الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
الْعِيدُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَوْدِ وَهُوَ الرُّجُوعُ وَالْمُعَاوَدَةُ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ وَهُوَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ وَكَانَ أصله عودا بكسر العين بمقلبت الْوَاوُ يَاءً كَالْمِيقَاتِ وَالْمِيزَانِ مِنْ الْوَقْتِ وَالْوَزْنِ وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ قَالُوا وَإِنَّمَا جُمِعَ بِالْيَاءِ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ الْوَاوَ لِلُزُومِهَا فِي الْوَاحِدِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَقِيلَ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {صلاة العيد سنة وقال أبو سعيد الاصطخرى هي فرض على الكفاية والمذهب الاول لما روى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ رضي الله عنه " أن رجلا جاء إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يسأله عن الاسلام
فقال صلي الله عليه وسلم خمس صلوات كتبهن الله علي عباده فقال هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تطوع) ولانها صلاة موقتة لا تشرع لها الاقامة فلم تجب بالشرع كصلاة الضحى فان تفق أهل بلد علي تركها وجب قتالهم علي قول الاصطخرى وهل يقاتلون على المذهب فيه وجهان
(أحدهما)
لا يقاتلون لانه تطوع فلا يقاتلون علي تركها كسائر التطوع
(والثانى)
يقاتلون لانه من شعائر الاسلام وفى تركها تهاون بالشرع بخلاف سائر التطوع لانها تفعل فرادى فلا يظهر تركها كما يظهر في صلاة العيد}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ طَلْحَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَضَبْطُ أَلْفَاظِهِ وَمَعْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ: وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ مَشْرُوعَةٌ وَعَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ فَرْضَ عَيْنٍ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَإِنْ قُلْنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ قُوتِلُوا بِتَرْكِهَا وَإِنْ قُلْنَا سُنَّةٌ لَمْ يُقَاتَلُوا عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ يُقَاتَلُونَ وَقَدْ ذَكَرَ
الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْجَمِيعِ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ الْحَدِيثِ لِلْمَذْهَبِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهُ أَنَّهُ لَا فَرْضَ سِوَى الْخَمْسِ فَلَوْ كَانَ الْعِيدُ فَرْضَ كِفَايَةٍ لَمَا أَطْلَقَ هَذَا الْإِطْلَاقَ لِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ وَاجِبٌ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَكِنْ يَسْقُطُ الْحَرَجُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ وَلِهَذَا لَوْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ عَصَوْا وَقَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مُؤَقَّتَةٌ احْتِرَازٌ مِنْ الْجِنَازَةِ وَقَوْلُهُ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْإِقَامَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَقَوْلُهُ فَلَمْ تَجِبْ بِالشَّرْعِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَنْذُورَةِ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ سُنَّةٌ لَا فَرْضُ كِفَايَةٍ (وَأَمَّا قَوْلُ) الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ وَجَبَ عَلَيْهِ حُضُورُ الْعِيدَيْنِ (فَقَالَ) أَصْحَابُنَا هَذَا لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْعِيدَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى كُلِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ وَهَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فَيَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُهُ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ حَتْمًا لَزِمَهُ الْعِيدُ نَدْبًا وَاخْتِيَارًا وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ مَعْنَاهُ مَنْ لَزِمَتْهُ الْجُمُعَةُ فَرْضًا لَزِمَهُ الْعِيدُ كِفَايَةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعِيدَ يَتَأَكَّدُ فِي حَقِّ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ابى بكر
وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي الْحُوَيْرِثِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ إلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنْ عَجِّلْ الْأَضَاحِيَّ وَأَخِّرْ الْفِطْرَ " وَهَذَا مُرْسَلٌ ضعيف ابراهيم ضَعِيفٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ زَوَالُ الشَّمْسِ وَفِي أَوَّلِ وَقْتِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ يَدْخُلُ بِارْتِفَاعِ الشَّمْسِ وَبِهِ قَطَعَ البندنيجي والمصنف في التلبيه وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَالْبَغَوِيِّ وَغَيْرِهِمَا وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ صَلَاةِ الْأَضْحَى وَتَأْخِيرُ صَلَاةِ الْفِطْرِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعِيدِ مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا وَحْدَهُ وَكَانَتْ أَدَاءً مَا لَمْ تَزُلْ الشَّمْسُ يَوْمَ الْعِيدِ وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ فَاتَتْهُ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فِي قَضَاءِ النَّوَافِلِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ لَمْ يأت بها أصلا * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يصلي صلاة العيد في المصلي إذا كان مسجد البلد ضيقا لما روى أن النبي صلي لله عليه وسلم " كان يخرج الي المصلي " ولان الناس يكثرون في صلاة العيد فإذا كان المسجد ضيقا تأذوا فان كان في الناس ضعفاء استخلف في مسجد البلد من يصلي بهم لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه استخلف ابا مسعود الانصاري رضي الله عنه ليصلي بضعفة الناس في المسجد وان كان يوم فطر صلى في المسجد لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ
رضي الله عنه " قال اصابنا مطر في يوم عيد فَصَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في المسجد " وروى أن عمر وعثمان رضي الله عنهما صليا في المسجد في المطر وان كان المسجد واسعا فالمسجد أفضل من المصلي لان الائمة لم يزالوا يصلون صلاة العيد بمكة في المسجد ولان المسجد أشرف وانظف قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَإِنْ كَانَ المسجد واسعا فصلى في الصحراء فلا بأس وان كان ضيقا فصلى فيه ولم يخرج إلى الصحراء كرهت لانه إذا ترك المسجد وصلي في الصحراء لم يكن عليهم ضرر وإذا ترك الصحراء وصلي في المسجد الضيق تأذوا بالزحام وربما فات بعضهم الصلاة}
* {الشرح} حديث خروج النبي صلى االله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فِي الْعِيدَيْنِ صَحِيحٌ رواه البخاري
وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَيَاهُ بِمَعْنَاهُ من رواية جماعة من آخَرِينَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَحَدِيثُ اسْتِخْلَافِ عَلِيٍّ أَبَا مَسْعُودٍ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَالضَّعَفَةُ - بِفَتْحِ الضَّادِ وَالْعَيْنِ - بِمَعْنَى الضُّعَفَاءِ وَكِلَاهُمَا جَمْعُ ضَعِيفٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا تَجُوزُ صَلَاةُ الْعِيدِ فِي الصَّحْرَاءِ وَتَجُوزُ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنْ كَانَ بِمَكَّةَ فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ مَكَّةَ نُظِرَ إنْ كَانَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالصَّيْدَلَانِيّ الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِهِ الْأَقْصَى أَفْضَلُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْأَقْصَى وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ كَغَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْبِلَادِ فَإِنْ كَانَ لَهُمْ عُذْرٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ إلَى الصَّحْرَاءِ وَالْمُصَلَّى لِلْعِيدِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِالصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ وَمِنْ الْأَعْذَارِ الْمَطَرُ وَالْوَحْلُ وَالْخَوْفُ وَالْبَرْدُ وَنَحْوُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ فَلَا خِلَافَ أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ وَإِنْ اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ وَلَمْ يَكُنْ عُذْرٌ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ؟ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَنَّ صَلَاتَهَا فِي الصحراء افضل " لان النبي صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاظَبَ عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ " وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ يَضِيقُ عَنْهُمْ لِكَثْرَةِ الْخَارِجِينَ إلَيْهَا فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُهَا فِي الْمَسْجِدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ رحمه الله فَعَلَى هَذَا إنْ تَرَكَ الْمَسْجِدَ الْوَاسِعَ وَصَلَّى بِهِمْ فِي الصَّحْرَاءِ فَهُوَ خِلَافُ الْأَوْلَى وَلَكِنْ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَإِنْ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ الضَّيِّقِ بِلَا عُذْرٍ كُرِهَ هَكَذَا نَصَّ
الشَّافِعِيُّ رحمه الله عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّحْرَاءِ اسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي فِي الْمَسْجِدِ بِالضَّعَفَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِذَا حَضَرَ النِّسَاءُ الْمُصَلَّى أَوْ الْمَسْجِدَ اعْتَزَلَهُ الْحُيَّضُ مِنْهُنَّ وَوَقَفْنَ عِنْدَ بَابِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ هَذَا قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَطَرٌ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَعْذَارِ وَضَاقَ الْمَسْجِدُ الْأَعْظَمُ صَلَّى الْإِمَامُ فِيهِ وَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِبَاقِي النَّاسِ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ بِحَيْثُ يكون ارفق بهم * قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ بُرَيْدَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ ماجه والدارقطني وَالْحَاكِمُ وَأَسَانِيدُهُمْ حَسَنَةٌ فَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ حَتَّى يَطْعَمَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْعَيْنِ - أَيْ يَأْكُلَ وَنَسِيكَتُهُ بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ السِّينِ - وَهِيَ أُضْحِيَّتُهُ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَأْكُلَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ شَيْئًا قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَ الْخُرُوجِ فَلِيَأْكُلْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ الْمَأْكُولِ تَمْرًا وَكَوْنُهُ وِتْرًا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ ونحن نأمر من أني الْمُصَلَّى أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ قَبْلَ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْمُصَلَّى فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَمَرْنَاهُ بِذَلِكَ فِي طَرِيقِهِ أَوْ الْمُصَلَّى إنْ أَمْكَنَهُ فَإِنْ لم يفعل ذلك فلا شئ عَلَيْهِ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَالسُّنَّةُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى أَنْ يُمْسِكَ عَنْ الْأَكْلِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ الصَّلَاةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالْبَيَانِ وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يَتَصَدَّقَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَاسْتُحِبَّ لَهُ الا كل لِيُشَارِكَ الْمَسَاكِينَ فِي ذَلِكَ وَالصَّدَقَةُ فِي عِيدِ النَّحْرِ إنَّمَا هِيَ بَعْدَ الصَّلَاةِ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ فَاسْتُحِبَّ مُوَافَقَتُهُمْ قَالَا وَلِأَنَّ مَا قَبْلَ يَوْمِ الفطر يحرم الا كل فندب الا كل فيه قبل الصلاة ليتميز عن ما قبله وفى الاضحي لا يحرم الا كل قبله فأخر ليميزا
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ فِي اغْتِسَالِ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ أَنَّ ابن عمر " كان يغتسل يوم الفطر بل أَنْ يَغْدُوَ " فَصَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ اغْتِسَالَ
سلمة بن الا كوع لِلْعِيدِ وَأَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ قَالَ هُوَ السُّنَّةُ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صل اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَيَوْمَ الْأَضْحَى " وَمِثْلُهُ عَنْ الْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَاطِلَةٌ إلَّا أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ
* وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ فِي الطِّيبِ فَغَرِيبٌ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَجْتَمِعُ فِيهِ الْكَافَّةُ مِمَّا أَنْكَرَهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ قَالُوا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ النَّاسِ وَإِنَّمَا يُقَالُ النَّاسُ كَافَّةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالي (ادخلوا في السلم كافة) وقال تعالي (وقاتلوا المشركين كافه)(وَقَوْلُهُ) فَسُنَّ فِيهِ الْغُسْلُ لِحُضُورِهَا الْأَجْوَدُ حَذْفُ لَفْظَةِ حُضُورِهَا لِأَنَّ الْغُسْلَ مَسْنُونٌ لِمَنْ حَضَرَ الصَّلَاةَ وَغَيْرِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِلْعِيدَيْنِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَالْمُعْتَمَدُ فِيهِ أَثَرُ ابْنِ عُمَرَ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْجُمُعَةِ وَفِي وَقْتِ صِحَّةِ هَذَا الْغُسْلِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
بَعْدَ طُلُوعِ
الْفَجْرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ (وَأَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقَبْلِهِ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْمُخْتَصَرَاتِ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا هَكَذَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ قَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَجْهَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي جَوَّزَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَنَعَهُ أَبُو اسحق وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ لِلْعِيدِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَالَ وَلَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُهُ وَقَالَ وَرَأَيْت بَعْضَ أَصْحَابِنَا يَقُولُ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِلَافِ فِي أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَوْ وَجْهَانِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ عَلَى صِحَّةِ الْغُسْلِ قَبْلَ الْفَجْرِ صَرِيحًا وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَأُحِبُّ الْغُسْلَ بَعْدَ الْفَجْرِ لِلْعِيدِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَهِمَ مِنْهُ اشْتِرَاطَ كَوْنِهِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَجَعَلَهُ قَوْلًا آخَرَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَفْهَمْ ذَلِكَ وَصَرَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ بِأَنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ بِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ يَصِحُّ قَبْلَ الْفَجْرِ فَفِي ضَبْطِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا يَصِحُّ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَا يَصِحُّ قَبْلَهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَشَيْخُهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ كَأَذَانِ الصُّبْحِ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فِي جَمِيعِ اللَّيْلِ وَبِهِ جَزَمَ الْغَزَالِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ كَنِيَّةِ الصَّوْمِ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ أَنَّ النِّصْفَ الْأَوَّلَ مُخْتَارٌ لِلْعِشَاءِ فَرُبَّمَا ظَنَّ السَّامِعُ أَنَّ الْأَذَانَ لَهَا فَامْتَنَعَ لخوف اللبس بخلاف الغسل (والثالث) أنه انما يصح قبيل الفجر عند السجود وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ غُسْلِ الْعِيدِ لِمَنْ يَحْضُرُ الصَّلَاةَ وَلِمَنْ لَا يَحْضُرُهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَا اتفقوا علي استحباب التطيب والتنظف بازالة الشعور وتقليم الاظفار وازالة الرائحة الكربهة من بدنه وثوبه قياسا علي الجمعة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ - وَالْحِبَرَةُ بِكَسْرِ
الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الثِّيَابِ مَعْرُوفٌ بِالْيَمَنِ وَهُوَ عَصَبُ الْيَمَنِ قَالَ الازهرى هو نوع من البرد أضيف إلَى وَشْيِهِ وَالْبُرْدُ مُفْرَدَةٌ وَالْجَمْعُ بُرُودٌ وَيُقَالُ بُرْدٌ مُحَبَّرٌ أَيْ مُزَيَّنٌ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ مَعَ الشَّافِعِيِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ لُبْسِ أَحْسَنِ الثِّيَابِ فِي الْعِيدِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ " قَالَ وَجَدَ عُمَرُ رضي الله عنه جُبَّةً مِنْ إسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَالْوُفُودِ فَقَالَ؟ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سلم انما هذه لباس من لاخلاق لَهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَأَفْضَلُ أَلْوَانِ الثِّيَابِ الْبَيَاضُ فَعَلَى هَذَا إنْ اسْتَوَى ثَوْبَانِ فِي الْحُسْنِ وَالنَّفَاسَةِ فَالْأَبْيَضُ أَفْضَلُ فَإِنْ كَانَ الْأَحْسَنُ غَيْرَ أَبْيَضَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَبْيَضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَمَّمَ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَوْبًا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَغْسِلَهُ لِلْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَسْتَوِي فِي استحباب تحسين الثياب والتنظف وَالتَّطَيُّبِ وَإِزَالَةِ الشَّعْرِ وَالرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ الْخَارِجُ إلَى الصَّلَاةِ وَالْقَاعِدُ فِي: بَيْتِهِ لِأَنَّهُ يَوْمُ زِينَةٍ فاستووا فيه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب أن يحضر النساء غير ذوات الهيئات لما روت أم عطية قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يخرج العواتق وذوات الخدور والحيض في العيد فاما الحيض فكن يعتزلن المصلي ويشهدن الخير ودعوة المسلمين " وإذا أردن الحضور تنظفن بالماء ولا يتطيبن ولا يلبسن الشهرة من من الثياب لقوله صلى الله عليه وسلم " لا تمنعوا إيماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات " أي غير عطرات ولانها إذا تطيبت وليست الشهرة من الثياب دعا ذلك إلي الفساد
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وأما حديث " لا تمنعوا إيماء اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ " فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ
* وَأَمَّا الزِّيَادَةُ الَّتِي فِيهِ " وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ " فَرَوَاهَا أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ حَسَنٌ عِنْدَهُ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد " وَلْيَخْرُجْنَ وَهُنَّ تَفِلَاتٌ " وَقَوْلُهُ تَفِلَاتٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَكَسْرِ الْفَاءِ - وَالْعَوَاتِقُ جَمْعُ عَاتِقٍ وَهِيَ الْبِنْتُ الَّتِي بَلَغَتْ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ هِيَ الْبَالِغَةُ مَا لَمْ تَعْنِسْ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ قَالَ ثَعْلَبٌ سُمِّيَتْ عَاتِقًا لِأَنَّهَا عَتَقَتْ مِنْ ضَرِّ أَبَوَيْهَا وَاسْتِخْدَامهمَا وَامْتِهَانِهَا بِالْخُرُوجِ فِي الْأَشْغَالِ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ هِيَ فَوْقَ الْمُعْصِرِ وَقَالَ ثَابِتٌ هِيَ الْبِكْرُ الَّتِي لَمْ تَخْرُجْ إلَى زَوْجٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هِيَ الْبِنْتُ عَقِبَ بُلُوغِهَا
قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي أَشْرَفَتْ عَلَى الْبُلُوغِ وَقَوْلُهُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ جَمْعُ خِدْرٍ وَهُوَ السِّتْرُ قَوْلُهُ الشُّهْرَةُ مِنْ الثِّيَابِ هُوَ بِضَمِّ الشِّينِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُسْتَحَبُّ لِلنِّسَاءِ غَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَمَّا ذَوَاتُ الْهَيْئَاتِ وَهُنَّ اللَّوَاتِي يُشْتَهَيْنَ لِجَمَالِهِنَّ فَيُكْرَهُ حُضُورُهُنَّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْخُرُوجُ بِحَالٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَإِذَا خَرَجْنَ اُسْتُحِبَّ خُرُوجُهُنَّ فِي ثِيَابٍ بِذْلَةٍ وَلَا يَلْبَسْنَ مَا يُشْهِرُهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفْنَ بِالْمَاءِ وَيُكْرَهُ لَهُنَّ التَّطَيُّبُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ
* هَذَا كُلُّهُ حُكْمُ الْعَجَائِزِ اللَّوَاتِي لَا يُشْتَهَيْنَ وَنَحْوِهِنَّ فَأَمَّا الشَّابَّةُ وَذَاتُ الْجَمَالِ وَمَنْ تُشْتَهَى فَيُكْرَهُ لَهُنَّ الْحُضُورُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ خَوْفِ الْفِتْنَةِ عَلَيْهِنَّ وَبِهِنَّ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا مُخَالِفٌ حَدِيثَ أُمِّ عَطِيَّةَ الْمَذْكُورَ (قُلْنَا) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " لَوْ أَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " وَلِأَنَّ الْفِتَنَ وَأَسْبَابَ الشَّرِّ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ كَثِيرَةٌ بِخِلَافِ الْعَصْرِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ شُهُودَ النِّسَاءِ الْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ الصَّلَاةَ وَالْأَعْيَادَ وَأَنَا لِشُهُودِهِنَّ الْأَعْيَادَ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا مِنِّي لِشُهُودِهِنَّ غيرها من الصلوات المكتوبات
*
* قال الْمُصَنِّفِ رحمه الله
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ حُضُورِ الصِّبْيَانِ الْمُمَيِّزِينَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَاتَّفَقُوا عَلَى إبَاحَةِ تَزَيُّنِهِمْ بِالْمُصَبَّغِ وَحُلِيّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ يَوْمَ الْعِيدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَمَّا فِي غَيْرِ يَوْمِ الْعِيدِ فَفِي تَحْلِيَتِهِمْ بِالذَّهَبِ وَلِبَاسِهِمْ الْحَرِيرَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ (أَصَحُّهَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
تَحْرِيمُهُ (وَالثَّالِثُ) جَوَازُهُ قبل سبع سنين ومنعه بعدها
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ مُنْقَطِعًا مُرْسَلًا فَقَالَ بَلَغَنَا أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَالَ " مَا رَكِبَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي عِيدٍ وَلَا فِي جِنَازَةٍ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ هَكَذَا وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ باسناده من ثلاث طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي رَافِعٍ وَسَعْدٍ الْقَرَظِ رضي الله عنهم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَخْرُجُ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا " وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي رَافِعٍ وَيَرْجِعُ مَاشِيًا وَلَكِنَّ أَسَانِيدَ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ بَيِّنَةُ الضَّعْفِ وَعَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " مِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْعِيدِ مَاشِيًا " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَيْسَ هُوَ حَسَنًا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا فَإِنَّ مَدَارَهُ علي الحارث الاعور وانفق الْعُلَمَاءُ عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ كَانَ الْحَارِثُ كَذَّابًا وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ قَدْ يُعْتَرَضُ عَلَيْهِ فَيُقَالُ قَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ " أَنَّ رَجُلًا كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا عَنْ الْمَسْجِدِ وَكَانَ يَمْشِي إلَيْهِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ يُكْتَبَ لِي مَمْشَايَ إلَى الْمَسْجِدِ وَرُجُوعِي إذَا رَجَعْتُ إلَى أَهْلِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جمع الله لك ذَلِكَ كُلَّهُ " وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُصَنِّفَ قَالَ لِأَنَّهُ غَيْرُ قَاصِدٍ إلَى قُرْبَةٍ وَلَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَاشٍ فِي قُرْبَةٍ وَلَا نَفَى ثَوَابَهُ فِي الرُّجُوعِ وَرَأَيْت مِنْ النَّاسِ مَنْ يَسْأَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فَيَقُولُ قَالَ لَمْ يَرْكَبْ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَهَذِهِ غَفْلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ تُصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَبَيْتُهُ صلى الله عليه وسلم بِجَنْبِ المسجد فلا يتأنى الرُّكُوبُ إلَيْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَكِّرَ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَكُونَ التَّبْكِيرُ بَعْدَ الْفَجْرِ وَيَأْكُلَ قَبْلَ الْخُرُوجِ تَمْرًا كَمَا سَبَقَ هَذَا فِي حَقِّ الْمَأْمُومِينَ فَأَمَّا الْإِمَامُ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَتَأَخَّرَ فِي الْخُرُوجِ إلَى الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلَّى بِهِمْ فِيهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَانَ إذا خرج يوم العيد فأول شئ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلَاةُ " وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ
عَلَى هَذَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَدَلِيلُهُ الِاقْتِدَاءُ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي
مَهَابَتِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْشِيَ جَمِيعَ الطَّرِيقِ وَلَا يَرْكَبَ في شئ مِنْهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ وَضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ وَلَا يُعْذَرُ بِسَبَبِ؟ مَنْصِبِهِ وَرِيَاسَتِهِ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْشِي فِي الْعِيدِ وَهُوَ أَكْمَلُ الْخَلْقِ وَأَرْفَعُهُمْ مَنْصِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا ولا بأسن أَنْ يَرْكَبَ فِي الرُّجُوعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ واتفق الاصحاب علي هكذا قَالُوا وَصُورَتُهُ إذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ النَّاسُ بِمَرْكُوبِهِ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِهِ لِزَحْمَةٍ وَغَيْرِهَا كُرِهَ لِمَا فيه من الاضرار
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا كَانَ يَوْمُ الْعِيدِ خَالَفَ الطريق " ورواه الحاكم من راوية أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا قَالَ الْبُخَارِيُّ حَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ أَبِي بَرْزَةَ وَأَنَسٍ وَالْحَسَنِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلَكِنَّهُ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ - بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ ثُمَّ زَايٌ مَفْتُوحَةٌ - وَهُوَ تَصْحِيفٌ وَصَوَابُهُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَبِدَالٍ بَعْدَ الرَّاءِ - هُوَ أبو بردة التابعي ابن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَاسْمُ أَبِي بُرْدَةَ عَامِرٌ وَقِيلَ الْحَارِثُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ تَصْحِيفِهِ لَا نَشُكُّ؟ فِيهِ فَالصَّوَابُ أَبُو بُرْدَةَ بِالدَّالِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَتَقْدِيمُ الْمُصَنِّفِ لَهُ عَلَى أَنَسٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ ظَنَّهُ أَبَا بَرْزَةَ
الصَّحَابِيَّ وَهُوَ غَلَطٌ بِلَا شَكٍّ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِغَيْرِ الْإِمَامِ التَّنَفُّلُ يَوْمَ الْعِيدِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا فِي بَيْتِهِ وَطَرِيقِهِ وَفِي الْمُصَلَّى قَبْلَ حُضُورِ الْإِمَامِ لَا بِقَصْدِ التَّنَفُّلِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا كَرَاهَةَ في شئ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ لِصَلَاةِ الْعِيدِ سُنَّةٌ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ إلَّا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ أَنْ يُصَلِّيَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى لِأَنَّهُ لو صلى أو هم أَنَّهَا سُنَّةٌ وَلَيْسَتْ سُنَّةً قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُصَلِّي تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بَلْ يَشْرَعُ أَوَّلَ وُصُولِهِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَتَحْصُلُ التَّحِيَّةُ فِي ضِمْنِهَا وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ صَلَّى الْعِيدَ أَنْ يَمْضِيَ إلَيْهَا فِي طَرِيقٍ وَيَرْجِعَ فِي طَرِيقٍ آخَرَ لِلْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْضِيَ فِي الطَّرِيقِ الْأَطْوَلِ (وَاخْتَلَفُوا) فِي سَبَبِ ذَهَابِهِ صلى الله عليه وسلم فِي طَرِيقٍ وَرُجُوعِهِ فِي طَرِيقٍ آخَرَ (فَقِيلَ) كَانَ يَذْهَبُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَيَرْجِعُ فِي الْآخَرِ لِأَنَّ الذَّهَابَ أَفْضَلُ مِنْ الرُّجُوعِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ فِي الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) كَانَ يَتَصَدَّقُ في طريق ولا يبقى معه شئ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِئَلَّا يَسْأَلَهُ سَائِلٌ فَيَرُدَّهُ (وَقِيلَ) لِيُشَرِّفَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ (وَقِيلَ) لِيَشْهَدَ لَهُ الطَّرِيقَانِ (وَقِيلَ) لِيُعَلِّمَ أَهْلَ الطَّرِيقَيْنِ وَيُفْتِيَهُمْ (وَقِيلَ) لِيَغِيظَ الْمُنَافِقِينَ بِإِظْهَارِ الشِّعَارِ (وَقِيلَ) لِئَلَّا يَرْصُدَهُ الْمُنَافِقُونَ فَيُؤْذُوهُ (وَقِيلَ) لِلتَّفَاؤُلِ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرِّضَا وَنَحْوِ ذَلِكَ وَقِيلَ كَانَ يَخْرُجُ فِي الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ خَلْقٌ كَثِيرٌ فَيَكْثُرُ الزِّحَامُ فَيَرْجِعُ فِي آخَرَ لِيَخِفَّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ إنْ لَمْ نَعْلَمْ الْمَعْنَى الَّذِي خَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِسَبَبِهِ الطَّرِيقَ اُسْتُحِبَّ لَنَا مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عَلِمْنَاهُ وَوُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِي إنْسَانٍ اُسْتُحِبَّ لَهُ مُخَالَفَةُ الطَّرِيقِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ أَيْضًا وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ لِمُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالِاقْتِدَاءِ (وَالثَّانِي)
قاله أبو اسحق لَا يُسْتَحَبُّ لِفَوَاتِ سَبَبِهِ وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ قَدْ يَزُولُ سَبَبُ الْعِبَادَةِ وَيَبْقَى أَصْلُهَا كَالرَّمَلِ وَالسَّعْيِ وَنَظَائِرِهِمَا وَأَصَحُّ الْأَقْوَالِ فِي حِكْمَتِهِ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الذَّهَابُ فِي أَطْوَلِ الطَّرِيقَيْنِ وَالرُّجُوعُ فِي
الْأَقْصَرِ صَحَّحَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا وصحح الشيخ أبو حامد القول الاخيرو أما (قول) إمام الحرمين وغيره ان الرجوع ليس بقربة (فغلطوهم) فيه بل بثاب فِي رُجُوعِهِ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ فِي رُجُوعِهِ أَنْ يَقِفَ فِي طَرِيقِهِ فَيَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ وَيَدْعُوَ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا
* أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لهاسنة قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَةِ النَّفْلِ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا بَعْدَهَا لَا فِي الْبَيْتِ وَلَا فِي الْمُصَلَّى لِغَيْرِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وابو بردة والحسن البصري واخوه سعيد بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ آخَرُونَ تُكْرَهُ الصَّلَاةُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وابن عمر وجابر بن عبد الله بن أبي أو في وَمَسْرُوقٍ وَالشَّعْبِيِّ وَالضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّهْرِيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ وَمَعْمَرٍ وَأَحْمَدَ
* وقال آخرون يصلي بعدها لاقبلها حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مَسْعُودِ الْبَدْرِيِّ الصَّحَابِيِّ وَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَمُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَحَكَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ آخَرُونَ يُكْرَهُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا وَلَا يُكْرَهُ فِي غَيْرِهِ
* وَدَلِيلُنَا مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّافِعِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْأَصْلَ اباحة الصلاة حتى يثبت النهى
*
* قال المضنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلا أنه قال وعمر أوعثمان وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ قَالَا لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ " شَهِدْت مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة يَوْمَ الْعِيدِ فَبَدَأَ
بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ " شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْعِيدَيْنِ غَيْرَ مَرَّةٍ وَلَا مَرَّتَيْنِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَمَّا هَذَا الْمَرْوِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ " لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولا لابي بكرو لاعمر وَلَا عُثْمَانَ فِي الْعِيدَيْنِ حَتَّى أَحْدَثَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ وَأَحْدَثَهُ الْحَجَّاجُ بِالْمَدِينَةِ حِينَ مَرَّ عَلَيْهَا قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُ فِي الْعِيدَيْنِ الْمُؤَذِّنَ فَيَقُولُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " وَيُغْنِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْقِيَاسُ عَلَى صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِيهَا (مِنْهَا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " لَمَا كَسَفَتْ؟ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُودِيَ بِالصَّلَاةِ جَامِعَةً وَفِي رِوَايَةٍ " أَنَّ الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ " أَنَّ الشَّمْسَ خَسَفَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَعَثَ مُنَادِيًا الصَّلَاةَ جَامِعَةً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَوْلُهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُنَادَى بِهِ - هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ - وَقَوْلُهُ الصَّلَاةَ جَامِعَةً هُمَا مَنْصُوبَانِ الصَّلَاةَ عَلَى الاغراء وجامعة علي الحال
* وأما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُؤَذَّنُ لِلْعِيدِ وَلَا يُقَامُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَذَّنَ لَهَا وَأَقَامَ قَالَ وَقَالَ حُصَيْنٌ أَوَّلُ مَنْ أَذَّنَ فِي الْعِيدِ زِيَادٌ وَقِيلَ أَوَّلُ من أذن لها معوية وَقِيلَ غَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى الْكُسُوفِ قَالَ الشَّافِعِيُّ
فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ أَنْ يَأْمُرَ الْإِمَامُ الْمُؤَذِّنَ أَنْ يَقُولَ فِي الْأَعْيَادِ وَمَا جَمَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ: الصَّلَاةَ جَامِعَةً أَوْ الصَّلَاةَ: قَالَ وَإِنْ قَالَ هَلُمَّ إلَى الصَّلَاةِ لَمْ نَكْرَهْهُ وَإِنْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ وَإِنْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ الْأَذَانِ وَأُحِبُّ أَنْ يَتَوَقَّى جَمِيعَ كَلَامِ الْأَذَانِ قَالَ وَلَوْ أَذَّنَ أَوْ أَقَامَ لِلْعِيدِ كَرِهْته لَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَقَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لَوْ قَالَ حي على الصلاة جاز بل هو مستحب وقال الدارمي لَوْ قَالَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ كُرِهَ لِأَنَّهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَذَانِ وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَأَنَّ الْأَوْلَى اجْتِنَابُهُ واجتناب سائر الفاظ الاذان
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وصلاة العيد ركعتان لقول عمر رضى الله عنه " صلاة الاضحى ركعتان وصلاة الفطر ركعتان وصلاة السفر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم وقد خاب من افترى " والسنة أن يصلى جماعة لنقل الخلف عن السلف والسنة أن يكبر في الاولي سبع تكبيرات سوى تكبيرة الاحرام وتكبيرة الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ والركوع لما روى عمرو ابن شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في الفطر في الاولي سبعا وفى الثانية خمسا سوى تكبيرة الصلاة " والتكبيرات قبل القراءة لما روي كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في العيدين في الركعة الاولى سبعا وفى الثانية خمسا قبل القراءة " فان حضر وقد سبقه الامام بالتكبيرات أو ببعضها لم يقض لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كدعاء الاستفتاح وقال في القديم يقضي لان محله القيام وقد أدركه وليس بشئ والسنة أن يرفع يديه مع كل تكبيرة لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه " كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي العيد " ويستحب أن يقف بين كل تكبيرتين بقدر آية يذكر الله تعالي " لما روى أن الوليد ابن عقبة خرج يوما علي عبد الله بن حذيفة والاشعرى وقال إن هذا العيد غدا فكيف التكبير فقال عبد الله بن
مسعود تكبر وتحمد ربك وتصلي علي النبي صلي الله عليه وسلم وتدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك فقال الاشعري وحذيفة صدق " والسنة أن يقرأ بعد الفاتحة بق واقتربت لما روي أبو واقد الليثى " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقرأ في الفطر والاضحي بق واقتربت الساعة " والسنة أن يجهر فيهما بالقراءة لنقل الخلف عن السلف}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ " صَلَاةُ الْأَضْحَى رَكْعَتَانِ " إلَى آخِرِهِ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيِّ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِي صَلَاةِ الْمُسَافِرِ وَجَوَازِ الْقَصْرِ وَالْإِتْمَامِ وَحَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ هَذَا صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ
الْعِلَلِ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ ليس في هذا الباب شئ أَصَحُّ مِنْهُ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ كَثِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَأَمَّا قَوْلُهُ إنَّ عُمَرَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ فِي الْعِيدِ فَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَوَيْنَاهُ فِي حَدِيثٍ مُرْسَلٍ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَرَوَاهُ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمُنْقَطِعٍ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) إنَّ الْوَلِيدَ بْنَ عُقْبَةَ خَرَجَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَحُذَيْفَةَ (فَرَوَاهُ) الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ صَدَقَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي وَاقِدٍ (فَرَوَاهُ) مُسْلِمٌ وَأَمَّا جَدُّ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَهُوَ عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ آخِرَ خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ وَأَمَّا الْوَلِيدُ فَهُوَ أَبُو وَهْبِ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَاسْمُ أَبِي معيط أبان ابن أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْقُرَشِيُّ الْأُمَوِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ اخو عثمان ابن عَفَّانَ لِأُمِّهِ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ: وَأَمَّا أَبُو وَاقِدٍ فَبِالْقَافِ وَاسْمُهُ الْحَارِثُ بْنُ عَوْفٍ وَقِيلَ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ وَقِيلَ عَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ شَهِدَ بَدْرًا وَالْيَرْمُوكَ وَالْجَابِيَةَ وَتُوُفِّيَ بِمَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَدُفِنَ في مقبرة المهاجرين
