيثِ أم سلمة رضي اله عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتْنَةِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنْ الْخَزَائِنِ: مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَّةٍ فِي الْآخِرَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلَةً فَقَالَ أَلَا تُصَلِّيَانِ قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّه فَإِذَا شَاءَ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْتُ ذَلِكَ ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ وكان الانسان أكثر شئ جدلا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا قَالَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعًا كُتِبَ مِنْ الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ قِيَامَ اللَّيْلِ أَنْ لَا يَعْتَادَ مِنْهُ إلَّا قَدْرًا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ بِقَرَائِنِ حَالِهِ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ الدَّوَامُ عَلَيْهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ وَيُكْرَهُ بَعْدَ
ذَلِكَ تَرْكُهُ وَالنَّقْصُ مِنْهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَشْهُورَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خُذُوا مِنْ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَاهُ لَا يُعَامِلُكُمْ مُعَامَلَةَ الْمَالِّ وَيَقْطَعُ عَنْكُمْ الثَّوَابَ حَتَّى تَمَلُّوا " وَعَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " سُئِلَ أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَالَ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ " كَانَ عَمَلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دِيمَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا عمل عملا انتبه وَكَانَ إذَا نَامَ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ مَرِضَ صَلَّى مِنْ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً قَالَتْ وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ وَمَا صَامَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا إلَّا رَمَضَانَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا عَبْدَ اللَّهِ لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم عَنْ أَبِيهِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ قَالَ سَالِمٌ فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاينام من الليل إلا قليلا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ فِي أُذُنِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَى مَا ذَكَرْتُهُ كَثِيرَةٌ (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ عِنْدَ نَوْمِهِ قِيَامَ اللَّيْلِ نِيَّةً جَازِمَةً لِيَحُوزَ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَتَى فِرَاشَهُ وَهُوَ يَنْوِي أَنْ يَقُومَ فَيُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنُهُ حَتَّى يُصْبِحَ كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْعَاشِرَةُ) يُسْتَحَبُّ اسْتِحْبَابًا مُتَأَكَّدًا أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي سَاعَاتِ اللَّيْلِ كُلِّهَا وَآكَدُهُ النِّصْفُ الْآخِرُ وَأَفْضَلُهُ عِنْدَ الْأَسْحَارِ قَالَ الله تعالي (والمستغفرين بالاسحار) وقال تعالي (وبالاسحار هم يستغفرون) وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إنَّ فِي اللَّيْلِ لَسَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَنْزِلُ رَبُّنَا تبارك وتعالى فِي كل ليلة حين يبقى من ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ يَقُولُ مَنْ يَدْعُو فَأَسْتَجِيبَ لَهُ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ وَشَبَهِهِ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَآيَاتِهَا مَذْهَبَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا تَأْوِيلُهُ عَلَى مَا يَلِيقُ بِصِفَاتِ اللَّهِ سبحانه وتعالي وتنزيهه من الِانْتِقَالِ وَسَائِرِ صِفَاتِ الْمُحْدَثِ وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ عن
الْمُتَكَلِّمِينَ وَالثَّانِي الْإِمْسَاكُ عَنْ تَأْوِيلِهَا مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ الْمُحْدَثِ لِقَوْلِهِ تعالي ليس كمثله شئ وَهَذَا مَذْهَبُ السَّلَفِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَكَلِّمِينَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يُقَالَ لَا نَعْلَمُ الْمُرَادَ بِهَذَا وَلَكِنْ نُؤْمِنُ بِهِ مَعَ اعْتِقَادِنَا أَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مُرَادٍ وَلَهُ مَعْنًى يَلِيقُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْوِتْرَ يُسَمَّى تَهَجُّدًا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى تَهَجُّدًا بَلْ الْوِتْرُ غَيْرُ التَّهَجُّدِ
* (فَرْعٌ)
عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كتب مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اسْتَعِينُوا بِطَعَامِ السَّحَرِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ وَبِالْقَيْلُولَةِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ " الْقَيْلُولَةُ فِي اللُّغَةِ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَأَفْضَلُ التَّطَوُّعِ بِالنَّهَارِ مَا كَانَ فِي الْبَيْتِ لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَفْضَلُ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ") .* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرِوَايَةُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ ضَحَّاكِ بْنِ زيد الانصاري النجاى بِالنُّونِ وَالْجِيمِ كُنْيَتُهُ أَبُو سَعِيدٍ وَقِيلَ أَبُو خَارِجَةَ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَكَانَ يَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ كَاتِبًا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَخَمْسِينَ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ فِعْلُ مَا لَا تُسَنُّ لَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْ التَّطَوُّعِ فِي بَيْتِهِ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ تَطَوُّعُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَسَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا وَعَجِيبٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ فِي تَخْصِيصِهِ بِتَطَوُّعِ النَّهَارِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَفِعْلُ التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ
أَفْضَلُ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ قَدَّمْتُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَفُرُوعَهَا وَكَلَامَ الْأَصْحَابِ فِيهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُهِمَّةِ الَّتِي سَبَقَ هُنَاكَ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَثَلُ الْبَيْتِ الَّذِي يُذْكَرُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ وَالْبَيْتِ الَّذِي لَا يُذْكَرُ اللَّهُ فِيهِ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ الله
(وَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا رَأَيْتَ أَنَّ الصُّبْحَ تُدْرِكُكَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " وَإِنْ جَمَعَ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَةٍ جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كان يصلى ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً وَيُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ يَجْلِسُ فِي الْآخِرَةِ وَيُسَلِّمُ وَأَنَّهُ أَوْتَرَ بِسَبْعٍ وبخمس لا يفصل بينهن بسلام " وَإِنْ تَطَوَّعَ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه " مَرَّ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَةً فَتَبِعَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَةً فَقَالَ إنَّمَا هِيَ تَطَوُّعٌ فَمَنْ شَاءَ زَادَ وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ ")(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا " صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ " وَفِي رِوَايَةٍ فَإِذَا خفت وفى رواية أبي داود صلاة اليل وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَإِسْنَادُهُمَا صَحِيحٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْإِمَامِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَقَالَ هِيَ صَحِيحَةٌ وَلَوْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الرِّوَايَتَيْنِ كَانَ أَحْسَنَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ صَحِيحٌ بَعْضُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَبَعْضُهُ فِي أَحَدِهِمَا بِمَعْنَاهُ فَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً يُوتِرُ مِنْ ذَلِكَ بِخَمْسٍ لَا يجلس في شئ إلَّا فِي آخِرِهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " كَانَ يُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ ثُمَّ يَنْهَضُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ثُمَّ يُسَلِّمُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رواه الشَّافِعِيُّ ثُمَّ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفَيْنِ وَمَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّطَوُّعَ يُسَنُّ كَوْنُهُ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بَلْ مَنْ شَاءَ اسْتَوْفَى الْمَسْنُونَ وَمَنْ شَاءَ زَادَ عَلَيْهِ فَزَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ
وَمَنْ شَاءَ نَقَصَ مِنْهُ فَاقْتَصَرَ عَلَى رَكْعَةٍ
* اما حكم المسألة فقال اصحابنا التطوع الَّذِي لَا سَبَبَ لَهُ وَلَا حَصْرَ لَهُ وَلَا لِعَدَدِ رَكَعَاتِ الْوَاحِدَةِ مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَنْوِيَ عَدَدًا وَلَهُ أَنْ لَا يَنْوِيَهُ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى نِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا شَرَعَ فِي تَطَوُّعٍ وَلَمْ يَنْوِ عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ فَيَجْعَلَهَا رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ عَشْرًا أَوْ مِائَةً أَوْ أَلْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَلَوْ صَلَّى عَدَدًا لَا يَعْلَمُهُ ثُمَّ سَلَّمَ صَحَّ بِلَا خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْإِمْلَاءِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ اباذر رضي الله عنه صَلَّى عَدَدًا كَثِيرًا فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ لَهُ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ رحمه الله هَلْ تَدْرِي انْصَرَفْتَ عَلَى شَفْعٍ أَمْ على
وِتْرٍ قَالَ إلَّا أَكُنْ أَدْرِي فَإِنَّ اللَّهَ يَدْرِي إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ثُمَّ بَكَى ثُمَّ قَالَ إنِّي سَمِعْتُ خَلِيلِي أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ يسجد لله سجدة الا رفع اللَّهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " وَرَوَاهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي عَدَالَتِهِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهَيْنِ فِيمَنْ نَوَى التَّطَوُّعَ مُطْلَقًا يُكْرَهُ لَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَوْ نذر صلاة هو يَكْفِيهِ رَكْعَةٌ أَمْ يَجِبُ رَكْعَتَانِ وَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ وَهَذَا الْوَجْهُ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ غَلَطٌ وَأَمَّا إذَا نَوَى رَكْعَةً وَاحِدَةً وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ نَوَى عَدَدًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَإِنْ بَلَغَتْ كَثْرَتُهُ مَا بَلَغَتْ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَيَسْتَوْفِيهِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ أَكْثَرُ الْمَنْقُولِ فِي الْوِتْرِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَوَازُ الزِّيَادَةِ مَا شَاءَ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا نَوَى عَدَدًا فَلَهُ أَنْ يَزِيدَ وَلَهُ أَنْ يَنْقُصَ فَمَنْ أَحْرَمَ بِرَكْعَتَيْنِ أَوْ رَكْعَةٍ فَلَهُ جَعْلُهَا عَشْرًا وَمِائَةً وَمَنْ أَحْرَمَ بِعَشْرٍ أَوْ مِائَةٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَلَهُ جَعْلُهَا رَكْعَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ بِشَرْطِ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ فَإِنْ زَادَ أَوْ نَقَصَ بِلَا تَغْيِيرِ النِّيَّةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ مِثَالُهُ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ إلَى ثَالِثَةٍ بِنِيَّةِ الزِّيَادَةِ جَازَ وَإِنْ قَامَ بِلَا نِيَّةٍ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قَامَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ وَيَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ للسهو فلو بداله فِي الْقِيَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَزِيدَ فَهَلْ يُشْتَرَطُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومُ مِنْهُ أَمْ لَهُ الْمُضِيُّ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاشْتِرَاطُ لِأَنَّ الْقِيَامَ إلَى الثَّالِثَةِ شَرْطٌ وَلَمْ يَقَعْ مُعْتَدًّا بِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَلَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى أَرْبَعًا سَاهِيًا
ثُمَّ نَوَى إكْمَالَ صَلَاتِهِ أَرْبَعًا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ آخرتين ولا يحسب ما سهي بِهِ وَلَوْ نَوَى أَرْبَعًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِصَارَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَازَ وَسَلَّمَ مِنْهُمَا فَلَوْ سَلَّمَ قبل تغيير النِّيَّةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَلَّمَ سَهْوًا أَتَمَّ أَرْبَعًا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَلَوْ أَرَادَ بَعْدَ سَلَامِهِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ جَازَ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ ثَانِيًا لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ وَقَعَ سَهْوًا فَهُوَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ ثُمَّ إنْ تَطَوَّعَ بركعة فلابد مِنْ التَّشَهُّدِ عَقِبَهَا وَيَجْلِسُ مُتَوَرِّكًا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى رَكْعَةٍ فَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ وَاحِدٍ فِي آخر صلاته وهذا التشهد ركن لابد مِنْهُ وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ كَمَا فِي الْفَرَائِضِ الرُّبَاعِيَّةِ فَإِنْ كَانَ الْعَدَدُ وترا فلابد من التشهد في الآخرة أيضا هذا إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ أَرْبَعًا فَإِنْ كَانَتْ سِتًّا أَوْ عَشْرًا أَوْ عِشْرِينَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ شَفْعًا كَانَتْ أَوْ وِتْرًا فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَإِنْ كَثُرَتْ التَّشَهُّدَاتُ وَيَتَشَهَّدُ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي الْآخِرَةِ وَلَهُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ أَرْبَعٍ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ سِتٍّ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ اخْتِرَاعُ صُورَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا عَهْدَ بِهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى تَشَهُّدَيْنِ بِحَالٍ مِنْ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ التَّشَهُّدَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانَ الْعَدَدُ شَفْعًا فَإِنْ كَانَ وِتْرًا لَمْ يَجُزْ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَةٍ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالتَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوِيٌّ وَظَاهِرُ السُّنَّةِ يَقْتَضِيهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ لَا يَجْلِسُ إلَّا فِي الْآخِرَةِ حَكَاهُ صَاحِبَا الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ وَهُوَ غَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ التَّشَهُّدُ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَفِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ هَذَا غَيْرُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ قَالَ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الِاقْتِصَارِ عَلَى تَشَهُّدٍ فِي آخِر الصَّلَاةِ قَالَ وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّشَهُّدِ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى تَشَهُّدٍ قَرَأَ السُّورَةَ فِي كُلِّ الرَّكَعَاتِ وَإِنْ صَلَّى بِتَشَهُّدَيْنِ فَفِي اسْتِحْبَابِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِيمَا بَعْدَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ الْقَوْلَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي الْفَرَائِضِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَقَدْ تَكَرَّرَ بَيَانُ هَذَا فِي مَوَاضِعَ سَبَقَتْ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا أَنْ يَجْمَعَ رَكَعَاتٍ كَثِيرَةً مِنْ النَّوَافِلِ
الْمُطْلَقَةِ بِتَسْلِيمَةٍ وَأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ التَّسْلِيمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ أَرْبَعٍ فِي صَلَاةِ النَّهَارِ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ رَكْعَتَانِ وَأَرْبَعٌ وَسِتٌّ وَثَمَانٍ بِتَسْلِيمَةٍ وَلَا يَزِيدُ عَلَى ثَمَانٍ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يصلى بالنهار أربعا واختاره اسحاق
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب لمن دخل المسجد أن يصلي ركعتين تحية المسجد لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فليصل سجدتين من قبل أن يجلس " فان دخل وقد حضرت الجماعة لم يصل التحية لقوله صلى الله عليه وسلم " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلا صلاة الا المكتوبة " ولانه يحصل به التحية كما يحصل حق الدخول الي الحرم بحجة الفرض)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ مِنْهَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ " هَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ فِي رِوَايَةِ الْمُصَنِّفِ رَكْعَتَانِ وَقَدْ تَكَرَّرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِمِثْلِ ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْلِسَ مِنْ غَيْرِ تَحِيَّةٍ بِلَا عُذْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ الْمُصَرِّحِ بِالنَّهْيِ وَسَوَاءٌ عِنْدَنَا دَخَلَ فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ أَمْ فِي غَيْرِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ بِدَلِيلِهِ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ لِلْحَدِيثِ فَإِنْ صَلَّى أَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ جَازَ وَكَانَتْ كُلُّهَا تَحِيَّةً لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ وَلَوْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ أَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ أَوْ شُكْرٍ أَوْ صَلَّى رَكْعَةً وَاحِدَةً لَمْ تَحْصُلْ التَّحِيَّةُ لِصَرِيحِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تَحْصُلُ لِحُصُولِ عِبَادَةٍ وَإِكْرَامِ الْمَسْجِدِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِذَا جَلَسَ وَالْحَالَةُ هَذِهِ كَانَ مُرْتَكِبًا لِلنَّهْيِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ بَلْ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا أَوْ نَوَى رَكْعَتَيْنِ نَافِلَةً رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَ رَاتِبَةٍ أَوْ صَلَاةَ فَرِيضَةٍ مُؤَدَّاةٍ أَوْ مَقْضِيَّةٍ أَوْ مَنْذُورَةٍ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَحَصَلَ لَهُ مَا نَوَى وَحَصَلَتْ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ ضِمْنًا وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا
لَوْ نَوَى الْفَرِيضَةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ أَوْ الرَّاتِبَةَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ حَصَلَا جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا قَوْلُ الرَّافِعِيِّ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَطَّرِدَ فِيهِ الْخِلَافُ فيمن نوى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ هَلْ تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ وَقَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَطَّرِدَ فِيهَا الْخِلَافُ فِيمَنْ نَوَى بِغُسْلِهِ الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ فَلَيْسَ كَمَا قَالَا وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هَذَا الَّذِي ذَكَرَاهُ بَلْ كُلُّهُمْ مُصَرِّحُونَ بِحُصُولِ الصَّلَاةِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَحُصُولِ التَّحِيَّةِ فِيهِمَا وَبِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَيُفَارِقُ مَسْأَلَةَ غُسْلِ الْجُمُعَةِ لِأَنَّهَا سُنَّةٌ مَقْصُودَةٌ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ فَالْمُرَادُ بِهَا أَنْ لَا يَنْتَهِكَ الْمَسْجِدَ بِالْجُلُوسِ بِغَيْرِ صَلَاةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي السَّاعَةِ الْوَاحِدَةِ مِرَارًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تُسْتَحَبُّ التَّحِيَّةُ لِكُلِّ مَرَّةٍ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي اللُّبَابِ أَرْجُو أَنْ تُجْزِيَهُ التَّحِيَّةُ مَرَّةً وَاحِدَةً وَالْأَوَّلُ أَقْوَى وَأَقْرَبُ إلَى ظَاهِرِ الْحَدِيثِ
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تُكْرَهُ التَّحِيَّةُ فِي حَالَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي الْمَكْتُوبَةِ أَوْ وَقَدْ شَرَعَ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ (الثَّانِي) إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَلَا يَشْتَغِلُ بِهَا عَنْ الطَّوَافِ وَأَمَّا إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرَهُ فَلَا يَجْلِسُ حَتَّى يُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ وَيُخَفِّفَهَا وَسَنُوَضِّحُهَا بِدَلَائِلِهَا حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَطَالَ الْفَصْلُ فَاتَتْ وَلَا يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَاَلَّذِي قَالَهُ الْأَصْحَابُ إنَّهَا تَفُوتُ بِالْجُلُوسِ فَلَا يَفْعَلُهَا بَعْدَهُ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ الْحَرَمِ وَقَاسُوا عَلَيْهَا أَنَّ مَنْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَا يَقْضِيهِ بَلْ فَاتَهُ بِمُجَرَّدِ الدُّخُولِ كَمَا تَفُوتُ التَّحِيَّةُ بِالْجُلُوسِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ ابن عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْمُصَنَّفِ فِي الْعِبَادَاتِ أَنَّهُ لَوْ نَسِيَ التَّحِيَّةَ وَجَلَسَ ثُمَّ ذَكَرَهَا بَعْدَ سَاعَةٍ صَلَّاهَا وَهَذَا غَرِيبٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ
هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ التَّحِيَّةَ جَهْلًا بِهَا أَوْ سَهْوًا يُشْرَعُ لَهُ فِعْلُهَا مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ قَوْلُ ابْنِ عَبْدَانَ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْأَصْحَابِ عَلَى مَا إذَا طَالَ الْفَصْلُ لِئَلَّا يُصَادِمَ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ مُتَعَيَّنٌ لِمَا فِيهِ مِنْ مُوَافَقَةِ الْحَدِيثِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَابْنِ عَبْدَانَ وَالْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
(إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ رَكْعَتَانِ عَقِبَ الْوُضُوءِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْمَسْأَلَةَ بِدَلَائِلِهَا في آخر الباب صِفَةِ الْوُضُوءِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أُرِيدَ قَتْلُهُ بِقِصَاصٍ أَوْ فِي حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا أَنْ يُصَلِّيَ قُبَيْلَهُ إنْ أَمْكَنَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ حبيب ابن عَدِيٍّ الصَّحَابِيَّ رضي الله عنه حِينَ أَخْرَجَهُ الْكُفَّارُ لِيَقْتُلُوهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال دعوني أصلى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الثَّانِيَةُ) مِنْ السُّنَنِ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ وَكَذَا رَكْعَتَا الطَّوَافِ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمَا لَا يَجِبَانِ (الثَّالِثَةُ) السُّنَّةُ لِمَنْ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ أَوَّلَ قُدُومِهِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ البخاري ومسلم
وَاحْتَجَّ بِهِ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ (الرَّابِعَةُ) صَلَاةُ الاستخارة سنة وهى أن من أراد مِنْ الْأُمُورِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ ثم دعى بِمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ يقول اذاهم أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلَّامُ الغيوب الله إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ اللَّهُمَّ وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ ارْضِنِي بِهِ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي مَوَاضِعَ مِنْ صَحِيحِهِ
وَفِي بَعْضِهَا ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بعد الفاتحة قل يا ايها الكافرون وَفِي الثَّانِيَةِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثُمَّ يَنْهَضُ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ لِمَا يَنْشَرِحُ لَهُ صَدْرُهُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَا التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ وَالرُّويَانِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِهِ الْبَحْرِ يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ التَّسْبِيحِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَفِي هَذَا الِاسْتِحْبَابِ نَظَرٌ لِأَنَّ حَدِيثَهَا ضَعِيفٌ وَفِيهَا تَغْيِيرٌ لِنَظْمِ الصَّلَاةِ الْمَعْرُوفِ فَيَنْبَغِي أَلَا يُفْعَلَ بِغَيْرِ حَدِيثٍ وَلَيْسَ حَدِيثُهَا بِثَابِتٍ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْعَبَّاسِ رضي الله عنه " يَا عَبَّاسُ يَا عَمَّاهُ أَلَا أُعْطِيكَ أَلَا أَمْنَحُكَ أَلَا أَحْبُوكَ أَلَا أَفْعَلُ بِك عَشْرَ خِصَالٍ إذَا أَنْتَ فَعَلْتَ ذَلِكَ غَفَرَ اللَّهُ لَك ذَنْبَكَ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ قَدِيمَهُ وَحَدِيثَهُ خَطَأَهُ وَعَمْدَهُ صَغِيرَهُ وَكَبِيرَهُ سِرَّهُ وَعَلَانِيَتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ تَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ الْقِرَاءَةِ فِي أَوَّلِ رَكْعَةٍ وَأَنْتَ قَائِمٌ قُلْت سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أكبر خمس عشر مَرَّةً ثُمَّ تَرْكَعُ وَتَقُولُهَا وَأَنْتَ رَاكِعٌ عَشْرًا أو ترفع رَأْسَكَ مِنْ الرُّكُوعِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَهْوِي سَاجِدًا فَتَقُولُهَا وَأَنْتَ سَاجِدٌ عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ مِنْ السُّجُودِ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَسْجُدُ فَتَقُولُهَا عَشْرًا ثُمَّ تَرْفَعُ رَأْسَكَ فَتَقُولُهَا عَشْرًا فَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ إنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُصَلِّيَهَا كُلَّ يَوْمٍ فَافْعَلْ فَإِنْ لَمْ تَفْعَل فَفِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَفِي كُلِّ عُمُرِكَ مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُمْ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ بِمَعْنَاهُ قال
التِّرْمِذِيُّ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ غَيْرُ حَدِيثٍ قَالَ ولا يصح منه كبير شئ قال وقد رأى ابن المبارك غير وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ صَلَاةَ التَّسْبِيحِ وَذَكَرُوا لفضل فيه وكذا قَالَ الْعُقَيْلِيُّ لَيْسَ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ وَكَذَا ذَكَرَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وآخرون أنه ليس فيها حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) في صلاة الحاجة عن ابن أَوْفَى رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ فَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ ليصل ركعتين ثم ليثنى عَلَى اللَّهِ عز وجل وَلِيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثُمَّ لِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ لَا تَدَعْ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفَرْتَهُ وَلَا هَمًّا إلَّا فرجته ولا حاجة هي لك رضاء إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّامِنَةُ) قَدْ سَبَقَ أَنَّ النَّوَافِلَ لَا تُشْرَعُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا إلَّا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَكَذَا التَّرَاوِيحُ وَالْوِتْرُ بَعْدَهَا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْجَمَاعَةَ فِيهَا أَفْضَلُ وَأَمَّا بَاقِي النَّوَافِلِ كَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ مَعَ الْفَرَائِضِ وَالضُّحَى وَالنَّوَافِلِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ أَيْ لَا تُسْتَحَبُّ لَكِنْ لَوْ صَلَّاهَا جَمَاعَةً جَازَ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي مُخْتَصَرَيْ الْبُوَيْطِيِّ وَالرَّبِيعِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ فِي النَّافِلَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِهَا جَمَاعَةُ أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ فِي الصَّحِيحِ مِنْهَا حديث عتبان ابن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " جاءه في بيته بعد ما اشْتَدَّ النَّهَارُ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ فَأَشَرْتُ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي أُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ فَقَامَ وَصَفَّنَا خَلْفَهُ ثُمَّ سَلَّمَ وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَثَبَتَتْ الْجَمَاعَةُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ رضي الله عنهم وَأَحَادِيثُهُمْ كُلُّهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ إلَّا حَدِيثَ حُذَيْفَةَ فَفِي مُسْلِمٍ فَقَطْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) يَنْبَغِي لِكُلِّ أَحَدٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَى النَّوَافِلِ وَالْإِكْثَارِ مِنْهَا عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ وقد سبقت دلائله ومن أَهَمِّهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خاب وخسر فان انتقص من فريضته شيئا قَالَ الرَّبُّ سبحانه وتعالى اُذْكُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَتُكَمَّلَ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنْ
الْفَرِيضَةِ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَكَذَا ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(الْعَاشِرَةُ) الصَّلَاةُ الْمَعْرُوفَةُ بصلاة الرغائب وهي ثنتى عَشْرَةَ رَكْعَةً تُصَلَّى بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ لَيْلَةَ أَوَّلِ جُمُعَةٍ فِي رَجَبٍ وَصَلَاةُ لَيْلَةِ نِصْفِ شَعْبَانَ مِائَةُ رَكْعَةٍ وَهَاتَانِ الصَّلَاتَانِ بِدْعَتَانِ وَمُنْكَرَانِ قَبِيحَتَانِ وَلَا يُغْتَرُّ بِذَكَرِهِمَا فِي كِتَابِ قُوتِ الْقُلُوبِ وَإِحْيَاءِ عُلُومِ الدِّينِ وَلَا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِيهِمَا فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَا يُغْتَرُّ بِبَعْضِ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ فَصَنَّفَ وَرَقَاتٍ فِي اسْتِحْبَابِهِمَا فَإِنَّهُ غَالِطٌ فِي ذَلِكَ وَقَدْ صَنَّفَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ عبد الرحمن بن اسمعيل الْمَقْدِسِيُّ كِتَابًا نَفِيسًا فِي إبْطَالِهِمَا فَأَحْسَنَ فِيهِ وَأَجَادَ رحمه الله
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ رَكَعَاتِ التَّطَوُّعِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مذهبنا أنه يجوز في النفل المطلق الْمُطْلَقِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رَكَعَاتٍ كَثِيرَةٍ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّيْلِ أَمْ بِالنَّهَارِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى رَكْعَةٍ فِي صَلَاةٍ أَبَدًا قَالَ وَيَجُوزُ نَوَافِلُ النَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَنَوَافِلُ اللَّيْلِ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعًا وَسِتًّا وَثَمَانِيًا وَلَا يَزِيدُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي فَصْلِ الْوِتْرِ الْمُصَرِّحَةُ بِدَلَائِلِ مَذْهَبِنَا
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي نَفْلِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّ الْأَفْضَلَ فِي النَّهَارِ أَرْبَعًا: وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى وَصَلَاةُ النَّهَارِ إنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَإِنْ شَاءَ رَكْعَتَيْنِ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ " صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ قَرِيبًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي كَوْنِ صَلَاةِ النَّهَارِ رَكْعَتَيْنِ مَا لَا يُحْصَى مِنْ الْأَحَادِيثِ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ فِي الصَّحِيحِ كَحَدِيثِ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهُ وَكَذَا قَبْلَ الْعَصْرِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَحَدِيثِ رَكْعَتَيْ الضُّحَى وَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ وَرَكْعَتَيْ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْنِ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوُضُوءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ لَا تَسْلِيمَ فِيهِنَّ يُفْتَحُ لَهُنَّ أَبْوَابُ السَّمَاءِ فَضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ ومداره علي عبيدة ابن مُعَتِّبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ أَنْ يَشْتَغِلَ بنافلة سواه تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَسُنَّةُ الصُّبْحِ
وَغَيْرُهَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَابْنِهِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وابن
سِيرِينَ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ وَالْإِمَامُ فِي الْفَرِيضَةِ قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ لَمْ يَخَفْ أَنْ يَفُوتَهُ الْإِمَامُ بِالرَّكْعَةِ فَلِيُصَلِّ خَارِجًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَلْيَرْكَعْ مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو حنيفة اركعها فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ مَا دُمْتَ تَتَيَقَّنُ أَنَّكَ تُدْرِكُ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ فَإِنْ خَشِيتَ فَوْتَ الْأَخِيرَةِ فَادْخُلْ مَعَ الْإِمَامِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُولَ الله صلي الله عليه وسم " مَرَّ بِرَجُلٍ وَقَدْ أُقِيمَتْ صَلَاةُ الصُّبْحِ فَكَلَّمَهُ بشئ لَا نَدْرِي مَا هُوَ فَلَمَّا انْصَرَفْنَا أَحَطْنَا بِهِ نَقُولُ مَا قَالَ لَك رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ: يُوشِكُ أَحَدُكُمْ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ أَرْبَعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُهُ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رأى رجل يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ الصُّبْحُ أَرْبَعًا " وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سرخس قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا سَلَّمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا فُلَانُ بِأَيِّ الصَّلَاتَيْنِ اعْتَدَدْتَ بِصَلَاتِكَ وَحْدَكَ أَمْ بِصَلَاتِكَ مَعَنَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
تَصِحُّ النَّوَافِلُ وَتُقْبَلُ وَإِنْ كَانَتْ الْفَرَائِضُ نَاقِصَةً لِحَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ السَّابِقَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ التَّاسِعَةِ وَالْعَاشِرَةِ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَثَلُ الْمُصَلِّي مَثَلُ التَّاجِرِ لَا يَخْلُصُ لَهُ رِبْحُهُ حَتَّى يَخْلُصَ رَأْسُ مَالِهِ كَذَلِكَ الْمُصَلِّي لَا تُقْبَلُ نَافِلَتُهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ " فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى نَافِلَةٍ تَكُونُ صِحَّتُهَا مُتَوَقِّفَةً عَلَى صِحَّةِ الْفَرِيضَةِ كَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ والظهر بَعْدَهَا لِيَجْمَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي هُرَيْرَةَ وتميم والله أعلم
*
(باب سجود التلاوة)
* قال المصنف رحمه الله
* (سجود التلاوة مشروع للقارى والمستمع لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن فإذا مر بسجدة كبر وسجد وسجدنا " فان ترك القارى سجد المستمع لانه توجه عليهما فلا يتركه أحدهما بترك الآخر وأما من سمع القارئ وهو غير مستمع إليه فقال الشافعي لا أؤكد عليه كما أؤكد على المستمع لما روي عن عثمان وعمران ابن الحصين رضي الله عنهم السجدة علي من استمع وعن ابن عباس رضي الله عنهما السجدة لمن جلس لها وهو سنة غير واجب لِمَا رَوَى زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ " عرضت النجم عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلم يسجد منا أحد ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا قَوْلَهُ كَبَّرَ فَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا وَهَذَا اللَّفْظُ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بن ثابت فرواه البخاري ومسلم بمعناه لفظ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ عَنْ زَيْدٍ قَالَ " قَرَأْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا " وَرِوَايَةُ مُسْلِمٍ " أَنَّهُ قَرَأَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ إذَا هَوَى فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا ": وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَكَذَا الْأَثَرَانِ عَنْ عُثْمَانَ وَعِمْرَانَ ذَكَرَهُمَا الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ الْجَزْمِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فسجود التلاوة سنة للقارى وَالْمُسْتَمِعِ بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَ الْقَارِئُ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ ضَعِيفٍ لَا يَسْجُدُ الْمُسْتَمِعُ لِقِرَاءَةِ مُصَلٍّ غَيْرَ إمَامِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَسَوَاءٌ سَجَدَ الْقَارِئُ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ يُسَنُّ لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يَسْجُدَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ لَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ إذَا لَمْ يَسْجُدْ الْقَارِئُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ اسْتَمَعَ إلَى قِرَاءَةِ مُحْدِثٍ أَوْ كَافِرٍ أَوْ صَبِيٍّ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ السُّجُودِ لِأَنَّهُ اسْتَمَعَ سَجْدَةً: (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ كَالتَّابِعِ لِلْقَارِئِ: وَأَمَّا الَّذِي لَا يَسْتَمِعُ لَكِنْ يَسْمَعُ بِلَا إصْغَاءٍ وَلَا قَصْدٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ وَلَا يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِ تَأَكُّدَهُ فِي حَقِّ الْمُسْتَمِعِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَالْمُسْتَمِعِ: (وَالثَّالِثُ) لَا يُسَنُّ لَهُ السُّجُودُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ
*
(فَرْعٌ)
المصلي إذا كَانَ مُنْفَرِدًا سَجَدَ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ فَلَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَلَمْ يَسْجُدْ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَسْجُدَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ تَلَبَّسَ بِالْفَرْضِ فَلَا يَتْرُكُهُ لِلْعَوْدِ إلَى سُنَّةٍ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ زَائِدًا رُكُوعًا فَلَوْ بَدَا لَهُ قَبْلَ بُلُوغِ
حد الراكعين جَازَ وَلَوْ هَوَى لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ ثُمَّ بَدَا لَهُ فَرَجَعَ جَازَ كَمَا لَوْ قَرَأَ بَعْضَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَمْ يُتِمَّهُ جَازَ بِلَا شَكٍّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي الْإِصْغَاءُ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ فَإِنْ أَصْغَى الْمُنْفَرِدُ لِقِرَاءَةِ قَارِئٍ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ هَذَا الْإِصْغَاءِ فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي إمَامًا فَهُوَ كَالْمُنْفَرِدِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ آيَةِ السَّجْدَةِ فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً جَهْرِيَّةً أَوْ سِرِّيَّةً هَذَا مَذْهَبُنَا وَسَنَذْكُرُ مَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذَا سَجَدَ الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ السُّجُودُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِتَخَلُّفِهِ عَنْ الْإِمَامِ وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ بَعْدَ سَلَامِهِ لِيَتَدَارَكَهَا وَلَا يَتَأَكَّدُ وَلَوْ سَجَدَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ تَخَلَّفَ بِعُذْرٍ وَلَكِنْ لَا يَسْجُدُ فَلَوْ عَلِمَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ السُّجُودُ وَلَوْ هَوَى الْمَأْمُومُ لِيَسْجُدَ مَعَهُ فَرَفَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي الْهَوِيِّ رَجَعَ مَعَهُ وَلَمْ يسجد وكذا الضعيف البطئ الْحَرَكَةِ الَّذِي هَوَى مَعَ الْإِمَامِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ فَرَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ انْتِهَائِهِ إلَى الْأَرْضِ لَا يَسْجُدُ بَلْ يَرْجِعُ مَعَهُ بِخِلَافِ سُجُودِ نفس الصلاة فانه لابد أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَإِنْ رَفَعَ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ: وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُكْرَهُ لَهُ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا الْإِصْغَاءُ إلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ كَمَا سَبَقَ فَلَوْ سَجَدَ لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ أَوْ لِقِرَاءَةِ غَيْرِ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ سُجُودًا عَمْدًا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَسَجَدَاتُ التِّلَاوَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فِي قَوْلِهِ الْجَدِيدِ سَجْدَةٌ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ويسبحونه وله يسجدون) وَسَجْدَةٌ فِي الرَّعْدِ عِنْدَ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى (بالغدو والاصال) وَسَجْدَةٌ فِي النَّحْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَيَفْعَلُونَ ما يؤمرون) وَسَجْدَةٌ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ويزيدهم خشوعا) وَسَجْدَةٌ فِي مَرْيَمَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (خَرُّوا سجدا وبكيا) وَسَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ: (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (ان الله يفعل ما يشاء) : (وَالثَّانِيَةُ) عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تفلحون) وَسَجْدَةٌ فِي الْفُرْقَانِ
عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وَزَادَهُمْ نفورا) وَسَجْدَةٌ فِي النَّمْلِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ العرش العظيم) وَسَجْدَةٌ فِي الم تَنْزِيلُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وهم لا يستكبرون) وَسَجْدَةٌ فِي حم السَّجْدَةُ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وهم لا يسئمون) وَثَلَاثُ سَجَدَاتٍ فِي الْمُفَصَّلِ (إحْدَاهَا) فِي آخِرِ النجم (فاسجدوا لله واعبدوا) : (والثانية) في (إذا السماء انشقت)(وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) : (والثالثة) في آخر اقرأ (واسجد واقترب) وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ " أَقْرَأَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَمْسَ عَشْرَةَ سَجْدَةً فِي الْقُرْآنِ مِنْهَا ثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَفِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ " وَفِي الْقَدِيمِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ إحْدَى عَشْرَةَ سَجْدَةً وَأَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لم يسجد في شئ مِنْ الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ ")
* (الشَّرْحُ) حديث عمرو رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ هَذِهِ الْأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَفِي الْقَدِيمِ أَنَّهَا احدي عشرة كما حكاه المنصف وَهَذَا الْقَدِيمُ ضَعِيفٌ فِي النَّقْلِ وَدَلِيلُهُ بَاطِلٌ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَمَوَاضِعُ السَّجَدَاتِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف ولا خلاف في شئ مِنْهَا إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
سَجْدَةُ حم السَّجْدَةُ فِيهَا وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَصَحُّهُمَا عِنْدَ يَسْأَمُونَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ:
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا الْمَذْهَبَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَصْحَابِ ابن مسعود وابراهيم والنخعي وَأَبِي صَالِحٍ وَطَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ وَزَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ رضي الله عنهم وَحَكَى الْأَوَّلَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سِيرِينَ أَيْضًا وَأَبِي وَائِلٍ وَالثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ رحمهم الله وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ: الْمَوْضِعُ الثَّانِي سَجْدَةُ النَّمْلِ الصَّوَابُ أَنَّهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ العرش العظيم) كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَشَذَّ الْعَبْدَرِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةُ هي عند قوله تعالي (ويعلم ما يخفون وما يعلنون) قَالَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ هِيَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (رَبُّ
الْعَرْشِ العظيم) وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقْلُهُ عَنْ مَذْهَبِنَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَأَمَّا سَجْدَةُ ص فَهِيَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى (وخر راكعا وأناب) وَلَيْسَتْ مِنْ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ وَإِنَّمَا هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَرَأَ ص فَلَمَّا مر بالسجدة تشزنا بالسجود فلما رآنا قَالَ " إنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ " وَلَكِنْ قَدْ اسْتَعْدَدْتُمْ لِلسُّجُودِ فَنَزَلَ وَسَجَدَ " وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَجَدَهَا نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُد تَوْبَةً وَسَجَدْنَاهَا شُكْرًا " فَإِنْ قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَانِ: (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ فَبَطَلَتْ بِهَا الصَّلَاةُ كَالسُّجُودِ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ: (وَالثَّانِي) لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالتِّلَاوَةِ فَهِيَ كَسَائِرِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ البخاري وقوله نشزنا هو بتاء مثناة فوق ثم شين الْمُعْجَمَةِ ثُمَّ زَايٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ أَيْضًا أَيْ تَهَيَّأْنَا وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا سَجْدَةُ ص لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ مَعْنَاهُ لَيْسَتْ سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَلَكِنَّهَا سَجْدَةُ شُكْرٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أبو العباس ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ هِيَ سَجْدَةُ تِلَاوَةٍ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَقَرَأَهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْجُدَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا وَحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ السَّابِقِ وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِي ص رَوَاهُ (1) وَإِنْ قَرَأَهَا فِي الصَّلَاةِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْجُدَ فَإِنْ خَالَفَ وَسَجَدَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَكِنْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ سَجَدَهَا عَامِدًا عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا وَلَوْ سَجَدَ إمَامُهُ فِي ص لِكَوْنِهِ يَعْتَقِدُهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا لَا يُتَابِعُهُ بَلْ إنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ شَاءَ يَنْتَظِرُهُ قَائِمًا كَمَا لَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ لَا يُتَابِعُهُ بَلْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فَإِنْ انْتَظَرَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ: (وَالثَّانِي) لَا يُتَابِعُهُ أَيْضًا وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ كَمَا سَبَقَ
فَإِنْ انْتَظَرَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ بَعْدَ سلام الامام لانه يعتقدان إمَامَهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ جَاهِلًا وَأَنَّ لِسُجُودِ السَّهْوِ تَوَجُّهًا عَلَيْهِمَا فَإِذَا أَخَلَّ بِهِ الْإِمَامُ سَجَدَ الْمَأْمُومُ: (وَالثَّالِثُ) يُتَابِعُهُ فِي سُجُودِهِ فِي ص حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ لِتَأَكُّدِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَتَأْوِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أن مذهبنا انه سنة وليس بواجب وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعمران بن الحصين ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وابو ثور وداود وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله سُجُودُ التِّلَاوَةِ وَاجِبٌ عَلَى الْقَارِئِ وَالْمُسْتَمِعِ واحتج له بقول الله تعالي (فما لهم لا يؤمنون وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) وبقوله تعالي فاسجدوا الله واعبدوا) وَبِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ وَقِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْهَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه قَالَ " قَرَأْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّجْمِ فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِنْ قَالُوا لَعَلَّهُ سَجَدَ فِي وَقْتٍ آخَرَ قُلْنَا لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يُطْلِقْ الرَّاوِي نَفْيَ السُّجُودِ فَإِنْ قَالُوا لَعَلَّ زَيْدًا قَرَأَهَا بَعْدَ الصُّبْحِ أَوْ الْعَصْرِ وَلَا يَحِلُّ السُّجُودُ ذَلِكَ الْوَقْتَ بِالِاتِّفَاقِ قُلْنَا لَوْ كَانَ سَبَبُ التَّرْكِ مَا ذَكَرُوهُ لَمْ يطلق
(1) كذا بالاصل
*
زَيْدٌ النَّفْيَ وَزَمَنَ الْقِرَاءَةِ وَمِنْ الدَّلَائِلِ حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تتطوع " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ مَرَّاتٍ وَاحْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَمِنْهَا أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَهَا حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ فَمَنْ سَجَدَ فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ (إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ السُّجُودَ إلَّا أَنْ نَشَاءَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ بِلَفْظِهِمَا وَهَذَا الْفِعْلُ وَالْقَوْلُ مِنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي هَذَا الْمَوْطِنِ وَالْمَجْمَعُ الْعَظِيمُ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَثْبُتَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِهِ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى هَذَا وَقِيَاسًا عَلَى سُجُودِ الشُّكْرِ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالِاتِّفَاقِ فِي السَّفَرِ فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَجُزْ كَسُجُودِ صَلَاةِ الْفَرْضِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ الَّتِي احْتَجُّوا بِهَا فَهِيَ أَنَّهَا وَرَدَتْ
فِي ذَمِّ الْكُفَّارِ وَتَرْكِهِمْ السُّجُودَ اسْتِكْبَارًا وَجُحُودًا وَالْمُرَادُ بِالسُّجُودِ فِي الْآيَةِ الثَّانِيَةِ سُجُودُ الصَّلَاةِ وَالْأَحَادِيثُ مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي عَدَدِ سَجَدَاتِ التِّلَاوَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ أَنَّهَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْهَا سَجْدَتَانِ فِي الْحَجِّ وَثَلَاثٌ فِي الْمُفَصَّلِ وَلَيْسَتْ ص سَجْدَةَ تِلَاوَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَكِنَّهُ أَسْقَطَ الثَّانِيَةَ مِنْ الْحَجِّ وَأَثْبَتَ ص وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَقَوْلِنَا وَأَشْهَرُهُمَا إحْدَى عَشْرَةَ أَسْقَطَ سَجَدَاتِ الْمُفَصَّلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا أَرْبَعَ عَشْرَةَ كَقَوْلِنَا وَالثَّانِيَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَثْبَتَ ص وَهَذَا مَذْهَبُ اسحاق ابن رَاهْوَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا كَمَا سَبَقَ وَأَجْمَعُوا عَلَى السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الْحَجِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّانِيَةِ فممن أَثْبَتَهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو الدَّرْدَاءِ وَأَبُو مُوسَى وابو عبد الرحمن السلمي وابو العالية وذر بْنُ حُبَيْشٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد رضي الله عنهم قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَعْنِي السَّبِيعِيَّ التَّابِعِيَّ الْكَبِيرَ " أَدْرَكْتُ النَّاسَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً يَسْجُدُونَ فِي الْحَجِّ سَجْدَتَيْنِ " وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ إسْقَاطَهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رِوَايَتَانِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِإِثْبَاتِهَا أَقُولُ وَاخْتَلَفَ العلماء في سجدات المفصل وهي النجم وإذا السماء انشقت وَاقْرَأْ فَأَثْبَتَهُنَّ الْجُمْهُورُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وحذفهن جماعة واحتج أَصْحَابُنَا لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ سَجْدَةُ ص فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى السُّجُودِ فِيهَا عَلَى أَنَّهُ سُجُودُ شُكْرٍ كَمَا سَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سجد في إذا السماء انشقت وقال
" سَجَدْتُ بِهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَلَا أَزَالُ أَسْجُدُ فِيهَا حَتَّى أَلْقَاهُ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فِي إِذَا السَّمَاءُ انشقت واقرأ باسم ربك وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ إنَّمَا أَسْلَمَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ فِي الْمُفَصَّلِ مُنْذُ تَحَوَّلَ إلَى الْمَدِينَةِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ وَلَوْ صَحَّ قُدِّمَتْ عَلَيْهِ أَحَادِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الصَّحِيحَةُ الصَّرِيحَةُ الْمُثْبِتَةُ لِلسُّجُودِ وَالْعُمْدَةُ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فِي الْحَجِّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وأما حديث عقبة بن عامر قَالَ " قُلْتُ
لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ سَجْدَتَانِ قَالَ نَعَمْ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْهُمَا فَلَا يَقْرَأْهُمَا " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَا لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِأُبَيِّنَهُ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وعن ابن عباس قال سجدة ص ليس مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ فِيهَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَحُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ حُكْمُ صَلَاةِ النَّفْلِ يَفْتَقِرُ إلَى الطَّهَارَةِ وَالسِّتَارَةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ سَجَدَ بِتَكْبِيرٍ وَرَفَعَ بِتَكْبِيرٍ وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ فِي آخِرِ سُورَةٍ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ وَيَقْرَأَ مِنْ السُّورَةِ بَعْدَهَا شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعُ فَإِنْ قَامَ وَلَمْ يَقْرَأْ شَيْئًا وَرَكَعَ جَازَ وَإِنْ قَامَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الرُّكُوعِ ولم يقم لم يجز لانه يَبْتَدِئْ الرُّكُوعَ مِنْ قِيَامٍ)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ فِي الشُّرُوطِ حُكْمُ صَلَاةِ النَّفْلِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَدُخُولُ وَقْتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَكُونَ قَدْ قَرَأَ الْآيَةَ أَوْ سَمِعَهَا فَلَوْ سَجَدَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى آخِرِ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَوْ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ يَجُزْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ السِّتَارَةُ بِكَسْرِ السِّينِ وَهِيَ السُّتْرَةُ أَيْ سَتْرُ الْعَوْرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ لَمْ يُكَبِّرْ لِلِافْتِتَاحِ لِأَنَّهُ مُتَحَرِّمٌ بِالصَّلَاةِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الْهَوِيِّ إلَى السُّجُودِ وَلَا يَرْفَعُ الْيَدَ لِأَنَّ الْيَدَ لَا تُرْفَعُ فِي الْهُوِيِّ إلَى السُّجُودِ وَيُكَبِّرُ عِنْدَ رَفْعِهِ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُ فِي سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَهَذَا التَّكْبِيرُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِيهِ وَجْهٌ لابي على ابن أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا عَنْهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ لِلْهَوِيِّ وَلَا لِلرَّفْعِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَامَ وَلَا يَجْلِسُ لِلِاسْتِرَاحَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَامَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا ثُمَّ يَرْكَعَ فَإِنْ انْتَصَبَ قَائِمًا ثُمَّ رَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ جَازَ إذَا كَانَ قَدْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الِانْتِصَابِ قَائِمًا لِأَنَّ الْهَوِيَّ إلَى الرُّكُوعِ مِنْ القيام واجب
كَمَا سَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ مَسَائِلُ حَسَنَةٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِي الْإِبَانَةِ وَالْبَيَانِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَوْ رَفَعَ مِنْ سُجُودِ التِّلَاوَةِ إلَى الرُّكُوعِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ أَجْزَأَهُ الرُّكُوعُ وَهُوَ غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ السُّجُودُ فِي آخِرِ سُورَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَحْذِفَ قَوْلَهُ آخِرِ سُورَةٍ لِأَنَّ اسْتِحْبَابَ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ الِانْتِصَابِ لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ آخِرِ سُورَةٍ وَغَيْرِهِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ التَّنْبِيهَ بِآخِرِ السُّورَةِ عَلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَحَبَّ اسْتِفْتَاحَ سورة أخرى فاتمام الاول أولي والله أعلم (وقال) أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَرَأَ الْمُصَلِّي آيَةَ سَجْدَةٍ ثُمَّ رَكَعَ لِلصَّلَاةِ وَسَجَدَ سَقَطَ بِهِ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ سَقَطَ فِي الرُّكُوعِ وَرُوِيَ بِالسُّجُودِ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا مَرَّ بِالسَّجْدَةِ كَبَّرَ وَسَجَدَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ تَكْبِيرَةُ افْتِتَاحٍ فَهِيَ كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلسُّجُودِ وَلَا يَرْفَعُ الْيَدَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي سُجُودِ الْقُرْآنِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ بِحَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ " وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد عليه السلام فَهُوَ حَسَنٌ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رسول الله رأيت هذه الليلة في ما يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ وَكَأَنِّي قَرَأْت سَجْدَةً فَسَجَدْتُ فَرَأَيْتُ الشَّجَرَةَ تَسْجُدُ لِسُجُودِي فَسَمِعْتُهَا وَهِيَ سَاجِدَةٌ تَقُولُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَك أَجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُد قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سَجْدَةً فَسَمِعْتُهُ وَهُوَ سَاجِدٌ يَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَ الرَّجُلُ عَنْ الشَّجَرَةِ " وَإِنْ قَالَ فِيهِ مَا يَقُولُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ جَازَ وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى السَّلَامِ فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي البويطي لا يسلم كما لا يُسَلِّمُ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ وَرَوَى الْمُزَنِيّ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يُسَلِّمُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ تَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ فَافْتَقَرَتْ إلَى السَّلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ تفتقر الي التشهد المذهب أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَا قِيَامَ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشَهُّدٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ سُجُودٌ يَفْتَقِرُ إلَى الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ فَافْتَقَرَ إلَى التَّشَهُّدِ كَسُجُودِ الصَّلَاةِ)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُ التِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ زَادَ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ فِيهِ " فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ نَوَى وَكَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي هَذِهِ التَّكْبِيرَةِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ كَمَا يفعل
فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً أُخْرَى لِلْهَوِيِّ مِنْ غَيْرِ رَفْعِ الْيَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا تَكْبِيرُ الْهَوِيِّ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَفِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْجُهُ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهَا شَرْطٌ (وَالثَّانِي) مُسْتَحَبَّةٌ (وَالثَّالِثُ) لَا تُشْرَعُ أَصْلًا قَالَهُ أَبُو جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا حَكَاهُ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى شُذُوذِهِ وَفَسَادِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا شَاذٌّ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ سِوَاهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَلْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ السُّجُودَ أَنْ يَقُومَ فَيَسْتَوِيَ قَائِمًا ثُمَّ يُكَبِّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَتَابَعَهُمْ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ لَا يُسْتَحَبُّ وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُحَقِّقِينَ قَالَ الْإِمَامُ وَلَمْ أَرَ لِهَذَا الْقِيَامِ ذِكْرًا وَلَا أَصْلًا (قُلْتُ) وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا القيام ولا ثبت فيه شئ يُعْتَمَدُ مِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فَالِاخْتِيَارُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْدَثَاتِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمُحْدَثَاتِ وَأَمَّا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ الْأَزْدِيَّةِ قَالَتْ " رَأَيْتُ عَائِشَةَ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِذَا مَرَّتْ بِسَجْدَةٍ قَامَتْ فَسَجَدَتْ " فَهُوَ ضَعِيفٌ أُمُّ سَلَمَةَ هَذِهِ مَجْهُولَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ قَوْلُهُ سَجَدَ وَجْهِي إلَى آخِرِهِ وَسُجُودُ الشَّجَرَةِ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ مَا يَقُولُهُ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا وَسَوَاءٌ فِيهِ التَّسْبِيحُ وَالدُّعَاءُ وَنَقَلَ الْأُسْتَاذُ إسْمَاعِيلُ الضَّرِيرُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّ اخْتِيَارَ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنْ يَقُولَ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ سُبْحَانَ رَبِّنَا إنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ يَقْتَضِي مَدْحَ هَذَا فَهُوَ حَسَنٌ وَصِفَةُ هَذَا السُّجُودِ صِفَةُ سُجُودِ الصَّلَاةِ فِي كَشْفِ الْجَبْهَةِ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ وَالْأَنْفِ وَمُجَافَاةِ الْمِرْفَقَيْنِ عَنْ الْجَنْبَيْنِ وَإِقْلَالِ الْبَطْنِ عَنْ الْفَخِذَيْنِ وَرَفْعِ أَسَافِلِهِ عَلَى
أَعَالِيهِ وَتَوْجِيهِ أَصَابِعِهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فَالْمُبَاشَرَةُ بِالْجَبْهَةِ شَرْطٌ وَوَضْعُ الْأَنْفِ مُسْتَحَبٌّ وَكَذَا مُجَافَاةُ الْمِرْفَقِ وَإِقْلَالُ الْبَطْنِ وَتَوْجِيهُ الْأَصَابِعِ وَفِي اشْتِرَاطِ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ هُنَاكَ بِفُرُوعِهِمَا وَحُكْمُ رَفْعِ الْأَسَافِلِ عَلَى مَا سبق هناك والطمأنينة ركن لابد مِنْهَا وَالذِّكْرُ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِرُكْنٍ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا وَهَذَا التَّكْبِيرُ مُسْتَحَبٌّ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وغيره عن أَبِي جَعْفَرٍ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ مَدُّ تَكْبِيرِ السُّجُودِ وَالرَّفْعُ منه يجئ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مَدُّ الْأَوَّلِ حَتَّى يَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى الْأَرْضِ وَمَدُّ الثَّانِي حَتَّى يَسْتَوِيَ قَاعِدًا وَهَلْ يَفْتَقِرُ إلَى السَّلَامِ وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ سُجُودِهِ فِيهِ قَوْلَانِ مشهوران نقلهما البويطى والمزنى كما حكاه المنصف أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُهُ مِمَّنْ صَحَّحَهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تلعيقهما وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ السَّلَامُ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّشَهُّدُ وَإِنْ شَرَطْنَا السَّلَامَ فَفِي اشْتِرَاطِ التَّشَهُّدِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا
الْمُصَنِّفُ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ فِي السَّلَامِ وَالتَّشَهُّدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يُشْتَرَطُ السَّلَامُ دُونَ التَّشَهُّدِ وَالثَّانِي يُشْتَرَطَانِ وَالثَّالِثُ لَا يُشْتَرَطَانِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ التَّشَهُّدُ فَهَلْ يُسْتَحَبُّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَصَحُّهُمَا لَا يُسْتَحَبُّ إذْ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ أَصْلٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ قِيلَ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَقِيلَ يُسَلِّمُ وَلَا يَتَشَهَّدُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَتَشَهَّدُ وَلَا يُسَلِّمُ فَيُنْكَرُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَوْهَمَ أَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَيْسَ لَهُ نَصٌّ غَيْرُهُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الْقَوْلَانِ فِي اشْتِرَاطِ السَّلَامِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَهُمَا هُوَ هَاهُنَا فِي الْمُهَذَّبِ وَالثَّانِي أَنَّهُ أَوْهَمَ أَوْ صَرَّحَ بِأَنَّ الرَّاجِحَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ اشْتِرَاطُ السَّلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْهُ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ الْبَقَرَةَ فلما مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا سَأَلَ وَلَا بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ " وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُتَابِعَ الْإِمَامَ فِي سُؤَالِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ
الْعَذَابِ لانه دعاء فسواء المأموم والامام فيه كالتأمين)
* (الشرح) قال الشافعي واصحابنا يسن للقارى فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا إذَا مَرَّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ تَعَالَى الرَّحْمَةَ أَوْ بِآيَةِ عَذَابٍ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ الْعَذَابِ أَوْ بِآيَةِ تَسْبِيحٍ أَنْ يُسَبِّحَ أَوْ بِآيَةٍ مَثَلُ أَنْ يَتَدَبَّرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْمُنْفَرِدِ وَإِذَا قَرَأَ (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) قَالَ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَإِذَا قرأ (فبأي حديث بعده يؤمنون) قَالَ آمَنَا بِاَللَّهِ وَكُلُّ هَذَا يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ قَارِئٍ فِي صَلَاتِهِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَالْمَأْمُومُ وَالْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَاسْتَوَوْا فِيهِ كَالتَّأْمِينِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البقرة فقلت يركع عند المائدة ثم مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَضَى بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِآيَةِ سُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَكَانَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ حِينَئِذٍ مُقَدَّمَةً عَلَى آلِ عِمْرَانَ وَعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ " قُمْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةً فَقَامَ فَقَرَأَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ رَحْمَةٍ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ وَلَا يَمُرُّ بِآيَةِ عَذَابٍ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ بِقَدْرِ قِيَامِهِ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَكَ ذَا الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ ثُمَّ قَالَ فِي سُجُودِهِ مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صحيحة وفى پواية النَّسَائِيّ ثُمَّ سَجَدَ بِقَدْرِ رُكُوعِهِ وَعَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ " سَمِعْتُ أَعْرَابِيًّا يَقُولُ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَقُولَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من قَرَأَ بِالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إلَى آخِرِهَا فَلْيَقُلْ وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لا أقسم بيوم القيامة فَانْتَهَى إلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فليقل بلي ومن قرأ والمرسلات فبلغ باى حديث بعده يؤمنون فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاَللَّهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ إنَّمَا يُرْوَى بِهَذَا الْإِسْنَادِ عَنْ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا يُسَمَّى (قُلْتُ) فَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْأَعْرَابِيَّ مَجْهُولٌ فَلَا يُعْلَمْ حَالُهُ وَإِنْ كَانَ أَصْحَابُنَا قَدْ احْتَجُّوا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يُكْرَهُ السُّؤَالُ عِنْدَ آيَةِ الرَّحْمَةِ وَالِاسْتِعَاذَةُ
فِي الصَّلَاةِ وَقَالَ بمذهبنا جمهور العلماء من السلف ممن بعدهم * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب لم تَجَدَّدَتْ عِنْدَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ ظَاهِرَةٌ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا رَوَى أَبُو بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا جاء الشئ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى " وَحُكْمُ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الشُّرُوطِ وَالصِّفَاتِ حُكْمُ سجود التلاوة خارج الصلاة)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيِّ بَكْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضعيف وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَلَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ سُجُودُ الشُّكْرِ سُنَّةٌ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ ظَاهِرَةٍ وَانْدِفَاعِ نِقْمَةٍ ظَاهِرَةٍ سَوَاءٌ خَصَّتْهُ النِّعْمَةُ وَالنِّقْمَةُ أَوْ عَمَّتْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا إذَا رَأَى مُبْتَلًى بِبَلِيَّةٍ فِي بَدَنِهِ أو بغيرها أبو بِمَعْصِيَةٍ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَلَا يُشْرَعُ السُّجُودُ لِاسْتِمْرَارِ النِّعَمِ لِأَنَّهَا لَا تَنْقَطِعُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَجَدَ لِنِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِغَيْرِهِ اُسْتُحِبَّ إظْهَارُ السُّجُودِ وَإِنْ سَجَدَ لِبَلِيَّةٍ فِي غَيْرِهِ وَصَاحِبُهَا غير معذور كالفاسق اظهر السجود السُّجُودَ فَلَعَلَّهُ يَتُوبُ وَإِنْ كَانَ مَعْذُورًا كَالزَّمِنِ وَنَحْوِهِ أَخْفَاهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بِهِ فَإِنْ خَافَ مِنْ إظْهَارِهِ لِلْفَاسِقِ مَفْسَدَةً أَوْ ضَرَرًا أَخْفَاهُ أَيْضًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَفْتَقِرُ سُجُودُ الشُّكْرِ إلَى شروط الصلاة وحكمه في الصفات وغيرهما حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَفِي السَّلَامِ مِنْهُ وَالتَّشَهُّدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَمَا فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ (الصَّحِيحُ) السَّلَامُ دُونَ التَّشَهُّدِ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطَانِ (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطَانِ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ سُجُودِ الشُّكْرِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ سَجَدَهَا فِيهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي مَسْأَلَةِ سَجْدَةِ ص وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ سَجَدَ بِهَا لِلشُّكْرِ فَفِي جَوَازِ السُّجُودِ وَجْهَانِ فِي الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرِهِمَا أَصَحُّهُمَا تَحْرُمُ وتبطل صلاته وهما كالوجهين فيمن دخل المسجد لَا لِغَرَضٍ آخَرَ
* (فَرْعٌ)
فِي صِحَّةِ سُجُودِ الشُّكْرِ عَلَى الرَّاحِلَةِ فِي السَّفَرِ بِالْإِيمَاءِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَأَمَّا سُجُودُ
التِّلَاوَةِ فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ جَازَ عَلَى الرَّاحِلَةِ تَبَعًا لِلصَّلَاةِ وَإِلَّا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ أَصَحُّهُمَا الْجَوَازُ وَجِهَةُ الْمَنْعِ نُدُورُهُ وَعَدَمُ الْحَاجَةِ إلَيْهِ غَالِبًا بِخِلَافِ صَلَاةِ النَّفْلِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ بِالْجَوَازِ وَمَسْأَلَةُ الْخِلَافِ فِيمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ فَإِنْ كَانَ فِي مَرْقَدٍ وَنَحْوِهِ وَأَتَمَّ السُّجُودَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْمَاشِي فِي السَّفَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ شُرُوطُهُ عَلَى الْأَرْضِ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ وَنُدُورِهِ (وَالثَّانِي) يُجْزِيهِ الْإِيمَاءُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ تَصَدَّقَ مَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ النِّعْمَةُ أَوْ انْدَفَعَتْ عَنْهُ النِّقْمَةُ أَوْ صَلَّى شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى كَانَ حَسَنًا يَعْنِي مَعَ فِعْلِهِ سَجْدَةَ الشُّكْرِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَضَعَ إنْسَانٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَتَقَرَّبَ بِسَجْدَةٍ بِغَيْرِ سَبَبٍ يَقْتَضِي سُجُودَ شُكْرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ شَيْخِي يَعْنِي أَبَا مُحَمَّدٍ يُشَدِّدُ فِي إنْكَارِ هَذَا السُّجُودِ وَاسْتَدَلُّوا لِهَذَا بِالْقِيَاسِ عَلَى الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ لَوْ تَطَوَّعَ بِرُكُوعٍ مُفْرَدًا كَانَ حَرَامًا بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ إلَّا مَا دَلَّ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِثْنَائِهِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْخِلَافِ فِي تَحْرِيمِ السَّجْدَةِ مَا يُفْعَلُ بَعْدَ صَلَاةٍ وَغَيْرِهِ وَلَيْسَ مِنْ هَذَا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْجَهَلَةِ مِنْ السُّجُودِ بَيْنَ يَدَيْ الْمَشَايِخِ بَلْ ذَلِكَ حَرَامٌ قَطْعًا بِكُلِّ حَالٍ سَوَاءٌ كَانَ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ قَصَدَ السُّجُودَ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ غَفَلَ وَفِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ أَوْ يُقَارِبُهُ عَافَانَا اللَّهُ الْكَرِيمُ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ فَاتَتْ سَجْدَةُ الشُّكْرِ فَهَلْ يُشْرَعُ قَضَاؤُهَا فِيهِ طَرِيقَانِ " قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ الْخِلَافُ فِي قَضَاءِ الرَّوَاتِبِ وَقَطَعَ غَيْرُهُ بِأَنَّهُ لَا تُقْضَى وَالْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ يَتَطَوَّعُ بِمِثْلِهِ ابْتِدَاءً أَمْ لَا فَعِنْدَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ يَتَطَوَّعُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فَيُشْبِهُ الرَّوَاتِبَ وَعِنْدَ غَيْرِهِ يَحْرُمُ التَّطَوُّعُ بِسَجْدَةٍ فَلَا تُقْضَى كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي سُجُودِ الشُّكْرِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ تَجَدُّدِ نِعْمَةٍ أَوْ انْدِفَاعِ نِقْمَةٍ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عن أبي بكر الصديق وعلي وَكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنهم وَعَنْ اسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ مَذْهَبُ اللَّيْثِ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) الْكَرَاهَةُ وَلَمْ يَذْكُرْ ابن المنذر غيرها: (والثانية) أنه ليس بسنة وَاحْتُجَّ لِمَنْ كَرِهَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " شَكَا إلَيْهِ رَجُلٌ الْقَحْطَ وَهُوَ يخطب فرفع يديه ودعى فَسُقُوا فِي الْحَالِ وَدَامَ الْمَطَرُ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ يَرْفَعْهُ عَنَّا فدعي فرفعه فِي الْحَالِ " وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْجُدْ لِتَجَدُّدِ نِعْمَةِ الْمَطَرِ أَوَّلًا وَلَا لِدَفْعِ نِقْمَتِهِ آخِرًا قَالُوا وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَخْلُو مِنْ نِعْمَةٍ فَإِنْ كُلِّفَهُ لَزِمَ الْحَرَجُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ وَقَدْ بيناه وعن سعيد بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَكَّةَ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ فَلَمَّا كُنَّا قريبا من عروزاء نَزَلَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ سَاعَةً ثُمَّ خَرَّ سَاجِدًا فَمَكَثَ طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَرَفَعَ يَدَيْهِ قَالَ إنِّي سَأَلْتُ رَبِّي وَشَفَعْتُ لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي ثُلُثَ أُمَّتِي فَخَرَرْتُ لِرَبِّي شُكْرًا ثُمَّ رَفَعْتُ رَأْسِي فَسَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي فَأَعْطَانِي الثُّلُثَ الْآخَرَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا لِرَبِّي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد لَا نَعْلَمُ ضَعْفَ أَحَدٍ مِنْ رُوَاتِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَمَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ حَسَنٌ كَمَا قَدَّمْنَا بَيَانَهُ غَيْرَ مَرَّةٍ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خر ساجدا جَاءَهُ كِتَابُ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنْ اليمن بسلام همذان رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ تَوْبَتِهِ قَالَ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ سُجُودَ الشُّكْرِ مِنْ فِعْلِ أَبِي بَكْرٍ الصديق وعمر وعلي رضي الله عنهم وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بَيَانًا لِلْجَوَازِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي السُّجُودِ حينئذ مشقة
أَوْ اكْتَفَى بِسُجُودِ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ بِأَحَدِ هَذِهِ الْأَوْجُهِ أَوْ غَيْرِهَا مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ
*
(فَصْلٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِسُجُودِ التِّلَاوَةِ
(إحْدَاهَا) إذَا قَرَأَ آيَاتِ السَّجَدَاتِ فِي مَكَان وَاحِدٍ سَجَدَ لِكُلِّ سَجْدَةٍ فَلَوْ كَرَّرَ الْآيَةَ الْوَاحِدَةَ فِي الْمَجْلِسِ نُظِرَ إنْ لَمْ يَسْجُدْ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ سَجَدَ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَسْجُدُ مَرَّةً أُخْرَى لِتَجَدُّدِ السَّبَبِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَالثَّانِي تَكْفِيه الْأُولَى قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالثَّالِثُ إنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا سَجَدَ ثَانِيًا وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ كَرَّرَ آيَةً فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ فَكَالْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَتَيْنِ سَجَدَ لِلثَّانِيَةِ أَيْضًا كَالْمَجْلِسَيْنِ وَلَوْ قَرَأَ مَرَّةً فِي الصَّلَاةِ وَمَرَّةً خَارِجَهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَسَجَدَ لِلْأُولَى قَالَ الرَّافِعِيُّ لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِلْأَصْحَابِ قال واطلاقهم يقتضى طرد الخلاف فيه (الثانية) يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدَ عَقِبَ قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ أَوْ اسْتِمَاعِهَا فَإِنْ أَخَّرَ وَقَصُرَ الْفَصْلُ سَجَدَ وَإِنْ طَالَ فَاتَتْ وَهَلْ تُقْضَى فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَتَابَعُوهُ عَلَيْهِمَا (أَظْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَآخَرُونَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا تُفْعَلُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَضَبْطُ طُولِ الْفَصْلِ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ سَجَدَ بَعْدَ سَلَامِهِ إنْ قَصُرَ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ ففيه الخلاف ولو كان القارئ والمستمع مُحْدِثًا حَالَ الْقِرَاءَةِ فَإِنْ تَطَهَّرَ عَلَى قُرْبٍ سَجَدَ وَإِلَّا فَالْقَضَاءُ عَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي فَقَرَأَ قَارِئٌ السَّجْدَةَ وَسَمِعَهُ فَقَدْ قَدَّمْنَا انه لا يجوز ان يسجد لذلك فَإِنْ سَجَدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ وَفَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ هَلْ يَسْجُدُ فِيهِ طُرُقٌ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَحْسُنُ أَنْ يَسْجُدَ وَلَا يَتَأَكَّدُ كَمَا يُجِيبُ الْمُؤَذِّنَ إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يَسْجُدُ قَطْعًا وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ
وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّ قِرَاءَةَ غَيْرِ إمَامِهِ لَا تَقْتَضِي سُجُودَهُ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ مَا تقتضي إذا فكيف يقضى (الثالثة) لَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فِي الصَّلَاة قَبْلَ الْفَاتِحَةِ سَجَدَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَرَأَهَا فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ قِرَاءَةٍ وَلَوْ قَرَأَ السَّجْدَةَ فَهَوَى لِيَسْجُدَ فَشَكَّ هَلْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لِلتِّلَاوَةِ ثُمَّ يَعُودُ إلَى الْقِيَامِ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ
وَغَيْرُهُ (الرَّابِعَةُ) لَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ لَمْ يَسْجُدْ عِنْدَنَا كَمَا لَوْ فَسَّرَ آيَةَ سَجْدَةٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْجُدُ (الْخَامِسَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ السَّجْدَةِ عِنْدَنَا لِلْإِمَامِ كَمَا لَا يُكْرَهُ لِلْمُنْفَرِدِ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً وَيَسْجُدُ مَتَى قَرَأَهَا وَقَالَ مَالِكٌ يُكْرَهُ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ فِي السِّرِّيَّةِ دُونَ الْجَهْرِيَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَعَلَى مَذْهَبِنَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ السُّجُودِ حَتَّى يُسَلِّمَ لِئَلَّا يُهَوِّشَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ (السَّادِسَةُ) مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ سُجُودُ التِّلَاوَةِ فِي أَوْقَاتِ النهى عن الصلاة وبه قال سالم ابن عُمَرَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُكْرَهُ مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةٍ اسحاق وَأَبُو ثَوْرٍ رضي الله عنهم (السَّابِعَةُ) لَا يَقُومُ الرُّكُوعُ مَقَامَ السُّجُودِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقُومُ مَقَامَهُ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ الْقِيَاسُ عَلَى سُجُودِ الصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تعالى وخر راكعا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْخُضُوعُ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ هَذَا شرع من قبلنا فان سلمنا انه (1) حَمَلْنَا الرُّكُوعَ هُنَا عَلَى السُّجُودِ كَمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْمَقْصُودُ الْخُضُوعُ فَجَوَابُهُ أَنَّ الرُّكُوعَ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْخُضُوعِ مَا فِي السُّجُودِ فَأَمَّا الْعَاجِزُ عَنْ السُّجُودِ فَيُومِئُ بِهِ كَمَا فِي سُجُودِ الصَّلَاةِ (الثَّامِنَةُ) إذَا سَجَدَ الْمُسْتَمِعُ مَعَ الْقَارِئِ لَا يَرْتَبِطُ بِهِ وَلَا يَنْوِي الِاقْتِدَاءَ بِهِ وَلَهُ
الرَّفْعُ مِنْ السُّجُود قَبْلَهُ (التَّاسِعَةُ) لَوْ سَجَدَ لِتِلَاوَةٍ فَقَرَأَ فِي سُجُودِهِ سَجْدَةً أُخْرَى لَمْ يَسْجُدْ ثَانِيًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى صاحب البحر وجها ان يَسْجُدُ ثَانِيًا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (الْعَاشِرَةُ) لَوْ قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ سَجْدَةً قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَا يَسْجُدُ فِيهَا وَهَلْ يَسْجُدْ بَعْدَ فَرَاغِهَا قَالَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَسْجُدُ قَالَ وَأَصْلُهُمَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ الَّتِي لَا تُشْرَعُ هَلْ يُسْجَدُ لِتِلَاوَتِهَا فِيهِ وَجْهَانِ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) لَوْ أَرَادَ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى قراءة آية أو ايتين فبهما سَجْدَةٌ لِيَسْجُدَ لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا وَقَدْ حَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ البصري وابن سرين وَالنَّخَعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا ذَلِكَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي وَقْتِ الصَّلَاةِ وَلَا فِي صَلَاةٍ فَإِنْ كَانَ فِي وقت الكراهة فينبغي ان يجئ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ فِي هَذَا الْوَقْتِ لِيُصَلِّيَ التَّحِيَّةَ لَا لِغَرَضٍ آخَرَ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ لَوْ سَمِعَ رَجُلٌ قِرَاءَةَ امْرَأَةٍ السَّجْدَةَ اُسْتُحِبَّ لَهُ السُّجُودُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ قَتَادَةَ وَمَالِكٍ وَإِسْحَاقَ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ (فَرْعٌ)
فِي فَضْلِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلَاهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ "
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ الْمُسَافِرُ قَارِئًا فَقَرَأَ السَّجْدَةَ فِي صَلَاةٍ سَجَدَ بِالْإِيمَاءِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ سَجَدَ بِالْإِيمَاءِ أَيْضًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد يَسْجُدُ مطلقا
*
*
(باب ما يفسد الصلاة ويكره فيها)
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا قطع شرطا من شروطها كالطهارة والستارة وغيرهما بطلت صلاته)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ السِّتَارَةُ هُوَ بِكَسْرِ السِّين وَهِيَ السُّتْرَةُ وَتَقْدِيرُهُ الِاسْتِتَارُ بِالسِّتَارَةِ وَلَوْ قَالَ السِّتْرُ كَانَ أَحْسَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ دَخَلَ فِيهَا بِخِلَافِهِ أَوْ دَخَلَ فِيهَا وَهُوَ مَوْجُودٌ ثُمَّ أَخَلَّ بِهِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ عَدَمٌ عِنْدَ عَدَمِ شَرْطِهِ وَإِنْ اخْتَلَّ الشَّرْطُ لِعُذْرٍ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ سَبَقَ فِي مَوَاضِعِهِ فَأَمَّا طَهَارَةُ الْحَدَثِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ فَسَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَى حَسَبِ حاله والاعادة
وَلَوْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ فبان محدث لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا طَهَارَةُ النَّجَسِ فَلَوْ عَجَزَ عَنْهَا لِعَجْزِهِ عَنْ الْمَاءِ أَوْ حُبِسَ فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ فَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَتَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَاهِلًا بِهَا أَوْ نَاسِيًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَمَّا سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَسَبَقَ فِي بَابِهِ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْهُ صَلَّى عَارِيًّا وَلَا إعَادَةَ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى عَارِيًّا وَعِنْدَهُ سُتْرَةٌ نَسِيَهَا أَوْ جَهِلَهَا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فَإِنْ تَحَيَّرَ وَصَلَّى
بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ اجْتَهَدَ وَتَيَقَّنَ الْخَطَأَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الْوَقْتِ فَإِنْ اجْتَهَدَ فِيهِ وَتَيَقَّنَ أَنَّهُ غَلِطَ وَصَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَتْ كُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي أَبْوَابِهَا وَإِنَّمَا أَرَدْتُ جَمْعَهَا ملخصة في موضع واحد وبالله التوفيق
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن سبقه الحدث ففيه قولان قال في الجديد تبطل صلاته لانه حدث يبطل الطهارة فابطل صلاته كحدث العمد وقال في القديم لا تبطل صلاته بل ينصرف ويتوضأ ويبنى علي صلاته لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قاء أحدكم في صلاته أو قلس فلينصرف وليتوضأ وليبن علي ما مضي ما لم يتكلم " ولانه حدث حصل بغير اختياره فاشبه سلس البول فان اخرج علي هذا بقية الحدث الاول لم تبطل صلاته لان حكم البقية حكم الاول فإذا لم تبطل بالاول لم تبطل بالبقية ولان به حاجة الي اخراج البقية لتكمل طهارته)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ ضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةَ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ اختلف أهل الحديث في الاحتجاج باسماعيل ابن عَيَّاشٍ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ فِي كُلِّ مَا يَرْوِيهِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَعَّفَهُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ أَهْلِ الشَّامِ خَاصَّةً وَابْنُ جُرَيْجٍ حِجَازِيٌّ مَكِّيٌّ مَشْهُورٌ فَيَحْصُلُ الِاتِّفَاقُ عَلَى ضَعْفِ رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ وَرَوَاهُ جَمَاعَةٌ عَنْ ابْنِ عياش عن ابن جريج عن ابنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحَدُ مَا أُنْكِرَ عَلَى إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَالْمَحْفُوظُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَأَمَّا من رواه مُتَّصِلًا فَضُعَفَاءُ مَشْهُورُونَ بِالضَّعْفِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَالْغَزَالِيِّ فِي الْبَسِيطِ إنَّهُ مَرْوِيٌّ فِي الْكُتُبِ الصِّحَاحِ فَغَلَطٌ ظَاهِرٌ فَلَا يُغْتَرُّ بِهِ وَقَوْلُهُ قَلَسَ هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَاللَّامِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ يُقَالُ قَلَسَ يَقْلِسُ بِكَسْرِ اللام أي تقايا والقلس باسكان اللام القئ وَقِيلَ هُوَ مَا خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ وَلَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ قَالَهُ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ
فِي الْحَدِيثِ أَوْ قَلَسَ لِلتَّقْسِيمِ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ لِلشَّكِّ مِنْ الرَّاوِي وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَدَثٌ يُبْطِلُ الطَّهَارَةَ احْتِرَازٌ مِنْ حَدَثِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ قَطْعًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ في بطلان
الصلاة
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِنْ أَحْدَثَ الْمُصَلِّي فِي صَلَاتِهِ بِاخْتِيَارِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثُهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ فِي صَلَاةٍ أَمْ لَا وَإِنْ أَحْدَثَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بِأَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي صَلَاتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَالْقَدِيمُ لَا تَبْطُلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا فَعَلَى الْقَدِيمِ لَا تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ حَدَثًا أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ بَلْ يَنْصَرِفُ فَيَتَطَهَّرُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرُّكُوعِ مَثَلًا قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ يَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ لَمْ يَكُنْ اطْمَأَنَّ وَجَبَ الْعَوْدُ إلَى الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ اطْمَأَنَّ فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَعُودُ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْأَصَحُّ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ لِأَنَّ الرَّفْعَ إلَى الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ مَقْصُودٌ وَلِهَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَقْصِدَ صَرْفَهُ عَنْ ذَلِكَ وَهَذَا الرَّفْعُ حَصَلَ فِي حَالِ الْحَدَثِ فَلَمْ يُعْتَدَّ بِهِ فَيَجِبُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ اطْمَأَنَّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا ذَهَبَ لِيَتَطَهَّرَ وَيَبْنِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَسْعَى فِي تَقْرِيبِ الزَّمَانِ وَتَقْلِيلِ الْأَفْعَالِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَعُودَ بَعْدَ طَهَارَتِهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ فِيهِ إنْ قَدَرَ عَلَى الصَّلَاةِ فِي أَقْرَبَ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إمَامًا لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَوْ مَأْمُومًا يَقْصِدُ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ فَلَهُمَا الْعَوْدُ وَكُلُّ مَا لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى الْمَاءِ وَاسْتِقَائِهِ وَنَحْوِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدْوُ وَالْبِدَارُ الْخَارِجُ عَنْ الْعَادَةِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْبِنَاءِ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ خِلَافًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَأَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ فَيَجُوزُ وَلَوْ أَخْرَجَ بَقِيَّةَ الْحَدَثِ الْأَوَّلِ مُتَعَمِّدًا لَمْ يُمْنَعْ الْبِنَاءُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْقَدِيمِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يُمْنَعُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاخْتَلَفُوا فِي عِلَّتِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَصَحُّهُمَا أَنَّ طَهَارَتَهُ بَطَلَتْ وَلَا أَثَرَ لِلْحَدَثِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى إخْرَاجِ الْبَقِيَّةِ لِئَلَّا يَسْبِقَهُ مَرَّةً أُخْرَى فَلَوْ أَحْدَثَ حَدَثًا آخَرَ فَفِي مَنْعِهِ الْبِنَاءَ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْعِلَّتَيْنِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ جاز البناء ولا فلا ولو رعف المصلي اوقاء أَوْ غَلَبَتْهُ نَجَاسَةٌ أُخْرَى جَازَ لَهُ عَلَى الْقَدِيمِ أَنْ يَخْرُجَ وَيَغْسِلَ نَجَاسَتَهُ وَيَبْنِيَ عَلَى صلاته بالشروط السابقة في الحدث نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعُ الْقَدِيمِ الضَّعِيفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْبِنَاءِ لِمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ الْجَدِيدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ بَلْ يَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ ابْنِ شُبْرُمَةَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْأَوْزَاعِيُّ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سلمة بن عبد الرحمن وعطاء وطاووس وَأَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِمْ رضى الله عَنْهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرَ دَلِيلِ الْمَذْهَبَيْنِ والحديث ضعيف والصحابة رضى الله عَنْهُمْ مُخْتَلِفُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ فَيُصَارُ لِلْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَحَّاهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهَا مُلَاقَاةُ نَجَاسَةٍ هو معذور فيها فلم تقطع الصلاة كساس الْبَوْلِ وَإِنْ كَشَفَتْ الرِّيحُ الثَّوْبَ عَنْ الْعَوْرَةِ ثُمَّ رَدَّهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِيهِ فَلَمْ تُقْطَعْ الصَّلَاةُ كَمَا لَوْ غُصِبَ مِنْهُ الثَّوْبُ فِي الصَّلَاةِ)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَفَضَهَا فِي الْحَالِ أَوْ وَقَعَتْ رُطُوبَةٌ عَلَى بَعْضِ مَلْبُوسِهِ فَأَلْقَى فِي الْحَالِ أَوْ كَشَفَتْ الرِّيحُ عَوْرَتَهُ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ تَأَخَّرَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ يَبْنِي كَمَنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ غُصِبَ ثَوْبُهُ مِنْهُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَتَمَّ صَلَاتَهُ عَارِيًّا صَحَّتْ وَلَا إعَادَةَ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فِي صَلَاتِهِ فَإِنَّهَا تَبْطُلُ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ لِلْمُكْرَهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ نَحَّاهَا يَعْنِي نَفَضَهَا وَلَمْ يَحْمِلْهَا فَإِنْ حَمَلَهَا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ لِحَمْلِهَا بِلَا ضَرُورَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا طَرَأَ فِي الصَّلَاةِ حَدَثٌ أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ فَحُكْمُهُ مَا سَبَقَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ إلَّا حَدَثَ الِاسْتِحَاضَةِ وَسَلَسَ الْبَوْلِ فَلَا يَضُرُّ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ فِي بَابِ الْحَيْضِ وَإِنْ طَرَأَ فِيهَا غَيْرُ الْحَدَثِ مِنْ الْأَسْبَابِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا أَبْطَلَهَا إنْ كَانَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ إذَا نُسِبَ فِيهِ إلَى تَقْصِيرٍ كَمَنْ مَسَحَ خُفَّهُ فَانْقَضَتْ مُدَّتُهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ دَخَلَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْحَدَثَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى التَّمَاسُكِ إلَى فَرَاغِهَا وَوَقَعَ الْحَدَثُ فَلَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا لِتَقْصِيرِهِ وَلَوْ تَخَرَّقَ خُفُّ الْمَاسِحِ
فِيهَا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا عَلَى قَوْلَيْ سَبْقِ الْحَدَثِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ قَطْعًا لتقصيره في تعهده قبل الدخول الصَّلَاةِ وَإِنْ طَرَأَ مُنَاقِضٌ لَا بِاخْتِيَارِهِ وَلَا بِتَقْصِيرِهِ فَإِنْ أَزَالَهُ فِي الْحَالِ كَمَنْ كَشَفَتْ الرِّيحُ عَوْرَتَهُ فَسَتَرَهَا فِي الْحَالِ أَوْ وَقَعَتْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ يَابِسَةٌ فَنَفَضَهَا فِي الْحَالِ أَوْ رَطْبَةٌ فَأَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الْحَالِ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ
وَإِنْ نَحَّاهَا بِيَدِهِ أَوْ كُمِّهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ احْتَاجَ فِي إزَالَتِهِ إلَى زَمَنٍ بِأَنْ تَنَجَّسَ ثَوْبُهُ أَوْ بَدَنُهُ يَجِبُ غَسْلُهَا أَوْ أَبْعَدَتْ الرِّيحُ ثَوْبَهُ فَعَلَى قَوْلَيْ سَبْقِ الْحَدَثِ أَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْ جُرْحِهِ دَمٌ كَثِيرٌ فَتَدَفَّقَ وَلَمْ يُلَوِّثْ بَشَرَتَهُ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان ترك فرضا من فروضها كالركوع والسجود وغيرهما بطلت صلاته لقوله صلي الله عليه وسلم للمسئ صلاته أعد صلاتك فانك لم تصل وان ترك القراءة ناسيا ففيه قولان وقد مضى في القراءة) .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْأَعْرَابِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَقَدْ تَكَرَّرَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا تَرَكَ فَرْضًا مِنْ فُرُوضِ الصَّلَاةِ كَرُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ وَنَحْوِهِمَا نُظِرَ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا وَانْتَقَلَ إلَى مَا بَعْدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا وَسَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ وَطَالَ الْفَصْلُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا فَذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لَمْ تَبْطُلْ بَلْ يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ نحوهما مِنْ الْأَرْكَانِ غَيْرَ النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْقِرَاءَةِ أَمَّا النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَةُ فَمَنْ تَرَكَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا فِي الصَّلَاةِ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهَا سَهْوًا فَقَوْلَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَتَفْصِيلُهُمَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَبِاَللَّهِ التوفيق
*
* قال المنصف رحمه الله
* (وان تكلم في صلاته أو قهقه فيها أو شهق بالبكاء وهو ذاكر للصلاة عالم بالتحريم بطلت صلاته لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الكلام ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء " وروى الضحاك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء وان فعل ذلك وهو ناس انه في الصلاة ولم يطل لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " انصرف من اثنتين فقال له
ذو اليدين اقصبرت الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اصدق ذو اليدين فقالوا نعم فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم " وان فعل ذلك وهو جاهل بالتحريم ولم يطل لم تبطل صلاته لما روى معاوية بن الحكم رضي الله عنه قال " بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك الله فحدقنى القوم بأبصارهم فقلت واثكلى امياه ما بالكم تنظرون الي فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم فلما أنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاني - بأبى وأمي هو ما رأيت معلما أحسن تعليما منه والله ما ضربني ولا كهرنى - قال ان صلاتنا هذه لا يصلح
فيها شئ من كلام الناس انما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " فان سبق لسانه من غير قصد إلى الكلام أو غلبه الضحك لم تبطل لانه غير مفرط فيه فهو كالناسي والجاهل وان اطال الكلام وهو ناس أو جاهل بالتحريم أو مغلوب ففيه وجهان المنصوص في البويطى ان صلاته تبطل لانه كلام الناسي والجاهل والمغلوب كالعمل القليل ثم العمل القليل إذا كثر أبطل الصلاة فكذلك الكلام ومن أصحابنا من قال لا تبطل كأكل الناسي لا يبطل الصوم قل أو كثر وان تنحنح أو تنفس أو نفخ أو بكى أو تبسم عامدا ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته لما روى عبد الله بن عمر قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فلما سجد جعل ينفخ في الارض ويبكى وهو ساجد فلما قضى صلاته قال والذى نفسي بيده لقد عرضت علي النار حتى اني لاطفيها خشية ان تغشاكم " ولان ما لا يبين منه حرفان ليس بكلام فلا تبطل به الصلاة) (الشَّرْحُ) أَمَّا الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ فَضَعِيفٌ سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَضْعِيفُهُ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَيُغْنِي عنه ما سنذكره من الاحاديث الحصيحة فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعالي وأما حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فِي الْبُكَاءِ فِي الصَّلَاةِ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِلَفْظِهِ وَأَبُو دَاوُد بِنَحْوِهِ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَفِي الصَّحِيحِ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَقَوْلُهُ انْصَرَفَ مِنْ اثْنَتَيْنِ أَيْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ نَاسِيًا وَقَوْلُهُ ذُو الْيَدَيْنِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي
الصَّحِيحِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ واسكان الراء والباء الْمُوَحَّدَةِ ثُمَّ أَلِفٍ ثُمَّ قَافٍ وَقَوْلُهُ أَقُصِرَتْ هُوَ بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَرُوِيَ بِفَتْحِ القاف وضم الصاد وكلاهما صحيح بَيْنَا أَنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ بَيْنَ أَوْقَاتِ كَوْنِي مَعَهُ وَقَدْ سَبَقَ بَسْطُ شَرْحِ
هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ فَحَدَّقَنِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ حَدَّقَنِي بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَالدَّالُ مُخَفَّفَةٌ وَكَذَا رَوَيْنَاهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي عَوَانَةَ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِمَا فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرٌ وَأَمَّا رِوَايَةُ حَدَّقَنِي فَمُشْكِلَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ حَدَّقَ بِمَعْنَى نَظَرَ وَنَحْوِهِ إنَّمَا قَالُوا حَدَّقَ بِالتَّشْدِيدِ إذَا نَظَرَ نَظَرًا شَدِيدًا لَكِنَّهُ لَازِمٌ غَيْرُ مُتَعَدٍّ يُقَالُ حَدَّقَ إلَيْهِ وَلَا يُقَالُ حَدَّقَهُ وَزَعَمَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ مَعْنَى حَدَّقَنِي رَمَوْنِي بِأَحْدَاقِهِمْ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ حَدَّقَنِي بِمَعْنَى أَصَابَ حَدَقَتِي وَقَالَ شَيْخُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ إمَامُ الْعَرَبِيَّةِ فِي زَمَانِنَا بِلَا مُدَافَعَةٍ يَصِحُّ حَدَقَنِي مُخَفَّفًا بِمَعْنَى أَصَابَنِي بِحَدَقَتِهِ كَقَوْلِهِمْ عَنَتْهُ أَصَبْتُهُ بِالْعَيْنِ وَرَكَبَهُ البعير اصابني بركبته قوله واثكل أُمِّيَاهُ هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ وَالثُّكْلُ بِضَمِّ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَإِسْكَانِ الْكَافِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ كَالنُّجْلِ وَالنَّجَلِ حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ فِقْدَانُ المرأة وَامْرَأَةٌ ثَكْلَى إذَا فَقَدَتْهُ وَقَوْلُهُ بِأَبِي وَأُمِّي أي أفديه بهما قوله كهرنى أي ما امتهرنى وفى هذا الحديث وحديث ذى اليدين مِنْ الْأَحْكَامِ وَالْقَوَاعِدِ وَمُهِمَّاتِ الْفَوَائِدِ وَقَدْ ذَكَرْتُهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَأَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله لِلْمُتَكَلِّمِ فِي الصَّلَاةِ حَالَانِ (إحْدَاهُمَا) أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَعْذُورٍ فَيُنْظَرُ إنْ نَطَقَ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَرْفُ مفهما كقوله ق أوش أوع بِكَسْرِهِنَّ فَإِنَّهُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ نَطَقَ بِمُفْهِمٍ فَأَشْبَهَ الْحُرُوفَ وَإِنْ نَطَقَ بِحَرْفَيْنِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ أَفْهَمَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقَعُ عَلَى الْفَهْمِ وَغَيْرِهِ هَذَا مَذْهَبُ اللُّغَوِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ وَإِنْ كَانَ النَّحْوِيُّونَ يَقُولُونَ لَا يَكُونُ إلَّا مُفْهِمًا وَلَوْ نَطَقَ بِحَرْفٍ وَمَدَّةٍ بَعْدَهُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (اصحها) تبطل لانه كحرفين (والثاني) لا لانه حرف
(والثالث) قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ أَتْبَعَهُ بِصَوْتِ غُفْلٍ وهو الذى لا نقصع فِيهِ بِحَيْثُ لَا يَقَعُ عَلَى صُورَةِ الْمَدِّ لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ أَتْبَعَهُ بِحَقِيقَةِ الْمَدِّ بَطَلَتْ قَالَ لِأَنَّ الْمَدَّ يَكُونُ أَلِفًا أَوْ وَاوًا أَوْ يَاءً وَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ إشْبَاعًا لِلْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فَهِيَ مَعْدُودَةٌ حُرُوفًا وَأَمَّا الضَّحِكُ وَالْبُكَاءُ وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالنَّفْخُ وَنَحْوُهَا فَإِنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَسَوَاءٌ بَكَى لِلدُّنْيَا أَوْ لِلْآخِرَةِ: وَأَمَّا التَّنَحْنُحُ فَحَاصِلُ الْمَنْقُولِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ إنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بان حَرْفَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالثَّالِثُ إنْ كَانَ فَمُهُ مُطْبَقًا لَمْ تَبْطُلْ مُطْلَقًا وَإِلَّا
فَإِنْ بَانَ حَرْفَانِ بَطَلَتْ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا بِالتَّنَحْنُحِ فَهُوَ إنْ كَانَ مُخْتَارًا بِلَا حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ تَبْطُلْ قَطْعًا وَلَوْ تَعَذَّرَتْ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ فَيَتَنَحْنَحُ وَلَا يَضُرُّهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ الْقِرَاءَةُ وَتَعَذَّرَ الْجَهْرُ إلَّا بِالتَّنَحْنُحِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَوْ تَنَحْنَحَ إمَامُهُ وَظَهَرَ مِنْهُ حَرْفَانِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ مُفَارَقَتُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ ظَاهِرًا وَأَصَحُّهُمَا أَنَّ لَهُ الدَّوَامَ عَلَى مُتَابَعَتِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ صَلَاتِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَعْذُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آتِيهِ فِيهَا فَإِنْ وَجَدْتُهُ يُصَلِّي تَنَحْنَحَ فَدَخَلْتُ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لِضَعْفِ رَاوِيهِ وَاضْطِرَابِ إسْنَادِهِ وَمَتْنِهِ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) فِي الْكَلَامِ بِعُذْرٍ فَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْكَلَامِ بِغَيْرِ قَصْدٍ أَوْ غَلَبَهُ الضَّحِكُ أَوْ الْعُطَاسُ أَوْ السُّعَالُ وَبَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ أَوْ تكلم ناسيا؟ ؟ ؟ فِي الصَّلَاةِ أَوْ جَاهِلًا تَحْرِيمَ الْكَلَامِ فِيهَا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ أَيْضًا فِي غَيْرِ الْبُوَيْطِيِّ والثانى لا تبطل وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالرُّجُوعُ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ إلَى الْعُرْفِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِيهِ قَوْلًا آخَرَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ أَنَّ حَدَّ طُولِ الْفَصْلِ هُنَا أَنْ يَمْضِيَ قَدْرُ رَكْعَةٍ
وَوَجْهَانِ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَدْرُ الصَّلَاةِ
* وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ عَدَمَ الْبُطْلَانِ عَلَى أَكْلِ الصَّائِمِ كَثِيرًا فَهُوَ جَارٍ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَطَرِيقَةِ غَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي أَنَّ أَكْلَ النَّاسِي لَا يُفْطِرُهُ وَإِنْ كَثُرَ وَجْهًا وَاحِدًا وَعِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَانِ سَنُوَضِّحُهُمَا فِي كِتَابِ الصِّيَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يَكُونُ الْجَهْلُ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ عُذْرًا فِي قَرِيبِ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَأَمَّا مَنْ طَالَ عَهْدُهُ فِي الْإِسْلَامِ فَتَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ وَلَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ وَلَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ مُبْطِلًا لِلصَّلَاةِ بَطَلَتْ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ وَعِصْيَانِهِ كَمَا لَوْ عَلِمَ تَحْرِيمَ الْقَتْلِ وَالزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَأَشْبَاهِهَا وَجَهِلَ الْعُقُوبَةَ فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ وَلَا يُعْذَرُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ جَهِلَ كَوْنَ التَّنَحْنُحِ مُبْطِلًا وَهُوَ طَوِيلُ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ فَهَلْ يُعْذَرُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا لِتَقْصِيرِهِ فِي التَّعَلُّمِ وَأَصَحُّهُمَا يُعْذَرُ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ مَعَ عِلْمِهِمْ بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ وَلَوْ عَلِمَ أَنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ مُحَرَّمٌ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُحَرَّمٌ فَوَجْهَانِ الْأَصَحُّ يُعْذَرُ وَلَا تَبْطُلُ أَمَّا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْكَلَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ أَصَحُّهُمَا وَبِهِ قطع
الْبَغَوِيّ تَبْطُلُ لِنُدُورِهِ وَكَمَا لَوْ أُكْرِهَ أَنْ يُصَلِّيَ بِلَا وُضُوءٍ أَوْ قَاعِدًا أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْإِعَادَةُ قَطْعًا لِنُدُورِهِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَكَذَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى فِعْلٍ يناقض الصلاة بطلت لانه قادر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ كَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَجَابَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَلَّمَ عَلَى أُبَيِّ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ يُجِبْهُ فَخَفَّفَ الصَّلَاةَ وَانْصَرَفَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا مَنَعَكَ أَنْ تُجِيبَنِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنْت أُصَلِّي قَالَ أَفَلَمْ تَجِدْ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ قَالَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا أَعُودُ " وَإِنْ رَأَى الْمُصَلِّي ضَرِيرًا يَقَعُ فِي بِئْرٍ فَأَنْذَرَهُ بِالْقَوْلِ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فهو كَإِجَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يقع في البئر وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ أُبَيِّ رضي الله عنهما رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِهِ هُنَا وَزَادَ عَلَيْهِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عن ابى سعيد
ابن الْمُعَلَّى أَنَّهُ كَانَ " يُصَلِّي فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَعَاهُ فَلَمْ يُجِبْهُ وَذَكَرَ مَعْنَى قِصَّةِ أُبَيِّ " وَقَدْ أَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ عل الْمُصَنِّفِ احْتِجَاجَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَرْكَهُ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى وَأَوْهَمَ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ضَعِيفٌ وَصَرَّحَ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى فِي الصَّحِيحَيْنِ فَغَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا تَوْهِينُهُ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَالثَّانِي دَعْوَاهُ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ الْمُعَلَّى فِي الصَّحِيحَيْنِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي عَصْرِهِ إنْسَانًا فِي صَلَاةٍ أَوْ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إجَابَتُهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تَجِبُ إجَابَتُهُ وَتَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَالُوا وَلِهَذَا يُخَاطِبُهُ فِي الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ بَلْ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ: وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْأَعْمَى فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ رَأَى الْمُصَلِّي مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ كَأَعْمَى يُقَارِبُ أَنْ يَقَعَ فِي بِئْرٍ أَوْ صَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ قَارَبَ الْوُقُوعَ فِي نار ونحوها
أَوْ نَائِمٍ أَوْ غَافِلٍ قَصَدَهُ سَبُعٌ أَوْ حَيَّةٌ أَوْ ظَالِمٌ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إنْذَارُهُ إلَّا بِالْكَلَامِ وَجَبَ الْكَلَامُ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ بِدَلِيلِهِمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي لَا تَبْطُلُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ واصحهما عند الرافعى تبطل * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَلَّمَهُ إنْسَانٌ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَأَرَادَ أن يعلمه انه في الصلاة أو سهى الْإِمَامُ فَأَرَادَ أَنْ يُعْلِمَهُ السَّهْوَ اُسْتُحِبَّ لَهُ إنْ كَانَ رَجُلًا أَنْ يُسَبِّحَ وَتُصَفِّقُ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً فَتَضْرِبُ ظَهْرَ كَفِّهَا الْأَيْمَنِ عَلَى بَطْنِ كَفِّهَا الْأَيْسَرِ لِمَا رَوَى سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نَابَكُمْ شئ فِي الصَّلَاةِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقْ النِّسَاءُ " فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لِلْإِعْلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ فَإِنْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ الْمَرْأَةُ لم تبطل الصلاة لانه ترك سنة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ سَهْلٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَالِ سَعْدٍ فِي آخِرِ اسْتِقْبَالِ القبلة قال أصحابنا متى ناب المصلي شئ بِأَنْ احْتَاجَ إلَى تَنْبِيهِ إمَامِهِ عَلَى سَهْوٍ أَوْ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ أَحَدٌ أَوْ رَأَى أَعْمَى يُقَارِبُ الْوُقُوعَ فِي بِئْرٍ أَوْ نَارٍ وَنَحْوِهَا أَوْ أَرَادَ إعْلَامَ غَيْرِهِ بِأَمْرٍ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَبِّحَ
الرَّجُلُ وَتُصَفِّقَ الْمَرْأَةُ فِي كُلِّ هَذِهِ الْأَمْثِلَةِ فَلَوْ صَفَّقَ الرَّجُلُ وَسَبَّحَتْ هِيَ فَقَدْ خالفنا السُّنَّةَ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمَا وَصِفَةُ التَّسْبِيحِ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا اللَّفْظِ وَيَجْهَرُ بِهِ جَهْرًا يُسْمِعُهُ الْمَقْصُودَ وَصِفَةُ التَّصْفِيقِ أَنْ تَضْرِبَ بِظُهْرِ كَفِّهَا الْيُمْنَى بَطْنَ كَفِّهَا الْيُسْرَى أَوْ عَكْسُهُ وَقِيلَ تَضْرِبُ أَكْثَرَ أَصَابِعِهَا الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِ أَصَابِعِهَا الْيُسْرَى وَقِيلَ تَضْرِبُ أُصْبُعَيْنِ عَلَى ظَهْرِ الْكَفِّ وَالْجَمِيعُ مُتَقَارِبٌ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَضْرِبُ بَطْنَ كَفِّ عَلَى بَطْنِ كَفٍّ فَإِنْ فَعَلَتْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ اللعب بطلت صلاتها لمنافاته (1) وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهَا إذَا فَعَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ اللَّعِبِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَإِنْ جَهِلَتْ تَحْرِيمَهُ لَمْ تَبْطُلْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وغيره التسبيح والتصفيق سُنَّتَانِ إنْ كَانَ التَّنْبِيهُ قُرْبَةً وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَمُبَاحَانِ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ التَّسْبِيحِ لِلرَّجُلِ والتصفيق للمرأة إذا نابهما شئ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ مَالِكٌ تُسَبِّحُ الْمَرْأَةُ أَيْضًا وَوَافَقَنَا أَبُو حَنِيفَةَ إذَا قَصَدَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ مَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وَإِنْ أَرَادَ الْإِذْنَ لِرَجُلٍ فِي الدُّخُولِ فَقَالَ ادخلوها بسلام آمنين فان قصد التلاوة والاعلام لم تفسد لان تلاوة القرآن لا تبطل وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ الْقُرْآنَ بَطَلَتْ لِأَنَّهُ مِنْ كلام الآدميين)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْكَلَامُ الْمُبْطِلُ لِلصَّلَاةِ هُوَ مَا سِوَى الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ وَالذِّكْرُ وَالدُّعَاءُ وَنَحْوُهَا فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ بلا خلاف عندنا وقال أبو حنيفة دَلِيلُنَا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقُ قَرِيبًا فلو أتي بشئ مِنْ نَظْمِ الْقُرْآنِ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ أَوْ بِقَصْدِ الْقِرَاءَةِ مَعَ غَيْرِهَا كَتَنْبِيهِ إمَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ الْفَتْحِ عَلَى مَنْ ارْتَجَّ أَوْ تَفْهِيمِ أَمْرٍ كَقَوْلِهِ لِجَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ يَسْتَأْذِنُونَ في الدخول ادخلوها بسلام آمنين أو استؤذن في أخذ شئ فيقول يا يحيي خذ الكتاب بقوة وَمَا أَشْبَهَ هَذَا فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ قَصَدَ الْقِرَاءَةَ أَوْ الْقِرَاءَةَ مَعَ الْإِعْلَامِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَدْ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَى تِلْكَ الْآيَةِ أَوْ أَنْشَأَ قِرَاءَتَهَا حِينَئِذٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَجْهًا أنه ان قَصَدَ مَعَ الْقِرَاءَةِ غَيْرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَيْسَ بشئ بَلْ الصَّوَابُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ فَأَمَّا إنْ قَصَدَ الْإِعْلَامَ وَحْدَهُ فَتَبْطُلُ
بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ انْتَهَى فِي قِرَاءَتِهِ إلَيْهَا فَلَا تَبْطُلُ أَوْ لَا يَكُونَ فَتَبْطُلُ وَدَلِيلُ إطْلَاقِ الْبُطْلَانِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ شَيْئًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يُشْبِهُ كَلَامَ الْآدَمِيِّ وَقَدْ سَبَقَ فِي تَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ عَنْ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا النَّظْمِ لَا يَكُونُ قُرْآنًا إلَّا بِالْقَصْدِ فَإِذَا أَطْلَقَهُ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ شَيْئًا لَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ بَلْ لَهُ حُكْمُ كَلَامِ الْآدَمِيِّ وَلَوْ أَتَى بِكَلِمَاتٍ مِنْ القرآن من مواضع مفرقة ليس في القرآن على النظم التي أَتَى بِهِ كَقَوْلِهِ يَا إبْرَاهِيمُ بِسَلَامٍ كُنْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا حُكْمُ الْقُرْآنِ بِحَالٍ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِنْ فَرَّقَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَلَمْ يَصِلْ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ لَمْ تَبْطُلْ يَعْنِي إذَا قَصَدَ الْقُرْآنَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي الزِّيَادَاتِ إذَا قَرَأَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ فَإِنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا ويسجد للسهو وفيما قَالَهُ نَظَرٌ
* (فَرْعٌ)
قَدْ اعْتَادَ كَثِيرٌ مِنْ الْعَوَامّ أَنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا قِرَاءَةَ الْإِمَامِ إِيَّاكَ نعبد واياك نستعين قالوا إياك نعبد واياك نستعين وَهَذَا بِدْعَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا فَأَمَّا بُطْلَانُ الصَّلَاةِ بِهَا فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ الدُّعَاءَ وَالْقِرَاءَةَ وَلَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ شَمَّتَ عَاطِسًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ وَلِأَنَّهُ كَلَامٌ وُضِعَ لِمُخَاطَبَةِ الْآدَمِيِّ فهو كرد السلام وروى يونس ابن عَبْدِ الْأَعْلَى عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالرَّحْمَةِ فهو كالدعاء لابويه بالرحمة)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَدْعِيَةُ فِي الصَّلَاةِ ضَرْبَانِ عَجَمِيَّةٌ وَعَرَبِيَّةٌ فَالْعَجَمِيَّةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي فَصْلِ التَّكْبِيرِ مِنْ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ: وَأَمَّا الدَّعَوَاتُ الْعَرَبِيَّةُ فَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَوَاءٌ الْمَأْثُورُ وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي أَوَاخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ الْمَأْثُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُبَاحُ مِنْ الدُّعَاءِ مَا لَيْسَ خِطَابًا لِمَخْلُوقٍ فَأَمَّا مَا هُوَ خِطَابُ مَخْلُوقٍ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَجِبُ اجْتِنَابُهُ فَلَوْ قَالَ لِإِنْسَانٍ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ أَوْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ أَوْ عَافَاكَ اللَّهُ وَنَحْوَ هَذَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ وَلَوْ
سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَرَدَّ عليه السلام بِلَفْظِ الْخِطَابِ فَقَالَ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ أَوْ قَالَ لِعَاطِسٍ رحمك الله أو يرحمك اللَّهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَفِي الْعَاطِسِ هَذَا الْقَوْلُ الْقَرِيبُ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْبُطْلَانُ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كُتُبِهِ فَلَوْ رَدَّ السلام وشمت الْعَاطِسَ بِغَيْرِ لَفْظِ خِطَابٍ فَقَالَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ أَوْ يَرْحَمُهُ اللَّهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مَحْضٌ وَيُقَالُ شَمَّتَ الْعَاطِسَ وَسَمَّتَهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَمَعْنَاهُ قال له يرحمك اللَّهُ
* وَأَمَّا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى فَهُوَ أَبُو مُوسَى يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى بْنُ مَيْسَرَةَ بْنُ حَفْصٍ الصَّدَفِيُّ - بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ - الْمِصْرِيُّ وَهُوَ أَحَدُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ الْمِصْرِيِّينَ وَأَحَدُ شُيُوخِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ رَوَى عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ كَثِيرًا وَكَانَ إمَامًا جَلِيلًا تُوُفِّيَ سَنَةَ أَرْبَعٍ وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ وَفِي يُونُسَ لُغَاتٌ ضَمُّ النُّونِ وَكَسْرُهَا وَبِفَتْحِهَا وَبِالْهَمْزِ وَتَرْكِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكَلَامِ فِي الصَّلَاةِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثَانِيًا فَقَالَ لَهُ الْمَأْمُومُ قَدْ سَلَّمْتَ قَبْلَ هَذَا فَقَالَ الْإِمَامُ كُنْتُ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْإِمَامِ لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ سَهْوٌ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ بِالسَّلَامِ الثَّانِي وَلَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ أَيْضًا لِأَنَّ سَلَامَهُ الْأَوَّلَ لَمْ يَخْرُجْ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَتَكْلِيمُهُ الْإِمَامَ سَهْوٌ لِأَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ الصَّلَاةِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُسَلِّمَ ثَانِيًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ لِأَنَّ تَكْلِيمَهُ سَهْوٌ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ (الثَّانِيَةُ) إذَا نَذَرَ شَيْئًا فِي صَلَاتِهِ وَتَلَفَّظَ بِالنَّذْرِ عَامِدًا هَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ
فِي مَسْأَلَةِ بُلُوغِ الصَّبِيِّ فِي الصَّلَاةِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَالَ الدَّارَكِيُّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ مُنَاجَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِكَلَامِ الْآدَمِيِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ قَوْلَهُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَلَامِ الْمُصَلِّي هُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) يَتَكَلَّمُ عَامِدًا لَا لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ جَابِرٍ وَحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا
إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِي) أَنْ يَتَكَلَّمَ لِمَصْلَحَةِ الصَّلَاةِ بِأَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ فَيَقُولُ قَدْ صَلَّيْتُ أَرْبَعًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا تَبْطُلُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ نَابَهُ شئ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ الرِّجَالُ وَلْيُصَفِّقْ النِّسَاءُ " وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا لِمَصْلَحَتِهَا لَكَانَ أَسْهَلَ وَأَبْيَنَ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ جَوَابُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثُ) أَنْ يَتَكَلَّمَ نَاسِيًا وَلَا يُطَوِّلَ كَلَامَهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٌ وَعُرْوَةُ ابن (1) وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَجَمِيعُ الْمُحَدِّثِينَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور وغيرهم رضي الله عنهم
* وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وابو حنيفة واحمد في رواية تبطل ووافق أَبُو حَنِيفَةَ أَنَّ سَلَامَ النَّاسِي لَا يُبْطِلُهَا
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ تَبْطُلُ بِحَدِيثِ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رسول الله صلى
(1) كذا بالاصل
*
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْك فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا فَقَالَ إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغُلًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ زِيَادَةُ " وَإِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ " وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ فَانْطَلَقْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي مَا الله أعلمتم بِهِ ثُمَّ سَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَشَدُّ مِنْ الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقَالَ إنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَرُدَّ عَلَيْكَ أَنِّي كُنْتُ أُصَلِّي وَكَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُتَوَجِّهًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه قَالَ " إنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ
" إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يصلح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ " الْكَلَامُ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ " وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِحَدِيثِ " مَنْ قاء في صلاته أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَبْنِ عَلَى صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ " وَهُوَ أَيْضًا ضَعِيفٌ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَدِيثِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُقْصَرْ وَلَمْ أَنْسَ فَقَالَ بَلَى قَدْ نَسِيتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحَقٌّ مَا يَقُولُ قالوا نعم فصلي ركعتين أخرتين ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ جِدًّا وَهَكَذَا هُوَ فِي مُسْلِمٍ وَفِي مَوَاضِعَ مِنْ الْبُخَارِيِّ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَفِي رِوَايَةٍ لمسلم صلى لنا وعن عمران ابن حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَنْ الدَّلِيلِ لَنَا أَيْضًا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ جَاهِلًا بِالْحُكْمِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بالاعادة قالوا وقياسا علي اللام سَهْوًا وَعُمْدَةُ الْمَذْهَبِ حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَاعْتَرَضَ القائلون بالبطلان عليه هَذَا الْحَدِيثَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدِ ابن أَرْقَمَ قَالُوا لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَنَقَلُوا عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأَنَّ
قِصَّتَهُ فِي الصَّلَاةِ كَانَتْ قَبْلَ بَدْرٍ وَلَا يَمْنَعُ مِنْ هَذَا كَوْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ عَنْ بَدْرٍ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ قَدْ يَرْوِي مَا لَا يَحْضُرُهُ بِأَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ صَحَابِيٍّ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ صَحِيحَةٍ حَسَنَةٍ مَشْهُورَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَتْقَنُهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ قَالَ أَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَغَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانَ بِمَكَّةَ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ وَإِنَّمَا أَسْلَمَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَامَ خَيْبَرَ
سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَلَيْسَ فِيهِ بَيَانُ أَنَّهُ قَبْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ بَعْدَهُ وَالنَّظَرُ يَشْهَدُ أَنَّهُ قَبْلَهُ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يَشْهَدْ ذَلِكَ فَغَلَطٌ بَلْ شُهُودُهُ لَهُ مَحْفُوظٌ مِنْ روايات الثقاة الْحُفَّاظِ ثُمَّ ذَكَرَ بِأَسَانِيدِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ " صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَفِي رِوَايَةٍ " صَلَّى بِنَا " وَفِي رِوَايَةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الظُّهْرِ سَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الركعتين فقام رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ رَوَى قِصَّةَ ذِي الْيَدَيْنِ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُمَرَ وَعِمْرَانُ بن الحصين ومعاوية بن حريح بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَابْنُ مَسْعَدَةَ رَجُلٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكُلُّهُمْ لَمْ يَحْفَظْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا صَحِبَهُ إلَّا بِالْمَدِينَةِ متأخرا ثم ذكر أحاديثهم بطرقها قال قَالَ وَابْنُ مَسْعَدَةَ هَذَا يُقَالُ لَهُ صَاحِبُ الْجُيُوشِ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ مَعْرُوفٌ فِي الصَّحَابَةِ لَهُ رِوَايَةٌ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَغَلَطٌ وَإِنَّمَا الْمَقْتُولُ يَوْمَ بَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ وَلَا نُنَازِعُهُمْ فِي أَنَّ ذَا الشِّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَنَّ ابْنَ إِسْحَاقَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي ذَكَرُوهُ فيمن قتل ببدر قال ابن اسحق ذُو الشِّمَالَيْنِ هُوَ عُمَيْرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ غَبْشَانَ مِنْ خُزَاعَةَ فَذُو الْيَدَيْنِ غَيْرُ ذِي الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ لِأَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ اسْمُهُ الخرباق بن عمر وذكره مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ غَيْرُ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَمَانًا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فَذُو الْيَدَيْنِ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ غَيْرُ الْمَقْتُولِ بِبَدْرٍ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْحِذْقِ وَالْفَهْمِ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إنَّ الْمُتَكَلِّمَ فِي حَدِيثِ السَّهْوِ ذُو الشِّمَالَيْنِ فَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ قَالَ وَقَدْ اضْطَرَبَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ اضْطِرَابًا أَوْجَبَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالنَّقْلِ تَرْكَهُ مِنْ رِوَايَتِهِ خَاصَّةً ثُمَّ ذَكَرَ طُرُقَهُ وَبَيَّنَ اضْطِرَابَهَا فِي الْمَتْنِ وَالْإِسْنَادِ وَذَكَرَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الحجاح تَغْلِيطَهُ الزُّهْرِيَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ العلم
بِالْحَدِيثِ الْمُصَنِّفِينَ فِيهِ عَوَّلَ عَلَى حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَكُلُّهُمْ تَرَكَهُ لِاضْطِرَابِهِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا عَظِيمًا فِي هَذَا الشَّأْنِ فَالْغَلَطُ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ بَشَرٌ وَكُلُّ أَحَدٍ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُتْرَكُ إلَّا النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم فَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ إنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مَتْرُوكٌ لِتَحَقُّقِ غَلَطِهِ فِيهِ هَذَا مختصر قول عَبْدِ الْبَرِّ وَقَدْ بَسَطَ رحمه الله شَرْحَ هَذَا الْحَدِيثِ بَسْطًا لَمْ يَبْسُطْهُ غَيْرُهُ مُشْتَمِلًا علي التحقيق والاتفاق وَالْفَوَائِدِ الْجَمَّةِ رحمه الله وَرَضِيَ عَنْهُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله بَعْضَ هَذَا مُخْتَصَرًا فَمِمَّا قَالَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْسُوخًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ لَتَقَدُّمِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ كَانَ حِينَ رَجَعَ مِنْ الْحَبَشَةِ وَرُجُوعُهُ مِنْهَا كَانَ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا فَحَدِيثُهُ فِي التَّسْلِيمِ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ ثُمَّ نُقِلَ اتِّفَاقُ أَهْلِ الْمَغَازِي عَلَى أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدِمَ مَكَّةَ مِنْ هِجْرَةِ الْحَبَشَةِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ وَأَنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْحُمَيْدِيِّ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْكَلَامِ عَامِدًا قَالَ لِأَنَّهُ قَدِمَ مِنْ الْحَبَشَةِ قَبْلَ بَدْرٍ وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ سَنَةَ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَإِسْلَامُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بَعْدَ بَدْرٍ وَقَدْ حضرا قصة ذى اليدين وحضرها معاوية ابن حُدَيْجٍ وَكَانَ إسْلَامُهُ قَبْلَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِشَهْرَيْنِ وَذَكَرَ حَدِيثَ ابْنِ عمر أيضا قَالَ فَعَلِمْنَا أَنَّ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي العمد لو كَانَ فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لَكَانَتْ صَلَوَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ نَاسِخَةً لَهُ لِأَنَّهَا بَعْدَهُ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الاوزاعي قال كان اسلام معاوية ابن الْحَكَمِ فِي آخِرِ الْأَمْرِ فَلَمْ يَأْمُرْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَكَلَّمَ جَاهِلًا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْأَحَادِيثِ نَحْوَ مَا سَبَقَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ قَالَ ذُو الشِّمَالَيْنِ الْمَقْتُولُ بِبَدْرٍ غَيْرُ ذِي الْيَدَيْنِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ذُو الْيَدَيْنِ بَقِيَ حَيًّا بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ تَكَلَّمَ ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْمُ وَهُمْ بَعْدُ فِي الصَّلَاةِ فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْبَقَاءِ فِي صَلَاةٍ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجَوِّزِينَ لِنَسْخِ الصَّلَاةِ مِنْ أَرْبَعٍ إلَى رَكْعَتَيْنِ وَلِهَذَا قال قصرت الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ هَذَا خِطَابٌ وَجَوَابٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَذَلِكَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَكَلَّمُوا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ " نَعَمْ " عَلَيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ سَبَّحَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ حَمِدَهُ فِي غَيْرِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ قَصَدَ بِهِ تَنْبِيهَ غَيْرِهِ أَمْ لَا وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ قَالَهُ ابْتِدَاءً فَلَيْسَ بِكَلَامٍ وَإِنْ قَالَهُ جَوَابًا فَهُوَ كَلَامٌ دَلِيلُنَا حَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ في الصحيحين كما سبق
(1) كذابالاصل فلعله (لمنافاة الصلاة) اه
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الضَّحِكِ وَالتَّبَسُّمِ فِي الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّ التَّبَسُّمَ لَا يَضُرُّ وَكَذَا الضَّحِكُ إنْ لَمْ يَبِنْ مِنْهُ حَرْفَانِ فَإِنْ بَانَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى بُطْلَانِهَا بِالضَّحِكِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ قَالَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا بَأْسَ بِالتَّبَسُّمِ مِمَّنْ قَالَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَا أَعْلَمُ التَّبَسُّمَ إلَّا ضَحِكًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَنِينِ وَالتَّأَوُّهِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ بَانَ مِنْهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ الصَّلَاةَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ إنْ كَانَ لِخَوْفِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ خَوْفِ النَّارِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَتَبْطُلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ قَالَ (آهْ) لَمْ تَبْطُلْ وَإِنْ قَالَ (أُوهِ) بَطَلَتْ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي النَّفْخِ فِي الصَّلَاةِ مَذْهَبُنَا انه ان بان مِنْهُ حَرْفَانِ وَهُوَ عَامِدٌ عَالِمٌ بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَبْطُلُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ التَّأْفِيفَ وَهُوَ قَوْلُ (أُفٍّ) قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ وَقَالَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ مُطْلَقًا قَالَ وَمِمَّنْ رَوَيْنَا عَنْهُ كَرَاهَةَ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَيَحْيَى بن أبي كثير واحمد واسحق قَالَ وَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ الْإِعَادَةَ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَالْكَلَامِ وَلَا يَثْبُتُ ذَلِكَ عَنْهُمَا وَرُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بن جبير * قال المصنف رحمه الله
* (وان أكل عامدا بطلت صلاته لانه إذا أبطل الصوم الذى لا يبطل بالافعال فلان يبطل الصلاة أولي وان كان ناسيا لم تبطل كما لا يبطل الصوم)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَكَلَ فِي صَلَاتِهِ أَوْ شَرِبَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرافعى وجهان أَنَّ الْأَكْلَ الْقَلِيلَ لَا يُبْطِلُهَا وَهُوَ غَلَطٌ وان كان بين اسنانه شئ فابتلعه
عمدا أو نزلت من رأسه فَابْتَلَعَهَا عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ ابْتَلَعَ شَيْئًا مَغْلُوبًا بِأَنْ جَرَى الرِّيقُ بِبَاقِي
الطَّعَامِ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ مِنْهُ أَوْ نَزَلَتْ النُّخَامَةُ وَلَمْ يُمْكِنْهُ إمْسَاكُهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الرِّيقِ وَنَقَلَهُ فِيهَا أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ أَمَّا إذَا وَضَعَ سُكَّرَةً أَوْ نَحْوَهَا فِي فِيهِ فَذَابَتْ وَنَزَلَتْ إلَى جَوْفِهِ مِنْ غَيْرِ مَضْغٍ وَلَا حَرَكَةٍ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَحَدُهُمَا) لَا تَبْطُلُ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ لِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ فِعْلٌ
(وَالثَّانِي)
تَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَالضَّابِطُ عَلَى هَذَا أَنَّ مَا أَبْطَلَ الصَّوْمَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَلَا خِلَافَ فِي بُطْلَانِ الصَّوْمِ بِهَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَالْمَضْغُ وَحْدَهُ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وان لم يصل شئ إلَى الْجَوْفِ حَتَّى لَوْ مَضَغَ عِلْكًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ لَمْ يَمْضُغْهُ بَلْ وَضَعَهُ فِي فِيهِ فَإِنْ كَانَ جَدِيدًا يَذُوبُ فَهُوَ كَالسُّكَّرَةِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا لا يذوب لم تبطل كما أَمْسَكَ فِي فَمِهِ حَصَاةً أَوْ إجَّاصَةً فَإِنَّهَا لَا تَبْطُلُ قَطْعًا هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَامِدِ فَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا لِلصَّلَاةِ أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ وإن وَإِنْ كَثُرَ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْكَلَامِ الْكَثِيرِ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِالْبُطْلَانِ فِي الْكَثِيرِ وَتُعْرَفُ الْقِلَّةُ وَالْكَثْرَةُ بِالْعُرْفِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهب الْعُلَمَاءِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّلَاةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَع الْعُلَمَاءُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْهُمَا وَأَنَّهُ إنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي صَلَاةِ الْفَرْضِ عَامِدًا لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَإِنْ كَانَ سَاهِيًا قَالَ عَطَاءٌ لَا تَبْطُلُ وَبِهِ أَقُولُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ تَبْطُلُ قَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ فروى عن ابن الزبير وسعيد ابن جُبَيْرٍ أَنَّهُمَا شَرِبَا فِي صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَقَالَ طَاوُسٌ لَا بَأْسَ بِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَعَلَّ مَنْ حَكَى ذَلِكَ عَنْهُ فَعَلَهُ سَهْوًا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَإِنْ عَمِلَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلًا لَيْسَ مِنْهَا نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ أَفْعَالِهَا بِأَنْ رَكَعَ أَوْ سَجَدَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِمَا فَإِنْ كَانَ عَامِدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَسَبَّحُوا لَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ قَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ مَرَّتَيْنِ
عَامِدًا فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ ذِكْرٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ قَرَأَ السُّورَةَ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ مَرَّتَيْنِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ رُكْنٌ زَادَهُ فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ كَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال اصحابنا إذا زال فِعْلًا مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا لَمْ تَبْطُلْ بِرُكْنٍ وَلَا أَرْكَانٍ وَلَا رَكْعَةٍ وَلَا أَكْثَرَ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ فَإِنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ مَرَّتَيْنِ سَهْوًا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ تَعَمَّدَ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَةِ الصَّلَاةِ وَالثَّانِي تَبْطُلُ كَتَكْرَارِ الرُّكُوعِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا الْكِبَارِ تَفَقَّهَ عَلَى ابْنِ سُرَيْجٍ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ وَأَبِي يَحْيَى الْبَلْخِيّ قَالَ وحكاه
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْقَدِيمِ وَالْمَذْهَبِ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَكَذَا لَوْ كَرَّرَ التَّشَهُّدَ الْآخِرَ وَالصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمْدًا لَا تَبْطُلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا كَرَّرَ الْفَاتِحَةَ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لَا يُجْزِيهِ عن السورة بعد الفاتحة.
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهَا فَإِنْ كَانَ قَلِيلًا مِثْلَ إنْ دَفَعَ مَارًّا بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ ضَرَبَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا أَوْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ أَوْ أَصْلَحَ رِدَاءَهُ أَوْ حَمَلَ شَيْئًا أَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَرَدَّ عَلَيْهِ بِالْإِشَارَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ وَحَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ إذا سجد وضعفها فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا وَسَلَّمَ عَلَيْهِ الْأَنْصَارُ فَرَدَّ عليهم فِي الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَخْلُو مِنْ عَمَلٍ قَلِيلٍ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَمَلًا كَثِيرًا بِأَنْ مَشَى خُطُوَاتٍ مُتَتَابِعَاتٍ أَوْ ضَرَبَ ضَرَبَاتٍ مُتَوَالِيَاتٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا تَدْعُو إلَيْهِ الْحَاجَةُ فِي الْغَالِبِ وَإِنْ مَشَى خُطْوَتَيْنِ أَوْ ضَرَبَ ضَرْبَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
لا تَبْطُلْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَلَعَ نَعْلَيْهِ وَوَضَعَهُمَا إلَى جَانِبِهِ وَهَذَانِ فِعْلَانِ مُتَوَالِيَانِ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مُكَرَّرٌ فَهُوَ كَالثَّلَاثِ
وَإِنْ عَمِلَ عَمَلًا كَثِيرًا مُتَفَرِّقًا لَمْ تَبْطُلْ صلاته لحديث أمامة بنت أبى العاص فَإِنَّهُ تَكَرَّرَ مِنْهُ الْحَمْلُ وَالْوَضْعُ وَلَكِنَّهُ لَمَّا تفرق لم بقطع الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي الْعَمَلِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ لِأَنَّهُ فِعْلٌ بِخِلَافِ الْكَلَامِ فَإِنَّهُ قَوْلٌ وَالْفِعْلُ أَقْوَى مِنْ الْقَوْلِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إحْبَالُ الْمَجْنُونِ لِكَوْنِهِ فِعْلًا وَلَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ لِأَنَّهُ قول)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْأَمْرِ بِدَفْعِ الْمَارِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي سَعِيدٍ أَيْضًا: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي فَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلي الله عليه وسلم " قتلوا الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ خَلْعِ النَّعْلِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَقَدْ سَبَقَ
بَيَانُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ أَيْضًا: وَأَمَّا حَدِيثُ تَسْلِيمِ الْأَنْصَارِ وَالرَّدِّ عَلَيْهِمْ بِالْإِشَارَةِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ورواية ابن عمر رضي الله عنهما: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمُخْتَصَرُ مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الصَّلَاةِ إنْ كَانَ كَثِيرًا أَبْطَلَهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَمْ يُبْطِلْهَا بِلَا خِلَافٍ هَذَا هُوَ الضَّابِطُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي ضَبْطِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: (أَحَدُهَا) الْقَلِيلُ مَا لا يسع زمانه فعل رَكْعَةٍ وَالْكَثِيرُ مَا يَسَعُهَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضعيف أو غلط:
(والثانى)
كل عمل يَحْتَاجُ إلَى يَدَيْهِ جَمِيعًا كَرَفْعِ عِمَامَةٍ وَحَلِّ أَشْرِطَةِ سَرَاوِيلَ وَنَحْوِهِمَا قَلِيلٌ وَمَا احْتَاجَ كَتَكْوِيرِ الْعِمَامَةِ وَعَقْدِ الْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ كَثِيرٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (والثالث) مَا لَا يَظُنُّ النَّاظِرُ إلَيْهِ أَنَّ فَاعِلَهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ وَالْكَثِيرُ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا وَضَعَّفُوهُ بِأَنَّ مَنْ رَآهُ يَحْمِلُ صَبِيًّا أَوْ يَقْتُلُ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا وَنَحْوَ ذَلِكَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُبْطِلُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الرُّجُوعَ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ قَلِيلًا كَالْإِشَارَةِ بِرَدِّ السَّلَامِ وَخَلْعِ النَّعْلِ وَرَفْعِ الْعِمَامَةِ وَوَضْعِهَا وَلِبْسِ ثَوْبٍ خَفِيفٍ وَنَزْعِهِ وَحَمْلِ صَغِيرٍ وَوَضْعِهِ وَدَفْعِ مَارٍّ وَدَلْكِ الْبُصَاقِ فِي ثَوْبِهِ وَأَشْبَاهِ هَذَا وَأَمَّا مَا عَدَّهُ النَّاسُ كَثِيرًا كَخُطُوَاتٍ كَثِيرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ وَفَعَلَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ فَتُبْطِلُ الصَّلَاةَ قَالَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا الْفَعْلَةُ الْوَاحِدَةُ كَالْخُطْوَةِ وَالضَّرْبَةِ قَلِيلٌ بِلَا خِلَافٍ وَالثَّلَاثُ كَثِيرٌ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الِاثْنَيْنِ
وَجْهَانِ حكاهما المصنف والاصحاب (أصحها) قَلِيلٌ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
(وَالثَّانِي)
كَثِيرٌ ثُمَّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْكَثِيرَ انما يبطل إذا توالي فان تفرق بين خطي خطوة ثم سكت زمنا ثم خطي أُخْرَى أَوْ خُطْوَتَيْنِ ثُمَّ خُطْوَتَيْنِ بَيْنَهُمَا زَمَنٌ إذَا قُلْنَا لَا يَضُرُّ الْخُطْوَتَانِ وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ مَرَّاتٍ كَثِيرَةً حَتَّى بَلَغَ مِائَةَ خُطْوَةٍ فَأَكْثَرَ لم يَضُرُّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَلِكَ حُكْمُ الضَّرَبَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وغيرها قال أصحابنا وحد التفريق أن يجد الثَّانِيَ مُنْقَطِعًا عَنْ الْأَوَّلِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا رَكْعَةٌ لِحَدِيثِ أُمَامَةَ بِنْتِ أَبِي الْعَاصِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَلَا دَلَالَةَ في هذا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ فِعْلٍ ثَانٍ فِي دُونِ ذَلِكَ الزَّمَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِقَوْلِنَا لَا تَبْطُلُ بِالْفَعْلَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لَمْ يُتَفَاحَشْ فَإِنْ
تَفَاحَشَتْ وَأَفْرَطَتْ كَالْوَثْبَةِ الْفَاحِشَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا قَوْلُهُمْ الثَّلَاثُ الْمُتَوَالِيَةُ تُبْطِلُ أَرَادُوا الْخُطُوَاتِ وَالضَّرَبَاتِ وَنَحْوَهَا: فَأَمَّا الْحَرَكَاتُ الْخَفِيفَةُ كَتَحْرِيكِ الْأَصَابِعِ فِي سُبْحَةٍ أَوْ حَكَّةٍ أَوْ حَلٍّ وَعَقْدٍ فَفِيهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا كَالْخُطُوَاتِ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِكَثِيرِهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ كَثُرَتْ مُتَوَالِيَةً لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَنَّهُ لَوْ كَانَ يَعُدُّ الْآيَاتِ بِيَدِهِ عَقْدًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ فِي الْفِعْل عَمْدًا فَأَمَّا فِعْلُ النَّاسِي فِي الصَّلَاةِ إذَا كَثُرَ فَفِيهِ طَرِيقَانِ: (أَشْهَرُهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ وَجْهًا وَاحِدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ كَكَلَامِ النَّاسِي حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَقَالَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَبْطُلُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ حِينَ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ ثُمَّ قَامَ إلَى خَشَبَةٍ فِي مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ ثُمَّ عَادَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا اللَّفْظُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " فَخَرَجَتْ السَّرَعَانُ مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ " وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَرَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَقَامِهِ فَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الْعَصْرَ فَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ ثُمَّ دَخَلَ مَنْزِلَهُ فَقَامَ إلَيْهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ الْخِرْبَاقُ - وَكَانَ فِي يَدِهِ طُولٌ - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَذَكَرَ لَهُ صَنِيعَهُ
وَخَرَجَ غَضْبَانَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حَتَّى انْتَهَى إلَى النَّاسِ فَقَالَ أَصَدَقَ هَذَا قَالُوا نَعَمْ فَصَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ: وَذَكَرَ نَحْوَ الْأُولَى " هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ أَمَّا فِيهَا فَيُحْتَمَلُ الضَّرْبُ وَالرَّكْضُ وَالْعَدْوُ لِلْحَاجَةِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ نوضحه فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفِعْلُ الْقَلِيلُ الَّذِي لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَكْرُوهٌ إلَّا فِي مَوَاضِعَ (أَحَدُهَا) أَنْ يَفْعَلَهُ نَاسِيًا: (الثَّانِي) أَنْ يَفْعَلَهُ لِحَاجَةٍ مَقْصُودَةٍ: (الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ مَنْدُوبًا إلَيْهِ كَقَتْلِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَنَحْوِهِمَا وَكَدَفْعِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالصَّائِلِ عَلَيْهِ ونحو ذلك
*
(فَرْعٌ)
لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ مِنْ الْمُصْحَفِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ كَانَ يَحْفَظُهُ أَمْ لَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ الْفَاتِحَةَ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ قَلَّبَ أَوْرَاقَهُ أَحْيَانًا فِي صَلَاتِهِ لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ نَظَرَ فِي مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ وَرَدَّدَ مَا فِيهِ فِي نَفْسِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَالَ لَكِنْ يُكْرَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ حَدِيثَ النَّفْسِ إذَا طَالَ أَبْطَلَ الصَّلَاةَ وَهُوَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِصِحَّتِهَا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْمُصْحَفِ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ واحمد قال أَبُو حَنِيفَةَ تُبْطِلُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ أَرَادَ إذَا لَمْ يَحْفَظْ الْقُرْآنَ وَقَرَأَ كَثِيرًا فِي الْمُصْحَفِ فَأَمَّا إنْ كَانَ يَحْفَظُهُ أَوْ لَا يَحْفَظُهُ وَقَرَأَ يَسِيرًا كَالْآيَةِ وَنَحْوِهَا فَلَا تَبْطُلُ وَاحْتُجَّ لَهُ بِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى فِكْرٍ وَنَظَرٍ وَذَلِكَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَكَمَا لَوْ تَلَقَّنَ مِنْ غَيْرِهِ فِي الصَّلَاةِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ أَتَى بِالْقِرَاءَةِ وَأَمَّا الْفِكْرُ وَالنَّظَرُ فَلَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ فَفِيهِ أَوْلَى وَأَمَّا التَّلْقِينُ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يُبْطِلُهَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ
*
* قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَتْرُكَ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَلْتَفِتَ فِي صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَزَالُ اللَّهُ تَعَالَى مُقْبِلًا عَلَى عَبْدِهِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ فإذا التفت صرف عنه وجهه " فان كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ ")
*
(الشَّرْحُ) يَنْبَغِي لِلْمُصَلِّي أَنْ يُحَافِظَ عَلَى كُلِّ مَا نُدِبَ إلَيْهِ مِنْ السُّنَنِ وَالْمُسْتَحَبَّات وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْجَمَاعَةِ وَالِانْفِرَادِ عَلَى حَسَبِ مَا سَبَقَ مِنْ تَفْصِيلِهَا وَأَمَّا الِالْتِفَاتُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الِالْتِفَاتُ فِي الصَّلَاةِ إنْ تَحَوَّلَ بِصَدْرِهِ عَنْ الْقِبْلَةِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ
لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ إنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَدَلِيلُ الْكَرَاهَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصلاة هلكة فان كان لابد فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرِيضَةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنُ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ رَجُلٌ فِيهِ جَهَالَةٌ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْكَرَاهَةِ لِحَاجَةٍ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " اشْتَكَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّيْنَا وَرَاءَهُ وَهُوَ قَاعِدٌ فَالْتَفَتَ إلَيْنَا فَرَآنَا قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْنَا: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وذهب يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي صَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه بِالنَّاسِ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَصَفَّقَ النَّاسُ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْتَفِتُ فِي صَلَاتِهِ فَلَمَّا أَكْثَر النَّاسُ التَّصْفِيقَ الْتَفَتَ أَبُو بَكْرٍ فَرَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَذَكَرَ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ الخنظليه رضي الله عنه قَالَ " ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الصُّبْحَ فَجَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَهُوَ يَلْتَفِتُ إلَى الشُّعَبِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ " كَانَ أَرْسَلَ فرسا إلى الشعب من أجل الحرس "
* قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ - فاشتد قوله في ذلك حتى قال - لينتهين عن ذلك
أو لتخطفن أَبْصَارُهُمْ " وَيُكْرَهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى مَا يُلْهِيهِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ ذَاتُ أَعْلَامٍ فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُ هَذِهِ اذْهَبُوا بِهَا إلَى أَبِي جهم واتونى بانبجانية ") .
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ مِنْ صُوفٍ وَأَبُو جَهْمٍ الْمَذْكُورُ اسْمُهُ عَامِرُ بْنُ حُذَيْفَةَ بْنِ غَانِمٍ الْقُرَشِيُّ الْعَدَوِيُّ الْمَدَنِيُّ الصَّحَابِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَقِيلَ اسْمُهُ عُبَيْدُ بْنُ حُذَيْفَةَ وَالْأَنْبِجَانِيَّة - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَبِنُونٍ بَعْدَهَا بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ومكسورة - وهى كِسَاءٌ غَلِيظٌ لَا عَلَمَ لَهُ فَإِذَا كَانَ لَهُ عَلَمٌ فَهُوَ خَمِيصَةٌ وَفِي ضَبْطِهِ وَمَعْنَاهُ كَلَامٌ مُشْتَهَرٌ وَضَّحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَأَجْوَدُهُ مَا ذَكَرْتُهُ
* قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى حُضُورِ الْقَلْبِ فِي الصَّلَاةِ وَتَدَبُّرِ تِلَاوَتِهَا وَأَذْكَارِهَا وَمَقَاصِدِهَا مِنْ الِانْقِيَادِ وَالْخُضُوعِ وَمَنْعِ النَّظَرِ مِنْ الِامْتِدَادِ إلَى مَا يَشْغَلُ وَإِزَالَةِ كل ما يخاف اشتغال الْقَلْبِ بِسَبَبِهِ وَكَرَاهَةِ تَزْوِيقِ مِحْرَابِ الْمَسْجِدِ وَحَائِطِهِ وَنَقْشِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الشَّاغِلَاتِ وَفِيهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَصِحُّ وَإِنْ حَصَلَ فِيهَا فِكْرٌ وَاشْتِغَالُ قَلْبٍ بِغَيْرِهَا وَهَذَا بِإِجْمَاعِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ متفق عليهما * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَدُهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى أَنْ يصلى الرجل مختصرا ") .