* وأما قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهُ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ فَاتَ مَحَلُّهُ فَلَمْ يَقْضِهِ كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ اُحْتُرِزَ بِالْمَسْنُونِ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ إذَا نَسِيَهَا أَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا (وَقَوْلُهُ) كَدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا شَرَعَ فِي الْفَاتِحَةِ قَبْلَ الافتتاح لا يأتي به بَعْدَ ذَلِكَ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ وَشُرُوعِهِ فِي الْقِرَاءَةِ أَتَى بِهِ إنْ لَمْ يَخْشَ فَوْتَ الْفَاتِحَةِ قَبْلَ رُكُوعِ الْإِمَامِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذَا الْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِيهِ إنْكَارَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ لَيْسَ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا بَلْ نَظِيرُهَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يَأْتِي بِالِافْتِتَاحِ هُنَا (الثَّانِي) أَنَّهُ يَنْتَقِضُ بِمَنْ تَرَكَ قِرَاءَةَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْهَا فَإِنَّهُ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ الْجُمُعَةَ وَالْمُنَافِقِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَبِمَنْ تَرَكَ التَّعَوُّذَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقُلْنَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ فِي الثَّانِيَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَبِالْمَسْبُوقِ إذَا أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِالسُّورَةِ في الباقتين عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ مَعَ قَوْلِنَا لَا تُشْرَعُ السُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ إنَّمَا يَأْتِي بالسورة لمسكونها فَاتَتْهُ فِي الْأُولَيَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَصَلَاةُ الْعِيدِ رَكْعَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ وَصِفَتُهَا المجزئة كصفة سائر الصلوات وسننها وهيآتها
كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَيَنْوِي بِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ هذا اقلها: واما الا كمل فَأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ دُعَاءَ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ سِوَى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَسِوَى تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا سِوَى تَكْبِيرَةِ الْقِيَامِ مِنْ السُّجُودِ وَالْهَوِيِّ إلَى الرُّكُوعِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ التَّكْبِيرَاتُ فِي الْأُولَى سِتٌّ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ قَوْلًا شَاذًّا أَنَّ دعاء الا ستفتاح يَكُونُ بَعْدَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ الزَّوَائِدِ قَدْرَ قِرَاءَةِ آيَةٍ لَا طَوِيلَةٍ وَلَا قَصِيرَةٍ يُهَلِّلُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُكَبِّرُهُ وَيَحْمَدُهُ وَيُمَجِّدُهُ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ لَكِنْ لَيْسَ فِي الْأُمِّ وَيُمَجِّدُهُ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ يَقُولَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا الله والله أَكْبَرُ وَلَوْ زَادَ عَلَيْهِ جَازَ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ يَقُولُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له له الملك وَلَهُ الْحَمْدُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قَدِيرٌ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَوْ قَالَ مَا اعْتَادَهُ النَّاسُ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا كَانَ حَسَنًا وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ الْمَسْعُودِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْقَفَّالِ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك تَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَجَلَّ ثَنَاؤُك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَأْتِي بِهَذَا الذِّكْرِ بَعْدَ السَّابِعَةِ وَالْخَامِسَةِ بَلْ يَتَعَوَّذُ عَقِبَ السَّابِعَةِ وَكَذَا عَقِبَ الْخَامِسَةِ إنْ قُلْنَا يَتَعَوَّذُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا بَيْنَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالْأُولَى مِنْ الزَّوَائِدِ وَلَا يَأْتِي بِهِ أَيْضًا فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ الْأُولَى مِنْ الْخَمْسِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ يَأْتِي بِهِ وَالصَّوَابُ فِي الْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلُ هُوَ الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ وَصَلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدَ بَعْضَهُنَّ بِبَعْضٍ وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ بِذِكْرٍ كَرِهْتُ
ذَلِكَ ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ التَّعَوُّذِ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ سُورَةَ ق وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ فِي رِوَايَةِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَرَأَ فِي صَلَاةِ العيد ايضا بسبح اسم ربك وهل أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ " فَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيَضَعَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَفِي الْعُدَّةِ مَا يُشْعِرُ بِخِلَافٍ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ تَرَكَ الرَّفْعَ فِي تكبيرات أَوْ بَعْضِهَا كَرِهْتُ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ شَكَّ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ أَخَذَ بِالْأَقَلِّ قِيَاسًا عَلَى عَدَدِ الرَّكَعَاتِ وَلَوْ كَبَّرَ ثَمَانِي تَكْبِيرَاتٍ وَشَكَّ هل نوى الاحرام باحداهن لم تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ: وَلَوْ شَكَّ فِي التَّكْبِيرَةِ الَّتِي نَوَى التَّحَرُّمَ بِهَا جَعَلَهَا الْأَخِيرَةَ وَأَعَادَ الزَّوَائِدَ: وَلَوْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا أَوْ سِتًّا فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يكبر سبعا في الاولى وخسما فِي الثَّانِيَةِ كَمَا لَوْ تَرَكَ إمَامُهُ التَّعَوُّذَ وَنَحْوَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُخَالِفَهُ وَلَوْ تَرَكَ الزَّوَائِدَ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ وَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ لَكِنْ يُكْرَهُ تَرْكُهُنَّ أَوْ تَرْكُ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ وَالزِّيَادَةُ فِيهِنَّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَيُسِرُّ بِالذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فِي رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهُنَّ فِي الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ مَضَى فِي صَلَاتِهِ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ وَلَا يَقْضِيهِنَّ فَإِنْ عَادَ إلَى الْقِيَامِ لِيُكَبِّرَهُنَّ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِهِ وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ قَبْلَ الرُّكُوعِ إمَّا فِي الْقِرَاءَةِ وَإِمَّا بَعْدَهَا فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِنَّ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِنَّ وَهُوَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَالْقَدِيمُ يَأْتِي بِهِنَّ سَوَاءٌ ذَكَرَهُنَّ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ بَعْدَهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَعِنْدَهُ أَنَّ مَحَلَّهُنَّ الْقِيَامُ وَهُوَ بَاقٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ لَوْ تَذَكَّرَ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ قَطَعَهَا وَكَبَّرَهُنَّ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْفَاتِحَةَ وَلَوْ تَذَكَّرَهُنَّ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ كَبَّرَهُنَّ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَجِبُ اسْتِئْنَافُ الْفَاتِحَةِ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُنَّ حَتَّى تَعَوُّذَ وَلَمْ يَشْرَعْ فِي الْفَاتِحَةِ أَتَى بِهِنَّ لِأَنَّ مَحَلَّهُنَّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ وَتَقْدِيمُهُنَّ عَلَى التَّعَوُّذِ سُنَّةٌ
لاشرط وَلَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ أَوْ قد كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَا يُكَبِّرُ مَا فَاتَهُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُكَبِّرُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ وَلَا يُكَبِّرُهُنَّ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ كَبَّرَ مَعَهُ خَمْسًا عَلَى الْجَدِيدِ فَإِذَا قَامَ إلَى ثَانِيَتِهِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ كَبَّرَ أَيْضًا خَمْسًا
*
(فَرْعٌ)
تُسَنُّ صَلَاةُ الْعِيدِ جَمَاعَةً وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فَلَوْ صَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ فَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ سَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ فِي الاولى سبعا وفى الثانية خسما وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَحَكَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ والزهرى ومالك والاوزاعي وأحمد واسحق وَحَكَاهُ الْمَحَامِلِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ أَيْضًا عَنْ اللَّيْثِ وَأَبِي يُوسُفَ وَدَاوُد
* وَقَالَ آخَرُونَ يُكَبِّرُ في كل ركعة سبعا حكاه ابن المذر عن ابن عباس والمغيرة ابن شُعْبَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيِّ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَالْمُزَنِيِّ أَنَّ فِي الْأُولَى سِتًّا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ أَرْبَعٌ كَذَا حَكَاهُ عَنْهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَكَى غَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَعُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْأُولَى خَمْسٌ وَفِي الثَّانِيَةِ ثَلَاثٌ وَحَكَى أَيْضًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي مُوسَى وَابْنِ الزُّبَيْرِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ رِوَايَةٌ يكبر في الاولى ثلاثا وفى الثانية ثنتين
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِمَا رُوِيَ " أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ سَأَلَ أَبَا مُوسَى وَحُذَيْفَةَ كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ فِي الْأَضْحَى وَالْفِطْرِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى كَانَ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا تَكْبِيرَهُ عَلَى الْجَنَائِزِ فَقَالَ حُذَيْفَةُ صَدَقَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَأَشَارَ الْبَيْهَقِيُّ إلَى تَضْعِيفِهِ وَشُذُوذِهِ وَمُخَالَفَةِ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ وَأَنَّ الْمَشْهُورَ وَقْفُهُ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَبَّرَ فِي الْأُولَى سَبْعًا وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَصَحَّحُوهُ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَعَنْ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيْرُهُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّهُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ مع ان رواة ما ذهبنا إليه اكثروا حفظ وَأَوْثَقُ مَعَ أَنَّ مَعَهُمْ زِيَادَةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَحَلِّ الكتبير
* قد ذكرنا أن مذهبنا أن الكتبيرات الزَّوَائِدَ تَكُونُ بَيْنَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَقَالَ يَقْرَأُ فِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَحَكَى ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتَعَوَّذُ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ لِيَتَّصِلَ التَّعَوُّذُ بِدُعَاءِ الاستفتاح وحكى
الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَاتِ ثُمَّ يَأْتِي بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَحُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَبَّرَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعًا كَتَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ وَوَالَى بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ " وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَنَحْوِهِ أَيْضًا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد مِنْ جِهَةِ غَيْرِهِ وَالْحَدِيثُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ التَّعَوُّذَ إنَّمَا شُرِعَ لِلْقِرَاءَةِ وَهُوَ تَابِعٌ لَهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّصِلَ بِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الرَّفْعِ فِيهِنَّ وَاسْتِحْبَابُ الذِّكْرِ بَيْنَهُنَّ وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو يوسف لا يرفع اليد الافى تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الذِّكْرِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَحْمَدُ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَا يَقُولُهُ
* وَمَذْهَبُنَا أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ يَقُولُهُ بَعْدَهُنَّ
* وَأَمَّا التَّعَوُّذُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَقُولُهُ بَعْدَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّوَائِدِ وَقَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُهُ عَقِبَ دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ قَبْلَ التَّكْبِيرَاتِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِيمَنْ نَسِيَ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةَ حَتَّى شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا الْجَدِيدَ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تَفُوتُ وَلَا يَعُودُ يَأْتِي بِهَا وَبِهَذَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ اللُّؤْلُؤِيُّ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْقَدِيم أَنَّهُ يَأْتِي بِهَا مَا لَمْ يَرْكَعْ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ومالك
*
* قال المصنف رحمه الله
* {والسنه إذا فرغ من الصلاة ان يخطب لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثم ابا بكر وعثمان رضى الله عنهما " كانوا يصلون العيدين قبل الخطبة " والمستحب ان يخطب علي منبر لما روى جابر رضي الله قال " شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم الاضحي فلما قضى خطبته نزل من منيره " ويسلم على الناس إذا اقبل عليهم كما قلنا في خطبة الجمعة وهل يجلس
قبل الخطبة فيه وجهان (احدهما) لا يجلس لان في الجمعة يجلس لفراغ المؤذن من الاذان وليس في العيدين اذان
(والثانى)
يجلس وهو المنصوص في الام لانه يستريح بها ويخطب خطبتين يفصل بينهما بجلسة ويجوز ان يخطب من قعود لما روى أبو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خطب يوم العيد على راحلته " ولان صلاة العيد يجوز قاعدا فكذلك خطبتها بخلاف الجمعة والمستحب ان يستفتح الخطبة الاولى بتسع تكبيرات والثانية بسبع لما رَوَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ انه قال هو من السنة ويأتي ببقية الخطبة على ما ذكرناه في الجمعة من ذكر الله تعالى وذكر رسول الله صلي الله عليه وسلم والوصية بتقوى الله تعالى وقراءة القرآن فان كان في عيد الفطر علمهم صدقة الفطر وان كان في عيد الاضحى علمهم الاضحية لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " ويستحب للناس استماع الخطبة لما روى عن ابن مسعود انه قال يوم عيد " من شهد الصلاة معنا فلا يبرح حتى يشهد الخطبة " فان دخل رجل والامام يخطب فان كان في المصلي استمع الخطبة ولا يشتغل بصلاة العيدلان الخطبة من سنن العيد ويخشى فواتها ولصلاة لا يخشى فواتها فكان الاشتغال بها اولي وان كان في المسجد ففيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يصلى تحية المسجد ولا يصلي صلاة العيد لان الامام لم يفرغ من سنة العيد فلا يشتغل بالقضاء وقال أبو اسحق المروزى يصلى العيد لانها اهم من تحية المسجد وآكد وإذا صلاها سقط بها التحية فكان الاشتغال بها اولي كما لو حضر وعليه مكتوبة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
وَمُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ وَلَفْظُهُمَا قَالَ جَابِرٌ " قَامَ النَّبِيُّ صلي الله عليه وسلم يوم الفطر فصل فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ " فَقَوْلُهُ نَزَلَ مَعْنَاهُ عَنْ الْمِنْبَرِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَمَعَ ضَعْفِهِ فَلَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ تَابِعِيٌّ وَالتَّابِعِيُّ إذَا قَالَ مِنْ السُّنَّةِ فِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا أَنَّهُ مَوْقُوفٌ
(وَالثَّانِي)
مَرْفُوعٌ مُرْسَلٌ فَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَهُوَ قَوْلُ صَحَابِيٍّ لَمْ يَثْبُتْ انْتِشَارُهُ فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قُلْنَا مَرْفُوعٌ فَهُوَ مُرْسَلٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ " لَا يَذْبَحَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يُصَلِّيَ " فَهُوَ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَجُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسَنُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ خُطْبَتَانِ عَلَى مِنْبَرٍ وَإِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ وَرَدُّوا عَلَيْهِ كَمَا سَبَقَ فِي الْجُمُعَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالصِّفَاتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقِيَامُ فيهما بل يجوز قاعدا ومضطجعا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْأَفْضَلُ قَائِمًا وَيُسَنُّ أَنْ يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ كَمَا يُفْصَلُ فِي خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْلِسَ قَبْلَ الْخُطْبَتَيْنِ أَوَّلَ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يَجْلِسُ قَبْلَ خُطْبَتِي الْجُمُعَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الكتاب (أصحهما) باتفاق الاصحاب يستحب وهو المنوص فِي الْأُمِّ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ هَذَا كُلِّهِ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ فِي أَوَّلِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ نَسَقًا وَفِي أَوَّلِ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ أَدْخَلَ بَيْنَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ الْحَمْدَ وَالتَّهْلِيلَ وَالثَّنَاءَ جَازَ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ صِفَةَ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ كَصِفَةِ التَّكْبِيرَاتِ الْمُرْسَلَةِ وَالْمُقَيَّدَةِ الَّتِي سَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَاعْلَمْ) أَنَّ هَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ وَإِنَّمَا هِيَ مُقَدِّمَةٌ لَهَا وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُنَّ لَسْنَ مِنْ نَفْسِ الْخُطْبَةِ بَلْ مُقَدِّمَةٌ لَهَا قَالَ البندنيجى يكبر قبل الخطبة الْأُولَى تِسْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَقَبْلَ الثَّانِيَةِ سَبْعًا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلَا يُغْتَرُّ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاعَةٍ يَسْتَفْتِحُ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ فَإِنَّ كَلَامَهُمْ مُتَأَوِّلٌ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ بِهَذِهِ التَّكْبِيرَاتِ لان افتتاح الشئ قَدْ يَكُونُ بِبَعْضِ مُقَدِّمَاتِهِ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ نَفْسِهِ