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَعْنَى الْمُخْتَصِرِ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى خَاصِرَتِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَغَرِيبِ الْحَدِيثِ وَالْمُحَدِّثِينَ والفقهاء وقيل هو أن يتوكأ على عصي حكاه الهروي وغيره وقيل أن يختصر السورة فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ فِي صَلَاتِهِ فَلَا يُتِمَّ قِيَامَهَا وَرُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا وَحُدُودَهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قِيلَ نَهَى عَنْهُ
لِأَنَّهُ فِعْلُ الْمُتَكَبِّرِينَ فَلَا يَلِيقُ بِالصَّلَاةِ وَقِيلَ لِأَنَّهُ فِعْلُ الْيَهُودِ وَقِيلَ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَكَرَاهَةُ وَضْعِ الْيَدِ عَلَى خَاصِرَتِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا سَوَاءٌ كان المصلي رجلا أو امرأة * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وَثَوْبَهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ آرَابٍ وَنَهَى أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وثوبه ")
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْآرَابُ الْأَعْضَاءُ وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقَ العلماء علي النهي عن الصلاة وثوبه مشمرا وكمه أو نحوه أو ورأسه مَعْقُوصٌ أَوْ مَرْدُودُ شَعْرِهِ تَحْتَ عِمَامَتِهِ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَكُلُّ هَذَا مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ فَلَوْ صَلَّى كَذَلِكَ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْكَرَاهَةَ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَاحْتَجَّ لِصِحَّتِهَا أَبُو جعفر محمد بن جريج الطَّبَرِيُّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِعَادَةَ فِيهِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ ثُمَّ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّهْيَ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى كَذَلِكَ سَوَاءٌ تَعَمَّدَهُ لِلصَّلَاةِ أَمْ كَانَ كَذَلِكَ قَبْلَهَا لِمَعْنًى آخَرَ وَصَلَّى عَلَى حَالِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ النَّهْيُ مُخْتَصٌّ بِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِلصَّلَاةِ وَالْأَوَّلُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ إطْلَاقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَنْقُولِ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ وَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ مَالَكَ وَلِرَأْسِي فَقَالَ إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " إنَّمَا مَثَلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ " قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مَثَّلَهُ بالذى يصلي وهو مكتوف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَمْسَحَ الْحَصَى فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى مُعَيْقِيبٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَمْسَحْ الحصى وأنت تصلي فان كنت لابد فاعلا فواحدة تسوية الحصى ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا عَنْ مُعَيْقِيبٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ قَالَ إنْ كُنْتَ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تَمْسَحْ وَإِنْ مَسَحَتْ فَلَا تَزِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ وَهَذَا نَهْيُ كَرَاهَةِ تَنْزِيهٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَتِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " إذا قَامَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحْ الْحَصَى فانه الْمَرْحَمَةَ تُوَاجِهُهُ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ لَكِنْ فِيهِ رَجُلٌ لَمْ يُبَيِّنُوا حاله لَكِنْ لَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ
سَبَقَ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ يُخَالِفُ التَّوَاضُعَ وَالْخُشُوعَ وَكَرِهَ السَّلَفُ مَسْحَ الْجَبْهَةِ فِي الصَّلَاةِ وَقَبْلَ الِانْصِرَافِ مما يتعلق بهما مِنْ غُبَارٍ وَنَحْوِهِ وَمُعَيْقِيبٌ هَذَا الرَّاوِي يُقَالُ له معيقيب بن أبي فاطمة الدويسي أَسْلَمَ قَدِيمًا وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ ثُمَّ إلَى الْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَعْمَلَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما عَلَى بَيْتِ المال توفى في آخر خلافة عثمان رضى الله عنه * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يَعُدَّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ يَشْغَلُ عَنْ الْخُشُوعِ فَكَانَ تَرْكُهُ أَوْلَى وَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا قَالَ هَا هَا ضَحِكَ الشَّيْطَانُ مِنْهُ ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ رُوِيَ بِأَلْفَاظٍ مِنْهَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " التَّثَاؤُبُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَا هَا فَإِنَّمَا ذَلِكُمْ الشَّيْطَانُ يَضْحَكُ مِنْهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وعن ابن سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ
فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فمه فان الشيطان يدخل " رواه مسلم قال أَصْحَابُنَا فَيُكْرَهُ التَّثَاؤُبُ فِي الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ فِي غَيْرِهَا أَيْضًا فَإِنْ تَثَاءَبَ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ وَيُسْتَحَبُّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ أَمْ لَا وَأَمَّا عَدُّ الْآيَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ قال ابن المنذر وخص فِيهِ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَطَاوُسٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْمُغِيرَةُ بن حكيم والشافعي وأحمد واسحق وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ هَذَا كَلَامُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَدْ نَقَلَ أَصْحَابُنَا نَصَّ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِعَدِّ الْآيَاتِ لَكِنْ قَالُوا
هُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ وَلِهَذَا قال فكان تركه اولي
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان بدره البصاق فان كان في غير الْمَسْجِدِ لَمْ يَبْصُقْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ بَلْ يَبْصُقُ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِهِ وَإِنْ بَدَرَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ وَحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ مَسْجِدًا يَوْمًا فَرَأَى فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ نُخَامَةً فَحَتَّهَا بِعُرْجُونٍ مَعَهُ ثُمَّ قَالَ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَبْصُقَ رَجُلٌ فِي وَجْهِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلَا يَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِهِ فَإِنْ أَصَابَتْهُ بَادِرَةُ بُصَاقٍ فَلْيَبْصُقْ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ يَقُولُ بِهِ هَكَذَا " فَعَلَّمَهُمْ أَنْ يَفْرُكُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ: فَإِنْ خَالَفَ وَبَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ دَفَنَهُ لِمَا رَوَى أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ وَكَفَّارَتُهُ دَفْنُهُ " وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ)
* (الشرح) فان أَهْلُ اللُّغَةِ الْبُصَاقُ وَالْبُزَاقُ وَالْبُسَاقُ وَبَصَقَ وَبَزَقَ وَبَسَقَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَلُغَةُ السِّينِ قَلِيلَةٌ وَقَدْ أَنْكَرَهَا بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَإِنْكَارُهَا بَاطِلٌ فَقَدْ نَقَلَهَا الثِّقَاتُ وَثَبَتَتْ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَإِذَا عَرَضَ لِلْمُصَلِّي بُصَاقٌ فَإِنْ كَانَ فِي مَسْجِدٍ حَرُمَ الْبُصَاقُ فِيهِ بَلْ يَبْصُقُ فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ كَكُمِّهِ وَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَحْرُمْ الْبُصَاقُ فِي الْأَرْضِ فَلَهُ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَسَارِهِ فِي ثَوْبِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ أَوْ بِجَنْبِهِ وَأَوْلَاهُ فِي ثَوْبِهِ وَيَحُكُّ بَعْضَهُ ببعض
أَوْ يَدَعُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَبْصُقَ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَإِذَا بَصَقَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ ارْتَكَبَ الْحَرَامَ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفِنَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْنِهِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي تُرَابِ الْمَسْجِدِ وَرَمْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ تُرَابٌ أَوْ رَمْلٌ وَنَحْوُهُمَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَخَذَهُ بِعُودٍ أَوْ خِرْقَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا أَوْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ الْمَسْجِدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالدَّفْنِ إخْرَاجُهَا مِنْ المسجد مطلقا ولا يكفي فدنها فِي تُرَابِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي بَابِ الِاعْتِكَافِ وَمَنْ رَأَى مَنْ يَبْصُقُ فِي الْمَسْجِدِ لَزِمَهُ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ وَمَنَعَهُ مِنْهُ إنْ قَدَرَ وَمَنْ رَأَى بُصَاقًا أَوْ نَحْوَهُ فِي الْمَسْجِدِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُزِيلَهُ بِدَفْعِهِ أَوْ رَفْعِهِ وَإِخْرَاجِهِ وَيُسْتَحَبُّ تَطْيِيبُ مَحَلِّهِ وَأَمَّا مَا يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ إذَا
بَصَقَ أَوْ رَأَى بُصَاقًا دَلَكَهُ بِأَسْفَلِ مَدَاسِهِ الَّذِي دَاسَ بِهِ النَّجَاسَةَ وَالْأَقْذَارَ فَحَرَامٌ لِأَنَّهُ تَنْجِيسٌ لِلْمَسْجِدِ أَوْ تَقْذِيرٌ لَهُ وَعَلَى مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ الْإِنْكَارُ عَلَيْهِ بِشَرْطِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَهَذَا مُخْتَصَرُ أَحْكَامِ الْمَسْأَلَةِ أَمَّا دَلَائِلُهَا فَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْزُقَنَّ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إذَا صَلَّى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا بِحَصَاةٍ ثُمَّ قَالَ إذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلَا يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ فَلَا يَبْزُقُنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ وَلَكِنْ عَنْ شِمَالِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَأَى نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ مَا لاحدكم يقوم مستقبل رَبَّهُ فَيَتَنَخَّعُ أَمَامَهُ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يُسْتَقْبَلَ فَيُتَنَخَّعَ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا تَنَخَّعَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَنَخَّعْ عَنْ يَسَارِهِ تَحْتَ قَدَمِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَقُلْ هَكَذَا فَتَفَلَ فِي ثَوْبِهِ ثُمَّ مَسَحَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَبْزُقْ أَمَامَهُ فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ وعن يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ يَمِينِهِ مَلَكًا وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ سول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الْبُزَاقُ فِي المسجد خطيئة وكفارتها دفنها " رواه الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنْ الطَّرِيقِ وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا
النُّخَاعَةُ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لَا تُدْفَنُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ غَيْرُ هَذِهِ وَفِيمَا ذَكَرْتُهُ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يَنْبَغِي أَلَّا يَسْكُتَ فِي صَلَاتِهِ إلَّا فِي حَالِ اسْتِمَاعِهِ لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ فَلَوْ سَكَتَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَوْ قِيَامِهِ أَوْ قُعُودِهِ سُكُوتًا يَسِيرًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَإِنْ سَكَتَ
طَوِيلًا لِعُذْرٍ بِأَنْ نَسِيَ شَيْئًا فَسَكَتَ لِيَتَذَكَّرَهُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بُطْلَانِهَا وَجْهَيْنِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ سَكَتَ طَوِيلًا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَفِي بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ وَلَوْ سَكَتَ طَوِيلًا نَاسِيًا وَقُلْنَا يُبْطِلُ تَعَمُّدُهُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ لَا تَبْطُلُ وَالثَّانِي عَلَى وَجْهَيْنِ (الثَّانِيَةُ) إشَارَةُ الْأَخْرَسِ الْمُفْهِمَةُ كَالنُّطْقِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالرَّجْعَةِ وَاللِّعَانِ وَالْقَذْفِ وَسَائِرِ الْعُقُودِ وَالْأَحْكَامِ إلَّا الشَّهَادَةَ فَفِي قَبُولِهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَلَوْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ بِمَا يُفْهِمُ ففى بطلانها وجهان الصحيح المشهور به قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَلَامٍ وَلَا فِعْلٍ كَثِيرٍ وَالثَّانِي تَبْطُلُ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ كَلَامِهِ وَجَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي فَتَاوِيهِ بِبُطْلَانِ الصَّلَاةِ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِالصِّحَّةِ فِي فَتَاوِيهِ وَصَحَّحَهُ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْوَسِيطِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ فَيُقَالُ إنْسَانٌ عَقَدَ النِّكَاحَ وَالْبَيْعَ فِي صَلَاتِهِ وصح ولم تبطل صلاته وتجئ مَسْأَلَةٌ (1) فِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي الْمُعَاطَاةِ فِي الْبَيْعِ وَالْكِتَابَةِ فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ فَإِنَّ فِيهِمَا خِلَافًا مَعْرُوفًا وَيُتَصَوَّرُ مِثْلُ هَذَا فِيمَنْ عَقَدَ الْبَيْعَ وَالنِّكَاحَ وَغَيْرَهُمَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بِلَفْظِهِ ناسيا للصلاة فيصح الجمع بِلَا خِلَافٍ (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ الْخُشُوعُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُضُوعُ وَتَدَبُّرُ قِرَاءَتِهَا وَأَذْكَارِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْإِعْرَاضُ عَنْ الْفِكْرِ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فَإِنْ فَكَّرَ فِي غَيْرِهَا وَأَكْثَرَ مِنْ الْفِكْرِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ فِكْرُهُ فِي مُبَاحٍ أَوْ حَرَامٍ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَدْ قَدَّمْنَا حِكَايَةَ وَجْهٍ ضَعِيفٍ فِي فَصْلِ الْفِعْلِ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَنَّ الْفِكْرَ فِي حَدِيثِ النَّفْسِ إذَا كَثُرَ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ شاذ مردود وقد نقل الاجماع علي
(1) كذا بالاصل يحرر العبارة
*
أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَمُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ فِي الْمَسَائِلِ الْمَنْثُورَةِ فِي آخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ عَلَى أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِالْفِكْرِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الله يجاوز لِأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ تَكَلَّمُ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ رضي الله عنه " قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعَصْرَ فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ سَرِيعًا وَدَخَلَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ وَرَأَى فِي وُجُوهِ
الْقَوْمِ مِنْ تَعَجُّبِهِمْ لِسُرْعَتِهِ فَقَالَ ذَكَرْتُ وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ تِبْرًا عِنْدَنَا فَكَرِهْتُ أَنْ يُمْسِيَ أَوْ يَبِيتَ عِنْدَنَا فَأَمَرْتُ بِقِسْمَتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (الرَّابِعَةُ) إذَا سَلَّمَ إنْسَانٌ عَلَى الْمُصَلِّي لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ بِالْإِشَارَةِ وَإِلَّا فَيَرُدُّ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَفْظًا فَإِنْ رَدَّ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ لَفْظًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْخِطَابِ فَإِنْ قَالَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ بِلَفْظِ الْغَيْبَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ حَدِيثُ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَاجَةٍ ثُمَّ أَدْرَكْتُهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَأَشَارَ إلَيَّ فلما فرغ دعاني فقال انك سلمت عليه آنِفًا وَأَنَا أُصَلِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي فَصْلِ الْكَلَامِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " قُلْتُ لِبِلَالٍ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْهِمْ حِينَ كَانُوا يُسَلِّمُونَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ كَانَ يُشِيرُ بِيَدِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ أَطْوَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي قِصَّةِ سَلَامٍ الْأَنْصَارِيِّ وَعَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ " مَرَرْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَرَدَّ إشَارَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ هُوَ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحَانِ وَأَمَّا الرَّدُّ بَعْدَ السَّلَامِ فَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أبى مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَتِنَا فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ فَأَخَذَنِي مَا قَدِمَ وَمَا حَدَثَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّلَاةَ قَالَ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ أَحْدَثَ
أَنْ لَا تَكَلَّمُوا فِي الصَّلَاةِ فَرَدَّ عليه السلام " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي يُرْوَى عَنْ أَبِي غَطَفَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَشَارَ فِي صَلَاتِهِ إشَارَةً تُفْهَمُ عَنْهُ فَلْيُعِدْ صَلَاتَهُ " فَرَوَاهُ أَبُو داود وقال هذا الحديث (1) وقال الدارقطني قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد أَبُو غَطَفَانَ هَذَا مَجْهُولٌ وَالصَّحِيحُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ كَانَ يُشِيرُ فِي الصَّلَاةِ " رَوَاهُ جَابِرٌ وَأَنَسٌ وَغَيْرُهُمَا وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا تَسْلِيمَ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ثُمَّ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رحمه الله قَالَ فِي تَفْسِيرِهِ أَرَادَ أَنَّ مَعْنَاهُ
أَنْ تُسَلِّمَ وَلَا يُسَلِّمَ وَيُغَرِّرُ الرَّجُلُ بِصَلَاتِهِ يَنْصَرِفُ وَهُوَ شَاكٌّ فِيهَا هَذَا كَلَامُ أَحْمَدَ وَالْغِرَارُ بِكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَكْرِيرِ الرَّاءِ وَهُوَ النُّقْصَانُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِ قَوْلِهِ وَلَا تَسْلِيمَ فَرُوِيَ مَنْصُوبًا وَمَجْرُورًا فَمَنْ نَصَبَهُ عَطَفَهُ عَلَى غِرَارٍ أَيْ لَا غِرَارَ وَلَا تَسْلِيمَ فِي الصَّلَاةِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أَحْمَدَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد وَمَنْ جَرَّهُ عَطَفَهُ عَلَى صَلَاةٍ أَيْ لَا غِرَارَ فِي صَلَاةٍ وَلَا فِي تَسْلِيمٍ وَبِهَذَا جَزَمَ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَالْغِرَارُ فِي التَّسْلِيمِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْكَ إنْسَانٌ فَتَرُدَّ عَلَيْهِ أَنْقَصَ مِمَّا قَالَ بِأَنْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَقُلْتَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَلَا تَرُدُّ التَّحِيَّةَ بِكَمَالِهَا بَلْ تَبْخَسُهُ حَقَّهُ مِنْ كَمَالِ الْجَوَابِ قَالَ وَالْغِرَارُ فِي الصلاة له تفسيران أحدهما أن يُتِمَّ رُكُوعَهَا وَسُجُودَهَا يَعْنِي وَنَحْوَهُمَا وَالثَّانِي يَنْصَرِفُ وَهُوَ شَاكٌّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا مَثَلًا وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ لَا غِرَارَ فِي الصَّلَاةِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى تَفْسِيرِ أَحْمَدَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ لَا غِرَارَ فِي تَسْلِيمٍ وَلَا صَلَاةٍ وَهَذَا يُؤَيِّدُ تَفْسِيرَ الْخَطَّابِيِّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَخْبَارُ السَّابِقَةُ تُبِيحُ السَّلَامَ عَلَى الْمُصَلِّي وَالرَّدَّ بِالْإِشَارَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا سَلَّمَ عَلَى الْمُصَلِّي: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّ بِاللَّفْظِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الْحَالِ إشَارَةً وَإِلَّا فَبَعْدَ السَّلَامِ لَفْظًا وَبِهَذَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ أَنَّهُمْ أباحوا
رَدَّ السَّلَامِ فِي الصَّلَاةِ بِاللَّفْظِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا لَفْظًا وَلَا إشَارَةً قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هَذَا خِلَافُ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ وَالثَّوْرِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا يَرُدُّ بَعْدَ فَرَاغِ صَلَاتِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسَلِّمُ حَاضِرًا أَمْ لَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يَرُدُّ بِقَلْبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُصَلِّي: مُقْتَضَى كَلَامِ أصحابنا انه لا يكره وهو الذى يقتضيه الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَحَكَى كَرَاهَتَهُ عن جابر وعطاء والشعبي وأبي مجلز واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ (الْخَامِسَةُ) يَجُوزُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هُوَ مُسْتَحَبٌّ فِي الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ
بيانه وقد حكي ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وأصحابه واحمد واسحق قَالَ وَكَرِهَهُ النَّخَعِيُّ قَالَ وَلَا مَعْنَى لِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهَا خِلَافُ السُّنَّةِ (السَّادِسَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ومسلم ابن يَسَارٍ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ ابْنُ سِيرِينَ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعَائِشَةُ بِنْتُ سَعْدٍ قَالَ وكرهه احمد واسحق إلَّا أَنْ يَأْتِيَ غَمٌّ شَدِيدٌ (السَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَفْقِيعُ الْأَصَابِعِ وَتَشْبِيكُهَا فِي الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ خَرَجَ إلَى الصَّلَاةِ أَنْ لَا يَعْبَثَ فِي طَرِيقِهِ وَأَنْ لَا يُشَبِّكَ أَصَابِعَهُ وَأَنْ يُلَازِمَ السَّكِينَةَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا ثُوِّبَ بِالصَّلَاةِ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وعلكيم السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا كَانَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَصْلُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ طُرُقٍ وَالتَّثْوِيبُ إقَامَةُ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْبَوْلَ أَوْ الْغَائِطَ أَوْ الرِّيحَ أَوْ يَحْضُرُهُ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ تَتُوقُ نَفْسُهُ إلَيْهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الْأَخْبَثَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُزِيلَ هَذَا الْعَارِضَ ثُمَّ يَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَلَوْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُصَلِّي مَعَ الْعَارِضِ مُحَافَظَةً عَلَى حُرْمَةِ الْوَقْتِ وَالثَّانِي حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّهُ يُزِيلُ الْعَارِضَ فَيَتَوَضَّأُ وَيَأْكُلُ وَإِنْ خرج الوقت ثم يقضيها لِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ
مِنْ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَافِظَ عَلَيْهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ إذَا انْتَهَى بِهِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ إلَى أَنْ ذَهَبَ خُشُوعُهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَبِهِ جَزَمَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِنَا وَمَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عن أهل الظاهر بطلانها والله أعلم
*
(باب سجود السهو)
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا ترك ركعة من الصلاة ساهيا ثم تذكرها وهو فيها لزمه أن يأتي بها وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أربعا لزمه أن يأخذ بالاقل ويأتى بما بقى لِمَا رَوَى
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " إذا شك احدكم في صلاته فليلق الشك وليبن علي اليقين فإذا استيقن التمام سجد سجدتين فان كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة له والسجدتان وان كانت ناقصة كانت الركعة تماما لصلاته والسجدتان ترغمان أنف الشيطان ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ صَلَّى خَمْسًا شفعن له صلاته وان كان صلي تمام لاربع كانتا ترغيما للشيطان " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا تَرَكَ رَكْعَةً سَاهِيًا ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ لَزِمَهُ فِعْلُهَا وَإِنْ شَكَّ فِي تَرْكِهَا بِأَنْ شَكَّ هَلْ صَلَّى رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا لَزِمَهُ الْأَخْذُ
بِالْأَقَلِّ وَفِعْلُ مَا بَقِيَ سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ فَعَلَ الْأَكْثَرَ فَفِي الْحَالَيْنِ يَلْزَمُهُ الْأَخْذُ بِالْأَقَلِّ وَيَجِبُ الْبَاقِي وَلَا مَدْخَلَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ: وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يُطْلِقُونَ الشك علي التردد في الشئ سَوَاءٌ اسْتَوَى الِاحْتِمَالَانِ أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَخْصُوصًا بِمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي عَلَيْهَا مَدَارُ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَعَنْهَا تَتَشَعَّبُ مَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ وَهِيَ سِتَّةُ أَحَادِيثَ أَحَدُهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نُودِيَ بِالْأَذَانِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لَا يَسْمَعَ الْأَذَانَ فَإِذَا قَضَى الْأَذَانَ أَقْبَلَ فَإِذَا ثُوِّبَ بِهَا أَدْبَرَ فَإِذَا قَضَى التَّثْوِيبَ أَقْبَلَ يَخْطِرُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ اُذْكُرْ كَذَا اُذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى فَإِذَا لَمْ يَدْرِ أَحَدُكُمْ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ "(الثَّانِي) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ - إمَّا الظُّهْرَ وَإِمَّا الْعَصْرَ - فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَى جِذْعًا فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَاسْتَنَدَ إلَيْهَا وَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَقَامَ ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ
أَمْ نَسِيتَ فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يمينا وشمالا فقال مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صَدَقَ لَمْ تُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَسَلَّمَ ثُمَّ كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ فَرَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ بِبَعْضِ مَعْنَاهُ وَقَالَ فِيهِ " سَلَّمَ مِنْ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ فَلَمَّا قِيلَ لَهُ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ "
(الثَّالِثُ) عَنْ عَبْدِ الله بن بحينة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَامَ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ وَعَلَيْهِ جُلُوسٌ فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ وَهُوَ جَالِسٌ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ وَسَجَدَهُمَا النَّاسُ مَعَهُ مَكَانَ مَا نَسِيَ مِنْ الْجُلُوسِ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(الرَّابِعُ) عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إبْرَاهِيمُ زَادَ أَوْ نَقَصَ - فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ يا رسول الله احدث في الصلاة شئ قَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْت كَذَا وَكَذَا فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ إنَّهُ لو حدث في الصلاة شئ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ وَلَكِنْ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي وَإِذَا شَكَّ احدكم في صلاته فليتحر الصواب فلبتم عَلَيْهِ ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَّا قَوْلَهُ " فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي فَإِنَّهُ لِلْبُخَارِيِّ وَحْدَهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " فَلْيَتَحَرَّ الَّذِي
يرى انه صواب " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الظُّهْرَ خَمْسًا فَقِيلَ أَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَمَا ذَاكَ قَالُوا صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " (الْخَامِسُ) عَنْ أَبِي سَعِيدِ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثْلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلَاتَهُ وَإِنْ كَانَ صَلَّى إتْمَامًا لِأَرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (السَّادِسُ) عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " إذا سهي أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَمْ اثْنَتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ اثْنَتَيْنِ صَلَّى أَمْ ثَلَاثًا فَلْيَبْنِ عَلَى اثْنَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَدْرِ أَثْلَاثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلَاثٍ وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ السِّتَّةُ هِيَ عُمْدَةُ بَابِ سجود السهو وفى الباب أحاديث بمعناها وَأَحَادِيثُ فِي مَسَائِلَ مُفْرَدَةٍ مِنْ الْبَابِ سَتَأْتِي فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ سُجُودُ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ مُطْلَقًا وَقَالَ إذَا شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ تَحَرَّى فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ عَمِلَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ هَذَا إذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الشَّكُّ فَإِنْ كَانَ لِأَوَّلِ مَرَّةٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَالِكٌ فَاعْتَمَدَ حَدِيثَيْ قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَابْنِ بُحَيْنَةَ فَقَالَ إنْ كَانَ السَّهْوُ بِزِيَادَةٍ سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَأَمَّا أَحْمَدُ
فَقَالَ يُسْتَعْمَلُ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا فِيمَا جَاءَ فِيهِ وَلَا يُحْمَلُ عَلَى الِاخْتِلَافِ قَالَ وَتَرْكُ الشَّكِّ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَتْرُكُهُ وَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ عَمَلًا بِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ فَهَذَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) يَتْرُكُهُ وَيَتَحَرَّى فَهَذَا يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ عَمَلًا بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَجَمَعَ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا وَرَدَّ الْمُجْمَلَ إلَى المبين وقال البيان انما هو في حديث أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا مَسُوقَانِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ وَالِاخْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلِّ وَوُجُوبُ الْبَاقِي وَفِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ بِالزِّيَادَةِ وَأَمَّا التَّحَرِّي الْمَذْكُورُ في حديث ابن مسعود فالمراد به بناء عَلَى الْيَقِينِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ حَقِيقَةُ التَّحَرِّي طَلَبُ أَحْرَى الْأَمْرَيْنِ وَأَوْلَاهُمَا بِالصَّوَابِ وَأَحْرَاهُمَا مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ لِمَا فِيهِ مِنْ يَقِينِ إكْمَالِ الصَّلَاةِ وَالِاحْتِيَاطِ لَهَا وَأَمَّا السُّجُودُ فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ بَعْدَ السَّلَامِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَانَ سَهْوًا لَا مَقْصُودًا قَالُوا وَلَا يَبْعُدُ هَذَا فَإِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ وَقَعَ فِيهَا السَّهْوُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُحْتَمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ عَلَى وَفْقِ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الْوَارِدَيْنِ لِبَيَانِ حُكْمِ السَّهْوِ الصَّرِيحَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُمَا وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُمَا وَإِهْمَالُهُمَا فَهَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَدُورُ عَلَيْهِ بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ الْأَحَادِيثِ وَالْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيَانُ مُعْتَمَدِ الْعُلَمَاءِ فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيهَا وَهُوَ مِنْ النَّفَائِسِ الْمَطْلُوبَةِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَيَأْتِي بِمَا بَقِيَ فَإِذَا شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ
بِرَكْعَةٍ إذَا كَانَتْ صَلَاتُهُ رُبَاعِيَّةً سَوَاءٌ كَانَ شَكُّهُ مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ تَرَجَّحَ احْتِمَالُ الْأَرْبَعِ وَلَا يُعْمَلُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ سَوَاءٌ طَرَأَ هَذَا الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَمْ تَكَرَّرَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَرَبِيعَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَعْمَلُ بِمَا يَقَعُ فِي نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَرَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ حَصَلَ لَهُ الشَّكُّ أَوَّلَ مَرَّةً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ صَارَ عَادَةً لَهُ اجْتَهَدَ وَعَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ وَإِنْ لَمْ يَظُنَّ شَيْئًا عَمِلَ بِالْأَقَلِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ مَا رَأَيْتُ قَوْلًا أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا وَلَا أَبْعَدَ مِنْ السُّنَّةِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ إذَا شَكَّ هَلْ زَادَ أَمْ نَقَصَ يَكْفِيهِ سَجْدَتَانِ لِلسَّهْوِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ تُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(فان ترك ركعة ناسيا وذكرها بعد السلام نظرت فان لم يتطاول الفصل أتى بها وان تطاول استأنف واختلف اصحابنا في التطاول فقال أبو اسحق هو أن يمضى قدر ركعة وعليه نص في البويطي وقال غيره يرجع فيه الي العادة فان كان قد مضى ما يعد تطاولا استأنف الصلاة وان مضى ما لا يعد تطاولا بنى لانه ليس له حد في الشرع فيرجع فيه الي العادة وقال أبو على بن أبي هريرة ان مضى قدر الصلاة التي نسي فيها استأنف وان كان دون ذلك بنى لان آخر الصلاة ينبني على أولها وما زاد علي ذلك لا ينبنى فجعل ذلك حدا)
*
(الشَّرْحُ) إذَا سَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ تَرَكَ رَكْعَةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَنَّهُ تَرَكَ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِنْ الْأَرْكَانِ سِوَى النِّيَّةِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَإِنْ ذَكَرَ السَّهْوَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ فَيَأْتِي بِالْبَاقِي وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ
وَحَكَى الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ قَوْلًا أَنَّهُ يَبْنِي مَا لَمْ يَقُمْ مِنْ الْمَجْلِسِ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ فِي النَّقْلِ وَغَلَطٌ من حيث
الدَّلِيلُ وَهُوَ مُنَابِذٌ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِقِ فَوَجَبَ رَدُّهُ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ طُولِ الْفَصْلِ وَقِصَرِهِ وَفِي ضَبْطِهِ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهَا عِنْدَ الاصحاب الرجوع الي العرف فان عدوه قنيلا فَقَلِيلٌ أَوْ كَثِيرًا فَكَثِيرٌ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالثَّانِي قَدْرُ رَكْعَةٍ طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ وَهَذَا هو المنصوص في البويطي واختاره أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَعَلَى هَذَا الْمُعْتَبَرُ
قَدْرُ رَكْعَةٍ خَفِيفَةٍ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ فَقَطْ وَالثَّالِثُ قَدْرُ الصَّلَاةِ الَّتِي سَهَا فِيهَا طَوِيلٌ وَدُونَهُ قَلِيلٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالرَّابِعُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَنْقُولَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ قَلِيلٌ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ طَوِيلٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْقَدْرِ الْمَنْقُولِ وَهُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " قَامَ إلَى نَاحِيَةِ المسجد وراجع ذى الْيَدَيْنِ وَسَأَلَ الْجَمَاعَةَ فَأَجَابُوا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ وَخَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَبَيْنَ أَنْ لَا يَكُونَ لحديث ذى اليدين * قال المصنف رحمه الله
* (وان شك بعد السلام في تركها لم يلزمه شئ لان الظاهر انه اداها علي التمام فلا يضره الشك الطارئ بعده ولانا لو اعتبرنا حكم الشك بعدها شق ذلك وضاق فلم يعتبر)
*
(الشَّرْحُ) إذَا شَكَّ بَعْدَ السَّلَامِ فِي تَرْكِ رَكْعَةٍ أَوْ رَكَعَاتٍ أَوْ رُكْنٍ فَفِي الْمَسْأَلَةِ طريقان (الصحيح) منهما انه لا شئ عَلَيْهِ وَلَا أَثَرَ لِهَذَا الشَّكِّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَبَعْضُ الخراسانيين والطريق الثاني حكاه الخراسانيون فيه ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ هَذَا وَ (الثَّانِي) يجب الاخذ باليقين فان كان الفصل قريبا وجب البناء والا وجب الاستئناف (والثالث) ان قرب الفصل وجب البناء والا فلا شئ عَلَيْهِ وَتَوْجِيهُهُمَا ظَاهِرٌ وَلَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْوُضُوءِ فِي تَرْكِ بَعْضِهِ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن ترك فرضا ساهيا أو شك في تركه وهو في الصلاة لم يعتد بما فعله بعد المتروك حتى يأتي بما تركه ثم يأتي بما بعده لان الترتيب مستحق في أفعال الصلاة فلا يعتد بما يفعل حتي يأتي بما تركه فان ترك سجدة من الركعة الاولي وذكرها وهو قائم في الثانية نظرت فان كان قد جلس عقيب السجدة الاولي خر ساجدا وقال أبو إسحق يلزمه أن يجلس ثم يسجد ليكون السجود عقيب الجلوس والمذهب الاول لان المتروك هو السجدة وحدها فلا يعيد ما قبلها كما لو قام من الرابعة الي الخامسة ساهيا ثم ذكر فانه يجلس ثم يتشهد ولا يعيد السجود قبله وان لم يكن قد جلس عقيب السجدة الاولى حتى قام ثم ذكر جلس ثم سجد ومن أصحابنا من قال يخر ساجدا لان الجلوس يراد الفصل بين السجدتين وقد حصل الفصل
بالقيام الي الثانية والمذهب الاول لان الجلوس فرض مأمور به فلم يجز تركه وان كان قد جلس عقيب السجدة الاولي وهو يظن انها جلسة الاستراحة ففيه وجهان قال أبو العباس لا يجزئه بل يلزمه أن يجلس ثم يسجد لان جلسة الاستراحة نفل فلا يجزئه عن الفرض كسجود التلاوة لا يجزئه عن سجدة الفرض ومن أصحابنا من قال يجزئه كما لو جلس في الرابعة وهو يظن انه جلس للتشهد الاول وتعليل أبى العباس يبطل بهذه المسألة وأما سجود التلاوة فلا يسلم فان من أصحابنا من قال يجزئه عن الفرض ومنهم من قال لا يجزئه لانه ليس من الصلاة وانما هو عارض فيها وجلسة الاستراحة من الصلاة وان ذكر ذلك بعد السجود في الثانية تمت له ركعة لان عمله بعد المتروك كلا عمل حتى يأتي بما ترك فإذا سجد في الثانية ضممنا سجدة من الثانية الي الاولى فتمت له الركعة وان ترك سجدة من أربع ركعات ونسى موضعها لزمه ركعة لانه يجوز أن يكون قد ترك من الاخيرة فيكفيه سجدة ويحتمل أن يكون قد ترك من غير الاخيرة فتبطل عليه الركعة التى بعدها وفي الصلاة يجب أن يحمل الامر علي الاشد ليسقط الفرض بيقين وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من شك في عد الركعات أن يأخذ بالاقل ليسقط الفرض بيقين وان ترك سجدتين جعل احداهما من الاولى والاخرى من الثالثة فيتم الاولى بالثانية والثالثة بالرابعة فيحصل له ركعتان وتلزمه ركعتان وان
ترك ثلاث سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدة ومن الرابعة سجدة وتلزمه ركعتان وان ترك أربع سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدة فيلزمه سجدة وركعتان وان ترك خمس سجدات جعل من الاولي سجدة ومن الثالثة سجدتين ومن الرابعة سجدتين فيلزمه سجدتان وركعتان وان نسى ست سجدات فقد أتى بسجدتين فجعل احداهما من الاولي والاخرى من الرابعة وتلزمه ثلاث ركعات وان نسى سبع سجدات حصل له ركعة إلا سجدة وان نسى ثماني سجدات حصل له من ركعة القيام والركوع ويلزمه أن يأتي بما بقى فان ذكر ذلك بعد السلام أو شك في تركه بعد السلام فالحكم فيه علي ما ذكرناه في الركعة)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله التَّرْتِيبُ وَاجِبٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا لَمْ يَعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ حَتَّى يَصِلَ إلَى الرُّكْنِ الْمَتْرُوكِ فَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الْمَتْرُوكُ وَمَا بَعْدَهُ فَإِنْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ قَبْلَ مِثْلِ الْمَتْرُوكِ اشْتَغَلَ عِنْدَ التَّذَكُّرِ بِالْمَتْرُوكِ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ فِعْلِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَمَّتْ الرَّكْعَةُ السَّابِقَةُ وَلُغِيَ مَا بَيْنَهُمَا هَذَا إذَا عَرَفَ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ وَمَوْضِعَهُ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بِأَقَلِّ الْمُمْكِنِ وَيَأْتِيَ بِالْبَاقِي وَفِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إلَّا إذَا وَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ بِأَنْ تَرَكَ رُكْنًا وَشَكَّ فِي عَيْنِهِ وَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ النِّيَّةَ أَوْ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ: وَإِلَّا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ هُوَ السَّلَامُ فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ سَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ هَذَا ضَابِطُ الْفَصْلِ فَلَوْ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهَا وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَسْجُدَ مِنْ قِيَامِهِ أَمْ يَجِبُ أَنْ يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ: حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَسْجُدُ مِنْ قِيَامٍ وَلَا يَجْلِسُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ الْفَصْلُ وَقَدْ حَصَلَ بِالْقِيَامِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ
عَقِبَ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَبَ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا لِأَنَّهُ رُكْنٌ مَقْصُودٌ وَلِهَذَا يَجِبُ فِيهِ الطُّمَأْنِينَةُ وَالِاسْتِوَاءُ قَاعِدًا بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ جَلَسَ كَفَاهُ السُّجُودُ مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَمْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُجْزِئُهُ الْجَلْسَةُ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ عَنْ الْجَلْسَةِ الْوَاجِبَةِ لِأَنَّهَا جَلْسَةٌ وَقَعَتْ فِي مَوْضِعِهَا وَقَدْ سَبَقَتْ نِيَّةَ الصَّلَاةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا لَهُ
أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بظنه الْأَوَّلَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ وَيَقَعُ فَرْضًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَحَكَوْا وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) إنْ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ كَفَاهُ السُّجُودُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَلَسَ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَزِمَهُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ الْجُلُوسُ مُطْمَئِنًّا ثُمَّ يَسْجُدُ سَوَاءٌ كَانَ جَلَسَ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لِلِاسْتِرَاحَةِ أَمْ لَمْ يَجْلِسْ لِيَكُونَ السُّجُودُ مُتَّصِلًا بِالْجُلُوسِ لِأَنَّهُ هَكَذَا فِي الْأَصْلِ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب عن أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَلَوْ شَكَّ هَلْ جَلَسَ فَهُوَ كَمَا إذَا لَمْ يَجْلِسْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الثَّانِيَةِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى فَيَنْظُرُ إنْ تَذَكَّرَ بعد السجدتين في الثانية أو في الثانية مِنْهُمَا فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ الْأُولَى وَلَغَى مَا بَيْنَهُمَا وَهَلْ يَحْصُلُ تَمَامُهَا بِالسَّجْدَةِ الْأُولَى أَمْ بِالثَّانِيَةِ يَبْنِي عَلَى الْأَوْجُهِ الْأَرْبَعَة فَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَجِبُ الْجُلُوسُ حَصَلَ بِالْأُولَى وَحَيْثُ أَوْجَبْنَاهُ حَصَلَ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ السَّجْدَةِ الْأُولَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَوْجَبْنَا الْجُلُوسَ لَمْ تَتِمَّ رَكْعَتُهُ الْأُولَى حَتَّى يَجْلِسَ ثُمَّ يَسْجُدَ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْهُ فَقَدْ تَمَّتْ رَكْعَتُهُ فَيَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَذَكَّرَ فِي جُلُوسِ الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ أَنَّهُ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ: حَالٌ يَحْصُلُ لَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ إلَّا سَجْدَتَيْنِ وَحَالٌ رَكْعَتَانِ وَحَالٌ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً فَإِذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْمَتْرُوكَ
ثِنْتَانِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَثِنْتَانِ مِنْ الرَّابِعَةِ صَحَّتْ الرَّكْعَتَانِ الْأُولَيَانِ وَحَصَلَتْ الثَّالِثَةُ لَكِنْ لَا سُجُودَ فِيهَا وَلَا فِيمَا بَعْدَهَا فَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ لِيُتِمَّ ثُمَّ يَقُومُ إلَى رَكْعَةٍ رَابِعَةٍ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ فَتُتِمُّ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةُ بِالرَّابِعَةِ وَمِثْلُهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَوَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَأُخْرَى مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ وَأُخْرَى مِنْ الرَّابِعَةِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ فَيَحْصُلُ مِنْ كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ رَكْعَتَانِ
وَيَقُومُ فَيَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ: أَمَّا إذَا تَرَكَ مِنْ الْأُولَى وَاحِدَةً وَمَنْ الثَّانِيَةِ ثِنْتَيْنِ وَمَنْ الرَّابِعَةِ وَاحِدَةً أَوْ مِنْ الْأُولَى ثِنْتَيْنِ وَمِنْ الثَّانِيَةِ وَاحِدَةً وَمِنْ الرَّابِعَةِ أُخْرَى وَكَذَا صُورَةُ تَرْكِ ثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ وَثِنْتَيْنِ مِنْ ركعتين غير متواليين فَيَحْصُلُ رَكْعَتَانِ إلَّا سَجْدَةً فَيَسْجُدُهَا ثُمَّ يَأْتِي بركعتين هذا كله إذا عرف مواضع السَّجَدَاتِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ لَزِمَهُ الْأَخْذُ بِالْأَشَدِّ فَيَأْتِي بِسَجْدَةٍ ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَتَانِ وَهُوَ غَلَطٌ قَطْعًا وَغَلَّطَهُ الْأَصْحَابُ فِيهِ هَذَا كُلُّهُ إذا كان جَلَسَ عَقِبَ السَّجْدَةِ بِنِيَّةِ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ إذَا قُلْنَا تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ وَهُوَ الْأَصَحُّ أَوْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الْقِيَامَ يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ: فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي بَعْضِ الرَّكَعَاتِ أَوْ لَمْ يَجْلِسْ فِي غَيْرِ الرَّابِعَةِ وَقُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْقِيَامَ لَا يَقُومُ مَقَامَ الْجِلْسَةِ فَلَا يُحْسَبُ ما بعد السجدة المفعولة حتى يجلس لَوْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً وَلَمْ يَجْلِسْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَوْ جَلَسَ بِنِيَّةِ الِاسْتِرَاحَةِ أَوْ جَلَسَ فِي الثَّانِيَةِ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا إنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَأَدَّى بِنِيَّةِ النَّفْلِ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا رَكْعَةٌ نَاقِصَةٌ سَجْدَةً ثُمَّ هَذَا الْجُلُوسُ الَّذِي تَذَكَّرَ فِيهِ يَقَعُ عَنْ الْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَيَسْجُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ: أَمَّا إذَا تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً
مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ وَهُوَ فِي الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الْآخِرَةِ سَجَدَهَا وَاسْتَأْنَفَ التَّشَهُّدَ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ وَإِنْ عَلِمَهَا مِنْ غَيْرِ الْآخِرَةِ أَوْ شَكَّ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ: وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ سَجْدَتَيْنِ فَإِنْ كَانَتَا مِنْ الْأَخِيرَةِ سَجَدَهُمَا ثُمَّ تَشَهَّدَ وَإِنْ كَانَتَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لَزِمَهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ كَفَاهُ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَهُمَا مِنْ رَكْعَتَيْنِ غَيْرِ مُتَوَالِيَتَيْنِ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ ثَلَاثِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ وَاحِدَةً مِنْ الرَّابِعَةِ وَثِنْتَيْنِ مِنْ رَكْعَةٍ غَيْرِهَا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّابِعَةِ لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ رَكْعَةٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الثَّلَاثَ مِنْ الثَّلَاثِ الْأُولَيَاتِ أَوْ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ أَشْكَلَ الْحَالُ لَزِمَهُ رَكْعَتَانِ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَقْسِيمَهُ وَإِنْ عَلِمَ تَرْكَ خَمْسِ سَجَدَاتٍ فَإِنْ عَلِمَ مَوْضِعَهُنَّ فَحُكْمُهُ وَاضِحٌ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ جَهِلَ مَوْضِعَهُنَّ لَزِمَهُ ثلاث ركعات
باتفاق الاصحاب ولكهم مُصَرِّحُونَ بِوُجُوبِ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ إلَّا الْمُصَنِّفَ فِي الْكِتَابِ فَقَالَ يَلْزَمُهُ سَجْدَتَانِ وَرَكْعَتَانِ وَهُوَ غَلَطٌ ليس عنه جَوَابٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَسَائِلَ كُلَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى وجوب الاخد بِأَشَدِّ الْأَحْوَالِ وَهَذَا يُقْتَضَى وُجُوبَ ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الْأُولَى وَسَجْدَتَيْنِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَسَجْدَةً مِنْ الثَّالِثَةِ أَوْ مِنْ الاولي سَجْدَةً وَمِنْ الثَّانِيَةِ سَجْدَتَيْنِ وَكَذَا مِنْ الثَّالِثَةِ فَيُتِمُّ الْأُولَى بِالرَّابِعَةِ وَلَا يَحْصُلُ غَيْرُ رَكْعَةٍ: وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ تَرَكَ سِتَّ سَجَدَاتٍ لَزِمَهُ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ أَيْضًا وَإِنْ تَرَكَ سَبْعًا لَزِمَهُ سَجْدَةٌ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ وَإِنْ تَرَكَ ثَمَانِيًا لَزِمَهُ سَجْدَتَانِ ثُمَّ ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُتَصَوَّرُ تَرْكُ الْخَمْسِ فَمَا بَعْدَهَا وَقَبْلَهَا فِيمَنْ سَجَدَ بِلَا طُمَأْنِينَةٍ أَوْ عَلَى حَائِلٍ مُتَّصِلٍ بِهِ يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ: وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ يَطَّرِدُ لَوْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ بَعْدَ السَّلَامِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ إنْ لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي أَثْنَاءِ الدَّلِيلِ أَنَّهُ لَوْ سَجَدَ لِلتِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَيْهِ سَجْدَةٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ فَهَلْ يُجْزِئُهُ: فِيهِ وَجْهَانِ الصَّحِيحُ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ مِنْ كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةٌ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أنه يحصل له ركعتان ويأتي بركعتين اخرين بشرطه المذكور وقال الليث ابن سَعْدٍ وَأَحْمَدُ فِيمَا حَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَدْ
تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَعَنْ النَّخَعِيِّ مَنْ نَسِيَ سَجْدَةً سَجَدَهَا مَتَى ذَكَرَهَا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ فِيمَنْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الظُّهْرِ فَذَكَرهَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ قَالَ يَمْضِي فِي صَلَاتِهِ فَإِذَا فَرَغَ سَجَدَهَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُمَا لَا يَحْصُلُ لَهُ إلَّا مَا فَعَلَهُ فِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ وَفِي رِوَايَةٍ عنهما يستانف الصلاة وأما إذَا تَرَكَ سَجْدَةً أَوْ سَجْدَتَيْنِ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا مذهبنا فيه وأنه يعود الي سجوده الاولي وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ عَادَ وَإِلَّا فَيَبْطُلُ حُكْمُ
الْأُولَى وَيَعْتَدُّ بِالثَّانِيَةِ وَقَالَ مَالِكٌ يَعُودُ مَا لَمْ يركع * قال المصنف رحمه الله
* (فان نسي سنة نظرت فان ذكر ذلك وقد تلبس بغيرها مثل أن ترك دعاء الاستفتاح فذكر وهو في التعوذ أو ترك التشهد الاول فذكره وقد انتصب قائما لم يعد إليه والدليل عليه ما روى المغيرة ابن شعبة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ الركعتين فلم يستتم قائما فليجلس فان استتم قائما فلا يجلس ويسجد سجدتين " ففرق ابين ان ينتصب وبين أن لا ينتصب لانه إذ انتصب حصل في غيره وإذا لم ينتصب لم يحصل في غيره فدل علي ما ذكرناه فان نسى تكبيرات العيد حتى افتتح القراءة ففيه قولان قال في القديم ياتي بها لان محلها القيام والقيام باق وقال في الجديد لا ياتي بها لانه ذكر مسنون قبل القراءة فسقط بالدخول في القراءة كدعاء الاستفتاح)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَفِي رِوَايَةٍ عن زياد بن علافه قَالَ " صَلَّى بِنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَقُلْنَا سُبْحَانَ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَمَضَى فَلَمَّا أَتَمَّ صَلَاتَهُ وَسَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ كَمَا صَنَعْتُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ يَحْصُلُ بِهَا الدَّلَالَةُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَى الْحَاكِمُ مِثْلَهَا مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَمَنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَقَالَ هُمَا صَحِيحَتَانِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا تَرَكَ الْمُصَلِّي سُنَّةً وَتَلَبَّسَ بِغَيْرِهَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا سَوَاءٌ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ أَمْ بِسُنَّةٍ أُخْرَى فَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِفَرْضٍ أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ أَوْ التَّعَوُّذَ أَوْ كِلَيْهِمَا حَتَّى يَشْرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ يَتْرُكَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى يلتبس بِالرُّكْنِ الَّذِي بَعْدَهُمَا أَوْ يَتْرُكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا أَوْ الْقُنُوتَ حَتَّى يَسْجُدَ أَوْ جَلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ قَائِمًا وَنَحْوَ ذَلِكَ وَمِثَالُ التَّلَبُّسِ بِسُنَّةٍ أُخْرَى أَنْ يَتْرُكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ حَتَّى يَشْرَعَ فِي التَّعَوُّذِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ أَعْنِي الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ وَتَعَوَّذَ عَادَ إلَيْهِ مِنْ التَّعَوُّذِ وَالْمَشْهُورُ فِي
الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَعُودُ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَمْ سَهْوًا فَلَوْ خَالَفَ وَعَادَ مِنْ التَّعَوُّذِ إلَى الِاسْتِفْتَاحِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ مِنْ الِاعْتِدَالِ إلَى الرُّكُوعِ لِتَسْبِيحِ الرُّكُوعِ أَوْ مِنْ الْقِيَامِ أَوْ التَّعَوُّذِ
إلَى السُّجُودِ لِتَسْبِيحِ السُّجُودِ أَوْ من القيام لي الْجُلُوسِ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ مِنْ السُّجُودِ إلَى الِاعْتِدَالِ لِلْقُنُوتِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فُرُوعٌ تَتَعَلَّقُ بِهَا سَنَبْسُطُ بَعْضَهَا فِي الْفَصْلِ الْآتِي وَبَعْضَهَا فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَصْلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا إذَا نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَيُنْظَرُ إنْ تَذَكَّرَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُعِدْهَا بِلَا خِلَافٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّهَا فَإِنْ كَبَّرَهَا فِي رُكُوعِهِ وَمَا بَعْدَهُ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ كَانَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَذَكَّرَهَا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَفِيهَا الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَإِنَّ مَحَلَّهُ عَقِبَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ (وَالْقَدِيمُ) أَنَّهُ يُكَبِّرُ لِبَقَاءِ الْقِيَامِ وَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْجَدِيدُ وَلَوْ تَذَكَّرَهَا فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ لَمْ يُعِدْهَا فِي الْجَدِيدِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وفى القديم يعيدها ثم يستأنف الْفَاتِحَةُ وَإِذَا تَدَارَكَ التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ اُسْتُحِبَّ اسْتِئْنَافُهَا وَفِي وَجْهٍ يَجِبُ إعَادَةُ الْفَاتِحَةِ وَالصَّحِيحُ الِاسْتِحْبَابُ وَلَوْ أَدْرَكَ
مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ فِي أَثْنَاءِ الْقِرَاءَةِ أَوْ وَقَدْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ معه خمسا على الجديد فإذا أقام إلَى فَائِتَةٍ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (الذي يقتضي سجود السهو امران زيادة ونقصان فاما الزيادة فضربان: قول وفعل: فالقول أن يسلم في غير موضع السلام ناسيا أو يتكلم ناسيا فيسجد للسهو والدليل عَلَيْهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سَلَّمَ من اثنتين وكلم ذا اليدين وأتم صلاته وسجد سجدتين وان قرأ في غير موضع القراءة سجد لانه قول في غير موضعه فصار كالسلام: وأما الفعل فضربان ضرب لا يبطل عمده الصلاة وضرب يبطل فما لا يبطل عمده الصلاة كالالتفات والخطوة والخطوتين فلا يسجد له لان عمده لا يؤثر فسهوه لا يقتضي السجود وأما ما يبطل عمده فضربان متحقق ومتوهم فالمتحقق ان يسهو فيزيد في صلاته ركعة أو ركوعا أو سجودا أو قياما أو قعودا أو يطيل القيام بنية القنوت في غير موضع القنوت
أو يقعد للتشهد في غير موضع القعود علي وجه السهو فيسجد للسهو وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى الظهر خمسا فقيل له صليت خمسا فسجد سجدتين وهو جالس بعد التسليم " وأما المتوهم فهو أن يشك هل صلي ركعة أو ركعتين فيلزمه ان يصلي ركعة أخرى ثم يسجد للسهو لحديث ابى سعيد الخدرى الذى ذكرناه في اول الباب فان قام من الركعتين فرجع الي القعود قبل أن ينتصب قائما ففيه قولان
(أحدهما)
يسجد للسهو لانه زاد في صلاته فعلا تبطل الصلاة بعمده فيسجد كما لو زاد قياما أو ركوعا
(والثانى)
لا يسجد وهو الاصح لانه عمل قليل فهو كالالتفات والخطوة
*
وأما النقصان فهو أن يترك سنة مقصودة وذلك شيآن: أحدهما أن يترك التشهد الاول ناسيا فيسجد للسهو لما روى ابن بحينة أن النبي صل الله عليه وسلم " قام من اثنتين فلما جلس من اربع انتظر الناس تسليمه فسجد قبل ان يسلم " والثانى أن يترك القنوت ساهيا فيسجد للسهو لانه سنة مقصودة في محلها فتعلق السجود بتركها كالتشهد الاول وان ترك الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التشهد الاول فان قلنا انها ليست بسنة فلا يسجد وان قلنا انها سنة سجد لانه ذكر مقصود في موضعه فهو كالتشهد الاول فان ترك التشهد الاول أو القنوت عامدا سجد للسهو ومن اصحابنا من قال لا يسجد لانه مضاف الي السهو فلا يفعل مع العمد والمذهب الاول لانه إذا سجد لتركه ساهيا فلان يسجد لتركه عامدا اولي وان ترك سنة غير مقصودة كالتكبيرات والتسبيحات والجهر والاسرار والتورك والافتراش وما اشبهها لم يسجد لانه ليس بمقصود في موضعه فلم يتعلق بتركه الجبران وان شك هل سها نظرت فان كان في زيادة هل زاد أم لا لم يسجد لان الاصل انه لم يزد وان كان في نقصان هل ترك التشهد أو القنوت أم لا سجد لان الاصل انه لم يفعل فسجد لتركه)
* (الشَّرْحُ) الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي أَوَّلِ الباب واما الاحكام فقال اصحابنا الذي يقتضيه سُجُودَ السَّهْوِ قِسْمَانِ تَرْكُ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ ارْتِكَابُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ أَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ فَنَوْعَانِ تَرْكُ رُكْنٍ
وَغَيْرِهِ أَمَّا الرُّكْنُ فَإِذَا تَرَكَهُ لَمْ يَكْفِ عَنْهُ السُّجُودُ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَدَارُكِهِ كَمَا سَبَقَ ثُمَّ قَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ سُجُودَ السَّهْوِ بَعْدَ التَّدَارُكِ وَقَدْ لَا يَقْتَضِيهِ كَمَا سَنُفَصِّلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَأَمَّا غَيْرُ الرُّكْنِ فَضَرْبَانِ أَبْعَاضٌ وَغَيْرُهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْأَبْعَاضِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ وَالْجُلُوسُ لَهُ وَالْقُنُوتُ وَالْقِيَامُ لَهُ وَكَذَا الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ إذَا تَرَكَهُمَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَقُلْنَا إنَّهُمَا سُنَّةٌ وَكَذَا الصَّلَاةُ عَلَى الْآلِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَيْسَتْ وَاجِبَةً بَلْ هِيَ سُنَّةٌ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَبْعَاضِ مَجْبُورٌ بِسُجُودِ السَّهْوِ إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن بُحَيْنَةَ رضي الله عنهما السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّ السُّجُودَ مَشْرُوعٌ لِلسَّهْوِ وَهَذَا غير؟ ؟ ؟ ولان السُّجُودَ شُرِعَ جَبْرًا لِخَلَلِ الصَّلَاةِ وَرِفْقًا بِالْمُصَلِّي إذَا تَرَكَهُ سَهْوًا لِعُذْرِهِ وَهَذَا غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْعَامِدِ فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حامد هذا الوجه عن أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِي وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَسْجُدُ لِأَنَّهُ إذَا شُرِعَ لِلسَّاهِي فَالْعَامِدُ الْمُقَصِّرُ أَوْلَى وَأَمَّا غَيْرُ الْأَبْعَاضِ
مِنْ السُّنَنِ كَالتَّعَوُّذِ وَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ وَالتَّكْبِيرَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ وَالدَّعَوَاتِ وَالْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّوَرُّكِ وَالِافْتِرَاشِ وَالسُّورَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةَ وَوَضْعِ الْيَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ الزَّائِدَةِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ الْمَسْنُونَاتِ غَيْرِ الْأَبْعَاضِ فَلَا يَسْجُدُ لَهَا سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم السجود لشئ مِنْهَا وَالسُّجُودُ زِيَادَةٌ فِي الصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِتَوْقِيفٍ وَتُخَالِفُ الْأَبْعَاضَ فَإِنَّهُ وَرَدَ التَّوْقِيفُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجُلُوسِهِ وَقِسْنَا بَاقِيَهَا عَلَيْهِ لِاسْتِوَاءِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهَا سُنَنٌ مُتَأَكَّدَةٌ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِتَرْكِ كُلِّ مَسْنُونٍ ذِكْرًا كَانَ أَوْ فِعْلًا ووجها أَنَّهُ يَسْجُدُ لِنِسْيَانِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَهُمَا شَاذَانَ ضَعِيفَانِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لا يسجد لشئ مِنْهَا غَيْرَ الْأَبْعَاضِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ: أَمَّا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَصِنْفَانِ أَحَدُهُمَا مَا لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالِالْتِفَاتِ وَالْخُطْوَةِ وَالْخُطْوَتَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ وَكَذَا الضَّرْبَةُ وَالضَّرْبَتَانِ وَالْإِقْعَاءُ فِي الْجُلُوسِ وَوَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْفَمِ وَالْخَاصِرَةِ وَالْفِكْرُ فِي الصَّلَاةِ وَالنَّظَرُ إلَى مَا يُلْهِي وَرَفْعُ الْبَصَرِ إلَى السَّمَاءِ وَكَفُّ الثَّوْبِ وَالشَّعْرِ وَمَسْحُ الْحَصَى وَالتَّثَاؤُبُ وَالْعَبَثُ بِلِحْيَتِهِ وَأَنْفِهِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ فَهَذَا كُلُّهُ لَا يُسْجَدُ
لِعَمْدِهِ وَلَا لِسَهْوِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَظَرَ إلَى أَعْلَامِ الْخَمِيصَةِ وَقَالَ أَلْهَتْنِي أَعْلَامُهَا وَتَذَكَّرَ تِبْرًا كَانَ عِنْدَهُ فِي الصَّلَاةِ وَحَمَلَ أُمَامَةَ وَوَضَعَهَا وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ في الصلاة ولم يسجد لشئ مِنْ ذَلِكَ وَالثَّانِي مَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ كَالْكَلَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ الزَّائِدَيْنِ فَهَذَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ إذَا لَمْ تَبْطُلْ بِهِ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا بَطَلَتْ بِهِ الصَّلَاةُ فَلَا سُجُودَ وَذَلِكَ كَالْأَكْلِ وَالْفِعْلِ وَالْكَلَامِ إذَا أَكْثَرَ مِنْهَا سَاهِيًا فَإِنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَكَذَلِكَ الْحَدَثُ تَبْطُلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَهْوًا فَلَا سُجُودَ وَإِذَا سَلَّمَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ نَاسِيًا أَوْ قَرَأَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْقِرَاءَةِ غَيْرَ الْفَاتِحَةِ أَوْ الْفَاتِحَةَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا إذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّ قِرَاءَتَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا عَمْدًا لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَلَنَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَا يُسْجَدُ لَهَا وَبِهِ قَطَعَ الْعَبْدَرِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْأَصْحَابُ الْقِيَامُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالتَّشَهُّدُ أَرْكَانٌ طَوِيلَةٌ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَضُرُّ تَطْوِيلُهَا قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا تَطْوِيلُ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالِاعْتِدَالُ عَنْ الرُّكُوعِ رُكْنٌ قَصِيرٌ أُمِرَ الْمُصَلِّي بِتَخْفِيفِهِ فَلَوْ أَطَالَهُ عَمْدًا بِالسُّكُوتِ أَوْ الْقُنُوتِ حَيْثُ لَمْ يُشْرَعْ أَوْ بِذِكْرٍ آخَرَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا حَيْثُ وَرَدَ الشَّرْعُ
بِالتَّطْوِيلِ فِي الْقُنُوتِ أَوْ فِي صَلَاةِ التَّسْبِيحِ وَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ أَوْ يُطِيلُ الْقِيَامَ بِنِيَّةِ الْقُنُوتِ وَمُرَادُهُ إطَالَةُ الِاعْتِدَالِ وَذَكَرَهُ فِي الْقِسْمِ الَّذِي تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالثَّالِثُ إنْ قَنَتَ عَمْدًا فِي اعْتِدَالِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ طَوَّلَهُ بِذِكْرٍ آخَرَ لَا بِقَصْدِ الْقُنُوتِ لَمْ تَبْطُلْ هَذَا نَقْلُ الْأَصْحَابِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مضى فقلت يصلي بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مر بآية فيها سؤال سأل وإذ مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ثُمَّ رَكَعَ فَجَعَلَ يَقُولُ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحْوًا مِنْ قِيَامِهِ ثُمَّ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَامَ طَوِيلًا قَرِيبًا مِمَّا رَكَعَ
ثُمَّ سَجَدَ فَقَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى فَكَانَ سُجُودُهُ قريبا من قيامه " هذا لفظ رواية ملسم وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ إطَالَةِ الِاعْتِدَالِ بِالذِّكْرِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ صَعْبٌ عَلَى مَنْ مَنَعَ الْإِطَالَةَ فَالْأَقْوَى جَوَازُهَا بِالذِّكْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالثَّانِي أَنَّهُ طَوِيلٌ قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَكْثَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا طَوِيلٌ فَلَا بَأْسَ بِتَطْوِيلِهِ عَمْدًا وَإِنْ قُلْنَا قَصِيرٌ فَفِي تَطْوِيلِهِ عَمْدًا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الِاعْتِدَالِ قَالُوا وَلَوْ نَقَلَ رُكْنًا ذِكْرِيًّا إلَى رُكْنٍ طَوِيلٍ بِأَنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَعْضَهَا فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ أَوْ الْجُلُوسِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ أَوْ قَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ عَمْدًا فَطَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَأَصَحُّهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ نَقَلَ رُكْنًا فِعْلِيًّا وَأَصَحُّهُمَا لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِصُورَتِهَا بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَطَرَدُوا هَذَا الْخِلَافَ فِيمَا لَوْ نَقَلَهُ إلَى الِاعْتِدَالِ وَلَمْ يُطِلْ فَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ أَوْ بَعْضَ التَّشَهُّدِ فَإِنْ اجْتَمَعَ الْمَعْنَيَانِ فَطَوَّلَ الِاعْتِدَالَ بِالْفَاتِحَةِ أَوْ بِالتَّشَهُّدِ بَطَلَتْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقِيلَ تَبْطُلُ قَطْعًا وَحَيْثُ قُلْنَا فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَفَعَلَهُ سهوا سجدتين لِلسَّهْوِ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ بِعَمْدِهِ فَهَلْ يَسْجُدُ لِسَهْوِهِ فِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا كَسَائِرِ مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ وَأَصَحُّهُمَا يَسْجُدُ لِإِخْلَالِهِ بِصُورَتِهَا وَتُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ عَنْ قَوْلِنَا مَا لَا يُبْطِلُ عَمْدُهُ لَا يُسْجَدُ لِسَهْوِهِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِلزِّيَادَةِ وَلِلنَّقْصِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إلَّا عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ صَاحِبَيْ ابْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَا لَا يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ: دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ
(فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُسْجَدُ لِتَرْكِ الْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَالتَّسْبِيحِ وَسَائِرِ الْهَيْئَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ وَالْإِسْرَارِ وَقَالَ مَالِكٌ يُسْجَدُ لِتَرْكِ جَمِيعِ الْهَيْئَاتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى إذَا أَسَرَّ فِي مَوْضِعِ الْجَهْرِ أَوْ عَكَسَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ لَا يُسْجَدُ لِلْجَهْرِ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ وَلَا لِلْإِسْرَارِ فِي مَوْضِعٍ الْجَهْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي ثور واسحق أَنَّهُ يُسْجَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُسْجَدُ لترك تكبيرات العيد وعن
الحكم واسحق أَنَّهُ يَسْجُدُ لِجَمِيعِ ذَلِكَ وَأَمَّا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ عَمْدًا فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ الْقَاسِمِ لَا يَسْجُدُ وَقَالَ أَحْمَدُ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ فِي أبواب الفقه أنا إذا تيقنا وجود شئ أَوْ عَدَمَهُ ثُمَّ شَكَكْنَا فِي تَغَيُّرِهِ وَزَوَالِهِ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ اسْتَصْحَبْنَا حُكْمَ الْيَقِينِ وَطَرَحْنَا حُكْمَ الشَّكِّ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا فِي بَابِ الشَّكِّ فِي نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَاسْتَوْعَبْنَاهَا هُنَاكَ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهَا مُوَضَّحًا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا شَكَّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِالسُّجُودِ وَهُوَ الْأَبْعَاضُ فَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي تَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ مُعَيَّنٍ فَأَمَّا إذَا شَكَّ هَلْ تَرَكَ مَأْمُورًا بِهِ مُطْلَقًا أَمْ لَا فلا يسجد كما لو شك هل سهي أَمْ لَا فَإِنَّهُ لَا يَسْجُدُ قَطْعًا وَإِنْ شَكَّ هَلْ زَادَ فِي الصَّلَاةِ رَكْعَةً أَوْ سَجْدَةً أَوْ غَيْرَهُمَا أَمْ لَا أَوْ هَلْ ارتكب منهيا عنه كَكَلَامٍ وَسَلَامٍ نَاسِيًا لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ لَهُ أَمْ لَا فَلْيَسْجُدْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ السُّجُودِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ سَجَدَ أُخْرَى وَلَوْ تَيَقَّنَ السَّهْوَ وَشَكَّ هَلْ هُوَ تَرَكَ مَأْمُورًا أَوْ ارْتَكَبَ مَنْهِيًّا عَنْهُ سَجَدَ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ السُّجُودِ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُ عَيْنِهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا أَخَذَ بِالْأَقَلِّ كَمَا سَبَقَ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ السُّجُودِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَطَائِفَةٌ الْمُعْتَمَدُ فِيهِ الْحَدِيثُ وَلَا يَظْهَرُ مَعْنَاهُ وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْقَفَّالُ وَالشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ سَبَبَهُ التَّرَدُّدُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي يَأْتِي بِهَا هَلْ هِيَ رَابِعَةٌ أَمْ زَائِدَةٌ تَقْتَضِي السُّجُودَ وَهَذَا التَّرَدُّدُ يَقْتَضِي السُّجُودَ فَلَوْ زَالَ تَرَدُّدُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَقَبْلَ السُّجُودِ وَعَرَفَ أَنَّ الَّتِي يَأْتِي بِهَا رَابِعَةٌ لَمْ يَسْجُدْ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَسْجُدُ عَلَى الثَّانِي وَضَبَطَ أَصْحَابُ الْوَجْهِ الثَّانِي صُورَةَ الشَّكِّ وَزَوَالِهِ فَقَالُوا إنْ كَانَ مَا فَعَلَهُ من وقت عروض الشك الي زواله لابد مِنْهُ عَلَى كُلِّ احْتِمَالٍ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا عَلَى بَعْضِ الِاحْتِمَالَاتِ سَجَدَ مِثَالُهُ شَكَّ فِي قِيَامِهِ مِنْ الظُّهْرِ أَنَّ تِلْكَ الرَّكْعَةَ ثَالِثَةٌ
أَمْ رَابِعَةٌ فَرَكَعَ وَسَجَدَ عَلَى هَذَا الشَّكِّ وَهُوَ عَازِمٌ عَلَى الْقِيَامِ إلَى رَكْعَةٍ أُخْرَى أَخْذًا بِالْيَقِينِ ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ الْقِيَامِ إلَى الْأُخْرَى أَنَّهَا ثَالِثَةٌ أَوْ رَابِعَةٌ فَلَا يَسْجُدُ لان ما فعله على الشك لابد مِنْهُ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ
فَإِنْ لَمْ يَتَذَكَّرْ حَتَّى قَامَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الَّتِي قَامَ إلَيْهَا رَابِعَةٌ لِأَنَّ احْتِمَالَ الزِّيَادَةِ وَكَوْنِهَا خَامِسَةً كَانَ مَوْجُودًا حِينَ قَامَ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ رُكُوعَهُ الْمُجْزِئَ فَسَيَأْتِي فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى فَعَلَى هَذَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْغَزَالِيُّ ظَاهِرٌ وَلَا يُقَالُ يَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ لِأَنَّ هَذَا الشَّخْصَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ شَاكٌّ فِي عَدَدِ رَكَعَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ سَبَقَ أَنَّ فَوَاتَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ جُلُوسِهِ يَقْتَضِي سُجُودَ السَّهْوِ فَإِذَا نَهَضَ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَاسِيًا لِلتَّشَهُّدِ أَوْ جَلَسَ وَلَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ ثُمَّ نَهَضَ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَلَهُ حَالَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَذَكَّرَ بَعْدَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا فَيَحْرُمُ الْعَوْدُ إلَى الْقُعُودِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ السَّابِقُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَوْدُ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْقِرَاءَةِ لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَعُودَ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ الْعَوْدِ فَإِنْ عَادَ مُتَعَمِّدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُومَ عِنْدَ تَذَكُّرِهِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ سُجُودُ السَّهْوِ هُنَا لِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَتَرَكَ التَّشَهُّدَ وَالْجُلُوسَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ عَادَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ قَالُوا أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ كَالنَّاسِي لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى
الْعَوَامّ وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْعَامِدِ لِأَنَّهُ مُقَصِّرٌ بِتَرْكِ التَّعَلُّمِ هَذَا حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامُ فِي مَعْنَاهُ فَلَا يَجُوزُ الْعَوْدُ بَعْدَ الِانْتِصَابِ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْهُ لِلتَّشَهُّدِ فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ لِيَتَشَهَّدَ جَازَ وَكَانَ مُفَارِقًا بِعُذْرٍ وَلَوْ انْتَصَبَ مَعَ الْإِمَامِ فَعَادَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ الْعَوْدُ بَلْ يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ قَائِمًا حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ عَادَ نَاسِيًا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَ مِثْلُهُمَا فِي التَّنَحْنُحِ أَصَحُّهُمَا لَهُ ذَلِكَ فَلَوْ عَادَ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ وَلَوْ قَعَدَ الْمَأْمُومُ فَانْتَصَبَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْقِيَامُ لِأَنَّهُ
تَوَجَّهَ عَلَيْهِ بِانْتِصَابِ الْإِمَامِ وَلَوْ قَعَدَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الاول وقام المأموم ناسيا أو نهضا فَتَذَكَّرَ الْإِمَامُ فَعَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أَصَحُّهَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ
لِأَنَّهَا آكَدُ وَلِهَذَا سَقَطَ بِهَا الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ عَنْ الْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَمُتَابِعُوهُمَا وَالثَّانِي يَحْرُمُ الْعَوْدُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَالثَّالِثُ يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَوْدُ بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ بِالْخِلَافِ فِي الْوُجُوبِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَصَرَّحُوا بِتَصْحِيحِ وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي أَوَاخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ عَمْدًا فَقَدْ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِتَحْرِيمِ الْعَوْدِ قَالَ كَمَا لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ رَفَعَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْعَوْدُ فَإِنْ عَادَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا عَمْدًا قَالَ فَلَوْ فَعَلَهُ سَهْوًا بِأَنْ سَمِعَ صَوْتًا فَظَنَّ أَنَّ الْإِمَامَ رَكَعَ
فَرَكَعَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يَرْكَعْ فَفِي جَوَازِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَجِبُ فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَأَصَحُّهُمَا لَا يَجِبُ بَلْ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الرُّجُوعِ وَعَدَمِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلِلنِّزَاعِ فِي صورة قصد القيام مجال ظَاهِرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَنَا الْعِرَاقِيِّينَ أَطْبَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ عَمْدًا اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَعَلُوهُ مُسْتَحَبًّا (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ هُوَ كَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِمْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وغيرهما من مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَالُوهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَذَكَّرَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ قَائِمًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمُ
اللَّهُ يَرْجِعُ إلَى الْقُعُودِ لِلتَّشَهُّدِ وَالْمُرَادُ بِالِانْتِصَابِ الِاعْتِدَالُ وَالِاسْتِوَاءُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَصِيرَ إلَى حَالٍ هِيَ أَرْفَعُ مِنْ حَدِّ أَقَلِّ الرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ ثُمَّ إذَا عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ هَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ
لَا يَسْجُدُ وَالثَّانِي يَسْجُدُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَطَائِفَةٌ إنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ عَادَ سَجَدَ وَإِنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ أَوْ اسْتَوَتْ نِسْبَتُهُمَا لَمْ يَسْجُدْ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَآخَرُونَ إنْ عَادَ قَبْلَ الِانْتِهَاءِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ عَادَ بَعْدَ الِانْتِهَاءِ إلَيْهِ سَجَدَ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَعِبَارَةُ الْقَفَّالِ وَرُفْقَتُهُ مُتَقَارِبَتَانِ وَلَكِنَّ عِبَارَةَ الْقَفَّالِ أَوْفَى بِالْغَرَضِ وَهِيَ أَظْهَرُ مِنْ إطْلَاقِ الْقَوْلَيْنِ وَهِيَ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ وَحَمْلٌ لَهُمَا عَلَى حَالَيْنِ وَبِهَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ
وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا سَهْوَ فِي وَثْبَةِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي قِيَامٍ عَنْ جُلُوسٍ أو جلوس عن قيام " رواه الْحَاكِمُ وَادَّعَى أَنَّ إسْنَادَهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ الْعَنْسِيُّ بِالنُّونِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْحَالَيْنِ هُوَ فِيمَا إذَا تَرَكَ التَّشَهُّدَ نَاسِيًا وَنَهَضَ فَأَمَّا إذَا تَعَمَّدَ ذَلِكَ ثُمَّ عَادَ قَبْلَ الِانْتِصَابِ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ صَارَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ عَادَ قَبْلَهُ لَمْ تَبْطُلْ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا قَوْل الْمُصَنِّفِ فَإِنْ قَامَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَنْتَصِبْ قَائِمًا فَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِعَمْدِهِ فَهَكَذَا قَالَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَلَيْسَ هُوَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُوَافِقُوهُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ زَادَ هَذَا النُّهُوضَ عَمْدًا لَا لِمَعْنًى وَهَذَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ لِإِخْلَالِهِ بِنَظْمِهَا وَمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وغيره
الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَامَ مُتَعَمِّدًا تَرْكَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَبَدَا لَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ أَنْ يَرْجِعَ فَرَجَعَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّهُوضَ كَانَ جَائِزًا أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي قَاعِدًا فَافْتَتَحَ الْقِرَاءَةَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ وَأَنَّهُ جَاءَ وَقْتُ الثَّالِثَةِ لَمْ يَعُدْ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَإِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى الْقِرَاءَةِ وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَتَشَهَّدْ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَى التَّشَهُّدِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَرْكُ الْقُنُوتِ يُقَاسُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي التَّشَهُّدِ فَإِذَا نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَجُزْ الْعَوْدُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهُ فَلَهُ الْعَوْدُ إلَيْهِ ثُمَّ إنْ عَادَ قَبْلَ بُلُوغِ حَدِّ الرَّاكِعِينَ أَوْ بَعْدَهُ فَحُكْمُ سُجُودِ السَّهْوِ مَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ عَنْ قِيَامٍ ظَانًّا أَنَّهُ أَتَى بِالسَّجْدَتَيْنِ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ الْحَالَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ لَزِمَهُ تَدَارُكُ السَّجْدَتَيْنِ ثُمَّ إعَادَةُ التَّشَهُّدِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ اتَّفَقَ ذلك في الركعة الثانية
(7) هذه الاحاديث سبقت في الشرح
*
مِنْ صَلَاةٍ رَبَاعِيَةٍ أَوْ ثُلَاثِيَّةٍ فَكَذَلِكَ يَتَدَارَكُ السَّجْدَتَيْنِ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي مَوْضِعِهِ إلَّا أَنَّ إعَادَةَ التَّشَهُّدِ هُنَا سُنَّةٌ وَهُنَاكَ وَاجِبَةٌ وَلَوْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي رَكْعَةٍ لَا يَعْقُبُهَا تَشَهُّدٌ فَإِذَا تَذَكَّرَ تَدَارَكَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَامَ وسجد لِلسَّهْوِ أَمَّا إذَا جَلَسَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَقَرَأَ التَّشَهُّدَ أَوْ بَعْضَهُ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَقُومُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا طَوِيلًا فَلَوْ لم يَطُلْ قُعُودُهُ لَمْ يَسْجُدْ وَالتَّطْوِيلُ أَنْ يَزِيدَ علي قدر جلسة الاستراحة هكذا قاله الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ أَمَّا إذَا تَرَكَ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ ثُمَّ تَذَكَّرَ فَيَتَدَارَكُ السَّجْدَةَ
الثَّانِيَةَ وَيُعِيدُ التَّشَهُّدَ إذَا كَانَ فِي مَوْضِعِهِ وَهَلْ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ لَكِنْ طَوَّلَ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ أَيْضًا إنْ قُلْنَا إنَّهُ رُكْنٌ قَصِيرٌ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ جَلَسَ عَنْ قِيَامٍ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ تَذَكَّرَ اشْتَغَلَ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَمَا بَعْدَهُمَا عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاتِهِ ثُمَّ إنْ طَالَ جُلُوسُهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ كَانَ فِي حَدِّ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ تَعَمُّدَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقِيَامِ فَإِنَّ تَعَمُّدَهَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنْ قَصُرَ الزَّمَانُ لِأَنَّهَا لَا تَقَعُ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ إلَّا أَرْكَانًا فَكَانَ تَأْثِيرُهَا أَشَدَّ بِخِلَافِ الْجُلُوسِ فَإِنَّهُ مَعْهُودٌ مِنْ نَفْسِ الصَّلَاةِ غَيْرُ رُكْنٍ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ قَامَ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ إلَى خَامِسَةٍ نَاسِيًا ثُمَّ تَذَكَّرَ قَبْلَ السَّلَامِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى الْجُلُوسِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمَ سَوَاءٌ تَذَكَّرَ فِي قِيَامِ الْخَامِسَةِ أَوْ بَعْدَهُ وَأَمَّا التَّشَهُّدُ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْحَالَةَ بَعْدَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ أَجْزَأَهُ وَلَا يُعِيدُهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ وَلَمْ يَكُنْ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ وَجَبَ التَّشَهُّدُ وَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فِي الْخَامِسَةِ وَكَانَ تَشَهَّدَ فِي الرَّابِعَةِ كَفَاهُ وَلَمْ يَحْتَجْ إلَى إعَادَتِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَوْ
الْأَخِيرِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْأَصْحَابُ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ فِي الْحَالَيْنِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَتُهُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَلَا يَجِبُ إنْ كَانَ تَشَهَّدَ بِنِيَّةِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ مُطْلَقًا وَلَوْ تَرَكَ الرُّكُوعَ نَاسِيًا فَتَذَكَّرَهُ فِي السُّجُودِ فَهَلْ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقِيَامِ لِيَرْكَعَ مِنْهُ
أَمْ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُومَ رَاكِعًا فِيهِ وَجْهَانِ يُحْكَيَانِ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَصَحُّهُمَا وُجُوبُ الرُّجُوعِ لِأَنَّ شَرْطَ الرُّكُوعِ أَلَّا يُقْصَدَ بِالْهَوِيِّ إلَيْهِ غيره وهذا قصد السجود
* (فرع)
في مذهب الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا لَمْ يَعُدْ وَإِلَّا عَادَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ لَمْ يَعُدْ وَإِلَّا عَادَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ إنْ ذَكَرَ قَبْلَ اسْتِفْتَاحِ الْقِرَاءَةِ عَادَ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الْحَسَنُ إنْ ذَكَرَهُ قَبْلَ الرُّكُوعِ عَادَ وَإِلَّا فَلَا * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وان اجتمع سهوان أو أكثر كفاه للجميع سجدتان لان النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَامَ مِنْ
اثنتين وكلم ذا اليدين واقتصر علي سجدتين ولانه لو لم يتداخل لسجد عقب السهو فلما أخر الي آخر صلاته دل على انه انما أخر ليجمع كل سهو في الصلاة فان سجد للسهو ثم سها ففيه وجهان قال أبو العباس بن القاص يعيده لان السجود لا يجبر ما بعده وقال أبو عبد الله الختن لا يعيده لانه لو لم يجبر كل سهو لم يؤخر)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَابْنُ الْقَاصِّ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ المياه وابو عبد الله الختن سبق فِي أَوَاخِرِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اجْتَمَعَ فِي صَلَاتِهِ سَهْوَانِ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ نَوْعٍ أَوْ أَنْوَاعٍ بِزِيَادَةٍ أَوْ بِنُقْصَانٍ أَوْ بِهِمَا كَفَاهُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَانِ وَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَرِّرُ حقيقة السجود وقد تكرر صؤرته فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا إذَا سَجَدَ الْمَسْبُوقُ وَرَاءَ الْإِمَامِ يُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي الْفَصْلِ الْآتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا لَوْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ فَخَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُتِمُّهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَمِنْهَا لَوْ ظَنَّ
أَنَّهُ سَهَا فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ بَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ لَمْ يَسْهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَسْجُدُ ثَانِيًا لِأَنَّهُ زَادَ سَجْدَتَيْنِ سَهْوًا وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ بَلْ يَكُونُ سُجُودُهُ جَابِرًا لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ وَمِنْهَا لَوْ سَهَا مُسَافِرٌ فِي صَلَاةٍ مَقْصُورَةٍ فَسَجَدَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ صَارَ مُقِيمًا بِانْتِهَاءِ السَّفِينَةِ إلَى وَطَنِهِ وَجَبَ الْإِتْمَامُ وَيُعِيدُ السُّجُودَ بِلَا خِلَافٍ وَمِنْهَا لَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ سَهَا قَبْلَ السَّلَامِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أحدهما يعيده قال ابْنُ الْقَاصِّ وَأَصَحُّهُمَا لَا يُعِيدُهُ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَتَنُ كَمَا لَوْ تَكَلَّمَ أَوْ سَلَّمَ بَيْنَ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ أَوْ فِيهِمَا فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ وُقُوعِ مِثْلِهِ فَيَتَسَلْسَلُ وَمِنْهَا لَوْ شَكَّ هَلْ سَهَا أَمْ لَا فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ
لا يسجد فلو توهم انه يَقْتَضِي السُّجُودَ فَسَجَدَ أُمِرَ بِالسُّجُودِ ثَانِيًا لِهَذِهِ الزيادة ومنها لو ظن ان سهوه لترك الْقُنُوتِ فَسَجَدَ لَهُ فَبَانَ قَبْلَ السَّلَامِ أَنَّهُ بِغَيْرِهِ فَوَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يُعِيدُ السُّجُودَ لِأَنَّهُ لَمْ يُجْبَرْ مَا يَحْتَاجُ إلَى الْجَبْرِ وَأَصَحُّهُمَا لَا يُعِيدُهُ لِأَنَّهُ قَصَدَ جَبْرَ الْخَلَلِ وَلَوْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثَلَاثًا لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا فِي سُجُودِ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لِهَذَا السَّهْوِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ سَجْدَةً أَوْ سجدتين فاخذ بالاقل فسجد أُخْرَى فَبَانَ أَنَّهُ كَانَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يُعِدْ السُّجُودَ وَدَلِيلُ هَذَا كُلِّهِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فرع)
في مذاهب العلماء في من سَهَا سَهْوَيْنِ فَأَكْثَرَ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلْجَمِيعِ سَجْدَتَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَاللَّيْثِ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ إذَا سَهَا سَهْوَيْنِ سَجَدَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَقَدْ يُحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ فَضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَحُمِلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ يَكْفِي سَجْدَتَانِ لِكُلِّ سَهْوٍ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوَانِ زِيَادَةً أَوْ نَقْصًا كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا زِيَادَةً وَالْآخَرُ نَقْصًا سَجَدَ أَرْبَعَ سجدات * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْجُدْ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ الْحُكْم رضي الله عنه شَمَّتَ الْعَاطِسَ فِي
الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " إنَّ هذه الصلاة لا يصح فيها شئ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ " وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالسُّجُودِ فَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَأْمُومَ حُكْمُ سَهْوِهِ لِأَنَّهُ لما تحمل الامام عنه سهو لَزِمَ الْمَأْمُومَ أَيْضًا سَهْوُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ الْبَابْشَامِيُّ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْجُدُ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَقَدْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ المأموم والمذهب الاول لانه لَمَّا سَهَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى صَلَاةِ الْمَأْمُومِ لِسَهْوِهِ فَإِذَا لَمْ يَجْبُرْ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ جَبَرَ المأموم صلاته)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ السَّابِقِ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سَهَا خَلْفَ الْإِمَامِ تَحَمَّلَ الْإِمَامُ سَهْوَهُ وَلَا يَسْجُدُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ.
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا مَكْحُولًا فَإِنَّهُ قَالَ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِ نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا فَسَهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ لِانْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ وَكَذَا الْمَأْمُومُ الموافق لو تلكم سَاهِيًا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَكَذَا الْمُنْفَرِدُ إذا سهى فِي صَلَاتِهِ ثُمَّ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ وَجَوَّزْنَا ذَلِكَ فَلَا يَتَحَمَّلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ بَلْ يَسْجُدُ هُوَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا ظَنَّ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ فَسَلَّمَ فَبَانَ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَسَلَّمَ مَعَهُ فَلَا سُجُودَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ تَيَقَّنَ فِي التَّشَهُّدِ أَنَّهُ تَرَكَ الرُّكُوعَ أَوْ الْفَاتِحَةَ مِنْ رَكْعَةٍ نَاسِيًا فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فَسَلَّمَ الْمَسْبُوقُ سَهْوًا ثُمَّ تَذَكَّرَ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَسَجَدَ لِأَنَّ سَهْوَهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ ظَنَّ الْمَسْبُوقُ أَنَّ الْإِمَامَ سَلَّمَ بأن
سَمِعَ صَوْتًا ظَنَّهُ سَلَامَهُ فَقَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَكَانَ مَا عَلَيْهِ رَكْعَةً مَثَلًا فَأَتَى بِهَا وَجَلَسَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يسلم بعد تَبَيَّنَّا أَنَّ ظَنَّهُ كَانَ خَطَأً فَهَذِهِ الرَّكْعَةُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ لِأَنَّهَا وَقَعَتْ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لِأَنَّ وَقْتَ التَّدَارُكِ بَعْدَ انْقِطَاعِ الْقُدْوَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى التَّدَارُكِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ قَائِمٌ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي صَلَاتِهِ أَمْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومَ مِنْهُ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الثَّانِي فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ وَجَبَ إعَادَةُ الْقِرَاءَةِ فَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ فِي قِيَامِهِ لَكِنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ حَتَّى أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْمُضِيَّ فَرَكْعَتُهُ مَحْسُوبَةٌ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَإِنْ قُلْنَا يَلْزَمُهُ الْقُعُودُ لَمْ يُحْسَبْ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ أَتَى بِزِيَادَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَعَلِمَ فِي الْقِيَامِ أَنَّ الْإِمَامَ لَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَلْيَرْجِعْ
إلَى مُتَابَعَتِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ وَيَتَمَادَى فِي تَتْمِيمِ صَلَاتِهِ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَفِيهِ الْخِلَافُ فِيمَنْ نوى مفارقته الْإِمَامِ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ تَعَيَّنَ الرُّجُوعُ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَقُومُ لِأَنَّ نُهُوضَهُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ فَيَرْجِعُ ثُمَّ يَقْطَعُ الْقُدْوَةَ إنْ شَاءَ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ الرُّجُوعُ لِأَنَّ النُّهُوضَ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْقِيَامُ فَمَا بَعْدَهُ فَلَوْ لَمْ يُرِدْ قَطْعَ الْقُدْوَةِ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ رَجَعَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ قَائِمًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرِهِ وُجُوبُ الرُّجُوعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ أَوْ الصَّوَابُ لِأَنَّ فِي مُكْثِهِ قَائِمًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً فَإِنْ قَرَأَ قَبْلَ تَبَيُّنِ الْحَالِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَمْ يُعْتَدَّ بِقِرَاءَتِهِ بَلْ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُهَا
* (فَرْعٌ)
إذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ لَحِقَ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ وَتُسْتَثْنَى صُورَتَانِ (إحْدَاهُمَا) إذَا بَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَلَا يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لِسَهْوِهِ وَلَا يَحْمِلُ هُوَ عَنْ الْمَأْمُومِ سَهْوَهُ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يَعْلَمَ سَبَبَ سَهْوِ الْإِمَامِ وَيَتَيَقَّنَ غَلَطَهُ فِي ظَنِّهِ بِأَنْ ظَنَّ الْإِمَامُ تَرْكَ بَعْضِ الْأَبْعَاضِ وَعَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ أَوْ جَهَرَ فِي مَوْضِعِ الْإِسْرَارِ أَوْ عَكْسِهِ فَسَجَدَ فَلَا يُوَافِقُهُ الْمَأْمُومُ إذَا سَجَدَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِ الصُّورَتَيْنِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُوَافَقَتُهُ فِيهِ فَإِنْ تَرَكَ مُوَافَقَتَهُ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَسَوَاءٌ عَرَفَ الْمَأْمُومُ سَهْوَ الْإِمَامِ أَمْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَمَتَى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي آخر
صلاته سجدتين لزم المأموم متابعته حملا علي له أَنَّهُ سَهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ قَامَ إلَى رَكْعَةٍ خَامِسَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعُهُ حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ رَكْعَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ الْحَالُ هُنَاكَ لَمْ تَجُزْ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ أَتَمَّ صَلَاتَهُ يَقِينًا فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ أَوْ شَاكًّا فِي فِعْلِ رُكْنٍ كَالْفَاتِحَةِ فَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الْخَامِسَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِ مُتَابَعَتُهُ فِيهَا لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهَا غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَأَنَّهُ غَالِطٌ فِيهَا وَلَوْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ إلَّا سَجْدَةً سَجَدَ الْمَأْمُومُ أُخْرَى حَمْلًا لَهُ عَلَى أَنَّهُ نَسِيَهَا وَلَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ لِسَهْوِهِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا أَوْ كَانَ يَعْتَقِدُ تَأْخِيرَهُ إلَى مَا بَعْدَ السَّلَامِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو حَفْصٍ لَا يَسْجُدُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَوْجِيهَهُمَا وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ عَادَ إلَى السُّجُودِ نُظِرَ إنْ سَلَّمَ الْمَأْمُومُ مَعَهُ نَاسِيًا وَافَقَهُ فِي السُّجُودِ فَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ سَلَّمَ نَاسِيًا لِسُجُودِ السَّهْوِ فَعَادَ إلَيْهِ هَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ وَسَنُوَضِّحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ
الْمَأْمُومُ سَلَّمَ عَمْدًا مَعَ عِلْمِهِ بِالسَّهْوِ لَمْ يَلْزَمْهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ إذَا عَادَ إلَى السُّجُودِ لِأَنَّ سَلَامَهُ عَمْدًا يَتَضَمَّنُ انْقِطَاعَ الْقُدْوَةِ وَلَوْ لَمْ يُسَلِّمْ الْمَأْمُومُ فَعَادَ الْإِمَامُ لِيَسْجُدَ فَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَنْ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ لَمْ يُتَابِعْهُ لِأَنَّهُ قَطَعَ الْقُدْوَةَ بِالسُّجُودِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَصَحُّهُمَا لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يَسْجُدُ مُنْفَرِدًا ثم يسلم وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَوْ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ بَعْدَ مَا سَهَا أَوْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِسَبَبٍ آخَرَ أَتَمَّ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ وَسَجَدَ تَفْرِيعًا عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ ثُمَّ سَبَقَ الْإِمَامَ حَدَثٌ لَمْ يَسْجُدْ الْمَأْمُومُ لِأَنَّ الْإِمَامَ حَمَلَهُ وَإِنْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ سَاهِيًا فَنَوَى الْمَأْمُومُ مفارقته بعد بلوغ الامام إلى حَدَّ الرَّاكِعِينَ فِي ارْتِفَاعِهِ سَجَدَ الْمَأْمُومُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّهُ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ السَّهْوُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهِ وَإِنْ نَوَاهَا قَبْلَهُ فَلَا سُجُودَ لِأَنَّهُ نَوَى مُفَارَقَتَهُ قبل توجه السجود عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَنَفِيًّا وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ بِهِ فَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَمْ يُسَلِّمْ مَعَهُ الْمَأْمُومُ بَلْ يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَا يَنْتَظِرُ سُجُودَ الْإِمَامِ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِسَلَامِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ السُّجُودُ مَعَهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ هَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إذَا أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ثُمَّ سَهَا الْإِمَامُ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ قَالَ وَبِهَذَا قَالَ كَافَّةُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ سُجُودِ الْمَأْمُومِ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " إلَخْ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَهَا الْإِمَامُ فَلَمْ يَسْجُدْ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ وَبِهِ قَالَ
مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالْحَكَمِ وَقَتَادَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْقَاسِمُ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَسْجُدُ ودليلهما في الكتاب
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ معه وسجد معه ففيه قولان قال في الام
يعيد السجود لان الاول فعله متابعة للامام ولم يكن موضع سجوده وقال في القديم والاملاء لا يعيد لان الجبران حصل بسجوده فان سها الامام فيما أدركه معه وسجد معه ثم سها المأموم فيما انفرد به فان قلنا لا يعيد السجود سجد لسهوه وان لم يسجد الامام أو سجد وقلنا يعيد فالمنصوص أنه يكفيه سجدتان لان السجدتين تجبران كل سهو ومن اصحابنا من قال يسجد اربع سجدات لان أحدهما من جهة الامام والآخر من جهته وان سها الامام ثم أدركه المأموم فالمنصوص في صلاة الخوف انه يلزم المأموم حكم سهوه لانه دخل في صلاة ناقصة فنقصت بها صلاته ومن أصحابنا من قال لا تلزمه لانه لو سها المأموم فيما انفرد به بعد مفارقة الامام لم يتحمل عنه الامام
فإذا سهى الامام فيما ينفرد به لم يلزم المأموم وان صلي ركعة منفردة في صلاة رباعية فسها فيها ثم نوى متابعة امام مسافر فسها الامام ثم قام الي رابعة فسها فيها ففيه ثلاثة أوجه (أصحها) يكفيه سجدتان (والثاني) يسجد أربع سجدات لانه سها سهوا في جماعة وسهوا في الانفراد (والثالث) يسجد ست سجدات لانه سها في ثلاثة أحوال)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ وَسَهَا فِيمَا أَدْرَكَهُ وَسَجَدَ الْإِمَامُ لَزِمَ الْمَسْبُوقَ أَنْ يَسْجُدَ مَعَهُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَعَهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ مَعَهُ هَلْ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُعِيدُهُ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ أَمَّا إذَا سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ سَجَدَ الْإِمَامُ سَجَدَ مَعَهُ وَهَلْ يُعِيدُهُ الْمَسْبُوقُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فِيهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُعِيدُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ سَجَدَ هُوَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْمُزَنِيِّ وَأَبِي حَفْصٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ سَهْوِهِ فَعَلَى هَذَا إنْ لَمْ يَسْجُدْ الْإِمَامُ لَمْ يَسْجُدْ هُوَ أَصْلًا وَإِنْ سَجَدَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالُوا أَصَحُّهُمَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّهُ لَا سَهْوَ فِي حَقِّهِ وَالثَّانِي يَسْجُدُ مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يُعِيدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ إنْ كَانَ
مَسْبُوقًا وَحَيْثُ قُلْنَا الْمَسْبُوقُ يُعِيدُ السُّجُودَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ آخَرُ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ اقْتَدَى بِالثَّانِي ثَالِثٌ بَعْدَ انْفِرَادِهِ ثُمَّ بِالثَّالِثِ رَابِعٌ فَأَكْثَرَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَسْجُدُ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ مُنْفَرِدًا فَصَلَّى رَكْعَةً فَسَهَا فِيهَا ثُمَّ اقْتَدَى بامام
وَجَوَّزْنَاهُ فَصَلَّى الْإِمَامُ ثَلَاثًا وَقَامَ إلَى رَابِعَتِهِ فَنَوَى الْمَأْمُومُ مُفَارَقَتَهُ وَتَشَهَّدَ سَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ فَلَوْ كَانَ لَمْ يَسْهُ فِي رَكْعَتِهِ لَكِنْ سَهَا إمَامُهُ سَجَدَ أَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَدْ سَهَا فِي رَكْعَتِهِ وَسَهَا أَيْضًا إمَامُهُ فِي اقْتِدَائِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَفِي وَجْهٍ يَسْجُدُ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ أَمَّا إذَا سَهَا الْمَسْبُوقُ فِي تَدَارُكِهِ فَإِنْ كَانَ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ وَقُلْنَا لَا يُعِيدُهُ سَجَدَ لِسَهْوِهِ سَجْدَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا يُعِيدُهُ أَوْ لَمْ يَكُنِ الْإِمَامُ سَجَدَ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ (وَالثَّانِي) أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ وَلَوْ انْفَرَدَ بِرَكْعَةٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَسَهَا فِيهَا ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ إمَامٍ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَجَوَّزْنَا الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَسَهَا إمَامُهُ ثُمَّ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى رَابِعَتِهِ وَسَهَا فِيهَا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَسْجُدُ سجدتين والثاني
أَرْبَعًا وَالثَّالِثُ سِتًّا وَدَلَائِلُهَا فِي الْكِتَابِ فَإِنْ كان قد سجد امامه وسجد مَعَهُ صَارَ فِي صَلَاتِهِ ثَمَانِ سَجَدَاتُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَلَوْ اقْتَدَى مَسْبُوقٌ بِمُسَافِرٍ نَوَى الْقَصْرَ وَسَهَا الْإِمَامُ وَسَجَدَ مَعَهُ ثُمَّ صَارَ الْإِمَامُ مُتِمًّا قَبْلَ السَّلَامِ فَأَتَمَّ وَأَعَادَ سُجُودَ السَّهْوِ وَأَعَادَ مَعَهُ الْمَسْبُوقُ ثُمَّ قَامَ الْمَسْبُوقُ إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَسَهَا فِيهِ وَقُلْنَا فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ يَسْجُدُ سِتَّ سَجَدَاتٍ فَيَسْجُدُ هُنَا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ سَهَا فِي حَالَتَيْنِ وَتَصِيرُ سَجَدَاتُهُ ثَمَانِيًا فَإِنْ سَهَا بَعْدَ سَجَدَاتِهِ بِكَلَامٍ أَوْ غَيْرِهِ وَفَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ إذَا سَهَا بَعْدَ سُجُودِ السَّهْوِ يَسْجُدُ صَارَتْ السَّجَدَاتُ عشرة وَقَدْ تَزِيدُ عَدَدُ السَّجَدَاتِ عَلَى هَذَا تَفْرِيعًا عَلَى الْوُجُوهِ الضَّعِيفَةِ السَّابِقَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِذَا قلنا في هذه الصورة يكفيه سجدتان فعماذا يَقَعَانِ ظَاهِرُ كَلَامِ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَسَهْوِ إمَامِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا صَاحِبُ
الْفُرُوعِ (أَحَدُهَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَيَكُونُ سَهْوُ الْإِمَامِ تَابِعًا (وَالثَّالِثُ) عَكْسُهُ قَالَ قَالَ صَاحِبُ
الْفُرُوعِ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا هَذَا كَلَامُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ إذَا نَوَى غَيْرَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ سُجُودًا غَيْرَ مَشْرُوعٍ عَامِدًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا يَقَعَانِ عَنْ الْجَمِيعِ كَمَا حَكَيْنَاهُ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَعَلَى هَذَا إنْ نَوَاهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ إذَا نَوَى أَحَدَهُمَا فَقَدْ تَرَكَ الْآخَرَ بِلَا سُجُودٍ وَتَرْكُ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِذَا قُلْنَا تَبْطُلُ إذَا نَوَى غَيْرَ الْمَقْصُودِ فلذلك إذَا تَعَمَّدَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِحُكْمِهِ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ يَخْفَى عَلَى الْعَوَامّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " كَانَتْ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً لَهُ وَالسَّجْدَتَانِ " وَلِأَنَّهُ فِعْلٌ لِمَا لا يجب فلا يجب)
*
(الشَّرْحُ) سَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَسُجُودُ السَّهْوِ سُنَّةٌ عِنْدَنَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هُوَ وَاجِبٌ يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ سُنَّةٌ كَقَوْلِنَا وَقَالَ الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ الْمَالِكِيُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ وَاجِبٌ فِي سَهْوِ النُّقْصَانِ وَأَوْجَبَهُ أَحْمَدُ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَالِكًا فَأَوْجَبَهُ وَاخْتَارَهُ الْكَرْخِيُّ الْحَنَفِيُّ وَحَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ لَكِنْ لَيْسَ هُوَ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ السَّهْوُ لِنَقْصٍ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْجُدْ حَتَّى طَالَ الْفَصْلُ لزمه استئناف
الصلاة * قال المصنف رحمه الله
* (وَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَحَدِيثِ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَلِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِإِصْلَاحِ الصَّلَاةِ فَكَانَ قَبْلَ السَّلَامِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً كَانَ مَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَالْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ بِالزِّيَادَةِ يَدْخُلُ النَّقْصُ فِي صَلَاتِهِ كَمَا يَدْخُلُ بِالنُّقْصَانِ فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَمْ يَتَطَاوَلْ الْفَصْلُ سَجَدَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ وَإِنْ طَالَ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَسْجُدُ لِأَنَّهُ جُبْرَانٌ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالتَّطَاوُلِ كَجُبْرَانِ الْحَجِّ وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ لَا يَسْجُدُ وَهُوَ
الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُفْعَلُ لِتَكْمِيلِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يُفْعَلُ بَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَذَكَرَهَا بَعْدَ السَّلَامِ وَبَعْدَ تَطَاوُلِ الْفَصْلِ وَكَيْفَ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو العباس ابن الْقَاصِّ يَسْجُدُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ لِأَنَّ السُّجُودَ فِي الصلاة بعد تشهد فكذلك هذا وقال أبو اسحق لَا يَتَشَهَّدُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الَّذِي تُرِكَ هو السجود فلا يعيد معه غيره)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ بُحَيْنَةَ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَحَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى خَمْسًا وَسَلَّمَ ثُمَّ سَجَدَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِي مَحَلِّ سجود
السَّهْوِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَإِنْ أَخَّرَهُ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَالثَّانِي إنْ كَانَ السَّهْوُ زِيَادَةً فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ نَقْصًا فَقَبْلَهُ وَلَا يُعْتَدُّ بِهِ بَعْدَهُ وَالثَّالِثُ إنْ شَاءَ قَدَّمَهُ وَإِنْ شاء أخره وهما سواء والطريق الثاني يجزى التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَإِنَّمَا الْأَقْوَالُ فِي بَيَانِ الْأَفْضَلِ فَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ وَفِي قَوْلٍ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ وَفِي قَوْلٍ إنْ كَانَ زِيَادَةً فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ وَإِلَّا فَالتَّقْدِيمُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَوَجْهُ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ صِحَّةُ الْأَخْبَارِ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ قَالَ وَالطَّرِيقَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَتُحْمَلُ الْأَقْوَالُ فِي الْإِجْزَاءِ وَالْجَوَازِ كَمَا سَبَقَ هذا
كَلَامُ الْإِمَامِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ يَعْنِي جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ سُجُودَ السهو جائز قبل السلام وبعده وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمَسْنُونِ وَالْأَوْلَى فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وبه قال أبو هريرة وسعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ وَرَبِيعَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ الْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ رضي الله عنهم وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ لِنُقْصَانٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَإِنْ كَانَ لِزِيَادَةٍ فَالْأَوْلَى فِعْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِهِ مَعَ مَالِكٍ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فِيهِمَا هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَسَبَقَتْ أَدِلَّةُ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ حَدِيثٌ عَنْ ثَوْبَانَ
عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ السَّلَامِ " وَهَذَا حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ظَاهِرُ الضَّعْفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ فَسَلَّمَ قَبْلَ السُّجُودِ نَظَرْتَ فَإِنْ سَلَّمَ عَامِدًا عَالِمًا بِالسَّهْوِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ فَوَّتَ السُّجُودَ وَلَا يَسْجُدُ وَالثَّانِي يَسْجُدُ إنْ قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَعَلَى هَذَا إذَا سَجَدَ لَا يَكُونُ عَائِدًا إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَسَجَدَ فَإِنَّ فِيهِ خِلَافًا
وَإِنْ سَلَّمَ نَاسِيًا فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ فَقَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَظْهَرُ لَا يَسْجُدُ وَالْقَدِيمُ يَسْجُدُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَإِنْ لَمْ يَطُلْ بَلْ ذَكَرَ عَلَى قُرْبٍ فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَسْجُدَ فَذَاكَ وَالصَّلَاةُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ وَحَصَلَ التَّحَلُّلُ بِالسَّلَامِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجِبُ السَّلَامُ مَرَّةً أُخْرَى وَذَلِكَ السَّلَامُ غَيْرُ مُعْتَدٍّ بِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ
الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَهَذَا غَلَطٌ لِمُخَالَفَتِهِ السُّنَّةَ فَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ هُنَا أَوْ بِالْقَدِيمِ عِنْدَ طُولِ الْفَصْلِ إنَّهُ يَسْجُدُ فَسَجَدَ فَهَلْ يَكُونُ عَائِدًا إلَى حُكْمِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَرْجَحُهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ لَا يَكُونُ عَائِدًا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَكُونُ عَائِدًا وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو زَيْدٍ وَصَحَّحَهُ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ مَسَائِلُ (مِنْهَا) لَوْ تَكَلَّمَ عَامِدًا أَوْ أَحْدَثَ فِي السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ السَّهْوُ فِي صَلَاةِ جُمُعَةٍ وَخَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي السُّجُودِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا يَقْصُرُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي دُونَ الْأَوَّلِ وَمِنْهَا هَلْ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ وَيَتَشَهَّدُ إنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يُكَبِّرْ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ لَكِنْ يَجِبُ إعَادَةُ السَّلَامِ بَعْدَ السُّجُودِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ كَبَّرَ وَفِي التَّشَهُّدِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شئ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ
يُسَلِّمُ سَوَاءٌ قُلْنَا يَتَشَهَّدُ أَمْ لَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَمَّا طُولُ الْفَصْلِ فَفِي حَدِّهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالْأَصَحُّ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَحَاوَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ضَبْطَ الْعُرْفِ فَقَالَ إذَا مَضَى زَمَنٌ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ تَرَكَ السُّجُودَ
قَصْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَهُوَ طَوِيلٌ وَإِلَّا فَقَصِيرٌ قَالَ وَلَوْ سَلَّمَ وَأَحْدَثَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ عَلَى قُرْبِ الزَّمَنِ فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْحَدَثَ فَاصِلٌ وَإِنْ لَمْ يَطُلْ الزَّمَانُ وَلَنَا قَوْلُ إنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الْفَصْلِ بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ وَعَدَمِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَهُوَ شَاذٌّ وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ اعْتِبَارُ الْعُرْفِ وَلَا يَضُرُّ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ وَاسْتِدْبَارُ الْقِبْلَةِ إذَا قَرُبَ الْفَصْلُ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ رضي الله عنه هَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ
فَإِنْ قُلْنَا بَعْدَهُ فَلْيَسْجُدْ عَقِبَهُ فَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ عَادَ الْخِلَافُ وَإِذَا سَجَدَ لَمْ يَحْكُمْ بِعَوْدِهِ إلَى الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهَلْ يَتَحَرَّمُ لِلسَّجْدَتَيْنِ وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ حُكْمُهُ حُكْمُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ وَادَّعَى الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْنَا يَتَشَهَّدُ فَوَجْهَانِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ بَعْدَ السجدتين
كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ (وَالثَّانِي) يَتَشَهَّدُ قَبْلَهُمَا لِيَلِيَهُمَا السَّلَامُ وَإِنْ قُلْنَا يَسْجُدُ لِلزِّيَادَةِ بَعْدَ السَّلَامِ وَلِلنَّقْصِ قَبْلَهُ فَسَهَا سَهْوَيْنِ بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي يَسْجُدُ قَبْلَ السَّلَامِ لِيَقَعَ السَّلَامُ بَعْدَ جَبْرِهَا
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ لِلزِّيَادَةِ الْمَحْضَةِ وَلِلزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلِلزِّيَادَةِ الْمُتَوَهَّمَةِ كَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ فَمَتَى يُؤْمَرُ بِتَدَارُكِهِ: قَدْ ذَكَرْنَا مَذْهَبَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَسْجُدُ مَتَى ذَكَرَهُ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مَا لَمْ يَصْرِفْ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَإِنْ تَكَلَّمَ وَقَالَ أَحْمَدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ تَكَلَّمَ وَاسْتَدْبَرَ الْقِبْلَةَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ كَانَ
السَّهْوُ زِيَادَةً سَجَدَ مَتَى ذَكَرَهُ ولو بعد شهر وان كان لنقص سجدان قَرُبَ الْفَصْلُ وَإِنْ طَالَ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ
* (فَرْعٌ)
سُجُودُ السَّهْوِ سَجْدَتَانِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ وَيُسَنُّ فِي هَيْئَتِهَا الِافْتِرَاشُ وَيَتَوَرَّكُ بَعْدَهُمَا إلَى أَنْ يُسَلِّمَ وَصِفَةُ السَّجْدَتَيْنِ فِي الْهَيْئَةِ وَالذِّكْرِ صِفَةُ سَجَدَاتِ الصَّلَاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَالنَّفَلُ وَالْفَرْضُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ وَاحِدٌ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَكَى قَوْلًا فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي النَّفْلِ وَهَذَا لَا وَجْهَ لَهُ لِأَنَّ النَّفَلَ كَالْفَرْضِ فِي النُّقْصَانِ فكان كالفرض في الجبران)
* (الشَّرْحُ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَالثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ الْجَدِيدُ يَسْجُدُ وَالْقَدِيمُ لَا يَسْجُدُ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْعُلَمَاءِ إلَّا ابن سيرين
*
(فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) لَوْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ ثُمَّ ظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُكَبِّرْ لِلْإِحْرَامِ فَاسْتَأْنَفَ التَّكْبِيرَ وَالصَّلَاةَ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ كَبَّرَ فَإِنْ عَلِمَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ لَمْ تَبْطُلْ الْأُولَى وَتَمَّتْ بِالثَّانِيَةِ وَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ فَرَاغِ الثَّانِيَةِ عَادَ إلَى الْأُولَى فَأَكْمَلَهَا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْحَالَيْنِ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ (الثَّانِيَةُ) لَوْ أَرَادَ الْقُنُوتَ فِي غَيْرِ الصُّبْحِ لِنَازِلَةٍ وَقُلْنَا بِهِ فَنَسِيَهُ لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ نَاسِيًا وَنَسِيَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ سَجْدَةً حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَتَانِ وَتَمَّتْ صَلَاتُهُ فَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَلَا يَصِيرُ مُلْتَزِمًا الْإِتْمَامَ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَكَذَا لَوْ صَلَّى الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا نَاسِيًا وَنَسِيَ في كل ركعة سجدة فيسجد لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ مَفْرُوضَتَانِ فِيمَا إذَا كان تَرَكَ السَّجَدَاتِ بِحَيْثُ تَحْصُلُ لَهُ رَكْعَتَانِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ تَفْصِيلُهُ وَاضِحًا (الرَّابِعَةُ) لَوْ جَلَسَ فِي تَشَهُّدٍ فِي رُبَاعِيَّةٍ وَشَكَّ هَلْ هُوَ التَّشَهُّدُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي
فَتَشَهَّدَ شَاكًّا ثُمَّ قَامَ ثُمَّ بَانَ الْحَالُ سَجَدَ للسهو سَوَاءٌ بَانَ أَنَّهُ الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي لِأَنَّهُ وَإِنْ بَانَ الْأَوَّلَ فَقَدْ قَامَ شَاكًّا فِي زِيَادَةِ هَذَا الْقِيَامِ فَإِنْ بَانَ الْحَالُ عَقِبَ شَكِّهِ قَبْلَ التَّشَهُّدِ فَلَا سُجُودَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ آخَرُ أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ مَتَى زَالَ شَكُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي أَثْنَاءِ الْبَابِ فِي فَرْعٍ مِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُتَكَرِّرَةِ (الْخَامِسَةُ) لَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةٍ وَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ثُمَّ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ الْأُولَى لَمْ تَنْعَقِدْ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ حِينَ أَحْرَمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ خَرَجَ مِنْ الْأُولَى وَأَمَّا الْأُولَى فَإِنْ قَصُرَ الْفَصْلُ بَنَى عَلَيْهَا وَإِنْ طَالَ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا (السَّادِسَةُ) لَوْ جَلَسَ بَعْد سَجْدَتَيْنِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
مِنْ الرُّبَاعِيَّةِ ظَانًّا أَنَّهَا الرَّكْعَةُ الْأُولَى وَجَلَسَ بِنِيَّةِ جَلْسَةِ الِاسْتِرَاحَةِ فَبَانَ لَهُ أَنَّهَا الثَّانِيَةُ تَشَهَّدَ وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (السَّابِعَةُ) إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً فَنَسِيَ وَقَامَ إلَى خَامِسَةٍ فَإِنْ ذَكَرَ قبل السجود عَادَ إلَى الْجُلُوسِ وَتَشَهَّدَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ السُّجُودِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَيُسَلِّمُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ جَلَسَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ السَّلَامَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَكُونُ الْخَامِسَةُ نَافِلَةً فَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ الرَّابِعَةِ بَطَلَتْ فَرِيضَتُهُ بِقِيَامِهِ إلَى الْخَامِسَةِ وَتُضَمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَتَكُونُ نَفْلًا وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ تَحَكُّمٌ لَا أَصْلَ لَهُ (الثَّامِنَةُ) إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ أَرْبَعًا سَهْوًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَسَلَّمَ وَهَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ قَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى ثم يسجد سجدتين لتصير صلاته وتر (التَّاسِعَةُ) الْمَسْبُوقُ يَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ فَيُصَلِّي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَسْجُدُ وَحَكَاهُ عَنْهُمْ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ فِي سُنَنِهِ فِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ كَأَنَّهُمْ جَعَلُوا فِعْلَهُ مَعَ الْإِمَامِ كَالسَّهْوِ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " وَلَمْ يَأْمُرْ بِسُجُودِ سَهْوٍ وَحَدِيثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حين فاته رَكْعَةٌ فَتَدَارَكَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَالْحَدِيثَانِ فِي الصحيح مشهوران
(الْعَاشِرَةُ) لَا يَسْجُدُ لِحَدِيثِ النَّفْسِ وَالْأَفْكَارِ بِلَا خلاف
* قال المصنف رحمه الله
*
(باب الساعات التى نهي عن الصلاة فيها)
(هي خمسة اثنان نهي عنهما لاجل الفعل وهى بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس وبعد صلاة العصر حتي تغرب الشمس والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ حدثنى اناس اعجبهم إلى عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ العصر حتى تغرب الشمس وبعد الصبح حتى تطلع الشمس " وثلاثة نهى عنها لاجل الوقت وهى عند طلوع الشمس حتي ترتفع وعند الاستواء حتى تزول وعند الاصفرار حتي تغرب والدليل عليه مَا رَوَى عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ " ثلاث ساعات كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلى فيهن أو نقبر موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب " وهل يكره التنفل لمن صلي ركعتي الفجر فيه وجهان احدهما يكره لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ منكم الغائب أن لا تصلوا بعد الفجر الا سجدتين " والثانى لا يكره لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لَمْ ينه الا بعد الصبح حتى تطلع الشمس ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ عِنْدَهُمَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تُشْرِقَ وَبَعْد الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ " وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ زِيَادَةُ " وَحِينَ يَقُومَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ إلَّا أَنَّ فِيهِ رَجُلًا مَسْتُورًا وَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَدِيثٌ غريب
* اما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ لِأَجْلِ الْفِعْلِ سَبَقَ أَنَّ اللُّغَةَ الْفَصِيحَةَ أَنْ يَقُولَ مِنْ أَجْلِ وَقَوْلُهُ وَهِيَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَهُمَا وَقَوْلُهُ نَقْبُرُ فِيهِنَّ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ وَقَوْلُهُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ هُوَ حَالُ الِاسْتِوَاءِ وَقَوْلُهُ تَضَيَّفُ هُوَ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ المفتوحة
وَبَعْدَهَا فَاءٌ أَيْ تَمِيلُ وَالْمُرَادُ بِالسَّجْدَتَيْنِ رَكْعَتَا سُنَّةِ الْفَجْرِ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ مِنْ مَشْهُورِي الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ جُهَنِيٌّ فِي كُنْيَتِهِ سَبْعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَبُو حَمَّادٍ سَكَنَ مِصْرَ وَتَوَلَّاهَا لِمُعَاوِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ
ثَمَانٍ وَخَمْسِينَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَالْوَقْتَانِ الْأَوَّلَانِ تَتَعَلَّقُ كَرَاهِيَتُهُمَا بِالْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ وَقْتُ الْكَرَاهَةِ لِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ إذَا فَعَلَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَفَرِيضَةَ الْعَصْرِ وَأَمَّا الْأَوْقَاتُ الثَّلَاثَةُ فَتَتَعَلَّقُ الْكَرَاهَةُ فِيهَا بِمُجَرَّدِ الزَّمَانِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ إنَّ أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ خَمْسَةٌ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هِيَ ثَلَاثَةٌ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَمِنْ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَحَالُ الِاسْتِوَاءِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْخَمْسَةَ وَالْعِبَارَةُ الْأُولَى أَجْوَدُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصُّبْحَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَيْدَ رُمْحٍ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُصَلِّ العصر
حَتَّى اصْفَرَّتْ الشَّمْسُ يُكْرَهُ لَهُ التَّنَفُّلُ حَتَّى تَغْرُبَ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ الْعِبَارَةِ الْأُولَى دُونَ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ حَالَ اصْفِرَارِ الشَّمْسِ يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ فِيهِ عَلَى الْعِبَارَةِ الْأُولَى بِسَبَبَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ بِسَبَبٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْكَرَاهَةَ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ تَمْتَدُّ حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ إذَا طَلَعَ قُرْصُ الشَّمْسِ بِكَمَالِهِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَيَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَيُسْتَدَلُّ لِلْمَذْهَبِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رضي الله عنه قَالَ " قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ صَلِّ صَلَاةَ الصُّبْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّيْطَانِ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلَاةِ فان حينئذ تسجر جهنم فإذا اقبل الفئ فَصَلِّ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ثُمَّ أَقْصَرِ عَنْ الصَّلَاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الطُّلُوعِ عَلَى الطُّلُوعِ مُرْتَفِعَةً بِدَلِيلِ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ وَقَدْ أَوْضَحْتُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ وَالْجَمْعَ بَيْنَهَا فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ وَقْتَ الْكَرَاهَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ لَا يَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِ الْعَصْرِ بَلْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُصَلِّيَهَا وَأَمَّا فِي الصُّبْحِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ بَلْ لَا يَدْخُلُ حَتَّى يُصَلِّيَ فَرِيضَةَ الصُّبْحِ وَالثَّانِي يَدْخُلُ بِصَلَاةِ سُنَّةِ الصُّبْحِ (وَالثَّالِثُ) بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِحَدِيثِ حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ لَمْ يُصَلِّ إلَّا رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَيُجَابُ عَنْهُ لِلْمَذْهَبِ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي إسْنَادِهِ فَإِنْ ثَبَتَ يُؤَوَّلُ عَلَى مُوَافَقَةِ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يكره في هذه الاوقات ما لها سبب كقضاء الفائتة والصلاة المنذورة وسجود التلاوة وصلاة الجنازة وما اشبها لما روى عن قيس بن قهد رضي الله عنه قَالَ " رَآنِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أصلى ركعتي الفجر بعد صلاة الصبح فقال ما هاتان الركعتان فقلت لم اكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان الركعتان " فان دخل المسجد في هذه الاوقات ليصلي التحية لا لحاجة غيرها ففيه وجهان (احدهما) يصلى لانه وجد سبب الصلاة وهو الدخول
(والثانى)
لا يصلى لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " وهذا يتحرى بصلاته طلوع الشمس وغروبها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ - بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ
وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فِيهِ انْقِطَاعٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَرُوِيَ عَنْ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْأَكْثَرُونَ قَيْسُ بْنُ عَمْرٍو وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَدْ أَشَرْتُ إلَى ذَلِكَ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَيُغْنِي عَنْهُ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا حَدِيثُ لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ
طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ إنَّمَا هُوَ عَنْ صَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا
فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا وَالْمُرَادُ بِذَاتِ السَّبَبِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُتَقَدِّمٌ عَلَيْهَا فَمِنْ ذَوَاتِ الْأَسْبَابِ الْفَائِتَةُ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يُسَنُّ قَضَاءُ النَّوَافِلِ فَلَهُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ قَضَاءُ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ الرَّاتِبَةِ وَغَيْرِهَا وَقَضَاءُ نَافِلَةٍ اتَّخَذَهَا وِرْدًا وَلَهُ فِعْلُ الْمَنْذُورَةِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْكُسُوفِ وَصَلَاةُ الطَّوَافِ وَلَوْ تَوَضَّأَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْوُضُوءِ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ الرَّافِعِيُّ وَيُكْرَهُ فِيهَا صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَتُكْرَهُ رَكْعَتَا الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا مُتَأَخِّرٌ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّ سَبَبَهُمَا إرَادَةُ الْإِحْرَامِ وَهُوَ مُتَقَدِّمٌ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ وَفِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَجْهَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُكْرَهُ وَحَكَاهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والعبد رى لان سببها متقدم (والثاني) تكر كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَهَكَذَا عَلَّلُوهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يَمْنَعُ الْأَوَّلُ كَرَاهَةَ صَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَأَمَّا تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ دَخَلَهُ لِغَرَضٍ كَاعْتِكَافٍ أَوْ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ انْتِظَارِ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ صَلَّى التَّحِيَّةَ وَإِنْ دَخَلَهُ لا لحاجة بل ليصلي التحية فقط وجهان (أَرْجَحُهُمَا) الْكَرَاهَةُ كَمَا لَوْ تَعَمَّدَ تَأْخِيرَ الْفَائِتَةِ لِيَقْضِيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَتَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا " وَالثَّانِي لَا يُكْرَهُ واختاره الامام والغزالي وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي كَرَاهَةِ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ وَهَذَا غَلَطٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقَدْ حَكَاهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ فَاتَتْهُ رَاتِبَةٌ أَوْ نَافِلَةٌ اتَّخَذَهَا وِرْدًا فَقَضَاهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَهَلْ لَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى مِثْلِهَا فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ والمتولي وغيرهم أحدهما نعم لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاتَهُ رَكْعَتَا سُنَّةِ الظُّهْرِ فَقَضَاهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ وَدَاوَمَ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الْعَصْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصَحُّهُمَا لَا وَتِلْكَ الصَّلَاةُ مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا لَا تُكْرَهُ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَابْنُهُ أبو أَيُّوبَ وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ وَتَمِيمٌ الدَّارِيُّ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ وَوَافَقْنَا جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ فِي إبَاحَةِ الْفَوَائِتِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُبَاحُ الْفَوَائِتُ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَلَا تُبَاحُ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ إلَّا عَصْرَ يَوْمِهِ فَتُبَاحُ عند اصفرار الشمس الْمَنْذُورَةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ عِنْدَنَا وَلَا تُبَاحُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إبَاحَةِ صَلَاةِ الْجَنَائِزِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ عن الثوري والاوزاعي وأبي حنيفة واحمد واسحق أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا وَعِنْدَ اسْتِوَائِهَا وَلَا تُكْرَهُ فِي الْوَقْتَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ أَبَاحَ الصَّلَاةَ لِسَبَبٍ وَبِلَا سَبَبٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ دَاوُد مَنْعُ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ مَا لَهَا سَبَبٌ وَمَا لَا سَبَبَ لَهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النَّهْيِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ نَسِيَ صَلَاةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إذَا ذَكَرَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ إنَّهُ أَتَانِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالْإِسْلَامِ مِنْ قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنْ اللَّتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " صَلَاتَانِ لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ رضي الله عنه قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّتَهُ وَصَلَّيْتُ مَعَهُ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَلَمَّا قَضَى صَلَاتَهُ وَانْحَرَفَ إذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ فِي آخِرِ الْقَوْمِ لم يصليا معه قال على بهما فجئ بِهِمَا تُرْعَدُ فَرَائِصُهُمَا قَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا قَدْ كُنَّا صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا قَالَ فَلَا تَفْعَلَا فَإِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ "
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَنَّهَا عَامَّةٌ وَهَذِهِ خَاصَّةٌ وَالْخَاصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَامِّ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ عَلَيْهِ أَوْ تَأَخَّرَ فان قيل
لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثَيْ أُمِّ سَلَمَةَ وَعَائِشَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَخْصُوصَةٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قُلْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا سَبَقَا أَحَدُهُمَا جَوَازُ مِثْلِ هَذَا لِكُلِّ أَحَدٍ وَأَصَحُّهُمَا لَا تُبَاحُ الْمُدَاوَمَةُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الِاسْتِدْلَال بِفِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ حَدِيثَيْنِ يُسْتَشْكَلُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَهُمَا حَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَغَيْرِهِمَا مَعَ حَدِيثِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ المسجد فلا يجلس حتى يركع الركعتين " فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ لِلْحَدِيثِ فِيهَا وَالْجَوَابُ عَنْ أَحَادِيثِ النَّهْيِ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ النَّهْيِ عَامٌّ فِي الصَّلَوَاتِ خَاصٌّ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَحَدِيثُ التَّحِيَّةِ عَامٌّ فِي الْأَوْقَاتِ خَاصٌّ فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ فَلِمَ رَجَّحْتُمْ تَخْصِيصَ حَدِيثِ النَّهْيِ دُونَ تَخْصِيصِ حَدِيثِ التَّحِيَّةِ قُلْنَا حَدِيثُ النَّهْيِ دَخَلَهُ التَّخْصِيصُ بِالْأَحَادِيثِ الَّتِي ذكرناها
فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَبِالْإِجْمَاعِ الَّذِي نَقَلْنَاهُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ لَمْ يَأْتِ لَهُ مُخَصِّصٌ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الدَّاخِلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بِالتَّحِيَّةِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ وَلَوْ كَانَتْ التَّحِيَّةُ تُتْرَكُ فِي وَقْتٍ لَكَانَ هَذَا الْوَقْتَ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا التَّحِيَّةَ وَلِأَنَّهُ تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ وَبَعْدَ أَنْ قَعَدَ الدَّاخِلُ وَكُلُّ هَذَا مُبَالَغَةٌ فِي تَعْمِيمِ التَّحِيَّةِ
* (فَرْعٌ)
عَنْ وَهْبِ بْنِ الْأَجْدَعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تُصَلُّوا بَعْدَ الْعَصْرِ إلَّا أَنْ تُصَلُّوا وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ نَقِيَّةٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ
حَسَنٍ وَظَاهِرُهُ يُخَالِفُ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي تَعْمِيمِ النَّهْيِ مِنْ حِينِ صَلَاةِ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ
وَيُخَالِفُ أَيْضًا مَا عَلَيْهِ مَذَاهِبُ جَمَاهِيرِ العلماء وجوابه من (1) * قال المصنف رحمه الله
* (ولا تكره يوم الجمعة عند الاستواء لمن حضر الصلاة لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نصف النهار حتى تزول الشمس الا يوم الجمعة " ولانه يشق عليه من كثرة الخلق ان يخرج لمراعاة الشمس ويغلبه النوم ان قعد فعفى عن الصلاة وان لم يحضر الصلاة ففيه وجهان أحدهما يجوز للخبر والثانى لا يجوز لانه لا مشقة عليه في مراعاة الشمس)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ وَقَالَ هُوَ مُرْسَلٌ وَذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَعَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ وَابْنِ عمرو ضعف أَسَانِيدَ الْجَمِيعِ ثُمَّ قَالَ
والاعتماد على أن النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَحَبَّ التَّبْكِيرَ إلَى الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَغَّبَ فِي الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَلَا اسْتِثْنَاءٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مَزِيَّةٌ فِي نَفْيِ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَفِي ذَلِكَ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ تُبَاحُ الصَّلَاةُ بِلَا كَرَاهَةٍ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ يُبَاحُ لِكُلِّ أَحَدٍ عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ خَاصَّةً سَوَاءٌ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَمْ لَا وَالثَّالِثُ تُبَاحُ عِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لِمَنْ حَضَرَهَا دُونَ غَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَالرَّابِعُ) تُبَاحُ عِنْدَهُ لِمَنْ حَضَرَهَا وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ (وَالْخَامِسُ) تُبَاحُ عِنْدَهُ لِمَنْ حَضَرَهَا وَغَلَبَهُ النُّعَاسُ وَكَانَ قَدْ بَكَّرَ إلَيْهَا وَدَلَائِلُهَا تفهم
مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَيْهَقِيُّ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لاتباح فيه كغيره من الايام والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِمَكَّةَ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلَا بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ إلَّا بِمَكَّةَ " وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ وَلَا خلاف ان الطواف يجوز فكذلك الصلاة)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي ذَرٍّ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَيُغْنِي عَنْهُ
حَدِيثُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " يا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ صَلَاةَ الطَّوَافِ خَاصَّةً وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالْآثَارِ وَيُحْتَمَلُ جَمِيعُ الصَّلَوَاتِ (قُلْتُ) ويويد الْأَوَّلَ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد
* لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا يَطُوفُ بِهَذَا الْبَيْتِ يُصَلِّي أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ " وَأَمَّا حَدِيثُ " الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ " فَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا قَالَهُ الْحَافِظُ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ
كِتَابِ الْحَجِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الطَّوَافُ حَوْلَ الْبَيْتِ مِثْلُ الصَّلَاةِ إلَّا أَنَّكُمْ تَتَكَلَّمُونَ فِيهِ فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهِ فَلَا يَتَكَلَّمْ إلَّا بِخَيْرٍ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ وَغَيْرِهِ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا قَالَ وَلَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إلَّا مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِب (قُلْتُ) وَعَطَاءٌ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ صَلَاةُ الطَّوَافِ وَغَيْرُهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ انما تباح صلاة الطواف حكاه الخراسانيون وجماعة مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَالْمُرَادُ بِمَكَّةَ الْبَلْدَةُ وَجَمِيعُ الْحَرَمِ الَّذِي حَوَالَيْهَا وَفِي وَجْهٍ
إنَّمَا تُبَاحُ فِي نَفْسِ الْبَلْدَةِ دُونَ بَاقِي الْحَرَمِ وَفِي وَجْهٍ ثَالِثٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْقَفَّالِ الشَّاشِيِّ إنَّمَا تُبَاحُ فِي نَفْسِ الْمَسْجِدِ الَّذِي حَوْلَ الْكَعْبَةِ لَا فِيمَا سِوَاهُ مِنْ بُيُوتِ مَكَّةَ وَسَائِرِ الْحَرَمِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ لَا تُبَاحُ الصَّلَاةُ بِمَكَّةَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّ النَّهْيَ حَيْثُ ثَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ هَلْ هُوَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ أَمْ تَحْرِيمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ تَصْرِيحًا مِنْهُمْ الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي آخِرِ بَابِ الصَّلَاةِ بِالنَّجَاسَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الاصح كراهة تحريم لثبوت لاحاديث فِي النَّهْيِ وَأَصْلُ النَّهْيِ لِلتَّحْرِيمِ وَقَدْ صَرَّحَ بِالتَّحْرِيمِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِقْنَاعِ وَصَاحِبُ الذَّخَائِرِ وَغَيْرُهُمَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ
أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ مَكْرُوهَةٍ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَفِي انْعِقَادِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا تَنْعَقِدُ كَالصَّوْمِ يَوْمَ الْعِيدِ وَالثَّانِي تَنْعَقِدُ كَالصَّلَاةِ فِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ وَالْحَمَّامِ وَلِأَنَّ هَذَا الْوَقْتَ يقبل الصَّلَاةُ فِي الْجُمْلَةِ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله مَأْخَذُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ النَّهْيَ يَعُودُ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ أَمْ إلَى أَمْرٍ خَارِجٍ قَالَ وَلَا يَحْمِلُنَا هَذَا عَلَى أَنْ نَقُولَ هِيَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ إطْلَاقُهُمْ وَذَلِكَ أَنَّ نَهْيَ التَّنْزِيهِ أَيْضًا يُضَادُّ الصِّحَّةَ إذَا رَجَعَ إلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ لِأَنَّهَا لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ عِبَادَةً مَأْمُورًا بِهَا وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ راجعان الي نفس الشئ يَتَنَاقَضَانِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ قُلْنَا تَنْعَقِدُ صَحَّ نَذْرُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا صَحَّ نَذْرُهُ فَالْأُولَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي وَقْتٍ آخَرَ فَإِنْ صَلَّى فِيهِ أَجْزَأَهُ كَمَنْ نَذَرَ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ يَذْبَحُهَا بِسِكِّينٍ مَغْصُوبٍ يَصِحُّ نذره ويذبحها بغير مغصوب فان ذبح المغصوب عَصَى وَأَجْزَأَهُ وَلَوْ نَذَرَ صَلَاةً مُطْلَقَةً فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِلَا خِلَافٍ لان لها سببا
*
(باب صلاة الجماعة)
* قال المصنف رحمه الله
* (اختلف اصحابنا في الجماعة فقال أبو العباس وابو اسحق هي فرض كفاية يجب اظهارها في الناس فان امتنعوا من اظهارها قوتلوا عليها وهو المنصوص في الامامة والدليل عليه ما روى أبو الدرداء رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " ما من ثلاثة في قرية ولابد ولا تقام فيهم الصلاة الا قد استحوذ عليهم الشيطان عليك بالجماعة فانما يأخذ الذئب من الغنم القاصية " ومن اصحابنا من قال هي سنة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صلاة الجماعة افضل من صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة ")
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاسْمُ أَبِي الدَّرْدَاءِ عُوَيْمِرُ بْنُ زَيْدٍ بْنِ قَيْسٍ وَقِيلَ اسْمُهُ عَامِرٌ وَلَقَبُهُ عُوَيْمِرٌ وَهُوَ أَنْصَارِيٌّ خَزْرَجِيٌّ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَعْدَ أُحُدٍ مِنْ الْمُشَاهَدِ وَاخْتُلِفَ فِي شُهُودِهِ أُحُدًا وَكَانَ فَقِيهًا حَكِيمًا زَاهِدًا وَلِيَ قَضَاءَ دِمَشْقَ لِعُثْمَانَ تُوُفِّيَ بِدِمَشْقَ سَنَةَ إحْدَى وَقِيلَ ثِنْتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَقَبْرُهُ بِبَابِ الصَّغِيرِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ولا بد وهو الْبَادِيَةُ وَاسْتَحْوَذَ أَيْ اسْتَوْلَى وَغَلَبَ وَالْقَاصِيَةُ الْمُنْفَرِدَةُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَا مُنَافَاةَ فَذِكْرُ الْقَلِيلِ لَا يَنْفِي الْكَثِيرَ ومفهوم العدد باطل عند الاصولين (الثاني) أَنْ يَكُونَ أَخْبَرَ أَوَّلًا بِالْقَلِيلِ ثُمَّ أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِزِيَادَةِ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَ بِهَا (الثَّالِثُ) أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْمُصَلَّيْنَ وَالصَّلَاةِ وَتَكُونُ لِبَعْضِهِمْ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ وَلِبَعْضِهِمْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ بِحَسْبِ كَمَالِ الصَّلَاةِ وَمُحَافَظَتِهِ عَلَى هَيْئَاتِهَا وَخُشُوعِهَا وَكَثْرَةِ جَمَاعَتِهَا وَفَضْلِهِمْ وَشَرَفِ الْبُقْعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجَمَاعَةُ مَأْمُورٌ بِهَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَفِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا (أَحَدُهَا) أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَالثَّانِي) سُنَّةٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (وَالثَّالِثُ) فَرْضُ عَيْنٍ لكل ليست
بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الثَّالِثُ قَوْلُ اثْنَيْنِ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِنَا الْمُتَمَكِّنِينَ فِي الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وهما أبو بكر ابن خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيلَ إنَّهُ قول للشافعي وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْإِمَامَةِ كَمَا ذَكَرَهُ المصنف
* وهو قولي شيخي المذهب ابن سريج وأبي
اسحق وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَصَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ وَهُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ وَصَحَّحَتْ طَائِفَةٌ كَوْنَهَا سُنَّةً مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فَإِذَا قُلْنَا إنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ فَامْتَنَعَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ مِنْ إقَامَتِهَا
قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ الْحَرَجُ إلَّا إذَا أَقَامُوهَا بِحَيْثُ يَظْهَرُ هَذَا الشِّعَارُ فِيهِمْ فَفِي الْقَرْيَةِ الصَّغِيرَةِ يَكْفِي إقَامَتُهَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَفِي الْبَلْدَةِ وَالْقَرْيَةِ الْكَبِيرَةِ يَجِبُ إقَامَتُهَا فِي مَوَاضِعَ بِحَيْثُ يَظْهَرُ فِي الْمَحَالِّ وَغَيْرِهَا فَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى إقَامَتِهَا فِي الْبُيُوتِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ لَا يَسْقُطُ الْحَرَجُ عَنْهُمْ لِعَدَمِ ظُهُورِهَا (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ إذَا ظَهَرَتْ فِي الْأَسْوَاقِ وَاخْتَارَهُ (1) اما إذا
(1) بياض الاصل فحرر
*
قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ فَهِيَ سُنَّةٌ مُتَأَكَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ تَرْكُهَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ فَعَلَى هَذَا لَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ عَلَى تَرْكِهَا فَهَلْ يُقَاتَلُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُقَاتَلُونَ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَالظُّهْرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالثَّانِي) يُقَاتَلُونَ لِأَنَّهُ شِعَارٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْوَجْهَيْنِ فِي بَابِ الْأَذَانِ وَهُمَا جَارِيَانِ فِي الْأَذَانِ وَالْجَمَاعَةِ وَالْعِيدِ إذَا قُلْنَا إنَّهَا سُنَنٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَقَامَ الْجَمَاعَةَ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ من أهل البد وَأَظْهَرُوهَا فِي كُلِّ الْبَلَدِ وَلَمْ يَحْضُرْهَا جُمْهُورُ الْمُقِيمِينَ فِي الْبَلَدِ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ وَلَا إثْمَ عَلَى الْمُتَخَلِّفِينَ كَمَا إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ هَكَذَا
قَالَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الْهَمِّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ الْجَمَاعَةِ يُخَالِفُ هَذَا وَلَكِنْ هَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِتَحْرِيقِهِمْ وَلَمْ يَفْعَلْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَهْلِ الْبَوَادِي قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي فِيهِمْ نَظَرٌ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ بَلْ يَكُونُ سُنَّةً فِي حَقِّهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَتَعَرَّضُونَ لَهُ إذَا كَانُوا سَاكِنِينَ قَالَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُسَافِرِينَ لَا يَتَعَرَّضُونَ لِهَذَا الْفَرْضِ قَالَ وَكَذَا إذَا قَلَّ عَدَدُ سَاكِنِي قرية هذا كلام امام الحرمين والمختاران أَهْلَ الْبَوَادِي السَّاكِنِينَ وَالْعَدَدَ الْقَلِيلَ فِي الْقَرْيَةِ يُتَوَجَّهُ عَلَيْهِمْ فَرْضُ الْكِفَايَةِ فِي الْجَمَاعَةِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ "
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تَكُونُ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّ النِّسَاءِ فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَهُنَّ
ثُمَّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ اسْتِحْبَابًا كَاسْتِحْبَابِ الرِّجَالِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ لَا تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ تَرْكُهَا وَإِنْ كُرِهَ لِلرِّجَالِ مَعَ قَوْلِنَا هِيَ لَهُمْ سُنَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِيَعْتَادَهَا (فَرْعٌ)
الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي أَنَّ الْجَمَاعَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ هُوَ فِي الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ المؤديات اما الجمعة ففرض عين واما المنذورة فَلَا تُشْرَعُ فِيهَا الْجَمَاعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا النوافل فسبق
فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ مَا يُشْرَعُ لَهُ الجماعة وَمَا لَا يُشْرَعُ وَذَكَرْنَا فِي آخِرِ ذَلِكَ الْبَابِ أَنَّ مَا لَا يُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ مِنْهَا لَوْ فَعَلَ جَمَاعَةً لَمْ يُكْرَهْ وَبَسَطْنَا دليله اما الْمَقْضِيَّةُ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ فَلَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضَ عَيْنٍ وَلَا كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ الْجَمَاعَةُ فِي الْمَقْضِيَّةِ الَّتِي يَتَّفِقُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِيهَا بِأَنْ يَفُوتَهُمَا ظُهْرٌ أَوْ عَصْرٌ وَدَلِيلُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ فَاتَتْهُ هُوَ وَأَصْحَابُهُ صَلَاةُ الصُّبْحِ صَلَّاهَا بِهِمْ جَمَاعَةً قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَا خِلَافَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي جَوَازِ الْجَمَاعَةِ فِي الْقَضَاءِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ مَنْعِ ذَلِكَ وَهَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ اللَّيْثِ إنْ صَحَّ عَنْهُ مَرْدُودٌ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْقَضَاءُ خَلْفَ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ خَلْفَ الْقَضَاءِ وَقَضَاءُ صَلَاةٍ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي غَيْرَهَا فَكُلُّهُ جَائِزٌ عِنْدَنَا إلَّا أَنَّ الِانْفِرَادَ بِهَا أَفْضَلُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ خِلَافًا لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلصِّحَّةِ وَقَالَ دَاوُد هِيَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ وَشَرْطٌ فِي الصِّحَّةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضِ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضِ عَيْنٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ سُنَّةٌ وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ وَاحْتَجَّ لِمَنْ قَالَ فَرْضُ عَيْنٍ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ أَثْقَلَ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ
فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلِ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " أَتَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إلَى الْمَسْجِدِ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَأَجِبْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي رَجُلٌ ضَرِيرُ الْبَصَرِ شَاسِعُ الدَّارِ وَلِي قَائِدٌ لَا يُلَازِمُنِي فَهَلْ لِي رُخْصَةٌ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِيِّ قَالَ هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ قَالَ نَعَمْ قَالَ لَا أَجِدُ لَك رُخْصَةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " من سَمِعَ الْمُنَادِيَ فَلَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ اتِّبَاعِهِ عُذْرٌ - قَالُوا وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ - لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ الصَّلَاةُ الَّتِي صَلَّى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَعَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ " وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مثله رواهما الدارقطني وعن علي ابن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه مَوْقُوفًا عَلَيْهِ " لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ بِفَرْضِ عَيْنٍ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ " بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ قَالُوا وَوَجْهُ الدلالة أن المفاضلة انما تكون
حقيقتهما بَيْنَ فَاضِلِينَ جَائِزَيْنِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ الْهَمِّ بِتَحْرِيقِ بُيُوتِهِمْ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ هَذَا وَرَدَ فِي قَوْمٍ مُنَافِقِينَ يَتَخَلَّفُونَ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَلَا يُصَلُّونَ فُرَادَى وَسِيَاقُ الْحَدِيثِ يُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ وَقَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ صَرِيحٌ فِي هَذَا التَّأْوِيلِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَقَدْ هَمَمْتُ وَلَمْ يُحَرِّقْهُمْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا تَرَكَهُ (فان قيل) لو لم يجز التحريق لماهم بِهِ (قُلْنَا) لَعَلَّهُ هَمَّ بِهِ بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ نَزَلَ وَحَيٌّ بِالْمَنْعِ مِنْهُ أَوْ تَغَيَّرَ الِاجْتِهَادُ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الصَّحِيحِ فِي جَوَازِ الِاجْتِهَادِ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهَا فَرْضُ عَيْنٍ وَإِنَّمَا فِيهِ بَيَانُ فَضْلِهَا وَكَثْرَةُ مُحَافَظَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَعْمَى فَجَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْأَئِمَّةُ الْحُفَّاظُ الْفُقَهَاءُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بن اسحق بن خزيمة والحاكم وابو عَبْدِ اللَّهِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالُوا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لِكَوْنِهَا فَرْضَ عَيْنٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِعِتَابٍ حِينَ شَكَا بَصَرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ وَحَدِيثُهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالُوا وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ لَا رُخْصَةَ لَكَ تُلْحِقُكَ بِفَضِيلَةِ مَنْ حَضَرَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَتَقَدَّمَ بَيَانُ ضَعْفِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفَانِ فِي إسْنَادِهِمَا ضَعِيفَانِ وَأَحَدُهُمَا مَجْهُولٌ وهو محمد
ابن سِكِّينٍ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِكِّينٍ سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ وَمُحَمَّدٌ بْنُ سِكِّينٍ مَجْهُولٌ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَارِيخِهِ ثُمَّ قَالَ وَفِي إسْنَادِهِ نَظَرٌ وَضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمْ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا فِي كَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ وَرَدَّا عَلَى مَنْ قَالَ إنَّهَا سُنَّةٌ بِحَدِيثِ مَالِكٍ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ " أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه رَحِيمًا رَفِيقًا فَظَنَّ أَنَّا أَشْتَقْنَا أَهْلَنَا فَسَأَلْنَا عن من تركنا من أَهْلِنَا فَأَخْبَرْنَاهُ فَقَالَ ارْجِعُوا إلَى أَهْلِيكُمْ فَأُقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ثُمَّ لِيَؤُمّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ السَّابِقِ " مَا مِنْ ثَلَاثَةٍ فِي قَرْيَةٍ وَلَا بَدْوٍ " الْحَدِيثُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْوَارِدَةِ فِي فَضْلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَمِنْهَا حَدِيثُ
" صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا عَلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إلَيْهِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا " رَوَاهُ البخاري ومسلم - التهجير التكبير إلَى الصَّلَاةِ - وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولَ " مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ
فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَمَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ فِي جَمَاعَةٍ
* (فَرْعٌ)
آكَدُ الْجَمَاعَاتِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ الصبح والعشا لِلْحَدِيثَيْنِ السَّابِقِينَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ (فَرْعٌ)
فِي الْإِشَارَةِ إلَى بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَضْلِ المشى الي المساجد وكثرة الخطا وَانْتِظَارِ الصَّلَاةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ غَدَا إلَى الْمَسْجِدِ أَوْ رَاحَ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ نُزُلَهُ مِنْ الْجَنَّةِ كُلَّمَا غَدَا أَوْ رَاحَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ أَعْظَمَ النَّاسِ أَجْرًا فِي النَّاسِ أَبْعَدُهُمْ إلَيْهَا مَشْيًا وَاَلَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَنَامُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِيَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كانت خطواته احداهما تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالْأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ " كَانَتْ دِيَارُنَا نَائِيَةً عَنْ الْمَسْجِدِ فَأَرَدْنَا أَنْ نَبِيعَ بُيُوتَنَا فَنَقْرُبَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَنَهَانَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ لَكُمْ بِكُلِّ خُطْوَةٍ دَرَجَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ رِجَالًا أَبْعَدَ مِنْ الْمَسْجِدِ منه وكان لا تخطيه صلاة فقيل له أو قلت له اشْتَرَيْتَ حِمَارًا تَرْكَبُهُ فِي الظَّلْمَاءِ وَفِي الرَّمْضَاءِ قَالَ مَا يَسُرُّنِي أَنَّ مَنْزِلِي إلَى جَنْبِ الْمَسْجِدِ إنِّي أُرِيدُ
أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جَمَعَ اللَّهُ لَكَ ذَلِكَ كُلَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَرَادَ بَنُو سَلَمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمْ إنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ دِيَارُكُمْ تَكْتُبُ آثَارَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ مَا لَمْ يُحْدِثْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللهم ارحمه لا يزاله أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَتْ الصَّلَاةُ تَحْبِسُهُ لا يمنعه أن ينقلب إلَى أَهْلِهِ إلَّا الصَّلَاةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ " إسْبَاغُ الْوُضُوءِ على المكاره وكثرة الخطا إلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَمَاعَةٍ تَزِيدُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلَاتِهِ فِي سُوقِهِ بِضْعًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً " وَذَلِكَ أَنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ لَا تَهُزُّهُ إلَّا الصَّلَاةُ لَا يُرِيدُ إلَّا الصَّلَاةَ
فَلَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إلَّا رَفْعَ اللَّهُ لَهُ بِهَا دَرَجَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً حَتَّى يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي صَلَاةٍ مَا كَانَتْ الصَّلَاةُ هِيَ تَحْبِسُهُ وَالْمَلَائِكَةُ يُصَلُّونَ عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ يَقُولُونَ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُؤْذِ فِيهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ " رَوَاهُ البخاري ومسلم وهذا الفظ مُسْلِمٍ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْمَسْأَلَةِ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ وَفِيمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ أَبْلَغُ كِفَايَةٍ وَأَمَّا فَضْلُ الصَّلَوَاتِ فَقَدْ ذَكَرْتُ جُمْلَةً مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ كِتَابِ الصَّلَاةِ وبالله التوفيق * قال المصنف رحمه الله
* (واقل الجماعة اثنان امام ومأموم لما روى أبو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ " الاثنان فما فوقهما جماعة ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَصَاحِبٌ لِي فَلَمَّا أَرَدْنَا الْإِقْفَالَ مِنْ عِنْدِهِ قَالَ لَنَا إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَذِّنَا ثُمَّ أَقِيمَا وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ فَإِذَا صَلَّى رَجُلٌ بِرَجُلٍ أَوْ بِامْرَأَةٍ أَوْ أَمَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ أَوْ غَيْرِهِمْ أَوْ بِغُلَامِهِ أَوْ بِسَيِّدَتِهِ أَوْ بِغَيْرِهِمْ حَصَلَتْ لَهُمَا فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ خَمْسٌ أَوْ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ * قال المصنف رحمه الله
*
(وَفِعْلُهَا لِلرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ جَمْعًا وَفِي الْمَسَاجِدِ الَّتِي يَكْثُرُ فِيهَا النَّاسُ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلَاةٌ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ وَمَا كَانَ أَكْثَرَ فَهُوَ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى " فَإِنْ كَانَ فِي جِوَارِهِ مَسْجِدٌ مُخْتَلٍ فَفِعْلُهَا فِي مَسْجِدِ الْجِوَارِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يَكْثُرُ النَّاسُ فِيهِ لِأَنَّهُ إذَا صَلَّى فِي مَسْجِد الْجِوَارِ حَصَلَتْ الْجَمَاعَةُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَجَمَاعَتُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ " فَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسَاجِدِ مَعَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً تُشْتَهَى كُرِهَ لَهَا الْحُضُورُ وَإِنْ كانت عجوز الا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى النِّسَاءَ عَنْ الخروج الا عجوزا في منقليها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أُبَيٍّ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فيه رجل لم يبينوا حاله وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَأَشَارَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا إلَى صِحَّتِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْط الْبُخَارِيِّ وَحَدِيثُ الْعَجُوزِ فِي مِنْقَلَيْهَا غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٌ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَا صَلَّتْ امرأة أَفْضَلَ مِنْ صَلَاةٍ فِي بَيْتِهَا إلَّا مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ إلَّا عَجُوزًا
فِي مِنْقَلَيْهَا " وَالْمِنْقَلَانِ الْخُفَّانِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُمَا
الْخُفَّانِ الْخَلَقَانِ وَهُمَا - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا - لُغَتَانِ والفتح أشهر وقد أو صحتها فِي التَّهْذِيبِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فِعْلُ الْجَمَاعَةِ لِلرَّجُلِ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا فِي الْبَيْتِ وَالسُّوقِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي فَضْلِ الْمَشْيِ إلَى الْمَسْجِدِ وَلِأَنَّهُ أَشْرَفُ وَلِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ شِعَارِ الْجَمَاعَةِ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَسَاجِدُ فَذَهَابُهُ إلَى أَكْثَرِهَا جَمَاعَةً أَفْضَلُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فَلَوْ كَانَ بِجِوَارِهِ مَسْجِدٌ قَلِيلُ الْجَمْعِ وَبِالْبُعْدِ مِنْهُ مَسْجِدٌ أَكْثَرُ جَمْعًا فَالْمَسْجِدُ البعيد أولي الا في حالتين (احدهما) أن تتعطل جماعة القريب لعدو له عَنْهُ لِكَوْنِهِ إمَامًا أَوْ يَحْضُرَ النَّاسُ بِحُضُورِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقَرِيبُ أَفْضَلَ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ إمَامُ الْبَعِيدِ مُبْتَدِعًا كَالْمُعْتَزِلِيِّ وَغَيْرِهِ أَوْ فَاسِقًا أَوْ لَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَ بَعْضِ الْأَرْكَانِ فَالْقَرِيبُ أَفْضَلُ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّ مَسْجِدَ الْجِوَارِ أَفْضَلُ بِكُلِّ حَالٍ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ مَسْجِدُ الْجِوَارِ لاجماعه فِيهِ وَلَوْ حَضَرَ هَذَا الْإِنْسَانُ فِيهِ لَمْ يُحَصِّلْ جَمَاعَةً وَلَمْ يُحَضِّرْ غَيْرُهُ فَالذَّهَابُ إلَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسَنُّ الْجَمَاعَةُ لِلنِّسَاءِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لَكِنْ هَلْ تَتَأَكَّدُ فِي حَقِّهِنَّ كَتَأَكُّدِهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْمَنْعُ وَإِمَامَةُ الرَّجُلِ بِهِنَّ أَفْضَلُ مِنْ إمَامَةِ امْرَأَةٍ لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بالصلاة ويجهر بالقراءة بكل حال ليكن لا يجوز أن يخلو واحدة بِامْرَأَةٍ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْرَمًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ مَبْسُوطًا بِدَلِيلِهِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّالِثَةُ) جَمَاعَةُ النِّسَاءِ فِي الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِنْ حُضُورِهِنَّ الْمَسَاجِدَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَلَاتُهَا فِيمَا كَانَ مِنْ بَيْتِهَا أَسْتَرُ أَفْضَلُ لَهَا لِحَدِيثِ عبد الله ابْنِ مَسْعُودٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَإِنْ أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ كَبِيرَةً تُشْتَهَى كُرِهَ لَهَا وَكُرِهَ لِزَوْجِهَا وَوَلِيّهَا تَمْكِينُهَا مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى لَمْ يُكْرَهْ وَقَدْ جَاءَتْ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ تَقْتَضِي هَذَا التَّفْصِيلَ مِنْهَا مَا روى عَنْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمْ امْرَأَتُهُ إلَى المسجد
فَلَا يَمْنَعُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا " إذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ " وَعَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إذَا اسْتَأْذَنَتْهُ إلَى الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ إذَا كَانَتْ عَجُوزًا لَا تُشْتَهَى وَأَمِنَ الْمُفْسِدَةَ عَلَيْهَا وَعَلَى غَيْرِهَا لِلْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنْ مَنَعَهَا لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ وَيُجَابُ عَنْ حَدِيثِ " لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " بِأَنَّهُ نَهْيَ تَنْزِيهٍ لِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي مُلَازَمَةِ الْمَسْكَنِ وَاجِبٌ فَلَا تَتْرُكْهُ لِلْفَضِيلَةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْمَسْجِدِ كُرِهَ لَهَا أَنْ تَمَسَّ طِيبًا وَكُرِهَ أَيْضًا الثِّيَابُ الْفَاخِرَةُ لِحَدِيثِ زَيْنَبَ الثَّقَفِيَّةِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه وَعَنْهَا قَالَتْ " قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا شَهِدَتْ إحْدَاكُنَّ الْمَسْجِدَ فَلَا تَمَسَّ طِيبًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ وَلَكِنْ لِيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَتَفِلَات - بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَكَسْرِ الْفَاءِ - أَيْ تَارِكَاتٌ الطَّيِّبَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمَاعَةِ لِلنِّسَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهَا لَهُنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ كُلُّ صَلَاةٍ اُسْتُحِبَّ لِلرِّجَالِ الْجَمَاعَةُ فِيهَا اُسْتُحِبَّ الْجَمَاعَةُ فِيهَا لِلنِّسَاءِ فَرِيضَةً كَانَتْ أَوْ نَافِلَةً وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سلمة وعطاء والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ لَا تَؤُمُّ الْمَرْأَةُ أَحَدًا فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ يُكْرَهُ وَيَجْزِيهِنَّ قَالَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ تَؤُمّهُنَّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ (وَاحْتَجَّ) أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَعَنْ ربطة الْحَنَفِيَّةِ قَالَتْ " أَمَّتْنَا عَائِشَةُ فَقَامَتْ بَيْنَهُنَّ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " وَعَنْ حُجَيْرَةَ قَالَتْ
" أَمَّتْنَا أُمُّ سَلَمَةَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ فَقَامَتْ بَيْنَنَا " رَوَاهُمَا الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي حُضُورِ الْعَجُوزِ الَّتِي لَا تُشْتَهَى الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذلك في شئ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الفقها
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ إلَّا فِي الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَالْعِيدِ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي النهى عن منعهن المساجد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لانه يريد ان يتبع غيره فلابد من نية الاتباع فان رأى رجلين يصليان علي الانفراد فنوى الائتمام بهما لم تصح صلاته لانه لا يمكنه ان يقتدى بهما في وقت واحد وان نوى الاقتداء باحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لانه إذا لم يعين لا يمكنه الاقتداء وان كان احدهما يصلي بالآخر فنوى الاقتداء بالمأموم لم تصح صلاته لانه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره وان صلي رجلان فنوى كل واحد منهما انه هو الامام لم تبطل صلاته لان كل واحد منهما يصلي لنفسه وان نوى كل واحد منهما انه مؤتم بالآخر لم تصح صلاته لان كل واحد منهما إئتم بمن ليس بامام)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَأْمُومُ الْجَمَاعَةَ وَالِاقْتِدَاءَ وَالِائْتِمَامَ قَالُوا وَتَكُونُ هَذِهِ النِّيَّةُ مَقْرُونَةً بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ كَسَائِرِ مَا يَنْوِيهِ فَإِنْ لَمْ يَنْوِ فِي الِابْتِدَاءِ وَأَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَإِذَا تَرَكَ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ وَالِانْفِرَادِ وَأَحْرَمَ مُطْلَقًا انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ مُنْفَرِدًا فَإِنْ تَابَعَ الْإِمَامَ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ غَيْرِ
تَجْدِيدِ نِيَّةٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ ارْتَبَطَ بِمَنْ لَيْسَ بِإِمَامٍ لَهُ فَأَشْبَهَ الِارْتِبَاطَ بِغَيْرِ الْمُصَلِّي وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَالثَّانِي لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْأَرْكَانِ عَلَى وَجْهِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَانَ مُنْفَرِدًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ إذَا انْتَظَرَ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَغَيْرَهُمَا لِيَرْكَعَ وَيَسْجُدَ مَعَهُ وَطَالَ انْتِظَارُهُ
فَأَمَّا إذَا اتَّفَقَ انْقِضَاءُ فِعْلِهِ مَعَ انْقِضَاءِ فِعْلِهِ أَوْ انْتَظَرَهُ يَسِيرًا جِدًّا فَلَا تَبْطُلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ شَكَّ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ لَمْ تَجُزْ لَهُ مُتَابَعَتُهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْآنَ الْمُتَابَعَةَ وَحَيْثُ قُلْنَا بِجَوَازِ الِاقْتِدَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ النِّيَّةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ كَانَ نَوَى قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا حُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ شَكَّ فِي نِيَّةِ أَصْلِ الصَّلَاةِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْلَ أَنْ يَفْعَلَ فِعْلًا عَلَى خِلَافِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ شَاكٌّ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ فِعْلًا عَلَى مُتَابَعَتِهِ فِي الشَّكِّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمُنْفَرِدَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْمُتَابَعَةِ لِأَنَّهُ فِي حَالِ شَكِّهِ لَهُ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ وَلَيْسَ لَهُ الْمُتَابَعَةُ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ عَرَضَ لَهُ هَذَا الشَّكُّ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقِفَ سَلَامُهُ عَلَى سَلَامِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِإِمَامٍ فَسَلَّمَ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ نَوَى الاقتداء فلا شئ عَلَيْهِ وَصَلَاتُهُ مَاضِيَةٌ عَلَى الصِّحَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ فِيهِ الْخِلَافَ السَّابِقَ فِيمَنْ شَكَّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ هَلْ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ صَلَاتِهِ أَمْ لَا وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا إذَا نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِمَأْمُومٍ أَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِاثْنَيْنِ مُنْفَرِدَيْنِ أَوْ بِأَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ صَلَّى رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَوَى أَنَّهُ مَأْمُومٌ فَصَلَاتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَإِنْ نَوَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ إمَامٌ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ شَكَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا فِي أَنَّهُ إمَامٌ أَمْ ماموم فصلاتهما بَاطِلَتَانِ بِالِاتِّفَاقِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِالْآخِرِ وَلَوْ شَكَّ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مَأْمُومٌ وَعَلِمَ الْآخَرُ أَنَّهُ إمَامٌ أَوْ مُنْفَرِدٌ فَصَلَاةُ الْأَوَّلِ بَاطِلَةٌ وَصَلَاةُ الثَّانِي صَحِيحَةٌ وَإِنْ ظَنَّ الثَّانِي أَنَّهُ مُقْتَدٍ بِالْأَوَّلِ فَصَلَاتُهُ باطلة أيضا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَلَوْ اقْتَدَى بِمَأْمُومٍ وَظَنَّهُ إمَامًا بِأَنْ رَأَى رَجُلَيْنِ يُصَلِّيَانِ وَقَدْ خَالَفَا سُنَّةَ الوقف فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ فَطَرِيقَانِ (الْمَشْهُورُ) مِنْهُمَا الْجَزْمُ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَخْرُجُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ تَابَعَ مَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ لِأَنَّهُ وَقَفَ أَفْعَالَهُ عَلَى أَفْعَالِهِ قَالَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُحْدِثٍ لَمْ يَعْلَمْ حَدَثَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ وَقَفَ فِعْلَهُ عَلَى فِعْلِهِ قُلْتُ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ بِخِلَافِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِالْمَأْمُومِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ نَقَلَ الْأَصْحَابُ فِيهِ الْإِجْمَاعَ
وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُمْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى فِي مَرَضِهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يَقْتَدُونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ " فَمَعْنَاهُ الْجَمِيعُ كَانُوا مُقْتَدِينَ بِالنَّبِيِّ صلي الله عليه وسلم ولكن ابو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ وَقَدْ جَاءَ هَذَا اللَّفْظُ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَتَيْنِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ (فَرْعٌ)
فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الِاقْتِدَاءِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الِاشْتِرَاطُ كَغَيْرِهَا وَالثَّانِي لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ فَلَمْ يُحْتَجْ إلَى نِيَّتِهَا
* (فَرْعٌ)
لَا يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ تَعْيِينُ الْإِمَامِ فِي نِيَّتِهِ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْحَاضِرِ أَوْ إمَامِ هَذِهِ الْجَمَاعَةِ فَلَوْ عَيَّنَ وَأَخْطَأَ نُظِرَ إنْ لَمْ يُشِرْ إلَى الْإِمَامِ بِأَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ وَهُوَ يَظُنُّ الْإِمَامَ زَيْدًا فَبَانَ عَمْرًا لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ اقْتَدَى بِغَائِبٍ وَهُوَ كَمَنْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَأَخْطَأَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَكَمَنْ نَوَى الْعِتْقَ عَنْ كَفَّارَةِ ظِهَارِهِ فَكَانَ الَّذِي عَلَيْهِ كَفَّارَةُ قَتْلٍ لَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بِزَيْدٍ هَذَا الْإِمَامِ فَكَانَ عَمْرًا فَفِي صِحَّةِ اقْتِدَائِهِ بِهِ وَجْهَانِ لِتَعَارُضِ إشَارَتِهِ وَتَسْمِيَتِهِ وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ الاقتداء ونظيره لَوْ قَالَ بِعْتُك هَذَا الْفَرَسَ فَكَانَ بَغْلًا وَفِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَنْوِيَ الْإِمَامَةَ فَإِنْ لَمْ يَنْوِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَفِي وَجْهٍ غَرِيبٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْحَسَنِ الْعَبَّادِيِّ عَنْ أَبِي حَفْصٍ الْبَابْشَامِيِّ وَالْقَفَّالِ أَنَّهُمَا قَالَا يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ نِيَّةُ الْإِمَامَةِ وَأَشْعَرَ كَلَامُ الْعَبَّادِيِّ بِأَنَّهُمَا يَشْتَرِطَانِهَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ
وَالصَّوَابُ أَنَّ نِيَّةَ الْإِمَامَةِ لَا تَجِبُ وَلَا تُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ أَصْحَابِنَا وَسَوَاءٌ اقْتَدَى بِهِ رِجَالٌ أَمْ نِسَاءٌ لَكِنْ يَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلْمَأْمُومَيْنِ وَفِي حُصُولِهَا لِلْإِمَامِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا لَا تَحْصُلُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْفُورَانِيُ وَآخَرُونَ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ
(وَالثَّانِي)
تَحْصُلُ لِأَنَّهَا حَاصِلَةٌ لِمُتَابِعِيهِ فَوَجَبَ أَنْ تَحْصُلَ لَهُ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إنْ عَلِمَهُمْ وَلَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ لم تحصل وان كان منفردا ثم اقندوا بِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ اقْتِدَاءَهُمْ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ الْجَمَاعَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْ فَوَائِدِ
الْخِلَافِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ الْإِمَامَةَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ هَلْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَلَوْ نَوَى الْإِمَامَةَ وَعَيَّنَ الْمُقْتَدِيَ فَبَانَ خِلَافُهُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّ غَلَطَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى تَرْكِ النِّيَّةِ وَلِأَنَّهُ لَا يَرْبِطُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نِيَّةِ الْإِمَامَةِ: ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجَمَاعَةِ وَبِهِ قَالَ مالك وآخرون وقال الاوزاعي والثوري واسحق تَجِبُ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ إنْ صَلَّى بِرَجُلٍ لَمْ تَجِبْ وان صلى بامرأة أو نساء وجبت
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وتسقط الجماعة بالعذر وهو أشياء منها المطر والوحل والريح الشديدة في الليلة المظلمة والدليل عليه مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كُنَّا إذا كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في سفر وكانت ليلة مظلمة أو مطيرة نادى مناديه ان صلوا في رحالكم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَأْمُرُ مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُولُ عَلَى أَثَرِهِ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ أَوْ الْمَطِيرَةِ فِي السَّفَرِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " يَأْمُرُ الْمُؤَذِّنَ إذَا كَانَتْ لَيْلَةٌ بَارِدَةٌ ذَاتُ مَطَرٍ يَقُولُ أَلَا صَلُّوا فِي الرِّحَالِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ الرِّحَالُ الْمَنَازِلُ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ مَدَرٍ أَوْ شَعْرٍ وَوَبَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَذَانِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ يُقَالُ فِي أَثْنَاءِ الْأَذَانِ أَمْ بَعْدَهُ وَالْوَحَلُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ - عَلَى اللغة المشهورة قال الجوهرى يقال بِإِسْكَانِهَا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا تَسْقُطُ الْجَمَاعَةُ بِالْأَعْذَارِ سَوَاءٌ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ أَمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ أَمْ فَرْضُ عَيْنٍ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا سُنَّةٌ فَهِيَ سنة متأكدة يكره تَرْكُهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَإِذَا تَرَكَهَا لِعُذْرٍ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةَ لِعُذْرٍ تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَتُهَا بَلْ لَا تَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَتُهَا بِلَا شَكٍّ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ سَقَطَ الْإِثْمُ وَالْكَرَاهَةُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى
أَنَّ الْمَطَرَ وَحْدَهُ عُذْرٌ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَفِي الْوَحَلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ عُذْرٌ وَحْدَهُ سَوَاءٌ كَانَ بِاللَّيْلِ أَوْ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) لَيْسَ بِعُذْرٍ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(فَرْعٌ)
الْبَرْدُ الشَّدِيدُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَشِدَّةُ الْحَرِّ عُذْرٌ فِي الظُّهْرِ وَالثَّلْجُ عُذْرٌ إنْ بَلَّ الثَّوْبَ وَالرِّيحُ الْبَارِدَةُ عُذْرٌ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَقُولُ بَعْضُ الْأَصْحَابِ الرِّيحُ الْبَارِدَةُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ على سبيل اشتراط الظلمة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَمِنْهَا أَنْ يَحْضُرَ الطَّعَامُ وَنَفْسُهُ تَتُوقُهُ أَوْ يُدَافِعَ الْأَخْبَثَيْنِ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ وَلَا وَهُوَ يُدَافِعُهُ الاخبثان ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَالْأَخْبَثَانِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَيُقَالُ حَضْرَةُ فُلَانٍ - بِفَتْحِ الحاء وضمها وكسرها - ثلاث لغات مشهورات وهذا الْأَمْرَانِ عُذْرَانِ يُسْقِطُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَمَاعَةَ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا مَا كَانَ فِي مَعْنَاهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلَّى فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً وَحُضُورُ الشَّرَابِ الَّذِي يَتُوقُ إلَيْهِ مِنْ مَاءٍ وَغَيْرِهِ كَحُضُورِ الطَّعَامِ وَمُدَافَعَةُ الريح كمدافعة البول والغائط
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ يَشُقُّ مَعَهُ القصد والدليل عليه ما رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ فَلَمْ يَأْتِهِ فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أَوْ مَرَضٌ " وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ قَيِّمًا لِمَرِيضٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ لِأَنَّ حِفْظَ الْآدَمِيِّ أَفْضَلُ مِنْ حِفْظِ الْجَمَاعَةِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَرِيبٌ مَرِيضٌ يَخَافُ مَوْتَهُ لِأَنَّهُ يَتَأَلَّمُ بِذَلِكَ اكثر مما يتألم بذهاب المال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُدَلِّسٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَكُونَ بِهِ مَرَضٌ يشق معه القصد وان كان يمكن عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي ذَلِكَ وَحَرَجًا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج) فَإِنْ كَانَ مَرَضٌ يَسِيرٌ لَا يَشُقُّ مَعَهُ الْقَصْدُ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَصُدَاعٍ يَسِيرٍ وَحُمَّى خَفِيفَةٍ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ وَضَبَطُوهُ
بِأَنْ تَلْحَقَهُ مَشَقَّةٌ كَمَشَقَّةِ الْمَشْيِ فِي الْمَطَرِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُمَرِّضًا لِمَرِيضٍ يَخَافُ ضَيَاعَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ غَيْرُهُ يَتَعَهَّدُهُ لَكِنَّهُ يَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْبَيَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عُذْرٌ لِأَنَّ مَشَقَّةَ تَرْكِهِ أَعْظَمُ مِنْ مَشَقَّةِ الْمَطَرِ وَلِأَنَّهُ يَذْهَبُ خُشُوعُهُ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ بِعُذْرٍ لِأَنَّهُ لا يخاف عليه وسواء كَانَ هَذَا الْمَرِيضُ قَرِيبًا أَوْ صِدِّيقًا وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ غَرِيبًا لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِهِ وَخَافَ ضَيَاعَهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ صَدِيقٌ يَخَافُ مَوْتَهُ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهَا أَنْ يَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ عَلَى مَنْ يَلْزَمُهُ الذَّبُّ عَنْهُ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَظْلِمُهُ أَوْ يَخَافُ مِنْ غَرِيمٍ لَهُ يَحْبِسُهُ أَوْ يُلَازِمُهُ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَيُعْذَرُ بِذَلِكَ وَلَا عِبْرَةَ بِالْخَوْفِ مِمَّنْ يُطَالِبُهُ بِحَقٍّ هُوَ ظَالِمٌ فِي مَنْعِهِ بَلْ عَلَيْهِ تَوْفِيَةُ الْحَقِّ وَالْحُضُورُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَدْخُلُ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْمَالِ مَا إذَا كَانَ خُبْزُهُ فِي التَّنُّورِ وَقِدْرُهُ عَلَى النَّارِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَتَعَهَّدُهُمَا وَكَذَا لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَأَبَقَ أَوْ دَابَّةٌ فَشَرَدَتْ أَوْ زَوْجَةٌ نَشَزَتْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ وَيَرْجُو تَحْصِيلَهُ بِالتَّأَخُّرِ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَمِنْ الْأَعْذَارِ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَلَوْ ظَفَرَ بِهِ المستحق لقتله ويرجوا أَنَّهُ لَوْ غَيَّبَ وَجْهَهُ أَيَّامًا لَذَهَبَ جَزَعُ الْمُسْتَحِقِّ وَعَفَا عَنْهُ مَجَّانًا أَوْ عَلَى مَالٍ فَلَهُ التَّخَلُّفُ بِذَلِكَ وَفِي مَعْنَاهُ حَدُّ الْقَذْفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَسَائِرُ الاصحاب فان لم يرجو الْعَفْوَ لَوْ تَغَيَّبَ لَمْ يَجُزْ التَّغَيُّبُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ شُرْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ حد زنا بلغ الامام وكذا كل مالا
يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتَشْكَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ التَّغَيُّبِ لِمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَفْوَ مندوب إليه وهذا التغييب طَرِيقٌ إلَى الْعَفْوِ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ عَارِيًّا لَا لِبَاسَ لَهُ فَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ سَوَاءٌ وَجَدَ سَاتِرَ الْعَوْرَةِ أَمْ لَا: لِأَنَّ عَلَيْهِ مَشَقَّةً فِي تَبَذُّلِهِ بِالْمَشْيِ بِغَيْرِ ثَوْبٍ يَلِيقُ بِهِ وَمِنْهَا أَنْ يُرِيدَ سَفَرًا وَتَرْتَحِلَ الرُّفْقَةُ ومنها أن يكون ناشد ضَالَّةً يَرْجُوهَا إنْ تَرَكَ الْجَمَاعَةَ أَوْ وَجَدَ مَنْ غَصَبَ مَالَهُ وَأَرَادَ اسْتِرْدَادَهُ وَمِنْهَا أَنْ يكون أكل توما أَوْ بَصَلًا وَكُرَّاثًا وَنَحْوَهَا وَلَمْ يُمْكِنْهُ إزَالَةُ الرَّائِحَةِ بِغُسْلٍ وَمُعَالَجَةٍ فَإِنْ أَمْكَنَتْهُ أَوْ كَانَ مَطْبُوخًا لَا رِيحَ لَهُ فَلَا عُذْرَ وَمِنْهَا غَلَبَةُ النَّوْمِ وَالنُّعَاسِ إنْ انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ فَهُوَ عذر قال صاحب الحاوى والزلزلة عذر * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ قَصَدَ الْجَمَاعَةَ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهَا وقال أبو اسحق إنْ خَافَ فَوْتَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى أَسْرَعَ
لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه اشتد إلي الصلاة وقال بادر واحد الصَّلَاةِ يَعْنِي التَّكْبِيرَةَ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعُونَ وَلَكِنْ ائْتُوهَا وَأَنْتُمْ تمشون وعليكم السكينة فما أدركتم تصلوا وما فاتكم فأتموا ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى فِي الصَّحِيحَيْنِ " وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَاقْضُوا " وَرِوَايَاتٌ " فَأَتِمُّوا " أَكْثَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا السُّنَّةُ لِقَاصِدِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَمْشِيَ إلَيْهَا بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهَا ام لا وفيه هذا الوجه لابي اسحق وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَعْبَثَ فِي مَشْيِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَكَلَّمُ بِمُسْتَهْجَنٍ وَلَا يَتَعَاطَى مَا يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَعْضِ طُرُقِ هذا الحديث السابق
* (فرع)
يُسْتَحَبُّ الْمُحَافَظَةُ عَلَى إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ يَتَقَدَّمَ إلَى الْمَسْجِدِ قَبْلَ وَقْتِ الْإِقَامَةِ وَجَاءَ فِي فَضِيلَةِ إدْرَاكِهَا أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ عَنْ السَّلَفِ مِنْهَا هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَشْيَاءُ عَنْ غَيْرِهِ وَيُحْتَجُّ لَهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ ليوتم بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَمَنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ الْفَاءَ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لِلتَّعْقِيبِ فَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْأَمْرِ بِتَعْقِيبِ تَكْبِيرَتِهِ بِتَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُدْرَكُ بِهِ فَضِيلَةُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِأَنْ يَحْضُرَ تكبير الْإِمَامِ وَيَشْتَغِلَ عَقِبهَا بِعَقْدِ صَلَاتِهِ مِنْ غَيْرِ وسوسة
ظَاهِرَةٍ فَإِنْ أَخَّرَ لَمْ يُدْرِكْهَا (وَالثَّانِي (يُدْرِكُهَا مَا لَمْ يَشْرَعْ الْإِمَامُ فِي الْفَاتِحَةِ فَقَطْ (وَالثَّالِثُ) بِأَنْ يُدْرِكَ الرُّكُوعَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى (وَالرَّابِعُ) بِأَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ الْقِيَامِ (وَالْخَامِسُ) إنْ شَغْلَهُ أَمْرٌ دُنْيَوِيٌّ لَمْ يُدْرِكْ بِالرُّكُوعِ وَإِنْ مَنَعَهُ عُذْرٌ أَوْ سَبَبٌ لِلصَّلَاةِ كَالطَّهَارَةِ أَدْرَكَ بِهِ قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ وَالرَّابِعِ هُمَا فِيمَنْ لَمْ يَحْضُرْ إحْرَامَ الْإِمَامِ فَأَمَّا مَنْ حَضَرَ فَقَدْ فَاتَهُ فَضِيلَةُ التَّكْبِيرَةِ وَإِنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ لِقَاصِدِ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَمْشِيَ بِسَكِينَةٍ سَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ تَكْبِيرَةِ
الْإِحْرَامِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسٍ وَأَحْمَدَ وابو ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وهما تابعيان واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُمْ قَالُوا إذَا خَافَ فَوْتَ تكبيرة الاحرام اسرع دليلنا الحديث السابق * قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ حَضَرَ وَالْإِمَامُ لَمْ يَحْضُرْ فَإِنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَرِيبٌ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْفُذَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْجَمَاعَةِ عَلَيْهِ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ وَإِفْسَادًا لِلْقُلُوبِ وَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ أَوَّلِ الْوَقْتِ لَمْ يَنْتَظِرْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرٍو بْنِ عَوْفٍ فَقَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَحَضَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُنْكِرْ عليهم ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ قِصَّةِ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ سَهْلٍ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدَيْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا حَضَرَتْ الْجَمَاعَةُ وَلَمْ يَحْضُرْ إمَامٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ قَدَّمُوا وَاحِدًا وَصَلَّى بِهِمْ وَإِنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَانٍ كَانَ قَرِيبًا بَعَثُوا إلَيْهِ مَنْ سَيَعْلَمُ خَبَرَهُ لِيَحْضُرَ أَوْ يَأْذَنَ لِمَنْ يُصَلِّي بِهِمْ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَوْ لَمْ يُوجَدْ فِي مَوْضِعِهِ فَإِنْ عَرَفُوا مِنْ حُسْنِ خُلُقِهِ أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِتَقَدُّمِ غَيْرِهِ وَلَا يَحْصُلُ بِسَبَبِهِ فِتْنَةٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَحَدُهُمْ وَيُصَلِّي بِهِمْ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلِحِفْظِ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْلَاهُمْ بِالْإِمَامَةِ وَأَحْبُهُمْ إلَى الْإِمَامِ وَإِنْ خَافُوا أَذَاهُ أَوْ فِتْنَةً انْتَظَرُوهُ فَإِنْ طَالَ الِانْتِظَارُ وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ كُلِّهِ صَلُّوا جَمَاعَةً هَكَذَا ذَكَرَ هَذِهِ الْجُمْلَةَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ حَضَرَ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْمَأْمُومِينَ صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَلَا يَنْتَظِرُ اجْتِمَاعَ الْبَاقِينَ لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مَعَ جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ أَفْضَلُ مِنْ فِعْلِهَا آخِرَ الْوَقْتِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ جَرَتْ عَادَةُ الْإِمَامِ بِتَأْخِيرِ الصَّلَاةِ عَنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَفِعْلِهَا فِي أَثْنَائِهِ أو أوآخره فهل
الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَهُ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ أَمْ يُصَلِّي فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ تَعْجِيلِ التيمم * قال المصنف رحمه الله
*
(وَإِنْ دَخَلَ فِي صَلَاةٍ نَافِلَةٍ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فَإِنْ لَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ أَتَمَّ النَّافِلَةَ ثُمَّ دَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ وَإِنْ خَشِيَ فواتها قطع النافلة لان الجماعة أفضل)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُرَادُهُ بِقَوْلِهِ خَشِيَ فَوَاتَ الْجَمَاعَةِ أَنْ تَفُوتَ كُلُّهَا بِأَنْ يُسَلِّمَ مِنْ صَلَاتِهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حامد والشيخ نصر وآخرون والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْجَمَاعَةُ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْطَعَ وَيَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاتَهُ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَا يَجُوزُ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَحْرِيمَتَهُ سَبَقَتْ تَحْرِيمَةَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَوْ حَضَرَ مَعَهُ فِي أَوَّلِ الصَّلَاةِ فَكَبَّرَ قَبْلَهُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ يَجُوزُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ صَلَاتِهِ منفردا ثم يصلى اماما بان يجئ مَنْ يَأْتَمُّ بِهِ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْضَ صَلَاتِهِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يَصِيرُ مَأْمُومًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ فِي حَالِ الِانْفِرَادِ لَمْ يَجُزْ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ بِالْمُتَابَعَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُفَرِّقْ وَيَجُوزُ أَنْ يتغير ترتيب صلاته بالمتابعة كالمسبوق بركعة)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي جَمَاعَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّهَا رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ مِنْهَا فَتَكُونَ نَافِلَةً ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْطَعَهَا ثُمَّ يَسْتَأْنِفَهَا فِي الْجَمَاعَةِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِينَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ قَالَ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَقُلْ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُتَأَوَّلُ كَلَامُهُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ إذَا خَشِيَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ لَوْ تَمَّمَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ قَطْعُهَا فَلَوْ لَمْ يَقْطَعْهَا وَلَمْ يُسَلِّمْ بَلْ نَوَى الدُّخُولَ فِي الْجَمَاعَةِ وَاسْتَمَرَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمَزْنِيِّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَفِي صِحَّتِهَا طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لقطع بِبُطْلَانِهَا حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْفَارِسِيِّ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَصِحُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي)
لَا يَصِحُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَدَلِيلُهَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَدَلُّ لِلصِّحَّةِ أَيْضًا بِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " ذَهَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ قبل مجئ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدَّمُوا أَبَا بكر رضى الله عنه لِيُصَلِّيَ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ وَاقْتَدَى بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالْجَمَاعَةُ " فَصَارَ أَبُو بَكْرٍ مُقْتَدِيًا فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَرْبَعِ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ (أَحَدُهَا) الْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ فِي الْجَمَاعَةِ بَعْدَ رُكُوعِهِ مُنْفَرِدًا فَإِنْ دَخَلَ قَبْلَ رُكُوعِهِ صَحَّتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) الْقَوْلَانِ فِيمَنْ دَخَلَ فِيهَا قَبْل رُكُوعِهِ فَإِنْ دَخَلَ فِيهَا بَعْدَهُ بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّالِثُ) الْقَوْلَانِ إذَا اتَّفَقَا فِي الركعة كأولى أَوْ ثَانِيَةٍ فَإِنْ اخْتَلَفَا وَكَانَ الْإِمَامُ فِي رَكْعَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى مُتَقَدِّمَةٍ أَوْ مُتَأَخِّرَةٍ بَطَلَتْ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ القولين في الاحوال كلها لوجود علتها فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا بِكُلِّ حَالٍ وَسَوَاءٌ اقْتَدَى بِإِمَامٍ أَحْرَمَ بَعْدَهُ أَمْ بِإِمَامٍ كَانَ مُحْرِمًا قَبْلَ إحْرَامِ هَذَا الْمُقْتَدِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي صَلَاةٍ رُبَاعِيَّةٍ بِمَنِّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَقَامَ الْمُقْتَدِي وَاقْتَدَى فِي رَكْعَتَيْهِ الْبَاقِيَتَيْنِ بِآخَرَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَمِثْلُهُ هَذَا الَّذِي يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ التَّرَاوِيحِ فيحرم خلفه بالعشاء فإذا سلم الامام قال الْمُقْتَدِي لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ ثُمَّ يُحْرِمُ الْإِمَامُ بِرَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ فِي التَّرَاوِيحِ فَيَقْتَدِي بِهِ فِيهِمَا فَفِي صِحَّتِهِ الْقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهَكَذَا لَوْ اقْتَدَى فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَفِيهِ الْخِلَافُ بِالتَّرْتِيبِ وَأَوْلَى بالبطان فَإِذَا قُلْنَا بِالصِّحَّةِ فَاخْتَلَفَا فِي الرَّكْعَةِ لَزِمَ الْمَأْمُومُ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ فِي مَوْضِعِ قُعُودِهِ وَيَقُومُ فِي مَوْضِعِ قِيَامِهِ فَإِنْ تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوَّلًا قَامَ الْمَأْمُومُ بَعْدَ سَلَامِهِ لِتَتِمَّةِ صلاته لانه مسبوق وان تمت صلاة الامام أَوَّلًا لَمْ يَجُزْ لَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِي الزِّيَادَةِ بَلْ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ عِنْدَ تَمَامِهَا وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَتَصِحُّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي التَّشَهُّدِ وَطُولِ الدُّعَاءِ حَتَّى يَلْحَقَهُ الْإِمَامُ ثُمَّ يُسَلِّمُ عَقِبَهُ وَلَوْ سَهَا الْمَأْمُومُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ لَمْ يَتَحَمَّلْ عَنْهُ الْإِمَامُ بَلْ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ هُوَ لِسَهْوِهِ إنْ كَانَتْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا سَجَدَ عِنْدَ تَمَامِهَا وَإِنْ سَهَا بَعْدَ الِاقْتِدَاءِ حَمَلَ عَنْهُ الْإِمَامُ وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ قَبْلَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ لَحِقَ الْمَأْمُومَ سَهْوُهُ وَيَسْجُدُ مَعَهُ وَيُعِيدُهُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ عَلَى الْأَظْهَرِ كَالْمَسْبُوقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَا أَنَّ الْقَوْلَ الْقَدِيمَ صِحَّةُ صَلَاةِ هَذَا الْمُقْتَدِي كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الجديد
وتابعه علي هذا صاحب الْمُعْتَمَدِ وَالْبَيَانِ تَقْلِيدًا لَهُ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ صَرِيحًا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّ نَصَّهُ فِي الْقَدِيمِ قَالَ قَائِلٌ يَدْخُلُ مَعَ الْإِمَامِ وَيَعْتَدُّ بما مضي ولسنا نقول بهاذ.
(فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ هُنَا مِنْ قَوْلِهِ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَتَكُونُ نَافِلَةً هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ فِي فَصْلِ النِّيَّةِ مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فِيهَا خِلَافٌ وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ فِي التَّرْجِيحِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَفِي هَذَا النَّصِّ وَاتِّفَاقُ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى اتِّفَاقِهِمْ عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ مِنْ فَرِيضَةٍ دَخَلَ فِيهَا فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا لِلْعُذْرِ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ مِنْهَا بِلَا عُذْرٍ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ذَلِكَ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مُسْتَقْصًى فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فِي مَسْأَلَةِ رُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا إنْ قَلَبَ فَرْضَهُ نَفْلًا لَا يَنْقَلِبُ بَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ حَرُمَ عَلَيْهِ هُنَا أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِيَدْخُلَ فِي الْجَمَاعَةِ لِأَنَّ فِيهِ أَبْطَالَ فَرْضٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُتَوَلِّي غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ جَمِيعِهِمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ ذَلِكَ وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ قَطْعُ الْفَرْضِ لِعُذْرٍ وَتَحْصِيلُ الْجَمَاعَةِ عُذْرٌ مُهِمٌّ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ قَطْعُهُ لِعُذْرٍ دُنْيَوِيٍّ وَحَظِّ نَفْسِهِ فَجَوَازُهُ لِمُصْلِحَةِ الصَّلَاةِ وَلِسَبَبِ تَكْمِيلِهَا أَوْلَى ثُمَّ تَعْلِيلُهُ بِأَنَّهُ إبْطَالُ فَرْضٍ تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ لِأَنَّ إبْطَالَ الْفَرْضِ حَاصِلٌ سَوَاءٌ قُلْنَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا أَمْ تَبْطُلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَلِّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَدْخُلَ الْجَمَاعَةَ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَ قَدْ بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ أَكْثَرُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي دُونَ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُعِيدَهَا مع الجماعة وممن صرح بها الرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي سَبَقَ هُوَ فِيمَا إذَا دَخَلَ فِي فَرْضِ الْوَقْتِ ثُمَّ أَرَادَ جَمَاعَةً فَأَمَّا إذَا دَخَلَ فِي فَائِتَةٍ ثُمَّ أَرَادَ الدُّخُولَ فِي جَمَاعَةٍ فَانٍ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ تُصَلِّي تِلْكَ الْفَائِتَةَ فَالْجَمَاعَةُ مَسْنُونَةٌ لَهَا فَهِيَ كفرض الوقت
فيما ذكرناه وَإِنْ كَانَتْ الْجَمَاعَةُ غَيْرَ تِلْكَ الْفَائِتَةِ لَمْ يَجِبْ التَّسْلِيمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَا قَطْعُهَا لِتَحْصِيلِ تِلْكَ الْفَائِتَةِ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تُشْرَعُ حِينَئِذٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ قَالَ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ مَصْلَحَةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَلَا يَجُوزُ قَطْعُ فَرِيضَةٍ لِمُرَاعَاةِ مَصْلَحَةِ فَرِيضَةٍ أُخْرَى وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ شَرَعَ فِي فَائِتَةٍ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ثُمَّ انْكَشَفَ وَخَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَيَشْتَغِلُ بِالْحَاضِرَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَلَوْ شَرَعَ فِي فَرِيضَةٍ فِي آخِرِ وَقْتِهَا مُنْفَرِدًا وَأَمْكَنَهُ إتْمَامُهَا فِي الْوَقْتِ مُنْفَرِدًا وَحَضَرَ قَوْمٌ يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَدَخَلَ مَعَهُمْ وَقَعَ بَعْضُهَا خَارِجَ الْوَقْتِ أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ حُرِّمَ عليه السلام مِنْ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ الْوَقْتِ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةُ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْفَرْضِ لِمُرَاعَاةِ سُنَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ إذَا افْتَتَحَ جَمَاعَةً ثُمَّ نَقَلَهَا إلَى جَمَاعَةٍ أُخْرَى بِأَنْ أَحْرَمَ خَلْفَ جنب أو محدث لم يعلم حاله ثُمَّ عَلِمَ الْإِمَامُ فَخَرَجَ فَتَطَهَّرَ ثُمَّ رَجَعَ فَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فَأَلْحَقَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ ثَانِيًا أَوْ جَاءَ آخَرُ فَأَلْحَق الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِحَدَثِ الْأَوَّلِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ ذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا وَتَكُونُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ انْعَقَدَتْ جَمَاعَةً ثُمَّ صَارَتْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَكَذَلِكَ إذَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ وَجَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فَإِنَّ الْمَأْمُومِينَ نَقَلُوا صَلَاتَهُمْ مِنْ جَمَاعَةٍ إلَى جَمَاعَةٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْبَيَانِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ نَحْوَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَلْبُ الْفَرْضِ إلَى غيره أربعة أنواع (أحدها) ان يحرم بالظهر ظَانًّا دُخُولَ الْوَقْتِ فَيَتَبَيَّنُ عَدَمَهُ فَيَقَعُ نَافِلَةً هَكَذَا جَزَمُوا بِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (الثَّانِي) يُحْرِمُ بفريضة ثم ينو قَلْبَهَا فَرِيضَةً أُخْرَى أَوْ مَنْذُورَةً فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي انْقِلَابهَا نَفْلًا قَوْلَانِ سَبَقَا (الثَّالِثُ) يُحْرِمُ بِفَرِيضَةٍ ثُمَّ يَنْوِي قَلْبَهَا نافلة فتبطل علي عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَحَكَى هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا (الرَّابِعُ) مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَهِيَ أَنْ يُحْرِمَ بِفَرْضٍ مُنْفَرِدًا ثُمَّ يُرِيدُ دُخُولَ جَمَاعَةٍ فَيَقْتَصِرُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى وُقُوعِهَا نَافِلَةً وَطَرَدَ جَمَاعَةٌ فِيهَا الْخِلَافَ وَالْمَذْهَبُ وُقُوعُهَا نَافِلَةً وَالْفَرْقُ أَنَّهُ هُنَا مَعْذُورٌ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ نَقْلُ الصَّلَاةِ إلَى صَلَاةٍ أَقْسَامٌ (أَحَدُهَا) نَقْلُ فَرْضٍ إلَى فَرْضٍ فَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الثَّانِي) نَقْلُ نَفْلٍ رَاتِبٍ إلَى نَفْلٍ رَاتِبٍ كَوِتْرٍ إلَى سُنَّةِ الْفَجْرِ فَلَا يَحْصُلُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الثَّالِثُ) نَقْلُ نَفْلٍ إلَى فَرْضٍ فَلَا يَحْصُلُ
وَاحِدٌ مِنْهُمَا (الرَّابِعُ) نَقْلُ فَرْضٍ إلَى نَفْلٍ فَهَذَا نَوْعَانِ نَقْلُ حُكْمٍ كَمَنْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ قبل الزوال جاهلا فتقع نفلا
والثانى نفل فيه بِأَنْ يَنْوِيَ قَلْبَهُ نَفْلًا عَامِدًا فَيَبْطُلَ فَرْضُهُ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ لَا يَنْقَلِبُ نَفْلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ أُخْرَى فَنَوَى قَطْعَ الِاقْتِدَاءِ بِالْإِمَامِ الْأَوَّلِ ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الثَّانِي فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِقَطْعِ الِاقْتِدَاءِ الْخِلَافُ الْمَشْهُورُ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ سَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَعَلَى هَذَا فِي صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ الثَّانِي الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن حضر وقد اقيمت الصلاة لم يشتغل عنها بنافلة لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ بِصِيغَةِ تَمْرِيضٍ مَعَ أَنَّهُ صَحِيحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ كُرِهَ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْفَرِيضَةَ افْتِتَاحُ نَافِلَةٍ سَوَاءٌ كَانَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً لِتِلْكَ الصَّلَاةِ أَوْ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرَهَا لِعُمُومِ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَوَاءٌ فَرَغَ الْمُؤَذِّنُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ أَمْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا وَسَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَفْرُغُ مِنْ النَّافِلَةِ وَيُدْرِكُ إحْرَامَ الْإِمَامِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدٌ بْنُ جُبَيْرٍ وَابْنُ سِيرِينَ وعروة بن الزبير واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ صَلَّى رَكْعَتِي الْفَجْرِ وَالْإِمَامُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ إذَا وَجَدَهُ فِي الْفَجْرِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى سُنَّتَهَا يَخْرُجُ إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّيهَا ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي مَعَهُ الْفَرِيضَةَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَسْرُوقٍ وَمَكْحُولٍ وَالْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَقَالَ مَالِكٌ مِثْلَهُ إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرَّكْعَةِ فَإِنْ خَافَهُ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنْ طَمِعَ أَنْ يُدْرِكَ صَلَاةَ الْإِمَامِ صَلَّاهُمَا فِي جَانِبِ المسجد والا فليحرم معه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان أدركه؟ ؟ ؟ القيام وخشى أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراة لانها فرض
فلا يشتغل عنه بالنفل فان قرأ بعض الفاتحة فركع الامام ففيه وجهان
(أحدهما)
يركع ويترك القراءة لان متابعة الامام آكد ولهذا لو أدركه راكعا سقط عنه فرض القراءة
(والثانى)
يلزمه أن يتم الفاتحة لانه لزمه بعض القراءة فلزمه اتمامها)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَضَرَ مَسْبُوقٌ فَوَجَدَ الْإِمَامَ فِي الْقِرَاءَةِ وَخَافَ رُكُوعَهُ قَبْلَ فَرَاغِهِ من
الْفَاتِحَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَقُولَ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ بَلْ يُبَادِرُ إلَى الْفَاتِحَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الدُّعَاءَ وَالتَّعَوُّذَ أَدْرَكَ تَمَامَ الْفَاتِحَةِ اُسْتُحِبَّ الْإِتْيَانُ بِهِمَا فَلَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُتِمُّ الْفَاتِحَةَ (وَالثَّانِي) يَرْكَعُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ قِرَاءَتُهَا وَدَلِيلُهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا الثَّانِي هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ قَالَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي زَيْدٍ المروزى وصححه القفال والمعتبرون أَنَّهُ إنْ لَمْ يَقُلْ شَيْئًا مِنْ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ رَكَعَ وَسَقَطَ عَنْهُ بَقِيَّةُ الْفَاتِحَةِ وَإِنْ قَالَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْفَاتِحَةِ بِقَدْرِهِ لِتَقْصِيرِهِ بِالتَّشَاغُلِ فَإِنْ قُلْنَا عَلَيْهِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ فَتَخَلَّفَ لِيَقْرَأَ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِعُذْرٍ فَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ فَيُتِمُّ الْقِرَاءَةَ ثُمَّ يَرْكَعُ ثُمَّ يَعْتَدِلُ ثُمَّ يَسْجُدُ حَتَّى يَلْحَقَ الْإِمَامَ وَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ وَتُحْسَبُ لَهُ رَكْعَتُهُ فَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ فَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَصْلِ متابعة الامام فان خَالَفَ وَلَمْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ بَلْ رَكَعَ عَمْدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِهِ الْقِرَاءَةَ عَامِدًا وَإِنْ قُلْنَا يَرْكَعُ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَحُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ فَلَوْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِ الْفَاتِحَةِ كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ سَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالرُّكُوعِ وَقَرَأَ هَذَا الْمَسْبُوقُ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ لَحِقَهُ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْهُ فِي مُعْظَمِهَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ كَمَا فِي غَيْرِ الْمَسْبُوقِ (وَالثَّانِي) تَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَرَكَ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ فِيمَا فَاتَتْ بِهِ رَكْعَةٌ فَكَانَ كَالتَّخَلُّفِ بِرَكْعَةٍ فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ وَجَبَ اسْتِئْنَافُهَا وَحُرِّمَ الِاسْتِمْرَارُ فِيهَا مَعَ الْعِلْمِ بِبُطْلَانِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ قَالَ الْإِمَامُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَعَ لِأَنَّ الرُّكُوعَ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَكِنْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْهَوَى إلَى السُّجُودِ وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ الْآنَ وَالرَّكْعَةُ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ ثُمَّ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ مَا يُمْكِنْهُ فِيهِ إتْمَامُ الْفَاتِحَةِ فَأَمَّا إذَا أَتَى بِدُعَاءِ
الِافْتِتَاحِ وَتَعَوَّذَ ثُمَّ سَبَّحَ أَوْ سَكَتَ طَوِيلًا فَإِنَّهُ مُقَصِّرٌ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تسقط عنه الفاتحة صرح به الامام
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وَإِنْ أَدْرَكَهُ وَهُوَ رَاكِعٌ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَرْكَعُ فَإِنْ كَبَّرَ تكبيرة نَوَى بِهَا الْإِحْرَامَ وَتَكْبِيرَةُ الرُّكُوعِ لَمْ تُجْزِئْهُ عَنْ الْفَرْضِ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَهَلْ تَنْعَقِدُ لَهُ صَلَاةُ نَفْلٍ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ
(وَالثَّانِي)
لَا تَنْعَقِدُ لِأَنَّهُ أَشْرَكَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ تَكْبِيرَةٍ هِيَ شَرْطٌ وَتَكْبِيرَةٍ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ)
* (الشَّرْحُ) إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَيَهْوِي إلَيْهِ فَإِنْ وَقَعَ بَعْضُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَنْعَقِدُ نَفْلًا أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ هناك لان الْأَشْهَرَ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَوَقَعَتْ تَكْبِيرَةُ إحْرَامِهِ فِي حَدِّ الرُّكُوعِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَرْضًا دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ الْمَسْبُوقِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْفَاتِحَةِ بَلْ يَهْوِي لِلرُّكُوعِ مُكَبِّرًا لَهُ وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَهُ قَائِمًا فَكَبَّرَ فَرَكَعَ الْإِمَامُ بِمُجَرَّدِ تَكْبِيرِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ فِي الْحَالَيْنِ عَلَى تَكْبِيرَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَتَى بِهَا بِكَمَالِهَا فِي حَالِ الْقِيَامِ فَلَهُ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَنْوِيَ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَقَطْ فَتَصِحُّ صَلَاتُهُ فَرِيضَةً (الثَّانِي) أَنْ يَنْوِيَ تَكْبِيرَةَ الرُّكُوعِ فَلَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ (الثَّالِثُ) يَنْوِيهِمَا جَمِيعًا فَلَا تَنْعَقِدُ فَرْضًا بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا نَفْلًا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَنْعَقِدُ
(وَالثَّانِي)
تَنْعَقِدُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ كانت التى أحرم بها نافلة انعقد نَافِلَةً وَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً فَلَا (الْحَالُ الرَّابِعُ) ان لا ينو وَاحِدَةً مِنْهُمَا بَلْ يُطْلِقُ التَّكْبِيرَ فَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لَا تَنْعَقِدُ
(وَالثَّانِي)
تَنْعَقِدُ فَرْضًا لِقَرِينَةِ الِافْتِتَاحِ وَمَالَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَمَّا قِيَاسُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَنْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ وَنَوَى بِهَا الزَّكَاةَ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَمُرَادُهُ أَنَّهُ يَقَعُ صَدَقَةَ تَطَوُّعٍ بِلَا خِلَافٍ ولكنه قياس
ضعيف أو باطل وليس بينهما جَامِعٌ وَعِلَّةٌ مُعْتَبَرَةٌ وَلَوْ كَانَ فَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَمْ تَجْزِهِ عَنْ الزَّكَاةِ فَبَقِيَتْ
تَبَرُّعًا وَهَذَا مَعْنَاهُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ وَأَمَّا تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ فَهِيَ رُكْنٌ لِصَلَاةِ الْفَرْضِ وَلِصَلَاةِ النَّفْلِ وَلَمْ تَتَمَحَّضْ هَذِهِ التَّكْبِيرَةُ لِلْإِحْرَامِ وَلَمْ تَنْعَقِدْ فَرْضًا وَكَذَا النَّفَلُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي اعتبار تكبيرة الاحرام والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ أَدْرَكَ مَعَهُ مِقْدَارَ الرُّكُوعِ الْجَائِزِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ لَمْ يُدْرِكْ الرَّكْعَةَ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيُضِفْ إلَيْهَا أُخْرَى وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ الرُّكُوعَ فليتم الظهر أربعا ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ غَرِيبٌ وَرَوَاهُ الدارقطني بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ " مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْجُمُعَةِ رَكْعَةً فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى فَإِنْ أَدْرَكَهُمْ جُلُوسًا صلى الظهر اربعا " قال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ الْإِمَامَ رَاكِعًا وَكَبَّرَ وَهُوَ قَائِمٌ ثُمَّ رَكَعَ فَإِنْ وَصَلَ الْمَأْمُومُ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَهُوَ أَنْ تَبْلُغَ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ الْإِمَامُ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَحُسِّبَتْ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَطْمَئِنَّ الْمَأْمُومُ فِي الرُّكُوعِ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَأَطْلَقَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ المسألة ولم يتعرضوا للطمأنينة ولابد مِنْ اشْتِرَاطِهَا كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَضُرُّ ارْتِفَاعُ الْإِمَامِ عَنْ أَكْمَلِ الرُّكُوعِ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ عَنْ الْقَدْرِ الْمُجْزِئِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَتَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ مُزَيَّفٌ أَنَّهُ لَا يُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِذَلِكَ حَكَاهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ عَنْ إمَامِ الْأَئِمَّةِ محمد بن اسحق ابن خُزَيْمَةَ مِنْ أَكْبَرِ أَصْحَابِنَا الْفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَحَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَالِغِينَ الْمُعْجَمَةِ - قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ أَهْلَ الْأَعْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَى الْإِدْرَاكِ بِهِ فَخِلَافُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَا يُعْتَدُّ بِهِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فَشَكَّ هَلْ بَلَغَ حَدَّ الرُّكُوعِ الْمُجْزِئِ وَاطْمَأَنَّ قَبْلَ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ عَنْهُ أَمْ بَعْدَهُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْإِدْرَاكِ وَلِأَنَّ الْحُكْمَ بِالِاعْتِدَادِ بِالرَّكْعَةِ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ رُخْصَةٌ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ وَالثَّانِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَعَلَهُمَا الْغَزَالِيُّ قَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يَكُونُ مُدْرِكًا لان
الْأَصْلَ عَدَمُ ارْتِفَاعِ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ إدْرَاكِ الْمَأْمُومِ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ الرُّكُوعُ مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ بان كان الامام محدثا أو قدسها وَقَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فَأَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فِي رُكُوعِهَا أَوْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ وَاعْتَدَلَ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ ظَانًّا جَوَازَهُ فَأَدْرَكَهُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إنَّمَا يَسْقُطَانِ عن المسبوق لان الامام يحملها عنه وهذا الامام غير حامل لان الرُّكُوعَ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا وَهُوَ ضَعِيفٌ وَسَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ بَعْدَ فَوَاتِ الْحَدِّ الْمُجْزِئِ مِنْ الرُّكُوعِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا أَدْرَكَ وَإِنْ لَمْ يُحْسَبْ لَهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لَزِمَهُ أَنْ يَجْلِسَ مَعَهُ وَهَلْ يُسَنُّ لَهُ التَّشَهُّدُ مَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يُسَنُّ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يُسَنُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعُهُ فِي حَقِّهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ التَّشَهُّدُ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوقِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْقُعُودِ فيه فانه واجب عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ إنَّمَا تَجِبُ فِي الْأَفْعَالِ وَكَذَا فِي الْأَقْوَالِ الْمَحْسُوبَةِ لِلْإِمَامِ وَلَا يَجِبُ فِي الْأَقْوَالِ الَّتِي لَا تُحْسَبُ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ تَرْكُهَا بِصُورَةِ الْمُتَابَعَةِ بِخِلَافِ الْأَفْعَالِ وَمَتَى أَدْرَكَهُ فِي رُكُوعٍ أَوْ بَعْدَهُ لَا يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا فِيمَا بَعْدَهُ حَتَّى لَوْ أَدْرَكَهُ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَأَحْرَمَ وَجَلَسَ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَ جُلُوسِهِ فَقَامَ إلَى تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَأْتِ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ سَلَّمَ قَبْلَ جُلُوسِهِ أَتَى بِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مُوَضَّحَةً فِي أَوَائِلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ
* (فرع)
ذكرنا إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْمَسْبُوقُ الرُّكُوعَ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ زُفَرُ تُحْسَبُ إنْ أَدْرَكَهُ فِي الِاعْتِدَالِ * قال المصنف رحمه الله
* (وان كان الامام قد ركع ونسى تسبيح الركوع فرجع الي الركوع ليسبح فادركه المأموم في هذا الركوع فقد قال أبو على الطبري يحتمل أن يكون مدركا للركعة كما لو قام الي خامسة فادركه مأموم فيها
والمنصوص في الام أنه لا يكون مدركا لان ذلك غير محسوب للامام ويخالف الخامسة لان هناك قد أتي بها المأموم وههنا لم يأت بما فاته مع الامام)
*
(الشَّرْحِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إذَا نَسِيَ الْإِمَامُ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ فَاعْتَدَلَ ثُمَّ تَذَّكَّرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الرُّكُوعِ لِيُسَبِّحَ لِأَنَّ التَّسْبِيحَ سُنَّةٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ مِنْ الِاعْتِدَالِ الْوَاجِبِ إلَيْهِ فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ أَحَدٍ بِهِ وَإِنْ عَادَ إلَيْهِ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَلَكِنَّ هذا الركوع لَغْوٌ غَيْرُ مَحْسُوبٍ مِنْ صَلَاتِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ الَّذِي هُوَ لَغْوٌ وَالْمَسْبُوقُ جَاهِلٌ بِالْحَالِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ هَذَا الرُّكُوعِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ لِأَنَّ الرُّكُوعَ لَغْوٌ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَكَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِ وَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَيْسَ فِي الرُّكُوعِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الِاعْتِدَالِ حُكْمًا وَالْمُدْرِكُ فِي الِاعْتِدَالِ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ
(وَالثَّانِي)
تُحْسَبُ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا جَاهِلًا وَأَدْرَكَ مَعَهُ الْقِيَامَ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ تُحْسَبُ لِلْمَسْبُوقِ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَقِيَاسُهُ عَلَى الْخَامِسَةِ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا لِأَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ أَدْرَكَهَا بِكَمَالِهَا وَلَمْ يَحْمِلْ الْإِمَامُ عَنْهُ شَيْئًا وَفِي مَسْأَلَتِنَا لَمْ يُدْرِكْ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ وَلَا الرُّكُوعَ الْمَحْسُوبَ لِلْإِمَامِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ وَإِنَّمَا نَظِيرُهُ أَنْ يُدْرِكَهُ فِي رُكُوعِ الْخَامِسَةِ وَحِينَئِذٍ لَا يُحْسِبُ لَهُ الرَّكْعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ - بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَبِالْجِيمِ - وَجْهًا ضَعِيفًا جِدًّا أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَذَكَرَ وَجْهًا بَعِيدًا مُزَيَّفًا أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ جَمِيعَ الْخَامِسَةِ وَهُمَا جَاهِلَانِ بِأَنَّهَا الْخَامِسَةُ وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ وَلَكِنَّ صَلَاتَهُ مُنْعَقِدَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْمَذْهَبِ بَلْ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ مُدْرِكٌ لِلرَّكْعَةِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ وَلَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ جَمِيعَ ثَالِثَةٍ مِنْ الْجُمُعَةِ قَامَ إلَيْهَا سَاهِيًا فَإِنْ قُلْنَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ لَمْ تُحْسَبْ هُنَا رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ وَلَا مِنْ الظُّهْرِ وَإِنْ قُلْنَا تُحْسَبُ فَهُنَا وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَوْ بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثَا وَاخْتَارَ ابْنُ الْحَدَّادِ هُنَا أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَحُكْمُ إدْرَاكِ الْمَسْبُوقِ
لَهُ فِي رُكُوعِهِ حُكْمُ إدْرَاكِهِ فِي رُكُوعِ الْخَامِسَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ أَمَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا
فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الرُّكُوعِ فَاقْتَدَى بِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي السُّجُودِ فَإِنَّ الْمَسْبُوقَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِتِلْكَ الرَّكْعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَمَّا إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ جَاهِلًا فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ عَالِمًا بِأَنَّهَا خَامِسَةٌ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ دَخَلَ فِي رَكْعَةٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَغْوٌ وَحَكَى الْبَغَوِيّ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّ صَلَاتَهُ تَنْعَقِدُ جَمَاعَةً لِأَنَّ الْإِمَامَ فِي صَلَاةٍ وَلَكِنْ لَا يُتَابِعُهُ فِي الْأَفْعَالِ بَلْ بِمُجَرَّدِ إحْرَامِهِ يَقْعُدُ يَنْتَظِرُ الْإِمَامَ لِأَنَّ التَّشَهُّدَ مَحْسُوبٌ لِلْإِمَامِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَعَلَى هَذَا لَوْ نَسِيَ الْإِمَامُ سَجْدَةً مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَاقْتَدَى بِهِ مَسْبُوقٌ فِي قِيَامِ الثَّانِيَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِحَالِهِ فَفِي انْعِقَادِهَا هَذَا الخلاف: الصحيح لا تنعقد والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ ثُمَّ يَسْجُدُ مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُكَبِّرُ كَمَا يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحِلَّ التَّكْبِيرِ مِنْ السُّجُودِ وَيُخَالِفُ مَا إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا فَإِنَّ هَذَا مَوْضِعُ رُكُوعِهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْ فَرْضِهِ فصار كالمنفرد)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَدْرَكَهُ سَاجِدًا أَوْ فِي التَّشَهُّدِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا وَيَجِبُ أَنْ يُكْمِلَ حُرُوفَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ قَائِمًا كَمَا سَبَقَ بيانه قريبا وفى صِفَةِ الصَّلَاةِ فَإِذَا كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الرُّكْنِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ وَهَلْ يُكَبِّرُ لِلِانْتِقَالِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ أَصَحُّهُمَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُكَبِّرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ يُكَبِّرُ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا انْتَقَلَ مَعَ الْإِمَامِ مِنْ السُّجُودِ أَوْ غَيْرِهِ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لِهَذَا الْمَسْبُوقِ وَإِذَا قَامَ الْمَسْبُوقُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ الْجُلُوسُ الَّذِي قَامَ مِنْهُ مَوْضِعَ جُلُوسِ هَذَا الْمَسْبُوقِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي ثَالِثَةِ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ ثَانِيَةِ الْمَغْرِبِ قَامَ مُكَبِّرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ بِأَنْ أَدْرَكَهُ فِي الْأَخِيرَةِ أَوْ ثَانِيَةِ رُبَاعِيَّةٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ يقوم بلا تكبير لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَ تَكْبِيرٍ لَهُ وَقَدْ كَبَّرَ فِي ارْتِفَاعِهِ عَنْ السُّجُودِ مَعَ الْإِمَامِ
وَهُوَ الِانْتِقَالُ فِي حَقِّهِ وَلَيْسَ هُوَ الْآنَ متابع لِلْإِمَامِ فَلَا يُكَبِّرُ
(وَالثَّانِي)
يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ انْتِقَالٌ وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَاَلَّذِي فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ فَلَعَلَّهُمْ رَوَوْهُ عَنْهُ فِي غَيْرِ تَعْلِيقِهِ (وَالثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَجَزَمَ بِهِ أَنَّهُ يَقُومُ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ فَلَا يُكَبِّرُ وَيَقُومُ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً بِتَكْبِيرٍ لِأَنَّ الْقِيَامَ مِنْ رَكْعَةٍ لَهُ تَكْبِيرٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ جُلُوسِ الْمَسْبُوقِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْمُكْثُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَإِنْ مَكَثَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ جَازَ الْمُكْثُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّ تَطْوِيلَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى تَخْفِيفَهُ وَالسُّنَّةُ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْ الْإِمَامِ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ مَحْسُوبَةٌ مِنْ الصَّلَاةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْن وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَيَجُوزُ أَنْ يَقُومَ بَعْدَ تَمَامِ الْأُولَى فَإِنْ قَامَ قَبْلَ تَمَامِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً فِي فَصْلِ صِفَةِ الصلاة في فصل السَّلَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى مِنْ رَكْعَةٍ فَسَجَدَهَا مَعَهُ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَانْصَرَفَ فَهَلْ يَسْجُدُ الْمَسْبُوقُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمهُ أَنْ يَسْجُدَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ ذَلِكَ بِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا لَا يَسْجُدُ لِأَنَّ هَذِهِ السَّجْدَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لَهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَأْتِي بِهَا متابعة للامام وقد زالت المتابعة * قال المصنف رحمه الله
* (وان ادركه في آخر الصلاة كبر للاحرام وقعد وحصلت له فضيلة الجماعة)
* (الشَّرْحُ) قَدْ قَدَّمْنَا قَرِيبًا أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ كَبَّرَ لِلْإِحْرَامِ قَائِمًا وَقَعَدَ وَتَشَهَّدَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُ لِلْقُعُودِ عَلَى الصَّحِيحِ وَالتَّشَهُّدُ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَى هَذَا الْمَسْبُوقِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَقَدْ قَدَّمْنَا هُنَاكَ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسَنُّ وَلَيْسَ بشئ وَلَا يَقْرَأُ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْقِيَامِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ وَتَحْصُلُ لَهُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لَكِنْ دُونَ فَضِيلَةِ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنْ أَوَّلِهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَزَمَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجَمَاعَةِ إلَّا إذَا أَدْرَكَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بِأَنَّ صَلَاتَهُ
تَنْعَقِدُ وَلَوْ لَمْ تَحْصُلْ لَهُ الْجَمَاعَةُ لَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَنْعَقِدَ (فَإِنْ قِيلَ) لَمْ يُدْرِكْ قَدْرًا يُحْسَبُ لَهُ (قُلْنَا) هَذَا
غَلَطٌ بَلْ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ أَدْرَكَهَا مَعَهُ وَهِيَ محسوبة له والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن ادرك الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " مَا أَدْرَكْتَ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِكَ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ " يُكَبِّرُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِ فان كان ذلك في صلاة فبها قُنُوتٌ فَقَنَتَ مَعَ الْإِمَامِ أَعَادَ الْقُنُوتَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ مَعَ الْإِمَامِ فعله للمتابعة فإذا بلغ مَوْضِعِهِ أَعَادَهُ كَمَا إذَا تَشَهَّدَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ قَامَ إلَى مَا بَقِيَ فَإِنَّهُ يُعِيدُ التشهد)
* (الشَّرْحُ) مَذْهَبُنَا أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ فَهُوَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ آخِرُ صَلَاتِهِ فَيُعِيدُ فِيهِ الْقُنُوتَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ أَدْرَكَ أَوَّلَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ثُمَّ قَامَ لِلتَّدَارُكِ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَقِيلَ هَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تُسَنُّ السُّورَةُ فِي جميع الركعات ولا تختص بالاولتين أَمَّا إذَا خَصَّصْنَا فَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ السُّورَةِ وَقَدْ تَقَدَّمَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لَا يُسَنُّ الْجَهْرُ فِيمَا يَتَدَارَكُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَقِيلَ فِي الْجَهْرِ قَوْلَانِ لِئَلَّا تَخْلُوَ صَلَاتُهُ مِنْ جَهْرٍ وَأَوْضَحْت الْمَسْأَلَةَ هُنَاكَ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَيُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ ثَالِثَةً وَيَتَشَهَّدُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ مَا أَدْرَكَهُ الْمَسْبُوقُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ آخرها وبه قال سعيد ابن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَعَطَاءٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ العزيز واسحق حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُمْ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ مَا أَدْرَكَهُ آخِرُ صَلَاتِهِ وَمَا يَتَدَارَكُهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَا أَدْرَكْتُمْ فصلوا وما فاتكم فافضوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " ما اركتم فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الَّذِينَ رَوَوْا
فَأَتِمُّوا أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ وَأَلْزَمُ لِأَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي هُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ فَهُمْ أَوْلَى قَالَ الشَّيْخُ أبو حامد والماوردي واتمام الشئ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ تَقَدُّمِ أَوَّلِهِ وَبَقِيَّةِ آخِرِهِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَأَبِي الدَّرْدَاءَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَحَسَنٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ رضي الله عنهم قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْمَغْرِبِ فَقَامَ لِلتَّدَارُكِ يُصَلِّي رَكْعَةً ثُمَّ يَجْلِسُ وَيَتَشَهَّدُ ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّالِثَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَغَوِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لَنَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الَّذِي فَاتَهُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ لَمْ يَجْلِسْ عَقِبَ رَكْعَةٍ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَأَمَّا رِوَايَةُ فَاقْضُوا فَجَوَابُهَا مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ رُوَاةَ فَأَتِمُّوا أَكْثَرُ وَأَحْفَظُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْقَضَاءَ مَحْمُولٌ عَلَى الْفِعْلِ لَا الْقَضَاءِ الْمَعْرُوفِ فِي الِاصْطِلَاحِ لِأَنَّ هَذَا اصطلاح متأخر الْفُقَهَاءِ وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْقَضَاءَ بِمَعْنَى الْفِعْلِ قَالَ الله تعالى (فاذأ قضيتم مناسككم)(فإذا قضيت الصلاة) قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمُرَادُ وَمَا فَاتَكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ أَنْتُمْ لَا مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَاَلَّذِي فَاتَ الْمَأْمُومَ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ إنَّمَا هو آخرها والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ حَضَرَ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ كُرِهَ أَنْ يَسْتَأْنِفَ فِيهِ جَمَاعَةً لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ قَصَدَ الْكِيَادَ وَالْإِفْسَادَ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي سُوقٍ أَوْ مَمَرِّ النَّاسِ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الْجَمَاعَةَ لِأَنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْكِيَادِ وَإِنْ حَضَرَ وَلَمْ يَجِدْ إلَّا مَنْ صَلَّى اُسْتُحِبَّ لِبَعْضِ مَنْ حَضَرَ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هذا فقام رجل فصلى معه ")
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَيْنَا فِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِي قَامَ فَصَلَّى مَعَهُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا " فِيهِ تَسْمِيَةُ مِثْلِ هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ
إعَادَةِ الصَّلَاةِ فِي جَمَاعَةٍ لِمَنْ صَلَّاهَا فِي جَمَاعَةٍ وَإِنْ كَانَتْ الثَّانِيَةُ أَقَلَّ مِنْ الْأُولَى وَأَنَّهُ تُسْتَحَبُّ الشَّفَاعَةُ إلَى مَنْ يُصَلِّي مَعَ الْحَاضِرِ وَأَنَّ الْمَسْجِدَ الْمَطْرُوقَ لَا يُكْرَهُ فِيهِ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ وَأَنَّ الجماعة تحصل بامام ومأموم: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ لِلْمَسْجِدِ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ هُوَ مَطْرُوقًا كُرِهَ لِغَيْرِهِ اقامة الجماعة فيه ابتداء قبل فوات مجئ إمَامِهِ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ كُرِهَ أَيْضًا إقَامَةُ جَمَاعَةٍ أُخْرَى فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ ذَكَرَهُ فِي بَابِ الْآذَانِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا أَوْ غَيْرَ مَطْرُوقٍ وَلَيْسَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ لَمْ تُكْرَهْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَمَّا إذَا حَضَرَ وَاحِدٌ بَعْدَ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فَيُسْتَحَبُّ لِبَعْضِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ صَلَّوْا أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُ لِتَحْصُلَ لَهُ الْجَمَاعَةُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ مَنْ لَهُ عُذْرٌ فِي عَدَمِ الصَّلَاةِ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ لِيُصَلِّيَ مَعَهُ لِلْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِي مَسْجِدٍ أُقِيمَتْ فِيهِ جَمَاعَةٌ قَبْلَهَا: أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ فَلَا كَرَاهَةَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَأَكْثَرَ بِالْإِجْمَاعِ: وَأَمَّا إذَا كَانَ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ وَلَيْسَ الْمَسْجِدُ مَطْرُوقًا فَمَذْهَبُنَا كَرَاهَةُ الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وقال أحمد واسحق وداود وابن المنذر لا يكره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مَعَهُمْ وَحَكَى أَبُو اسحق عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ صُبْحًا أَوْ عَصْرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا رَوَى يَزِيدُ بْنُ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةَ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ الْخَيْفِ فَرَأَى فِي آخِرِ الْقَوْمِ رَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ فَقَالَ مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ صلينا
فِي رِحَالِنَا قَالَ فَلَا تَفْعَلَا إذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ فَإِنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُعِيدُ لِلْخَبَرِ (وَالثَّانِي) لَا يُعِيدُ لِأَنَّهُ قَدْ حَازَ فَضِيلَةَ الْجَمَاعَةِ وَإِذَا صَلَّى ثُمَّ أَعَادَ مَعَ الْجَمَاعَةِ فَالْفَرْضُ هُوَ الْأَوَّلُ فِي قوله الجديد للخبر ولانه
أسقط الفرض بالاولة فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ نَفْلًا وَقَالَ فِي القديم يحتسب الله ايتهما شاء وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ يَزِيدَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ صَلَاةَ الْغَدَاةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَسْمِيَةِ الصُّبْحِ غَدَاةً وَقَدْ كَثُرَ ذَلِكَ مِنْ اسْتِعْمَالِ الصَّحَابَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ذَلِكَ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي مَوَاضِعَ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ وَاضِحًا وَالرِّحَالُ الْمَنَازِلُ مِنْ؟ ؟ ؟ أَوْ وَبَرٍ وَشَعْرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا صَلَّى الْإِنْسَانُ الْفَرِيضَةَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً يُصَلُّونَهَا فِي الْوَقْتِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَهَا مَعَهُمْ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يُعِيدُ الظهر والعصر فَقَطْ وَلَا يُعِيدُ الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ وَالنَّافِلَةُ بَعْدَهُمَا مَكْرُوهَةٌ وَلَا الْمَغْرِبَ لِأَنَّهُ لَوْ أَعَادَهَا لَصَارَتْ شَفْعًا هَكَذَا عَلَّلُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ تُعَلَّلَ بِأَنَّهَا يَفُوتُ وَقْتُهَا تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ وَإِنْ كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحُكِيَ وَجْهٌ ثَالِثٌ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا أَمَّا إذَا صَلَّى جَمَاعَةً ثُمَّ أَدْرَكَ جَمَاعَةً أُخْرَى فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) مِنْهَا عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ إعَادَتُهَا لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا " مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا " وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ لِحُصُولِ الْجَمَاعَةِ قَالُوا فَعَلَى هَذَا تُكْرَهُ إعَادَةُ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَا يُكْرَهُ غَيْرُهُمَا (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إعَادَةُ مَا سِوَى الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ وَالرَّابِعُ إنْ كَانَ فِي الْجَمَاعَةِ الثَّانِيَةِ زِيَادَةُ فَضِيلَةٍ لِكَوْنِ الْإِمَامِ أَعْلَمَ أَوْ أَوَرَعَ أَوْ الْجَمْعِ أَكْثَرَ أَوْ الْمَكَانِ أَشْرَفَ اُسْتُحِبَّ الْإِعَادَةُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمَذْهَبُ اسْتِحْبَابُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا وَمِمَّنْ صحرح بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَنَقَلَ أَنَّهُ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ كَثِيرُونَ لَا يُحْصَوْنَ
وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ وَإِذَا اسْتَحْبَبْنَا الْإِعَادَةَ لِمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فَأَعَادَ فَفِي فَرْضِهِ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْ الْقَوْلَيْنِ وهو الجديد فرضه الاولي لِسُقُوطِ الْخِطَابِ بِهَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ " يَعْنِي الثَّانِيَةَ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِي الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الصَّلَاةَ قَالَ " صَلُّوا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا وَاجْعَلُوا صَلَاتَكُمْ مَعَهُمْ نَافِلَةً " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ وَالْقَوْلُ الثَّانِي وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّ فرضه احداهما لَا بِعَيْنِهَا وَيَحْتَسِب اللَّهَ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَعَبَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنْ هَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَكْمَلُهُمَا وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ كِلَاهُمَا فَرْضٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَوْزَاعِيِّ وَوَجْهُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِهَا وَالْأُولَى مُسْقِطَةٌ لِلْحَرَجِ لَا مَانِعَةٌ مِنْ وُقُوعِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَهَذَا كَمَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا صَلَّتْهَا طَائِفَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ فَلَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى وَقَعَتْ الثَّانِيَةُ فَرْضًا أَيْضًا وَتَكُونُ الْأُولَى مُسْقِطَةً لِلْحَرَجِ عَنْ الْبَاقِينَ لَا مَانِعَةً مِنْ وُقُوعِ فِعْلِهَا فَرْضًا وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْفَرْضُ أَكْمَلُهُمَا وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ النِّيَّةِ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِغَيْرِ الْجَدِيدِ نَوَى بِالثَّانِيَةِ الْفَرِيضَةَ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يَنْوِي بِهَا الْفَرْضَ أَيْضًا قَالُوا وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ وَإِنْ كَانَتْ نَفْلًا هَكَذَا صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ
الْأَكْثَرِينَ
(وَالثَّانِي)
يَنْوِي الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ مَثَلًا وَلَا يَتَعَرَّضُ لِلْفَرْضِ وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي تَقْتَضِيهِ الْقَوَاعِدُ وَالْأَدِلَّةُ فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مَغْرِبًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهُ يُعِيدُهَا كَالْمَرَّةِ الْأُولَى (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَنْ يَقُومَ بِلَا سَلَامٍ فَيَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى ثُمَّ يُسَلِّمَ لِتَصِيرَ هَذِهِ الصَّلَاةُ مَعَ الَّتِي قَبْلَهَا وِتْرًا كَمَا إذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ وِتْرًا وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَلَوْلَا خَوْفُ الِاغْتِرَارِ بِهِ لَمَا حَكَيْتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا اسْتِحْبَابُ إعَادَةِ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فِي جَمَاعَةٍ سَوَاءٌ صَلَّى الْأُولَى جَمَاعَةً أَمْ مُنْفَرِدًا وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالزُّهْرِيِّ وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَنَسٍ رضي الله عنهم وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا فِي الْمَغْرِبِ يُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَعِنْدَنَا لَا يُضِيفُ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ يُعِيدُ الْجَمِيعَ إلَّا الْمَغْرِبَ لِئَلَّا تَصِيرَ شَفْعًا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يُعِيدُ الْجَمِيعَ إلَّا الصُّبْحَ وَالْعَصْرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعِيدُ الظُّهْرَ وَالْعِشَاءَ فَقَطْ وَقَالَ النَّخَعِيُّ يُعِيدُهَا كُلَّهَا إلَّا الصُّبْحَ وَالْمَغْرِبَ وَهَذِهِ الْمَذَاهِبُ ضَعِيفَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْأَحَادِيثَ: وَدَلِيلُنَا عُمُومُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السابقة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ خَلْفَهُ بِتَسْوِيَةِ الصفوف لما روى عَنْ أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اعْتَدِلُوا فِي صُفُوفِكُمْ وَتَرَاصُّوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي قَالَ أَنَسٌ فَلَقَدْ رأيت أحدنا يلصق منكبيه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا بِلَفْظِهِ لِلْبُخَارِيِّ وَمَعْنَاهُ لِمُسْلِمٍ مُخْتَصَرًا وقوله صلى الله عليه وسلم وتراصوا هو بِتَشْدِيدِ الصَّادِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ تَضَامُّوا وَتَدَانُوا لِيَتَّصِلَ مَا بَيْنَكُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ الْمَأْمُومِينَ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ عِنْدَ إرَادَةِ الْإِحْرَامِ بِهَا وَيُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ الْمَسْجِدُ كَبِيرًا أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ رَجُلًا يَأْمُرُهُمْ بِتَسْوِيَتِهَا ويطوف عليهم
أَوْ يُنَادِي فِيهِمْ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَاضِرِينَ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ مَنْ رَأَى مِنْهُ خَلَلًا فِي تَسْوِيَةِ الصَّفِّ فَإِنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَالْمُرَادُ بِتَسْوِيَةِ الصُّفُوفِ إتْمَامُ الْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ وَسَدُّ الْفُرَجِ وَيُحَاذِي الْقَائِمِينَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يَتَقَدَّمُ صَدْرُ أَحَدٍ ولا شئ مِنْهُ عَلَى مَنْ هُوَ بِجَنْبِهِ وَلَا يَشْرَعُ فِي الصَّفِّ الثَّانِي حَتَّى يُتِمَّ الْأَوَّلَ وَلَا يَقِفُ فِي صَفٍّ حَتَّى يُتِمَّ مَا قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الصُّفُوفِ عَنْ أَنَسٌ قَالَ قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ " مَعْنَاهُ مِنْ إقَامَةِ الصَّلَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا فِي قَوْله تعالي (واقيموا الصلاة) وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُ مَنَاكِبَنَا فِي الصَّلَاةِ وَيَقُولُ اسْتَوُوا وَلَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بها القداح حتى رأى انا قد غفلنا عَنْهُ ثُمَّ خَرَجَ يَوْمًا حَتَّى كَادَ يُكَبِّرُ فَرَأَى رَجُلًا بَادِيًا صَدْرُهُ مِنْ الصَّفِّ فَقَالَ عباد الله لَتُسَوُّونَ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ " وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّلُ الصَّفَّ مِنْ نَاحِيَةٍ إلَى نَاحِيَةٍ يَمْسَحُ صُدُورَنَا وَمَنَاكِبَنَا وَيَقُولُ
لَا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَقِيمُوا الصُّفُوفَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ
وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " رُصُّوا صُفُوفَكُمْ وَقَارِبُوا بَيْنَهَا وَحَاذُوا بين المناكب بالاعناق فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأَرَى الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ مِنْ خَلَلِ الصَّفِّ كَأَنَّهُ الْحَذَفُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ الْحَذَفُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَذَالٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ فَاءٍ وَهِيَ غَنَمٌ سُود صِغَارٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ وَعَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فَمَا كَانَ من نقص فليكن في الصف المؤخر " رواه أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ غَيْرَ هَذِهِ وَفِي هَذِهِ كِفَايَةٌ
* وَأَمَّا فَضِيلَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَمَيَامِنِ الصُّفُوفِ فَسَتَأْتِي فِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ جَوَازُ الْكَلَامِ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ لَكِنَّ الْأَوْلَى تَرْكُهُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَكَرِهَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ: وَدَلِيلُنَا هذه الاحاديث الصحيحة السابقة * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُخَفِّفَ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْأَذْكَارِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انه قال " إذ صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَالْكَبِيرَ وَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ " فَإِنَّ صَلَّى بِقَوْمٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ التَّطْوِيلُ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِأَجْلِهِمْ وقد رضوا)
*
(الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم ورويناه أَيْضًا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمْ وَذَا الْحَاجَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ
يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَالْأَذْكَارَ بِحَيْثُ لَا يَتْرُكُ مِنْ الْأَبْعَاضِ وَالْهَيْئَاتِ شَيْئًا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْأَقَلِّ وَلَا يَسْتَوْفِي الْأَكْمَلَ الْمُسْتَحَبَّ لِلْمُنْفَرِدِ مِنْ طُوَالِ الْمُفَصَّلِ وَأَوْسَاطِهِ وَأَذْكَارِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.
قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ التَّطْوِيلُ مَكْرُوهٌ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ إنْ آثَرُوا التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ مَا عَلَى الْإِمَامِ مِنْ التَّخْفِيفِ قَالَ " وَأُحِبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُكْمِلَهَا فَإِنْ عَجَّلَ عَمَّا أَحْبَبْتُ مِنْ الْإِكْمَالِ أَوْ زَادَ عَلَى مَا أَحْبَبْتُ مِنْ الْإِكْمَالِ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى مَنْ خَلْفَهُ إذَا جَاءَ بِأَقَلَّ مِمَّا عَلَيْهِ " قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ صَلَّى بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ لَمْ يُكْرَهْ التَّطْوِيلُ بل قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُمَا إنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّطْوِيلُ حِينَئِذٍ وَعَلَيْهِ تُحْمَلُ الاحاديث الصحيحة
فِي تَطْوِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمْ أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤْثِرُ التَّطْوِيلَ وَفِيهِمْ مَنْ لَا يُؤْثِرُهُ لَمْ يُطَوِّلْ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَيُؤَيِّدُهُ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مِنْهَا حَدِيثُ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنِّي لَأَقُومُ فِي الصَّلَاةِ أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَإِنْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ وَلَكِنَّ الْمَسْجِدَ مَطْرُوقٌ بِحَيْثُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِيهَا لَمْ يُطَوِّلْ وَفِي فَتَاوَى الشَّيْخِ أَبِي عَمْرِو بْنِ الصَّلَاحِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ لَوْ كَانُوا يُؤْثِرُونَ التَّطْوِيلَ إلَّا وَاحِدًا أَوْ اثنين ونحوهما فان لَا يُؤْثِرُهُ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَنَحْوَهَا خَفَّفَ وَإِنْ كَثُرَ حُضُورُهُ طَوَّلَ مُرَاعَاةً لِحَقِّ الرَّاضِينَ وَلَا يُفَوِّتُ حَقَّهُمْ لِهَذَا الْفَرْدِ الْمُلَازِمِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ تَفْصِيلٌ حَسَنٌ متعين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ رَاكِعٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُكْرَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ لِأَنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا بَيْنَ اللَّهِ عز وجل وَبَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْعِبَادَةِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا يُشْرِكْ بعبادة ربه أحدا)
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْتَظِرَ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ انْتِظَارٌ لِيُدْرِكَ بِهِ الْغَيْرُ رَكْعَةً فَلَمْ يُكْرَهْ كَالِانْتِظَارِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَتَعْلِيلُ
الْأَوَّلِ يَبْطُلُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ وَيَرْفَعُ الصَّوْتَ بِالتَّكْبِيرِ لِيُسْمِعَ مَنْ وَرَاءَهُ فَإِنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا ثُمَّ يُسْتَحَبُّ وَإِنْ أَحَسَّ بِهِ وَهُوَ قَائِمٌ لَمْ يَنْتَظِرْهُ لِأَنَّ الْإِدْرَاكَ يَحْصُلُ لَهُ بِالرُّكُوعِ فَإِنْ أَدْرَكَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشْرِيكِ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهُ يُدْرَكُ بِهِ الجماعة)
* (الشَّرْحُ) إذَا دَخَلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ ثُمَّ طَوَّلَ لِانْتِظَارِ مُصَلٍّ فَلَهُ أَحْوَالٌ أَحَدُهَا أَنْ يُحِسَّ وَهُوَ رَاكِعٌ مَنْ يُرِيدُ الِاقْتِدَاءَ فَهَلْ يَنْتَظِرَهُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَالْأَكْثَرِينَ يُسْتَحَبُّ انْتِظَارُهُ
(وَالثَّانِي)
يُكْرَهُ وَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ أَمْ لَا وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَطَائِفَةٍ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ غَلَطٌ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فِي الْجَدِيدِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَعَدَمِهِ وَقِيلَ إنْ عَرَفَ عَيْنَ الدَّاخِلِ لَمْ يَنْتَظِرْهُ وَإِلَّا انْتَظَرَهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ مُلَازِمًا لِلْجَمَاعَةِ انْتَظَرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى الْمَأْمُومِينَ انْتَظَرَ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ وَقِيلَ لَا يَنْتَظِرُ قَطْعًا وَإِذَا اخْتَصَرْتُ هَذَا الْخِلَافَ وَجَعَلْتُهُ أَقْوَالًا كَانَ خَمْسَةً (أَحَدُهَا) يُسْتَحَبُّ الِانْتِظَارُ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ (وَالثَّالِثُ) لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ (وَالرَّابِعُ) يُكْرَهُ انْتِظَارُ مُعَيَّنٍ دُونَ غَيْرِهِ (وَالْخَامِسُ) إنْ كَانَ مُلَازِمًا انْتَظَرَهُ وَإِلَّا فَلَا وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ مُطْلَقًا بِشُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْمَسْبُوقُ دَاخِلَ الْمَسْجِدِ حِينَ الِانْتِظَارِ وَأَلَّا يَفْحُشَ طُولُ الِانْتِظَارِ وَأَنْ يَقْصِدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَا التَّوَدُّدَ إلَى الدَّاخِلِ وَتَمْيِيزِهِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ دَاخِلٍ وَدَاخِلٍ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْتَظِرُ فَانْتَظَرَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى جَمَاعَةُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي بُطْلَانِهَا قَوْلًا ضَعِيفًا غَرِيبًا كَالِانْتِظَارِ الزَّائِدِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يُحِسَّ بِهِ وَهُوَ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنَّهُ حُكْمُ الرُّكُوعِ فَفِيهِ الْخِلَافُ ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ الْخِلَافُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ وَجْهَانِ وَهُوَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَالْبَغَوِيِّ وَالصَّحِيحُ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ بِالشُّرُوطِ السَّابِقَةِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِهِ إدْرَاكُ الْجَمَاعَةِ كَمَا يَحْصُلُ بِالرُّكُوعِ إدْرَاكُ الرَّكْعَةِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُحِسَّ بِهِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ كَالْقِيَامِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ والاكثرون
لَا يَنْتَظِرُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ مُمْكِنٌ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ وَلَا يَفُوتُ بِغَيْرِهِمَا مَقْصُودٌ وَالثَّانِي فِي الِانْتِظَارِ الْخِلَافُ كَالرُّكُوعِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَالثَّالِثُ لَا يَنْتَظِرُ فِي غَيْرِ الْقِيَامِ وَفِي الْقِيَامِ الْخِلَافُ فَإِنْ قُلْنَا يَنْتَظِرُ فَشَرْطُهُ مَا سَبَقَ وَإِلَّا فَفِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فَهَذَا مُلَخَّصُ حُكْمِ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ طَوِيلَةٌ مُشَعَّبَةٌ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْهَا أَنَّ الصَّحِيحَ اسْتِحْبَابُ الِانْتِظَارِ فِي الرُّكُوعِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَكَرَاهَتُهُ فِي غَيْرِهِمَا وَأَنَّهُ إذَا قُلْنَا يُكْرَهُ فَطَوَّلَ لَا تَبْطُلُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ في الصلاة لجماعة فطول ليلحقه قول آخَرُونَ تَكْثُرُ بِهِمْ الْجَمَاعَةُ أَوْ لِيَلْحَقَهُ رَجُلٌ مَشْهُورٌ عَادَتُهُ الْحُضُورُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا وَمِمَّنْ نَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالُوا وسوا كَانَ الْمَسْجِدُ فِي سُوقٍ أَوْ مَحَلَّةٍ وَعَادَةُ النَّاسِ يَأْتُونَهُ بَعْدَ الْإِقَامَةِ
فَوْجًا فَوْجًا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّجُلُ الْمُنْتَظَرُ مَشْهُورًا بِدِينِهِ أَوْ عِلْمِهِ أَوْ دُنْيَاهُ وَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ بِالِاتِّفَاقِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ " وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذٌ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَلِأَنَّهُمْ مُقَصِّرُونَ بِالتَّأْخِيرِ وَلِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمَأْمُومِينَ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ حَثَّهُمْ ذَلِكَ عَلَى المسارعة الي الصلاة والتكبير أَمَّا إذَا لَمْ يَدْخُلْ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ فِيهَا وَحَضَرَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَيَرْجُو زِيَادَةً فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَجِّلَهَا وَلَا يَنْتَظِرَهُمْ وَإِنْ حَضَرَ الْمَأْمُومُونَ دُونَ الْإِمَامِ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَائِلَ هَذَا الْبَابِ وَسَبَقَ أَيْضًا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عُلِمَ أَنَّ عَادَةَ الْإِمَامِ التَّأْخِيرُ هَلْ الْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ لِتَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ أَمْ تَعْجِيلُ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَسَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَنَظَائِرُهَا الْكَثِيرَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ
* (فَرْعٌ)
فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَحَسَّ هِيَ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَلَا يُقَالُ حَسَّ إلَّا فِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ غَرِيبَةٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى كُنْيَتُهُ أَبُو إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو مُعَاوِيَةَ الْأَسْلَمِيُّ وَاسْمُ أَبِي أَوْفَى عَلْقَمَةُ بْنُ خَالِدِ بْنِ الحرب وعبد اللَّهِ وَأَبُوهُ صَحَابِيَّانِ شَهِدَ عَبْدُ اللَّهِ بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ نَزَلَ الْكُوفَةَ وَتُوُفِّيَ بِهَا سَنَةَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ وَهُوَ آخِرُ مَنْ مَاتَ مِنْ الصَّحَابَةِ بِالْكُوفَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ
أَبِي أَوْفَى الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَسَنَذْكُرُهُ فِي الْفَرْعِ بَعْدَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ في انتظار الامام وهو راجع قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا
اسْتِحْبَابُهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي مِجْلَزٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وهم تابعيون وعن أحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ يَنْتَظِرُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد لَا يَنْتَظِرُهُ وَاسْتَحْسَنَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِالتَّخْفِيفِ وَبِأَنَّ فِيهِ تَشْرِيكًا فِي الْعِبَادَةِ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ الرُّكُوعِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الِانْتِظَارُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ وَالْحَاجَةُ مَوْجُودَةٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ الَّذِي سَبَقَ قَرِيبًا " أَنَّ رَجُلًا حَضَرَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ لِإِتْمَامِ صَلَاةِ الْمُسْلِمِ فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ هُمَا الْمُعْتَمَدُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ " فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ عَنْ أَبِي أَوْفَى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَمَّى بَعْضُ الرُّوَاةِ هَذَا الرَّجُلَ طُرْفَةَ الْحَضْرَمِيَّ وَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى رَفْعِ الْإِمَامِ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ لِمَصْلَحَةِ الْمَأْمُومِ: وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَحَادِيثَ التَّخْفِيفِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّا لَا نُخَالِفُهَا لِأَنَّ الِانْتِظَارَ الَّذِي نَسْتَحِبُّهُ هُوَ الَّذِي لَا يَفْحُشُ وَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ بِدَلِيلِ انْتِظَارِهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ
الْخَوْفِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ دَعْوَاهُمْ التَّشْرِيكَ فَلَا نُسَلِّمُ التَّشْرِيكَ وَإِنَّمَا هُوَ تَطْوِيلُ الصَّلَاةِ الَّتِي هِيَ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَصْدِ مَصْلَحَةِ صَلَاةِ آخَرَ وَقَدْ فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ مِثْلَهُ وَأَسْمَعَ أَصْحَابَهُ التَّكْبِيرَ وَالتَّأْمِينَ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ رَفْعِ الْإِمَامِ أَوْ الْمُؤَذِّنِ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرَاتِ لِلْإِعْلَامِ بِانْتِقَالِ الْإِمَامِ: وَالْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى غَيْرِ الرُّكُوعِ أَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ كَمَا
سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (وَيَنْبَغِي لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ وَلَا يَتَقَدَّمَهُ في شئ مِنْ الْأَفْعَالِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا اللَّهُمَّ ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا " فَإِنْ كَبَّرَ قَبْلَهُ أَوْ كَبَّرَ مَعَهُ لِلْإِحْرَامِ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاتِهِ قَبْلَ أَنْ تَنْعَقِدَ فَلَمْ تَصِحَّ وَإِنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَهُ أَوْ سَجَدَ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ " وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى مُتَابَعَتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ فِيهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ قَلِيلَةٌ وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفَعَ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُفَارَقَةٌ كَثِيرَةٌ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهَذِهِ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا وَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ فَلَمَّا رَكَعَ الْإِمَامُ رَفَعَ وَوَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ فِي الْقِيَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَذَلِكَ قَدْرٌ يَسِيرٌ وَإِنْ سَجَدَ الْإِمَامُ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَائِمٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ عَنْهُ بِسَجْدَتَيْنِ وَجِلْسَةٍ بينهما وقال أبو اسحق لَا تَبْطُلُ لِأَنَّهُ تَأَخَّرَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ وَهُوَ السجود)
* (الشَّرْحُ) الْحَدِيثَانِ الْمَذْكُورَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُنَا وَفِيهِ بَعْضُ مُخَالَفَةٍ فِي الْحُرُوفِ لِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ " وَقَوْلُهُ وَاجْتَمَعَ مَعَهُ " هَذِهِ اللَّفْظَةُ قَدْ أَنْكَرَهَا الْحَرِيرِيُّ فِي كِتَابِهِ دُرَّةِ الْغَوَّاصِ وَقَالَ لَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَجَوَّزَهَا غَيْرُهُ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَدْ اخْتَصَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَحَذَفَ مُعْظَمَ مَقَاصِدِهَا وَأَنَا أَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَوْفَاةَ الْأَحْكَامِ مُخْتَصَرَةَ الْأَلْفَاظِ وَالدَّلَائِلِ: قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله يَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ ويحرم عليه ان يتقدمه بشئ مِنْ الْأَفْعَالِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَحْرِيمِ سَبْقِهِ بِرُكْنٍ
وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّهُ وَقَرَّرَهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا وَالْمُتَابَعَةُ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى أَثَرِ
الْإِمَامِ بِحَيْثُ يَكُونُ ابْتِدَاؤُهُ لِكُلِّ فِعْلٍ مُتَأَخِّرًا عَنْ ابْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ وَمُقَدَّمًا عَلَى فَرَاغِهِ مِنْهُ وَكَذَلِكَ يُتَابِعُهُ فِي الْأَقْوَالِ فَيَتَأَخَّرُ ابْتِدَاؤُهُ عَنْ أَوَّلِ ابْتِدَاءِ الْإِمَامِ إلَّا فِي التَّأْمِينِ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ مُقَارَنَتُهُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ فَلَوْ خَالَفَهُ فِي الْمُتَابَعَةِ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يُقَارِنَهُ فَإِنْ قَارَنَهُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ أَوْ شَكَّ فِي مُقَارَنَتِهِ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ تَأَخَّرَ فَبَانَ مُقَارَنَتُهُ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَمُحَمَّدٌ تَنْعَقِدُ كَمَا لَوْ قَارَنَهُ فِي الرُّكُوعِ: دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ وَيُخَالِفُ الرُّكُوعَ لِأَنَّ الْإِمَامَ هُنَاكَ دَاخِلٌ فِي الصَّلَاةِ بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ تَأَخُّرُ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْمَأْمُومِ عَنْ جَمِيعِ تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ قَارَنَهُ فِي السَّلَامِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ
(وَالثَّانِي)
تَبْطُلُ وَإِنْ قَارَنَهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَتَفُوتُ بِهِ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ تَخَلَّفَ بِغَيْرِ عُذْرٍ نَظَرْتَ فَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ وَاحِدٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَفِيهِ وَجْهٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَإِنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ بِالِاتِّفَاقِ لِمُنَافَاتِهِ لِلْمُتَابَعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمِنْ التَّخَلُّفِ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَرْكَعَ الْإِمَامُ فَيَشْتَغِلَ الْمَأْمُومُ بِإِتْمَامِ قِرَاءَةِ السُّورَةِ قَالُوا وَكَذَا لَوْ اشْتَغَلَ بِإِطَالَةِ تَسْبِيحِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَمَّا بَيَانُ صُورَةِ التَّخَلُّفِ بِرُكْنٍ فَيَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ الرُّكْنِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ فَالْقَصِيرُ الِاعْتِدَالُ عَنْ الرُّكُوعِ وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَالطَّوِيلُ مَا عَدَاهُمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالطَّوِيلُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ وَفِي الْقَصِيرِ وَجْهَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ وَمَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى الْجَزْمِ بِهِ أَنَّهُ مَقْصُودٌ فِي نَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا بَلْ تَابِعٌ لِغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ فَإِذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فَرَكَعَ الْمَأْمُومُ وَأَدْرَكَهُ فِي رُكُوعِهِ فَلَيْسَ مُتَخَلِّفًا بِرُكْنٍ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَطْعًا فَلَوْ اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَبْطُلُ وَاخْتُلِفَ فِي مَأْخَذِهِمَا فَقِيلَ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِدَالَ رُكْنٌ مَقْصُودٌ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا مَقْصُودٌ بَطَلَتْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فَارَقَ رُكْنًا وَاشْتَغَلَ بِرُكْنٍ آخَرَ مَقْصُودٍ وَإِلَّا فَلَا تَبْطُلُ كَمَا لَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَقِيلَ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ التَّخَلُّفَ بِرُكْنٍ يُبْطِلُ أم لا وان قلنا لا يُبْطِلُ فَقَدْ تَخَلَّفَ بِرُكْنِ الرُّكُوعِ تَامًّا فَتَبْطُلُ صلاته وإن
قلنا فَمَا دَامَ فِي الِاعْتِدَالِ لَمْ يُكْمِلْ الرُّكْنَ الثَّانِي فَلَا تَبْطُلُ فَلَوْ هَوَى إلَى السُّجُودِ وَلَمْ يَبْلُغْهُ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْمَأْخَذِ الْأَوَّلِ لَمْ تَبْطُلْ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْرَعْ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي بَطَلَتْ لِأَنَّ رُكْنَ الِاعْتِدَالِ قَدْ تَمَّ هَكَذَا رتب المسلة إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُقَالَ إذَا ارْتَفَعَ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَقَدْ حَصَلَ التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ وَإِنْ لَمْ يَعْتَدِلْ الْإِمَامُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ إنْ قُلْنَا التَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ مُبْطِلٌ أَمَّا إذَا انْتَهَى الْإِمَامُ إلَى السُّجُودِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِي الْقِيَامِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثُمَّ إنْ اكْتَفَيْنَا بِابْتِدَاءِ الْهُوِيِّ مِنْ الِاعْتِدَالِ وَابْتِدَاءِ الِارْتِفَاعِ عَنْ حَدِّ الرُّكُوعِ فَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنَيْنِ هُوَ أَنْ يَتِمَّ لِلْإِمَامِ رُكْنَانِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُمَا وَالتَّخَلُّفُ بِرُكْنٍ أَنْ يُتِمَّ الْإِمَامُ الرُّكْنَ الَّذِي سَبَقَ إلَيْهِ وَالْمَأْمُومُ بَعْدُ فِيمَا قَبْلَهُ وَإِنْ لَمْ نَكْتَفِ بِذَلِكَ فَلِلتَّخَلُّفِ شرط آخر وهو أن يلابس بعد تمامها أَوْ تَمَامِهِ رُكْنٌ آخَرُ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ الْبُطْلَانِ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنٍ كَامِلٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ اسْتَمَرَّ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى اعْتَدَلَ الْإِمَامُ وَسَجَدَ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّخَلُّفِ بِلَا عُذْرٍ أَمَّا الْأَعْذَارُ فَأَنْوَاعٌ: مِنْهَا الْخَوْفُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ بَطِئَ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفِ لِسَانِهِ وَنَحْوِهِ لَا لِوَسْوَسَةٍ وَالْإِمَامُ سَرِيعَهَا فَيَرْكَعَ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ الْفَاتِحَةَ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جماعة من الخراسانيين منهم (1) والرافعي أَحَدُهُمَا يُتَابِعُهُ وَيَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُومِ بَاقِيهَا فَعَلَى هَذَا إنْ اشْتَغَلَ بِإِتْمَامِهَا كَانَ مُتَخَلِّفًا بِلَا عُذْرٍ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَسْقُطُ بَاقِيهَا بَلْ يَلْزَمهُ أَنْ يُتِمَّهَا وَيَسْعَى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى نَظْمِ صَلَاةِ نَفْسِهِ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ فَإِنْ زَادَ عَلَى الثَّلَاثَةِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ عَنْ الْمُتَابَعَةِ لِتَعَذُّرِ الْمُوَافَقَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَهُ الدَّوَامُ عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَعَلَى هَذَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُرَاعِي نَظْمَ صَلَاتِهِ وَيَجْرِي عَلَى أَثَرِهِ وَبِهَذَا أَفْتَى الْقَفَّالُ (وَأَصَحُّهُمَا) يُوَافِقُهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ ثُمَّ يَتَدَارَكُ مَا فَاتَهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهُمَا كَالْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ الْجُمُعَةِ وَمِنْهَا أَخَذُوا التَّقْدِيرَ بِثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ مَقْصُودَةٍ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ إنَّمَا هُمَا إذَا رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَة وَقَبْل ذَلِكَ لَا يُوَافِقُهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ التَّخَلُّفُ قَبْلَهُ بِالسَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامِ وَلَمْ يُعْتَبَرْ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا يَجْعَلُ التَّخَلُّفَ بِغَيْرِ الْمَقْصُودِ مُؤَثِّرًا وَأَمَّا مَنْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِهِ أَوْ يُفَرِّقُ وَيَجْعَلُ الْجُلُوسَ مَقْصُودًا أَوْ رُكْنًا طَوِيلًا فَالْقِيَاسُ عَلَى أَصْلِهِ التَّقْدِيرُ بِأَرْبَعَةِ أَرْكَانٍ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الزِّحَامِ
وَلَوْ اشْتَغَلَ الْمَأْمُومُ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ فراغه من الفاتحة أتمها كبطئ الْقِرَاءَةِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ أَمَّا الْمَسْبُوقُ إذَا قَرَأَ بَعْضَ الْفَاتِحَةِ فَرَكَعَ الْإِمَامُ فَقَدْ سَبَقَ فِي رُكُوعِهِ وَإِتْمَامِهِ الْفَاتِحَةَ ثَلَاثَةُ
(1) بياص بالاصل فحرر
*
أَوْجُهٍ وَمِنْهَا الزِّحَامُ وَسَيَأْتِي فِي الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَمِنْهَا النِّسْيَانُ فَلَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَسِيَ الْفَاتِحَةَ أَوْ شَكَّ فِي قِرَاءَتِهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعُودَ لِقِرَاءَتِهَا لِفَوَاتِ مَحِلِّهَا وَوُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ وَلَوْ تَذَكَّرَ تَرْكَ الْفَاتِحَةِ أَوْ شَكَّ فِيهِ وَقَدْ رَكَعَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَكُنْ هُوَ رَكَعَ لَمْ تَسْقُطْ الْقِرَاءَةُ بِالنِّسْيَانِ وَفِي وَاجِبِهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَرْكَعُ مَعَهُ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ (وَأَصَحُّهُمَا) تَجِبُ قِرَاءَتُهَا وَبِهِ أَفْتَى الْقَفَّالُ وَعَلَى هَذَا تَخَلُّفُهُ تَخَلُّفُ مَعْذُورٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالنِّسْيَانِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَتَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ بِرُكُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْعَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّقَدُّمُ ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَسْبِقْ بِرُكْنٍ كَامِلٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ مُخَالَفَةٌ يَسِيرَةٌ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ فَهَلْ يَعُودُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقِيَامِ وَيَرْكَعَ مَعَهُ وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى الْقِيَامِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُنَا وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ: وَقَالَ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْعَوْدُ وَنَقَلَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ قَالَ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَسَوَاءٌ تَعَمَّدَ السَّبْقَ أَمْ سَهَا (وَالثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ يَحْرُمُ الْعَوْدُ فَإِنْ عَادَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ تَقَدُّمُهُ سَهْوًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْعَوْدِ وَالدَّوَامِ فِي الرُّكُوعِ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ الْعَوْدُ فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ لَمْ تَبْطُلْ لَكِنْ لَا يُعِيدُ تِلْكَ الرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا
فَيَلْزَمهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَا تَخْفَى صُورَةُ التَّقَدُّمِ بِرُكْنَيْنِ مِنْ قِيَاسِ مَا سَبَقَ فِي التَّخَلُّفِ وَمَثَّلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ ذَلِكَ بِمَا إذَا رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ رَفْعَ هُوَ فَلَمَّا أَرَادَ الْإِمَامُ أَنْ يَرْفَعَ سَجَدَ: قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ قَالَ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ مِثْلَهُ فِي التَّخَلُّفِ وَيَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ هَذَا بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهِ أَفْحَشُ وَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ مَقْصُودٍ بِأَنْ رَكَعَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَرَفَعَ وَالْإِمَامُ فِي الْقِيَامِ ثُمَّ وَقَفَ حَتَّى رَفَعَ الْإِمَامُ وَاجْتَمَعَا فِي الِاعْتِدَالِ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهُ قَالَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجَمَاعَةٌ قَالُوا فَإِنْ سَبَقَ بِرُكْنٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ فَإِنْ اعْتَدَلَ وَسَجَدَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ أَوْ سَبَقَ بِالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ بِأَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأُولَى وَجَلَسَ وَسَجَدَ الثَّانِيَةَ وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى فَوَجْهَانِ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ التَّقَدُّمَ بِرُكْنٍ لَا يُبْطِلُ كَالتَّخَلُّفِ بِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ هَذَا كُلُّهُ فِي التَّقَدُّمِ فِي الْأَفْعَالِ: وَأَمَّا السَّبْقُ بِالْأَقْوَالِ فَإِنْ كَانَ بِتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ: وَإِنْ فَرَغَ مِنْ الْفَاتِحَةِ أَوْ التَّشَهُّدِ قَبْلَ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِيهَا ثلاثة أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) لَا يَضُرُّ بَلْ يَجْزِيَانِ لِأَنَّهُ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْمُخَالَفَةُ
(وَالثَّانِي)
تَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ (وَالثَّالِثُ) لَا تَبْطُلُ لَكِنْ لَا تُجْزِئُ بَلْ يَجِبُ قِرَاءَتُهُمَا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ أَوْ بعدها والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* وَإِنْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاتِهِ فَإِنْ كَانَ فِي قِرَاءَةٍ فَتَحَ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُلَقِّنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الصَّلَاةِ " وَإِنْ كَانَ فِي ذِكْرٍ غَيْرِهِ جَهَرَ به المأموم ليسمعه فيقوله وإن سها في فعل سبح به لِيُعْلِمَهُ فَإِنْ لَمْ يَقَعْ لِلْإِمَامِ أَنَّهُ سَهَا لَمْ يَعْمَلْ بِقَوْلِ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ مَنْ شَكَّ فِي فِعْلِ نَفْسِهِ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ إلَى قَوْلِ غَيْرِهِ كَالْحَاكِمِ إذَا نَسِيَ حُكْمًا حَكَمَ به فشهد شاهدان أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيَنْظُرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ سَهْوُ الْإِمَامِ فِي تَرْكِ فَرْضٍ مِثْلَ أَنْ يَقْعُدَ وَفَرْضُهُ أَنْ يَقُومَ أَوْ يَقُومَ وَفَرْضُهُ أَنْ يَقْعُدَ لَمْ يُتَابِعْهُ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَمَا يَأْتِي بِهِ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ فِي تَرْكِ سُنَّةٍ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فَرْضٌ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِسُنَّةٍ فَإِنْ نَسِيَ الْإِمَامُ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ سُجُودَ السَّهْوِ لَمْ يَتْرُكْهُ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ يَأْتِي بِهِ وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ فرض المتابعة وإن نَسِيَا جَمِيعًا التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ وَنَهَضَا لِلْقِيَامِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَسْتَتِمَّ
الْقِيَامَ وَالْمَأْمُومُ قَدْ اسْتَتَمَّ الْقِيَامَ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ حَصَلَ فِي فَرْضٍ
(وَالثَّانِي)
يَرْجِعُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى مُتَابَعَتِهِ وَإِنْ كَانَ حَصَلَ فِي فرض)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ بِأَلْفَاظٍ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ بِشَوَاهِدَ (قَوْلُهُ) فَتَحَ عَلَيْهِ هُوَ - بِتَخْفِيفِ التَّاءِ - أَيْ لَقَّنَهُ وَفَتَحَ الْقِرَاءَةَ عَلَيْهِ (وَقَوْلُهُ) لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى مُتَابَعَتِهِ هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْهُ عَلَى طَرِيقَتِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَرِيبًا ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اُرْتُجَّ عَلَى الْإِمَامِ وَوَقَفَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ اُسْتُحِبَّ لِلْمَأْمُومِ تَلْقِينُهُ لِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا إذَا كَانَ يَقْرَأُ فِي مَوْضِعٍ فَسَهَا وَانْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُهُ وَكَذَا إذَا سَهَا عَنْ ذِكْرٍ فَأَهْمَلَهُ أَوْ قَالَ غَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يَقُولَهُ جَهْرًا لِيَسْمَعَهُ فَيَقُولَهُ (الثَّانِيَةُ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ فِي فعل فتركه أو هم بتغيره يُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُسَبِّحَ لِيَعْلَمَهُ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ دَلِيلِ التَّسْبِيحِ فِي هَذَا فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ فَإِنْ تَذَكَّرَ الْإِمَامُ عَمِلَ بِذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهِ مَا نَبَّهَهُ عَلَيْهِ الْمَأْمُومُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِ الْمَأْمُومِينَ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِيَقِينِ نَفْسِهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ وَلَا يُقَلِّدُهُمْ وَإِنْ كَانَ عَدَدُهُمْ كَثِيرًا وَكَذَا لَا يُقَلِّدُ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ هُوَ حَاضِرٌ هُنَاكَ وَصَرَّحَ بِلَفْظِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُخْبِرُونَ قَلِيلِينَ أَوْ كَثِيرِينَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُخْبِرُونَ كَثِيرِينَ كَثْرَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ يَبْعُدُ اجْتِمَاعُهُمْ عَلَى الْخَطَأِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِمْ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ: قَالَ فِي الْبَيَانِ قَالَ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَا يَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يَرْجِعُ وَصَحَّحَ الْمُتَوَلِّي الرُّجُوعَ لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ السَّابِقِ فِي بَابِ السَّهْوِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ رُجُوعُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى قَوْلِ الْمَأْمُومِينَ الْكَثِيرِينَ وَأَجَابَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرْجِعْ إلَى قَوْلِهِمْ بَلْ رَجَعَ إلَى يَقِينِ نَفْسِهِ حِينَ ذَكَّرُوهُ فَتَذَكَّرَ وَلَوْ جَازَ الرُّجُوعُ إلَى قَوْلِ غَيْرِ الْإِنْسَانِ لَصَدَّقَهُ وَتَرَكَ الْيَقِينَ لِرُجُوعِ ذِي اليدين إلى قول رسول
رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالَ " لَمْ تُقْصَرْ الصَّلَاةُ وَلَمْ أَنْسَ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ بَلْ نَسِيتَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ فِعْلًا فَإِنْ كَانَ فَرْضًا بِأَنْ قَعَدَ فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ أَوْ عَكْسَهُ وَلَمْ يَرْجِعْ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي تَرْكِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لِأَنَّهُ إنْ تَرَكَهُ عَمْدًا فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ تَرَكَهُ سَهْوًا فَفِعْلُهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيُتِمُّ مُنْفَرِدًا وَإِنْ تَرَكَ سُنَّةً فَإِنْ كَانَ فِي اشْتِغَالِ الْمَأْمُومِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ الْإِتْيَانُ بِهَا فَإِنْ فَعَلَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَهُ فِرَاقُهُ لِيَأْتِيَ بِهَا وَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ سُجُودَ السَّهْوِ أَوْ التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ أَتَى بِهِ الْمَأْمُومُ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقُدْوَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اشْتِغَالِ الْمَأْمُومِ بِهَا تَخَلُّفٌ فَاحِشٌ بِأَنْ تَرَكَ الْإِمَامُ جِلْسَةَ الِاسْتِرَاحَةِ أَتَى بِهَا الْمَأْمُومُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا يَسِيرَةٌ قَالُوا وَلِهَذَا لَوْ أَرَادَ قَدْرَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَقَالُوا لَا بَأْسَ بِتَخَلُّفِهِ لِلْقُنُوتِ إذَا تَرَكَهُ الْإِمَامُ وَلَحِقَهُ عَلَى قُرْبٍ بِأَنْ لَحِقَهُ فِي السَّجْدَةِ الْأُولَى (الرَّابِعَةُ) إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ لِلتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ قَائِمًا سَهْوًا أَوْ نَهَضَا لِلْقِيَامِ سَاهِيَيْنِ فَانْتَصَبَ الْمَأْمُومُ وَعَادَ الْإِمَامُ إلَى الْجُلُوسِ قَبْلَ انْتِصَابِهِ فَفِي الْمَأْمُومِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ أَطْلَقَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ فَقَالُوا (أَحَدُهُمَا) يَرْجِعُ (وَالثَّانِي) لَا يَرْجِعُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجِبُ وَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِوُجُوبِ الرُّجُوعِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ الرُّجُوعُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ قَالَ وَلَمْ يُوجِبْ أَحَدٌ الرُّجُوعَ وَكَأَنَّهُ لَمْ يَرَ نَقْلَ الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْوُجُوبِ وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِي الْوُجُوبِ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَيْهِ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ عَلَى أَنَّهُمَا فِي الْجَوَازِ لِأَنَّهُ نَقَلَ مِنْ كَلَامِ الْإِمَامِ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ ثلاثة أوجه (أصحها) يَجِبُ الرُّجُوعُ (وَالثَّانِي) يَحْرُمُ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَلَا يَجِبُ وَدَلِيلُ الْأَصَحِّ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُ ثُمَّ يَحْصُلُ مَعَهَا التَّشَهُّدُ وَلَا يَفُوتُ الْقِيَامُ الَّذِي هُوَ فِيهِ بِخِلَافِ عَكْسِهِ: وَأَمَّا قَوْلُ الاخيران مَنْ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ لَا يَرْجِعُ إلَى سُنَّةٍ وَلَا نُسَلِّمُ رُجُوعَهُ إلَى سُنَّةٍ بَلْ إلَى مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ الْوَاجِبَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ مَعَ فُرُوعِهَا فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَلْقِينِ الْإِمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَحَكَاهُ ابن المنذر عن عثمان بن عفان وعلي بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ مَعْقِلٍ بِالْقَافِ
وَنَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق قَالَ وَكَرِهَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِالتَّلْقِينِ أَقُولُ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِمَنْ كَرِهَهُ بِحَدِيثِ
ابي اسحق السَّبِيعِيِّ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا عَلِيُّ لَا تَفْتَحْ عَلَى الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ " وَدَلِيلُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِهِ حَدِيثُ الْمُسَوَّرِ - بِضَمِّ الْمِيمِ وفتح السين وتشديد الواو - ابن يَزِيدَ الْمَالِكِيُّ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه قَالَ " شَهِدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الصَّلَوَاتِ فَتَرَكَ شَيْئًا لَمْ يَقْرَأْهُ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هلا أذكر تنيها " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَمَذْهَبُهُ أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى صَلَاةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِّسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لِأَبِي أَصَلَّيْتَ مَعَنَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا مَنَعَكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَامِلِ الصِّحَّةِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ: وَأَمَّا حَدِيثُ النَّهْيِ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْكَارِهُونَ فَضَعِيفٌ جِدًّا لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لِأَنَّ الْحَارِثَ الْأَعْوَرَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ وَلِأَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَسْمَعْ أبو اسحق مِنْ الْحَارِثِ إلَّا أَرْبَعَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا منها * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ كَانَ لَا يَجْهَرُ وَلَا يَقْرَأُ السُّورَةَ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فَصَارَ يَجْهَرُ وَيَقْرَأُ السُّورَةَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَجُوزُ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " لَمَّا مَرِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَضَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ قَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ فَمُرْ عُمَرَ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ وَمَتَى يَقُمْ مَقَامَكَ يَبْكِ فَلَا يَسْتَطِيعُ فَمُرْ عَلِيًّا فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ قَالَ إنَّكُنَّ لَأَنْتُنَّ صَوَاحِبَاتُ يُوسُفَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَخَرَجَ فَلَمَّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ ذَهَبَ لِيَسْتَأْخِرَ فَأَوْمَأَ إليه بعيده فَأَتَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَلَسَ إلَى جَنْبِهِ فَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ
فَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ جَازَ عَلَى قَوْلِهِ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُوَافِقُ تَرْتِيبَ الْأَوَّلِ فَيُشَوِّشُ وَإِنْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَقِيَ عَلَى بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ بَعْضُ الصَّلَاةِ فَقَدَّمُوا مَنْ يُتِمُّ بِهِمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي الصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْأُولَى قَدْ تَمَّتْ فلا حاجة إلى الاستخلاف)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي اسْتِخْلَافِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه وَخُرُوجِهِ وَتَأَخُّرِ أَبِي بَكْر وَصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهَا) أَبُو بَكْرٍ رَجُلٌ أَسِيفٌ أَيْ حزين قوله صلى الله عليه وسلم " أي في صواحب يوسف تظاهرهن علي ما بردن وَإِلْحَاحِهِنَّ فِيهِ كَتَظَاهُرِ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ وَنِسْوَتِهَا عَلَى صرف يوسف صلي الله عليه وسلم عَنْ رَأْيِهِ فِي الِاعْتِصَامِ فَحَمَاهُ اللَّهُ الْكَرِيمُ مِنْهُنَّ وَالْمَشْهُورُ فِي أَكْثَرِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ صَوَاحِبُ وَفِي الْمُهَذَّبِ صَوَاحِبَات وَالْأَوَّلُ أَحْرَى عَلَى اللُّغَةِ (وَقَوْلُهُ) فِي الْمُهَذَّبِ فَمُرْ عَلِيًّا فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ لَيْسَ لِعَلِيٍّ ذِكْرٌ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ يَبْكِي وَلَا يَسْتَطِيعُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي الصَّحِيحِ زِيَادَةٌ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الصَّحِيحِ لَا يُسْمِعُ النَّاسَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِرَاءَةِ قَوْلُهُ فَوَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من نفسه خفة هي - بسكر الْخَاءِ - أَيْ نَشَاطًا وَقُوَّةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَيُشَوِّشُ هَذِهِ اللَّفْظَةُ مَعْدُودَةٌ عِنْدَ جَمَاهِيرِ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي لَحْنِ الْعَوَامّ قَالُوا وَصَوَابُهُ فَيُهَوِّسُ وَمَعْنَاهُ يُخْلِطُ وَغَلَّطَ أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ اللَّيْثَ وَالْجَوْهَرِيَّ فِي تَجْوِيزِهِمَا التَّشْوِيشَ قَالَ ابْنُ الْجَوَالِيقِيِّ فِي كِتَابِهِ لَحْنِ الْعَوَامّ أَجْمَعَ أَهْلُ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ التَّشْوِيشَ لَا أَصْلَ لَهُ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَأَنَّهُ من كلام المولدين وخطؤا اللَّيْثَ فِيهِ: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الامام عن الصلاة بحديث تَعَمَّدَهُ أَوْ سَبَقَهُ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ أَوْ بِلَا سَبَبٍ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ جَوَازُهُ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ (والقديم) والاملاء وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي مَرَضِهِ وَمَرَّةً حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ بِالنَّاسِ فَحَضَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَاسْتَأْخَرَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتَخْلَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَطَعَ بِالْجَوَازِ وقال
إنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الِاسْتِخْلَافِ فِي الْجُمُعَةِ خَاصَّةً وَهَذَا أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ فَرْضِهَا وَنَفْلِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ أَتَمَّ الْمَأْمُومُونَ صَلَاتَهُمْ فُرَادَى وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الخليفة صالحا لامامة هؤلا الْمُصَلِّينَ فَلَوْ اسْتَخْلَفَ لِإِمَامَةِ الرِّجَالِ امْرَأَةً فَهُوَ لَغْوٌ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ إلَّا أَنْ يَقْتَدُوا بِهَا وَكَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا أَوْ أَخْرَسَ أَوْ أَرَتَّ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ إنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيُشْتَرَطُ الِاسْتِخْلَافُ عَلَى قُرْبٍ فَلَوْ فَعَلُوا فِي الِانْفِرَادِ رُكْنًا امْتَنَعَ الِاسْتِخْلَافُ بَعْدَهُ وَأَمَّا صِفَةُ الْخَلِيفَةِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاةَ أَوْ مِثْلَهَا فِي عدد الركعات صح بالاتفاق وسوا كان مسبوقا أم غيره وسوا اسْتَخْلَفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ غَيْرِهَا لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ بِاقْتِدَائِهِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُخَالَفَةِ فَإِنْ اسْتَخْلَفَ أَجْنَبِيًّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ إنْ اسْتَخْلَفَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَوْ الثَّالِثَةِ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ جَازَ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُمْ فِي التَّرْتِيبِ وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ الْأَخِيرَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ وَهُمْ مَأْمُورُونَ بِالْقُعُودِ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ الِاخْتِلَافُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ إنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْأُولَى جَازَ وَإِنْ اسْتَخْلَفَهُ فِي غَيْرِهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَخْلَفَهُ فِي الثَّالِثَةِ خَالَفَهُ فِي الْهَيْئَاتِ فيجهر وكان ترتيب غَيْرَ مُلْتَزَمٍ لِتَرْتِيبِ الْإِمَامِ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ غَيْرِ مَأْمُومٍ مُطْلَقًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ أَجْنَبِيًّا لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَلْ هُوَ عَاقِدٌ لِنَفْسِهِ صَلَاةً فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ الْمَأْمُومُونَ فَهُوَ اقْتِدَاءُ مُنْفَرِدِينَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي هَذَا الْبَابِ لِأَنَّ قُدْوَتَهُمْ انْقَطَعَتْ بِخُرُوجِ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا اسْتَخْلَفَ مَأْمُومًا مَسْبُوقًا لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ تَرْتِيبِ الْإِمَامِ فَيَقْعُدُ مَوْضِعَ قُعُودِهِ وَيَقُومُ مَوْضِعَ قِيَامِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَوْ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ فِي ثَانِيَةِ الصُّبْحِ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِيهَا فَاسْتَخْلَفَهُ فِيهَا قَنَتَ وَقَعَدَ عَقِبَهَا وَتَشَهَّدَ ثُمَّ يَقْنُتُ فِي الثَّانِيَةِ لِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ
الْإِمَامُ قَدْ سَهَا قَبْلَ اقْتِدَائِهِ أَوْ بَعْدَهُ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَأَعَادَ فِي آخِرِ صَلَاةِ نَفْسِهِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ قَامَ لِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَالْمَأْمُومُونَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ شَاءُوا صَبَرُوا جُلُوسًا لِيُسَلِّمُوا مَعَهُ هَذَا كُلُّهُ إذَا عَرَفَ
الْمَسْبُوقُ نَظْمَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَمَا بَقِيَ مِنْهَا فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَآخَرُونَ وَهُمَا مَشْهُورَانِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ هُمَا مَنْصُوصَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ خَرَّجَهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَقِيلَ هُمَا وَجْهَانِ أَقْيَسُهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ الجواز ولم يذكره غَيْرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا يُرَاقِبُ الْخَلِيفَةُ الْمَأْمُومِينَ إذَا أَتَمَّ الرَّكْعَةَ فَإِنْ هَمُّوا بِالْقِيَامِ قَامَ وَإِلَّا قَعَدَ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يُمْنَعُ قَبُولُ غَيْرِهِ وَإِشَارَتُهُ مِنْ اسْتِخْلَافِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْبَاقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ اعْتِمَادُهُ لِلْخَلِيفَةِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَهْوُ الْخَلِيفَةِ قَبْلَ حَدَثِ الْإِمَامِ يَحْمِلُهُ الْإِمَامُ فلا يسجد له احد وسهو بَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ يَقْتَضِي سُجُودَهُ وَسُجُودَهُمْ وَسَهْوُ الْقَوْمِ قَبْلَ حَدَثِ الْإِمَامِ وَبَعْدَ الِاسْتِخْلَافِ مَحْمُولٌ وَبَيْنَهُمَا غَيْرُ مَحْمُولٍ بَلْ يَسْجُدُ السَّاهِي بَعْدَ سَلَامِ الْخَلِيفَةِ وَلَوْ أَحْرَمَ بِالظُّهْرِ خَلْفَ مُصَلِّي الصُّبْحِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَاسْتَخْلَفَهُ قَنَتَ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ مَحَلُّ قُنُوتِ الْإِمَامِ فَلَا يَقْنُتُ فِي آخِرِ صلاته ولو احرم بالصبح خلف الظُّهْرِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ وَحْدَهُ لَمْ يَقْنُتْ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ هَكَذَا نَقَلَهُمَا الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يَقْنُتُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ دُونَ الْأُولَى وَفِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْقُدْوَةِ بِالْخَلِيفَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ وَقَدْ سَبَقَتْ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُمْ بِحَدَثِ الْأَوَّلِ صَارُوا مُنْفَرِدِينَ وَلِهَذَا لَحِقَهُمْ سَهْوُ أَنْفُسِهِمْ بَيْنَ الْحَدَثِ وَالِاسْتِخْلَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ قَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا بِالْإِشَارَةِ وَلَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَالْقَوْمُ آخَرَ فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ تَقْدِيمَ الْقَوْمِ أَوْلَى قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُ اثْنَيْنِ وَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَأَكْثَرَ يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِطَائِفَةٍ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ جَوَازَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَنْعَهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ
قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَإِذَا تَقَدَّمَ خَلِيفَةٌ فَمَنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَمَنْ شَاءَ أَتَمَّ مُنْفَرِدًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ تَقَدَّمَ الْخَلِيفَةُ فَسَبَقَهُ حَدَثٌ وَنَحْوُهُ جَازَ لِثَالِثٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ فَإِنْ سَبَقَهُ حَدَثٌ وَنَحْوُهُ فَلِرَابِعٍ وَأَكْثَرَ وَعَلَى جَمِيعِهِمْ تَرْتِيبُ صَلَاةِ الْإِمَامِ الْأَصْلِيِّ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ مَا شُرِطَ فِي الْخَلِيفَةِ الْأَوَّلِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْإِمَامُ وَعَادَ وَاقْتَدَى بِخَلِيفَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْخَلِيفَةُ فَتَقَدَّمَ الْإِمَامُ الْأَوَّلُ جَازَ هَذَا مُخْتَصَرُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِخْلَافِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ أَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي الْجُمُعَةِ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِهَا وَهُنَاكَ يُشْرَحُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ وَفِي الْمَأْمُومِينَ مَسْبُوقُونَ فَقَامُوا لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فَقَدَّمُوا مَنْ يُتْمِمْهَا بِهِمْ وَاقْتَدَوْا بِهِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والمحاملى والجرجاني
وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ قِيَاسًا عَلَى الِاسْتِخْلَافِ قَالَا وَالْوَجْهَانِ مُفَرَّعَانِ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ فَإِنْ مَنَعْنَاهُ لَمْ يجز هذا وجها واحدا ما ذَكَرْتُهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْجَوَازِ فَاعْتَمِدْهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا فِي الِانْتِصَارِ لِأَبِي سَعِيدِ بْنِ عَصْرُونٍ مِنْ تَصْحِيحِ الْمَنْعِ وَكَأَنَّهُ اغْتَرَّ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ لَعَلَّ الْأَصَحَّ الْمَنْعُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلَوْ كَانَ هَذَا فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَسْبُوقِينَ الِاقْتِدَاءُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا تَجُوزُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ بِخِلَافِ غَيْرِهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الِاسْتِخْلَافِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا جَوَازُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَعَلْقَمَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَلَمْ يُصَرِّحْ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِحِكَايَةِ مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ عَنْ أَحَدٍ * قال المصنف رحمه الله
* (وان نوى المأموم مفارقة الامام وأتم لنفسه فان كان لعذر لم تبطل صلاته " لان معاذا رضي الله عنه اطال القراءة فانفرد عنه اعرابي وذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه " وان كان لغير عذر ففيه قولان
(أحدهما)
تبطل لانهما صلاتان مختلفتان في الحكم فلا يجوز أن ينتقل من احداهما الي الاخرى كالظهر والعصر
(والثانى)
يجوز وهو الاصح لان الجماعة فضيلة فكان له تركها كما لو صلي بعض صلاة النفل قائما ثم قعد)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ ثُمَّ فِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيَّ كَانَتْ فِي الْمَغْرِبِ وَفِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مُعَاذًا افْتَتَحَ سُورَةَ الْبَقَرَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْإِمَامِ أحمد من رواية بريدة أنه كان في صلاة العشاء فقرأ (اقتربت الساعة) فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ بِأَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِشَخْصَيْنِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا الرَّجُلِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ كَانَ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ مُعَاذًا لَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ النَّهْيِ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ نَسِيَ النَّهْيَ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَرْجِيحِ رِوَايَةِ الْعِشَاءِ وَرَدِّ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقَالَ رِوَايَاتُ الْعِشَاءِ أَصَحُّ وَهُوَ كَمَا قَالَ لَكِنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ أَوْلَى وَجَمَعَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ رِوَايَةِ القراءة بالبقرة والقراءة باقتربت بِأَنَّهُ قَرَأَ هَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَهَذِهِ فِي رَكْعَةٍ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَانْفَرَدَ عَنْهُ أَعْرَابِيٌّ فَلَيْسَ بِمَقْبُولٍ بَلْ الصَّوَابُ انْصَرَفَ عَنْهُ أَنْصَارِيٌّ صاحب ناضخ ونجل هَكَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِهِ فَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد اسْمُهُ حَزْمُ بْنُ أَبِي كَعْبٍ وَقِيلَ اسْمُهُ حَازِمٌ وَقِيلَ سُلَيْمٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَرَامُ - بِالرَّاءِ - بْنُ مِلْحَانَ خَالُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَلَمْ يَذْكُرْ
الخطيب البغدادي في المبهمات غَيْرَهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مُفَارَقَةُ الْإِمَامِ وَالْبِنَاءُ عَلَى مَا صَلَّى مَعَهُ لَكِنْ احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ قَالُوا وَتَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ لَيْسَ بِعُذْرٍ وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بِعُذْرٍ وَجَعَلُوا طُولَ الْقِرَاءَةِ عُذْرًا وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ إشْكَالٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ فَارَقَهُ وَبَنَى عَلَى صَلَاتِهِ بَلْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ اسْتَأْنَفَ الصَّلَاةَ وَلَفْظُ رِوَايَتِهِ قَالَ " افْتَتَحَ مُعَاذٌ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَانْحَرَفَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ ثُمَّ صَلَّى وَحْدَهُ وَانْصَرَفَ " وَهَذَا لَفْظُهُ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْنِ بَلْ قَطَعَ الصَّلَاةَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَهَا فَلَا يَحْصُلُ مِنْهُ دَلَالَةٌ لِلْمُفَارَقَةِ وَالْبِنَاءِ وَقَدْ أَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى الْجَوَابِ عَنْ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ لَا أَدْرِي هَلْ حُفِظَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ لِكَثْرَةِ مَنْ روى هذا الحديث عن سفين دُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ عَنْ سُفْيَانَ وَهَذَا الْجَوَابُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ وَعُلِمَ أَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ
الْجُمْهُورُ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالْأُصُولِ قَبُولُ زِيَادَةِ الثِّقَةِ لَكِنْ يُعْتَضَدُ قَوْلُ الْبَيْهَقِيّ بِمَا قَرَّرْنَاهُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ أَنَّ أَكْثَرَ الْمُحَدِّثِينَ يَجْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ شاذا ضعيفا مردودا فالشاذ عندهم أن يرووا مَا لَا يَرْوِيهِ سَائِرُ الثِّقَاتِ سَوَاءٌ خَالَفَهُمْ أَمْ لَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ الْحِجَازِ أَنَّ الشَّاذَّ مَا يُخَالِفُ الثِّقَاتِ أَمَّا ما لا يخالفهم فَلَيْسَ بِشَاذٍّ بَلْ يُحْتَجُّ بِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ فَعَلَى قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ هَذِهِ اللَّفْظَةُ شَاذَّةٌ لَا يُحْتَجُّ بِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي رِوَايَةِ الامام احمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ " أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَ الْقَوْمِ فَلَمَّا رَأَى مُعَاذًا طَوَّلَ تَجَوَّزَ فِي صَلَاتِهِ وَلَحِقَ بِنَخْلِهِ يَسْقِيهِ فَلَمَّا قَضَى معاذا الصَّلَاةَ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ قَالَ إنَّهُ لَمُنَافِقٌ تعجل عن الصلاة من أجل شقى نَخْلِهِ " وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ فِي الْحُكْمِ فَاحْتِرَازٌ مِمَّنْ نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ الْإِتْمَامَ فَإِنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُمَا صَلَاتَانِ لَيْسَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ فِي الْعَدَدِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَخْرَجَ الْمَأْمُومُ نَفْسَهُ عَنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ نُظِرَ إنْ فَارَقَهُ وَلَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَقَطْعَ الْقُدْوَةِ بطلت صلاته بالاجماع ومن نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَإِنْ نَوَى مُفَارِقَتَهُ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ مُنْفَرِدًا بَانِيًا عَلَى مَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ فَالْمَذْهَبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَوْلٌ ثَالِثٌ قَدِيمٌ تَبْطُلُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الحرمين
وَالْأَعْذَارُ كَثِيرَةٌ وَأَقْرَبُ مُعْتَبَرٍ أَنَّ كُلَّ مَا جَوَّزَ تَرْكَ الْجَمَاعَةِ ابْتِدَاءً جَوَّزَ الْمُفَارَقَةَ وَأَلْحَقُوا بِهِ مَا إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ سُنَّةً مَقْصُودَةً كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَالْقُنُوتِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَصْبِرْ عَلَى طُولِ الْقِرَاءَةِ لِضَعْفٍ أَوْ شُغْلٍ فَهَلْ هُوَ عُذْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عُذْرٌ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّهُ حَمَلَ حَدِيثَ مُعَاذٍ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) لَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا قَطَعَ الْمَأْمُومُ الْقُدْوَةَ الامام بَعْدُ فِي صَلَاةٍ صَحِيحَةٍ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ فَأَمَّا إذَا بَطَلَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ أَوْ قَامَ إلَى خَامِسَةٍ أَوْ أَتَى بِمُنَافٍ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُفَارِقُهُ وَلَا يَضُرُّ الْمَأْمُومَ هَذِهِ الْمُفَارَقَةُ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا فَارَقُوا الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ مَذْكُورٌ فِي بَابِهِ وَلَوْ نَوَى الصُّبْحَ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَتَمَّتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ فَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ فِي التَّشَهُّدِ حَتَّى يَفْرَغَ الْإِمَامُ وَيُسَلِّمَ مَعَهُ وَهَذَا أَفْضَلُ وَإِنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَسَلَّمَ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ هُنَا بِالْمُفَارَقَةِ بِلَا خِلَافٍ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ وَكَذَا فِيمَا أَشْبَهَهَا مِنْ الصُّوَرِ وَلَا فَرْقَ فِي جَمِيعِ
ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَنْوِي الْمُفَارَقَةَ فِي صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ بُطْلَانُ صَلَاةِ الْمُفَارِقِ وعن أحمد روايتان كالقولين
*
(بَابُ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ)
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (إذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَدًّا يَعْقِلُ وَهُوَ مِنْ أهل الصلاة صحت امامته لما روى عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ رضي الله عنه قَالَ " أُمِّمْت عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلَامٌ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ " وَفِي الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْأُمِّ لَا تَجُوزُ إمَامَتُهُ لِأَنَّ صَلَاتَهُ نَافِلَةٌ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ إمَامًا في الجمعة كالبالغ
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ جَابِرٌ ثُمَّ فِي رواية البخاري في صحيحه وعمر وهذا بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَأَبُو سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ وَسَلِمَةُ صَحَابِيٌّ وَأَمَّا عَمْرٌو فَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِهِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرُؤْيَتِهِ إيَّاهُ وَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ وَلَمْ يَرَهُ لَكِنْ كَانَتْ الرُّكْبَانُ تَمُرُّ بِهِمْ فَيَحْفَظُ عَنْهُمْ مَا سَمِعُوهُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَحْفَظَ قَوْمِهِ لِذَلِكَ فَقَدَّمُوهُ لِيُصَلِّيَ بِهِمْ وَكُنْيَتُهُ أَبُو بُرَيْدٍ - بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِرَاءٍ - وقال أَبُو يَزِيدَ - بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَبِالزَّايِ - وَهُوَ مِنْ بَنِي جَرَمٍ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ إذَا بَلَغَ حَدًّا يَعْقِلُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ لِأَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُمَيِّزًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِمَامَتُهُ وَالتَّمْيِيزُ يَخْتَلِفُ وَقْتُهُ بِاخْتِلَافِ الصِّبْيَانِ فَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ مِنْ سَبْعِ سِنِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَحْصُلُ لَهُ قَبْلَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُمَيِّزُ وَإِنْ بَلَغَ سَبْعًا وَعَشْرًا وَأَكْثَرَ: وَأَمَّا ضَبْطُ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ وَقْتَ صِحَّةِ سَمَاعِ الصَّبِيِّ وَتَمْيِيزِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالُوا الصَّوَابُ يُعْتَبَرُ كُلُّ صَبِيٍّ بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُمَيِّزُ لِدُونِ خَمْسٍ وَقَدْ يَتَجَاوَزُ الْخَمْسَ وَلَا يُمَيِّزُ وَقَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّبِيِّ الْكَافِرِ وَاَلَّذِي لَا يُحْسِنُ الصَّلَاةَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَكُلُّ صَبِيٍّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ صَحَّتْ إمَامَتُهُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ هكذا صححه المحققون ولا يغتر بتصحيح ابن عَصْرُونٍ خِلَافَهُ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتِمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي عَبْدٍ وَمُسَافِرٍ صَلَّيَا الظُّهْرَ ثُمَّ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّ صَلَاتَهُمَا
الثَّانِيَةَ نَافِلَةٌ كَالصَّبِيِّ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ فِيهِمَا وَفِي الصَّبِيِّ أَنَّ الْكَمَالَ مَشْرُوطٌ فِي الْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ فَفِي الْإِمَامِ أَوْلَى وَالصَّحِيحُ الصِّحَّةُ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّفَاقُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَقَدْ ضَبَطَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ الْكَلَامَ فِي إمَامِ الْجُمُعَةِ ضَبْطًا حَسَنًا وَلَخَّصَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لِإِمَامِ الْجُمُعَةِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ عَبْدًا أَوْ مُسَافِرًا فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لَمْ تَصِحَّ وَإِلَّا صَحَّتْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي صِحَّتِهَا وَجْهَانِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ
هذا إذا صليا الجمعة ابتداء فان كان صَلَّيَا ظُهْرَ يَوْمِهِمَا ثُمَّ أَمَّا فِي الْجُمُعَةِ فَهُمَا مُتَنَفِّلَانِ بِهَا فَفِي صِحَّتِهَا خَلْفَهُمَا مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُتَنَفِّلِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا أَوْ مُتَنَفِّلًا فَإِنْ تَمَّ بِهِ الْعَدَدُ لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ الصِّحَّةُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَصِحُّ قَالَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْجَوَازَ فِي الْمُتَنَفِّلِ أَظْهَرُ مِنْهُ فِي الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَلَا نَقْصَ فِيهِ (الثَّالِثُ) أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صُبْحًا أَوْ عَصْرًا فَكَالْمُتَنَفِّلِ وَقِيلَ تَصِحُّ قَطْعًا لِأَنَّهُ يُصَلِّي فَرْضًا وَإِنْ صَلَّوْهَا خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ تَامَّةً وَهِيَ فَرْضُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي تَرْكِهِ الْجُمُعَةَ عُذْرٌ فَهُوَ كَمُصَلِّي فَيَكُونُ فِي صِحَّتِهَا الطَّرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الصِّحَّةُ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ بُعْدَ هَذَا الْبُطْلَانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ صَلَّوْهَا خَلْفَ مُسَافِرٍ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً فَإِنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ صَحَّ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فَكَمَنْ نَوَى الظُّهْرَ تَامَّةً فَتَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صِحَّةِ إمَامَةِ الصَّبِيِّ لِلْبَالِغِينَ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّتُهَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الحسن البصري واسحق ابن رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَهَا عَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَؤُمُّ فِي مَكْتُوبَةٍ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ فِيهِمْ مَنْ يَحْفَظُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ غَيْرُهُ فَيَؤُمُّهُمْ الْمُرَاهِقُ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إنْ اُضْطُرُّوا إلَيْهِ أَمَّهُمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْجَوَازِ أَقُولُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ تَصِحُّ إمَامَةُ الصَّبِيِّ فِي النَّفْلِ دُونَ الْفَرْضِ وَقَالَ دَاوُد لَا تَصِحُّ فِي فَرْضٍ وَلَا نَفْلٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لا تصح في الفرض وفى
والنفل رِوَايَتَانِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَبُو حنيفة ومالك والثوري والاوزاعي واحمد واسحق لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فِي مَكْتُوبَةٍ وَيَجُوزُ فِي النَّفْلِ قَالَ وَرُبَّمَا قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ
* وَاحْتُجَّ بِحَدِيثِ عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ " لَا يَؤُمُّ غُلَامٌ حَتَّى يَحْتَلِمَ " وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ فَأَشْبَهَ الْمَجْنُونَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ مَنْ جَازَتْ إمَامَتُهُ فِي النَّفْلِ جَازَتْ فِي الْفَرْضِ كَالْبَالِغِ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ " أَنَّ الْمُرَادَ رَفْعُ التَّكْلِيفِ وَالْإِيجَابِ لَا نَفْيُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَحَدِيثُ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " أَنَّهُ صَلَّى هُوَ وَالْيَتِيمُ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ الْمَذْكُورُ هُنَا وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ صَحَّ فَمُعَارَضٌ بِالْمَرْوِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مِنْ صِحَّةِ إمَامَةِ الصِّبْيَانِ: وَإِذَا اخْتَلَفَتْ الصَّحَابَةُ لَمْ يُحْتَجَّ بِبَعْضِهِمْ وَيُخَالِفُ الْمَجْنُونَ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ طَهَارَتُهُ وَلَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا صِحَّةُ صَلَاةِ الجمعة خلف المسافر وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ زُفَرَ وَأَحْمَدَ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ وَمَذْهَبُنَا الْمَشْهُورُ صِحَّتُهَا وَرَاءَ الْعَبْدِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أحمد * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ الْكَافِرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أهل الصلاة فَإِنْ تَقَدَّمَ وَصَلَّى بِقَوْمٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إسْلَامًا مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ فُرُوعِ الْإِيمَانِ فَلَا يَصِيرُ بِفِعْلِهِ مُسْلِمًا كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ أَوْ زَكَّى الْمَالَ وَأَمَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ
فَإِنْ عَلِمَ بِحَالِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ صَلَاتَهُ بِصَلَاةٍ بَاطِلَةٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ كَافِرًا
مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ لِأَنَّ عَلَى كُفْرِهِ أَمَارَةً مِنْ الْغِيَارِ وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَلَا تَصِحُّ خَلْفَهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ فِي الائتمام به)
* (الشَّرْحُ) الْأَمَارَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَيُقَالُ الْأَمَارَ بِلَا هاء وهى العلامة علي الشئ وَالْغِيَارُ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ أَحَدٍ مِنْ الْكُفَّارِ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِمْ وَكَذَا الْمُبْتَدِعُ الَّذِي يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ جَاهِلًا بِكُفْرِهِ فَإِنْ كَانَ مُتَظَاهِرًا بِكُفْرِهِ كَيَهُودِيٍّ وَنَصْرَانِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ وَغَيْرِهِمْ لَزِمَهُ إعَادَةُ الصَّلَاةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَلْزَمُهُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِهِ كَمُرْتَدٍّ وَدَهْرِيٍّ وَزِنْدِيقٍ وَمُكَفَّرٍ بِبِدْعَةٍ يُخْفِيهَا وَغَيْرِهِمْ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَوْلِ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ قَلِيلُونَ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَالْمَذْهَبُ الْوُجُوبُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَنْصُوصُ لُزُومُ الْإِعَادَةِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِهِ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَالَ وَغَلِطَ مَنْ لَمْ يُوجِبْ الْإِعَادَةَ وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَصِرْ بِذَلِكَ مُسْلِمًا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَصَرَّحَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إنْ صَلَّى فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ إسْلَامًا وَتَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو اسحق وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ فِي الظَّاهِرِ وَلَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ إذَا صَلَّى حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ الشَّافِعِيِّ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُعْلَمَ أَنَّ هُنَاكَ مُسْلِمًا يَقْصِدُ الِاسْتِهْزَاءَ
وَمُغَايَظَتَهُ بِالصَّلَاةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ثُمَّ حَكَى قَوْلَ أَبِي الطَّيِّبِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْمُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ حَكَوْا قَوْلَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ عَلَى أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَأَنَّ الْمَذْهَبَ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُتَقَدِّمُونَ وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي حَكَاهُ صَاحِبُ التتمة غريب ضعيف: قال أصحابنا وصورة المسلة إذَا صَلَّى وَلَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ الشَّهَادَتَانِ فَإِنْ سُمِعَتَا مِنْهُ
فِي التَّشَهُّدِ أَوْ غَيْرِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ (وَالثَّانِي) لَا يُحْكَمُ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّهَادَتَيْنِ بِاسْتِدْعَاءِ غَيْرِهِ أَوْ بِأَنْ يَقُولَ أُرِيدُ الْإِسْلَامَ ثُمَّ يَأْتِي بِهِمَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ فِي الْآذَانِ أَوْ غَيْرِهِ لَا بَعْدَ اسْتِدْعَاءٍ وَلَا حَاكِيًا وَالصَّحِيحُ الْحُكْمُ بِإِسْلَامِهِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ الْآذَانِ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ غَيْرُهُمْ وَكُلُّهُمْ ذَكَرُوهُمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ أَيْضًا فِي بَابِ الْأَذَانِ وَمَقْصُودِي بِهَذَا أَنَّ بَعْضَ كِبَارِ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَنِّفِينَ نَقَلَهُمَا عَنْ صَاحِبِ الْبَيَانِ مُسْتَغْرَبًا لَهُمَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَإِذَا صَلَّى الْكَافِرُ بِالْمُسْلِمِينَ عُزِّرَ لافساده صلاتهم وتداعيه وَاسْتِهْزَائِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ كَمَا لَوْ صَامَ رَمَضَانَ وَزَكَّى الْمَالَ فَمُرَادُهُ الِاسْتِدْلَال عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله فَإِنَّهُ قَالَ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ إذَا صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ أَوْ فِي مَسْجِدٍ فَأَلْزَمَهُ أَصْحَابُنَا الصَّوْمَ وَالزَّكَاةَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِوُجُوبِ صَوْمٍ أَوْ صَلَاةٍ أَوْ زَكَاةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بِلَا شَهَادَةٍ وَضَابِطُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أن كل ما يصير المسلم كافرا ايجحده يَصِيرُ الْكَافِرُ مُسْلِمًا بِإِقْرَارِهِ بِهِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَا يَصِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْكَافِرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِمُجَرَّدِ الصَّلَاةِ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثور وداود وقال أَبُو حَنِيفَةَ إنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ مُنْفَرِدًا أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ حَجَّ وَطَافَ أَوْ تَجَرَّدَ لِلْإِحْرَامِ وَلَبَّى وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ صَارَ مُسْلِمًا وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا أَوْ خَارِجَ الْمَسْجِدِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّمَا يعمر مساجد الله من آمن بالله) وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَتَعَاهَدُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا
لَهُ بِالْإِيمَانِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم قَالَ " نُهِيتُ عن قتال الْمُصَلِّينَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ: وَالْجَوَابُ عَنْ الْآيَةِ أَنَّ مُجَرَّدَ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ لَيْسَ عِمَارَةً: وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّا لَا نَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ صَلَاتُنَا: وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ ظَاهِرَهُ وَهُوَ مُجَرَّدُ اعْتِيَادِ المساجد غير مراد فلابد فِيهِ مِنْ إضْمَارٍ فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الْكَافِرِ: وَعَنْ الثَّالِثِ أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّ لكان معناه من عرف بالصلاة الصحيحة * قال المصنف رحمه الله
* (وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْفَاسِقِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما صَلَّى خَلْفَ الْحَجَّاجِ مَعَ فِسْقِهِ)
* (الشرح) هذا الحديث ضعيف رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ ورواه الدارقطني مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ مِنْهَا شئ يثبت: وأما صلاة بن عُمَرَ خَلْفَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ فَثَابِتَةٌ فِي صحيح البخاري وغيره وفى الصَّحِيحِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَرَاءَ الْفُسَّاقِ وَالْأَئِمَّةِ الْجَائِرِينَ: قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ وَرَاءَ الْفَاسِقِ صَحِيحَةٌ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لَكِنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وكذا تكره وراءه الْمُبْتَدِعِ الَّذِي لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ وَتَصِحُّ فَإِنْ كَفَرَ بِبِدْعَتِهِ فَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ كَسَائِرِ الْكُفَّارِ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَلَى كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْفَاسِقِ وَالْمُبْتَدِعِ فَإِنْ فَعَلَهَا صَحَّتْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَصِحُّ وَرَاءَ فَاسِقٍ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَشَارِبِ الْخَمْرِ وَالزَّانِي وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إلَى صِحَّتِهَا
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ وَمَنْ لَا يَكْفُرُ تَصِحُّ فَمِمَّنْ يَكْفُرُ مَنْ يُجَسِّمُ تَجْسِيمًا صَرِيحًا وَمَنْ يُنْكِرُ الْعِلْمَ بِالْجُزْئِيَّاتِ وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مُبْتَدِعٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي تَكْفِيرِهِ فَأَطْلَقَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالشَّيْخُ أَبُو حامد الاسفراينى
وَمُتَابِعُوهُ الْقَوْلَ بِأَنَّهُ كَافِرٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ ومتابعوه المعزلة كفار والخوارج ليسوا بكفار ونقل المتولي بتكفير مَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ
يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ (قُلْتُ) وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله أَقْبَلُ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ بِالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ وَلَمْ يَزَلْ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ يَرَوْنَ الصَّلَاةَ وَرَاءَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ وَمُنَاكَحَتَهُمْ وَمُوَارَثَتُهُمْ وَإِجْرَاءَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ وَقَدْ تَأَوَّلَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُحَقِّقِينَ مَا نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ مِنْ تَكْفِيرِ الْقَائِلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ كُفْرَانُ النِّعْمَةِ لا كفران الْخُرُوجِ عَنْ الْمِلَّةِ وَحَمَلَهُمْ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ إجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجَازَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ خَلْفَ مَنْ أَقَامَهَا يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ وَإِنْ كان غير محمود في دينه أن حاله أَبْلَغُ فِي مُخَالَفَةِ حَدِّ الدِّينِ هَذَا لَفْظُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ كَفَرَ بِبِدْعَةٍ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ وَإِلَّا فَتَجُوزُ وَغَيْرُهُ أَوْلَى * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمَرْأَةِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَا تَؤُمَّنَّ الْمَرْأَةُ رَجُلًا " فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهَا وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تدل على انها امرأة فلم يُعْذَرُ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهَا وَلَا تَجُوزُ صَلَاةُ الرَّجُلِ خَلْفَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ امرأة ولا صلاة الخنثى خلف لخنثي لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَأْمُومُ رَجُلًا وَالْإِمَامُ امْرَأَةً)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاةُ رَجُلٍ بَالِغٍ وَلَا صَبِيٍّ خَلْفَ امرأة حكاه عنهم القاضي أبو الطيب والعبد رى وَلَا خُنْثَى خَلْفَ امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْمَرْأَةِ خَلْفَ الْخُنْثَى وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ إمَامَةِ الْمَرْأَةِ لِلرِّجَالِ صَلَاةُ الْفَرْضِ وَالتَّرَاوِيحِ وَسَائِرُ النَّوَافِلِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ رحمهم الله وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ التَّابِعِينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسُفْيَانَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ جَرِيرٍ تَصِحُّ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَرَاءَهَا حَكَاهُ عَنْهُمْ القاضى أبو الطيب والعبد رى وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَرَاءَهَا إلَّا أَبَا ثَوْرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهَا امْرَأَةٌ ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ
الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ خُنْثَى أَوْ خُنْثَى خَلْفَ خُنْثَى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ خُنْثَى ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ فَإِنْ لَمْ يُعِيدَا حَتَّى بَانَ الْخُنْثَى الْإِمَامُ رَجُلًا فَهَلْ تَسْقُطُ الْإِعَادَةُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ لَا تَسْقُطُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ مُقْتَضَى كلام العراقيين قالوا ويجزى الْقَوْلَانِ فِيمَا لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِخُنْثَى فَبَانَ المأموم وَفِيمَا لَوْ اقْتَدَى خُنْثَى بِامْرَأَةٍ فَبَانَ الْخُنْثَى امْرَأَةً وَلَوْ بَانَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ذُكُورَةُ الخنثى الامام أو انوثة الخنثي المصلي خلفت امْرَأَةٍ أَوْ خُنْثَى فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ وَجَوَازِ إتْمَامِهَا الْقَوْلَانِ كَمَا بَعْدَ الْفَرَاغِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَ مَنْ ظَنَّهُ رَجُلًا فَبَانَ خُنْثَى لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ ثُمَّ إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ بِالرَّجُلِ أَوْ الرِّجَالِ فَإِنَّمَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الرِّجَالِ وَأَمَّا صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ مَنْ وَرَاءَهَا مِنْ النِّسَاءِ فَصَحِيحَةٌ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ إلَّا إذَا صَلَّتْ بِهِمْ الْجُمُعَةَ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ وَسَنُوَضِّحُهُمَا فِي مسألة القارئ خلفت الْأُمِّيِّ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهَا
(وَالثَّانِي)
تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَتُجْزِئُهَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وليس بشئ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ الْمُحْدِثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُ غَيْرَ الْجُمُعَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَأَتَمَّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَلَى حَدَثِهِ أَمَارَةٌ فَعُذِرَ فِي صَلَاتِهِ خَلْفَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ لِأَنَّهُ فَقَدَ شَرْطَهَا وَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ صَحَّتْ لِأَنَّ الْعَدَدَ قَدْ وُجِدَ وَحَدَثُهُ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الجماعة كما لا يمنع في سائر الصلوات)
* (الشَّرْحُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ لِمَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ وَالْمُرَادُ مُحْدِثٌ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا مُحْدِثٌ أُذِنَ لَهُ فِيهَا كَالْمُتَيَمِّمِ وَسَلَسِ الْبَوْلِ وَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا تَوَضَّأَتْ أَوْ مَنْ لَا يَجِدُ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَفِي الصَّلَاةِ وَرَاءَهُمْ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ نَذْكُرُهُ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ بِجَنَابَةٍ أَوْ بَوْلٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَأْمُومُ عَالِمٌ بِحَدَثِ الْإِمَامِ أَثِمَ بِذَلِكَ وَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا
بِحَدَثِ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ حَدَثَ الْإِمَامِ لَزِمَهُ مفارقته وأتم صلاته منفردا بانيا على ما صَلَّى مَعَهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْمُتَابَعَةِ لَحْظَةً أَوْ لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ صَلَّى بَعْضَ صَلَاتِهِ خَلْفَ مُحْدِثٍ مَعَ عِلْمِهِ بِحَدَثِهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ إذَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِي الْأَفْعَالِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِمَا وَالْمَحَامِلِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ كِبَارِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى سَلَّمَ مِنْهَا أَجْزَأَتْهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِ نَفْسِهِ أَمْ لَا لِأَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ مِنْ الْمَأْمُومِ فِي الْحَالَيْنِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِ الْبُوَيْطِيِّ قَبْلَ كِتَابِ الْجَنَائِزِ بِأَسْطُرٍ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا صَحَّتْ وَنَقَلَ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ فِيمَا إذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ قَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَقَالَ هُمَا مَنْصُوصَانِ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ أَصْحَابُنَا غَلَطٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ولا
يَخْتَلِفُ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْإِعَادَةَ لَا تَجِبُ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ وَإِنَّمَا حَكَى الشَّافِعِيُّ مَذْهَبَ مَالِكٍ أَنَّهُ إنْ تَعَمَّدَ لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ شَرْحِ التَّلْخِيصِ قَالَ الْقَفَّالُ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَإِنْ تَعَمَّدَ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فِيهَا قَوْلَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنْكَرَ أَصْحَابُنَا عَلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ وَقَالُوا الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ وَإِنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ (قُلْتُ) الصَّوَابُ إثْبَاتُ قَوْلَيْنِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى وُجُوبِ الْإِعَادَةِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَرَأَيْتُ النَّصَّ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْهُ وَنَقَلَهُ أَيْضًا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَهُوَ ثِقَةٌ وَإِمَامٌ فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَوَجَّهَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ بِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَامِدَ لِلصَّلَاةِ محدثا متلاعب ليست أَفْعَالُهُ صَلَاةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَلَا فِي اعْتِقَادِهِ فَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ كَالْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَعْتَقِدُ صَلَاتَهُ صَلَاةً (وَأَمَّا قَوْلُهُمْ) إنَّ الْحَدَثَ يَخْفَى (فَيُجَابُ) عَنْهُ بِأَنَّهُ وَإِنْ خَفِيَ فَتَعَمُّدُ الْإِمَامِ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا نَادِرٌ وَالنَّادِرُ لَا يُسْقِطُ الْإِعَادَةَ وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ إذَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ أَمَّا إذَا بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا فَإِنْ تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ وَإِنْ تَمَّ دُونَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا صَحِيحَةٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ في الام
وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ
(وَالثَّانِي)
فِي صِحَّتِهَا قَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّلْخِيصِ (الْمَنْصُوصُ)
أَنَّهَا صَحِيحَةٌ
(وَالثَّانِي)
خَرَّجَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ عَنْ الْإِمَامِ فِي الْجُمُعَةِ أَنَّهُ تَجِبُ الْإِعَادَةُ وَهَذَا الطَّرِيقُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ لَكِنَّهُ حَكَاهُ وَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ هَذَا الْقَوْلُ خَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ نَسِيَ تَسْبِيحَ الرُّكُوعِ فَرَجَعَ إلَيْهِ لِيُسَبِّحَ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا تُحْسَبُ لَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةُ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْمَاضِي (وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ) فِي التَّنْبِيهِ مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْمُحْدِثِ جَاهِلًا بِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ وَتَجِبُ فِي الْجُمُعَةِ (فَمَحْمُولٌ) عَلَى مَا إذَا تَمَّ الْعَدَدُ بِهِ لِيَكُونَ مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ هُنَا وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ أَدْرَكَ كَمَالَ الصَّلَاةِ أَوْ الرَّكْعَةَ مَعَ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ أَمَّا مَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَأَدْرَكَ الرُّكُوعَ مَعَهُ فَلَا تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّهُ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا يَحْمِلُ عَنْ الْمَسْبُوقِ الْقِيَامَ وَالْقِرَاءَةَ إذَا كَانَا مَحْسُوبَيْنِ لَهُ وَلَيْسَا هُنَا مَحْسُوبَيْنِ لَهُ وَمِثْلُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي رُكُوعِ خَامِسَةٍ قَامَ إلَيْهَا سَاهِيًا الْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُحْسَبُ لَهُ وَقِيلَ تُحْسَبُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مَبْسُوطَةً بِزِيَادَةِ فُرُوعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ صَحِيحَةٌ إذَا جَهِلَ الْمَأْمُومُ حَدَثَهُ وَهَلْ تَكُونُ صَلَاةَ جَمَاعَةٍ أَمْ انْفِرَادٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا أَنَّهَا صَلَاةُ جَمَاعَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهِ هُنَا فِي آخِرِ تَعْلِيلِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ حَدَثُ الْإِمَامِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْجَمَاعَةِ وثبوت حكمها في حق المأموم الجاهل حاله وَلَا يَمْنَعُ نَيْلَ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَلَا غَيْرَهُ مِنْ أَحْكَامِهَا وَدَلِيلُ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ الْمَأْمُومَ يَعْتَقِدُ صَلَاتَهُ جَمَاعَةً وَهُوَ مُلْتَزِمٌ لِأَحْكَامِهَا وَقَدْ بَنَيْنَا الْأَمْرَ عَلَى اعْتِقَادِهِ وَصَحَّحْنَا صَلَاتَهُ اعْتِمَادًا عَلَى اعْتِقَادِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا صَلَاةُ فُرَادَى لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَا تَكُونُ إلَّا بِإِمَامٍ مُصَلٍّ وَهَذَا لَيْسَ مُصَلِّيًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَيُبْنَى عَلَى الْوَجْهَيْنِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) إذَا أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الرُّكُوعِ إنْ قُلْنَا صَلَاتُهُ
جَمَاعَةٌ حُسِبَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ وَإِلَّا فَلَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ وَتَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ إنْ قُلْنَا صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةٌ أَجْزَأَتْ
وَإِلَّا فَلَا (الثَّالِثَةُ) إذَا سَهَا الْإِمَامُ الْمُحْدِثُ ثُمَّ عَلِمُوا حَدَثَهُ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَفَارَقُوهُ أَوْ سَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَسْهُ الْإِمَامُ فَإِنْ قُلْنَا صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةٌ سَجَدُوا لِسَهْوِ الْإِمَامِ لَا لِسَهْوِهِمْ وَإِلَّا سَجَدُوا لِسَهْوِهِمْ لَا لِسَهْوِهِ وَلَا يُتَوَهَّمُ مِنْ هَذَا الْبِنَاءِ تَرْجِيحُ إدْرَاكِ الرَّكْعَةِ لِمُدْرِكِ رُكُوعِ الْإِمَامِ الْمُحْدِثِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي الْبِنَاءِ في اصطلاح الاصحاب بل يكون أَصْلُ الْخِلَافِ فِي مَسَائِلَ مَبْنِيَّاتٍ عَلَى مَأْخَذٍ وَيَخْتَلِفُ التَّرْجِيحُ فِيهَا بِحَسَبِ انْضِمَامِ مُرَجِّحَاتٍ إلَى بعضها دون بعض كما لو قَالُوا إنَّ النَّذْرَ هَلْ يُسْلَكُ بِهِ مَسْلَكَ الْوَاجِبِ أَمْ الْجَائِزِ وَإِنَّ الْإِبْرَاءَ هَلْ هُوَ إسْقَاطٌ أَمْ تَمْلِيكٌ وَإِنَّ الْحَوَالَةَ بَيْعٌ أَمْ اسْتِيفَاءٌ وَإِنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَعَارَةَ لِلرَّهْنِ يَكُونُ مَالِكُهَا مُعِيرًا أَمْ ضَامِنًا وَفَرَّعُوا عَلَى كُلِّ أَصْلٍ مِنْ هَذِهِ مَسَائِلَ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهَا وَسَنُوَضِّحُهَا فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ بَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ فَجُمُعَةُ الْمَأْمُومِينَ صَحِيحَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ لِلْإِمَامِ إعَادَتُهَا لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّتْ جُمُعَةٌ فَلَا تَصِحُّ أُخْرَى بَعْدَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالضَّعِيفِ إنَّهَا لَا تَصِحُّ لَزِمَ الْإِمَامَ وَالْقَوْمَ أَنْ يُعِيدُوا الْجُمُعَةَ وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُتَطَهِّرًا وَالْمَأْمُومُونَ كُلُّهُمْ مُحْدِثِينَ وَقُلْنَا بِالصَّحِيحِ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانُوا عَبِيدًا أَوْ نِسَاءً لِأَنَّ ذَلِكَ سَهْلٌ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ وَكَذَا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَوْ بَانَ الْإِمَامُ وَبَعْضُ الْقَوْمِ مُتَطَهِّرِينَ وَبَعْضُ الْقَوْمِ مُحْدِثِينَ وَلَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمْ فَإِنْ قُلْنَا تَكُونُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً فَلَا إعَادَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَالْمُتَطَهِّرِينَ وَإِلَّا فَعَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ عَلِمَ الْمَأْمُومُ حَدَثَ الْإِمَامِ ثُمَّ لَمْ يُفَارِقْهُ ثُمَّ صَلَّى وَرَاءَهُ نَاسِيًا عِلْمَهُ بِحَدَثِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ لِتَفْرِيطِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ عَلَى ثَوْبِ الْإِمَامِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَيْرُ مَعْفُوٍّ عَنْهَا لَمْ يَعْلَمْ بِهَا الْمَأْمُومُ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا هُوَ كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ النَّجَاسَةِ الْخَفِيَّةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً خفيفة فَهُوَ كَمَنْ بَانَ مُحْدِثًا وَإِنْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فَفِيهِ احْتِمَالٌ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِ مَا يَخْفَى وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا بَانَ كَافِرًا مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ وَهَذَا أَقْوَى وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فِي قَوْلِهِ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ خَلْفَ مُحْدِثٍ وَلَا نَجِسٍ ثُمَّ قَالَ فَإِنْ صَلَّى أَحَدُ هَؤُلَاءِ خَلْفَ أَحَدِ هَؤُلَاءِ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمَ أَعَادَ إلَّا مَنْ صَلَّى خَلْفَ المحدث
*
(فَرْعٌ)
لَوْ بَانَ الْإِمَامُ مَجْنُونًا وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى فَلَوْ كَانَ لَهُ حَالَةُ جُنُونٍ وَحَالَةُ إفَاقَةٍ أَوْ حَالَةُ إسْلَامٍ وَحَالَةُ رِدَّةٍ وَاقْتَدَى بِهِ وَلَمْ يَدْرِ فِي أَيِّ حَالَةٍ كَانَ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مَنْ يَجْهَلُونَ إسْلَامَهُ فَلَا إعَادَةَ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَكَذَا لَوْ شَكُّوا أَمُسْلِمٌ هُوَ أَمْ كَافِرٌ أَجْزَأَتْهُمْ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ إقْدَامَهُ عَلَى الصَّلَاةِ بِهِمْ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى إسْلَامِهِ وَلَمْ يَقَعْ خِلَافُهُ وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ أَسْلَمَ فَقَالَ بَعْدَ الْفَرَاغِ لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ حَقِيقَةً أَوْ قَالَ كُنْتُ أَسْلَمْتُ ثُمَّ ارْتَدَدْتُ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا لِأَنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ صَلَّوْا خَلْفَ مَنْ عَلِمُوهُ كَافِرًا وَلَمْ يَعْلَمُوا إسْلَامَهُ فَبَانَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا قبل الصلاة لزمهم الاعادة بالاتفاق نص عليه فِي الْأُمِّ قَالَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَقْتَدُوا بِهِ حَتَّى يَعْلَمُوا إسْلَامَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ إذَا جَهِلَ الْمَأْمُومُ حَدَثَهُ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيُّ وَحُكِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا وَابْنِ سيرين والشعبي وأبى حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ إنْ تَعَمَّدَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ فَهُوَ فَاسِقٌ فَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ عَلَى مَذْهَبِهِ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَلَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ جُنُبًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا أَعَادَ إنْ عَلِمَ بِذَلِكَ فِي الْوَقْتِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ إلَّا بَعْدَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ وَاحْتُجَّ لِمَنْ قَالَ بِالْإِعَادَةِ بِحَدِيثِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ وَهُوَ جُنُبٌ وَأَعَادَ وَأَعَادُوا " وَعَنْ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن عاصم ابن حَمْزَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه " أَنَّهُ صَلَّى بِالْقَوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ وَأَعَادَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَأَعَادُوا " قَالُوا وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا بَانَ كَافِرًا أَوْ امْرَأَةً أَوْ صَلَّى وَرَاءَهُ عَالِمًا بِحَدَثِهِ وَلِأَنَّ صَلَاتَهُ مُرْتَبِطَةٌ بِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ إذَا سَهَا الْإِمَامُ نُوجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ سُجُودَ السَّهْوِ كَمَا نُوجِبُهُ عَلَى الْإِمَامِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ
أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلُّونَ لَكُمْ فَإِنْ اصابوا فلكم وان أخطوا فَلَكُمْ وَعَلَيْهِمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ أَنْ مَكَانَكُمْ ثُمَّ جَاءَ وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ قَالَ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنِّي كُنْتُ جُنُبًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " حضرو قد أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَعُدِّلَتْ الصُّفُوفُ حَتَّى إذَا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ ذَكَرَ فَانْصَرَفَ وقال لنا مكانكم فلم؟ ؟ ؟ قِيَامًا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا وَقَدْ اغْتَسَلَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً فَكَبَّرَ وَصَلَّى بِنَا " (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُمَا قَضِيَّتَانِ لِأَنَّهُمَا حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهِمَا إذَا أَمْكَنَ وَقَدْ أَمْكَنَ بِحَمْلِهِمَا عَلَى قَضِيَّتَيْنِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا وَالْبَيْهَقِيُّ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً فِي الْمَسْأَلَةِ غير ما ذكرنا أَكْثَرُهَا ضَعِيفَةٌ فَحَذَفَتْهَا: وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي جَابِرٍ الْبَيَاضِيِّ أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ الْبَيَاضِيِّ وَقَالُوا هُوَ مَتْرُوكٌ وَهَذِهِ اللَّفْظَةُ أَبْلَغُ أَلْفَاظِ الْجَرْحِ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ كَذَّابٌ وَعَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ فَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَرْحِ ابْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَتْرُوكٌ رَمَاهُ الْحُفَّاظُ بِالْكَذِبِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَكِيعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ كَذَّابًا فَلَمَّا عَرَفْنَاهُ بِالْكَذِبِ تَحَوَّلَ إلَى مَكَان آخَرَ حَدَّثَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عن عاصم بن حمزة عن علاى أَنَّهُ صَلَّى بِهِمْ وَهُوَ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَأَعَادَ وَأَمَرَهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَفِيهِ ضَعْفٌ مِنْ جِهَةِ انْقِطَاعِهِ أَيْضًا فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالَ لَمْ يَرْوِ حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عَاصِمِ بْنِ حَمْزَةَ شَيْئًا قَطُّ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ قَالَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ قُوَّةٌ لِمَنْ يَقُولُ إذَا صَلَّى الْإِمَامُ مُحْدِثًا يُعِيدُ أَصْحَابُهُ وَالْحَدِيثُ بِأَنْ لَا يُعِيدُوا أُثْبِتَ لِمَنْ أَرَادَ الْإِنْصَافَ بِالْحَدِيثِ وَأَمَّا أَقْيِسَتُهُمْ فَيُجَابُ عَنْهَا بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ لِلسُّنَّةِ فَوَجَبَ رَدُّهَا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ مُقَصِّرٌ فِي الصَّلَاةِ وَرَاءَ كَافِرٍ وَامْرَأَةٍ وَمَنْ عَلِمَ حَدَثَهُ بِخِلَافِ مَنْ جَهِلَ حَدَثَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا تَعَمَّدَ الصَّلَاةَ مُحْدِثًا كَانَ آثِمًا فَاسِقًا وَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ إنْ لَمْ يَسْتَحِلَّهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفُرُ لِتَلَاعُبِهِ وَاسْتِهْزَائِهِ بِالدِّينِ وَدَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الزِّنَا فِي الْمَسْجِدِ وَسَائِرِ الْمَعَاصِي وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ أَنَّهُ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ أَوْ الْمَرْأَةُ الْمُصَلِّيَةُ بِنِسْوَةٍ أَنَّهَا مُنْقَطِعَةُ حَيْضٍ لَمْ تَغْتَسِلْ لَزِمَهَا الْخُرُوجُ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ طَهَارَتِهِ قَرِيبًا أَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا وَمَضَى وَتَطَهَّرَ وَعَادَ وَأَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ وَتَابَعُوهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَلَا يَسْتَأْنِفُونَهَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا أَتَمُّوهَا وَلَا ينتظروه قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَتَمُّوهَا فُرَادَى وَإِنْ شَاءُوا قدموا احدهم يُتِمُّهَا بِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُتِمُّوهَا فُرَادَى قَالَ الْقَاضِي وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ فِي صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ وَإِذَا أَشَارَ إلَيْهِمْ وَالْمَوْضِعُ قَرِيبٌ اُسْتُحِبَّ انْتِظَارُهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَدَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ فَإِنْ لم ينتظروه جاز ثم لهم الانفراد الاستخلاف إذَا جَوَّزْنَاهُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ انْتِظَارُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ رَكْعَةٌ
* (فَرْعٌ)
لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَ السَّكْرَانِ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَغَسَلَ فَاهُ وَمَا أَصَابَهُ وَصَلَّى قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ فَلَوْ سَكِرَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَ الْمَأْمُومَ مُفَارَقَتُهُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يُفَارِقْهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْبُوَيْطِيِّ لَوْ صَلَّى بِهِمْ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ عَامِدًا كَانَ الْإِمَامُ أَوْ سَاهِيًا هَذَا لَفْظُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْإِحْرَامِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى غَالِبًا وَأَمَّا إذَا كَبَّرَ وَتَرَكَ النِّيَّةَ فَيَنْبَغِي أَنْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ لِأَنَّهَا خَفِيَّةٌ فَهِيَ كَالْحَدَثِ بَلْ أَوْلَى بِالْخَفَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا مَعَ إمْكَانِ الْوُضُوءِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ أَتَعَمَّدَ ذلك أم نسيه أم جهله
*
قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز للمتوضئ ان يصلى خلف المتيمم لانه اتى عن طهارته ببدل فهو كمن غسل الرجل
إذا صلي خلف ماسح الخف وفى صلاة الطاهرة خلف المستحاضة وجهان
(أحدهما)
يجوز كالمتوضئ خلف المتيمم (والثاني) لا يجوز لانها لم تأت بطهارة النجس ولا بما يقوم مقامها فهو كالمتوضئ خلف المحدث)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ صَلَاةُ غَاسِلِ الرِّجْلِ خَلْفَ مَاسِحِ الْخُفِّ وَصَلَاةُ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ بِأَنْ تَيَمَّمَ فِي السَّفَرِ أَوْ فِي الْحَضَرِ لِمَرَضٍ وَجِرَاحَةٍ وَنَحْوِهَا وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَ مُتَيَمِّمٍ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ كمتيمم في الحضر ومن لم تجد مَاءً وَلَا تُرَابًا أَوْ أَمْكَنَهُ تَعَلُّمُ الْفَاتِحَةِ فَقَصَّرَ وَصَلَّى لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ أَوْ صَلَّى مَرْبُوطًا عَلَى خَشَبَةٍ أَوْ مَحْبُوسًا فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ أَوْ عَارِيًّا وَقُلْنَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ أَثِمَ وَلَزِمَهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّ صَلَاةَ إمَامِهِ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ وَلَوْ صَلَّى مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا خَلْفَ مِثْلِهِ لَزِمَهُ الْإِعَادَةُ علي الصحيح وفيه وجه حكاه الخراسانيون واما صَلَاةُ الطَّاهِرَةِ خَلْفَ مُسْتَحَاضَةٍ غَيْرِ مُتَحَيِّرَةٍ وَصَلَاةُ سَلِيمٍ خَلْفَ سَلِسِ الْبَوْلِ أَوْ الْمَذْيِ وَمَنْ بِهِ جُرْحٌ سَائِلٌ فَفِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْوَسِيطِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَخَلَائِقُ وَلَا يُغْتَرُّ بِتَصْحِيحِ صَاحِبِ الِانْتِصَارِ خِلَافَهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي كَانَ يَقْطَعُ بِهِ شَيْخِي وَنَقْلُهُ فِي الْمَذْهَبِ الصِّحَّةُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجْهًا وَهُوَ رَكِيكٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاسْتَدَلُّوا لِلصِّحَّةِ مَعَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِالْقِيَاسِ عَلَى مَنْ صَلَّى خَلْفَ مُسْتَجْمِرٍ بِالْأَحْجَارِ أَوْ بِمَنْ عَلَى ثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يُعْفَى عَنْهَا فَإِنَّ اقْتِدَاءَهُ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسْأَلَةِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَوَضِّئِ خَلْفَ الْمُتَيَمِّمِ الَّذِي لَا يَقْضِي وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَنَفَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَالزُّهْرِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يوسف واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَا يَؤُمُّهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمِيرًا أَوْ يَكُونُوا مُتَيَمِّمِينَ مِثْلَهُ قَالَ واجمعوا علي ان المتوضئ يؤم المتيممين
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وَيَجُوزُ لِلْقَائِمِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْقَاعِدِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى جَالِسًا وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامٌ " وَيَجُوزُ لِلرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ الْمُومِئِ إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ ان يأتم بالعاجز عنه كالقيام)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الظُّهْرِ يَوْمَ السبت أو الاحد توفى صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الِاثْنَيْنِ رَوَاهُ البيهقي وقول الصنف رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ الْعَجْزُ عَنْ طَهَارَةِ الْحَدَثِ أَوْ النَّجَسِ لَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ اقْتِدَاءُ الْقَارِئِ بِالْأُمِّيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ مَعَ أَنَّهُ رُكْنٌ عَجَزَ عَنْهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ رُكْنٌ فِعْلِيٌّ لِيَحْتَرِزَ عَنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ لِلْقَادِرِ عَلَى الْقِيَامِ الصَّلَاةُ وَرَاءَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ وَلِلْقَاعِدِ وَرَاءَ الْمُضْطَجِعِ وَلِلْقَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وراء المومئ بهما ولايجوز للقادر على كل شئ مِنْ ذَلِكَ مُوَافَقَةُ الْعَاجِزِ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ أَوْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ وَلَا خلاف في شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ الْقِيَامَ اسْتِخْلَافُ مَنْ يُصَلِّي بِالْجَمَاعَةِ قَائِمًا كَمَا اسْتَخْلَفَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم لان فِيهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ مَنَعَ الِاقْتِدَاءَ بالقاعد ولان الْقَائِمَ أَكْمَلُ وَأَقْرَبُ إلَى إكْمَالِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الشَّافِعِيِّ حَيْثُ قَالَ يُسْتَحَبُّ لَهُ الِاسْتِخْلَافُ مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَّ قَاعِدًا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ وَكَانَ الِاسْتِخْلَافُ أَكْثَرَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَتِهِ وَأَمَّ قَاعِدًا فِي بَعْضِ الصَّلَوَاتِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ (الْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ قَاعِدًا أَفْضَلُ مِنْهَا خَلْفَ غَيْرِهِ قَائِمًا بِدَرَجَاتٍ بخلاف غيره
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْقَائِمِ خَلْفَ الْقَاعِدِ الْعَاجِزِ وَأَنَّهُ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ وَرَاءَهُ قُعُودًا وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَالْحُمَيْدِيُّ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ واحمد واسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ تَجُوزُ صَلَاتُهُمْ وَرَاءَهُ قُعُودًا وَلَا تَجُوزُ قِيَامًا وَقَالَ مَالِكٌ
فِي رِوَايَةٍ وَبَعْضُ أصحابه تَصِحُّ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ قَاعِدًا مُطْلَقًا
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ قال تَصِحُّ الصَّلَاةُ مُطْلَقًا بِحَدِيثٍ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا يَؤُمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا " وَاحْتَجَّ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ مِثْلَهُ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه أَنْ يُصَلِّيَ بِالنَّاسِ فَلَمَّا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ نَفْسِهِ خِفَّةً فَقَامَ يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَرِجْلَاهُ يَخُطَّانِ فِي الْأَرْضِ فَجَاءَ فَجَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ جَالِسًا وَأَبُو بَكْرٍ قَائِمًا يَقْتَدِي أَبُو بَكْرٍ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَقْتَدِي النَّاسُ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْإِمَامَ لِأَنَّهُ جَلَسَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ وَلِقَوْلِهِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَلِقَوْلِهِ يَقْتَدِي بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَأَبُو بَكْرٍ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ " وَقَوْلُهُ يُسْمِعُهُمْ التَّكْبِيرَ يَعْنِي أَنَّهُ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ إذَا كَبَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا فَعَلَهُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ضَعِيفَ الصَّوْتِ حِينَئِذٍ بِسَبَبِ الْمَرَضِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " أَنَّ النبي صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ إلَى جَنْبِ أَبِي
بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قَاعِدٌ " وَرَوَيَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ الْإِمَامَ وَأَبُو بَكْرٍ يَقْتَدِي بِهِ وَيُسْمِعَ النَّاسَ التَّكْبِيرَ وَهَكَذَا رَوَاهُ مُعْظَمُ الرُّوَاةِ: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ صَرِيحَةٌ فِي نَسْخِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ " فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ قَبْلَ هَذَا بِزَمَانٍ حِين آلَى مِنْ نِسَائِهِ وَقَدْ رُوِيَ مِنْ رِوَايَاتٍ قَلِيلَةٍ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرِهِ " أَنَّ النَّبِيَّ
صلى الله عليه وسلم صَلَّى فِي مَرَضِ وَفَاتِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي وَهُوَ قَائِمٌ بِصَلَاةِ رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد " وَرَوَيْنَاهُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ: وَأَجَابَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْهَا إنْ صَحَّتْ فَإِنَّهَا كَانَتْ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَاءَ أَبِي بَكْرٍ وَمَرَّةً أَبُو بَكْرٍ وَرَاءَهُ وَيَحْصُلُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَادِرِ وَرَاءَ الْقَاعِدِ لَا تَجُوزُ إلَّا قَائِمًا: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " لَا يُؤَمَّنَّ أَحَدٌ بَعْدِي جَالِسًا " فَقَالَ الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَئِمَّةِ هُوَ مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ وان جابر الْجُعْفِيَّ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَرَدِّ رِوَايَاتِهِ قَالُوا وَلَا يَرْوِيه غَيْرُ الْجُعْفِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله قَدْ عَلِمَ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حُجَّةٌ وَأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ وَلِأَنَّهُ عَنْ رَجُلٍ يَرْغَبُ النَّاسُ عَنْ الرِّوَايَةِ عَنْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صَلَاةِ الرَّاكِعِ وَالسَّاجِدِ خَلْفَ الْمُومِئِ إلَيْهَا: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهَا وبه قال زفر
* وقال بو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَفِي صَلَاةِ الْقَارِئِ خَلْفَ الْأُمِّيِّ وَهُوَ مَنْ لا يحس الفاتحة أو خلف الارت والا لثغ قولان (احدهما) تجوز لِأَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَجَازَ لِلْقَادِرِ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتَمَّ بِالْعَاجِزِ عَنْهُ كَالْقِيَامِ (وَالثَّانِي) لَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ أَنْ يَحْمِلَ قِرَاءَتَهُ وَهُوَ يَعْجَزُ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَ لِلتَّحَمُّلِ كَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ إذَا عَجَزَ عَنْ تحمل اعباء الامة)
* (الشرح) الاعبا - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ - جمع عبء - بكسر العين واسكان الباء بعدها همزة - كحمل واحمال والعبء الثِّقَلُ وَالْأَعْبَاءُ الْأَثْقَالُ وَقَوْلُهُ عَجَزَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - يَعْجِزُ - بِكَسْرِهَا - وَيَجُوزُ عَكْسُهُ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَقَوْلُهُ رُكْنٌ احْتِرَازٌ مِنْ الشَّرْطِ وَهُوَ إذَا لم يجد
مَاءً وَلَا تُرَابًا وَصَلَّى بِحَالِهِ وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ عَجَزَ عَنْ إزَالَتِهَا فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِمَا (وَقَوْلُهُ) الْأَرَتُّ هُوَ مَنْ يُدْغِمُ حَرْفًا فِي حَرْفٍ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْإِدْغَامِ والا لثغ من يبدل حرفا بحرف كالراء بالغين والشين بِالثَّاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ اصحابنا الامي من لَا يُحْسِنُ الْفَاتِحَةَ بِكَمَالِهَا سَوَاءٌ كَانَ
لَا يَحْفَظُهَا أَوْ يَحْفَظُهَا كُلَّهَا إلَّا حَرْفًا أَوْ يُخَفِّفُ مُشَدَّدًا لِرَخَاوَةٍ فِي لِسَانِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ لِخَرَسٍ أَوْ غَيْرِهِ فهذا الامي والارت والا لثغ إنْ كَانَ تَمَكَّنَ مِنْ التَّعَلُّمِ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ بَاطِلَةٌ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ كَانَ لِسَانُهُ لَا يُطَاوِعُهُ أَوْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ قَبْلَ ذَلِكَ فَصَلَاتُهُ فِي نَفْسِهِ صَحِيحَةٌ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ مَنْ هُوَ فِي مِثْلِ حَالِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَإِنْ اقْتَدَى بِهِ قَارِئٌ لَا يَحْفَظُ الفاتحة كلها أو يحفظ منا شَيْئًا لَا يَحْفَظُهُ الْأُمِّيُّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ وَثَالِثٌ مُخَرَّجٌ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ (وَالْقَدِيمُ) إنْ كَانَتْ صَلَاةً جَهْرِيَّةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ كَانَتْ سِرِّيَّةً صَحَّتْ (وَالثَّالِثُ) المخرج خرجه أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَحَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْهُ وَعَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُفْهَمُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَاحْتَجُّوا لِلْقَدِيمِ بِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَمَّلُ عَنْ الْمَأْمُومِ الْقِرَاءَةَ فِي الْجَهْرِيَّةِ عَلَى الْقَدِيمِ هَكَذَا ذَكَرَ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَصْحَابُهُ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (الْجَدِيدُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَالْقَدِيمُ يَصِحُّ وَهَذَا نَقْلٌ فَاسِدٌ عَكْسُ الْمَذْهَبِ فَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَاتَّفَقَ الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُ الِاقْتِدَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَ الْمُزَنِيّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ صِحَّتَهُ مُطْلَقًا وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَقَتَادَةَ وَاحْتُجَّ لَهُمْ بالقياس على العجز عن القيام كما ذكره الْمُصَنِّفُ وَفَرَّقَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِيَامِ لَيْسَ بِنَقْصٍ وَجَهْلُ الْقِرَاءَةِ نَقْصٌ فَهُوَ كَالْكُفْرِ وَالْأُنُوثَةِ وَلِأَنَّ الْقِيَامَ يَعُمُّ الْبَلْوَى بِالْعَجْزِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَقْوَالَ الثَّلَاثَةَ جَارِيَةٌ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمَأْمُومُ أَنَّ الْإِمَامَ أُمِّيٌّ أَمْ جَهِلَ ذَلِكَ
هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي فَقَالَ الْأَقْوَالُ إذَا كَانَ جَاهِلًا وَإِنْ عَلِمَ لَمْ تَصِحَّ قَطْعًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَلَوْ حَضَرَ رَجُلَانِ كُلُّ وَاحِدٍ يَحْفَظُ نِصْفَ الْفَاتِحَةِ فَقَطْ فَإِنْ اتَّفَقَا فِي نِصْفٍ مُعَيَّنٍ جَازَ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ حَفِظَ أَحَدُهُمَا النِّصْفَ الْأَوَّلَ وَالْآخَرُ الْآخَرَ فَأَيُّهُمَا صَلَّى خَلْفَ صَاحِبِهِ فَهُوَ قَارِئٌ خَلْفَ أُمِّيٍّ وَهَذَا يُفْهَمُ مِمَّا قَدَّمْتُهُ لَكِنْ أَفْرَدَتْهُ بِالذِّكْرِ كَمَا أَفْرَدَهُ الْأَصْحَابُ وَلِيُتَنَبَّهَ لَهُ وَلَوْ صَلَّى مَنْ لَا يَحْفَظُ الْفَاتِحَةَ لَكِنَّهُ يَحْفَظُ سَبْعَ آيَاتٍ
غَيْرَهَا خَلْفَ مَنْ لَا يَحْفَظُ قُرْآنًا بَلْ يُصَلِّي بِالْأَذْكَارِ فَهُوَ صلاة قارى خَلْفَ أُمِّيٍّ خَرَّجَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اقْتَدَى أَرَتٌّ بِأَلْثَغَ فَهُوَ قَارِئٌ خَلْفَ أُمِّيٍّ لِأَنَّهُ يُحْسِنُ شَيْئًا لَا يُحْسِنُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ أُمِّيٍّ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَكَذَا الْمَأْمُومُونَ الْأُمِّيُّونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ وَالْأُمِّيِّ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ خَلْفَ قَارِئٍ فَبَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِتَرْكِ قِرَاءَةٍ قَدَرَ عَلَيْهَا: وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَجُوزُ اقْتِدَاؤُهُ فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ كَمَا لَوْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ بِرِجَالٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا قُلْنَا بِسَبَبِ اقْتِدَاءِ الْمَأْمُومِ لِئَلَّا يُورِدُوا مَا إذَا صَلَّتْ الْمَرْأَةُ الْجُمُعَةَ بِرِجَالٍ فَإِنَّ فِيهَا وَجْهَيْنِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ تَعْلِيقِهِ (أَرْجَحُهُمَا) تَبْطُلُ صَلَاتُهَا (وَالثَّانِي) تَنْعَقِدُ ظُهْرًا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ مِنْ تَعْلِيقِهِ فَعَلَى هذا لا يصلح الْإِيرَادُ (وَإِنْ قُلْنَا) تَبْطُلُ فَمَا بَطَلَتْ لِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ بَلْ لِعَدَمِ شَرْطِ الْجُمُعَةِ وَهُوَ إمَامَةُ رَجُلٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْأُصُولَ الْمُقَرَّرَةَ مُتَّفِقَةً عَلَى أَنَّ الْفَسَادَ لَا يَتَعَدَّى مِنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَى الْمَأْمُومِ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا قَالُوهُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ أَمْكَنَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ عِنْدَنَا تَجِبُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْمَأْمُومِ وَلِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْأَخْرَسِ إذَا أَمَّ نَاطِقًا فَإِنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَهُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ وَيُنْتَقَضُ بِالْأُمِّيِّ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ قَارِئٍ فَصَلَّى مُنْفَرِدًا صَحَّتْ بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَحَنَ فِي الْقِرَاءَةِ كُرِهَتْ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا فَإِنْ كَانَ لَحْنًا لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى كَرَفْعِ الْهَاءِ مِنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ كَانَتْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ من اقتدى به وان كان لحنا بغير الْمَعْنَى كَضَمِّ التَّاءِ مِنْ أَنْعَمْتَ أَوْ كَسْرِهَا أَوْ يُبْطِلُهُ بِأَنْ يَقُولَ (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِينَ) فَإِنْ كَانَ لِسَانُهُ يُطَاوِعُهُ وَأَمْكَنَهُ التَّعَلُّمُ فَهُوَ مُرْتَكِبٌ لِلْحَرَامِ وَيَلْزَمُهُ الْمُبَادَرَةُ بِالتَّعَلُّمِ فَإِنْ قَصَّرَ وَضَاقَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَيَقْضِي
وَلَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَاوِعْهُ لِسَانُهُ أَوْ لَمْ يَمْضِ مَا يُمْكِنُ التَّعَلُّمُ فيه فصلاة مِثْلِهِ خَلْفَهُ صَحِيحَةٌ وَصَلَاةُ صَحِيحِ اللِّسَانِ خَلْفَهُ كَصَلَاةِ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَصَلَاةُ كُلِّ أَحَدٍ خَلْفَهُ لِأَنَّ تَرْكَ السُّورَةِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَلَا يُمْنَعُ الِاقْتِدَاءُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قِيلَ لَيْسَ لِهَذَا