فَاحْفَظْ هَذَا فَإِنَّهُ مُهِمٌّ خَفِيٌّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ فِي عِيدِ الْفِطْرِ اُسْتُحِبَّ لِلْخَطِيبِ تَعْلِيمُهُمْ أَحْكَامَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَفِي الاضحي أحكام الاضحية ويبينهما بَيَانًا وَاضِحًا يَفْهَمُونَهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ اسْتِمَاعُ الْخُطْبَةِ وَلَيْسَتْ الْخُطْبَةُ وَلَا اسْتِمَاعُهَا شَرْطًا لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ تَرَكَ اسْتِمَاعَ
خُطْبَةِ الْعِيدِ أَوْ الْكُسُوفِ أَوْ الِاسْتِسْقَاءِ أَوْ خُطَبَ الْحَجِّ أَوْ تَكَلَّمَ فِيهَا أَوْ انْصَرَفَ وَتَرَكَهَا كَرِهْته وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَلَوْ دَخَلَ إنْسَانٌ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ لِلْعِيدِ فَإِنْ كَانَ فِي الْمُصَلَّى جَلَسَ وَاسْتَمَعَ الْخُطْبَةَ وَلَمْ يُصَلِّ التَّحِيَّةَ ثُمَّ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ صَلَّى الْعِيدَ فِي الصَّحْرَاءِ وَإِنْ شَاءَ فِي بَيْتِهِ أَوْ غَيْرِهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْمُخْتَصَرِ قَالَ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّي الْعِيدَ قَبْلَ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ الْمُصَلَّى ثُمَّ يَحْضُرُ وَيَسْتَمِعُ الْخُطْبَةَ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ فَأَمَّا إنْ كَانَ فِي الْمَسْجِدِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يُصَلِّي الْعِيدَ وَتَنْدَرِجُ التَّحِيَّةُ فِيهِ وَبِهَذَا قَالَ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ (وَالثَّانِي) قَالَهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ وَيُؤَخِّرُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَهَذَا الْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي الْأَفْضَلِ هَلْ يُصَلِّي التَّحِيَّةَ أَمْ الْعِيدَ وَلَا خلاف أنه مأمور باحدهما لان المجلس لَا يُجْلَسُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ صَلَاةٍ فَإِنْ صَلَّى التَّحِيَّةَ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يُؤَخِّرُهَا إلَى بَيْتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ بِالْمُصَلَّى فَإِنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَ فِي الْمُصَلَّى بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَبَيْنَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى بَيْتِهِ يُصَلِّي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالُوا وَالْفَرْقُ أَنَّ الْمُصَلَّى لَا مَزِيَّةَ لَهُ عَلَى بَيْتِهِ وَأَمَّا الْمَسْجِدُ فَهُوَ أَشْرَفُ الْبِقَاعِ فَكَانَتْ صَلَاتُهُ فِيهِ أَفْضَلَ من بيته قال صاحب الشامل وغيره ويخالف سَائِرَ النَّوَافِلِ حَيْثُ قُلْنَا فِعْلُهَا فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ لِأَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ فَكَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى كَالْفَرَائِضِ بِخِلَافِ الْمُصَلَّى فَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَاهَا فِيهِ لِلْإِمَامِ لِتَكْثُرَ الْجَمَاعَةُ وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَفْقُودٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَهَذَا كُلُّهُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ صِحَّةُ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَفِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ قَوْمًا فَاتَهُمْ سَمَاعُ الْخُطْبَةِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُعِيدَ لَهُمْ الخطبة سواء كانوا رجلا أَمْ نِسَاءً وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَاحْتَجُّوا لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خَطَبَ يَوْمَ الْعِيدِ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ " رَوَاهُ البخاراى وَمُسْلِمٌ
* (فَرْعٌ)
لَوْ خَطَبَ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فهو مسيئ وفى الاعتداد بالخطبة احتمال لامام الحرمين
والصحيح بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ بِهَا لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وصلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " وَقِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ الرَّاتِبَةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ إذَا قَدَّمَهَا عَلَيْهَا وَهَذَا الَّذِي صَحَحْتُهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ نَصَّ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ أَيْضًا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي التَّجْرِيدِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالَ قَالَ فَإِنْ بَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ رَأَيْتُ أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَلَا كَفَّارَةٌ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخُطْبَةَ غَيْرُ مَحْسُوبَةٍ وَلِهَذَا قَالَ كَمَا لَوْ صَلَّى وَلَمْ يَخْطُبْ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أَكْرَهُ لِلْمَسَاكِينِ إذَا حَضَرُوا الْعِيدَ الْمَسْأَلَةَ فِي حَالِ الْخُطْبَتَيْنِ بَلْ يَنْكَفُّونَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ حَتَّى يَفْرُغَ الْإِمَامُ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ قَالَ فان سألوا فلا شئ عَلَيْهِمْ فِيهَا إلَّا تَرْكَ الْفَضْلِ فِي الِاسْتِمَاعِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الْخُطَبُ الْمَشْرُوعَةُ عَشْرٌ خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَأَرْبَعُ خُطَبٍ فِي الْحَجِّ وَكُلُّهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ وَخُطْبَةَ الْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَكُلُّهَا يُشْرَعُ فِيهَا خُطْبَتَانِ إلَّا الثَّلَاثَ الْبَاقِيَةَ مِنْ الْحَجِّ فَإِنَّهُنَّ فُرَادَى قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْفَرْقُ بَيْنَ خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ فِي التَّقَدُّمِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالتَّأَخُّرِ مِنْ اوجه ذكرناها في باب الجمعة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {روى المزني رحمه الله انه يجوز صلاة العيد للمنفرد والمسافر والعبد والمرأة وقال في الاملاء
والقديم والصيد والذبائح لا يصلي العيد حيث لا تصلي الجمعة فمن اصحابنا من قال فيها قولان (احدهما) لا يصلون " لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ بمنى مسافرا يوم النحر فلم يصل " ولانها صلاة شرع لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ كالجمعة
(والثانى)
يصلون وهو الصحيح لانها صلاة نفل فجاز لهم فعلها كصلاة الكسوف ومن اصحابنا من قال يجوز لهم فعلها قولا واحدا وتأول ما قال في الاملاء والقديم علي انه اراد لا يصلى بالاجتماع والخطبة حيث لا تصلى الجمعة لان في ذلك افتياتا على السلطان)
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صَلَاةَ الْعِيدِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ وَقَوْلُهُ اجْتِمَاعِ الْكَافَّةِ هَذَا لَحْنٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يُقَالُ الْكَافَّةُ وَلَا كَافَّةُ الناس فلا يستعمل
بالالف واللام ولا مضافة وانما مستعمل حَالًا فَيُقَالُ اجْتِمَاعُ النَّاسِ كَافَّةً كَمَا قَالَ الله تعالى (ادخلوا في السلم كافة وقاتلوا المشركين كافة وما ارسلناك الا كافة للناس) وَلَا تَغْتَرَّنَّ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهَا لَحْنًا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ وَالْخُطَبِ النَّبَاتِيَّةِ وَالْمَقَامَاتِ وَغَيْرِهَا (وَقَوْلُهُ) الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ هُوَ كِتَابٌ مِنْ كُتُبِ الْأُمِّ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةٌ تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ وَاجْتِمَاعُ الْكَافَّةِ فَلَمْ يَفْعَلْهَا الْمُسَافِرُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَلَكِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ (وَقَوْلُهُ) فِي تَعْلِيلِ الْقَوْلِ الْآخَرِ صَلَاةُ نَفْلٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ (وَأَمَّا) التَّأْوِيلُ الْمَذْكُورُ (فَمَعْنَاهُ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ الْبَلَدِ بِخُطْبَةٍ وَاجْتِمَاعٍ وَيَتْرُكُوا الصَّلَاةَ مَعَ الْإِمَامِ وَحُضُورَ خُطْبَتِهِ فِي الْجَامِعِ بِخِلَافِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ حَيْثُ تُفْعَلُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ لِأَنَّ فِي الْعِيدِ افْتِيَاتًا بِخِلَافِ الْخَمْسِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَهَلْ تُشْرَعُ صَلَاةُ الْعِيدِ لِلْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ وَالْمُنْفَرِدِ فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي غَيْرِهِ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهُرُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهَا تُشْرَعُ لَهُمْ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَجَابُوا عَنْ تَرْكِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم صلاة العيد بمنى بانه تركها لا شتغاله بِالْمَنَاسِكِ وَتَعْلِيمِ النَّاسِ أَحْكَامَهَا وَكَانَ ذَلِكَ أَهَمَّ مِنْ الْعِيدِ (وَالثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَالثَّانِي) لَا تُشْرَعُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَالْإِمْلَاءِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ مِنْ الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى الْقَدِيمِ تُشْتَرَطُ فِيهَا شُرُوطُ الْجُمُعَةِ مِنْ اعْتِبَارِ الجماعة
وَالْعَدَدِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَغَيْرِهِمَا إلَّا أَنَّهُ يَجُوزُ فِعْلُهَا خَارِجَ الْبَلَدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُنَابِذٌ لِلسُّنَّةِ مَرْدُودٌ عَلَى قَائِلِهِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهَا بِدُونِ اربعين علي هذا القول والا ان خُطْبَتَهَا بَعْدَهَا وَأَنَّهُ لَوْ تَرَكَهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَصَلَّاهَا الْمُنْفَرِدُ لَمْ يَخْطُبْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ ضَعِيفٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَخْطُبُ وَإِنْ صَلَّاهَا مُسَافِرُونَ خَطَبَ بِهِمْ إمَامُهُمْ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعِيدَيْنِ مَنْ فَاتَتْهُ أَوْ تَرَكَهَا مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ وَكَذَلِكَ الكسوف والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا شهد شاهدان يوم الثلاثين بعد الزوال برؤية الهلال ففيه قولان
(أحدهما)
لا يقضي
(والثاني) يقضي وهو الاصح فان أمكن جمع الناس صلى بهم في يومهم وان لم يمكن جمعهم صلى بهم من الغد لما روى أبو عمير بن انس عن عمومته رضى الله عنهم قالوا " قامت بينة عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد الظهر أنهم رأوا هلال شوال فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يفطروا وأن يخرجوا من الغد الي المصلى " وان شهد اليلة الحادى والثلاثين صلي قولا واحدا ولا يكون ذلك قضاء لان فطرهم غدا لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي عُمَيْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ عُمُومَةٍ لَهُ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " ان ركبا جاؤا إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْهَدُونَ أَنَّهُمْ رَأَوْا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُفْطِرُوا وإذا اصبحوا يغدوا الي مصلاهم " ورواه الْبَيْهَقِيُّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ قَالَ وَعُمُومَةُ أَبِي عُمَيْرٍ صَحَابَةٌ لَا تَضُرُّ جَهَالَةُ أَعْيَانِهِمْ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَظَاهِرُ قَوْلِهِ أَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا مِنْ الْغَدِ إلَى الْمُصَلَّى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ لِصَلَاةِ الْعِيدِ وَذَلِكَ مُبَيَّنٌ فِي رِوَايَةِ هُشَيْمٍ قَالَ وَلَا يجوزان يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ لِكَيْ يَجْتَمِعُوا فَيَدْعُوا وَلِتُرَى كَثْرَتُهُمْ بِلَا صَلَاةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ
وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ " وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ " وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُ النَّاسُ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحِّي النَّاسُ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ " وَزَادَ التِّرْمِذِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي أَوَّلِهِ " الصَّوْمُ يَوْمَ يَصُومُونَ " وَقَوْلُهُ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ - بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ - وَأَبُو عُمَيْرٍ الْمَذْكُورُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ الصَّحَابِيُّ وَهُوَ أَكْبَرُ أَوْلَادِ أَنَسٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ أَنَّ صَلَاةَ الْعِيدِ وَغَيْرَهَا مِنْ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ إذَا فَاتَتْ هَلْ يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ قَالَ اصحابنا فإذا
شَهِدَ عَدْلَانِ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي اللَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَجَبَ الْفِطْرُ فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَبْلَ الزَّوَالِ مَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ وَالصَّلَاةُ فِيهِ صَلُّوهَا وَكَانَتْ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ شَهِدُوا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ بلا خلاف فيها يَتَعَلَّقُ بِالْعِيدِ إذْ لَا فَائِدَةَ لَهَا إلَّا الْمَنْعُ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَلَا تُسْمَعُ بَلْ يُصَلُّونَ الْعِيدَ مِنْ الْغَدِ وَتَكُونُ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا قَالَ وَقَوْلُهُمْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ إلَّا تَرْكُ الصلاة فيه اشكال بل لثبوب الْهِلَالِ فَوَائِدُ أُخَرُ كَوُقُوعِ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ وَابْتِدَاءِ الْعِدَّةِ وَسَائِرِ الْآجَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَوَجَبَ أَنْ تُقْبَلَ لِهَذِهِ الْفَوَائِدِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ لَا أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ وَمُرَادُ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ خَاصَّةً فَأَمَّا مَا سِوَى الصَّلَاةِ مِنْ الْآجَالِ والتعليقات وغيرهما فتثبيت بِلَا خِلَافٍ أَمَّا إذَا شَهِدُوا قَبْلَ الْغُرُوبِ إمَّا بَعْدَ الزَّوَالِ وَإِمَّا قَبْلَهُ بِيَسِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ فِيهِ الصَّلَاةُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي الْفِطْرِ بِلَا خِلَافٍ وَتَكُونُ الصَّلَاةُ فَائِتَةً عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) لَا تَفُوتُ فَتُفْعَلُ فِي الْغَدِ أَدَاءً لِعَظَمِ حُرْمَتِهَا فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَكُونُ قَضَاؤُهَا مَبْنِيًّا عَلَى قَضَاءِ النَّوَافِلِ فَإِنْ قُلْنَا لَا تُقْضَى لَمْ يُقْضَ الْعِيدُ وَإِنْ قُلْنَا تُقْضَى بُنِيَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا كَالْجُمُعَةِ فِي الشُّرُوطِ أَمْ لَا فَإِنْ قُلْنَا كَالْجُمُعَةِ لَمْ تُقْضَ وَإِلَّا قُضِيَتْ وَهُوَ
الْمَذْهَبُ وَهَلْ لَهُمْ صَلَاتُهَا فِي بَقِيَّةِ يَوْمِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِعْلَهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ أَدَاءٌ أَمْ قَضَاءٌ إنْ قُلْنَا أَدَاءٌ فَلَا وَإِنْ قُلْنَا قَضَاءٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ جَازَ ثُمَّ هَلْ هُوَ أَفْضَلُ ام التأخير الي ضحوة العيد فيه فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) التَّقْدِيمُ أَفْضَلُ هَذَا إذَا أَمْكَنَ جَمْعُ النَّاسِ فِي يَوْمِهِمْ لِصِغَرِ الْبَلَدِ فَإِنْ عَسُرَ فَالتَّأْخِيرُ أَفْضَلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا قُلْنَا صَلَاتُهَا فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ قَضَاءٌ فَهَلْ لَهُمْ تَأْخِيرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ أَبَدًا
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ وَقِيلَ يَجُوزُ في بقية الشهر اما إذا شهدا قبل
الْغُرُوبِ وَعَدْلًا بَعْدَهُ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الِاعْتِبَارُ بِوَقْتِ الشَّهَادَةِ (وَأَصَحُّهُمَا) بِوَقْتِ التَّعْدِيلِ فَيُصَلُّونَ مِنْ الْغَدِ أَدَاءً بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْعِيدُ فِي يَوْمِهِ هَذَا كُلُّهُ إذَا وَقَعَ الِاشْتِبَاهُ وَفَوَاتُ الْعِيدِ لِأَهْلِ الْبَلَدِ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ وَقَعَ ذَلِكَ لِأَفْرَادٍ لَمْ يَجِئْ إلَّا قَوْلَانِ مَنْعُ الْقَضَاءِ وَجَوَازُهُ أَبَدًا وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ فِي الْمَذْهَبِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ شَهِدُوا لَيْلَةَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَمَعْنَاهُ شَهِدُوا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ فِطْرَهُمْ غَدًا فَغَدًا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ وَخَبَرُ أَنَّ مُقَدَّرٌ فِي الظَّرْفِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ يَوْمُ الْفِطْرِ أَوَّلَ شَوَّالٍ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يُفْطِرُ فِيهِ النَّاسُ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ وَكَذَلِكَ يَوْمَ النَّحْرِ وَكَذَا يَوْمَ عَرَفَةَ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَظْهَرُ لِلنَّاسِ أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ سَوَاءٌ كَانَ التَّاسِعَ أَوْ الْعَاشِرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَقِبَ هَذَا الْحَدِيثِ فَبِهَذَا نَأْخُذُ قَالَ وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ الظَّاهِرَ وَلَمْ يَظْهَرْ الْفِطْرُ إلَّا يَوْمَ أَفْطَرُوا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إذَا فَاتَتْ صَلَاةُ الْعِيدِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهَا يُسْتَحَبُّ قَضَاؤُهَا أَبَدًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُزَنِيِّ وَدَاوُد أَنَّهَا لَا تُقْضَى وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُقْضَى صَلَاةُ الْفِطْرِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالْأَضْحَى فِي الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَقَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مَذْهَبُهُ كَمَذْهَبِهِمَا وَإِذَا صَلَّاهَا مَنْ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ فِي وَقْتِهَا أَوْ بَعْدَهُ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ الْإِمَامِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا بِتَسْلِيمَةٍ وَإِنْ شَاءَ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَبِهِ جَزَمَ الْخِرَقِيُّ وَالثَّالِثَةُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ وَأَرْبَعٍ وَهُوَ مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُصَلِّيهَا أَرْبَعًا وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ رَكْعَتَيْنِ بِلَا جَهْرٍ ولا تكبيرات زوائد وقال اسحق
ان صلاها في المصلى فكصلاة الامام والااربعا
*
{باب التكبير}
* قال المصنف رحمه الله