اللَّاحِنِ قِرَاءَةٌ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ مِمَّا يَلْحَنُ فِيهِ لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا لَيْسَ قُرْآنًا بِلَا ضَرُورَةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيِّ وَلَوْ صَلَّى الْقَارِئُ خَلْفَ مَنْ يَنْطِقُ بِالْحَرْفِ بَيْنَ حَرْفَيْنِ كَقَافٍ غَيْرِ خَالِصَةٍ بَلْ مُتَرَدِّدَةٍ بَيْنَ كَافٍ وَقَافٍ صَحَّتْ صَلَاتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهَذَا الْحَرْفِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ نَحْوَ كَلَامِ الْبَنْدَنِيجِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اقْتَدَى قَارِئٌ بِمَنْ ظَنَّهُ قَارِئًا فَبَانَ أُمِّيًّا وَقُلْنَا لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْقَارِئِ خَلْفَ أُمِّيٍّ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الجمهور وسوا كَانَتْ صَلَاةً سِرِّيَّةً أَوْ جَهْرِيَّةً وَلَوْ اقْتَدَى بمن لا يعرف حاله فِي صَلَاةٍ جَهْرِيَّةٍ فَلَمْ يَجْهَرْ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا قُلْنَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَارِئًا لَجَهَرَ فَلَوْ سَلَّمَ وَقَالَ أَسْرَرْتُ وَنَسِيتُ الْجَهْرَ لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ لَكِنْ قَالُوا تُسْتَحَبُّ وَلَوْ بَانَ أُمِّيًّا فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَقُلْنَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِلَّا فَكَالْمُحْدِثِ فَيَنْوِي مُفَارَقَتَهُ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَلَّى صَلَاةً سِرِّيَّةً خَلْفَ من لا يعرف حاله فِي الْقِرَاءَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الام * قال المصنف رحمه الله
* (وَيَجُوزُ أَنْ يَأْتَمَّ الْمُفْتَرِضُ بِالْمُتَنَفِّلِ وَالْمُفْتَرِضُ بِمُفْتَرِضٍ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَنَّ مُعَاذًا رضي الله عنه " كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عشاء الْآخِرَةَ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمَهُ فِي بَنِي سَلِمَةَ فَيُصَلِّيَ بِهِمْ " هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ فَرِيضَةُ الْعِشَاءِ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ يَقَعُ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ وَذَلِكَ يَكُونُ مَعَ اخْتِلَافِ النِّيَّةِ فَأَمَّا إذَا صَلَّى الْكُسُوفَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الصُّبْحَ وَالصُّبْحَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْكُسُوفَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِائْتِمَامُ بِهِ مَعَ اخْتِلَافِ الْأَفْعَالِ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ العلماء وَبَنُو سَلِمَةَ - بِكَسْرِ اللَّامِ - قَبِيلَةٌ مَعْرُوفَةٌ مِنْ الانصار وقوله عشاء الْآخِرَةَ هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَيَجُوزُ تَسْمِيَتُهَا عِشَاءَ الْآخِرَةِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ الْمَوَاقِيتِ وَلَكِنَّ قَوْلَهُ عِشَاءَ الْآخِرَةِ مِنْ بَابِ إضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إلَى صِفَتِهِ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ بِغَيْرِ تَقْدِيرٍ وَيَصِحُّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ بِتَقْدِيرٍ محذوف ومنه قوله تعالي (ولدار الاخرة وبجانب الْغَرْبِيِّ أَيْ دَارُ الْحَيَاةِ) الْآخِرَةِ وَجَانِبُ الْمَكَانِ الغرب
: أما أحكام الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاةُ النَّفْلِ خَلْفَ الْفَرْضِ وَالْفَرْضِ خَلْفَ النَّفْلِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ
فَرِيضَةٍ خَلْفَ فَرِيضَةٍ أُخْرَى تُوَافِقُهَا فِي الْعَدَدِ كَظُهْرٍ خَلْفَ عَصْرٍ وَتَصِحُّ فَرِيضَةٌ خَلْفَ فَرِيضَةٍ أَقْصَرُ مِنْهَا وَكُلُّ هَذَا جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا ثُمَّ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الصُّبْحِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ الْمَأْمُومُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمَسْبُوقِ وَيُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقُنُوتِ وَلَوْ أَرَادَ مُفَارَقَتَهُ عِنْدَ اشْتِغَالِهِ بِالْقُنُوتِ جَازَ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ المغرب جاز بالاتفاق وَيَتَخَيَّرُ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ بَيْنَ مُفَارَقَتِهِ لِإِتْمَامِ مَا عَلَيْهِ وَبَيْنَ الِاسْتِمْرَارِ مَعَهُ حَتَّى يُسَلِّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ يَقُومَ الْمَأْمُومُ إلَى رَكْعَتِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْقُنُوتِ وَالِاسْتِمْرَارُ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ رَكَعَاتِ الْمَأْمُومِ أَقَلَّ كَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ أَوْ خَلْفَ الْمَغْرِبِ أَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ رُبَاعِيَّةٍ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ جَوَازَهُ كَعَكْسِهِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
بُطْلَانُهُ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ الِاقْتِدَاءِ فَفَرَغَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى مَا بَقِيَ عَلَيْهِ فَالْمَأْمُومُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ فَارَقَهُ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ وَالْأَفْضَلُ انْتِظَارُهُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ مَعَهُ فِي الثَّانِيَةِ بِأَنْ وَقَفَ الْإِمَامُ يسيرا اقنت وَإِلَّا فَلَا وَلَهُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مُتَابَعَتِهِ لِيَقْنُتَ وَإِذَا صَلَّى الْمَغْرِبَ خَلْفَ الظُّهْرِ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّابِعَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ بَلْ يُفَارِقُهُ وَيَتَشَهَّدُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يُطَوِّلَ التَّشَهُّدَ وَيَنْتَظِرَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَهُ ذَلِكَ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ خَلْفَ الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُحْدِثُ تَشَهُّدًا وَجُلُوسًا لَمْ يَفْعَلْهُ الْإِمَامُ وَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ جَازَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ إلَى رَكْعَتَيْهِ الْبَاقِيَتَيْنِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا مُنْفَرِدًا فَلَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى أُخْرَيَيْنِ مِنْ التَّرَاوِيحِ فَنَوَى الِاقْتِدَاءَ بِهِ ثَانِيًا فِي رَكْعَتَيْهِ فَفِي جَوَازِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ الْأَصَحُّ الصِّحَّةُ وَقَدْ سَبَقَتْ مَسْأَلَةُ الْعِشَاءِ خَلْفَ التَّرَاوِيحِ هَذَا كُلُّهُ إذَا اتَّفَقَتْ الصَّلَاتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ فَلَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ اقْتَدَى مَنْ يُصَلِّي كُسُوفًا أَوْ جِنَازَةً بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ غَيْرَهَا أَوْ عَكْسَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا تَصِحُّ لِتَعَذُّرِ الْمُتَابَعَةِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الْقَفَّالِ
لِإِمْكَانِ الْمُتَابَعَةِ فِي الْبَعْضِ فَعَلَى هَذَا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الْجِنَازَةِ لَا يُتَابِعُهُ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَالْأَذْكَارِ بَيْنَهَا بَلْ إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ تَخَيَّرَ الْمَأْمُومُ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ الْمُتَابَعَةِ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ وَإِذَا اقْتَدَى بِمُصَلِّي الْكُسُوفِ تَابَعَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ ثُمَّ إنْ شَاءَ رَفَعَ رَأْسَهُ مَعَهُ وَفَارَقَهُ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا انْتَظَرَهُ فِي الرُّكُوعِ لِيَعُودَ الْإِمَامُ إلَيْهِ وَيَعْتَدِلَ مَعَهُ عَنْ رُكُوعِهِ الثَّانِي وَلَا يَنْتَظِرُهُ بَعْدَ الرَّفْعِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَطْوِيلِ الرُّكْنِ الْقَصِيرِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الْكُسُوفِ تَابَعَهُ فِيهِ وَصَلَّى مَعَهُ تِلْكَ الرَّكْعَةَ وَيَرْكَعُ مَعَهُ الرُّكُوعَ الْأَوَّلَ مِنْ
الثَّانِيَةِ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ قَالَ وَإِذَا أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ كَانَ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ لِأَنَّهُ رُكُوعٌ مَحْسُوبٌ لِلْإِمَامِ أَمَّا إذَا صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ الْعِيدِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ كَصَلَاتِهِ خَلْفَ الْكُسُوفِ لِمَا فِيهِمَا مِنْ زِيَادَاتِ التَّكْبِيرَاتِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ تَصِحُّ قَطْعًا لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ بِخِلَافِ الْجِنَازَةِ فَإِنَّ تَكْبِيرَاتِهَا أَرْكَانٌ فَهِيَ كَاخْتِلَافِ الْأَفْعَالِ (فَإِذَا قُلْنَا) بِالصِّحَّةِ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ وَلَا يَخْلُ تَرْكُهَا بِالْمُتَابَعَةِ فَإِنْ كَبَّرَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ الْأَذْكَارَ لَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَلَوْ صَلَّى الْعِيدَ خَلْفَ مُصَلِّي الصُّبْحِ الْمَقْضِيَّةِ جَازَ وَيُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اخْتِلَافِ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُ صَلَاةِ الْمُتَنَفِّلِ وَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَمُفْتَرِضٍ فِي فَرْضٍ آخَرَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ: قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهُوَ مَذْهَبُ دَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ نَفْلٌ خَلْفَ فَرْضٍ وَلَا فَرْضٌ خَلْفَ نَفْلٍ وَلَا خَلْفَ فَرْضٍ آخَرَ قَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو قِلَابَةَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ: وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يجوز الفرض خلف نفل وَلَا فَرْضٍ آخَرَ وَيَجُوزُ النَّفَلُ خَلْفَ فَرْضٍ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ مِثْلُهُ
* وَاحْتَجَّ لِمَنْ مَنَعَ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ مُعَاذًا " كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِشَاءَ الْآخِرَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى
قَوْمِهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ مُعَاذٌ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِشَاءَ ثُمَّ يَطْلُعُ إلَى قَوْمِهِ فَيُصَلِّيهَا لَهُمْ " هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ بِهَذَا اللَّفْظِ الشَّافِعِيِّ في الام ومسنده ثم قال حَدِيثٌ ثَابِتٌ لَا أَعْلَمُ حَدِيثًا يُرْوَى مِنْ طَرِيقٍ وَاحِدٍ أَثْبَتَ مِنْ هَذَا وَلَا أَوْثَقَ يَعْنِي رِجَالًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَبُو عاصم النبل وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ كَرِوَايَةِ شَيْخِ الشَّافِعِيِّ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ قَالَ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا كَانَ مَوْصُولًا بِالْحَدِيثِ فَهُوَ مِنْهُ لَا سِيَّمَا إذَا رُوِيَ مِنْ وَجْهَيْنِ إلَّا أَنْ تَقُومَ دَلَالَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةٌ مِنْ قَوْلِ جَابِرٍ وَكَانَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَ بِاَللَّهِ وَأَخْشَى لَهُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا مِثْلَ هَذَا إلَّا بِعِلْمٍ وَحِينَ حَكَى الرَّجُلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فعل
مُعَاذٍ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ إلَّا التَّطْوِيلَ (فَإِنْ قَالُوا) لَعَلَّ مُعَاذًا كَانَ يُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَافِلَةً وَبِقَوْمِهِ فَرِيضَةً (فَالْجَوَابُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذَا مخالف لصريح الرواية (الثانية) الزِّيَادَةُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا هِيَ لَهُ تَطَوُّعٌ وَلَهُمْ مَكْتُوبَةُ الْعِشَاءِ صَرِيحٌ فِي الْفَرِيضَةِ وَلَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى تَطَوُّعٍ (الثَّالِثُ) جَوَابُ الشَّافِعِيِّ وَالْخَطَّابِيِّ وَأَصْحَابِنَا وَخَلَائِقَ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِمُعَاذٍ مَعَ كَمَالِ فِقْهِهِ وَعُلُوِّ مَرْتَبَتِهِ أَنْ يَتْرُكَ فِعْلَ فَرِيضَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي مَسْجِدِهِ وَالْجَمْعَ الْكَثِيرَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى كِبَارِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَيُؤَدِّيهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَيَسْتَبْدِلَ بِهَا نَافِلَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ كَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ مُعَاذًا يَجْعَلُ صَلَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّتِي لَعَلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً مَعَهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا فِي عُمُرِهِ لَيْسَتْ مَعَهُ وَفِي الْجَمْعِ الْكَثِيرِ نَافِلَةً (الرَّابِعُ) جواب الخطابي وغيره لا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِمُعَاذٍ أَنَّهُ يَشْتَغِلُ بَعْدَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولاصحابه بِنَافِلَةٍ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فلا صلاة إلا المكتوبة " وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى أَنْ قَالَ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ قَالَ " صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَوْفٍ الظُّهْرَ فَصَفَّ بَعْضَهُمْ خَلْفَهُ وَبَعْضَهُمْ بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَانْطَلَقَ الَّذِينَ صَلَّوْا مَعَهُ فَوَقَفُوا مَوْقِفَ أَصْحَابِهِمْ ثُمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّوْا خَلْفَهُ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَكَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا وَلِأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى صَلَاةِ الْمُتِمِّ خَلْفَ الْقَاصِرِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فِي الْأَفْعَالِ لَا فِي النِّيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا " إلَى آخِرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ لِأَنَّ الْإِمَامَ شَرْطٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ فَتَصِيرُ كَالْجُمُعَةِ بغير امام: ومن اصحابنا من قال يجوز كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ خَلْفَ
مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَفِي فِعْلِهَا خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّهُمَا مُتَّفِقَتَانِ فِي الْأَفْعَالِ الظَّاهِرَةِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْجُمُعَةِ الْإِمَامَ وَالْإِمَامُ لَيْسَ مَعَهُمْ فِي الْجُمُعَةِ)
* (الشَّرْحُ) هَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ سَبَقَ شَرْحُهُمَا وَفَرْعُهُمَا فِي أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ (وَالصَّحِيحُ) صِحَّةُ الْجُمُعَةِ خَلْفَ الظُّهْرِ وَخَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ وَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِقَوْمٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَرْفَعُ اللَّهُ صَلَاتَهُمْ فَوْقَ رؤوسهم فَذَكَرَ فِيهِ رَجُلًا أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَكْرَهُهُ الْأَقَلُّ لَمْ يكره أن يؤمهم لان أحد لا يخلو ممن يكرهه
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثَةٌ لا ترفع صلاتهم فوق رؤوسهم شِبْرًا رَجُلٌ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَامْرَأَةٌ
بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ وَأَخَوَانِ مُتَصَارِمَانِ " وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَنْهَا سَاخِطٌ وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثَلَاثَةٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُمْ صَلَاةً مَنْ تَقَدَّمَ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَرَجُلٌ أَتَى الصَّلَاةَ دِبَارًا - وَالدِّبَارُ الَّذِي يَأْتِيهَا بَعْدَ أن تفوته - ورجل اعتبد محرره " وفى رواية البيهقى والدبارأن يأتي بعد فوت الْفَوْتِ وَلَكِنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَالدِّبَارُ - بِكَسْرِ الدَّالِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ الدِّبَارُ هُوَ أَنْ يَعْتَادَ حُضُورَ الصَّلَاةَ بَعْدَ فراغ الناس قال واعتباد المحررة أن يعتقه ثم يكتم عنقه وَيُنْكِرَهُ وَيَحْبِسَهُ بَعْدَ الْعِتْقِ وَيَسْتَخْدِمَهُ كُرْهًا
* أَمَّا أَحْكَامُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا رحمهم الله يُكْرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمًا وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ وَلَا يُكْرَهُ إذَا كَرِهَهُ الْأَقَلُّ وَكَذَا إذَا كَرِهَهُ نِصْفُهُمْ لَا يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ فَإِنَّهُمْ خَصُّوا الْكَرَاهَةَ بِكَرَاهَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا
تُكْرَهُ إمَامَتُهُ إذَا كَرِهُوهُ لِمَعْنًى مَذْمُومٍ شَرْعًا كَوَالٍ ظَالِمٍ وَكَمَنْ تَغَلَّبَ عَلَى إمَامَةِ الصَّلَاةِ ولا يستحقها أولا يَتَصَوَّنُ مِنْ النَّجَاسَاتِ أَوْ يَمْحَقُ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ أَوْ يَتَعَاطَى مَعِيشَةً مَذْمُومَةً أَوْ يُعَاشِرُ أَهْلَ الْفُسُوقِ وَنَحْوَهُمْ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يكن شئ مِنْ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ وَالْعَتْبُ عَلَى مَنْ كَرِهَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَةٌ عَنْ الْقَفَّالِ أَنَّهُ قَالَ إنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِقَوْمٍ وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ إذَا لَمْ يُنَصِّبْهُ السُّلْطَانُ فَإِنَّ نَصَّبَهُ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ وَحَيْثُ قُلْنَا بِالْكَرَاهَةِ فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِمَامِ أَمَّا الْمَأْمُومُونَ الَّذِينَ يَكْرَهُونَهُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُمْ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا
كَرِهَ حُضُورَهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْحُضُورُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ
لِأَنَّهُمْ لَا يَرْتَبِطُونَ بِهِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُوَلِّيَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى جَيْشٍ أَوْ قَوْمٍ رَجُلًا يَكْرَهُهُ أَكْثَرُهُمْ وَلَا يُكْرَهُ إنْ كَرِهَهُ أَقَلُّهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صاحبا الشامل والتتمة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشيطان ")
* (الشَّرْحُ) الْمُرَادُ بِالْكَرَاهَةِ كَرَاهَةُ تَحْرِيمِ هَذَا إذَا خَلَا بِهَا: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا أَمَّ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ أَوْ مَحْرَمٍ لَهُ وَخَلَا بِهَا جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهَا فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ أَمَّ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَخَلَا بِهَا حَرُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ أَمَّ بِأَجْنَبِيَّاتٍ وَخَلَا بِهِنَّ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ بِالْجَوَازِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْعِدَدِ عَنْ أَصْحَابِنَا وَدَلِيلُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلِأَنَّ النِّسَاءَ الْمُجْتَمِعَاتِ لَا يَتَمَكَّنُ فِي الْغَالِبِ الرَّجُلُ مِنْ مَفْسَدَةٍ بِبَعْضِهِنَّ فِي حَضْرَتِهِنَّ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ فِي كِتَابِهِ فِي الْخَنَاثَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ خَوْفًا مِنْ مَفْسَدَةٍ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ في
فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْحَجِّ فِي مَسَائِلِ اسْتِطَاعَةِ الْحَجِّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ بِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ إلَّا أَنْ يكون فيهن محرم له أو زوجة وقطع بانه يحرم خلوة رجل بِنِسْوَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِيهِنَّ مَحْرَمٌ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَإِنْ خَلَا رَجُلَانِ أَوْ رِجَالٌ بِامْرَأَةٍ فَالْمَشْهُورُ تَحْرِيمُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَقَعُ اتِّفَاقُ رِجَالٍ عَلَى فَاحِشَةٍ بِامْرَأَةٍ وَقِيلَ إنْ كَانُوا مِمَّنْ تَبْعُدُ مُوَاطَأَتُهُمْ عَلَى الْفَاحِشَةِ جَازَ وَعَلَيْهِ يَتَأَوَّلُ حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْآتِي وَالْخُنْثَى مَعَ امْرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَمَعَ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ وَمَعَ رَجُلٍ كَامْرَأَةٍ وَمَعَ رِجَالٍ كَذَلِكَ ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَمَلًا بِالِاحْتِيَاطِ وَقِيَاسًا عَلَى مَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ فِي مَسْأَلَةِ نَظَرِ الْخُنْثَى كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِي الْخَلْوَةِ بِهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْخَلْوَةُ بِهِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَحْرُمُ النَّظَرُ إلَيْهِ وَإِذَا حَرُمَ النَّظَرُ
فَالْخَلْوَةِ أَوْلَى فَإِنَّهَا أَفْحَشُ وَأَقْرَبُ إلَى الْمَفْسَدَةِ وَالْمَعْنَى الْمَخُوفُ فِي الْمَرْأَةِ مَوْجُودٌ: وَأَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَمِنْهَا ما روى عَنْ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ قَالَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ الْحَمُو قَرَابَةُ الزَّوْجِ وَالْمُرَادُ هُنَا قَرِيبٌ تَحِلُّ لَهُ كَأَخٍ الزَّوْجِ وَعَمِّهِ وَابْنِهِمَا وَخَالِهِ وَغَيْرِهِمْ وَأَمَّا أَبُوهُ وَابْنُهُ وَجَدُّهُ فَهُمْ مَحَارِمٌ تَجُوزُ لَهُمْ الْخَلْوَةُ وَإِنْ كَانُوا مِنْ الْأَحْمَاءِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَخْلُوَنَّ أَحَدُكُمْ بِامْرَأَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا سِرًّا عَلَى مَغِيبَةٍ إلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ اثْنَانِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمَغِيبَةُ - بِكَسْرِ الْغَيْنِ - الَّتِي زَوْجُهَا غَائِبٌ وَالْمُرَادُ هُنَا غَائِبٌ عَنْ بَيْتِهَا وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلْدَةِ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ - وَفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ - تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السَّلْقِ فَتَطْرَحُهُ فِي الْقِدْرِ وَتُكَرْكِرُ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَهَذَا قَدْ يَمْنَعُ دَلَالَتَهُ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِيهِمْ مَحْرَمٌ لَهَا وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالْخَلْوَةِ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَ الْأَجْنَبِيَّةِ مَعَ وُجُودِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُسْتَحَى مِنْهُ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا
عَنْ ذَلِكَ كَابْنِ سَنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَوُجُودُهُ كَالْعَدَمِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا فَرْقَ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا كَمَا سَبَقَ وَيَسْتَوِي فِيهَا الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا كُلِّهِ مَوَاضِعُ الضَّرُورَةِ بِأَنْ يَجِدَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً مُنْقَطِعَةً فِي بَرِيَّةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيُبَاحُ لَهُ استصحابها بل يجب عليه إذَا خَافَ عَلَيْهَا لَوْ تَرَكَهَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْرَمَ الَّذِي يَجُوزُ الْقُعُودُ مَعَهَا بِوُجُودِهِ يَسْتَوِي فِيهِ مَحْرَمُهُ وَمَحْرَمَهَا وَفِي مَعْنَاهُ زَوْجُهَا وَزَوْجَتُهُ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَيُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ خَلْفَ التِّمْتَامِ وَالْفَأْفَاءِ لِمَا يزيد ان فِي الْحُرُوفِ فَإِنْ صَلَّى خَلْفَهُمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ لانها زيادة وهو مغلوب عليها)
*
(الشَّرْحُ) التِّمْتَامُ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ وَالْفَأْفَاءُ - بِالْهَمْزَةِ بين الفائين وَبِالْمَدِّ - هُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ وَرَاءَهُمَا وَتَصِحُّ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْأَعْرَابِيِّ لِلْقَرَوِيِّ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الصَّلَاةَ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ واسحق وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَكَرِهَهُ أَبُو مِجْلَزٍ وَمَالِكٌ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ وَأَفْقَهُهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَؤُمَّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَكْثَرُهُمْ قِرَاءَةً فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْدَمُهُمْ هجزة فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ سِنًّا " وَكَانَ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قراءة اكثرهم فقها لانهم كانوا يقرؤن الآية ويتعلمون احكامها ولان الصلاة يفتقر صححتها الي القراءة والفقه فقدم اهلهما فَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ الْفِقْهِ قُدِّمَ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ زَادَ أَحَدُهُمَا فِي الْفِقْهِ وَزَادَ الْآخَرُ فِي الْقِرَاءَةِ فَالْأَفْقَهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ رُبَّمَا حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ حَادِثَةٌ يَحْتَاجُ إلَى الِاجْتِهَادِ فَإِنَّ اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُقَدَّمُ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً ثُمَّ الْأَسَنُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ قَدَّمَ الْهِجْرَةَ عَلَى السِّنِّ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الشَّرَفَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْهِجْرَةِ فَإِذَا قُدِّمَتْ الْهِجْرَةُ عَلَى
السِّنِّ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَيْهِ الشَّرَفُ أَوْلَى وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ يُقَدَّمُ الْأَسَنُّ ثُمَّ الْأَشْرَفُ ثُمَّ الْأَقْدَمُ هِجْرَةً لِمَا رَوَى مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " وَلِأَنَّ الْأَكْبَرَ أَخْشَعُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى وَالسِّنُّ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّقْدِيمُ السِّنُّ فِي الْإِسْلَامِ فَأَمَّا إذَا شَاخَ فِي الْكُفْرِ ثُمَّ أَسْلَمَ لَمْ يُقَدَّمْ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ وَالشَّرَفُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ بِهِ التَّقْدِيمُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُرَيْشٍ وَالْهِجْرَةُ أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ مِنْ أَوْلَادِهِمْ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ أَحْسَنُهُمْ صُورَةً وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ احسنهم ذكرا)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِاللَّفْظِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُنَا وَاسْمُ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةُ بن عمر والانصاري سَكَنَ بَدْرًا وَلَمْ يَشْهَدْهَا فِي قَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ الْمُحَمَّدُونَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بن اسحق صَاحِبُ الْمَغَازِي وَمُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ شَهِدَهَا وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي وَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْأَسْبَابُ الْمُرَجِّحَةُ فِي الْإِمَامَةِ سِتَّةٌ الْفِقْهُ وَالْقِرَاءَةُ وَالْوَرَعُ وَالسِّنُّ وَالنَّسَبُ وَالْهِجْرَةُ قَالُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْوَرَعِ مُجَرَّدَ الْعَدَالَةِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ بَلْ مَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ حُسْنِ السِّيرَةِ وَالْعِفَّةِ وَمُجَانَبَةِ الشُّبُهَاتِ وَنَحْوِهَا وَالِاشْتِهَارِ بِالْعِبَادَةِ وَأَمَّا السِّنُّ فَالْمُعْتَبَرُ سِنٌّ مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ أَسْلَمَ قَرِيبًا عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَحُجَّتُهُ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ فِي حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ فَأَقْدَمُهُمْ إسْلَامًا بَدَلُ سِنًّا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الشَّيْخُوخَةُ بَلْ يُعْتَبَرُ تَفَاوُتُ السِّنِّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَشَارَ بَعْضُهُمْ إلَى اعْتِبَارِهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَأَمَّا النَّسَبُ فَنَسَبُ قُرَيْشٍ مُعْتَبَرٌ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُعْتَبَرُ غَيْرُ قُرَيْشٍ وَأَصَحُّهُمَا يُعْتَبَرُ كُلُّ نَسَبٍ يُعْتَبَرُ فِي الْكَفَاءَةِ كَالْعُلَمَاءِ وَالصُّلَحَاءِ فَعَلَى هَذَا يُقَدَّمُ الْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ عَلَى سَائِرِ قُرَيْشٍ وَيَتَسَاوَيَانِ هُمَا فَيُقَدَّمُ سَائِرُ قُرَيْشٍ عَلَى سَائِرِ الْعَرَبِ وَسَائِرُ الْعَرَبِ عَلَى
الْعَجَمِ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ لِاعْتِبَارِ النَّسَبِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ وَارِدًا فِي الْخِلَافَةِ فَيُسْتَنْبَطُ منه امامة الصلاة وأما الهجرة فيقدم
(1) هذه الاحاديث تقدم سياقها من الشرح
*
من جاهر إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ وَمَنْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَتْ وَكَذَا الْهِجْرَةُ بَعْدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُعْتَبَرَةٌ هَكَذَا وَأَوْلَادُ من جاهر أَوْ تَقَدَّمَتْ هِجْرَتُهُ يُقَدَّمُونَ عَلَى غَيْرِهِمْ هَذَا جُمْلَةُ الْقَوْلِ فِي التَّرْجِيحِ فَإِنْ اخْتَصَّ
وَاحِدٌ بِأَحَدِ الْأَسْبَابِ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْبَاقِينَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قُدِّمَ الْمُخْتَصُّ وَيُقَدَّمُ مَنْ لَهُ فِقْهٌ وَقِرَاءَةٌ عَلَى مَنْ لَهُ أَحَدُهُمَا وَكَذَا مَنْ لَهُ ثَلَاثَةُ أَسْبَابٍ أَوْ أَكْثَرُ عَلَى مَنْ دُونَهُ وَإِنْ تَعَارَضَتْ الْأَسْبَابُ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَفْقَهَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَقْرَأِ وَالْأَوْرَعِ وَغَيْرِهِمَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) الْأَقْرَأُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَبِهِ قال الثوري واحمد واسحق (وَالثَّالِثُ) يَسْتَوِي الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ وَلَا تَرْجِيحَ لِتَعَادُلِ الْفَضِيلَتَيْنِ فِيهِمَا وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ (وَالرَّابِعُ) يُقَدَّمُ الْأَوْرَعُ عَلَى الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ وَغَيْرِهِمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي لِأَنَّ مُعْظَمَ مَقْصُودِ الصَّلَاةِ الْخُشُوعُ وَالْخُضُوعُ وَالتَّدَبُّرُ وَرَجَاءُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ إلَى هَذَا وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ فَهُوَ عَارِفٌ بِالْوَاجِبِ مِنْهَا وَالْفِقْهُ يَعْرِفُ مِنْهُ الْمُحْتَاجَ إلَيْهِ غَالِبًا أَمَّا مَا يَخَافُ حُدُوثَهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَهْمٍ يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ كَثِيرٍ فَأَمْرٌ نَادِرٌ لَا يَفُوتُ مَقْصُودُ الْوَرَعِ بِأَمْرٍ مُتَوَهَّمٍ (وَالْخَامِسُ) أَنَّ السِّنَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِقْهِ وَغَيْرِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلِ وَإِذَا اسْتَوَيَا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ فَفِيهِ طُرُقٌ (أَحَدُهَا) قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ يُقَدَّمُ السِّنُّ وَالنَّسَبُ عَلَى الْهِجْرَةِ فَإِنْ تَعَارَضَ سِنٌّ وَنَسَبٌ كَشَابٍّ قُرَشِيٍّ وَشَيْخٍ غَيْرِ قُرَشِيٍّ فَالْجَدِيدُ تَقْدِيمُ الشَّيْخِ وَالْقَدِيمُ الشَّابِّ وَاخْتَارَ جَمَاعَةٌ هَذَا الْقَدِيمَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَجَزَمَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ يُقَدَّمُ الْهِجْرَةُ عَلَى النَّسَبِ وَالسِّنِّ وَأَيُّهُمَا يُقَدَّمُ فِيهِ الْقَوْلَانِ
(وَالثَّالِثُ) وَهِيَ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ وَآخَرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) يُقَدَّمُ السِّنُّ ثُمَّ النَّسَبُ ثُمَّ الْهِجْرَةُ (وَالْقَدِيمُ) يُقَدَّمُ النَّسَبُ ثُمَّ الْهِجْرَةُ ثُمَّ السِّنُّ وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ الْقَدِيمَ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ الْهِجْرَةِ ثُمَّ السِّنِّ لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ وَأَمَّا حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ فَإِنَّمَا كَانَ خِطَابًا لَهُ وَلِرُفْقَتِهِ وَكَانُوا فِي النَّسَبِ وَالْهِجْرَةِ وَالْإِسْلَامِ مُتَسَاوِينَ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي الْفِقْهِ وَالْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَإِنَّهُمْ هَاجَرُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقَامُوا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً فَصَحِبُوهُ صُحْبَةً وَاحِدَةً وَاشْتَرَكُوا فِي الْمُدَّةِ وَالسَّمَاعِ وَالرُّؤْيَةِ فَالظَّاهِرُ تَسَاوِيهِمْ فِي جَمِيعِ الْخِصَالِ إلَّا السِّنَّ فَلِهَذَا قَدَّمَهُ وَهَذِهِ قَضِيَّةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ لِمَا
ذَكَرْتُهُ أَوْ هُوَ مُتَعَيَّنٌ فَلَا يُتْرَكُ حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ الصَّرِيحُ الْمَسُوقُ لِبَيَانِ التَّرْجِيحِ بِهَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ تَسَاوَيَا فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ السِّتِّ قُدِّمَ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ عَلَى الْأَوْسَاخِ وَبِطِيبِ الصَّنْعَةِ وَحُسْنِ الصَّوْتِ وَشِبْهِهَا مِنْ الْفَضَائِلِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ أَحْسَنُهُمْ فَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وَقِيلَ أَحْسَنُهُمْ ذِكْرًا هَكَذَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَانِ التَّقْسِيمَانِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا (أَصَحُّهُمَا) الثَّانِي وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُقَدَّمُ بِنَظَافَةِ الثَّوْبِ ثُمَّ حُسْنِ الصَّوْتِ ثُمَّ حُسْنِ الصُّورَةِ وَالْمُخْتَارُ تَقْدِيمُ أَحْسَنِهِمْ ذِكْرًا ثُمَّ أَحْسَنِهِمْ صَوْتًا ثُمَّ حَسَنِ الْهَيْئَةِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا أَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَمْرِو بْنِ أَخْطَبَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا كَانُوا ثَلَاثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ عز وجل فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا فَإِنْ كَانُوا فِي السِّنِّ سَوَاءً فَأَحْسَنُهُمْ وَجْهًا " وينكر عن الْمُصَنِّفِ كَوْنُهُ حَكَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا وَحَكَى الشيخ بو حَامِدٍ وَجْهًا أَنَّهُ يُقَدَّمُ الْأَحْسَنُ وَجْهًا عَلَى الْأَوْرَعِ وَالْأَكْثَرِ طَاعَةً وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ جِدًّا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا تَسَاوَيَا كُلِّ وَجْهٍ وَسَمَحَ أَحَدُهُمَا بِتَقْدِيمِ الْآخَرِ وَإِلَّا اقرع والله اعلم
*
قال المصنف رحمه الله
* (وَإِذَا اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ فَصَاحِبُ الْبَيْتِ أَوْلَى مِنْهُمْ لِمَا رَوَى أَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي أَهْلِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ وَلَا يَجْلِسُ علي تكرمته إلَّا بِإِذْنِهِ " فَإِنْ حَضَرَ مَالِكُ الدَّارِ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَالْمُسْتَأْجِرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ فِي الْمَنَافِعِ وَإِنْ حَضَرَ سَيِّدُ الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ فِي دَارٍ جَعَلَهَا لِسُكْنَى الْعَبْدِ فَالسَّيِّدُ أَوْلَى لِأَنَّهُ هُوَ الْمَالِكُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ غَيْرُ السَّيِّدِ مَعَ الْعَبْدِ فِي الدَّارِ فَالْعَبْدُ أَحَقُّ بِالتَّصَرُّفِ وَإِنْ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ فَإِمَامُ الْمَسْجِدِ أَوْلَى لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما " كَانَ لَهُ مَوْلًى يُصَلِّي فِي مَسْجِدٍ فَحَضَرَ فَقَدَّمَهُ مَوْلَاهُ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنْتَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ فِي مَسْجِدَكَ " وَإِنْ اجْتَمَعَ إمَامُ الْمُسْلِمِينَ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ أَوْ مَعَ إمَامِ الْمَسْجِدِ فَالْإِمَامُ أَوْلَى لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ وَلِأَنَّهُ رَاعٍ وَهُمْ رَعِيَّتُهُ فَكَانَ تَقْدِيمُ الراعى أولي)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي مَسْعُودٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتَّكْرِمَةُ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَهِيَ مَا يَخْتَصُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ فِرَاشٍ وَوِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ: قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَقِيلَ هِيَ الْمَائِدَةُ وَرَوَى مُسْلِمٌ لَا يُؤَمَّنَّ وَلَا يُجْلَسُ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتَ الْمَضْمُومَةِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبِالْمُثَنَّاةِ فَوْقَ الْمَفْتُوحَةِ عَلَى الْخِطَابِ: وَأَمَّا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ (وَقَوْلُهُ) اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ مَعَ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَمَعَ الْعَبْدِ وَأَشْبَاهِهِ هَذَا مِمَّا أَنْكَرَهُ الْحَرِيرِيُّ فِي دُرَّةِ الْغَوَّاصِ: وَقَالَ لَا يَجُوزُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَإِنَّمَا يُقَالُ اجْتَمَعَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ: وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ اجْتَمَعَ فُلَانٌ مَعَ فُلَانٍ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي تَهْذِيبِ اللُّغَاتِ: قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا حَضَرَ الْوَالِي فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ قُدِّمَ عَلَى جَمِيعِ الْحَاضِرِينَ فَيُقَدَّمُ عَلَى الافقه والاقراء
وَالْأَوْرَعِ وَعَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ إذَا أَذِنَ صَاحِبُ الْبَيْتِ وَنَحْوُهُ فِي إقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي مِلْكِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ الْوَالِي قَدَّمَ من شاء من يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَهُ فَاخْتَصَّ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّقْدِيمِ: قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَيُرَاعَى فِي الْوُلَاةِ تَفَاوُتُ الدَّرَجَةِ فَالْإِمَامُ الْأَعْظَمُ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ ثُمَّ الْأَعْلَى فَالْأَعْلَى مِنْ الْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا أَنَّ الْمَالِكَ أَوْلَى مِنْ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا: وَلَوْ اجْتَمَعَ قوم لاوالى مَعَهُمْ فِي مَوْضِعٍ فَإِنْ كَانَ مَسْجِدًا فَإِمَامُهُ أَحَقُّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَسْجِدٍ أَوْ كَانَ مَسْجِدًا لَيْسَ فِيهِ إمَامٌ فَسَاكِنُ الْمَوْضِعِ بِحَقٍّ اولى بالتقديم والتقدم مِنْ الْأَفْقَهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ سَكَنَهُ بِمِلْكٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ عَارِيَّةٍ أَوْ أَسْكَنَهُ سَيِّدُهُ وَلَوْ حَضَرَ شَرِيكَانِ فِي الْبَيْتِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَالْمُسْتَعِيرُ مِنْ الْآخَرِ لَمْ يَتَقَدَّمْ غَيْرُهُمَا إلَّا بِإِذْنِهِمَا وَلَا أَحَدُهُمَا إلَّا بِإِذْنِ الْآخَرِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا أَحَدُهُمَا فَهُوَ أَحَقٌّ حَيْثُ يَجُوزُ انْتِفَاعُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الْمَالِكُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) تَقْدِيمُ الْمُسْتَأْجِرِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
الْمَالِكُ أَحَقُّ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ إنَّمَا يَمْلِكُ السُّكْنَى حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْمُعِيرُ وَالْمُسْتَعِيرُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ والجمهور المعير احق (والثاني) المتسعير أَحَقُّ لِأَنَّهُ السَّاكِنُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ حَضَرَ السيد وعبده الساكن فالسيد أولى بالاتفاق لما ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ سَوَاءٌ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي
التِّجَارَةِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ حَضَرَ السَّيِّدُ وَالْمُكَاتَبُ فِي دَارِ المكاتب فالمكاتب أولي والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
(وَإِنْ اجْتَمَعَ مُسَافِرٌ وَمُقِيمٌ فَالْمُقِيمُ أَوْلَى لِأَنَّهُ إذَا تَقَدَّمَ الْمُقِيمُ أَتَمُّوا كُلُّهُمْ فَلَا يَخْتَلِفُونَ وإذا تقدم المسافر اختلفوا وَإِنْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ فَالْحُرُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ مَوْضِعُ كَمَالٍ وَالْحُرُّ أَكْمَلُ: وَإِنْ اجْتَمَعَ فَاسِقٌ وَعَدْلٌ فَالْعَدْلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلَدُ زِنًا وَغَيْرُهُ فَغَيْرُهُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُجَاهِدٌ وَإِنْ اجْتَمَعَ بَصِيرٌ وَأَعْمَى فَالْمَنْصُوصُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ فِي الْأَعْمَى فَضِيلَةً وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَرَى مَا يُلْهِيهِ وَفِي الْبَصِيرِ فَضِيلَةً وَهُوَ أَنَّهُ يَجْتَنِبُ النجاسة وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْأَعْمَى أَوْلَى وَعِنْدِي أَنَّ الْبَصِيرَ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَجْتَنِبُ النَّجَاسَةَ الَّتِي تُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَالْأَعْمَى يترك النظر الي ما يلهيه ويفسد الصلاة به)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كُلُّهَا كَمَا قَالَهَا فِي الْأَحْكَامِ وَالدَّلَائِلِ إلَّا أَنَّ مَسْأَلَةَ الْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى فِيهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا وَجْهَيْنِ وَاخْتَارَ الثَّالِثَ لِنَفْسِهِ وَهُوَ تَرْجِيحُ الْبَصِيرِ وَجَعَلَهُ اخْتِيَارًا لَهُ وَلَمْ يَحْكِهِ وَجْهًا لِلْأَصْحَابِ وَهُوَ وَجْهٌ حَكَاهُ شَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْبَصِيرَ وَالْأَعْمَى سَوَاءٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ
وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي إمَامَةِ الْأَعْمَى لِلْبُصَرَاءِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُقَدَّمُ الْعَدْلُ عَلَى فَاسِقٍ أَفْقَهُ وَأَقْرَأَ مِنْهُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَرَاءَ الْفَاسِقِ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْبَالِغُ أَوْلَى مِنْ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ أَفْقَهَ وَأَقْرَأَ لِأَنَّ صَلَاةَ الْبَالِغِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى الْمُحَافَظَةِ عَلَى حُدُودِهَا وَلِأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَلَوْ اجْتَمَعَ صَبِيٌّ حُرٌّ وَبَالِغٌ عَبْدٌ فَالْعَبْدُ أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ وَعَبْدٌ فَقِيهٌ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَالْبَصِيرِ وَالْأَعْمَى (الصَّحِيحُ) تَسَاوِيهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحُرَّةُ أَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُهَا سَتْرُ رَأْسِهَا
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ الْمُقِيمَ أَوْلَى مِنْ الْمُسَافِرِ فَلَوْ صَلَّى الْمُسَافِرُ بِمُقِيمٍ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَهَلْ هُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يُكْرَهُ وَفِي الْإِمْلَاءِ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ نهى
شَرْعِيٌّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ السُّلْطَانُ أو نائبه كَانَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ مَحْمُولٌ عَلَى إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ السُّلْطَانُ وَلَا نَائِبُهُ (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِمَامَةُ مَنْ لَا يُعْرَفُ أَبُوهُ كامامة ولد الزنا فيكون خلاف الْأَوْلَى وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هِيَ مَكْرُوهَةٌ (فَرْعٌ)
الْخَصِيُّ وَالْمَجْبُوبُ كَالْفَحْلِ فِي الْإِمَامَةِ لَا فَضِيلَةَ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) الِاقْتِدَاءُ بِأَصْحَابِ الْمَذَاهِبِ الْمُخَالِفِينَ بِأَنْ يَقْتَدِيَ شَافِعِيٌّ بِحَنَفِيٍّ أَوْ مَالِكِيٍّ لَا يَرَى قِرَاءَةَ الْبَسْمَلَةِ فِي الْفَاتِحَةِ وَلَا إيجَابَ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا تَرْتِيبَ الْوُضُوءِ وَشِبْهَ ذَلِكَ وَضَابِطُهُ أَنْ تَكُونَ صَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةً فِي اعْتِقَادِهِ دُونَ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ أَوْ عَكْسِهِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الْفُرُوعِ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) الصِّحَّةُ مُطْلَقًا قَالَهُ
الْقَفَّالُ اعْتِبَارًا بِاعْتِقَادِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَصِحُّ اقتداؤه مطلقا قاله أبو اسحق الاسفرايني لِأَنَّهُ وَإِنْ أَتَى بِمَا نَشْتَرِطُهُ وَنُوجِبُهُ فَلَا يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَتَى بِمَا نَعْتَبِرُهُ نَحْنُ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ تَرَكَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ شَكَكْنَا فِي تَرْكِهِ لَمْ يَصِحَّ (وَالرَّابِعُ) وَهُوَ الاصح وبه قال أبو اسحق المروزى والشيخ أبو حامد الاسفراينى والبندنيجى والقاضي أبى الطيب والاكثرون ان تحققنا تركه لشئ نَعْتَبِرُهُ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِنْ تَحَقَّقْنَا الْإِتْيَانَ بِجَمِيعِهِ أَوْ شَكَكْنَا صَحَّ وَهَذَا يَغْلِبُ اعْتِقَادَ الْمَأْمُومِ هَذَا حَاصِلُ الْخِلَافِ فَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ مَسَّ حَنَفِيٌّ امْرَأَةً أَوْ تَرَكَ طُمَأْنِينَةً أَوْ غَيْرَهَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الشَّافِعِيِّ بِهِ عِنْدَ الْقَفَّالِ وَخَالَفَهُ الْجُمْهُورُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ علي وجه لا يعتقده والشافعي
يعتقده بِأَنْ احْتَجَمَ أَوْ افْتَصَدَ وَصَلَّى صَحَّ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَخَالَفَهُمْ الْقَفَّالُ وَقَالَ الْأَوْدَنِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ الامامان الجليلان من أصحابنا لوام وَلِيُّ الْأَمْرِ أَوْ نَائِبُهُ وَتَرَكَ الْبَسْمَلَةَ وَالْمَأْمُومُ يَرَى وُجُوبَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ خَلْفَهُ عَالِمًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا وَلَيْسَ لَهُ الْمُفَارَقَةُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْفِتْنَةِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ وَلَوْ صلي
حَنَفِيٌّ خَلْفَ شَافِعِيٍّ عَلَى وَجْهٍ لَا يَعْتَقِدُهُ الْحَنَفِيُّ بِأَنْ افْتَصَدَ فَفِيهِ الْخِلَافُ إنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا صَحَّحْنَا اقْتِدَاءَ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَصَلَّى شَافِعِيٌّ الصُّبْحَ خَلْفَ حَنَفِيٍّ وَمَكَثَ الْإِمَامُ بَعْدَ الرُّكُوعِ قَلِيلًا وَأَمْكَنَ الْمَأْمُومَ الْقُنُوتُ قَنَتَ وَإِلَّا تَابَعَهُ وَتَرَكَ الْقُنُوتَ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ اعْتِبَارُ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ لَمْ يَسْجُدْ وَلَوْ صَلَّى الْحَنَفِيُّ خَلْفَ الشَّافِعِيِّ الصُّبْحَ فَتَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ تَابَعَهُ الْمَأْمُومُ فَإِنْ تَرَكَ الْإِمَامُ السُّجُودَ سَجَدَ الْمَأْمُومُ إنْ اعْتَبَرْنَا اعْتِقَادَ الْإِمَامِ وَإِلَّا فَلَا (الثَّانِيَةُ) لَوْ صَلَّتْ الْأَمَةُ مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ بِحَرَائِرَ مُسْتَتِرَاتٍ صَحَّتْ صلاة الجميع لان رأسها ليس بِعَوْرَةٍ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) لَا تُكْرَهُ إمَامَةُ الْعَبْدِ لِلْعَبِيدِ وَلَا لِلْأَحْرَارِ وَلَكِنَّ الْحُرَّ أَوْلَى هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ التَّابِعِيُّ تُكْرَهُ إمَامَتُهُ مُطْلَقًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وقال الضحاك تكره امامته للاحرار ولا يكره للعبيد (الرابعة) قال أبو الطيب لا يكره أن يؤم قوما فيهم أبوه أو أخ له اكبر منه هذا مذهبنا وقال عطاء لا يكره (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ غَيْرُ وَلَدِ الزِّنَا أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ مِنْهُ وَلَا يُقَال إنَّهُ مَكْرُوهٌ وأما قول الشيخ ابى حامد والعبد رى إنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَسَاهُلٌ مِنْهُ فِي تَسْمِيَتِهِ مَكْرُوهًا وَكَرِهَهُ مُجَاهِدٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ إمَامًا رَاتِبًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا بَأْسَ بِهِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عَائِشَةُ أَمُّ المؤمنين وعطاء الحسن وَالزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَسُلَيْمَانُ بْنُ موسى والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وداود وابن المنذر
*
(باب موقف الامام والمأموم)
* قال المصنف رحمه الله
* (السنة أن يقف الرجل الواحد عن يمين الامام لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قال " بت
عند خالتي ميمونة فَقَامَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه " فان وقف عن يساره رجع إلى يمينه فان لم يحسن علمه الامام كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بابن عباس فان جاء آخر أحرم عن يساره ثم يتقدم الامام أو يتأخر المؤمومان لما روى جابر قال " قمت عن يسار رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بيدى فادارني حتى أقامنى عن يمينه وجاء جبار بن صخر حتى قام عن يسار رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخَذَ بأيدينا جميعا فدفعنا حتى اقامنا خلفه ولانه قبل أن يحرم الثاني يتغير موقف الاول ولا يزول عن موضعه فان حضر رجلان اصطفا خلفه لحديث جابر وان حضر رجل وصبى اصطفا خلفه لما روى أنس قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلي بنا ركعتين " وان حضر رجال وصبيان يقدم الرجال لقوله صلي الله عليه وسلم " ليليني منكم اولوا الاحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " فان كانت معهم امرأة وقفت خلفهم لحديث انس وان كان معهم خنثى وقف الخنثى خلف الرجال والمرأة خلف الخنثى لانه يجوز أن يكون امرأة فلا يقف مع الرجال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ البخاري ومسلم وحديث " ليلينى منكم أولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ الْبَدْرِيِّ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لِيَلِيَنِي " ضَبَطْنَاهُ فِي صَحِيحِ مسلم علي وجهين (احدهما) ليلينى بَعْدَ اللَّامِ نُونٌ مُخَفَّفَةٌ لَيْسَ بَيْنَهُمَا يَاءٌ
(وَالثَّانِي)
لِيَلِيَنِّي بِزِيَادَةِ يَاءٍ مَفْتُوحَةٍ وَتَشْدِيدِ النُّونِ فَهَذَانِ الْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَرَوَوْهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِهِمَا وَرُبَّمَا قَرَأَهُ بَعْضُ النَّاسِ بِإِسْكَانِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ فَاسِدٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةُ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " اولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى " مَعْنَاهُ الْبَالِغُونَ الْعُقَلَاءُ الْكَامِلُونَ فِي الْفَضِيلَةِ (قَوْلُهُ) عَنْ يَسَارِهِ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَعَكَسَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالصِّبْيَانُ بِكَسْرِ الصَّادِ عَلَى
الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ دُرَيْدٍ كَسْرَهَا وَضَمَّهَا وَالْعَجُوزُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ هِيَ أَمُّ سُلَيْمٍ كَذَا جَاءَ
مُبَيَّنًا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ وَالْيَتِيمُ اسْمُهُ ضُمَيْرَةُ بْنُ سَعْدٍ الْحِمْيَرِيُّ الْمَدَنِيُّ وَجَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ - بِجِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَبَّارِ بْنِ صَخْرِ بْنِ أُمَيَّةَ الْأَنْصَارِيُّ السُّلَمِيُّ - بِفَتْحِ السِّينِ وَاللَّامِ - الْمَدَنِيُّ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَسَائِرَ الْمَشَاهِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ ثَلَاثِينَ رضي الله عنه: أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ رَجُلًا كَانَ أَوْ صَبِيًّا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْ مُسَاوَاةِ الْإِمَامِ قَلِيلًا فَإِنْ خَالَفَ وَوَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ خَلْفَهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى يَمِينِهِ وَيَحْتَرِزَ عَنْ أَفْعَالٍ تُبْطِلُ الصَّلَاةَ فَإِنْ لَمْ يَتَحَوَّلْ اُسْتُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ عَلَى الْيَسَارِ أَوْ خَلْفَهُ كُرِهَ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا بِالِاتِّفَاقِ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ إمَامٌ وَمَأْمُومَانِ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ واصطفا خلفه سوا كَانَا رَجُلَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ أَوْ رَجُلًا وَصَبِيًّا: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ وَصَاحِبَيْهِ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا يَكُونُ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومَانِ كُلُّهُمْ صَفًّا وَاحِدًا ثَبَتَ هَذَا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ دَلِيلُنَا حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ حَضَرَ إمَامٌ وَمَأْمُومٌ وَأَحْرَمَ عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ أَحْرَمَ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ إنْ كَانَ قُدَّامَ الْإِمَامِ سَعَةٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ الْمَأْمُومِينَ سَعَةٌ تَقَدَّمَ الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُمَا سَعَةٌ وَلَيْسَتْ قُدَّامَهُ تَأَخَّرَا وَإِنْ كَانَ قُدَّامَهُ سَعَةٌ وَوَرَاءَهُمَا سَعَةٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَا وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَأَخُّرُهُمَا لِأَنَّ الْإِمَامَ متبوع فلا ينتقل (والثاني) تقدمه قاله الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لِأَنَّهُ يُبْصِرُ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِأَنَّهُ فِعْلُ شَخْصٍ فَهُوَ أَخَفُّ مِنْ شَخْصَيْنِ هَذَا إذَا جَاءَ الْمَأْمُومُ الثَّانِي فِي الْقِيَامِ فَإِنْ جَاءَ فِي التَّشَهُّدِ وَالسُّجُودِ فَلَا تَقَدُّمَ وَلَا تَأَخُّرَ حَتَّى يَقُومُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ إحْرَامِ الْمَأْمُومِ الثَّانِي كَمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ الْإِمَامُ أو يتاخرا
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ لَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُمَا وَلَا إعَادَةَ قَالَ وَلَوْ أَمَّ اثْنَيْنِ فَوَقَفَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا بِجَنْبِهِ وَالْآخَرُ خَلْفَهُ أَوْ أَحَدُهُمَا خَلْفَهُ وَالْآخَرُ خَلْفَ الْأَوَّلِ كَرِهْتُ ذَلِكَ وَلَا إعَادَةَ وَلَا سُجُودَ سَهْوٍ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَنَسٍ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ (الثَّالِثَةُ) إذَا حَضَرَ كَثِيرُونَ مِنْ الرِّجَالِ وَالصِّبْيَانِ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ رَجُلَيْنِ صَبِيٌّ لِيَتَعَلَّمُوا مِنْهُمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم ليلني منكم اولوا الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ " وَأَمَّا تَعَلُّمُ الصَّلَاةِ فَيُمْكِنُ وَإِنْ كَانُوا خَلْفَهُمْ وَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَصِبْيَانٌ وَخَنَاثَى وَنِسَاءٌ تَقَدَّمَ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الْخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ حَضَرَ رِجَالٌ وَخُنْثَى وَامْرَأَةٌ وَقَفَ الْخُنْثَى خَلْفَ الرِّجَالِ وَحْدَهُ وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ وَحْدَهَا فَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ صَبِيٌّ دَخَلَ فِي صَفِّ الرِّجَالِ وَإِنْ حَضَرَ إمَامٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ وَخُنْثَى وَقَفَ الصَّبِيُّ عَنْ يَمِينِهِ وَالْخُنْثَى خَلْفَهُمَا وَالْمَرْأَةُ خَلْفَهُ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلُّهُ فِي مَوْقِفِ الرِّجَالِ غَيْرِ الْعُرَاةِ فَإِنْ كَانُوا عُرَاةً فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّهُ إنْ كَانُوا عُمْيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ صَلَّوْا جَمَاعَةً وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِمْ إمَامُهُمْ وَإِنْ كَانُوا بُصَرَاءَ فِي ضَوْءٍ فَهَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلُّوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى فِيهِ خِلَافٌ فَإِنْ قُلْنَا جَمَاعَةً وَقَفَ إمَامُهُمْ وَسْطَهُمْ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَيْضًا أَنَّ النِّسَاءَ الْخُلَّصَ الْعَارِيَّاتِ وَالْكَاسِيَاتِ تَقِفُ إمَامَتُهُنَّ وَسْطَهُنَّ وَلَوْ صَلَّى خُنْثَى بِنِسْوَةٍ تَقَدَّمَ
عَلَيْهِنَّ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا كُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ وَمُخَالَفَتُهُ مكروه وَلَا تُبْطِلُ الصَّلَاةَ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنْ يَقِفَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ يَقِفُ عَنْ يَسَارِهِ وَعَنْ النخعي ان يقف وراءه إلى ان يزيد الْإِمَامُ أَنْ يَرْكَعَ فَإِنْ لَمْ يَجِئْ مَأْمُومٌ آخَرُ تَقَدَّمَ فَوَقَفَ عَنْ يَمِينِهِ وَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَدِيثُ جابر وغيرهما
*
* قال المصنف رحمه الله
* (والسنة ان لا يكون موضع الامام اعلا من موضع المأموم لما روى ان حذيفة " صلي علي دكان والناس أسفل منه فجذبه سلمان حتى اقامه فلما انصرف قال اما علمت أن اصحابك يكرهون أن يصلي الامام علي شئ وهم أسفل منه قال حذيفة بلى قد ذكرت حين جذبتني " وكذلك لا يكون موضع المأموم
أعلا من موضع الامام لانه إذا كره أن يعلو الامام فلان يكره أن يعلو المأموم أولي فان أراد الامام تعليم المأمومين افعال الصلاة فالسنة ان يقف على موضع عال لما روى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المنبر فكبر وكبر الناس وراءه فقرأ وركع وركع الناس خلفه ثم رفع ثم رجع القهقرى فسجد على الارض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى
سجد بالارض ثم اقبل علي الناس فقال انما صنعت هذا لتأتموا بى ولتعلموا صلاتي " ولان الارتفاع في هذه الحالة ابلغ في الاعلام فكان اولي)
* (الشرح) حديث سهل ابن سَعْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ (وَقَوْلُهُ) لِتُعَلَّمُوا - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ - أَيْ تَعْلَمُوا صفتها واما قصة حذيفة وسليمان فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أَنَّ سَلْمَانَ جَذَبَ حُذَيْفَةَ وَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ هَكَذَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ جِدًّا وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فَجَذَبَهُ أَبُو مَسْعُودٍ وَهُوَ الْبَدْرِيُّ الْأَنْصَارِيُّ هَكَذَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَمَنْ لَا يُحْصَى مِنْ كِبَارِ الْمُحَدِّثِينَ وَمُصَنِّفِيهِمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَيُقَالُ جَذَبَ وَجَبَذَ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ (قَوْلُهُ) فَلَأَنْ يُكْرَهَ هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ وَسَبَقَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ إيضَاحُهُ وَالْقَهْقَرَى - بِفَتْحِ الْقَافَيْنِ - الْمَشْيُ إلَى خَلْفٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْإِمَامِ أو المأموم اعلا مِنْ مَوْضِعِ الْآخَرِ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ لِتَعْلِيمِهِمْ أَفْعَالَ الصَّلَاةِ أَوْ لِيُبَلِّغَ الْمَأْمُومُ الْقَوْمَ تَكْبِيرَاتِ الْإِمَامِ وَنَحْوَ ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ الِارْتِفَاعُ لِتَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِارْتِفَاعُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ تَبْطُلُ بِهِ الصلاة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (السُّنَّةُ أَنْ تَقِفَ إمَامَةُ النِّسَاءِ وَسْطَهُنَّ لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَمَّتَا نِسَاءً فَقَامَتَا وَسْطَهُنَّ وَكَذَا إذَا
اجْتَمَعَ الرِّجَالُ وَهُمْ عُرَاةٌ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الامام وسطهن لانه أستر)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْفَصْلُ سَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَحَدِيثَا إمَامَةِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ فِي
مُسْنَدِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادَيْنِ حَسَنَيْنِ وَيُقَالُ وَسْطُ الصَّفِّ بِإِسْكَانِ السِّينِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ تَقُولُ جَلَسْتُ وَسْطَ الْقَوْمِ بِالْإِسْكَانِ لِأَنَّهُ ظَرْفٌ وَجَلَسْتُ وَسَطَ الدَّارِ بِالْفَتْحِ لِأَنَّهُ اسْمٌ قَالَ وَكُلُّ مَوْضِعٍ يَصْلُحُ فِيهِ بَيْنَ فَهُوَ وَسْطُ بِالْإِسْكَانِ وَمَا لَا يَصْلُحُ فَهُوَ بِالْفَتْحِ وَرُبَّمَا سُكِّنَ وَلَيْسَ بِالْوَجْهِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ كُلُّ مَا كَانَ بَيْنَ بَعْضِهِ مِنْ بَعْضٍ كَوَسْطِ الْفَلَاةِ وَالصَّفِّ وَالْمَسْبَحَةِ وَحَلَقَةِ النَّاسِ فَهُوَ وَسْطُ بِالْإِسْكَانِ وَمَا كَانَ مُصْمَتًا لَا يَبِينُ كَالدَّارِ وَالسَّاحَةِ وَالرَّاحَةِ فَوَسَطٌ بِالْفَتْحِ قَالَ وَأَجَازُوا فِي الْمَفْتُوحِ الْإِسْكَانَ وَلَمْ يُجِيزُوا فِي السَّاكِنِ الْفَتْحَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ خَالَفُوا فِيمَا ذَكَرْنَاهُ فَوَقَفَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الْإِمَامِ أَوْ خَلْفَهُ وَحْدَهُ أَوْ وَقَفَتْ الْمَرْأَةُ مَعَ الرَّجُلِ أَوْ أَمَامَهُ لَمْ تَبْطُلْ الصلاة لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " وَقَفَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ " وَأَحْرَمَ أَبُو بَكْرَةَ خَلْفَ الصَّفِّ وَرَكَعَ ثُمَّ مَشَى إلَى الصَّفِّ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ " وَلِأَنَّ هَذِهِ الْمَوَاضِعَ كُلَّهَا مَوَاقِفُ لِبَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَلَا تَبْطُلُ الصلاة بالانتقال إليها)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَابِتٌ مِنْ طُرُقٍ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةَ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رُوِيَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ الْمَوْضُوعَةِ لِلضَّعِيفِ وَقَدْ سَبَقَ مَرَّاتٍ التَّنْبِيهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِأَبِي بَكْرَةَ وَلَا تَعُدْ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّ الْعَيْنِ - قِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَعُدْ إلَى الْإِحْرَامِ خَارِجَ الصَّفِّ وَقِيلَ لَا تَعُدْ إلَى التَّأَخُّرِ عَنْ الصَّلَاةِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَقِيلَ لَا تَعُدْ إلَى إتْيَانِ الصلاة مسرعا: اما أحكام الْفَصْلِ فَقَدْ سَبَقَ مَقْصُودُهَا فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمَوَاقِفَ الْمَذْكُورَةَ كُلَّهَا عَلَى الِاسْتِحْبَابِ فَإِنْ خَالَفُوهَا كُرِهَ وَصَحَّتْ الصَّلَاةُ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وكذا لو صلي الامام اعلا مِنْ الْمَأْمُومِ وَعَكْسَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَكَذَا إذَا تَقَدَّمَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى صُفُوفِ الرِّجَالِ بِحَيْثُ لَمْ تَتَقَدَّمْ عَلَى الْإِمَامِ أَوْ وَقَفَتْ بِجَنْبِ الْإِمَامِ أَوْ بِجَنْبِ مَأْمُومٍ صَحَّتْ صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الرِّجَالِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَكَذَا لَوْ صَلَّى مُنْفَرِدًا خَلْفَ الصَّفِّ مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّفِّ كُرِهَ
وَصَحَّتْ صَلَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَجَدَ الدَّاخِلُ فِي الصَّفِّ فُرْجَةً أَوْ سِعَةً دَخَلَهَا وَلَهُ أَنْ يَخْرِقَ الصَّفَّ الْمُتَأَخِّرَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فُرْجَةٌ وَكَانَتْ فِي صَفٍّ قُدَّامَهُ لِتَقْصِيرِهِمْ بِتَرْكِهَا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَلَا سِعَةً فَفِيهِ خِلَافٌ حَكَوْهُ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقِفُ مُنْفَرِدًا وَلَا يَجْذِبُ أَحَدًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ لِئَلَّا يَحْرِمَ غَيْرَهُ فَضِيلَةَ الصَّفِّ السَّابِقِ وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْبِذَ إلَى نَفْسِهِ وَاحِدًا من الصف
ويستحب للمجذوب مساعدته قالوا ولا بجذبه الا بعد احرامه للا يُخْرِجَهُ عَنْ الصَّفِّ لَا إلَى صَفٍّ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ لِلْمَجْذُوبِ الْمُوَافَقَةُ لِيَحْصُلَ لِهَذَا فَضِيلَةُ صَفٍّ وَلِيَخْرُجَ مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ مِنْ الْعُلَمَاءِ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ وَيُسْتَأْنَسُ فِيهِ أَيْضًا بِحَدِيثٍ مُرْسَلٍ ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيلِ وَالْبَيْهَقِيُّ عن مقاتل بن حنان إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ان جاء فلم يجد أحدا فليجتلح إلَيْهِ رَجُلًا مِنْ الصَّفِّ فَلِيَقُمْ مَعَهُ فَمَا أعظم أجر المحتلج
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ خَلْفَ الصَّفِّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا مَعَ الْكَرَاهَةِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ أَصْحَابُنَا أيضا عن زيد ابن ثَابِتٍ الصَّحَابِيِّ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَدَاوُد وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَأَحْمَدَ واسحق قال وبه أقول والمشهور عن احمد واسحق أَنَّ الْمُنْفَرِدَ خَلْفَ الصَّفِّ يَصِحُّ إحْرَامُهُ فَإِنْ دَخَلَ فِي الصَّفِّ قَبْلَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ قُدْوَتُهُ وَإِلَّا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ
* وَاحْتَجَّ لِهَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ وَحْدَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ أحمد واسحق وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانَ قَالَ " صَلَّيْنَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَانْصَرَفَ فَرَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ فَوَقَفَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى انْصَرَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ لَهُ اسْتَقْبِلْ صَلَاتَك لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ
أَبِي بَكْرَةَ وَبِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَيْنِ الْوَارِدَيْنِ بِالْإِعَادَةِ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ لِلَّذِي خَلْفَ الصَّفِّ " أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةً كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ " وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم انْتَظَرَهُ حَتَّى فَرَغَ وَلَوْ كَانَتْ بَاطِلَةً لَمَا أَقَرَّهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَهَذَا وَاضِحٌ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَذْبِ مِنْ الصَّفِّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّ الدَّاخِلَ إذَا لَمْ يَجِدْ فِي الصَّفِّ سِعَةٌ جَذَبَ وَاحِدًا بَعْدَ إحْرَامِهِ وَاصْطَفَّ مَعَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ والاوزاعي واحمد واسحق كَرَاهَتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد
* (فَرْعٌ)
صَلَاةُ الْمَرْأَةِ قُدَّامَ رَجُلٍ وَبِجَنْبِهِ مَكْرُوهَةٌ وَيَصِحُّ صَلَاتُهَا وَصَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ تَقَدَّمَتْ عَلَيْهِمْ أَوْ حَاذَتْهُمْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ بَاطِلَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي آخر باب استقبال القبلة * قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى الْإِمَامِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: قال في القديم لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ وَحْدَهُ: وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ تَبْطُلُ لِأَنَّهُ وَقَفَ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ مَوْقِفَ مُؤْتَمٍّ بِحَالٍ فاشبه إذا وقف في موضع نجس)
* (الشَّرْحُ) إذَا تَقَدَّمَ الْمَأْمُومُ عَلَى إمَامِهِ فِي الْمَوْضِعِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) الْأَظْهَرُ لَا تَنْعَقِدُ وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا بَطَلَتْ (وَالْقَدِيمُ) انْعِقَادُهَا وَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَائِهَا لَمْ تَبْطُلْ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَكِنْ سَاوَاهُ لَمْ تَبْطُلْ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يُكْرَهُ وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّقَدُّمِ وَالْمُسَاوَاةِ بِالْعَقِبِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فَلَوْ تَسَاوَيَا فِي الْعَقِبِ وَتَقَدَّمَتْ أَصَابِعُ الْمَأْمُومِ لَمْ يَضُرَّهُ وَإِنْ تَقَدَّمَتْ عَقِبُهُ وَتَأَخَّرَتْ أَصَابِعُهُ عَنْ أَصَابِعِ الْإِمَامِ فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقِيلَ يَصِحُّ قَطْعًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ فِي الْوَسِيطِ الِاعْتِبَارُ بِالْكَعْبِ وَالْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ الْأَوَّلُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ تَقَدَّمَ عَلَى إمَامِهِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ قَوْلًا وَاحِدًا بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْمُفْسِدِ
(وَالثَّانِي)
إنْ كَانَ جَاءَ مِنْ خَلْفِ الْإِمَامِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ تَقَدُّمِهِ وَإِنْ جَاءَ مِنْ قُدَّامِهِ
لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْجَدِيدِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ تَقَدُّمِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَمَّا إذَا صَلَّوْا فِي الْمَسْجِدِ
الْحَرَامِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ خَلْفَ الْمَقَامِ وَيَقِفُوا مُسْتَدِيرِينَ بِالْكَعْبَةِ بِحَيْثُ يَكُونُ الْإِمَامُ أَقْرَبَ إلَى الْكَعْبَةِ مِنْهُمْ فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْهُ وَهُوَ فِي جِهَةِ الْإِمَامِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ الْقَوْلَانِ الْجَدِيدُ بُطْلَانُهَا وَالْقَدِيمُ صِحَّتُهَا وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ الْقَوْلَانِ حَكَاهُ الْأَصْحَابُ عن ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ جَمِيعًا فِي الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُومُ قُدَّامَهُ فِي جِهَتِهِ مُسْتَقْبِلَهَا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِنْ كَانَ وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ أَوْ مُسْتَقْبِلَهُ أَوْ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِهِ صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَى الْجِدَارِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا إنْ كَانَ أَقْرَبَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ أَبُو اسحق فِيهِ الْقَوْلَانِ وَلَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي الْكَعْبَةِ وَالْمَأْمُومُ خَارِجَهَا جَازَ وَلَهُ التَّوَجُّهُ إلَى أَيِّ جِهَةٍ شَاءَ وَإِنْ وَقَفَ الْإِمَامُ خَارِجَهَا وَالْمَأْمُومُ فِيهَا أَوْ عَلَى سَطْحِهَا وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ جَازَ أَيْضًا نَصَّ عَلَيْهِ لَكِنْ إنْ تَوَجَّهَ إلَى الْجِهَةِ الَّتِي تَوَجَّهَ إلَيْهَا الْإِمَامُ عَادَ الْقَوْلَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَقَدُّمِ مَوْقِفِ الْمَأْمُومِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الصَّلَاةَ تَبْطُلُ بِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد يَجُوزُ هَكَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْهُمْ مُطْلَقًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ واسحق وابى ثور إذا ضاق الموضع
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَقَدَّمَ النَّاسُ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ لَكَانَتْ قُرْعَةٌ " وَرَوَى الْبَرَاءُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ " وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَعْتَمِدُوا يَمِينَ الْإِمَامِ لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ قَالَ " كَانَ يُعْجِبُنَا عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ بِمَنْ عَنْ يَمِينِهِ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ " فَإِنْ وَجَدَ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ فُرْجَةً اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسُدَّهَا لِمَا رَوَى أَنَسٌ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَتِمُّوا الصَّفَّ الْأَوَّلَ فان كان نقص ففى المؤخر ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الْأَوَّلُ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ فِيهِ الصُّفُوفَ الْأُوَلَ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ الثَّانِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم احببنا أن نكون يَمِينِهِ يُقْبِلُ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ " وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ وَعَلَى اسْتِحْبَابِ يَمِينِ الْإِمَامِ وَسَدِّ الْفُرَجِ فِي الصُّفُوفِ وَإِتْمَامِ الصف الاول ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا وَلَا يُشْرَعُ فِي صَفٍّ حَتَّى يَتِمَّ مَا قَبْلَهُ وَعَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاعْتِدَالُ فِي الصُّفُوفِ فَإِذَا وَقَفُوا فِي الصَّفِّ لَا يَتَقَدَّمُ بَعْضُهُمْ بِصَدْرِهِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا يَتَأَخَّرُ عَنْ الْبَاقِينَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسِّطُوا الْإِمَامَ وَيَكْشِفُوهُ مِنْ جَانِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي داود عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَسِّطُوا الْإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ " وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُفْسَحَ لِمَنْ يُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الصَّفِّ لحديث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا بِأَيْدِي إخْوَانِكُمْ وَلَا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الصَّفُّ الْأَوَّلُ ثُمَّ الَّذِي يَلِيه ثُمَّ الَّذِي يَلِيه إلَى آخِرِهَا وَهَذَا الْحُكْمُ مُسْتَمِرٌّ فِي صُفُوفِ الرِّجَالِ بِكُلِّ حَالٍ وَكَذَا فِي صُفُوفِ النِّسَاءِ الْمُنْفَرِدَاتِ بِجَمَاعَتِهِنَّ عَنْ جَمَاعَةِ الرِّجَالِ أَمَّا إذَا صَلَّتْ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ جَمَاعَةً وَاحِدَةً وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ فَأَفْضَلُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالُ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّفِّ الْأَوَّلِ الصَّفُّ الَّذِي يَلِي الْإِمَامَ سَوَاءٌ تَخَلَّلَهُ مِنْبَرٌ وَمَقْصُورَةٌ وَأَعْمِدَةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " رَأَى فِي أَصْحَابِهِ تَأَخُّرًا فَقَالَ لَهُمْ تقدموا فائتمو بِي وَلِيَأْتَمَّ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فَإِنْ تَبَاعَدَتْ الصُّفُوفُ أَوْ تَبَاعَدَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ عَنْ الْإِمَامِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بينهما وكان الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ مِنْ الْمَسْجِدِ مَوْضِعُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ أَوْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ صَفٍّ مَعَ الْإِمَامِ مَسَافَةٌ بَعِيدَةٌ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَتْ مَسَافَةً قَرِيبَةً صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْقَرِيبَ بثلثمائة ذِرَاعٍ وَالْبَعِيدَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ فِي الْعَادَةِ وَمَا زَادَ بَعِيدٌ وَهَلْ هُوَ تَقْرِيبٌ أَوْ تَحْدِيدٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ تَحْدِيدٌ فَلَوْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ ذِرَاعٌ لَمْ يُجْزِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ جَازَ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ عَلَى سَطْحِهِ أَوْ فِي بَيْتٍ مِنْهُ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ نَظَرْتَ فَإِنْ كَانَ الْحَائِلُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَتْ لَا تُصَلِّينَ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنَّكُنَّ دُونَهُ فِي حِجَابٍ " وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالشِّبَاكِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّ بَيْنَهُمَا حَائِلًا يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ فَأَشْبَهَ الْحَائِطَ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُشَاهِدُهُمْ فَهُوَ كَمَا لَوْ كَانَ مَعَهُمْ وَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ نَهْرٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ فَهُوَ كَالْحَائِطِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمَاءَ لَمْ يُخْلَقْ لِلْحَائِلِ وَإِنَّمَا خلق للمنفعة فلا يمنع الائتمام كالنار)
* (الشَّرْحُ) لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فِي الْمَكَانِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَا فِي مَسْجِدٍ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ بَيْنَهُمَا أَمْ بَعُدَتْ لِكِبَرِ الْمَسْجِدِ وَسَوَاءٌ اتَّحَدَ الْبِنَاءُ أَمْ اخْتَلَفَ كَصَحْنِ المسجد وصفته وَسِرْدَابٍ فِيهِ وَبِئْرٍ مَعَ سَطْحِهِ وَسَاحَتِهِ وَالْمَنَارَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ الْمَسْجِدِ تَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ وَمَا أَشْبَهَهَا إذَا عَلِمَ صَلَاةَ الْإِمَامِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ أعلا مِنْهُ أَوْ أَسْفَلَ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي سَطْحِ الْمَسْجِدِ هُوَ إذَا كَانَ سَطْحُهُ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا فَهُوَ كَمِلْكٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي الْمَسْجِدِ وَسَيَأْتِي فِي الْحَالِ
الثالث ان شاء الله تعالي وشرط البنائين فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَكُونَ بَابُ أَحَدِهِمَا نَافِذًا إلى الآخر والا فلا يعد ان مَسْجِدًا وَاحِدًا وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْبَابُ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحًا أَوْ مَرْدُودًا مُغْلَقًا أَوْ غَيْرَ مُغْلَقٍ وَفِي وَجْهٍ ضَعِيفٍ إنْ كَانَ مُغْلَقًا لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ وَوَجْهٍ آخَرَ أَنَّهُ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ عَلَى سَطْحِهِ وباب المرقا مُغْلَقٌ لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَهُمَا شَاذَانَ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ: أَمَّا الْمَسَاجِدُ الْمُتَلَاصِقَةُ الَّتِي يُفْتَحُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَلَهَا حُكْمُ مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَأَحَدُهُمَا فِي ذَا وَالْآخَرُ فِي ذَاكَ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ إنْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَسْجِدَيْنِ بِإِمَامٍ وَمُؤَذِّنٍ وَجَمَاعَةٍ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ حُكْمُ الْمِلْكِ الْمُتَّصِلِ بِالْمَسْجِدِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَا في مسجدين يحول بينهما نهرا وطريق أَوْ حَائِطُ الْمَسْجِدِ غَيْرُ بَابٍ نَافِذٍ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فَهُوَ كَمِلْكٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ وَلَوْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ نَهْرٌ فَإِنْ حُفِرَ بَعْدَ الْمَسْجِدِ فَهُوَ مَسْجِدٌ فَلَا يَضُرُّ وَإِنْ حُفِرَ قَبْلَ مَصِيرِهِ مَسْجِدًا فَهُمَا مَسْجِدَانِ غَيْرُ مُتَّصِلَيْنِ أَمَّا رَحْبَةُ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ عَدَّهَا الْأَكْثَرُونَ مِنْهُ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بينهما وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ طَرِيقٌ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ إنْ انْفَصَلَتْ فَهِيَ كَمَسْجِدٍ آخَرَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى صِحَّةِ الِاعْتِكَافِ فِيهَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَرَحْبَةُ الْمَسْجِدِ هِيَ الْبِنَاءُ الْمَبْنِيُّ لَهُ حَوْلَهُ مُتَّصِلًا بِهِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هِيَ مَا حَوَالَيْهِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ وَهُوَ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَا فِي فَضَاءٍ مِنْ صَحْرَاءَ أَوْ بَيْتٍ وَاسِعٍ وَنَحْوِهِ فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَلْ هُوَ تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبُ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَجْهًا وَاحِدًا وَنَقَلَهُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) تَقْرِيبٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَهَذَا
التَّقْدِيرُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُرْفِ عَلَى الصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْهُمْ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَأَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ وَأَبُو حَفْصِ بْنُ الْوَكِيلِ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ مِمَّا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ حَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا الوجه
عن ابن سريج وأبى اسحق وغيرهما فإذا قلنا تقريب فزاد علي ثلثمائة أَذْرُعًا يَسِيرَةً كَثَلَاثَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ قُلْنَا تَحْدِيدٌ ضَرَّ وَلَوْ وَقَفَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَخْصَانِ أَوْ صَفَّانِ أَحَدُهُمَا وَرَاءَ الْآخَرِ اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الصَّفِّ الْأَخِيرِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ أَوْ الشَّخْصِ الْأَخِيرِ وَالْأَوَّلِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ الصُّفُوفُ وَبَلَغَ مَا بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ أَمْيَالًا جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَزِيدَ مَا بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ أَوْ شَخْصٍ وَبَيْنَ مَنْ قدامه علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَفِيهِ وَجْهٌ مَذْكُورٌ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ هَذِهِ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ الْأَخِيرِ إذا لم تكن الصفوف القريبة في الْإِمَامِ مُتَّصِلَةً عَلَى الْعَادَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَوْ وَقَفَ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ أَوْ يَسَارِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عليه رجل أوصف صَحَّ إنْ لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ فَإِنْ وَقَفَ آخَرُ عَنْ يَمِينِ الْوَاقِفِ عن يمين الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ مِنْ الْمَأْمُومِ الْأَوَّلِ ثُمَّ ثَالِثٌ عَلَى يمين الثاني علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَكَذَا رَابِعٌ وَخَامِسٌ وَأَكْثَرُ صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ كَمَا إذَا كَانُوا خَلْفَهُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عليه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الْمَسَافَةِ مِنْ الْإِمَامِ إذَا لَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ الْقَرِيبَةُ بالامام علي العادة وعلى
هذا ولو وقف واحد عن يمين الامام علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ وَآخَرُ وَرَاءَهُ كَذَلِكَ ثُمَّ وَرَاءَ كُلِّ وَاحِدٍ أَوْ عَنْ جنبه آخر أوصف عَلَى هَذِهِ الْمَسَافَةِ ثُمَّ آخَرُ ثُمَّ آخَرُ وَكَثُرُوا صَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ إذَا عَلِمُوا صَلَاةَ الْإِمَامِ: أَمَّا إذَا حَالَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ أَوْ بَيْنِ الصَّفَّيْنِ نَهْرٌ فِي الْفَضَاءِ فَإِنْ أَمْكَنَ الْعُبُورُ مِنْ أَحَدِ طَرَفَيْهِ إلَى الْآخَرِ بلا سياحة بِالْوُثُوبِ أَوْ الْخَوْضِ أَوْ الْعُبُورِ عَلَى جِسْرٍ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ احْتَاجَ إلَى سِبَاحَةٍ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شَارِعٌ مَطْرُوقٌ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَضُرُّ بَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِحُصُولِ الْمُشَاهَدَةِ وَالْمَاءُ لَا يُعَدُّ حَائِلًا وَكَمَا لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا نَارٌ فَإِنَّ الِاقْتِدَاءَ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ: قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ كَانَ الْفَضَاءُ مَوَاتًا أَوْ مِلْكًا أَوْ وَقْفًا بَعْضُهُ مَوَاتًا وَبَعْضُهُ مِلْكًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي السَّاحَةِ الْمَمْلُوكَةِ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَ كُلِّ صَفٍّ وَاَلَّذِي قُدَّامَهُ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ وَوَجْهًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِي الْمِلْكَيْنِ لِشَخْصَيْنِ لَا فِي مِلْكِ الْوَاحِدِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ كَانَ الْفَضَاءُ مَحُوطًا عَلَيْهِ أَوْ مُسْقَفًا كَالْبُيُوتِ الْوَاسِعَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (الضَّرْبُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَا فِي غَيْرِ فَضَاءٍ فَإِذَا وَقَفَ أَحَدُهُمَا فِي صَحْنِ
دار أو في صُفَّتِهَا وَالْآخَرُ فِي بَيْتٍ مِنْهَا فَقَدْ يَقِفُ الْمَأْمُومُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ وَوَرَاءَهُ وَخَلْفَهُ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَهَا الْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ وَابْنُ كَجٍّ وَحَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيّ فِي الْإِفْصَاحِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيمَا إذَا وَقَفَ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ أَنْ يَتَّصِلَ الصَّفُّ مِنْ الْبِنَاءِ الَّذِي فِيهِ الْإِمَامُ بِاَلَّذِي فِيهِ الْمَأْمُومُ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى فُرْجَةٌ تَسَعُ وَاحِدًا فَإِنْ بَقِيَتْ فُرْجَةٌ لَا تَسَعُ وَاقِفًا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهَا لَا تَضُرُّ
(وَالثَّانِي)
تَضُرُّ فَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَتَبَةٌ عَرِيضَةٌ تَسَعُ وَاقِفًا اُشْتُرِطَ وُقُوفُ مُصَلٍّ فِيهَا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الْوُقُوفُ فِيهَا فَعَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْفُرْجَةِ الْيَسِيرَةِ الْأَصَحُّ
لَا تَضُرُّ وَإِنْ وَقَفَ خَلْف الْإِمَامِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ مُطْلَقًا (وَالصَّحِيحُ) الصِّحَّةُ بِشَرْطِ اتِّصَالِ الصُّفُوفِ وَتَلَاحُقِهَا وَمَعْنَى اتِّصَالِهَا أَنْ يقف شخص أوصف فِي آخِرِ بِنَاءِ الْإِمَامِ وَآخَرُ فِي أَوَّلِ بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ أَذْرُعٍ وَالثَّلَاثَةُ لِلتَّقْرِيبِ قَالُوا فَلَوْ زَادَ عَلَيْهَا مَا لَا يَبِينُ فِي الْحِسِّ لَمْ يَضُرَّ وَهَذَا الْقَدْرُ هُوَ الْمَشْرُوعُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فِي كُلِّ حَالٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ لَا يُزَادَ مَا بَيْنَهُمَا عَلَيْهِ وَإِذَا وُجِدَ هَذَا الشَّرْطُ فَكَانَ فِي بِنَاءِ الْمَأْمُومِ بَيْتٌ عَنْ الْيَمِينِ أَوْ الشِّمَالِ اُعْتُبِرَ الِاتِّصَالُ بِتَوَاصُلِ الْمَنَاكِبِ كَمَا سَبَقَ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْقَفَّالِ وموافقيه (الطريقة الثانية) طريقة أبي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَجُمْهُورِ الْعِرَاقِيِّينَ وَاخْتَارَهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَهِيَ الصَّحِيحَةُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْبِنَاءِ لَا يَضُرُّ وَلَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ خَلْفٍ وَلَا مِنْ الْيَمِينِ وَالشِّمَالِ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْقُرْبُ وَالْبُعْدُ عَلَى الضَّبْطِ الْمَذْكُورِ فِي الصَّحْرَاءِ فَيَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الْإِمَامِ وَبِجَنْبِهِ مَا لَمْ يَزِدْ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخِرِ صَفٍّ علي ثلثمائة ذِرَاعٍ كَمَا سَبَقَ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ البنائين باب مفتوح فوقف مقابله رجل أوصف أَوْ لَمْ يَكُنْ جِدَارٌ أَصْلًا كَصَحْنٍ مَعَ صُفَّةٍ فَلَوْ حَالَ حَائِلٌ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ لم يصل الِاقْتِدَاءُ بِاتِّفَاقِ الطَّرِيقَتَيْنِ وَإِنْ مَنَعَ الِاسْتِطْرَاقَ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ كَالشِّبَاكِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ يُعَدُّ حَائِلًا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَإِذَا صَحَّ اقْتِدَاءُ الْوَاقِفِ أَوْ الْوَاقِفِينَ فِي الْبِنَاءِ إمَّا لِوُجُودِ الِاتِّصَالِ كَمَا شَرَطَهُ أَصْحَابُ الطَّرِيقَةِ الاولى وأما لعدم الزيادة على ثلثمائة ذِرَاعٍ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُ الثَّانِيَةِ صَحَّتْ صَلَاةُ الصُّفُوفِ وَالْمُنْفَرِدِ خَلْفَهُمْ تَبَعًا وَلَا يَضُرُّ الْحَائِلُ الْمَانِعُ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَالْمُشَاهَدَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْإِمَامِ لَكِنْ يَكُونُ الصُّفُوفُ مَعَ الْوَاقِفِ كَالْمَأْمُومِينَ مَعَ الْإِمَامِ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْطِ السَّابِقِ فَيُعْتَبَرُ أَنْ لَا يَحُولَ بَيْنَهُمَا مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَيُعْتَبَرُ بَاقِي مَا سَبَقَ وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَى الواقف المذكور واحد أوصف لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ
وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْ سَمْتِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا جَوَّزْنَا تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنُ وَغَيْرُهُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَتَقَدَّمَ تَكْبِيرَةُ إحْرَامِ الَّذِينَ وَرَاءَ الْوَاقِفِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ لَا يَصِحُّ اقْتِدَاؤُهُمْ بِالْإِمَامِ إلَّا تَبِعَا لِلْوَاقِفِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ
قَدْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ أَمَّا إذَا وَقَفَ الْإِمَامُ فِي صَحْنِ الدَّارِ وَالْمَأْمُومُ فِي مَكَان عَالٍ مِنْهَا كَسَطْحٍ وَطَرَفِ صُفَّةٍ مُرْتَفِعَةٍ وَنَحْوِهِ أَوْ بِالْعَكْسِ فَفِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الِاتِّصَالُ وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ إنْ كَانَ رَأْسُ الْوَاقِفِ أَسْفَلَ يُحَاذِي رُكْبَةَ الْوَاقِفِ فِي الْعُلْوِ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ إنْ حَاذَى رَأْسُ الْأَسْفَلِ قَدَمَ الْأَعْلَى صَحَّ الِاقْتِدَاءُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْأَوَّلُ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالِاعْتِبَارُ بِمُعْتَدِلِ الْقَامَةِ حَتَّى لَوْ كَانَ قَصِيرًا أَوْ قَاعِدًا فَلَمْ تُحَاذِ وَلَوْ قَامَ فِيهِ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ لَحَصَلَتْ الْمُحَاذَاةُ كَفَى وَحَيْثُ لَا يَمْنَعُ الِانْخِفَاضُ الْقُدْوَةَ وَكَانَ بَعْضُ مَنْ يَحْصُلُ بِهِمْ الِاتِّصَالُ عَلَى سَرِيرٍ وَبَعْضُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ وَلَوْ كَانَا فِي بَحْرٍ وَالْإِمَامُ فِي سَفِينَةٍ وَالْمَأْمُومُ فِي أُخْرَى وَهُمَا مَكْشُوفَتَانِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ سَفِينَتُهُ مَشْدُودَةً بِسَفِينَةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يزيد ما بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ كَالصَّحْرَاءِ قَالُوا وَتَكُونُ السَّفِينَتَانِ كَدَكَّتَيْنِ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْمَاءُ كَالْأَرْضِ وَإِنْ كَانَتَا مُسْقَفَتَيْنِ أَوْ إحْدَاهُمَا فَهُمَا كَالدَّارَيْنِ وَالسَّفِينَةُ ذَاتُ الْبُيُوتِ كَدَارٍ ذَاتِ بُيُوتٍ وَحُكْمُ الْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ وَالْخَانِ حُكْمُ الدَّارِ لِأَنَّهَا لَمْ تُبْنَ لِلصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ وَالسُّرَادِقَاتُ فِي الصَّحْرَاءِ كَسَفِينَةٍ مَكْشُوفَةٍ وَالْخِيَامُ كَالْبُيُوتِ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا فِي الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ خَارِجَهُ فَإِنْ وَقَفَ الْإِمَامُ فِي مَسْجِدٍ وَالْمَأْمُومُ فِي مَوَاتٍ مُتَّصِلٍ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ جَازَ إذَا لَمْ يَزِدْ ما بينهما علي ثلثمائة ذراع ومن اين تعتبر هذه الذرعان فيه ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ أَنَّهَا تُعْتَبَرُ مِنْ آخِرِ الْمَسْجِدِ وَالثَّانِي مِنْ آخِرِ صَفٍّ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا الْإِمَامُ فَمِنْ مَوْقِفِهِ وَالثَّالِثُ مِنْ حَرِيمِ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوَاتِ وَحَرِيمُهُ الْمَوْضِعُ الْمُتَّصِلُ بِهِ الْمُهَيَّأُ لِمَصْلَحَتِهِ كَانْصِبَابِ الْمَاءِ إلَيْهِ وَطَرْحِ الْقُمَامَاتِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا جِدَارُ الْمَسْجِدِ لَكِنَّ الْبَابَ النَّافِذَ بَيْنَهُمَا مَفْتُوحٌ فَوَقَفَ فِي مُقَابِلَتِهِ جَازَ فَلَوْ اتَّصَلَ صَفٌّ بِالْوَاقِفِ فِي الْمُقَابِلَةِ وَرَاءَهُ وَخَرَجُوا عَنْ الْمُقَابِلَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ لِاتِّصَالِهِمْ بِمَنْ صلاته صحيحة
فَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِدَارِ بَابٌ أَوْ كَانَ وَلَمْ يَكُنْ مَفْتُوحًا أَوْ كَانَ مَفْتُوحًا وَلَمْ يَقِفْ فِي قُبَالَتِهِ بَلْ عَدَلَ عَنْهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الِاتِّصَالِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ به أكثر المصنفين (والثاني) قاله أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ وَلَا يَكُونُ حَائِطُ الْمَسْجِدِ حَائِلًا سَوَاءٌ كَانَ قُدَّامَ الْمَأْمُومِ أَوْ عَنْ جَنْبِهِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَمْنَعُ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ عن ابى اسحق فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا لَيْسَ بصحيح عن ابي اسحق قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَمَّا الْحَائِلُ غَيْرُ جِدَارِ الْمَسْجِدِ فَيَمْنَعُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَابٌ مُغْلَقٌ فَهُوَ كَالْجِدَارِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ الِاسْتِطْرَاقَ وَالْمُشَاهَدَةَ فَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرُ مُغْلَقٍ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ دُونَ الِاسْتِطْرَاقِ أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا شِبَاكٌ فَهُوَ مَانِعٌ مِنْ الِاسْتِطْرَاقِ دُونَ الْمُشَاهَدَةِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ وجهان (اصحهما) عد الْأَكْثَرِينَ أَنَّهُ مَانِعٌ وَأَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَانِعٍ هَذَا كُلُّهُ فِي الْمَوَاتِ فَلَوْ وَقَفَ الْمَأْمُومُ فِي شَارِعٍ مُتَّصِلٍ بِالْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصَّفِّ مِنْ الْمَسْجِدِ بِالطَّرِيقِ وَلَوْ وَقَفَ فِي حَرِيمِ الْمَسْجِدِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَالْمَوَاتِ قال والفضاء الْمُتَّصِلُ بِالْمَسْجِدِ لَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَوَقَفَ الْمَأْمُومُ فِيهِ لَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ حَتَّى يَتَّصِلَ الصَّفُّ من المسجد بالفضاء قال وكذا يشترط الاتصال الصَّفِّ مِنْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ بِالسَّطْحِ الْمَمْلُوكِ وَكَذَا لَوْ وَقَفَ فِي دَارٍ مَمْلُوكَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْمَسْجِدِ يُشْتَرَطُ الِاتِّصَالُ بِأَنْ يَقِفَ وَاحِدٌ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ مُتَّصِلٌ بِعَتَبَةِ الدَّارِ وَآخَرُ فِي الدَّارِ مُتَّصِلٌ بِالْعَتَبَةِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مَوْقِفُ رَجُلٍ هَذَا كَلَامُ الْبَغَوِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْفَضَاءِ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْمَوَاتِ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ فِي مَسْأَلَةِ الدَّارِ فَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى طَرِيقَةِ الْقَفَّالِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّصَالُ الصُّفُوفِ إذَا لَمْ يَكُنْ حَائِلٌ بَلْ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ إذَا لَمْ يزد ما بينهما علي ثلثمائة ذِرَاعٍ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ (فَقَوْلُهُ) فَإِنْ تَبَاعَدَتْ الصُّفُوفُ عَنْ الْإِمَامِ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَكَانَتْ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَهُوَ عَالِمٌ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فَإِنْ كَانَ لَا حَائِلَ بَيْنَهُمَا وَالصَّوَابُ حَذْفُ هَذِهِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُمَا إذَا كَانَا فِي الْمَسْجِدِ صَحَّتْ الصَّلَاةُ إذَا عَلِمَ صَلَاتَهُ سَوَاءٌ حَالَ حَائِلٌ أَمْ لَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ كَمَا سبق وقوله وقدر الشافعي القريب بثلثمائة ذِرَاعٍ
لِأَنَّهُ قَرِيبٌ فِي الْعَادَةِ هَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلصَّحِيحِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورُ إنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْعُرْفِ لَا مِنْ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِيهِ وَالذِّرَاعُ مُؤَنَّثٌ وَمُذَكَّرٌ لُغَتَانِ التَّأْنِيثُ أَفْصَحُ وَاخْتَارَ
الْمُصَنِّفُ التَّذْكِيرَ بِقَوْلِهِ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَلَمْ يَقُلْ ثَلَاثُ وَقَوْلُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فَإِنْ زَادَ ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ جَازَ هَذَا لَيْسَ تَحْدِيدًا لِلثَّلَاثَةِ بَلْ الثَّلَاثَةُ وَنَحْوُهَا وَمَا قَارَبَهَا يُعْفَى عَنْهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ (قَوْلُهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ نِسْوَةً كُنَّ يُصَلِّينَ فِي حُجْرَتِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَالَتْ إنَّكُنَّ دُونَهَا فِي حِجَابٍ " هَذَا الْأَثَرُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَائِشَةَ بِغَيْرِ إسْنَادٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ
(إحْدَاهَا) يُشْتَرَطُ أَنْ لَا تَطُولَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ إذَا صَلَّوْا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَدَّرَ الشَّافِعِيُّ القرب بثلثمائة ذِرَاعٍ وَقَالَ عَطَاءٌ يَصِحُّ مُطْلَقًا وَإِنْ طَالَتْ الْمَسَافَةُ مِيلًا وَأَكْثَرَ إذَا عَلِمَ صَلَاتَهُ (الثَّانِيَةُ) لَوْ حَالَ بَيْنَهُمَا طَرِيقٌ صَحَّ الِاقْتِدَاءُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَالْأَكْثَرِينَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَصِحُّ لِحَدِيثٍ رَوَوْهُ مَرْفُوعًا " مَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِمَامِ طَرِيقٌ فَلَيْسَ مَعَ الْإِمَامِ " وَهَذَا حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَإِنَّمَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ مِنْ رِوَايَةِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سَلِيمٍ عَنْ تَمِيمٍ وَلَيْثٌ ضَعِيفٌ وَتَمِيمٌ مَجْهُولٌ (الثَّالِثَةُ) لَوْ صَلَّى فِي دَارٍ أَوْ نَحْوِهَا بِصَلَاةِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَحَالَ بَيْنَهُمَا حَائِلُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ مَالِكٌ تَصِحُّ إلَّا فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَصِحُّ مُطْلَقًا (الرَّابِعَةُ) يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ عِلْمُ الْمَأْمُومِ بِانْتِقَالَاتِ الْإِمَامِ سَوَاءٌ صَلَّيَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي غَيْرِهِ أَوْ أَحَدُهُمَا فِيهِ وَالْآخَرُ فِي غَيْرِهِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ بِسَمَاعِ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ خَلْفَهُ أَوْ مُشَاهَدَةِ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْ خَلْفَهُ وَنَقَلُوا الْإِجْمَاعَ فِي جَوَازِ اعْتِمَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ فَلَوْ كَانَ الْمَأْمُومُ أَعْمَى اُشْتُرِطَ أَنْ يُصَلِّيَ بِجَنْبِ كامل ليعتمد موافقته مستدلا بها
*
(بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ)
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ صَلَّى قَاعِدًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لعمران بن الحصين " صلى قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ " وَكَيْفَ يَقْعُدُ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقْعُدُ مُتَرَبِّعًا لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقِيَامُ يُخَالِفُ قُعُودَ الصَّلَاةِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ بدله مخالفا له
(والثانى)
يعقد مُفْتَرِشًا لِأَنَّ التَّرْبِيعَ قُعُودُ الْعَادَةِ وَالِافْتِرَاشَ قُعُودُ الْعِبَادَةِ فَكَانَ الِافْتِرَاشُ أَوْلَى فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ أن يركع ويسجد أومأ اليهما وَقَرَّبَ وَجْهَهُ إلَى الْأَرْضِ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِ فَإِنْ سَجَدَ عَلَى مِخَدَّةٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ
أم سلمة رضى الله عنهما سجدت علي مخدة لرمد بِهَا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِمْرَانَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَفِعْلُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ وقوله أومأ هو بالهمز وَالْمِخَدَّةِ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تُوضَعُ تَحْتَ الْخَدِّ وَأُمُّ سَلَمَةَ سَبَقَ بَيَانُهَا كُنِّيَتْ بابنها سلمة وهو صحابي: وأما الاحكام فاجمعت الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ صَلَّاهَا قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَنْقُصُ ثَوَابُهُ عَنْ ثَوَابِهِ فِي حَالِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا " قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْعَجْزِ أَنْ لَا يَتَأَتَّى الْقِيَامُ وَلَا يَكْفِي أَدْنَى مَشَقَّةٍ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الظَّاهِرَةُ فَإِذَا خَافَ مَشَقَّةً شَدِيدَةً أَوْ زِيَادَةَ مَرَضٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ أَوْ خَافَ رَاكِبُ السَّفِينَةِ الْغَرَقَ أَوْ دَوَرَانَ الرَّأْسِ صَلَّى قَاعِدًا وَلَا إعَادَةَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ الَّذِي أَرَاهُ فِي ضَبْطِ الْعَجْزِ أَنْ يَلْحَقَهُ بِالْقِيَامِ مَشَقَّةٌ تُذْهِبُ خُشُوعَهُ لِأَنَّ الْخُشُوعَ مَقْصُودُ الصَّلَاةِ
وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ جَلَسَ لِلْغُزَاةِ رَقِيبٌ يَرْقُبُ الْعَدُوَّ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ وَلَوْ قَامَ لَرَآهُ الْعَدُوُّ أَوْ جَلَسَ الْغُزَاةُ فِي مَكْمَنٍ وَلَوْ قَامُوا لَرَآهُمْ الْعَدُوُّ وَفَسَدَ التَّدْبِيرُ فَلَهُمْ الصَّلَاةُ قُعُودًا وَالْمَذْهَبُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي قَوْلًا أَنَّ صَلَاةَ الْكَمِينِ قَاعِدًا لَا تَنْعَقِدُ وَالْمَذْهَبُ الِانْعِقَادُ وَلَوْ خَافُوا أَنْ يَقْصِدَهُمْ الْعَدُوُّ فَصَلَّوْا قُعُودًا قَالَ الْمُتَوَلِّي أَجْزَأَتْهُمْ بِلَا إعَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا لِعَجْزِهِ فِي الْفَرِيضَةِ أَوْ مَعَ الْقُدْرَةِ فِي النَّافِلَةِ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِقُعُودِهِ هَيْئَةٌ مُشْتَرَطَةٌ بَلْ كَيْفَ قَعَدَ أَجْزَأَهُ لَكِنْ يُكْرَهُ الْإِقْعَاءُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْعُدَ مَادًّا رِجْلَيْهِ وَأَمَّا الْأَفْضَلُ مِنْ الْهَيْئَاتِ فَفِي غَيْرِ حَالِ الْقِيَامِ يَقْعُدُ عَلَى الْهَيْئَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ لِلْمُصَلِّي قَائِمًا فَيَتَوَرَّكُ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَيَفْتَرِشُ
فِي سَائِرِ الْجِلْسَاتِ: وَأَمَّا الْقُعُودُ الَّذِي هُوَ بَدَلُ الْقِيَامِ وَفِي مَوْضِعِهِ فَفِي الْأَفْضَلِ مِنْهُ قَوْلَانِ وَوَجْهَانِ (أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ) وَهُوَ أَصَحُّ الْجَمِيعِ يَقْعُدُ مُفْتَرِشًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ
(وَالثَّانِي)
مُتَرَبِّعًا وَهُوَ رِوَايَةُ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قال مالك والثوري والليث واحمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ مُتَوَرِّكًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لِلْمُصَلِّي
(وَالثَّانِي)
يَقْعُدُ نَاصِبًا رُكْبَتَهُ الْيُمْنَى جَالِسًا عَلَى رَجُلِهِ الْيُسْرَى وَهُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَأَخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْأَدَبِ وَأَمَّا رُكُوعُ الْقَاعِدِ فَأَقَلُّهُ أَنْ يَنْحَنِيَ قَدْرَ مَا يُحَاذِي جَبْهَتَهُ ما وارء رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ وَأَكْمَلُهُ أَنْ يَنْحَنِيَ بِحَيْثُ يُحَاذِي جَبْهَتَهُ مَوْضِعُ سُجُودِهِ وَأَمَّا سُجُودُهُ فَكَسُجُودِ الْقَائِمِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَتَى بِالْمُمْكِنِ وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ خَفْضِهَا أَوْمَأَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَدَرَ الْقَاعِدُ عَلَى رُكُوعِ الْقَاعِدِ وَعَجَزَ عَنْ وَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَظَرَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَقَلِّ رُكُوعِ الْقَاعِدِ أَوْ أَكْمَلِهِ بِلَا زِيَادَةٍ
فَعَلَ الْمُمْكِنَ مَرَّةً عَنْ الرُّكُوعِ وَمَرَّةً عَنْ السُّجُودِ وَلَا يَضُرُّ اسْتِوَاؤُهُمَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَى زِيَادَةٍ عَلَى كَمَالِ الرُّكُوعِ وَجَبَ الِاقْتِصَارُ فِي الِانْحِنَاءِ لِلرُّكُوعِ عَلَى قَدْرِ الْكَمَالِ لِيَتَمَيَّزَ عَنْ السُّجُودِ وَيَجِبُ أَنْ يُقَرِّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ لِلسُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَدَرَ أَنْ يَسْجُدَ علي صدعه أَوْ عَظْمِ رَأْسِهِ الَّذِي فَوْقَ جَبْهَتِهِ وَعَلِمَ أَنَّهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَتْ جَبْهَتُهُ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ هُوَ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَمْ يَقْصِدْ الشَّافِعِيُّ بِذَلِكَ أَنَّ الصُّدْغَ مَحِلُّ السُّجُودِ بَلْ قَصَدَ أَنَّهُ إذَا سَجَدَ عَلَيْهِ كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ بِجَبْهَتِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى مِخَدَّةٍ وَنَحْوِهَا وَحَصَلَتْ صِفَةُ السُّجُودِ بِأَنْ نَكَسَ وَرَفَعَ أَعَالِيَهُ إذَا شَرَطْنَا ذَلِكَ أَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ فِعْلُ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ عَلَى قَدَمَيْهِ لِقَطْعِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِ وَأَمْكَنَهُ النُّهُوضُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَهَلْ يَلْزَمُهُ
النُّهُوضُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخِي وَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ فِي تَدْرِيسِهِ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ لَهُ الْقُعُودُ لِأَنَّ هَذَا لَا يُسَمَّى قِيَامًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَعْهُودًا (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ قَالَ وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِي لِأَنَّهُ أقرب إلي القيام * قال المصنف رحمه الله
* (قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ قَدَرَ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَيُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ وَإِذَا صَلَّى مَعَ الْجَمَاعَةِ صَلَّى بَعْضَهَا مِنْ قُعُودٍ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا لِأَنَّ الْقِيَامَ فَرْضٌ وَالْجَمَاعَةَ نَفْلٌ فَكَانَ الِانْفِرَادُ أَوْلَى فَإِنْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ وَقَعَدَ فِي بَعْضِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَ بِظَهْرِهِ عِلَّةٌ لَا تَمْنَعُهُ مِنْ الْقِيَامِ وَتَمْنَعُهُ من
الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ عَلَى قدر طاقته)
* (الشرح) هذه المسائل على ما ذكرها وَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَجْهٌ أَنَّ صَلَاتَهُ جَمَاعَةً أَفْضَلُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَذْهَبُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْفَاتِحَةِ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَإِذَا زَادَ السُّورَةَ عَجَزَ صَلَّى الفاتحة وَتَرَكَ السُّورَةَ لِأَنَّ الْمُحَافَظَةَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْلَى فَلَوْ شَرَعَ فِي السُّورَةِ فَعَجَزَ قَعَدَ وَلَا يَلْزَمُهُ قَطْعُ السُّورَةِ لِيَرْكَعَ كَمَا قُلْنَا فِيمَا إذا صلي مع الامام وقعد في بَعْضَهَا أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ مُنْتَصِبًا كَمَنْ تَقَوَّسَ ظَهْرُهُ لِزَمَانَةٍ أَوْ كِبَرٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَصَارَ كَرَاكِعٍ فَيَلْزَمُهُ الْقِيَامُ عَلَى حَسَبِ إمْكَانِهِ فَإِذَا أَرَادَ الرُّكُوعَ زَادَ فِي الِانْحِنَاءِ إنْ قَدَرَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا قَالَا فَإِنْ قَدَرَ عِنْدَ الرُّكُوعِ عَلَى الِارْتِفَاعِ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَوْ كَانَ بِظَهْرِهِ عِلَّةٌ تَمْنَعُهُ الِانْحِنَاءَ دُونَ الْقِيَامِ فَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ وَيَرْكَعُ وَيَسْجُدُ بِحَسَبِ طَاقَتِهِ فَيَحْنِي صُلْبَهُ قَدْرَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ حَنَى رَقَبَتِهِ وَرَأْسِهِ فَإِنْ احْتَاجَ فِيهِ إلَى شئ يَعْتَمِدُ عَلَيْهِ أَوْ إلَى أَنْ يَمِيلَ إلَى جَنْبِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يُطِقْ الِانْحِنَاءَ أَصْلًا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ الْقِيَامُ دَلِيلُنَا حَدِيثُ عِمْرَانَ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَلَوْ أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَالِاضْطِجَاعُ دُونَ الْقُعُودِ قَالَ الْبَغَوِيّ يَأْتِي بِالْقُعُودِ قَائِمًا لِأَنَّهُ قُعُودٌ وَزِيَادَةٌ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وَإِنْ كَانَ بِعَيْنِهِ وَجَعٌ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْقِيَامِ فَقِيلَ لَهُ إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ " لَمَّا وَقَعَ فِي عَيْنِهِ الْمَاءُ حَمَلَ إلَيْهِ عَبْدُ الْمَلِكِ الْأَطِبَّاءَ عَلَى الْبُرْدِ فَقِيلَ إنَّك تَمْكُثُ سَبْعًا لَا تُصَلِّي إلَّا مُسْتَلْقِيًا فَسَأَلَ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ فَنَهَتَاهُ "
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ يخاف الضرر من القيام فاشبه المرض)
*
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ فَأَصَابَهُ رَمَدٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ أَوْ غَيْرِهِ وَقَالَ لَهُ طَبِيبٌ مَوْثُوقٌ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك وَإِلَّا خِيفَ عَلَيْك الْعَمَى فَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِلْقَاءُ وَالِاضْطِجَاعُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَلَوْ قِيلَ لَهُ إنْ صَلَّيْت قَاعِدًا أَمْكَنَتْ الْمُدَاوَاةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَجُوزُ الْقُعُودُ قَطْعًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمَفْهُومُ كَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَمِمَّنْ جَوَّزَ لَهُ الِاسْتِلْقَاءَ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَبُو حَنِيفَةَ وَمِمَّنْ مَنَعَهُ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ فِي التَّنْبِيهِ احْتَمَلَ أَنْ يَجُوزَ لَهُ تَرْكُ الْقِيَامِ وَاحْتَمَلَ أَنْ لَا يَجُوزَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ لَا نَقْلَ فِي الْمَسْأَلَةِ مَعَ أَنَّ الْوَجْهَيْنِ فِيهَا مَشْهُورَانِ وَهُوَ مِمَّنْ ذَكَرَهُمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسُؤَالُهُ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ فَقَدْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ أَوْ غَيْرَهُ بَعَثَ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْأَطِبَّاءِ عَلَى الْبُرْدِ وَقَدْ وَقَعَ الْمَاءُ فِي عَيْنَيْهِ فَقَالُوا تُصَلِّي سَبْعَةَ أَيَّامٍ مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاك فَسَأَلَ أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه " رواه الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ لَمَّا وَقَعَ فِي عَيْنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَاءُ أَرَادَ أَنْ يُعَالَجَ مِنْهُ فَقِيلَ تَمْكُثُ كَذَا وَكَذَا يَوْمًا لَا تُصَلِّي
إلَّا مُضْطَجِعًا فَكَرِهَهُ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَرَأَيْت إنْ كَانَ الْأَجَلُ قَبْلَ ذَلِكَ وَأَمَّا الَّذِي حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى عَائِشَةَ وَأَبَا هُرَيْرَةَ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لِذِكْرِ أَبِي هُرَيْرَةِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْمُهَذَّبِ وَرِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ مِنْ اسْتِفْتَاءِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ أَنْكَرَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ حَيْثُ
إنَّ عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ تُوُفِّيَتَا قَبْلَ خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بِأَزْمَانٍ وَهَذَا الْإِنْكَارُ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مَنْ بَعَثَهُ أَنْ يَبْعَثَ فِي زَمَنِ خِلَافَتِهِ بَلْ بَعَثَ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَزَمَنِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَلَا يُسْتَكْثَرُ بَعْثُ الْبُرْدِ مِنْ مِثْلِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَإِنَّهُ كان قبل خلافته من روساء بَنِي أُمَيَّةَ وَأَشْرَافِهِمْ وَأَهْلِ الْوَجَاهَةِ وَالتَّمَكُّنِ وَبَسْطَةِ الدُّنْيَا فَبَعْثُ الْبُرْدِ لَيْسَ بِصَعْبٍ عَلَيْهِ وَلَا على من دونه بدرجات والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِوَجْهِهِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَسْتَلْقِي عَلَى ظَهْرِهِ وَيَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ بِرِجْلَيْهِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ هُوَ الْأَوَّلُ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ مَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى جَالِسًا فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا عَلَى قَفَاهُ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَأَوْمَأَ بِطَرْفِهِ
وَلِأَنَّهُ إذَا اضْطَجَعَ عَلَى جَنْبِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ بِجَمِيعِ بَدَنِهِ وَإِذَا اسْتَلْقَى لَمْ يَسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ إلا برجليه ويومى إلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ وقوله أومأ - هو بالهمز - قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْقُعُودُ وَالْقِيَامُ وَالْعَجْزُ الْمُعْتَبَرُ الْمَشَقَّةُ الشَّدِيدَةُ وَفَوَاتُ الْخُشُوعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْعَجْزِ عن القيام وقال امام الحرمين لا يكتفى ذَلِكَ بَلْ يُشْتَرَطُ فِيهِ عَدَمُ تَصَوُّرِ الْقُعُودِ أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحافا لَهُ بِالْمَرَضِ الْمُبِيحِ لِلتَّيَمُّمِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ هَذَا الْعَاجِزِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلًا بِوَجْهِهِ وَمُقَدِّمِ بَدَنِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمَيِّتِ فِي لَحْدِهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ اضْطَجَعَ عَلَى يَسَارِهِ صَحَّ وَكَانَ مَكْرُوهًا وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَسْتَلْقِي عَلَى قَفَاهُ وَيَجْعَلُ رِجْلَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَضَعُ تَحْتَ رَأْسِهِ شَيْئًا لِيَرْتَفِعَ وَيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا الي السماء
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) يَضْطَجِعُ عَلَى جَنْبِهِ وَيَعْطِفُ أَسْفَلَ قَدَمَيْهِ إلَى الْقِبْلَةِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ
الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ قَوْلَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْخِلَافُ فِي الْكَيْفِيَّةِ الْوَاجِبَةِ فَمَنْ قَالَ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يَجُوزُ غَيْرُهَا بِخِلَافِ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي كَيْفِيَّةِ الْقُعُودِ فَإِنَّهُ فِي الْأَفْضَلِ لِاخْتِلَافِ أَمْرِ الِاسْتِقْبَالِ بِهَذَا دُونَ ذَاكَ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي الْقَادِرِ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَاتِ فَأَمَّا مَنْ لَا يَقْدِرُ إلَّا عَلَى وَاحِدَةٍ فَتُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إذَا صَلَّى عَلَى هَيْئَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَقَدَرَ عَلَى الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ أَتَى بِهِمَا وَإِلَّا أَوْمَأَ إلَيْهِمَا مُنْحَنِيًا بِرَأْسِهِ وَقَرَّبَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَيَكُونُ السُّجُودُ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ فَإِنْ عَجَزَ عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه وهذا كُلُّهُ وَاجِبٌ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالطَّرْفِ أَجْرَى أَفْعَالَ الصَّلَاةِ عَلَى قَلْبِهِ فَإِنْ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ وَجَبَ أَنْ يُجْرِيَ الْقُرْآنَ وَالْأَذْكَارَ الْوَاجِبَةَ عَلَى قَلْبِهِ كَمَا يَجِبُ أَنْ يُجْرِيَ الْأَفْعَالَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَا دَامَ عَاقِلًا لَا يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الصَّلَاةِ وَلَوْ انْتَهَى مَا انْتَهَى وَلَنَا وَجْهٌ حَكَاهُ صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ سَقَطَتْ عَنْهُ الصَّلَاةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا شاذ مردود
وَمُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَأَمَّا حِكَايَةُ صَاحِبِ الْوَسِيطِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ إذَا عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ فَمُنْكَرَةٌ مَرْدُودَةٌ وَالْمَعْرُوفُ عَنْهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْقِطُهَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا هَذَا عَنْ مَالِكٍ أَيْضًا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي فِي الْحَالِ فَإِنْ بَرِئَ لَزِمَهُ القضاء والمعروف عن مالك وأحمد كمذهبنا * قال المصنف رحمه الله
* (وإذا افتتح الصلاة قائما ثم عجز قعد وأتم صَلَاتَهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ وَأَتَمَّ صَلَاتَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُؤَدِّيَ جَمِيعَ صَلَاتِهِ قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ وَجَمِيعَهَا قَائِمًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ فَجَازَ أَنْ يُؤَدِّيَ بَعْضَهَا قَاعِدًا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبَعْضَهَا قَائِمًا عِنْدَ الْقُدْرَةِ وَإِنْ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَاعِدًا ثُمَّ عَجَزَ اضْطَجَعَ وَإِنْ افْتَتَحَهَا مُضْطَجِعًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ أَوْ الْقُعُودِ قَامَ أَوْ قَعَدَ لِمَا ذَكَرْنَا)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا عَجَزَ فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ الْمَفْرُوضَةِ عَنْ الْقِيَامِ جَازَ الْقُعُودُ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ جَازَ الِاضْطِجَاعُ وَيَبْنِي عَلَى ما مضى من صلاته لو صَلَّى قَاعِدًا لِلْعَجْزِ فَقَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَتْ الْمُبَادَرَةُ بِالْقِيَامِ وَيَبْنِي وَلَوْ صَلَّى مُضْطَجِعًا فَأَطَاقَ الْقِيَامَ أَوْ الْقُعُودَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الْمُبَادَرَةُ بِالْمَقْدُورِ
وَيَبْنِي ثُمَّ إنْ تَبَدَّلَ الْحَالُ مِنْ الْكَمَالِ إلَى النَّقْصِ بِأَنْ عَجَزَ فِي أَثْنَائِهَا وَانْتَقَلَ إلَى الْمُمْكِنِ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ وَجَبَ إدَامَةُ قِرَاءَتِهَا فِي هَوِّيهِ وَإِنْ تَبَدَّلَ مِنْ النَّقْصِ إلَى الْكَمَالِ بِأَنْ قَدَرَ الْقَاعِدُ عَلَى الْقِيَامِ لِخِفَّةِ الْمَرَضِ وَغَيْرِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ قَامَ وَقَرَأَ قَائِمًا وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَامَ وَقَرَأَ بَقِيَّتَهَا بَعْدَ الِانْتِصَابِ
قَائِمًا وَيَجِبُ تَرْكُ الْقِرَاءَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ فَإِنْ قَرَأَ فِي حَالِ النُّهُوضِ لَمْ يُحْسَبْ وَإِنْ قَدَرَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ قَبْلَ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ الْقِيَامُ لِيَهْوِيَ مِنْهُ إلَى الرُّكُوعِ وَلَا يَلْزَمُهُ الطُّمَأْنِينَةُ فِي هَذَا الْقِيَامِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَقْصُودًا لِنَفْسِهِ وَيُسْتَحَبُّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ أَنْ يُعِيدَ الْفَاتِحَةَ لِيَقَعَ فِي حَالِ الْكَمَالِ نَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَلَوْ قَدَرَ فِي حَالِ رُكُوعِهِ قَاعِدًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ لَزِمَهُ الِارْتِفَاعُ إلَى حَدِّ الرَّاكِعِينَ عَنْ قِيَامٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرْتَفِعَ قَائِمًا ثُمَّ يَرْكَعُ فَإِنْ فَعَلَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قِيَامًا وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الطُّمَأْنِينَةِ فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ فَيَجِبُ الِاعْتِدَالُ قَائِمًا ثُمَّ يَسْجُدُ وَلَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى رُكُوعِ الْقَائِمِينَ فَإِنْ خَالَفَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ رُكُوعًا وَلَوْ وَجَدَ الْقُدْرَةَ فِي الِاعْتِدَالِ قَاعِدًا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الطُّمَأْنِينَةِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُومَ ليعتدل ويطمئن
وَإِنْ كَانَ بَعْدَهَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَلْزَمُهُ أَنْ يقوم ليقع السجود من قيام (وأصحهما) لَا يَقُومُ لِئَلَّا يَطُولَ الِاعْتِدَالُ وَهُوَ رُكْنٌ قَصِيرٌ فَإِنْ اتَّفَقَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ مِنْ الصُّبْحِ قَبْلَ الْقُنُوتِ لَمْ يَقْنُتْ قَاعِدًا فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ قُعُودًا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ أَنْ يَقُومَ فَيَقْنُتَ قَائِمًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ صَلَاةِ الْفَرْضِ أَمَّا صَلَاةُ النَّافِلَةِ قَاعِدًا فَقَدْ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَسَبَقَ شَرْحُهَا هُنَاكَ كَامِلًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ لو رَكَعَ الْمُصَلِّي فَرِيضَةً فَعَرَضَتْ لَهُ عِلَّةٌ مَنَعَتْهُ الِاعْتِدَالَ سَقَطَ عَنْهُ الِاعْتِدَالُ فَيَسْجُدُ قَالُوا فَلَوْ زَالَتْ الْعِلَّةُ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي السُّجُودِ لَزِمَهُ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْهُ وَإِنْ زَالَتْ بَعْدَ تَلَبُّسِهِ بِالسُّجُودِ أَجْزَأَهُ وَلَمْ يَجُزْ الْعَوْدُ إلَى الِاعْتِدَالِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِالْعَجْزِ فَلَوْ أَتَى به كان زائدا قياما وذكل مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ قَعَدَ وَبَنَى عَلَيْهَا بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا قَاعِدًا لِلْعَجْزِ ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الْقِيَامِ قَامَ وَبَنَى عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ افْتَتَحَهَا مُضْطَجِعًا أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ قَدَرَ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى الْقُعُودِ أَوْ الْقِيَامِ لَزِمَهُ ذَلِكَ وَيَبْنِي عَلَى مَا صَلَّى وَهَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَارِيًّا فَاسْتَتَرَ عَلَى قُرْبٍ أَوْ كَانَ الْمُصَلِّي أُمِّيًّا فَتَلَقَّنَ الْفَاتِحَةَ فَيَبْنِي وَبِهَذَا كُلُّهُ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيَجِبُ استئنافها
*
(بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ)
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ
ان خفتم أن يفتنكم الذين كفروا) قال يعلى بْنُ أُمَيَّةَ قُلْت لِعُمَرَ رضي الله عنه فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إنْ خِفْتُمْ وَقَدْ أَمِنَ النَّاسُ قَالَ عُمَرُ عجبت مما عجبت منه فَسَأَلْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلو لصدقته " وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَيَجُوزُ ذَلِكَ فِي سَفَرِ الْمَاءِ كَمَا يَجُوزُ لِلرَّاكِبِ فِي الْبَرِّ
* (الشرح) حديث يعلى رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ التَّصْرِيحُ بِجَوَازِ الْقَصْرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَفِيهِ جَوَازُ قَوْلِ تَصَدَّقَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَقَدْ كَرِهَهُ بَعْضُ السَّلَفِ وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرْته وَاضِحًا فِي آخِرِ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وقَوْله تَعَالَى (إذا ضربتم في الارض) الضَّرْبُ فِي الْأَرْضِ هُوَ السَّفَرُ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي السَّفَرِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَا يَجُوزُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ وَلَا فِي الْحَضَرِ وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِذَا قَصَرَ الرُّبَاعِيَّاتِ رَدَّهُنَّ إلَى رَكْعَتَيْنِ سَوَاءٌ كَانَ خَوْفٌ أَمْ لَا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْوَاجِبُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلُوا الْحَدِيثَ الثَّالِثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فُرِضَتْ الصَّلَاةُ فِي الْحَضَرِ أَرْبَعًا وَفِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ رَكْعَةٌ مَعَ الْإِمَامِ وَيَنْفَرِدُ بِالْأُخْرَى كَمَا هُوَ الْمَشْرُوعُ فِيهَا وَيَجُوزُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ الْمَاءِ فِي السَّفِينَةِ لِأَنَّهُ سَفَرٌ
دَاخِلٌ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَسَوَاءٌ فِيهِ مِنْ رَكِبَ مَرَّةً أَوْ مَرَّاتٍ وَالْمَلَّاحُ الَّذِي مَعَهُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ وَيُدِيمُ السَّيْرَ فِي الْبَحْرِ وَالْمُكَارِي وَغَيْرُهُمْ فَكُلُّهُمْ لَهُمْ الْقَصْرُ إذَا بَلَغَ سَفَرُهُمْ مَسَافَةً لَوْ قُدِّرَتْ فِي الْبَرِّ بَلَغَتْ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً لَكِنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ الْإِتْمَامُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ إلَّا أَنَّ أَبَا حنيفة يشترط ثلاث مراحل وقال الحسن ابن صَالِحٍ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا يَجُوزُ لِلْمَلَّاحِ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ: دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُسَافِرٌ وَمَا قَالُوهُ يُنْتَقَضُ بِاَلَّذِي يُدِيمُ كِرَاءَ الْإِبِلِ وَغَيْرَهَا وَالسَّيْرَ فِي الْبَرِّ فَإِنَّ له القصر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يجوز القصر الا في مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كُلُّ بَرِيدٍ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ فَذَلِكَ سِتَّةَ عَشْرَ فَرْسَخًا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ " كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ " وَسَأَلَ عَطَاءٌ ابْنَ عَبَّاسٍ " أَأَقْصُرُ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا فَقَالَ إلَى مِنًى فَقَالَ لَا لَكِنْ إلَى جُدَّةَ وَعُسْفَانَ وَالطَّائِفِ " قَالَ مَالِكٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَجُدَّةَ وَعُسْفَانَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَلِأَنَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ تَتَكَرَّرُ مَشَقَّةُ الشَّدِّ وَالتَّرْحَالِ وَفِيمَا دُونَهُ لَا تَتَكَرَّرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأُحِبُّ أَنْ لَا يَقْصُرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ لِيَخْرُجَ مِنْ الْخِلَافِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يبيح القصر الا في ثلاثة أيام)
*
* (الشَّرْحُ)
* الْبُرُدُ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَالرَّاءِ - وَكُلُّ فَرْسَخٍ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ فَالْمَجْمُوعُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَدِلَةً مُعْتَرِضَةً وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَدِلَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ وَقَوْلُهُ وَالتَّرْحَالُ - بِفَتْحِ التَّاءِ - وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ فَسَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرٍ يَبْلُغُ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا بِالْهَاشِمِيِّ سَوَاءٌ فِي هَذَا جَمِيعُ الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ مَعَ الْخَوْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَلَّذِي تَطَابَقَتْ عَلَيْهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَكُتُبُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي جَمِيعِ الْأَسْفَارِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَهُوَ مَنْسُوبٌ
إلَى بَنِي هَاشِمِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَلِكَ بِالْمَرَاحِلِ مَرْحَلَتَانِ قَاصِدَتَانِ سَيْرَ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبَ الْأَقْدَامِ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله سَبْعَةُ نُصُوصٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ قَالَ فِي مَوْضِعٍ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا وَفِي مَوْضِعٍ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ وَفِي مَوْضِعٍ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ وَفِي مَوْضِعٍ أَرْبَعُونَ وَفِي مَوْضِعٍ يَوْمَانِ وَفِي مَوْضِعٍ لَيْلَتَانِ وَفِي مَوْضِعٍ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ قَالُوا قَالَ أَصْحَابُنَا المراد بهذه النصوص كلها شئ وَاحِدٌ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَحَيْثُ قَالَ سِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ أَرَادَ سِوَى مِيلِ الِابْتِدَاءِ وَمِيلِ الِانْتِهَاءِ وَحَيْثُ قَالَ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعِينَ أَرَادَ أَكْثَرَ بِثَمَانِيَةٍ وَحَيْثُ قَالَ أَرْبَعُونَ أَرَادَ أربعون أُمَوِيَّةً وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ هَاشِمِيَّةً فَإِنَّ أَمْيَالَ بَنِي أُمَيَّةَ أَكْبَرُ مِنْ الْهَاشِمِيَّةِ كُلُّ خَمْسَةٍ سِتَّةٌ وَحَيْثُ قَالَ يَوْمَانِ أَيْ بِلَا لَيْلَةٍ وَحَيْثُ قَالَ لَيْلَتَانِ أَيْ بِلَا يَوْمٍ وَحَيْثُ قَالَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ أَرَادَهُمَا مَعًا فَلَا اخْتِلَافَ بَيْنَ نُصُوصِهِ وَهَلْ التَّقْدِيرُ بِثَمَانِيَةٍ وَأَرْبَعِينَ مِيلًا تَحْدِيدٌ أَمْ تَقْرِيبٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) تَحْدِيدٌ لِأَنَّ فِيهِ تَقْدِيرًا بِالْأَمْيَالِ ثَابِتًا عَنْ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِ تَقْدِيرِ الْقُلَّتَيْنِ فَإِنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ تَقْرِيبٌ لِأَنَّهُ لَا تَوْقِيفَ فِي تَقْدِيرِهِ بِالْأَرْطَالِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَقْصُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابنَا فَإِنْ كَانَ السَّيْرُ فِي الْبَحْرِ اُعْتُبِرَتْ الْمَسَافَةُ بِمِسَاحَتِهَا فِي الْبَرِّ حَتَّى لَوْ قَطَعَ قَدْرَ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ مِيلًا فِي سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهَا مَسَافَةٌ صَالِحَةٌ لِلْقَصْرِ فَلَا يُؤَثِّرُ قَطْعُهَا فِي زَمَنٍ قَصِيرٍ كَمَا لَوْ قَطَعَهَا فِي الْبَرِّ عَلَى فَرَسٍ جَوَادٍ فِي بَعْضِ يَوْمٍ فَلَوْ شَكَّ فِي الْمَسَافَةِ اجْتَهَدَ نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي الْمَسَافَةِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَظْهَرْ له شئ بِالِاجْتِهَادِ وَلَوْ حَبَسَتْهُمْ الرِّيحُ فِي الْمَرَاسِي وَغَيْرِهَا
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ هُوَ كَالْإِقَامَةِ فِي الْبَرِّ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ
* (فَرْعٌ)
يُشْتَرَطُ فِي كَوْنِ السَّفَرِ مَرْحَلَتَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَقْصِدِ مَرْحَلَتَانِ فَلَوْ قَصَدَ مَوْضِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَرْحَلَةٌ بِنِيَّةِ أَنْ لَا يُقِيمَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ لَا ذَاهِبًا وَلَا رَاجِعًا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَشَقَّةُ مَرْحَلَتَيْنِ مُتَوَالِيَتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى سَفَرًا طَوِيلًا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ أَنَّ الْحَنَّاطِيَّ حَكَى وَجْهًا أَنَّهُ يَقْصُرُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْمَسَافَةِ الْمُعْتَبَرَةِ لِجَوَازِ الْقَصْرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا هَاشِمِيَّةً وَلَا يَجُوزُ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ واحمد واسحق وأبو ثور وقال عبد الله ابن مَسْعُودٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ - وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الثَّالِثِ وَبِهِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ يَقْصُرُ فِي مَسِيرَةِ يَوْمٍ تَامٍّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وبه أَقُولُ وَقَالَ دَاوُد يَقْصُرُ فِي طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَتَّى قَالَ
لَوْ خَرَجَ إلَى بُسْتَانٍ خَارِجَ الْبَلَدِ قَصَرَ
* وَاحْتُجَّ لِدَاوُدَ بِإِطْلَاقِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ جَوَازَ الْقَصْرِ بلا تقييد للمسافة وبحديث يحيى بن مزيد قَالَ سَأَلْت أَنَسًا عَنْ قَصْرِ الصَّلَاةِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا خَرَجَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ أَوْ ثَلَاثَةَ فَرَاسِخَ صلى ركعتين " رواه مسلم وعن خبير بْنِ نُفَيْرٍ قَالَ خَرَجْت مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ السِّمْطِ إلَى قَرْيَةٍ عَلَى رَأْسِ سَبْعَةَ عَشْرَ أَوْ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ مِيلًا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ رَأَيْت عُمَرَ صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَقُلْت لَهُ فَقَالَ أَفْعَلُ كَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ شرط ثلاثة أميال بحديث بن عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ ثَلَاثًا إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ كَذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَذَكَرُوا مُنَاسَبَاتٍ لَا اعْتِمَادَ عَلَيْهَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ كَانَا يُصَلِّيَانِ رَكْعَتَيْنِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صحيحه تعليقا بصفة جَزْمٍ فَيَقْتَضِي صِحَّتَهُ عِنْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ وعن عطا قال سئل بن عَبَّاسٍ " أَأَقْصُرُ الصَّلَاةَ إلَى عَرَفَةَ فَقَالَ لَا وَلَكِنْ إلَى عُسْفَانَ وَإِلَى
جُدَّةَ وَإِلَى الطَّائِفِ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَصَرَ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ: وَأَمَّا الْحَدِيثُ الذى رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عَبْدِ الوهاب بن مجاهد عن ابيه وعطا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ " فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ عَبْدَ الْوَهَّابِ مُجْمَعٌ عَلَى شِدَّةِ ضَعْفِهِ وَإِسْمَاعِيلُ أَيْضًا ضَعِيفٌ لَا سِيَّمَا فِي رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ الشَّامِيِّينَ: وَالْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ مِنْ إطْلَاقِ الْآيَةِ وَالْأَحَادِيثِ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْقَصْرُ صَرِيحًا فِي دُونِ مُرْحَلَتَيْنِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ غَايَةَ سَفَرِهِ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَافَرَ سَفَرًا طَوِيلًا فَتَبَاعَدَ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ قَصَرَ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالثَّلَاثَةِ لِكَوْنِهِ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْبَلَدِ بَلْ لِأَنَّهُ مَا كَانَ يَحْتَاجُ إلَى الْقَصْرِ إلَّا إذَا تَبَاعَدَ هَذَا الْقَدْرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا يُسَافِرُ عِنْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصلاة الا بعد أن يصليهما فلا تدركه
الصَّلَاةُ الْأُخْرَى إلَّا وَقَدْ تَبَاعَدَ عَنْ الْمَدِينَةِ: وَأَمَّا حَدِيثُ شُرَحْبِيلَ وَقَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه صَلَّى بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ مُسَافِرًا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا فَمَرَّ بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا أَنَّ ذَا الْحُلَيْفَةِ غَايَةُ سَفَرِهِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ عَمَّا احْتَجَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرُوهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ السَّفَرَ لَا يَنْطَلِقُ إلَّا عَلَى مَسِيرَةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ هَذَا السَّفَرَ الْخَاصَّ وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَبِي سَعِيدِ رِوَايَةٌ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إلَّا وَمَعَهَا
زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يوم وليلة وليس مَعَهَا حُرْمَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد لَا تُسَافِرْ بَرِيدًا وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذِهِ الرِّوَايَاتُ الصَّحِيحَةُ فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَالْيَوْمَيْنِ وَالْيَوْمِ
صَحِيحَةٌ وَكَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ تُسَافِرُ ثَلَاثًا بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ سَفَرِهَا يَوْمَيْنِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَقَالَ لَا وَسُئِلَ عَنْ يَوْمٍ فَقَالَ لَا فَأَدَّى كُلٌّ مِنْهُمْ مَا حَفِظَ وَلَا يَكُونُ شئ مِنْ هَذَا حَدًّا لِلسَّفَرِ يَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ وَلَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ فَحَصَلَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ تَحْدِيدَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ السَّفَرُ بَلْ أَطْلَقَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَعَلَى يَوْمَيْنِ وَعَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَعَلَى يَوْمٍ وَعَلَى لَيْلَةٍ وَعَلَى بَرِيدٍ وَهُوَ مَسِيرَةُ نِصْفِ يَوْمٍ فَدَلَّ عَلَى أن الجميع يسمي سفرا والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ كَانَ لِلْبَلَدِ الَّذِي يَقْصِدُهُ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَقْصُرُ فِي الْآخَرِ فَسَلَكَ الا بعد لِغَرَضٍ يُقْصَدُ فِي الْعَادَةِ قَصَرَ وَإِنْ سَلَكَهُ لِيَقْصُرَ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ مَسَافَةٌ تُقْصَرُ فِي مِثْلِهَا الصلاة وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَيْسَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ طَوَّلَ الطَّرِيقَ لِلْقَصْرِ فَلَا يَقْصُرُ كَمَا لَوْ مَشَى فِي مَسَافَةٍ قَرِيبَةٍ طُولًا وَعَرْضًا حَتَّى طال)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ فَإِنْ بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مَسَافَةَ الْقَصْرِ فَسَلَكَ الْأَبْعَدَ قَصَرَ فِي جَمِيعِهِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ سَلَكَهُ لِغَرَضٍ أَمْ لِمُجَرَّدِ الْقَصْرِ لِأَنَّهُ سَافَرَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَإِنْ بَلَغَ أَحَدُ طَرِيقَيْهِ مَسَافَةَ الْقَصْرِ وَنَقَصَ الآخر عنها فان سلك الابعد لغرض من الطَّرِيقِ أَوْ سُهُولَتِهِ أَوْ كَثْرَةِ الْمَاءِ أَوْ الْمَرْعَى أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ عِيَادَةٍ أَوْ بَيْعِ مَتَاعٍ أَوْ غَيْرِ
ذَلِكَ مِنْ الْمَقَاصِدِ الْمَطْلُوبَةِ دِينًا أَوْ دُنْيَا فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَصَدَ التَّنَزُّهَ فَهُوَ غَرَضٌ مَقْصُودٌ فَيَتَرَخَّصُ وَتَرَدَّدَ فِيهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْمَذْهَبُ التَّرَخُّصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُحَقِّقُونَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ غَرَضٌ سِوَى التَّرَخُّصِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَتَرَخَّصُ قَطْعًا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى قَوْلَيْنِ (أَظْهَرُهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَتَرَخَّصُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا كَانَ لِمَقْصِدِهِ طَرِيقَانِ يَقْصُرُ فِي أَحَدِهِمَا فَسَلَكَهُ لِغَيْرِ غرض لم يجر الْقَصْرُ عِنْدَنَا عَلَى الْأَصَحِّ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ واحمد والمزني وداود يجوز
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ سَافَرَ إلَى بَلَدٍ يَقْصُرُ إلَيْهِ الصَّلَاةَ وَنَوَى أَنَّهُ إنْ لَقَى عَبْدَهُ أَوْ صَدِيقَهُ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رَجَعَ لَمْ يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لم يقطع علي سفر يقصر فِيهِ الصَّلَاةُ وَإِنْ نَوَى السَّفَرَ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ مِنْهُ إلَى بَلَدٍ آخَرَ فَهُمَا سَفَرَانِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مما يقصر فيه الصلاة
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ أَنْ يَعْزِمَ فِي الِابْتِدَاءِ عَلَى قَطْعِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ أَوْ غَرِيمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَنَوَى أَنَّهُ مَتَى لَقِيَهُ رَجَعَ وَلَا يَعْرِفُ مَوْضِعَهُ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُ وَبَلَغَ مَرَاحِلَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْهَائِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ وَجَدَهُ وَعَزَمَ عَلَى الرُّجُوعِ إلَى بَلَدِهِ فَإِنْ
كَانَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ إذَا ارْتَحَلَ عَنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَلَوْ عَلِمَ فِي ابْتِدَاءِ السَّفَرِ مَوْضِعَهُ وَأَنَّهُ لَا يَلْقَاهُ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ جَازَ الْقَصْرُ وَلَوْ نَوَى فِي الِابْتِدَاءِ الْخُرُوجَ فِي طَلَبِ الْآبِقِ وَالْغَرِيمِ وَدَابَّتِهِ الضَّالَّةِ أَوْ المسروقة وغيرها على أنه لابد له من وصول الموضع الفلاتى وَهُوَ مَرْحَلَتَانِ سَوَاءٌ وَجَدَهُ قَبْلَهُ أَمْ لَا فَلَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ نَوَى مَسَافَةَ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى إنْ وَجَدَ الْغَرِيمَ رَجَعَ فَإِنْ عَرَضَتْ لَهُ هَذِهِ النِّيَّةُ قَبْل مُفَارِقَةِ عُمْرَانِ الْبَلَدِ لَمْ يَتَرَخَّصْ وَإِنْ عَرَضَتْ بَعْدَ مُفَارِقَةِ الْعُمْرَانِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَجِدْهُ فَإِذَا وَجَدَهُ صَارَ مُقِيمًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِسَبَبِ الرُّخْصَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ حَتَّى يُوجَدَ الْمُغَيِّرُ (وَالثَّانِي) لَا يَتَرَخَّصُ كَمَا لَوْ عَرَضَتْ النِّيَّةُ فِي الْعُمْرَانِ وَلَوْ نَوَى قَصْدَ مَوْضِعٍ فِي مَسَافَةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْعُمْرَانِ الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا فِي بَلَدٍ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ إنْ كَانَ مِنْ مَخْرَجِهِ إلَى الْبَلَدِ الْمُتَوَسِّطِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ تَرَخَّصَ قَطْعًا مَا لَمْ يَدْخُلْ الْمُتَوَسِّطَ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ مَا لَمْ يَدْخُلْهُ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ سَبَبُ الرُّخْصَةِ فَلَا يَتَغَيَّرُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُغَيِّرُ فَإِنْ نَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي الْمُتَوَسِّطِ دُونَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَهُوَ سَفَرٌ وَاحِدٌ فَلَهُ الْقَصْرُ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ وَفِي الْبَلَدِ الْمُتَوَسِّطِ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا خَرَجَ بِنِيَّةِ السَّفَرِ إلَى بَلَدٍ ثُمَّ مِنْهُ إلَى آخَرَ وَنَوَى أَنْ يُقِيمَ فِي الْأَوَّلِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَوَى بَلَدًا ثُمَّ بَلَدًا ثُمَّ بَلَدًا ثَالِثًا وَرَابِعًا
وَأَكْثَرَ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْبَلَدِ وَاَلَّذِي يَلِيه مَسَافَةُ الْقَصْرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا
وَإِنْ كَانَ بَيْنَ بَلَدَيْنِ مِنْهَا دُونَ الْبَاقِي قَصَرَ بَيْنَ الْبَلَدَيْنِ دُونَ الْبَاقِي لِأَنَّهَا أَسْفَارٌ مُتَعَدِّدَةٌ وَلَوْ نَوَى بَلَدًا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ ثُمَّ نَوَى فِي أثناء طريقه مجاوزته فابتدأ سَفَرِهِ مِنْ حِينِ غَيَّرَ النِّيَّةَ فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إذَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ إلَى الْمَقْصِدِ الثَّانِي مَرْحَلَتَانِ وَلَوْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ أَنْ يَرْجِعَ انْقَطَعَ سفره ولا يجوز له القصر مادام فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا فَارَقَهُ فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا جَدِيدًا فَإِنَّمَا يَقْصُرُ إذَا تَوَجَّهَ مِنْهُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ سَوَاءٌ رَجَعَ إلَى وَطَنِهِ أَوْ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَوْ تَرَدَّدَ فِي النِّيَّةِ بَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ أَوْ يَمْضِيَ صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ كَمَا لَوْ جَزَمَ بِالرُّجُوعِ
* (فَرْعٌ)
إذَا سَافَرَ الْعَبْدُ مَعَ مَوْلَاهُ وَالزَّوْجَةُ مَعَ زَوْجِهَا وَالْجُنْدِيُّ مَعَ أَمِيرِهِ وَلَا يَعْرِفُونَ مَقْصِدَهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّرَخُّصُ فَلَوْ نَوَوْا مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَمْ تُؤَثِّرُ نِيَّةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ وَتُؤَثِّرُ نِيَّةُ الْجُنْدِيِّ وَيَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَحْتَ يَدِ الْأَمِيرِ وَقَهْرِهِ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ فَلَوْ عَرَفُوا الْمَقْصِدَ تَرَخَّصُوا كُلُّهُمْ قَالَ الْبَغَوِيّ فَلَوْ نَوَى الْمَوْلَى وَالزَّوْجُ الْإِقَامَةَ لَمْ يَثْبُتْ حُكْمُهَا لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ بَلْ لَهُمَا التَّرَخُّصُ عِنْدَنَا قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ التَّرَخُّصُ تَبَعًا لِلْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفَا الْمَقْصِدَ وَيَصِيرَانِ مُقِيمَيْنِ بِإِقَامَةِ الْمَوْلَى وَالزَّوْجِ وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا وَسَافَرُوا بِهِ وَلَا يَعْلَمُ أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهِ لَمْ يَقْصُرْ فَلَوْ سَارَ مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ قَصَرَ بَعْدَ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَمَّا إذَا علم الموضع الذين يَذْهَبُونَ بِهِ إلَيْهِ فَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ أَنَّهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْهَرَبِ هَرَبَ لَمْ يَقْصُرْ قَبْلَ مَرْحَلَتَيْنِ وَإِنْ نَوَى قَصْدَ ذَلِكَ الْبَلَدِ أَوْ غَيْرِهِ وَلَا مَعْصِيَةَ فِي قَصْدِهِ قَصَرَ فِي الْحَالِ إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَرْحَلَتَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فِي الْأَسِيرِ يَتَعَيَّنُ مَجِيئُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْجُنْدِيِّ فَإِذَا سَارُوا مَرْحَلَتَيْنِ يَقْصُرُونَ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفُوا
الْمَقْصِدَ وَلَعَلَّ الْبَغَوِيَّ وَمَنْ وَافَقَهُ أَرَادُوا قَبْلَ مُجَاوَزَةِ مَرْحَلَتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابِنَا يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْقَصْرِ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَرْبِطَ قَصْدَهُ بِمَقْصِدٍ مَعْلُومٍ فَأَمَّا الْهَائِمُ الَّذِي لَا يَدْرِي أَيْنَ يَتَوَجَّهُ وَلَا لَهُ قَصْدٌ فِي مَوْضِعٍ وَرَاكِبُ التَّعَاسِيفِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْلُكُ طَرِيقًا وَلَا لَهُ مَقْصِدٌ مَعْلُومٌ فَلَا يَتَرَخَّصَانِ أَبَدًا بِقَصْرٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ وَإِنْ طَالَ سَفَرُهُمَا وَبَلَغَ مَرَاحِلَ فَهَذَا هُوَ
الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمَا إذَا بَلَغَا مَسَافَةَ الْقَصْرِ لَهُمَا التَّرَخُّصُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهَذَا شَاذٌّ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ جِدًّا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا الْبَدْوِيُّ إذَا خَرَجَ مُنْتَجِعًا عَلَى أَنَّهُ مَتَى وَجَدَ مَكَانًا مُعْشِبًا أقام به لم يجز له الترخص
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَإِذَا كَانَ السَّفَرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْقَصْرُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ قَالَ " حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فكان يصلي رَكْعَتَيْنِ وَسَافَرْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ وَسَافَرْت مَعَ عُمَرَ فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ حَتَّى ذَهَبَ وَسَافَرْت مَعَ عُثْمَانَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ سِتَّ سِنِينَ ثُمَّ أَتَمَّ بِمِنًى " فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَفْضَلُ فَإِنْ تَرَكَ الْقَصْرَ وَأَتَمَّ جَازَ لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " خَرَجْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عُمْرَةِ رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ وَصُمْت وَقَصَرَ وَأَتْمَمْت فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْطَرْت وَصُمْت وَقَصَرْتَ وَأَتْمَمْت فَقَالَ أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ "
وَلِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلْمُسَافِرِ فَجَازَ تَرْكُهُ كَالْمَسْحِ علي الخفين ثلاثا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عِمْرَانَ صَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَقَالَ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ هُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ لَكِنْ لَمْ يَقَعْ فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ عُمْرَةُ رَمَضَانَ وَالْمَشْهُورُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِرْ إلَّا أَرْبَعَ عُمَرَ لَيْسَ مِنْهُنَّ شئ فِي رَمَضَانَ بَلْ كُلُّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ فَكَانَ أَحِرَامُهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَفَعَلَهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ قَالَ الْقَلَعِيُّ احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ تَخْفِيفٌ عَنْ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ نُقْصَانَهَا عَنْ أَرْبَعٍ لَيْسَ لِلتَّخْفِيفِ قَالَ وَقَوْلُهُ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ احْتِرَازٌ مِمَّا عَفَى عَنْهُ عَنْ الْقِصَاصِ عَلَى الدِّيَةِ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ وَبَذْلُ الْقِصَاصِ مِنْهُ هَكَذَا قَالَهُ الْقَلَعِيُّ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ أَكْلِ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ تَخْفِيفٌ وَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّفَرِ وَيَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا مِمَّنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إلَّا خَمْرًا فَإِنَّهُ يَجِبُ
إسَاغَتُهَا وَهُوَ تَخْفِيفٌ لَا لِلسَّفَرِ: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ فَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا إنْ كَانَ يُدِيمُ السَّفَرَ بِأَهْلِهِ فِي الْبَحْرِ فَلَهُ الْقَصْرُ وَالْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ بَلَغَ سَفَرُهُ مَرَاحِلَ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَرْكُ الْقَصْرِ لِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ الْعُلَمَاءِ وَلِأَنَّهُ لَا وَطَنَ لَهُ غَيْرُهُ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَثْنَى أَيْضًا مَنْ وَجَدَ مِنْ نَفْسِهِ كَرَاهَةَ الْقَصْرِ لَا رَغْبَةً عَنْ السُّنَّةِ أَوْ شَكًّا فِي جَوَازِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْقَصْرُ لِهَذَا أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ بَلْ يُكْرَهُ لَهُ الْإِتْمَامُ حَتَّى تَزُولَ هَذِهِ الْكَرَاهَةُ وَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ الرُّخْصِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَإِنْ كَانَ سَفَرُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا وَلَمْ يَكُنْ مُدْمِنَ سَفَرِ الْبَحْرِ وغيره ولا
يَتْرُكُ الْقَصْرَ رَغْبَةً عَنْهُ فَهَلْ الْأَفْضَلُ الْإِتْمَامُ أَمْ الْقَصْرُ فِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَصْرُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَاهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ فِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَصْرُ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ وَالطَّرِيقُ (الثَّالِثُ) أَنَّهُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْحَنَّاطِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمَا وَسَنُوضِحُ دَلِيلَ الْمَسْأَلَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: وَأَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِفْطَارِ لِأَنَّهُ يُحَصِّلُ بَرَاءَةَ الذِّمَّةِ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَسَنُوضِحُ الْمَسْأَلَةَ في كتاب القيام إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَقْسَامِ الرُّخْصِ الشَّرْعِيَّةِ هِيَ أَقْسَامٌ (أَحَدُهَا) رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ وَلَهَا صُوَرٌ: مِنْهَا مَنْ غُصَّ بِلُقْمَةٍ وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسِيغُهَا بِهِ إلَّا خَمْرًا وَجَبَتْ إسَاغَتُهَا بِهِ وَهِيَ رُخْصَةٌ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى وُجُوبِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ: وَمِنْهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ رُخْصَةٌ وَاجِبَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ فِي بَابِهِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ (الثَّانِي) رُخْصَةُ تَرْكِهَا أَفْضَلُ وَهُوَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفِّ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ أَفْضَلُ مِنْهُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِهِ وَكَذَلِكَ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سَنُوضِحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ
اللَّهُ تَعَالَى وَمِثْلُهُ التَّيَمُّمُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدٌ لَهُ يُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ وَيَتَوَضَّأَ وَيَتْرُكَ رُخْصَةَ التَّيَمُّمِ وَكَذَا الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ لِمَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ أَفْضَلُ مِنْ الْفِطْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ وَكَذَا إتْيَانُ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لِمَنْ سَقَطَتْ عَنْهُ بِعُذْرِ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ (الثَّالِثُ) رُخْصَةٌ يُنْدَبُ فِعْلُهَا وَذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا الْقَصْرُ وَالْإِبْرَادُ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ جَائِزَانِ وَأَنَّ الْقَصْرَ أَفْضَلُ مِنْ الْإِتْمَامِ وَبِهَذَا قَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَعَائِشَةُ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ هَؤُلَاءِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فِي اثْنَيْ عَشْرَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَنْ أَنَسٍ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي قِلَابَةَ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَآخَرُونَ الْقَصْرُ وَاجِبٌ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَ الْقَصْرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسِ وَجَابِرٍ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنْ صَلَّى
أَرْبَعًا وَقَعَدَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ قَدْرَ التَّشَهُّدِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ السَّلَامَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُ وَتَقَعُ الْأَخِيرَتَانِ نَفْلًا وَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ هَذَا الْقَدْرَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ فَصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ أَوْجَبَ الْقَصْرَ بِأَنَّهُ الْمَشْهُورُ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ وَزِيدَ فِي صَلَاةِ الْحَضَرِ " قَالَ الزُّهْرِيُّ قُلْت لِعُرْوَةِ فَمَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ قَالَ تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ " صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ صَلَّيْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّيْت مَعَ أَبِي بَكْرٍ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَصَلَّيْت مَعَ عُمَرَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ " صَلَاةُ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْفِطْرِ رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ وَصَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ
تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِرَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهَا الزِّيَادَةُ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا يُسْتَعْمَلُ لَا جُنَاحَ إلَّا فِي الْمُبَاحِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلا من ربكم) وقَوْله تَعَالَى (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النساء وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خطبة النساء لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ اشتاتا)(فَإِنْ قَالُوا) هَذِهِ اللَّفْظَةَ تُسْتَعْمَلُ فِي الْوَاجِبِ أَيْضًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) وَمَعْلُومٌ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَهُمَا رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَتْ بِهِ عَائِشَةُ رضي الله عنها وَهُوَ ثَابِتٌ
عَنْهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَتْ " أُنْزِلَتْ الْآيَةُ فِي الْأَنْصَارِ كَانُوا قَبْلَ الْإِسْلَامِ يَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلَمَّا أَسْلَمُوا شَكُّوا فِي جَوَازِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ كَانَ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْآيَةَ جَوَابًا لَهُمْ
* وَاحْتَجُّوا مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَمَا سَبَقَ وَعَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ ويتم ويفطر ويصوم " رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ الْمُتَقَدِّمِ فِي إتْمَامِ عُثْمَانَ وَلَوْ كَانَ الْقَصْرُ وَاجِبًا لَمَا وَافَقُوهُ عَلَى تَرْكِهِ وَعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبُو بَكْرٍ بَعْدَهُ وَعُمَرُ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانُ صَدْرًا مِنْ خِلَافَتِهِ ثُمَّ إنَّ عُثْمَانَ صَلَّى بَعْدُ أَرْبَعًا قَالَ فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ صَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا صَلَّاهَا وَحْدَهُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ الْعُلَمَاءَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ رَكْعَتَيْنِ حَتْمًا لَمَا جَازَ فِعْلُهَا أَرْبَعًا خَلْفَ مُسَافِرٍ وَلَا حَاضِرٍ كَالصُّبْحِ (فَإِنْ قَالُوا) الصُّبْحُ لَا يَصِحُّ فِعْلُهَا خَلْفَ الظُّهْرِ عِنْدَنَا (قُلْنَا) فَكَذَا يَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ لَا تُصَحِّحُوا الظُّهْرَ فِي الْمُسَافِرِ خَلْفَ مُتِمٍّ وَلِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ أُبِيحَ لِلسَّفَرِ فَجَازَ تَرْكُهُ كَالْفِطْرِ وَالْمَسْحِ ثَلَاثًا وَسَائِرِ الرُّخَصِ: وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْ قَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْهُ الْقَصْرُ وَالْإِتْمَامُ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ فِعْلِهِ وَمِنْ إقْرَارِهِ لِعَائِشَةَ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِهِمَا لَكِنَّ الْقَصْرَ كَانَ أَكْثَرَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَتِهِ
وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ " فُرِضَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ " أَنَّ مَعْنَاهُ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عَائِشَةَ رَوَتْهُ وَأَتَمَّتْ وَتَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ وَتَأْوِيلُهُمَا أَنَّهُمَا رَأَيَاهُ جَائِزًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْوِيلِهِ وَقَدْ قِيلَ فِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَصِحُّ وَقَدْ أَوْضَحْت فَسَادَهُ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَلِأَنَّ الْمُخَالِفِينَ أَضْمَرُوا فِيهِ أُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِمُقِيمٍ وَأَضْمَرْنَا فِيهِ إذَا أَرَادَ الْقَصْرَ وَلَيْسَ أَضِمَارُهُمْ بِأُولَى مِنْ إضْمَارِنَا وَمِمَّا يُوجِبُ تَأْوِيلَهُ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ
فِي السَّفَرِ أَصْلٌ لَا مَقْصُورَةٌ وَإِنَّمَا صَلَاةُ الْحَضَرِ زَائِدَةٌ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِنَصِّ الْقُرْآنِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي تَسْمِيَتِهَا مَقْصُورَةً وَمَتَى خَالَفَ خَبَرُ الْآحَادِ نَصَّ الْقُرْآنِ أَوْ إجْمَاعًا وَجَبَ تَرْكُ ظَاهِرِهِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه " صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ " فَهُوَ أَنَّ مَعْنَاهُ صَلَاةُ السَّفَرِ رَكْعَتَانِ لِمَنْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الْحَضَرِ وَقَوْلُهُ تَمَامٌ غَيْرُ قَصْرٍ مَعْنَاهُ تَامَّةُ الْأَجْرِ هَذَا إذَا سَلَّمْنَا صِحَّةَ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَإِلَّا فَقَدْ أَشَارَ النَّسَائِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ فَقَالَ لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى مِنْ عُمَرَ وَلَكِنْ قد رواه
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ عن عُجْرَةَ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ لَكِنْ لَيْسَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ قَوْلُهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي بَاقِي الرِّوَايَاتِ (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ فَالْفَرْقُ أَنَّ الْجُمُعَةَ وَالصُّبْحَ شُرِعَتَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ أَصْلِهِمَا لَا يقبلان تغيبر بحال بِخِلَافِ صَلَاةِ السَّفَرِ فَإِنَّهَا تَقْبَلُ الزِّيَادَةَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ لَزِمَهُ أَرْبَعٌ وَلَيْسَ كذلك الجمعة والصبح والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرٍ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ فَأَمَّا إذَا سَافَرَ لِمَعْصِيَةٍ كَالسَّفَرِ لَقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ قِتَالِ
المسلمين فلا يجوز القصر ولا الترخص بشئ مِنْ رُخَصِ الْمُسَافِرِينَ لِأَنَّ الرُّخْصَ لَا يَجُوزُ أَنْ تُعَلَّقَ بِالْمَعَاصِي وَلِأَنَّ فِي جَوَازِ الرُّخْصِ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا لا يجوز)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا عَاصِيًا بِسَفَرِهِ بِأَنْ خَرَجَ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ أَوْ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ ظُلْمًا أَوْ آبِقًا مِنْ سَيِّدِهِ أَوْ نَاشِزَةً مِنْ زَوْجِهَا أَوْ مُتَغَيِّبًا عَنْ غَرِيمِهِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى قَضَاءِ دِينِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لَمْ
يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ رُخَصِ السَّفَرِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إلَّا الْمُزَنِيَّ فَجَوَّزَ لَهُ ذَلِكَ وَإِلَّا التيمم
فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِهِ أَنَّ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَإِعَادَةُ الصَّلَاةِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ التَّيَمُّمُ وَلَا إعَادَةَ (وَالثَّالِثُ) يَحْرُمُ التَّيَمُّمُ وَيَجِبُ الْقَضَاءُ وَيُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ وَيَكُونُ كَتَارِكِهَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ الطَّهَارَةِ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهَا بِالتَّيَمُّمِ بِأَنْ يَتُوبَ وَيَسْتَبِيحَ التَّيَمُّمِ وَسَائِرَ الرُّخَصِ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ خَرَجَ عَاصِيًا بِسَفَرِهِ فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ سَفَرٍ مُبَاحٍ ثُمَّ نَقَلَهُ إلَى مَعْصِيَةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يَتَرَخَّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ لِأَنَّ السَّفَرَ انْعَقَدَ مُبَاحًا مُرَخَّصًا فَلَا يَتَغَيَّرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا ظَاهِرُ النَّصِّ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَرَخَّصُ مِنْ حِينِ نَوَى الْمَعْصِيَةَ لِأَنَّ سَفَرَ الْمَعْصِيَةِ يُنَافِي التَّرَخُّصَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُشْبِهُ مَنْ سَافَرَ مُبَاحًا إلَى مَقْصِدٍ مَعْلُومٍ ثُمَّ نَوَى فِي طَرِيقِهِ إنْ لَقِيت فُلَانًا رَجَعْت فَهَلْ لَهُ اسْتِدَامَةُ التَّرَخُّصِ فِيهِ وَجْهَانِ أَمَّا إذَا أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ وَنَوَى سَفَرًا مُبَاحًا وَاسْتَمَرَّ فِي طَرِيقِهِ إلَى مَقْصِدِهِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ أَنَّ ابْتِدَاءَ سَفَرِهِ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ كَانَ مِنْهُ إلَى مَقْصِدِهِ مَرْحَلَتَانِ تَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّ طرءان سفر الطاعة كطرءان نِيَّةِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَيَكُونُ فِيهِ الْوَجْهَانِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَمَّا الْعَاصِي فِي سَفَرِهِ وَهُوَ مَنْ خَرَجَ فِي سَفَرٍ مُبَاحٍ وَقَصْدٍ صَحِيحٍ ثُمَّ ارْتَكَبَ مَعَاصِيَ فِي طَرِيقِهِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَغَيْرِهِ فَلَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَمْنُوعًا مِنْ السَّفَرِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ الْمَعْصِيَةِ بِخِلَافِ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ
* (فَرْعٌ)
لَيْسَ لِلْعَاصِي بِسَفَرِهِ أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ تَخْفِيفٌ فَلَا يَسْتَبِيحُهُ الْعَاصِي بِسَفَرِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى اسْتِبَاحَتِهِ بِالتَّوْبَةِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى الْهَلَاكِ وَأَمَّا الْمُقِيمُ الْعَاصِي إذَا أَضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَيُبَاحُ لَهُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تُبَاحُ لَهُ حتى يتوب
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا مِمَّا يَلْحَقُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَنْ يُتْعِبَ نَفْسَهُ وَيُعَذِّبَ دَابَّتَهُ بِالرَّكْضِ لِغَيْرِ غَرَضٍ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ حَرَامٌ وَلَوْ انْتَقَلَ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ بِلَا غَرَضٍ صَحِيحٍ لَمْ يَتَرَخَّصْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ السَّفَرُ لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ الْبِلَادِ لَيْسَ بِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلَا يَتَرَخَّصُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: مَذْهَبُنَا جَوَازُ الْقَصْرِ فِي كُلِّ سَفَرٍ لَيْسَ مَعْصِيَةً سَوَاءٌ الْوَاجِبُ وَالطَّاعَةُ وَالْمُبَاحُ كَسَفَرِ التِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا وَلَا يَجُوزُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرٍ وَاجِبٍ وَعَنْ عَطَاءٍ رِوَايَةٌ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي سَفَرِ طَاعَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ وَاجِبًا وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يَجُوزُ الْقَصْرُ فِي سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ وَغَيْرِهِ دَلِيلُنَا عَلَى الْأَوَّلِينَ إطْلَاقُ النُّصُوصِ وَعَلَى الْآخَرِينَ قَوْله تَعَالَى (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مخمصة غير متجانف لاثم) وَأَيْضًا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَجَمِيعُ رُخَصِ السَّفَرِ لَهَا حُكْمُ الْقَصْرِ فِي هَذَا فَلَا يَسْتَبِيحُ العاصى بسفره شيئا حَتَّى يَتُوبَ وَمِنْهَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَجَوَّزَهُ لَهُ أبو حنيفة: دليلنا الاية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يُفَارِقَ مَوْضِعَ الْإِقَامَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) فَعَلَّقَ الْقَصْرَ عَلَى الضَّرْبِ فِي الْأَرْضِ فَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَلَدٍ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ فَإِنْ اتَّصَلَ حِيطَانُ الْبَسَاتِينِ بِحِيطَانِ الْبَلَدِ فَفَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّ الْبَسَاتِينَ لَيْسَتْ مِنْ الْبَلَدِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَرْيَةٍ وَبِجَنْبِهَا قَرْيَةٌ فَفَارَقَ قَرْيَتَهُ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ إنْ كَانَتْ الْقَرْيَتَانِ مُتَقَارِبَتَيْنِ فَهُمَا كَالْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهُمَا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانَتْ خِيَامًا مُجْتَمَعَةً لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ جَمِيعَهَا وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً قَصَرَ إذَا فَارَقَ مَا يَقْرُبُ مِنْ خَيْمَتِهِ قَالَ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعٍ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَيَخْرُجُوا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْطَعُوا بِالسَّفَرِ وَإِنْ قَالُوا نَنْتَظِرُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ لَمْ يَجْتَمِعُوا سِرْنَا جَازَ لَهُمْ أَنْ يَقْصُرُوا لِأَنَّهُمْ قطعوا بالسفر
*
(الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إنْ سَافَرَ مِنْ بَلَدٍ لَهُ سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَةُ السُّورِ سَوَاءٌ كَانَ دَاخِلَهُ بَسَاتِينُ وَمَزَارِعُ أَمْ لَمْ يَكُنْ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مُسَافِرًا قَبْلَ مُجَاوَزَتِهِ فَإِذَا فَارَقَ السُّوَرَ تَرَخَّصَ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ بِمُجَرَّدِ مُفَارَقَتِهِ حَتَّى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ إذَا صَارَ خَارِجَ الْبَلَدِ تَرَخَّصَ وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ إلَى السُّورِ يَعْنِي مُلْصَقًا بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ خَارِجَ السُّوَرِ دُورٌ وَمَقَابِرُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ إنْ كَانَ خَارِجَ السُّورِ دُورٌ أَوْ مَقَابِرُ مُلَاصِقَةٌ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَجَبٌ مِنْ الرَّافِعِيِّ فِي الْمُحَرَّرِ تَرْجِيحَهُ الثَّانِيَ مَعَ تَرْجِيحِهِ الْأَوَّلِ فِي الشَّرْحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْبَلَدِ سُورٌ أَوْ كَانَ لَهُ سُورٌ فِي بَعْضِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ فَابْتِدَاءُ سَفَرِهِ بِمُفَارَقَةِ الْعُمْرَانَ حَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتٌ مُتَّصِلٌ وَلَا مُنْفَصِلٌ وَالْخَرَابُ الْمُتَخَلِّلُ لِلْعُمْرَانِ مَعْدُودٌ مِنْ الْبَلَدِ وَكَذَا النَّهْرُ الْحَائِلُ بَيْنَ جَانِبَيْ بَلَدٍ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ فِي أَطْرَافِ الْبَلَدِ مَسَاكِنُ خَرِبَتْ وَخَلَتْ مِنْ السَّكَّانِ وَلَا عِمَارَةَ وَرَاءَهَا فَإِنْ اتَّخَذُوا مَوْضِعَهَا مَزَارِعَ أَوْ هَجَرُوهُ بِالتَّحْوِيطِ عَلَى الْعَامِرِ وَذَهَبَتْ أُصُولُ الْحِيطَانِ لَمْ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَتَّخِذُوهُ مَزَارِعَ وَلَا حَوَّطُوا على العابر وَبَقِيَتْ أُصُولُهُ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَسْكُونًا فَأَشْبَهَ الصَّحْرَاءَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْ الْبِلَادِ أَمَّا الْبَسَاتِينُ وَالْمَزَارِعُ الْمُتَّصِلَةُ بِالْبَلَدِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا وَإِنْ كَانَتْ مَحُوطَةً هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي والرافعي وجها انه يشترط وليس بشئ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَسَاتِينِ دُورٌ أَوْ قُصُورٌ يَسْكُنُهَا مُلَّاكُهَا بَعْضَ فُصُولِ السَّنَةِ اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا هَكَذَا قَالَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَمْ يَتَعَرَّضُ لَهُ الْجُمْهُورُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لانها ليست من البلد فلا يصير مِنْهُ بِإِقَامَةِ بَعْضِ النَّاسِ فِيهَا بَعْضَ الْفُصُولِ قال أصحابنا لو كان للبلد جانبين بَيْنَهُمَا نَهْرٌ كَبَغْدَادَ فَعَبَرَ الْمُنْشِئُ لِلسَّفَرِ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ الْبُنْيَانَ فِي الْجَانِبِ الثَّانِي لِأَنَّهُمَا بَلَدٌ وَاحِدٌ قَالَ الْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ كَانَ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ مَيْدَانٌ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُجَاوِزَ جمع بُنْيَانِ الْجَانِبِ الْآخَرِ
وَكَذَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا عَنْ الْأَصْحَابِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ: هَذَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ الْكَبِيرَةِ وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الصَّغِيرَةُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَهَا حُكْمُ الْبَلْدَةِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ الْمَحُوطَةِ وَلَا الْبَسَاتِينِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَشَذَّ الْغَزَالِيُّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ إنْ كَانَتْ الْبَسَاتِينُ أَوْ الْمَزَارِعُ مَحُوطَةً اُشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْمَزَارِعِ الْمَحُوطَةِ وَلَا الْبَسَاتِينِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ الْمَحُوطَةِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَالْمَذْهَبُ أَنَّ الْقَرْيَةَ كَالْبَلْدَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ البساتين والمزارع المحوطة ويجئ فِيهَا وَجْهُ الْمُتَوَلِّي: أَمَّا إذَا كَانَتْ قَرْيَتَانِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ فَهُمَا كَمَحَلَّتَيْنِ مِنْ قَرْيَةٍ فَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ مُنْفَرِدَةٌ عَنْ الْأُخْرَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ وَإِنْ انْفَصَلَتْ إحْدَاهُمَا عَنْ الْأُخْرَى فَجَاوَزَ قَرْيَتَهُ جَازَ الْقَصْرُ سَوَاءٌ قَرُبَتْ الْأُخْرَى مِنْهَا أَمْ بَعُدَتْ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إذَا تَقَارَبَتَا اُشْتُرِطَ مُفَارَقَتُهُمَا وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ هُوَ الْأَوَّلُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَتَّى لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ذِرَاعٌ لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ الْأُخْرَى بَلْ يَقْصُرْ بِمُفَارَقَةِ قَرْيَتِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ جَمَعَ سُورٌ قُرًى مُتَفَاصِلَةً لَمْ يُشْتَرَطْ مُجَاوَزَةُ السُّورِ وَكَذَا لَوْ قُدِّرَ ذَلِكَ فِي بَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَلِهَذَا قُلْنَا أَوَّلًا إنْ ارْتَحَلَ مِنْ بَلْدَةٍ لَهَا سُورٌ مُخْتَصٌّ بِهَا وَأَمَّا الْمُقِيمُ فِي الصَّحْرَاءِ فَيُشْتَرَطُ مُفَارِقَتُهُ لِلْبُقْعَةِ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا رَحْلُهُ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ فَإِنْ سكن واديا وسار في عرضه فلابد مِنْ مُجَاوَزَةِ عَرْضِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى الِاتِّسَاعِ الْمُعْتَادِ فِي الْأَوْدِيَةِ فَإِنْ أَفْرَطَتْ سِعَتُهُ لَمْ يُشْتَرَطُ إلَّا مُجَاوَزَةُ الْقَدْرِ الَّذِي يُعَدُّ مَوْضِعَ نُزُولِهِ أَوْ مَوْضِعَ الْحِلَّةِ الَّتِي هُوَ مِنْهَا كَمَا لَوْ سَافَرَ فِي طُولِ الْوَادِي فَإِنَّهُ يَكْفِيه ذَلِكَ الْقَدْرُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ظَاهِرِهِ وَيُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ عَرْضِهِ مُطْلَقًا وَجَانِبَا الْوَادِي كَسُورِ الْبَلَدِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَلَوْ كَانَ نَازِلًا فِي رَبْوَةٍ اُشْتُرِطَ أَنْ يَهْبِطَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ فِي وَهْدَةٌ اُشْتُرِطَ أَنْ يَصْعَدَ وَهَذَا إذَا كَانَتَا مُعْتَدِلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْوَادِي وَلَا فَرْقَ فِي اعْتِبَارِ مُجَاوَزَةِ عَرْضِ الْوَادِي وَالْهُبُوطِ وَالصُّعُودِ بَيْنَ الْمُنْفَرِدِ فِي خَيْمَةٍ وَمَنْ هُوَ فِي جَمَاعَةٍ أَهْلِ خِيَامٍ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ خِيَامٍ فَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ إذَا فَارَقَ الْخِيَامَ كُلَّهَا مُجْتَمَعَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً إذَا كَانَتْ حِلَّةً
وَاحِدَةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ أَبْنِيَةِ الْبَلَدِ وَلَا يُشْتَرَطُ مُفَارِقَتُهُ لِحِلَّةٍ أُخْرَى بَلْ الْحِلَّتَانِ كَبَلْدَتَيْنِ مُتَقَارِبَتَيْنِ وَضَبَطَ الصَّيْدَلَانِيُّ التَّفَرُّقَ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ بِأَنْ يَكُونُوا بِحَيْثُ يَجْتَمِعُونَ لِلسَّمَرِ فِي نَادٍ وَاحِدٍ وَيَسْتَعِيرُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ فَإِنْ كَانُوا هَكَذَا فَهِيَ حِلَّةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ مَعَ مجاوزة الْخِيَامَ مُجَاوَزَةُ مَرَافِقِهَا كَمَطْرَحِ الرَّمَادِ وَمَلْعَبِ الصِّبْيَانِ وَالنَّادِي وَمَرَاحِ الْإِبِلِ لِأَنَّهَا مِنْ مَوْضِعِ إقَامَتِهِمْ وَلَنَا وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مُفَارَقَةُ الْخِيَامِ بَلْ يَكْفِي مُفَارَقَةُ خَيْمَتِهِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ: ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ قَصَرَ وَلَا يَقْصُرُ قَبْلَ مُفَارَقَتِهَا وَإِنْ فَارَقَ مَنْزِلَهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ أَنَّهُ أَرَادَ سَفَرًا فَصَلَّى بهم ركعتين في منزله وفيهم الْأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ وَرُوِّينَا مَعْنَاهُ عَنْ عَطَاءٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى قَالَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَا يَقْصُرُ الْمُسَافِرُ نَهَارًا حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَا نَعْلَمُ أَحَدًا وَافَقَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ إنْ خَرَجَ بِالنَّهَارِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ اللَّيْلُ وَإِنْ خَرَجَ بِاللَّيْلِ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَدْخُلَ النَّهَارُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ قَالَ إذَا جَاوَزَ حِيطَانَ دَارِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ فَهَذَانِ الْمَذْهَبَانِ فَاسِدَانِ فَمَذْهَبُ مُجَاهِدٍ مُنَابِذٌ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي قَصْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ خَرَجَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَمَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُوَافِقِيهِ مُنَابِذٌ لِاسْمِ السَّفَرِ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَارَقَ بُنْيَانَ الْبَلَدِ ثُمَّ رَجَعَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ الْبَلَدُ وَطَنَهُ وَلَا أَقَامَ فِيهِ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِالرُّجُوعِ وَلَا بِدُخُولِهِ بَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ بِالْقَصْرِ وَغَيْرِهِ فِي رُجُوعِهِ وَفِي نَفْسِ الْبَلَدِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ وَطَنَهُ فَلَيْسَ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ وَإِنَّمَا يَتَرَخَّصُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ ثَانِيًا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَرَخَّصُ فِي رُجُوعِهِ لَا فِي الْبَلَدِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَكُونَ وَطَنُهُ لَكِنَّهُ أَقَامَ فِيهِ مُدَّةً فَهَلْ لَهُ التَّرَخُّصُ فِي رُجُوعِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَتَرَخَّصُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ غَيْرُ نَاوِي الْإِقَامَةِ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَالْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
لَا يَتَرَخَّصُ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ لِأَنَّهُ عَائِدٌ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَتَرَخَّصُ إذَا عَادَ فَنَوَى الْعَوْدَ وَلَمْ يَعُدْ
لَمْ يَتَرَخَّصْ بَلْ صَارَ بِالنِّيَّةِ مُقِيمًا وَسَوَاءٌ زَمَنُ الرُّجُوعِ وَزَمَنُ الْحُصُولِ فِي الْبَلَدِ فِي الحالتين فحيث ترخص بترخص فِيهِمَا وَحَيْثُ لَا يَجُوزُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ مَوْضِعِ الرُّجُوعِ إلَى الْوَطَنِ مَسَافَةُ الْقَصْرِ فَإِنْ كَانَتْ فَهُوَ مُسَافِرٌ فَيَتَرَخَّصُ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَرَجُوا مِنْ الْبَلَدِ وَأَقَامُوا فِي مَوْضِعٍ بِنِيَّةِ انْتِظَارِ رُفْقَتِهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ خَرَجُوا سَارُوا كُلُّهُمْ وَإِلَّا رَجَعُوا وَتَرَكُوا السَّفَرَ لَمْ يَجُزْ لهم القصر لانهم لم يجزوا بِالسَّفَرِ وَهَذِهِ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَأَمَّا إذَا قَالَ نَنْتَظِرُهُ يَوْمَيْنِ وَثَلَاثَةً فَإِنْ لَمْ يَخْرُجُوا سِرْنَا فَلَهُمْ الْقَصْرُ لِأَنَّهُمْ جَزَمُوا بِالسَّفَرِ
* (فَرْعٌ)
فِي انْتِهَاءِ السَّفَرِ الَّذِي تَنْقَطِعُ بِهِ الرُّخَصُ: قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِثَلَاثَةِ أُمُورٍ (الْأَوَّلُ) الْعَوْدُ إلَى الْوَطَنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَضَابِطُهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي شَرَطْنَا مُفَارَقَتَهُ فِي إنْشَاءِ السَّفَرِ مِنْهُ فَبِمُجَرَّدِ وُصُولِهِ تَنْقَطِعُ الرُّخَصُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي مَعْنَى الْوَطَنِ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَافَرَ إلَيْهِ إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ فِيهِ الْقَدْرَ الْمَانِعَ مِنْ التَّرَخُّصِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ بِهِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْقَطِعُ تَرَخُّصُهُ بَلْ يَتَرَخَّصُ فِيهِ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ مُسْتَمِرٌّ حَتَّى يَقْطَعَهُ بِإِقَامَةٍ أَوْ نِيَّةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْبَاقِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
يَنْقَطِعُ كَالْوَطَنِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَلَوْ حَصَلَ فِي طَرِيقِهِ فِي قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ لَهُ بِهَا أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ وَلَيْسَ هُوَ مُسْتَوْطَنُهَا الْآنَ فَهَلْ يَنْتَهِي سَفَرُهُ بِدُخُولِهَا فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْتَهِي بل له الترخص فِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مُقِيمًا وَبِهَذَا قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَوْ مَرَّ فِي سَفَرِهِ بِوَطَنِهِ بِأَنْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَنَوَى أَنَّهُ يَرْجِعُ إلَيْهَا وَيَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ إقَامَةٍ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُقِيمًا بِدُخُولِهَا لِأَنَّهُ فِي وَطَنِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ مُسَافِرًا
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ فِيهِ الْقَوْلَانِ كَبَلَدِ أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ فَعَلَى أحدهما
العود إلى الوطن لا يَقْتَضِي انْتِهَاءُ السَّفَرِ إلَّا إذَا عَزَمَ عَلَى الْإِقَامَةِ (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْإِقَامَةِ
(وَالثَّالِثُ) صُورَةُ الْإِقَامَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَنَشْرَحُهُمَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ خَرَجَ إنْسَانٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَالِيًا عَلَى مَكَّةَ وَأَرَادَ الْحَجَّ وَأَحْرَمَ بِهِ قَصَرَ فِي طَرِيقِهِ مَا لَمْ يَدْخُلْ مَكَّةَ فَإِذَا دَخَلَهَا انْقَطَعَ سَفَرُهُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ فِي خُرُوجِهِ إلَى عَرَفَاتِ وَمِنًى فَإِنْ عُزِلَ عَنْ الْوِلَايَةِ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ بُنَيَّةِ السَّفَرِ إلَى مَسَافَةِ القصر وان ولى بلادا كثيرة فَخَرَجَ إلَيْهَا وَنِيَّتُهُ الْمَقَامُ فِي بَعْضِهَا جَازَ لَهُ الْقَصْرُ فِي كُلِّ بَلَدٍ يَدْخُلُهُ غَيْرَ بَلَدِ الْإِقَامَةِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَدْخُلُ مَكَّةَ وَغَيْرَهَا مِمَّا فِي وِلَايَتِهِ ويقصر " * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَكُونَ جَمِيعُ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ فَأَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ سَارَتْ السَّفِينَةُ وَحَصَلَتْ فِي السَّفَرِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَكَذَا إنْ أَحْرَمَ بِهَا فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ اتَّصَلَتْ السَّفِينَةُ بِمَوْضِعِ الْإِقَامَةِ أَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ اُجْتُمِعَ فِي صَلَاتِهِ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالْإِتْمَامَ فَغَلَبَ الْإِتْمَامُ وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَ الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ فَإِذَا لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ انْعَقَدَ إحْرَامُهُ عَلَى الْإِتْمَامِ فَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ كالمقيم)
* (الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ كَمَا ذَكَرَهَا بِاتِّفَاقٍ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَارَ مُقِيمًا أَتَمَّ صَلَاتَهُ أَرْبَعًا وَلَا يَلْزَمُهُ نِيَّةُ الْإِتْمَامِ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ إلَّا رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ قَطَعَتْ حُكْمَ الرُّخْصَةِ بِتَعْيِينِ الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْإِتْمَامُ مُنْدَرِجٌ فِي نِيَّةِ الْقَصْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ نَوَيْت الْقَصْرَ مَا لَمْ يَعْرِضْ مَا يُوجِبُ الْإِتْمَامَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا ثُمَّ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حكم الاتمام وكذا لو دخل في فِي أَثْنَاءِ صَلَاتِهِ فِي سَفِينَةِ بَلَدِهِ أَوْ شَكَّ هَلْ هُوَ بَلَدُهُ أَمْ لَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بَلَدَهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ: وَاعْلَمْ أَنَّهُ يَسْتَشْكِلُ ذِكْرُ مَسْأَلَةِ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ لِأَنَّهُ إنْ نوى الصلاة
تَامَّةً أَوْ أَطْلَقَ النِّيَّةَ انْعَقَدَتْ صَلَاتُهُ تَامَّةً وَلَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الْقَصْرِ وَهُوَ نِيَّةُ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَإِنْ نَوَى الْقَصْرَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ لِأَنَّ مَنْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْبَلَدِ فَصَلَاتُهُ
بَاطِلَةٌ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَيَكْفِي فِي أَشْكَالِهَا أَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ مَعَ جَلَالَتِهِ اسْتَشْكَلَهَا فَقَالَ لَيْسَ فِي ذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كثير فَائِدَةٍ ثُمَّ بَسَطَ الْقَوْلَ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَتْهُ وَذَكَرَ احْتِمَالَيْنِ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ كَلَامٍ طَوِيلٍ لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ نَقْلٌ قَالَ وَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّ الْمُقِيمَ لَوْ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ جَزْمًا وَلَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ وَإِنْ نَوَى التَّرَخُّصَ بِالْقَصْرِ فَفِيهِ احْتِمَالٌ هَذَا كَلَامُهُ وَجَزَمَ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ بِبُطْلَانِ صَلَاةِ الْمُقِيمِ الَّذِي نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ و (الجواب) عَنْ الْإِشْكَالِ الْمَذْكُورِ أَنْ يُقَالَ صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ مُطْلَقًا فِي سَفِينَةٍ فِي الْبَلَدِ ثُمَّ يَسِيرُ وَيُفَارِقُ الْبَلَدَ فِي أَثْنَائِهَا فَيَجِبُ الْإِتْمَامُ لِعِلَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فَقْدُ نِيَّةِ الْقَصْرِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالثَّانِيَةُ) اجْتِمَاعُ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِيهَا فبينو أَنَّ اجْتِمَاعَ الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ فِي الْعِبَادَةِ يُوجِبُ تَغْلِيبَ حُكْمِ الْحَضَرِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ حِينَئِذٍ فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَهِيَ إذَا مَسَحَهُ فِي الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ فَعِنْدَنَا يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَمْسَحُ مَسْحَ مُسَافِرٍ فَيَقُولُ اجْتَمَعَ الْحَضَرُ وَالسَّفَرُ وَاجْتِمَاعُهُمَا يُوجِبُ تَغْلِيبَ الْحَضَرِ وَقَدْ وَافَقَ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ بَلْ نَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى هَذَا وَهَذَا الْقِيَاسُ هُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ
أَصْحَابُنَا فِي مَسْأَلَةِ الْخُفِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ حَتَّى يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَوْ نَوَاهُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَلَوْ قَبْلَ السَّلَامِ جَازَ الْقَصْرُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ نِيَّةُ الْقَصْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْقَصْرُ وَحَكَى الشيخ أبو حامد وصاحب البيان عن المغربي أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ثُمَّ نَوَى فِي أَثْنَائِهَا أَنْ يَقْصُرَ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ لِمَا سَبَقَ وَعَلَى الْآخَرِينَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا فَمَتَى وَجَدَ جُزْءٌ مِنْهَا بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَجَبَ إتْمَامُهَا تَغْلِيبًا لِلْأَصْلِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْقَصْرِ الْعِلْمُ بِجَوَازِهِ فَلَوْ جَهِلَ جَوَازَهُ فَقَصَرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ احتمالا وليس
بشئ لِأَنَّهُ مُتَلَاعِبٌ وَكَأَنَّ إمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَمْ يَرَ نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَاتِّفَاقَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى التَّصْرِيحِ بِالْمَسْأَلَةِ ثُمَّ إنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ عَمْدًا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا أَرْبَعًا لِالْتِزَامِهِ الْإِتْمَامَ فَإِنْ صَلَاتُهُ انْعَقَدَتْ تَامَّةً وَإِنْ كَانَ نَوَى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ جَاهِلُ الْقَصْرَ فَهُوَ مُتَلَاعِبٌ وَإِذَا أَعَادَهَا فَلَهُ الْقَصْرُ إذَا عَلِمَ جَوَازَهُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَجِبُ الْإِتْمَامُ فِي الْإِعَادَةِ عَلَى مَنْ لَا يَعْقِدُ صَلَاتَهُ تَامَّةً ثُمَّ فَسَدَتْ وَهُنَا لَمْ تنعقد بِخِلَافِ الصُّورَةِ الَّتِي قَبْلَهَا
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا نِيَّةُ الْقَصْرِ شَرْطٌ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا يَجِبُ اسْتِدَامَةُ ذِكْرِهَا لَكِنْ يُشْتَرَطُ الِانْفِكَاكُ عَنْ مُخَالِفَةِ الْجَزْمِ بِهَا فَلَوْ نَوَى الْقَصْرَ فِي الْإِحْرَامِ ثُمَّ تَرَدَّدَ فِي الْقَصْرِ والاتمام أو شك فيه جَزَمَ بِهِ أَوْ تَذَكَّرَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ سَاهٍ بِأَنْ كَانَ حَنَفِيًّا لَا يَرَى الْإِتْمَامَ لَمْ يَلْزَمْ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ بَلْ يُخَيَّرُ إنْ شَاءَ نَوَى مُفَارَقَتَهُ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَهُ حَتَّى يَعُودَ وَيُسْلَمَ مَعَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ بِقِيَامِ الْإِمَامِ سَاهِيًا تَوَجَّهَ السُّجُودُ عَلَيْهِمَا فَلَوْ أَرَادَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ أَتَمَّ لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَدِيَ بِالْإِمَامِ فِي سَهْوِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ وَلَا يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِمَنْ عَلِمْنَا أَنَّ مَا هُوَ فِيهِ غَيْرُ مَحْسُوبٍ لَهُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ مِنْ آخِرِ الصَّلَاةِ رَكْعَةً ثُمَّ قَامَ الْإِمَامُ بَعْدَهَا إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمَسْبُوقِ أَنْ يُتَابِعَهُ فِي تَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ وَلَوْ شَكَّ هَلْ قَامَ إمَامُهُ سَاهِيًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِتَرَدُّدِهِ وَلَوْ نَوَى الْمُنْفَرِدُ الْقَصْرَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَامَ إلَى ثَالِثَةٍ فَإِنْ كَانَ حَدَثَ مَا يقتضى الاتمام كنية الاتمام أَوْ الْإِقَامَةِ أَوْ حُصُولِهِ بِدَارِ الْإِقَامَةِ فِي سَفِينَةٍ فَقَامَ لِذَلِكَ فَقَدْ فَعَلَ وَاجِبَهُ وَإِنْ لم يحدث شئ مِنْ ذَلِكَ وَقَامَ عَمْدًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ زَادَ فِي صَلَاتِهِ عَمْدًا كَمَا لَوْ قَامَ الْمُقِيمُ إلَى خَامِسَةٍ وَكَمَا لَوْ قَامَ الْمُتَنَفِّلُ إلَى رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ قَبْلَ تَغْيِيرِ النِّيَّةِ وَإِنْ قَامَ سَهْوًا ثُمَّ ذَكَرَ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ وَيُسْلَمَ فَلَوْ أَرَادَ الْإِتْمَامَ بَعْدَ التَّذَكُّرِ لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْقُعُودِ ثُمَّ يَنْهَضَ مُتِمًّا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّ لَهُ أَنْ يَمْضِيَ فِي قِيَامِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ النُّهُوضَ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ وَاجِبٌ وَنُهُوضُهُ كَانَ لَاغِيًا لِسَهْوِهِ وَلَوْ صَلَّى ثَالِثَةً وَرَابِعَةً سَهْوًا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ فَتَذَكَّرَ سَجَدَ لِلسَّهْوِ وَسَلَّمَ وَوَقَعَتْ
صَلَاتُهُ مَقْصُورَةً وَتَكُونُ الرَّكْعَتَانِ الزَّائِدَتَانِ لَاغِيَتَيْنِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِمَا الصَّلَاةُ لِلسَّهْوِ فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ آخِرَتَيْنِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ لِأَنَّ الاتمام يقتضى
أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مَحْسُوبَاتٍ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَيَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى مَا لَوْ أَحْرَمَ فِي سَفِينَةٍ فِي السَّفَرِ ثُمَّ وَصَلَتْ الْوَطَنَ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الْإِمَامُ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ وَالْمَأْمُومِينَ الْإِتْمَامُ قَالَ أبو حامد قال مالك للمأمومين القصر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ مَا يَقْتَضِي الْقَصْرَ وَالتَّمَامَ فَغَلَبَ التَّمَامُ كَمَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا فِي السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَقْصُرَ الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُقِيمٍ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ فَهُوَ كَالْمُؤْتَمِّ بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ تَامَّةً فَإِنْ لَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ أَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ فَرْضٌ لَزِمَهُ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِفْسَادِ كَحَجِّ التَّطَوُّعِ وَإِنْ شَكَّ هَلْ أَحْرَمَ بالصلاة في السفر أو في الحضر أَوْ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَوْ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لان الاصل هو التمام والقصر أُجِيزُ بِشُرُوطٍ فَإِذَا لَمْ تَتَحَقَّقْ الشُّرُوطُ رَجَعَ إلَى الْأَصْلِ فَإِنْ ائْتَمَّ بِمُسَافِرٍ أَوْ بِمَنْ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ جَازَ أَنْ يَنْوِيَ الْقَصْرَ خَلْفَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِمَامَ مُسَافِرٌ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ تَبِعَهُ فِي الْإِتْمَامِ لِأَنَّهُ بَانَ أَنَّهُ ائْتَمَّ بِمُقِيمٍ أَوْ بِمَنْ نوى الْإِتْمَامَ وَإِنْ أَفْسَدَ الْإِمَامُ صَلَاتَهُ وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ أَوْ الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَهُوَ قَوْلُ ابى اسحق لِأَنَّهُ شَكٌّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ وَمَنْ شَكَّ فِي عَدَدِ الصَّلَاةِ لَزِمَهُ الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ لَا عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ شَكَّ هَلْ صَلَّى ثَلَاثًا أَمْ أَرْبَعًا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الثَّلَاثُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ أئتم بمن الظاهر منه انه يقصر)
*
(الشَّرْحُ) قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِمَنْ ائْتَمَّ بمتم كان الاحسن أن يقول بمقيم لِأَنَّهُ أَعَمُّ وَكَذَا قَوْلُهُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ مؤتم بمقيم كان الاحسن بمتم وقوله لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةٌ تَامَّةٌ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ وَسَنُوضِحُهُ فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله شَرْطُ الْقَصْرِ أَنْ لَا يَقْتَدِيَ بِمُتِمٍّ فَمَنْ اقْتَدَى بِمُتِمٍّ فِي لَحْظَةٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ كَانَ الْمُتِمُّ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ تَرَكَ نِيَّةَ الْقَصْرِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَيُتَصَوَّرُ الِاقْتِدَاءُ بِالْمُتِمِّ فِي لَحْظَةٍ فِي صُوَرٍ (مِنْهَا) أَنْ يُدْرِكَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ يُحَدِّثَ الْإِمَامُ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَأْمُومَ أَوْ يَنْوِيَ مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاقْتِدَاءِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْعَصْرَ مَقْصُورَةً جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الصُّبْحَ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَكْثَرُونَ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِاتِّفَاقِهِمَا فِي الْعَدَدِ حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِلَّا فَلَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا لِأَنَّ الصُّبْحَ لَا يَخْتَلِفُ الْمُسَافِرُ وَالْمُقِيمُ فِيهَا وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مَقْصُورَةً خَلْفَ الْجُمُعَةِ مُسَافِرًا كَانَ إمَامُهَا أَوْ مُقِيمًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُؤْتَمٌّ بِمُتِمٍّ (وَالثَّانِي) إنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ جَازَ الْقَصْرُ كَالظُّهْرِ مَقْصُورَةً خَلْفَ عَصْرٍ مَقْصُورَةٍ وَإِلَّا فَهِيَ كَالصُّبْحِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الطَّرِيقَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَمَتَى عَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّ إمَامَهُ مُقِيمٌ لَزِمَهُ الاتمام فلو اقتدى به ونوى القصر انعقد صَلَاتُهُ وَلَغَتْ نِيَّةُ الْقَصْرِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا بِخِلَافِ الْمُقِيمِ يَنْوِي الْقَصْرَ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْقَصْرِ وَالْمُسَافِرُ مِنْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَضُرَّهُ نِيَّتُهُ كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْقَصْرِ ثُمَّ نَوَى الْإِتْمَامَ أَوْ صَارَ مُقِيمًا فَإِنَّهُ يَبْنِي عَلَيْهَا أَمَّا إذَا عَلِمَ أَوْ ظَنَّ إمَامَهُ مُسَافِرًا وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ خَلْفَهُ وَكَذَا لَوْ عَلِمَ أو ظنه مسافرا ولم يدرأ نوى الْقَصْرَ أَمْ لَا فَلَهُ الْقَصْرُ وَرَاءَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يَضُرُّهُ الشَّكُّ فِي نِيَّةِ إمَامِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ نِيَّةُ الْقَصْرِ وَلَوْ عَرَضَ هَذَا الشَّكُّ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَمْ يُؤَثِّرْ بَلْ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ جَهِلَ نِيَّةَ إمَامِهِ الْمُسَافِرِ فَعَلَّقَ عَلَيْهَا فَقَالَ إنْ قَصَرَ
قَصَرْت وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) صِحَّةُ التَّعْلِيقِ فَإِنْ أَتَمَّ الْإِمَامُ أَتَمَّ وَإِنْ قَصَرَ قَصَرَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسَافِرِ الْقَصْرُ وَمُقْتَضَى الْأَطْلَاقِ هُوَ مَا نَوَى
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ لِلشَّكِّ وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ أَفْسَدَهَا فَقَالَ كُنْت نَوَيْت الْقَصْرَ جَازَ لِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ قَالَ كُنْت نَوَيْت الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ انْصَرَفَ وَلَمْ يَظْهَرْ لِلْمَأْمُومِ مَا نَوَاهُ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذكرهما المصنف
بدليلهما (أصحهما) وهو المنصوص وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ لَهُ الْقَصْرُ وَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ امامه بشئ لَكِنَّهُ عَادَ فَاسْتَأْنَفَ صَلَاتَهُ رَكْعَتَيْنِ فَلِلْمَأْمُومِ الْقَصْرُ وَإِنْ صَلَّاهَا أَرْبَعًا لَزِمَ الْمَأْمُومُ الْإِتْمَامَ فَيَعْمَلُ بِفِعْلِهِ كَمَا يَعْمَلُ بِقَوْلِهِ ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ شَكَّ هَلْ إمَامُهُ مُسَافِرٌ أَمْ مُقِيمٌ وَلَمْ يَتَرَجَّحْ لَهُ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ بَانَ الْإِمَامُ مُتِمًّا أَوْ قَاصِرًا أَوْ انصرف وجهل حاله وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ إذَا بَانَ قَاصِرًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَمَّا إذَا اقْتَدَى بِمُتِمٍّ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَوْ بان محدثا أو فسدت صلاة المأموم فستأنفها فَيَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا وَلَمْ يَنْوِ الْقَصْرَ ثُمَّ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِلَا خِلَافٍ لِالْتِزَامِهِ ذَلِكَ بِشُرُوعٍ صَحِيحٍ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمَنْ ظَنَّهُ مُسَافِرًا قَاصِرًا فَبَانَ مُقِيمًا أَوْ مُتِمًّا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِاقْتِدَائِهِ بِمُتِمٍّ وَلَوْ بَانَ مُقِيمًا مُحْدِثًا نَظَرَ إنْ بَانَ كونه مقيما أو لا لزم الاتمام وان بان اولا محدئا ثُمَّ بَانَ مُقِيمًا أَوْ بَانَا مَعًا فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَصْرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ أَقْتِدَاؤُهُ
(وَالثَّانِي)
لَا قَصْرَ لَهُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي لَهُ الْقَصْرُ وَجْهًا وَاحِدًا وَلَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بِنِيَّةِ الْإِتْمَامِ أَوْ مُطْلَقًا أَوْ كَانَ مُقِيمًا ثُمَّ بَانَ مُحْدِثًا ثُمَّ سَافَرَ وَالْوَقْتُ بَاقٍ فَلَهُ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ لِعَدَمِ الشُّرُوعِ الصَّحِيحِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فَبَانَ حَدَثَ الْمَأْمُومُ فَلَهُ الْقَصْرُ لِعَدَمِ شُرُوعِهِ الصَّحِيحِ وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِمَنْ يَعْرِفُهُ مُحْدِثًا وَيَعْلَمُهُ مُقِيمًا فَلَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ شُرُوعُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مُسَافِرٌ بمسافرين ومقيمين جاز ويقصر الامام والمسافرين وَيُتِمُّ الْمُقِيمُونَ وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ سَلَامِهِ أَتِمُّوا فَإِنَّا قَوْمُ سَفَرٍ
* (فَرْعٌ)
إذَا شَكَّ هَلْ نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا أَوْ هَلْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ فِي الْحَضَرِ أَمْ فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ
بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ أَنَّهُ نَوَى الْقَصْرَ وَأَحْرَمَ فِي الْحَضَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مَضَى جُزْءٌ مِنْ صَلَاتِهِ فِي حَالِ الشَّكِّ عَلَى حُكْمِ الْإِتْمَامِ بِخِلَافِ مَنْ أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ نَوَاهَا أَمْ لَا فَإِنَّهُ إذَا تَذَكَّرَ عَلَى قُرْبٍ وَلَمْ يَفْعَلْ رُكْنًا فِي حَالِ شَكِّهِ يَسْتَمِرُّ فِي صَلَاتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا اقْتَدَى بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ سَوَاءٌ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً أَمْ دُونَهَا وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَكْثَرُونَ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْي وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَأَكْثَرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِلَّا فَلَهُ الْقَصْرُ وقال طاوس والشعبي
وَتَمِيمُ بْنُ حَذْلَمَ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ مَعَهُ اجزأتاه وقال اسحق بن راهويه له القصر خلف المقيم بِكُلِّ حَالٍ فَإِنْ فَرَغَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ تَشَهَّدَ وَحْدَهُ وَسَلَّمَ وَقَامَ الْإِمَامُ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وحكاه الشيخ أبو حامد عن طاوس وَالشَّعْبِيِّ وَدَاوُد
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ اقْتَدَى بِمُقِيمٍ ثُمَّ أَفْسَدَ الْمَأْمُومُ صَلَاتَهُ لَزِمَهُ إعَادَتُهَا تَامَّةً وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِي رِوَايَةٍ يَقْصُرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مُسَافِرٍ صَلَّى بِمُسَافِرٍ وَمُقِيمٍ ثُمَّ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُ فَصَلَّى خَلْفَهُ الْمُسَافِرُ الْآخَرُ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَحْمَدَ وَدَاوُد يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وقال مالك وابو حنيفة له القصر
*
* قال الْمُصَنِّفِ رحمه الله
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وان صلي بِمُقِيمِينَ فَرَعَفَ وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا أَتَمَّ الرَّاعِفُ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ إنَّ الرَّاعِفَ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْمُؤْتَمِّ بِالْمُقِيمِ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْقَوْلِ الْجَدِيدِ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُسْتَخْلَفَ فَرْعُ الرَّاعِفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ الفرع ولا يلزم الاصل وليس بشئ)
*
(الشَّرْحُ) فِي قَوْلِهِ رَعَفَ لُغَتَانِ أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا فَتْحُ الْعَيْنِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّهَا وَهَذَا النَّصُّ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ هُوَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ رَعَفَ وَخَلْفَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَقَدَّمَ مُقِيمًا كَانَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَالرَّاعِفُ أَنْ يُصَلُّوا أَرْبَعًا لِأَنَّهُ لَا يُكْمِلُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الصَّلَاةَ الَّتِي كَانَ فِيهَا إلَّا وَهُوَ فِي صَلَاةِ مُقِيمٍ قَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا غَلَطٌ فَالرَّاعِفُ لَمْ يَأْتَمَّ بِمُقِيمٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رَكْعَتَانِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) عند الاصحاب وتأويل المزني وابي اسحق وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ ذَهَبَ فَغَسَلَ الدَّمَ وَرَجَعَ وَاقْتَدَى بِالْمُقِيمِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَقْتَدِ بِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالُوا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَتَعْلِيلُهُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّاشِيُّ هَذَا التَّأْوِيلُ قول اكثر اصحابنا وصححه الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيِّ وَآخَرُونَ عَنْ أَبِي غَانِمٍ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الرَّاعِفَ حِينَ أَحَسَّ بِالرُّعَافِ وَخَرَجَ مِنْهُ يَسِيرٌ لَا تَبْطُلُ الصَّلَاةُ اسْتَخْلَفَ مُقِيمًا وَحَصَلَ مُؤْتَمًّا بِهِ ثُمَّ انْدَفَقَ رُعَافُهُ فَخَرَجَ مِنْ الصَّلَاةِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِمَصِيرِهِ مُؤْتَمًّا بِمُقِيمٍ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ هَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّهِ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ الَّذِي فِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ هُوَ الِاسْتِخْلَافُ بِعُذْرٍ فَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الْإِمَامُ إذَا اسْتَخْلَفَ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّمِ الْكَثِيرِ
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ فَلَا يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِالْمُقِيمِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ الْإِحْسَاسُ بِالرُّعَافِ عُذْرٌ وَمَتَى حَضَرَ أَمَامَ حَالِهِ أَكْمَلَ مِنْهُ جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ مُرَادَهُ التَّفْرِيعُ عَلَى الْقَدِيمِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ فَضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ بِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فَلَيْسَ مُقْتَدِيًا بِمُقِيمٍ وَضَعَّفَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِأَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بَاطِلٌ فِي الْقَدِيمِ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى الْقَدِيمِ (الرَّابِعُ) أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ فَرْعُهُ فَهُوَ أُولَى هَذَا هُوَ الَّذِي حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ آخِرًا وَضَعَّفَهُ وَحَكَاهُ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَيْضًا وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مُقِيمٌ بِخِلَافِ الرَّاعِفِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ الْمُسَافِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ إنْ نَوَوْا الِاقْتِدَاءَ
بِالْخَلِيفَةِ الْمُقِيمِ وَكَذَا لَوْ لَمْ يَنْوُوا وَقُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ لَا تَجِبُ فَعَلَيْهِمْ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمْ بِمُجَرَّدِ الِاسْتِخْلَافِ كَانُوا مُقْتَدِينَ حتى لو نوووا مُفَارَقَتَهُ عَقِبَ الِاسْتِخْلَافِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهِ الشَّاذِّ إنَّ نِيَّةَ الِاقْتِدَاءِ بِالْخَلِيفَةِ واجبة لزمهم الاتمام أن نووا الاقتدء بِهِ وَإِلَّا فَلَهُمْ الْقَصْرُ وَلَوْ نَوَى بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ أَتَمَّ النَّاوُونَ وَقَصَرَ الْآخَرُونَ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْ وَلَا اسْتَخْلَفُوا فَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ سَوَاءٌ الْإِمَامُ الرَّاعِفُ وَغَيْرُهُ وَإِنْ اسْتَخْلَفَ أَوْ اسْتَخْلَفُوا مُسَافِرًا فَلِلرَّاعِفِ وَالْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ فَاسْتَخْلَفَ الْقَوْمُ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ كَاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ فَفِيهِ الطُّرُقُ الْأَرْبَعَةُ (وَالثَّانِي) لِلرَّاعِفِ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ إذَا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ لِأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَيْسَ فَرْعًا لِلرَّاعِفِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى هَذَا لَوْ اسْتَخْلَفَ الْمُقِيمُونَ مُقِيمًا وَالْمُسَافِرُونَ مُسَافِرًا جَازَ وَلِلْمُسَافِرِينَ الْقَصْرُ مَعَ إمَامِهِمْ وكذا لو افترقوا ثلاث فرق واكثر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذَا نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِ الدُّخُولِ وَيَوْمِ الْخُرُوجِ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ رُخَصُ السَّفَرِ لِأَنَّ بِالثَّلَاثِ لَا يَصِيرُ مُقِيمًا " لِأَنَّ الْمُهَاجِرِينَ رضي الله عنهم حُرِّمَ عَلَيْهِمْ الْإِقَامَةُ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقِيمُوا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا وَأَجْلَى عُمَرُ رضي الله عنه اليهود ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا " وَأَمَّا الْيَوْمُ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ فَلَا يُحْتَسَبُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ فِيهِ وَإِقَامَتُهُ فِي بَعْضِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا لِأَنَّهُ مَا مِنْ مُسَافِرٍ إلَّا وَيُقِيمُ بَعْضَ الْيَوْمِ وَلِأَنَّ مَشَقَّةَ السَّفَرِ لَا تَزُولُ إلَّا بِإِقَامَةِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ عَلَى حَرْبٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقْصُرُ لِمَا رَوَى أَنَسٌ " أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اقاموا برام هرمز تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَا سَفَرَ فِيهَا فَلَمْ يَقْصُرْ كَمَا لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ في غير حرب واما إذا قام فِي بَلَدٍ عَلَى حَاجَةٍ إذَا انْتُجِزَتْ رَحَلَ ولم ينو مدة ففيه
قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَقْصُرُ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا لِأَنَّ الْأَصْلَ التَّمَامُ إلَّا فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ الرُّخْصَةُ وَقَدْ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ " سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَقَامَ سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " وَبَقِيَ فِيمَا زَادَ عَلَى
حُكْمِ الْأَصْلِ
(وَالثَّانِي)
يَقْصُرُ أَبَدًا لِأَنَّهُ إقَامَةٌ عَلَى حَاجَةٍ يَرْحَلُ بَعْدَهَا فَلَمْ يَمْنَعْ الْقَصْرَ كَالْإِقَامَةِ فِي سَبْعَةَ عَشْرَ وَخَرَّجَ أبو إسحق قَوْلًا ثَالِثًا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ أَبْلَغُ فِي نِيَّةِ الْإِقَامَةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ وَالنِّيَّةُ يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ لَمْ يَقْصُرْ فَلَأَنْ لَا يَقْصُرَ إذَا أقام أولى)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ تَحْرِيمِ الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ عَلَى الْمُهَاجِرِينَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " يَمْكُثُ الْمُهَاجِرُ بَعْدَ قَضَاءِ نُسُكِهِ ثَلَاثًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ رضي الله عنه وَحَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ أَجْلَى الْيَهُودَ مِنْ الْحِجَازِ ثُمَّ أَذِنَ لِمَنْ قَدِمَ مِنْهُمْ تَاجِرًا أَنْ يُقِيمَ ثَلَاثًا صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ فَرَوَاهُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ أَسْلَمَ مَوْلَى عُمَرَ وَحَدِيثُ إقَامَةِ الصَّحَابَةِ بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ فِيهِ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ وَهُوَ مُخْتَلِفٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ تِسْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ وَاحِدٍ مِنْ عِشْرِينَ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ بِنُقْصَانِ ثَلَاثَةٍ مِنْ عِشْرِينَ وَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ: أَمَّا أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَقَوْلُهُ أَجْلَى عُمَرُ الْيَهُودَ مَعْنَاهُ أَخْرُجَهُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ جَلَا الْقَوْمُ خَرَجُوا مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَأَجْلَيْتهمْ وَجَلَوْتهمْ أَخْرَجَتْهُمْ وَرَامَهُرْمُزَ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى وَضَمِّ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَآخِرُهُ زَايٌ - وَهِيَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ وَقَوْلُهُ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ هُوَ بِالتَّاءِ فِي أَوَّلِ تِسْعَةِ وَقَوْلُهُ الْإِقَامَةُ لَا يَلْحَقُهَا الْفَسْخُ هُوَ بِالْفَاءِ أَيْ لَا تُرْفَعُ بَعْدَ وُجُودِهَا وَالنِّيَّةُ يُمْكِنُ قَطْعُهَا وَإِبْطَالُهَا أَمَّا الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِالْإِقَامَةِ الْمُقَيَّدَةِ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ سَبْعَةَ عَشْرَ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِأَبِي دَاوُد وَالْبَيْهَقِيِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خَمْسَةَ عَشْرَ وَلَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ وَكَانَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا فِي إقَامَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ لِحَرْبِ هَوَازِنَ فِي عَامِ الْفَتْحِ وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَقَامَ بِمَكَّةَ ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً يَقْصُرْ الصَّلَاةَ " إلَّا أَنَّ فِي إسْنَادِهِ مَنْ لَا يُحْتَجُّ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ تِسْعَةَ عَشْرَ وَهِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ قَالَ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ رِوَايَةِ ثَمَانَ عَشْرَةَ
وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فَإِنَّ مَنْ رَوَى تِسْعَ عَشْرَةَ عَدَّ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ وَمَنْ رَوَى سَبْعَ عَشْرَةَ لَمْ يَعُدَّهُمَا وَمَنْ رَوَى ثَمَانَ عَشْرَةَ عَدَّ أَحَدَهُمَا وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ جَابِرٍ أَقَامَ رسول
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ " لَكِنْ رُوِيَ مُسْنَدًا وَمُرْسَلًا قَالَ بَعْضُهُمْ وَرِوَايَةُ الْمُرْسَلِ أَصَحُّ (قُلْت) وَرِوَايَةُ الْمُسْنَدِ تَفَرَّدَ بِهَا مَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ وَهُوَ إمَامٌ مُجْمَعٌ عَلَى جَلَالَتِهِ وَبَاقِي الْإِسْنَادِ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الصَّحِيحِ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ فِي الْحَدِيثِ إرْسَالٌ وَإِسْنَادٌ حُكِمَ بِالْمُسْنَدِ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا نَوَى فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ الْإِقَامَةَ مُطْلَقًا انْقَطَعَ سَفَرُهُ فَلَا يَجُوزُ التَّرَخُّصُ بشئ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ جَدَّدَ السَّيْرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ سَفَرٌ جَدِيدٌ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ مَرْحَلَتَيْنِ هَذَا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لَهَا مِنْ بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ وَادٍ يُمْكِنُ الْبَدْوِيُّ الْإِقَامَةَ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمَفَازَةُ وَنَحْوُهَا فَفِي انْقِطَاعِ السَّفَرِ وَالرُّخَصِ بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ فِيهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ انْقِطَاعُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ فَلَا يَتَرَخَّصُ حَتَّى يُفَارِقَهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ وَلَهُ التَّرَخُّصُ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِقَامَةِ فَنِيَّتُهُ لَغْوٌ هَذَا كُلُّهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ وَهُوَ مَاكِثٌ أَمَّا إذَا نَوَاهَا وَهُوَ سَائِرٌ فَلَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لان سبب القصر السَّفَرُ وَهُوَ مَوْجُودٌ حَقِيقَةٌ أَمَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ فِي بَلَدٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلُّ فَلَا يَنْقَطِعُ التَّرَخُّصُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا وَانْقَطَعَتْ الرُّخَصُ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ نِيَّةً دُونَ أَرْبَعَةٍ لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ وَإِنْ زَادَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَفِي كَيْفِيَّةِ احْتِسَابِ الْأَرْبَعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) يَحْسِبُ مِنْهَا يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كما يحسب يوم الحدث وَيَوْمَ نَزْعِ الْخُفِّ مِنْ مُدَّةِ الْمَسْحِ (وَأَصَحُّهُمَا) وبه قطع المصنف والجمهور لا يحسبان لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ دَخَلَ يَوْمَ السَّبْتِ وَقْتَ الزَّوَالِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ: وَقْتَ الزَّوَالِ صَارَ مُقِيمًا وَعَلَى الثَّانِي لَا يَصِيرُ وَإِنْ دَخَلَ ضَحْوَةَ السَّبْتِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ عَشِيَّةَ الْأَرْبِعَاءِ وَأَمَّا قَوْلُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ مَتَى نَوَى إقَامَةَ زِيَادَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ صَارَ مُقِيمًا فَمُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ زِيَادَةٌ عَلَى الثَّلَاثِ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ بِحَيْثُ لَا يَبْلُغُ الْأَرْبَعَةُ
ثُمَّ الْأَيَّامُ الْمُحْتَمَلَةُ مَعْدُودَةٌ بِلَيَالِيِهَا وَمَتَى نَوَى أَرْبَعَةً صَارَ مُقِيمًا فِي الْحَالِ وَلَوْ دَخَلَ في الليل
لَمْ يَحْسِبْ بَقِيَّةَ اللَّيْلِ وَيَحْسِبُ الْغَدَ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبِ أَمَّا الْمُحَارَبُ وَهُوَ الْمُقِيمُ عَلَى الْقِتَالِ بِحَقٍّ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَقْصُرُ أَبَدًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَمَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَعَلَى هَذَا يَقْصُرُ أَبَدًا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَغَيْرِهِ فَلَا يَقْصُرُ إذَا نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّافِعِيِّ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ أَنَسٍ بِأَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا تِسْعَةَ أَشْهُرٍ فِي مَكَان وَاحِدٍ بَلْ كَانُوا يَتَنَقَّلُونَ فِي تِلْكَ النَّاحِيَةِ: أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ أَوْ قَرْيَةٍ لِشُغْلٍ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَتَوَقَّعَ انْقِضَاءَ شُغْلِهِ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَنَوَى الِارْتِحَالَ عِنْدَ فَرَاغِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِلَا خِلَافٍ وَفِيمَا زَادَ عَلَيْهَا طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) منهما قول الْجُمْهُورِ أَنَّهُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ الْقَصْرُ أَبَدًا سَوَاءُ فِيهِ الْمُقِيمُ لِقِتَالِ أَوْ لِخَوْفِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ لِتِجَارَةٍ وَغَيْرُهَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ أَصْلًا (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْقَصْرُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا فَقَطْ وَقِيلَ عَلَى هَذَا يَجُوزُ سَبْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ تِسْعَةَ عَشْرَ وَقِيلَ عِشْرِينَ وَسَمَّى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذِهِ أَقْوَالًا وَالطَّرِيقُ الثَّانِي أَنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ فِي الْمُحَارَبِ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَوْلًا وَاحِدًا وبه قال أبو إسحق كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهُ وَإِذَا جُمِعَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ وَالْأَوْجُهُ وَسُمِّيَتْ أَقْوَالًا كَانَتْ سَبْعَةً (أَحَدُهَا) لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ إلَى سَبْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا (وَأَصَحُّهَا) إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ (وَالرَّابِعُ) إلَى تِسْعَةَ عَشْرَ (وَالْخَامِسُ) الي عشرين (والسادس) ابدا (والسابع) لِلْمُحَارِبِ مُجَاوَزَةُ أَرْبَعَةٍ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَذَكَرْنَاهُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ شُغْلَهُ لَا يَفْرُغُ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالْمُقِيمِ لِتِجَارَةٍ كَبِيرَةٍ وَلِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَأَكْثَرَ فَإِنْ كَانَ مُحَارَبًا وقلنا في الحال الاول لا يقصر فههنا
أَوْلَيْ وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَتَرَخَّصُ أَبَدًا (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشْرَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُحَارَبٍ
فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَتَرَخَّصُ أَصْلًا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ كَالْمُحَارَبِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالُوا هُوَ غَلَطٌ (فَإِنْ قِيلَ) ثَبَتَ فِي صَحِيحَيِّ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَصَرَ حَتَّى أَتَى مَكَّةَ فَأَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا فَلَمْ يَزَلْ يَقْصُرُ حَتَّى رَجَعَ " فَهَذَا كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَوَى إقَامَةَ هَذِهِ الْمُدَّةِ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ قَالُوا لَيْسَ مُرَادُ أَنَسٍ أَنَّهُمْ أَقَامُوا فِي نَفْسِ مَكَّةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بَلْ طُرُقُ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ فِي حَجَّتِهِ لِأَرْبَعٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا ثلاثة ولم يحسب يوم لدخول وَلَا الثَّامِنَ لِأَنَّهُ خَرَجَ فِيهِ إلَى مِنًى فَصَلَّى بِهَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَبَاتَ بِهَا وَسَارَ مِنْهَا يَوْمُ التَّاسِعِ إلَى عَرَفَاتٍ وَرَجَعَ فَبَاتَ بِمُزْدَلِفَةَ ثُمَّ أَصْبَحَ فَسَارَ إلَى مِنَى فَقَضَى نُسُكَهُ ثُمَّ أَفَاضَ إلَى مَكَّةَ فَطَافَ لِلْإِفَاضَةِ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مِنًى فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا يقصر ثم نفر منها بَعْدَ الزَّوَالِ فِي ثَالِثِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَنَزَلَ بِالْمُحَصَّبِ وَطَافَ فِي لَيْلَتِهِ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ رَحَلَ مِنْ مَكَّةَ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ فَلَمْ يُقِمْ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعًا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَافَرَ عَبْدٌ مَعَ سَيِّدِهِ وَامْرَأَةٌ مَعَ زَوْجِهَا فَنَوَى الْعَبْدَ وَالْمَرْأَةُ إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَنْوِ السَّيِّدُ وَالزَّوْجُ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَنْقَطِعُ رُخْصُهُمَا كَغَيْرِهِمَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ لِأَنَّهُ لَا اخْتِيَارَ لَهُمَا فِي الْإِقَامَةِ فَلَغَتْ نِيَّتَهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَوْ نَوَى الْجَيْشُ الْإِقَامَةَ مَعَ الْأَمِيرِ وَلَمْ يَنْوِ هُوَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ (قُلْت) الْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ أَنَّهُمْ يَتَرَخَّصُونَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ الْجَزْمُ بِالْإِقَامَةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ دَخَلَ مُسَافِرَانِ بَلَدًا وَنَوَيَا إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَأَحَدُهُمَا يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْقَصْرِ مَعَ نِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْآخَرُ لَا يَعْتَقِدُهُ كُرِهَ لِلْآخَرِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فَإِنْ اقْتَدَى بِهِ صَحَّ وَإِذَا
قَصَرَ الْإِمَامُ لَا تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمَأْمُومِ لِأَنَّ الْمَأْمُومَ لَا يَعْتَقِدُ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ إلَّا إذَا سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَيَقُومُ الْمَأْمُومُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ بِنِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ أَوْ عَقِبَ سَلَامِهِ وَيُتِمُّ صَلَاتَهُ كَمَا لَوْ فَسَدَتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ بحدث وغيره هكذا ذَكَرَ الْفَرْعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ
*
(فَرْعٌ)
لَوْ سَافَرُوا فِي الْبَحْرِ فَرَكَدَتْ بِهِمْ الرِّيحِ فَأَقَامُوا لِانْتِظَارِ هُبُوبِهَا فَهُوَ كَالْإِقَامَةِ لِتَنْجِيزِ حَاجَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فَلَوْ فَارَقُوا ذَلِكَ الْمَوْضِعَ ثُمَّ أَدَارَتْهُمْ الرِّيحُ وَرَدَّتْهُمْ إلَيْهِ فَأَقَامُوا فِيهِ فَهِيَ إقَامَةٌ جَدِيدَةٌ تُعْتَبَرُ مُدَّتُهَا وَحْدَهَا وَلَا تَنْضَمُّ إلَى الْأُولَى نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابِ إذَا خَرَجَ مُسَافِرًا إلَى بَلَدٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلَاةُ وَنَوَى أَنَّهُ إذَا وَصَلَهُ أَقَامَ فِيهِ يَوْمًا فَإِنْ لَقَى فُلَانًا أَقَامَ فِيهِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ رَجَعَ فَلَهُ الْقَصْرُ إلَى ذَلِكَ الْبَلَدِ فَإِنْ لَمْ يَلْقَ فُلَانًا فَلَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يَرْجِعَ وَإِنْ لَقِيَهُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ مِنْ حِينِ لَقِيَهُ عَمَلًا بِنِيَّتِهِ فَلَوْ نَوَى بَعْدَ أَنْ لَقِيَهُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ أَنْ لَا يُقِيمَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ دُونِهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ بُنْيَانَ ذَلِكَ الْبَلَدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِأَنَّهُ صَارَ مُقِيمًا فَلَا يَصِيرُ مُسَافِرًا إلَّا بِالشُّرُوعِ فِي حَقِيقَةِ السَّفَرِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إقَامَةِ الْمُسَافِرِ فِي بَلَدٍ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَيْ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ انْقَطَعَ التَّرَخُّصُ وَإِنْ نَوَى دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَنْقَطِعْ وَهُوَ مَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ إنْ نَوَى إقَامَةَ خَمْسَةَ عَشْرَ يوما مع الدُّخُولِ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَصَرَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ عُمَرَ في رواية عنه وعبيد الله بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَيْ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِلَّا فَلَا وقال ابن عباس واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ إنْ نَوَى إقَامَةَ تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَإِنْ
نَوَى دُونَهَا قَصَرَ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ إنْ نَوَى إقَامَةَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ أَتَمَّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَالَ أَنَسُ وَابْنُ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَاللَّيْثُ إنْ نَوَى أَكْثَرَ مِنْ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا أَتَمَّ وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ نَوَى إقَامَةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى أَرْبَعَةً قَصَرَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ أَنَّهُ إنْ نَوَى إقَامَةَ اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِنْ نَوَى إحْدَى وَعِشْرِينَ قَصَرَ وَيُحْسَبُ عِنْدَهُ يَوْمَا الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وروى عن بن المسيب قال ان قام
ثَلَاثًا أَتَمَّ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقْصُرُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ مِصْرًا مِنْ الْأَمْصَارِ وَعَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ قَالَ وَقَالَ رَبِيعَةُ إنْ نَوَى إقَامَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَتَمَّ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَحُكِيَ عن اسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ يَقْصُرُ أَبَدًا حَتَّى يَدْخُلَ وَطَنَهُ أَوْ بَلَدًا لَهُ فِيهِ أَهْلٌ أَوْ مَالٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَرُوِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ أَمَّا إذَا أَقَامَ فِي بَلَدٍ لِانْتِظَارِ حَاجَةٍ يَتَوَقَّعُهَا قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَقْصُرُ إلَى ثَمَانِيَةَ عَشْرَ يَوْمًا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ يَقْصُرُ أَبَدًا
* وَقَالَ أَبُو يوسف ومحمد هو مقيم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(وان فاتته صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قولان قال في القديم له أن يقصر لانها صلاة سفر فكان قضاؤها كأدائها في العدد كما لو فاتته في الحضر فقضاها في السفر وقال في الجديد لا يجوز له القصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر فزال بزوال العذر كالقعود في صلاة المريض وان فاتته في السفر فقضاها في السفر ففيه قولان
(أحدهما)
لا يقصر لانها صلاة ردت من أربع الي ركعتين فكان من شرطها الوقت كصلاة الجمعة والثاني له أن يقصر وهو الاصح لانه تخفيف تعلق بعذر والعذر باق فكان التخفيف باقيا كالقعود في صلاة المريض وان فاتته فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ له القصر لانه ثبت في ذمته صلاة تامة فلم يجز له القصر كما لو نذر أن يصلي أربع ركعات وقال المزني له أن يقصر كما لو فاته صوم في الحضر وذكره في السفر فان له أن يفطر وهذا لا يصح لان الصوم تركه في حال الاداء وكان له تركه وههنا في حال الاداء لم يكن له أن يقصر
فوزانه من الصوم أن يتركه من غير عذر فلا يجوز له تركه في السفر)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ فَكَانَ قَضَاؤُهَا كَأَدَائِهَا فِي الْعَدَدِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ فَاتَتْهُ فِي الصِّحَّةِ فَقَضَاهَا فِي الْمَرَضِ قَاعِدًا أَوْ بِالتَّيَمُّمِ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْأَصْحَابِ إلَّا الْمُزَنِيَّ فَجَوَّزَ الْقَصْرَ وَإِنْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) لَهُ الْقَصْرُ
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ فَلَوْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي السَّفَرِ فَأَقَامَ وَقَدْ بَقِيَ بَعْضُ الْوَقْتِ فلم يصلى حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا فَاتَتْ بِكَمَالِهَا فِي السَّفَرِ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: أَمَّا إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي ذَلِكَ السَّفَرِ فَقَوْلَانِ (أصحهما) عند المصنف هنا وعند أبي اسحق المروزى والشيخ أبو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ لَهُ الْقَصْرُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَيْضًا تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْمَذْهَبُ جَوَازُ الْقَصْرِ فَعَلَى هَذَا لَوْ فَاتَتْهُ فِي سَفَرٍ فَحَضَرَ ثُمَّ سَافَرَ سَفَرًا آخَرَ فَقَضَى فِي السَّفَرِ الْبَاقِي هَلْ لَهُ الْقَصْرُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْقَصْرُ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَعَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا الصُّوَرَ فَقَالَ إذَا فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَأَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَظْهَرُهَا) إنْ قَضَى فِي سَفَرٍ قَصَرَ وَإِنْ قَضَى فِي حَضَرٍ أَتَمَّ (وَالثَّانِي) يُتِمُّ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) يَقْصُرُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) إنْ قَضَى فِي ذَلِكَ السَّفَرِ قَصَرَ وَإِلَّا فَلَا (فَإِنْ قُلْنَا) يُتِمُّ مُطْلَقًا فَشَرَعَ فِي صَلَاةٍ فِي السَّفَرِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ فِي أَثْنَائِهَا فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ الَّتِي يَقَعُ بَعْضُهَا فِي الْوَقْتِ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ رَكْعَةٌ فَأَدَاءٌ وَإِنْ كَانَ دُونَهَا فَقَضَاءٌ فَإِنْ قُلْنَا قَضَاءً لَمْ يَقْصُرْ وَإِنْ قُلْنَا أَدَاءً قَصَرَ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاصِّ لَا يَقْصُرُ وَلَوْ فَاتَهُ صَلَاةٌ وَشَكَّ هَلْ فَاتَتْ فِي الْحَضَرِ أَمْ السَّفَرِ لَمْ يَجُزْ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ لَوْ نَسِيَ الْمُسَافِرُ صَلَاةَ الظُّهْرِ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ فَصَلَّى الْعَصْرَ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ صَارَ حَاضِرًا فِي وَقْتِهَا فَقَضَى الظُّهْرَ فِي أَوَاخِرِ وَقْتِ الْعَصْرِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا قَوْلًا وَاحِدًا ولا يكون علي القولين فيمن نسبها فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ لِأَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعَصْرِ هُوَ وَقْتٌ لِلظُّهْرِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَكَأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي وَقْتِهَا وَهُوَ حَاضِرٍ فَلَزِمَهُ الْإِتْمَامُ هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَفِيهِ قَوْلَانِ وَهَذِهِ فَائِتَةُ سَفَرٍ: وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِنَفْيِ الْخِلَافِ لِأَنَّهُ فِي الْأُمِّ يَقُولُ إنَّ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ أَتَمَّ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ فِي الْأُمِّ خِلَافًا وَقَدْ
قَدَّمْنَا هَذَا عَنْ الْأُمِّ وَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ مِمَّنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْأُمِّ فَالصَّحِيحُ جَرَيَانُ الْقَوْلَيْنِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فأما إذا دخل وَقْتُ الصَّلَاةِ وَتَمَكَّنَ مِنْ فِعْلِهَا ثُمَّ سَافَرَ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ وَوَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو الْعَبَّاسِ لِأَنَّ السَّفَرَ يُؤَثِّرُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا يُؤَثِّرُ فِي الْحَيْضِ ثُمَّ لَوْ طَرَأَ الْحَيْضُ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى فِعْلِهَا لَمْ يُؤَثِّرْ فَكَذَا السَّفَرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الاداء لا بحال الوجوب والدليل عليه لَوْ دَخَلَ عَلَيْهِ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُوَ عَبْدٌ فَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى عَتَقَ صَارَ فَرْضُهُ الْجُمُعَةَ وَهَذَا فِي حَالِ الْأَدَاءِ مُسَافِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يَقْصُرَ وَيُخَالِفَ الْحَيْضَ لِأَنَّهُ يُؤَثِّرُ فِي إسْقَاطِ الْفَرْضِ فَلَوْ أَثَّرَ مَا طَرَأَ مِنْهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْأَدَاءِ أَفْضَى إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ وَالسَّفَرُ يُؤَثِّرُ فِي الْعَدَدِ فَلَا يُفْضِي إلَى إسْقَاطِ الْفَرْضِ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَلِأَنَّ الْحَائِضَ تَفْعَلُ الْقَضَاءَ وَالْقَضَاءَ يَتَعَلَّقُ بِالْوُجُوبِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَفْعَلُ الْأَدَاءَ وَكَيْفِيَّةُ الْأَدَاءِ تُعْتَبَرُ بِحَالِ الْأَدَاءِ وَالْأَدَاءُ فِي حَالِ السَّفَرِ وان سافر بعد ما ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْقَصْرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مَعَ المزني وأبى العباس وقوله ان تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ حَضَرٍ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا عَتَقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِجَمِيعِ الصَّلَاةِ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ مُؤَدٍّ لِمَا فَعَلَهُ فِي الْوَقْتِ قَاضٍ لِمَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الوقت لم يجز القصر
* (الشَّرْحُ) إذَا سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُ فِعْلُ الصَّلَاةِ فِيهِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّ لَهُ قَصْرَهَا وَنَصَّ فِيمَا إذَا أَدْرَكَتْ مِنْ أَوَّلِ الْوَقْتِ قَدْرَ الْإِمْكَانِ ثُمَّ حَاضَتْ أَنَّهُ يَلْزَمُهَا الْقَضَاءُ
وَكَذَا سَائِرُ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ الْإِتْمَامُ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَى الْحَائِضِ (وَالثَّانِي) لَا صَلَاةَ عَلَيْهَا وَلَهُ الْقَصْرُ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ بظاهر النصين فأوجبوا الصلاة عليها وجوزوا له الْقَصْرَ وَفَرَّقُوا بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ سَافَرَ بَعْدَ ضِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ بَقِيَ قَدْرُ الصَّلَاةِ قَصَرَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ
ابْنُ سَلَمَةَ لَا يَقْصُرُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا جُمِعَتْ الصُّورَتَانِ قِيلَ فِيهِمَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْقَصْرُ
(وَالثَّانِي)
الْإِتْمَامُ (وَالثَّالِثُ) إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ وَإِنْ سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ فَإِنْ قُلْنَا كُلُّهَا أَدَاءُ قَصْرٍ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ مَضَى مِنْ الْوَقْتِ دُونَ قَدْرِ الصَّلَاةِ ثُمَّ سَافَرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ يَمْتَنِعَ الْقَصْرُ إنْ قُلْنَا يَمْتَنِعُ لَوْ مَضَى زَمَنٌ يَسَعُ الصَّلَاةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَاضَتْ وَقَدْ مَضَى زَمَنٌ لَا يَسَعُهَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهَا قَضَاءُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ قَالَ وَالْفَرْقُ أَنَّ عُرُوضَ السَّفَرِ لَا يُنَافِي إتْمَامَ الصَّلَاةِ وَعُرُوضُ الْحَيْضِ يُنَافِيهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَاذٌّ مَرْدُودٌ فَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا سَافَرَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ مِنْ الْوَقْتِ زَمَنٌ يَسَعُ تِلْكَ الصَّلَاةَ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ والقاضي وأبو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَقْصُرُ قَالُوا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ إذَا مَضَى قَدْرُ الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يُسَافِرَ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا مَضَى قَدْرُهَا صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ وَلَا يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى فِيمَنْ سَافَرَ قَبْلَ مُضِيِّ قَدْرِهَا بِكَمَالِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَمَتَى سَافَرَ وَقَدْ بَقِيَ من الوقت شئ وَقُلْنَا لَهُ الْقَصْرُ فَلَمْ يُصَلِّهَا حَتَّى فَاتَتْ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ بَعْدَهُ فَهِيَ فَائِتَةُ سَفَرٍ فَفِي جَوَازِ قَصْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ صَرَّحَ بِهِ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا مُخْتَصَرُ حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا إشْكَالٌ عَلَى لَفْظِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّهُ نَقَلَ هُنَا عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَذَكَرَ قَبْلَ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ إذَا فَاتَتْهُ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ قَصَرَ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لِأَنَّهُ إذَا أَبَاحَ الْقَصْرَ بَعْدَ فَوَاتِ الْوَقْتِ فِي الْحَضَرِ فَفِي أَثْنَائِهِ أَوْلَى وَجَوَابُهُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يَذْكُرْ مَنْعَ الْقَصْرِ هُنَا مَذْهَبًا لَهُ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ إلْزَامًا لِلشَّافِعِيِّ فَقَالَ قِيَاسُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الْحَائِضِ وَمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ الْمُزَنِيَّ يَعْتَقِدُ هَذَا وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْجَوَابِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ قَالَ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَإِنْ خَرَجَ فِي آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ قَصَرَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ يَقْصُرْ قَالَ الْمُزَنِيّ أَشْبَهُ بِقَوْلِهِ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ إذَا حَاضَتْ وَذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ فَهَذَا لَفْظُهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِيمَا ذَكَرْتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَوَافَقَهُ أَبُو الْعَبَّاسِ فَمُرَادُهُ أَنَّ أَبَا الْعَبَّاسِ
خَرَّجَ وَجْهًا عَلَى وَفْقِ إيرَادِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَخْرِيجِ أَبِي الْعَبَّاسِ مِنْ الْحَائِضِ إلَى الْمُسَافِرِ وَعَكْسِهِ
وَقَدْ أَوْضَحَ ذَلِكَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ ذَكَرَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي الْحَائِضِ وَالْمُسَافِرِ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَهُ الْقَصْرُ وَلَا قَضَاءَ عليها (والثاني) يلزمه الاتمام ويلزمه الْقَضَاءُ (وَالثَّالِثُ) لَهُ الْقَصْرُ وَعَلَيْهَا الْقَضَاءُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَقَدْ ذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّ النَّقْلَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ مُتَنَاقِضٌ وَيَنْدَفِعُ تَنَاقُضُهُ بِمَا ذَكَرْتُهُ: وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَبْطُلُ بِالْعَبْدِ إذَا أُعْتِقَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَمَعْنَاهُ لَوْ أُعْتِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الظُّهْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا وَأَمْكَنَتْ الْجُمُعَةُ لَزِمَتْهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلُ الظُّهْرِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ بِحَالِ الْفِعْلِ لَا بِتَعَيُّنِ الْفِعْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ فِي الْحَضَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يَقْصُرُ: وَلَوْ فَاتَتْهُ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي الْحَضَرِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ كَمَا سَبَقَ وبه قال الاوزاعي واحمد واسحق وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقْصُرُ وَلَوْ سَافَرَ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ وَقَدْ تَمَكَّنَ مِنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَلَهُ قَصْرُهَا فِي السَّفَرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ وَفِيهِ التَّخْرِيجُ السَّابِقُ عَنْ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ في الكتاب
*
* قال المصنف رحمه الله
* (يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " وَرَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ " وَفِي السَّفَرِ الَّذِي لَا يَقْصُرُ فِيهِ الصَّلَاةَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ سَفَرٌ يَجُوزُ فِيهِ التَّنَفُّلُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَجَازَ فِيهِ الْجَمْعُ كَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ إخْرَاجُ عِبَادَةٍ عَنْ وَقْتِهَا فَلَمْ يَجُزْ فِي السفر القصير كالفطر في الصوم)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُمَا البخاري ومسلم وجد به السير أَسْرَعَ وَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ وَلَا يَجُوزُ جَمْعُ الصُّبْحِ إلَى غَيْرِهَا وَلَا الْمَغْرِبِ إلَى الْعَصْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي سَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَيَجُوزُ الْجَمْعُ فِي السَّفَرِ الَّذِي تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ وَفِي الْقَصِيرِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَالْقَدِيمَةِ جَوَازُهُ
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ أصحابنا وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ قَوْلًا وَاحِدًا وَلَعَلَّهُ
لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْبَابِ وَفِي بَابِ مَسْحِ الْخُفِّ ان رخص السفر ثمان منهما مُخْتَصٌّ بِالطَّوِيلِ وَجَائِزٌ فِيهِمَا وَمُخْتَلَفٌ فِيهِ وَأَمَّا الْحُجَّاجُ مِنْ الْآفَاقِ فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بمزدلفة في وقت العشاء بالاجماع وَفِي سَبَبِ هَذَا الْجَمْعِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا أَنَّهُ بِسَبَبِ السَّفَرِ وَبِهِ قَطَعَ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ (وَالثَّانِي) بِسَبَبِ النُّسُكِ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كِتَابِ الْحَجِّ فَإِنْ قُلْنَا بِالسَّفَرِ فَفِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ الْقَوْلَانِ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَلَا يَجْمَعُ الْعَرَفِيُّ بِعَرَفَاتٍ ولا المزدلفى لِأَنَّهُ وَطَنُهُ وَهَلْ يَجْمَعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِالْبُقْعَةِ الْأُخْرَى فِيهِ الْقَوْلَانِ كَالْمَكِّيِّ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي جَازَ الْجَمْعُ لِكُلِّهِمْ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ عِبَارَةً أُخْرَى فَقَالَ فِي جَمْعِ الْمَكِّيِّ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) مَنْعُهُ (وَالْقَدِيمُ) جَوَازُهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ فِي الْعَرَفِيِّ وَالْمُزْدَلِفِيِّ بِمَوْضِعِهِ وَجْهَانِ وَالْمَذْهَبُ مَنْعُ الْجَمْعِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ وَحُكْمُ الْبُقْعَتَيْنِ فِي الْجَمْعِ حُكْمُ سَائِرِ الْأَسْفَارِ فَيَتَخَيَّرُ فِي التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ لَكِنَّ الافضل في عرفات التقديم وفى المزدلفة التَّأْخِيرُ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَمَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَحَكَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رضي الله عنهما وَرَوَاهُ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَرَبِيعَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَأَمْثَالِهِمْ قَالَ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيمَا بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ
* وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَكْحُولٌ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِ السَّفَرِ بِحَالٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي عَرَفَاتٍ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَفِي الْمُزْدَلِفَةِ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ بِسَبَبِ النُّسُكِ لِلْحَاضِرِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصلاة حتي يجئ وَقْتُ الْأُخْرَى " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ فِي الْمَوَاقِيتِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " مَا جَمَعَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ قَطُّ فِي السَّفَرِ إلَّا مَرَّةً " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً بِغَيْرِ مِيقَاتِهَا إلَّا صَلَاتَيْنِ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَّى الْفَجْرَ قَبْلَ مِيقَاتِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ يَعْنِي الْجَمْعَ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ وَقِيَاسًا عَلَى جَمْعِ الْمُقِيمِ وَجَمْعِ الْمَرِيضِ وَجَمْعِ الْمُسَافِرِ سَفَرًا قَصِيرًا
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الْجَمْعِ فِي
أَسْفَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم منها حديث ابن عمر قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذ جدبه السَّيْرُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بينهما فان زَاغَتْ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فِي السَّفَرِ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ وَيَقُولُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان إذا جدبه السَّيْرُ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عُمَرَ وَعَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ عَلَيْهِ السَّفَرُ يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ وَيُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ حِينَ يَغِيبُ الشَّفَقُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ مُعَاذٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ تَرَحَّلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعَصْرِ وَفِي الْمَغْرِبِ مِثْلُ ذَلِكَ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ جَمَعَ بَيْنَ المغرب والعشاء وإن يرتحل قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَنْزِلَ لِلْعِشَاءِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ مَحْفُوظٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَزَالَتْ الشَّمْسُ صَلَّى الْعَصْرَ وَالظُّهْرَ جَمِيعًا ثُمَّ ارْتَحَلَ " رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ فِي إثْبَاتِ الْجَمْعِ أَخْبَارٌ صَحِيحَةٌ هِيَ نُصُوصٌ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهَا تَأْوِيلٌ وَدَلِيلُهُ فِي الْمَعْنَى الِاسْتِنْبَاطُ مِنْ صُورَةِ الْإِجْمَاعِ وَهِيَ الْجَمْعُ بِعَرَفَاتٍ وَالْمُزْدَلِفَةِ فَإِنَّهُ لَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَهُ احْتِيَاجُ الْحُجَّاجِ إلَيْهِ لِاشْتِغَالِهِمْ بِمَنَاسِكِهِمْ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي كُلِّ الْأَسْفَارِ وَوَجَدْنَا الرُّخَصَ لَا يُسْتَدْعَى ثُبُوتَهَا نُسُكًا وَلَكِنَّهَا
تَثْبُتُ فِي الْأَسْفَارِ الْمُبَاحَةِ كَالْقَصْرِ وَالْفِطْرِ ثُمَّ لَا يَلْزَمُ الْأَفْرَادَ الْمُتَرَفِّهِينَ فِي السَّفَرِ فَإِنَّا لَوْ تَتَبَّعْنَا ذَلِكَ عُسِّرَتْ الرُّخْصَةُ وَضَاقَ مَحَلُّهَا وَتَطَرَّقَ إلَى كُلِّ مُتَرَخِّصٍ إمْكَانُ الرَّفَاهِيَةِ فَاعْتَبَرَ الشَّرْعُ فِيهِ كَوْنَ السَّفَرِ مَظِنَّةً لِلْمَشَقَّةِ وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى أَفْرَادِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَبِهَذَا تَمَّتْ الرُّخْصَةُ وَاسْتَمَرَّتْ التَّوْسِعَةُ قَالَ (فَإِنْ قِيلَ) الرُّخْصَةُ ثَبَتَتْ غَيْرَ مُعَلَّلَةٍ وَالْمُتَّبَعُ فِيهَا الشرع ولو عللت بالمشقة لَكَانَ الْمَرِيضُ أَحَقَّ بِرُخْصَةِ الْقَصْرِ (قُلْنَا) الْمَرِيضُ يُصَلِّي قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا إذَا عَجَزَ وَهَذِهِ الرُّخْصَةُ هِيَ اللَّائِقَةُ بِحَالِهِ فَالِاكْتِفَاءُ بِالْقُعُودِ مِنْهُ وَهُوَ بِلَا شُغْلٍ كَالْمُقِيمِ الَّذِي يُصَلِّي قَائِمًا وَأَمَّا الْمُسَافِرُ فَعَلَيْهِ أَفْعَالٌ فِي غَالِبِ الْأَحْوَالِ وَقَدْ يَعْسُرُ عَلَيْهِ إتْمَامُ الصَّلَاةِ فَخُفِّفَ لَهُ بِالْقَصْرِ وَالْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) الْمَرِيضُ أَحْوَجُ
إلَى الْجَمْعِ مِنْ الْمُسَافِرِ وَأَنْتُمْ لَا تُجَوِّزُونَهُ (قلنا) الاتيان بصلاتين متعاقبتين افعال كثيرة وقد يَشُقُّ عَلَى الْمَرِيضِ مُوَالَاتُهَا وَلَعَلَّ تَفْرِيقَهَا أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَالْمُسَافِرُ يَشُقُّ عَلَيْهِ النُّزُولُ لِلصَّلَاةِ حَالَ سَيْرِ الْقَوَافِلِ وَقَدْ يُؤَدِّي إلَى ضَرَرِهِ وَلَا يَخْفَى عَلَى مُنْصِفٍ أَنَّ الْجَمْعَ أَرْفَقُ مِنْ الْقَصْرِ فَإِنَّ الْقَائِمَ إلَى الصَّلَاةِ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ رَكْعَتَانِ يَضُمُّهُمَا إلَى رَكْعَتَيْهِ وَرِفْقُ الْجَمْعِ واضح: وأما الجواب عن احتجاجهم بِأَحَادِيثِ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَأَحَادِيثُ الْجَمْعِ خَاصَّةٌ بِالسَّفَرِ فَقُدِّمَتْ وَبِهَذَا يُجَابُ أَيْضًا عَنْ حَدِيثٍ " لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ " فَإِنَّهُ عَامٌّ أَيْضًا (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَبَا داود قال روى موقوفا علي ابْنِ عُمَرَ مِنْ فِعْلِهِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا هَلْ يُحْتَجُّ بِهِ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ لِلسَّلَفِ فَإِنْ سَلَّمْنَا الِاحْتِجَاجَ بِهِ فَجَوَابُهُ أَنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَرِيحَةٌ فِي إخْبَارِهِ عَنْ جَمْعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَرَدُّهَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُتَأَوَّلَ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ يَجْمَعُ فِي حَالِ سَيْرِهِ إنَّمَا يَجْمَعُ إذَا نَزَلَ أَوْ كَانَ نَازِلًا فِي وَقْتِ الْأُولَى: وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ نَفْيٌ فَالْإِثْبَاتُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَعَ رُوَاتِهَا زِيَادَةَ عِلْمٍ وَالْجَوَابُ عَنْ جَمْعِ الْمُقِيمِ أَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ وَالْجَوَابُ عَنْ الْمَرِيضِ سَبَقَ فِي كَلَامِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْجَوَابُ عَنْ السَّفَرِ الْقَصِيرِ إذَا سَلَّمْنَا امْتِنَاعَ الْجَمْعِ فِيهِ أَنَّهُ فِي مَعْنَى الْحَضَرِ فَإِنَّهُ لَا يَعْظُمُ الْمَشَقَّةُ فِيهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالسَّفَرُ الْقَصِيرُ يُبِيحُ التَّيَمُّمَ بِلَا إعَادَةٍ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَكُمْ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ مَدَارَ التَّيَمُّمِ عَلَى إعْوَازِ الْمَاءِ وَهُوَ يُعْدَمُ فِي الْقَصِيرِ غَالِبًا كالطويل والله اعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الجمع بينهما في وقت الاولة مِنْهُمَا وَفِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كان نازلا في وقت الاولة فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ وَإِنْ كَانَ سَائِرًا فالافضل ان يؤخر الاولة إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " أَلَا أُخْبِرُكُمْ عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِي الْمَنْزِلِ قَدَّمَ الْعَصْرَ إلَى وَقْتِ الظُّهْرِ وَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّوَالِ " وَإِذَا سَافَرَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَخَّرَ الظُّهْرَ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ولان هذا ارفق بالمسافر فكان افضل)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَهُ شَوَاهِدُ وَسَبَقَ مَعْنَاهُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان أراد الجمع في وقت الاولة لَمْ يَجُزْ إلَّا بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ ينوى الجمع وقال المزني الْجَمْعُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّهُ جَمْعٌ فَلَا يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ كَالْجَمْعِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ وَلِأَنَّ
الْعَصْرَ قَدْ يُفْعَلُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ عَلَى وجه الخطأ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجَمْعِ لِيَتَمَيَّزَ التَّقْدِيمُ الْمَشْرُوعُ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يَلْزَمُهُ ان ينوى عند ابتداء الاولة لِأَنَّهَا نِيَّةٌ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْإِحْرَامِ كَنِيَّةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّةِ الْقَصْرِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ أَنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ النِّيَّةَ تَقَدَّمَتْ عَلَى حَالِ الْجَمْعِ فَأَشْبَهَ إذَا نَوَى عِنْدَ الْإِحْرَامِ (وَالشَّرْطُ الثَّانِي) التَّرْتِيبُ وَهُوَ أَنْ يُقَدِّمَ الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّيَ الثَّانِيَةَ لِأَنَّ الْوَقْتَ لِلْأُولَى وَإِنَّمَا يَفْعَلُ الثانية تبعا للاولي فلابد مِنْ تَقْدِيمِ الْمَتْبُوعِ (وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) التَّتَابُعُ وَهُوَ أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُمَا كَالصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ طَوِيلٍ بَطَلَ الْجَمْعُ وَإِنْ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَصْلٍ يَسِيرٍ لَمْ يَضُرَّ وَإِنْ أَخَّرَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّهُ قَدْ يؤخر للجمع وقد يؤخر لغيره فلابد مِنْ نِيَّةٍ يَتَمَيَّزُ بِهَا التَّأْخِيرُ الْمَشْرُوعُ عَنْ غَيْرِهِ وَيَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ فِي وَقْتِ الْأُولَى وَأَمَّا التَّرْتِيبُ فَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِأَنَّ وَقْتَ الثَّانِيَةِ وَقْتُ الْأُولَى
فَجَازَ الْبُدَاءَةُ بِمَا شَاءَ مِنْهُمَا وَأَمَّا التَّتَابُعُ فَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ كَصَلَاةٍ فَائِتَةٍ مَعَ صَلَاةٍ حَاضِرَةٍ فَجَازَ التفريق بينهما)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَرَادَ الْمُسَافِرُ الْجَمْعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَ لِصِحَّتِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ أَحَدُهَا التَّرْتِيبُ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْأُولَى لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَابِعَةٌ لَهَا فَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْمَتْبُوعِ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ هَكَذَا وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " فَلَوْ بَدَأَ بِالثَّانِيَةِ لَمْ يَصِحَّ وَتَجِبُ إعَادَتُهَا بِفِعْلِ الْأُولَى جَامِعًا وَلَوْ صَلَّى الْأُولَى ثُمَّ الثَّانِيَةَ فَبَانَ فَسَادُ الْأُولَى فَالثَّانِيَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا وَيُعِيدُهُمَا جَامِعًا (الْأَمْرُ الثَّانِي) نِيَّةُ الْجَمْعِ وَهِيَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجَمْعِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ وَبَعْضُ الْأَصْحَابِ لَا تُشْتَرَطُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ نَوَى الْجَمْعَ وَلَا أَمَرَ بِنِيَّتِهِ وَكَانَ يَجْمَعُ مَعَهُ مَنْ تَخْفَى عَلَيْهِ هَذِهِ النِّيَّةُ فَلَوْ وَجَبَتْ لَبَيَّنَهَا وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ أَنَّ الصَّلَاةَ الثَّانِيَةَ قَدْ تُفْعَلُ فِي وَقْتِ الْأُولَى جمعا وقد تفعل سهوا فلابد مِنْ نِيَّةٍ تُمَيِّزُهَا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي وَقْتِ النِّيَّةِ نَصَّانِ مُخْتَلِفَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ والخراسانيون قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ يَنْوِي عِنْدَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى وَقَالَ فِي الْجَمْعِ بِالسَّفَرِ إذَا نوى قبل التسيلم أَوْ مَعَهُ كَانَ لَهُ الْجَمْعُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ (أَحَدُهُمَا) تَقْرِيرُ النَّصَّيْنِ فَيَجِبُ فِي الْمَطَرِ أَنْ يَنْوِيَ فِي الْإِحْرَامِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْمَطَرِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِلْجَمْعِ فَلَمْ يمكن مَحِلًّا لِنِيَّتِهِ وَفِي السَّفَرِ تَجُوزُ النِّيَّةُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى لِأَنَّ اسْتِدَامَتَهُ شَرْطٌ فَكَانَتْ مَحِلًّا لِلنِّيَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تَجُوزُ النِّيَّةُ فِيهِمَا جَمِيعًا إلَّا عِنْدَ الْإِحْرَامِ
بِالْأُولَى كَنِيَّةِ الْقَصْرِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ مَعَ الْإِحْرَامِ بِالْأُولَى أَوْ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ مَعَ التَّحَلُّلِ مِنْهَا وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِي أَثْنَائِهَا وَلَا يَجُوزُ مَعَ التَّحَلُّلِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالثَّانِيَةِ وَهُوَ قَوْلٌ خَرَّجَهُ الْمُزَنِيّ لِلشَّافِعِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَلَوْ نَوَى الْجَمْعَ ثُمَّ نَوَى تَرْكَهُ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى ثُمَّ نَوَى الْجَمْعَ ثَانِيًا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (الْأَمْرُ الثَّالِثُ) الْمُوَالَاةُ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ اشْتِرَاطُهَا وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا مَا لَمْ يَخْرُجْ وَقْتُ الْأُولَى حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ وَحَكَاهُ
الرَّافِعِيُّ عَنْهُ وَعَنْ أَبِي عَلِيٍّ الثَّقَفِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الْمَغْرِبَ فِي بَيْتِهِ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ جَازَ وهذا نص مُؤَوَّلٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَالْمَشْهُورُ اشْتِرَاطُ الْمُوَالَاةِ وَعَلَيْهِ التَّفْرِيعُ لِأَنَّ الْجَمْعَ يَجْعَلُهُمَا كَصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فَوَجَبَتْ الْمُوَالَاةُ كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ الْيَسِيرُ وَيَضُرُّ الطَّوِيلُ وَفِي حَدِّ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ وَجْهَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ حَدَّ أَصْحَابُنَا الْقَصِيرَ بِقَدْرِ الْإِقَامَةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إلى العرف وقد يقتضى العرف احتمال الزيادة عَلَى قَدْرِ الْإِقَامَةِ وَلِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ بِالتَّيَمُّمِ وَقَالُوا لَا يَضُرُّ الْفَصْلُ بَيْنَهُمَا بِالطَّلَبِ وَالتَّيَمُّمِ لَكِنْ يُخَفَّفُ الطلب وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالتَّيَمُّمِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بِالطَّلَبِ وَخَالَفَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالُوا هَذَا فَصْلٌ يَسِيرٌ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اعْتَبَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَصْلِ الْمَانِعِ مِنْ الْجَمْعِ الْفَصْلَ الْمَانِعَ مِنْ بِنَاءِ الصَّلَاةِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا وَعَلَيْهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ أَرَادَ بِنَاءَهَا قَالَ فَكُلُّ مَا مَنَعَ الْبِنَاءَ مَنَعَ الْجَمْعَ وَمَا لَا فَلَا قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ صَلَّى بَيْنَهُمَا رَكْعَتَيْنِ سُنَّةً رَاتِبَةً بَطَلَ الْجَمْعُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَبْطُلُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَتَى طَالَ الْفَصْلُ امْتَنَعَ ضَمُّ الثَّانِيَةِ إلَى الْأُولَى وَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُهَا إلَى وَقْتِهَا سَوَاءٌ طَالَ بِعُذْرٍ كَالسَّهْوِ وَالْإِغْمَاءِ وَنَحْوِهِمَا أَمْ بِغَيْرِهِ وَلَوْ جَمَعَ ثُمَّ تَذَكَّرَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الْأُولَى بَطَلَتَا جَمِيعًا وَلَهُ إعَادَتُهُمَا جَامِعًا لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَصِحَّ فَوُجُودُهُمَا كَالْعَدَمِ وَإِنْ تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا مِنْ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى فَإِنْ قَرُبَ الْفَصْلُ بَنَى عَلَيْهَا وَمَضَتْ الصَّلَاتَانِ عَلَى الصِّحَّةِ وَإِنْ طَالَ بَطَلَتْ الثَّانِيَةُ وَتَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِطُولِ الْفَصْلِ بِفِعْلِ الثَّانِيَةِ الْبَاطِلَةِ وَيَتَعَيَّنُ فِعْلُهَا فِي وَقْتِهَا وَلَوْ لَمْ يَدْرِ أَتَرَكَهُ مِنْ
الْأُولَى أَمْ الثَّانِيَةِ لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الْأُولَى وَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ عَلَى الْمَشْهُورِ لِاحْتِمَالِ التَّرْكِ مِنْ الثَّانِيَةِ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ تَخْرِيجًا مِمَّا إذَا أُقِيمَتْ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ وَجُهِلَ أَسْبَقُهُمَا فَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ وَالْمَذْهَبُ امْتِنَاعُ الْجَمْعِ هَذَا كُلُّهُ فِي الْجَمْعِ فِي وَقْتِ الْأُولَى فَإِنْ أَرَادَهُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ التَّأْخِيرُ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ وَتُشْتَرَطُ هَذِهِ النِّيَّةُ فِي وَقْتِ الْأُولَى بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْ وَقْتِهَا قَدْرٌ يَسَعُهَا أَوْ أَكْثَرُ فَإِنْ أَخَّرَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْجَمْعِ حَتَّى خَرَجَ الْوَقْتُ أَوْ ضَاقَ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ
الْفَرْضَ عَصَى وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً يَمْتَنِعُ قَصْرُهَا إذَا مَنَعْنَا قَصْرَ الْمَقْضِيَّةِ فِي السَّفَرِ وَأَمَّا التَّرْتِيبُ وَنِيَّةُ الْجَمْعِ حال الصلاة والموالاة ففيهما طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَنَّهَا كُلَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ فَلَوْ تَرَكَهَا كُلَّهَا صَحَّ الْجَمْعُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) قَالَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا وَاجِبَاتٌ حَتَّى لَوْ أَخَلَّ بِوَاحِدٍ مِنْهَا صَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً لَا يَجُوزُ قَصْرُهَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ قَصْرَ مَقْضِيَّةِ السَّفَرِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِحَدِيثِ أُسَامَةَ ابن زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ " دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ عَرَفَةَ فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ نَزَلَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِجَمْعِ الْمُسَافِرِ
(
إحْدَاهَا) إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا فَصَارَ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى أَوْ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّانِيَةِ مُقِيمًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ أَوْ وُصُولِ سَفِينَتِهِ دَارَ الْإِقَامَةِ بَطَلَ الْجَمْعُ فَيَتَعَيَّنُ تَأْخِيرُ الثَّانِيَةِ إلَى وَقْتِهَا أَمَّا الْأُولَى فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا غَيْرُ تَابِعَةٍ وَلَوْ صَارَ مُقِيمًا فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا يَمْتَنِعُ الْقَصْرُ بِالْإِقَامَةِ فِي أَثْنَائِهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ الثَّانِيَةُ
أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي نَظَائِرِهَا (أصحهما) ينقلب نَفْلًا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْقَاعِدَةُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) مِنْ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الرَّافِعِيِّ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ انْعَقَدَتْ عَلَى صِفَةٍ فَلَمْ تَتَغَيَّرْ بِعَارِضٍ كَصَلَاةِ الْمُتَيَمِّمِ فِي السَّفَرِ إذَا رَأَى الْمَاءَ فِيهَا وَيُخَالِفُ الْقَصْرَ فَإِنَّ الْإِتْمَامَ لَا يُبْطِلُ فَرْضِيَّةَ مَا مَضَى أَمَّا إذَا صَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ قُلْنَا الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَائِهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْجَمْعِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَبْطُلُ الْجَمْعُ كَمَا لَوْ قَصَرَ ثُمَّ أَقَامَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالثَّانِي تَبْطُلُ وَيَلْزَمُهُ إعَادَةُ الثَّانِيَةِ فِي وَقْتِهَا لِزَوَالِ السَّفَرِ الَّذِي هُوَ سَبَبُ الْجَمْعِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَقَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاتَيْنِ فِي وَقْتِ الْأُولَى أَوْ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ مُضِيِّ إمْكَانِ فِعْلِهَا فَإِنْ أَقَامَ فِي
وَقْتِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ إمْكَانِ فِعْلِهَا لَمْ تَجِبُ إعَادَتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ مَهْمَا بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الثانية شئ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَمَعَ تَقْدِيمًا أَمَّا إذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ فَصَارَ مُقِيمًا بَعْدَ فَرَاغِهِمَا لَمْ يَضُرَّ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْأُولَى صَارَتْ قَضَاءً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَامَةُ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْأُولَى أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَمَعَ كَانَتْ
الصَّلَاتَانِ أَدَاءً سَوَاءٌ جَمَعَ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا وَحَكَى الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ إذَا جَمَعَ تَأْخِيرًا فَالْمُؤَخَّرَةُ قَضَاءٌ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ لِلْجَامِعِ فِعْلُ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ وَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْقَاصِرِ أَيْضًا وَقَدْ سَبَقَ ذَلِكَ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَسَنَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ آدَابِ السَّفَرِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا وَنَذْكُرُ هُنَاكَ مَتَى يُصَلِّيهَا وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِهَا فِي السَّفَرِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُمَا الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَيُصَلِّي كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ تَرْكَ الْجَمْعِ أَفْضَلُ بِخِلَافِ الْقَصْرِ قَالَ وَالْمُتَّبَعُ فِي الْفَضِيلَةِ الْخُرُوجُ مِنْ الْخِلَافِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ يَعْنِي خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ أَوْجَبَ الْقَصْرَ وَأَبْطَلَ الْجَمْعَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي تَرْكُ الْجَمْعِ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ وَقْتِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعِبَادَةِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي لَوْ شَرَعَ فِي الظُّهْرِ فِي الْبَلَدِ فِي سَفِينَةٍ فَسَارَتْ فَصَارَ فِيهَا فِي السَّفَرِ فَنَوَى الْجَمْعَ فان قلنا يشترط فيه الْجَمْعِ حَالَ الْإِحْرَامِ لَمْ يَصِحَّ جَمْعُهُ وَإِلَّا فيصح لوجود السفر وقت النية
*
* قال المصنف رحمه الله
* (يجوز الجمع بين الصلاتين في المطر في وقت الاولة منهما لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ والعصر والمغرب والعشاء جمعا من غير خوف ولا سفر " قال مالك أرى ذلك في المطر وهل يجوز أن يجمع بينهما في وقت الثانية فيه قولان قال في الاملاء يجوز كالجمع في السفر وقال في الام لا يجوز لانه إذا أخر ربما انقطع المطر فجمع من غير عذر
*
(فصل)
فإذا دخل في الظهر من غير مطر ثم جاء المطر لم يجز له الجمع لان سبب الرخصة حدث بعد الدخول فلم يتعلق به كما لو دخل في صلاة ثم سافر فان أحرم بالاولى مع المطر ثم انقطع في أثنائها ثم عاد
قبل أن يسلم ودام حتى أحرم بالثانية جاز الجمع لان العذر موجود في حال الجمع وان عدم فيما سواهما من الاحوال لم يضر لانه ليس بحال الدخول ولا بحال الجمع
*
(فصل)
ولا يجوز الجمع الا في مطر يبل الثياب وأما المطر الذى لا يبل الثياب فلا يجوز الجمع لاجله لانه لا يتأذى به وأما الثلج فان كان يبل الثياب فهو كالمطر وان لم يبل الثياب لم يجز الجمع لاجله فأما الوحل والريح والظلمة والمرض فلا يجوز الجمع لاجلها فانها قد كانت فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولم ينقل انه جمع لاجلها وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ لانه لا مشقة عليه في فعل الصلاة في وقتها وقال في الاملاء يَجُوزُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يجمع في المسجد وبيوت أزواجه الي المسجد وبجنب المسجد)
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَزَادَ فِيهِ قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ قَالَ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ وَقَوْلُهُ قَالَ مَالِكٌ أُرَى ذَلِكَ - هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - أَيْ أَظُنُّهُ وَهُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ الْإِمَامُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا مِثْلَهُ وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ مَرْدُودٌ بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ جَمَعَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ " وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مِنْ رِوَايَةِ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ وَهُوَ إمَامٌ مُتَّفَقٌ عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَدَالَتِهِ وَالِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ لَمْ يذكرها البخاري مع أن حبيب ابن أَبِي ثَابِتٍ مِنْ شَرْطِهِ قَالَ وَلَعَلَّهُ تَرَكَهَا لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَةَ الْجَمَاعَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْجَمَاعَةِ بِأَنْ تَكُونَ مَحْفُوظَةً أَوْلَى يَعْنِي رِوَايَةَ الْجُمْهُورِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ قَالَ وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ ابْنٍ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ الْجَمْعَ فِي الْمَطَرِ وَذَلِكَ تَأْوِيلُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِالْمَطَرِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَرَادَ أَنْ لَا يُحْرِجَ أُمَّتَهُ قَدْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَطَرِ أَيْ لَا يُلْحِقُهُمْ مَشَقَّةً بِالْمَشْيِ فِي الطِّينِ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَجَابَ الشيخ
أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ رِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ بِجَوَابَيْنِ (أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ وَلَا مَطَرٍ كَثِيرٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِرِوَايَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ الْجَمْعُ بِالْمَطَرِ وَالْمُرَادُ بِرِوَايَةِ
وَلَا مَطَرٍ الْجَمْعُ الْمَجَازِيُّ وَهُوَ أَنْ يُؤَخِّرَ الْأُولَى إلَى آخِرِ وَقْتِهَا وَيُقَدِّمَ الثَّانِيَةَ إلَى أَوَّلِ وَقْتِهَا هَذَا كَلَامُ أَبِي حَامِدٍ وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ الثَّانِيَ أَنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ رَوَى هذا الحديث عن ابي الشعشاء عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عمر وابن دينار قال قلت يا أبا الشعشاء اظنه أخر الظهر عجل الْعَصْرَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ قَالَ وَأَنَا أَظُنُّ ذَلِكَ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ فِي تَهْذِيبِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ قَوْلَهُ وَلَا مَطَرٍ أَيْ وَلَا مَطَرٍ مُسْتَدَامٍ فَلَعَلَّهُ انْقَطَعَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هَذَا الْجَوَابَ عَنْ أَصْحَابِنَا وَأَجَابَ الْمَاوَرْدِيُّ بِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَظِلًّا بِسَقْفٍ وَنَحْوِهِ وَهَذِهِ التَّأْوِيلَاتُ كُلُّهَا لَيْسَتْ ظَاهِرَةً وَالْمُخْتَارُ مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي مَسْجِدٍ لَيْسَ فِي طَرِيقِهِ إلَيْهِ مَطَرٌ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي القديم لا تجوز وقال في الاملاء تجوز هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِي الْقَدِيمِ لَا يَجُوزُ وَفِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَأَمَّا جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَقَالُوا قَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَجُوزُ وَقَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ فَلَمْ يَذْكُرُوا الْقَدِيمَ فَحَصَلَ مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَحَامِلِيِّ مَعَ نَقْلِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْجَوَازَ مُخْتَصٌّ بِالْإِمْلَاءِ وَالْمَنْعُ مَنْصُوصٌ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمْلَاءَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَقَدْ يَتَوَهَّمُ مَنْ لَا يَرَى كَلَامَ الْأَصْحَابِ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ جَوَازَ الْجَمْعِ أَصَحُّ مِنْ مَنْعِهِ حَيْثُ ذَكَرَ الْجَوَازَ عَنْ الاملاء وَهُوَ جَدِيدٌ وَالْمَنْعُ عَنْ الْقَدِيمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْأَصَحَّ هُوَ الْجَدِيدُ إلَّا فِي مَسَائِلَ قَلِيلَةٍ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْهَا وَلَيْسَ هَذَا التَّوَهُّمُ صَحِيحًا بَلْ الْأَصَحُّ مَنْعُ الْجَمْعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُ الْوَحَلُ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ غَيْرَهَا وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ إسْكَانَهَا
أَيْضًا وَقَوْلُهُ لِأَجْلِهَا قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ فِي اللُّغَةِ مِنْ أَجْلِهَا وَأَنَّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي الْمَطَرِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلًا أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَا يَجُوزُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ الْمُزَنِيّ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَدِيمًا وَجَدِيدًا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَوِيُّ الْمَطَرِ وَضَعِيفُهُ إذَا بَلَّ الثَّوْب قَالَ
أَصْحَابُنَا وَالثَّلْجُ وَالْبَرَدُ إنْ كَانَا يَذُوبَانِ وَيَبُلَّانِ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَإِنْ لَمْ يَذُبْ وَلَمْ يَبُلَّ الثِّيَابَ وَهُوَ شَاذٌّ غَلَطٌ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ مُطْلَقًا وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ خَرَّجَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ إتْبَاعًا لِاسْمِ الْمَطَرِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ اسْمَ الْمَطَرِ لَيْسَ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى وَأَمَّا الشَّفَّانُ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ فَقَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ بَرَدُ رِيحٍ فِيهَا نَدْوَةٌ فَإِذَا بَلَّ الثَّوْبَ جَازَ الْجَمْعُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي تَفْسِيرِهِ وَحُكْمِهِ وَقَدْ قَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ إنَّهُ مَطَرٌ وَزِيَادَةٌ فَيَجُوزُ الْجَمْعُ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْتُهُ وَأَمَّا الْوَحَلُ وَالظُّلْمَةُ وَالرِّيحُ وَالْمَرَضُ وَالْخَوْفُ فَالْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بِسَبَبِهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بِجَوَازِهِ وَسَنُفْرِدُ فِي ذَلِكَ فَرْعًا مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَطَرِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ الثَّلْجِ وَغَيْرِهِ يَجُوزُ لمن يصلى جماعة فِي مَسْجِدٍ يَقْصِدُهُ مَنْ بَعُدَ وَيَتَأَذَّى بِالْمَطَرِ فِي طَرِيقِهِ فَأَمَّا مَنْ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ مُنْفَرِدًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ يَمْشِي إلَى الْمَسْجِدِ في كن أَوْ كَانَ الْمَسْجِدُ فِي بَابِ دَارِهِ أَوْ صَلَّى النِّسَاءُ فِي بُيُوتِهِنَّ أَوْ الرِّجَالُ فِي الْمَسْجِدِ الْبَعِيدِ أَفْرَادًا فَهَلْ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ كَمَا سَبَقَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحريم لِأَنَّ الْجَمْعَ جُوِّزَ لِلْمَشَقَّةِ فِي تَحْصِيلِ الْجَمَاعَةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَفْقُودٌ هُنَا وَالثَّانِي وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ يَجُوزُ وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَجْمَعُ فِي بُيُوتِ أَزْوَاجِهِ إلَى الْمَسْجِدِ " أَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ بُيُوتَ أَزْوَاجِهِ صلى الله عليه وسلم تِسْعَةٌ وَكَانَتْ مُخْتَلِفَةً
مِنْهَا بَيْتُ عَائِشَةَ بَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ وَمُعْظَمُهَا بِخِلَافِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ صلى الله عليه وسلم فِي حَالِ جَمْعِهِ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّ احْتِمَالَ كَوْنِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبَاقِي أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَأَمَّا وَقْتُ الْجَمْعِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَنَصَّ فِي الْإِمْلَاءِ
وَالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَجُوزُ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْخِلَافَ وَجْهَيْنِ وَعَكَسَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي جَوَازِهِ فِي وَقْتِ الْأُولَى الْقَوْلَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَغْلِيطِهِ قَالَ أَصْحَابنَا فَإِذَا جَمَعَ فِي وَقْتِ الْأُولَى اُشْتُرِطَتْ الشُّرُوطُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي جَمْعِ الْمُسَافِرِ وَيُشْتَرَطُ وُجُوبُ الْمَطَرِ فِي أَوَّلِ الصَّلَاتَيْنِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا أَوْ بَاطِلًا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى وَفِي اشْتِرَاطِهِ عِنْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ الْأُولَى طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو زيد والبغوى وآخرون يشترط وجها واحدا
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى وَأَمَّا انْقِطَاعُهُ فِيمَا سِوَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ فَلَا يَضُرُّ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ بَعْضِ الْمُصَنَّفِينَ وَيَعْنِي بِهِ صَاحِبَ الْإِبَانَةِ أَنَّهُ قَالَ فِي انْقِطَاعِهِ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَعَ بَقَاءِ الْوَقْتِ الْخِلَافُ السابق في طرء ان الْإِقَامَةِ فِي جَمْعِ السَّفَرِ وَضَعَّفَهُ الْإِمَامُ وَأَنْكَرَهُ وَقَالَ إذَا لَمْ يُشْتَرَطُ دَوَامُ الْمَطَرِ فِي الْأُولَى فَأَوْلَى أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَوْ افْتَتَحَ الْأُولَى وَلَا مَطَرَ ثُمَّ مَطَرَتْ فِي أَثْنَائِهَا فَفِي جَوَازِ الْجَمْعِ الْقَوْلَانِ فِي نِيَّةِ الْجَمْعِ فِي أَثْنَاءِ الْأُولَى وَاخْتَارَ ابْنُ الصَّبَّاغِ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ وَجَزَمَ بِهَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ الْجَمْعَ في وقت
الثَّانِيَةِ وَجَوَّزْنَاهُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ يُصَلِّي الْأُولَى مَعَ الثَّانِيَةِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ الْمَطَرُ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَمْ انْقَطَعَ قَبْلَ وَقْتِهَا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا انْقَطَعَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ لَمْ يَجُزْ الْجَمْعُ بَلْ يُصَلِّي الْأُولَى فِي آخِرِ وَقْتِهَا كَالْمُسَافِرِ إذَا أَخَّرَ بِنِيَّةِ الْجَمْعِ ثُمَّ أَقَامَ قَبْلَ وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ يُقَالَ لَوْ انْقَطَعَ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ فِعْلِهَا امْتَنَعَ الْجَمْعُ وَصَارَتْ الْأُولَى قَضَاءً كَمَا لَوْ صَارَ مُقِيمًا وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ
* وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّهُ جَوَّزَ لَهُ التَّأْخِيرَ فَلَا يَتَغَيَّرُ حَالُهُ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعَصْرِ فِي الْمَطَرِ ذَكَرَهُ ابْنُ كَجٍّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ قَدَّمَ
الْعَصْرَ إلَى الْجُمُعَةِ اُشْتُرِطَ وُجُودُ الْمَطَرِ فِي افْتِتَاحِ الصَّلَاتَيْنِ وَفِي السَّلَامِ فِي الْجُمُعَةِ كَمَا فِي غَيْرِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِصَلَاةٍ بَلْ شَرْطٌ مِنْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ الْمَطَرُ فِيهِمَا كَمَا لَا يُشْتَرَطُ فِي الطَّهَارَةِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ يُنَازَعُ فِي هَذَا ذَهَابًا إلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ الرَّكْعَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ فَإِنْ أَرَادَ تَأْخِيرَ الْجُمُعَةِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ جَازَ إنْ جَوَّزْنَا تَأْخِيرَ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ فَيَخْطُبُ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْعَصْرَ وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَطَرِ وَقْتَ الْعَصْرِ كَمَا سَبَقَ وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ كُلَّ وَقْتٍ جَازَ فِيهِ فِعْلُ الظُّهْرِ أَدَاءً جَازَ فِعْلُ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَتَيْهَا
* (فَرْعٌ)
الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز الجمع بالمرص وَالرِّيحِ وَالظُّلْمَةِ وَلَا الْخَوْفِ وَلَا الْوَحَلِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ يَجُوزُ الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ كَجَمْعِ الْمُسَافِرِ يَجُوزُ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا والاولى أن يفعل اوفقهما بِهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُتَوَلِّي وَقَوَّاهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ قال مالك واحمد يجوز الْجَمْعُ بِعُذْرِ الْمَرَضِ وَالْوَحَلِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ قُلْتُ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوِيٌّ جِدًّا وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّ هَذَا الْجَمْعَ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْمَرَضِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ أَوْ دُونَهُ وَلِأَنَّ حَاجَةَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ آكَدُ مِنْ الْمَمْطُورِ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي الْحَضَرِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ وَلَا مَرَضٍ وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ الْقَفَّالِ الْكَبِيرِ الشَّاشِيِّ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ لِلْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ بِأَشْيَاءَ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْمَوَاقِيتِ وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَّا بِصَرِيحٍ (وَمِنْهَا) أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرِضَ أَمْرَاضًا كَثِيرَةً وَلَمْ يُنْقَلْ جَمْعُهُ بِالْمَرَضِ صَرِيحًا (وَمِنْهَا) أَنَّ مَنْ كَانَ ضَعِيفًا وَمَنْزِلُهُ بَعِيدًا من الْمَسْجِدِ بُعْدًا كَثِيرًا لَا يَجُوزُ لَهُ الْجَمْعُ مَعَ الْمَشَقَّةِ الظَّاهِرَةِ وَكَذَا الْمَرِيضُ (فَإِنْ قِيلَ) لِمَ أَلْحَقْتُمْ الْوَحَلَ بِالْمَطَرِ فِي أَعْذَارِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ دُونَ الْجَمْعِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
جَوَابُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَهُوَ أَنَّ تَارِكَ الْجُمُعَةِ يُصَلِّي بَدَلَهَا الظُّهْرَ وَتَارِكَ الْجَمَاعَةِ
يُصَلِّي مُنْفَرِدًا فَيَأْتِي بِبَدَلٍ وَاَلَّذِي يَجْمَعُ يَتْرُكُ الْوَقْتَ بِلَا بَدَلٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ بَابَ الْأَعْذَارِ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ لَيْسَ مَخْصُوصًا بَلْ كُلُّ مَا لَحِقَ بِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ فَهُوَ عُذْرٌ وَالْوَحَلُ مِنْ هَذَا وَبَابُ الْجَمْعِ مَضْبُوطٌ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ فَلَا يَجُوزُ بِكُلِّ شَاقٍّ وَلِهَذَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ لِمَنْ هُوَ قَيِّمٌ بِمَرِيضٍ وَشَبَهِهِ وَلَمْ تَأْتِ السُّنَّةُ بِالْوَحَلِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْجَمْعِ بِالْمَطَرِ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَجَمَاعَةٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيُّ وَآخَرُونَ لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ دُونَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَرْوَانَ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْجَمْعِ فِي الْحَضَرِ بِلَا خَوْفٍ ولا سفر وَلَا مَرَضٍ: مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَائِفَةٍ جَوَازَهُ بِلَا سَبَبٍ قَالَ وجوزه بن سِيرِينَ لِحَاجَةٍ أَوْ مَا لَمْ يَتَّخِذْهُ عَادَةً
(بَابُ آدَابِ السَّفَرِ)
هَذَا بَابٌ مُهِمٌّ تَتَكَرَّرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ وَيَتَأَكَّدُ الِاهْتِمَامُ بِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَرَأَيْتُ تَقْدِيمَهُ هُنَا لِوَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) اسْتِبَاقُ الْخَيْرَاتِ
(وَالثَّانِي) أَنَّهُ هُنَا أَنْسَبُ وَقَدْ بَسَطَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَسْطًا حَسَنًا فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ الْكَبِيرِ وَقَدْ جَمَعْتُ أَنَا جُمَلًا كَبِيرَةً مِنْهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْإِيضَاحِ فِي الْمَنَاسِكِ وَجُمْلَةً صَالِحَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَذْكَارِهِ وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْإِشَارَةُ إلَى آدَابِهِ مُخْتَصَرَةً
وَفِي الْبَابِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يُشَاوِرَ مِنْ يَثِقُ بِدِينِهِ وَخِبْرَتِهِ وَعِلْمِهِ فِي سَفَرِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَيَجِبُ على المستشار النصيحة والتخلي من الهوى وخظوظ النُّفُوسِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وَتَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانُوا يُشَاوِرُونَهُ فِي أُمُورِهِمْ "
(الثَّانِيَةُ) إذَا عَزَمَ عَلَى السَّفَرِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَسْتَخِيرَ اللَّهَ تَعَالَى فَيُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثم يدعوا بِدُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَبَيَانُ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
(الثَّالِثَةُ) إذَا اسْتَقَرَّ عَزْمُهُ لِسَفَرِ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَبْدَأَ بالتوبة من جميع المعاصي والمكروهات ويخرج من مَظَالِمِ الْخَلْقِ وَيَقْضِيَ مَا أَمْكَنَهُ مِنْ دُيُونِهِمْ وَيَرُدَّ الْوَدَائِعَ وَيَسْتَحِلَّ كُلَّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة في شئ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَيَكْتُبَ وَصِيَّتَهُ وَيُشْهَدَ عَلَيْهِ بِهَا وَيُوَكِّلَ مَنْ يَقْضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ قَضَائِهِ مِنْ دُيُونِهِ وَيَتْرُكَ لِأَهْلِهِ وَمَنْ يَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ نَفَقَتَهُمْ إلَى حِينِ رُجُوعِهِ
(الرَّابِعَةُ) فِي إرْضَاءِ وَالِدَيْهِ وَمَنْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ بِرُّهُ وَطَاعَتُهُ فَإِنْ مَنَعَهُ الْوَالِدُ السَّفَرَ أَوْ مَنَعَ الزَّوْجُ امْرَأَتَهُ فَفِيهِ تَفْصِيلٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْفَوَاتِ وَالْإِحْصَارِ
(الْخَامِسَةُ) إذَا سَافَرَ لِحَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ حَلَالًا خَالِصَةً مِنْ الشُّبْهَةِ فَإِنْ خَالَفَ وَحَجَّ أَوْ غَزَا بِمَالٍ مَغْصُوبٍ عَصَى وَصَحَّ حَجُّهُ وَغَزْوُهُ فِي الظَّاهِرِ لَكِنَّهُ لَيْسَ حَجًّا مَبْرُورًا وَسَأَبْسُطُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَمَذَاهِبَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ فِي حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يَحْمِلُ فِيهِ الزَّادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ لِيُوَاسِيَ مِنْهُ الْمُحْتَاجِينَ وَلْيَكُنْ زَادُهُ طَيِّبًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ) والمراد بالطيب هنا الجيد وبالخبيث الردئ وَيَكُونُ طَيِّبَ النَّفْسِ بِمَا يُنْفِقُهُ لِيَكُونَ أَقْرَبَ إلَى قَبُولِهِ
(السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ الْمُمَاحَكَةِ فِيمَا يَشْتَرِيهِ لِأَسْبَابِ سَفَرِ حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ أَسْفَارِ الطَّاعَةِ وَكَذَا كُلُّ قُرْبَةٍ
(الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالنَّفَقَةِ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُشَارَكَةِ أَسْلَمُ مِنْهُ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ بِسَبَبِهَا مِنْ التَّصَرُّفِ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ مِنْ الصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَلَوْ أَذِنَ شَرِيكُهُ لَمْ يُوثَقْ بِاسْتِمْرَارِهِ فَإِنْ شَارَكَ جَازَ وَاسْتُحِبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى دُونِ حَقِّهِ وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الرِّفْقَةِ عَلَى طَعَامٍ يَجْمَعُونَهُ يَوْمًا يَوْمًا فَحَسَنٌ وَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ بَعْضِهِمْ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ إذَا وَثِقَ بِأَنَّ أَصْحَابَهُ لَا يَكْرَهُونَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَثِقْ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الرِّبَا في شئ وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ فِي خَلْطِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَزْوَادَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ الْخَلْطَةِ فِي الْمَوَاشِي وَسَنَزِيدُهَا إيضَاحًا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَعَنْ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنه أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا نَأْكُلُ وَلَا نَشْبَعُ قَالَ فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ قَالَ فَاجْتَمِعُوا عَلَى طَعَامِكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ "
(التَّاسِعَةُ) إذَا أَرَادَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ لَزِمَهُ تَعَلُّمُ كَيْفِيَّتِهِمَا إذْ لَا تَصِحُّ الْعِبَادَةُ مِمَّنْ لَا يَعْرِفُهَا وَيُسْتَحَبُّ لِمُرِيدِ الْحَجِّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا وَاضِحًا فِي الْمَنَاسِكِ جَامِعًا لِمَقَاصِدِهَا وَيُدِيمَ مُطَالَعَتَهُ وَيُكَرِّرَهَا فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ لِتَصِيرَ مُحَقَّقَةً عِنْدَهُ وَمَنْ أَخَلَّ بِهَذَا مِنْ الْعَوَامّ يُخَافُ أَنْ لَا يَصِحَّ حَجُّهُ لِإِخْلَالِهِ بِشَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ أَرْكَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَرُبَّمَا قَلَّدَ بَعْضُهُمْ بَعْضَ عَوَامِّ مَكَّةَ وَتَوَهَّمَ أَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ الْمَنَاسِكَ مُحَقَّقَةً فَاغْتَرَّ بِهِمْ وَذَلِكَ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَكَذَا الْغَازِي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَصْحِبَ مَعَهُ كِتَابًا مُعْتَمَدًا مُشْتَمِلًا عَلَى مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ ويتعلم الغازى ما يحتاج إليه مِنْ أُمُورِ الْقِتَالِ وَأَذْكَارِهِ وَتَحْرِيمِ الْهَزِيمَةِ وَتَحْرِيمِ الْغُلُولِ وَالْغَدْرِ وَقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَمَنْ أَظْهَرَ لَفْظَ الْإِسْلَامِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ وَيَتَعَلَّمُ الْمُسَافِرُ لِتِجَارَةٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْبُيُوعِ وَمَا يَصِحُّ وَمَا يَبْطُلُ وَمَا يَحِلُّ وَيَحْرُمُ وَيُسْتَحَبُّ وَيُكْرَهُ وَمَا هُوَ رَاجِحٌ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَبِّدًا سَائِحًا مُعْتَزِلًا لِلنَّاسِ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ أُمُورِ دِينِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَصِيدُ تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ أَهْلُ الصَّيْدِ وَمَا يُبَاحُ مِنْهُ وَمَا يَحْرُمُ وَمَا يُبَاحُ به الصيد وشرط الزكاة وَمَا يَكْفِي فِيهِ قَتْلُ الْكَلْبِ وَالسَّهْمِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنْ كَانَ رَاعِيًا تَعَلَّمَ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي حَقِّ الْمُعْتَزِلِ مَعَ كيفية الرفق بالدواب ورمحها وَإِنْ كَانَ رَسُولًا إلَى سُلْطَانٍ وَنَحْوِهِ تَعَلَّمَ آداب المخاطبات الْكِبَارِ وَجَوَابَ مَا يَعْرِضُ وَمَا يَحِلُّ مِنْ ضِيَافَاتِهِمْ وَهَدَايَاهُمْ وَمَا يَجِبُ مُرَاعَاتُهُ مِنْ النُّصْحِ وَتَحْرِيمِ الْغَدْرِ وَمَقَامِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا أَوْ عَامِلَ قِرَاضٍ تَعَلَّمَ مَا يُبَاحُ لَهُ مِنْ السَّفَرِ وَالتَّصَرُّفِ وَمَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِشْهَادِ فِيهِ وَعَلَى كُلِّ الْمَذْكُورِينَ تَعَلُّمُ الْحَالِ الَّتِي يَجُوزُ فِيهَا رُكُوبُ الْبَحْرِ وَاَلَّتِي لَا يَجُوزُ إنْ أَرَادُوا رُكُوبَهُ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا كُلُّهُ يَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ
مُفَرَّقًا فِي مَوَاضِعِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(الْعَاشِرَةُ) يُكْرَهُ رُكُوبُ الْجَلَّالَةِ وَهِيَ الْبَعِيرُ الَّذِي يَأْكُلُ الْعَذِرَةَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجَلَّالَةِ فِي الْإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَطْلُبَ رَفِيقًا مُوَافِقًا رَاغِبًا فِي الْخَيْرِ كَارِهًا لِلشَّرِّ إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ وَإِنْ ذَكَرَ أَعَانَهُ وَإِنْ تَيَسَّرَ لَهُ مَعَ هَذَا كَوْنُهُ عَالِمًا فَلْيَتَمَسَّكْ بِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ بِعِلْمِهِ وَعَمَلِهِ مِنْ سُوءِ مَا يَطْرَأُ عَلَى الْمُسَافِرِ مِنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ وَالضَّجَرِ وَيُعِينُهُ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَيَحُثُّهُ عَلَيْهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ كَوْنَهُ مِنْ الْأَجَانِبِ لَا مِنْ الْأَصْدِقَاءِ وَلَا الْأَقَارِبِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ الْقَرِيبَ وَالصَّدِيقَ الْمَوْثُوقَ بِهِ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى مُهِمَّاتِهِ وَأَرْفَقُ بِهِ فِي أُمُورِهِ ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إرْضَاءِ رَفِيقِهِ فِي جَمِيعِ طَرِيقِهِ وَيَحْتَمِلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ وَيَرَى لِصَاحِبِهِ عَلَيْهِ فَضْلًا وَحُرْمَةً وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَقَعُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
(الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَافَرَ سَفَرَ حَجٍّ أَوْ غَزْوٍ أَنْ تَكُونَ يَدُهُ فَارِغَةً مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا لِأَنَّ ذَلِكَ يَشْغَلُ الْقَلْبَ وَيُفَوِّتُ بَعْضَ الْمَطْلُوبَاتِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ فِي حَجِّهِ وَغَزْوِهِ وَنَحْوِهِمَا وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا الله مخلصين له الدين) وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ "
(الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَإِنْ فَاتَهُ فَيَوْمُ الِاثْنَيْنِ وَأَنْ يَكُونَ بَاكِرًا وَدَلِيلُ الْخَمِيسِ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ " وَفِي رواية في الصحيحين " أقل ما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ إلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ "" وَدَلِيلُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " هَاجَرَ مِنْ مَكَّةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ " وَدَلِيلُ الْبُكُورِ حَدِيثُ صَخْرٍ الْعَامِرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَكَانَ إذَا بَعَثَ جَيْشًا أَوْ سَرِيَّةً بَعَثَهُمْ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ تَاجِرًا فَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ أَوَّلَ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
(الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ (قُلْ يا أيها الكافرون) وَفِي الثَّانِيَةِ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) فَفِي الْحَدِيثِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا خَلَفَ عَبْدٌ أَهْلَهُ أَفْضَلَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ يَرْكَعُهُمَا عِنْدَهُمْ حِينَ يُرِيدُ سَفَرًا " وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إلَّا وَدَّعَهُ بِرَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ سَلَامِهِ (آية الكرسي ولايلاف قُرَيْشٍ) فَقَدْ جَاءَ فِيهِمَا آثَارُ السَّلَفِ مَعَ مَا عُلِمَ مِنْ بَرَكَةِ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ شئ وكل وقت ثم يدعوا
بِحُضُورِ قَلْبٍ وَإِخْلَاصٍ بِمَا شَاءَ مِنْ أُمُورِ آخِرَتِهِ وَدُنْيَاهُ وَلِلْمُسْلِمِينَ كَذَلِكَ وَيَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْإِعَانَةَ وَالتَّوْفِيقَ فِي سَفَرِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِهِ فَإِذَا نَهَضَ مِنْ جُلُوسِهِ قَالَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه " اللَّهُمَّ إلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَبِكَ اعْتَصَمْتُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي مَا هَمَّنِي وَمَا لَا أَهْتَمُّ لَهُ اللَّهُمَّ زَوِّدْنِي التَّقْوَى وَاغْفِرْ لِي ذَنْبِي "
(الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَدِّعَ أَهْلَهُ وَجِيرَانَهُ وَأَصْدِقَاءَهُ وَسَائِرَ أَحْبَابِهِ وَأَنْ يُوَدِّعُوهُ وَيَقُولُ كُلُّ وَاحِدٍ لِصَاحِبِهِ أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى وَغَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ وَيَسَّرَ الْخَيْرَ لَكَ حَيْثُمَا كُنْتَ وَمِمَّا جَاءَ فِي هَذَا مِنْ الْأَحَادِيثِ حَدِيثُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ عبد الله ابن عُمَرَ رضي الله عنهم " كَانَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ إذَا أَرَادَ سَفَرًا اُدْنُ مِنِّي أُوَدِّعْكَ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُوَدِّعُنَا فَيَقُولُ " أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَخَوَاتِيمَ عَمَلِكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَدِّعَ الجيش قال استودعك اللَّهَ دِينَكُمْ وَأَمَانَتَكُمْ وَخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمْ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ سَفَرًا فَزَوِّدْنِي فَقَالَ زَوَّدَكَ اللَّهُ التَّقْوَى فَقَالَ زِدْنِي فَقَالَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ قَالَ زِدْنِي قَالَ وَيَسَّرَ لَكَ الْخَيْرَ حَيْثُمَا كُنْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ إذَا اُسْتُوْدِعَ شَيْئًا حَفِظَهُ "
(السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ مَنْ يُوَدِّعُهُ وَأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الدُّعَاءَ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَلِحَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ " اسْتَأْذَنْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعُمْرَةِ فَأَذِنَ وَقَالَ لَا تَنْسَنَا يَا أُخَيَّ مِنْ دُعَائِكَ فَقَالَ كَلِمَةً مَا يَسُرُّنِي أَنَّ لِي بِهَا الدُّنْيَا " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " أَشْرِكْنَا يَا أُخَيَّ فِي دُعَائِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
(السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يستحب أن يتصدق بشئ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَكَذَا أَمَامَ الْحَاجَاتِ مُطْلَقًا كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا صَحَّ عَنْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلِيَّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَيَدْعُو بِمَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَالَ يَعْنِي إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ يُقَالُ لَهُ كُفِيتَ وَوُقِيتَ وَيُنَحَّى عَنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الترمذي حَدِيثٌ حَسَنٌ زَادَ أَبُو دَاوُد فِيهِ فَيَقُولُ الشيطان لشيطان
آخَرَ كَيْفَ بِكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِيَ وَكُفِيَ وَوُقِيَ
(الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَأَرَادَ رُكُوبَ دَابَّتِهِ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ فَإِذَا اسْتَوَى عَلَيْهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ يَأْتِي بِالتَّسْبِيحِ وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ الَّذِي ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا استوى بَعِيرِهِ خَارِجًا إلَى سَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا بِاسْمِ الله قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى مُقْرِنِينَ مطيعين وَالْوَعْثَاءُ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْمَدِّ - هِيَ الشِّدَّةُ: وَالْكَآبَةُ - بِالْمَدِّ - هِيَ تغيير النَّفْسِ مِنْ خَوْفٍ وَنَحْوِهِ وَالْمُنْقَلَبُ الْمَرْجِعُ وَعَنْ عبد الله ابن سرخس رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ من وعثاء السفر وكآبة المنقلب والجور بَعْدَ الْكَوْنِ وَدَعْوَةِ الْمَظْلُومِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا هُوَ فِي صحيح مسلم بعد الكون بِالنُّونِ وَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ ويروى الكور بالواو كِلَاهُمَا صَحِيحُ الْمَعْنَى قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ بِالرَّاءِ وَالنُّونِ جَمِيعًا الرُّجُوعُ مِنْ الِاسْتِقَامَةِ أَوْ الزِّيَادَةُ إلَى النَّقْصِ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفِي الرِّيَاضِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ " شَهِدْتُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَتَى بِدَابَّتِهِ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَكَ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي إنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ ثُمَّ ضَحِكَ فَقِيلَ يَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ من أي شئ ضَحِكْت قَالَ رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ فَقُلْتُ يا رسول الله من أي شئ ضَحِكْت قَالَ إنَّ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إذَا قَالَ اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرَافِقَ فِي سَفَرِهِ جَمَاعَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَنَّ
النَّاسَ يَعْلَمُونَ مِنْ الْوَحْدَةِ مَا أَعْلَمُ مَا سَارَ رَكْبٌ بِلَيْلٍ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي أَنْ يَسِيرَ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَنْفَرِدَ بِطَرِيقٍ وَلَا يَرْكَبُ اثْنَتَانِ الطَّرِيقَ فَإِنَّهُ يُخَافُ الْإِفَارَ بِسَبَبِ ذَلِكَ
* (1)(فَرْعٌ)
قَدْ يُقَالُ ذَكَرْتُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِانْفِرَادُ فِي السَّفَرِ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْ خَلَائِقَ مِنْ الصَّالِحِينَ الْوَحْدَةُ فِي السَّفَرِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ الْوَحْدَةَ وَالِانْفِرَادَ إنَّمَا يُكْرَهَانِ لِمَنْ استأنس فَيُخَافُ عَلَيْهِ مِنْ الِانْفِرَادِ الضَّرَرُ بِسَبَبِ الشَّيَاطِينِ وغيرهم أم الصَّالِحُونَ فَإِنَّهُمْ أَنِسُوا بِاَللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَوْحَشُوا مِنْ النَّاسِ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَوْقَاتِهِمْ فَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِمْ فِي الْوَحْدَةِ بَلْ مَصْلَحَتُهُمْ وَرَاحَتُهُمْ فِيهَا
(الْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُؤَمِّرَ الرِّفْقَةُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ افضلهم وأجودهم رأيا ويطيعونه لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَا " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا خَرَجَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ وَخَيْرُ السَّرَايَا اربعمائة وخير الجيوش أربع آلَافٍ وَلَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا عَنْ قِلَّةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَالْمُرَادُ بِالصَّحَابَةِ هُنَا الْمُتَصَاحِبُونَ
(الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ كَلْبًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُعَلِّقَ في الدابة جرسا أو يقلدها دثرا سَوَاءٌ الْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَغَيْرُهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَصْحَبُ الْمَلَائِكَةُ رفقة فيها كلب أو جرس " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
وَعَنْهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَسُولًا يَقُولُ " لَا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قلادة من وتر أو قِلَادَةٌ إلَّا قُطِعَتْ قَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أُرَى ذَلِكَ مِنْ الْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قال الشيخ أبو عمر وابن الصلاح رحمه الله فان وقع شئ مِنْ ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَلَمْ يَسْتَطِعْ إزَالَتَهُ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلَاءِ فَلَا تَحْرِمْنِي ثَمَرَةَ صُحْبَةِ مَلَائِكَتِكَ وَبَرَكَتِهِمْ
(الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُحَمِّلَ الدَّابَّةَ فَوْقَ طَاقَتِهَا وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا فَحَمَّلَهَا الْمُؤَجِّرُ مَا لَا تُطِيقُ لَمْ يَجُزْ لِلْمُسْتَأْجِرِ مُوَافَقَتُهُ لِحَدِيثِ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ الله كتب الاحسان على كل شئ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَلِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ عمر رضي الله عنه قَالَ " مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَعِيرٍ قَدْ لَحِقَ
ظَهْرُهُ بِبَطْنِهِ فَقَالَ اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ الْعُجْمَةِ وَارْكَبُوهَا صَالِحَةً " وَكُلُوهَا صَالِحَةً رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
(الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرِيحَ دَابَّتَهُ بِالنُّزُولِ عَنْهَا غُدْوَةً وَعَشِيَّةً وعند عقبة ونحوها ويتنجب النَّوْمَ عَلَى ظَهْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " إذَا صَلَّى الْفَجْرَ فِي السَّفَرِ مَشَى قَلِيلًا وَنَاقَتُهُ تُقَادُ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا الْمُكْثُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَهِيَ وَاقِفَةٌ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لِحَاجَةٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إيَّاكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا ظُهُورَ دَوَابِّكُمْ مَنَابِرَ فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل إنَّمَا سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُبَلِّغَكُمْ إلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ وَجَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ فَعَلَيْهَا فَاقْضُوا حَاجَاتِكُمْ " رَوَاهُ أبو داود باسناد جيد وعن ابن أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ارْكَبُوا هَذِهِ الدَّوَابَّ سَالِمَةً وَابْتَدِعُوهَا سَالِمَةً وَلَا تَتَّخِذُوهَا كَرَاسِيَّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَأَمَّا جَوَازُهُ لِلْحَاجَةِ فَفِيهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ عَلَى نَاقَتِهِ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى عَلَى نَاقَتِهِ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ
(الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْإِرْدَافُ عَلَى الدَّابَّةِ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً وَلَا يَجُوزُ إذَا لَمْ تَكُنْ مُطِيقَةً فَأَمَّا دَلِيلُ الْمَنْعِ إذَا لَمْ تُطِقْ فَالْأَحَادِيثُ السَّابِقَةُ قَرِيبًا مَعَ الْإِجْمَاعِ وَأَمَّا جَوَازُهُ إذَا كَانَتْ مُطِيقَةً فَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَرْدَفَهُ حِينَ دَفَعَ مِنْ عَرَفَاتٍ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ ثُمَّ أَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى الرَّحْلِ وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَرْدَفَ مُعَاذًا عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ - بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يُعْمِرَ أُخْتَهُ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ فَأَرْدَفَهَا وَرَاءَهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَرْدَفَ صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَرَاءَهُ حِينَ تَزَوَّجَهَا بِخَيْبَرَ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ أَكَافٌ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ وَرَاءَهُ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ وأنه قدم من سفر فسبق بي إليه
فحملني بين يديه ثم - جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَإِذَا أَرْدَفَ كَانَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ أَحَقَّ بِصَدْرِهَا وَيَكُونُ الرَّدِيفُ وَرَاءَهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى صَاحِبُهَا بِتَقْدِيمِهِ لِجَلَالَتِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَفِيهِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ " الرَّجُلُ أَحَقُّ بِصَدْرِ دَابَّتِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ مَرْفُوعًا وَعَنْ ابْنِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا مُرْسَلًا
(الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الِاعْتِقَابُ عَلَى الدَّابَّةِ وَهُوَ أَنْ يَرْكَبَ وَاحِدٌ وَقْتًا ثُمَّ يَنْزِلَ وَيَرْكَبَ الْآخَرُ وَقْتًا وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي قِصَّةِ هِجْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ قَالَتْ " فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ يَعْتَقِبَانِ حَتَّى الْمَدِينَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا يَوْمَ بَدْرٍ اثْنَيْنِ عَلَى بَعِيرٍ وَثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ وَكَانَ عَلِيٌّ وَأَبُو أُمَامَةَ زَمِيلَيْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ إذَا حَانَتْ عُقْبَتُهُمَا قَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْكَبْ نَمْشِ عَنْكَ فَيَقُولُ إنَّكُمَا لَسْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنِّي وَلَا أَرْغَبَ عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ
(السادس وَالْعِشْرُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُرَاعِيَ مَصْلَحَةَ الدَّابَّةِ فِي المرعي وَالسُّرْعَةِ وَالتَّأَنِّي بِحَسَبِ الْأَرْفَقِ بِهَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَافَرْتُمْ فِي الْخِصْبِ فَأَعْطُوا الْإِبِلَ
حَظَّهَا مِنْ الْأَرْضِ وَإِذَا سَافَرْتُمْ فِي الْجَدْبِ فَأَسْرِعُوا عَلَيْهَا السَّيْرَ وَبَادِرُوا بِهَا نِقْيَهَا وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقٌ لِلدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعْنَى أَعْطُوا الْإِبِلَ حَظَّهَا اُرْفُقُوا فِي سَيْرِهَا لِتَرْعَى حَالَ مَشْيهَا والنفى - بِنُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ قَافٍ سَاكِنَةٍ - وَهُوَ الْمُخُّ وَمَعْنَاهُ أَسْرِعُوا بِهَا حَتَّى تَصِلُوا الْمَقْصِدَ قَبْلَ أَنْ يَذْهَبَ مُخُّهَا مِنْ ضَنْكِ السَّيْرِ وَالتَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي اللَّيْلِ وَقِيلَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ خَاصَّةً وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ " رَوَاهُ البخاري ومسلم
(السابع وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ السُّرَى فِي آخِرِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَلَيْكُمْ بِالدُّلْجَةِ فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ " فَإِنَّ الْأَرْضَ تُطْوَى بِاللَّيْلِ لِلْمُسَافِرِ "
(الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْبَيْهَقِيُّ يُكْرَهُ السَّيْرُ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا ترسلوا مواشيكم وَصِبْيَانَكُمْ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ حَتَّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ الْعِشَاءِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ الْآنِيَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ إطْلَاقِ الْكَرَاهَةِ فِيهِ نَظَرٌ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ مَا يَقْتَضِي إطْلَاقَ الْكَرَاهَةِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِينَ فَالِاخْتِيَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ
(التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسَنُّ مساعدة الرفيق واعانته لقوله صلي " والله " عليه وسلم فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عون أخيه والله صَحِيحٌ مَشْهُورٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ " وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " بَيْنَمَا نَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ جَاءَ رَجُلٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لَهُ فَجَعَلَ يَصْرِفُ بَصَرَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من كان معه فضل طهر فليعد به علي من لا طهر لَهُ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَنْ لَا زَادَ مَعَهُ فَذَكَرَ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ مَا ذَكَرَهُ حَتَّى رَأَيْنَا أنه لاحق لِأَحَدٍ مِنَّا فِي فَضْلٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يَغْزُوَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ إنَّ مِنْ إخْوَانِكُمْ قَوْمًا لَيْسَ لَهُمْ مَالٌ وَلَا عشيرة فليضم أحدكم إليه الرحلين والثلاث فما لاحدنا من ظهر يحمله عُقْبَةٌ يَعْنِي كَعُقْبَةِ أَحَدِكُمْ فَضَمَمْت إلَيَّ اثْنَيْنِ أو ثلاثة مالي الا عقبة الا كَعُقْبَةِ أَحَدِهِمْ مِنْ جَمَلِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
(الثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِكَبِيرِ الرَّكْبِ أَنْ يَسِيرَ فِي آخره والا فيتعهد آخِرَهُ فَيَحْمِلَ الْمُنْقَطِعَ
أَوْ يُعِينَهُ وَلِئَلَّا يُطْمَعَ فِيهِمْ وَيَتَعَرَّضَ اللُّصُوصُ وَنَحْوُهُمْ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَخَلَّفُ فِي الْمَسِيرِ فَيُرْجِي الضَّعِيفَ وَيُرْدِفُ وَيَدْعُو لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه كان يفعله
(الحادى وَالثَّلَاثُونَ) يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الرِّفْقَ وَحُسْنَ الخلق مع الغلام والجمال وَالرَّقِيقِ وَالسَّائِلِ وَغَيْرِهِمْ وَيَتَجَنَّبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُخَاشَنَةَ وَمُزَاحَمَةَ النَّاسِ فِي الطُّرُقِ وَمُوَارَدَةَ الْمَاءِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ وَأَنْ يَصُونَ لِسَانَهُ مِنْ الشَّتْمِ وَالْغِيبَةِ وَلَعْنَةِ الدَّوَابِّ وَجَمِيعِ الْأَلْفَاظِ الْقَبِيحَةِ وَيَرْفُقَ بِالسَّائِلِ وَالضَّعِيفِ وَلَا يَنْهَرَ أَحَدًا مِنْهُمْ وَلَا يُوَبِّخَهُ على خروجه بلازاد وَرَاحِلَةٍ بَلْ يُوَاسِيهِ بِمَا تَيَسَّرَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ رَدَّهُ رَدًّا جَمِيلًا وَدَلَائِلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَشْهُورَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ واعرض عن الجاهلين) وقال الله اللَّهُ تَعَالَى (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ من عزم الامور) وَالْآيَاتُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا " وَعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلَا اللَّعَّانِ وَلَا الْفَاحِشِ وَلَا البذئ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْعَبْدَ إذَا لَعَنَ شَيْئًا صَعِدَتْ اللَّعْنَةُ إلَى السَّمَاءِ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ دونها ثم تهبط الي الْأَرْضَ فَتُغْلَقُ أَبْوَابُهَا دُونَهَا ثُمَّ تَأْخُذُ يَمِينًا وشمالا فإذا لم تجد مساعدا رَجَعَتْ إلَى الَّذِي لَعَنَ فَإِنْ كَانَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَإِلَّا رَجَعَتْ إلَى قَائِلِهَا " رَوَاهُ أَبُو داود وعن عمر ان ابن حُصَيْنٍ قَالَ " بَيْنَمَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَامْرَأَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ عَلَى نَاقَةٍ فَضَجِرَتْ فَلَعَنَتْهَا فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ خُذُوا مَا عَلَيْهَا
وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ - قَالَ عِمْرَانُ فَكَأَنِّي أَرَاهَا الْآنَ تَمْشِي فِي النَّاسِ مَا يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ " بَيْنَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيْهَا بَعْضُ مَتَاعِ الْقَوْمِ إذْ بَصُرَتْ بِالنَّبِيِّ صَلَّى
الله عليه وسلم وتضايق بهم الجبل فقال حَلِ اللَّهُمَّ الْعَنْهَا قَالَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا النَّهْيُ يَتَنَاوَلُ الْمُصَاحَبَةَ دُونَ بَاقِي التَّصَرُّفَاتِ فِيهَا مِنْ السَّفَرِ بِهَا فِي وَجْهٍ آخَرَ وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَهُ فِي كِتَابِ الرِّيَاضِ
(الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يُكَبِّرَ إذَا صَعِدَ الثَّنَايَا وَشِبْهَهَا وَيُسَبِّحَ إذَا هَبَطَ الْأَوْدِيَةَ وَنَحْوَهَا وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجُيُوشُهُ إذَا عَلَوْا الثَّنَايَا كَبَّرُوا وَإِذَا هَبَطُوا سَبَّحُوا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْهُ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قَفَلَ مِنْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ كُلَّمَا أَوْفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَوْ فَدْفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا ثُمَّ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وحده " رواه البخاري ومسلم الفدفد - بفتح الفائين بَيْنَهُمَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ - الْغَلِيظُ الْمُرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يارسول اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي قَالَ " عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ فَلَمَّا وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ اللَّهُمَّ اطْوِ؟ ؟ ؟ لَهُ الْبَعِيدَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكُنَّا إذَا أَشْرَفْنَا عَلَى وَادٍ هَلَّلْنَا وَكَبَّرْنَا ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إنَّهُ مَعَكُمْ إنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ارْبَعُوا - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ اُرْفُقُوا بِأَنْفُسِكُمْ
(الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا أَوْ مَنْزِلٍ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا لِحَدِيثِ صُهَيْبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لَمْ يَرَ قَرْيَةً يُرِيدُ دُخُولَهَا إلَّا قَالَ حِينَ يَرَاهَا " اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ وَرَبَّ الرياح وما ذرينا فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا
وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ
(الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْعُوَ فِي سَفَرِهِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ لِأَنَّ دَعْوَتَهُ مُجَابَةٌ وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رسول الله صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى الْوَلَدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَلَى وَلَدِهِ
(الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ) إذَا خَافَ نَاسًا أَوْ غَيْرَهُمْ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا خَافَ قَوْمًا قَالَ اللَّهُمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَيُسَنُّ أيضا أن يدعوا بِدُعَاءِ الْكَرْبِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كان يقول عند عِنْدَ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " إذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَغَوَّلَتْ الْغِيلَانُ عَلَى الْمُسَافِرِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا جَاءَ عَنْ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ إذَا تَغَوَّلَتْ بِكُمْ الْغِيلَانُ فَنَادُوا بِالْأَذَانِ " الْغِيلَانُ طَائِفَةٌ مِنْ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَهُمْ سَحَرَتُهُمْ وَمَعْنَى تَغَوَّلَتْ تَلَوَّنَتْ فِي صُوَرٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ لِلْغُولِ وُجُودٌ أَمْ لَا وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ في تهذيب اللغات
(السادسة والثلاثون) إذا استصعبت دَابَّتُهُ قِيلَ يَقْرَأُ فِي أُذُنِهَا (أَفَغَيْرَ دِينِ الله يبغون وله أسلم من في السموات والارض طوعا وكرها واليه ترجعون) وَإِذَا انْفَلَتَتْ دَابَّتُهُ نَادَى يَا عِبَادَ اللَّهِ احبسوا مرتين أو ثلاثلا فَقَدْ جَاءَ فِيهَا آثَارٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَجَرَّبْتُ أَنَا هَذَا الثَّانِي فِي دَابَّةٍ انْفَلَتَتْ مِنَّا وَكُنَّا جَمَاعَةً عَجَزُوا عَنْهَا فَذَكَرْتُ أَنَا هَذَا فَقُلْتُ يَا عِبَادَ اللَّهِ احْبِسُوا فَوَقَفَتْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ وَحَكَى لِي شَيْخُنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ أَبِي الْيُسْرِ رحمه الله أَنَّهُ جَرَّبَهُ فَقَالَ فِي بَغْلَةٍ انْفَلَتَتْ فَوَقَفَتْ فِي الْحَالِ
(السَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ الْحِدَاءُ وَالرَّجَزُ فِي السَّيْرِ لِلسُّرْعَةِ وَتَنْشِيطِ الدَّوَابِّ وَالنُّفُوسِ وَتَرْوِيحِهَا وَتَيْسِيرِ السَّيْرِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (مِنْهَا) :
حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَادٍ يُقَالُ لَهُ أَنْجَشَةُ وَكَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رُوَيْدَكَ يا أنجشة
لَا تَكْسِرْ الْقَوَارِيرَ " قَالَ قَتَادَةُ يَعْنِي ضَعْفَةَ النِّسَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلًا فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ لِعَامِرِ بْنِ الْأَكْوَعِ أَلَا تُسْمِعُنَا مِنْ هَنَاتِكَ وَكَانَ عَامِرٌ رَجُلًا شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَوْلَا أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا وَلَا تَصَدَّقْنَا وَلَا صَلَّيْنَا إلَى آخِرِ الْأَبْيَاتِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ هَذَا السَّائِقُ فَقَالُوا عَامِرُ بْنُ الْأَكْوَعِ فَقَالَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ) يُسْتَحَبُّ خِدْمَةُ الْمُسَافِرِ الَّذِي لَهُ نَوْعُ فَضِيلَةٍ وَإِنْ كَانَ الْخَادِمُ أَكْبَرَ سِنًّا لِحَدِيثِ أَنَسٍ قال " خرجت مع جرير ابن عَبْدِ اللَّهِ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ لَا تَفْعَلْ فَقَالَ إنِّي رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا آلَيْتَ أَلَّا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إلَّا خَدَمْتُهُ قَالَ وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ) فِي بَيَانِ كيفية مشى من أعيي
* احْتَجَّ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ شَكَا نَاسٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم المشى فدعا بهما فقال عليكم بالنسلان فنسلنا فَوَجَدْنَاهُ أَخَفَّ عَلَيْنَا " وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَيْضًا وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (الْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ ضَرْبُ الدَّابَّةِ فِي الْوَجْهِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْوَسْمِ فِي الْوَجْهِ وَالضَّرْبِ فِي الْوَجْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيَجُوزُ الضَّرْبُ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ لِلْحَاجَةِ عَلَى حَسَبِ الْحَاجَةِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذلك وإجماع العلماء وسيأتي في الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي كِتَابِ الْإِجَارَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(الْحَادِي وَالْأَرْبَعُونَ) يَنْبَغِي لَهُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى الطَّهَارَةِ وَعَلَى الصَّلَاةِ فِي أَوْقَاتِهَا وَقَدْ يَسَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِمَا جَوَّزَهُ مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْجَمْعِ وَالْقَصْرِ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ النُّزُولُ عَنْ الدَّابَّةِ لِلصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ فِي وَقْتِهَا جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الدَّابَّةِ وَيَلْزَمُهُ إعَادَتُهَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ
(الثَّانِيَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا نَزَلَ مَنْزِلًا مَا رَوَتْهُ خَوْلَةُ بِنْتُ حَكِيمٍ قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلق لم يضر بشئ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(الثَّالِثَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُكْرَهُ النُّزُولُ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وَإِذَا عَرَّسْتُمْ فَاجْتَنِبُوا الطَّرِيقَ فَإِنَّهَا طُرُقُ الدَّوَابِّ وَمَأْوَى الْهَوَامِّ بِاللَّيْلِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ سَبَقَ فِي السَّادِسَةِ وَالْعِشْرِينَ
(الرَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ إذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اإذا سافر فأقبل
اللَّيْلُ قَالَ يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّكِ وَشَرِّ مَا فِيكِ وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ وَشَرِّ مَا يَدُورُ عَلَيْكِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ أَسَدٍ وَأُسُودٍ وَالْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَهَذَا لَفْظُ أَبِي دَاوُد وَالْأُسُودُ الشَّخْصُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَسَاكِنُ الْبَلَدِ هُمْ الْجِنُّ الَّذِينَ هُمْ سُكَّانُ الْأَرْضِ قَالَ وَالْبَلَدُ الْأَرْضُ مَا كَانَ مَأْوَى الْحَيَوَانِ سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ بِنَاءٌ وَمَنَازِلُ أَمْ لَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوَالِدِ إبْلِيسُ وَمَا وَلَدَ الشَّيَاطِينُ
(الْخَامِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) يُسْتَحَبُّ لِلرِّفْقَةِ فِي السَّفَرِ أَنْ يَنْزِلُوا مُجْتَمِعِينَ وَيُكْرَهُ تَفَرُّقُهُمْ لِغَيْرِ حَاجَةٍ لِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّاسُ إذَا نَزَلُوا مَنْزِلًا تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ إنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ فَلَمْ يَنْزِلُوا بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلًا إلَّا انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
(السَّادِسَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ فِي كَيْفِيَّةِ نَوْمِ الْمُسَافِرِ مَا رَوَاهُ أَبُو قَتَادَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَذَكَرَهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ قَالَ وَلَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ وَغَلِطَ الْحَاكِمُ فِي هَذَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ الْعُلَمَاءُ نَصَبَ الذِّرَاعَيْنِ لِئَلَّا يَسْتَغْرِقَ فِي النَّوْمِ فَتَفُوتَ صَلَاةُ الصُّبْحِ أَوْ أَوَّلُ وَقْتِهَا
(السَّابِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ لِلْمُسَافِرِ إذَا قَضَى حَاجَتَهُ أَنْ يُعَجِّلَ الرُّجُوعَ إلَى أَهْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ فَإِذَا قَضَى أَحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ فَلِيُعَجِّلْ إلَى أَهْلِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ نَهْمَتُهُ - بِفَتْحِ النُّونِ - مَقْصُودُهُ وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَضَى أَحَدُكُمْ حَجَّهُ فَلِيُعَجِّلْ الرِّحْلَةَ إلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِأَجْرِهِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ
(الثَّامِنَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ فِي رُجُوعِهِ مِنْ السَّفَرِ مَا ثَبَتَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَفَلَ مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ مِنْ الْأَرْضِ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ ثُمَّ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قدير آيبون تائبون حامدون سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى إذَا كُنَّا بِظَهْرِ الْمَدِينَةِ قَالَ آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فَلَمْ يَزَلْ يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(التَّاسِعَةُ وَالْأَرْبَعُونَ) عَنْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم قال " إذا قدم احدكم من سفر فَلْيُهْدِ إلَى أَهْلِهِ وَلْيُطْرِفْهُمْ وَلَوْ كَانَتْ حِجَارَةً " رواه الدارقطني فِي سُنَنِهِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْحَجِّ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِ حَمْلِ الْمُسَافِرِ هَدِيَّةً لِأَهْلِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَاحْتَجَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ
(الْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا قَرُبَ مِنْ وَطَنِهِ أَنْ يَبْعَثَ إلَى أَهْلِهِ مَنْ يخبرهم لئلا يقدم بغتة فان كَانَ فِي قَافِلَةٍ كَبِيرَةٍ وَاشْتُهِرَ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَدِ وُصُولُهُمْ وَوَقْتُ دُخُولِهِمْ كَفَاهُ ذَلِكَ عَنْ إرْسَالِهِ مُعَيَّنًا
(الْحَادِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُكْرَهُ أَنْ يَطْرُقَ أَهْلَهُ طُرُوقًا لِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ أَنْ يَقْدُمَ عَلَيْهِمْ فِي اللَّيْلِ بَلْ السُّنَّةُ أَنْ يَقْدُمَ أَوَّلَ النَّهَارِ وَإِلَّا فَفِي آخِرِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَطْرُقُ أَهْلَهُ لَيْلًا وَكَانَ يَأْتِيهِمْ غُدْوَةً أَوْ عَشِيَّةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا أَطَالَ أَحَدُكُمْ الْغَيْبَةَ فَلَا يَطْرُقَنَّ أَهْلَهُ لَيْلًا " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَى أَنْ يَطْرُقَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ لَيْلًا حَتَّى تَمْتَشِطَ الشَّعِثَةُ وَتَسْتَحِدَّ الْمُغِيبَةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ الثَّلَاثِ وَتَسْتَحِدُّ تُزِيلُ شَعْرَ الْعَانَةِ وَالْمُغِيبَةُ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - الَّتِي غَابَ زَوْجُهَا
(الثَّانِيَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسَنُّ تَلَقِّي الْمُسَافِرِينَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَاسْتَقْبَلَهُ اغيلمة بني عبد المطلب فجعل واحد بَيْنَ يَدَيْهِ وَآخَرَ خَلْفَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ قَدِمَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ - رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَدِمَ مِنْ سفر تلقي بصبيان أهل بيته وأنه قدم مِنْ سَفَرٍ فَسُبِقَ بِي إلَيْهِ فَحَمَلَنِي بَيْنَ يديه ثم جئ بِأَحَدِ ابْنَيْ فَاطِمَةَ فَأَرْدَفَهُ خَلْفَهُ فَأَدْخَلَنَا الْمَدِينَةَ ثَلَاثَةً عَلَى دَابَّةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
(الثَّالِثَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ أَنْ يُسْرِعَ السَّيْرَ إذَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى جُدَرَانِ قَرْيَتِهِ لِحَدِيثِ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَنَظَرَ إلَى جُدْرَانِ الْمَدِينَةِ أَوْضَعَ رَاحِلَتَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَى دَابَّةٍ حَرَّكَهَا مِنْ حُبِّهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(الرَّابِعَةُ والخمسون) إذا وقع بصره على قريته اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا وَخَيْرَ أَهْلِهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا بِهَا قَرَارًا وَرِزْقًا حَسَنًا اللَّهُمَّ اُرْزُقْنَا حِمَاهَا وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا وَحَبِّبْنَا إلَى أَهْلِهَا وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إلَيْنَا وَقَدْ ثَبَتَ دَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْأَذْكَارِ
(الْخَامِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) السُّنَّةُ إذَا وَصَلَ مَنْزِلَهُ أَنْ يَبْدَأَ قَبْلَ دُخُولِهِ بِالْمَسْجِدِ الْقَرِيبِ إلَى مَنْزِلِهِ فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْقُدُومِ لِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَرَكَعَ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ فِي حَدِيثِهِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ بَيْعِ جَمَلِهِ فِي السَّفَرِ قَالَ " وَقَدِمْتُ بِالْغَدَاةِ فَجِئْتُ المسجد فوجدته
يَعْنِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ الْآنَ قَدِمْتَ قُلْتُ نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ فَدَعْ جَمَلَكَ وَادْخُلْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ فَدَخَلْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ " وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ " بِعْتُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعِيرًا فِي سَفَرٍ فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمَدِينَةَ قَالَ ائْتِ الْمَسْجِدَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَإِنْ كَانَ الْقَادِمُ مَشْهُورًا يَقْصِدُهُ النَّاسُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقْعُدَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ فِي مَكَان بَارِزٍ لِيَكُونَ أَسْهَلَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَاصِدِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَشْهُورٍ وَلَا يُقْصَدُ ذَهَبَ إلَى بَيْتِهِ بَعْدَ صَلَاتِهِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الْمَسْجِدِ
(السَّادِسَةُ وَالْخَمْسُونَ) إذَا وَصَلَ بَيْتَهُ دَخَلَهُ مِنْ بَابِهِ لَا مِنْ ظَهْرِهِ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ رضي الله عنه قَالَ " كَانَتْ الْأَنْصَارُ إذَا حَجُّوا فجاؤا لَا يَدْخُلُونَ مِنْ أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ وَلَكِنْ مِنْ ظُهُورِهَا فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَدَخَلَ مِنْ قبل بابه وكأنه عبر بِذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتقي واتوا البيوت من أبوابها " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
(السَّابِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) فَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقُولَ مَا رُوِّينَاهُ فِي كِتَابِ ابْنِ السُّنِّيِّ عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَهْلُهُ قَالَ تَوْبًا تَوْبًا لِرَبِّنَا أو بالا يُغَادِرُ حَوْبًا قَوْلُهُ تَوْبًا سُؤَالٌ لِلتَّوْبَةِ أَيْ أَسْأَلُك تَوْبًا أَوْ تُبْ عَلَيَّ تَوْبًا وَأَوْبًا بِمَعْنَاهُ مِنْ آبَ إذَا رَجَعَ وَقَوْلُهُ لَا يُغَادِرُ حَوْبًا أَيْ لَا يَتْرُكُ إثْمًا
(الثَّامِنَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ لِلْقَادِمِ مِنْ غَزْوٍ مَا رُوِّينَاهُ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوٍ فَلَمَّا دَخَلَ اسْتَقْبَلْتُهُ فَقُلْتُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَصَرَكَ وَأَعَزَّكَ وَأَكْرَمَكَ " وَيُقَالُ لِلْقَادِمِ مِنْ حَجٍّ قَبِلَ اللَّهُ حَجَّكَ وَغَفَرَ ذَنْبَكَ وَأَخْلَفَ نَفَقَتَكَ وَرُوِّينَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْحَاجِّ وَلِمَنْ اسْتَغْفَرَ لَهُ الْحَاجُّ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
(التَّاسِعَةُ وَالْخَمْسُونَ) يُسْتَحَبُّ النَّقِيعَةُ وَهِيَ طَعَامٌ يُعْمَلُ لِقُدُومِ الْمُسَافِرِ وَيُطْلَقُ عَلَى مَا يَعْمَلُهُ الْمُسَافِرُ الْقَادِمُ وَعَلَى مَا يَعْمَلُهُ غَيْرُهُ لَهُ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَمِمَّا يستدل به لها حديث جَابِرٌ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ مِنْ سَفَرِهِ نَحَرَ جَزُورًا أَوْ بَقَرَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
(السِّتُّونَ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفْدُ اللَّهِ ثَلَاثَةٌ الْغَازِي وَالْحَاجُّ وَالْمُعْتَمِرُ " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
(الْحَادِيَةُ وَالسِّتُّونَ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ صَلَاةُ النَّوَافِلِ فِي السَّفَرِ سَوَاءٌ الرَّوَاتِبُ مَعَ الْفَرَائِضِ وَغَيْرِهَا: هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرحمن ومالك
وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَبِهِ قَالَتْ طَائِفَةٌ من الصحابة واحمد واسحق وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ لَا يُصَلِّي الرَّوَاتِبَ فِي السَّفَرِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَرَوَى حَفْصُ بْنُ عَاصِمٍ " صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قُلْنَا يُسَبِّحُونَ فَقَالَ لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا أَتْمَمْتُ صلاني يَا ابْنَ أَخِي إنِّي صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّفَرِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُمَرَ رضي الله عنه فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَصَحِبْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله اسوة حسنة " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا اللَّفْظُ إحْدَى رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُمَا صَحِبْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ فِي السَّفَرِ فَهَذَا حُجَّةُ ابْنِ عُمَرَ وَمَنْ وَافَقَهُ وَأَمَّا حُجَّةُ أَصْحَابِنَا وَالْجُمْهُورِ فَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) :
الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الشَّائِعَةُ فِي باب استقبال القبلة وغير أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي النَّوَافِلَ عَلَى رَاحِلَتِهِ فِي السَّفَرِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ " وَعَنْ أَبِي قَتَادَةَ حَدِيثُهُ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَنَامُوا عَنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ حَتَّى طَلَعَتْ الشمس فساروا حتى ارتفت الشَّمْسُ ثُمَّ نَزَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَضَّأَ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ صَلَّى الْغَدَاةَ فَصَنَعَ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ كُلَّ يَوْمٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ سُنَّةُ الصُّبْحِ وَهُمَا مُرَادُ الْبُخَارِيِّ بِقَوْلِهِ فِي صَحِيحِهِ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فِي بَيْتِهَا ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ وَذَلِكَ ضُحًى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ سُبْحَةُ الضُّحَى وَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ التَّطَوُّعِ: وَاحْتَجَّ بِهَا الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ
صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَفْرَةً فَمَا رَأَيْتُهُ تَرَكَ رَكْعَتَيْنِ إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ الظُّهْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ رَأَى الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ حَسَنًا وَعَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الظُّهْرَ فِي السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطِيَّةَ وَنَافِعٍ وَقَالَ هُوَ أَيْضًا حَسَنٌ قَالَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ مَا رَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى حَدِيثًا أَعْجَبَ إلَيَّ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ هَذَا كَلَامُ التِّرْمِذِيِّ وَعَطِيَّةُ والحجاج وابن ابى ليلي ضعيف وقد حكم بانه حسن فلعله اعتضده عنده بشئ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ الْأُولَى فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ فَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ وَالسِّتُّونَ) يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ إلَى مَا يُسَمَّى سَفَرًا سَوَاءٌ بَعُدَ أَمْ قَرُبَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ تُسَافِرُ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ عَلَيْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَيْلَةً وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ مَسِيرَةَ بَرِيدٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ وَلَا تُسَافِرُ الْمَرْأَةُ إلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتَتَبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ انْطَلِقْ فحج مع امرأتك " رواه البخاري ومسلم
*
(باب صلاة الخوف)
* قال المصنف رحمه الله
* (تجوز صلاة الخوف في قتال الكفار لقوله تعالى (ان كنت فيهم فاقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ) وكذلك يجوز في كل قتال مباح كقتال اهل البغى وقطاع الطريق لانه قتال جائز فهو كقتال الكفار واما القتال المحظور كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أموالهم فلا يجوز فيه صلاة الخوف لان ذلك رخصة وتخفيف فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصى ولان فيه اعانة على المعصية وهذا لا يجوز)
* (الشَّرْحُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ قِتَالٍ لَيْسَ بِحِرَامٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاجِبًا كَقِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ إذَا قَاتَلَهُمْ الْإِمَامُ وَكَذَا الصَّائِلُ عَلَى حَرِيمِ الْإِنْسَانِ أَوْ عَلَى نَفْسِهِ إذَا أَوْجَبْنَا الدَّفْعَ أَوْ كَانَ مُبَاحًا مُسْتَوِيَ الطَّرَفَيْنِ كَقِتَالِ مَنْ قَصَدَ مَالَ الْإِنْسَانِ أَوْ مَالَ غَيْرِهِ
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَلَا يَجُوزُ فِي الْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ بِالْإِجْمَاعِ كَقِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ وَقِتَالِ أَهْلِ الْأَمْوَالِ لِأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَقِتَالِ الْقَبَائِلِ عَصَبِيَّةً وَنَحْوِ ذَلِكَ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَطَعَ أَصْحَابُنَا العراقيين وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنْ قُصِدَ مَالُهُ وَدَافَعَ عَنْهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا قَالَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا جَازَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ قَطْعًا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِهِ أَمَّا إذَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ الْهَزِيمَةُ جَائِزَةً بِأَنْ يَزِيدَ الْكُفَّارُ عَلَى الضِّعْفِ أَوْ كَانَ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا
وَسَتَأْتِي الْمَسْأَلَةُ مَعَ نَظَائِرِهَا وَفُرُوعِهَا فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْبَابِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحَيْثُ مَنَعْنَا صَلَاةَ الْخَوْفِ لِكَوْنِ الْقِتَالِ مُحَرَّمًا فَصَلَّوْهَا فَهُوَ كَمَا لَوْ صَلَّوْهَا فِي الْأَمْنِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي كُلِّ قِتَالٍ مُبَاحٍ فَاسْتَعْمَلَ الْمُبَاحَ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ
وهو مالا إثْمَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَإِنَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ وَاجِبٌ وَحَقِيقَةُ الْمُبَاحِ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ مَا استوى طرفاه بالشرع وانما طلقه الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لِيُدْخِلَ فِيهِ الدَّفْعَ عَنْ الْمَالِ وَغَيْرَهُ مِمَّا هُوَ مُبَاحٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ رُخْصَةٌ بِضَمِّ الْخَاءِ وَإِسْكَانِهَا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِصَلَاةِ الْخَوْفِ أَنَّ كَيْفِيَّةَ الْفَرِيضَةِ فِيهَا إذَا صُلِّيَتْ جَمَاعَةً كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا شُرُوطُ الصَّلَاةِ وَأَرْكَانُهَا وَسُنَنُهَا وَعَدَدُ ركعاتها فهى في الخوف كالامن من إلَّا أَشْيَاءَ اُسْتُثْنِيَتْ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ خَاصَّةً سَنُفَصِّلُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَا يَتَغَيَّرُ عَدَدُ رَكَعَاتِهَا هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إلَّا ابْنَ الْعَبَّاسِ وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ وَالضَّحَّاكَ واسحق بْنَ رَاهْوَيْهِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا الْوَاجِبُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَةٌ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَطَاوُسٍ لَكِنْ أَبُو حَامِدٍ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْفَرْضَ فِي الْخَوْفِ عَلَى الْإِمَامِ رَكْعَتَانِ وَعَلَى الْمَأْمُومِ رَكْعَةٌ وَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْجُمْهُورُ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّ الْوَاجِبَ رَكْعَةٌ فَقَطْ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " فَرَضَ اللَّهُ الصَّلَاةَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم في الحضر اربعا في السَّفَرِ رَكْعَتَيْنِ وَفِي الْخَوْفِ رَكْعَةً " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَلِأَنَّ الْمَشَقَّةَ فِي الْخَوْفِ ظَاهِرَةٌ فَخَفَّفَ عَنْهُ بِالْقَصْرِ دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى هُوَ وَأَصْحَابُهُ فِي الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ "(وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمَأْمُومَ يُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَيُصَلِّي الرَّكْعَةَ الْأُخْرَى وَحْدَهُ وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ الْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُتَعَيَّنٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قَوْلِهِمْ فِي الْخَوْفِ مَشَقَّةٌ أَنْ يُنْتَقَضَ بِالْمَرَضِ فَإِنَّ مَشَقَّتَهُ أَشَدُّ وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي قَصْرِ الصَّلَاةِ بِالْإِجْمَاعِ مَعَ أَنَّ الْخَوْفَ يُؤَثِّرُ فِي تَخْفِيفِ هَيْئَاتِ الصَّلَاةِ وَصِفَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَصْلِ صَلَاةِ الْخَوْفِ: مَذْهَبُنَا أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ وَكَانَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَشْرُوعَةً لِكُلِّ أَهْلِ عَصْرِهِ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم وَمُنْفَرِدِينَ عَنْهُ وَاسْتَمَرَّتْ شريعتها
إلَى الْآنَ وَهِيَ مُسْتَمِرَّةٌ إلَى آخِرِ الزَّمَانِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا وَبِهَذَا قَالَتْ الْأُمَّةُ بِأَسْرِهَا إلَّا أَبَا يُوسُفَ وَالْمُزَنِيَّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كَانَتْ مُخْتَصَّةً بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ يُصَلِّي مَعَهُ وَذَهَبَتْ بِوَفَاتِهِ " وَقَالَ الْمُزَنِيّ كَانَتْ ثُمَّ نُسِخَتْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي يُوسُفَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا كُنْتَ فيهم فاقمت لهم الصلاة) الْآيَةَ قَالَ وَالتَّغْيِيرُ الَّذِي يَدْخُلُهَا كَانَ يَنْجَبِرُ بِفِعْلِهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِخِلَافِ غَيْرِهِ
* وَاحْتَجَّ الْمُزَنِيّ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَهُ صَلَوَاتُ يَوْمِ الْخَنْدَقِ وَلَوْ كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً لَفَعَلَهَا وَلَمْ يُفَوِّتْ الصَّلَاةَ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالْأَصْلُ هُوَ التَّأَسِّي بِهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخِطَابُ مَعَهُ خِطَابٌ لِأُمَّتِهِ وَبِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ عَامٌّ وَبِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْآثَارُ الصَّحِيحَةُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّهُمْ صَلَّوْهَا فِي مَوَاطِنَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَجَامِعَ بِحَضْرَةِ كِبَارٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِمَّنْ صَلَّاهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي حُرُوبِهِ بِصِفِّينَ وَغَيْرِهَا وَحَضَرَهَا مِنْ الصَّحَابَةِ خَلَائِقُ لَا يَنْحَصِرُونَ وَمِنْهُمْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَمُرَةَ وَحُذَيْفَةُ وَسَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ رَوَى أَحَادِيثَهُمْ الْبَيْهَقِيُّ وَبَعْضُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالصَّحَابَةُ الَّذِينَ رَأَوْا صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَوْفِ لَمْ يَحْمِلْهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى تَخْصِيصِهَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِزَمَنِهِ بَلْ رَوَاهَا كُلُّ وَاحِدٍ وَهُوَ يَعْتَقِدُهَا مَشْرُوعَةً عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي رَآهَا (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِالْآيَةِ فَقَدْ سبق أنها حجة لنا لان الْخِطَابِ وَالْأَصْلُ التَّأَسِّي (وَأَمَّا الْجَوَابُ) عَنْ انْجِبَارِ الصَّلَاةِ بِفِعْلِهَا خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا الصَّلَاةُ خَلْفَهُ صلى الله عليه وسلم فَضِيلَةٌ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاةُ الْخَوْفِ جَائِزَةً مُطْلَقًا لَمَا فَعَلُوهَا (وَأَمَّا دَعْوَى) الْمُزَنِيِّ النَّسْخَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ إلَّا إذَا عَلِمْنَا تَقَدُّمَ الْمَنْسُوخِ وَتَعَذُّرَ الجمع بين النصين ولم يوجد هنا
شى مِنْ ذَلِكَ بَلْ الْمَنْقُولُ الْمَشْهُورُ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ نَزَلَتْ بَعْدَ الْخَنْدَقِ فَكَيْفَ يُنْسَخُ بِهِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ جَائِزَةٌ ليس وَاجِبَةً فَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ تَرْكِهَا النَّسْخُ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ فَلَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَةً لَمَا فعلوها ولا نكروا علي فاعليها والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإذا أراد الصلاة لم يخل اما أن يكون العدو في جهة القبلة أو في غيرها فان كان في غيرها ولم يأمنوا وفى المسلمين كثرة جعل الامام الناس طائفتين طائفة في وجه العدو وطائفة يصلى معهم ويجوز أن يصلى بالطائفة التي معه جميع الصلاة ثم تخرج إلي وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فتصلى معه فيكون متنفلا في الثانية وهم مفترضون والدليل عليه ما روى ابو بكرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صلي صلاة الخوف بالذين معه ركعتين وبالذين جاؤا ركعتين فكانت للنبى صلي الله عليه وسلم اربعا وللذين جاؤا ركعتين " ويجوز أن يصلي باحدى الطائفتين بعض الصلاة وبالاخرى البعض وهو أفضل من أن يصلي بكل واحدة منهما جميع الصلاة لانه أخف فان كانت الصلاة ركعتين صلي بالطائفة التى معه ركعة وثبت قائما وأتمت الطائفة لانفسهم وتنصرف إلى وجه العدو وتجئ الطائفة الاخرى فيصلى معهم الركعة التى بقيت من صلاته وثبت جالسا واتمت الطائفة لانفسهم ثم يسلم بهم والدليل عليه ما روى صالح بن خوات " عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف فذكر مثل ما قلنا ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي بَكْرَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي بَابِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ مَوْضِعَهُ لِأَنِّي رَأَيْت إمَامَيْنِ كَبِيرَيْنِ أَضَافَاهُ إلَى رِوَايَةِ مُسْلِمٍ خَاصَّةً فَأَوْهَمَا أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يَرْوِهِ وَغَلِطَا فِي ذَلِكَ وَأَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ عن من صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وقوله) عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هُوَ سَهْلُ بْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ كَذَا جَاءَ مُبَيَّنًا فِي الصَّحِيحَيْنِ وَخَوَّاتٌ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَوَاوٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ تَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ - وَصَالِحٌ