* {الكتبير سنة في العيدين لما روى نافع عن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلي وجعفر والحسن والحسين واسامة بن زيد وزيد بن حارثة وايمن ابن ام أيمن رافعا صوته بالتهليل والتكبير ويأخذ طريق الحدادين حتى يأتي المصلي " وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ من ليلة الفطر لقوله عز وجل (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله علي ماهدا كم) واكمال العدة بغروب الشمس من ليلة الفطر واما آخره ففيه طريقان من أصحابنا من قال فيه ثلاثة أقوال (أحدها) ما روى المزني أنه يكبر إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذا حضر فالسنة أن يشتغل بالصلاة فلا معني للتكبير (والثاني) ما رواه البويطي انه يكبر حتي تفتتح الصلاة لان الكلام مباح قبل ان تفتتح الصلاة فكان التكبير مستحبا (والثالث) قاله في القديم حتى ينصرف الامام لان الامام والمأمومين مشغولون بالذكر الي ان يفرغوا من الصلاة فسن لمن لم يكن في الصلاة ان يكبر ومن اصحابنا من قال هو علي قول واحد انه يكبر الي ان تفتتح الصلاة وتأول رواية المزني علي ذلك لانه إذا خرج الي المصلي افتتح الصلاة وقوله في القديم حتى ينصرف الامام لانه ما لم ينصرف مشغول بالتكبير في الصلاة ويسن التكبير المطلق في عيد الفطر وهل يسن التكبير المقيد في ادبار الصلوات فيه وجهان
(أحدهما)
لا يسن لانه لم ينقل ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى؟ اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (والثاني) انه يسن لانه عيد يسن له التكبير المطلق فيسن له التكبير المقيد كالاضحى
والسنة في التكبير أَنْ يَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ثلاثا لما روى عن ابن عباس انه قال " الله اكبر ثلاثا " وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ رضى الله عنهم يكبرون أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثا وعن الحسن مثله قال في الام وان زاد زيادة فليقل بعد الثلاث
اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذلك علي الصفا ويستحب رفع الصوت بالتكبير لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير لانه إذا رفع صوته سمع من لم يكبر فيكبر "
*
(فصل)
واما تكبير الاضحى ففى وقته ثلاثة أقوال (أحدها) يبتدئ بعد الظهر من يوم النحر الي ان يصلى الصبح من آخر ايام التشريق والدليل علي انه يبتدئ بعد الظهر قوله عز وجل (فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله) والمناسك تقضي يوم النحر ضحوة واول صلاة تلقاهم الظهر والدليل علي انه يقطعه بعد الصبح ان الناس تبع للحاج وآخر صلاة يصليها الحاج بمنى صلاة الصبح ثم يخرج
(والثانى)
يبتدئ بعد غروب الشمس من ليلة العيد قياسا على عيد الفطر ويقطعه إذا صلى الصبح من آخر ايام التشريق لما ذكرناه (والثالث) أن يبتدئ بعد صلاة الصبح من يوم عرفة ويقطعه بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق لما روى عمر وعلي رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كان يكبر في دبر كل صلاة بعد صلاة الصبح يوم عرفة إلى بعد صلاة العصر من آخر ايام التشريق "
*
(فصل)
السنة ان يكبر في هذه الايام خلف الفرائض لنقل الخلف عن السلف وهل يكبر خلف النوافل فيه طريقان من أصحابنا من قال يكبر قولا واحدا لانها صلاة راتبة فاشبهت الفرائض ومنهم من قال فيه قولان (احدهما) يكبر لما قلناه (والثاني) لا يكبر لان النفل تابع للفرض والتابع لا يكون له تبع ومن فاتته صلاة في هذه الايام فاراد قضاءها في غيرها لم يكبر خلفها لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ في غيرها وان قضاها في هذه الايام ففيه وجهان
(أحدهما)
يكبر لان وقت التكبير باق
(والثانى)
لا يكبر لان التكبير خلف هذه الصلوات يختص بوقتها وقد فات الوقت فلم يقض}
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا تَكْبِيرُ الْعِيدِ قِسْمَانِ
(أَحَدُهُمَا)
التَّكْبِيرَاتُ الزَّوَائِدُ فِي الصَّلَاةِ وَالْخُطْبَةِ
وَقَدْ سَبَقَ (وَالثَّانِي) غَيْرُ ذَلِكَ وَالْأَصْلُ فِيهِ حَدِيثُ أُمِّ عطية " كنا نومر بِإِخْرَاجِ الْحُيَّضِ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ " يُكَبِّرْنَ مَعَ النَّاسِ) وَهَذَا الْقِسْمُ نَوْعَانِ مُرْسَلٌ وَمُقَيَّدٌ (فَالْمُرْسَلُ) وَيُقَالُ لَهُ الْمُطْلَقُ هُوَ الَّذِي لَا يَتَقَيَّدُ بِحَالٍ بَلْ يُؤْتَى بِهِ فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالطُّرُقِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَفِي غَيْرِ ذَلِكَ (وَالْمُقَيَّدُ) هُوَ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ الْإِتْيَانُ فِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ فَالْمُرْسَلُ مَشْرُوعٌ فِي الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا وَأَوَّلُ وَقْتِهِ فِي الْعِيدَيْنِ غُرُوبُ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ وَفِي آخِرِ وَقْتِهِ فِي عِيدِ الْفِطْرِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُونَ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَاتٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ مُبَاحٌ قَبْلَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ فَالِاشْتِغَالُ بِالتَّكْبِيرِ أَوْلَى وَهَذَا نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ (وَالثَّانِي) إلَى أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ إلَى الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ فَالسُّنَّةُ الِاشْتِغَالُ بِالصَّلَاةِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَرِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ (وَالثَّالِثُ) يُكَبِّرُ إلَى فَرَاغِ الْإِمَامِ مِنْ الصَّلَاةِ وَقِيلَ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الْخُطْبَتَيْنِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ ابن سريج وابو اسحق الْمَرْوَزِيُّ الْقَطْعُ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ النَّصَّيْنِ لآخرين عَلَى هَذَا قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي حَقِّ مَنْ لَيْسَ بِحَاضِرٍ مَعَ الْإِمَامِ فَإِذَا قُلْنَا يَمْتَدُّ إلَى فَرَاغِ الْخُطْبَتَيْنِ فَلَهُ أَنْ يُكَبِّرَ حَتَّى يَعْلَمَ فَرَاغَ الْإِمَامِ مِنْهُمَا
* وَأَمَّا الْحَاضِرُونَ فَلَا يُكَبِّرُونَ فِي حَالِ الْخُطْبَةِ بَلْ يَسْتَمِعُونَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْفَعَ النَّاسُ أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ الْمُرْسَلِ فِي لَيْلَتِي العيدين ويوميهما الي الغاية المذ كورة فِي الْمَنَازِلِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْأَسْوَاقِ وَالطُّرُقِ وَغَيْرِهَا فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَفِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى وَبِالْمُصَلَّى وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ الْحُجَّاجُ فَلَا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْأَضْحَى بَلْ ذِكْرُهُمْ التَّلْبِيَةَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ تَكْبِيرَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ آكَدُ مِنْ تَكْبِيرِ لَيْلَةَ الْأَضْحَى عَلَى الْأَظْهَرِ وَهُوَ الْقَوْلُ الْجَدِيدُ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ عَكْسَهُ وَدَلِيلُ الْجَدِيدِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ولتكبروا الله) وَأَمَّا التَّكْبِيرُ الْمُقَيَّدُ فَيُشْرَعُ فِي عِيدِ الْأَضْحَى بِلَا خِلَافٍ لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَهَلْ يُشْرَعُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَحَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجَمَاعَةٌ قَوْلَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ لَا يُشْرَعُ وَنَقَلُوهُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْجَدِيدِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ صَاحِبَا الشَّامِلِ وَالْمُعْتَمَدِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَفَعَلَهُ وَلَنُقِلَ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ وَرَجَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ عِيدٌ يُسَنُّ فِيهِ التَّكْبِيرُ الْمُرْسَلُ فَسُنَّ الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى فَعَلَى هَذَا قَالُوا يُكَبِّرُ خَلْفَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَالصُّبْحِ وَنَقَلَهُ الْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّهِ في القديم
وَحُكْمُ النَّوَافِلِ وَالْفَوَائِتِ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَلَى هذا الوجه يقاس بما سنذ كره إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَضْحَى (وَأَمَّا لاضحى) فالناس فيه ضربان حجاج وغير هم (فاما الحجاح) فيبدؤن التَّكْبِيرَ عَقِبَ صَلَاةِ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْجَوَامِعِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ مِنْهُمْ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ والجرياني فِي التَّحْرِيرِ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ هُوَ بِهِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الِابْتِدَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي الِانْتِهَاءِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِهِ أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وقطع به الرافعي وغيره من المتأخرين قالوا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْحُجَّاجَ وَظِيفَتُهُمْ وَشِعَارُهُمْ التَّلْبِيَةُ وَلَا يَقْطَعُونَهَا إلَّا إذَا شَرَعُوا فِي رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَإِنَّمَا شُرِعَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلُ فَرِيضَةٍ تَلْقَاهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ الظُّهْرُ وَآخِرُ صَلَاةٍ يُصَلُّونَهَا بِمِنًى صَلَاةُ الصُّبْحِ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ لِأَنَّ السُّنَّةَ لَهُمْ أَنْ يَرْمُوا فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ بَعْدَ الزَّوَالِ وَهُمْ رُكْبَانٌ وَلَا يُصَلُّونَ الظُّهْرَ بِمِنًى وَإِنَّمَا يُصَلُّونَهَا بَعْدَ نَفَرِهِمْ مِنْهَا.
وَأَمَّا غَيْرُ الحجاج فللشافعي رحمه الله في تكبيرهم ثلاث نُصُوصٍ (أَحَدُهَا) مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَالْأُمِّ وَالْقَدِيمِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هو نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ هُوَ نَصُّهُ فِي أَكْثَرِ كُتُبِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ فِي الْأُمِّ قَالَ لَوْ بَدَأَ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ قِيَاسًا عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ قَالَ وَسَمِعْت مَنْ يَسْتَحِبُّ هَذَا وَقَالَ بِهِ (وَالنَّصُّ الثَّالِثُ) أَنَّهُ رُوِيَ فِي الْأُمِّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ كَانَ يَبْدَأُ مِنْ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ قَالَ وَأَسْأَلُ اللَّهَ التَّوْفِيقَ هَذَا كَلَامُهُ فِي الْأُمِّ وَكَذَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْأَكْثَرُونَ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي نَصَّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ
يَبْدَأُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَخْتِمُ بِصُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَيَكُونُ مُكَبِّرًا خَلْفَ خَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً قَالَ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يَبْدَأُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَمَانِيَ عَشْرَةَ صَلَاةً وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ فَتَكُونُ ثَلَاثًا وَعِشْرِينَ صَلَاةً قَالَ وَهَذَا حَكَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ وَقَالَ أَسْتَخِيرُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ هَذِهِ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا وأشهرها) وبها قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَهُمْ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّانِي) مِنْ مَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالثَّالِثُ) مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا الطَّرِيقُ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وابن عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكَاهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا وَالنَّصَّانِ الْآخَرَانِ لَيْسَا مَذْهَبًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا حَكَاهُمَا مَذْهَبًا لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَتَأَوَّلُوا أَيْضًا نَصَّهُ مِنْ الْمَغْرِبِ لَيْلَةَ النَّحْرِ عَلَى أَنَّ المراد التكببر الْمُرْسَلُ لَا الْمُقَيَّدُ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِ الْمُرْسَلِ مِنْ الْمَغْرِبِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ إلَى أَنْ يُحْرِمَ الْإِمَامُ بِصَلَاةِ الْعِيدِ كَمَا سَبَقَ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ الدَّارَكِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ وَلَيْسَتْ هَذِهِ النُّصُوصُ لِاخْتِلَافِ قَوْلٍ بَلْ لَا خِلَافَ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق قَالَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي ثُبُوتِهِ ثَلَاثَةَ أساب فَذَكَرَ فِي ثُبُوتِ التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ قَوْلَ بَعْضِ السَّلَفِ وَذَكَرَ فِي لَيْلَةِ النَّحْرِ الْقِيَاسَ عَلَى لَيْلَةِ الْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ القياس علي الججيج قَالَ الْقَاضِي وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي
* وَنَقَلَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ نَحْوَ حِكَايَةِ الْقَاضِي عَنْهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْأَرْجَحَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الِابْتِدَاءُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخر التشريق واختارت طائفة مُحَقِّقِي الْأَصْحَابِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَيَخْتِمُ بِعَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ ممن اختاره أبو العباس ابن
سُرَيْجٍ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هُوَ اخْتِيَارُ الْمُزَنِيِّ وَابْنِ سُرَيْجٍ
قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ فِي الْأَمْصَارِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ والبيهقي وغيرهما مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيِّ أنه سأله أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ وَهُمَا غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى عَرَفَاتٍ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ فِي هَذَا الْيَوْمِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " كَانَ يُهَلِّلُ الْمُهَلِّلُ مِنَّا فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَدَاةِ عَرَفَةَ فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ فَأَمَّا نَحْنُ فَنُكَبِّرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم ثُمَّ ذَكَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُكَبِّرُونَ مِنْ الصُّبْحِ يوم عرفة إلى العصر من آخر أيام التَّشْرِيقِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ لَا يُحْتَجُّ بِمِثْلِهِ ثُمَّ ذُكِرَ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ يَعْنِي الْجُعْفِيَّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ عَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ عَمْرُو بْنُ شمرو جابر الْجُعْفِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الثِّقَاتِ كِفَايَةٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَنْ عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كان يجهر في المكتوبات بسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَكَانَ يَقْنُتُ فِي صَلَاةِ الفجرو كان يُكَبِّرُ يَوْمَ عَرَفَةَ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَيَقْطَعُهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ لَا أَعْلَمُ مِنْ رُوَاتِهِ مَنْسُوبًا إلَى الْجَرْحِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي الْبَابِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وغيره
* فاما من فعل عمرو على وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم فَصَحِيحٌ عَنْهُمْ التَّكْبِيرُ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِإِسْنَادِ الْحَاكِمِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ بِعَمْرِو بْنِ شَمَرٍ عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ وَكِلَا الْإِسْنَادَيْنِ ضَعِيفٌ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ أَتْقَنُ مِنْ شَيْخِهِ الْحَاكِمِ وَأَشَدُّ تَحَرِّيًا
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكَبِّرُ خلف الصبح أو
العسر الَّتِي هِيَ الْغَايَةُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكَبِّرُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ الْمُؤَدَّيَاتِ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ مِنْهَا فَقَضَاهَا فِي غَيْرِهِ لَمْ يُكَبِّرْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ
فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِيهَا فَقَضَاهَا فِيهَا أَيْضًا فَهَلْ يُكَبِّرُ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي يُكَبِّرُ بِلَا خلاف لان التكبير شعار لهذه المدة (والطريق الثَّانِي) فِيهِ خِلَافٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلَيْنِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَجْهَيْنِ (أَصَحَّهُمَا) يُكَبِّرُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارٌ لِوَقْتِ الْفَرَائِضِ وَلَوْ فَاتَتْهُ فَرِيضَةٌ فِي غير هذه الايام فقضاها فيها فثلاث طُرُقٍ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْبَنْدَنِيجِيّ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ شِعَارُ هَذِهِ الْمُدَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ مِنْهُمْ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُهُ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
* (فَرْعٌ)
أَمَّا التَّكْبِيرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَقَالَ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكَبِّرُ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ قَالَ الْمُزَنِيّ وَاَلَّذِي قَبْلَ هَذَا أَوْلَى أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَلِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا) وَأَشْهَرُهَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُسْتَحَبُّ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْعُولَةٌ فِي وَقْتِ التَّكْبِيرِ فَأَشْبَهَتْ الْفَرِيضَةَ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ تَابِعٌ لِلصَّلَاةِ وَالنَّافِلَةَ تَابِعَةٌ لِلْفَرِيضَةِ وَالتَّابِعُ لَا يَكُونُ لَهُ تَابِعٌ وَالطَّرِيقُ (الثَّانِي) يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا فَقَالَ فَإِذَا سَلَّمَ كَبَّرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ وَذَكَرَ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ تكبر الحائض والجنب وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ قَالَ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مُسْتَحَبٌّ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِنَّ مَنْ لَا يُصَلِّي كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ يُسْتَحَبُّ لَهُمْ التَّكْبِيرُ قَالَ الْقَاضِي وَغَلَّطُوا الْمُزَنِيَّ فِي قوله الذى قبل هذا اولى فانه أو هم أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يكبر الاخلف الْفَرَائِضِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ
الَّذِي قَبْلَ هَذَا مُؤَوَّلٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ وَصَحَّحَهُ أَيْضًا الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ) لَا يُكَبِّرُ قَوْلًا وَاحِدًا حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ تَوَاتُرًا فِي الْأَمْصَارِ بَيْنَ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَأَجَابَ أَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ بجوابين (احدهما)
أنه غلط في النقل مِنْ التَّلْبِيَةِ إلَى التَّكْبِيرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ غَلَطٌ في المعني دون الرواية وانا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ بِالتَّكْبِيرِ خَلْفَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ مَا تَعَلَّقَ بِالزَّمَانِ فِي لَيْلَتَيْ الْعِيدِ دُونَ مَا تَعَلَّقَ بِالصَّلَوَاتِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ (وَالطَّرِيقُ الرَّابِعُ) حَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي أَيْضًا إنْ كَانَ النَّفَلُ يُسَنُّ مُنْفَرِدًا لَمْ يُكَبِّرْ خَلْفَهُ وَإِنْ سُنَّ جَمَاعَةً كَالْكُسُوفَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَبَّرَ وَحَمَلُوا الْقَوْلَيْنِ عَلَى هَذَيْنِ فَهَذَا تَلْخِيصُ مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَالْمَذْهَبُ عَلَى الْجُمْلَةِ اسْتِحْبَابُ التَّكْبِيرِ خَلْفَ كُلِّ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ
* (فَرْعٌ)
هَلْ يُكَبِّرُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) لَا يُكَبِّرُ وَجْهًا وَاحِدًا لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ وَلِهَذَا حُذِفَ أَكْثَرُ أَرْكَانِ الصَّلَوَاتِ مِنْهَا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَطَعَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (وَالثَّالِثُ) قَالَهُ الشَّاشِيُّ فِي الْمُسْتَظْهِرِيِّ إنْ قُلْنَا يُكَبِّرُ خَلْفَ النَّوَافِلِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَكَالْفَرَائِضِ الْمَقْضِيَّةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ والمذهب علي الجملة استحباب التكببر خَلْفَهَا لِأَنَّهَا آكَدُ مِنْ النَّافِلَةِ وَقَوْلُهُمْ إنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ضَعِيفٌ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ لَيْسَ فِي نَفْسِهَا فَتَطُولُ بِهِ
* (فَرْعٌ)
إذَا عَرَفْت ما سبق وأردت اخْتِصَارُ الْخِلَافِ فِيمَا يُكَبِّرُ خَلْفَهُ جَاءَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُكَبِّرُ خَلْفَ كُلِّ صَلَاةٍ مَفْعُولَةٍ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ
(وَالثَّانِي)
يَخْتَصُّ بِالْفَرَائِضِ الْمَفْعُولَةِ فِيهَا مُؤَدَّاةً كَانَتْ
أَوْ مَقْضِيَّةً فَرِيضَةً أَوْ نَافِلَةً رَاتِبَةً أَوْ غَيْرَهَا (وَالثَّالِثُ) يَخْتَصُّ بِفَرَائِضِهَا مَقْضِيَّةً كَانَتْ أَوْ مُؤَدَّاةً (وَالرَّابِعُ) لَا يُكَبِّرُ إلَّا عَقِبَ فَرَائِضِهَا الموادة وَسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ الْمُؤَدَّاةِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ نَسِيَ التَّكْبِيرَ خَلْفَ الصَّلَاةِ فَتَذَكَّرَ وَالْفَصْلُ قَرِيبٌ اُسْتُحِبَّ التَّكْبِيرُ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ فَارَقَ مُصَلَّاهُ أَمْ لَا فَلَوْ طَالَ الْفَصْلُ فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى مَا إذَا تَرَكَ سُجُودَ السَّهْوِ فَتَذَكَّرَهُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ قَالَ الرَّافِعِيُّ الْأَصَحُّ هُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ التَّكْبِيرُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ تَدَارُكُ التَّكْبِيرِ وَإِنْ طَالَ الْفَصْلُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَفَرَّقَ الْمُتَوَلِّي بَيْنَهُ وَبَيْنَ سُجُودِ السهو لا تمام الصَّلَاةِ وَإِكْمَالِ صِفَتِهَا فَلَا تُفْعَلُ بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ كَمَا لَا يُبْنَى عَلَيْهَا بَعْدَ طُولِ الْفَصْلِ وَأَمَّا
التَّكْبِيرُ فَهُوَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ لَا وَصْفٌ لِلصَّلَاةِ وَلَا جُزْءٌ مِنْهَا وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ تَكَلَّمَ أَوْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ التَّكْبِيرَ لَا يُكَبِّرُ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ مُطْلَقًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ
* (فَرْعٌ)
الْمَسْبُوقُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ لَا يُكَبِّرُ إلَّا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ صَلَاةِ نَفْسِهِ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ شُبْرُمَةَ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَعَنْ الْحَسَنِ البصري أنه يكبر ثم يقضى وعن مُجَاهِدٍ وَمَكْحُولٍ يُكَبِّرُ ثُمَّ يَقْضِي ثُمَّ يُكَبِّرُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِالْأَوَّلِ أَقُولُ
* وَاحْتَجَّ الْحَسَنُ بِأَنَّ الْمَسْبُوقَ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي سُجُودِ السَّهْوِ فَكَذَا التَّكْبِيرُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا وَالْجُمْهُورُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ إنَّمَا يُشْرَعُ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَفْرُغْ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ فَإِنَّهُ يَفْعَلُ فِي نَفْسِ الصَّلَاةِ وَالْمَسْبُوقُ إنَّمَا يُفَارِقُ الْإِمَامَ بَعْدَ سَلَامِهِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ عَلَى خِلَافِ اعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ فَكَبَّرَ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أَوْ تَرَكَهُ وَالْمَأْمُومُ يَرَاهُ أَوْ كَبَّرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَالْمَأْمُومُ لَا يَرَاهُ أو تركه والمأموم يَرَاهُ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَتْبَعُ اعْتِقَادَ نَفْسِهِ فِي التَّكْبِيرِ وَتَرْكِهِ وَلَا يُوَافِقُ الْإِمَامَ لِأَنَّ الْقُدْوَةَ انْقَضَتْ بِالسَّلَامِ
(وَالثَّانِي)
يُوَافِقُهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَوَابِعِ الصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ جَمِيعُ مَا ذَكَرْنَاهُ هُوَ فِي التَّكْبِيرِ الَّذِي يَرْفَعُ بِهِ صَوْتَهُ وَلِجَعْلِهِ شِعَارًا أَمَّا إذَا اسْتَغْرَقَ عُمْرَهُ بِالتَّكْبِيرِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَنْعَ مِنْهُ
*
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي فِي التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ الْمُنْفَرِدُ وَالْمُصَلِّي جَمَاعَةً وَالرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ وَالْحَاضِرُ وَالْمُسَافِرُ (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ بِلَا خِلَافٍ
* (فَرْعٌ)
صِفَةُ التَّكْبِيرِ الْمُسْتَحَبَّةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَغَيْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ قَوْلًا قَدِيمًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ مَرَّتَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ ثَلَاثًا نَسَقًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَمَا زَادَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَحَسَنٌ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ أَنْ تَكُونَ زِيَادَتُهُ اللَّهُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا
وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ صَدَقَ وَعَدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَاحْتَجُّوا لَهُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَهُ عَلَى الصَّفَا " وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما أَخَصْرُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ عَنْ نَصِّهِ الْقَدِيمِ أَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أولانا وأبلانا قال صاحب الشامل والله يَقُولُهُ النَّاسُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ نَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ في البويطي قال البندنيجي وهذا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعْمَلَ بِهِ قَالَ وعليه الناس وقال صاحب البحر والعمل عَلَيْهِ وَرَأَيْته أَنَا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ لَكِنَّهُ جَعَلَ التَّكْبِيرَ أَوَّلًا مَرَّتَيْنِ
* (فَرْعٌ)
فِي مذاهب العلماء في الكتبير خَلْفَ النَّوَافِلِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ والثوري واحمد واسحق وَدَاوُد لَا يُكَبِّرُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ فَلَمْ يُشْرَعْ كالاذان والاذان وَدَلِيلُنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ الصَّلَاةِ وَالْفَرْضُ وَالنَّفَلُ فِي الشِّعَارِ سَوَاءٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي ابْتِدَاءِ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْأَضْحَى
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَأَنَّ الْمُخْتَارَ كَوْنُهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى عصر آخر
التَّشْرِيقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ التَّكْبِيرَ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى الْعَصْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ عن عمر بن الخطاب وعلي أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ إلَى ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ وَعَنْ يَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ قَالَ يُكَبِّرُ مِنْ الظُّهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى الظُّهْرِ مِنْ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ النَّحْرِ إلَى صُبْحِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ سعيد بن جببر وَرِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
وَالزُّهْرِيِّ مِنْ ظُهْرِ يَوْمَ عَرَفَةَ إلَى عَصْرِ آخِرِ التَّشْرِيقِ وَعَنْ الْحَسَنِ مِنْ الظُّهْرِ إلَى ظُهْرِ الْيَوْمِ الثَّانِي في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ مَنْ صَلَّى مُنْفَرِدًا
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسَنُّ التَّكْبِيرُ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ لَا يُكَبِّرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ النِّسَاءِ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ خَلْفَ الصَّلَوَاتِ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ لَهُنَّ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَعَنْ الثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرْنَ وَاسْتَحْسَنَهُ أَحْمَدُ
* (فَرْعٌ)
فِي الْمُسَافِرِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكَبِّرُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي صِفَةِ التَّكْبِيرِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَبِّرَ ثَلَاثًا نَسَقًا اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ: وَبِهِ قَالَ مالك وحكي ابن المنذر عن عمرو ابن مَسْعُودٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَالَ وَبِهِ قال الثوري وابو حنيفة ومحمد واحمد واسحق وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الله اكبر كبير الله كبيرا الله كَبِيرًا اللَّهُ أَكْبَرُ وَأَجَلُّ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شئ قدير وقال الحكم وحماد ليس فيه شئ مُؤَقَّتٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ
* هُوَ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا حَكَاهُ الشَّيْخُ
أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ إلَّا أَنْ يُكَبَّرَ إمَامُهُ وَحَكَى السَّاجِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ مُطْلَقًا وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَدَاوُد أَنَّهُمْ قَالُوا التَّكْبِيرُ فِي عِيدِ الْفِطْرِ وَاجِبٌ وَفِي الْأَضْحَى مُسْتَحَبٌّ وَأَمَّا أَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ عِيدِ الْفِطْرِ فَهُوَ إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَيْلَةَ الْعِيدِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ وَعُرْوَةَ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ
*
وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ لَا يُكَبِّرُ لَيْلَةَ الْعِيدِ إنَّمَا يُكَبِّرُ عِنْدَ الْغُدُوِّ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَبِهِ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَآخَرُونَ مِنْ الصَّحَابَةِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيُّ وَأَبُو الزِّنَادِ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ محمد والحكم وحماد ومالك واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَحَكَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ النَّاسِ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيَانِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ وَأَلْفَاظِهِ: أَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مَرْفُوعًا مِنْ طَرِيقِينَ ضَعِيفَيْنِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عُمَرَ كَذَا قَالَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ مَوْقُوفًا (وَقَوْلُهُ) يَأْخُذُ طَرِيقَ الْحَدَّادِينَ قِيلَ بِالْحَاءِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَيْ الَّذِينَ يَجِدُونَ الثِّمَارَ (وَقَوْلُهُ) وَأَوَّلُ وَقْتِ تَكْبِيرِ الْفِطْرِ إذَا غَابَتْ الشَّمْسُ مِنْ لَيْلَةِ الْفِطْرِ لِقَوْلِهِ تعالى (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله) واكمال العدة بغروب الشمس هذا الاستدال لَا يَصِحُّ إلَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ الْوَاوُ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ الْبَاطِلِ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَرْتِيبِهَا الْفَوْرُ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهَا لِلْمُصَنِّفِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) قَالَ فِي الْقَدِيمِ يُكَبِّرُ حَتَّى يَنْصَرِفَ الْإِمَامُ يَعْنِي حَتَّى يُسَلِّمَ مِنْ الصَّلَاةِ وَالِانْصِرَافُ مِنْ الصَّلَاةِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِمَعْنَى السَّلَامِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالِانْصِرَافِ فَرَاغُ الْخُطْبَةِ (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ وَقَدْ سَبَقَ إيضَاحُهُ (وَقَوْلُهُ) لانه عيديسن له التكببر المطلق فسن له التكببر الْمُقَيَّدُ كَالْأَضْحَى هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ بِأَنَّ التَّكْبِيرَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ كِلَاهُمَا مَشْرُوعٌ فِي
الْأَضْحَى وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَلْ كُلُّ الْأَصْحَابِ مُصَرِّحُونَ بِاسْتِحْبَابِهِمَا وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا لِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ يُوهِمُ خِلَافَ هَذَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ التَّكْبِيرِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ وَالْمُرْسَلُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَهُوَ الْمُرْسَلُ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لا تختص بِوَقْتٍ (قَوْلُهُ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التَّكْبِيرُ ثَلَاثٌ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْبَيْهَقِيُّ (قَوْلُهُ) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ رَأَيْت الْأَئِمَّةَ يُكَبِّرُونَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ثَلَاثًا هَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ بِتَقْدِيمِ مُحَمَّدٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَهَذَا خَطَأٌ صَرِيحٌ وَسَبْقُ قَلَمٍ أَوْ غَلَطٌ وَقَعَ مِنْ النُّسَّاخِ وَلَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ فِي جَمِيعِ مَوَاضِعِهِ مِنْ الْمُهَذَّبِ مِنْهَا (الْفَصْلُ الْأَوَّلُ) مِنْ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَأَوَّلُ النِّكَاحِ وَأَوَّلُ الْجِنَايَاتِ وَمَوَاضِعُ كَثِيرَةٌ مِنْ كِتَابِ الدِّيَاتِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهما فِي التَّكْبِيرِ مِنْ صُبْحِ عَرَفَةَ فَسَبَقَ بَيَانُهُ لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ جَعَلَهُ مِنْ رِوَايَةِ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَّارٌ وَعَلِيٌّ كَمَا سَبَقَ (قَوْلُهُ) لِأَنَّ التَّكْبِيرَ يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَا يُفْعَلُ فِي غَيْرِهَا هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْمَسْأَلَةِ بِنَفْسِ الْحُكْمِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ التَّكْبِيرَ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْعِيدَيْنِ
(إحْدَاهَا) قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ إحْيَاءُ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ بِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الطَّاعَاتِ (وَاحْتَجَّ) لَهُ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ أَحْيَا لَيْلَتَيْ الْعِيدِ لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ " مَنْ قَامَ لَيْلَتَيْ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ تَعَالَى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ حِينَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ " رَوَاهُ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَوْقُوفًا وَرُوِيَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ وَمَرْفُوعًا كَمَا سَبَقَ وَأَسَانِيدُ الْجَمِيعِ ضَعِيفَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَبَلَغَنَا أَنَّهُ كَانَ
يُقَالُ إنَّ الدُّعَاءَ يُسْتَجَابُ فِي خَمْسِ لَيَالٍ فِي لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةِ الْأَضْحَى وَلَيْلَةِ الْفِطْرِ وَأَوَّلِ لَيْلَةٍ فِي رَجَبٍ وَلَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ رَأَيْت مَشْيَخَةً مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَظْهَرُونَ عَلَى مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْعِيدَيْنِ فَيَدْعُونَ وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى تَذْهَبَ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَبَلَغَنَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُحْيِي لَيْلَةَ النَّحْرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَنَا أَسْتَحِبُّ كُلَّ مَا حَكَيْت فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَحَبَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْإِحْيَاءَ الْمَذْكُورَ مَعَ أَنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ لِمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ أَنَّ أَحَادِيثَ الْفَضَائِلِ يُتَسَامَحُ فِيهَا وَيُعْمَلُ عَلَى وَفْقِ ضَعِيفِهَا وَالصَّحِيحُ أَنَّ فَضِيلَةَ هَذَا الْإِحْيَاءِ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِمُعْظَمِ اللَّيْلِ وَقِيلَ تَحْصُلُ بِسَاعَةٍ وَيُؤَيِّدُهُ مَا سَبَقَ فِي نَقْلِ الشَّافِعِيِّ عَنْ مشيخة المدنية وَنَقَلَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ إحْيَاءَ لَيْلَةِ الْعِيدِ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ وَيَعْزِمَ أَنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
يُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَكَسَفَ الْقَمَرُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَالسِّينِ وَكُسِفَا - بِضَمِّ الْكَافِ وَكَسْرِ السِّينِ وَانْكَسَفَا وَخَسَفَا وَخُسِفَا وَانْخَسَفَا كَذَلِكَ فَهَذِهِ سِتُّ لُغَاتٍ فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَيُقَالُ كَسَفَتْ الشَّمْسُ وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَقِيلَ الْكُسُوفُ أَوَّلُهُ وَالْخُسُوفُ آخِرُهُ فِيهِمَا فَهَذِهِ ثَمَانُ لُغَاتٍ وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَاتُ السِّتُّ فِي الصَّحِيحَيْنِ (وَالْأَصَحُّ) الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُمَا مُسْتَعْمَلَانِ فِيهِمَا وَالْأَشْهَرُ فِي أَلْسِنَةِ الْفُقَهَاءِ تَخْصِيصُ الْكُسُوفِ بِالشَّمْسِ وَالْخُسُوفِ بِالْقَمَرِ وَادَّعَى الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ أَنَّهُ أَفْصَحُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَكْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ وَلَكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَقُومُوا وَصَلُّوا "} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو مُوسَى وَجَابِرٌ وَأَبُو مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ وأبو بكرة
وَالْمُغِيرَةُ وَعَائِشَةُ رضي الله عنهم
* وَصَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُصَلَّى لِخُسُوفِ الْقَمَرِ فُرَادَى وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ كَسَائِرِ النَّوَافِلِ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ في التسوية بين الكسوفين * قال المصنف رحمه الله