تَابِعِيٌّ وَأَبُو خَوَّاتٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ وَذَاتُ الرِّقَاعِ - بِكَسْرِ الرَّاءِ - مَوْضِعٌ قِبَلَ نَجْدٍ
مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ اُخْتُلِفَ فِي سَبَبِ تَسْمِيَتِهَا فَالصَّحِيحُ مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا نُقِّبَتْ أَقْدَامُنَا فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ عَلَى أَرْجُلِنَا مِنْ الْخِرَقِ وَقَوْلُهُ نُقِّبَتْ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - أَيْ تَقَرَّحَتْ وَتَقَطَّعَتْ جُلُودُهَا وَقِيلَ بِاسْمِ شَجَرَةٍ كَانَتْ هُنَاكَ وَقِيلَ اسْمُ جَبَلٍ فِيهِ بَيَاضٌ وَحُمْرَةٌ وَسَوَادٌ وَيُقَالُ لَهُ الرِّقَاعُ وَقِيلَ لِأَرْضٍ كَانَتْ مُلَوَّنَةً وَقِيلَ لِرِقَاعٍ كَانَتْ فِي أَلْوِيَتِهِمْ (قَوْلُهُ) وَفِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ - هِيَ بِفَتْحِ الْكَافِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ كَسْرُهَا
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ جَاءَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلِيٌّ سِتَّةَ عَشَرَ نَوْعًا وَهِيَ مُفَصَّلَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بَعْضُهَا وَمُعْظَمُهَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله مِنْهَا ثَلَاثَةَ أَنْوَاعٍ (أَحَدُهَا) صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بِبَطْنِ نَخْلٍ (وَالثَّانِي) صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ الرِّقَاعِ (وَالثَّالِثُ) صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ وَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَلِصَلَاةِ الْخَوْفِ نَوْعٌ رَابِعٌ جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَهَذِهِ الْأَنْوَاعُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ قَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسِّيَرِ أَوَّلُ صَلَاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلْخَوْفِ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ (وَاعْلَمْ) أَنَّ بَطْنَ نَخْلٍ مَوْضِعٌ مِنْ أَرْضِ نَجْدٍ مِنْ أَرْضِ غَطَفَانَ فَهِيَ وَذَاتُ الرِّقَاعِ مِنْ أَرْضِ غطفان لكنها صَلَاتَانِ فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ وَفِي كِتَابِ الْمَغَازِي مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ " واعلم ان نخلا هَذَا غَيْرُ نَخْلَةِ الَّذِي جَاءَ إلَيْهَا وَفْدُ الْجِنِّ تِلْكَ عِنْدَ مَكَّةَ وَبَدَأَ الْمُصَنِّفُ بِصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَهِيَ أَنْ يَجْعَلَ الْإِمَامُ النَّاسَ طَائِفَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) فِي وَجْهِ الْعَدُوِّ (وَالْأُخْرَى) يُصَلِّي بِهَا جَمِيعَ الصَّلَاةِ وَيُسَلِّمُ سَوَاءٌ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّى بِهِمْ تِلْكَ الصَّلَاةَ مَرَّةً ثَانِيَةً تَكُونُ لَهُ نَافِلَةً وَلَهُمْ فَرِيضَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ فِي الْمُسْلِمِينَ كَثْرَةٌ وَالْعَدُوُّ قَلِيلٌ وَأَنْ يُخَافَ هُجُومُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهَذِهِ الْأُمُورُ لَيْسَتْ شَرْطًا لَصِحَّتِهَا فَإِنَّ الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ فَفِي الْخَوْفِ أَوْلَى وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهَا
لا تندب على هذه الهيأة إلَّا بِهَذِهِ الشُّرُوطِ الثَّلَاثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي) فَهُوَ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَمُعْظَمُ مَسَائِلِ الْبَابِ فِيهَا فَتَكُونُ ثَلَاثَةً تَارَةً رَكْعَتَيْنِ صُبْحًا أَوْ مَقْصُورَةً وَتَارَةً ثَلَاثًا وَهِيَ الْمَغْرِبُ وَتَارَةً أَرْبَعًا إذَا لَمْ تُقْصَرْ فَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَرَّقَ الْإِمَامُ النَّاسَ فِرْقَتَيْنِ فِرْقَةً تَقِفُ فِي مُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ وَفِرْقَةً يَنْحَدِرُ بِهَا الْإِمَامُ إلَى حَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ سِهَامُ الْعَدُوِّ فَيُحْرِمُ بِهِمْ وَيُصَلِّي رَكْعَةً وَهَذَا الْقَدْرُ اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَفِيمَا يَفْعَلُ بعد ذلك روايتان في الاحاديث الصحيحة (إحداها) أَنَّهُ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ نَوَى الْمُقْتَدِي الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَتِهِ وَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدُوا وَسَلَّمُوا وَذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَأَحْرَمُوا خَلْفَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثانية وأطالها حتى يلحقوه ويقرأوا الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ بِهِمْ وَيَسْجُدَ فَإِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ قَامُوا فَصَلَّوْا ثَانِيَتَهُمْ وَانْتَظَرَهُمْ فَإِذَا لَحِقُوهُ سَلَّمَ بِهِمْ هَذِهِ رِوَايَةُ سَهْلِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ وَهِيَ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ لَا يُتِمُّ الْمُقْتَدُونَ بِهِ الصَّلَاةَ بَلْ يَذْهَبُونَ إلَى مَكَانِ إخْوَانِهِمْ فَيَقِفُونَ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وَهُمْ فِي الصلاة ويقفون سكوتا وتجئ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَهُ الثَّانِيَةَ فَإِذَا سَلَّمَ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْأَوَّلُونَ إلَى مَكَانِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَصَلَّوْا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ ذَهَبُوا إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَجَاءَ الْآخَرُونَ إلَى مَكَانِ الصَّلَاةِ فَصَلَّوْا رَكْعَتَهُمْ الْبَاقِيَةَ وَسَلَّمُوا وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَر عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَكَذَا حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْن عُمَرَ لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَكَعَ بِمَنْ مَعَهُ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ انْصَرَفُوا مَكَانَ الطَّائِفَةِ الَّتِي لَمْ تصل فجاؤا فَرَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِهِمْ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ فَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَرَكَعَ لِنَفْسِهِ رَكْعَةً وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ " وَلَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صلي بهم النبي صلي الله عليه وسلم رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً " وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الرِّوَايَةَ الْأُولَى رِوَايَةَ سَهْلٍ لِأَنَّهَا أَحْوَطُ لِأَمْرِ الْحَرْبِ وَلِأَنَّهَا أَقَلُّ مُخَالَفَةً لِقَاعِدَةِ الصَّلَاةِ وَهَلْ تَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَى وَفْقِ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الخراسانيين
(أَحَدُهُمَا)
لَا تَصِحُّ لِكَثْرَةِ الْأَفْعَالِ فِيهَا بِلَا ضَرُورَةٍ احْتِرَازًا مِنْ صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَزَعَمَ الْمُحْتَجُّ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنَّ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ منسوخة (والقول الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ صِحَّةُ الصَّلَاةِ لِصِحَّةِ الحديث وعدم معارضه فَإِنَّ رِوَايَةَ سَهْلٍ لَا تُعَارِضُهُ فَكَانَتْ هَذِهِ فِي يَوْمٍ وَتِلْكَ فِي يَوْمٍ آخَرَ وَدَعْوَى الْأَوَّلِ النَّسْخَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى مَعْرِفَةِ التَّارِيخِ وَتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ هُنَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ فِي كِتَابِ الرِّسَالَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْغَزَالِيِّ قَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بَعِيدٌ فَغَلِطَ فِي شَيْئَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نِسْبَتُهُ إلَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَالثَّانِي تَضْعِيفُهُ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ وَاخْتَارَ أَبُو حَنِيفَةَ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِعْلُ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ وَاجِبًا بَلْ مَنْدُوبٌ فَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِبَعْضِهِمْ كُلَّ الصَّلَاةِ وَبِالْبَاقِينَ غَيْرُهُ أَوْ صَلَّى بَعْضُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ مُنْفَرِدِينَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ كَانَتْ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لَا يَسْمَحُونَ بِتَرْكِ الْجَمَاعَةِ لِعِظَمِ فَضْلِهَا فَسُنَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الصِّفَةُ لِيَحْصُلَ لِكُلِّ طَائِفَةِ حَظٌّ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَالْوُقُوفِ قُبَالَةَ الْعَدُوِّ وتختص الاولى بفضيلاه إدْرَاكِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةُ بِفَضِيلَةِ السَّلَامِ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا تُسْتَحَبُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَوْ فِيهَا وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَائِلٌ يَمْنَعُهُمْ لَوْ هَجَمُوا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وتفارق الطائفة الاولى الامام حكما وفعلا فان لحقها سهو بعد المفارقة لم يتحمل عنهم الامام وان سها الامام لم يلزمه سهوه وهل يقرأ الامام في حال انتظاره قال في موضع إذا جاءت الطائفة الثانية قرأ وقال في موضع يطيل القراءة حتي تدركه الطائفة الثانية فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يقرأ حتى تجئ الطائفة الثانية فيقرأ معها لانه قرأ مع الطائفة الاولي قراءة تامة فيجب ان يقرأ مع الثانية ايضا قراءة تامة (والقول الثاني) انه يقرأ وهو الاصح لان افعال الصلاة لا تخلو من ذكر والقيام لا يصلح لذكر غير القراءة فوجب ان يقرأ ومن اصحابنا من قال ان اراد ان يقرأ سورة قصيرة لم يقرأ حتى لا يفوت القراءة علي الطائفة الثانية وان اراد ان يقرأ سورة طويلة قرأ لانه لا يفوت عليهم القراءة وحمل القولين علي هذين الحالين واما الطائفة الثانية فانهم يفارقون الامام فعلا ولا يفارقونه حكما فان سهوا تحمل عنهم الامام
وإن سها الامام لزمهم سهوه ومتى يفارقونه قال الشافعي رحمه الله في سجود السهو يفارقونه بعد التشهد لان المسبوق لا يفارق الامام الا بعد التشهد وقال في الام يفارقونه عقيب السجود في الثانية وهو
الاصح لان ذلك اخف ويفارق المسبوق لان المسبوق لا يفارق حتى يسلم الامام وهذا يفارق قبل التسليم فإذا قلنا بهذا فهل يتشهد الامام في حال الانتظار فِيهِ طَرِيقَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قولان كالقراءة ومنهم من قال يتشهد قولا واحدا ويخالف القراءة فان في القراءة قد قرأ مع الطائفة الاولى فلم يقرأ حتى تدركه الطائفة الثانية فيقرأ معها والتشهد لم يفعله مع الطائفة الاولى فلا ينتظر)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قَامَتْ الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ مِنْ سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى نَوَوْا مُفَارِقِينَ إذَا انْتَصَبُوا قِيَامًا وَلَوْ فَارَقُوهُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ جَازَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَفْضَلُ لِيَسْتَمِرَّ عَلَيْهِمْ حُكْمُ الْجَمَاعَةِ حَالَةَ النُّهُوضِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ لِأَنَّ حُكْمَ الْقُدْوَةِ مُسْتَمِرٌّ مَا لَمْ يَنْوِ الْمُفَارَقَةَ وَلَا يَجُوزُ لِلْمُقْتَدِي سَبْقُ الْإِمَامِ فَإِذَا فَارَقُوهُ خَرَجُوا عَنْ حُكْمِ الْقُدْوَةِ فِي كل شئ فَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَقَوْلُ المصنف والاصحاب يفارقوه حُكْمًا وَفِعْلًا أَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ حُكْمًا أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ وَلَا يَلْحَقُهُمْ سَهْوُهُ وَلَا يَسْجُدُونَ لِتِلَاوَتِهِ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَلْتَزِمُهُ الْمَأْمُومُ وَأَرَادُوا بِقَوْلِهِمْ وَفِعْلًا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مُنْفَرِدِينَ مُسْتَقِلِّينَ بِفِعْلِهَا وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْقَطِعُ بِهِ حُكْمُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى عَنْ حُكْمِ الْإِمَامِ وَلَا يَحْمِلُ سَهْوَهُمْ ولا يلحقهم سهوه وجهين
(أحدهما)
إذا انْتَصَبَ الْإِمَامُ قَائِمًا (وَالثَّانِي) إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ فَعَلَى هَذَا لَوْ رَفْع رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ وَهُمْ فِيهِ فَسَهَوْا فِيهِ لَمْ يَحْمِلْهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الْوَجْهَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَكَ أَنْ تَقُولَ قَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُمْ يَنْوُونَ الْمُفَارَقَةَ عِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ وَالِانْتِصَابِ فَلَا مَعْنَى لِلْخِلَافِ فِي وَقْتِ الِانْقِطَاعِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى وَقْتِ نِيَّةِ الْمُفَارَقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ مُتَعَيِّنٌ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَسَهْوُهَا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى لَهَا الَّتِي هِيَ ثَانِيَةُ الْإِمَامِ مَحْمُولٌ لِأَنَّهُمْ فِي قُدْوَةٍ حَقِيقَةً وَفِي سَهْوِهِمْ فِي رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ الَّتِي يَأْتُونَ بِهَا وَالْإِمَامُ يَنْتَظِرُهُمْ فِي الْجُلُوسِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَحْمِلُهُ لِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ فِي الْفِعْلِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ فَعَلَى هَذَا لَا يَلْزَمُهُمْ
سَهْوُهُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ لَهُمْ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قطع المصنف والاكثرون يحمله ويلحقهم سهوه لانهم في حكم القدوة وهو منتظر لهم فهو كَسَهْوِهِمْ فِي سَجْدَةٍ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْهَا وَيُعَبَّرُ عن الوجهين بانهم يفارقوه حُكْمًا أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ لَا يُفَارِقُونَهُ حكما قالوا وتجرى الْوَجْهَانِ فِي الْمَزْحُومِ فِي الْجُمُعَةِ إذَا سَهَا فِي وَقْتِ تَخَلُّفِهِ وَأَجْرُوهُمَا فِيمَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا فَسَهَا ثُمَّ نَوَى الِاقْتِدَاءَ فِي أَثْنَائِهَا وَجَوَّزْنَاهُ وَأَتَمَّهَا مَأْمُومًا وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إجْرَاءَهُمَا هُنَا وَقَالَ الْوَجْهُ الْقَطْعُ بِأَنَّ حُكْمَ السَّهْوِ لَا يَرْتَفِعُ بِالْقُدْوَةِ اللَّاحِقَةِ وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ سَهْوَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى يلحق الطائفتين فَتَسْجُدُ لَهُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى إذَا تَمَّتْ صَلَاتُهَا فَإِنْ سَهَا بَعْضُهُمْ فِي رَكْعَتِهِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى سَجْدَتَيْنِ أَمْ يَسْجُدُ أَرْبَعًا لِكَوْنِهِ سَهَا فِي حَالِ قُدْوَةٍ وَفِي حَالِ انْفِرَادٍ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ (أَصَحُّهُمَا) سَجْدَتَانِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا سجدتان فعماذا تَصِحَّانِ فِيهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ السَّابِقَةُ فِي بَابِ سجود السهو (احدهما) تَقَعَانِ عَنْ سَهْوِهِ وَيَكُونُ سَهْوُ إمَامِهِ تَابِعًا (وَالثَّانِي) عَكْسُهُ (وَأَصَحُّهَا) يَقَعَانِ عَنْهُمَا وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ نَوَى خِلَافَ مَا جَعَلْنَاهُ مَقْصُودًا قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إذَا قَامَ الْإِمَامُ إلَى الثَّانِيَةِ هَلْ يَقْرَأُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ فراغ الاولي ومجئ الثَّانِيَةِ فِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ يَقْرَأُ وَيُطِيلُ الْقِرَاءَةَ فَإِذَا جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ قَرَأَ مَعَهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً قَصِيرَةً وَقَالَ فِي الْأُمِّ لَا يَقْرَأُ بَلْ يُسَبِّحُ وَيَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَأْتِيَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ هَذَانِ نَصَّانِ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِمَا ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهُرُهَا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ فَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وبعدها سورة طويلة حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا جَاءَتْ قَرَأَ مِنْ السُّورَةِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةً قَصِيرَةً لِتَحْصُلَ لَهُمْ قِرَاءَةُ الفاتحة وشئ مِنْ زَمَنِ السُّورَةِ وَدَلِيلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنْ لَا سُكُوتَ فِيهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ لِأَنَّ الْقِيَامَ لَا يُشْرَعُ فِيهِ إلَّا الْقِرَاءَةُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لا يقرأ حتى تجئ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ لِأَنَّهُ قَرَأَ مَعَ الْأُولَى الْفَاتِحَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا أَيْضًا مَعَ الثَّانِيَةِ وَلَا يُشْرَعُ غَيْرُ الْفَاتِحَةِ قَبْلَهَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يَشْتَغِلُ بِمَا شَاءَ مِنْ الذِّكْرِ كَالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ (وَالطَّرِيقُ
الثاني) وبه قال أبو اسحق إنْ أَرَادَ قِرَاءَةَ سُورَةٍ قَصِيرَةٍ لَمْ يَقْرَأْ لِئَلَّا تَفُوتَ الْقِرَاءَةُ عَلَى الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَإِنْ أَرَادَ سُورَةً طَوِيلَةً قَرَأَ لِأَنَّهُ لَا تَفُوتُهُمْ وَحَمَلَ النَّصَّيْنِ عَلَى هَذَيْنِ الْحَالَيْنِ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْإِمَامُ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ تُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُخَفِّفَ الْقِرَاءَةَ فِي الْأُولَى لِأَنَّهَا حَالَةُ شُغْلٍ وَحَرْبٍ وَمُخَاطَرَةٍ عَنْ خِدَاعِ الْعَدُوِّ وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلطَّائِفَتَيْنِ تَخْفِيفُ قِرَاءَةِ رَكْعَتِهِمْ الثَّانِيَةِ لِئَلَّا يَطُولَ الِانْتِظَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَرَأَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الِانْتِظَارِ أَمْ لَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَرْكَعَ حَتَّى تَفْرُغَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مِنْ الْفَاتِحَةِ فَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْهُمْ الْإِمَامُ فَأَدْرَكَتْهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ رَاكِعًا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ بِلَا خِلَافٍ كَمَا في غير حالة الخوف كذا قالوه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ الشَّاذُّ السَّابِقُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ عَنْ ابْن خُزَيْمَةَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا تُحْسَبَ الرَّكْعَةُ بِإِدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَلَا تُحْسَبَ حَتَّى يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَارَقُوهُ لِيُتِمُّوا الرَّكْعَةَ الْبَاقِيَةَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَنْوُونَ مُفَارَقَتَهُ وَمَتَى يُفَارِقُونَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ منها الاول والثانى وأحدهما يفارقوونه بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ السَّلَامِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ فَعَلَى هَذَا إذَا قَارَبَ السَّلَامَ فَارَقُوهُ ثُمَّ انْتَظَرَهُمْ وَطُوَّلَ الدُّعَاءَ حَتَّى يُصَلُّوا رَكْعَتَهُمْ وَيَتَشَهَّدُوا ثُمَّ يُسَلِّمَ بِهِمْ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ وَأَشْهَرُهَا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ أَخَفُّ وَيُخَالِفُ الْمَسْبُوقَ فَإِنَّهُ لَا يُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ السَّلَامِ وَلِأَنَّ الْمَسْبُوقَ إذَا فَارَقَ لَا يَنْتَظِرُهُ أَحَدٌ وَهُنَا يَنْتَظِرُهُ الْإِمَامُ لِيُسَلِّمَ بِهِ فَكُلَّمَا طَالَ مُكْثُهُ طَالَ انْتِظَارُ الْإِمَامِ وَطَالَتْ صَلَاتُهُ وَهَذِهِ الصَّلَاةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ الْقَدِيمِ يُفَارِقُهُ عَقِبَ السَّلَامِ كَالْمَسْبُوقِ حَقِيقَةً وَالطَّرِيقُ الثَّانِي حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ قَوْلًا وَاحِدًا قَالَ هَذَا الْقَائِلُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا صَلَّى رُبَاعِيَّةً يَتَشَهَّدُ مَعَهُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ هَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ سِيَاقَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ يَرُدُّهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَهَلْ يَتَشَهَّدُ فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الطَّرِيقَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّالِثُ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي يَتَشَهَّدُ قَوْلًا وَاحِدًا وَفَرَّقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقْرَأُ عَلَى قَوْلٍ لِيُسَوِّيَ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ مَعَهُمْ وَمُقْتَضَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ يَتَشَهَّدَ لِئَلَّا يَخُصَّ الثَّانِيَةَ بِالتَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يَتَشَهَّدُ اشْتَغَلَ فِي حَالِ انْتِظَارِهِ بِالذِّكْرِ
كَمَا قُلْنَا إذَا لَمْ يَقْرَأْ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهِمْ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْإِمَامَ إذَا سَهَا فِي الْأُولَى لَحِقَ الطَّائِفَتَيْنِ سَهْوُهُ فَإِذَا فَارَقَتْهُ الْأُولَى قَالَ الشَّافِعِيُّ أَشَارَ إلَيْهِمْ إشَارَةً يَفْهَمُونَ بِهَا أَنَّهُ سَهَا لِيَسْجُدُوا فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ فيه وجهين (أصحهما) وبه قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ إنَّمَا يُشِيرُ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ سَهْوًا يَخْفَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانَ سَهْوًا جَلِيًّا لَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ لَمْ يُشِرْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ أَشَارَ إلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فِي الْإِمْلَاءِ وَجَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ (وَالثَّانِي) يُشِيرُ إلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ السَّهْوُ جَلِيًّا لِأَنَّ الْمَأْمُومَ قَدْ يَجْهَلُ السُّجُودَ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الْإِمَامِ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ تُفَارِقُهُ عَقِبَ السُّجُودِ فَكَانَ الْإِمَامُ قَدْ سَهَا سَجَدُوا مَعَهُ فِي آخِرِ صَلَاةِ الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ مَعَهُمْ ثُمَّ قَامُوا إلَى رَكْعَتِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَفِي إعَادَتِهِمْ سُجُودَ السَّهْوِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِي الْمَسْبُوقِ فِي غَيْرِ صَلَاةِ الْخَوْفِ (أَصَحُّهُمَا) يُعِيدُونَ وَإِنْ قُلْنَا يَقُومُونَ عَقِبَ السُّجُودِ وَيَنْتَظِرُهُمْ بِالتَّشَهُّدِ فَتَشَهَّدَ قَبْلَ فَرَاغِهِمْ فَأَدْرَكُوهُ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ فَسَجَدَ لِلسَّهْوِ قَبْلَ تَشَهُّدِهِمْ فَهَلْ يُتَابِعُونَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُتَابِعُونَهُ بل يتشهدون ثم
يسجدون للسهو ثُمَّ يُسَلِّمُ بِهِمْ (وَالثَّانِي) يَسْجُدُونَ لِأَنَّهُمْ تَابِعُونَ له فعلي هذا هل يُعِيدُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِمْ قَالُوا فِيهِ الْقَوْلَانِ يَنْبَغِي ان يقطع بانهم لا يعيدونه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كانت الصلاة مغربا صلي باحدى الطائفتين ركعة وبالثانية ركعتين لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه صلي ليلة الهرير هكذا وقال في الام الافضل ان يصلي بالاولي ركعتين وبالثانية
ركعة وهو الاصح لان ذلك أخف لانه تتشهد كل طائفة تشهدين وعلى القول الآخر تتشهد الطائفة الثانية ثلاث تشهدات فان قلنا بقوله في الاملاء فارقته الطائفة الاولى في القيام في الركعة الثانية لان ذلك موضع قيامها وان قلنا بقوله في الام فارقته بعد التشهد لانه موضع تشهدها وكيف ينتظر الامام الطائفة الثانية فيه قولان قال في المختصر ينتظرهم جالسا حتى يدركوا معه القيام من أول الركعة وإذا انتظرهم قائما فاتهم معه بعض القيام وقال في الام ان انتظرهم قائما فحسن وان انتظرهم جالسا فجائز فجعل الانتظار قائما افضل وهو الاصح لان القيام افضل من القعود وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى + النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ ابن الحصين ورواه مسلم من رواية بن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمَرِيضِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى صَلَاةِ النَّفْلِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَمَا سَبَقَ هُنَاكَ وَلَيْلَةُ الْهَرِيرِ - بِفَتْحِ الْهَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - لَيْلَةٌ مِنْ لَيَالِي صِفِّينَ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ كَانَ لَهُمْ هَرِيرٌ عِنْدَ حَمْلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَهَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ وَأَشَارَ إلَى ضَعْفِهِ فَقَالَ وَيُذْكَرُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيًّا صَلَّى الْمَغْرِبَ صَلَاةَ الْخَوْفِ لَيْلَةَ الْهَرِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَفْضَلُ مِنْ الْقُعُودِ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي إطَالَةِ الْقِيَامِ وَالسُّجُودِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَمَذْهَبُنَا أَنَّ إطَالَةَ الْقِيَامِ أَفْضَلُ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ تَتَشَهَّدُ كُلُّ طَائِفَةِ تَشَهُّدَيْنِ هَذَا تَفْرِيعٌ
عَلَى الْأَصَحِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّ الثَّانِيَةَ تُفَارِقُ الْإِمَامَ عَقِبَ السُّجُودِ وَلَا يَتَشَهَّدُونَ مَعَهُ أَمَّا إذَا قُلْنَا بِنَصِّهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ بَعْدَ تَشَهُّدِهِ فَإِنَّهُمْ يَتَشَهَّدُونَ ثَلَاثَةَ تَشَهُّدَاتٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَهُوَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَيَجُوزُ عَكْسُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ طَرِيقَانِ الْمَشْهُورُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً
(وَالثَّانِي)
عَكْسُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَةً فَارَقَتْهُ إذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ وَأَتَمَّتْ
لِأَنْفُسِهَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ جَازَ أَنْ يَنْتَظِرَهُمْ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ وَجَازَ فِي قِيَامِ الثَّالِثَةِ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الِانْتِظَارُ فِي الْقِيَامِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الْفَاتِحَةَ وَمَا بَعْدَهَا أَمْ لا يقرأ ويشتغل بِالذِّكْرِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَا تُفَارِقُهُ إلَّا بَعْدَ التَّشَهُّدِ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِهِمْ وَهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ عَقِبَ سُجُودِهِ فِي الثَّالِثَةِ أَمْ عَقِبَ التَّشَهُّدِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِيمَا إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ وَكَذَا الْخِلَافُ فِي انه يشتهد فِي حَالِ انْتِظَارِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ حَتَّى يُحْرِمُوا خَلْفَهُ ثُمَّ يَقُومُ مُكَبِّرًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وغيره ويكبرون متابعة له قالوا وانما يَنْتَظِرُهُمْ جَالِسًا حَتَّى يُحْرِمُوا لِيُدْرِكُوا مَعَهُ الرَّكْعَةَ من اولها كما ادركها الطائفة الاولي من اولها
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإن كانت الصلاة ظهرا أو عصرا أو عشاء وكان في الحضر صلي بكل طائفة ركعتين وان جعلهم أربع فرق وصلى بكل طائفة ركعة ففى صلاة الامام قولان
(أحدهما)
انها تبطل لان الرخصة وردت بانتظارين فلا تجوز الزيادة عليهما (والثاني) انها لا تبطل وهو الاصح لانه قد يحتاج الي أربع انتظارات بأن يكون المسلمون أربعمائة والعدو ستمائة فيحتاج أن يقف بازاء العدو ثلثمائة ويصلى بمائة مائة ولان الانتظار الثالث والرابع بالقيام والقراءة والجلوس والذكر وذلك لا يبطل الصلاة فان قلنا ان صلاة الامام لا تبطل صحت صلاة الطائفة الاخيرة لانهم لم يفارقوا الامام والطائفة الاولى والثانية والثالثة فارقوه بغير عذر ومن فارق الامام بغير عذر ففى بطلان صلاته قولان فان قلنا ان صلاة الامام تبطل ففى وقت بطلانها وجهان قال أبو العباس تبطل بالانتظار الثالث فتصح صلاة الطائفة الاولى والثانية والثالثة وأما الرابعة فان علموا ببطلان صلاته بطلت صلاتهم
وان لم يعلموا لم تبطل وقال أبو اسحق المنصوص انه تبطل صلاة الامام بالانتظار الثاني لان النبي صلى الله عليه وسلم انتظر الطائفة الاولى حتى فرغت ورجعت الي وجه العدو وجاءت الطائفة الاخرى وانتظر بقدر ما أتمت صلاتها وهذا قد زاد علي ذلك لانه انتظر الطائفة الاولي حتي اتمت صلاتها ومضت إلى وجه
العدو وانتظر الثانية حتى أتمت صلاتها ومضت إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الثالثة وهذا زائد علي انتظار رسول الله صلي الله عليه وسلم فعلي هذا ان علمت الطائفة الثانية بطلت صلاتهم وإن لم يعلموا لم تبطل
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ صَلَاةُ الْخَوْفِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ بِأَنْ صَلَّى فِي الْحَضَرِ أَوْ أَتَمَّ فِي السَّفَرِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ هَلْ الْأَفْضَلُ أَنْ يَنْتَظِرَ الثَّانِيَةَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَمْ فِي الْقِيَامِ الثَّالِثِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَغْرِبِ وَيَتَشَهَّدُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَشَهُّدِ الْجَمِيعَ وَإِذَا قُلْنَا فِي الْقِيَامِ فَهَلْ يَقْرَأُ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ وَإِذَا قُلْنَا يَنْتَظِرُهُمْ فِي التَّشَهُّدِ انْتَظَرَهُمْ فِيهِ حَتَّى يُحْرِمُوا فَلَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ ركعة وينتظر فراغها ومجئ الَّتِي بَعْدَهَا فَفِي جَوَازِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ نَصَّ عليهما في المختصر والام وينبغي عَلَيْهِمَا صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ أَصَحُّهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ جَوَازُ وَصِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِيَةُ) تَحْرِيمُهُ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَوَجْهُ الْبُطْلَانِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَزِدْ عَلَى انْتِظَارَيْنِ وَالرُّخَصُ لَا يُتَجَاوَزُ فِيهَا النُّصُوصُ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يكون العدو ستمائة والمسلمون أربع مائة فيقف بازائهم ثلثمائة وَيُصَلِّي مَعَهُ مِائَةٌ مِائَةٌ وَلِأَنَّ الِانْتِظَارَ إنَّمَا هُوَ بِإِطَالَةِ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ وَهَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى انْتِظَارَيْنِ لِأَنَّهُ الْقَدْرُ الَّذِي احْتَاجَ إلَيْهِ وَلَعَلَّهُ لَوْ احْتَاجَ زِيَادَةً زَادَ وَهَذَا الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمُسَافِرِ إذَا أقام لحاجة يرجو قضاها هَلْ يَقْصُرُ أَبَدًا أَمْ لَا يَتَجَاوَزُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَمِثْلُهُ الْوِتْرُ هَلْ هُوَ مُنْحَصِرٌ بِإِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً أَوْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ أَمْ لا حضر لَهُ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالْجَوَازِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ شَرْطُهُ الْحَاجَةُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ فَهُوَ كَفِعْلِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْأَكْثَرُونَ هَذَا الشَّرْطَ بَلْ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَطُ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ الْحَاجَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَكُونُ الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ كَالثَّانِيَةِ فِي ذَاتِ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَعُودُ الْخِلَافُ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ أَمْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ السَّلَامِ أَمْ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَالصَّحِيحُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ وَتَتَشَهَّدُ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ مَعَهُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَفِي وَجْهٍ تُفَارِقُهُ قَبْلَ التَّشَهُّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُوهُ وَفِي الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ هَكَذَا قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّهُمْ فَارَقُوا بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُضْطَرِّينَ إلَى الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِإِمْكَانِ صَلَاتِهِ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أَوْ صَلَاتِهِمْ فُرَادَى وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ بِعُذْرٍ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ لِأَنَّ إخْرَاجَ أَنْفُسِهِمْ لَيْسَ إلَى اخْتِيَارِهِمْ فَإِنَّهُمْ لَوْ أَرَادُوا الْبَقَاءَ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُمْكِنْهُمْ فَكَانَ عُذْرًا وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ لَيْسَ عُذْرًا وَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجُوزُ تَفْرِيقُهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ فَصَلَاةُ الْإِمَامُ تَبْطُلُ وَفِي وَقْتِ بُطْلَانِهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نص الشافعي وقول أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ الْمُتَقَدِّمِينَ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ لِأَنَّهُ زَائِدٌ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ تَبْطُلُ بِالِانْتِظَارِ فِي الرَّابِعَةِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ انْتِظَارَانِ ويحرم الثالث وانما يحصل الثالث بانتظار مجئ الرَّابِعَةِ فَعَلَى هَذَا تُفَارِقُهُ الثَّالِثَةُ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ فَعَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) تَبْطُلُ بِمُضِيِّ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَالثَّانِي بِمُضِيِّ قَدْرِ رَكْعَةٍ مِنْ انْتِظَارِهِ الثَّانِي وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَالطَّائِفَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ بِغَيْرِ عُذْرٍ كَمَا سَبَقَ فِي التَّفْرِيعِ عَلَى قول صحة صلاته ويجئ وَجْهُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ بِصِحَّةِ صَلَاتِهِمَا وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى الْأَصَحِّ فِيمَنْ فَارَقَ بِلَا عُذْرٍ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَبْطُلُ وَإِلَّا فَقَدْ ذَكَرُوا كُلُّهُمْ الْخِلَافَ فِيمَا إذا قلنا صلاة الامام صحيحة وهنا أَوْلَى بِجَرَيَانِ الْخِلَافِ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الْخِلَافَ هُنَا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الرَّابِعَةُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إنْ كَانُوا عالمين ولا تبطل إنْ لَمْ يَعْلَمُوا وَفِيمَا يُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْإِمَامَ انْتَظَرَ مَنْ لَا يَجُوزُ انْتِظَارُهُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ يُبْطِلُ صَلَاةَ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّ مَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ جُنُبٌ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ جَهِلَ كَوْنَ الْجَنَابَةِ تُبْطِلُ الِاقْتِدَاءَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ وَتَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ عَلِمَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَعْلَمَ ان هذا لا يبطل الصلاة لان مَعْرِفَةُ هَذَا غَامِضَةٌ عَلَى أَكْثَرِ النَّاسِ لَا سيما إذا رأو الْإِمَامَ يُصَلِّي بِهِمْ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ فَإِنَّهُ لَا يخفى حكمها علي احد اإلا فِي نَادِرٍ
جِدًّا وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ فَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ هِيَ كَالْأُولَى وَالثَّانِيَةِ لِأَنَّهَا فَارَقَتْ الْإِمَامَ قَبْلَ بُطْلَانِ
صَلَاتِهِ وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حُكْمُهَا حُكْمُ الرَّابِعَةِ لِأَنَّهَا تَابَعَتْهُ بَعْدَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ فَرَّقَهُمْ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ثَلَاثَ فِرَقٍ فَصَلَّى بِكُلِّ فِرْقَةٍ رَكْعَةً فَإِنْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ فَهُوَ كَمَا سَبَقَ فِي الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ عَلَى قَوْلِ الْجَوَازِ وَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ فَصَلَاةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ صحيحة عن ابن سريج واما عند الجمهور فصلاة الاولتين عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْأَرْبَعِ وَصَلَاةُ الثَّالِثَةِ بَاطِلَةٌ إنْ عَلِمُوا وَإِلَّا فَصَحِيحَةٌ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ العلم فيه الخلاف السابق وإذا اخْتَصَرْتُ حُكْمَ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ قُلْتُ فِيهِمْ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) صِحَّةُ صَلَاةِ الْجَمِيعِ (وَالثَّانِي) بُطْلَانُ الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَةِ الْأَخِيرَةِ فَقَطْ (وَالرَّابِعُ) صِحَّةُ صَلَاةِ الْأُولَتَيْنِ وَبُطْلَانُ صَلَاةِ الْآخِرَتَيْنِ إنْ عَلِمَتَا (وَالْخَامِسُ) صِحَّةُ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ وَبُطْلَانُ الْإِمَامِ وَالرَّابِعَةِ إنْ عَلِمَتْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ أَمَّا إذَا فَرَّقَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ فِرْقَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْفِرْقَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ ثَلَاثًا أَوْ عَكْسَهُ فَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالطَّائِفَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَكَانَتْ مَكْرُوهَةً وَيَسْجُدُ الْإِمَامُ وَالطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ سُجُودَ السَّهْوِ لِلْمُخَالَفَةِ بِالِانْتِظَارِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ بَعْدَ أَنْ حَكَى هَذَا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَامِدَ كَالسَّاهِي فِي سُجُودِ السَّهْوِ عَلَى أَنَّهُ إذَا فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ فَعَلَيْهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ فَقَالَ لَا خِلَافَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِالتَّسْوِيَةِ بَيْن الطَّائِفَتَيْنِ قَالَ وَهَلْ تَصِحُّ صَلَاةُ الْإِمَامِ أَمْ لَا إنْ قُلْنَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ تَصِحُّ فَهُنَا أولا وَإِلَّا فَقَدْ انْتَظَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَيَكُونُ كَمَنْ قَنَتَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ قَالَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُونَ فَعَلَى التَّفْصِيلِ فِيمَا لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جَائِزَةٌ فِي الْحَضَرِ: هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تجوز فِي الْحَضَرِ دَلِيلُنَا عُمُومُ الْآيَةِ وَلِأَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ جُوِّزَتْ لِلِاحْتِيَاطِ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ وَهَذَا مَوْجُودٌ وَلِأَنَّهَا
تَجُوزُ فِي الْمَغْرِبِ وَالصُّبْحِ وَهُمَا تَامَّتَانِ (فان قالوا) يَطُولُ انْتِظَارُهُ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَتَيْنِ أَكْثَرَ مِنْ طُولِهِ لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ وَإِنَّمَا انْتَظَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ يَأْتِي بِرَكْعَةٍ فقط فالجواب أن الانتظار ليس له مَحْدُودٌ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَنْ تُطَوِّلَ صَلَاتَهَا لنفسها والامام ينظرها وَلَوْ طَالَتْ رَكْعَتُهَا قَدْرَ رَكَعَاتٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ الْخَوْفُ فِي بَلَدٍ وَحَضَرَتْ الْجُمُعَةُ فَالْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ لَهُمْ صَلَاةَ الْجُمُعَةِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَقِيلَ فِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ ثُمَّ لِلْجَوَازِ شَرْطَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَخْطُبَ بِجَمِيعِهِمْ ثُمَّ يُفَرِّقَهُمْ فِرْقَتَيْنِ أَوْ يَخْطُبَ بِفِرْقَةٍ وَيَجْعَلَ مِنْهَا مَعَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْفِرْقَتَيْنِ أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ خَطَبَ بِفِرْقَةٍ وَصَلَّى بِأُخْرَى لَمْ يَجُزْ (الثَّانِي) أَنْ تَكُونَ الْفِرْقَةُ الْأُولَى أَرْبَعِينَ فَصَاعِدًا فَلَوْ نَقَصَتْ عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَنْعَقِدْ الْجُمُعَةُ وَلَوْ نَقَصَتْ الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أَرْبَعِينَ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَا يَضُرُّ قَطْعًا لِلْحَاجَةِ وَالْمُسَامَحَةِ فِي صَلَاةِ الخوف
(والثانى)
انه علي الخلاف فِي الِانْفِضَاضِ وَلَوْ خَطَبَ بِهِمْ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ عُسْفَانَ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْ صَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَلَا يَجُوزُ كَصَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا تُقَامُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي بَلَدٍ وَاحِدٍ
* (فَرْعٌ)
صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ أَفْضَلُ مِنْ صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا أَعْدَلُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَتِلْكَ صَلَاةُ مفترض خلف متنفل وفيها خلاف للعلماء
(والثانى)
وهو قول أبي اسحق صَلَاةُ بَطْنِ نَخْلٍ أَفْضَلُ لِتُحَصِّلَ كُلُّ طَائِفَةٍ فَضِيلَةَ جَمَاعَةٍ تَامَّةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالطَّائِفَةُ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ وَأَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِأَقَلَّ مِنْ طَائِفَةٍ وَأَنْ يَحْرُسَهُ أَقَلُّ مِنْ طَائِفَةٍ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا قالوا فالطائفة الَّتِي يُصَلِّي بِهَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ جَمْعًا أَقُلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَكَذَلِكَ الطَّائِفَةُ الَّتِي تَحْرُسُهُ يَكُونُونَ جَمْعًا أَقَلُّهُمْ ثَلَاثَةٌ وَيُكْرَهُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةٌ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَقَلُّ
الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةٌ خَطَأٌ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ فِي اللُّغَةِ وَالشَّرْعِ يُطْلَقُ عَلَى وَاحِدٍ فَأَمَّا اللُّغَةُ فَحَكَى ثَعْلَبٌ عَنْ الْفَرَّاءِ أَنَّهُ
قَالَ مَسْمُوعٌ مِنْ الْعَرَبِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْوَاحِدُ وَأَمَّا الشَّرْعُ فَهُوَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ فِي قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فرقة منهم طائفة) فَحَمَلَ الطَّائِفَةَ عَلَى الْوَاحِدِ وَقَالَ تَعَالَى (وَلْيَشْهَدْ عذابهما طائفة من المؤمنين) وَالْمُرَادُ وَاحِدٌ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ تَسْلِيمُ أَنَّ الطَّائِفَةَ يَجُوزُ إطْلَاقُهَا عَلَى وَاحِدٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّ الطَّائِفَةَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سجدوا فليكونوا من ورائكم) وَقَالَ تَعَالَى فِي الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى (وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم) فَذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ فِي كُلِّ الْمَوَاضِعِ وَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ فِي قَوْله تَعَالَى (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ) فَإِنَّمَا حَمَلْنَاهُ عَلَى الْوَاحِدِ لِلْقَرِينَةِ وَهُوَ حُصُولُ الْإِنْذَارِ بِالْوَاحِدِ كَمَا حَمَلْنَاهُ هُنَا عَلَى الثَّلَاثَةِ بقرينة وهو ضمير الْجَمْعِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ (فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قومهم إذا رجعوا إليهم) فَأَعَادَ عَلَى الطَّائِفَةِ ضَمَائِرَ الْجَمْعِ وَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ كَوْنُ الطَّائِفَةِ ثَلَاثَةً (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْجَمْعَ هُنَا عَلَى عَوْدِ الضَّمَائِرِ إلَى الطَّوَائِفِ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى (مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ) قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُكْرَهُ صَلَاةُ الْخَوْفِ إذَا كَانُوا خَمْسَةً سِوَى الْإِمَامِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَا تَزُولُ الْكَرَاهَةُ حَتَّى يَكُونُوا سِتَّةً فَإِذَا كَانُوا خَمْسَةً أَوْ أَقَلَّ صَلَّى مَعَهُمْ جَمِيعَ الصَّلَاةِ ثُمَّ انْصَرَفُوا وَجَاءَ الْآخَرُونَ فَصَلَّوْا لِأَنْفُسِهِمْ جَمَاعَةً قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ خَالَفَ وَصَلَّى بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ وَهُمْ خَمْسَةٌ فَأَقَلُّ أَسَاءَ وَكُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَصَحَّتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وان كان العدو من ناحية القبلة لا يسترهم عنهم شئ وفى المسلمين كثرة صلا بهم صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بعسفان فيحرم بالطائفتين ويسجد معه الصف الذى يليه فإذا رفعوا رؤسهم سجد الصف الآخر فإذا سجد في الثانية حرس الصف الذى سجد في الاولي وسجد الصف الآخر فإذا رفعوا سجد الصف الآخر لما روي جابر وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صلى هكذا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عَيَّاشٍ - بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ من تحت الشين المعجمة - الزرقى الصحابي الانصاري واسمه
زيد ابن الصَّامِتِ وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَحَدِيثُهُ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَةِ جَابِرٍ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ وَلَفْظَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي عَيَّاشٍ فِيهَا كُلِّهَا مُخَالَفَةٌ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَلْفَاظُهَا كُلُّهَا مُتَقَارِبَةٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صلاة الْخَوْفِ فَصَفَفْنَا صَفَّيْنِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْن الْقِبْلَةِ فَكَبَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَبَّرْنَا جَمِيعًا فَرَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفْعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ في نحو الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَقَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ ثُمَّ رَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم السُّجُودَ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا " هَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَكُلُّ طُرُقِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مُتَّفِقَةٌ عَلَى تَأَخُّرِ الصَّفِّ الْمُقَدَّمِ وَتَقَدُّمِ الْمُؤَخَّرِ بَعْدَ سُجُودِهِ فِي الْأُولَى وَأَمَّا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فَمُخَالِفٌ لِمَا فِي الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي الْمُهَذَّبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ صَلَّى بِهِمْ الْإِمَامُ وَرَكَعَ وَسَجَدَ بِهِمْ جَمِيعًا إلَّا صَفًّا يَلِيهِ وَبَعْضَ صف ينتظرون العدو فإذا قَامُوا بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَهُمْ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعَ بِهِمْ جَمِيعًا وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الَّذِينَ حَرَسُوا أَوَّلًا إلَّا صَفًّا أَوْ بَعْضَ صَفٍّ يَحْرُسُهُ مِنْهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا سَجْدَتَيْنِ وَجَلَسُوا سَجَدَ الَّذِينَ حَرَسُوهُ ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ جَمِيعًا مَعًا وَهَذَا نَحْوُ صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان قَالَ وَلَوْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَس إلَى الصَّفِّ الثَّانِي وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَحَرَسَ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَنَصُّهُ فِي الْأُمِّ مِثْلُهُ سَوَاءً وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْقَفَّالُ وَمُتَابِعُوهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يُصَلِّي كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَآخَرُونَ هُوَ الصَّوَابُ قَالُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَوْصَى إذَا صَحَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ يَعْمَلُ بِهِ وَهُوَ مَذْهَبُهُ وَأَنَّهُ يَتْرُكُ نَصَّهُ الْمُخَالِفَ لَهُ قَالُوا وَلَعَلَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَبْلُغْهُ الْخَبَرُ
أو ذهل عنه وقال الْبَغَوِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْمُحَقِّقِينَ يَجُوزُ الْأَمْرَانِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ ذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي الْأُمِّ كَمَا ثبت في الصحيح وصرح فيه سجود الصَّفِّ الَّذِي يَلِي النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ الْكَيْفِيَّةَ الْمَشْهُورَةَ فَأَشَارَ إلَى جَوَازِهِمَا وَاسْتَغْنَى بِثُبُوتِ الْحَدِيثِ عَنْ أَنْ يَقُولَ وَيَجُوزُ أَيْضًا مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَقُلْ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ إنَّ الْكَيْفِيَّةَ الَّتِي ذَكَرهَا هِيَ صَلَاةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ بَلْ قَالَ وَهَذَا نَحْوُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ فَأَشْبَهَ تَجْوِيزُهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الام أن الكيفة الَّتِي ذَكَرَهَا وَهِيَ حِرَاسَةُ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَسُجُودُ الثَّانِي رَوَاهَا أَبُو عَيَّاشٍ وَأَمَّا الْكَيْفِيَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْحَدِيثِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَكِنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ تَرَكَ تَقَدُّمَ الصَّفِّ الْمُتَأَخِّرِ وَتَأَخَّرَ الْمُقَدَّمِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ جَوَازَ التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ وَتَرْكَهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ كُلُّهَا جَائِزَةٌ وَاَلَّذِي فِي الْحَدِيثِ هُوَ الْأَفْضَلِ لِمُتَابَعَةِ السُّنَّةِ وَلِتَفْضِيلِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ فَخُصُّوا بِالسُّجُودِ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحِرَاسَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالسُّجُودِ وَلَا يَحْرُسُونَ فِي غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُمْ يَحْرُسُونَ فِي الرُّكُوعِ أَيْضًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا لِهَذِهِ الصَّلَاةِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَنْ يَكُونُ الْعَدُوُّ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَأَنْ يَكُونَ عَلَى جَبَلٍ أَوْ مُسْتَوٍ مِنْ الْأَرْضِ لَا يسترهم شئ من أبصار المسلمين وأن يكون في الْمُسْلِمُونَ كَثْرَةً تَسْجُدُ طَائِفَةٌ وَتَحْرُسُ أُخْرَى وَقَدْ ذكر المصنف هذه الشرط قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَمْتَنِعُ الزِّيَادَةُ عَلَى صَفَّيْنِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا صُفُوفًا كَثِيرَةً ثُمَّ يَحْرُسُ صَفَّانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْرُسَ جَمِيعُ الصَّفِّ وَلَا صَفَّانِ بَلْ لَوْ حَرَسَ فِرْقَتَانِ مِنْ صَفٍّ وَاحِدٍ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَرَسَتْ طَائِفَةٌ وَاحِدَةٌ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَفِي صِحَّةِ صَلَاةِ هَذِهِ الطَّائِفَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
إذَا تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّاجِدُونَ أَوَّلًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى وَفْقِ الْحَدِيثِ وَتَقَدَّمَ الْآخَرُونَ جَازَ بِلَا شَكٍّ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ لَكِنْ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكْثُرَ عَمَلُهُمْ وَلَا يَزِيدَ
عَلَى خُطْوَتَيْنِ بَلْ يَتَقَدَّمُ كُلُّ وَاحِدٍ خُطْوَتَيْنِ وَيَتَأَخَّرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَوَّلِينَ خُطْوَتَيْنِ وَيَدْخُلُ الَّذِي يَتَقَدَّمُ
بَيْنَ مَوْقِفَيْنِ وَأَمَّا عَلَى الْكَيْفِيَّةِ الَّتِي ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَهُوَ أَنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ يَحْرُسُ فَيَجُوزُ التَّقَدُّمُ أَيْضًا وَالتَّأَخُّرُ وَلَكِنْ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ أَمْ مُلَازَمَةُ كُلِّ إنْسَانٍ مَوْضِعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ التَّقَدُّمُ أَفْضَلُ وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الْمُلَازَمَةُ أَفْضَلُ وَفِي لَفْظِ الشَّافِعِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ إشَارَةٌ إلَى هَذَا لِأَنَّهُ قَالَ فَلَا بَأْسَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ صَلَاةَ عُسْفَانَ هَذِهِ مَشْرُوعَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ بَلْ تَتَعَيَّنُ صَلَاةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ * قال المصنف رحمه الله
* (ولا يحمل في الصلاة سلاحا نجسا ولا ما يتأذى به الناس كالرمح في وسط الناس وهل يجب حمل ما سواه قال في الام يستحب وقال بعده يجب قال أبو إسحق المروزى فيه قولان
(أحدهما)
يجب لقوله عز وجل (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أسلحتكم) فدل على أن عليهم جناحا إذا وضعوا من غير اذى ولا مرض
(والثانى)
لا يجب لان السلاح انما يجب حمله للقتال وهو غير مقاتل في حال الصلاة فلم يجب حمله ومن أصحابنا من قال ان كان السلاح يدفع به عن نفسه كالسيف والسكين وجب حمله وان كان يدفع به عن نفسه وعن غيره كالرمح والسنان لم يجب وحمل القولين على هذين الحالين والصحيح ما قال ابو اسحق)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابنَا حَمْلُ السِّلَاحِ فِي صَلَاةِ بَطْنِ نَخْلٍ وَصَلَاةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ وَصَلَاةِ عُسْفَانَ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فِيهِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ مُسْتَحَبٌّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ الْمَوْضِعَيْنِ فِي الْأُمِّ
(وَالثَّانِي)
وَاجِبٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ كَالسَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَجَبَ وَإِنْ كَانَ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ كَالنُّشَّابِ وَالرُّمْحِ اُسْتُحِبَّ وَهَذَانِ الطَّرِيقَانِ فِي الْكِتَابِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ تَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالرَّابِعُ) لَا يَجِبُ قَوْلًا وَاحِدًا
حَكَاهُ هَؤُلَاءِ فَمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ احْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلْيَأْخُذُوا اسلحتهم) وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَمَنْ قَالَ بِالنَّدْبِ حَمَلَ الْأَمْرَ عليه ولان المغالب السَّلَامَةُ وَمَنْ قَالَ بِالْفَرْقِ قَالَ لِأَنَّهُ مُتَحَقِّقُ الْحَاجَةِ إلَى مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَعَلَّلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْخِلَافِ شُرُوطٌ (أَحَدُهَا) طَهَارَةُ السلاح فان كان نجسا كالسيف المطلخ بِدَمٍ وَاَلَّذِي سُقِيَ سُمًّا نَجُسَ وَالنَّبْلُ الْمُرَيَّشُ بِرِيشِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَوْ بِرِيشِ مَيْتَةٍ لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ بِلَا خِلَافٍ (الثَّانِي) أَلَّا يَكُونَ مَانِعًا مِنْ بَعْضِ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ كَبَيْضَةٍ تَمْنَعُ مُبَاشَرَةَ الْجَبْهَةِ لَمْ يَجُزْ بِلَا خِلَافٍ إلَّا أَنْ يُمْكِنَ رَفْعُهَا حَالَ السُّجُودِ فَيَجُوزُ حَمْلُهَا وَلَا يَجِبُ (الثَّالِثُ) أَنْ لَا يَتَأَذَّى بِهِ أَحَدٌ كَرُمْحٍ فِي وسط
النَّاسِ فَإِنْ خِيفَ الْأَذَى كُرِهَ حَمْلُهُ (الرَّابِعُ) أَنْ يَكُونَ فِي تَرْكِ السِّلَاحِ خَطَرٌ مُحْتَمَلٌ لَا مَقْطُوعٌ بِهِ وَلَا مَظْنُونٌ فَأَمَّا إذَا تَعَرَّضَ لِلْهَلَاكِ غَالِبًا لَوْ تَرَكَهُ فَيَجِبُ حَمْلُهُ قطعا صرح به امام الحرمين وغيره قال الْإِمَامُ وَيَحْرُمُ تَرْكُ السِّلَاحِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْأَصْحَابَ تَرْجَمُوا الْمَسْأَلَةَ بحمل السلاح قال امام الحرمين وليس الْحَمْلُ مُتَعَيِّنًا بَلْ لَوْ وَضَعَ السَّيْفَ بَيْن يَدَيْهِ وَكَانَ مَدُّ الْيَدَ إلَيْهِ فِي السُّهُولَةِ كَمَدِّهَا إلَيْهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْحَمْلِ وَلَهُ حُكْمُهُ قَطْعًا وَإِنْ كَانَ لَا يَظْهَرُ فِي تَرْكِهِ خَلَلٌ وَلَكِنْ لَا يُؤْمَنُ إفْضَاؤُهُ إلَى خَلَلٍ فَهُوَ مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَا حَمْلَهُ فَتَرَكُوهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ في ارض مغصوبة واولى بالصحة قام إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَخِّصُ فِي تَغْيِيرِ هَيْئَةِ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَخْذُ بِالْجَزْمِ فَتَارِكُهُ كَمَنْ صَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةَ بلا خوف وهذا الذى قالاه احتمالا لَهُمَا وَإِلَّا فَلَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ الصِّحَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ تَرْكُ السِّلَاحِ لِلْعُذْرِ بِمَرَضٍ أَوَ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أذى من مطر أن تضعوا أسلحتكم) قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ وَالسِّلَاحُ يَقَعُ عَلَى السَّيْفِ وَالسِّكِّينِ وَالرُّمْحِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا التُّرْسُ وَالدِّرْعُ فَلَيْسَ بِسِلَاحٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ السِّلَاحُ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ حَرَامٌ وَمَكْرُوهٌ وَمُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ فَالْحَرَامُ النجس كالنشاب الْمُرَيَّشِ بِرِيشٍ نَجِسٍ وَالسِّلَاحِ الْمُلَطَّخِ بِدَمٍ وَغَيْرِهِ وَالْمَكْرُوهُ مَا كَانَ ثَقِيلًا يَشْغَلُهُ عَنْ الصَّلَاةِ كالجوشن وَالتُّرْسِ وَالْجَعْبَةِ وَنَحْوِهَا وَالْمُخْتَلَفُ فِي وُجُوبِهِ
مَا سِوَى ذَلِكَ وَمُخْتَلِفُ الْحَالِ كَالرُّمْحِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَتَأَذَّى بِهِ جَارُهُ فَإِنْ كَانَ فِي أَثْنَاءِ الناس كره وان كان في طرفهم فَلَا إذَا قُلْنَا الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ وَإِنْ قُلْنَا بِالطَّرِيقِ الثَّانِي إنَّهَا عَلَى حَالَيْنِ كَانَ السِّلَاحُ عَلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُحَرَّمٌ وَمَكْرُوهٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَوَاجِبٌ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَمُسْتَحَبُّ وَهُوَ مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ غيره ومتخلف الْحَالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي حَمْلِ السلاح: الاصح عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد
* وَاحْتَجَّ من أوجبه بقوله تعالى (وليأخذوا اسلحتهم) وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بكم اذى من مطر ان تضعوا اسلحتكم) قَالُوا وَرَفْعُ الْجُنَاحِ عِنْدَ الْعُذْرِ يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْأَمْرَ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَرَفْعُ الْجُنَاحِ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ الْوُجُوبُ بَلْ مَعْنَاهُ رَفْعُ الْكَرَاهَةِ فَأَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَجِبُ نَقُولُ يُكْرَهُ تَرْكُ السِّلَاحِ إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَإِذَا كَانَ زَالَتْ الْكَرَاهَةُ وَالْجُنَاحُ هَكَذَا أَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان اشتد الخوف ولم يتمكن من تفريق الجيش صلوا رجالا وركبانا مستقبلي القبلة وغير
مستقبليها لقوله تعالي (فان خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وروى نافع عن ابن عمر قال إذا كان الخوف اكثر من ذلك صلى راكبا وقائما يومئ ايماء " قال الشافعي ولا بأس ان يضرب الضربة ويطعن الطعنة فان تابع أو عمل ما يطول بطلت صلاته وحكى الشيخ أبو حامد الاسفراينى عن أبى العباس رحمهما الله أنه قال ان لم يكن مضطرا إليه بطلت صلاته وان كان مضطرا إليه لم تبطل كالمشي وحكي عن بعض اصحابنا أنه قال ان اضطر إليه فعل ولكن تلزمه الاعادة كما نقول فيمن لم يجد ماء ولا ترابا انه يصلي ويعيد فان استفتح الصلاة راكبا أمن فنزل فان استدبر القبلة في النزول بطلت صلاته لانه ترك القبلة من غير خوف وان لم يستدبر قال الشافعي رحمه الله بنى علي صلاته لانه عمل قليل فلم يمنع البناء وان استفتحها راجلا فخاف فركب قال الشافعي ابتدأ الصلاة وقال أبو العباس ان لم يكن مضطرا إليه ابتدأ لانه عمل كثير لا ضرورة به إليه وان كان مضطرا لم تبطل لانه مضطر إليه فلم تبطل كالمشى وقول أبي العباس اقيس والاول أشبه بظاهر النص)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ البخاري بقريب من معناه وقد سبق بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أيضا أن قوله تعالي (رجالا) جَمْعُ رَاجِلٍ لَا جَمْعُ رَجُلٍ وَقَوْلُهُ وَيَطْعُنُ هُوَ - بِضَمِّ الْعَيْنِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا يُقَالُ طَعَنَ فِي النَّسَبِ وَنَحْوِهِ يَطْعَنُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ - وَيَطْعُنُ بِالرُّمْحِ بِضَمِّهَا وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا: أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إذَا الْتَحَمَ
الْقِتَالُ وَلَمْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ تَرْكِهِ بِحَالٍ لِقِلَّتِهِمْ وَكَثْرَةِ الْعَدُوِّ وَاشْتَدَّ الْخَوْفُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَلَمْ يَأْمَنُوا أَنْ يَرْكَبُوا أَكْتَافَهُمْ لَوْ وَلَّوْا عَنْهُمْ وَانْقَسَمُوا فِرْقَتَيْنِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ بِحَسْبِ الْإِمْكَانِ وَلَيْسَ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلُّونَ رُكْبَانًا وَمُشَاةً وَلَهُمْ تَرْكُ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ اقْتِدَاءُ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ مَعَ الِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ كَالْمُصَلِّينَ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوْلَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَصَلَاةُ الْجَمَاعَةِ فِي هَذَا الْحَالِ أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ كَحَالَةِ الْأَمْنِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ فِي فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَفْضِيلِ الْجَمَاعَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ هُنَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا صَلَّوْا جَمَاعَةً لَا يُمْكِنُهُمْ الِاقْتِدَاءُ لِعَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الِاقْتِدَاءِ الْعِلْمُ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ لَا الْمُشَاهَدَةُ كَمَا لَوْ صَلَّى فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا يَرَاهُ لَكِنْ يَعْلَمُ صَلَاتَهُ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنُوا جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى مِنْ إتْمَامِ الرُّكُوعِ والسجود أو مأوا بِهِمَا وَجَعَلُوا السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَا يَلْزَمُ الْمَاشِيَ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَلَا فِي الْإِحْرَامِ وَلَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الْمُتَنَفِّلِ فِي السَّفَرِ وَالْفَرْقُ شِدَّةُ الْحَاجَةِ وَالضَّرُورَةِ هُنَا وَلَا يَجُوزُ الصِّيَاحُ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ الْكَلَامِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ صَاحَ فَبَانَ مَعَهُ حَرْفَانِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بلا خلاف لانه ليس محتاج إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ وَغَيْرِهِ وَلَا تَضُرُّ الْأَفْعَالُ الْيَسِيرَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ فِي غَيْرِ الْخَوْفِ فَفِيهِ أَوْلَى وَأَمَّا الْأَفْعَالُ الْكَثِيرَةُ فَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْقِتَالِ بَطَلَتْ الصَّلَاةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ كَالطَّعَنَاتِ وَالضَّرَبَاتِ الْمُتَوَالِيَةِ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهَا أَبْطَلَتْ
بِلَا خِلَافٍ أَيْضًا لِأَنَّهَا عَبَثٌ وَإِنْ احْتَاجَ إليها ففيه ثلاثة أوجه (أصحهما) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ لَا يَبْطُلُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سريج وأبو إسحق وَالْقَفَّالُ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ قِيَاسًا عَلَى الْمَشْيِ وَلِأَنَّ مَدَارَ الْقِتَالِ عَلَى الضَّرْبِ وَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ غَالِبًا بِضَرْبَةٍ وَضَرْبَتَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الضَّرَبَاتِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يَبْطُلُ وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ عَنْ النَّصِّ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَادَّعَى الْمُحْتَجُّونَ لَهُ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَتَابُعِ الضَّرَبَاتِ نَادِرٌ فَلَمْ تَسْقُطْ الْإِعَادَةُ كَصَلَاةِ مَنْ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ إنْكَارٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ (وَالثَّالِثُ) تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي شَخْصٍ وَلَا تَبْطُلُ إنْ كَرَّرَ فِي أَشْخَاصٍ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ
وَبَعْضُهُمْ عَبَّرَ عَنْ الْأَوْجُهِ بِأَقْوَالٍ وَمِمَّنْ سَمَّاهَا أَقْوَالًا الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا أَوْجُهٌ وَمَنْ قَالَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ الصَّحِيحِ تَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِ عَلَى مَنْ تَابَعَ الضَّرَبَاتِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ تَلَطَّخَ سِلَاحُهُ بِدَمٍ أَلْقَاهُ أَوْ جَعَلَهُ فِي قُرَابَةٍ تَحْتَ رِكَابِهِ إنْ احْتَمَلَ الْحَالُ ذَلِكَ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى إمْسَاكِهِ فَلَهُ إمْسَاكُهُ لِلضَّرُورَةِ ثُمَّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ لِنُدُورِهِ ثُمَّ أَنْكَرَ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُ عُذْرًا نَادِرًا وَقَالَ تَلَطُّخُ السِّلَاحِ فِي الْقِتَالِ بِالدَّمِ مِنْ الْأَعْذَارِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ الْمُقَاتِلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تَكْلِيفِهِ تَنْحِيَةَ السِّلَاحِ فَتِلْكَ النَّجَاسَةُ فِي حَقِّهِ ضَرُورِيَّةٌ كَنَجَاسَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فِي حَقِّهَا ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلَيْنِ مُرَتَّبَيْنِ عَلَى القولين في من صَلَّى فِي مَوْضِعٍ نَجِسٍ وَجَعَلَ هَذِهِ الصُّورَةَ أَوْلَى بِعَدَمِ الْإِعَادَةِ لِإِلْحَاقِ الشَّرْعِ الْقِتَالَ لِسَائِرِ مُسْقِطَاتِ الْإِعَادَةِ فِي سَائِرِ الْمُحْتَمَلَاتِ كَاسْتِدْبَارِ الْقِبْلَةِ وَالْإِيمَاءِ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْخَوْفِ مُمْسِكًا عِنَانَ فَرَسِهِ لِأَنَّهُ عَمَلٌ يَسِيرٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ نَازَعَهُ فَرَسُهُ فَجَبَذَهُ إليه جبذة أو جبذتين أو ثلاثا وَنَحْوَ ذَلِكَ غَيْرُ مُنْحَرِفٍ عَنْ الْقِبْلَةِ فَلَا بَأْسَ فَإِنْ كَثُرَتْ مُجَاذَبَتُهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الضَّرَبَاتِ وَالطَّعَنَاتِ قَالَ وَإِنَّمَا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْجَبَذَاتِ أَخَفُّ عَمَلًا مِنْ الضَّرَبَاتِ
قَالَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَعْتَبِرُ كَثْرَةَ الْعَمَلِ دُونَ الْعَدَدِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ عَلَى هَيْئَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَا تَجُوزُ صلاة الاستسقاء وَفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ يَخَافُ فَوْتُ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ دُونَ الِاسْتِسْقَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَجُوزُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ فِي كُلِّ مَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْقِتَالِ وَلَا تَجُوزُ فِي الْمَعْصِيَةِ وَسَبَقَ إيضَاحُ صُورَةٍ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي قِتَالِ الْكُفَّارِ وَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَلَا يَجُوزُ لِلْبُغَاةِ وَلَا لِلْقُطَّاعِ وَلَوْ قُصِدَتْ نَفْسُهُ أَوْ نَفْسُ غَيْرِهِ فَاشْتَغَلَ بِالدَّفْعِ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ وَلَوْ قُصِدَ مَالُهُ فَلَهُ هَذِهِ الصَّلَاةُ إنْ كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهَا (والثاني) منعها لخفة امر وَلَوْ انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ كُفَّارٍ إنْ كَانُوا منحرفين لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزِينَ إلَى فِئَةٍ أَوْ كَانَ بِإِزَائِهِمْ أَكْثَرُ مِنْ مِثْلَيْهِمْ فَالْهَزِيمَةُ جَائِزَةٌ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ
فَتَبِعَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَكَانُوا بِحَيْثُ لَوْ أَكْمَلُوا الصَّلَاةَ عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَاتَهُمْ الْعَدُوُّ لَمْ يَجُزْ صَلَاةُ شَدِّهِ الْخَوْفِ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا خَائِفِينَ بَلْ يَطْلُبُونَ وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ لِلْخَائِفِ فَإِنْ خَافُوا كَمِينًا أَوْ كَرَّهُمْ فَلَهُمْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا تَخْتَصُّ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْقِتَالِ بَلْ تَجُوزُ فِي كُلِّ خَوْفٍ فَلَوْ هَرَبَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ جَمَلٍ أَوْ كَلْبٍ ضَارٍ أَوْ صَائِلٍ أَوْ لِصٍّ أَوْ حَيَّةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يَجِدْ عَنْهُ مَعْدِلًا فَلَهُ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالِاتِّفَاقِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْمَدْيُونُ الْمُعْسِرُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الْإِعْسَارِ وَلَا يُصَدِّقُهُ غَرِيمُهُ وَلَوْ ظَفِرَ بِهِ حَبَسَهُ فَإِذَا هَرَبَ مِنْهُ فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْإِمْلَاءِ مَنْ طُلِبَ لَا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شئ لا يصليها حكاه عنه (1) وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ لِأَنَّهُ خَائِفٌ مِنْ ظُلْمٍ فَأَشْبَهَ خَوْفَ الْعَدُوِّ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ قِصَاصٌ وَيَرْجُو الْعَفْوَ إذَا سَكَنَ غَضَبُ الْمُسْتَحِقِّ قَالَ الْأَصْحَابُ لَهُ أَنْ يَهْرُبَ وَيُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ هَارِبًا وَقَدْ سَبَقَ نَظِيرُهُ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُسْتَحِقِّ الْعَفْوُ فَكَأَنَّهُ مُسَاعِدٌ لَهُ عَلَى التَّوَصُّلِ إلَى
الْعَفْوِ إذَا سَكَنَ غَضَبُهُ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَوَازَ هَذِهِ الصَّلَاةِ لَهُ وَحَيْثُ جَوَّزْنَا لَهُ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِهَذِهِ الْأَسْبَابِ غَيْرَ الْقِتَالِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا دَاخِلٌ فِي جُمْلَةِ الْخَوْفِ فَلَا يُنْظَرُ إلَى أَفْرَادِهِ كَمَا أَنَّ الْمَرَضَ عُذْرٌ عَامٌّ فَلَوْ وُجِدَ نَوْعُ مَرَضٍ مِنْهُ نَادِرٍ كَانَ لَهُ حُكْمُ الْعَامِّ فِي التَّرَخُّصِ أَمَّا إذَا كَانَ مُحْرِمًا بِالْحَجِّ وَضَاقَ وَقْتُ وُقُوفِهِ وَخَافَ فَوْتَ الْحَجِّ إنْ صَلَّى لَابِثًا عَلَى الْأَرْضِ بِأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لَيْلَةَ النَّحْرِ وَقَدْ بَقِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَدْرُ مَا يَسَعُ صَلَاةَ الْعِشَاءِ فَقَطْ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّاهَا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ عَنْ الْقَفَّالِ (الصَّحِيحُ)
(1) كذا بالاصل فليحرر
*
يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ وَيَذْهَبُ إلَى عَرَفَاتٍ لِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الْحَجِّ ضَرَرًا وَمَشَقَّةً شَدِيدَةً وَتَأْخِيرُ الصَّلَاةِ يَجُوزُ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَمَشَقَّتُهُ دُونَ هَذَا (وَالثَّانِي) يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ فِي مَوْضِعِهِ وَيُفَوِّتُ الْحَجَّ لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْهُ لِأَنَّهَا عَلَى الْفَوْرِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَأَشَارَ الرَّافِعِيُّ إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الوجه وقال يشبه أَنْ يَكُونَ أَشْبَهَ بِكَلَامِ الْأَئِمَّةِ (وَالثَّالِثُ) لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَيُحَصِّلُ الْحَجَّ وَالصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مُحَصِّلٌ لَا خَائِفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مُتَمَكِّنًا عَلَى الْأَرْضِ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَدَثَ خَوْفٌ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَرَكِبَ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ مَشْهُورَةٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ إنْ اُضْطُرَّ إلَى الرُّكُوبِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ فَيَبْنِي وَإِنْ لَمْ يُضْطَرَّ بَلْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِتَالِ وَإِتْمَامِ الصَّلَاةِ رَاجِلًا فَرَكِبَ احْتِيَاطًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَلَزِمَهُ الِاسْتِئْنَافُ وَهَذَا الطَّرِيقُ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وأبي اسحق وَأَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) بُطْلَانُ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَاخْتَارَهُ المصنف في التنبيه (والطريق الثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والبندنيجى والمحاملي والماوردي والمتولي وآخرون (أصحهما) عِنْدَ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ تَبْطُلُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرِهِ لَا تَبْطُلُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ أَقْيَسُ فَمَعْنَاهُ
الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُضْطَرِّ وَغَيْرِهِ أَقْيَسُ مِنْ ظَاهِرِ النَّصِّ وَهُوَ الْبُطْلَانُ مُطْلَقًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا لَا تَبْطُلُ
بِالرُّكُوبِ فَإِنْ قَلَّ عَمَلُهُ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْعَمَلِ الْكَثِيرِ لِلْحَاجَةِ أَمَّا إذَا كَانَ يُصَلِّي رَاكِبًا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَأَمِنَ وَجَبَ النُّزُولُ فِي الْحَالِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ نَزَلَ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَنَى عَلَى صَلَاتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وذكر جماعة من الخراسانيين أَنَّهُ إنْ قَلَّ فِعْلُهُ فِي نُزُولِهِ بَنَى وَإِنْ كَثُرَ فَعَلَى الْخِلَافِ فِي الضَّرَبَاتِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَبْنِي مُطْلَقًا كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْجُمْهُورُ فَعَلَى هَذَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةَ فِي نُزُولِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَدْبِرْهَا بَلْ انْحَرَفَ يَمِينًا وَشِمَالًا يُكْرَهُ وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْفَرْقِ بَيْن الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ حَيْثُ نَصَّ عَلَى الْبِنَاءِ فِي النُّزُولِ وَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ فِي الرَّكُوبِ بِأَنَّ النُّزُولَ عَمَلٌ خَفِيفٌ وَالرُّكُوبَ كَثِيرٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ الْمُزَنِيّ وَقَالَ قَدْ يَكُونُ الْفَارِسُ أَخَفَّ رُكُوبًا وَأَقَلَّ شُغْلًا لِفُرُوسِيَّتِهِ مِنْ نُزُولِ ثَقِيلٍ غَيْرِ فَارِسٍ فَأَجَابَ الْأَصْحَابُ بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ الْغَالِبَ مِنْ عَادَةِ النَّاسِ وَمَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ نَادِرٌ فَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فَإِنْ وُجِدَ مِنْ النَّاسِ مَنْ هُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أُلْحِقَ بِالْغَالِبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الشَّافِعِيَّ اعْتَبَرَ حَالَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدُ الْخَفِيفُ الرُّكُوبِ نُزُولُهُ أَخَفُّ مِنْ رُكُوبِهِ وَلَمْ يَعْتَبِرْ شخص فِي نُزُولِ أَحَدِهِمَا وَرُكُوبِ الْآخَرِ
* (فَرْعٌ)
إذَا رأوا سوادا إبِلًا أَوْ شَجَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَظَنُّوهُ عَدُوًّا فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَبَانَ الْحَالُ فَفِي وُجُوبِ الْإِعَادَةِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ الْإِعَادَةُ لِعَدَمِ الْخَوْفِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ (وَالثَّانِي) لَا إعَادَةَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ لِوُجُودِ الْخَوْفِ حَالَ الصَّلَاةِ واختلفوا
فِي مَحِلِّ الْقَوْلَيْنِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا إذَا أَخْبَرَهُمْ ثِقَةٌ بِالْخَوْفِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَإِنْ ظَنُّوا الْعَدُوَّ مِنْ غَيْرِ إخْبَارٍ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ الْجُمْهُورُ هُمَا جَارِيَانِ مُطْلَقًا وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ
وَغَيْرِهِ وَحَكَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ (الْجَدِيدُ) تَجِبُ الْإِعَادَةُ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ فِي الْإِمْلَاءِ لَا إعَادَةَ (وَالْقَدِيمُ) إنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ الْإِعَادَةُ وَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا لِأَنَّ الْخَوْفَ غَالِبٌ فِيهَا وَإِذَا ضُمَّ إلَيْهَا الطَّرِيقُ السَّابِقُ صَارَتْ أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) يُعِيدُونَ
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) يُعِيدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ (وَالرَّابِعُ) يُعِيدُونَ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ ثِقَةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْخِلَافِ فَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْمُقْنِعِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ وَصَاحَبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ عَدَمَ الْإِعَادَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وُجُوبَ الْإِعَادَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَعَلَّهُ الْأَصَحُّ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَيْسَ هُوَ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ بَلْ هُوَ إلْزَامٌ لَهُ عَلَى الشَّافِعِيِّ لِأَنَّ مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ أَنَّ كان مَنْ صَلَّى بِحَسَبِ طَاقَتِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ قُلْتُ الصَّحِيحُ وُجُوبُ الْإِعَادَةِ مُطْلَقًا لِأَنَّهُمْ تَيَقَّنُوا الْغَلَطَ فِي الْقِبْلَةِ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْمُصَنِّفِ فِي احْتِجَاجِهِ لِلْقَوْلِ الْآخَرِ لَا إعَادَةَ كَمَا لَوْ رَأَوْا عَدُوًّا فَصَلَّوْهَا ثُمَّ بَانَ أَنَّ الْعَدُوَّ لَمْ يَكُنْ قَاصِدًا لَهُمْ (فَالْجَوَابُ) عَنْهُ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ لَا يُنْسَبُونَ فِيهَا إلَى تَفْرِيطٍ لِأَنَّ الْقَصْدَ لَا اطِّلَاعَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْغَلَطِ في السواد فَإِنَّهُمْ مُفَرِّطُونَ فِي تَامَّةٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا بَانَ لَهُمْ أَنَّ السَّوَادَ لَيْسَ عَدُوًّا وَكَذَا لَوْ شَكُّوا فِيهِ فَحُكْمُهُ كَمَا لَوْ تَيَقَّنُوا أَنَّهُ لَيْسَ عَدُوًّا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَمَّا إذَا تَحَقَّقُوا الْعَدُوَّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ كَانَ دُونَهُمْ حَائِلٌ كَخَنْدَقٍ أَوْ مَاءٍ أَوْ نار وما أشبهه فيه طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ لِتَقْصِيرِهِمْ فِي تَأَمُّلِ الْحَائِلِ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ السَّوَادِ السَّابِقَةِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ قَالَ الخراسانيون وتجرى الْقَوْلَانِ فِي كُلِّ سَبَبٍ جَهِلُوهُ بِحَيْثُ لَوْ عَلِمُوهُ امْتَنَعَتْ صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ كَالْأَمْثِلَةِ السَّابِقَةِ وَكَمَا لَوْ كَانَ بِقُرْبِهِمْ حِصْنٌ يُمْكِنُ التَّحْصِينُ فِيهِ أَوْ كَانَ الْعَدُوُّ قَلِيلًا وَظَنُّوهُ كَثِيرًا أَوْ كَانَ هُنَاكَ مَدَدٌ لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ الْبَغَوِيّ وغيره ولو صَلَّوْا فِي هَذِهِ
الْأَحْوَالِ صَلَاةَ عُسْفَانَ جَرَى القولان ولو صلوا صلاة ذات صلاة الرِّقَاعِ فَإِنْ جَوَّزْنَاهَا فِي الْأَمْنِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا جَرَى الْقَوْلَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَوْلَانِ هُنَا يُشْبِهَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي نِسْيَانِ تَرْتِيبِ الْوُضُوءِ وَنِسْيَانِ الْمَاءِ فِي رَحْلِهِ وَنِسْيَانِ الْفَاتِحَةِ وَمَنْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ أَوْ صَامَ فَصَادَفَ مَا قَبْلَ الْوَقْتِ وَمَنْ تَيَقَّنَ الْخَطَأَ فِي الْقِبْلَةِ وَمَنْ صَلَّى بِنَجَاسَةٍ جَهِلَهَا وَكَذَا لَوْ نَسِيَهَا عَلَى طَرِيقَةٍ لِبَعْضِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَكَذَا لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى مَنْ ظَنَّهُ فَقِيرًا فَبَانَ غَنِيًّا أَوْ اسْتَنَابَ المغصوب فِي الْحَجِّ فَبَرِئَ وَنَظَائِرُهَا وَقَدْ سَبَقَتْ فِي باب أَبْوَابِهَا (1)
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ: هِيَ جَائِزَةٌ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ بَلْ يَجِبُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ حَتَّى يَزُولَ الْخَوْفُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّهُ قَدْ يَمُوتُ وَتَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ مَعَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ لِلْقِيَاسِ عَلَى إيمَاءِ الْمَرِيضِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا قِصَّةُ الْخَنْدَقِ فَمَنْسُوخَةٌ فَإِنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ كَمَا سَبَقَ وَيَجِبُ أَنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ سَوَاءٌ الْتَحَمَ الْقِتَالُ أَمْ لَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ الْوَقْتِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إنْ اشْتَدَّ وَلَمْ يَلْتَحِمْ الْقِتَالُ فَإِنْ الْتَحَمَ قَالَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ: دَلِيلُنَا عُمُومُ قَوْله تَعَالَى (فَإِنْ خِفْتُمْ فرجالا أو ركبانا) وَيَجُوزُ عِنْدَنَا صَلَاةُ شِدَّةِ الْخَوْفِ رِجَالًا وَرُكْبَانًا جَمَاعَةً كَمَا يَجُوزُ فُرَادَى وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجُوزُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي الْأَمْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ لِكَثْرَةِ الْمُنَافِيَاتِ فِيهَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ بَطْنِ نَخْلٍ صَحَّتْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَلَاةُ مُفْتَرِضٍ خَلْفَ مُتَنَفِّلٍ وَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَنَا وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ عُسْفَانَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ وَمَنْ سَجَدَ مَعَهُ صحيحة
وَفِي صَلَاةِ الْحَارِسِينَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ فِيمَا إذَا تَخَلَّفَ الْمَأْمُومُ فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ السَّجْدَتَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) تَصِحُّ وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ فَفِي صَلَاةِ الْإِمَامِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِصِحَّتِهَا وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَادَّعَى صَاحِبُ الْبَيَانِ أَنَّهُ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَالْقِيَامِ وَالتَّشَهُّدِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِي صِحَّةِ صَلَاتِهِ قَوْلَيْنِ كَمَا
لَوْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُهُمْ بِلَا عُذْرٍ: وَأَمَّا صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ فَصَلَاةُ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فِيهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِغَيْرِ عُذْرٍ (أَصَحُّهُمَا) صَحِيحَةٌ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ إنْ عَلِمُوا وَهَلْ الْمُعْتَبَرُ عِلْمُهُمْ بِبُطْلَانِ صلاته أم بصورة حَالِهِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي مَوْضِعِهِ وَإِنْ صَحَّحْنَا صَلَاةَ الْإِمَامِ أَوْ أَبْطَلْنَاهَا وَلَمْ يَعْلَمُوا فَإِحْرَامُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ صَحِيحٌ وَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ بِمُفَارَقَتِهِمْ لَهُ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ قال اصحابنا هو مبنى علي الوجهين السَّابِقَيْنِ فِي أَنَّهُمْ يُفَارِقُونَ الْإِمَامَ حُكْمًا أَمْ لَا إنْ قُلْنَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِمْ قَوْلَانِ فِيمَنْ فَارَقَ الْإِمَامَ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَبْنِي عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ نَوَى الِاقْتِدَاءَ بَعْدَ الِانْفِرَادِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُمْ يُفَارِقُونَهُ فِعْلًا وَلَا يُفَارِقُونَهُ حُكْمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُمْ انْفَرَدُوا بِرَكْعَةٍ عَمْدًا وَهُمْ فِي حُكْمِ الْقُدْوَةِ وَإِنَّمَا كَانَ يُحْتَمَلُ هَذَا فِي الْخَوْفِ لِلْحَاجَةِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُمْ قَوْلًا وَاحِدًا وَفِي ظَاهِرِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ إشَارَةٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ قَالَ أَحْبَبْتُ لَهُمْ أَنْ يُعِيدُوا الصَّلَاةَ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ صَلَّوْا فِي الْأَمْنِ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقَةِ بَطَلَتْ صَلَاةُ الْمَأْمُومِينَ كُلِّهِمْ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَوْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ فِي قِتَالٍ حَرَامٍ أَعَادُوا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ مُرَادُهُ إذَا صَلَّوْا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ فَإِنْ صَلَّوْا إحْدَى صَلَوَاتِ الْخَوْفِ الثَّلَاثِ الْبَاقِيَةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ صَلَاتِهِمْ فِي الْأَمْنِ وَقَدْ سَبَقَ بيانه والله اعلم
*
(باب ما يكره لبسه وما لا يكره)
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (يحرم عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ الدِّيبَاجِ وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ والجلوس وغيرهما لما روي حذيفة قَالَ " نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه وقال هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ حُذَيْفَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ إلَى قَوْلِهِ " هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ
فِي الْآخِرَةِ " وَإِلَى قَوْلِهِ " وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ " فَإِنَّهُ فِي الْبُخَارِيِّ دُونَ مُسْلِمٍ وَالدِّيبَاجُ - بِكَسْرِ الدَّالِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَهُوَ عَجَمِيٌّ معرب وجمعه دبابيج ودبابج وَقَوْلُهُ وَأَنْ نَجْلِسَ عَلَيْهِ - بِفَتْحِ النُّونِ -
* أَمَّا حكم المسألة فيحرم علي الرجل استعمال الدبياج وَالْحَرِيرِ فِي اللُّبْسِ وَالْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَالتَّغَطِّي بِهِ وَاِتِّخَاذُهُ سَتْرًا وَسَائِرُ وُجُوهِ اسْتِعْمَالِهِ ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا إلَّا وَجْهًا مُنْكَرًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ الْجُلُوسُ عَلَيْهِ وَهَذَا الْوَجْهُ بَاطِلٌ وَغَلَطٌ صَرِيحٌ مُنَابِذٌ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ هَذَا مَذْهَبُنَا فَأَمَّا اللُّبْسُ فَمُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ فَجَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَوَافَقَنَا عَلَى تَحْرِيمِهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ دَلِيلُنَا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ وَلِأَنَّ سَبَبَ تَحْرِيمِ اللُّبْسِ مَوْجُودٌ فِي الْبَاقِي وَلِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ اللُّبْسُ مَعَ الْحَاجَةِ فَغَيْرُهُ أَوْلَى هَذَا حُكْمُ الذُّكُورِ الْبَالِغِينَ: فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَهَلْ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي الْبَيَانِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهَا) يَحْرُمُ عَلَى الْوَلِيِّ إلْبَاسُهُ وَتَمْكِينُهُ مِنْهُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم فِي الذَّهَبِ وَالْحَرِيرِ " حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي " وَلِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَأَى الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَقَالَ كَخْ كَخْ " أَيْ أَلْقِهَا وَهُوَ - بِفَتْحِ الْكَافِ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التَّنْوِينِ
وَكَمَا يَمْنَعُهُ مِنْ شُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَغَيْرِهِمَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لَهُ إلْبَاسُهُ الْحَرِيرَ مَا لَمْ يَبْلُغْ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الرَّجُلِ فِي هَذَا بِخِلَافِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا: وَأَمَّا حَدِيثُ التَّمْرَةِ فَلِأَنَّهُ إتْلَافُ مَالٍ لِغَيْرِهِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ مَنْعُهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ تَجِبُ غَرَامَتُهُ فِي مَالِ الصَّبِيِّ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ حَرُمَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ ابْنَ سَبْعٍ لَهُ حُكْمُ الْبَالِغِينَ في اشيا كَثِيرَةٍ هَكَذَا ضَبَطُوهُ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ وَلَوْ ضُبِطَ بِسِنِّ التَّمْيِيزِ لَكَانَ حَسَنًا لَكِنَّ الشرع اعتبر السبع في الامر بالصلاة وَاخْتَلَفُوا فِي الرَّاجِحِ مِنْ الْأَوْجُهِ فَالصَّحِيحُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَطَعَ الشَّيْخُ نَصْرٌ فِي تَهْذِيبِهِ بِالتَّحْرِيمِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ يَجُوزُ لِلصِّبْيَانِ لُبْسُ الْحَرِيرِ غَيْرَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ يُنْهَى عَنْهُ هَذَا لَفْظُهُ وَحَمَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَلَى الْقَطْعِ مِنْهُ بِالْوَجْهِ الثَّالِثِ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ هُوَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ
أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ حَتَّى يَبْلُغَ وَتَجْرِي الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ فِي إلْبَاسِهِمْ حُلِيَّ الذَّهَبِ وَسَنُوَضِّحُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* (فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَبَعْضُهُ قُطْنًا فَإِنْ كَانَ الْإِبْرَيْسَمُ أَكْثَرَ لَمْ يَحِلَّ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ كَالْخَزِّ لُحْمَتُهُ صُوفٌ وَسَدَاهُ إبْرَيْسَمٌ حَلَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّمَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّوْبِ الْمُصْمَتِ مِنْ الْحَرِيرِ " فَأَمَّا الْعَلَمُ وَسَدَا الثَّوْبِ فَلَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَلِأَنَّ السَّرَفَ يَظْهَرُ فِي الْأَكْثَرِ دُونَ الْأَقَلِّ وَإِنْ كَانَ نِصْفَيْنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْغَالِبُ الْحَلَالَ (وَالثَّانِي) يَحِلُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ ثَبَتَ بِغَلَبَةِ الْمُحَرَّمِ وَالْمُحَرَّمُ لَيْسَ بِغَالِبٍ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّوْبِ قَلِيلٌ من الحرير والديباج كالجبة المكفوفة بالحرير والمجيب بالديباج وما اشبههما لَمْ يَحْرُمْ لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْحَرِيرِ إلَّا فِي مَوْضِعِ اصبعين أو ثلاثة أو اربعة " وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم جبة مكفوفة الحبيب وَالْكُمَّيْنِ وَالْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ " فَإِنْ كَانَ لَهُ جُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ بِإِبْرَيْسَمٍ لَمْ يَحْرُمْ لُبْسُهَا لِأَنَّ السَّرَفَ فِيهَا غَيْرُ ظَاهِرٍ)
* (الشَّرْحُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ لَكِنْ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ لَا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ الْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِلَفْظِهِ هَذَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٌ إلَّا رَجُلًا اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ أَيْضًا بِبَعْضِ مَعْنَاهُ فَقَالَ مَكْفُوفَةُ الْفَرْجَيْنِ بِالدِّيبَاجِ (وَقَوْلُهُ) إبْرَيْسَم هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ اسْمُ جِنْسٍ مُنْصَرِفٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَقَعُ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ أَوْ بَعْضِهَا فَإِنْ كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ إبْرَيْسَم وَالصَّوَابُ إبْرَيْسَمًا وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ كَانَ هِيَ الَّتِي لِلشَّأْنِ والقصة وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَكَسْرُهَا مَعَ فَتْحِ الرَّاءِ فِيهِمَا وَالثَّالِثَةُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ حَكَاهَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا (وَقَوْلُهُ) لُحْمَتُهُ صُوفٌ - هُوَ بِضَمِّ اللَّامِ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ لُحْمَةُ النَّسَبِ وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ هُمَا بِالْفَتْحِ قَوْلُهُ وَسَدَاهُ
- هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ - مَقْصُورٌ وَحَكَى ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ جَوَازَ مَدِّهِ وَقَوْلُهُ الْمُصْمَتُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - الثَّانِيَةِ أَيْ الْحَرِيرُ الْخَالِصُ وَالسَّرَفُ مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ (قَوْلُهُ) إلَّا مَوْضِعَ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد وَوَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَهُوَ الْأَصْوَبُ وَيَصِحُّ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأُصْبُعِ الْعُضْوُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عمرو ابن الصَّلَاحِ قَوْلُ الْغَزَالِيِّ سَدَا الْخَزِّ إبْرَيْسَمٌ وَلُحْمَتُهُ صُوفٌ وَاللُّحْمَةُ أَكْثَرُ قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْهُ
أَنَّ سَدَا كُلِّ ثَوْبٍ مُطْلَقًا أَقَلُّ مِنْ لُحْمَتِهِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ بَلْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصيغة وَاخْتِلَافِ أَنْوَاعِ الثِّيَابِ فَمِنْهَا مَا يَدْفِنُ الصَّانِعُ اللحمة منه في السدا ويجعل السدا هُوَ الظَّاهِرَ وَمِنْهَا مَا يُظْهِرُ اللُّحْمَةَ عَلَى السدا ويدفن السدا فِيهِ وَكَذَلِكَ مِنْهَا مَا يَكُونُ سَدَاهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَمِنْهَا مَا يَكُونُ لُحْمَتُهُ أَكْثَرَ وَزْنًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْخَزُّ مِنْهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ بِحَسَبِ " الصَّنْعَةِ أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا كَانَ بَعْضُ الثَّوْبِ حَرِيرًا وَبَعْضُهُ غَيْرَهُ وَنُسِجَ مِنْهُمَا فَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الْقَفَّالُ وَقَلِيلٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ إنْ كَانَ الْحَرِيرُ ظَاهِرًا يُشَاهَدُ حَرُمَ وَإِنْ قَلَّ وَزْنُهُ وَإِنْ اسْتَتَرَ لَمْ يَحْرُمْ وَإِنْ كَثُرَ وَزْنُهُ لِأَنَّ الْخُيَلَاءَ وَالْمُفَاخَرَةَ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالظَّاهِرِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالْوَزْنِ فَإِنْ كَانَ الْحَرِيرُ أَقَلَّ وَزْنًا حَلَّ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ حَرُمَ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْحِلُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا حَرَّمَ ثَوْبَ الْحَرِيرِ وَهَذَا لَيْسَ بِحَرِيرٍ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ الْبَصْرِيِّينَ وَصَحَّحَهُ وَلَيْسَ كَمَا صَحَّحَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْمُطَرَّزِ بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ طِرَازُ الْحَرِيرِ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَإِنْ زَادَ عَلَيْهَا فَحَرَامٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَيَجُوزُ لبس الثوب المطرز والمجيب وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُجَاوِزَ الْعَادَةَ فِيهِ فان جاوزها حرم بالاتفاق ولو وقع ثَوْبَهُ بِدِيبَاجٍ قَالُوا هُوَ كَتَطْرِيزِهِ وَقَوْلُ الْبَغَوِيِّ لَوْ رُقِّعَ بِقَلِيلِ دِيبَاجٍ جَازَ مَحْمُولٌ عَلَى ما ذكرناه وَلَوْ خَاطَ ثَوْبًا بِإِبْرَيْسَمٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِذَهَبٍ قَلِيلٍ فَإِنَّهَا تَحْرُمُ لِكَثْرَةِ الْخُيَلَاءِ فِيهِ وَلَوْ اتَّخَذَ سُبْحَةً فِيهَا خَيْطٌ حَرِيرٌ لَمْ يَحْرُمْ اسْتِعْمَالُهَا لِعَدَمِ الْخُيَلَاءِ (الثَّالِثَةُ) لَوْ اتَّخَذَ جُبَّةً مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ وَحَشَاهَا حَرِيرًا أَوْ حَشَا الْقَبَاءَ وَالْمِخَدَّةَ وَنَحْوَ ذَلِكَ الْحَرِيرَ جَازَ لُبْسُهَا وَاسْتِعْمَالُ كُلِّ ذَلِكَ نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ فَأَشَارَ إلَى وَجْهٍ ضَعِيفٍ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ كَانَتْ ظِهَارَةُ الْجُبَّةِ حَرِيرًا وَبِطَانَتُهَا قُطْنًا أَوْ ظِهَارَتُهَا قُطْنًا وَبِطَانَتُهَا حَرِيرًا فَهِيَ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ
الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ ثَوْبًا ظِهَارَتُهُ وَبِطَانَتُهُ قُطْنٌ وَفِي وَسَطِهِ حَرِيرٌ مَنْسُوجٌ جَازَ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَاحْتِمَالٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبَ حَرِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ بِلَا خِلَافٍ لِلضَّرُورَةِ وَيَلْزَمُهُ الِاسْتِتَارُ بِهِ عَنْ الْعُيُونِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا فِي الْخَلْوَةِ إذَا أَوْجَبْنَا السَّتْرَ فِيهَا وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ طَهَارَةِ البدن * قال الْمُصَنِّفِ رحمه الله
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله في الام فان توقي المحارب لبس الديباج كان احب الي فان لبسه فلا بأس والدليل عليه انه يحصنه ويمنع وصول السلاح إليه)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ الدِّيبَاجِ فِي حَالِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَالْقِتَالِ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ وَكَذَلِكَ يَجُوزُ الدِّيبَاجُ الثَّخِينُ الَّذِي لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِي دَفْعِ السِّلَاحِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا يُقَالُ إنَّهُ مَكْرُوهٌ فَلَوْ وُجِدَ غَيْرُهُ مِمَّا يَقُومُ مَقَامَهُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَكْثَرُونَ تَحْرِيمُهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ قِيَاسًا عَلَى الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ فِي الْحَرْبِ إلَّا إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
جَوَازُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَوَجْهُهُ الْقِيَاسُ عَلَى التَّضَبُّبِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِالْفِضَّةِ لِلْحَاجَةِ وَإِنْ وَجَدَ نُحَاسًا وَغَيْرَهُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّرْعِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ بِأَنَّ الْحَرِيرَ يُسَامَحُ بِقَلِيلِهِ كَالْعَلَمِ وَالْجَيْبِ وَنَحْوِهِمَا وَعَمَّا دُونَ نِصْفِ الثَّوْبِ وَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْمَحَامِلِيِّ فِي التَّجْرِيدِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَصَاحِبِ الْبَيَانِ وَآخَرِينَ أَنَّهُ يَجُوزُ لُبْسُ الدِّيبَاجِ الثَّخِينِ الَّذِي لَا يَقُومُ غيره مقامه في دفع السلاح
* قل المصنف رحمه الله
*
(وان احتاج الي لبس الحرير للحكة جاز له لما روى ان أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " رخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير بن العوام من الحكة ")
*
(الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ لِحِكَّةٍ بِهِمَا " وَالْحِكَّةُ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوَسِيطِ وَقَالَ رَخَّصَ لِحَمْزَةَ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ كَمَا هُنَا قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِلْحِكَّةِ وَلِلْجَرَبِ وَنَحْوِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وفيه وجه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَحَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ والرافعي وليس بشئ وَيَجُوزُ لِدَفْعِ الْقُمَّلِ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا أَنَّهُ لا يجوز الا في السفر واختاره أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي رواية في الصحيحين في هذا الحديث ارخص لَهُمَا فِي ذَلِكَ فِي السَّفَرِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ جَوَازُهُ مُطْلَقًا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَاقْتَضَاهُ إطْلَاقُ الباقين * قال المصنف رحمه الله
* (واما المذهب فلا يحل للرجال استعماله لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الحرير والذهب " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لاناثها " ولا فرق في الذهب بين القليل والكثير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نهي عن التختم بالذهب فحرم الخاتم مع قلته ولان السرف في الجميع ظاهر فان كان في الثوب ذهب قد صدئ وتغير بحيث لا يبين لم يحرم لبسه لانه ليس فيه سرف ظاهر فان كان له درع منسوجة بالذهب أو بيضة مطلية بالذهب فاراد لبسها في الحرب فان وجد ما يقوم مقامه لم يجز وان لم يجدو فاجأته الحرب جاز لانه موضع ضرورة فان اضطر إلى استعمال الذهب جاز لما روى " ان عرفجة بن أسعد أصيب انفه يوم الكلاب فاتخذ انفا من فضة فانتن عليه فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يتخذ انفا من ذهب " ويحل للنساء لبس الحرير ولبس الحلي من الذهب لحديث علي رضي الله عنه
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ عَلِيٍّ إلَّا قَوْلَهُ حِلٌّ لِإِنَاثِهَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ يُحْتَجُّ بِهِ
وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ التَّخَتُّمِ بِالذَّهَبِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَمِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَدِيثُ عَرْفَجَةَ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَشَرْحُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَقَطَ هَذَا الْحَدِيثُ وَمَسْأَلَتُهُ فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُمَا مَوْجُودَانِ فِي مُعْظَمِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " إنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ " أَيْ حَرَامٌ اسْتِعْمَالُهُمَا وَالْحِلُّ - بِكَسْرِ الْحَاءِ - بِمَعْنَى الْحَلَالِ يُقَالُ حِلٌّ وَحَلَالٌ وَحِرْمٌ وَحَرَامٌ بِمَعْنًى وَفِي الْخَاتَمِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ التَّاءِ وَكَسْرُهَا وَخَاتَامٌ وَخَيْتَامٌ وَيُقَالُ صدئ يصدأ بالهمز فِيهِمَا كَبَرِئَ مِنْ الدَّيْنِ يَبْرَأُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ صَدَأُ الْحَدِيدِ وَغَيْرِهِ وَسَخُهُ مَهْمُوزٌ وَقَدْ صَدِئَ يَصْدَأُ فَاضْبُطْهُ فَقَدْ رَأَيْتُ مَنْ يَغْلَطُ فِيهِ فَيَتَوَهَّمُهُ غَيْرَ مَهْمُوزٍ وَدِرْعُ الْحَدِيدِ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ تَذْكِيرُهَا ودرع المرأة مذكر لا غير والمطلية - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ بِمَعْنَى الْمُمَوَّهَةِ وَالْحَرْبُ مُؤَنَّثَةٌ وَفِي لُغَةٍ شَاذَّةٍ مُذَكَّرَةٌ قَوْلُهُ مَقَامَهُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ الْأُولَى - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ قام الشئ مَقَامَ غَيْرِهِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَأَقَمْتُهُ مُقَامَهُ بِالضَّمِّ وفاجأته بهمزة بعد الجيم أي بغتته وَالْكُلَابُ - بِضَمِّ الْكَافِ - وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْآنِيَةِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِ اسْتِعْمَالِ حُلِيِّ الذَّهَبِ عَلَى الرِّجَالِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَغَيْرِهَا وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَحْرِيمِ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَفِيهِ سِنٌّ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فَصٌّ حَرُمَ بِالِاتِّفَاقِ لِلْحَدِيثِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لَا يَبْعُدُ تَشَبُّهُهُ بِالضَّبَّةِ الصَّغِيرَةِ فِي الْإِنَاءِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْفَرْقُ أَنَّ الشَّرْعَ حَرَّمَ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ وَمَنْ لَبِسَ هَذَا الْخَاتَمَ يُعَدُّ لَابِسَ ذَهَبٍ وَهُنَاكَ حَرُمَ إنَاءُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا لَيْسَ بِإِنَاءٍ (الثَّانِيَةُ) لَوْ كَانَ الْخَاتَمُ فِضَّةً وَمَوَّهَهُ بِذَهَبٍ أَوْ مَوَّهَ السَّيْفَ وَغَيْرَهُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا بِذَهَبٍ فَإِنْ كَانَ تَمْوِيهًا يَحْصُلُ منه شئ إنْ عُرِضَ عَلَى النَّارِ فَهُوَ حَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وإن لم يحصل منه شئ فطريقان (أصحهما) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يَحْرُمُ لِلْحَدِيثِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَسَائِرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ جُمْهُورُهُمْ أَحَدُهُمَا (يَحْرُمُ)(وَالثَّانِي) يَحِلُّ لِأَنَّهُ كَالْعَدَمِ (الثَّالِثَةُ) يَجُوزُ لِمَنْ ذَهَبَ أَنْفُهُ أَوْ سِنُّهُ أَوْ انملته أن يتخذ
مكانها ذهبا سوا أَمْكَنَهُ فِضَّةٌ وَغَيْرُهَا أَمْ لَا وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لَهُ شَدُّ السِّنِّ وَالْأُنْمُلَةِ وَنَحْوِهِمَا بِخَيْطٍ ذَهَبٍ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مِنْ الْأَنْفِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَهَلْ لِمَنْ ذَهَبَتْ إصْبَعُهُ أَوْ كَفُّهُ أَوْ قَدَمُهُ أَنْ يَتَّخِذَهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ مُسْتَوْفَاةً (الرَّابِعَةُ) إذَا كَانَتْ دِرْعٌ مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ أَوْ بَيْضَةٌ مَطْلِيَّةٌ بِهِ أَوْ جَوْشَنٌ مُتَّخَذٌ مِنْهُ وَنَحْوُهَا حَرُمَ لُبْسُهُ عَلَى الرَّجُلِ فِي غَيْرِ مُفَاجَأَةِ الْحَرْبِ وَيَحْرُمُ حَالَ مفاجأة الحرب أَيْضًا إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ وَفَاجَأَتْهُ الْحَرْبُ جَازَ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ كَانَتْ كُلُّهَا مَنْسُوجَةً أَوْ بَعْضُهَا وَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ (الْخَامِسَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ الْمُرَادُ بِهِ إذَا لَمْ يَصْدَأْ فَإِنْ صَدِئَ بِحَيْثُ لَمْ يَبِنْ لَمْ يَحْرُمْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الذَّهَبُ لَا يَصْدَأُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَأَجَابُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّ مِنْهُ مَا يَصْدَأُ وَمِنْهُ مَا لَا يَصْدَأُ وَيُقَالُ الَّذِي يُخَالِطُهُ غَيْرُهُ يَصْدَأُ وَالْخَالِصُ لَا يَصْدَأُ (السَّادِسَةُ) يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ الْحَرِيرِ وَالتَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ وَبِالذَّهَبِ بِالْإِجْمَاعِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَهَلْ يَجُوزُ لَهُنَّ الْجُلُوسُ عَلَى الْحَرِيرِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ وَجْهًا وَاحِدًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كُتُبِهِمْ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْهُمْ وَقَطَعَ بِهِ الْمُتَوَلِّي مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " حِلٌّ لِإِنَاثِهَا "(وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُمْ التَّحْرِيمُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أبو عمر لِأَنَّهُ أُبِيحَ لَهُنَّ لُبْسُهُ لِلتَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا وَالْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ الْجَوَازُ لِلْحَدِيثِ وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ إبَاحَتَهُ لِمُجَرَّدِ التَّزَيُّنِ لِلزَّوْجِ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاخْتَصَّ بِذَاتِ الزَّوْجِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ
* (فَرْعٌ)
كُلُّ حُلِيٍّ حَرَّمْنَاهُ على الرجل حرمناه علي الخنثى المشكل وكذلك الْحَرِيرُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الْقَاضِي أَبُو الْفَتْحِ وَصَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالْبَيَانِ والرافعي وغيرهم واشار المتولي الا انه يجوز لُبْسُ حُلِيِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِأَنَّهُ كَانَ لَهُ لُبْسُهُمَا فِي الصِّغَرِ فَيَبْقَى وَحُكِيَ فِي إبَاحَتِهِ الْحَرِيرَ لَهُ احْتِمَالٌ وَقِيَاسُ الْمُتَوَلِّي جَوَازُهُ وَالْمَذْهَبُ التحريم فيهما
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُ أَنْوَاعِ الْحُلِيِّ كُلِّهَا مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَاتَمِ وَالْحَلْقَةِ وَالسِّوَارِ وَالْخَلْخَالِ وَالطَّوْقِ وَالْعِقْدِ وَالتَّعَاوِيذِ وَالْقَلَائِدِ وَغَيْرِهَا وَفِي جَوَازِ لُبْسِهِنَّ نِعَالَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ كَسَائِرِ الْمَلْبُوسَاتِ (وَالثَّانِي) التَّحْرِيمُ لِلْإِسْرَافِ وَأَمَّا التَّاجُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ جَرَتْ عَادَةُ النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَإِلَّا حَرُمَ لِأَنَّهُ شِعَارُ عُظَمَاءِ الرُّومِ قَالَ وَكَأَنَّ مَعْنَى هَذَا أَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِعَادَةِ أَهْلِ النواحى فحيث جرت عادت النِّسَاءِ بِلُبْسِهِ جَازَ وَحَيْثُ لَمْ يَجْرِ حَرُمَ حِذَارًا مِنْ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ هَذَا نَقْلُ الرَّافِعِيِّ والمختار بل الصواب الجواز من غير ترديد لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَلِدُخُولِهِ فِي اسْمِ الْحُلِيِّ وَفِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الَّتِي تُثْقَبُ وَتُجْعَلُ فِي الْقِلَادَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ وَقَالَ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ عَلَيْهِنَّ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ لِدُخُولِهِمَا فِي اسْمِ الْحُلِيِّ قَالَ وَفِي لُبْسِ الثِّيَابِ الْمَنْسُوجَةِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ قُلْتُ الصَّوَابُ الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ قَالَ وَذَكَرَ ابْنُ عَبْدَانَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُنَّ اتِّخَاذُ زِرِّ الْقَمِيصِ وَالْجُبَّةِ والفرجية منهما قال الرافعى ولعله تَفْرِيعٌ عَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ فِي لُبْسِ الْمَنْسُوجِ بِهِمَا قُلْتُ الصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ وَمَا سِوَاهُ بَاطِلٌ قَالَ ثُمَّ كُلُّ حُلِيٍّ أُبِيحَ لِلنِّسَاءِ فلذلك إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ سَرَفٌ ظَاهِرٌ فَإِنْ كَانَ كَخَلْخَالٍ وَزْنُهُ مِائَتَا دِينَارٍ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْعِرَاقِيِّينَ التَّحْرِيمُ وَمِمَّنْ حَكَى الْوَجْهَيْنِ فِيهِ الْبَغَوِيّ وَوَجْهُ التَّحْرِيمِ أَنَّهُ لَيْسَ بِزِينَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ قَيْدٌ وَإِنَّمَا تُبَاحُ الزِّينَةُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ فَأَشْبَهَ اتِّخَاذَ عَدَدٍ مِنْ الْخَلَاخِيلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِثْلُهُ إسْرَافُ الرَّجُلِ فِي آلَاتِ الْحَرْبِ قَالَ ولو اتخذ الرجل خواتيم كثيرة والمرأة خلاليل كثيرة لتلبس الواحدة مِنْهَا بَعْدَ الْوَاحِدِ جَازَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ فِي الثَّقِيلِ وليس بشئ
*
(فَصْلٌ)
فِي التَّحَلِّي بِالْفِضَّةِ
* عَادَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ ذِكْرُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى بَعْضٍ مِنْهُ هُنَاكَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ أن هذا الباب أنسب به لاسيما وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
فِيهِ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ خَاتَمُ الْفِضَّةِ بِالْإِجْمَاعِ وَأَمَّا مَا سِوَاهُ مِنْ حُلِيِّ الْفِضَّةِ كَالسِّوَارِ
وَالْمُدَمْلَجِ وَالطَّوْقِ وَنَحْوِهَا فَقَطَعَ الْجُمْهُورُ بِتَحْرِيمِهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْفَتَاوَى يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْفِضَّةِ إلَّا تَحْرِيمُ الْأَوَانِي وَتَحْرِيمُ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ فِي هَذَا تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ وَهُوَ حَرَامٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالْفِضَّةِ كَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَأَطْرَافِ السِّهَامِ وَالدِّرْعِ وَالْمِنْطَقَةِ والرانين والخفين وغيرها لان فيه ارعاب الْعَدُوِّ وَفِي تَحْلِيَةِ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالشَّفْرِ بِالْفِضَّةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ وَمُوسَى بْنِ أَبِي الْجَارُودِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأَجْرَوْا هَذَا الْخِلَافَ فِي الرِّكَابِ وَبَرَّةِ النَّاقَةِ مِنْ الْفِضَّةِ قَالَ وَقَطَعَ كَثِيرُونَ بِتَحْرِيمِ قِلَادَةِ الدَّابَّةِ مِنْ فِضَّةٍ وَاتَّفَقُوا علي انه لا يجوز تحلية شئ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ بِذَهَبٍ قَالَ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ تَحْلِيَةُ آلَاتِ الْحَرْبِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ فِي اسْتِعْمَالِهِنَّ ذَلِكَ تَشَبُّهًا بِالرِّجَالِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِنَّ التَّشَبُّهُ كَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاعْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ بِأَنَّ آلَاتِ الْحَرْبِ إنْ قُلْتُمْ يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ لُبْسُهَا بِلَا تَحْلِيَةٍ جَازَ مَعَ التَّحْلِيَةِ لِأَنَّهَا حَلَالٌ لَهُنَّ وَإِنْ قُلْتُمْ لَا يَجُوزُ بِلَا تَحْلِيَةٍ لِلتَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّ التَّشَبُّهَ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَلَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ فَلَمْ يُحَرِّمْ زِيَّ النِّسَاءِ عَلَى الرِّجَالِ بَلْ كَرِهَهُ فَكَذَا عَكْسُهُ وَلِأَنَّ الْمُحَارَبَةَ جَائِزَةٌ لِلنِّسَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَفِي جَوَازِهَا جَوَازُ لُبْسِ آلَاتِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُعْتَمَدِ هُوَ الْحَقُّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَيْسَ كَمَا قَالَا بَلْ الصَّوَابُ أَنَّ تَشَبُّهَ الرِّجَالِ
بِالنِّسَاءِ وَعَكْسَهُ حَرَامٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " لَعَنْ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهِينَ بِالنِّسَاءِ مِنْ الرِّجَالِ وَالْمُتَشَبِّهَات مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " وَأَمَّا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِهَذَا لِأَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ زِيِّ النِّسَاءِ لَا أَنَّهُ زِيٌّ لَهُنَّ مُخْتَصٌّ بِهِنَّ لَازِمٌ فِي حَقِّهِنَّ
* (فَرْعٌ)
فِي اسْتِعْمَالِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي غَيْرِ اللُّبْسِ: أَمَّا الْأَوَانِي مِنْهَا فَحَرَامٌ وَسَبَقَتْ تَفَارِيعُهُ فِي بَابِ الْآنِيَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ الْأَوَانِي مِنْ الْيَاقُوتِ وَسَائِرِ الْجَوَاهِرِ النَّفِيسَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا سَبَقَ وَلَوْ حَلَّى شَاةً أو عزالا أَوْ دَجَاجَةً أَوْ غَيْرَهَا بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ وَفِي تَحْلِيَةِ سَكَاكِينِ الْمِهْنَةِ
وَسِكِّينِ الْمُقَلَّمَةِ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ آلَةَ حَرْبٍ (وَالثَّانِي) الْجَوَازُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لِبَاسًا وَالْمَذْهَبُ تَحْرِيمُهَا عَلَى النِّسَاءِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ الْوَجْهَانِ كالرجل حكاه الرافعى وغير وَفِي تَحْلِيَةِ الْمُصْحَفِ بِالْفِضَّةِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَفِي حَرْمَلَةَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْجَدِيدِ إكْرَامًا لِلْمُصْحَفِ
(وَالثَّانِي)
التَّحْرِيمُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي سِيَرِ الْوَاقِدِيِّ مِنْ الْجَدِيدِ وَفِي تَحْلِيَتِهِ بِالذَّهَبِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الْأَصَحُّ) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ جَوَازُهُ فِي مُصْحَفِ المرأة وتحريمه في مصحف الرجل
(والثانى)
جَوَازُهُ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) تَحْرِيمُهُ مُطْلَقًا (وَالرَّابِعُ) تَجُوزُ حِلْيَةُ نَفْسِ الْمُصْحَفِ دُونَ غِلَافِهِ الْمُنْفَصِلِ عَنْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ سَائِرِ الْكُتُبِ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَحَرَامٌ بِالِاتِّفَاقِ وَأَمَّا تَحْلِيَةُ الدَّوَاةِ وَالْمِقْلَمَةِ وَالْمِقْرَاضِ بِالْفِضَّةِ فَحَرَامٌ عَلَى الْأَصَحِّ وَأَشَارَ الْغَزَالِيُّ إلَى طَرْدِ خِلَافٍ فِي سَائِرِ الْكُتُبِ وَفِي تَحْلِيَةِ الْكَعْبَةِ وَالْمَسَاجِدِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَعْلِيقِ قَنَادِيلِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّحْرِيمُ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ مَعَ أَنَّهُ سَرَفٌ
(وَالثَّانِي)
الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ سَتْرُ الْكَعْبَةِ بِالدِّيبَاجِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكُلُّ حُلِيٍّ حُلَّ لِبَعْضِ النَّاسِ اسْتِعْمَالُهُ اسْتَحَقَّ صَانِعُهُ الْأُجْرَةَ وَوَجَبَ عَلَى كَاسِرِهِ أَرْشُهَا وَمَا لَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ فَحُكْمُ صَنْعَتِهِ حُكْمُ صَنْعَةِ الْإِنَاءِ وَقَدْ سَبَقَ وَجْهَانِ
فِي بَابِ الْآنِيَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا أُجْرَةَ وَلَا أَرْشَ
(وَالثَّانِي)
ثُبُوتُهُمَا وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى جَوَازِ اتِّخَاذِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَيَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ جِلْدَ مَا سِوَى الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَدْبُوغًا فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْبُوغٍ فَالْمَنْعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ لِلنَّجَاسَةِ وَلَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ وَالْأَدَاةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَلَا يَجُوزُ ان يستعمله في شئ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِلْحَاجَةِ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إلَّا كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ " وَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَلَمْ يَحِلَّ)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ هَكَذَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِمَا قِيرَاطٌ وَفِي أَكْثَرِهَا قِيرَاطَانِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّحِيحِ كَلْبُ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ أَوْ مَاشِيَةٍ وَيُنْكَرُ
عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ وَالْكَلْبُ لَا يَحِلُّ إلَّا لِحَاجَةٍ وَهِيَ الصَّيْدُ وَحِفْظُ الْمَاشِيَةِ مَعَ أَنَّهُ يَحِلُّ لِلزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ وَيَحِلُّ أَيْضًا لِحِفْظِ الدُّرُوبِ وَالدُّورِ وَنَحْوِهَا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ كُلَّ هَذَا فِي أَوَّلِ بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الصَّيْدَ وَالْمَاشِيَةَ وَنَحْوَهُمَا وَأَهْمَلَ اسْتِيفَاءَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ سَيَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ (وَقَوْلُهُ) وَأَدَاتُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبِدَالٍ مُهْمَلَةٍ - وَهِيَ الْآلَةُ (وَقَوْلُهُ) لَا تَعَبُّدَ عَلَى الدَّابَّةِ أَيْ لَيْسَتْ مُكَلَّفَةً
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ لِلشَّافِعِيِّ نُصُوصٌ مُخْتَلِفَةٌ فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِ الْأَعْيَانِ النَّجِسَةِ فَقِيلَ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ اسْتِعْمَالِهَا كُلِّهَا قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَأَبُو بَكْرٍ الْفَارِسِيُّ وَالْقَفَّالُ وَأَصْحَابُهُ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يجوز استعمال شئ مِنْهَا فِي ثَوْبٍ أَوْ بَدَنٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَيَجُوزُ فِي غَيْرِهِمَا إنْ كَانَتْ نَجَاسَةً مُخَفَّفَةً وَهِيَ غَيْرُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ كَانَتْ مُغَلَّظَةً وَهِيَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْفَرَعِ لم يجز فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لُبْسُ جِلْدِ الْكَلْبِ وَلَا الْخِنْزِيرِ وَلَا فَرَعِ أَحَدِهِمَا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّ الْخِنْزِيرَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَيَاتِهِ بِحَالٍ وَكَذَا الْكَلْبُ إلَّا لِمَقَاصِدَ مَخْصُوصَةٍ فَبَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْلَى وَيَجُوزُ طَلْيُ السُّفُنِ بِشَحْمِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا دَهْنُ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْمُتَنَجِّسَةِ فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَنَحْوِهَا وَإِنْ فَاجَأَتْهُ حَرْبٌ أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَ جِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ جَازَ لُبْسُهُ لِلضَّرُورَةِ وَأَمَّا جِلْدُ الْمَيْتَةِ مِنْ شَاةٍ وَبَقَرَةٍ وسائر
الْحَيَوَانِ غَيْرِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَفَرَعِ أَحَدِهِمَا وَغَيْرِ الْآدَمِيِّ فَلَا يَحِلُّ لُبْسُهُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَمَّا جِلْدُ الْآدَمِيِّ وَالثَّوْبُ الْمُتَّخَذُ مِنْ شَعْرِهِ فَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ بِاللُّبْسِ وَبِغَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي باب الا نية وَأَمَّا الْجُلُودُ الطَّاهِرَةُ فَيَجُوزُ لُبْسُهَا بِالْإِجْمَاعِ وَالنُّصُوصِ لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي لُبْسُ غَيْرِ الْجُلُودِ أَوْلَى مِنْ لُبْسِهَا قَالَا " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِنَزْعِ الْخِفَافِ وَالْفِرَاءِ عَنْ شُهَدَاءِ أُحُدٍ دُونَ سَائِرِ ثِيَابِهِمْ " وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ فيه نظر هذا حُكْمُ اسْتِعْمَالِ الثِّيَابِ النَّجِسَةِ فِي الْبَدَنِ
فَأَمَّا إذَا أَلْبَسَ دَابَّتَهُ وَأَدَاتَهُ وَنَحْوَهُمَا جِلْدًا نَجِسًا فَإِنْ كَانَ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ فَرَعَ أَحَدِهِمَا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ
لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَ جِلْدَ غَيْرِهِمَا وَغَيْرِ آدَمِيٍّ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ جَوَازُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَلَوْ جَلَّلَ كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بِجِلْدِ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يَجُوزُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي غِلَظِ النَّجَاسَةِ هَكَذَا أَطْلَقُوهُمَا وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ تَجْلِيلُ كَلْبٍ يَجُوزُ اقْتِنَاؤُهُ وَخِنْزِيرٍ لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ خِلَافًا وَتَفْصِيلًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي كِتَابِ السِّيَرِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ تَسْمِيدُ الْأَرْضِ بِالزَّبْلِ النَّجِسِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْهُ أَحَدٌ وَفِي كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ مَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِيهِ وَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ مَعَ الْكَرَاهَةِ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ الِاسْتِصْبَاحُ بِالدُّهْنِ النَّجِسِ سَوَاءٌ كَانَ نَجِسَ الْعَيْنِ كَوَدَكِ الْمَيْتَةِ أَوْ كَانَ مُتَنَجِّسًا بِعَارِضٍ كَزَيْتٍ وَشَيْرَجٍ وَسَمْنٍ أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلًا وَبَعْضُهُمْ يَحْكِيهِ وَجْهًا أَنَّهُ يَحْرُمُ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ لَكِنْ يُكْرَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ مَا يَجُوزُ بَيْعُهُ وَذَكَرَ هُنَاكَ اقْتِنَاءَ الْكَلْبِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَاخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْرِيمِ أَكْلِ النَّجِسِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِعْمَالِ الْأَدْهَانِ النَّجِسَةِ وَغَيْرِهَا فِي غَيْرِ الْأَكْلِ وَفِي غَيْرِ الْبَدَنِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الصَّحِيحَ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِالدُّهْنِ الْمُتَنَجَّسِ وَشَحْمِ الْمَيْتَةِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ وَدَهْنِ السُّفُنِ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ هَذَا الدُّهْنِ الصَّابُونَ فَيَسْتَعْمِلَهُ وَلَا يَبِيعَهُ وَلَهُ إطْعَامُ الْعَسَلِ الْمُتَنَجَّسِ لِلنَّحْلِ وَالْمَيْتَةِ لِلْكِلَابِ وَالطُّيُورِ الصَّائِدَةِ وَغَيْرِهَا وَإِطْعَامُ الطَّعَامِ الْمُتَنَجَّسِ لِلدَّوَابِّ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ فِي غَيْرِ شَحْمِ الْمَيْتَةِ وَمَنَعُوا شَحْمَ الْمَيْتَةِ وَقَالَ أَحْمَدُ بن حنبل واحمد بن صالح والماجشون المالكي لا يجوز شئ مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْجَمِيعَ بِدَلَائِلِهِ فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي بَابِ تَحْرِيمِ بيع الميتة
*
(فَصْلٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بالباب (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لُبْسُ ثِيَابِ الْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ وَالصُّوفِ
وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَإِنْ كَانَتْ نَفِيسَةَ الْأَثْمَانِ لِأَنَّ نَفَاسَتَهَا بِالصَّنْعَةِ لَا فِي جِنْسِهَا بِخِلَافِ الْحَرِيرِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لُبْسُ الْخَزِّ بِالِاتِّفَاقِ وَهُوَ حَرِيرٌ وَصُوفٌ لَكِنَّ حَرِيرَهُ مُسْتَتِرٌ وَأَقَلُّ وَزْنًا (الثَّانِيَةُ) الْقَزُّ كَالْحَرِيرِ فَيَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُهُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وحكى المتولي فيه وجهان وَهُوَ شَاذٌّ (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الثَّوْبِ الْمُزَعْفَرِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله
نَهَى الرَّجُلَ عَنْ الْمُزَعْفَرِ وَأَبَاحَ لَهُ الْمُعَصْفَرَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ فِي فَصْلِ النَّهْيِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّمَا أَرْخَصْتُ فِي الْمُعَصْفَرِ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدًا يَحْكِي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّهْيَ عَنْهُ إلَّا مَا قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه نَهَانِي وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ يَعْنِي حَدِيثَ عَلِيٍّ " نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَقُولُ نَهَاكُمْ عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ وَلِبَاسِ الْمُعَصْفَرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَثَبَتَ مَا دَلَّ عَلَى النَّهْيِ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " رَآنِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى ثَوْبَانِ مُعَصْفَرَانِ فَقَالَ هَذِهِ ثِيَابُ الْكُفَّارِ فَلَا تَلْبَسْهَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ ثُمَّ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رِوَايَاتٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَلَى الْعُمُومِ عَنْ الْمُعَصْفَرِ ثُمَّ قَالَ وَفِي كُلِّ هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ نَهْيَ الرِّجَالِ عَنْ لُبْسِهِ عَلَى الْعُمُومِ قَالَ وَلَوْ بَلَغَ الشَّافِعِيُّ لَقَالَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ
مَا هُوَ مَشْهُورٌ صَحِيحٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ قَالَ كُلُّ مَا قُلْتُ وَكَانَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خِلَافُهُ مِمَّا يَصِحُّ فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى وَلَا تُقَلِّدُونِي قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيَنْهَى الرَّجُلَ حَلَالًا بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يُزَعْفِرَ وَيَأْمُرُهُ إذَا تَزَعْفَرَ بِغَسْلِهِ عَنْهُ قَالَ فَيَتَّبِعُ السُّنَّةَ فِي الْمُزَعْفَرِ فَمُتَابَعَتُهَا فِي الْمُعَصْفَرِ أَوْلَى بِهِ
وَقَدْ كَرِهَ الْمُعَصْفَرَ يَعْنِي بَعْضَ السَّلَفِ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَلِيمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ وَرَخَّصَ فِيهِ جَمَاعَةٌ وَالسُّنَّةُ أَلْزَمُ (الرَّابِعَةُ) يَجُوزُ لُبْسُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ وَالْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَالْأَخْضَرِ وَالْمُخَطَّطِ وَغَيْرِهَا مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ وَلَا خِلَافَ في هذا ولا كراهة في شئ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ سُمْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَدَلِيلُ جَوَازِ الْأَحْمَرِ وَغَيْرِهِ مَعَ الْإِجْمَاعِ حَدِيثُ الْبَرَاءِ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَرَوَى أَيْضًا مِثْلَهُ مِنْ رِوَايَةِ ابي حنيفة وعن ابي رمثة " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ ثَوْبَانِ أَصْفَرَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ جَابِرٍ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " رواه مسلم وعن عمر بن حرب قَالَ " كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ قَدْ أَرْخَى طَرَفَهَا بَيْنَ كَتِفَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سوداء " وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ غَدَاةٍ وَعَلَيْهِ مِرْطٌ
مُرَحَّلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْمِرْطُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - كِسَاءٌ الْمُرَحَّلُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - الَّذِي فِيهِ صُورَةُ رِحَالِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْأَكْوَارُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ الْمُغِيرَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَبِسَ جُبَّةً شَامِيَّةً مِنْ صُوفٍ ضَيِّقَةَ الْكُمَّيْنِ وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ أَحَبَّ الثِّيَابِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحِبَرَةُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ الْحِبَرَةُ بُرْدٌ مُخَطَّطٌ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ وَيَكُونُ أَحْمَرَ غالبا (الخامس) يُسْتَحَبُّ تَرْكُ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ تَوَاضُعًا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَوَسَّطَ فِيهِ وَلَا يَقْتَصِرَ عَلَى مَا يُزْدَرَى بِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ وَلَا مَقْصُودٍ شَرْعِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ يُكْرَهُ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخَشِنَةِ الا لغرض مع الاستغناء والمختار ما قدمناه ومما يَدُلُّ لِلطَّرَفَيْنِ حَدِيثُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ تَعَالَى وَهُوَ
يَقْدِرُ عَلَيْهِ دَعَاهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ علي رؤوس الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الْإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وعن عمر بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ) لَوْ بَسَطَ فَوْقَ ثَوْبِ الْحَرِيرِ ثَوْبَ قُطْنٍ وَجَلَسَ عَلَيْهِ جَازَ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ كَمَا لَوْ حَشَا الْجُبَّةَ وَالْمِخَدَّةَ بِهِ وكما لو بسط علي النجاسة ثوب وَكَذَا لَوْ جَلَسَ عَلَى جُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ بِهِ (السَّابِعَةُ) يَحْرُمُ إطَالَةُ الثَّوْبِ وَالْإِزَارِ وَالسَّرَاوِيلِ عَلَى الْكَعْبَيْنِ لِلْخُيَلَاءِ وَيُكْرَهُ لِغَيْرِ الْخُيَلَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ
وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من جر وبه خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه " يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ إزَارِي يَسْتَرْخِي إلَّا أَنْ أَتَعَاهَدَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّك لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَرَوَى مُسْلِمٌ بَعْضَهُ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَنْظُرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَرًا " وَفِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ مِنْ الْإِزَارِ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
عن أبي سعد عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إزْرَةُ الْمُسْلِمِ إلَى نِصْفِ السَّاقِ وَلَا حَرَجَ أَوْ لَا جُنَاحَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَيْنِ مَا كَانَ أَسْفَلَ الْكَعْبَيْنِ فَهُوَ فِي النَّارِ " وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْصَرِفَ وَيَتَوَضَّأَ وَقَالَ إنَّهُ كَانَ يُصَلِّي مُسْبِلًا إزَارَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ صَلَاةَ رَجُلٍ مُسْبِلٍ " وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ وَجَمَعْتُ مِنْهَا جُمْلَةً صَحِيحَةً
* (فَرْعٌ)
الْإِسْبَالُ فِي الْعِمَامَةِ هُوَ إرْسَالُ طَرَفِهَا إرْسَالًا فَاحِشًا كَإِسْبَالِ الثَّوْبِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْإِسْبَالُ فِي الْإِزَارِ وَالْقَمِيصِ والعمامة من جر شيثا خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْكُمِّ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها
قَالَتْ " كَانَ كُمُّ قميص رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الرُّسْغِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لُبْسُ الْعِمَامَةِ بِإِرْسَالِ طَرَفِهَا وَبِغَيْرِ إرْسَالِهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنْ تَرْكِ ارسالها شئ وَصَحَّ فِي الْإِرْخَاءِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الرابعة
*
(فَرْعٌ)
لِلْمَرْأَةِ إرْسَالُ الثَّوْبِ عَلَى الْأَرْضِ لِحَدِيثِ ابن عمر " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ تَصْنَعُ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ
ترخين شيرا قالت إذا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَتُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا تَزِدْنَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
*
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ لَبِسَ ثَوْبًا جَدِيدًا أَوْ نَعْلًا أَوْ نَحْوَهُ أَنْ يَقُولَ مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا اسْتَجَدَّ ثَوْبًا سَمَّاهُ باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا يقول اللهم
لَك الْحَمْدُ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وَخَيْرَ ما صنع له وأعوذ بك من شره وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْدَأَ فِي لُبْسِ الثَّوْبِ وَالسَّرَاوِيلِ وَالنَّعْلِ وَالْخُفِّ وغيرهما بِالْيَمِينِ وَيَخْلَعَ بِالْيَسَارِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلَائِلِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ فِي غَسْلِ الْيَدَيْنِ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي تَهْذِيبِهِ يَحْرُمُ تَنْجِيدُ الْبُيُوتِ بِالثِّيَابِ الْمُصَوَّرَةِ وَغَيْرِهَا سَوَاءٌ الْحَرِيرُ وَغَيْرُهُ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ تَسْتِيرِ الْجِلْدِ وَإِطْلَاقُهُ التَّحْرِيمَ فِي غَيْرِ الْمُصَوَّرَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَرِيرِ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ قَالَتْ " أَخَذْت نَمَطًا فَسَتَرْتُهُ عَلَى الْبَابِ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى النَّمَطَ عَرَفْتُ الكراهية في وجهه فجذبه حتى هبله أَوْ قَطَعَهُ وَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَأْمُرْنَا أَنْ نَكْسُوَ الْحِجَارَةَ وَالطِّينَ "
فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ هَذَا النَّمَطَ كَانَ فِيهِ صُورَةُ الْخَيْلِ وَغَيْرِهَا وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي بَاقِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ فِي مُسْلِمٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَيْسَ فِي حَقِيقَةِ اللَّفْظِ تَصْرِيحٌ بِتَحْرِيمِهِ بَلْ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ بِهِ وَهَذَا انما يقتضي
أَنَّهُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا مَنْدُوبٍ (الْعَاشِرَةُ) يَجُوزُ للرجل لبس خاتم الفضة في خنصره بمينه وَإِنْ شَاءَ فِي خِنْصَرِ يَسَارِهِ كِلَاهُمَا صَحَّ فِعْلُهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّ الصَّحِيحَ الْمَشْهُورَ أَنَّهُ فِي الْيَمِينِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَالْيَمِينُ أَشْرَفُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ فِي الْيَسَارِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْيَمِينَ صَارَ شِعَارَ الرَّوَافِضِ فَرُبَّمَا نُسِبَ إلَيْهِمْ هَذَا كَلَامُهُ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْبَيَانِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَلَيْسَ هُوَ فِي مُعْظَمِ الْبُلْدَانِ شِعَارًا لَهُمْ وَلَوْ كَانَ شِعَارًا لَمَا تُرِكَتْ الْيَمِينُ وَكَيْفَ تُتْرَكُ السُّنَنُ لِكَوْنِ طَائِفَةٍ مُبْتَدِعَةٍ تَفْعَلُهَا وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَتَخَتَّمُ فِي يَسَارِهِ
وَبِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ تَخَتَّمَ فِي يَمِينِهِ وَيَجُوزُ الْخَاتَمُ بِفَصٍّ وَبِلَا فَصٍّ وَيَجْعَلُ الْفَصَّ مِنْ بَاطِنِ كَفِّهِ أَوْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنُهَا أَفْضَلُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَيَجُوزُ نَقْشُهُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَفِي الصَّحِيحَيْنِ " كَانَ نَقْشُ خَاتَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَلَا كَرَاهَةَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَمَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَكَرِهَهُ ابْنُ سِيرِينَ وَبَعْضُهُمْ لِخَوْفِ امْتِهَانِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ وَلِفِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ إصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَلَهُ أَنْ يَنْقُشَ فِيهِ اسْمَ نَفْسِهِ أَوْ كَلِمَةَ حِكْمَةٍ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ لِلرَّجُلِ جَعْلُ خَاتَمِهِ فِي خِنْصَرِهِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " نَهَانِي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَجْعَلَ خَاتَمِي فِي هَذِهِ أَوْ الَّتِي تَلِيهَا " وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى " فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ " وَأَشَارَ الرَّاوِي إلَى الْوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي
دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي هَذِهِ أَوْ هَذِهِ السَّبَّابَةُ وَالْوُسْطَى قَالَ شَكَّ فِيهِ الرَّاوِي
* (فَرْعٌ)
يُبَاحُ لِلْمَرْأَةِ الْمُزَوَّجَةِ وَغَيْرِهَا لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ كَمَا يَجُوزُ لَهَا خَاتَمُ الذَّهَبِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَا كَرَاهَةَ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ يُكْرَهُ لَهَا خَاتَمُ الْفِضَّةِ لِأَنَّهُ مِنْ شِعَارِ الرِّجَالِ قَالَ فَإِنْ لَمْ
تَجِدْ خَاتَمَ ذَهَبٍ فَلْتُصَفِّرْهُ بِزَعْفَرَانٍ وَشِبْهِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَالصَّوَابُ أَنْ لَا كَرَاهَةَ عَلَيْهَا
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ لُبْسُ خَاتَمِ الْفِضَّةِ سَوَاءٌ مَنْ لَهُ وِلَايَةٌ وَغَيْرُهَا وَهَذَا مَجْمَعٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ عُلَمَاءِ الشَّامِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ كَرَاهَةِ لُبْسِهِ لِغَيْرِ ذِي سُلْطَانٍ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَقَدْ نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ (الْحَادِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ
مِنْ حَدِيدٍ أَوْ شَبَهٍ بِفَتْحِ الشِّين وَالْبَاءِ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ النُّحَاسِ وَتَابَعَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَقَالَ يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ أَوْ نُحَاسٍ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه " أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ شَبَهٍ قَالَ مَالِي أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ الْأَصْنَامِ فَطَرَحَهُ ثُمَّ جَاءَ وَعَلَيْهِ خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ فَقَالَ مَالِي أَرَى عَلَيْكَ حُلَّةَ أَهْلِ النَّارِ فَطَرَحَهُ فَقَالَ يا رسول الله من أي شئ أَتَّخِذُهُ فَقَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ وَرِقٍ وَلَا تُتِمَّهُ مِثْقَالًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ لَا يُكْرَهُ الْخَاتَمُ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ لِلْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلَّذِي خَطَبَ الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا " اُطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ " قَالَ وَلَوْ كَانَ فِيهِ كَرَاهَةٌ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ بِهِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ مُعَيْقِيبٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَكَانَ عَلَى خَاتَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كَانَ خاتم النبي
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيدٍ مَلْوِيٌّ عَلَيْهِ فِضَّةٌ " فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَ الْأَوَّلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ إنَّمَا قَالَ " أَجِدُ رِيحَ الْأَصْنَامِ " لِأَنَّهَا كَانَتْ تُتَّخَذُ مِنْ الشَّبَهِ قَالَ وَأَمَّا الْحَدِيدُ فَقِيلَ كَرِهَهُ لِسَهُوكَةِ رِيحِهِ قَالَ وَقِيلَ لِأَنَّهُ زِيُّ بَعْضِ الْكُفَّارِ وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ (الثَّانِيَةَ عَشَرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَا أَكْرَهُ لِلرَّجُلِ لُبْسَ اللُّؤْلُؤِ إلَّا لِلْأَدَبِ وَأَنَّهُ مِنْ زِيِّ النِّسَاءِ لَا لِلتَّحْرِيمِ وَلَا أَكْرَهُ لُبْسَ يَاقُوتٍ أَوْ زَبَرْجَدٍ إلَّا مِنْ جِهَةِ السَّرَفِ وَالْخُيَلَاءِ هَذَا نَصُّهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ (الثَّالِثَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ أَوْ خُفٍّ وَاحِدٍ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ عُذْرٍ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْإِبَانَةِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي النَّعْلِ الْوَاحِدَةِ لِيُنْعِلْهُمَا جميعا أو ليخلعهما جميعا " وفى رواية ليخفهما جَمِيعًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " إذَا انْقَطَعَ شِسْعُ نَعْلِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَمْشِي فِي الْأُخْرَى حَتَّى يُصْلِحَهَا (الرَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ النَّعْلَ وَالْخُفَّ وَنَحْوَهُمَا قَائِمًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَنْتَعِلَ الرَّجُلُ قَائِمًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ سَبَبُ النَّهْيِ خَوْفُ انْقِلَابِهِ إذَا انْتَعَلَ قَائِمًا فَأُمِرَ بِالْقُعُودِ لِأَنَّهُ أَسْهَلُ وَأَعْوَنُ وَأَسْلَمُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ قَالَ وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ عَنْ الْمَشْيِ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ لِبَاسٍ شَفْعٍ كَالْخُفَّيْنِ وَإِدْخَالِ الْيَدَيْنِ فِي الْكُمَّيْنِ قَالَ فَيُكْرَهُ أَنْ يُدْخِلَ يَدًا فِي كُمِّهِ وَيُخْرِجَ أُخْرَى لِاشْتِرَاكِ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ قَدْ يَشُقُّ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِي الْأُمِّ لَا يُوَافَقُ عَلَيْهِ (الْخَامِسَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ تَعْلِيقُ الْجَرَسِ فِي الْبَعِيرِ وَالنَّعْلِ وَغَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَا تَصْحَبُ الملائكة رفقة فيها كلب أو جرس " رواه مُسْلِمٌ وَعَنْهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " الْجَرَسُ مِزْمَارُ الشَّيْطَانِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مسلم وعن بنابه - بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ - أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَدُخِلَ عليها بجارية عليها جلاجل تصوت فقال لا تدخلنها عَلَيَّ إلَّا أَنْ تَقْطَعُوا جَلَاجِلَهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ جَرَسٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (السَّادِسَةَ عَشَرَةَ) يُسْتَحَبُّ غَسْلُ الثَّوْبِ إذَا تَوَسَّخَ وَإِصْلَاحُ الشَّعْرِ إذَا شَعِثَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى رَجُلًا شَعِثًا قَدْ تَفَرَّقَ شَعْرُهُ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَا يُسَكِّنُ بِهِ شَعْرَهُ وَرَأَى رَجُلًا عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ فَقَالَ أَمَا كَانَ هَذَا يَجِدُ مَاءً يَغْسِلُ بِهِ ثَوْبَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (السَّابِعَةَ عَشَرَةَ) يُكْرَهُ اشْتِمَالُ الصَّمَّاءِ وَاشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَسَبَقَ تَفْسِيرُهُمَا فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (الثَّامِنَةَ عَشَرَةَ) يَحْرُمُ وَصْلُ الشَّعْرِ
والوسم والوشر سبق بَيَانُهُ وَتَفْصِيلُهُ وَتَعْرِيفُهُ فِي بَابِ طَهَارَةِ الْبَدَنِ وَيَحْرُمُ التَّصْوِيرُ بِصُوَرِ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ وَاِتِّخَاذُ الصُّوَرِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ وَتَفْرِيعُهُ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُكْرَهُ الْقَزَعُ وَسَبَقَ فِي بَابِ السِّوَاكِ (التَّاسِعَةَ عَشَرَةَ) يَجُوزُ لُبْسُ الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالْفَرْجِيَّةِ وَنَحْوِهَا
مُزَرَّرًا وَمَحْلُولَ الْأَزْرَارِ إذَا لَمْ تَبْدُ عَوْرَتُهُ وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَدِيثِ عُرْوَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قُرَّةَ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَهْطٍ فَبَايَعْنَاهُ وَإِنَّ قَمِيصَهُ لَمُطْلَقٌ ثُمَّ أَدْخَلْتُ يَدِي فِي جَيْبِ الْقَمِيصِ فَنَسِيتُ الْخَاتَمَ فَقَالَ عُرْوَةُ فَمَا رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ وَلَا ابْنَهُ قَطُّ إلَّا مُطْلِقَيْ أَزْرَارِهِمَا فِي شِتَاءٍ وَلَا حَرٍّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِمَا وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الْعِشْرُونَ) الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَتَشَبَّهَ بِالْمَرْأَةِ فِي اللِّبَاسِ وَغَيْرِهِ وَيَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَشَبَّهَ بِالرَّجُلِ فِي ذَلِكَ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي هَذَا الْبَابِ
وَذَكَرْنَا كَلَامَ صَاحِبِ الْمُعْتَمَدِ فِيهَا وَدَعْوَاهُ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَرَدَدْنَاهُ عَلَيْهِ وَمِمَّا اسْتَدَلُّوا بِهِ لِلتَّحْرِيمِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُتَشَبِّهِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ وَالْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَ يَلْبَسُ لُبْسَةَ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لُبْسَةَ الرَّجُلِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ أَبِي مليكة قال " قيل لعائشة أن امرأة تَلْبَسُ النَّعْلَ فَقَالَتْ لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلَةَ مِنْ النِّسَاءِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ
مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى كَاسِيَاتٍ أَيْ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَارِيَّاتٍ مِنْ شُكْرِهَا وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَسْتُرُ بَعْضَ بَدَنِهَا وَتَكْشِفُ بَعْضَهُ إظْهَارًا لِجَمَالِهَا وَنَحْوِهِ وَقِيلَ تَلْبَسُ ثَوْبًا رَقِيقًا يَصِفُ لَوْنَ بَدَنِهَا وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَمَعْنَى مَائِلَاتٍ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ وَمَا يَلْزَمُهُنَّ حِفْظُهُ مُمِيلَاتٍ أَيْ يُعَلِّمْنَ غَيْرَهُنَّ فِعْلَهُنَّ الْمَذْمُومَ وَقِيلَ يَمْشِينَ مُتَبَخْتِرَاتٍ مُمِيلَاتٍ لِأَكْتَافِهِنَّ وَقِيلَ مَائِلَاتٌ يتمشطن الْمِشْطَةَ الْمَيْلَاءَ وَهِيَ مِشْطَةُ الْبَغَايَا وَمُمِيلَاتٌ
يمشطن غيرهن تلك المشطة ومعنى روسهن كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ أَيْ يُكَبِّرْنَهَا وَيُعَظِّمْنَهَا بِلَفِّ عِمَامَةٍ أَوْ نَحْوِهَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ إذَا جَلَسَ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ وَنَحْوَهُمَا وَأَنْ يَجْعَلَهُمَا وَرَاءَهُ أَوْ بِجَنْبِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَخَوْفٍ عَلَيْهِمَا أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ إذَا جَلَسَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْلَعَ نَعْلَيْهِ فَيَجْعَلَهُمَا بِجَنْبِهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ اتِّخَاذُ السُّتُورِ عَلَى الابواب
وَنَحْوِهَا إذَا لَمْ تَكُنْ حَرِيرًا وَلَا فِيهَا صور محرمة للاحاديث الصحيحة المشهور فِيهَا (الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ) يَجُوزُ الْقُعُودُ مُتَرَبِّعًا وَمُفْتَرِشًا وَمُتَوَرِّكًا وَمُحْتَبِيًا وَالْقُرْفُصَاءَ وَالِاسْتِلْقَاءُ عَلَى الْقَفَا وَمَدُّ الرِّجْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ هَيْئَاتِ الْقُعُودِ وَنَحْوِهَا ولا كراهة في شئ مِنْ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكْشِفْ عَوْرَتَهُ وَلَمْ يَمُدَّ رِجْلَهُ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ عَلَى ذَلِكَ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ مُحْتَبِيًا بِيَدَيْهِ وَوَصَفَ بِيَدَيْهِ الِاحْتِبَاءَ وَهُوَ الْقُرْفُصَاءُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيًا فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى الْفَجْرَ تَرَبَّعَ فِي مَجْلِسِهِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَسْنَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صحيحة وعن الشريد بن
سويد " قال مربي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا جَالِسٌ هَكَذَا وَقَدْ وَضَعْتُ يَدِيَ الْيُسْرَى خَلْفَ ظَهْرِي وَاتَّكَأْت عَلَى أَلْيَةَ يَدِي فَقَالَ أَتَقْعُدُ قَعْدَةَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا أَرَادَ النَّوْمَ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ فِي كُلِّ اضْطِجَاعٍ أَنْ يَكُونَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ وَيُكْرَهُ الِاضْطِجَاعُ عَلَى بَطْنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وُضُوءٍ وَأَنْ
يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَفْضَلُ أَذْكَارِ هَذَا الْمَوْضِعِ مَا ثَبَتَ فِي الْأَحَادِيثِ (مِنْهَا) حَدِيثُ الْبَرَاءِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَوَى إلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إلَيْكَ لَا ملجأ ولا منجا منك
إلا إليك آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الَّذِي أَرْسَلْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَفِي رواية
لَهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ مِنْ صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لِلْبَرَاءِ إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك لِلصَّلَاةِ ثُمَّ اضطجع على شِقِّكَ الْأَيْمَنِ وَقُلْ وَذَكَرَ نَحْوَهُ وَفِيهِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ " وَعَنْ حُذَيْفَةَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا أَخَذَ مَضْجَعَهُ مِنْ اللَّيْلِ وَضَعَ يَدَهُ تَحْتَ خَدِّهِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ بِاسْمِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قال الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ
" كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ " رواه البخاري ومسلم وعن طِخْفَةَ الْغِفَارِيِّ - بِطَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ خَاءٍ مُعْجَمَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ فَاءٍ - قَالَ " بَيْنَمَا أَنَا مُضْطَجِعٌ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى بَطْنِي إذَا رَجُلٌ يُحَرِّكُنِي بِرِجْلِهِ فَقَالَ إنَّ هَذِهِ ضِجْعَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ فَنَظَرْتُ فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُكْرَهُ لِمَنْ قَعَدَ فِي مَكَان أن يفارقه
قَبْلَ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ قَعَدَ مَقْعَدًا لَمْ يذكر الله تعالى فيه كانت عليه من اللَّهِ تِرَةٌ وَمَنْ اضْطَجَعَ مُضْطَجَعًا لَا يَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ اللَّهِ فيه تِرَةٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ التِّرَةُ - بِكَسْرِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ فَوْقُ - النَّقْصُ وَقِيلَ التَّبِعَةُ وَعَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ
فِيهِ إلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) فِي آدَابِ الْمَجْلِسِ وَالْجَلِيسِ عَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُقِيمَنَّ أَحَدُكُمْ رَجُلًا مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ اثْنَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَلَا يَجْلِسْ بَيْنَ رَجُلَيْنِ إلَّا بِإِذْنِهِمَا " وَعَنْ سَمُرَةَ قَالَ " كُنَّا إذَا أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ أَحَدُنَا حَيْثُ يَنْتَهِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " لَعَنَ مَنْ جَلَسَ وَسْطَ الْحَلْقَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " خَيْرُ الْمَجَالِسِ أَوْسَعُهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فِيهِ لَغَطُهُ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يقوم سبحانك
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ إلَّا غُفِرَ مَا كَانَ فِي مَجْلِسِهِ ذَاكَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي هَذَا الْفَصْلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْتُ مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَالرِّيَاضِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي بَابِ مَا ذُكِرَ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ وَكَانَ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَكْرَهُ أَنْ يَجْعَلَ يَدَهُ في خاصرته وتقول ان اليهود تفعله (الثامنة والعشرون) في آداب تتعلق بالرؤيا في المنام (1)
*
(1) كذا بالاصل وفي بعض النسخ سقط الثامنة والعشرون
*
(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)
هِيَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا - حَكَاهُنَّ الْوَاحِدِيُّ عَنْ الْفَرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ الضَّمُّ وَبِهِ قُرِئَ فِي السَّبْعِ وَالْإِسْكَانُ تَخْفِيفٌ مِنْهُ وَوَجَّهُوا الْفَتْحَ بِأَنَّهَا تَجْمَعُ النَّاسَ كَمَا يُقَالُ هُمَزَةٌ وَضُحَكَةٌ لِلْمُكْثِرِ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَالْفَتْحُ لُغَةُ بَنِي عَقِيلٍ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ قُرِئَ فِي الشَّوَاذِّ بِاللُّغَاتِ الثَّلَاثِ وَكَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْعُرُوبَةَ قَالَ الْوَاحِدِيُّ وَكَانَ يُسَمَّى عُرُوبَةً وَالْعُرُوبَةَ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي بَيْنَ الْخَمِيسِ وَالسَّبْتِ وَأَرَادَ إيضَاحَهُ لِمَنْ يَعْرِفُ الْعُرُوبَةَ وَلَا يَعْرِفُ الْجُمُعَةَ
وَبِهَذَا التَّفْسِيرِ يَظْهَرُ خَطَأُ مَنْ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا وَزَعَمَ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِالْمَعْلُومِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْهَا وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ " وَزَادَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ " وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَمَا مِنْ دابة الا وهى مصبخة يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينِ يُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ "(قوله) مصبخة - بالخاء المعجمة - وفى رواية ابى داود مسبخه - بِالسِّينِ - أَيْ مُصْغِيَةٌ وَعَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا لله له فهم لنا فيه تبع واليهود غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قِيلَ مَعْنَى بَيْدَ أَنَّهُمْ غَيْرَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ مَعَ أَنَّهُمْ وَقِيلَ عَلَى أَنَّهُمْ وَقَالَ سَعِيدُ ابن الْمُسَيِّبِ أَحَبُّ الْأَيَّامِ أَنْ أَمُوتَ فِيهِ ضُحَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَاجِبَةٌ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدَ مَوْتِي وَلَهُ إمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا أَوْ جُحُودًا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أمره)
*
(الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ وَهُوَ بَعْضٌ مِنْ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ قَوَاعِدُ مِنْ الْأَحْكَامِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ وَيُغْنِي عَنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذكر الله) وَحَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ وَامْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَّا أَنَّ أَبَا دَاوُد قَالَ طَارِقُ بْنُ شِهَابٍ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ أَبُو دَاوُد لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ إنْ ثَبَتَ عَدَمُ سَمَاعِهِ يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عِنْدَ أصحابنا وجميع العلماء الا أبو إسحق
الاسفرايني وَعَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " رَوَاحُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
* أما حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالْجُمُعَةُ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ غَيْرَ أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ وَالنَّقْصِ الْمَذْكُورِينَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ غَلِطَ فَقَالَ هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ قَالُوا وَسَبَبُ غَلَطِهِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ قَالُوا وَغَلِطَ مَنْ فَهِمَهُ لِأَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ مَنْ خُوطِبَ بِالْجُمُعَةِ وُجُوبًا خُوطِبَ بِالْعِيدَيْنِ مُتَأَكَّدًا وَاتَّفَقَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ مَنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ علي غلط قائله قال القاضى أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا يَحِلُّ أَنْ يُحْكَى هَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُخْتَلَفُ أَنَّ مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ عَيْنٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ كِتَابِ الْإِجْمَاعِ الْإِشْرَافِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَدَلِيلُ وُجُوبِهَا مَا سَبَقَ وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الْجُمُعَةَ فُرِضَتْ بِمَكَّةَ قَبْلَ الهجرة وفيما قاله نظر * قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب الجمعة علي صبى ولا مجنون لانه لا تجب عليهما سائر الصلوات فالجمعة أولي ولا تجب علي المرأة لما روى جَابِرٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخر فعليه الجمعة الا على امرأة أو مسافر أو عبد أو مريض " ولانها تختلط بالرجال وذلك لا يجوز)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَلَكِنْ لَهُ شَوَاهِدُ ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَالْإِجْمَاعُ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ أَنَّ الْمَرْأَةَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهَا وَقَوْلُهُ وَلِأَنَّهَا تَخْتَلِطُ بِالرِّجَالِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لبس كَمَا قَالَ فَإِنَّهَا لَا يَلْزَمُ مِنْ حُضُورِهَا الْجُمُعَةَ الِاخْتِلَاطُ بَلْ تَكُونُ وَرَاءَهُمْ وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ حَضَرَتْ وَصَلَّتْ الْجُمُعَةَ جَازَ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُصَلِّينَ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في مَسْجِدِهِ خَلْفَ الرِّجَالِ وَلِأَنَّ اخْتِلَاطَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ إذَا لَمْ يَكُنْ خَلْوَةً لَيْسَ بِحَرَامٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَمَنْ
يَلْزَمُهُ الظُّهْرُ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ إلَّا أَصْحَابَ الْأَعْذَارِ الْمَذْكُورِينَ فَلَا تَجِبُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا مُغْمًى عليه وسائر من زال عقله أو انغمر بِسَبَبٍ غَيْرِ مُحَرَّمٍ وَيَجِبُ عَلَى السَّكْرَانِ وَمَنْ زَالَ عَقْلُهُ بِسَبَبٍ مُحَرَّمٍ وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ وَتَفْرِيعُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ لَا يُطَالَبُ بِهَا وَهَلْ هُوَ مُخَاطَبٌ بِهَا تُزَادُ فِي عُقُوبَتِهِ بِسَبَبِهَا فِي الْآخِرَةِ فِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ وَتَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَدَلِيلُ عَدَمِ الْوُجُوبِ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْكَافِرِ سَبَقَ هُنَاكَ وَلَا تَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَجِبُ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ لِلشَّكِّ فِي الْوُجُوبِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الْفُتُوحِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يُسْتَحَبُّ لِلْعَجُوزِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ قَالَ وَيُكْرَهُ لِلشَّابَّةِ حُضُورُ جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ مَعَ الرِّجَالِ إلَّا العيدين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب على المسافر للخبر ولانه مشغول بالسفر وأسبابه فلو أجبنا عليه انقطع عنه ولا تجب
على العبد للخبر ولانه ينقطع عن خدمة مولاه ولا تجب على المريض للخبر ولانه يشق عليه القصر وأما الاعمي فانه ان كان له قائد لزمته وان لم يكن له قائد لم تلزمه لانه يخاف الضرر مع عدم القائد ولا يخاف مع القائد
* (الشَّرْحُ) فِي هَذِهِ الْقِطْعَةِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمُسَافِرِ هَذَا مَذْهَبُنَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إذَا سمع نداء لَزِمَتْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجُمُعَةُ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهَا أَكْمَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا لِلْخُنْثَى وَالصَّبِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى سُقُوطِ الْجُمُعَةِ عَنْ الْمُسَافِرِ وَلَوْ كَانَ سَفَرُهُ قَصِيرًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمِيِّ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ لَزِمَتْهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَإِنْ نَوَى إقَامَةَ دُونِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ أَمَّا سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَبَابِ مَسْحِ الْخُفِّ وَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) لَا تَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا الْمُكَاتَبِ وَسَوَاءٌ الْمُدَبَّرُ وَغَيْرُهُ
هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ وَالْمُدَبَّرَ وَالْمُكَاتَبَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الكوفة واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَبْدِ فَإِنْ مَنَعَهُ السَّيِّدُ فَلَهُ التَّخَلُّفُ وَعَنْ الْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وُجُوبُهَا عَلَى عَبْدٍ يُؤَدِّي الضَّرِيبَةَ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَقَالَ دَاوُد تَجِبُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ دَلِيلُنَا حَدِيثُ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ السَّابِقُ وَأَمَّا مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ عَلَى الصَّحِيحِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَوَاءٌ كان بينه وبين سيده مهيايأة أَمْ لَا وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سيده مهايأة وصادف يوم الجمعة نويته لَزِمَتْهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّ لَهُ حُكْمَ الْعَبْدِ فِي مُعْظَمِ الْأَحْكَامِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ
لَا تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِيهَا وَحِينَئِذٍ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا وَلَا تَجِبُ (الثَّالِثَةُ) لَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْمَرِيضِ سَوَاءٌ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِتَخَلُّفِهِ لِنُقْصَانِ الْعَدَدِ أَمْ لَا لِحَدِيثِ طَارِقٍ وَغَيْرِهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ لَوْ تَكَلَّفَ الْمَرِيضُ الْمَشَقَّةَ وَحَضَرَ كَانَ أَفْضَلَ قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ هُوَ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ بِقَصْدِ الْجُمُعَةِ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ مُحْتَمَلَةٍ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيَلْتَحِقُ بِالْمَرِيضِ فِي هَذَا مَنْ بِهِ اسهال كثير قال فان كان بحيث يَضْبِطُ نَفْسَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجَمَاعَةِ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ تَلْوِيثُهُ الْمَسْجِدَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَهَذَا الْمَرَضُ الْمُسْقِطُ لِلْجُمُعَةِ أَخَفُّ مِنْ الْمَرَضِ الْمُسْقِطِ لِلْقِيَامِ فِي الْفَرِيضَةِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِمَشَقَّةِ الْوَحَلِ وَالْمَطَرِ وَنَحْوِهِمَا (الرَّابِعَةُ) الْأَعْمَى إنْ وَجَدَ قَائِدًا مُتَبَرِّعًا أَوْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَهُوَ وَاجِدُهَا لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي تَلْزَمُهُ إنْ أَحْسَنَ الْمَشْيَ بِالْعَصَا بِلَا قَائِدٍ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْأَعْمَى الَّذِي يَجِدُ قَائِدًا مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَجِبُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الزَّمِنِ إنْ وَجَدَ مَرْكُوبًا مِلْكًا أَوْ بِإِجَارَةٍ أَوْ إعَارَةٍ وَلَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الرُّكُوبُ وَإِلَّا فَلَا تَلْزَمُهُ قَالُوا وَالشَّيْخُ الْهَرِمُ الْعَاجِزُ عن المشي له حكم الزمن
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تجب علي المقيم في موضع لا يسمع النداء من البلد الذى تقام فيها الجمعة أو القرية التى تقام فيها الجمعة لما روى عبد الله بن عمرو إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الجمعة على من سمع النداء " والاعتبار في سماع النداء ان يقف المؤذن في طرف البلد والاصوات هادئة والريح ساكنة وهو مستمع فإذا سمع لزمه وان لم يسمع لم يلزمه)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى ابْنِ عَمْرٍو وَاَلَّذِي رَفَعَهُ ثِقَةٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَهُ شَاهِدٌ فَذَكَرَ حَدِيثًا شَاهِدًا لَهُ وَرَاوِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
عبد الله بن عمرو ابن الْعَاصِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِابْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَفِي النِّدَاءِ لُغَتَانِ كَسْرُ النُّونِ وَضَمُّهَا وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ أَرْبَعُونَ فَصَاعِدًا من أهل الكمال وجبت الجمعة علي كل فِيهِ وَإِنْ اتَّسَعَتْ خُطَّةُ الْبَلَدِ فَرَاسِخَ وَسَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُقِيمُونَ فِي غَيْرِ قَرْيَةٍ وَنَحْوِهَا فَإِنْ بَلَغُوا أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ فَعَلُوهَا فِي قَرْيَتِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنُوا وَإِنْ دَخَلُوا الْبَلَدَ وَصَلَّوْهَا مَعَ أَهْلِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَكَانُوا مُسِيئِينَ بِتَعْطِيلِهِمْ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَتِهِمْ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُمْ غَيْرُ مُسِيئِينَ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُجَوِّزُ الْجُمُعَةَ فِي قَرْيَةٍ فَفِيمَا فَعَلُوهُ خُرُوجٌ مِنْ الْخِلَافِ وَغَلَّطَ الْأَصْحَابُ قَائِلَهُ أَمَّا إذَا نَقَصُوا عَنْ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ فَلَهُمْ حَالَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنْ لَا يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ تُقَامُ فِيهَا جُمُعَةٌ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ أَوْ قُرًى مُتَقَارِبَةٌ يَبْلُغُ بَعْضَهَا النِّدَاءُ مِنْ بَعْضِهَا وَكُلُّ وَاحِدَةٍ يَنْقُصُ أَهْلُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي بَعْضِهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَحَلِّ الْجُمُعَةِ (الثَّانِي) أَنْ يَبْلُغَهُمْ النِّدَاءُ مِنْ قَرْيَةٍ أَوْ بَلْدَةٍ تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَيَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ المعتبر نداء رجل علي الصَّوْتِ يَقِفُ عَلَى طَرَفِ الْبَلَدِ مِنْ الْجَانِبِ الَّذِي يَلِي تِلْكَ الْقَرْيَةَ وَيُؤَذِّنُ وَالْأَصْوَاتُ هَادِئَةٌ وَالرِّيَاحُ سَاكِنَةٌ فَإِذَا سَمِعَ صَوْتَهُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الَّذِي يَلِي بَلَدَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ أَصْغَى إلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي سَمْعِهِ خَلَلٌ وَلَا جَاوَزَ سَمْعُهُ فِي الْجَوْدَةِ عَادَةَ النَّاسِ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ فيها وإلا فلا وفى وجه مشهوران
المعتبران يَقِفَ فِي وَسَطِ الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْجُمُعَةُ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ الْمُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ فِي نَفْسِ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ضَعْفِ الْوَجْهَيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ سَاقِطٌ لِأَنَّ الْبَلَدَ قَدْ يَتَّسِعُ خُطَّتُهُ بِحَيْثُ إذَا وَقَفَ الْمُنَادِي فِي وَسَطٍ لَا يَسْمَعُهُ الطَّرَفُ فَكَيْفَ يَتَعَدَّى إلَى قَرْيَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُعْتَبَرُ وُقُوفُهُ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ كَمَنَارَةٍ أو سور ونحوهما هكذا أَطْلَقَهُ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَلَدُ كَطَبَرِسْتَانَ فَإِنَّهَا بَيْنَ غِيَاضٍ وَأَشْجَارٍ تَمْنَعُ الصوت فيعتبر فيها الارتفاع علي شئ يَعْلُو الْغِيَاضَ وَالْأَشْجَارَ وَلَوْ بَلَغَ النِّدَاءُ مَنْ وَقَفَ فِي طَرَفِ الْقَرْيَةِ دُونَ مَنْ وَقَفَ فِي وَسَطِهَا لَزِمَ جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ الْجُمُعَةُ صرح به امام الحرمين والمتولي وغيرهما
(1) بياض بالاصل فحرر
*
لِأَنَّ الْقَرْيَةَ الْوَاحِدَةَ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهَا قَالَ الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ وَلَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ جَاوَزَ الْعَادَةَ فِي حِدَّةِ السَّمَاعِ فَلَا تَعْوِيلَ عَلَى سَمَاعِهِ وَلَوْ كَانَتْ قَرْيَةً عَلَى قُلَّةِ جَبَلٍ فَسَمِعَ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِعُلُوِّهَا بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَمْ يَسْمَعُوا أَوْ كَانَتْ قَرْيَةً فِي وَادٍ وَنَحْوِهِ لَا يَسْمَعُ أَهْلُهَا النِّدَاءَ لِانْخِفَاضِهَا وَلَوْ كَانَتْ عَلَى أَرْضٍ مُسْتَوِيَةٍ لَسَمِعُوا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الِاعْتِبَارُ بِتَقْدِيرِ الِاسْتِوَاءِ فَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَالِيَةِ وَتَجِبُ عَلَى الْمُنْخَفِضَةِ
(وَالثَّانِي)
عَكْسُهُ اعْتِبَارًا بِنَفْسِ السَّمَاعِ وَبِهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ أَمَّا إذَا سَمِعَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ النَّاقِصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ فَأَيَّهُمَا حَضَرُوهُ جَازَ وَالْأَوْلَى حُضُورُ أَكْثَرِهِمَا جَمَاعَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ إذَا كَانَ خَارِجَ الْبَلَدِ وَنَقَصَ عَدَدُهُمْ عَنْ أَرْبَعِينَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ نِدَاءُ الْبَلَدِ دُونَ غَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَمْرِو بْنُ الْعَاصِ وسعيد بن المسيب واحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَمُعَاوِيَةُ وَالْحَسَنُ وَنَافِعٌ مولي بن عُمَرَ وَعِكْرِمَةُ وَعَطَاءٌ وَالْحَكَمُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ تَجِبُ عَلَى مَنْ يُمْكِنُهُ إذَا فَعَلَهَا أَنْ يَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فَيَبِيتَ فِيهِمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ تَجِبُ عَلَى مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَلَدِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْذِرِ وَرَبِيعَةُ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَهْلِ الرَّأْيِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجُ الْبَلَدِ سَوَاءٌ سَمِعَ النِّدَاءَ أَمْ لَا وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ عَلَى عَشَرَةِ أَمْيَالٍ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ " وَاحْتُجَّ لِابْنِ عُمَرَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " الجمعة عَلَى مَنْ آوَاهُ اللَّيْلُ إلَى أَهْلِهِ " دَلِيلُنَا حَدِيثُ ابْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ (وَأَمَّا حَدِيثُ)" لَا جُمُعَةَ وَلَا تَشْرِيقَ إلَّا فِي مِصْرٍ "(فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) انه ضعف جِدًّا
(وَالثَّانِي)
لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي مِصْرٍ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَضَعِيفٌ جِدًّا وَمِمَّنْ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ رَجُلٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَآخَرُ مَجْهُولٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَلَا يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شئ
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(ولا تجب علي خائف علي نفسه أو ماله لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من سمع النداء فلم يجبه فَلَا صَلَاةَ لَهُ إلَّا مِنْ عُذْرٍ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْعُذْرُ قَالَ خَوْفٌ أو مرض " ولا تجب علي من في طريقه الي المسجد مطر تبتل به ثيابه لانه يتأذى بالقصد ولا تجب علي من له مريض يخاف ضياعه لان حق المسلم آكد من فرض الجمعة ولا يجب علي من له قريب أو صهر أو ذوود يخاف موته لما روى " انه استصرخ علي سعيد بن زيد وابن عمر يسعي الي الجمعة فترك الجمعة ومضى إليه " وذلك لما بينهما من القرابة فانه ابن عمه ولانه يلحقه بفوات ذلك من الالم اكثر مما يلحقه من مرض أو اخذ مال)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَحَدِيثُ الِاسْتِصْرَاخِ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي الْبَابِ الثَّانِي فِي فَضْلِ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا وَقَوْلُهُ فَإِنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ يَعْنِي مَجَازًا فَإِنَّهُ سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بن عمر بْنِ نُفَيْلٍ وَابْنُ عُمَرَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عمر بن الخطاب ابن نُفَيْلٍ وَقَوْلُهُ اُسْتُصْرِخَ هُوَ مِنْ الصُّرَاخِ وَهُوَ الصَّوْتُ يُقَالُ صَرَخَ يَصْرُخُ - بِضَمِّ الرَّاءِ - فِي المضارع وقوله ذوود هُوَ - بِضَمِّ الْوَاوِ - أَيْ صِدِّيقٌ وَقَوْلُهُ يَخَافُ ضَيَاعَهُ بِفَتْحِ الضَّادِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا
كُلُّ عُذْرٍ سَقَطَتْ بِهِ الْجَمَاعَةُ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ سَقَطَتْ بِهِ الْجُمُعَةُ إلَّا الرِّيحَ فِي الليل لعدم تصوره وفي الوجل ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ (الصَّحِيحُ) عَنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عُذْرٌ فِي الْجُمُعَةِ وَالْجَمَاعَةِ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ بِعُذْرٍ فِيهِمَا (وَالثَّالِثُ) هُوَ عُذْرٌ فِي الْجَمَاعَةِ دُونَ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ قَالَ وَبِهِ أَفْتَى أَئِمَّةُ طَبَرِسْتَانَ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّهُ قَالَ لِمُؤَذِّنِهِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يَوْمِ رَدْغٍ أَيْ طِينٍ وَزَلَقٍ لَا تَقُلْ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ وَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَقَالَ فَعَلَ هَذَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْجُمُعَةَ عَزِيمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُخْرِجَكُمْ تَمْشُونَ فِي الطِّينِ وَالدَّحْضِ وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ ذَلِكَ فِي يَوْمِ مَطَرٍ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ لَا تَقْدَحُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْمَطَرَ كَانَ مَوْجُودًا فَلَمْ يُعَلِّلْ سُقُوطَ الْجُمُعَةِ إلَّا بِالطِّينِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ مِنْ الضَّابِطِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَيَدْخُلُ فِي هَذَا الصُّوَرُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهَا مِمَّا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاة الْجَمَاعَةِ وَلَوْ قَالَ المصنف
عِبَارَةَ الْأَصْحَابِ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَخْصَرَ وَأَعَمَّ: أَمَّا التمريض فقال أصحابنا إنْ كَانَ لِلْمَرِيضِ مُتَعَهِّدٌ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ وَحَاجَتِهِ نظر ان ذَا قَرَابَةٍ زَوْجَةً أَوْ مَمْلُوكًا أَوْ صِهْرًا أَوْ صَدِيقًا وَنَحْوَهُمْ فَإِنْ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ أَوْ غَيْرَ مُشْرِفٍ لَكِنْ يَسْتَأْنِسُ بِهَذَا الشَّخْصِ حَضَرَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُشْرِفًا وَلَا يَسْتَأْنِسُ بِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ أَيْضًا الرَّافِعِيُّ أَنَّهَا تَسْقُطُ لِأَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَلَا يَتَقَاصَرُ عَنْ عُذْرِ الْمَطَرِ وَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا لَيْسَ لَهُ حَقٌّ بِوَجْهٍ مِنْ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ عَنْ الْمُتَخَلِّفِ عِنْدَهُ بِلَا خِلَافٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ لَهُ متعهد فان لم يكن متعهدا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ إنْ خَافَ هَلَاكَهُ إنْ غَابَ عَنْهُ فَهُوَ عُذْرٌ يُسْقِطُ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ قَرِيبًا أَوْ أَجْنَبِيًّا قَالُوا لِأَنَّ؟ ؟ ؟ الْمُسْلِمِ مِنْ الْهَلَاكِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَإِنْ كَانَ يَلْحَقُهُ بِغَيْبَتِهِ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ لَا يَبْلُغُ دَفْعُهُ مَبْلَغَ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ عُذْرٌ أَيْضًا
(وَالثَّانِي)
لَا (وَالثَّالِثُ) عُذْرٌ فِي الْقَرِيبِ وَنَحْوِهِ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَلَوْ كَانَ لَهُ مُتَعَهِّدٌ لَا يَتَفَرَّغُ لِخِدْمَتِهِ لِاشْتِغَالِهِ بِشِرَاءِ الْأَدْوِيَةِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ كَمَنْ لَا مُتَعَهِّدَ لَهُ لفوات مقصود المتعهد
*
* قال المصنف رحمه الله تعالي
* (ومن لا جمعة عليه لا تجب عليه وان حضر الجامع الا المريض ومن في طريقه مطر لانه انما لم تجب عليهما للمشقة وقد زالت بالحضور)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ نَاقِصٌ يَرِدُ عَلَيْهِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا وَغَيْرُهُ مِمَّنْ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ وَالْمُسَافِرُونَ الْجَامِعَ فَلَهُمْ الِانْصِرَافُ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَخَرَّجَ ابْنُ الْقَاصِّ وَجْهًا فِي الْعَبْدِ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَأَمَّا الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَجِدُ قَائِدًا فَإِذَا حَضَرَ لَزِمَتْهُ وَلَا خِلَافَ لِزَوَالِ الْمَشَقَّةِ وَأَمَّا الْمَرِيضُ فَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الِانْصِرَافُ بَلْ إذَا حضر لزمته الجمعة وَإِنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَقَبْلَ إقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنِيَّتِهَا فَإِنْ لَمْ تَلْحَقْهُ زِيَادَةُ مَشَقَّةٍ بِانْتِظَارِهَا لَزِمَتْهُ وَإِنْ لَحِقَتْهُ لَمْ تَلْزَمْهُ بَلْ لَهُ الِانْصِرَافُ وَهَذَا التَّفْصِيلُ حَسَنٌ
وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ فَقَالَ لَا يَبْعُدُ حَمْلُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ قَالَ وَأَلْحَقُوا بِالْمَرَضِ الْأَعْذَارَ الْمُلْحَقَةَ بِهِ وَقَالُوا إذَا حَضَرُوا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونُوا عَلَى التَّفْصِيلِ أَيْضًا إنْ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُ الْمَعْذُورِ بِالصَّبْرِ إلَى فَرَاغِ الْجُمُعَةِ لَزِمَتْهُ وَإِنْ زَادَ فَلَهُ الِانْصِرَافُ وَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَشْرَعُوا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا الَّذِينَ لَا تَلْزَمُهُمْ ثُمَّ أَرَادُوا قَطْعَهَا قَالَ فِي الْبَيَانِ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَفِي جَوَازِهِ لِلْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الصَّيْمَرِيُّ وَلَمْ يُصَحِّحْ أَحَدَهُمَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِمَا قَطْعُهَا لِأَنَّهَا انْعَقَدَتْ عَنْ فَرْضِهِمَا فَتَعَيَّنَ إتْمَامُهَا وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ وَمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الْفَرِيضَةِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَطْعُهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ الا احتمالا لامام الحرمين *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* (وَإِنْ اتَّفَقَ يوم عيد ويوم جمعة فحضر أهل السواد فصلوا العيد جاز ان ينصرفوا ويتركوا الجمعة لما روى عن عثمان رضي الله عنه انه قال في خطبته " ايها الناس قد اجتمع عيدان في يومكم فمن أراد من اهل العالية ان يصلي معنا الجمعة فليصل ومن اراد ان ينصرف فلينصرف " ولم ينكر عليه احد
ولانهم إذا قعدوا في البلد لم يتهيؤا بالعيد فان خرجوا ثم رجعوا للجمعة كان عليهم في ذلك مشقة والجمعة تسقط بالمشقة ومن اصحابنا من قال تجب عليهم الجمعة لان من لزمته الجمعة في غير يوم العيد وجبت عليه في يوم العيد كأهل البلد والمنصوص في الام هو الاول)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُثْمَانَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَالْعَالِيَةُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ هِيَ قَرْيَةٌ بِالْمَدِينَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّرْقِ وَأَهْلُ السَّوَادِ هُمْ أَهْلُ الْقُرَى وَالْمُرَادُ هُنَا اهل القرى الذين يبلغهم النداء ويلزمهم حُضُورُ الْجُمُعَةِ فِي الْبَلَدِ فِي غَيْرِ الْعِيدِ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ مَعَ أَنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَدْ سَبَقَ التَّنْبِيهُ عَلَى نَظَائِرِهِ وَقَوْلُهُ يَتَهَيَّأُ مَهْمُوزٌ
* اما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا اتَّفَقَ يَوْمُ جُمُعَةٍ يَوْمَ عِيدٍ وَحَضَرَ أَهْلُ الْقُرَى الَّذِينَ تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ لِبُلُوغِ نِدَاءِ الْبَلَدِ فَصَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَسْقُطْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَفِي أَهْلِ الْقُرَى وَجْهَانِ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمُ أَنَّهَا تَسْقُطُ
(وَالثَّانِي)
لَا تَسْقُطُ وَدَلِيلُهَا فِي الْكِتَابِ وَأَجَابَ هَذَا الثَّانِي عَنْ قَوْلِ عُثْمَانَ وَنَصِّ الشَّافِعِيّ فَحَمَلَهُمَا عَلَى مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا التَّأْوِيلُ بَاطِلٌ لِأَنَّ مَنْ لَا يَبْلُغُهُ النِّدَاءُ لَا جُمُعَةَ
عَلَيْهِ فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِيهِ أَوْلَى فَلَا فَائِدَةَ فِي هَذَا الْقَوْلِ لَهُ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا حَضَرُوا الْبَلَدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَيْرَ يَوْمِ الْعِيدِ يُكْرَهُ لَهُمْ الْخُرُوجُ قَبْلَ أَنْ يُصَلُّوا الْجُمُعَةَ صَرَّحَ بِهَذَا كُلِّهِ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّجْرِيدِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ قَالُوا فَإِذَا كَانَ يَوْمَ عِيدٍ زَالَتْ تِلْكَ الْكَرَاهَةُ فَبَيَّنَ عُثْمَانُ وَالشَّافِعِيُّ زَوَالَهَا وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ وَهُوَ سُقُوطُهَا عَنْ أَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ النِّدَاءُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الجمعة علي اهل البلد وسقوطها عن عن اهل القرى وبه قال عثمان ابن عَفَّانَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ إذَا صَلَّوْا الْعِيدَ لَمْ تَجِبْ بَعْدَهُ فِي هَذَا الْيَوْمِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَا الظُّهْرِ وَلَا غَيْرِهِمَا إلَّا الْعَصْرَ لَا عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَلَا أَهْلِ الْبَلَدِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرُوِّينَا نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهم
* وَقَالَ أَحْمَدُ تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْقُرَى وَأَهْلِ الْبَلَدِ وَلَكِنْ يَجِبُ الظُّهْرُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَسْقُطُ الْجُمُعَةُ عَنْ أَهْلِ الْبَلَدِ وَلَا أَهْلِ الْقُرَى
* وَاحْتَجَّ الَّذِينَ أَسْقَطُوا الْجُمُعَةَ عَنْ الْجَمِيعِ بِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
وَقَالَ " شَهِدْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فَصَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ وَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلِيُصَلِّ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " قَدْ اجْتَمَعَ فِي يَوْمِكُمْ هَذَا عِيدَانِ فَمَنْ شَاءَ أَخَّرَ أَمْرَ الْجُمُعَةِ وَإِنَّا مُجْتَمِعُونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الْأَصْلَ الْوُجُوبُ وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ بِمَا رَوَاهُ هُوَ قَالَ " اجْتَمَعَ يَوْمُ جُمُعَةٍ وَيَوْمُ عِيدٍ عَلَى عَهْدِ ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فَجَمَعَهُمَا جَمِيعًا فَصَلَّاهُمَا رَكْعَتَيْنِ بُكْرَةً لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمَا حَتَّى صَلَّى الْعَصْرَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ صَلَّى " ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ له فقال أصحاب السُّنَّةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عُثْمَانَ وَتَأَوَّلُوا الْبَاقِيَ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى لَكِنْ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ السُّنَّةِ مَرْفُوعٌ وَتَأْوِيلُهُ أضعف
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ومن لا جمعة عليه مخير بين الظهر والجمعة فان صلى الجمعة أجزأه عن الظهر لان الجمعة انما سقطت عنه لعذر فإذا حمل علي نفسه وفعل أجزأه كالمريض إذا حمل علي نفسه فصلى من قيام وان أراد أن يصلي الظهر جاز لانه فرضه غير أن المستحب ان لا يصلي حتى يعلم ان الجمعة قد فاتت لانه
ربما زال العذر فيصلي الجمعة فان صلى في أول الوقت ثم زال عذره والوقت باق لم تجب عليه الجمعة وقال ابن الحداد إذا صلي الصبي الظهر ثم بلغ والوقت باق لزمه الجمعة وان صلى غيره من المعذورين لم تلزمه الجمعة لان ما صلي الصبى ليس بفرض وما صلي غيره فرض والمذهب الاول لان الشافعي نص علي أن الصبي إذا صلى في غير يوم الجمعة الظهر ثم بلغ والوقت باق لم تجب عليه اعادة الظهر فكذلك الجمعة فان صلي المعذور الظهر ثم صلى الجمعة سقط الفرض بالظهر وكانت الجمعة نافلة وحكى أبو إسحق المروزى انه قال في القديم يحتسب الله له بأيهما شاء والصحيح هو الاول وان أخر المعذور الصلاة حتى فاتت الجمعة صلي الظهر في الجماعة قال الشافعي واحب إخفاء الجماعة لئلا
يتهموا في الدين قال اصحابنا إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الجماعة لانهم لا يتهمون مع ظهور العذر)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْمَعْذُورُ فِي تَرْكِ الْجُمُعَةِ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
مَنْ يُتَوَقَّعُ زَوَالُ عُذْرِهِ وَوُجُوبُ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَنَحْوِهِمْ فَلَهُمْ أَنْ يُصَلُّوا الظُّهْرَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهَا إلَى الْيَأْسِ مِنْ الْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ تَمَكُّنِهِ مِنْهَا وَيَحْصُلُ الْيَأْسُ بِرَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَاعَى تَصَوُّرُ الْإِدْرَاكِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ فَإِذَا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا فَانْتَهَى الْوَقْتُ الَّذِي بِحَيْثُ لَوْ ذَهَبَ لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ حَصَلَ الْفَوَاتُ فِي حَقِّهِ (الضَّرْبُ الثَّانِي) مَنْ لَا يَرْجُو زَوَالَ عُذْرِهِ كَالْمَرْأَةِ وَالزَّمِنِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قطع الماوردى والدارمى والخراسانيون وَهُوَ ظَاهِرُ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ تَعْجِيلُ الظُّهْرِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ أَوَّلِ الْوَقْتِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَفُوتَ الْجُمُعَةُ كَالضَّرْبِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَنْشَطُونَ لِلْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَلَاةُ الْكَامِلِينَ فَاسْتُحِبَّ كَوْنُهَا الْمُتَقَدِّمَةَ وَلَوْ قِيلَ بِالتَّفْصِيلِ لَكَانَ حَسَنًا وَهُوَ أَنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الشَّخْصُ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَا يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَإِنْ تَمَكَّنَ اُسْتُحِبَّ تَقْدِيمُ الظُّهْرِ وَأَنْ لَوْ تَمَكَّنَ أَوْ نَشِطَ حَضَرَهَا اُسْتُحِبَّ التَّأْخِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ ويستحب
للمعذورين الجماعة في ظهرهم وحكي (1) وَالرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ الْجَمَاعَةُ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ الْمَشْرُوعَةَ هَذَا الْوَقْتَ الْجُمُعَةُ وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ كَانُوا فِي غَيْرِ الْبَلَدِ فَإِنَّ الْجَمَاعَةَ تُسْتَحَبُّ فِي ظُهْرِهِمْ بِالْإِجْمَاعِ فَعَلَى هَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَسْتَحِبُّ لَهُمْ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ لئلا يتهموا في الدين وينسبون إلى ترك الجماعة تَهَاوُنًا قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ هَذَا إذَا كَانَ عُذْرُهُمْ خَفِيًّا فَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لَمْ يُسْتَحَبَّ الْإِخْفَاءُ لِأَنَّهُمْ لَا يُتَّهَمُونَ حِينَئِذٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُسْتَحَبُّ الْإِخْفَاءُ مُطْلَقًا عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُفْطَنُ لِلْعُذْرِ الظَّاهِرِ وَقَدْ يُتَّهَمُ صَاحِبُهُ مَعَ الْعِلْمِ بِعُذْرِهِ
لِاقْتِصَارِهِ عَلَى الظُّهْرِ مَعَ أَنَّهُ مَنْدُوبٌ إلَى الْجُمُعَةِ وَمِمَّنْ حَكَى هَذَا الْوَجْهَ الرَّافِعِيُّ وَإِذَا كَانَ الْعُذْرُ خَفِيًّا
فَعِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ أُحِبُّ إخْفَاءَ الْجَمَاعَةِ كَمَا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهَا كَثِيرُونَ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي يُكْرَهُ إخْفَاءُ الْجَمَاعَةِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ إنْ كَانَ عُذْرُهُمْ ظَاهِرًا لَمْ يُكْرَهْ إظْهَارُ الْجَمَاعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا صَلَّى الْمَعْذُورُ الظُّهْرَ ثُمَّ زَالَ عُذْرُهُ وَتَمَكَّنَ مِنْ الْجُمُعَةِ أَجْزَأَتْهُ ظُهْرُهُ وَلَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ بِالِاتِّفَاقِ إلَّا الصَّبِيَّ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْحَدَّادِ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ كَمَا ضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَا الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ إذَا زَالَ إشْكَالُهُ فَيَلْزَمُهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّا تَبَيَّنَّا أَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَيْهِ وَهُوَ الْآنَ مُتَمَكِّنٌ وَهَذَا يَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ أَرَادَ صحاب الْأَعْذَارِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ هُوَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُنْثَى أَمَّا إذَا زَالَ الْعُذْرُ فِي أَثْنَاءِ الظُّهْرِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ هُوَ كَرُؤْيَةِ الْمَاءِ فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ بِالتَّيَمُّمِ وَهَذَا يَقْتَضِي خِلَافًا فِي بُطْلَانِ ظُهْرِهِ كَالْخِلَافِ هناك ويقتضى خلافا في استحباب قطعها والاكتفاء فِيهَا وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي بُطْلَانِ هَذِهِ الظُّهْرَ وَجْهَيْنِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ لِاتِّصَالِهَا بِالْمَقْصُودِ وَقِيَاسًا عَلَى الْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ إذَا وَجَدَ الرَّقَبَةَ فِي أَثْنَائِهِ أَوْ وَجَدَ الْمُتَمَتِّعُ الْهَدْيَ فِي أَثْنَاءِ الصَّوْمِ أَوْ تَمَكَّنَ مَنْ تزويج أَمَةً مِنْ نِكَاحِ حُرَّةٍ وَنَظَائِرِهِ وَهَذَا الْخِلَافُ تَفْرِيعٌ عَلَى إبْطَالِ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَى الْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ تِلْكَ فَهَذِهِ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَعْذُورِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ لِأَنَّهَا أَكْمَلُ فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ الْجَدِيدُ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَتَقَعُ الْجُمُعَةُ نَافِلَةً لَهُ كَمَا تَقَعُ لِلصَّبِيِّ نَافِلَةً
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ يَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِأَيَّتِهِمَا شَاءَ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ أَمْ لَا وَقَدْ سَبَقَ نَحْوُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ ودليل هذه المسائل تفهم مما ذكره المصنف مع ما أشرت إليه
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَعْذُورِينَ كَالْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُسَافِرِ وَغَيْرِهِمْ فَرْضُهُمْ الظُّهْرُ فَإِنْ صَلَّوْهَا صَحَّتْ وَإِنْ تَرَكُوا الظُّهْرَ وَصَلَّوْا الْجُمُعَةَ أَجْزَأَتْهُمْ بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا (فان
قِيلَ) إذَا كَانَ فَرْضُهُمْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا فَكَيْفَ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِرَكْعَتَيْ الْجُمُعَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَتْ رَكْعَتَيْنِ فَهِيَ أَكْمَلُ مِنْ الظُّهْرِ بِلَا شَكٍّ وَلِهَذَا وَجَبَتْ عَلَى أَهْلِ الْكَمَالِ وَإِنَّمَا سَقَطَتْ عَنْ الْمَعْذُورِ
تَخْفِيفًا فَإِذَا تَكَلَّفَهَا فَقَدْ أَحْسَنَ فَأَجْزَأَهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْمَرِيضِ إذَا تَكَلَّفَ الْقِيَامَ وَالْمُتَوَضِّئِ إذَا تَرَكَ مَسْحَ الْخُفِّ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَشِبْهِهِ وَهَذَا كُلُّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِجْمَاعِ
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَتْ الْمَرْأَةُ حُضُورَ الْجُمُعَةِ فَهُوَ كَحُضُورِهَا لِسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَشَرَحْنَاهُ هُنَاكَ وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ عَجُوزًا تُشْتَهَى كُرِهَ حُضُورُهَا وَإِلَّا فلا وهكذا صرح به هنا المتولي وغيره
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وأما من تجب عليه الجمعة ولا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فانه مخاطب بالسعي إلي الجمعة فان صلي الظهر قبل صلاة الامام ففيه قولان قال في القديم يجزئه لان الفرض هو الظهر لانه لو كان الفرض الجمعة لوجب قضاؤها كسائر الصلوات وقال في الجديد لا تجزئه ويلزمه إعادتها وهو الصحيح لان الفرض هو الجمعة ولو كان الفرض الظهر والجمعة بدل عنه لما أثم بترك الجمعة الي الظهر كما لا يأثم بترك الصوم إلى العتق في الكفارة وقال أبو إسحق ان اتفق اهل بلد علي فعل الظهر أثموا بترك الجمعة إلا أنه يجزيهم لان كل واحد منهم لا تنعقد به الجمعة والصحيح أنه لا يجزئهم لانهم صلوا الظهر وفرض الجمعة متوجه عليهم)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالْجُمُعَةِ فَإِنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْجَدِيدُ) بُطْلَانُهَا (وَالْقَدِيمُ) صِحَّتُهَا وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ بُطْلَانُهَا قَالَ الْأَصْحَابُ هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَاذَا فَالْجَدِيدُ يَقُولُ الْجُمُعَةُ وَالْقَدِيمُ الظُّهْرُ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهَذَا بَاطِلٌ إذْ لَوْ كَانَتْ بَدَلًا لَجَازَ الْإِعْرَاضُ عَنْهَا وَالِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَصْلِ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجُمُعَةِ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي أَنَّهُ إذَا عَصَى بِفِعْلِ الظُّهْرِ هل يحكم بصحتها قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَوْلَانِ فِيمَا إذَا تَرَكَ آحَادُ أَهْلِ الْبَلَدِ الْجُمُعَةَ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ أَمَّا إذَا تَرَكَهَا جَمِيعُ أَهْلِ الْبَلَدِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَيَأْثَمُونَ وَيَصِحُّ ظُهْرُهُمْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَقَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَرْكِ الْجَمِيعِ وَالْآحَادِ فَفِي الْجَدِيدِ لَا يَصِحُّ ظُهْرُهُمْ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْهَا وَفَرْضُ الْجُمُعَةِ مُتَوَجَّهٌ عَلَيْهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
عِنْدَ جَمِيعِ الْمُصَنِّفِينَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ فَفَرْضُ الْجُمُعَةِ بَاقٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُهَا فَإِنْ حَضَرَهَا وَصَلَّاهَا فَذَاكَ وَإِنْ فَاتَتْهُ لَزِمَهُ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَهَلْ تَكُونُ صَلَاتُهُ الْأُولَى بَاطِلَةً أَمْ يَتَبَيَّنُ وُقُوعُهَا نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي نَظَائِرِهَا كَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَقَدْ سَبَقَتْ جُمْلَةٌ مِنْ نَظَائِرِهَا فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ فَهَلْ يَسْقُطُ عَنْهُ الْخِطَابُ بِالْجُمُعَةِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ قَوْلَانِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ لَا يَسْقُطُ بَلْ يَبْقَى الْخِطَابُ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ مَا دَامَتْ مُمْكِنَةً وَإِنَّمَا مَعْنَى صِحَّةِ الظُّهْرِ الِاعْتِدَادُ بِهَا حَتَّى لَوْ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ أَجْزَأَتْهُ الظُّهْرُ وَسَوَاءٌ قُلْنَا يَسْقُطُ أَمْ لَا فَإِذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ فَفِي الْفَرْضِ مِنْهُمَا طريقان
(أحدهما)
الفرض أحدهما مُبْهَمَةً وَيَحْتَسِبُ اللَّهَ تَعَالَى بِمَا شَاءَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) الْفَرْضُ الظُّهْرُ (وَالثَّانِي) الْجُمُعَةُ (وَالثَّالِثُ) كِلَاهُمَا وَهُوَ قَوِيٌّ (وَالرَّابِعُ) إحْدَاهُمَا مُبْهَمَةً هَذَا كُلُّهُ إذَا صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا بَعْدَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ وَقَبْلِ سَلَامِهِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ
(أَحَدُهُمَا)
صِحَّتُهَا قَطْعًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَاتَتْ (وَأَصَحُّهُمَا) طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ قَالَا وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهَا لَا يَتَحَقَّقُ فَوَاتُهَا إلَّا بِسَلَامِ الْإِمَامِ لِاحْتِمَالِ عَارِضٍ بَعْدَهَا فَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَلَوْ اتَّفَقَ أَهْلُ الْبَلَدِ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ وَصَلَّوْا الظُّهْرَ فَالْفَوَاتُ فِي حَقِّهِمْ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ أَوْ ضِيقِهِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي من لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَصَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِهَا
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وبه قال الثوري ومالك وزفر واحمد واسحق وَدَاوُد: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ وَأَبُو ثَوْرٍ يُجْزِئُهُ الظُّهْرُ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ الظُّهْرُ بِالسَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَقَالَ صَاحِبَاهُ لَا تَبْطُلُ إلَّا بِالْإِحْرَامِ بِالْجُمُعَةِ وَقَالَ عَلِيٌّ إنَّهُ يَلْزَمُهُ السَّعْيُ إلَى الْجُمُعَةِ مَا لَمْ تَفُتْ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ومن لزمه الجمعة وهو يريد السفر فان كان يخاف فوت السفر جاز له ترك الجمعة لانه ينقطع
عن الصحبة فيتضرر وأن لم يخف الفوت لم يجز أن يسافر بعد الزوال لان الفرض قد توجه عليه فلا يجوز
تفويته بالسفر وهل يجوز قبل الزوال فيه قولان
(أحدهما)
يجوز لانه لم تجب فلا يحرم التفويت كبيع المال قبل الحول (والثاني) لا يجوز وهو الاصح لانه وقت لوجوب التسبب بدليل أن من كان داره على بعد لزمه القصد قبل الزوال ووجوب التسبب كوجوب الفعل فإذا لم يجز السفر بعد وجوب الفعل لم يجز بعد وجوب التسبب)
*
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِتَرْكِ الْجُمُعَةِ يبيح تَرْكَهَا سَوَاءٌ كَانَتْ قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ أَوْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ إلَّا السَّفَرَ فَفِيهِ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) إذَا سَافَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ بِكُلِّ حَالٍ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَإِنْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ بِأَنْ يَكُونَ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ يُدْرِكُهَا فِيهِ جَازَ لَهُ السَّفَرُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا فِيهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ أَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي طَرِيقِهِ مَوْضِعٌ يُصَلِّي فِيهِ الْجُمُعَةَ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ ضَرَرٌ فِي تَأْخِيرِ السَّفَرِ بِأَنْ تَكُونَ الرِّفْقَةُ الَّذِينَ يَجُوزُ لَهُمْ السَّفَرُ خَارِجِينَ فِي الْحَالِ وَيَتَضَرَّرُ بِالتَّخَلُّفِ عَنْهُمْ جَازَ السَّفَرُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَاتِمٍ الْقَزْوِينِيَّ حَكَى فِيهِ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالْجَوَازِ (الثَّالِثَةُ) أَنْ يُسَافِرَ بَيْنَ الزَّوَالِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ فَحَيْثُ جَوَّزْنَاهُ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَحَرْمَلَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي مَحِلِّهِمَا وَاتَّفَقُوا عَلَى جَرَيَانِهَا فِي السَّفَرِ الْمُبَاحِ الَّذِي طَرَفَاهُ كَالتِّجَارَةِ فَأَمَّا الطَّاعَةُ وَاجِبَةً كَانَتْ أَمْ مُسْتَحَبَّةً فَقَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ فِي سَفَرِهَا وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِجَوَازِهِ وَخَصُّوا الْقَوْلَيْنِ بِالْمُبَاحِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي فِي الطَّاعَةِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الْجَوَازُ (وَالثَّانِي) قَوْلَانِ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا السَّفَرَ فَسَافَرَ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّرَخُّصُ مَا لَمْ تَفُتْ الْجُمُعَةُ ثُمَّ حَيْثُ بَلَغَ وَقْتُ فَوَاتِهَا يَكُونُ ابْتِدَاءُ سَفَرِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتَهَا
* أَمَّا لَيْلَتُهَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَيَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً الا ما حكاه الْعَبْدَرِيُّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَا يُسَافِرُ بَعْدَ دُخُولِ الْعِشَاءِ مِنْ
يَوْمِ الْخَمِيسِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَأَمَّا السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الزَّوَالِ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرِّفْقَةِ وَلَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ فِي طَرِيقِهِ فَلَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن ابن عمرو وَعَائِشَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَمُجَاهِدٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ وَأَمَّا السَّفَرُ بَيْنَ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ وَالنَّخَعِيُّ وَجَوَّزَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَامّ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَمَالِكٌ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بحديث ابن
رَوَاحَةَ رضي الله عنه وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ جدا وليس في المسألة حديث صحيح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (واما البيع فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كان بعده وقبل ظهور الامام كره فان ظهر الامام واذن المؤذن حرم لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا الي ذكر الله وذروا البيع) فان تبايع رجلان احدهما من اهل فرض الجمعة والآخر ليس من اهل فرضها اثما جميعا لان احدهما توجه عليه الفرض فاشتغل عنه والآخر شغله عنه ولا يبطل البيع لان النهي لا يختص بالعقد فلم يمنع صحته كالصلاة في ارض مغصوبة)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الْجُمُعَةِ لَمْ يَحْرُمْ بِحَالٍ وَلَمْ يُكْرَهْ (الثَّانِيَةُ) إذَا تَبَايَعَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ فَرْضِهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَبْلَ ظُهُورِ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَبْلَ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْ الْخَطِيبِ كُرِهَ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَشُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ في الاذان حرم البيع علي المتابعين جميعا سواء كان مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَلَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ فِي الْكِتَابِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ دُونَ الْآخَرِ حَرُمَ عَلَى صَاحِبِ الْفَرْضِ وَكُرِهَ لِلْآخَرِ وَلَا يَحْرُمُ وَهَذَا شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالتَّحْرِيمِ عَلَيْهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَحْصُلُ التَّحْرِيمُ بِمُجَرَّدِ شُرُوعِ الْمُؤَذِّنِ فِي الْأَذَانِ لِظَاهِرِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فَإِنْ أَذَّنَ قَبْلَ
جُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ كُرِهَ الْبَيْعُ وَلَمْ يَحْرُمْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ النَّصِّ وَصَرَّحَ بِهِ أَيْضًا الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ فَهُوَ فِي حَقِّ مَنْ جَلَسَ لَهُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ أَمَّا إذَا سَمِعَ النِّدَاءَ فَقَامَ فِي الْحَالِ قَاصِدًا الْجُمُعَةَ فَتَبَايَعَ فِي طَرِيقِهِ وَهُوَ يَمْشِي وَلَمْ يَقِفْ أَوْ قَعَدَ فِي الْجَامِعِ فَبَاعَ فَلَا يَحْرُمُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ (الثَّالِثَةُ) حَيْثُ حَرَّمْنَا الْبَيْعَ حَرُمَتْ عَلَيْهِ الْعُقُودُ والصنائع وَكُلُّ مَا فِيهِ تَشَاغُلٌ عَنْ السَّعْيِ إلَى الْجُمُعَةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ فِي تَهْذِيبِهِ وَلَا يُزَالُ التَّحْرِيمُ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنْ الْجُمُعَةِ
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا تَبَايَعَا بَيْعًا مُحَرَّمًا بَعْدَ النِّدَاءِ
* مَذْهَبُنَا صِحَّتُهُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد فِي رواية عنه لا يصح
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الجمعة من بلد أو قرية لانه لم تقم الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ولا في أيام الخلفاء الا في بلد أو قرية ولم ينقل أنها أقيمت في بدو فان خرج أهل البلد إلي خارج البلد فصلوا الجمعة لم يجز لانه ليس بوطن فلم تصح فيه الجمعة كالبدو وإن انهدم البلد فاقام أهله علي عمارته فحضرت الجمعة لزمهم إقامتها لانهم في موضع الاستيطان)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تقام في أبينة مجتمعة يستوطنها شتاءا وصيفا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ سَوَاءٌ كَانَ الْبِنَاءُ مِنْ أَحْجَارٍ أَوْ أَخْشَابٍ أَوْ طِينٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ سَعَفٍ أَوْ غَيْرِهَا وَسَوَاءٌ فِيهِ الْبِلَادُ الْكِبَارُ ذَوَاتُ الْأَسْوَاقِ وَالْقُرَى الصِّغَارُ وَالْأَسْرَابُ الْمُتَّخَذَةُ وَطَنًا فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ مُتَفَرِّقَةً لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ قَرْيَةً وَيُرْجَعُ فِي الِاجْتِمَاعِ وَالتَّفَرُّقِ إلَى الْعُرْفِ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا مُجْتَمِعَةً مَعَ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ فَإِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُونَ مِنْ مَوْضِعِهِمْ شِتَاءً أَوْ صَيْفًا لَمْ تَصِحَّ الْجُمُعَةُ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانُوا دَائِمِينَ
فِيهَا شِتَاءً وَصَيْفًا وَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَقَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَيْهِمْ وَتَصِحُّ مِنْهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُشْتَرَطُ إقَامَتُهَا فِي مَسْجِدٍ وَلَكِنْ تَجُوزُ فِي سَاحَةٍ مَكْشُوفَةٍ بِشَرْطِ أَنْ تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ مَعْدُودَةً مِنْ خُطَّتِهَا فَلَوْ صَلَّوْهَا خَارِجَ الْبَلَدِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ سواء كان بقرب البلدة أو بعيدا منه وسواء صَلَّوْهَا فِي كِنٍّ أَمْ سَاحَةٍ وَدَلِيلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ هَكَذَا وَلَوْ انْهَدَمَتْ أَبْنِيَةُ الْقَرْيَةِ أَوْ الْبَلْدَةِ فَأَقَامَ أَهْلُهَا عَلَى عِمَارَتِهَا لَزِمَتْهُمْ الْجُمُعَةُ فِيهَا سَوَاءٌ كَانُوا فِي سَقَائِفَ وَمَظَالَّ أَمْ لَا لِأَنَّهُ
محل الاستيطان نص عليه الشافعي والاصحاب وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلَا يُتَصَوَّرُ انْعِقَادُ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي غير بناء إلا في هذه المسألة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة الا باربعين نفسا لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " مضت السنة أن في كل ثلاثة اماما وفى كل أربعين فما فوق ذلك جمعة وأضحى وفطرا " ومن شرط العدد أن يكونوا رجالا أحرارا مقيمين في الموضع فاما النساء والعبيد والمسافرون فلا تنعقد بهم الجمعة لانه لا تجب عليهم الجمعة فلا تنعقد بهم كالصبيان وهل تنعقد بمقيمين غير مستوطنين فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تنعقد بهم لانه تلزمهم الجمعة فانعقدت بهم كالمستوطنين وقال أبو إسحق لا تنعقد لان النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ إلَى عرفات ومعه أهل مكة وهم في ذلك الموضع مقيمون غير مستوطنين " فلو انعقدت بهم الجمعة لاقامها)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَضَعَّفُوهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ حَدِيثٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ أَنْ يَكُونُوا رِجَالًا يَعْنِي بَالِغِينَ عُقَلَاءَ وَاحْتِجَاجُهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ الْجُمُعَةَ بِعَرَفَاتٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مَحِلَّ اسْتِيطَانٍ بل هو فضاء لَا يُنَافِيهِ
وَلِأَنَّ الْحَاضِرِينَ هُنَاكَ كُلَّهُمْ لَيْسُوا مقيمون هُنَاكَ وَالْجُمُعَةُ تَسْقُطُ بِالسَّفَرِ الْقَصِيرِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَيْسَ مُسْتَوْطِنًا وَالِاسْتِيطَانُ شَرْطٌ هَكَذَا نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ أَبَا اسحق صَاحِبَ هَذَا الْوَجْهِ عَلَّلَهُ بِهَذَا
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِأَرْبَعِينَ رَجُلًا بالغين عقلاء احرارا مستوطنين للقرية أَوْ الْبَلْدَةَ الَّتِي يُصَلَّى فِيهَا الْجُمُعَةُ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا إلَّا سَفَرَ حَاجَةٍ فَإِنْ انْتَقَلُوا عَنْهُ شِتَاءً وَسَكَنُوهُ صَيْفًا أَوْ عَكْسُهُ فَلَيْسُوا مُسْتَوْطِنِينَ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ أَرْبَعِينَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَالْمَنْصُوصُ فِي كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَمَعْنَاهُ أَرْبَعُونَ باالامام فيكونون تسعة وثلاثين اماما وَنَقَلَ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ قَدِيمًا أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِثَلَاثَةٍ إمَامٍ وَمَأْمُومَيْنِ هَكَذَا حَكَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَاَلَّذِي هُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّلْخِيصِ ثَلَاثَةٌ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ إنَّ هَذَا القول
الَّذِي حَكَاهُ غَرِيبٌ أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَغَلَّطُوهُ فيه قال القفال في شرحه التَّلْخِيصِ هَذَا الْقَوْلُ غَلَطٌ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّافِعِيُّ قَطُّ وَلَا أَعْرِفُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ أَنْكَرَ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا هَذَا الْقَوْلَ وَقَالُوا لَا يُعْرَفُ هَذَا لِلشَّافِعِيِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ سَلَّمَ نَقْلَهُ وَحَكَى أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ زَائِدًا عَلَى الْأَرْبَعِينَ حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَيْضًا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ قَالَ صَاحِبُ الحاوى هو قول ابى على بن أَبِي هُرَيْرَةَ حَكَاهُ الرُّويَانِيُّ قَوْلًا قَدِيمًا وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ هَلْ تَنْعَقِدُ بِمُقِيمِينَ غَيْرِ مُسْتَوْطِنِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ اتَّفَقُوا عَلَى تَصْحِيحِهِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْفَرْعِ الْآتِي بَيَانُ مَحِلِّ الْوَجْهَيْنِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا النَّاسُ فِي الْجُمُعَةِ سِتَّةُ اقسام
(أحدهما)
مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِ وَهُوَ الذَّكَرُ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْمُسْتَوْطِنُ الَّذِي لَا عُذْرَ لَهُ (الثَّانِي) مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تَلْزَمُهُ وَهُوَ الْمَرِيضُ وَالْمُمَرِّضُ وَمَنْ فِي طَرِيقِهِ مَطَرٌ وَنَحْوُهُمْ مِنْ الْمَعْذُورِينَ وَلَنَا قَوْلٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ جِدًّا أَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمَرِيضِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ (الثَّالِثُ) مَنْ لَا تَلْزَمُهُ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا تصح منه وهو المجنون والمغمي عليه وكذا الْمُمَيِّزُ وَالْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى (الْخَامِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَلَا تَصِحُّ مِنْهُ وَهُوَ الْمُرْتَدُّ (السَّادِسُ) مَنْ تَلْزَمُهُ وَتَصِحُّ
مِنْهُ وَفِي انْعِقَادِهَا بِهِ خِلَافٌ وَهُوَ الْمُقِيمُ غَيْرُ الْمُسْتَوْطِنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَنْعَقِدُ بِهِ ثُمَّ أَطْلَقَ جَمَاعَةٌ الْوَجْهَيْنِ فِي كُلِّ مُقِيمٍ لَا يَتَرَخَّصُ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّ الْوَجْهَيْنِ جَارِيَانِ فِي الْمُسَافِرِ الَّذِي نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هُمَا جَارِيَانِ فِيمَنْ نَوَى إقَامَةً يَخْرُجُ بِهَا عَنْ كَوْنِهِ مُسَافِرًا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً وَشَذَّ الْبَغَوِيّ فَقَالَ الْوَجْهَانِ فِيمَنْ طَالَ مَقَامُهُ وَفِي عَزْمِهِ الرُّجُوعُ إلَى وَطَنِهِ كَالْمُتَفَقِّهِ وَالتَّاجِرِ قَالَ فَإِنْ نَوَى إقَامَةَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ يَعْنِي وَنَحْوِهَا مِنْ الْإِقَامَةِ الْقَلِيلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وَالْمَشْهُورُ طَرْدُ الْخِلَافِ فِي الْجَمِيعِ وَأَمَّا أَهْلُ الْخِيَامِ وَالْقُرَى الَّذِينَ يَبْلُغُهُمْ نِدَاءُ الْبَلَدِ وَيَنْقُصُونَ عَنْ أَرْبَعِينَ فَقَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مُقِيمِينَ فِي بَلَدِ الْجُمُعَةِ بِخِلَافِ الْمُقِيمِ بِنِيَّةِ الرُّجُوعِ إلَى وَطَنِهِ وَطَرَدَ الْمُتَوَلِّي فِيهِمْ الْوَجْهَيْنِ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْعَدَدِ الَّذِي يُشْتَرَطُ لِانْعِقَادِ الْجُمُعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اشتراط أربعين وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة واحمد واسحق وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
وَعَنْهُ رِوَايَةٌ بِاشْتِرَاطِ خَمْسِينَ وَقَالَ رَبِيعَةُ تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْ عَشَرَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَمُحَمَّدٌ تَنْعَقِدُ بِأَرْبَعَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ انْعِقَادَهَا بِثَلَاثَةٍ أَحَدُهُمْ الْإِمَامُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَدَاوُد تَنْعَقِدُ بِاثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا الْإِمَامُ وَهُوَ مَعْنَى مَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُشْتَرَطُ عَدَدٌ مُعِينٌ بَلْ يُشْتَرَطُ جَمَاعَةٌ تُسْكَنُ بِهِمْ قَرْيَةٌ وَيَقَعُ بَيْنَهُمْ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَلَا يَحْصُلُ بِثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ وَنَحْوِهِمْ وَحَكَى الدَّارِمِيُّ عن الفاسانى انها تنعقد بواحد منفرد والفاساني لَا يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ وَقَدْ نَقَلُوا الاجماع انه لابد مِنْ عَدَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي قَدْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَاحْتُجَّ لِرَبِيعَةَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ بخطب قَائِمًا يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَجَاءَتْ عِيرٌ مِنْ الشَّامِ فَانْفَتَلَ النَّاسُ إلَيْهَا حَتَّى لَمْ يَبْقَ إلَّا اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا " وَاحْتُجَّ لِلْبَاقِينَ بِحَدِيثٍ عَنْ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ قَرْيَةٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا إلَّا أَرْبَعَةٌ " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَضَعَّفَ طُرُقَهُ كُلَّهَا وَبِأَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ فَأَشْبَهَ الْأَرْبَعِينَ
* وَاحْتُجَّ لِمَنْ شَرَطَ خَمْسِينَ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
قَالَ " فِي الْخَمْسِينَ جُمُعَةٌ وليس فيما دون ذلك " رواه الدارقطني بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعِيفَانِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَبِأَحَادِيثَ بِمَعْنَاهُ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ وَأَقْرَبُ مَا يُحْتَجُّ به ما احتج به الْبَيْهَقِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ بِنَا فِي الْمَدِينَةِ سَعْدُ بْنُ زُرَارَةَ قَبْلَ مَقْدِمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ فِي نَقِيعِ الْخَضِمَاتِ قُلْت كَمْ كُنْتُمْ قَالَ أَرْبَعُونَ رَجُلًا " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وغيره وهو صحيح والنقيع هُنَا بِالنُّونِ ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ وَالْحَازِمِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالْخَضِمَات - بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَتَيْنِ - قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ نَقِيعُ الْخَضِمَاتِ قَرْيَةٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِيلٍ مِنْ مَنَازِلِ بَنِي سَلَمَةَ قال أَصْحَابُنَا وَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنْ يُقَالَ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدَدِ وَالْأَصْلُ الظُّهْرُ فَلَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا بِعَدَدٍ ثَبَتَ فِيهِ التَّوْقِيفُ وَقَدْ ثَبَتَ جَوَازُهَا بِأَرْبَعِينَ فَلَا يَجُوزُ بِأَقَلَّ مِنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ صَرِيحٍ وَثَبَتَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ تَثْبُتْ صَلَاتُهُ لَهَا بِأَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ وَأَمَّا حَدِيثُ انْفِضَاضِهِمْ فَلَمْ يبق
الا اثنا عشر وليس فيه انه ابتداء الصَّلَاةَ بِاثْنَيْ عَشَرَ بَلْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ عَادُوا هُمْ أَوْ غَيْرُهُمْ فَحَضَرُوا أَرْكَانَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةَ وَجَاءَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ انْفَضُّوا فِي الْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ انْفَضُّوا فِي الصَّلَاةِ وَهِيَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الْخُطْبَةِ جَمْعًا بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ الْخُطْبَةَ لِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صلاة وقد جاء في رواية للدار قطني وَالْبَيْهَقِيِّ أَنَّهُمْ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ إلَّا أَرْبَعُونَ رجلا والمشهور في الروايات اثني عَشَرَ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَانَ فِي الْقَرْيَةِ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ فِي قَرْيَتِهِمْ وَلَزِمَتْهُمْ سَوَاءٌ كَانَ فِيهَا سُوقٌ وَنَهْرٌ أَمْ لا وبه قال مالك واحمد واسحق وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا جمعة ولا تشريق إلا في مصر " واحتج أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " إنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ عبد القيس بحواثا
مِنْ الْبَحْرَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَبِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الْمَذْكُورِ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فَضَعِيفٌ مُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ وَهُوَ مَوْقُوفٌ عَلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُنْقَطِعٍ
* (فَرْعٌ)
لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا إلَّا فِي أَبْنِيَةٍ يَسْتَوْطِنُهَا مَنْ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ وَلَا تَصِحُّ فِي الصَّحْرَاءِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَآخَرُونَ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يَجُوزُ إقَامَتُهَا لِأَهْلِ الْمِصْرِ فِي الصَّحْرَاءِ كَالْعِيدِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِمَا احْتَجَّ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ لَمْ يَفْعَلُوهَا فِي الصَّحْرَاءِ مَعَ تَطَاوُلِ الْأَزْمَانِ وَتَكَرُّرِ فِعْلِهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "
* (فَرْعٌ)
لَا تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ عِنْدَنَا بِالْعَبِيدِ وَلَا الْمُسَافِرِينَ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أبو حنيفة تنعقد
*
* قال المصنف رحمه الله
* (فان أحرم بالعدد ثم انفضوا عنه ففيه ثلاثة أقوال (أحدها) ان نقص العدد عن أربعين لم تنعقد الجمعة لانه شرط في الجمعة فشرط في جميعها كالوقت
(والثانى)
إن بقى معه اثنان أتم الجمعة لانهم
يصيرون ثلاثة وذلك جمع مطلق فأشبه الاربعين (والثالث) إن بقي معه واحد أتم الجمعة لان الاثنين جماعة وخرج المزني قولين آخرين
(أحدهما)
ان بقى وحده جاز ان يتم الجمعة كما قال الشافعي في إمام احرم بالجمعة ثم أحدث انهم يتمون صلاتهم وحدانا ركعتين (والثاني) أنه ان كان صلي ركعة ثم انفضوا اتم الجمعة وان انفضوا قبل الركعة لم يتم الجمعة كما قال في المسبوق إذا ادرك مع الامام ركعة اتم الجمعة وإن لم يدرك ركعة اتم الظهر فمن اصحابنا من اثبت القولين وحكي في المسألة خمسة اقوال ومنهم من لم يثبتهما فقال إذا احدث الامام يبنون على صلاتهم لان الاستخلاف لا يجوز على هذا القول فيبنون على صلاتهم على حكم الجماعة مع الامام وههنا ان الامام لا تتعلق صلاته بصلاة من خلفه واما المسبوق فانه يبنى علي جمعة تمت بشروطها وههنا لم تتم جمعة فيبنى الامام عليها)
* (الشَّرْحُ) الِانْفِضَاضُ التَّفَرُّقُ وَالذَّهَابُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْفِضَّةُ وَحَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي
انْفِضَاضِهِمْ عَنْ الْإِمَامِ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَهِيَ الْمَنْصُوصَةُ وَلَمْ يُثْبِتُوا الْمُخَرَّجِينَ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا فِيهِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ بِإِثْبَاتِ الْمُخَرَّجِينَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلَائِلَهَا (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْعَدَدَ شَرْطٌ فَشُرِطَ فِي جَمِيعِهَا فَعَلَى هَذَا لَوْ أَحْرَمَ الْإِمَامُ وَتَبَاطَأَ الْمُقْتَدُونَ ثُمَّ أَحْرَمُوا فَإِنْ تَأَخَّرَ إحْرَامُهُمْ عَنْ رُكُوعِهِ فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ وَلَا لَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ رُكُوعِهِ قَالَ الْقَفَّالُ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَطُولَ الْفَصْلُ بَيْنَ إحْرَامِهِ وَإِحْرَامِهِمْ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الشَّرْطُ أَنْ يَتَمَكَّنُوا مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنْ حَصَلَ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّ الْفَصْلُ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ هَذَا (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) إنْ بَقِيَ اثْنَانِ مَعَ الْإِمَامِ أَتَمَّ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا بَطَلَتْ (وَالثَّالِثُ) إنْ بَقِيَ مَعَهُ وَاحِدٌ لَمْ تبطل وهذه الثلاثة منصوصة ألا ولان فِي الْجَدِيدِ وَالْأَخِيرُ فِي الْقَدِيمِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ فِي الِاثْنَيْنِ وَالْوَاحِدِ صِفَةُ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الْجُمُعَةِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي (أَصَحُّهُمَا) يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا صَلَاةُ جُمُعَةٍ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ بَقِيَ مَعَهُ صَبِيَّانِ أَوْ عَبْدَانِ أو إمرأتان أو مسافران أو صبى وعبد أَوْ صَبِيٌّ أَوْ عَبْدٌ أَوْ امْرَأَةٌ إذَا اعتبرنا واحدا كفى واتم الجمعة لان هذا القول يكتفى باسم الجميع أَوْ الْجَمَاعَةِ وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِهَا وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الظَّاهِرُ الِاشْتِرَاطُ قَالَ وَلِصَاحِبِ التَّقْرِيبِ احْتِمَالٌ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا يُعْتَدُّ بِهِ (وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ) الْمُخَرَّجُ لَا تَبْطُلُ وَإِنْ بَقِيَ وَحْدَهُ (وَالْخَامِسُ) إنْ انْفَضُّوا
فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ وَإِنْ انْفَضُّوا بَعْدَهَا لَمْ تَبْطُلْ الْجُمُعَةُ بَلْ يُتِمُّهَا الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَكَذَا مَنْ مَعَهُ إنْ بَقِيَ مَعَهُ أَحَدٌ هَذَا حُكْمُ الِانْفِضَاضِ فِي نَفْسِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَرْبَعِينَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ فَيُشْتَرَطُ سَمَاعُهُمْ الْآنَ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَوْ حَضَرَ الْعَدَدُ ثُمَّ انْفَضُّوا قَبْلَ افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ لَمْ يَجُزْ افْتِتَاحُهَا حَتَّى يَجْتَمِعَ لَهَا أَرْبَعُونَ كَامِلُونَ وَإِنْ انْفَضُّوا فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِالرُّكْنِ الْمَفْعُولِ فِي غَيْبَتِهِمْ بِلَا خِلَافٍ بِخِلَافِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ فِيهِ الْأَقْوَالَ الْخَمْسَةَ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُصَلِّي لِنَفْسِهِ فَسُومِحَ بِنَقْصِ الْعَدَدِ عَلَى قَوْلٍ وَالْخَطِيبُ لَا يَخْطُبُ لِنَفْسِهِ إنَّمَا الْغَرَضُ إسْمَاعُهُمْ فَمَا جَرَى وَلَا مُسْتَمِعَ لَمْ يَحْصُلْ فِيهِ الْغَرَضُ فَلَمْ تَصِحَّ ثُمَّ إنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالَ وَيُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّ
الْمُوَالَاةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ أَمْ لَا الْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ
(وَالثَّانِي)
غَيْرُ وَاجِبَةٍ فَيَبْنِي وَبَنَى جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْقَوْلَيْنِ عَلَى أَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلٌ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ فَيَجِبُ الِاسْتِئْنَافُ أَمْ لَا فَلَا يجب قالوا ولا فرق بين فوات الموالات لِعُذْرٍ وَغَيْرِهِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ وَلَوْ لَمْ يَعُدْ الْأَوَّلُونَ وَجَاءَ غَيْرُهُمْ وَجَبَ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَتَيْنِ قَصُرَ الْفَصْلُ أَمْ طَالَ بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بَعْدَ فَرَاغِ الْخُطْبَةِ فَإِنْ عَادُوا قَبْلَ طُولِ الْفَصْلِ صَلَّى الْجُمُعَةَ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا بِقَلِيلٍ وَإِنْ عَادُوا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ فَفِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وفيه قولان مشهوران (أصحهما) وهو الجديد أصحهما الِاشْتِرَاطُ فَعَلَى هَذَا لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ بِتِلْكَ الْخُطْبَةِ (وَالثَّانِي) لَا يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا يُصَلِّي بِهَا وَهَلْ تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ وَصَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا قَالَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْتَدِئَ الْخُطْبَةَ ثُمَّ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مَعْنَى كَلَامِهِ هَذَا على ثلاثة أوجه حَكَاهَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَالْأَصْحَابُ وَهِيَ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْقَفَّالُ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ ذَلِكَ قَالُوا وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ أَوْجَبْتُ وَلَكِنَّهُ صُحِّفَ وَمِنْهُمْ مَنْ تأوله وقال اراد باحببت أو جبت قَالُوا وَقَوْلُهُ صَلَّى بِهِمْ الظُّهْرَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَبِهِ قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ لَكِنْ تُسْتَحَبُّ وَتَجِبُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ أَمَّا وُجُوبُ الْجُمُعَةِ فَلِقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ الْخُطْبَةُ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ انْفِضَاضُهُمْ ثَانِيًا فَصَارَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي سقوطها (والثالث) وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْخُطْبَةِ
وَلَا تَجِبُ الْجُمُعَةُ أَيْضًا لَكِنْ يُسْتَحَبَّانِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَصِّهِ وَهَذَا الثَّالِثُ هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ صَاحِبَيْ الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ قَالَا وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَوْلُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فَقَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ أَظْهَرُ قَالَ وَقَدْ أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَخْطِئَتِهِ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ الْبُوَيْطِيَّ وَالرَّبِيعَ وَالزَّعْفَرَانِيّ نَقَلُوهُ هَكَذَا عَنْ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا قَالَ أَحْبَبْتُ وَلَمْ يَنْقُلْ عَنْهُ أَحَدٌ أَوْجَبْتُ فَعُلِمَ أَنَّ الْمُزَنِيَّ لَمْ يُخْطِئْ فِي نَقْلِهِ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ أَبُو الْعَبَّاسِ فِي تَأْوِيلِهِ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَخَالَفَهُ الْأَكْثَرُونَ كَمَا قَدَّمْنَاهُ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُمْ هَذَا الوجه الثالث ضعيف قالوا وهو اضعف الا وجه وَهُوَ كَمَا قَالُوا لِأَنَّهُ
مُتَمَكِّنٌ مِنْ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى احْتِمَالِ انْفِضَاضِهِمْ ثَانِيًا فَإِنَّهُ احْتِمَالٌ ضَعِيفٌ نَادِرٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ أُعِيدَتْ الْخُطْبَةُ وَصُلِّيَتْ الْجُمُعَةُ فَلَا إثْمَ عَلَى وَاحِدٍ وَإِنْ لَمْ تُعَدْ وَأَوْجَبْنَا إعَادَتَهَا أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ إعَادَتَهَا أَثِمَ الْمُنْفَضُّونَ دُونَ الْإِمَامِ وَالْبَاقِينَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ الِاعْتِبَارُ فِي طول الفصل بالعرف فما عد طويل طويلا وَإِلَّا فَقَصِيرٌ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَنْ ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ هُنَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّوْا الظُّهْرَ وَتَرَكُوا الْجُمُعَةَ جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ جَازَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ قَوْلِهِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ طَالَ الْفَصْلُ وَالْخَطِيبُ سَاكِتٌ أَوْ مُسْتَمِرٌّ فِي الْخُطْبَةِ ثُمَّ أَعَادَ مَا جَرَى مِنْ أَرْكَانِهَا فِي حَالِ غَيْبَتِهِمْ حِينَ عَادُوا أَمَّا إذَا أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ بِالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ وَأَحْرَمُوا ثُمَّ حَضَرَ أَرْبَعُونَ آخَرُونَ وَأَحْرَمُوا بِهَا ثُمَّ انْفَضَّ الْأَوَّلُونَ فَقَالَ الْأَصْحَابُ لَا يَضُرُّ بَلْ يُتِمُّ الْجُمُعَةَ سَوَاءٌ كَانَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمْ لَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَمْتَنِعُ عِنْدِي أَنْ يُقَالُ يُشْتَرَطُ بَقَاءُ أَرْبَعِينَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ أَمَّا إذَا انْفَضُّوا بعد الاحرام ثم حضر أربعون متصلين بِهِمْ فَقَالَ الْغَزَالِيُّ يَسْتَمِرُّ صِحَّةُ الْجُمُعَةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ اللَّاحِقُونَ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ
* (فَرْعٌ)
أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ مِنْ مُنْفَرِدٍ وَأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ لِصِحَّتِهَا وَهُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِأَرْبَعِينَ أَيْ فِي جَمَاعَةٍ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ قال أصحابنا وشروط الجماعة هُنَا كَشُرُوطِهَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَيُشْتَرَطُ هُنَا أُمُورٌ زَائِدَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا وَهُوَ كَوْنُهُمْ أَرْبَعِينَ كَامِلِينَ وَوُقُوعُهَا فِي خُطَّةِ الْبَلَدِ وَفِي الْوَقْتِ وَسَبَقَتْ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ وَمَسَائِلُ مُهِمَّةٌ تَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ الامام
وَالْمَأْمُومِينَ فِي الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ حُضُورُ السُّلْطَانِ وَلَا إذْنُهُ فِيهَا وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهُ لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَالْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ مَا سبق * قال المصنف رحمه الله
* (وَلَا تصح الجمعة إلا في وقت الظهر لانهما فرض في وقت واحد فلم يختلف وقتهما كصلاة
الحضر وصلاة السفر وان خطب قبل دخول الوقت لم تصح لان الجمعة ردت إلي ركعتين بالخطبة فإذا لم تجز الصلاة قبل الوقت لم تجز الخطبة فان دخل فيها في وقتها ثم خرج الوقت لم يجز فعل الجمعة لانه لا يجوز ابتداؤها بعد خروج الوقت فلا يجوز اتمامها كالحج ويتم الظهر لانه فرض رد من أربع إلى ركعتين بشرط يختص به فإذا زال الشرط أتم كالمسافر إذا دخل في الصلاة ثم قدم قبل أن يتم وان أحرم بها في الوقت ثم شك هل خرج الوقت أتم الجمعة لان الاصل بقاء الوقت وصحة الفرض ولا تبطل بالشك وان ضاق وقت الصلاة ورأى ان خطب خطبتين خفيفتين وصلى ركعتين لم يذهب الوقت لزمهم الجمعة وان رأي انه لا يمكنه ذلك صلي الظهر)
* (الشَّرْحُ) فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ وَسَأَذْكُرُ دَلَائِلَهُ وَاضِحَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى عَلَى صُورَتِهَا جُمُعَةً وَلَكِنَّ مَنْ فَاتَتْهُ لَزِمَتْهُ الظُّهْرُ (الثَّانِيَةُ) يُشْتَرَطُ لِلْخُطْبَةِ كَوْنُهَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي سَأَذْكُرُهَا فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا (الثَّالِثَةُ) إذَا شَكُّوا فِي خُرُوجِ وَقْتِهَا فَإِنْ كَانُوا لَمْ يَدْخُلُوا فِيهَا لَمْ يَجُزْ الدُّخُولُ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْوَقْتُ وَلَمْ يَتَحَقَّقْهُ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ مَعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِ وَإِنْ دَخَلُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ شَكُّوا قَبْلَ السَّلَامِ فِي خُرُوجِ الْوَقْتِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَكُتُبُ ابْنِ الصَّبَّاغِ وَالْجُمْهُورُ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا حَكَاهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ العدة وآخرون للشك في شروطها أما إذَا صَلَّوْا الْجُمُعَةَ ثُمَّ شَكُّوا بَعْدَ فَرَاغِهَا هَلْ خَرَجَ وَقْتُهَا قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ تُجْزِئهُمْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْوَقْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَفَّالُ وَهَذَا كمن تسحر ثم شك هل كان طَلَعَ الْفَجْرُ أَمْ لَا أَوْ وَقَفَ بِعَرَفَاتٍ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ وَالْوُقُوفُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ فِي مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْهِلَالِ لَوْ دَخَلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَأَخْبَرَهُمْ عَدْلٌ بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ ابْنُ الْمَرْزُبَانِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُصَلُّوا ظُهْرًا قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَ جُمُعَةً إلَّا أَنْ
يَعْلَمُوا (الرَّابِعَةُ) إذَا شَرَعُوا فِيهَا فِي وَقْتِهَا ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ السَّلَامِ مِنْهَا فَاتَتْ الْجُمُعَةُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي حُكْمِ صَلَاتِهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَجِبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا وَيُجْزِئُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مَشْهُورٌ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ مُخَرَّجٌ لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَوْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيهِ وَفِي نَظَائِرِهِ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ يُتِمُّهَا ظُهْرًا أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةِ الظُّهْرِ كَالْمُسَافِرِ إذَا نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ بِإِقَامَةٍ أَوْ غَيْرَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهُ تجب نية الظهر وليس بشئ (الْخَامِسَةُ) لَوْ أَدْرَكَ مَسْبُوقٌ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَقَامَ هُوَ إلَى الثَّانِيَةِ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِجُمُعَةٍ صَحِيحَةٍ وَهِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ إتْمَامُهَا جُمُعَةً بَلْ يُتِمُّهَا ظهرا ويجئ فِي بُطْلَانِهَا وَانْقِلَابِهَا نَفْلًا مَا سَبَقَ وَالْمَذْهَبُ إتْمَامُهَا ظُهْرًا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا (السَّادِسَةُ) لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَالْجَمَاعَةُ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَالثَّانِيَةَ خَارِجُهُ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ لِأَنَّهَا تَمَّتْ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ الْأُولَى خَارِجَ الْوَقْتِ فَاتَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَزِمَهُمْ قَضَاءُ الظُّهْرِ وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ الْأُولَى فِي الْوَقْتِ وَسَلَّمَهَا بَعْضُهُمْ خَارِجَ الْوَقْتِ فَإِنْ بَلَغَ عَدَدُ الْمُسَلَّمِينَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ صَحَّتْ جُمُعَتُهُمْ وَإِلَّا فَقَالَ الرَّافِعِيُّ هُوَ شَبِيهٌ بِمَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ وَالصَّحِيحُ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الْمُسَلِّمُونَ خَارِجَ الْوَقْتِ فَصَلَاتُهُمْ بَاطِلَةٌ وَفِيهِمْ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إنْ كَانَ الْمُسَلِّمُونَ فِي الْوَقْتِ أَرْبَعِينَ إنَّهُ تَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ وَهُوَ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي سَلَامِ الْمَسْبُوقِ بَعْدَ الْوَقْتِ ثُمَّ سَلَامُ الْإِمَامِ وَالْقَوْمِ خَارِجَ الْوَقْتِ إنْ كَانَ مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِلَّا فَلَهُمْ إتْمَامُهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ (السَّابِعَةُ) إذَا ضَاقَ الْوَقْتُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الْجُمُعَةِ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ خُطْبَتَانِ وَرَكْعَتَانِ يقتصر فيهما علي الوجبات لَزِمَهُمْ ذَلِكَ وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ نَصَّ عَلَيْهِ في الأم
وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَشْرَعُوا فِي الظُّهْرِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا إلَى خُرُوجِ الْوَقْتِ
بِالِاتِّفَاقِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ الظُّهْرِ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ تَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ حُكِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ وَقَالَ أَصْحَابُهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي تُفْعَلُ فِيهِ صَلَاةُ الْعِيدِ وَقَالَ الْخِرَقِيُّ فِي السَّاعَةِ السَّادِسَةِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً لَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزوال الا احمد ونقل الماورى فِي الْحَاوِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَقَوْلِ أَحْمَدَ ونقله ابن المنذر عن عطاء واسحق " قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ بِإِسْنَادٍ لَا يَثْبُتُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَمُعَاوِيَةَ وَاحْتُجَّ لِأَحْمَدَ بِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَذْهَبُ إلَى جِمَالِنَا فَنُرِيحُهَا حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ " رواه مسلم عن سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ " كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجمعة ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ نَسْتَظِلُّ بِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا زالت الشمس ثم نرجع نتبع الفئ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " مَا كُنَّا نقيل ولا نتغدى
إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عَبْدِ الله بن سيدان قَالَ " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ انْتَصَفَ النَّهَارُ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُثْمَانَ رضي الله عنه فَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَخُطْبَتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ زَالَ النَّهَارُ وَلَا رَأَيْتُ أَحَدًا عاب ذلك ولا انكره " رواه أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ كُنَّا نَجْمَعُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ ثم نرجع نتتبع الفئ " رواه مسلم وهذا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ فِعْلِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ صَلَّى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُمْ كُلَّ جُمُعَةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِحَدِيثِ جَابِرٍ وَمَا بَعْدَهُ أَنَّهَا كُلَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى شِدَّةِ الْمُبَالَغَةِ فِي تَعْجِيلِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ غير إبراد وَلَا غَيْرِهِ
هَذَا مُخْتَصَرُ الْجَوَابِ عَنْ الْجَمِيعِ وحملنا عليه الجمع مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ قَاطِبَةً أَنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَهَا إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَتَفْصِيلُ الْجَوَابِ أَنْ يُقَالَ حَدِيثُ جَابِرٍ فِيهِ إخْبَارٌ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالرَّوَاحَ إلَى جِمَالِهِمْ كَانَا حِينَ الزَّوَالِ لَا أَنَّ الصَّلَاةَ قَبْلَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قَوْلُهُ حِينَ الزَّوَالِ لَا يَسَعُ هَذِهِ الْجُمْلَةَ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ الْمُرَادَ نَفْسُ الزَّوَالِ وَمَا يُدَانِيهِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى بِي الْعَصْرَ حين كان كل شئ مِثْلَ ظِلِّهِ "(وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ سَلَمَةَ أَنَّهُ حجة لنا في كونها بعد الزال لانه ليس معناه انه ليس للحيطان شئ من الفى وانما معناه ليس لها في كَثِيرٌ بِحَيْثُ يَسْتَظِلُّ بِهِ الْمَارُّ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ يُسْتَظَلُّ بِهِ فَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الظِّلِّ وَإِنَّمَا نَفَى كَثِيرَهُ الَّذِي يُسْتَظَلُّ بِهِ وَأَوْضَحُ مِنْهُ الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نَتَتَبَّعُ الفئ فهذا فيه صريح بوجود الفئ لَكِنَّهُ قَلِيلٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ حِيطَانَهُمْ قَصِيرَةٌ وَبِلَادَهُمْ متوسطة من الشمس ولا يظهر هناك الفئ بِحَيْثُ يُسْتَظَلُّ بِهِ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَهْلٍ " مَا كُنَّا نَقِيلُ ولا نتغدى إلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ "(فَمَعْنَاهُ) أَنَّهُمْ كَانُوا يُؤَخِّرُونَ القيلولة والغداء فِي هَذَا الْيَوْمِ إلَى مَا بَعْدَ صَلَاةِ الجمعة لانهم ندبوا إلى التكبير إليها فلو اشتغلوا بشئ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَهَا خَافُوا فَوْتَهَا أَوْ فَوْتَ التكبير إلَيْهَا وَمِمَّا يُؤَيِّدُ هَذَا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَهْلِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " كُنْت أَرَى طُنْفُسَةً لِعَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ تُطْرَحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَى جِدَارِ الْمَسْجِدِ الْغَرْبِيِّ فَإِذَا غَشِيَ الطُّنْفُسَةَ كُلَّهَا ظِلُّ الْجِدَارِ خَرَجَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ثُمَّ نَخْرُجُ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَنَقِيلُ قَائِلَةَ الضُّحَى (وَأَمَّا) الْأَثَرُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ (فضعيف) باتفاقهم لان أبن سيدان ضَعِيفٌ عِنْدَهُمْ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُتَأَوَّلًا لِمُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إذَا خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَهُمْ فِيهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَفُوتُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّونَهَا ظُهْرًا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَبْطُلُ وَيَسْتَأْنِفُونَ الظُّهْرَ وَقَالَ عَطَاءٌ يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَقَالَ أَحْمَدُ إنْ كَانَ صَلَّى مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً وَإِنْ كَانَ أقل يتمها ظهرا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا تصح الجمعة حتى يتقدمها خطبتان لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَلَمْ يُصَلِّ الجمعة إلا بخطبتين وروى ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم يخطب يوم الجمعة خطبتين يجلس بينهما " ولان السلف قالوا إنما قصرت الجمعة لاجل الخطبة فإذا لم يخطب رجع إلى الاصل ومن شرط الخطبة العدد الذى تنعقد به الجمعة لقوله تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فاسعوا إلي ذكر الله) والذكر الذى يفعل بعد النداء هو الخطبة ولانه ذكر شرط في صحة الجمعة فشرط فيه العدد كتكبيرة الاحرام فان خطب بالعدد ثم انفصوا وعادوا قبل الاحرام فان لم يطل القصل صلى الجمعة لانه ليس بأكثر من الصلاتين المجموعتين ثم الفصل اليسير لا يمنع الجمع فكذلك لا يمنع الجمع بين الخطبة والصلاة وإن طال الفصل قال الشافعي رحمه الله أحببت ان يبتدئ الخطبة ثم يصلى بعدها الجمعة فان لم يفعل صلى الظهر واختلف أصحابنا فيه فقال أبو العباس تجب إعادة الخطبة ثم يصلى الجمعة لان الخطبة مع الصلاة كالصلاتين المجموعتين فكما لا يجوز الفصل الطويل بين الصلاتين لم يجز بين الخطبة والصلاة وما نقله المزني لا يعرف وقال أبو إسحق يستحب أن يعيد الخطبة لانه لا يأمن أن يفضوا مرة أخرى فجعل ذلك عذرا في جواز البناء وأما الصلاة فانها واجبة لانه يقدر علي فعلها فان صلى بهم الظهر جَازَ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ إذَا اجْتَمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ ثُمَّ صَلَّوْا الظُّهْرَ أجزأهم وقال بعض أصحابنا يستحب إعادة الخطبة والصلاة على ظاهر النص لانهم انفضوا عنه مرة فلا يأمن أن ينفضوا عنه ثانيا فصار ذلك عذرا في ترك الجمعة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَسَبَقَ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ ذِكْرٌ احْتِرَازٌ مِنْ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ فَإِنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لَهُ الْعَدَدُ وَقَوْلُهُ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ احْتِرَازٌ مِنْ الْأَذَانِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَمَسْأَلَةُ الانفضاض إلى آخرها فسبق شَرْحُهَا وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهَا فِي مَسْأَلَةِ الِانْفِضَاضِ فِي الصَّلَاةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَطُرُقُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ وَمِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ حَيْثُ كَانَتْ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلَهَا وَالْعِيدُ بَعْدَهُ لِأَنَّ خُطْبَةَ
الْجُمُعَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ وَشَأْنُ الشَّرْطِ أَنْ يُقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرِيضَةٌ فَأُخِّرَتْ الصَّلَاةُ لِيُدْرِكَهَا
الْمُتَأَخِّرُ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَمِنْ شَرْطِ الْخُطْبَتَيْنِ كَوْنُهُمَا فِي وَقْتِ الظُّهْرِ فَلَوْ خَطَبَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوْ بَعْضَهُمَا قَبْلَ الزَّوَالِ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهُمَا لَمْ يَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ بَيَانَ هَذَا الشَّرْطِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْخُطْبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ تَقَدُّمَ خُطْبَتَيْنِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْعَدَدُ الَّذِي تَنْعَقِدُ بِهِ الْجُمُعَةُ وَبِهَذِهِ الْجُمْلَةِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَالْجُمْهُورُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْخُطْبَةُ شَرْطٌ وَلَكِنْ تُجْزِئُ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ ولا يشترط العدد لسماعها كالاذان وحكى بن الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ الْجُمُعَةَ تَصِحُّ بِلَا خُطْبَةٍ وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَعَبْدُ الْمَلِكِ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَثَبَتَتْ صَلَاتُهُ صلى الله عليه وسلم بعد خطبتين
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
* (ومن شرطها القيام مع القدرة والفصل بينهما بجلسة لما روى جابر بن سمرة قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب قائما ثم يجلس ثم يقوم ويقرأ آيات ويذكر الله تعالي " ولانه أحد فرضي الجمعة فوجب فيه القيام والقعود كالصلاة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَكِنْ قَالَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيُذَكِّرُ النَّاسَ وَالْبَاقِي سَوَاءٌ وَجَابِرٌ وَأَبُوهُ سَمُرَةُ صَحَابِيَّانِ رضي الله عنهما قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَتَيْنِ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ وَالْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْقُدْرَةِ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا لِلْعَجْزِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ كَالصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ حِينَئِذٍ سَوَاءٌ صَرَّحَ بِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ أَمْ سَكَتَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ قُعُودَهُ لِلْعَجْزِ فَإِنْ بَانَ أَنَّهُ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْقِيَامِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَهُوَ كَمَا لَوْ بَانَ مُحْدِثًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ تَصِحُّ صَلَاتُهُمْ إنْ تَمَّ الْعَدَدُ دُونَهُ وَإِنْ نَقَصَ لَمْ تصح بلا خلاف ولا تصح صلاته هو عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا فَلَوْ عَلِمُوا قُدْرَتَهُ عَلَى الْقِيَامِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ ظَهَرَ لَهُمْ قُدْرَتُهُ فَأَخْبَرَهُمْ بِعَجْزِهِ اعْتَمَدُوهُ وَصَحَّتْ صَلَاتُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ فَإِنْ عَلِمَ بَعْضُهُمْ دُونَ بَعْضٍ بِقُدْرَتِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاةُ الْعَالِمِينَ وَتَصِحُّ
صَلَاةُ الْآخَرِينَ إنْ تَمَّ بِهِمْ الْعَدَدُ وَإِلَّا فَلَا وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الْخُطْبَةَ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَأَمَّا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا فَوَاجِبٌ بِالِاتِّفَاقِ وَتَجِبُ الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْجُلُوسُ خَفِيفٌ جِدًّا قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ تَقْرِيبًا
وَالْوَاجِبُ مِنْهُ قَدْرُ الطُّمَأْنِينَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ وَحَكَى بَعْضُهُمْ أَيْضًا عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَطَبَ قَاعِدًا لِلْعَجْزِ فَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَكْتَةٍ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضْطَجِعَ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَاجِبَةٌ لِيَحْصُلَ الْفَصْلُ وَذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَجْهًا أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ كَلَامَهُ فِي الْخُطْبَتَيْنِ صَحَّتَا لِأَنَّهُ تَخَلَّلَهُ سَكَتَاتٌ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ تُسْتَحَبُّ هَذِهِ السَّكْتَةَ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ قَائِمًا كَفَاهُ الْفَصْلُ بسكتة غَيْرِ جُلُوسٍ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ الْقِيَامِ فِي الْخُطْبَتَيْنِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا وَلَا تَصِحُّ إلَّا بِهِمَا
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ تَصِحُّ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ قَالُوا وَالْقِيَامُ سُنَّةٌ وَكَذَا الْجُلُوسُ بَيْنَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إنَّ الطَّحَاوِيَّ قَالَ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ بِاشْتِرَاطِ الْجُلُوسِ بَيْنَهُمَا قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ أَنَّ الْجُلُوسَ بَيْنَهُمَا شَرْطٌ وَكَذَا القيام دليلنا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " مَعَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَخْطُبُ خطبتين قائما يجلس بينهما " * قال المصنف رحمه الله تعالي
* (وهل يشترط فيها الطهارة فيه قولان قال في القديم تصح من غير طهارة لانه لو افتقر إلى الطهارة لافتقر إلى استقبال القبلة كالصلاة وقال في الجديد لا تصح من غير طهارة لانه ذكر شرط في الجمعة فشرط فيه الطهارة كتكبيرة الاحرام)
* (الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَدَثِ وَالطَّهَارَةُ عَنْ النَّجَاسَةِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ كُلِّهِ (وَالْقَدِيمُ) لَا يشترط شئ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ ثُمَّ إنَّ الْجُمْهُورَ أَطْلَقُوا الْقَوْلَيْنِ فِي اشْتِرَاطِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ الْقَوْلَانِ فِي الطَّهَارَةِ عَنْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ فَإِنْ خَطَبَ جُنُبًا لَمْ تَصِحَّ قَوْلًا
وَاحِدًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ وَلَا تُحْسَبُ قِرَاءَةُ الْجَنْبِ وَصَرَّحَ الْمُتَوَلِّي والرافعي في المحرر يجريان الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَأْمُومُونَ ثُمَّ عَلِمُوا بَعْدَ فَرَاغِهَا أَجْزَأَتْهُمْ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ذِكْرَ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَالْقَوْلَانِ فِيهِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا هُوَ فِي التَّنْبِيهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد لَا تُشْتَرَطُ
* دَلِيلُنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَخْطُبُ
مُتَطَهِّرًا وَقَالَ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أصلي "
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وفرضها أربعة أشياء (احدها) ان يحمد الله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خطب يوم الجمعة فحمد الله تعالى واثنى عليه ثم يقول علي اثر ذلك وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ وَاحْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ كأنه منذر جيش ثم يقول بعثت انا والساعة كهاتين واشار باصبعه الوسطي والتي تلي الابهام ثم يقول ان افضل الحديث كتاب الله وخير الهدى هدى محمد وشر الامور محدثاتها وكل بدعة ضلالة من ترك مالا فلورثته ومن ترك دينا أو ضياعا فالى "
(والثانى)
أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كالاذان والصلاة (والثالث) الوصية بتقوى الله تعالي لحديث جابر ولان القصد من الخطبة الموعظة فلا يجوز الاخلال بها (والرابع) أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لِحَدِيثِ جَابِرِ بن سمرة ولانه احد فرضي الجمعة فوجب فيه القراءة كالصلاة ويجب ذكر الله وذكر الرسول صلى الله عليه وسلم والوصية في الخطبتين وفى قراءة القرآن وجهان (احدهما) يجب فيها لان ما وجب في احداهما وجب
فيهما كذكر اللَّهَ تَعَالَى وَرَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم (والثاني) لا تجب الا في احداهما وهو المنصوص لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أكثر من آية قرأ في الخطبة ولا يقتضى ذلك أكثر من مرة
ويستحب أن يقرأ سورة ق لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقرأها في الخطبة فان قرأ آية فيها سجدة فنزل وسجد جاز لان النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ ذَلِكَ ثم فعله عمر رضى الله عنه بعده فان فعل هذا وطال الفصل ففيه قولان قال في القديم يبنى وقال في الجديد يستأنف وهل يجب الدعاء فيه وجهان (احدهما) يجب رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسم الخطبة ومن أصحابنا من قال هو مستحب وأما الدعاء للسلطان فلا يستحب لما روى انه سئل عطاء عن ذلك فقال انه محدث وانما كانت
الخطبة تذكيرا)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِكَمَالِهِ وَهُوَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ لَا جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ وَقَوْلُهُ أَنْ يَقْرَأَ آيَةً مِنْ القرآن لحديث جابر ابن سمرة حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا فِي مَسْأَلَةِ اشْتِرَاطِ الْقِيَامِ وَحَدِيثُ قِرَاءَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ ق فِي الْخُطْبَةِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ هِشَامٍ بِنْتِ حَارِثَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ " مَا أَخَذْتُ ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ إلَّا عَنْ لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأها كُلَّ جُمُعَةٍ عَلَى الْمِنْبَرِ إذَا خَطَبَ النَّاسَ " وَحَدِيثُ نُزُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْمِنْبَرِ وَسُجُودِهِ لِلتِّلَاوَةِ فِي الْخُطْبَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ هُوَ صَحِيحٌ ذَكَرَهُ فِي أَبْوَابِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَقَوْلُهُ وَفَعَلَهُ عُمَرُ هُوَ صَحِيحٌ عَنْهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْهُ فِي صَحِيحِهِ وَلَفْظُهُ أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ وَقَوْلُهُ وَسُئِلَ عَطَاءٌ عَنْ ذَلِكَ عو عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَاسْمُ أَبِي رَبَاحٍ أَسْلَمُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الحميد عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ قُلْت لِعَطَاءٍ فَذَكَرَهُ وَهُوَ إسْنَادٌ صَحِيحٌ إلَّا عَبْدَ الْمَجِيدِ فَوَثَّقَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَضَعَّفَهُ أبو حاتم الرازي والدارقطني
* أما لُغَاتُ الْفَصْلِ (فَقَوْلُهُ) يَقُولُ عَلَى أَثَرِ ذَلِكَ فِيهِ لُغَتَانِ كَسْرُ الْهَمْزَةِ مَعَ إسْكَانِ الثَّاءِ وَفَتْحُهُمَا (قَوْلُهُ) وَقَدْ عَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ واحمرت وجنتاه هذا كله هَذَا كُلُّهُ مِنْ مُسْتَحَبَّاتِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّهُ أَوْقَعُ فِي النُّفُوسِ وَأَبْلُغُ فِي الْوَعْظِ وَالْوَجْنَةُ الْخَدُّ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ فَتْحُ الْوَاوِ وَضَمُّهَا وَكَسْرُهَا وَالرَّابِعَةُ أُجْنَةٌ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ (قَوْلُهُ) كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ مَعْنَاهُ يُنْذِرُ قَوْمَهُ وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ جَيْشٍ يَقْصِدُهُمْ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ "
هُوَ بِنَصْبِ السَّاعَةِ وَرَفْعِهَا النَّصْبُ عَلَى تَقْدِيرِ مَعَ وَهُوَ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالرَّفْعُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ وَالْإِبْهَامُ مُؤَنَّثَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ ويجوز تذكيرها وسبق بيانها فِي مَسْحِ الرَّأْسِ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ " رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَى وَجْهَيْنِ ضَمُّ الْهَاءِ مَعَ فَتْحِ الدَّالِ وَفَتْحُ الْهَاءِ مَعَ إسْكَانِ الدَّالِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَمَنْ فَتَحَ فَمَعْنَاهُ الطَّرِيقَةُ وَالْأَخْلَاقُ وَمَنْ ضَمَّ مَعْنَاهُ الْإِرْشَادُ وَقَدْ بَسَطْتُ شَرْحَ الرِّوَايَتَيْنِ وَسَائِرِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ مُوَضَّحَةً فِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (قَوْلُهُ) صَلَّى الله عليه
وَسَلَّمَ " كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ " هَذَا مِنْ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ لِأَنَّ الْبِدْعَةَ كُلُّ مَا عُمِلَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ سَبَقَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهِيَ خَمْسَةُ أَقْسَامٍ وَاجِبَةٌ وَمَنْدُوبَةٌ وَمُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ وَقَدْ ذَكَرْت أَمْثِلَتَهَا وَاضِحَةً فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْوَاجِبَةِ تَعَلُّمُ أَدِلَّةِ الْكَلَامِ لِلرَّدِّ عَلَى مُبْتَدِعٍ أَوْ مُلْحِدٍ تَعَرَّضَ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ السِّيَرِ وَمِنْ الْبِدَعِ الْمَنْدُوبَاتِ بِنَاءُ الْمَدَارِسِ وَالرُّبُطُ وَتَصْنِيفُ الْعِلْمِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَالضَّيَاعُ - بِفَتْحِ الضَّادِ - الْعِيَالُ أَيْ مَنْ تَرَكَ عِيَالًا وَأَطْفَالًا يَضِيعُونَ بَعْدَهُ فَلِيَأْتُونِي لِأَقُومَ بِكِفَايَتِهِمْ وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَقْضِي دَيْنَ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَخْلُفْ لَهُ وَفَاءً وَكَانَ هَذَا الْقَضَاءُ وَاجِبًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ كَانَ مُسْتَحَبًّا وَلَا يَجِبُ الْيَوْمَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَقْضِيَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَفِي وُجُوبِ قَضَائِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا كَانَ فِيهِ سَعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ عَنْ أَهَمَّ مِنْ هَذَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَسَيَأْتِي كُلُّ هَذَا وَاضِحًا فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ فِي الْخَصَائِصِ حَيْثُ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِأَنَّ كُلَّ عِبَادَةٍ افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى افْتَقَرَتْ إلَى ذِكْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَفِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّوْمِ (وَقَوْلُهُ) الرَّسُولِ هَكَذَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكَذَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي مَنَاقِبِ الشَّافِعِيِّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَقُولَ قَالَ الرَّسُولُ بَلْ يُقَالُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ أَوْ نَبِيُّ اللَّهِ (فَإِنْ قِيلَ) فَفِي الْقُرْآنِ (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ)(فَالْجَوَابُ) أَنَّ نِدَاءَ اللَّهِ سبحانه وتعالى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم تَشْرِيفٌ لَهُ وَتَبْجِيلٌ بِأَيِّ خِطَابٍ كَانَ بِخِلَافِ كَلَامِنَا (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ رَوَاهُ الْمُزَنِيّ فِي أَقَلِّ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ مَعْنَاهُ نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْخُطْبَةِ فَجَعَلَهُ وَاجِبًا
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا فُرُوضُ
الْخُطْبَةِ خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَاثْنَانِ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا (أَحَدُهَا) حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْحَمْدِ وَلَا يَقُومُ مَعْنَاهُ مَقَامَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَأَقَلُّهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ (الثَّانِي) الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَتَعَيَّنُ لَفْظُ الصَّلَاةِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ كَلَامِ بَعْضِ الْأَصْحَابِ مَا يُوهِمُ أَنَّ لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ لَا يَتَعَيَّنَانِ وَلَمْ يَنْقُلْهُ وَجْهًا مَجْزُومًا بِهِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُمَا مُتَعَيِّنَانِ (الثَّالِثُ) الْوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهَلْ يَتَعَيَّنُ لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَتَعَيَّنُ بَلْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَيُّ وَعْظٍ كَانَ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الخراسانيين
أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ كَلَفْظِ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ تَعَبَّدَنَا بِهِ فِي مَوَاضِعَ وَأَمَّا لَفْظُ الْوَصِيَّةِ فَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ بِالْأَمْرِ بِهِ وَلَا بِتَعَيُّنِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّحْذِيرُ مِنْ الِاغْتِرَارِ بِالدُّنْيَا وَزَخَارِفِهَا لِأَنَّ ذَلِكَ قد يتواصى به منكروا الشرائع بل لابد مِنْ الْحَثِّ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَنْعِ مِنْ الْمَعَاصِي قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجِبُ فِي الْمَوْعِظَةِ كَلَامٌ طَوِيلٌ بَلْ لَوْ قَالَ أَطِيعُوا اللَّهَ كَفَى وَأَبْدَى فِي الِاكْتِفَاءِ بِهِ احْتِمَالًا وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ الِاكْتِفَاءُ بِهِ وَوَافَقَهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى لَفْظَيْ الْحَمْدِ وَالصَّلَاةِ كَافٍ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ قَالَ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ أَوْ عَلَى مُحَمَّدٍ أَوْ رَسُولِ اللَّهِ كَفَى وَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلرَّحْمَنِ أَوْ لِلرَّحِيمِ لَمْ يَكْفِ كَمَا لَوْ قَالَ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ الرَّحْمَنُ أَكْبَرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذِهِ الْأَرْكَانُ الثَّلَاثَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ بِلَا خِلَافٍ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَكْفِي فِي إحْدَاهُمَا وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الرَّابِعُ) قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا أيتهما شَاءَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَمُخْتَصَرِ المزني تجب في الاولي ولا تجزئ فِي الثَّانِيَةِ (وَالثَّالِثُ) تَجِبُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ وَجْهٌ مَشْهُورٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ غَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجِبُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ قَوْلًا وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا تَجِبُ فِي إحْدَاهُمَا لَا بِعَيْنِهَا قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ جَعْلُهَا فِي الْأُولَى وَنَصَّ عَلَيْهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَقَلَّهَا آيَةٌ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله سَوَاءٌ كَانَتْ وَعْدًا أَوْ وَعِيدًا أَوْ حُكْمًا أَوْ قِصَّةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا يَبْعُدُ الِاكْتِفَاءُ بشطر آية طويلة كانت وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِاشْتِرَاطِ آيَةٍ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ (ثُمَّ
نَظَرَ) لَمْ يَكْفِ وَإِنْ كَانَتْ مَعْدُودَةً آيَةً بَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا مُفْهِمَةً قَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْخُطْبَةِ سُورَةَ ق قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَتُهَا بِكَمَالِهَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ كَمَا سَبَقَ وَلِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْمَوَاعِظِ وَالْقَوَاعِدِ وَإِثْبَاتِ الْبَعْثِ وَدَلَائِلِهِ والترغيب وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ سَجْدَةً نَزَلَ وَسَجَدَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ السُّجُودُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ لَمْ يَنْزِلْ بَلْ يَسْجُدُ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ السُّجُودُ عَلَيْهِ وكان عاليا وهو بطئ الْحَرَكَةِ بِحَيْثُ لَوْ نَزَلَ لَطَالَ الْفَصْلُ تَرَكَ السُّجُودَ وَلَمْ يَنْزِلْ هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَإِنَّهُ قَالَ فَإِنْ قَرَأَ سَجْدَةً فَنَزَلَ فَسَجَدَ فَلَا بَأْسَ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الَّذِي أَسْتَحِبُّهُ أَنْ لَا يَتْرُكَ الْخُطْبَةَ وَيَشْتَغِلَ
بِالسُّجُودِ لِأَنَّ السُّجُودَ نَفْلٌ فَلَا يُشْتَغَلُ بِهِ عَنْ الْخُطْبَةِ وَهِيَ فَرْضٌ فَلَوْ نَزَلَ فَسَجَدَ وَعَادَ إلَى الْمِنْبَرِ وَلَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ بَنَى عَلَى خُطْبَتِهِ بِلَا خِلَافٍ فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَقَوْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَسَبَقَ ذِكْرُهُمَا (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ وَاجِبَةٌ لِأَنَّ فَوَاتَهَا يُخِلُّ بِمَقْصُودِ الْوَعْظِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْخُطْبَةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّ الْمُوَالَاةَ مُسْتَحَبَّةٌ فَعَلَى هَذَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِئْنَافُ فَإِنْ بَنَى جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ قَرَأَ آيَةً فِيهَا مَوْعِظَةٌ وَقَصَدَ إيقَاعَهَا عَنْ الْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَعَنْ الْقِرَاءَةِ لَمْ تُحْسَبْ عَنْ الْجِهَتَيْنِ بَلْ تُحْسَبُ قِرَاءَةً وَلَا يُجْزِئُهُ الْإِتْيَانُ بِآيَاتٍ تَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُسَمَّى خُطْبَةً وَلَوْ أَتَى بِبَعْضِهَا فِي ضِمْنِ آيَةٍ جَازَ (الْخَامِسُ) الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَفِيهِ قَوْلَانِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ وَجْهَيْنِ وَالصَّوَابُ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَمَقْصُودُ الْخُطْبَةِ الْوَعْظُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ عَنْ الْإِمْلَاءِ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ وَاجِبٌ وَرُكْنٌ لَا تَصِحُّ الْخُطْبَةُ إلَّا بِهِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَصَحِّ فرجح جمهور العراقيين اسحبابه وَبِهِ قَطَعَ شَيْخُهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي مواضع من تعليقه وادعى الاجماع أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ وَقَطَعَ بِهِ أَيْضًا الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ فِي
التَّنْبِيهِ وَقَطَعَ بِهِ قَبْلَهُمْ ابْنُ الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَرَجَّحَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وُجُوبَهُ وَقَطَعَ بِهِ شَيْخُهُمْ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبَاهُ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَقَطَعَ به الْعِرَاقِيِّينَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَاوِي وَرَجَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا يَجِبُ فَمَحِلُّهُ الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرَيْ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيِّ فَلَوْ دَعَا فِي الْأُولَى لَمْ يُجْزِئْهُ قَالُوا ويكفى مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَرَى أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الدُّعَاءُ مُتَعَلِّقًا بِأُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَنَّهُ لَا بَأْسَ بِتَخْصِيصِهِ بِالسَّامِعِينَ بِأَنْ يَقُولَ رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَأَمَّا الدُّعَاءُ لِلسُّلْطَانِ فَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ بِدْعَةٌ إمَّا مَكْرُوهٌ وَإِمَّا خِلَافُ الْأَوْلَى هَذَا إذا دعا بِعَيْنِهِ فَأَمَّا الدُّعَاءُ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَوُلَاةِ أُمُورِهِمْ بِالصَّلَاحِ وَالْإِعَانَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْقِيَامِ بِالْعَدْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلِجُيُوشِ الْإِسْلَامِ فَمُسْتَحَبٌّ بِالِاتِّفَاقِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالدُّعَاءِ لِلسُّلْطَانِ بِعَيْنِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُجَازَفَةً فِي وَصْفِهِ وَنَحْوَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْخُطْبَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ
ذِكْرٌ مَفْرُوضٌ فَشُرِطَ فِيهِ الْعَرَبِيَّةُ كَالتَّشَهُّدِ وَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَكَانَ يَخْطُبُ بِالْعَرَبِيَّةِ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الْمُتَوَلِّي (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
مُسْتَحَبٌّ وَلَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِكُلِّ اللُّغَاتِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا قُلْنَا بِالِاشْتِرَاطِ فَلَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ جَازَ أَنْ يَخْطُبَ بِلِسَانِهِ مُدَّةَ التَّعَلُّمِ وَكَذَا إنْ تَعَلَّمَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ التَّكْبِيرَ بِالْعَرَبِيَّةِ فَإِنْ مَضَى زَمَنُ التَّعَلُّمِ وَلَمْ يَتَعَلَّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَصَوْا بِذَلِكَ وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَلَا تَنْعَقِدُ لَهُمْ جُمُعَةٌ
* (فَرْعٌ)
التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَرْكَان الْخُطْبَةِ مَأْمُورٌ بِهِ وَهَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوْ مُسْتَحَبٌّ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ لَيْسَ هُوَ بِشَرْطٍ فَلَهُ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ شَرْطٌ فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ ثُمَّ الْقِرَاءَة ثُمَّ الدُّعَاءِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَجِبُ تَقْدِيمُ الْحَمْدِ ثُمَّ الصَّلَاةِ ثُمَّ الْوَصِيَّةِ وَلَا تَرْتِيبَ بَيْنَ
الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ وَلَا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ غَيْرِهِمَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْوَعْظُ وَهُوَ حَاصِلٌ وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ فِي اشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرَعٌ)
لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْخَطِيبِ فِي أَثْنَائِهَا أَوْ أَحْدَثَ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فَهَلْ يَبْنِي عَلَيْهَا غَيْرُهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي أَنَّ فِيهِ قَوْلَيْنِ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِخْلَافِ فِي الصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْمَنْعِ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِي الِاسْتِخْلَافِ يَسْتَخْلِفُ مَنْ كَانَ شَارَكَهُ فِي الصَّلَاةِ وَلَا تُتَصَوَّرُ مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ فِي الْخُطْبَةِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الصَّلَاةِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ اسْتِخْلَافُ مَنْ كَانَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ حَيْثُ يُؤَدِّي إلَى اخْتِلَالِ تَرْتِيبِ الصَّلَاةِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَقْصُودٌ هُنَا (فَالْجَوَابُ) بِأَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْخُطْبَةِ أَيْضًا الْوَعْظُ وَلَا يَحْصُلُ بِبِنَاءِ كَلَامِ رَجُلٍ عَلَى كَلَامِ غَيْرِهِ وَالْأَصَحُّ هُنَا مَنْعُ الْبِنَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ فَإِنْ جَوَّزْنَا الْبِنَاءَ اُشْتُرِطَ كَوْنُ الثَّانِي مِمَّنْ سَمِعَ الْمَاضِيَ مِنْ الْخُطْبَةِ وَإِلَّا اسْتَأْنَفَهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي أَقَلِّ مَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَرْكَانَهَا عِنْدَنَا خَمْسَةٌ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَدَاوُد الْوَاجِبُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْخُطْبَةِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ أَوْ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ الْمَالِكِيُّ إنْ هَلَّلَ أَوْ سَبَّحَ أَجْزَأَهُ
* (فَرْعٌ)
شُرُوطُ الْخُطْبَةِ سَبْعَةٌ وَقْتُ الظُّهْرِ وَتَقْدِيمُهَا عَلَى الصَّلَاةِ وَالْقِيَامُ وَالْقُعُودُ بَيْنَهُمَا وطهارة
الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ عَلَى الْأَصَحِّ فِي الخطبتين والستر وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الشُّرُوطِ وَالسَّابِعُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ أَرْبَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكَمَالِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ سِرًّا وَلَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ صَحَّتْ وَهُوَ غَلَطٌ لِفَوَاتِ مَقْصُودِهَا وَلَوْ خَطَبَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ قَدْرًا يَبْلُغهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا صُمًّا فَلَمْ يَسْمَعُوا كُلُّهُمْ أَوْ سَمِعَ دُونَ أَرْبَعِينَ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) لَا تَصِحُّ كَمَا لَوْ بَعُدُوا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ فَكَلَّمَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ فَلَمْ يَسْمَعْ لِصَمَمِهِ يَحْنَثُ وَكَمَا لَوْ سَمِعُوا الْخُطْبَةَ فَلَمْ يَفْهَمُوهَا فَإِنَّهَا تَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ وَيَنْبَغِي لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْإِمَامِ وَيَسْتَمِعُوا
لَهُ وَيُنْصِتُوا وَالِاسْتِمَاعُ هُوَ شغل القلب بالاسماع وَالْإِصْغَاءِ لِلْمُتَكَلِّمِ وَالْإِنْصَاتُ هُوَ السُّكُوتُ وَهَلْ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِتَفْرِيعِهِمَا فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْجَدِيدِ يُسْتَحَبُّ الْإِنْصَاتُ وَلَا يَجِبُ وَلَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ مِنْ الْجَدِيدِ يَجِبُ الْإِنْصَاتُ وَيَحْرُمُ الْكَلَامُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ هُوَ الْأَوَّلُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ طَرِيقًا غَرِيبًا جَازِمًا بِالْوُجُوبِ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَفِي تَحْرِيمِ الْكَلَامِ عَلَى الْخَطِيبِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يُسْتَحَبُّ وَلَا يَحْرُمُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " تَكَلَّمَ فِي الْخُطْبَةِ " وَالْأَوْلَى أَنْ يُجِيبَ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ كَلَامَهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ لِحَاجَةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي حَقِّ الْقَوْمِ وَالْإِمَامِ فِي كَلَامٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مُهِمٌّ نَاجِزٌ فَلَوْ رَأَى أَعَمًى يَقَعُ فِي بِئْرٍ أَوْ عَقْرَبًا وَنَحْوَهَا تَدِبُّ إلَى إنْسَانٍ غَافِلٍ وَنَحْوِهِ فَأَنْذَرَهُ أَوْ عَلَّمَ إنْسَانًا خَيْرًا أَوْ نَهَاهُ عَنْ مُنْكَرٍ فَهَذَا لَيْسَ بِحَرَامٍ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِهِ لَكِنْ قَالُوا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْإِشَارَةِ إنْ حَصَلَ بِهَا الْمَقْصُودُ هَذَا كُلُّهُ فِي الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَمَّا قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَبَعْدَ فَرَاغِهَا فَيَجُوزُ الْكَلَامُ بِلَا خِلَافٍ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الِاسْتِمَاعِ فَأَمَّا فِي الْجُلُوسِ بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ بِالْجَوَازِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَمَادَى الي الخطبة الثانية ولان الخطبتين كشئ وَاحِدٍ فَصَارَ كَكَلَامٍ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ لِلدَّاخِلِ الْكَلَامَ مَا لَمْ يَأْخُذْ لِنَفْسِهِ مَكَانًا وَالْقَوْلَانِ إنَّمَا هما فيما بعده قُعُودِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِلدَّاخِلِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْحَاضِرِينَ سَوَاءٌ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ أَمْ لَا فَإِنْ خَالَفَ وَسَلَّمَ قَالَ
أَصْحَابُنَا إنْ قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ حَرُمَتْ إجَابَتُهُ بِاللَّفْظِ وَيُسْتَحَبُّ بِالْإِشَارَةِ كَمَا لَوْ سَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ تَحْرِيمُهُ كَرَدِّ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) اسْتِحْبَابُهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ بِخِلَافِ الْمُسَلِّمِ (وَالثَّالِثُ) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يُرَدُّ السَّلَامُ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَلَا يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ فَلَا يُتْرَكُ لَهَا الْإِنْصَاتُ الْوَاجِبُ وَإِذَا قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ جَازَ رَدُّ السَّلَامِ
وَالتَّشْمِيتُ بِلَا خِلَافٍ وَيُسْتَحَبُّ التَّشْمِيتُ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهِ وَأَمَّا السَّلَامُ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجُوزُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ هَذَا كُلُّهُ فِيمَنْ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ فَأَمَّا مَنْ لَا يَسْمَعُهَا لِبُعْدِهِ مِنْ الْإِمَامِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِجَوَازِ الْكَلَامِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ فِيهِ الْقَوْلَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُحْرَمُ الْكَلَامُ اُسْتُحِبَّ لَهُ الِاشْتِغَالُ بِالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ وَإِنْ قُلْنَا يَحْرُمُ حَرُمَ عَلَيْهِ كَلَامُ الْآدَمِيِّينَ وَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ السُّكُوتِ وَالتِّلَاوَةِ وَالذِّكْرِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ إذَا قُلْنَا بِتَحْرِيمِ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى هَيْنَمَةٍ وَتَهْوِيشٍ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ قَالُوا وَهُوَ نَظِيرُ الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي أَنَّ الْمَأْمُومَ هَلْ يَقْرَأُ السُّورَةَ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ إذَا لَمْ يَسْمَعْ الْإِمَامَ وَالصَّحِيحُ هُنَاكَ أَنَّهُ يَقْرَأُ وَكَذَا هُنَا وَلَا خِلَافَ أَنَّ الَّذِي يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ لَا يَقْرَأُ وَلَا يَذْكُرُ وَإِنْ جَوَّزْنَا لَهُ الْكَلَامَ لِأَنَّ الْإِنْصَاتَ آكَدُ لِلِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَحَيْثُ حَرَّمْنَا الْكَلَامَ فَتَكَلَّمَ أَثِمَ وَلَا تَبْطُلُ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَالْحَدِيثُ الْوَارِدُ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ أَيْ لَا جُمُعَةَ كَامِلَةٌ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ هَلْ يَحْرُمُ الْكَلَامُ عَلَى مَنْ عَدَا الْأَرْبَعِينَ فِيهِ الْقَوْلَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ لِغَيْرِهِ وَهُوَ مِمَّا أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا التَّقْدِيرُ بَعِيدٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْأَصْحَابُ أَمَّا بُعْدُهُ فَلِأَنَّ كَلَامَهُ مَفْرُوضٌ فِي السَّامِعِينَ لِلْخُطْبَةِ وَإِذَا حَضَرَتْ جَمَاعَةٌ زَائِدُونَ عَلَى أَرْبَعِينَ لَمْ يُمْكِنْ أن يفرل تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ بِأَرْبَعِينَ مِنْهُمْ مُعَيَّنِينَ حَتَّى يَحْرُمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِمْ قَطْعًا وَيَكُونَ الْخِلَافُ فِي الْبَاقِينَ بَلْ الْوَجْهُ الْحُكْمُ بِانْعِقَادِهَا بِجَمِيعِهِمْ أَوْ بِأَرْبَعِينَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ وَأَمَّا مُخَالَفَتُهُ لِنَقْلِ الْأَصْحَابِ فَلِأَنَّك لَا تَجِدُ لِلْأَصْحَابِ إلَّا إطْلَاقَ قَوْلَيْنِ فِي السَّامِعِينَ وَوَجْهَيْنِ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ كَمَا سَبَقَ والله اعلم
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ الْإِنْصَاتِ حَالَ الْخُطْبَةِ وَتَحْرِيمِ الْكَلَامِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الْكَلَامُ وَبِهِ قَالَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ
وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأبو حنيفة واحمد يحرم
* واحتج لهم بقول الله تعالي (وإذا قرى القرآن فاستمعوا له وانصتوا) وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبى الدارداء قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَقَرَأَ سُورَةَ بَرَاءَةٍ فقلت لابي ابن كَعْبٍ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي فلما صلينا قلت له سألتك فلم تكلمني فقال مالك مِنْ صَلَاتِكَ إلَّا مَا لَغَوْتَ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ صَدَقَ أَبِي " حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَلِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ بَدَلُ رَكْعَتَيْنِ فَحَرُمَ بَيْنَهُمَا الْكَلَامُ كَالصَّلَاةِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّمَ فِي خُطْبَتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَرَّاتٍ وَبِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ يارسول اللَّهِ مَتَى السَّاعَةُ فَأَشَارَ إلَيْهِ النَّاسُ أَنْ اسكت فسأله ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلُّ ذَلِكَ يُشِيرُونَ إلَيْهِ أَنْ اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيْحَكَ مَا أَعْدَدْتَ لَهَا " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ أَنَسٍ أَيْضًا قَالَ " بَيْنَمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَذَكَرَ حَدِيثَ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَجَابُوا عَنْ الْآيَةِ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ هَذَا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ الْخُطْبَةُ وَأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الْمُرَادِ وَعَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّغْوِ الْكَلَامُ الْفَارِغُ وَمِنْهُ لَغْو الْيَمِينِ وَعَنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ الْمُرَادَ نَقْصُ جُمُعَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّاكِتِ وَأَمَّا الْقِيَاسُ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا تَفْسُدُ بِالْكَلَامِ بِخِلَافِ الْخُطْبَةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وسننها أن يكون علي منبر لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يخطب على المنبر ولانه أبلغ
في الاعلام ومن سنها إذا صعد المنبر ثم أقبل علي الناس أن يسلم عليهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان إذا صعد المنبر يوم الجمعة واستقبل الناس بوجهه قال السلام عليكم " ولانه استدبر الناس
في صعوده فإذا اقبل عليهم سلم ومن سننها أن يجلس إذا سلم حتى يؤذن المؤذن لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذا خرج يوم الجمعة جلس يعنى علي المنبر حتى يسكت المؤذن ثم قام فخطب " ويقف على الدرجة التي تلى المستراح لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يقف على هذه الدرجة ولان ذلك أمكن له ويستحب أن يعتمد علي قوس أو عصى لما روى الحكم بن حزن رضي الله عنه قال " وفدت الي النبي صلي الله عليه وسلم فشهدنا معه الجمعة فقام متوكئا علي قوس أو عصي فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات " ولان ذلك أمكن له فان لم يكن معه شئ سكن يديه ومن سننها أن يقبل علي الناس ولا يلتفت يمينا ولا شمالا لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا خطبنا استقبلناه بوجوهنا واستقبلنا بوجهه " ويستحب أن يرفع صوته لحديث جابر " علا صوته واشتد غضبه " ولانه أبلغ في الاعلام قال الشافعي رحمه الله ويكون كلامه مترسلا مبينا معربا من غير لغى ولا تمطيط لان ذلك أحسن وأبلغ ويستحب أن يقصر الخطبة لما روى عن عثمان " أنه خطب وأوجز فقيل له لو كنت تنفست فقال سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " قصر خطبة الرجل مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة وأقصروا الْخُطْبَةِ ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ " صَحِيحٌ مَشْهُورٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَاتِ جَمَاعَاتٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَإِسْنَادُهُمَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذَا خَرَجَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ " إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد باسناد ضعيف ويغنى عنه ما ثبت في صحيح البخاري عن السائب ابن يَزِيدَ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما " فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِي الْجُلُوسِ حِينَئِذٍ وَبِهِ اسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ فَهَذَا الْحَدِيثُ مَوْجُودٌ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ الْمُقَابَلَةِ بِأَصْلِ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَكَمِ بْنِ حَزَنٍ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ
حَسَنَةٍ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ (1) وَأَمَّا حديث عثمان فرواه مسلم في صحيحه
* اما لغات الفصل والفاظه فالمنبر مِنْ النَّبْرِ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ (وَقَوْلُهُ) تَلِي الْمُسْتَرَاحَ هُوَ أَعْلَى الْمِنْبَرِ الَّذِي يَقْعُدُ عَلَيْهِ الْخَطِيبُ لِيَسْتَرِيحَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ حَالَ الْأَذَانِ وَالْحَكَمُ بْنُ حَزْنٍ بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ وَجُنْدُبٌ بِضَمِّ الدَّالِ وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ) يَكُونُ كَلَامُهُ مُتَرَسِّلًا قَالَ الْأَزْهَرِيُّ أَيْ يَتَمَهَّلُ فِيهِ وَيُبَيِّنُهُ تَبْيِينًا يَفْهَمُهُ سَامِعُوهُ قَالَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ اذْهَبْ عَلَى رِسْلِكَ أَيْ عَلَى هِينَتِكَ غَيْرَ مُسْتَعْجِلٍ وَلَا تُتْعِبْ نَفْسَكَ (قَوْلُهُ) مُعْرِبًا أَيْ فَصِيحًا والبغي باسكان الغين المعجمة قال الازهرى أَنْ يَكُونَ رَفْعُهُ صَوْتِهِ يَحْكِي كَلَامَ الْجَبَابِرَةِ وَالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَفَيْهِقِينَ قَالَ وَالْبَغْيُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْكِبْرُ وَالْبَغْيُ الضَّلَالُ والبغي الفساد قال التَّمْطِيطُ الْإِفْرَاطُ فِي مَدِّ الْحُرُوفِ يُقَالُ مَطَّ كَلَامَهُ إذَا مَدَّهُ فَإِذَا أَفْرَطَ فِيهِ قِيلَ مَطَّطَهُ (قَوْلُهُ) لَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْت يَعْنِي مَدَدْتَهَا وَطَوَّلْتهَا (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم مَئِنَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ نُونٌ مُشَدَّدَةٌ أَيْ عَلَامَةٌ أَوْ دَلَالَةٌ عَلَى فِقْهِهِ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ عَلَى مِنْبَرٍ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي أَشَرْنَا إلَيْهَا وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ وَلِأَنَّ النَّاسَ إذَا شَاهَدُوا الْخَطِيبَ كَانَ أَبْلَغَ فِي وَعْظِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمِنْبَرُ عَلَى يَمِينِ الْمِحْرَابِ أَيْ عَلَى يَمِينِ الْإِمَامِ إذَا قَامَ فِي الْمِحْرَابِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهَكَذَا الْعَادَةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى يَمِينِ الْمِنْبَرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْبَرٌ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَقِفَ عَلَى مَوْضِعٍ عَالٍ وَإِلَّا فَإِلَى خَشَبَةٍ وَنَحْوِهَا لِلْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَخْطُبُ إلى جذع قبل اتخاذ المنبر " قالوا وَيُكْرَهُ الْمِنْبَرُ الْكَبِيرُ جِدًّا الَّذِي يُضَيِّقُ عَلَى الْمُصَلِّينَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَسْجِدُ مُتَّسِعًا (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسَنُّ لِلْإِمَامِ السَّلَامُ عَلَى النَّاسِ مَرَّتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ هُنَاكَ وَعَلَى مَنْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ إذَا انتهى إليه (الثانية) إذا وصل أعلا الْمِنْبَرِ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا سَلَّمَ لَزِمَ السَّامِعِينَ الرَّدُّ عَلَيْهِ وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالسَّلَامِ فِي بَاقِي الْمَوَاضِعِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ الثَّانِي مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ (الثَّالِثَةُ) يُسَنُّ لَهُ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ وَسَلَّمَ أَنْ يَجْلِسَ وَيُؤَذِّنَ الْمُؤَذِّنُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الْأَذَانِ قَامَ فَشَرَعَ فِي الْخُطْبَةِ وَيَكُونُ الْمُؤَذِّنُ وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَفِيهِ كَلَامٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ فِي بَابِ الْأَذَانِ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ نَزَلَ عَنْ مَوْقِفِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَرَجَةً وَعُمَرَ دَرَجَةً أُخْرَى وَعُثْمَانَ أُخْرَى وَوَقَفَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي مَوْقِفِ النَّبِيِّ صَلَّى الله
(1) بياض بالاصل فحرر
*
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قُلْنَا) كُلٌّ مِنْهُمْ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ حَجَّةً عَلَى بَعْضٍ وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مُوَافَقَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ صلى الله عليه وسلم (الْخَامِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يَعْتَمِدَ عَلَى قَوْسٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ عَصًا أَوْ نَحْوِهَا لِمَا سَبَقَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْخُذَهُ فِي يَدِهِ الْيُسْرَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمْهُورُ الْيَدَ الَّتِي يَأْخُذُهُ فِيهَا وَقَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْغَلَ يَدَهُ الْأُخْرَى بِأَنْ يَضَعَهَا عَلَى حَرْفِ الْمِنْبَرِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَيْفًا أَوْ عَصًا وَنَحْوَهُ سَكَّنَ يَدَيْهِ بِأَنْ يَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلَهُمَا وَلَا يُحَرِّكَهُمَا وَلَا يَعْبَثَ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا وَالْمَقْصُودُ الْخُشُوعُ وَالْمَنْعُ مِنْ الْعَبَثِ (السَّادِسَةُ) يُسَنُّ أَنْ يُقْبِلَ الْخَطِيبُ عَلَى الْقَوْمِ فِي جَمِيعِ خُطْبَتَيْهِ وَلَا يلتفت في شئ مِنْهُمَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَلَا يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْخُطَبَاءِ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ مِنْ الِالْتِفَاتِ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا غَيْرِهَا فَإِنَّهُ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ هَذَا الِالْتِفَاتِ وَهُوَ مَعْدُودٌ مِنْ الْبِدَعِ الْمُنْكَرَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْصِدَ قَصْدَ وَجْهِهِ ولا يلتفت في شئ مِنْ خُطْبَتِهِ عِنْدَنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا فِي بَعْضِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْأَذَانِ وَهَذَا غَرِيبٌ لَا أَصْلَ لَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ الْإِقْبَالُ بِوُجُوهِهِمْ عَلَى الْخَطِيبِ وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وَلِأَنَّهُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَدَبُ وَهُوَ أَبْلَغُ فِي الْوَعْظِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ سَبَبُ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهُ وَاسْتِقْبَالِهِ إيَّاهُمْ وَاسْتِدْبَارِهِ الْقِبْلَةَ أَنْ يُخَاطِبَهُمْ فَلَوْ اسْتَدْبَرَهُمْ كَانَ قَبِيحًا خَارِجًا عَنْ عُرْفِ الْخِطَابِ وَلَوْ وَقَفَ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ اسْتَدْبَرُوهُ كَانَ قَبِيحًا وَإِنْ اسْتَقْبَلُوهُ اسْتَدْبَرُوا الْقِبْلَةَ فَاسْتِدْبَارٌ وَاحِدٌ وَاسْتِقْبَالُ الْجَمْعِ أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ خَالَفَ السُّنَّةَ وَخَطَبَ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ مُسْتَدْبِرَ النَّاسِ صَحَّتْ خُطْبَتُهُ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَذَا قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ خُطْبَتُهُ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا قَطَعَ بِهِ وَأَنَّ لَهُ بَعْضَ
الِاتِّجَاهِ وَطَرَدَ الدَّارِمِيُّ الْوَجْهَ فِيمَا إذَا اسْتَدْبَرُوهُ أَوْ خَالَفُوا هُمْ أَوْ هُوَ الْهَيْئَةَ الْمَشْرُوعَةَ بِغَيْرِ ذَلِكَ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْخُطْبَةِ فَصِيحَةً بَلِيغَةً مُرَتَّبَةً مُبَيَّنَةً مِنْ غَيْرِ تَمْطِيطٍ وَلَا تَقْعِيرٍ وَلَا تَكُونُ أَلْفَاظًا مبتذلة ملففة فَإِنَّهَا لَا تَقَعُ فِي النُّفُوسِ مَوْقِعًا كَامِلًا وَلَا تَكُونُ وَحْشِيَّةً لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَقْصُودُهَا بَلْ يَخْتَارُ أَلْفَاظًا جَزْلَةً مُفْهِمَةً قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ الْكَلِمَاتُ الْمُشْتَرَكَةُ وَالْبَعِيدَةُ عَنْ الْأَفْهَامِ وَمَا يَكْرَهُ عُقُولُ الْحَاضِرِينَ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه " حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْعِلْمِ مِنْ صَحِيحِهِ (التَّاسِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْصِيرُ الْخُطْبَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَحَتَّى لَا يَمَلُّوهَا قَالَ أَصْحَابُنَا
وَيَكُونُ قِصَرُهَا مُعْتَدِلًا وَلَا يُبَالِغُ بِحَيْثُ يَمْحَقُهَا (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ لَا يَحْضُرَ لِلْجُمُعَةِ إلَّا بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَشْرَعُ فِيهَا أَوَّلَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ لِأَنَّ هَذَا هُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا وَصَلَ الْمِنْبَرَ صَعِدَهُ وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَتَسْقُطُ هُنَا التَّحِيَّةُ بِسَبَبِ الِاشْتِغَالِ بِالْخُطْبَةِ كَمَا تَسْقُطُ فِي حَقِّ الْحَاجِّ إذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بِسَبَبِ الطَّوَافِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا تُسْتَحَبُّ لَهُ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَانِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ مِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ صَلَّاهَا وَحِكْمَتُهُ مَا ذَكَرْتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ التَّحِيَّةَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْقَوْمِ أَنْ يُقْبِلُوا عَلَى الْخَطِيبِ مُسْتَمِعِينَ وَلَا يَشْتَغِلُوا بِغَيْرِهِ حَتَّى قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ لَهُمْ شُرْبُ الْمَاءِ لِلتَّلَذُّذِ ولا بأس يشربه لِلْعَطَشِ لِلْقَوْمِ وَالْخَطِيبِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَخَّصَ فِي الشُّرْبِ طَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَنَهَى عَنْهُ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ تَبْطُلُ الْجُمُعَةُ إذَا شَرِبَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْجَوَازَ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ حُجَّةً لِمَنْ مَنَعَهُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَخْتِمَ خُطْبَتَهُ بِقَوْلِهِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي النُّزُولِ من المنبر غقب فَرَاغِهِ وَيَأْخُذُ الْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَيَبْلُغُ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِ الْإِقَامَةِ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) يُكْرَهُ فِي الْخُطْبَةِ أَشْيَاءُ (مِنْهَا) مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ جَهَلَةِ الْخُطَبَاءِ مِنْ الدَّقِّ
بِالسَّيْفِ عَلَى دَرَجِ الْمِنْبَرِ فِي صُعُودِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَبِدْعَةٌ قَبِيحَةٌ وَمِنْهَا الدُّعَاءُ إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ قَبْلَ جُلُوسِهِ وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ بَعْضُ جَهَلَتِهِمْ أَنَّهَا سَاعَةُ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَذَلِكَ خَطَأٌ إنَّمَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ بَعْدَ جُلُوسِهِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ فِي مَوْضِعِهِ مِنْ الْبَابِ الثَّانِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) الِالْتِفَاتُ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ عِنْدَ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّهُ بَاطِلٌ مَكْرُوهٌ وَمِنْهَا الْمُجَازَفَةُ فِي أَوْصَافِ السَّلَاطِينِ فِي الدُّعَاءِ لَهُمْ وَكَذِبُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ السُّلْطَانُ الْعَالِمُ الْعَادِلُ وَنَحْوِهِ (وَمِنْهَا) مُبَالَغَتُهُمْ فِي الْإِسْرَاعِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَخَفْضِ الصَّوْتِ بِهَا (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِذَا حُصِرَ الْإِمَامُ لُقِّنَ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَنَصَّ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ أَنَّهُ لَا يُلَقَّنُ قَالَ القاضى
أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ فَقَوْلُهُ يُلَقِّنُهُ أَرَادَ إذَا استظعمه التلقين بحيث سكت ولم ينطق بشئ وقوله لا يلقنه أراد ما دام الكلام ويرجوا ان؟ ؟ ؟ عَلَيْهِ فَيُتْرَكُ حَتَّى يَنْفَتِحَ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَنْفَتِحْ لُقِّنَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ مُرَادَ الشَّافِعِيِّ هَذَا التَّفْصِيلُ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ * قال المصنف رحمه الله
* (والجمعة ركعتان لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى " ولانه نقل الخلف عن السلف والسنة أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ الجمعة وفى الثانية المنافقين لما روى عبد الله بن أبى رافع قال " استخلف مروان ابا هريرة على المدينة فصلي بالناس الجمعة فقرأ بالجمعة والمنافقين فقلت يا أبا هريرة قرأت بسورتين سمعت عليا رضى الله عنه قرأ بهما قال سمعت حبي ابا القاسم صلي الله عليه وسلم يقرأ بهما " والسنة ان يجهر فيهما بالقراءة لانه نقل الخلف عن السلف)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ عُمَرَ رضي الله عنه حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِمْ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِلَفْظِهِ وَعَبْدُ اللَّهِ هَذَا تَابِعِيٌّ وَأَبُوهُ
أَبُو رَافِعٍ صَحَابِيٌّ وَهُوَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاسْمُهُ أَسْلَمُ وَيُقَالُ ابراهيم ويقال ثابت ويقال هرمز وله وَقَوْلُهُ حِبِّي - بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - أَيْ مَحْبُوبِي
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ رَكْعَتَانِ وَعَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ الْجَهْرُ فيهما وتسن القراءة فيهما بِالسُّورَتَيْنِ الْمَذْكُورَتَيْنِ بِكَمَالِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ
يقرأ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ وَفِي الثَّانِيَةِ هل اتاك حديث الغاشية وَقَالَ الرَّبِيعُ وَهُوَ رَاوِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ الْجَدِيدَةِ سَأَلْتُ الشَّافِعِيَّ عَنْ ذَلِكَ فَذَكَرَ أَنَّهُ يَخْتَارُ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ سَبِّحْ وَهَلْ أَتَاكَ كَانَ حَسَنًا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قرأ في الجمعة بسبح وهل اتاك ايضا والصواب هاتين سنة وهاتين سُنَّةٌ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهَاتَيْنِ تَارَةً وَبِهَاتَيْنِ تَارَةً وَالْأَشْهَرُ عَنْ الشافعي والاصحاب الجمعة والمنافقين قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ قَرَأَ فِي الْأُولَى الْمُنَافِقِينَ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَلَا يُعِيدُ الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ قَرَأَ فِي الْأُولَى غَيْرَ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ السُّورَتَيْنِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَرَكَ الْجَهْرَ فِي الْأُولَيَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لَا يَجْهَرُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَنَّ السُّنَّةَ الْإِسْرَارُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَلَا يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ السُّنَّةِ الْفَائِتَةِ إلَّا بِتَفْوِيتِ السُّنَّةِ الْمَشْرُوعَةِ الْآنَ وَأَمَّا هُنَا فَيُمْكِنُهُ جَمْعُ السُّورَتَيْنِ بِغَيْرِ إخْلَالٍ بِسُنَّةٍ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى وَهَذَا خِلَافُ السُّنَّةِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ ذَلِكَ الْأَدَبَ لَا يُقَاوِمُ فَضِيلَةَ السُّورَتَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا مَزِيَّةَ لِهَاتَيْنِ السُّورَتَيْنِ وَلَا لِغَيْرِهِمَا وَالسُّوَرُ كُلُّهَا سَوَاءٌ فِي هَذَا وَقَالَ مَالِكٌ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْجُمُعَةَ وَالثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَمْ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَمِمَّنْ نَقَلَهُ مِنْ الْمُتَقَدِّمِينَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَوْلَانِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْآخَرِينَ أَنَّهُ وَجْهَانِ وَلَعَلَّهُمَا قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ فَيَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا قَوْلَيْنِ وَوَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهَا صلاة مستقلة ويستدل له حديث عُمَرَ رضي الله عنه الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِأَنَّ ادِّعَاءَ الْقَصْرِ يَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ وَعَبَّرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا بِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَقَالَ فِي الْجُمُعَةِ
وَالظُّهْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) كُلُّ وَاحِدَةٍ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
الظُّهْرُ أَصْلٌ وَالْجُمُعَةُ بَدَلٌ وَهُوَ الْقَوْلُ بِأَنَّهَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ أَصَحُّهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ أَصْلٌ وَالظُّهْرُ بَدَلٌ وَبَنَى الْأَصْحَابُ عَلَى الْخِلَافِ فِي كَوْنِهَا ظُهْرًا مَقْصُورَةً أَمْ مُسْتَقِلَّةً مَسَائِلَ كَثِيرَةً (مِنْهَا) مَا سَأَذْكُرُهُ فِي فَرْعٍ
بَعْدَ هَذَا فِي نِيَّةِ الْجُمُعَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِمُصَلِّي الْجُمُعَةِ أَنْ يَنْوِيَ الْجُمُعَةَ بِمَجْمُوعِ مَا يُشْتَرَطُ فِي النِّيَّةِ فَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ فلابد مِنْ نِيَّةِ الْجُمُعَةِ فَلَوْ نَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً لَمْ تَصِحَّ وَإِنْ قُلْنَا هِيَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَنَوَى ظُهْرًا مَقْصُورَةً فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى حَقِيقَتِهَا
(وَالثَّانِي)
لَا تَصِحُّ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّيَّاتِ التَّمْيِيزُ فَوَجَبَ التَّمْيِيزُ بِمَا يَخُصُّ الْجُمُعَةَ قَالَ وَلَوْ نَوَى الْجُمُعَةَ فَإِنْ قُلْنَا هِيَ صَلَاةٌ مُسْتَقِلَّةٌ أَجْزَأَتْهُ وَإِنْ قلنا ظهر مقصورة فَهَلْ يُشْتَرَطُ نِيَّةُ الْقَصْرِ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ تَكْفِي نِيَّةُ الْجُمُعَةِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِتْمَامُ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا ضَعِيفٌ غَيْرُ مَعْدُودٍ مِنْ الْمَذْهَبِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ نَوَى الظُّهْرَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِلْقَصْرِ لَمْ تَصِحَّ بِلَا خِلَافٍ
*
(باب هيئة الجمعة)
* قال المصنف رحمه الله
* (السنة لمن اراد الجمعة ان يغتسل لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ جاء منكم الي الجمعة فليغتسل ووقته ما بين طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ فان اغتسل قبل طلوع الفجر لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " فعلقه على اليوم والافضل ان يغتسل عند الرواح لحديث ابن عمر ولانه انما يراد لقطع الروائح فإذا فعله عند الرواح كان أبلغ في المقصود فان ترك الغسل جاز لما روى سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أفضل " فان كان جنبا فنوى بالغسل الجنابة والجمعة
اجزأه عنهما كما لو اغتسلت المرأة ونوت الجنابة والحيض وان نوى الجنابة ولم ينوى الجمعة اجزأه عن الجنابة وفى الجمعة قولان
(أحدهما)
يجزئه لانه يراد للتنظيف وقد حصل (والثاني) لا يجزئه لانه لم ينوه فأشبه إذا اغتسل من غير نية وإن نوى الجمعة ولم ينو الجنابة لم يجزئه عن الجنابة وفى الجمعة وجهان
(أحدهما)
وهو المذهب أنه يجزئه عنهما لانه نواها
(والثانى)
لا تجزئه لان غسل لجمعة يراد للتنظيف والتنظيف لا يحصل مع بقاء الجنابة)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِهَذَا اللَّفْظِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَدِيثُ سَمُرَةَ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الجمعة " معناه من أراد المجئ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ الْمُرَادُ بِالْمُحْتَلِمِ الْبَالِغُ وَبِالْوُجُوبِ وُجُوبُ اخْتِيَارٍ لَا وُجُوبُ الْتِزَامٍ كَقَوْلِ الْإِنْسَانِ لِصَاحِبِهِ حَقُّكَ وَاجِبٌ عَلَيَّ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " مَنْ تَوَضَّأَ فَبِهَا وَنِعْمَتْ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ قَالَ الْأَصْمَعِيُّ مَعْنَاهُ فَبِالسُّنَّةِ أَخَذَ وَنِعْمَتْ السُّنَّةُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَنِعْمَتْ الْخَصْلَةُ أَوْ نِعْمَتْ الْفِعْلَةُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ وَإِنَّمَا ظَهَرَتْ تَاءُ التَّأْنِيثِ لِإِظْهَارِ السُّنَّةِ أَوْ الْخَصْلَةِ أَوْ الْفِعْلَةِ وَحَكَى الْهَرَوِيُّ فِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ الْأَصْمَعِيِّ مَا سَبَقَ ثُمَّ قَالَ وَسَمِعْتُ الْفَقِيهَ أَبَا حَاتِمٍ الشَّارِكِيَّ يَقُولُ مَعْنَاهُ فَبِالرُّخْصَةِ أَخَذَ لِأَنَّ السُّنَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ الْغُسْلُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَبِالْفَرِيضَةِ أَخَذَ وَلَعَلَّ الْأَصْمَعِيَّ أَرَادَ بِقَوْلِهِ فَبِالسُّنَّةِ أَيْ فِيمَا جَوَّزَتْهُ السَّنَةُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَنِعْمَتْ - بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَرُوِيَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَهُوَ الْأَصْلُ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ قَالَ الْقَلَعِيُّ وَرُوِيَ نَعِمْتَ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ التَّاءِ أَيْ نَعَّمَكَ اللَّهُ وَهَذَا تَصْحِيفٌ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَسَائِرِ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ فِي فَصْلٍ عَقِيبَ بَابِ صِفَةِ الْغُسْلِ وَنُعِيدُ مِنْهُ هُنَا قِطْعَةً مُخْتَصَرَةً تَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْمُصَنِّفِ وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ وُجُوبًا يُعْصَى بِتَرْكِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِيمَنْ يُسَنُّ لَهُ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ سَوَاءٌ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ وَالْمُسَافِرُ وَالْعَبْدُ وَغَيْرُهُمْ لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ
عُمَرَ وَلِأَنَّ الْمُرَادَ النَّظَافَةُ وَهُمْ فِي هَذَا سَوَاءٌ وَلَا يُسَنُّ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ الْحُضُورَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ لِمَفْهُومِ الْحَدِيثِ وَلِانْتِفَاءِ الْمَقْصُودِ وَلِحَدِيثِ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من أتى الجمعة
مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ لَمْ يَأْتِهَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ (الثَّانِي) يُسَنُّ لِكُلِّ مَنْ حَضَرَهَا وَلِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَمَنَعَهُ عُذْرٌ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ شُرِعَ لَهُ الْجُمُعَةُ وَالْغُسْلُ فَعَجَزَ عَنْ أَحَدِهِمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَفْعَلَ الْآخَرَ (وَالثَّالِثُ) لَا يُسَنُّ إلَّا لِمَنْ لَزِمَهُ حُضُورُهَا حَكَاهُ الشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَالرَّابِعُ يُسَنُّ لِكُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنْ حضرها وغيره لانه كيوم العيد وهو مشهور مِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَوَقْتُ جَوَازِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةَ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ قَالُوا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَانْفَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ أَنَّهُ يَجُوزُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ كَغُسْلِ الْعِيدِ عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ وَالصَّوَابُ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَيُخَالِفُ الْعِيدَ فَإِنَّهُ يُصَلَّى فِي أَوَّلِ النَّهَارِ فَيَبْقَى أَثَرُ الْغُسْلِ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى تَقْدِيمِ غُسْلِ الْعِيدِ لِكَوْنِ صَلَاتِهِ أَوَّلَ النَّهَارِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ قَبْلَ الْفَجْرِ ضاق الوقت وتأخر عن التكبير إلَى الصَّلَاةِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ تَأْخِيرُهُ إلَى وَقْتِ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ وَلَوْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَحْدَثَ أَوْ أَجْنَبَ بِجِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُ الْجُمُعَةِ عِنْدَنَا بَلْ يَغْتَسِلُ لِلْجَنَابَةِ وَيَبْقَى غُسْلُ الْجُمُعَةِ عَلَى صِحَّتِهِ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ وَلَا وَجْهَ لِإِبْطَالِهِ وَلَوْ عَجَزَ عَنْ الْغُسْلِ لِنَفَادِ الْمَاءِ بَعْدَ الْوُضُوءِ أَوْ لِمَرَضٍ أَوْ بَرْدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ له التيمم ويجوز بِهِ فَضِيلَةَ الْغُسْلِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَهُ مَقَامَهُ عِنْدَ الْعَجْزِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ الظَّاهِرُ وَفِيهِ احْتِمَالٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُرَادَ بِالْغُسْلِ النَّظَافَةُ وَلَا تَحْصُلُ بِالتَّيَمُّمِ ورجح الغزالي هذا الاحتمال وليس بشئ وَلَوْ تَرَكَ الْغُسْلَ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْهُ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ وَسَنَبْسُطُ دَلَائِلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غَسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَى الْغُسْلَ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ مَعًا فَالْمَذْهَبُ صِحَّةُ غُسْلِهِ لَهُمَا جَمِيعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي سَهْلٍ
الصُّعْلُوكِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَاسْتَدَلَّ لِلْمَذْهَبِ بِمَا إذَا لَزِمَهَا غُسْلُ حَيْضٍ وَغُسْلُ جَنَابَةٍ فَنَوَتْهُمَا أَوْ نَوَى بِصَلَاتِهِ الْفَرْضَ وَتَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ عَنْهُمَا وَلَوْ نَوَى غسل الجمعة لم تحصل الْجَنَابَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ مَشْهُورٌ للخراسانيين أَنَّهَا تَحْصُلُ وَسَبَقَ بيانه في
كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنْ قُلْنَا بِهِ حَصَلَ غُسْلُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَفِي صِحَّةِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ حُصُولُهُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ النَّصِّ
(وَالثَّانِي)
لَا يَحْصُلُ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَإِذَا اخْتَصَرْتَ قُلْتَ إذَا نَوَى غُسْلَ الْجُمُعَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) حُصُولُهَا دُونَ الْجَنَابَةِ
(وَالثَّانِي)
حُصُولُهُمَا (وَالثَّالِثُ) مَنْعُهُمَا وَلَوْ نَوَى الْغُسْلَ لِلْجَنَابَةِ حَصَلَ بِلَا خِلَافٍ وَفِي حُصُولِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَكْثَرِينَ لَا يَحْصُلُ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَلَمْ يَنْوِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْبَغَوِيِّ حُصُولُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ الْجُمُعَةِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ سُنَّةٌ لَيْسَ بِوَاجِبٍ يَعْصِي بِتَرْكِهِ بَلْ لَهُ حُكْمُ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ وَبِهَذَا قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ هُوَ فَرْضٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَنْ رِوَايَةٍ عَنْ مَالِكٍ
* وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِحَدِيثِ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ " وَبِحَدِيثِ " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلِيَغْتَسِلْ " وَهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا بَيَّنَّاهُ
* وَاحْتَجَّ اصحابنا عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ (أَحَدُهُمَا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَبِهَا " وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ مِمَّا سَبَقَ فِي تَفْسِيرِهِ تَحْصُلُ الدَّلَالَةُ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ " وَالْأَصْلُ فِي أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى مُشْتَرِكَيْنِ فِي الْفَضْلِ يُرَجَّحُ أَحَدَهُمَا فِيهِ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أتي الجمعة فدنى وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذْ دَخَلَ عُثْمَانُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ عُمَرُ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَأَخَّرُونَ بَعْدَ النِّدَاءِ فَقَالَ عُثْمَانُ مَا زِدْتُ حِينَ سَمِعْتُ النِّدَاءَ أَنْ
تَوَضَّأْتُ ثُمَّ أَقْبَلْتُ فَقَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا أَلَمْ تَسْمَعُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا لَفْظُ مُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ دَخَلَ رَجُلٌ وَلَمْ يُسَمِّ عُثْمَانَ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ وَهُمْ الْجَمُّ الْغَفِيرُ أَقَرُّوا عُثْمَانَ عَلَى تَرْكِ الْغُسْلِ وَلَمْ يَأْمُرُوهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمْ يَتْرُكْهُ وَلَمْ يَتْرُكُوا أَمْرَهُ بِالرُّجُوعِ لَهُ قَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَتَحَرَّيَنَّهُ (وَقَوْلُهُ) وَالْوُضُوءَ أَيْضًا مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَصْدَرِ أَيْ وَتَوَضَّأْتَ الْوُضُوءَ أَيْضًا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ
قَالَتْ " كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ الْجُمُعَةَ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَمِنْ الْعَوَالِي فَيَأْتُونَ فِي الْعَبَاءِ وَيُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ فيخرج منهم الريح فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لو أنكم تطهرتم ليؤمكم هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " غُسْلُ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَكِنَّهُ أَطْهُرُ وَخَيْرٌ لِمَنْ اغْتَسَلَ وَسَأُخْبِرُكُمْ كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْغُسْلِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ عَائِشَةَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْجَوَابُ) عَمَّا احْتَجُّوا بِهِ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
مَسَائِلَ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ يُجْزِئُ غُسْلٌ وَاحِدٌ عَنْ الْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَمُجَاهِدٍ ومكحول ومالك والثوري والاوزاعي والشافعي وأبو ثور وقال احمد ارجوا أَنْ يُجْزِئَهُ وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ الصَّحَابِيُّ لِمَنْ اغْتَسَلَ لِلْجَنَابَةِ أَعِدْ غُسْلًا لِلْجُمُعَةِ وَقَالَ بَعْضُ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ قبل الفجر لم يجزئه عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يُجْزِئُهُ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لَهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ والنخعي والثوري واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُجْزِئُهُ إلَّا عِنْدَ الذَّهَابِ إلَى الْجُمُعَةِ وَكُلُّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَّا الْأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ يُجْزِئُهُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ لِلْجَنَابَةِ وَالْجُمُعَةِ (وَمِنْهَا) لَوْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَجْنَبَ لَمْ يَبْطُلْ غُسْلُهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَبْطُلُ وَلَوْ أَحْدَثَ لَمْ يَبْطُلْ بِالْإِجْمَاعِ وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِ إعَادَةِ الْغُسْلِ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَحَكَى عَنْ طَاوُسٍ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ اسْتِحْبَابَهُ (وَمِنْهَا) الْمُسَافِرُ إذَا لَمْ يُرِدْ حُضُورَ
الْجُمُعَةِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَفِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ تَرَكَهُ فِي السفر ابن عمر وعلقمة وعطاء وقال وروى عن طلحة بن عبيد الله أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ فِي السَّفَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَعَنْ طَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ مِثْلُهُ (وَمِنْهَا) الْمَرْأَةُ إذَا حَضَرَتْ الْجُمُعَةَ اُسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا تَغْتَسِلُ
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ " وعلي مالك اشتراط الذهاب عقب الغسل (قوله) صلى الله عليه وسلم " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ وَلَفْظَةُ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَعَلَى أَحْمَدَ فِي الْمَرْأَةِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِزِيَادَتِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَلِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تطيب ولا تزين
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يتنظف بسواك وأخذ الظفر والشعر وقطع الروائح ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه لما روى أبو سعيد وأبو هريرة رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجمعة واستن ومس من طيب ان كان عنده ولبس أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتي المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وانصت إذا خرج الامام كانت كفارة لما بينهما وبين الجمعة التى قبلها " وأفضل الثياب البياض لما روى سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم البسوا ثياب البيض فانها اطهر وأطيب " ويستحب للامام من الزينة أكثر مما يستحب لغيره لانه يقتدى به والافضل أن يعتم ويرتدى ببرد لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذلك)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَهُوَ مِنْ رواية محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ ومحمد بن اسحق يُحْتَجُّ بِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ إذَا قَالَ أَخْبَرَنِي أَوْ حَدَّثَنِي أَوْ سَمِعْتُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا قَالَ عَنْ لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى تَدْلِيسٍ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَفِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ وَالْبَيْهَقِيِّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ فَثَبَتَ بِذَلِكَ سَمَاعُهُ وَصَارَ الْحَدِيثُ حَسَنًا وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ أَحَادِيثُ بِمَعْنَى
بَعْضِهِ (مِنْهَا) عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ وَيَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ من سواك وَيَمَسُّ مِنْ الطِّيبِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ سَمُرَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي النَّدْبِ إلَى إحْسَانِ الثِّيَابِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالسِّوَاكِ وَالطِّيبِ (وَأَمَّا) إزَالَةُ الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ (فَاحْتَجَّ) لَهُمَا الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُحَقِّقُونَ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي بَابِ السِّوَاكِ فِي النَّدْبِ الْعَامِّ إلَيْهِمَا وانهما من خصال الفطرة المندوب
إليها (وَأَمَّا) مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ النَّهْيِ عَنْهُمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَبَاطِلٌ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ الِاعْتِمَامِ فَرَوَاهُ عَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَطَبَ النَّاسَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَأَمَّا لُبْسُ الْبُرْدِ فَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ " كَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بُرْدٌ يَلْبَسُهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَةِ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَنَّ - بِتَشْدِيدِ النُّونِ - أي تسوك ويقال انصت ونصت وتنصت ثلث لغات ذكرهن الازهرى وغيره افصحهن أَنْصَتَ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ وَسَبَقَ فِي الْإِنْصَاتِ لِلْخُطْبَةِ بَيَانُ الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وسمرة بن جندب ضم الدَّالِ وَفَتْحِهَا (وَقَوْلُهُ) أَفْضَلُ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ كَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ الْبِيضُ وَيَصِحُّ الْبَيَاضُ عَلَى تَقْدِيرِ أَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ وَهُوَ مَعْنَى الْحَدِيثِ الْبَسُوا ثِيَابَ الْبِيضِ أَيْ ثِيَابَ الْأَلْوَانِ البيض والبسوا بفتح الباء
* اما أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَعَ الِاغْتِسَالِ لِلْجُمُعَةِ أَنْ يَتَنَظَّفَ بِإِزَالَةِ أَظْفَارٍ وَشَعْرٍ وَمَا يحتاج الي ازالتهما كَوَسَخٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَدَّهِنَ وَيَتَسَوَّكَ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَأَفْضَلُهَا الْبِيضُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَحَبُّ لِغَيْرِهِ مِنْ الزِّينَةِ وَغَيْرِهَا وَأَنْ يَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِيَ وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ كَغَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَذَكَرَ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ كَرَاهَةَ لِبَاسِهِ السَّوَادَ وَقَالَهُ قَبْلَهُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ وَخَالَفَهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ فِي الْحَاوِي
يَجُوزُ لِلْإِمَامِ لُبْسُ الْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ قَالَ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ يَلْبَسُونَ الْبَيَاضَ وَاعْتَمَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ قَالَ وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ السَّوَادَ بَنُو العباس في خلاقتهم شِعَارًا لَهُمْ وَلِأَنَّ الرَّايَةَ الَّتِي عُقِدَتْ لِلْعَبَّاسِ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ كَانَتْ سَوْدَاءَ وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ صَفْرَاءَ قَالَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَلْبَسَ السَّوَادَ إذَا كَانَ السُّلْطَانُ لَهُ مُؤْثِرًا لِمَا فِي تَرْكِهِ مِنْ مُخَالَفَتِهِ وَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يلبس السواد ويستدل بحديث عمرو ابن حُرَيْثٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَلْبَسُ الْبَيَاضَ دُونَ السَّوَادِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْمَذْكُورَ مِنْ اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ وَالطِّيبِ وَالتَّنَظُّفِ بِإِزَالَةِ الشُّعُورِ الْمَذْكُورَةِ وَالظُّفْرِ وَالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ وَلُبْسِ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ لَيْسَ مُخْتَصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ مَجْمَعٍ مِنْ مَجَامِعِ النَّاسِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ أُحِبُّ ذَلِكَ كُلَّهُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَكُلِّ مَجْمَعٍ تَجْتَمِعُ فِيهِ النَّاسُ قَالَ وَأَنَا لِذَلِكَ فِي الْجُمَعِ وَنَحْوِهَا أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتُسْتَحَبُّ هَذِهِ الْأُمُورُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ حُضُورَ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِهَا سَوَاءٌ الرِّجَالُ وَالصِّبْيَانُ وَالْعَبِيدُ إلَّا النِّسَاءَ فَيُكْرَهُ لِمَنْ أَرَادَتْ مِنْهُنَّ الْحُضُورَ الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَفَاخِرُ الثِّيَابِ وَيُسْتَحَبُّ لَهَا قَطْعُ الرائحة الكريهة وازالة الظفر والشعور المكروهة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يبكر إلي الجمعة لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ومن راح الساعة في الثالثة فكانما قرب كبشا اقرن ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة فإذا خرج الامام حضرت الملائكة يستمعون الذكر ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَهَذَا الْمَذْكُورُ مِنْ أَنَّ السَّاعَاتِ خَمْسٌ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ سِتُّ سَاعَاتٍ قَالَ فِي الْأُولَى بَدَنَةً وَفِي الثَّانِيَةِ
بَقَرَةً وَالثَّالِثَةِ كَبْشًا وَالرَّابِعَةِ بَطَّةً وَالْخَامِسَةِ دَجَاجَةً وَالسَّادِسَةِ بَيْضَةً وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ أَيْضًا فِي الرَّابِعَةِ دَجَاجَةً وفى الخامسة عصفورا وفى السادسة بيضة واسنادا الرِّوَايَتَيْنِ صَحِيحَانِ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ هُمَا شَاذَّانِ لِمُخَالِفَتِهِمَا سَائِرَ الرِّوَايَاتِ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم غُسْلُ الْجَنَابَةِ مَعْنَاهُ غُسْلًا كَغُسْلِ الْجَنَابَةِ فِي صِفَاتِهِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَسَاهَلَ فِيهِ وَلَا يُكْمِلَ آدَابَهُ وَمَنْدُوبَاتِهِ لِكَوْنِهِ سُنَّةً لَيْسَ بِوَاجِبٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي مَعْنَاهُ وَلَمْ يَذْكُرْ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ غَيْرَهُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ بَعْضَهُمْ حَمَلَهُ عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ حَقِيقَةً قَالُوا وَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُجَامِعَ زَوْجَتَهُ إنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ أَوْ أَمَتَهُ لِتَسْكُنَ نَفْسُهُ فِي يَوْمِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ هَذَا مَنْ غَسَّلَ وَاغْتَسَلَ عَلَى أَحَدِ الْمَذَاهِبِ فِي تَفْسِيرِهِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ رَاحَ " يَسْتَدِلُّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى مَالِكٍ فِي اشْتِرَاطِ الرَّوَاحِ عَقِبَهُ لِأَنَّ ثُمَّ لِلتَّرَاخِي وَيَسْتَدِلُّونَ بِهِ عَلَى الْأَوْزَاعِيِّ فِي تجويزه الاغتسال لها قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْفَجْرِ لَيْسَ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ مُبَيِّنَةٌ لِغُسْلِ الْجُمُعَةِ الْمُطْلَقِ فِي غَيْرِهَا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ رَاحَ أَيْ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَأَمَّا حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ وَالْمُرَادُ بِهِ فَسَنَذْكُرُهُ عَقِبَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم قَرَّبَ بَدَنَةً إلَى آخِرِهِ مَعْنَى قَرَّبَ بَدَنَةً تَصَدَّقَ بِهَا وَالْمُرَادُ بِالْبَدَنَةِ هُنَا الْوَاحِدُ مِنْ الْإِبِلِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَفِي حَقِيقَةِ الْبَدَنَةِ خِلَافٌ لِأَهْلِ اللُّغَةِ وَالْفُقَهَاءِ قَالَ الْجُمْهُورُ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِعِظَمِ بَدَنِهَا وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ يقع عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى سُمِّيَتْ بَقَرَةً لِأَنَّهَا تَبْقُرُ الْأَرْضَ أَيْ تَشُقُّهَا بِالْحِرَاثَةِ وَالْبَقْرُ الشَّقُّ
وَوَصَفَ الْكَبْشَ بِأَنَّهُ أَقْرَنُ لِأَنَّهُ أَحْسَنُ وَأَكْمَلُ فِي صُورَتِهِ وَالدَّجَاجَةُ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا - يَقَعُ عَلَى ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَيُقَالُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ وَغَيْرُهُمْ بِفَتْحِ الضَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى ابْنُ السِّكِّيتِ وَجَمَاعَاتٌ كَسْرَهَا قَالُوا وَهَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةُ غَيْرُ الْحَفَظَةِ بَلْ طَائِفَةٌ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ حَاضِرِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَحْضُرُونَ يَسْمَعُونَ الْخُطْبَةَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ حُجَّةٌ لَنَا وَلِلْجُمْهُورِ عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ قَالَ التَّضْحِيَةُ بِالْبَقَرَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْبَدَنَةِ وَفِي الْهَدْيِ فِي الْحَجِّ قَالَ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ وَعِنْدَنَا وَعِنْدَ الْجُمْهُورِ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ فِيهِمَا وَدَلِيلُنَا أَنَّ
الْقُرْبَانَ يُطْلَقُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ الْبَدَنَةِ عَلَى الْبَقَرَةِ فِي الْقُرْبَانِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ وَأَنَّ مَرَاتِبَ النَّاسِ فِي الْفَضِيلَةِ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عند الله اتقاكم) وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وتعتبر الساعات من حين طلوع الفجر لانه أول اليوم وبه يتعلق جواز الغسل ومن أصحابنا من قال يعتبر من طلوع الشمس وليس بشئ)
* (الشَّرْحُ) اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ إلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَفِيمَا يُعْتَبَرُ مِنْهُ السَّاعَاتُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ (وَالثَّانِي) مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَيُنْكَرُ عَلَيْهِ الْجَزْمُ بِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّ السَّاعَاتِ هُنَا لَحَظَاتٌ لَطِيفَةٌ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ
* وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الرَّوَاحَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ أَنَّ السَّاعَاتِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ حَبِيبٍ الْمَالِكِيِّ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَدَلِيلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَكْتُبُونَ مَنْ جَاءَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ وَالسَّادِسَةِ كَمَا صَحَّ فِي رِوَايَتَيْ النَّسَائِيّ اللَّتَيْنِ قَدَّمْتُهُمَا فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طَوَوْا الصُّحُفَ وَلَا يَكْتُبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ أَحَدًا وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْجُمُعَةِ مُتَّصِلًا بِالزَّوَالِ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ الْأَئِمَّةِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لا شئ مِنْ الْهَدْيِ وَالْفَضِيلَةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الزَّوَالِ ولا يكتب له شئ أَصْلًا لِأَنَّهُ جَاءَ بَعْدَ طَيِّ الصُّحُفِ وَلِأَنَّ ذِكْرَ السَّاعَاتِ إنَّمَا كَانَ
لِلْحَثِّ عَلَى التَّبْكِيرِ إلَيْهَا وَالتَّرْغِيبِ فِي فَضِيلَةِ السَّبْقِ وَتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ وَانْتِظَارِهَا وَالِاشْتِغَالِ بِالتَّنَفُّلِ وَالذِّكْرِ وَنَحْوِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَحْصُلُ بالذهاب بعد الزوال شئ منه ولا فضيلة للمجئ بَعْدَ الزَّوَالِ لِأَنَّ النِّدَاءَ يَكُونُ حِينَئِذٍ وَيَحْرُمُ التَّأْخِيرُ عَنْهُ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
" يوم الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ سَاعَةً لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا آتَاهُ اللَّهَ عز وجل فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ فَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ) بِلَفْظِ الرَّوَاحِ (فَجَوَابُهُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا نسلم أنه مختص بما بَعْدَ الزَّوَالِ فَقَدْ أَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ ذَلِكَ وَغَلَّطَ قَائِلَهُ فَقَالَ فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْمُخْتَصَرِ مَعْنَى رَاحَ مَضَى إلَى الْمَسْجِدِ قَالَ وَيَتَوَهَّمُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الرَّوَاحَ لَا يَكُونُ إلَّا في آخر النهار وليس ذلك بشئ لِأَنَّ الرَّوَاحَ وَالْغُدُوَّ عِنْدَ الْعَرَبِ مُسْتَعْمَلَانِ فِي السَّيْرِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ يُقَالُ رَاحَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ وَآخِرِهِ وَتَرَوَّحَ وَغَدَا بِمَعْنَاهُ هَذَا لَفْظُ الْأَزْهَرِيِّ وَذَكَرَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ (وَالْجَوَابُ الثَّانِي) أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ أَنَّ حَقِيقَةَ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَجَبَ حَمْلُهُ هُنَا عَلَى مَا قَبْلَهُ مَجَازًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الدَّلَائِلِ الظَّاهِرَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي شَرْحِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنَى رَاحَ قَصَدَ الْجُمُعَةَ وَتَوَجَّهَ إلَيْهَا مُبَكِّرًا قَبْلَ الزَّوَالِ قَالَ وَإِنَّمَا تَأَوَّلْنَاهُ هَكَذَا لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَبْقَى بَعْدَ الزَّوَالِ خَمْسُ سَاعَاتٍ فِي وَقْتِ الْجُمُعَةِ قَالَ وَهَذَا شَائِعٌ فِي الْكَلَامِ تَقُولُ رَاحَ فُلَانٌ بِمَعْنَى قَصَدَ وَإِنْ كَانَ حَقِيقَةُ الرَّوَاحِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ جَاءَ فِي أول ساعة من هذه الساعة وَمَنْ جَاءَ فِي آخِرِهَا مُشْتَرِكَانِ فِي تَحْصِيلِ أَصْلِ الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَكِنَّ بَدَنَةَ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ مِنْ بَدَنَةِ مَنْ جَاءَ فِي آخِرِ السَّاعَةِ وَبَدَنَةُ الْمُتَوَسِّطِ مُتَوَسِّطَةٌ وَهَذَا كَمَا أَنَّ صَلَاةَ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ عَلَى صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَمَاعَةَ تُطْلَقُ عَلَى اثْنَيْنِ وَعَلَى أُلُوفٍ فَمَنْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ هُمْ عَشْرَةُ آلَافٍ لَهُ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ دَرَجَةً وَمَنْ صَلَّى مَعَ اثْنَيْنِ لَهُ سبعة وعشرون درجة لكن دَرَجَاتِ الْأَوَّلِ أَكْمَلُ وَأَشْبَاهُ هَذَا كَثِيرَةٌ هَذَا هُوَ الرَّاجِحُ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ بِالسَّاعَاتِ الْأَرْبَعِ وَالْعِشْرِينَ
بَلْ تَرْتِيبُ الدَّرَجَاتِ وَفَضْلُ السَّابِقِ عَلَى الَّذِي يَلِيه لِئَلَّا يَسْتَوِيَ فِي الْفَضِيلَةِ رَجُلَانِ جَاءَا في طرفي ساعة
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب ان يمشى إليها وعليه السكينة لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوهما وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون فما أدركتم فصلوا
وما فاتكم فاقضوا ")
* (الشرح) هذا الحديث رواه البخاري ومسلم سبق شَرْحُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَمْشِيَ إلَى الْجُمُعَةِ بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي مُطْلَقِ الصَّلَوَاتِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَسْرَعَ حِينَ سَمِعَ الْإِقَامَةَ وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ واسحق
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلي ذكر الله)(فمعناه) إذهبوا أو امضوا لِأَنَّ السَّعْيَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّهَابِ وَعَلَى الْعَدْوِ فبينت السنة المراد به
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن لا يركب من غير عذر لما روى أوس بن اوس رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من غسل واغتسل يوم الجمعة وبكر وابتكر ومشى ولم يركب ودنا من الامام واستمع ولم يلغ كان له بكل خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ
بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ ورواية أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ الثَّقَفِيُّ وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ هُوَ أَوْسُ بْنُ أَبِي أَوْسٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَرُوِيَ غَسَلَ بِتَخْفِيفِ السِّينِ وَغَسَّلَ بِتَشْدِيدِهَا رِوَايَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالْأَرْجَحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ بِالتَّخْفِيفِ فَعَلَى رِوَايَةِ التَّشْدِيدِ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) غَسَّلَ زَوْجَتَهُ بِأَنْ جَامَعَهَا فَأَلْجَأَهَا إلَى الْغُسْلِ وَاغْتَسَلَ هُوَ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ الْجِمَاعُ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِيَأْمَنَ أَنْ يَرَى فِي طَرِيقِهِ مَا يَشْغَلُ قَلْبَهُ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْمُرَادَ غَسَّلَ أَعْضَاءَهُ فِي الْوُضُوءِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ (وَالثَّالِثُ) غَسَّلَ ثِيَابَهُ وَرَأْسَهُ ثُمَّ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ وَعَلَى رِوَايَةِ التَّخْفِيفِ فِي مَعْنَاهُ هَذِهِ الْأَوْجُهُ الثَّلَاثَةُ (أَحَدُهَا) الْجِمَاعُ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ قَالَ وَيُقَالُ غَسَلَ امْرَأَتَهُ إذَا جَامَعَهَا
(وَالثَّانِي)
غَسَلَ رَأْسَهُ وَثِيَابَهُ (وَالثَّالِثُ) تَوَضَّأَ وَذَكَرَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَسَّلَ بِالْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ أَيْ جَامَعَ شَبَّهَ لَذَّةَ الْجِمَاعِ بِالْعَسَلِ وَهَذَا غَلَطٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا هُوَ تَصْحِيفٌ وَالْمُخْتَارُ مَا اخْتَارَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّهُ بِالتَّخْفِيفِ وَأَنَّ مَعْنَاهُ غَسَلَ رَأْسَهُ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةٌ لِأَبِي دَاوُد فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ غَسَلَ رَأْسَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْتَسَلَ وَرَوَى أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ هَذَا التَّفْسِيرَ عَنْ مَكْحُولٍ وَسَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ بَيِّنٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الرَّأْسَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجْعَلُونَ فِيهِ الدُّهْنَ وَالْخِطْمِيَّ وَنَحْوَهُمَا وَكَانُوا يَغْسِلُونَهُ أَوَّلًا ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ (فَقَالَ) الْأَزْهَرِيُّ يَجُوزُ فِيهِ بَكَرَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ فَمَنْ خَفَّفَ فَمَعْنَاهُ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَاكِرًا وَمَنْ شَدَّدَ مَعْنَاهُ أَتَى الصَّلَاةَ لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَبَادَرَ إليها وكل من أسرع إلى شئ فَقَدْ بَكَّرَ إلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَيْ صَلُّوهَا لِأَوَّلِ وَقْتِهَا وَيُقَالُ لِأَوَّلِ الثِّمَارِ بَاكُورَةٌ لِأَنَّهُ جَاءَ فِي أَوَّلِ وَقْتٍ قال ومعنى ابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ كَمَا يُقَالُ ابْتَكَرَ بِكْرًا إذَا نَكَحَهَا لِأَوَّلِ إدْرَاكِهَا هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَالْمَشْهُورُ بَكَّرَ بِالتَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ بَكَّرَ إلَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقِيلَ إلَى الْجَامِعِ وَابْتَكَرَ أَدْرَكَ أَوَّلَ الْخُطْبَةِ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى جَمَعَ بَيْنَهُمَا تَأْكِيدًا حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْأَثْرَمِ صَاحِبِ أَحْمَدَ قَالَ وَدَلِيلُهُ تَمَامُ الْحَدِيثِ وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ ومعناهما واحد قال الخطابي وقال بَعْضُهُمْ بَكَّرَ أَدْرَكَ بَاكُورَةَ الْخُطْبَةِ أَيْ أَوَّلَهَا وَابْتَكَرَ قَدِمَ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ بَكَّرَ تَصَدَّقَ قَبْلَ خُرُوجِهِ كَمَا فِي الْحَدِيثِ بَاكِرُوا بِالصَّدَقَةِ وَقِيلَ بَكَّرَ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى وَابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَسَائِرِ وُجُوهِ الطَّاعَةِ وَقِيلَ مَعْنَى ابْتَكَرَ فَعَلَ فِعْلَ الْمُبْتَكِرِينَ وَهُوَ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَمَشَى وَلَمْ يَرْكَبْ (فَقَدْ) قَدَّمْنَا عَنْ حِكَايَةِ
الْخَطَّابِيِّ عَنْ الْأَثْرَمِ أَنَّهُ لِلتَّأْكِيدِ وَأَنَّهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ احْتِرَازٌ مِنْ شَيْئَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
نَفْيُ تَوَهُّمِ حَمْلِ الْمَشْيِ عَلَى الْمُضِيِّ وَالذَّهَابِ وَإِنْ كَانَ رَاكِبًا (وَالثَّانِي) نَفْيُ الرُّكُوبِ بِالْكُلِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى مَشَى لَاحْتَمَلَ أَنَّ الْمُرَادَ وجود شئ مِنْ الْمَشْيِ وَلَوْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَنَفَى ذَلِكَ الِاحْتِمَالَ وَبَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ مَشَى جَمِيعَ الطريق ولم يركب في شئ مِنْهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَاسْتَمَعَ (فَهُمَا) شَيْئَانِ
مُخْتَلِفَانِ وَقَدْ يَسْتَمِعُ وَلَا يدنوا من الخطبة وقد يدنوا وَلَا يَسْتَمِعُ فَنَدَبَ إلَيْهِمَا جَمِيعًا وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَلْغُ مَعْنَاهُ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ لِأَنَّ الْكَلَامَ حَالَ الْخُطْبَةِ لَغْوٌ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ مَعْنَاهُ اسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِغَيْرِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِقَاصِدِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَمْشِيَ وأن لا يركب في شئ مِنْ طَرِيقِهِ إلَّا لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ولا يشبك بين أصابعه لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِنَّ أَحَدَكُمْ في صلاة ما كان يعمد الي الصلاة ")
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ بَعْضُ الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ السَّابِقِ إذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وأنتم تسعون قال الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ يَذْهَبُ فِي آخِرِ تَعَمُّدِهِ إلَى الصَّلَاةِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا دَامَ يَعْمِدُ إلَى الصَّلَاةِ فَلَهُ أَجْرٌ وَثَوَابٌ بِسَبَبِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ بِآدَابِ الْمُصَلِّينَ فَيَتْرُكَ العبث والكلام الردئ فِي طَرِيقِهِ وَالنَّظَرَ الْمَذْمُومَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَتْرُكُهُ الْمُصَلِّي
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وغيرهم علي كراهة تشبك الْأَصَابِعِ فِي طَرِيقِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَفِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ وَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْعَبَثِ مَا دَامَ قَاصِدًا الصَّلَاةَ أَوْ مُنْتَظِرَهَا وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَأَحْسَنَ وُضُوءَهُ ثُمَّ خَرَجَ عَامِدًا إلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يُشَبِّكَنَّ يَدَهُ فَإِنَّهُ فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَالِاعْتِمَادُ عَلَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ قال الخطابى في شرح هذا الحديث التشبك يفعله
بَعْضُ النَّاسِ عَبَثًا وَبَعْضُهُمْ لِتُفَرْقِعَ أَصَابِعُهُ وَرُبَّمَا قَعَدَ الْإِنْسَانُ فَاحْتَبَى بِيَدَيْهِ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ وَرُبَّمَا جَلَبَ النَّوْمَ فَيَكُونُ سَبَبًا لِنَقْضِ الْوُضُوءِ فَنُهِيَ قَاصِدُ الصَّلَاةِ عَنْهُ لِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذَكَرْنَاهُ لَا يَلِيقُ بِالْمُصَلِّي وَلَا يُخَالِفُ هَذَا مَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الْمَسْجِدِ بَعْدَ مَا سَلَّمَ مِنْ الصَّلَاةِ عَنْ رَكْعَتَيْنِ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ وَشَبَّكَ فِي غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّهْيَ وَالْكَرَاهَةَ إنَّمَا هِيَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّي وَقَاصِدِ الصَّلَاةِ وَتَشْبِيكُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ كَانَ بَعْدَ سَلَامِهِ وَقِيَامِهِ إلَى نَاحِيَةٍ
الْمَسْجِدِ وَهُوَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي صَلَاةٍ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* (ويستحب أن يدنو من الامام لحديث أوس ولا يتخطى رقاب الناس لحديث أبى سعيد وأبى هريرة قال الشافعي إذا لم يكن للامام طريق لم يكره أن يتخطى رقاب الناس وإن دخل رجل وليس له موضع وبين يديه فرجة لا يصل إليها إلا بأن يتخطى رجلا أو رجلين لم يكره له لانه يسير فان كان بين يديه خلق كثير فان رجا إذا قاموا إلى الصلاة أن يتقدموا جلس حتى يقوموا وان لم يرج أن يتقدموا جاز أن يتخطي ليصل إلى الفرجة ولا يجوز أن يقيم رجلا من موضعه ويجلس لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن يقول تفسحوا أو توسعوا " فان قام رجل وأجلسه مكانه باختياره جاز له أن يجلس وأما صاحب الموضع فانه ان كان الموضع الذى ينتقل إليه دون الموضع الذى كان فيه في القرب من الامام كره له ذلك لانه آثر غيره في القربة وان فرش لرجل ثوب فجاء آخر لم يجلس عليه فان أراد أن ينحيه ويجلس مكانه جاز وان قام رجل من موضعه لحاجة فجلس رجل مكانه ثم عاد فالمستحب أن يرد الموضع إليه لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا قام أحدكم من مجلسه ثم رجع إليه فهو أحق به " قال الشافعي وأحب إذا نعس ووجد مجلسا لا يتخطى فيه غيره تحول اله لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ فِي مجلسه يوم الجمعة فليتحول إلى غيره ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الثَّانِي " إذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَآخَرُونَ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ مُحَمَّدِ بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَنْكَرَ الْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ وَقَالَ رُوِيَ مَرْفُوعًا وموقوفا الموقوف أَصَحُّ هَكَذَا قَالَ فِي كِتَابِهِ مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ مِنْ طَرِيقَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَثْبُتُ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَاقْتَصَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى رِوَايَتِهِ مَوْقُوفًا بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ كَمَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَمَّا تَصْحِيحُ التِّرْمِذِيِّ وَالْحَاكِمِ فَغَيْرُ مقبول لان مداره علي محمد بن اسحق وَهُمَا إنَّمَا رَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَتِهِ وَهُوَ مُدَلِّسٌ مَعْرُوفٌ بِذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَدْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ نَافِعٍ بِلَفْظِ عَنْ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَالْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الْمُدَلِّسَ إذَا قَالَ عَنْ لَا يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ والحكم مُتَسَاهِلٌ فِي التَّصْحِيحِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ بِذَلِكَ وَالتِّرْمِذِيُّ ذَهَلَ عَنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا بَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِتَصْحِيحِهِمَا وَلَمْ يَذْكُرْ الْحَافِظُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي الْأَطْرَافِ أَنَّ التِّرْمِذِيَّ صَحَّحَهُ وَلَكِنَّ تَصْحِيحَهُ مَوْجُودٌ فِي نُسَخِ التِّرْمِذِيِّ وَلَعَلَّ النُّسَخَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كما نختلف فِي غَيْرِهِ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ غَالِبًا (وَقَوْلُهُ) يَتَخَطَّى غَيْرُ مَهْمُوزٍ وَالْفُرْجَةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَيُقَالُ أَيْضًا فَرْجٌ ومنه قوله تعالي (ومالها مِنْ فُرُوجٍ) جَمْعُ فَرْجٍ وَهُوَ الْخُلُوُّ بَيْنَ شَيْئَيْنِ وَقَوْلُهُ نَعَسَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ - يَنْعَسُ - بِضَمِّهَا
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ) الدُّنُوُّ مِنْ الْإِمَامِ بِالْإِجْمَاعِ لِتَحْصِيلِ فَضِيلَةِ التَّقَدُّمِ فِي الصُّفُوفِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ مُحَقِّقًا: الثَّانِيَةُ يُنْهَى الدَّاخِلُ إلَى الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهِ عَنْ تَخَطِّي رِقَابَ النَّاسِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ لَا حَرَامٌ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَلَمْ يَجِدْ طَرِيقًا إلَى الْمِنْبَرِ وَالْمِحْرَابِ إلَّا بِالتَّخَطِّي لَمْ يُكْرَهْ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ إمَامٍ وَرَأَى فُرْجَةً قُدَّامَهُمْ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي قَالَ الْأَصْحَابُ لَمْ يُكْرَهْ التَّخَطِّي لان الجالسين وراءها مفرطين بِتَرْكِهَا وَسَوَاءٌ وَجَدَ غَيْرَهَا أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَمْ بَعِيدَةً لَكِنْ يُسْتَحَبُّ إنْ كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُهَا أَنْ لَا يَتَخَطَّى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعٌ وَكَانَتْ قَرِيبَةً بِحَيْثُ لَا يَتَخَطَّى أَكْثَرَ مِنْ رَجُلَيْنِ وَنَحْوِهِمَا دَخَلَهَا وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً وَرَجَا أَنَّهُمْ يَتَقَدَّمُونَ إلَيْهَا إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْعُدَ مَوْضِعَهُ وَلَا يَتَخَطَّى وَإِلَّا فَلْيَتَخَطَّ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّخَطِّي
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قُدَّامَهُمْ فُرْجَةٌ لَا يَصِلُهَا إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ حِينَئِذٍ وَبِهَذَا قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ كَرَاهَتَهُ مُطْلَقًا عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَعَنْ مَالِكٍ كَرَاهَتَهُ
إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَا بَأْسَ بِهِ قَبْلَهُ وَقَالَ قَتَادَةُ يَتَخَطَّاهُمْ إلَى مَجْلِسِهِ وَعَنْ أَبِي نَصْرٍ جَوَازُ ذَلِكَ بِإِذْنِهِمْ قَالَ ابن المنذر لا يجوز شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدِي لِأَنَّ الْأَذَى يَحْرُمُ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ وَهَذَا أَذًى كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِمَنْ يَرَاهُ يَتَخَطَّى اجْلِسْ " فَقَدْ آذَيْتَ "(الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقِيمَ الدَّاخِلُ رَجُلًا مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَسْجِدُ وَسَائِرُ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ الَّتِي يَخْتَصُّ بِهَا السَّابِقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَيَجُوزُ إقَامَتُهُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ وَهِيَ أَنْ يَقْعُدَ فِي مَوْضِعِ الْإِمَامِ أَوْ طَرِيقِ النَّاسِ وَيَمْنَعَهُمْ الِاجْتِيَازَ أَوْ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَالَ فِي الشَّامِلِ بِشَرْطِ أَنْ يَضِيقَ الْمَوْضِعُ عَلَى النَّاسِ فَإِنْ اتَّسَعَ تَنَحَّوْا عَنْهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يُنَحُّوهُ أَمَّا إذَا قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كرهة فِي جُلُوسِ الدَّاخِلِ وَأَمَّا الْجَالِسُ فَإِنْ انْتَقَلَ الي أقرب شئ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ انْتَقَلَ إلَى أَبْعَدَ مِنْهُ كُرِهَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَدَلِيلُ كَرَاهَتِهِ أَنَّهُ آثَرَ بِالْقُرْبَةِ وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّ الْإِيثَارَ بالقرب مَكْرُوهٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ اللَّهِ عز وجل وَيُؤْثِرُونَ علي انفسهم (فَالْمُرَادُ) بِهِ فِي حُظُوظِ النُّفُوسِ وَالْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النفوس مستحب بلا شك وبينته تَمَامُ الْآيَةِ (وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ) وَقَدْ يُحْتَجُّ لِكَرَاهَتِهِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يَزَالُ قَوْمٌ يَتَأَخَّرُونَ حَتَّى يُؤَخِّرَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى " وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ مَوْقِفِ الْإِمَامِ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلُ مَنْ يَأْخُذُ لَهُ مَوْضِعًا يَجْلِسُ فِيهِ فَإِذَا جَاءَ الْبَاعِثُ تَنَحَّى الْمَبْعُوثُ وَيَجُوزُ أَنْ يَفْرِشَ لَهُ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ ثم يجئ وَيُصَلِّي مَوْضِعَهُ فَإِذَا فَرَشَهُ لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أن يصلي عليه لكن لَهُ أَنْ يُنَحِّيَهُ وَيَجْلِسَ مَكَانَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ ينحيه بحيث لا يرفعه بِيَدِهِ فَإِنْ دَفَعَهُ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (الْخَامِسَةُ) إذَا جَلَسَ فِي مَكَان مِنْ الْمَسْجِدِ فَقَامَ لِحَاجَةٍ كَوُضُوءٍ وَغَيْرِهِ ثم عاد إليه فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَفِي هَذَا الْحَقِّ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُسْتَحَبُّ (الثَّانِي) أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ وَلَا يَلْزَمَهُ وَبِهَذَا جَزَمَ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ إلَى الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا وَجَزَمَ بِهِ جَمَاعَةٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ تَرَكَ الْأَوَّلُ فِي مَوْضِعِهِ ثَوْبًا وَنَحْوَهُ أَمْ لَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ وَسَوَاءٌ قَامَ لِحَاجَةٍ بَعْدَ الدُّخُولِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَهُ أَمَّا إذَا فَارَقَ لِغَيْرِ عُذْرٍ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ بِلَا خِلَافٍ وَسَيَأْتِي بَسْطُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَنَظَائِرِهَا فِي إحْيَاءِ
الْمَوَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّادِسَةُ) إذَا نَعَسَ فِي مَكَانِهِ وَوَجَدَ مَوْضِعًا لَا يَتَخَطَّى فِيهِ أَحَدًا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِلْحَدِيثِ مَرْفُوعًا كَانَ أَوْ مَوْقُوفًا وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لزوال النعاس
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا ثَبَتَ فِي مَوْضِعِهِ وَتَحَفَّظَ مِنْ النُّعَاسِ بِوَجْهٍ يَرَاهُ نَافِيًا للنعاس لم اكرهء بقاه وَلَا أُحِبُّ أَنْ يَتَحَوَّلَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا حَضَرَ قَبْلَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ فِي جُلُوسِهِ فَإِنْ اسْتَدْبَرَهَا جَازَ وَلَوْ اتَّكَأَ أَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ أَوْ ضَيَّقَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ ذَلِكَ كُرِهَ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِهِ عِلَّةٌ قَالَ الشافعي والاصحاب فان كان به علية اُسْتُحِبَّ أَنْ يَتَحَوَّلَ إلَى مَوْضِعٍ لَا يُزَاحِمُ فِيهِ حَتَّى لَا يُؤْذِي وَلَا يَتَأَذَّى * قَالَ المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ حَضَرَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْكَهْفِ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ " وَيُكْثِرُ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا لِمَا رَوَى أَوْسُ بْنُ أَوْسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ " وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ لِأَنَّ فِيهِ سَاعَةً يُسْتَجَابُ فِيهَا الدُّعَاءُ فَلَعَلَّهُ يُصَادِفُ ذَلِكَ)
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ رَوَيْنَا عَنْ أَنَسٍ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ فِي فَضْلِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا أَحَادِيثَ وَأَصَحُّهَا حَدِيثُ أَوْسٍ هَذَا وَأَمَّا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي الْكَهْفِ فَغَرِيبٌ وَرُوِيَ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَيْضًا وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَضَاءَ لَهُ مِنْ النُّورِ مَا بَيْنَ الْجُمُعَتَيْنِ " قَالَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَبِي سَعِيدٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الِاشْتِغَالُ بِذَكَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالصَّلَاةِ وَالْإِكْثَارِ مِنْ الصَّلَاةَ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا وَدَلِيلُ ذَلِكَ ظَاهِرٌ وَقَدْ سبق في حَدِيثُ سَلْمَانَ فِي هَذَا الْبَابِ النَّدْبُ إلَى الصَّلَاةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَتِهَا وَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ الدُّعَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِالْإِجْمَاعِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَقَطَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ " قَائِمٌ يُصَلِّي "
وَفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ لِلْبَيْهَقِيِّ وَأَشَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَهِيَ سَاعَةٌ خَفِيفَةٌ: وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ السَّاعَةِ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ قَوْلًا أَحَدُهَا أَنَّهَا مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَطُلُوعِ الشَّمْسِ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ (الثَّانِي) عِنْدَ الزَّوَالِ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ (الثَّالِثُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى خُرُوجِ الْإِمَامِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَكِنْ قَالَ إلَى أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ (الرَّابِعُ) مِنْ الزَّوَالِ إلَى أَنْ يَصِيرَ الظِّلُّ نَحْوَ ذِرَاعٍ حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (الْخَامِسُ) مِنْ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى فَرَاغِ صَلَاتِهِ حَكَاهُ عِيَاضٌ (السَّادِسُ) مَا بَيْنَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَصَلَاتِهِ حَكَاهُ أَبُو الطَّيِّبِ (السَّابِعُ) مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ حَتَّى يَفْرُغَ حَكَاهُ عِيَاضٌ (وَالثَّامِنُ) وَهُوَ الصَّوَابُ مَا بَيْنَ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ إلَى فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ (التَّاسِعُ) مِنْ الْعَصْرِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَآخَرُونَ وَحَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِهِ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ قَالَ وَبِهِ يَقُولُ احمد واسحق قَالَ قَالَ أَحْمَدُ أَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّهَا بَعْدُ الْعَصْرِ وَتُرْجَى بَعْدَ الزَّوَالِ (الْعَاشِرُ) آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ النَّهَارِ حَكَاهُ الْقَاضِيَانِ أَبُو الطَّيِّبِ وَعِيَاضٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَلَائِقُ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (الْحَادِيَ عَشَرَ) أَنَّهَا مَخْفِيَّةٌ فِي كُلِّ الْيَوْمِ كَلَيْلَةِ الْقَدْرِ حَكَاهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ وَاعْتَرَضُوا عَلَى مَنْ قَالَ بَعْدَ الْعَصْرِ بِأَنَّهُ لَيْسَ وَقْتَ صَلَاةٍ وَفِي الْحَدِيثِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي وَأَجَابُوا بِأَنَّ مُنْتَظِرَ الصَّلَاةِ فِي صَلَاةٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي صَلَاةٍ ذَاتِ سَبَبٍ وَالصَّوَابُ الْقَوْلُ الثَّامِنُ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ
الْإِمَامُ إلَى أَنْ يقضى الصلاة فهذا صحيح صريخ لَا يَنْبَغِي الْعُدُولُ عَنْهُ وَفِي سُنَنِ الْبَيْهَقِيّ باسناده عن مسلم ابن الْحَجَّاجِ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ أَجْوَدُ حَدِيثٍ وَأَصَحُّهُ فِي بَيَانِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَيْسَ مَعْنَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ هَذَا كُلَّهُ وَقْتٌ لِهَذِهِ السَّاعَةِ بَلْ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ لِقَوْلِهِ وَأَشَارَ بِيَدِهِ يقللها وهذا الذى قاله القاضى صحيح وأما الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ " فَضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الترمذي وغيره ورواية محمد بن أبي حميد منكر الحديث سئ الْحِفْظِ وَأَمَّا حَدِيثُ
كثير بن عبد الله بن عمرو ابن عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا مِنْ حِينِ تُقَامُ الصَّلَاةُ إلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ فَإِنَّ مداره علي كثير ابن عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَتَرْكِ الِاحْتِجَاجِ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ كَذَّابٌ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ هُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْكَذِبِ وَقَالَ احمد بن حنبل منكر الحديث ليس بشئ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يوم الجمعة ثنتا عشر ساعة لا يوجد مسلم يسأل الله شيئا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّه عز وجل فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ باسناد صحيح ويحتمل أن هذه منتقلة تَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ فِي وَقْتٍ وَفِي بَعْضِهَا فِي وَقْتٍ كَمَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي ليلة القدر والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* (وإذا جلس الامام انقطع التنفل لما روى عن ثعلبة بن أبى مالك قال قعود الامام يقطع السبحة وكلامه يقطع الكلام وانهم كانوا يتحدثون يوم الجمعة وعمر بن الخطاب رضي الله عنه جالس علي المنبر فإذا سكت المؤذن قام عمر فلم يتكلم أحد حتي يقضى الخطبتين فإذا قامت الصلاة ونزل عمر تكلموا ولان التنفل في هذا الحال يمنع الاستماع إلى ابتداء الخطبة فكره فان دخل والامام على المنبر صلي تحية المسجد لما روى جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " إذا جاء احدكم والامام يخطب فليصل ركعتين " فان دخل والامام في آخر الخطبة لم يصل لانه تفوته أول الصلاة مع الامام وهو فرض فلا يجوز أن يشتغل عنه بالنفل)
*
(الشَّرْحُ) حَدِيث جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَالْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَحَدِيثُ ثَعْلَبَةَ صَحِيحٌ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَاهُ وَثَعْلَبَةُ هَذَا صَحَابِيٌّ رَأَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ فَقَدْ أَخْبَرَ ثَعْلَبَةُ عَنْ عَامَّةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي دَارِ الْهِجْرَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ نِصْفَ النَّهَارِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَكَلَّمُونَ وَالْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَوْلُهُ يَقْطَعُ السُّبْحَةَ - هُوَ بِضَمِّ السِّينِ - وَهِيَ النَّافِلَةُ وَفِي هَذَا الْأَثَرِ فَوَائِدُ (مِنْهَا) جَوَازُ الصَّلَاةِ حَالَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْكَلَامِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ وَبَعْدَهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالتَّنَفُّلِ مَا لَمْ يَقْعُدْ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَانْقِطَاعِ النَّافِلَةِ بِجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ قَبْلَ شروعه في الاذان وجوز الْكَلَامِ حَالَ الْأَذَانِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَغِلَ عَنْهُ بِالتَّنَفُّلِ مَعْنَاهُ يُكْرَهُ الِاشْتِغَالُ عنه بالتنفل
وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَحْرِيمَهُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ امْتَنَعَ ابْتِدَاءُ النافلة ونقلو الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ حَرُمَ عَلَى مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةَ النَّافِلَةِ وَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ جَلَسَ وَهَذَا إجْمَاعٌ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ إذَا ابْتَدَأَ الْخُطْبَةَ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَبْتَدِئَ صَلَاةً سَوَاءٌ كَانَ صَلَّى السُّنَّةَ أَمْ لَا وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ إذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَبْتَدِئَهَا فَإِنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ خَفَّفَهَا وَقَالَ الْمُتَوَلِّي إذَا قُلْنَا الْإِنْصَاتُ سُنَّةٌ جَازَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِالْقِرَاءَةِ وَصَلَاةِ النَّفْلِ وَإِنْ قُلْنَا الْإِنْصَاتُ وَاجِبٌ حَرُمَ ذَلِكَ هَذَا كَلَامُهُ وَالْمَشْهُورُ الْمَنْعُ مِنْ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ أَوْجَبْنَا الْإِنْصَاتَ أَمْ لَا فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يُخَفِّفَهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَبْطُلُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ ابْتِدَاءً يَدْخُلُ فِيهِ بِجُلُوسِ الْإِمَامِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَيَبْقَى حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُزَنِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَجَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ فَقَدْ انْقَطَعَ الرُّكُوعُ يَعْنِي التَّنَفُّلَ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ هَذَا غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ يَمْتَنِعُ بِمُجَرَّدِ جُلُوسِ الْإِمَامِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْأَذَانِ قَالُوا وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَجَلَسَ عَلَى
الْمِنْبَرِ انْقَطَعَ التَّنَفُّلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا إذَا دَخَلَ دَاخِلٌ وَالْإِمَامُ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ تَرْكُهُمَا لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " إذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يصلي رَكْعَتَيْنِ " وَإِنْ دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْخُطْبَةِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ إنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ فَاتَهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ بَلْ يَقِفُ حَتَّى تُقَامَ الصَّلَاةُ وَلَا يَقْعُدُ لِئَلَّا يَكُونَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ التَّحِيَّةِ وَإِنْ أَمْكَنَهُ الصَّلَاةُ وَإِدْرَاكُ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ صَلَّى التَّحِيَّةَ هَكَذَا فَصَّلَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وَجَمَاعَةٌ كَمَا أَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ وَإِطْلَاقُهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الْمَذْكُورِ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي الْخُطْبَةِ قَدْرًا يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالرَّكْعَتَيْنِ فِيهِ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِنَصِّ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْأُمِّ إذَا دَخَلَ وَالْإِمَامُ فِي آخِرِ الْكَلَامِ وَلَا يُمْكِنُهُ صَلَاةُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ قَبْلَ دُخُولِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَهُمَا وَأَرَى الْإِمَامَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِصَلَاتِهِمَا وَيَزِيدَ فِي كَلَامِهِ مَا يُمْكِنُهُ إكْمَالُهُمَا فِيهِ فَإِنْ لَمْ يفعل كرهت ذلك له ولا شئ عَلَيْهِ هَذَا نَصُّهُ وَأَطْبَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ وَيُخَفِّفَهُمَا وَيُكْرَهُ لَهُ تَرْكُهُمَا وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَكْحُولٌ وَالْمَقْبُرِيُّ وَسُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ والحميدي واحمد وإسحق وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَآخَرُونَ وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا يُصَلِّي شَيْئًا وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِلَّا فَلَا
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " إذَا خَطَبَ الْإِمَامُ فَلَا صَلَاةَ وَلَا كَلَامَ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ غَرِيبٌ
(وَالثَّانِي)
لَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى مَا زَادَ عَلَى رَكْعَتَيْنِ جَمْعًا بَيْنَ الاحاديث
*
* قال المصنف رحمه الله
* (ويجوز الكلام قبل أن يبتدئ بالخطبة لما رويناه من حديث ثعلبة بن أبي مالك ويجوز إذا جلس الامام بين الخطبتين وإذا نزل من المنبر قبل أن يدخل في الصلاة لما روى أَنَسٍ قَالَ " كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ينزل يوم الجمعة من المنبر فيقوم معه الرجل في الحاجة ثم ينتهى الي مصلاه فيصلى " ولانه ليس بحال صلاة ولا حال استماع فلم يمنع من الكلام وإذا بدأ بالخطبة انتصت لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوضوء ثم انصت للامام يوم الجمعة حتى يفرغ من صلاته غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ الْجُمُعَةِ إلَى الْجُمُعَةِ وزيادة ثلاثة أيام " وهل يجب الانصات فيه قولان
(أحدهما)
يجب لما روى جابر قال " دخل ابن مسعود والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فجلس إلى أبي فسأله عن شئ فلم يرد عليه فسكت حتى صلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ ما منعك أن ترد علي فقال انك لم تشهد معنا الجمعة قال ولم قال تكلمت والنبى صلى الله عليه وسلم يخطب فقام ابن مسعود ودخل علي النبي صلي الله عليه وسلم فذكر له فقال صدق أبي "(والثاني) يستحب وهو الاصح لما روى أَنَسٍ قَالَ دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يوم الجمعة فقال متي الساعة فاشار الناس إليه أي اُسْكُتْ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عند الثالثة ما اعددت لها قال حب الله ورسوله قال انك مع من احببت " فان رأى رجلا يقع في بئر ورأى عقربا تدب إليه لم يحرم عليه كلامه قولا واحدا لان الانذار يجب لحق الآدمى والانصات لحق الله تعالى
ومبناه على المسامحة وان سلم عليه رجل أو عطس فان قلنا يستحب الانصات رد السلام وشمت العاطس وان قلنا يجب الانصات لم يرد السلام ولم يشمت العاطس لان المسلم سلم في غير موضعه فلم يرد عليه وتشميت العاطس سنة فلا يترك له الانصات الواجب ومن أصحابنا من قال لا يرد السلام لان المسلم مفرط ويشمت العاطس لان العاطس غير مفرط في العطاس وليس بشئ (الشَّرْحُ) حَدِيثُ ثَعْلَبَةَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَحَدِيثُ أَنَسٍ ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفُوهُ وَلَفْظُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُكَلَّمُ فِي الْحَاجَةِ إذَا نَزَلَ مِنْ الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ " وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ ضَعَّفَهُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ ايام ومن مس الحصا فَقَدْ لَغَا " وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فِي قِصَّةِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي
السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ " دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَخْطُبُ فَجَلَسْت قَرِيبًا مِنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَقَرَأَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ بَرَاءَةٍ فَقُلْتُ لِأُبَيٍّ مَتَى نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ فَلَمْ يُكَلِّمْنِي " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ أَوْ بِلَفْظِهِ الْمَذْكُورِ فِي الْمُهَذَّبِ وَقَالَ فِي آخِرِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَقَ أُبَيٌّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَأُبَيٍّ وَجُعِلَتْ الْقِصَّةُ بَيْنَهُمَا وَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ مَعْنَى هَذِهِ الْقِصَّةِ بَيْنَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأُبَيٍّ قَالَ وَرَوَاهُ عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَجَعَلَ مَعْنَى الْقِصَّةِ بَيْنَ رَجُلٍ غَيْرِ مسمى وبين ابن مسعود وجعل المصيب بن مَسْعُودٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَيْسَ فِي الْبَابِ أَصَحُّ مِنْ الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ نَحْوَ هَذَا وَزَادَ فَقَالَ وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ السُّنَنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِأُبَيٍّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ الْأَخِيرُ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِهِ بِإِسْنَادٍ صحيح ورواه غيره بمعناه
* واما أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَيُقَالُ أَنْصَتَ وَنَصَتَ وَانْتَصَتَ ثَلَاثُ لُغَاتٍ سَبَقَ بَيَانُهُنَّ أَفْصَحَهُنَّ أَنْصَتَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَنْصَتَهُ وَأَنْصَتَ لَهُ وَسَبَقَ الْفَرْقُ بَيْنَ الِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا (وَقَوْلُهُ) لَمْ تَشْهَدْ مَعَنَا الْجُمُعَةَ أَيْ جُمُعَةً كَامِلَةً أَوْ شُهُودًا كَامِلًا (قَوْلُهُ) عَقْرَبًا تَدِبُّ - هُوَ بِكَسْرِ الدَّالِ - قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْحَدِيثِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ مَعْنَاهُ مَا بَيْنَ السَّاعَةِ الَّتِي يُصَلِّي فِيهَا الْجُمُعَةَ وَمِثْلِهَا مِنْ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى لِتَكُونَ الْجُمْلَةُ عَشَرَةً وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ وَهُوَ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ مَشْهُورَتَانِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْمُعْجَمَةُ أَفْصَحُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ وَالْأَزْهَرِيُّ الْمُهْمَلَةُ أَفْصَحُ وَسَمَّتَهُ وَشَمَّتَهُ وَهُوَ بِالْمُهْمَلَةِ مُشْتَقٌّ مِنْ السَّمْتِ وَهُوَ الْقَصْدُ وَالِاسْتِقَامَةُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْكَلَامِ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وقبلها وبعدها وما يتعلق بها مِنْ الْفُرُوعِ مَبْسُوطًا وَاضِحًا فِي آخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْكَلَامِ بَعْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ وَجُلُوسِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِحَدِيثِ ثَعْلَبَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ الْكَلَامُ مِنْ حين يخرج الامام * قال المصنف رحمه الله
*
(ومن دخل والامام في الصلاة أحرم بها فان أدرك معه الركوع من الثانية فقد أدرك الجمعة فإذا سلم الامام أضاف إليه أخرى وان لم يدرك الركوع فقد فاتت الجمعة فإذا سلم الامام أتم الظهر لما روى أبو هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى ")
* (الشَّرْحُ) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ ثَلَاثِ طُرُقٍ وَقَالَ أَسَانِيدُهَا
صَحِيحَةٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَبِهَذَا الْحَدِيثِ احْتَجَّ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ مَعْنَاهُ لَمْ تَفُتْهُ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَمَنْ لَمْ تَفُتْهُ الْجُمُعَةُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ الْكِتَابِ فَلْيُصَلِّ إلَيْهَا أُخْرَى وَهُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ
* أَمَّا الاحكام فقال الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ رُكُوعَ الْإِمَامِ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ بِحَيْثُ اطْمَأَنَّ قَبْلَ رَفْعِ الْإِمَامِ عَنْ أَقَلِّ الرُّكُوعِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِثَانِيَةٍ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ رُكُوعِهَا لَمْ يُدْرِكْ الْجُمُعَةَ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا فَيَقُومُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ إلَى أَرْبَعٍ لِلظُّهْرِ وَفِي كَيْفِيَّةِ نِيَّةِ هَذَا الَّذِي أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْوِي الظُّهْرُ لِأَنَّهَا الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ يَنْوِي الْجُمُعَةَ مُوَافَقَةً لِلْإِمَامِ وَلَوْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ وَشَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَغَيْرُهُمْ إنْ كَانَ شَكَّ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ أُخْرَى وَأَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ سَجَدَ أُخْرَى وَأَتَمَّ الظُّهْرَ وَلَا تَحْصُلُ الْجُمُعَةُ قَطْعًا وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فِيمَا إذَا سَجَدَهَا قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَلَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ وَأَتَى بِرَكْعَتِهِ الْأُخْرَى فَلَمَّا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ شَكَّ هَلْ سَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ سَجْدَةً أَمْ سَجْدَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا للجمعة
بِلَا خِلَافٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا مِنْ الْأُولَى وَتَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ وَيَأْتِي بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَدْرَكَ رُكُوعًا مَحْسُوبًا لِلْإِمَامِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْسُوبًا لَهُ بِأَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ فَبَانَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا فَيَبْنِي عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ مُحْدِثًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ هَلْ تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ فَإِنْ قُلْنَا لَا تَصِحُّ فَهُنَا أُولَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَصِحُّ (وَالثَّانِي) تَصِحُّ وَسَبَقَ هُنَاكَ دَلِيلُ الْوَجْهَيْنِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَشَكَّ هَلْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ الْمُجْزِئَ فَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَةِ فَتَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُصَلِّيهَا ظُهْرًا وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ هُنَاكَ قَالَ ابْنُ الْحَدَّادِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ صَلَّى الْإِمَامُ الْجُمُعَةَ ثَلَاثًا نَاسِيًا فَأَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي الثَّالِثَةِ لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ قَطْعًا لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ لِلْإِمَامِ فَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ أَنَّهُ تَرَكَ سَجْدَةً سَاهِيًا فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى انْجَبَرَتْ الْأُولَى بِالثَّانِيَةِ وَصَارَتْ الثَّالِثَةُ ثَانِيَةً وَحُسِبَتْ لِلْمَسْبُوقِ وَأَدْرَكَ بِهَا الْجُمُعَةَ فَيَضُمُّ إلَيْهَا أُخْرَى وَيُسَلِّمُ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ هِيَ فَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ وَلَا يَكُونُ الْمَسْبُوقُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَرَكَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ فَتَكُونُ الثَّالِثَةُ لِلْإِمَامِ لَغْوًا إلَّا سَجْدَةً يُتَمِّمُ بِهَا الثَّانِيَةَ
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا يُدْرِكُ بِهِ الْمَسْبُوقُ الْجُمُعَةَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا فَلَا وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالْأَسْوَدِ وَعَلْقَمَةَ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ومالك والاوزاعي والثوري وأبي يوسف وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ
* وَقَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ الْخُطْبَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ
* وَقَالَ الْحَكَمُ وَحَمَّادٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ مَنْ أَدْرَكَ التَّشَهُّدَ مَعَ الْإِمَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ فَيُصَلِّي بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ حَتَّى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِيهِ أَدْرَكَهَا وَحَكَى أَصْحَابُنَا مِثْلَ مَذْهَبِنَا أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ وَزُفَرَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الذى ذكرته عن رواية الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ * قال المصنف رحمه الله
* (وَإِنْ زحم المأموم عن السجود في الجمعة نظرت فان قدر أن يسجد علي ظهر انسان لزمه أن يسجد لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " إذا اشتد الزحام فليسجد أحدكم علي ظهر أخيه " وقال بعض
أصحابنا فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ بالخيار ان شاء سجد علي ظهر انسان وان شاء ترك حتي يزول الزحام لانه إذا سجد حصلت له فضيلة المتابعة وإذا انتظر زوال الزحمة حصلت له فضيلة السجود علي الارض فخير بين الفضيلتين والاول أصح لان ذلك يبطل بالمريض إذا عجز عن السجود على الارض فانه يسجد علي حسب حاله ولا يؤخر وان كان في التأخير فضيلة السجود على الارض وان لم يقدر علي السجود بحال انتظر حتى يزول الزحام فان زال الزحام لم يخل اما أن يدرك الامام قائما أو راكعا أو رافعا من الركوع أو ساجدا فان أدركه قائما سجد ثم تبعه لان النبي صلى الله عليه وسلم أجاز ذلك بعسفان للعذر والعذر ههنا موجود فوجب أن يجوز فان فرغ من السجود فأدرك الامام راكعا في الثانية ففيه وجهان
(أحدهما)
يتبعه في الركوع ولا يقرأ كمن حضر والامام راكع
(والثانى)
انه يشتغل بما عليه من القراءة لانه ادرك مع الامام محل القراءة بخلاف من حضر والامام راكع
*
(فصل)
فان زال الزحام فأدرك الامام رافعا من الركوع أو ساجدا سجد معه لان هذا موضع سجوده وحصلت له ركعة ملفقة وهل يدرك بها الجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يدرك لقوله صلي الله عليه وسلم من " ادرك من الجمعة ركعة فليضف إليها اخرى " وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يدرك لان الجمعة صلاة كاملة فلا تدرك الا بركعة كاملة وهذه ركعة ملفقة
*
(فصل)
وان زال الزحام وادرك الامام راكعا ففيه قولان (احدهما) يشتغل بقضاء ما فاته ثم
يركع لانه شارك الامام في جزء من الركوع فوجب ان يسجد كما لو زالت الزحمة فأدركته قائما
(والثانى)
يتبع الامام في الركوع لانه ادرك الامام راكعا فلزمه متابعته كمن دخل في صلاة والامام فيها راكع
فان قلنا انه يركع معه نظرت فان فعل ما قلناه وركع حصل له ركوعان وبأيهما يحتسب فيه قولان (احدهما) يحتسب بالثاني كالمسبوق إذا أدرك الامام راكعا فركع معه (والثاني) يحتسب بالاول لانه قد صح الاول فلم يبطل بترك ما بعده كما لو ركع ونسى السجود فقام وقرأ وركع ثم سجد فان قلنا انه يحتسب بالثاني حصل له مع الامام ركعة فإذا سلم أضاف إليه أخرى وسلم وإذا قلنا يحتسب بالاول حصل له ركعة ملفقة لان القيام والقراءة والركوع حصل له من الركعة الاولي وحصل له السجود من الثانية وهل يصير مدركا للجمعة فيه وجهان قال أبو إسحق يكون مدركا وقال ابن أبي هريرة لا يكون مدركا فإذا قلنا بقول أبي اسحق أضاف إليها أخرى وسلم وإذا قلنا بقول ابن أبي هريرة قام وصلي ثلاث ركعات وجعلها ظهرا ومن أصحابنا من قال يجب أن يكون فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظهر قبل ان يصلي الامام الجمعة وهذا قد صلي ركعة من الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة فلزمه ان يستأنف الظهر بعد فراغه وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبري الصحيح هو الاول والبناء علي القولين لا يصح لان القولين فيمن صلي الظهر قبل فراغ الامام من الجمعة من غير عذر
والمزحوم معذور فلم تجب عليه إعادة الركعة التى صلاها قبل فراغ الامام ولان القولين فيمن ترك الجمعة وصلي الظهر منفردا وهذا قد دخل مع الامام في الجمعة فلم تجب عليه إعادة ما فعل كما لو أدرك الامام ساجدا في الركعة الاخيرة فانه يتابعه ثم يبنى الظهر على ذلك الاحرام ولا يلزمه الاستئناف وان خالف ما قلناه واشتغل بقضاء ما فاته فان اعتقد أن السجود فرضه لم يعد سجوده لانه سجد في موضع الركوع ولا تبطل صلاته لانه زاد فيها زيادة من جنسها جاهلا فهو كمن زاد في صلاته من جنسها ساهيا وإن اعتقد ان فرضه المتابعة فان لم ينو مفارقته بطلت صلاته لانه سجد في موضع الركوع عامدا وإن نوى مفارقة الامام ففيه قولان
(أحدهما)
تبطل صلاته (والثاني) لا تبطل ويكون فرضه الظهر وهل يبنى أو يستأنف الاحرام بعد فراغ الامام على القولين في غير المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة الامام وأما إذا قلنا ان فرضه الاشتغال بما فاته نظرت فان فعل ما قلناه وأدرك الامام راكعا تبعه فيه ويكون مدركا للركعتين وان ادركه ساجدا فهل يشتغل بقضاء ما فاته أو يتبعه في السجود فيه
وجهان
(أحدهما)
يشتغل بقضاء ما فاته لان علي هذا القول الاشتغال بالقضاء أولي من المتابعة ومنهم من قال يتبعه في السجود وهو الاصح لان هذه الركعة لم يدرك منها شيئا يحتسب له به فهو كالمسبوق إذا أدرك الامام ساجدا بخلاف الركعة الاولى فان هناك ادرك الركوع وما قبله فلزمه ان يفعل ما بعده من السجود فإذا قلنا يسجد كان مدركا للركعة الاولى الا ان بعضها أدركه فعلا وبعضها أدركه حكما لانه تابعه الي السجود ثم انفرد بفعل السجدتين وهل يدرك بهذه الركعة الجمعة على وجهين لانه
ادراك ناقص فهو كالتلفيق في الركعة وان سلم الامام قبل أن يسجد المأموم السجدتين لم يكن مدركا للجمعة قولا واحدا وهل يستأنف الاحرام أو يبنى علي ما ذكرناه من الطريقين فان خالف ما قلناه وتبعه في الركوع فان كان معتقدا ان فرضه الاشتغال بالسجود بطلت صلاته لانه ركع في موضع السجود عامدا وان اعتقد ان فرضه المتابعة لم تبطل صلاته لانه زاد في الصلاة من جنسها جاهلا ويحتسب بهذا السجود ويحصل له ركعة ملفقة وهل يصير مدركا للجمعة علي الوجهين وان زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ في الثانية وقضي ما عليه وأدركه قائما أو راكعا فتابعه فلما سجد في الثانية زحم عن السجود فزال الزحام وسجد ورفع رأسه وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ بعضهما فعلا وبعضهما حكما وهل يكون مدركا للجمعة علي الوجهين وان ركع مع الامام الركعة الاولي ثم سها حتى صلى الامام هذه الركعة وحصل في الركوع في الثانية قال القاضي أبو حامد يجب ان يكون علي قولين كالزحام ومن اصحابنا من قال يتبعه قولا واحدا لانه مفرط في السهو فلم يعذر في الانفراد عن الامام وفى الزحام غير مفرط فعذر في الانفرد عن الامام)
*
(الشَّرْحُ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَوْصُوفَةٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالْإِعْضَالِ لِكَثْرَةِ فُرُوعِهَا وَتَشْعِيبِهَا وَاسْتِمْدَادِهَا مِنْ أُصُولٍ فَاخْتِصَارُ الْأَحْكَامِ مُلَخَّصَةً فِيهَا مَعَ الْإِشَارَةِ إلَى أَطْرَافِ خَفِيِّ الْأَدِلَّةِ أَقْرَبُ إلَى ضَبْطِهَا وَالِاحْتِوَاءِ عَلَيْهَا فَلِهَذَا أَسْلُكُ هَذَا الطَّرِيقَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا مَنَعَتْهُ الزَّحْمَةُ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ فِي
الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْجُمُعَةِ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ أَوْ رِجْلِهِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُ أَوْ ظَهْرِ بَهِيمَةٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ يَتَخَيَّرُ إنْ شَاءَ سَجَدَ عَلَى الظَّهْرِ وَإِنْ شَاءَ صَبَرَ لِيَسْجُدَ عَلَى الْأَرْضِ وَهَذَا الطَّرِيقُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ السُّجُودِ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ
فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ " وَلِأَثَرِ عُمَرَ وَلِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّمَا يَسْجُدُ عَلَى الظَّهْرِ وَنَحْوِهِ إذَا أَمْكَنَهُ رِعَايَةُ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ يَكُونَ عَلَى مَوْضِعٍ مُرْتَفِعٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْمَأْتِيُّ بِهِ لَيْسَ بِسُجُودٍ فَلَا يَجُوزُ فِعْلُهُ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ هُنَا ارْتِفَاعُ رَأْسِهِ وَخُرُوجُهُ عَنْ هَيْئَةِ السَّاجِدِ لِلْعُذْرِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَإِذَا أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرٍ وَنَحْوِهِ فَلَمْ يَسْجُدْ فَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِلَا عُذْرٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَلَا عَلَى ظَهْرٍ وَلَا غَيْرِهِ فَأَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مُتَابَعَةِ الْإِمَامِ لِهَذَا الْعُذْرِ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا فَفِي صِحَّتِهَا الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَيَظْهَرُ مَنْعُهُ مِنْ الِانْفِرَادِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ وَاجِبَةٌ فَالْخُرُوجُ مِنْهَا مَعَ تَوَقُّعِ إدْرَاكِهَا لَا وَجْهَ لَهُ أَمَّا إذَا عَجَزَ عَنْ السُّجُودِ عَلَى الْأَرْضِ وَالظَّهْرِ وَدَامَ عَلَى الْمُتَابَعَةِ فَمَاذَا يَصْنَعُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَنْتَظِرُ التَّمَكُّنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يطول القراءة ليلحقه منتظر السجود (والثاني) يومى بِالسُّجُودِ أَكْثَرَ مَا يُمْكِنُهُ كَالْمَرِيضِ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بينهما فإذا قلنا بالصحيح فله حالان (احدهما) أَنْ يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ فِي الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ عِنْدَ تَمَكُّنِهِ فَإِذَا فَرَغَ من
سُجُودِهِ فَلِلْإِمَامِ أَرْبَعَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ بَعُدَ فِي الْقِيَامِ فَيَفْتَتِحُ الْمَزْحُومُ الْقِرَاءَةَ فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْل رُكُوعِ الْإِمَامِ رَكَعَ مَعَهُ وَجَرَى عَلَى مُتَابَعَتِهِ وَحَصَلَتْ لَهُ الْجُمُعَةُ فَيُسَلِّمُ مَعَهُ وَلَا يَضُرُّهُ هَذَا التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِنْ رَكَعَ الْإِمَامُ قَبْلَ إتْمَامِهَا فَهَلْ لَهُ حُكْمُ الْمَسْبُوقِ فِيهِ وَجْهَانِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ الْمَسْبُوقِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ
لَهُ حُكْمُهُ فَيَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي التَّخَلُّفِ فَأَشْبَهَ الْمَسْبُوقَ وَمِمَّنْ صحح هذا الشيخ أبو حامد والماورى وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ أَنْ يُتِمَّ الْفَاتِحَةَ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ بِخِلَافِ الْمَسْبُوقِ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا فَإِذَا قُلْنَا يَقْرَأُ لَمْ يَقْطَعْ الْقُدْوَةَ بَلْ يَقْرَأُ وَيَتْبَعُ الْإِمَامَ جَهْدَهُ فَيَرْكَعُ وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ قَاصِدًا لُحُوقَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلرَّكْعَتَيْنِ عَلَى حُكْمِ الْجَمَاعَةِ وَلَا يَضُرُّهُ التَّخَلُّفُ بِأَرْكَانٍ وَيَكُونُ حُكْمُ الْقُدْوَةِ جَارِيًا عَلَيْهِ فَيَلْحَقُهُ سَهْوُ الْإِمَامِ وَيَحْمِلُ الْإِمَامُ سَهْوَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إذَا قُلْنَا يَقْرَأُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ إذَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُ قَبْلَ فَرَاغِ الْفَاتِحَةِ فَهُوَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ ضَعِيفٌ وَخِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ (الْحَالُ الثَّانِي) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَيَرْكَعَ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ فَسَقَطَتْ عَنْهُ كَالْمَسْبُوقِ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَيَسْعَى وَرَاءَ الْإِمَامِ وَهُوَ مُتَخَلِّفٌ بِعُذْرٍ (الحال الثالث) أن يكون فارغا مِنْ الرُّكُوعِ وَلَمْ يُسَلِّمْ بَعْدُ فَإِنْ قُلْنَا فِي الْحَالِ الثَّانِي هُوَ كَالْمَسْبُوقِ تَابَعَ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ وَلَا يُحْسَبُ لَهُ بَلْ يَلْزَمُهُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ رَكْعَةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَ كَالْمَسْبُوقِ اشْتَغَلَ بِتَرْتِيبِ صَلَاةِ نَفْسِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَجْهًا وَاحِدًا لِكَثْرَةِ مَا فَاتَهُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُتَحَلِّلًا مِنْ صَلَاتِهِ فَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَمْ تَتِمَّ لَهُ رَكْعَةٌ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ ثُمَّ سَلَّمَ الْإِمَامُ عَقِبَهُ كَانَ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ أُخْرَى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ التَّخَلُّفَ وَأَمَرْنَاهُ بِالْجَرَيَانِ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْفَرَائِضِ فَعَسَاهُ يُدْرِكُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجُوزَ لَهُ فِعْلُ السُّنَنِ مُقْتَصِرًا علي الوسط منها (الحال الثاني) للمأموم ان لا يَتَمَكَّنَ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى يَرْكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَأَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَيَرْكَعُ مَعَهُ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ اخْتِيَارُ
الْقَفَّالِ قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَدَلِيلُهُ أَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ آكَدُّ وَلِهَذَا يُتَابِعُهُ الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَهُ رَاكِعًا وَيَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ وَالْقِيَامَ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فِي الرُّكُوعِ بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْجُدَ وَيَجْرِيَ عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ قلنا يتابعه فقد يتمثل ذَلِكَ وَقَدْ يُخَالِفُهُ فَإِنْ امْتَثَلَ
وَرَكَعَ مَعَهُ فَهَلْ يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرُهُمْ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ بِالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ تَصْحِيحَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ لِأَنَّهُ رُكُوعٌ صَحَّ فَلَا يَبْطُلُ بِرُكُوعٍ آخَرَ كَمَا لَوْ رَكَعَ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَقَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَرَكَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَإِنَّ الْمَحْسُوبَ لَهُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَالثَّانِي) يُحْسَبُ لَهُ الرُّكُوعُ الثَّانِي لِأَنَّهُ الْمَحْسُوبُ لِلْإِمَامِ فَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الثَّانِي حَصَلَتْ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا الْمَحْسُوبُ الْأَوَّلُ حَصَلَتْ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ مِنْ رُكُوعِ الْأُولَى وَسُجُودِ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ وَجْهَانِ مشهوران (اصحهما) عند الاحصاب يدرك بها وهو قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ لِأَنَّهَا ركعة صحيحة
(والثانى)
لا تدرك بها لانها صلاة يشترط فِيهَا كَمَالُ الْمُصَلِّينَ وَلَا تُدْرَكُ بِرَكْعَةٍ فِيهَا نَقْصٌ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنْ قُلْنَا يُدْرِكُ بِهَا ضَمَّ إلَيْهَا أُخْرَى بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قلنا
لَا يُدْرِكُ بِهَا فَقَدْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ وَهَلْ تُحْسَبُ لَهُ هَذِهِ الرَّكْعَةُ مِنْ الظُّهْرِ وَيَبْنِي عَلَيْهَا بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) تُحْسَبُ قَوْلًا وَاحِدًا فَيَبْنِي عَلَى الظُّهْرِ (وَالثَّانِي) فِيهِ الْقَوْلَانِ فيمن احرم بالظهر قبل فوات الجمعة فان الْمُصَنِّفُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ هَذَا الطَّرِيقُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْل الْجُمُعَةِ بِلَا عُذْرٍ وَهَذَا مَعْذُورٌ لِأَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ أَحْرَمَ مُنْفَرِدًا قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَهَذَا أَحْرَمَ مَعَ الْإِمَامِ فَجَازَ لَهُ الْبِنَاءُ ظُهْرًا بِلَا خِلَافٍ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ الْجُمُعَةِ فَأَحْرَمَ مَعَهُ فَإِنَّهُ ينبي عَلَى الظُّهْرِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي الطَّرِيقَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الزِّحَامَ عُذْرٌ أَمْ لَا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ عُذْرٌ أَمَّا إذَا خَالَفَ وَاجِبَهُ فَاشْتَغَلَ بِالسُّجُودِ وَتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ وَاجِبَهُ الْمُتَابَعَةُ وَلَمْ يَنْوِ مُفَارَقَةَ الْإِمَامِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ يَسْجُدُ فِي مَوْضِعِ الرُّكُوعِ عَمْدًا عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ نَوَى مُفَارَقَتَهُ فَفِي بُطْلَانِ صَلَاتِهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ خَرَجَ مِنْ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ لِيُتِمَّ مُنْفَرِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا يَبْطُلُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ
بِالْجُمُعَةِ إنْ أَدْرَكَهَا وَإِلَّا كَانَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَبْطُلُ لَمْ تَصِحُّ جُمُعَتُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ مِنْهَا رَكْعَةً مَعَ الْإِمَامِ وَهَلْ تَصِحُّ ظُهْرًا فِيهِ الْقَوْلَانِ فِيمَنْ صلاها قبل فراغ الجمعة ولنا قول حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ فِي صِفَةِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْجُمُعَةَ إذَا فَاتَتْ لَا يَجُوزُ الْبِنَاءُ عَلَيْهَا بَلْ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ هَذَا كُلُّهُ إذَا خَالَفَ عَالِمًا بِأَنَّ فَرْضَهُ الْمُتَابَعَةُ فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ فَرْضَهُ السُّجُودَ وَتَرْتِيبَ نَفْسِهِ أَوْ نَاسِيًا فِيمَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَغَيْرِهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَلَا تَبْطُلُ بِهِ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ بِجَهْلِهِ أَوْ نِسْيَانِهِ ثم ان فرع وَالْإِمَامُ بَعْدُ فِي الرُّكُوعِ لَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ
فَإِنْ تَابَعَهُ فَرَكَعَ مَعَهُ فَالتَّفْرِيعُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ قَدْ فَرَغَ مِنْ الرُّكُوعِ نَظَرَ إنْ رَاعَى تَرْتِيبَ نَفْسِهِ بِأَنْ قَامَ بَعْدَ السَّجْدَتَيْنِ وَقَرَأَ وَرَكَعَ وَسَجَدَ فَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ له بشئ مِمَّا أَتَى بِهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ لِتَمَامِ الرَّكْعَةِ وَلَا يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ عَلَى قَوْلِ وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ بِكُلِّ حال فكما لا يحسب لَهُ السُّجُودُ وَالْإِمَامُ رَاكِعٌ لِكَوْنِ فَرْضِهِ الْمُتَابَعَةَ لَا يُحْسَبُ وَالْإِمَامُ فِي رُكْنٍ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إذَا فَعَلَ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ تَمَّتْ لَهُ مِنْهُمَا رَكْعَةٌ لَكِنَّهَا نَاقِصَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّلْفِيقُ فَإِنَّ رُكُوعَهَا مِنْ الْأُولَى وَسُجُودَهَا مِنْ الثَّانِيَةِ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَالنَّقْصُ الثَّانِي كَوْنُهَا رَكْعَةً حُكْمِيَّةً لِأَنَّهُ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ فِي مُعْظَمِهَا مُتَابَعَةً حِسِّيَّةً بَلْ حُكْمِيَّةً وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالرَّكْعَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَجْهَانِ كَالْمُلَفَّقَةِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ وَلَيْسَ الْخِلَافُ فِي مُطْلَقِ الْقُدْوَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَإِنَّ السُّجُودَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْجُمُعَةَ تُدْرَكُ بِهِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ هَذَا كُلُّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ السَّجْدَتَيْنِ اللَّتَيْنِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِمَا وَجَرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَأَمَّا إذَا فَرَغَ مِنْهُمَا وَالْإِمَامُ سَاجِدٌ يُتَابِعُهُ فِي سجدتيه هذا وَظِيفَتُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَيُحْسَبَانِ لَهُ وَيَكُونُ الْحَاصِلُ رَكْعَةً مُلَفَّقَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ وَجَدَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ وَافَقَهُ فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ وَتَمَّتْ لَهُ رَكْعَةٌ ولا جمعة له لانه لم يتم له ركعة فِي حَالِ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَصَارَ فَرْضُهُ الظُّهْرَ وهل
يَسْتَأْنِفُهَا أَمْ يَبْنِي عَلَى هَذِهِ الرَّكْعَةِ فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَبْنِي (وَالثَّانِي) عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَكَذَا يَفْعَلُ لَوْ وَجَدَهُ قَدْ سَلَّمَ هَذَا كله إذا قلنا متابع الْإِمَامَ أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يُتَابِعُهُ بَلْ يَسْجُدُ وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أن يُخَالِفُ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَرْكَعُ مَعَ الْإِمَامِ فَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيَلْزَمُهُ الْإِحْرَامُ بِالْجُمُعَةِ إنْ أمكنه ادارك الْإِمَامِ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا يَعْتَقِدُ أَنَّ وَاجِبَهُ الرُّكُوعُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ رُكُوعُهُ هَذَا لَغْوًا فَإِذَا سَجَدَ مَعَهُ بَعْدَ هَذَا الرُّكُوعِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُحْسَبُ هَذَا السُّجُودُ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ لِمُتَابَعَةِ الْإِمَامِ وَهُوَ مُخْطِئٌ فِي ذَلِكَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُحْسَبُ لِأَنَّهُ سُجُودٌ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا يَضُرُّ جَهْلُهُ بِجِهَةِ وُجُوبِهِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَإِنَّهَا تُحْسَبُ لَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَإِنْ كَانَ نِيَّتُهُ فِعْلَهَا لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَعَلَى هَذَا يَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ أَصَحُّهُمَا الْإِدْرَاكُ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَمْتَثِلَ مَا أَمَرْنَاهُ فَيَسْجُدَ وَيَحْصُلَ لَهُ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَفِي الْإِدْرَاكِ بِهَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ فَلِلْإِمَامِ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ فَارِغًا مِنْ الرُّكُوعِ بِأَنْ يَكُونَ في السجود
أَوْ التَّشَهُّدِ وَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ يَشْتَغِلُ بِمَا فَاتَهُ وَيُجْرَى عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقُومُ وَيَقْرَأُ وَيَرْكَعُ لِأَنَّ الِاشْتِغَالَ بِالْفَائِتِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَوْلَى مِنْ الْمُتَابَعَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا هُوَ فِيهِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ اشْتَغَلَ بِتَدَارُكِ مَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ الرَّكْعَةَ لَمْ يُدْرِكْ مِنْهَا قَدْرًا يُحْسَبُ لَهُ فَلَزِمَهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ كَمَسْبُوقٍ أَدْرَكَ الْإِمَامَ سَاجِدًا فَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ عِنْدَ فَرَاغِ الْمَزْحُومِ مِنْ السُّجُودِ قَدْ هَوَى لِلسُّجُودِ فَتَابَعَهُ فَقَدْ وَالَى بَيْنَ أَرْبَعِ سَجَدَاتٍ وَهَلْ يُحْسَبُ لِإِتْمَامِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى السَّجْدَتَانِ الاوليان أم الْأُخْرَيَانِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ هَلْ الْمَحْسُوبُ الرُّكُوعُ الْأَوَّلُ أَمْ الثَّانِي (أَصَحُّهُمَا) الْأُولَيَانِ فَإِنْ قُلْنَا الْأُولَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ فِي قُدْوَةٍ حُكْمِيَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا الْأُخْرَيَانِ فَهِيَ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِالْحُكْمِيَّةِ وَالْمُلَفَّقَةِ الْوَجْهَانِ السابقان (أصحهما) الادراك (الحال الثاني) لِلْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ رَاكِعًا بَعْدُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَالْمَسْبُوقِ
أَمْ يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ فَيَقْرَأُ وَيَأْتِي بِالْبَاقِي فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ تَفْرِيعًا عَلَى القول
الْأَوَّلِ وَهُمَا هُنَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ الرُّكُوعُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَهَذَا اخْتِيَارٌ مِنْهُ لِلْأَصَحِّ وَقَدْ ذَكَرَ هُوَ الْوَجْهَيْنِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَجَزَمَ هُنَا بِأَصَحِّهِمَا وَرُبَّمَا تَوَهَّمَ مَنْ لَا أُنْسَ لَهُ أَنَّ الصُّورَةَ غَيْرُ الصُّورَةِ وَطَلَبَ بَيْنَهُمَا فَرْقًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الصُّورَةُ هِيَ الْأُولَى بِحَالِهَا وَلَا فَرْقَ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ مُتَابَعَتُهُ وَتَسْقُطُ الْقِرَاءَةُ تابعه ويكون مدركا للركعتين فيسلم مَعَ الْإِمَامِ وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ وَإِنْ قُلْنَا يَشْتَغِلُ بِتَرْتِيبِ نَفْسِهِ اشْتَغَلَ بِهِ وَهُوَ مُدْرِكٌ لِلْجُمُعَةِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ الْمَزْحُومُ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى سَجَدَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ فَالْحَاصِلُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْإِدْرَاكُ وَإِنْ قُلْنَا الْوَاجِبُ تَرْتِيبُ نَفْسِهِ فَرَكْعَةٌ غَيْرُ مُلَفَّقَةٍ فَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَطْعًا أَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّجُودِ حَتَّى تَشَهَّدَ الْإِمَامُ فَيَسْجُدُ ثُمَّ إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ قَبْلَ السَّلَامِ أَدْرَكَ الْجُمُعَةَ وَإِلَّا فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَهَلْ يَبْنِي عَلَى الرَّكْعَةِ لِإِتْمَامِ الظُّهْرِ أَمْ يَسْتَأْنِفُهَا فِيهِ الطَّرِيقَانِ السَّابِقَانِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فَلَوْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ فَسَلَّمَ
الْإِمَامُ قَبْلَ أَنْ يَعْتَدِلَ الْمَزْحُومُ قَاعِدًا فَفِيهِ احْتِمَالٌ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مُدْرِكُ لِلْجُمُعَةِ أَمَّا إذَا كَانَ الزِّحَامُ فِي سُجُودِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَقَدْ صَلَّى الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ فَيَسْجُدُ مَتَى تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ وَجُمُعَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ كَانَ مَسْبُوقًا أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَإِنْ تَمَكَّنَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ سَجَدَ وَأَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ فَيَضُمَّ إلَيْهَا أُخْرَى وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ حَتَّى سَلَّمَ فَلَا جُمُعَةَ لَهُ فَيَسْجُدُ وَيَحْصُلُ لَهُ رَكْعَةٌ مِنْ الظُّهْرِ عَلَى الْمَذْهَبِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ رُكُوعِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَيَرْكَعُ وَيُتَابِعُهُ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَفِي الْحَاصِلِ لَهُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ تُحْسَبُ لَهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ وَتَسْقُطُ الْأُولَى وَيُدْرِكُ الْجُمُعَةَ قَوْلًا وَاحِدًا (وَالثَّانِي) تُحْسَبُ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ وَفِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِهَا الْوَجْهَانِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَزَالَتْ الزَّحْمَةُ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ فِي الثَّانِيَةِ فَسَجَدَ وَقَامَ وَأَدْرَكَهُ قَائِمًا
وَقَرَأَ أَوْ رَاكِعًا فَقَرَأَ وَلَحِقَهُ أَوْ قُلْنَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ فَرَكَعَ مَعَهُ ثُمَّ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فِي الثَّانِيَةِ وَزَالَ
الزِّحَامُ وَسَجَدَ وَرَفَعَ وَأَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَتَيْنِ وَفِي إدْرَاكِهِ بِهِمَا الْجُمُعَةَ طَرِيقَانِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في ادراكها الوجهان في الركعة الحكمية وقال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْأَكْثَرُونَ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ وَجْهًا وَاحِدًا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَضَعَّفَ قَوْلَ القاضى أبو الطَّيِّبِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَكَعَ مَعَ الْإِمَامِ وَنَسِيَ السُّجُودَ وَبَقِيَ وَاقِفًا فِي الِاعْتِدَالِ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ والاصحاب
(أحدهما)
قاله القاضى أبو حامد المروروزى وَالْبَنْدَنِيجِيّ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْمَزْحُومِ هَلْ يَتْبَعُ الْإِمَامَ أَمْ يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ إتْبَاعُ الْإِمَامِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ فِي النِّسْيَانِ بِخِلَافِ الزَّحْمَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْمُتَابَعَةِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الطَّرِيقَ وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الرُّويَانِيِّ وَصَحَّحَ الْبَغَوِيّ الْأَوَّلَ هَكَذَا أَطْلَقَ الْأَكْثَرُونَ الْمَسْأَلَةَ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ التَّخَلُّفُ بِالنِّسْيَانِ هَلْ هُوَ كَالتَّخَلُّفِ بِالزِّحَامِ قِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نَعَمْ لِعُذْرِهِ
(وَالثَّانِي)
لَا لِنُدُورِهِ وَتَفْرِيطِهِ قَالَ وَالْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ أَنَّ فِيهِ تَفْصِيلًا فَإِنْ تَأَخَّرَ سُجُودُهُ عَنْ سَجْدَتَيْ الْإِمَامِ بِالنِّسْيَانِ ثُمَّ سَجَدَ فِي حَالِ قِيَامِ الْإِمَامِ فَهُوَ كَالزِّحَامِ وَكَذَا لَوْ تَأَخَّرَ لِمَرَضٍ وَإِنْ بَقِيَ
ذَاهِلًا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
كَالْمَزْحُومِ فَفِي قَوْلٍ يَرْكَعُ مَعَهُ وَفِي قَوْلٍ يُرَاعِي تَرْتِيبَ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ قَوْلًا وَاحِدًا وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيِّ
* (فَرْعٌ)
الزِّحَامُ يُتَصَوَّرُ فِي جَمِيعِ الصَّلَوَاتِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَغْلَبُ وَلِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْوَاعٌ مِنْ الْإِشْكَالِ وَالْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ لَا يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهَا كَالْخِلَافِ فِي إدْرَاكِ الْجُمُعَةِ بِرَكْعَةٍ مُلَفَّقَةٍ أَوْ حُكْمِيَّةٍ وَلِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطٌ فِيهَا فَلَا يُمْكِنُهُ الْمُفَارَقَةُ مَا دَامَ يَتَوَقَّعُ إدْرَاكَهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا فَإِذَا زُحِمَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ عَنْ السُّجُودِ فَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ حَكَاهَا الرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ
(وَالثَّانِي)
الِاشْتِغَالُ بِمَا عَلَيْهِ
وَيَجْرِي عَلَى تَرْتِيبِ نَفْسِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُتَابِعُهُ قَطْعًا (وَالثَّالِثُ) يَشْتَغِلُ بِمَا عَلَيْهِ قَطْعًا
* (فَرْعٌ)
إذَا عَرَضَتْ فِي الصَّلَاةِ حَالَةٌ تَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهَا جُمُعَةً فِي صُورَةِ الزِّحَامِ أَوْ غَيْرِهَا فَهَلْ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ظُهْرًا فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الاصحاب من العراقيين وغيرهم (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ قَوْلَانِ يَتَعَلَّقَانِ بِالْأَصْلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا أَنَّ الْجُمُعَةَ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ أَمْ صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا وَفِيهِ قَوْلَانِ مُسْتَنْبَطَانِ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
فَإِنْ قُلْنَا ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ فَفَاتَ بَعْضُ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا كَالْمُسَافِرِ إذَا فَاتَ بَعْضَ شُرُوطِ الْقَصْرِ وَإِنْ قُلْنَا صَلَاةٌ عَلَى حِيَالِهَا فَهَلْ يُتِمُّهَا ظُهْرًا فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يُتِمُّهَا ظُهْرًا لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْهَا أَوْ كَالْبَدَلِ عَلَى مَا سَبَقَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ الْخِلَافِ فعلى هذا هل يشترط أن ينوى قبلها ظُهْرًا أَمْ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا لَا يُشْتَرَطُ وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا فَهَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَنَظَائِرِهَا (الصَّحِيحُ) تَنْقَلِبُ نَفْلًا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلُ الْبُطْلَانِ لَا يَنْتَظِمُ تَفْرِيعُهُ إذَا أَمَرْنَاهُ فِي صورة الزحام بشئ فَامْتَثَلَ فَلْيَكُنْ ذَلِكَ مَخْصُوصًا بِمَا إذَا خَالَفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الزِّحَامِ
* أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ وَأَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى ظَهْرِ إنْسَانٍ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَمُجَاهِدٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حنيفة وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ بَلْ يَنْتَظِرُ زَوَالَ الزَّحْمَةِ فَلَوْ سَجَدَ لَمْ يُجْزِئْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ السُّجُودِ عَلَى ظَهْرِهِ وَالِانْتِظَارِ وَقَالَ نَافِعٌ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ يُومِئُ إلَى السُّجُودِ أَمَّا إذَا لَمْ يَزَلْ الزِّحَامُ حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ فِي الثَّانِيَةِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مُتَابَعَةُ الْإِمَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَشْتَغِلُ بِالسُّجُودِ أَمَّا إذَا زُحِمَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ حَتَّى سَلَّمَ الْإِمَامُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَأْمُومَ الْمَزْحُومَ تَفُوتُهُ الْجُمُعَةُ وَيُتِمُّهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا وَبِهِ قَالَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَقَتَادَةُ وَيُونُسُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ
الْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وقال مالك أحب أن يتمها أربعا
*
* قال المصنف رحمه الله
* (إذا أحدث الامام في الصَّلَاةِ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) لَا يستخلف (وقال في الجديد) يستخلف وقد بينا وجه القولين في باب صلاة الجماعة (فان قلنا) لا يستخلف نظرت فان أحدث بعد الخطبة وقبل الاحرام لم يجز أن يستخلف لان الخطبتين مع الركعتين كالصلاة الواحدة فلما لم يجز أن يستخلف
في صلاة الظهر بعد الركعتين لم يجز أن يستخلف في الجمعة بعد الخطبتين وان أحدث بعد الاحرام ففيه قولان
(أحدهما)
يتمون الجمعة فرادى لانه لما لم يجز الاستخلاف بقوا علي حكم الجماعة فجاز لهم أن يصلوا فرادى (والثاني) أنه إذا كان الحدث قبل أن يصلي بهم ركعة صلوا الظهر وان كان بعد الركعة صلوا ركعة أخرى فرادى كالمسبوق إذا لم يدرك ركعة أتم الظهر وإن أدرك ركعة أتم الجمعة وإن قلنا بقوله الجديد فان كان الحدث بعد الخطبتين وقبل الاحرام فاستخلف من حضر الخطبة جاز وان استخلف من لم يحضر الخطبة لم يجز لان من حضر كمل بالسماع فانعقدت به الجمعة ومن لم يحضر لم يكمل فلم تنعقد به الجمعة ولهذا لو خطب بأربعين فقاموا وصلوا الجمعة جاز ولو حضر أربعون لم يحضروا الخطبة فصلوا الجمعة لم يجز وإن كان الحدث بعد الاحرام فان كان في الركعة الاولي فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز له لانه من أهل الجمعة وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لانه ليس من أهل الجمعة ولهذا لو صلي بانفراده الجمعة لم تصح وإن كان الحدث في الركعة الثانية فان كان قبل الركوع فاستخلف من كان معه قبل الحدث جاز وان استخلف من لم يكن معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان بعد الركوع فاستخلف من لم يحضر معه قبل الحدث لم يجز لما ذكرناه وإن كان معه قبل الحدث ولم يكن معه قبل الركوع فان فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يصلي الظهر وجهان فان قلنا يجوز جاز أن يستخلفه وإن قلنا لا يجوز لم يجز أن يستخلفه)
*
(الشَّرْحُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ بِحَدَثٍ تَعَمَّدَهُ أَوْ نَسِيَهُ أَوْ سَبَقَهُ أَوْ بِرُعَافٍ أَوْ سَبَبٍ آخَرَ أَوْ بِلَا سَبَبٍ فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ فَفِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ قَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ جَوَازُهُ وَالْقَدِيمُ وَالْإِمْلَاءُ مَنْعُهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ بِتَفْرِيعِهِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا الِاسْتِخْلَافُ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ (أَظْهَرُهُمَا) الْجَوَازُ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْهُ نَظَرْتُ فَإِنْ كَانَ حَدَثُهُ بَعْدَ الْخُطْبَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ الِاسْتِخْلَافُ لِأَنَّ الْخُطْبَتَيْنِ كَالرَّكْعَتَيْنِ فَكَمَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخُطْبَةِ لَكِنْ يُنَصِّبُونَ مَنْ يَسْتَأْنِفُ الْخُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ فَفِيمَا يَفْعَلُونَ قَوْلَانِ فِي الْقَدِيمِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ إنْ كَانَ حَدَثُهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى أَتَمَّ الْقَوْمُ صَلَاتَهُمْ ظُهْرًا وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ رَكْعَةً فُرَادَى لِأَنَّ الجمعة تدرك بركعة لا بدونها (والثاني) يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً فِي الْحَالَيْنِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا فِي الْحَالَيْنِ هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ الْخِلَافَ فِي أَنَّهُمْ يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَمْ ظُهْرًا وَكَانَ يَنْبَغِي إذَا قُلْنَا لَا يُتِمُّونَهَا جُمُعَةً أَنْ يَسْتَأْنِفُوا جُمُعَةً إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ هَذَا كُلُّهُ إذَا مَنَعْنَا الِاسْتِخْلَافَ فان جوزناه
نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ لَمْ يَصِحَّ وَلَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْخَلِيفَةِ أَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ رحمه الله وَفِي صِحَّةِ ظُهْرِ هَذَا الْخَلِيفَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الظُّهْرَ هَلْ تَصِحُّ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا لَا يصح فهل تبطل أم تبقى نقلا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ قَرِيبًا فَإِنْ قُلْنَا تَبْطُلُ فَاقْتَدَى بِهِ الْقَوْمُ عَالِمِينَ بُطْلَانَ صَلَاتِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُمْ وَإِنْ صَحَّحْنَاهَا وَكَانَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَلَا جُمُعَةَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُدْرِكُوا مِنْهَا رَكْعَةً وَفِي صِحَّةِ الظُّهْرِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الظُّهْرِ بِنِيَّةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَفِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانَ هَذَا اقْتِدَاءً طَارِئًا فِي أَثْنَاءِ صَلَاةِ مُنْفَرِدٍ وَفِي صِحَّتِهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ فِي بَابِ صلاة الجماعة وفيه شئ آخَرُ وَهُوَ الِاقْتِدَاءُ فِي الْجُمُعَةِ بِمَنْ يُصَلِّي ظُهْرًا أَوْ نَافِلَةً وَفِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْأَصَحُّ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْجَوَازُ أَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَ مَنْ اقْتَدَى بِهِ قَبْلَ الْحَدَثِ فَيُنْظَرُ إنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَصِحُّ اسْتِخْلَافُهُ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لِيُصَلِّيَ بِهِمْ (وَأَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَالْأَكْثَرِينَ وَنَقَلَ الصَّيْدَلَانِيُّ هَذَا الْخِلَافَ قَوْلَيْنِ الْمَنْعُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْجَوَازُ عَنْ نَصِّهِ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي مُجَرَّدِ حُضُورِ الْخُطْبَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ سَمَاعُهُ لَهَا بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ حَضَرَ الْخُطْبَةَ أَوْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَجَوَّزْنَا اسْتِخْلَافَهُ نُظِرَ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى جَازَ وَتَمَّتْ لَهُمْ الْجُمُعَةُ سَوَاءٌ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي الْأُولَى أَمْ فِي الثَّانِيَةِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا شَاذًّا ضَعِيفًا أَنَّ الْخَلِيفَةَ يُصَلِّي ظُهْرًا وَالْقَوْمَ جُمُعَةً وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَإِنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ أَدْرَكَهُ فِي الثَّانِيَةِ وَأَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ قبل حدثه
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لَمْ يَجُزْ اسْتِخْلَافُ هَذَا وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ وَفِي الْخَلِيفَةِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لَا يُتِمُّهَا جُمُعَةً وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ فَعَلَى هَذَا يُتِمُّهَا ظُهْرًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُتِمُّهَا ظُهْرًا
(وَالثَّانِي)
لَا فَعَلَى هَذَا هَلْ تَبْطُلُ أَمْ تَنْقَلِبُ نَفْلًا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي مَوَاضِعَ (أَصَحُّهُمَا) تَنْقَلِبُ نَفْلًا فَإِنْ أَبْطَلْنَاهَا امْتَنَعَ اسْتِخْلَافُ الْمَسْبُوقِ هَذَا إذَا اسْتَخْلَفَ فِي الثَّانِيَةِ مَنْ أَحْرَمَ قَبْلَ حَدَثِهِ وَقَبْلَ الرُّكُوعِ فَلَوْ استخلف بعد رُكُوعِ الثَّانِيَةِ مَنْ أَدْرَكَهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَقَبْلَ الْحَدَثِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَحَكَاهُمَا غَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ جَوَازُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَعَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّانِي) مَنْعُهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ سَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ فَرْضَهُ الظُّهْرُ وَفِي جَوَازِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ وَجْهَانِ إنْ جَوَّزْنَاهَا جَازَ اسْتِخْلَافُهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ جَوَازُهَا وَالْخَلِيفَةُ مَسْبُوقٌ لَزِمَهُ مُرَاعَاةُ نَظْمِ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَيَجْلِسُ إذَا صَلَّى رَكْعَةً وَيَتَشَهَّدُ فَإِذَا بَلَغَ مَوْضِعَ السَّلَامِ أَشَارَ إلَى
الْقَوْمِ وَقَامَ إلَى بَاقِي صَلَاتِهِ وَهُوَ رَكْعَةٌ إنْ جَعَلْنَاهُ مُدْرِكًا لِلْجُمُعَةِ أَوْ ثَلَاثٌ إنْ قُلْنَا فَرْضُهُ الظُّهْرُ وَجَوَّزْنَا لَهُ الْبِنَاءَ عَلَيْهَا وَالْقَوْمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا وَإِنْ شَاءُوا ثَبَتُوا جَالِسِينَ يَنْتَظِرُونَهُ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ وَهُوَ الْأَفْضَلُ وَلَوْ دَخَلَ مَسْبُوقٌ وَاقْتَدَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ الَّتِي اسْتَخْلَفَ فِيهَا صَحَّتْ له الجمعة
وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ لِلْخَلِيفَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ هُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى صِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ مُصَلِّي الظُّهْرِ وَتَصِحُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ لِلَّذِينَ أَدْرَكُوا مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ رَكْعَةً بِكُلِّ حَالٍ لِأَنَّهُمْ لَوْ انْفَرَدُوا بِالرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَانُوا مُدْرِكِينَ لِلْجُمُعَةِ فَلَا يَضُرُّ اقْتِدَاؤُهُمْ فِيهَا بِمُصَلِّي الظُّهْرِ أَوْ النَّفْلِ هَذَا كُلُّهُ إذَا أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَحْدَثَ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَأَرَادَ اسْتِخْلَافَ مَنْ يُصَلِّي فَثَلَاثُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا بَلْ إنْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ خَطَبَ بِهِمْ آخَرُ وَصَلَّى وَإِلَّا صَلَّوْا الظُّهْرَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) إنْ جَوَّزْنَا الِاسْتِخْلَافَ فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَإِذَا جَوَّزْنَاهُ فَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ الْخَلِيفَةُ سَمِعَ الْخُطْبَةَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلِهَذَا لَوْ بَادَرَ أَرْبَعُونَ مِنْ السَّامِعِينَ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَقَدُوا صَلَاةَ الْجُمُعَةِ انْعَقَدَتْ لَهُمْ وَلَوْ صَلَّاهَا غَيْرُهُمْ لَمْ تَنْعَقِدْ قَالَ الْأَصْحَابُ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَيْرُ السَّامِعِ مِنْ أَهْلِ الْجُمُعَةِ إذَا دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ وَحَكَى الْمُتَوَلِّي وَجْهَيْنِ فِي صِحَّةِ اسْتِخْلَافِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ الْخُطْبَةَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَالْمُرَادُ بِسَمَاعِهَا حُضُورُهَا وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ اسْتَخْلَفَ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ جاز وان استخلف مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا لَمْ يَجُزْ وَلَوْ أَحْدَثَ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَةِ وَشَرْطُنَا الطَّهَارَةُ فِيهَا فَهَلْ يَجُوزُ الِاسْتِخْلَافُ إنْ مَنَعْنَا فِي الصَّلَاةِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) جَوَازُهُ كَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً مِنْ الْجُمُعَةِ ثُمَّ فَارَقَهُ بِعُذْرٍ أَوْ بِغَيْرِهِ وَقُلْنَا لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْمُفَارَقَةِ أَتَمَّهَا جُمُعَةً كَمَا لَوْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا تَمَّتْ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَفِي الْقَوْمِ مَسْبُوقُونَ فَأَرَادُوا الِاسْتِخْلَافَ لِإِتْمَامِ صَلَاتِهِمْ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ الِاسْتِخْلَافَ لِلْإِمَامِ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ له فَإِنْ كَانَ فِي الْجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنْشَاءُ جُمُعَةٍ بَعْدَ جُمُعَةٍ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهَا فَوَجْهَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ حَيْثُ
ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ
* (فَرْعٌ)
إذَا اسْتَخْلَفَ هَلْ يُشْتَرَطُ عَلَى الْمَأْمُومِينَ نِيَّةُ الْقُدْوَةِ بِالْخَلِيفَةِ فِي الْجُمُعَةِ وَغَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (الصَّحِيحُ) لَا يُشْتَرَطُ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ فَقَدَّمَ الْقَوْمُ وَاحِدًا
بِالْإِشَارَةِ أَوْ تَقَدَّمَ وَاحِدٌ بِنَفْسِهِ جَازَ وَتَقْدِيمُ الْقَوْمِ أَوْلَى مِنْ اسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ لِأَنَّهُمْ الْمُصَلُّونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ وَاحِدًا وَالْقَوْمُ آخَرَ فَأَظْهَرُ الِاحْتِمَالَيْنِ أَنَّ مَنْ قَدَّمَهُ الْقَوْمُ أَوْلَى فَلَوْ لَمْ يَسْتَخْلِفْ الْإِمَامُ وَلَا الْقَوْمُ وَلَا تَقَدَّمَ أَحَدٌ فَالْحُكْمُ مَا ذَكَرْنَاهُ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجِبُ عَلَى الْقَوْمِ تَقْدِيمُ وَاحِدٍ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إنْ كَانَ خُرُوجُ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَلَمْ يَسْتَخْلِفْ وَإِنْ كَانَ فِي الثَّانِيَةِ جَازَ التَّقْدِيمُ وَلَمْ يَجِبْ بَلْ لَهُمْ الِانْفِرَادُ بِهَا وَتَصِحُّ جُمُعَتُهُمْ كَالْمَسْبُوقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ فِي الصُّورَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى مَنْعِ الِاسْتِخْلَافِ فيتجه علي مقتضاه خلاف في وجوب التقديم وعدمه
*
* قال المصنف رحمه الله
* (السنة أن لا تقام الجمعة بغير اذن السلطان فان فيه افتئاتا عليه فان أقيمت من غير اذنه جاز لِمَا رُوِيَ " أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه صلى العيد وعثمان رضى الله عنه محصور " ولانه فرض لله تعالى لا يختص بفعله الامام فلم يفتقر إلى اذنه كسائر العبادات)
* (الشَّرْحُ) هَذَا الْمَنْقُولُ عَنْ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ فِي بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَلَا يُعْلَمُ عُثْمَانُ أَمَرَهُ بِذَلِكَ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ فَرْضٌ لِلَّهِ احْتِرَازٌ مِنْ فَسْخِ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ (وَقَوْلُهُ) لَا يَخْتَصُّ بِفِعْلِهِ الْإِمَامُ احْتِرَازٌ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ مُنْتَقَضٌ بِهِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُقَامَ الْجُمُعَةُ إلَّا بِإِذْنِ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ فَإِنْ أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَلَا حُضُورِهِ جَازَ وَصَحَّتْ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا عِنْدَنَا إلَّا مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فَإِنَّهُ حَكَى قَوْلًا قَدِيمًا أَنَّهَا لَا تَصِحُّ إلَّا خَلْفَ الْإِمَامِ أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ
الْإِمَامُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اشْتِرَاطِ السُّلْطَانِ أَوْ إذْنِهِ فِي الْجُمُعَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَحُضُورِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ السُّلْطَانُ فِي الْبَلَدِ أَمْ لَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ الْجُمُعَةُ إلَّا خَلْفَ السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِئْذَانُهُ جَازَ لِلْقَاضِي وَوَالِي الشُّرْطَةِ إقَامَتُهَا وَمَتَى قُدِرَ عَلَى اسْتِئْذَانِهِ لَا تَصِحُّ بِغَيْرِ إذْنِهِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّهَا لَمْ تَقُمْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْآنَ إلَّا بِإِذْنِ
السُّلْطَانِ أَوْ نَائِبِهِ وَلِأَنَّ تَجْوِيزَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ يُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقِصَّةِ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَهِيَ صَحِيحَةٌ كَمَا سَبَقَ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ وَالْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِمَا أَجَابَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الْفِعْلَ إذَا خَرَجَ لِلْبَيَانِ اُعْتُبِرَ فِيهِ صِفَةُ الْفِعْلِ لَا صِفَاتُ الْفَاعِلِ وَلِهَذَا لَا تُشْتَرَطُ النُّبُوَّةُ فِي إمَامِ الْجُمُعَةِ وَكَوْنُ النَّاسِ فِي الْأَعْصَارِ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ بُطْلَانُهَا إذَا أُقِيمَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ (وَقَوْلُهُمْ) يُؤَدِّي إلَى فتنة لا نسلمه لان الاقتئات الْمُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأُمُورِ الْعِظَامِ وَلَيْسَتْ الْجُمُعَةُ مِمَّا تُؤَدِّي إلَى فِتْنَةٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ تَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ كُلِّ إمَامٍ صَلَّاهَا مِنْ أَمِيرٍ وَمَأْمُورٍ وَمُتَغَلِّبٍ وَغَيْرِ أَمِيرٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَرَادَ بِالْأَمِيرِ السُّلْطَانَ وَبِالْمَأْمُورِ نَائِبَهُ وَبِالْمُتَغَلِّبِ الْخَارِجِيَّ وَبِغَيْرِ الْأَمِيرِ آحَادَ الرَّعِيَّةِ فَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ خَلْفَ جَمِيعِهِمْ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا صَلَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ فَاعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَاسِدِينَ وَقَالَ مُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ عَلِيًّا مُتَغَلِّبٌ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ كَذَبَ هَذَا الْمُعْتَرِضُ وَجَهِلَ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ إنَّمَا مَثَّلَ بِذَلِكَ لِيَسْتَدِلَّ لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ خَلْفَ غَيْرِ الْأَمِيرِ وَالْمَأْمُورِ وَمُرَادُهُ أَنَّ عَلِيًّا لَمْ يَكُنْ أَمِيرًا فِي حَيَاةِ عُثْمَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال الْمُصَنِّفِ رحمه الله
* (قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله ولا يجمع في مصر وان عظم وكثرت مساجده الا في مسجد واحد والدليل
عليه أنه لم يقمها رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا الخلفاء من بعده في اكثر من موضع واختلف أصحابنا
في بغداد فقال أبو العباس يجوز في مواضع لانه بلد عظيم ويشق الاجتماع في موضع واحد وقال أبو الطيب ابن سلمة يجوز في كل جانب جمعة لانه كالبلدين ولا يجوز اكثر من ذلك وقال بعضهم كانت قرى متفرقة في كل موضع منها جمعة ثم اتصلت العمارة فبقيت على حكم الاصل)
* (الشَّرْحُ) قَوْلُهُ يُجَمَّعُ هُوَ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الميم - وفى بغداد أربع لغات بدالين مهملين وَبِمُهْمَلَةٍ ثُمَّ مُعْجَمَةٍ وَبَغْدَانُ وَمَغْدَانُ وَيُقَالُ لَهَا مَدِينَةُ السَّلَامِ وَسَبَقَ فِي بَيَانِهَا زِيَادَةٌ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ وَهَذَا النَّصُّ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَفِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَشَرْطُ الْجُمُعَةِ أَنْ لَا يَسْبِقَهَا فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ جُمُعَةٌ أُخْرَى وَلَا يُقَارِنَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَدْ دَخَلَ الشَّافِعِيُّ بَغْدَادَ وَهُمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ فِي مَوْضِعَيْنِ وَقِيلَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ وَفِي حُكْمِ بَغْدَادَ فِي الْجُمُعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الثَّلَاثَةَ الْأُولَى مِنْهَا هُنَا وَكَلَامُهُ فِي التَّنْبِيهِ يَقْتَضِي الْجَزْمَ بِالرَّابِعِ (أَحَدُهَا) أَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ جَائِزَةٌ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهُ بَلَدٌ كَبِيرٌ يَشُقُّ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ مِنْهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي جَمِيعِ الْبِلَادِ الَّتِي تَكْثُرُ النَّاسُ فِيهَا وَيَعْسُرُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَوْضِعٍ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أبو العباس بن سريج وأبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا تَصْرِيحًا وَتَعْرِيضًا وَمِمَّنْ رَجَّحَهُ ابْنُ كَجٍّ وَالْحَنَّاطِيُّ بِالْحَاءِ المهملة والقاضي
أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ وَالرُّويَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَدَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حرج)(والثاني) إيانما جَازَتْ الزِّيَادَةُ فِيهَا لِأَنَّ نَهْرَهَا يَحُولُ بَيْنَ جانبينها فَيَجْعَلُهَا كَبَلَدَيْنِ قَالَهُ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ سَلَمَةَ فَعَلَى هَذَا لَا تُقَامُ فِي كُلِّ جَانِبٍ مِنْ بَغْدَادَ إلَّا جُمُعَةٌ وَكُلُّ بَلَدٍ حَالَ بَيْنَ جَانِبَيْهَا نَهْرٌ يُحْوِجُ إلَى السِّبَاحَةِ فَهُوَ كَبَغْدَادَ وَاعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْجَانِبَانِ كَبَلَدَيْنِ لَقَصَرَ مَنْ عَبَرَ مِنْ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخِرِ مُسَافِرًا إلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ فالتزم ابن سلمة وجوز الْقَصْرِ (وَالثَّالِثُ) تَجُوزُ الزِّيَادَةُ وَإِنَّمَا جَازَتْ لِأَنَّهَا كَانَتْ قُرًى مُتَفَرِّقَةً قَدِيمَةً اتَّصَلَتْ
الْأَبْنِيَةُ فَأَجْرَى عَلَيْهَا حُكْمَهَا الْقَدِيمَ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ بَلَدٍ هَذَا شَأْنُهُ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ بِمَا اُعْتُرِضَ عَلَى ابْنِ سَلَمَةَ وَأُجِيبَ بِجَوَابِهِ وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْجَوَابِ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ (وَالرَّابِعُ) لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى جُمُعَةٍ فِي بَغْدَادَ وَلَا فِي غَيْرِهَا وَهَذَا ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ الْمَذْكُورِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ قَالُوا وَإِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْهُ الشَّافِعِيُّ عَلَى أَهْلِ بَغْدَادَ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ اجْتِهَادِيَّةٌ وَلَيْسَ لِمُجْتَهِدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مُجْتَهِدٍ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ فِيمَا حَكَاهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِنْكَارِ بِالْيَدِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُنْكِرَهَا بِقَلْبِهِ وَسَطَّرَهَا فِي كُتُبِهِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوَجْهُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْجَوَازُ فِي مَوْضِعَيْنِ وَأَكْثَرَ بِحَسْبِ الْحَاجَةِ وَعُسْرِ الِاجْتِمَاعِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ مُتَّفِقَةٌ علي جواز الزدة عَلَى جُمُعَةٍ بِبَغْدَادَ وَاخْتَلَفُوا فِي تَعْلِيلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ مَنَعْنَا الزِّيَادَةَ عَلَى جُمُعَةٍ فَعُقِدَتْ جُمُعَتَانِ فَلَهُ صُوَرٌ (إحْدَاهَا) أَنْ تسبق احداها ولايكون الْإِمَامُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَالْأُولَى هِيَ الصَّحِيحَةُ وَالثَّانِيَةُ باطلة بلا خلاف وفيما يُعْتَبَرُ بِهِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَتَيْنِ لِلْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ (وَالثَّانِي) بِالسَّلَامِ مِنْهَا هَكَذَا حَكَاهُمَا الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَجْهَيْنِ وَحَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ قَوْلَيْنِ وَأَنْكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا ثَالِثًا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِالشُّرُوعِ فِي الْخُطْبَةِ فَحَصَلَتْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ
بِالْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ فَأَيَّتُهُمَا أُحْرِمَ بِهَا أَوَّلًا فَهِيَ الصَّحِيحَةَ وَإِنْ تَقَدَّمَ سَلَامُ الثَّانِيَةِ وَخُطْبَتُهَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْمُزَنِيِّ فَعَلَى هَذَا لَوْ أُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا وَتَقَدَّمَ سَلَامُ إحْدَاهُمَا وَخُطْبَتُهَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَالِاعْتِبَارُ عَلَى هَذَا بِالْفَرَاغِ مِنْ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ فَلَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِهَمْزَةِ التَّكْبِيرَةِ وَالْأُخْرَى بِالرَّاءِ مِنْهَا فَالصَّحِيحَةُ هِيَ السَّابِقَةُ بِالرَّاءِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ السَّابِقَةَ بِالْهَمْزَةِ هِيَ الصَّحِيحَةُ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهَا افْتِتَاحُ أُخْرَى وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي الْجُمُعَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ بِكَمَالِهَا وَلَوْ أَحْرَمَ
إمَامٌ بِهَا وَفَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرَةِ ثُمَّ أَحْرَمَ آخَرُ بِالْجُمُعَةِ إمَامًا ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ مُقْتَدِينَ بِالثَّانِي ثُمَّ أَحْرَمَ أَرْبَعُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّحِيحَةَ هِيَ جُمُعَةُ الْإِمَامِ الاول لان باحرامه به تعيينت جُمُعَتُهُ لِلسَّبْقِ وَامْتَنَعَ عَلَى غَيْرِهِ افْتِتَاحُ جُمُعَةٍ أُخْرَى وَعَلَى جَمِيعِ الْأَوْجُهِ لَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا وَكَانَ السُّلْطَانُ مَعَ الثَّانِيَةِ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْجُمُعَةَ هِيَ السَّابِقَةُ مِمَّنْ صَحَّحَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالرَّافِعِيُّ لِأَنَّهَا جُمُعَةٌ وُجِدَتْ شُرُوطُهَا فَلَا تَنْعَقِدُ بها
أُخْرَى وَالسُّلْطَانُ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَنَا فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْجُمُعَةَ الصَّحِيحَةَ هِيَ الَّتِي فِيهَا الْإِمَامُ لِأَنَّ فِي تَصْحِيحِ الْأُولَى افْتِئَاتًا عَلَيْهِ وَتَفْوِيتًا لَهَا عَلَى غَالِبِ النَّاسِ لِأَنَّ غَالِبَهُمْ يَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ دَخَلَتْ طَائِفَةٌ في الجمعة فاخبروا في أثنائها بأن جمعة سَبَقَتْهُمْ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ اسْتِئْنَافُ الظُّهْرِ وَهَلْ لَهُمْ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِمْ ظُهْرًا فِيهِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى الْإِحْرَامِ بِالظُّهْرِ قَبْلَ فَوَاتِ الْجُمُعَةِ وَعَلَى مَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَتَيْنِ (الصُّورَةُ الثانية) أن يقع الْجُمُعَتَانِ مَعًا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ وَيَجِبُ اسْتِئْنَافُ جُمُعَةٍ ان اتسع الوقت لها (الثالث) أن يشكل الحالى فَلَا يُدْرَى أَوَقَعَتَا مَعًا أَوْ سَبَقَتْ إحْدَاهُمَا فَيَجِبُ إعَادَةُ الْجُمُعَةِ أَيْضًا وَتُجْزِئُهُمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَشَذَّ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ وَفِي جَوَازِهَا قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَدْ حَكَمَ الْأَئِمَّةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِأَنَّهُمْ إذا عادوا جُمُعَةً بَرِئَتْ ذِمَّتُهُمْ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِاحْتِمَالِ تَقَدُّمِ إحْدَاهُمَا وَحِينَئِذٍ لَا تَنْعَقِدُ هَذِهِ
وَلَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُمْ بِهَا فَطَرِيقُهُمْ فِي الْبَرَاءَةِ بِيَقِينٍ أَنْ يُصَلُّوا جُمُعَةً ثُمَّ ظُهْرًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مُسْتَحَبٌّ وَإِلَّا فَالْجُمُعَةُ كافية في البراء كَمَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ جُمُعَةٍ مُجْزِئَةٍ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ (الرَّابِعَةُ) أَنْ يُعْلَمَ سَبْقُ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ تَلْتَبِسَ قَالَ الْأَصْحَابُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ تَشُكُّ فِي بَرَاءَتِهَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْبَرَاءَةِ وَفِيمَا يَلْزَمهُمْ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَلْزَمُهُمْ الظُّهْرُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْجُمُعَةَ صَحَّتْ فَلَا يَجُوزُ عَقْدُ جُمُعَةٍ أُخْرَى بَعْدَهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ
وَصَحَّحَهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ كَالصُّورَةِ الْخَامِسَةِ أَحَدُهُمَا الظُّهْرُ وَالثَّانِي الْجُمُعَةُ لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ تَحْصُلْ بِهَا الْبَرَاءَةُ فَهِيَ كَجُمُعَةٍ فَاسِدَةٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ شُرُوطِهَا أَوْ أَرْكَانِهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (الْخَامِسَةُ) أَنْ تَسْبِقَ إحْدَاهُمَا وَنَعْلَمَ السَّبْقَ وَلَا نَعْلَمَ عَيْنَ السَّابِقَةِ بِأَنْ سَمِعَ مَرِيضَانِ أَوْ مُسَافِرَانِ أَوْ غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلْإِمَامَيْنِ مُتَلَاحِقَتَيْنِ وَهُمَا خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَأَخْبَرَاهُمْ بِالْحَالِ وَلَمْ يَعْرِفَا الْمُتَقَدِّمَةَ فَلَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ خِلَافًا لِلْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) الْجُمُعَةُ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ
(وَالثَّانِي)
الظُّهْرُ وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ قَالُوا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَدَلِيلُ الْقَوْلَيْنِ مَا سَبَقَ فِي الصُّورَةِ الرَّابِعَةِ وَلَوْ كَانَ السُّلْطَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْأَخِيرَةِ مَعَ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا فِي الصُّورَةِ الْأُولَى الْجُمُعَةُ هِيَ السَّابِقَةُ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَلَا أَثَرَ لِحُضُورِهِ وَإِنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ هِيَ الَّتِي فِيهَا السُّلْطَانُ فَهُنَا أُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ أَحْرَمَ بِالْجُمُعَةِ ثُمَّ أُخْبِرَ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أَنَّ أَرْبَعِينَ أَقَامُوهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْبَلَدِ وَفَرَغُوا مِنْهَا قَبْلَ إحْرَامِهِ أَتَمَّهَا ظُهْرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ اسْتَأْنَفُوا الظُّهْرَ كان افضل
*
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّ إحْدَاهُمَا قَبْلَ الْأُخْرَى وَلَمْ يَتَعَيَّنْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْجُمُعَةُ (وَالثَّانِي) الظُّهْرُ قَالَ وَإِنْ عُلِمَتْ السَّابِقَةُ مِنْهُمَا ثُمَّ أَشْكَلَتْ حُكِمَ بِبُطْلَانِهِمَا هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِبُطْلَانِهِمَا فِي الصُّورَتَيْنِ مَعَ أَنَّ الْأَصَحَّ فِي الصُّورَتَيْنِ وُجُوبُ الظُّهْرِ وَإِذَا كَانَ الْوَاجِبُ الظُّهْرَ فَكَيْفَ تَكُونُ الْجُمُعَةُ بَاطِلَةً فَإِنَّهَا لَوْ بَطَلَتْ وَجَبَ إعَادَتُهَا قَطْعًا وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَمْ تُجْزِئْ الْجُمُعَةُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ وَفِيمَا يَلْزَمُهُمْ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) الظُّهْرُ لِوُقُوعِ جُمُعَةٍ صحيحة (والثاني) الجمعة لان الاولة لَمْ تُجْزِئْ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَلَكِنْ فِي عِبَارَتِهِ إبْهَامٌ وَضَرْبُ تَنَاقُضٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ لَوْ كَانَ إمَامُ الْجُمُعَةِ جُنُبًا وَتَمَّ الْعَدَدُ بِغَيْرِهِ فَعَلِمَ الْجَنَابَةَ بَعْدَ فَرَاغِ الصَّلَاةِ فَإِنَّ جُمُعَةَ الْقَوْمِ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ فَلَوْ ذَهَبَ وَتَطَهَّرَ وَاسْتَأْنَفَ الْخُطْبَةَ وَصَلَاةَ الْجُمُعَةِ ظَانًّا أَنَّهَا تُجْزِئُهُ ثُمَّ عَلِمَ فِي أَثْنَاءِ
الصَّلَاةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَةٌ بَعْدَ جُمُعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَحْبَبْتُ أَنْ يَسْتَأْنِفَ الظُّهْرَ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا الِاسْتِئْنَافُ مُسْتَحَبٌّ وَلَا يَجِبُ بَلْ إذَا أَضَافَ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ بِنِيَّةِ الظُّهْرِ أَجْزَأَهُ كَمَا إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُمْ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ يُتِمُّونَهَا ظُهْرًا وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُهَا
*
(فرع)
في مذاهب العماء فِي إقَامَةِ جُمُعَتَيْنِ أَوْ جُمَعٍ فِي بَلَدٍ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ جُمُعَتَانِ فِي بَلَدٍ لَا يَعْسُرُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ فِي مَكَان كَمَا سَبَقَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ قَالَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي بَغْدَادَ دُونَ غَيْرِهَا وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ لِلْبَلَدِ جَانِبَانِ جَازَ فِي كُلِّ جَانِبٍ جُمُعَةٌ وَإِلَّا فَلَا وَلَمْ يَخُصَّهُ بِبَغْدَادَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ بْنُ الْحَسَنِ يَجُوزُ جُمُعَتَانِ سَوَاءٌ كَانَ جَانِبَانِ أَمْ لَا وَقَالَ عَطَاءٌ وَدَاوُد يَجُوزُ فِي الْبَلَدِ جُمَعٌ وَقَالَ أَحْمَدُ إذَا عَظُمَ الْبَلَدُ كَبَغْدَادَ وَالْبَصْرَةِ جَازَ جُمُعَتَانِ فَأَكْثَرَ إنْ احْتَاجُوا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ جُمُعَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ لَا يَصِحُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَسْأَلَةِ شئ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ حَكَى عَامَّةُ أَهْلِ الْخِلَافِ كَابْنِ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَذْهَبِنَا وَحَكَى عَنْهُ السَّاجِيُّ كَمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ لَمْ يُقِيمُوهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مَعَ أَنَّهُمْ أَقَامُوا الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَالْبَلَدِ الصَّغِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْجُمُعَةِ
(إحْدَاهَا) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ بِلَا عُذْرٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ لِحَدِيثِ سَمُرَةَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ " قَالَ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَفْظُهُ " مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلْيَتَصَدَّقْ بدينار
فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ " وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفُ الْإِسْنَادِ مُضْطَرِبٌ مُنْقَطِعٌ وَرُوِيَ " فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِرْهَمٍ أَوْ نِصْفِ دِرْهَمٍ أَوْ صَاعِ حِنْطَةٍ أَوْ نِصْفِ صَاعٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " مُدٌّ أَوْ نِصْفُ مُدٍّ " وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ وَأَمَّا قَوْلُ الْحَاكِمِ إنَّهُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ فَمَرْدُودٌ فَإِنَّهُ مُتَسَاهِلٌ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبَّ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ
قَبْلَهَا أَرْبَعًا وَبَعْدَهَا أَرْبَعًا وَتُجْزِئُ رَكْعَتَانِ قَبْلَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ فِعْلِ الْخَيْرِ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وَيَوْمَهَا (الرَّابِعَةُ) يُكْرَهُ تَخْصِيصُ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ بِصَلَاةٍ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بِدَلِيلِهَا فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ (الْخَامِسَةُ) الِاحْتِبَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِمَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن ابن عمرو ابن الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي وَعِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ وَنَافِعٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وأصحاب الرأى وأحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَكَرِهَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْحَدِيثِ لِحَدِيثٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَرَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ يَعْلَى بْنِ شِدَادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ " شَهِدْتُ مَعَ مُعَاوِيَةَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَجَمَّعَ بِنَا فَنَظَرْت فَإِذَا جُلُّ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَيْتُهُمْ مُحْتَبِينَ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ أَبُو دَاوُد وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَحْتَبِي وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَشُرَيْحٌ وَصَعْصَعَةُ بْنُ صُوحَانَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَمَكْحُولٌ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ محمد ابن سعد وَنُعَيْمُ بْنُ سَلَامَةَ قَالَ أَبُو دَاوُد وَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنَّ أَحَدًا كَرِهَهَا إلَّا عُبَادَةَ بْنَ نُسَيٍّ هَذَا كَلَامُ أَبِي دَاوُد وَرَوَى أَبُو داود والترمذي وغيرهما باسانيدهم عن معاذ ابن أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْحَبْوَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ كَذَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ إنَّهُ حَسَنٌ لَكِنْ فِي إسْنَادِهِ ضَعِيفَانِ فَلَا نُسَلِّمُ حُسْنَهُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ نُهِيَ عَنْهَا لِأَنَّهَا تَجْلِبُ النَّوْمَ فَتُعَرِّضُ طَهَارَتَهُ لِلنَّقْضِ وَيُمْنَعُ مِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ (السَّادِسَةُ) قَالَ فِي الْبَيَانِ إذَا قَرَأَ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ (إِنَّ اللَّهَ وملائكته يصلون علي النبي) جاز لِلْمُسْتَمِعِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيَرْفَعَ بِهَا صَوْتَهُ (السَّابِعَةُ) رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ان لكم في جمعة حجة وعمرة فالحجة النهجير إلَى الْجُمُعَةِ وَالْعُمْرَةُ انْتِظَارُ الْعَصْرِ بَعْدَ الْجُمُعَةِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ
*
(بَابٌ فِي السَّلَامِ)
وَأَحْكَامِهِ وَآدَابِهِ وَالِاسْتِئْذَانِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَالْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَتَقْبِيلِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ وَالْوَجْهِ
وما يتعلق بها كُلِّهِ وَأَشْبَاهِهِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ هَذَا الْبَابَ هُنَا وَذَكَرَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ السِّيَرِ فَرَأَيْت تَقْدِيمَهُ أَحْوَطَ وَقَدْ ذَكَرْتُ هَذَا كُلَّهُ مَبْسُوطًا بِأَدِلَّتِهِ وَفُرُوعِهِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَأَذْكُرُ هُنَا مَقَاصِدَ مُخْتَصَرَةً إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِيهِ فُصُولٌ
* (الْأَوَّلُ) فِي
فَضْلِ السَّلَامِ وَإِفْشَائِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عند الله مباركة طيبة) وَقَالَ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ منها أو ردوها) وَقَالَ تَعَالَى (إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قال سلام) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ الْإِسْلَامِ خير قال " تطعم الطعام وتقرئ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ لَهُ اذْهَبْ فَسَلِّمْ علي اولئك نفر مِنْ الْمَلَائِكَةِ جُلُوسٌ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ بِهِ فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فقالوا السلام عليك ورحمة الله فزادوه رحمة اللَّهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَبْعٍ بِعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَنَصْرِ الضَّعِيفِ وَعَوْنِ الْمَظْلُومِ وَإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَإِبْرَارِ الْقَسَمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تحابوا اولا ادلكم علي شئ إذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " رَوَاهُ الدَّارِمِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ عَمَّارٌ " ثَلَاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ فَقَدْ جَمَعَ الْإِيمَانَ الْإِنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ وَبَذْلُ السَّلَامِ لِلْعَالِمِ وَالْإِنْفَاقُ مِنْ الْإِقْتَارِ " وَرَوَيْنَا هَذَا فِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ
(الْفَصْلُ الثَّانِي فِي
صِفَةِ السَّلَامِ وَأَحْكَامِهِ)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
(إحْدَاهَا) إبْدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ فَإِذَا مَرَّتْ جَمَاعَةٌ بِوَاحِدٍ أَوْ بِجَمَاعَةٍ فَسَلَّمَ أَحَدُهُمْ حَصَلَ أصل السنة
وَأَمَّا جَوَابُ السَّلَامِ فَهُوَ فَرْضٌ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ السَّلَامُ عَلَى وَاحِدٍ فَالْجَوَابُ فَرْضُ عَيْنٍ فِي حَقِّهِ وَإِنْ كَانَ عَلَى جَمْعٍ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِذَا أَجَابَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ أَجْزَأَ عَنْهُمْ وَسَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِهِمْ وَإِنْ أَجَابُوا كُلُّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤَدِّينَ لِلْفَرْضِ سَوَاءٌ رَدُّوا مَعًا أَوْ مُتَعَاقِبِينَ فَلَوْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَلَوْ رَدَّ غَيْرُ الَّذِينَ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَسْقُطْ الْفَرْضُ وَالْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِي ابْتِدَاءِ السلام وجوابه رفع الصوت بحيث يحصل الاسماع وَيَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ رَفْعًا يَسْمَعُهُ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِمْ وَالْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ سَمَاعًا مُحَقَّقًا وَلَا يَزِيدُ فِي رَفْعِهِ عَلَى ذَلِكَ فَإِنْ شَكَّ فِي سَمَاعِهِمْ زَادَ وَاسْتَظْهَرَ وَإِنْ سَلَّمَ عَلَى أَيْقَاظٍ عندهم نيام حفض صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الْأَيْقَاظُ وَلَا يَسْتَيْقِظُ النِّيَامُ ثبت ذلك عن صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ فِعْلِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ رِوَايَةِ الْمِقْدَادِ رضي الله عنه (الثَّالِثَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْجَوَابِ مُتَّصِلًا بِالسَّلَامِ الِاتِّصَالَ الْمُشْتَرَطَ بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِي الْعُقُودِ (الرَّابِعَةُ) يُسَنُّ بَعْثُ السَّلَامِ إلَى مَنْ غَابَ عَنْهُ وَفِيهِ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَيَلْزَمُ الرَّسُولُ تَبْلِيغَهُ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الامانات الي اهلها) وَإِذَا نَادَاهُ مِنْ وَرَاءِ حَائِطٍ أَوْ نَحْوِهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا فُلَانُ أَوْ كَتَبَ كِتَابًا وَسَلَّمَ فِيهِ عَلَيْهِ أَوْ أَرْسَلَ رَسُولًا وَقَالَ سَلِّمْ عَلَى فُلَانٍ فَبَلَغَهُ الْكِتَابُ وَالرَّسُولُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ الْجَوَابِ عَلَى الْفَوْرِ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِنْهُمْ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الْمُفَسِّرُ فِي كِتَابِهِ الْبَسِيطِ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ عَلَى الرَّسُولِ مَعَهُ فَيَقُولُ وَعَلَيْكَ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَفِيهِ حَدِيثٌ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد إسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لَكِنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُعْمَلُ فِيهَا بِالضَّعِيفِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ (الْخَامِسَةُ) إذَا سَلَّمَ عَلَى أَصَمَّ أَتَى بِاللَّفْظِ لِقُدْرَتِهِ وَيُشِيرُ بِالْيَدِ لِيَحْصُلَ الْإِفْهَامُ فَإِنْ لَمْ يَضُمَّ الْإِشَارَةَ إلَى اللَّفْظِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَكَذَا فِي جواب سلام الاصم يحب الْجَمْعُ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ (السَّادِسَةُ) سَلَامُ الْأَخْرَسِ بِالْإِشَارَةِ مُعْتَدٌّ بِهِ وَكَذَا جَوَابُهُ وَلَا تُجْزِئُ
الْإِشَارَةُ فِي حَقِّ النَّاطِقِ لَا سَلَامًا وَلَا جَوَابًا وَأَمَّا إذَا جَمَعَ بَيْنَ اللَّفْظِ وَالْإِشَارَةِ فَحَسَنٌ وَسُنَّةٌ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ يَوْمًا وَعُصْبَةٌ مِنْ النِّسَاءِ قُعُودٌ فَأَلْوَى بِيَدِهِ لِلتَّسْلِيمِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي رِوَايَتِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ جَمَعَ اللَّفْظَ وَالْإِشَارَةَ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الْوَارِدُ فِي كِتَابِ التِّرْمِذِيِّ فِي النَّهْيِ عَنْ الْإِشَارَةِ
إلَى السَّلَامِ بِالْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ (فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ صَحَّ لَحُمِلَ عَلَى الِاقْتِصَارِ عَلَى الْإِشَارَةِ (السَّابِعَةُ) فِي كَيْفِيَّةِ السَّلَامِ وَجَوَابِهِ قال صاحب الحاوى المتولي وَغَيْرُهُمَا أَكْمَلُهُ أَنْ يَقُولَ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيَقُولُ الْمُجِيبُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَقُولُ الْبَادِئُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَقَطْ لِيَتَمَكَّنَ الْمُجِيبُ أَنْ يُجِيبَ بِأَحْسَنَ مِنْهَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو ردوها) وَلَا يُمْكِنُهُ أَحْسَنُ مِنْهَا إلَّا إذَا حَذَفَ الْبَادِئُ وَبَرَكَاتُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ " جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَرَدَّ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَشْرٌ ثُمَّ جَاءَ آخَر فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَرَدَّ عَلَيْهِ فَجَلَسَ فَقَالَ عِشْرُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَرَدَّ عَلَيْهِ وَجَلَسَ فَقَالَ ثَلَاثُونَ " رَوَاهُ
الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةِ لِأَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا من رواية معاذ ابن أَنَسٍ قَالَ ثُمَّ أَتَى آخَرُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ فَقَالَ أَرْبَعُونَ وَقَالَ هَكَذَا تَكُونُ الْفَضَائِلُ
* وَأَمَّا أَقَلُّ السَّلَامِ ابْتِدَاءً كَأَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ إنْ كَانَ وَحْدَهُ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكَ وَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ بِتَسْلِيمٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ تَسْلِيمٌ يَجِبُ فِيهِ الْجَوَابُ وَبِهِ قَطَعَ الْوَاحِدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَلَكِنْ يُكْرَهُ الِابْتِدَاءُ بِهِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ الْغَزَالِيُّ فِي الاحياء ودليله الحديث الصحيح عن أبى جرئ بِضَمِّ الْجِيمِ تَصْغِيرُ جَرْوٍ رضي الله عنه قَالَ " قُلْتُ عَلَيْكَ السَّلَامُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا تَقُلْ عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إذَا سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ فَيَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ خِطَابًا لَهُ وَلِمَلَائِكَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكَ كَفَى وَصِفَةُ الْجَوَابِ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ أَوْ وَعَلَيْكَ السَّلَامُ إنْ كَانَ وَاحِدًا فَلَوْ تَرَكَ وَاوَ الْعَطْفِ فَقَالَ عَلَيْكُمْ السَّلَامُ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْجُمْهُورُ تُجْزِئُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (قَالُوا سلاما قال سلام) ولحديث أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ هِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ
ذُرِّيَّتِكَ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي الجواب عليكم فَقَطْ لَمْ يَكُنْ جَوَابًا وَلَوْ قَالَ وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَيْسَ بِجَوَابٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّلَامِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ جَوَابُ الْعَطْفِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ إسْلَامِهِ قَالَ " كُنْتُ أول من حيى النبي صلي الله عليه وسلم بتحية السلام فقال عليك وَرَحْمَةُ اللَّهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا مِنْ غَيْرِ ذكر الاسلام وَلَوْ قَالَ الْمُجِيبُ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَوْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا بِلَا خِلَافٍ وَالْأَلْفُ وَاللَّامُ أَفْضَلُ قَالَ الْوَاحِدِيُّ أَنْتَ فِي تَعْرِيفِ السَّلَامِ وَتَنْكِيرِهِ مُخَيَّرٌ
* (فَرْعٌ)
لو تلاقا رَجُلَانِ فَسَلَّمَ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ دَفْعَةً واحدة ثم صَارَ كُلُّ وَاحِدٍ مُبْتَدِئًا بِالسَّلَامِ لَا مُجِيبًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابَ صَاحِبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ وَقَعَ كَلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْآخَرِ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي هُوَ كَوُقُوعِهِمَا مَعًا فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ جَوَابُ الْآخَرِ وَأَنْكَرَ الشَّاشِيُّ هَذَا وَقَالَ هَذَا اللَّفْظُ يَصِحُّ جَوَابًا فَإِذَا وَقَعَ مُتَأَخِّرًا كَانَ جَوَابًا وَلَا يَجِبُ الْجَوَابُ بَعْدَهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّاشِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ قَالَ اللَّهُ تعالي (قالوا سلاما قال سلام)
* (فَرْعٌ)
إذَا تَلَاقَيَا فَقَالَ الْبَادِئُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ قَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَكُونُ ذَلِكَ سَلَامًا فَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ (الثَّامِنَةُ) لَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مُتَفَرِّقِينَ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَقَصَدَ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِهِمْ أَجْزَأَهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فَرْضُ الْجَمِيعِ كَمَا لَوْ صَلَّى عَلَى جَنَائِزَ صَلَاةً وَاحِدَةً ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ (التَّاسِعَةُ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يَخُصَّ طَائِفَةً مِنْ الْجَمْعِ بِالسَّلَامِ إذَا أَمْكَنَ السَّلَامُ عَلَى جَمِيعِهِمْ لِأَنَّ مَقْصُودَ السَّلَامِ الْمُؤَانَسَةُ وَفِي تَخْصِيصِ الْبَعْضِ إيحَاشٌ وَرُبَّمَا أَوْرَثَ عَدَاوَةً (الْعَاشِرَةُ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي إذَا مَشَى فِي السُّوقِ وَالشَّوَارِعِ الْمَطْرُوقَةِ كَثِيرًا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَكْثُرُ فِيهِ الْمُتَلَاقُونَ فَإِنَّ السَّلَامَ هُنَا يَخْتَصُّ بِبَعْضِ النَّاسِ لِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ عَلَى كُلِّ مَنْ لَقِيَهُ اشْتَغَلَ عَنْ كُلٍّ مِنْهُمْ وَخَرَجَ عَنْ الْعُرْفِ قَالَ وَإِنَّمَا يُقْصَدُ بِهَذَا السَّلَامِ جَلْبُ مَوَدَّةٍ أَوْ دَفْعُ مَكْرُوهٍ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا دَخَلَ عَلَى جَمَاعَةٍ قَلِيلَةٍ يَعُمُّهُمْ سَلَامٌ وَاحِدٌ اقْتَصَرَ عَلَى سَلَامٍ وَاحِدٍ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَمَا زَادَ مِنْ تَخْصِيصِ بَعْضِهِمْ فَهُوَ أَدَبٌ وَيَكْفِي أَنْ يَرُدَّ مِنْهُمْ وَاحِدٌ فَمَنْ زَادَ فَهُوَ أَدَبٌ قَالَ فَإِنْ كَانُوا جَمْعًا لَا يَنْتَشِرُ فِيهِمْ السَّلَامُ الْوَاحِدُ كَالْجَامِعِ وَالْمَجَالِسِ الْوَاسِعَةِ
الْحَفِلَةِ فَسُنَّةُ السَّلَامِ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ الدَّاخِلُ أَوَّلَ دُخُولِهِ إذَا وَصَلَ الْقَوْمَ وَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُنَّةَ السَّلَامِ فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ سَمِعَهُ وَيَدْخُلُ فِي فَرْضِ كِفَايَةِ الرَّدِّ كُلُّ مَنْ سَمِعَهُ فَإِنْ أَرَادَ الْجُلُوسَ فِيهِمْ سَقَطَ عَنْهُ سُنَّةُ السَّلَامِ عَلَى الْبَاقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَسْمَعُوهُ وَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَتَجَاوَزَهُمْ وَيَجْلِسَ فِيمَنْ لَمْ يَسْمَعُوا سَلَامَهُ الْمُتَقَدِّمَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ سُنَّةَ السَّلَامِ حَصَلَتْ بِسَلَامِهِ عَلَى أَوَّلِهِمْ لِأَنَّهُمْ جَمْعٌ وَاحِدٌ فَعَلَى هَذَا إنْ أَعَادَ السَّلَامَ عَلَيْهِمْ كَانَ أَدَبًا قَالَ وَعَلَى هَذَا يَسْقُطُ مَتَى رَدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ جَمِيعِ مَنْ فِيهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا بَاقِيَةٌ لَمْ تَحْصُلْ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ فَعَلَى هَذَا لَا يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنْ الْأَوَّلِينَ بُرْدِ وَاحِدٍ مِمَّنْ لَمْ يَسْمَعْ وَلَعَلَّ هَذَا الثَّانِيَ أَصَحُّ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَعَادَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ فسلم عليهم سلم عليهم ثَلَاثًا " وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْجَمْعُ كَثِيرًا وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى السَّلَامِ مَعَ الِاسْتِئْذَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ ثُمَّ فَارَقَهُ ثُمَّ لَقِيَهُ عَلَى قُرْبٍ أو حال بينهما شئ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ ثَالِثًا وَرَابِعًا وَأَكْثَرَ سَلَّمَ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَانُ اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ المسئ صَلَاتَهُ " أَنَّهُ صَلَّى فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ عليه السلام ثُمَّ قَالَ ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ فَرَجَعَ فَصَلَّى ثُمَّ جَاءَ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ إذا لَقِيَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ فَإِنْ حَالَ بَيْنَهُمَا شَجَرَةٌ أَوْ جِدَارٌ أَوْ حَجَرٌ ثُمَّ لَقِيَهُ فَلْيُسَلِّمْ عَلَيْهِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَعَنْ أَنَسٌ قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَتَمَاشُونَ فَإِذَا اسْتَقْبَلَتْهُمْ شَجَرَةٌ أَوْ أَكِمَةٌ فَتَفَرَّقُوا يَمِينًا وَشِمَالًا ثُمَّ الْتَقَوْا من ورائهما سَلَّمَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ (الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسَّلَامِ قَبْلَ كُلِّ كَلَامٍ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَمَلُ الْأُمَّةِ عَلَى وَفْقِ هَذَا مِنْ الْمَشْهُورَاتِ فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ
جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " السَّلَامُ قَبْلَ الْكَلَامِ " فَضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ (الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ) يُسْتَحَبُّ لكل واحد من المتلاقين أَنْ يَحْرِصَ عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ " وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاَللَّهِ مَنْ بَدَأَهُمْ السَّلَامَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلَانِ يَلْتَقِيَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ قَالَ أَوْلَاهُمَا بِاَللَّهِ تَعَالَى " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْخَامِسَةَ عشر) السُّنَّةُ أَنْ يُسَلِّمَ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ فَلَوْ ابْتَدَأَ الْمَاشِي بِالسَّلَامِ عَلَى الرَّاكِبِ أَوْ الْقَاعِدُ عَلَى الْمَاشِي أَوْ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ أَوْ الْكَثِيرُ عَلَى الْقَلِيلِ لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى صَرَّحَ بِعَدَمِ كَرَاهَتِهِ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّهُ وَهَذَا الِاسْتِحْبَابُ فِيمَا إذَا تَلَاقَيَا أَوْ تَلَاقَوْا فِي طَرِيقٍ فَأَمَّا إذَا وَرَدَ عَلَى قَاعِدٍ أَوْ قَوْمٍ فَإِنَّ الْوَارِدَ يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ يُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ (السَّادِسَةَ عَشْرَةَ) حَكَى الرَّافِعِيُّ فِي السَّلَامِ بِالْعَجَمِيَّةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُجْزِئُ (وَالثَّانِي) يُجْزِئُ (وَالثَّالِثُ) إنْ قَدَرَ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِلَّا فَيُجْزِئُهُ وَالصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ صِحَّةُ سَلَامِهِ بِالْعَجَمِيَّةِ وَوُجُوبُ الرَّدِّ عَلَيْهِ إذَا فَهِمَهُ الْمُخَاطَبُ سَوَاءٌ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ أَمْ لَا لِأَنَّهُ يُسَمَّى تَحِيَّةً وَسَلَامًا وَأَمَّا مَنْ لَا يَسْتَقِيمُ نُطْقُهُ بِالسَّلَامِ فَيُسَلِّمُ كَيْفَ أَمْكَنَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ ضَرُورَةٌ (السَّابِعَةَ عَشْرَةَ) السُّنَّةُ إذَا قَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ وَأَرَادَ فِرَاقَ الْجَالِسِينَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا انْتَهَى أَحَدُكُمْ إلَى الْمَجْلِسِ فَلْيُسَلِّمْ فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَقُومَ فَلْيُسَلِّمْ فَلَيْسَتْ الْأُولَى بِأَحَقَّ مِنْ الْأُخْرَى " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ (وَأَمَّا قَوْلُ) الْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالْمُتَوَلِّي جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ مُفَارَقَةِ الْقَوْمِ وَذَلِكَ دُعَاءٌ مُسْتَحَبٌّ جَوَابُهُ
وَلَا يَجِبُ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ عِنْدَ اللِّقَاءِ لَا عِنْدَ الِانْصِرَافِ (فَظَاهِرُهُ) مُخَالِفٌ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الَّذِي قَالَاهُ فَاسِدٌ لِأَنَّ السَّلَامَ سُنَّةٌ عِنْدَ الِانْصِرَافِ كَمَا هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ (الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ) يُسَنُّ السَّلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالصِّبْيَانِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه " أَنَّهُ مَرَّ عَلَى صِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ يَلْعَبُونَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ السُّنِّيّ وَغَيْرِهِ قَالَ " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ يَا صِبْيَانُ " وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى صَبِيٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَأَصْحَابُنَا لَا يَلْزَمُهُ الْجَوَابُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْجَوَابُ وَلَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ فَرَدَّ الصَّبِيُّ وَلَمْ يَرُدَّ أَحَدٌ مِنْ الْبَالِغِينَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ عَنْهُمْ بِجَوَابِهِ لِأَنَّ الْجَوَابَ فَرْضٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ وَقَالَ الشَّاشِيُّ يَسْقُطُ بِهِ كَمَا يصح أذ انه للرجل ويحصل به اداء الشعار وَهَذَا الْخِلَافُ شَبِيهٌ بِالْخِلَافِ فِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِصَلَاتِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَكِنَّ الْأَصَحَّ الْمَنْصُوصَ سُقُوطُهُ فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ وَالْأَصَحُّ هُنَا خِلَافُهُ وَلَوْ سَلَّمَ صَبِيٌّ عَلَى بَالِغٍ قَالَ الْقَاضِي وَالْمُتَوَلِّي والرافعي في وجوب الرد عليه وجهان بناءا عَلَى صِحَّةِ إسْلَامِهِ (وَالصَّحِيحُ) وُجُوبُ الرَّدِّ لِعُمُومِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بأحسن منها أو ردوها) قَالَ الشَّاشِيُّ هَذَا الْبِنَاءُ الْمَذْكُورُ فَاسِدٌ وَهُوَ كَمَا قَالَ (التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ) سَلَامُ النِّسَاءِ عَلَى النِّسَاءِ كَسَلَامِ الرِّجَالِ عَلَى الرِّجَالِ فِي كُلِّ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ سَلَّمَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ امْرَأَةٌ عَلَى
رَجُلٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مَحْرَمِيَّةٌ أَوْ زَوْجِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ أَمَتَهُ كَانَ سُنَّةً وَوَجَبَ الرَّدُّ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ إلَّا أَنْ تَكُونَ عَجُوزًا خَارِجَةً عَنْ مَظِنَّةِ الْفِتْنَةِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَإِذَا سَلَّمَ عَلَى شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لَمْ يَجُزْ لَهَا الرَّدُّ وَلَوْ سَلَّمَتْ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ الرَّدُّ عَلَيْهَا وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ جَمْعًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ الرَّجُلُ أَوْ كَانَ الرِّجَالُ جَمْعًا كَثِيرًا فَسَلَّمُوا عَلَى الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فَهُوَ سُنَّةٌ إذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ وَلَا عَلَيْهِنَّ وَلَا عَلَيْهَا فِتْنَةٌ لِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ رضي الله عنها قَالَتْ " مَرَّ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي نِسْوَةٍ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه قَالَ " كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ السَّلْقِ
فتطرحه في القدر وتكركر حبات من شغير فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ انْصَرَفْنَا نُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَتُقَدِّمُهُ إلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: وَتُكَرْكِرُ تَطْحَنُ - وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ رضي الله عنها قَالَتْ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرهُ فَسَلَّمْتُ وَذَكَرَتْ تَمَامَ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الْعِشْرُونَ) فِي السَّلَامِ عَلَى الْمُبْتَدِعِ وَالْفَاسِقِ الْمُجَاهِرِ بِفِسْقِهِ وَمَنْ ارْتَكَبَ ذَنْبًا عَظِيمًا وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ
(أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَالْبُخَارِيِّ صَاحِبِ الصَّحِيحِ
* وَاحْتَجَّ الْبُخَارِيُّ لِلْمَسْأَلَةِ فِي صَحِيحِهِ بِحَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ تَخَلَّفَ هُوَ وَرَفِيقَانِ لَهُ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَالَ وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ كَلَامِنَا قَالَ وَكُنْتُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ أَمْ لَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَا تسلموا علي شربة الخمر قال الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُرَدُّ السَّلَامُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ كَعْبٍ فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَى السَّلَامِ عَلَى الظَّلَمَةِ بِأَنْ دَخَلَ عَلَيْهِمْ وخاف ترتب مفسدة في
دين أو دينا إنْ لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ يَنْوِي حِينَئِذٍ أَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ اللَّهُ رَقِيبٌ عَلَيْكُمْ (الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا سَلَّمَ مَجْنُونٌ أَوْ سَكْرَانُ هَلْ يَجِبُ الرَّدُّ عَلَيْهِمَا فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ لَا يَجِبُ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْمَجْنُونِ سَاقِطَةٌ وَكَذَا عِبَارَةُ السَّكْرَانِ فِي الْعِبَادَاتِ (الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ) لَا يَجُوزُ السَّلَامُ عَلَى الْكُفَّارِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي) يَجُوزُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ لكن يقول السلام عليك ولا يقل عَلَيْكُمْ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَإِذَا سَلَّمَ الذِّمِّيُّ عَلَى مُسْلِمٍ قَالَ فِي الرَّدِّ وَعَلَيْكُمْ وَلَا يزيد
عَلَى هَذَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الجمهور حكى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ يَقُولُ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ وَلَكِنْ لَا يَقُولُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تبدأوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ فَاضْطَرُّوهُ إلَى أَضْيَقِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
" إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ الْيَهُودُ فَإِنَّمَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكَ فَقُلْ
وَعَلَيْكَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ سَلَّمَ مُسْلِمٌ عَلَى مَنْ ظَنَّهُ مُسْلِمًا فَبَانَ كَافِرًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَرِدَّ سَلَامَهُ فَيَقُولُ لَهُ رُدَّ عَلَيَّ سَلَامِي أَوْ اسْتَرْجَعْتُ سَلَامِي وَالْمَقْصُودُ إيحَاشُهُ وَأَنَّهُ لَا مُؤَالَفَةَ بَيْنَهُمَا قَالَ وروى ذلك عن ابن عمر وفى الْمُوَطَّأِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا يَسْتَرِدُّهُ وَاخْتَارَهُ ابن العربي المالكي
*
(فرع)
لومر بِمَجْلِسٍ فِيهِ كُفَّارٌ وَمُسْلِمُونَ أَوْ مُسْلِمٌ وَاحِدٌ أستحب أن يسلم عليهم ويقصد المسلمون أَوْ الْمُسْلِمَ لِحَدِيثِ أُسَامَةَ رضي الله عنه " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا كَتَبَ إلَى كَافِرٍ كِتَابًا فِيهِ سَلَامٌ أَوْ نَحْوُهُ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَكْتُبَ نَحْوَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي حَدِيث أَبِي سُفْيَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى هِرَقْلَ " مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى "
* (فَرْعٌ)
إذَا أَرَادَ تَحِيَّةَ ذِمِّيٍّ بِغَيْرِ السَّلَامِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ لَهُ ذَلِكَ بِأَنْ يَقُولَ هَدَاكَ اللَّهُ أَوْ أَنْعَمَ اللَّهُ صَبَاحَكَ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ إنْ احْتَاجَ إلَى تَحِيَّتِهِ لِدَفْعِ شَرِّهِ أَوْ نَحْوِهِ فَيَقُولُ صَبَّحَكَ اللَّهُ
بِالْخَيْرِ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ بِالْعَافِيَةِ أَوْ بِالْمَسَرَّةِ ونحوه فان لم يحتج فالاختيار ان لا يَقُولَ شَيْئًا فَإِنَّ ذَلِكَ بَسْطٌ وَإِينَاسٌ وَإِظْهَارُ مودة وقد امرنا باالاغلاظ عَلَيْهِمْ وَنُهِينَا عَنْ وُدِّهِمْ
(الثَّالِثَةُ) وَالْعِشْرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ سَلَّمَ فِي حَالَةٍ لَا يُشْرَعُ فِيهَا السَّلَامُ لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا قَالُوا فَمِنْ تِلْكَ الْأَحْوَالِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى مُشْتَغِلٍ بِبَوْلٍ أَوْ جِمَاعٍ وَنَحْوِهِمَا وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ جَوَابُهُ وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ نَائِمًا أو ناعسا
أَوْ فِي حَمَّامٍ وَاتَّفَقُوا أَنَّهُ لَا يُسَلِّمُ عَلَى مَنْ فِي الْحَمَّامِ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ مُشْتَغِلٌ بِمَا لَا يُؤَثِّرُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فِي حَالِهِ وَأَمَّا الْمُشْتَغِلُ بِالْأَكْلِ فَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْمُتَوَلِّي لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ اللُّقْمَةُ فِي فِيهِ وَكَانَ يَمْضِي زَمَانٌ فِي المضع وَالِابْتِلَاعِ وَيَعْسُرُ الْجَوَابُ فِي الْحَالِ قَالَ فَأَمَّا إنْ سَلَّمَ بَعْدَ الِابْتِلَاعِ وَقَبْلَ وَضْعِ لُقْمَةٍ أُخْرَى فَلَا يَتَوَجَّهُ الْمَنْعُ أَمَّا الْمُصَلِّي قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَالْجُمْهُورُ لَا مَنْعَ مِنْ السَّلَامِ عَلَيْهِ لَكِنْ لَا يَسْتَحِقَّ جَوَابًا لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْإِشَارَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرُدَّ فِي الصَّلَاةِ بِالْإِشَارَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ
وَلَمْ يُخَالِفْهُ فِي الْجَدِيدِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ فِي الْحَالِ وَوَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ بَعْدَ الْفَرَاغِ بِاللَّفْظِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الرَّدُّ مُطْلَقًا فَإِنْ رَدَّ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ السَّلَامُ بَطَلَتْ إنْ عَلِمَ تَحْرِيمَهُ وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ قَالَ وَعَلَيْهِ لَمْ تَبْطُلْ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي آخِرِ بَابِ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ مَبْسُوطَةً وَأَمَّا الْمُلَبِّي بِالْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ فَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَإِنْ سَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِ لَفْظًا نَصَّ عليه
الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالسَّلَامُ عَلَى الْمُؤَذِّنِ وَمُقِيمِ الصَّلَاةِ فِي مَعْنَى السَّلَامِ عَلَى الْمُلَبِّي وَالسَّلَامُ فِي حال الخطبة سبق بيانه أما الْمُشْتَغِلُ بِقِرَاءَةٍ فَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الْأَوْلَى تَرْكُ السَّلَامِ عَلَيْهِ قَالَ فَإِنْ سَلَّمَ كَفَاهُ الرَّدُّ بِالْإِشَارَةِ وَإِنْ رَدَّ بِاللَّفْظِ اسْتَأْنَفَ الِاسْتِعَاذَةَ ثُمَّ قَرَأَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ضَعِيفٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُسَلَّمُ عَلَيْهِ وَيَجِبُ الرَّدُّ بِاللَّفْظِ وَلَوْ رَدَّ السَّلَامَ فِي حَالِ الْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْأَكْلِ لَمْ يُكْرَهْ وَفِي الْجِمَاعِ وَالْبَوْلِ كُرِهَ
(الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتَهُ أَوْ بَيْتًا غَيْرَهُ أَوْ مَسْجِدًا وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ أَنْ يُسَلِّمَ فَيَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً من عند الله مباركة طيبة) وَالْمَسْأَلَةُ ذَكَرْتهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا مَرَّ بِإِنْسَانٍ أَوْ جَمْعٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ لَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ اُسْتُحِبَّ لَهُ السَّلَامُ وَلَا يَتْرُكُ هَذَا الظَّنَّ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالسَّلَامِ لَا بِالرَّدِّ وَلِأَنَّهُ قَدْ يخطي الظَّنُّ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا
سَبَبٌ لِإِدْخَالِ الْإِثْمِ عَلَى الْمَمْرُورِ بِهِ (قُلْنَا) هذا خيال باطن فَإِنَّ الْوَظَائِفَ الشَّرْعِيَّةَ لَا تُتْرَكُ بِهَذَا الْخَيَالِ وَالتَّقْصِيرُ هُنَا هُوَ مِنْ الْمَمْرُورِ عَلَيْهِمْ وَيُخْتَارُ لمن سلم ولم يرد عليه أن يبرأ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ مِنْ الْجَوَابِ
والاحسن أن يقول له ان أمكن له رُدَّ السَّلَامَ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ عَلَيْكَ (السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ التَّحِيَّةُ بِالطَّلْبَقَةِ وَهِيَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَكَ بَاطِلَةٌ لَا أَصْلَ لَهَا وَقَدْ نَصَّ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ عَلَى كَرَاهَةِ
أطال الله بقاك وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ تَحِيَّةُ الزَّنَادِقَةِ (السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ) قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَأَمَّا التَّحِيَّةُ عِنْدَ خُرُوجِهِ من الحمام بقوله طاب حمامك فنحوه فَلَا أَصْلَ لَهَا وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَلَمْ يصح في شئ لَكِنْ لَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ حِفْظًا لِوُدِّهِ أَدَامَ اللَّهُ لَك النَّعِيمَ وَنَحْوَهُ مِنْ الدُّعَاءِ فَلَا بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ الْمُتَوَلِّي وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ لِرَجُلٍ
خَرَجَ مِنْ الْحَمَّامِ " طَهُرْتَ فَلَا نَجَسْت "(الثَّامِنَةُ وَالْعِشْرُونَ) إذَا ابْتَدَأَ الْمَارُّ فَقَالَ صَبَّحَكَ اللَّهُ بِخَيْرٍ أَوْ بِالسَّعَادَةِ أَوْ قَوَّاكَ اللَّهُ أَوْ حَيَّاكَ اللَّهُ أَوْ لَا أَوْحَشَ اللَّهُ مِنْكَ وَنَحْوَهَا مِنْ أَلْفَاظِ أَهْلِ الْعُرْفِ لَمْ يَسْتَحِقَّ جوابا لكن لو دعى له قبالة دعائه كان حسنا لا أَنْ يُرِيدَ تَأْدِيبَهُ أَوْ تَأْدِيبَ غَيْرِهِ لِتَخَلُّفِهِ وَإِهْمَالِهِ السَّلَامَ فَيَسْكُتَ
* (الْفَصْلُ الثَّالِثُ) فِي
الِاسْتِئْذَانِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ
الذين من قبلهم) وَقَالَ تَعَالَى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهلها) وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ " وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ الْبَصَرِ " رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٍ وَرَوَيَا الِاسْتِئْذَانَ ثَلَاثًا مِنْ طُرُقٍ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ أَرَادَ الِاسْتِئْذَانَ أَنْ يُسَلِّمَ ثُمَّ يَسْتَأْذِنَ فَيَقُومَ عِنْدَ بَابِ الْبَيْتِ بِحَيْثُ لَا يَنْظُرُ إلَى مَنْ فِي
دَاخِلِهِ ثُمَّ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ أَوْ نَحْوَ هَذَا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ قَالَ ذَلِكَ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَإِنْ لَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ انصرف لحديث ربعى بن حراش قَالَ " حَدَّثَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنَى عَامِرٍ اسْتَأْذَنَ النبي صلى الله عليه وسلم وفى بيت فقال الج فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِخَادِمِهِ اُخْرُجْ إلَى هَذَا فَعَلِّمْهُ الِاسْتِئْذَانَ فَقَالَ لَهُ قُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَسَمِعَهُ الرَّجُلُ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ فَأَذِنَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ كَلَدٍ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَاللَّامِ - ابْنِ الْحَنْبَلِ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه قَالَ
" أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَلَمْ أُسَلِّمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ارْجِعْ فَقُلْ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَأَدْخُلُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَقْدِيمِ
السَّلَامِ عَلَى الِاسْتِئْذَانِ هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَحَادِيثُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) هَذَا
(وَالثَّانِي) تَقْدِيمُ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى السَّلَامِ
(وَالثَّالِثُ) وَهُوَ اخْتِيَارُهُ إنْ وَقَعَتْ عَيْنُ الْمُسْتَأْذِنِ
عَلَى صَاحِبِ الْمَنْزِلِ قَبْلَ دُخُولِهِ قَدَّمَ السَّلَامَ وَإِنْ لَمْ تَقَعْ عَلَيْهِ عَيْنُهُ قَدَّمَ الِاسْتِئْذَانَ وَإِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثًا وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ لَمْ يُسْمَعْ فَلَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا فِيهِ كَلَامًا وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيِّ فِيهِ ثَلَاثَةَ مَذَاهِبَ
(أَحَدُهَا) يُعِيدُ الِاسْتِئْذَانَ
(وَالثَّانِي) لَا يُعِيدُهُ
(وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ بِلَفْظِ الِاسْتِئْذَانِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعِدْهُ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِهِ أَعَادَهُ قَالَ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعِيدُهُ بِحَالٍ وَهَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَكِنْ إذَا تَأَكَّدَ ظَنُّهُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهُ لِبُعْدِ الْمَكَانِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ وَيَكُونُ الْحَدِيثُ فِيمَنْ لَمْ يَظُنَّ عَدَمَ سَمَاعِهِمْ وَالسُّنَّةُ لِمَنْ اسْتَأْذَنَ بِدَقِّ الْبَابِ وَنَحْوِهِ فَقِيلَ لَهُ مَنْ أَنْتَ أَنْ يَقُولَ فلان ابن فُلَانٍ أَوْ فُلَانٌ الْفُلَانِيُّ أَوْ فُلَانٌ الْمَعْرُوفُ بِكَذَا أَوْ فُلَانٌ فَقَطْ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنْ الْعِبَارَاتِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ التَّعْرِيفُ التَّامُّ بِهِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى قَوْلِهِ أَنَا أَوْ الْخَادِمُ وَنَحْوُ هَذَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ الْإِسْرَاءِ الْمَشْهُورُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ثُمَّ صَعَدَ بِي جِبْرِيلُ
إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَاسْتَفْتَحَ فَقِيلَ مَنْ هَذَا فَقَالَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ ثُمَّ صَعَدَ إلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَسَائِرِهِنَّ وَيُقَالُ فِي بَابِ كُلِّ سَمَاءٍ مَنْ هَذَا فَيَقُولُ جِبْرِيلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَدَقَقْتُ الْبَابَ فَقَالَ مَنْ ذَا فَقُلْتُ أَنَا فقال أنا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَصِفَ نَفْسَهُ بِمَا يُعْرَفُ بِهِ إذَا لَمْ يَعْرِفْهُ الْمُخَاطَبُ بِغَيْرِهِ وَإِنْ تَضَمَّنَ ذَلِكَ صُورَةَ تَبْجِيلٍ لَهُ بِأَنْ يُكَنِّيَ نَفْسَهُ أَوْ يَقُولَ أَنَا الْقَاضِي فُلَانٌ أَوْ الْمُفْتِي أو الشيخ الْأَمِيرُ وَنَحْوُهُ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ (مِنْهَا) عَنْ أَبِي قَتَادَةَ وَاسْمُهُ الحارث بن ريعى فِي حَدِيثِ الْمِيضَأَةِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى مُعْجِزَاتٍ وَعُلُومٍ قَالَ " فَرَفَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَأْسَهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا قُلْتُ أَنَا أَبُو قَتَادَةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ وَاسْمُهُ جُنْدُبٌ بْنُ جُنَادَةَ قَالَ " خَرَجْتُ لَيْلَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي وَحْدَهُ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي ظِلِّ الْقَمَرِ فَالْتَفَتَ فَرَآنِي قَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ وَاسْمُهَا فَاخِتَةُ وَقِيلَ فَاطِمَةُ وَقِيلَ هِنْدٌ قَالَتْ " أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَغْتَسِلُ وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ فَقَالَ مَنْ هَذَا فَقُلْتُ أَنَا أُمُّ هَانِئٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
* (الْفَصْلُ الرَّابِعُ) فِي
تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ
يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُهْمَلَةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ
فَإِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى كَانَ حَقًّا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَأَمَّا التَّثَاؤُبُ فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إذَا تَثَاءَبَ ضَحِكَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ الْعُطَاسِ مَحْمُودٌ وَهُوَ خِفَّةُ الْبَدَنِ الَّتِي تَكُونُ لِقِلَّةِ الْأَخْلَاطِ
وَتَخْفِيفِ الْغِذَاءِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ الشَّهْوَةَ وَيُسَهِّلُ الطَّاعَةَ وَالتَّثَاؤُبُ ضِدُّهُ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَيْضًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَإِذَا قَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَلْيَقُلْ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَنَسٍ
قَالَ عَطَسَ " رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَشَمَّتَ أَحَدَهُمَا وَلَمْ يُشَمِّتْ الْآخَرَ فقال الذى يُشَمِّتْهُ عَطَسَ فُلَانٌ فَشَمَّتَّهُ وَعَطَسْتُ فَلَمْ تُشَمِّتْنِي فَقَالَ هَذَا حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنَّكَ لَمْ تَحْمَدْ اللَّهَ تَعَالَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أبي موسى الأشعري قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إذَا
عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَحَمِدَ اللَّهَ فَشَمِّتُوهُ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ فَلَا تُشَمِّتُوهُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " حَقُّ الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلْ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلْيَقُلْ أَخُوهُ أَوْ صَاحِبُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ وَيَقُولُ هُوَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ عَقِبَ عُطَاسِهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَهُوَ أَحْسَنُ فَلَوْ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ حال
كَانَ أَفْضَلَ وَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ اللَّهُ أَوْ رَحِمَكَ رَبُّكَ أَوْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ وَأَفْضَلُهُ رَحِمَكَ اللَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُولَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ وَكُلُّ هذا سنة ليس فيه شئ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالتَّشْمِيتُ وَهُوَ قَوْلُهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ سُنَّةٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَالَهَا بَعْضُ الْحَاضِرِينَ أَجْزَأَ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي تَرْكِ السُّنَّةِ وَإِنْ قَالُوهَا كُلُّهُمْ كَانُوا سَوَاءً فِي الْقِيَامِ بِهَا وَنَيْلِ فضلها كما سبق ابْتِدَاءِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّلَامِ وَرَدِّهِمْ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ سُنَّةً هُوَ مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ هُوَ وَاجِبٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُسَنُّ التَّشْمِيتُ إذَا قَالَ الْعَاطِسُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ فَإِنْ لَمْ يَحْمَدْ اللَّهَ ذكره تَشْمِيتُهُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَإِذَا شُمِّتَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ لَهُ الْعَاطِسُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ
وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ أَوْ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ وَالْأَفْضَلُ الْأَوَّلُ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَأَقَلُّ الْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يُسْمِعُ صَاحِبَهُ وَلَوْ قَالَ الْعَاطِسُ لَفْظًا غَيْرَ الْحَمْدِ لله لم يستحق التشميت لظاهر
(3) بين سطور الاصل ما نصه (اظنه قال عقبه وفي النسائي الا انها كانت عقبا) اه
*
الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَلَوْ عَطَسَ فِي صَلَاتِهِ اُسْتُحِبَّ أن يقول الحمد لله وسمع نَفْسَهُ وَلِأَصْحَابِ مَالِكٍ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) هَذَا وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ (وَالثَّانِي) يَحْمَدُ فِي نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) لَا يَحْمَدُ قَالَهُ سَحْنُونَ
وَدَلِيلُ مَذْهَبِنَا الْأَحَادِيثُ الْعَامَّةُ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ الْعَاطِسُ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ أَوْ نَحْوَهُ عَلَى فَمِهِ وَأَنْ يَخْفِضَ صَوْتَهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَطَسَ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ ثَوْبَهُ
عَلَى فِيهِ وَخَفَضَ أَوْ غَضَّ بِهَا صَوْتَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَإِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ مِنْ إنْسَانٍ مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشَمِّتَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ زَادَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَزْكُومٌ دَعَا لَهُ بِالشِّفَاءِ وَلَوْ عَطَسَ يَهُودِيُّ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ مَا ثَبَتَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ " كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمْ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
*
(الْفَصْلُ الْخَامِسُ) فِي
الْمُصَافَحَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالتَّقْبِيلِ وَنَحْوِهَا
وَفِيهِ مَسَائِلُ
(إحْدَاهَا) الْمُصَافَحَةُ سُنَّةٌ عِنْدَ التَّلَاقِي لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ " قُلْتُ لِأَنَسٍ أَكَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ طلحة بن عبيد الله قَامَ إلَيْهِ فَصَافَحَهُ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم في سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَتَلَاقَيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا وَعَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ " يَا رَسُولَ اللَّهِ الرَّجُلُ مِنَّا يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَلْتَزِمُهُ وَيُقَبِّلُهُ قَالَ لَا قَالَ أَفَيَأْخُذُ بِيَدِهِ وَيُصَافِحُهُ قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَتُسَنُّ الْمُصَافَحَةُ عِنْدَ كُلِّ لِقَاءٍ وَأَمَّا مَا أَعْتَادَهُ النَّاسُ مِنْ الْمُصَافَحَةِ بَعْدَ صَلَاتَيْ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَلَا أَصْلَ لَهُ فِي الشَّرْعِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ
وَلَكِنْ لَا بَأْسَ بِهِ فَإِنَّ أَصْلَ الْمُصَافَحَةِ سُنَّةٌ وَكَوْنُهُمْ خَصُّوهَا بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ وَفَرَّطُوا فِي أَكْثَرِهَا لَا يُخْرِجُ ذَلِكَ الْبَعْضَ عَنْ كَوْنِهِ مَشْرُوعَةً فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي آخِرِ صِفَةِ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ مَعَ
الْمُصَافَحَةِ بَشَاشَةُ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لا يحقرن مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ طَلِيقٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه وَفِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ وينبغي أن يحذر من مصافحة الامرد الحسن فَإِنَّ النَّظَرَ إلَيْهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ النِّكَاحِ وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا كُلُّ مِنْ حُرِّمَ النَّظَرُ إلَيْهِ حُرِّمَ مَسُّهُ وَقَدْ يَحِلُّ النَّظَرُ مَعَ تَحْرِيمِ الْمَسِّ فَإِنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى الْأَجْنَبِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ والعطاء ونحوها ولا يجوز مسها في شئ من ذلك (الثانية) يكره حتي الظَّهْرِ فِي كُلِّ حَالٍ لِكُلِّ أَحَدٍ لِحَدِيثِ انس السابق في المسألة الاولي وقوله اننحنى قَالَ لَا وَلَا مُعَارِضَ لَهُ وَلَا تَغْتَرَّ بِكَثْرَةِ مَنْ يَفْعَلُهُ مِمَّنْ يُنْسَبُ إلَى عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِمَا (الثَّالِثَةُ) الْمُخْتَارُ اسْتِحْبَابُ إكْرَامِ الدَّاخِلِ بِالْقِيَامِ لَهُ إنْ كَانَ فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ مِنْ عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ أَوْ شَرَفٍ أو ولاية مع صيانة أوله حُرْمَةٌ بِوِلَايَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَيَكُونُ هَذَا الْقِيَامُ لِلْإِكْرَامِ لَا لِلرِّيَاءِ وَالْإِعْظَامِ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ عَمَلُ السَّلَفِ لِلْأُمَّةِ
وَخَلَفِهَا وَقَدْ جَمَعْتُ فِي هَذَا جُزْءًا مُسْتَقِلًّا جَمَعْتُ فِيهِ الْأَحَادِيثَ وَالْآثَارَ وَأَقْوَالَ السَّلَفِ وَأَفْعَالَهُمْ الدَّالَّةَ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَذَكَرْتُ فِيهِ مَا خَالَفَهَا وَأَوْضَحْتُ الْجَوَابَ عَنْهَا (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ وَالزَّاهِدِ وَالْعَالِمِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ يَدِهِ لِغِنَاهُ وَدُنْيَاهُ وَشَوْكَتِهِ وَوَجَاهَتِهِ عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا بِالدُّنْيَا وَنَحْوِ ذَلِكَ فَمَكْرُوهٌ شَدِيدُ الْكَرَاهَةِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي لَا يَجُوزُ فَأَشَارَ إلَى تَحْرِيمِهِ وَتَقْبِيلُ رَأْسِهِ
وَرِجْلِهِ كَيَدِهِ وَأَمَّا تَقْبِيلُ خَدِّ وَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَوَلَدِ قَرِيبِهِ وَصَدِيقِهِ وَغَيْرِهِ مِنْ صِغَارِ الْأَطْفَالِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَالرَّحْمَةِ وَاللُّطْفِ فَسُنَّةٌ وَأَمَّا التَّقْبِيلُ بِالشَّهْوَةِ فَحَرَامٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي وَلَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ بَلْ النَّظَرُ بِالشَّهْوَةِ حَرَامٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْقَرِيبِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يستثني من تحريم القبلة بِشَهْوَةٍ إلَّا زَوْجَتُهُ وَجَارِيَتُهُ وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرَّجُلِ الميت والقادم من سفره ونحوه فسنة ومعانقة القادم من سفر ونحوه سنة وَأَمَّا الْمُعَانَقَةُ وَتَقْبِيلُ وَجْهِ غَيْرِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ غَيْرِ الطِّفْلِ فَمَكْرُوهَانِ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِمَا الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا فِي التَّقْبِيلِ وَالْمُعَانَقَةِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الْقُدُومِ مِنْ سَفَرٍ وَنَحْوِهِ وَمَكْرُوهٌ فِي غَيْرِهِ هُوَ
فِي غَيْرِ الْأَمْرَدِ الْحَسَنِ الْوَجْهِ فَأَمَّا الْأَمْرَدُ الْحَسَنُ فَيَحْرُمُ بِكُلِّ حَالٍ تَقْبِيلُهُ سَوَاءٌ قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ أَمْ لَا وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُعَانَقَتَهُ قَرِيبَةٌ مِنْ تَقْبِيلِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُقَبِّلُ وَالْمُقَبَّلُ صَالِحَيْنِ أَوْ غَيْرَهُمَا وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا تَقْبِيلُ الْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ الْمَحَارِمِ عَلَى سَبِيلِ الشَّفَقَةِ وَدَلِيلُ مَا ذَكَرْتُهُ مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ الْأَوَّلُ عَنْ زَارِعٍ رضي الله عنه وَكَانَ فِي وَفْدِ عَبْدِ الْقِيسِ قَالَ " فَجَعَلْنَا نَتَبَادَرُ مِنْ رَوَاحِلِنَا فَنُقَبِّلُ يَدَ النَّبِيِّ صلي
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (الثَّانِي) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما فِي قِصَّةٍ قَالَ " فَدَنَوْنَا يَعْنِي مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَبَّلْنَا يَدَهُ " رَوَاهُ أبو داود (الثالثة) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَبَّلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الحسن ابن علي رضي الله عنهما وعنده الاقرع ابن حَابِسٍ فَقَالَ إنْ لِي عَشَرَةً مِنْ الْوَلَدِ مَا قَبَّلْتُ مِنْهُمْ أَحَدًا فَنَظَرَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الرَّابِعُ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " قَدِمَ نَاسٌ مِنْ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا أَتُقَبِّلُونَ صبيانكم فقالوا وَاَللَّهِ مَا نُقَبِّلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَمْلِكُ إنْ كَانَ الله نرع مِنْكُمْ الرَّحْمَةَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ بالفاظ (الخامس) عن أنس رضي الله عنه قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ابْنَهُ إبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ " (السَّادِسُ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ يَعْنِي الصِّدِّيقَ رضي الله عنه أَوَّلَ مَا قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَإِذَا عَائِشَةُ ابْنَتُهُ رضي الله عنها مُضْطَجِعَةٌ قَدْ أَصَابَتْهَا حُمَّى فَأَتَاهَا
أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ أَنْتِ يَا بُنَيَّةُ وَقَبَّلَ خَدَّهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد (السَّابِعُ) عَنْ صفوان بن غسان رضى الله
عَنْهُ قَالَ " قَالَ يَهُودِيٌّ لِصَاحِبِهِ اذْهَبْ بِنَا إلَى هَذَا النَّبِيِّ فَأَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَاهُ عَنْ تِسْعِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ فَقَبَّلُوا يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَقَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ نَبِيٌّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيِّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ (الثَّامِنُ) عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثِ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ " دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ ثُمَّ بَكَى " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (التَّاسِعُ) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ الْمَدِينَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِي فَأَتَاهُ فَقَرَعَ الْبَابَ فَقَامَ إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجُرُّ ثَوْبَهُ فَاعْتَنَقَهُ وَقَبَّلَهُ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ (الْعَاشِرُ) حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى " الرَّجُلُ يَلْقَى أَخَاهُ أَوْ صَدِيقَهُ أَيَنْحَنِي لَهُ قَالَ لَا إلَخْ " وعن أياس ابن دَغْفَلٍ قَالَ " رَأَيْتُ أَبَا مُدِرَّةَ قَبَّلَ خَدَّ الحسن ابن عَلِيٍّ رضي الله عنهما " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُقَبِّلُ ابْنَهُ سَالِمًا وَيَقُولُ اعْجَبُوا مِنْ شَيْخٍ يُقَبِّلُ شَيْخًا " وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُنَزَّلَةٌ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ (الْخَامِسَةُ) تُسَنُّ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ والاقارب والاصدقاء والجيران وبرهم واكراههم وَصِلَتُهُمْ وَضَبْطُ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِهِمْ وَمَرَاتِبِهِمْ
وينبغى أن يكون زِيَارَتِهِمْ عَلَى وَجْهٍ يَرْتَضُونَهُ وَفِي وَقْتٍ لَا يَكْرَهُونَهُ وَالْأَحَادِيثُ فِيهِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ أَحْسَنِهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قال أبن تريد قال أريد اخالي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ قَالَ هَلْ لَك عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا قَالَ لَا غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْمَدْرَجَةُ الطَّرِيقُ وتر بها تَحْفَظُهَا وَتُرَاعِيهَا وَعَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ عَادَ مَرِيضًا أو زار اخاله فِي اللَّهِ تَعَالَى نَادَاهُ مُنَادِيَانِ طِبْتَ وَطَابَ مَمْشَاكَ وَتَبَوَّأْتَ مِنْ الْجَنَّةِ مَنْزِلًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ صَاحِبِهِ الصَّالِحِ أَنْ
يَزُورَهُ وَأَنْ يَزُورَهُ أَكْثَرَ مِنْ زِيَارَتِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِجِبْرِيلَ عليه السلام مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بين أيدينا وما خلفنا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (السَّادِسَةُ) إذَا تَثَاءَبَ فَالسُّنَّةُ أَنْ يَرُدَّهُ مَا اسْتَطَاعَ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ السَّابِقِ فِي فَصْلِ الْعُطَاسِ وَالسُّنَّةُ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فِيهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فإن الشيطان يدخل " رواه مسلم وسواء كان التثاءب فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ إجَابَةُ من ناداك
بِلَبَّيْكَ وَأَنْ يَقُولَ لِلْوَارِدِ عَلَيْهِ مَرْحَبًا أَوْ نَحْوَهُ وَأَنْ يَقُولَ لِمَنْ أَحْسَنَ إلَيْهِ أَوْ فعل خيرا حفظك الله أو جزاك اللَّهُ خَيْرًا وَنَحْوَهُ وَلَا بَأْسَ بِقَوْلِهِ لِرَجُلٍ جَلِيلٍ فِي عِلْمٍ أَوْ صَلَاحٍ وَنَحْوِهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ وَدَلَائِلُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ
*
(بَابُ الْأَذْكَارِ الْمُسْتَحَبَّةُ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَعِنْدَ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ)
هَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ جِدًّا وَقَدْ جَمَعْتُ فِيهِ مُجَلَّدًا مُشْتَمِلًا عَلَى نفائس لا يستغنى عن مثلها (فمنها) ما له ذِكْرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي مَوَاطِنِهِ وَضَمَمْتُ إلَيْهِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَذَلِكَ كَأَذْكَارِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْجَنَائِزِ وَالزَّكَاةِ وَالْمَنَاسِكِ وَالنِّكَاحِ
وَغَيْرِهَا (وَمِنْهَا) مَا لَا يُذْكَرُ غَالِبًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ فَأَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمْلَةً مُخْتَصَرَةً بِحَذْفِ الْأَدِلَّةِ وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ بِأَدِلَّتِهَا مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ فَمِنْ ذَلِكَ يُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الذِّكْرِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحُضُورُ مَجَالِسِ الذِّكْرِ وَيَكُونُ الذِّكْرُ بِالْقَلْبِ وَبِاللِّسَانِ وَبِهِمَا وَهُوَ الْأَفْضَلُ ثُمَّ الْقَلْبُ قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ كُلُّ عَامِلٍ بِطَاعَةٍ ذَاكِرٌ وَسَبَقَ فِي بَابِ الْغُسْلِ إجْمَاعُ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِ الذِّكْرِ غَيْرِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَغَيْرِهِمَا وَيُنْدَبُ كَوْنُ الذَّاكِرِ عَلَى أَكْمَلِ الصِّفَاتِ مُتَخَشِّعًا مُتَطَهِّرًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ خَالِيًا نَظِيفَ الْفَمِ وَيَحْرِصُ عَلَى حُضُورِ قَلْبِهِ وَتَدَبُّرِ الذِّكْرِ وَلِهَذَا كَانَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ أَنَّ مَدَّ الذَّاكِرِ قَوْلَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَفْضَلُ مِنْ حَذْفِهِ لِمَا فِي الْمَدِّ مِنْ التَّدَبُّرِ ومن كان له وظيفة من الذكر ففائتة نُدِبَ لَهُ تَدَارُكُهَا وَإِذَا سَلَّمَ عَلَيْهِ رَدَّ السَّلَامَ ثُمَّ عَادَ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا لَوْ عَطَسَ عِنْدَهُ إنْسَانٌ فَلْيُشَمِّتْهُ
أَوْ سَمِعَ مُؤَذِّنًا فَلْيُجِبْهُ أَوْ رَأَى مُنْكَرًا فَلْيُزِلْهُ أَوْ مُسْتَرْشِدًا فَلْيَنْصَحْهُ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الذِّكْرِ وَكَذَا يَقْطَعُهُ إذَا غَلَبَهُ نُعَاسٌ وَنَحْوُهُ وَيُنْدَبُ عَدُّ التَّسْبِيحِ بِالْأَصَابِعِ
*
(فَصْلٌ)
فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ حَبِيبَتَانِ إلَى الرَّحْمَنِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ " وَفِي مُسْلِمٍ " أَحَبُّ الْكَلَامِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَرْبَعٌ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ والله أَكْبَرُ " لَا يَضُرُّك بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ وَفِيهِ الْحَمْدُ لله تملا الميزان وسبحان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ أَوْ تَمْلَأُ مَا بَيْنَ الارض والسموات وفيه الحث علي سبحان وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ رِضَاءَ نَفْسِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ زِنَةَ عَرْشِهِ ثَلَاثًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ ثَلَاثًا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ علي كل شئ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ كَانَتْ لَهُ عَدْلُ عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتَّى يُمْسِيَ وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إلَّا رَجُلٌ عَمِلَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَمَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ " وَفِي مُسْلِمٍ " قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِ الترمذي " غراس الجنة سبحان الله والحمد الله وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ " وَفِيهِ " مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ " وَفِي حِسَانِهِ " لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى " وَفِي الْبُخَارِيِّ " مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَاَلَّذِي لَا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ "
*
(فَصْلٌ)
السُّنَّةُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى إذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ وَأَنْ يَقُولَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَ مَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا لَبِسَ ثَوْبًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهُ وَخَيْرَ مَا هُوَ لَهُ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهِ وَشَرِّ مَا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كَسَانِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي وَلَا قُوَّةٍ وَإِذَا لَبِسَ جَدِيدًا قَالَ اللَّهُمَّ أَنْتَ كَسَوْتَنِيهِ أَسْأَلُك خَيْرَهُ وخير ما صنع له وأعوذ بك من شَرِّهِ وَشَرِّ مَا صُنِعَ لَهُ وَأَنْ يُقَالَ للابس الجديد إبلي وَأَخْلِقْ وَأَيْضًا الْبَسْ جَدِيدًا وَعِشْ حَمِيدًا وَمُتْ شَهِيدًا وَإِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَضِلَّ أَوْ أُضَلَّ أَوْ أَزِلَّ أَوْ أُزَلَّ أَوْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ أَوْ أَجْهَلَ أَوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ قَالَ بِاسْمِ اللَّهِ وَسَلَّمَ كَمَا سَبَقَ فِي السَّلَامِ وَقَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ المخرج بسم الله ولجنا وباسم الله ربنا خَرَجْنَا وَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا وَإِذَا اسْتَيْقَظَ فِي اللَّيْلِ وَخَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ نَظَرَ إلَى السَّمَاءِ وَقَرَأَ آخَرَ آلِ عِمْرَانَ (إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والارض) الْآيَاتُ وَيَقُولُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَبُوءُ لَك بِنِعْمَتِكَ وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ
وَأَيْضًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَيْضًا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ بِكَ أَصْبَحْنَا وَبِكَ أَمْسَيْنَا وَبِكَ نحيي وَبِكَ نَمُوتُ وَإِلَيْكَ النُّشُورُ وَأَيْضًا بِاسْمِ اللَّهِ الذى لا يضر مع اسمه شئ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ والارض عالم الغيب والشهادة رب كل شئ وَمَلِيكَهُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ نَفْسِي وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشِرْكِهِ رُوِيَ - بِكِسْرِ الشِّينِ مَعَ إسْكَانِ الرَّاءِ - وَرُوِيَ بِفَتْحِهِمَا وَأَيْضًا عِنْدَ الْمَسَاءِ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا رَسُولًا وَفِي الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ وَيُنْدَبُ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَسْتَغْفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم أتوب اليك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَيُنْدَبُ كَثْرَةُ الذِّكْرِ بِالْعَشِيِّ وَهُوَ مَا بَيْنَ زَوَالِ
الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا وَأَنْ يَقُولَ بَعْدَ صَلَاةِ الْوِتْرِ سبحان الملك الْقُدُّوسِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ
بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ وَأَعُوذُ بِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ وَأَنْ يَقُولَ عند الاضطجاع للنوم باسمك اللهم أحيى وَأَمُوتُ وَأَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ تَكْبِيرَةً وَيُسَبِّحَ أَرْبَعًا وَثَلَاثِينَ وَيَحْمَدَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ وَأَيْضًا بِاسْمِك رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وَبِكَ أَرْفَعُهُ إنْ أَمْسَكْتَ نَفْسِي فَارْحَمْهَا وَإِنْ أَرْسَلْتَهَا فَاحْفَظْهَا بِمَا تَحْفَظُ بِهِ الصَّالِحِينَ وَأَنْ يَنْفُثَ فِي كَفَّيْهِ وَيَقْرَأَ قل هو الله أحد والمعوذتين وَيَمْسَحَ بِهِمَا رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ وَمَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ وَأَنْ يَقْرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَالْآيَتَيْنِ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ آمَنَ الرَّسُولُ إلَى آخِرِهَا وَأَيْضًا اللَّهُمَّ قِنِي عَذَابَكَ يَوْمَ تَبْعَثُ عِبَادَكَ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ العظيم ورب كل شئ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى مُنَزِّلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ أعوذ بك من شر كل ذِي شَرٍّ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ أَنْتَ الْأَوَّلُ فليس قبلك شئ وأنت الاخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس قبلك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَاغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إلَيْهِ وَأَيْضًا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَأَسْقَانَا وَكَسَانَا وَآوَانَا فَكَمْ مِمَّنْ لَا كَافِيَ لَهُ وَلَا مُؤْوِيَ وَلْيَكُنْ مِنْ آخِرِهِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي اليك رهبة
وَرَغْبَةً إلَيْكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْك إلَّا إلَيْكَ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَضْطَجِعَ بِلَا ذِكْرٍ وَإِذَا اسْتَيْقَظَ مِنْ اللَّيْلِ فَلِيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ ثُمَّ يَدْعُو وَإِذَا فَزِعَ فِي مَنَامِهِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وأن يحضرون وَإِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ مَا يُحِبُّ فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَيُحَدِّثُ بِهَا مِنْ يُحِبُّ وَلَا يُحَدِّثُ مَنْ لَا يُحِبُّ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا وَمَنْ الشَّيْطَانِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلْيَتْفُلْ عَلَى يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَتَحَوَّلُ عَنْ جَنْبِهِ إلَى الْآخَرِ وَلَا يُحَدِّثُ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَا تَضُرُّهُ وَإِذَا قُصَّتْ عَلَيْهِ رُؤْيَا قَالَ خَيْرًا رَأَيْتَ وَخَيْرًا يَكُونُ وَلْيُكْثِرْ مِنْ الذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ فِي النِّصْفِ الثَّانِي مِنْ اللَّيْلِ وَالثُّلُثِ الْأَخِيرِ آكَدُّ وَالِاسْتِغْفَارُ بِالْأَسْحَارِ آكَدُّ
*
(فَصْلٌ)
يُسَنُّ عِنْدَ الْكَرْبِ وَالْأُمُورِ الْمُهِمَّةِ دُعَاءُ الْكَرْبِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَأَيْضًا يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ وَأَيْضًا اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أرجوا فَلَا تَكِلنِي إلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَيُنْدَبُ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَأَيْضًا آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَآخِرَ الْبَقَرَةِ وَإِذَا خَافَ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ وَأَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لَهُ شَيْطَانٌ فَلِيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَلْيَقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِذَا أَصَابَهُ شئ فَلْيَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَلْيَقُلْ لِدَفْعِ الْآفَاتِ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَعِنْدً الْمُصِيبَةِ إنَّا لِلَّهِ
وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ وَعِنْدَ النِّعْمَةِ نَحْمَدُ اللَّهَ وَنَشْكُرُهُ وَإِذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ اكفني بِحَلَالِك عَنْ حَرَامِك وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاك وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَحْشَةِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونَ وَإِذَا بُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَلْيَنْتَهِ عَنْ الِاسْتِمْرَارِ فِيهَا وَإِنْ كَانَ تَوَسْوُسُهُ فِي الْإِحْرَامِ بِالصَّلَاةِ تَعَوَّذَ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَتَفَلَ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا وَيَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَيُكَرِّرُهَا وَيَقْرَأُ عَلَى الْمَعْتُوهِ وَالْمَلْدُوغِ وَنَحْوَهُمَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَإِذَا أَرَادَ تَعْوِيذَ صَبِيٍّ وَنَحْوِهِ قَالَ أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ
*
(فَصْلٌ)
وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْمَرِيضِ وَسَنَذْكُرُ جُمْلَةً مِنْ الْأَدْعِيَةِ الْمَسْنُونَةِ فِي كتاب الجنائز حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* وَيُسْتَحَبُّ السُّؤَالُ عَنْ الْمَرِيضِ وَأَنْ يُطَيِّبَ نَفْسَ الْمَرِيضِ وَيُنَشِّطَهُ وَأَنْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا يُحْسِنُ ظَنَّهُ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى وَأَنْ يَطْلُبَ الدُّعَاءَ مِنْ الْمَرِيضِ وَسَيَأْتِي بَاقِي أَدَبِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَأَذْكَارِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا فِي كِتَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالنِّكَاحِ فِي أَبْوَابِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَسْمَاءِ وَالْكُنَى وَالْأَلْقَابِ وَنَحْوِهَا فِي بَابِ الْعَقِيقَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي بَابِ الْوَلِيمَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْجِهَادِ وَالسَّفَرِ وَنَحْوِهِمَا فِي كِتَابِ السِّيَرِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أُصُولَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَصْلٌ)
فِي الْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ
* جَاءَتْ أَحَادِيثُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ وَأَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِإِبَاحَتِهِ
قَالَ الْعُلَمَاءُ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ عِنْدَ الْمَمْدُوحِ كَمَالُ إيمَانٍ وَحُسْنُ يَقِينٍ وَمَعْرِفَةٌ تَامَّةٌ وَرِيَاضَةُ نَفْسٍ بِحَيْثُ لَا يَغْتَرُّ بِذَلِكَ وَلَا تَلْعَبُ بِهِ نَفْسُهُ فَلَا كَرَاهَةَ فيه وان خيف شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ كُرِهَ مَدْحُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً وَأَمَّا ذِكْرُ الْإِنْسَانِ مَحَاسِنَ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ لِلِارْتِفَاعِ وَالِافْتِخَارِ وَالتَّمْيِيزِ عَلَى الْأَقْرَانِ فَمَذْمُومٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ دِينِيَّةٌ بِأَنْ يَكُونَ آمِرًا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ نَاهِيًا عَنْ الْمُنْكَرِ أَوْ نَاصِحًا أو مشيرا
بِمَصْلَحَةٍ أَوْ مُعَلِّمًا أَوْ مُؤَدِّبًا أَوْ مُصْلِحًا بَيْنَ اثْنَيْنِ أَوْ دَافِعًا عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَذَكَرَ مَحَاسِنَهُ نَاوِيًا بِذَلِكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا أَقْرَبَ إلَى قَبُولِ قَوْلِهِ وَاعْتِمَادِ مَا يَقُولُهُ وَأَنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ وَأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا تَجِدُونَهُ عِنْدَ غَيْرِي فَاحْتَفِظُوا بِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَيْسَ هَذَا مَكْرُوهًا بَلْ هُوَ مَحْبُوبٌ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ أَوْضَحْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ
*
(فَصْلٌ)
يُسْتَحَبُّ إذَا سمع صياح الديك أن يدعوا وَإِذَا سَمِعَ نَهِيقَ الْحِمَارِ وَنُبَاحَ الْكَلْبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِذَا رَأَى الْحَرِيقَ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِذَا أَرَادَ الْقِيَامَ مِنْ الْمَجْلِسِ أَنْ يَقُولَ قَبْلَ قِيَامِهِ سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ وَأَنْ يَدْعُوَ لِنَفْسِهِ وَجُلَسَائِهِ وَيُكْرَهُ مُفَارَقَةُ الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذَا غَضِبَ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَتَوَضَّأَ وَإِذَا أَحَبَّ رَجُلًا لِلَّهِ أَعْلَمَهُ بِذَلِكَ وَسَأَلَهُ عَنْ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَلْيَقُلْ الْمَحْبُوبُ أَحَبَّكَ الَّذِي أَحْبَبْتنِي لَهُ وَأَنْ يَقُولَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كل شئ قَدِيرٌ وَيَقْرَأُ آيَةَ الْكُرْسِيِّ عِنْدَ الْحِجَامَةِ وَإِذَا طَنَّتْ أُذُنُهُ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ذَكَرَ اللَّهَ بِخَيْرِ مَنْ كرني وَإِذَا خَدِرَتْ رِجْلُهُ ذَكَرَ مَنْ يُحِبُّهُ وَلَهُ الدُّعَاءُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الْمُبْتَدَعَةِ وَنَحْوِهِمْ وَإِذَا شَرَعَ فِي إزَالَةِ مُنْكَرٍ فَلْيَقْرَأْ (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الباطل كان زهوقا) جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ وَإِذَا عَثَرَتْ دَابَّتُهُ أَوْ غَيْرُهَا قَالَ بِاسْمِ الله وأن يدعو لمن صنع إليه أو النَّاسِ مَعْرُوفًا وَأَنْ يَقُولَ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَإِذَا رَأَى الْبَاكُورَةَ مِنْ الثَّمَرِ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مِكْيَالِنَا وَيُسَنُّ التَّعَاوُنُ علي البر
وَالتَّقْوَى وَالدَّلَالَةِ عَلَى الْخَيْرِ وَإِذَا سُئِلَ عِلْمًا ليس عنده ويعلمه عند غيره فليدله عَلَيْهِ وَإِذَا دُعِيَ لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ وَنَحْوُهُ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَلْيَقُلْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَلْيُعْرِضْ عَنْ الْجَاهِلِينَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِعْرَاضِ مَفْسَدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ الْوَفَاءُ بِالْوَعْدِ وَالْمُسَارَعَةُ بِهِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا فَأَعْجَبَهُ وَأَصَابَهُ بِالْعَيْنِ فَلْيُبَرِّكْ عَلَيْهِ وَهُوَ الدُّعَاءُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَإِذَا رَأَى شَيْئًا يكرهه فليقل الهم لَا يَأْتِي بِالْحَسَنَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا يَذْهَبُ بِالسَّيِّئَاتِ إلَّا أَنْتَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ وَيُسْتَحَبُّ طَيِّبُ الْكَلَامِ وَبَيَانُهُ وَإِيضَاحُهُ لِلْمُخَاطَبِ وَخَفْضُ الْجَنَاحِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا بَأْسَ بِالْمِزَاحِ بِحَقٍّ وَلَكِنْ لَا يُكْثِرُ مِنْهُ فَأَمَّا الْإِفْرَاطُ فِيهِ أَوْ الْإِكْثَارُ مِنْهُ فَمَذْمُومَانِ وَيُسَنُّ الشَّفَاعَةُ فِي الطَّاعَةِ وَالْمُبَاحِ وَيَحْرُمُ فِي الْحُدُودِ وَفِي الْحَرَامِ وَيُسْتَحَبُّ التَّبْشِيرُ وَالتَّهْنِئَةُ وَيَجُوزُ التَّعَجُّبُ بِلَفْظِ التَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَنَحْوِهِمَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " سُبْحَانَ اللَّهِ إنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَنْجُسُ سُبْحَانَ اللَّهِ تَطَهَّرِي بِهَا " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَدْعِيَةِ الثَّابِتَةِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ مُخْتَصَرَةً
* اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاهْدِنِي وَعَافَنِي وَارْزُقْنِي اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ اللَّهُمَّ اعوذ بك
مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرْكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَالْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المحيا والممات وخلع الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ اللَّهُمَّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا كَبِيرًا وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ وَارْحَمْنِي إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَدِّي وهزلي وخطأى وَعَمْدِي وَكُلَّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ المؤخر وأنت علي كل شئ قَدِيرٌ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا عَمِلْتُ وَشَرِّ مَا لَمْ أَعْمَلْ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عافيتك وفجأة نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ
لَهَا اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ اللَّهُمَّ أُصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي وَأُصْلِح لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي وَأُصْلِحْ آخرتي التي فيها معادي واجعل الحيوة زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ وَالْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ الْغِنَى وَالْفَقْرِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ مُنْكَرَاتِ الْأَخْلَاقِ
والاعمال والاهواء وسئ الْأَسْقَامِ وَمِنْ شَرِّ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمِنْ شَرِّ لِسَانِي وَمَنْ شَرِّ قَلْبِي وَمَنْ الْخِيَانَةِ فَإِنَّهَا بئست الْبِطَانَةُ اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ يَا مُثَبِّتَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ وَالْفَوْزَ بِالْجَنَّةِ وَالنَّجَاةَ مِنْ النَّارِ وَهَذَا الْبَابُ وَاسِعٌ وَفِيمَا أَشَرْتُ إلَيْهِ
* كِفَايَةٌ وَمَنْ آدَابِ الدُّعَاءِ كَوْنُهُ فِي الْأَوْقَاتِ وَالْأَمَاكِنِ وَالْأَحْوَالِ
الشَّرِيفَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَرَفْعُ يَدَيْهِ وَمَسْحُ وَجْهِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَخَفْضُ الصَّوْتِ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ وأن لا يتكلف السَّجْعَ وَلَا بَأْسَ بِدُعَاءٍ مَسْجُوعٍ كَانَ يَحْفَظُهُ وَكَوْنُهُ خَاشِعًا مُتَوَاضِعًا مُتَضَرِّعًا مُتَذَلِّلًا رَاغِبًا رَاهِبًا وَأَنْ يُكَرِّرَهُ ثَلَاثًا وَلَا يَسْتَعْجِلَ الْإِجَابَةَ وَأَنْ يَكُونَ مَطْعَمُهُ وَمَلْبَسُهُ حَلَالًا وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ وَيُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ بِظَهْرِ الْغَيْبِ لِلْأَهْلِ وَالْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ وَطَلَبِ الدُّعَاءِ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى نَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَمَالِهِ وَنَحْوِهَا وَيُسَنُّ الْإِكْثَارُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ " اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ أَعُوذُ بك من شر ما صنعت أبوء لَكَ بِنِعْمَتِك عَلَيَّ وَأَبُوءُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلَّا أَنْتَ " هَذَا آخِرُ مَا قَصَدْتُهُ مِنْ مُخْتَصَرِ الْأَذْكَارِ
* وَأَمَّا يتعلق بالالفاظ
الْمَنْهِيِّ عَنْهَا كَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالسَّبِّ وَغَيْرِهَا فَسَأَذْكُرُهَا مَبْسُوطَةً فِي آخِرِ كِتَابِ الْقَذْفِ إنْ شَاءَ الله تعالي
*