* {والسنة أن يغتسل لها لانها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فسن لها الغسل كصلاة الجمعة والسنة أن يصلي حيث يصلى الجمعة لان النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " صَلَاةٌ فِي المسجد " ولانه يتفق في وقت لا يمكن قصد المصلي فيه وربما ينجلى قبل أن يبلغ الي المصلي فتفوت فكان الجامع أولي والسنة ان يدعي لها " الصلاة جامعة " لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فأمر رجلا أن ينادى الصلاة جامعة "} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَأَبِي مُوسَى وَغَيْرِهِمَا (وَقَوْلُهُ) شُرِعَ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ اُحْتُرِزَ عَنْ الصَّلَوَاتِ
الخمس: والغسل لَهَا سُنَّةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَدْخُلُ وَقْتُهُ بِأَوَّلِ الْكُسُوفِ وَيُسَنُّ فِي الْجَامِعِ وَيُسَنُّ أَنْ يُنَادَى لَهَا الصَّلَاةَ جَامِعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلَّى فِي جَمَاعَةٍ وَيَجُوزُ فِي مَوَاضِعَ من
الْبَلَدِ وَتُسَنُّ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمُنْفَرِدِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ بَابِ صَلَاةِ الْعِيدِ فِي قِيَاسِ صَلَاةِ الْعِيدِ لِلْمُنْفَرِدِ وَحَكَى الرافعي وجها انه يشترط بصحتها الْجَمَاعَةُ وَوَجْهًا أَنَّهَا لَا تُقَامُ إلَّا فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَتَوَقَّفُ صِحَّتُهَا عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ وَلَا إذْنِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِهِمْ جَمَاعَةً خَرَجَ النَّاسُ مَعَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ طَلَبُوا إمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا صَلُّوا فُرَادَى فَإِنْ خَافُوا الْإِمَامَ لَوْ صَلُّوا عَلَانِيَةً صَلُّوهَا سِرًّا وَبِهَذَا قال مالك وأحمد واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمُحَمَّدٌ إذَا لَمْ يُصَلِّ الْإِمَامُ صلوا فرادى * قال المصنف رحمه الله
* {وهى رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وسجودان والسنة أن يقرأ في القيام الاول بعد الفاتحة سورة البقرة أو قدرها ثم يركع ويسبح بقدر مائة آية ثم يرفع ويقرأ فاتحة الكتاب وبقدر مائتي آية ثم يركع ويسبح بقدر سبعين آية ثم يسجد كما يسجد في غيرها وقال أبو العباس يطيل السجود كما يطيل الركوع وليس بشئ لان الشافعي لم يذكر ذلك ولا نقل ذلك في خبر ولو كان قد أطال لنقل كما نقل في القراءة والركوع ثم يصلي الركعة الثانية فيقرأ بعد الفاتحة قدر مائة وخمسين آية ثم يركع بقدر سبعين آية ثم يرفع ويقرأ بعد الفاتحة بقدر مائة آية ثم يركع بقدر خمسين آية ثم يسجد والدليل عليه ما روى ابن عباس قال " كسفت الشمس فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا نحوا من سورة البقرة ثم ركع ركوعا طويلا ثم قام فقام قياما طويلا وهو دون القيام الاول ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الاول ثم سجد وانصرف
وقد تجلت الشمس والسنة أن يسر بالقراءة في كسوف الشمس لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال فصلي فقمت الي جانبه فلم أسمع
له قراءة " ولانها صلاة نهار لها نظير بالليل فلم يجهر فيها بالقراءة كالظهر ويجهر في كسوف القمر لانها صلاة ليل لها نظير بالنهار فسن الجهر كالشاء} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ بِمَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ فِيهِ ابْنُ لَهِيعَةَ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَأَصْحَابُنَا فِي الْإِسْرَارِ بِقِرَاءَةِ كُسُوفِ الشَّمْسِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْأَوَّلِ لِقَوْلِهِ " قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ " قَالُوا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ لِأَنَّهُ لَوْ سَمِعَهُ لَمْ يُقَدِّرْهُ بِغَيْرِهِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ سَمُرَةَ قَالَ " صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي كُسُوفٍ لَا نَسْمَعُ لَهُ صَوْتًا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " جَهَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ بِقِرَاءَتِهِ " رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ الصَّحِيحَانِ يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنَّ الْإِسْرَارَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ وَالْجَهْرَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَهَذَا مَذْهَبُنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ نَهَارٍ لَهَا نَظِيرٌ بِاللَّيْلِ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ (وَقَوْلُهُ) صَلَاةُ لَيْلٍ لَهَا نَظِيرٌ بِالنَّهَارِ قَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْوِتْرِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَالَ وَلَا يُقَالُ قَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْوِتْرِ وَلِأَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الثَّالِثَةِ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي الْوِتْرِ
لِأَنَّ مُرَادَهُ إذَا صَلَّاهَا جَمَاعَةً بَعْدَ التَّرَاوِيحِ (وَقَوْلُهُ) وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ قَدْ يُوهِمُ أَنَّهَا أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ لِكَوْنِهِ قَالَ سُجُودَانِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّجُودَ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ سَجْدَتَانِ فَالسُّجُودَانِ أَرْبَعُ سَجَدَاتٍ وَكَانَ الْأَحْسَنُ أَنْ يَقُولَ وَسَجْدَتَانِ وَهَذَا مُرَادُهُ
* اما احكام الفصل فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ صَلَاةِ الْكُسُوفِ أَنْ يُحْرِمَ بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْكُسُوف ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثُمَّ يَرْفَعَ فَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ ثُمَّ يَرْكَعَ ثَانِيًا ثُمَّ يَرْفَعَ وَيَطْمَئِنَّ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ فَهَذِهِ رَكْعَةٌ ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَةً ثَانِيَةً كَذَلِكَ فَهِيَ رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وَقِرَاءَتَانِ وَرُكُوعَانِ وَسُجُودَانِ كَغَيْرِهَا فَلَوْ تَمَادَى الْكُسُوفُ فَهَلْ يَزِيدُ رُكُوعًا ثَالِثًا فَأَكْثَرَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يزيد ثالثا ورابعا وخامسا واكثر حتى يتجلى الْكُسُوفُ قَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ أَصْحَابِنَا
الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ مِنْهُمْ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْخَطَّابِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّبْغِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَإِسْكَانِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَغَيْرُهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ " وَفِي رِوَايَةٍ " فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَةُ رُكُوعَاتٍ " رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ زِيَادَةٌ عَلَى هَذَا وَلَا مَحْمَلَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ إلَّا الْحَمْلَ عَلَى الزِّيَادَةِ لِتَأَدِّي الْكُسُوفِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا لَا يَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى رُكُوعَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَهُوَ ظَاهِرُ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالُوا وَرِوَايَاتُ الرُّكُوعَيْنِ أَشْهَرُ وَأَصَحُّ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا وَقِيَاسُ الصَّلَوَاتِ أَنْ لَا تُقْبَلَ الزِّيَادَةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ كَانَ فِي الْقِيَامِ الْأَوَّلِ فَانْجَلَى الْكُسُوفُ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ وَلَهُ أَنْ يُتِمَّهَا عَلَى هَيْئَتِهَا الْمَشْرُوعَةِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى رُكُوعٍ وَاحِدٍ وَقِيَامٍ وَاحِدٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي جَوَازِ الزِّيَادَةِ لِلتَّمَادِي إنْ جوزناها جاز النقصان بحسب مدة الكسوف والافلا وَلَوْ سَلَّمَ مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَهَلْ لَهُ اسْتِفْتَاحُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ وَجْهَانِ خَرَّجَهُمَا الْأَصْحَابُ عَلَى جَوَازِ زِيَادَةِ الركوع (والصحيح) المنع من والزيادة وَالنَّقْصِ وَمِنْ اسْتِفْتَاحِ الصَّلَاةِ ثَانِيًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) أَكْمَلُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ فَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا ثُمَّ يَأْتِيَ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ التَّعَوُّذِ ثُمَّ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يَقْرَأَ الْبَقَرَةَ أَوْ نَحْوَهَا إنْ لَمْ يُحْسِنْهَا (وَأَمَّا) الْقِيَامُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ وَالرَّابِعُ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّهُ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ قَدْرَ مِائَتَيْ آيَةٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ مِائَةٍ وَخَمْسِينَ مِنْهَا وَفِي الرَّابِعَةِ قَدْرَ مِائَةٍ مِنْهَا
(وَالثَّانِي)
نَصَّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي الْبَابِ السَّابِقِ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي بَعْدَ الْفَاتِحَةِ نَحْوَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَفِي الثَّالِثِ نَحْوَ سُورَةِ النِّسَاءِ وَفِي الرَّابِعِ نَحْوَ الْمَائِدَةِ وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ فِي بَابٍ آخَرَ بعد هذا بنحو (1) كراسين كَنَصِّهِ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ فَأَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ بِنَصِّهِ فِي الْأُمِّ
(1) كذا بالاصل فحرر
وَأَخَذَ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِنَصِّ الْبُوَيْطِيِّ وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ لَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا مُحَقَّقًا بَلْ هُوَ لِلتَّقْرِيبِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّعَوُّذِ فِي ابْتِدَاءِ الْقِرَاءَةِ فِي الْقِيَامِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَالرَّابِعِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَهُمَا الْوَجْهَانِ السابقان في التعذ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ وَأَمَّا قَدْرُ مُكْثِهِ فِي الرُّكُوعِ فَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّهُ فِي الْأُمِّ
وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي) مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي الركوع الاول نحو مائة آبة مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِي قَدْرَ ثُلُثَيْ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ وَفِي الثَّالِثِ قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً مِنْهَا وَفِي الرَّابِعِ قَدْرَ خَمْسِينَ وَنَصَّ فِي الْمَوْضِعِ الْأَوَّلِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ يُسَبِّحُ فِي كُلِّ رُكُوعٍ نَحْوَ قِرَاءَتِهِ (وَأَمَّا) كَلَامُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ اخْتِلَافٌ فِي ضَبْطِهِ فَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى قَدْرَ سَبْعِينَ آيَةً بِالسِّينِ فِي أَوَّلِهِ وَفِي التَّنْبِيهِ تسعين آية بالتاء في اوله وقال الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ قَدْرَ ثَمَانِينَ آيَةً وَقَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي كِتَابِهِ الْكِفَايَةِ خَمْسٌ وَثَمَانُونَ آيَةً وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ الْأَبْهَرِيُّ قَدْرَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَهُوَ غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رحمه الله (وَأَمَّا) السُّجُودُ فَقَدْ أَطْلَقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ يَسْجُدُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا أَنَّهُ يُطَوِّلُهُ أَوْ يُقَصِّرُهُ وَادَّعَى الْمُصَنِّفُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْ تَطْوِيلَهُ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ نَصَّ عَلَى تَطْوِيلِهِ كَمَا سَأَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَغَيْرِهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَشْهَرُهُمَا) فِي الْمُهَذَّبِ لَا يُطَوِّلُ بَلْ يَسْجُدُ كَقَدْرِ السُّجُودِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَجَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ وَمِمَّنْ نَقَلَ الْقَوْلَيْنِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَى تَطْوِيلِهِ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ تَامَّتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي رُكُوعِهِ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي جَمْعِ الْجَوَامِعِ يُقِيمُ فِي كُلِّ سَجْدَةٍ نَحْوًا مِمَّا أَقَامَ فِي
رُكُوعِهِ وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ أَنَّهُ عَلَى قَدْرِ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ واسحق بن راهويه تطويل الجسود كَالرُّكُوعِ وَقَالَ الْبَغَوِيّ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ يُطِيلُ السُّجُودَ فَالسُّجُودُ الْأَوَّلُ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودُ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَقَطَعَ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَحْسَنُ مِنْ الْإِطْلَاقِ الَّذِي فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ فَحَصَلَ أَنَّ الصَّحِيحَ خِلَافُ مَا صَحَّحَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قَالَ بَلْ يُتَّجَهُ أَنْ يُقَالَ لَا قَوْلَ لِلشَّافِعِيِّ غَيْرُ الْقَوْلِ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ لِمَا عُلِمَ مِنْ وَصِيَّتِهِ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ خِلَافَ قَوْلِهِ فَلْيُتْرَكْ قَوْلُهُ وَلْيُعْمَلْ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ الْحَدِيثُ هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِنَقْلِ الْمَذْهَبِ
* وَأَمَّا
الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ بِتَطْوِيلِ السُّجُودِ (فَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي صِفَةِ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فَأَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى بِأَطْوَلِ قِيَامٍ وَرُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأَيْته يَفْعَلُهُ فِي صَلَاتِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ فِي صِفَةِ صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم الْكُسُوفَ قَالَتْ " ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ مَا فَعَلَ فِي الْأُولَى) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " ثُمَّ سَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا " وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهَا فِي الْبُخَارِيِّ " فَسَجَدَ سُجُودًا طَوِيلًا ثُمَّ قَامَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا إلَى أَنْ قَالَتْ ثُمَّ سَجَدَ وَهُوَ دُونَ السُّجُودِ الْأَوَّلِ " وَعَنْ أَبِي سَلَمَةَ ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ " فَرَكَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ وَقَالَتْ عَائِشَةُ " مَا سَجَدْت سُجُودًا قَطُّ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " وَرُكُوعُهُ نَحْوٌ مِنْ سُجُودِهِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ أَسْمَاءَ " ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ سَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ " وَذَكَرَتْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ قَامَ فِي الْكُسُوفِ فَلَمْ يَكَدْ يَرْكَعُ ثُمَّ رَكَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ رَفَعَ فَلَمْ يَكَدْ يَسْجُدُ ثُمَّ سَجَدَ فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثم رفع فلم يكد يسجد ثم سجد فَلَمْ يَكَدْ يَرْفَعُ ثُمَّ فَعَلَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُخْرَى مِثْلَ ذَلِكَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي إسْنَادِهِ عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ وَعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثم رَكَعَ كَأَطْوَلِ مَا رَكَعَ بِنَا قَطُّ ثُمَّ سَجَدَ بِنَا كَأَطْوَلِ مَا سَجَدَ بِنَا فِي صَلَاةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَإِذَا عَرَفْت هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ تَعَيَّنَ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ السُّجُودِ وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ ذَكَرْنَا وَتَابَعَهُمْ عَلَى تَرْجِيحِهِ جَمَاعَةٌ وَيُنْكَرُ عَلَى الْمُصَنِّفِ قَوْلُهُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يَذْكُرْهُ وَقَوْلُهُ لَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ فِي خَبَرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا الِاعْتِدَالُ بَعْدَ الرُّكُوعِ الثَّانِي فَلَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُ بِلَا خِلَافٍ وَهَكَذَا التَّشَهُّدُ وَجُلُوسُهُ لَا يُسْتَحَبُّ تَطْوِيلُهُمَا بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فَنَقَلَ الْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا الِاتِّفَاقَ عَلَى انه لا يطوله وحديث عمرو بن العاصى يقتضى
اسْتِحْبَابَ إطَالَتِهِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا قُلْنَا بِالصَّحِيحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ تَطْوِيلَ السُّجُودِ مُسْتَحَبٌّ فَالْمُخْتَارُ فِي قَدْرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ أَنَّ السُّجُودَ الْأَوَّلَ كَالرُّكُوعِ الْأَوَّلِ وَالسُّجُودَ الثَّانِي كَالرُّكُوعِ الثَّانِي وَنَصَّ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ نَحْوُ الرُّكُوعِ الَّذِي قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ فِي رَفْعِهِ مِنْ كُلِّ رُكُوعٍ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبّنَا لَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْبُوَيْطِيِّ وَالْمُزَنِيُّ وَالْأَصْحَابُ
* (فَرْعٌ)
السُّنَّةُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ وَالْإِسْرَارُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَا ضَمَمْنَاهُ إلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ في الام والمختصر وقال الخطابى الذي يحبئ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يَجْهَرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ كَذَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْخَطَّابِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي كِتَابِ الْخَطَّابِيِّ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ قَالَ وَرَوَيْنَا ذَلِكَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَبِهِ قال احمد واسحق وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي رِوَايَةٍ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُسِرُّ
* وَاحْتَجَّ لِلْجَهْرِ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِمَا سَبَقَ * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى اسْتِحْبَابِ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَهُمَا سُنَّةٌ لَيْسَا شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصِفَتُهُمَا كَخُطْبَتَيْ الْجُمُعَةِ فِي الْأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ وَغَيْرِهِمَا سَوَاءٌ صَلَّاهَا جَمَاعَةٌ فِي مِصْرٍ أَوْ قَرْيَةٍ أَوْ صَلَّاهَا الْمُسَافِرُونَ فِي الصَّحْرَاءِ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ وَلَا يَخْطُبُ مَنْ صَلَّاهَا مُنْفَرِدًا وَيَحُثُّهُمْ فِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ عَلَى التَّوْبَةِ
مِنْ الْمَعَاصِي وَعَلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالصَّدَقَةِ وَالْعَتَاقَةِ وَيُحَذِّرُهُمْ الْغَفْلَةَ وَالِاغْتِرَارَ وَيَأْمُرُهُمْ بِإِكْثَارِ الدُّعَاءِ
وَالِاسْتِغْفَارِ وَالذِّكْرِ فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ فِي خطبته قال الشافعي الْأُمِّ وَيَجْلِسُ قَبْلَ الْخُطْبَةِ الْأُولَى كَمَا فِي الجمعة هذا نصه ويجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ بَعْدَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ وَنَقَلَهُ ابن المنذر عن المجهور
* وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ لَا تُشْرَعُ لَهَا الْخُطْبَةُ
* دَلِيلُنَا الا حاديث الصحيحة * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَمِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةُ أَصْلٍ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا بِخُرُوجِ وَقْتِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَقَالَ الْقَلَعِيُّ هُوَ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْقَدِيمِ أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ الظُّهْرِ وَمِنْ الْمُسَافِرِ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ وَهُوَ فِي صَلَاةٍ نَوَى قَصْرَهَا وَقُلْنَا إنَّ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ الْوَقْتِ قَضَاءٌ إذْ مَنْ فَاتَهُ صَلَاةٌ فِي السَّفَرِ فَقَضَاهَا فِي السَّفَرِ أَتَمَّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ صَلَاةِ الْقَصْرِ
إلَى صَلَاةِ الْإِتْمَامِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله تَفُوتُ صَلَاةُ كُسُوفِ الشَّمْسِ
بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
الِانْجِلَاءُ فَإِذَا انْجَلَتْ جَمِيعُهَا لَمْ يُصَلِّ لِلْحَدِيثِ وَإِنْ انْجَلَى بَعْضُهَا شَرَعَ فِي الصلاة للباقى كما لو لم ينكسف إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ فَإِنَّهُ يُصَلِّي بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ انْجَلَى جَمِيعُ الْكُسُوفِ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ حَالَ دُونَهَا سَحَابٌ وَشَكَّ فِي الِانْجِلَاءِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْكُسُوفِ وَلَوْ كَانَتْ الشَّمْسُ تَحْتَ غَمَامٍ وَشَكَّ هَلْ كَسَفَتْ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْكُسُوفِ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُعْمَلُ فِي الْكُسُوفِ بِقَوْلِ الْمُنَجِّمِينَ (الثَّانِي) أَنْ تَغِيبَ كَاسِفَةً فَلَا يُصَلِّي بَعْدَ الْغُرُوبِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ غَابَتْ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا (وَأَمَّا) صَلَاةُ خُسُوفِ الْقَمَرِ فَتَفُوتُ أَيْضًا بِأَمْرَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
الِانْجِلَاءُ كَمَا سَبَقَ (وَالثَّانِي) طُلُوعُ الشَّمْسِ فَإِذَا طَلَعَتْ وَهُوَ خَاسِفٌ لَمْ يَبْتَدِئْ الصَّلَاةَ فَإِنْ كَانَ فِيهَا أَتَمَّهَا وَلَوْ بَدَأَ خُسُوفُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ لَمْ يُصَلِّ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ غَابَ فِي اللَّيْلِ خَاسِفًا صَلَّى بِالِاتِّفَاقِ لِبَقَاءِ سُلْطَانِهِ كَمَا لَوْ اسْتَتَرَ بِغَمَامٍ صَلَّى وَلَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ خَاسِفٌ أَوْ خَسَفَ بَعْدَ الْفَجْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ يُصَلِّي وَالْقَدِيمُ لَا يُصَلِّي وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ فَعَلَى الْجَدِيدِ لَوْ شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ فَطَلَعَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ فِيهَا لَمْ تَبْطُلْ كَمَا لَوْ انْجَلَى الْكُسُوفُ فِي أَثْنَائِهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُخَفِّفُونَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ فِي هَذَا الْحَالِ لِيَخْرُجُوا مِنْهَا قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنْ طَلَعَتْ وَهُوَ فِيهَا أَتَمَّهَا ثُمَّ فِي مَوْضِعِ الْقَوْلَيْنِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ أَنَّهُمَا فِيمَا إذَا غَابَ خَاسِفًا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالشَّمْسِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَغِبْ وَبَقِيَ خَاسِفًا فَيَجُوزُ الشُّرُوعُ فِي الصَّلَاةِ قَطْعًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْحَالَيْنِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَهُوَ أَيْضًا مُقْتَضَى تَعْلِيلِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا صَلَّيْنَا صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَسَلَّمْنَا مِنْهَا وَالْكُسُوفُ بَاقٍ فَلَا تُسْتَأْنَفُ الصلاة على المذهب وبه قطع الا كثرون ونص عليه في الام وفيه خِلَافٍ سَبَقَ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قال المصنف رحمه الله
*
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ مَا سِوَى الْكُسُوفَيْنِ مِنْ الْآيَاتِ كَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيَاحِ الشَّدِيدَةِ وَنَحْوِهَا لَا تُصَلَّى جَمَاعَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قال الشافعي في الام والمختصر اولا آمُرُ بِصَلَاةِ جَمَاعَةٍ فِي زَلْزَلَةٍ وَلَا ظُلْمَةٍ وَلَا لِصَوَاعِقَ وَلَا رِيحٍ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ كَمَا يُصَلُّونَ مُنْفَرِدِينَ سَائِرَ الصَّلَوَاتِ هَذَا نَصُّهُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَيَدْعُوَ وَيَتَضَرَّعَ لِئَلَّا يَكُونَ غَافِلًا
* وَرَوَى الشَّافِعِيُّ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه صَلَّى فِي زَلْزَلَةٍ جَمَاعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ صَحَّ هَذَا الْحَدِيثُ قُلْت بِهِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلٌ آخَرُ لَهُ فِي الزَّلْزَلَةِ وَحْدَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ عَمَّمَهُ فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ وَهَذَا الْأَثَرُ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَوْ ثَبَتَ قَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَكَذَا مَا جَاءَ عَنْ غَيْرِ عَلِيٍّ رضي الله عنه من نحو هذا والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إذَا اجْتَمَعَ صَلَاتَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ قُدِّمَ مَا يَخَافُ فَوْتُهُ ثُمَّ الْأَوْكَدُ فَإِذَا اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ أَوْ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَخِيفَ فَوْتُ الْعِيدِ أَوْ الْجُمُعَةِ لِضِيقِ الْوَقْتِ قُدِّمَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ لِأَنَّهُمَا أَوْكَدُ مِنْ الْكُسُوفِ وَإِنْ لَمْ يَخَفْ فوتهما فطريقان
(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ يُقَدَّمُ الْكُسُوفُ لانه يخاف فوته (والثاني) حكام الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُقَدِّمُ الجمعة والعيد لتأكد هما قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا وَبَاقِي الْفَرَائِضِ
كَالْجُمُعَةِ وَلَوْ اجْتَمَعَ كُسُوفٌ وَوِتْرٌ أَوْ تَرَاوِيحُ قَدَّمَ الْكُسُوفَ مطلقا لانها أو كد وَأَفْضَلُ وَلَوْ اجْتَمَعَ جِنَازَةٌ وَكُسُوفٌ أَوْ عِيدٌ قَدَّمَ الْجِنَازَةَ لِأَنَّهُ يَخَافُ تَغَيُّرَهَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بَعْدَهَا بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى وَلَا يُشَيِّعُهَا بل يشيعها غيره فان لم يحضر الْجِنَازَةُ أَوْ أُحْضِرَتْ وَلَمْ يَحْضُرْ الْوَلِيُّ أَفْرَدَ الْإِمَامُ جَمَاعَةً يَنْتَظِرُونَهَا وَاشْتَغَلَ هُوَ وَالنَّاسُ بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى
* وَلَوْ حَضَرَتْ جِنَازَةٌ وَجُمُعَةٌ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ قُدِّمَتْ الْجِنَازَةُ بِلَا خِلَافٍ نَصَّ عَلَيْهِ واتفقوا عليه لماذ كرناه وَإِنْ ضَاقَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ قُدِّمَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدِ الْجُوَيْنِيِّ تَقْدِيمَ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهَا بدل
لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا عَنْ وَقْتِهَا عَمْدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْكُسُوفُ وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ أَوْ ضَيِّقٌ صَلَّاهُمَا ثُمَّ خَطَبَ لَهُمَا بَعْدَ الصَّلَاتَيْنِ خُطْبَتَيْنِ يَذْكُرُ فِيهِمَا الْعِيدَ وَالْكُسُوفَ وَلَوْ اجْتَمَعَ جُمُعَةٌ وَكُسُوفٌ وَاقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْجُمُعَةِ خَطَبَ لَهَا ثُمَّ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ لِلْكُسُوفِ وَإِنْ اقْتَضَى الْحَالُ تَقْدِيمَ الْكُسُوفِ بَدَأَ بِهَا ثُمَّ خَطَبَ لِلْجُمُعَةِ خُطْبَتَهَا وَذَكَرَ فِيهِمَا شَأْنَ الْكُسُوفِ وَمَا يُنْدَبُ فِي خُطْبَتَيْهِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعِ خُطَبٍ قال أَصْحَابُنَا وَيَقْصِدُ بِالْخُطْبَتَيْنِ الْجُمُعَةَ خَاصَّةً وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْصِدَ الْجُمُعَةَ وَالْكُسُوفَ مَعًا لِأَنَّهُ تَشْرِيكٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَنَفْلٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ وَالْكُسُوفِ فانه يقصد هما بِالْخُطْبَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا سُنَّتَانِ هَكَذَا قَالُوهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ السُّنَّتَيْنِ إذَا لَمْ تَتَدَاخَلَا لَا يَصِحُّ أن ينوبهما بصلاة واحدة ولهذا لو نوى بر كعتين صَلَاةَ الضُّحَى وَقَضَاءَ سُنَّةِ الصُّبْحِ لَا تَنْعَقِدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ ضَمَّ إلَى فَرْضٍ أَوْ نَفْلٍ نِيَّةَ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهَا تَحْصُلُ ضمنا فلا يضر ذكر ها قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَوْ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَاسْتِسْقَاءٌ وَجِنَازَةٌ يَعْنِي وَالْوَقْتُ مُتَّسِعٌ بَدَأَ بِالْجِنَازَةِ ثُمَّ الْكُسُوفِ ثُمَّ الْعِيدِ ثُمَّ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ خَطَبَ لِلْجَمِيعِ خُطْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَإِذَا بَدَأَ بِالْكُسُوفِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ خَفَّفَهَا فَقَرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِالْفَاتِحَةِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَمَا أَشْبَهَهَا قَالَ فِي الْأُمِّ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ بِمَكَّةَ عِنْدَ رَوَاحِ الْإِمَامِ وَالنَّاسُ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ إلَى مِنًى صَلُّوا الْكُسُوفَ فَإِنْ خَافَ أَنْ تَفُوتَهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ بِمِنًى صَلَّاهَا بِمَكَّةَ قَالَ وَإِنْ كَانَ الْكُسُوفُ
بِعَرَفَةَ عِنْدَ الزَّوَالِ قَدَّمَ الْكُسُوفَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ فَإِنْ خَافَ فَوْتَهُمَا بَدَأَ بِهِمَا ثُمَّ صَلَّى الْكُسُوفَ وَلَمْ يَتْرُكْهُ لِلْوُقُوفِ وَخَفَّفَ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَالْخُطْبَةَ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُوَ فِي الْمَوْقِفِ بَعْدَ الْعَصْرِ
صَلَّى الْكُسُوفَ ثُمَّ خَطَبَ عَلَى بَعِيرِهِ وَدَعَا قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ قَبْلَ الْفَجْرِ بِالْمُزْدَلِفَةِ أَوْ بَعْدَهُ صَلَّى الْكُسُوفَ وَخَطَبَ وَلَوْ حَبَسَهُ ذلك الي طلوع الشمس ويخفف لكيلا يَحْبِسَهُ إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ إنْ قَدِرَ قَالَ وَإِنْ خَسَفَ الْقَمَرُ وَقْتَ صَلَاةِ الْقِيَامِ يَعْنِي التراويح بدأ بصلاة الخسوف
* (فرع)
اعْتَرَضَتْ طَائِفَةٌ عَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ اجْتَمَعَ عِيدٌ وَكُسُوفٌ وَقَالَتْ هَذَا مُحَالٌ لِأَنَّ كُسُوفَ الشَّمْسِ لَا يَقَعُ إلَّا فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ أَوْ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ وَكُسُوفَ الْقَمَرِ لَا يَكُونُ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَا يَكُونُ إلَّا لَيْلَةَ الرَّابِعِ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسِ عَشَرَ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا بِأَجْوِبَةٍ (أَحَدُهَا) أَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى يَزْعُمُهَا الْمُنَجِّمُونَ وَلَا نُسَلِّمُ انْحِصَارَهُ فِيمَا يَقُولُونَ بَلْ نَقُولُ الْكُسُوفُ مُمْكِنٌ فِي غَيْرِ الْيَوْمَيْنِ المذكورين والله علي كل شئ قَدِيرٌ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ مَا قُلْنَاهُ فَقَدْ ثبت في الصحيحين أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ تُوُفِّيَ إبْرَاهِيمُ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَيْنَا فِي كِتَابِ الزُّبَيْرِ بْنِ بِكَارٍ وَسُنَنِ الْبَيْهَقِيّ وغير هما أنه توفى بوم الثُّلَاثَاءِ عَاشِرَ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ سَنَةَ عَشْرٍ من
الْهِجْرَةِ وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا لِأَنَّهُ لَا يُرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي مَوَاضِعَ أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْعَمَلِ بِالضَّعِيفِ فِي غَيْرِ الْأَحْكَامِ وَأُصُولِ الْعَقَائِدِ وَأَيْضًا فَقَدْ نُقِلَ مُتَوَاتِرًا أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما قُتِلَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَغَيْرُهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ رضي الله عنه (الثَّانِي) يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْعِيدِ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ بِأَنْ يَشْهَدَ اثْنَانِ بِنُقْصَانِ رَجَبٍ وَآخَرَانِ بِنُقْصَانِ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ وَكَانَتْ فِي الْحَقِيقَةِ كَامِلَةً فَيَقَعُ الْعِيدُ فِي الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ الَّذِي كُلِّفْنَاهُ (الثَّالِثِ) لَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُمْكِنًا كَانَ تَصْوِيرُ الْفُقَهَاءِ لَهُ حَسَنًا لِلتَّدَرُّبِ بِاسْتِخْرَاجِ الْفُرُوعِ الدَّقِيقَةِ وَتَنْقِيحِ الْأَفْهَامِ كَمَا يُقَالُ فِي مَسَائِلِ الْفَرَائِضِ تَرْكُ مِائَةِ جَدَّةٍ مَعَ أَنَّ هَذَا الْعَدَدَ لَا يَقَعُ فِي الْعَادَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْكُسُوفِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكُسُوفِ لَا أَكْرَهُ لِمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْ النِّسَاءِ لَا للعجوز ولا للصببة شُهُودَ صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ أُحِبُّهَا لهن وَأَحَبُّ إلَيَّ لِذَوَاتِ الْهَيْئَةِ أَنْ يُصَلِّينَهَا فِي بُيُوتِهِنَّ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ وَهُنَاكَ رَجُلٌ مَعَ نِسَاءٍ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ صَلَّى بِهِنَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِنَّ ذَوَاتُ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَرِهْت ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ صَلَّى بِهِنَّ فَلَا بَأْسَ قَالَ فَإِنْ صَلَّى النِّسَاءُ فَلَيْسَ مِنْ شَأْنِهِنَّ الْخُطْبَةُ لَكِنْ لَوْ ذَكَّرَتْهُنَّ إحْدَاهُنَّ كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَتَابَعَهُ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ عِنْدِي
لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ وَلَا لِأَحَدٍ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ فَيُصَلِّيهَا كُلُّ مَنْ وَصَفْت بِإِمَامٍ تَقَدَّمَهُ وَمُنْفَرِدًا إنْ لَمْ يَجِدْ إمَامًا وَيُصَلِّيهَا كَمَا وَصَفْت فِي صَلَاةِ الْإِمَامِ رَكْعَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ رُكُوعَانِ وَكَذَلِكَ خُسُوفُ الْقَمَرِ قَالَ وَإِنْ خَطَبَ الرَّجُلُ الَّذِي وَصَفْت فَذَكَّرَهُمْ لَمْ أَكْرَهْهُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ بِحُرُوفِهِ وَاقْتَصَرَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهَا لِمُسَافِرٍ وَلَا مُقِيمٍ بِإِمَامٍ وَمُنْفَرِدٍ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ يُسْتَشْكَلُ قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ تَرْكُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا لنأكدها لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَمْرِ بِهَا كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ وَكَبِّرُوا وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ " وَفِي رِوَايَةٍ " فَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ " وَكُلُّ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ فِي الصَّحِيحَيْنِ فَأَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَكْرَهُ تَرْكَهَا فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ قَدْ يُوصَفُ بِأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْجَائِزَ يُطْلَقُ عَلَى مُسْتَوَى الطَّرَفَيْنِ وَالْمَكْرُوهَ لَيْسَ كَذَلِكَ وَحَمَلَنَا عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَا وَاجِبَ مِنْ الصَّلَاةِ غَيْرُ الْمَكْتُوبَاتِ الْخَمْسِ وَنُصُوصُ الشَّافِعِيِّ عَلَى ذَلِكَ وَفِي كَلَامِهِ هُنَا مَا يدل عليه فان قوله ولا لاحد جلاز لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِحَالٍ وَهَذِهِ
الْعِبَارَةُ يَدْخُلُ فِيهَا الْعَبْدُ وَالْمُسَافِرُ وَالْمَرْأَةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَا تَلْزَمُهُمْ الْجُمُعَةُ فَكَيْفَ يُظَنُّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ يُوجِبُ
عَلَيْهِمْ صَلَاةَ الْكُسُوفِ وَقَدْ أَوْضَحَ الشَّافِعِيُّ هَذَا فِي الْبُوَيْطِيِّ فَقَالَ فِي الْبَابِ الْأَوَّلِ مِنْ بَابَيْ الْكُسُوفِ يُصَلِّي صَلَاةَ الْكُسُوفِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَفِي كُلِّ حِينٍ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا نَافِلَتَيْنِ وَلَكِنَّهُمَا وَاجِبَانِ وُجُوبَ سُنَّةٍ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي كَوْنِهِمَا سُنَّةً وفى انه أرادتا كيد الامر بهما (وقوله) واجبان وجوب سنة ونحو الحديث الصحيح " غسل الجمعة واجب على مُحْتَلِمٍ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا صَلَّى الرَّجُلُ وَحْدَهُ صَلَاةَ الْكُسُوفِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ صَلَّاهَا كَمَا يَصْنَعُ فِي الْمَكْتُوبَةِ قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ (الرَّابِعَةُ) الْمَسْبُوقُ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الركعة الاولي فقد أدرك كُلَّهَا وَيُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ فَصَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى بِرُكُوعَيْنِ وَقِيَامَيْنِ كَمَا يَأْتِي بِهَا الْإِمَامُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ الثَّانِي مِنْ إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَالْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مدر كالشئ مِنْ الرَّكْعَةِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الِاعْتِدَالَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْهُ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَكُونُ مُدْرِكًا لِلْقَوْمَةِ الَّتِي قَبْلَهُ فَعَلَى هَذَا إذَا أَدْرَكَ الرُّكُوعَ الثَّانِي مِنْ الْأُولَى قَامَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَرَكَعَ وَاعْتَدَلَ وَجَلَسَ وَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ وَلَا يَسْجُدُ لِأَنَّ إدْرَاكَ الرُّكُوعِ إذَا حَصَلَ بِهِ الْقِيَامُ الَّذِي قَبْلَهُ كَانَ حُصُولُ السُّجُودِ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْلَى وَعَلَى الْمَذْهَبِ لَوْ أَدْرَكَهُ فِي القيام الثاني لا يكون مدركا لشئ مِنْ الرَّكْعَةِ أَيْضًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَإِذَا أَدْرَكَ الْمَسْبُوقُ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ وَسَلَّمَ الْإِمَامُ قَامَ وَصَلَّى بَقِيَّتَهَا سَوَاءٌ تَجَلَّى الْكُسُوفُ أَمْ دَامَ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ انْجَلَتْ طَوَّلَهَا كَمَا طَوَّلَهَا
الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَتْ انْجَلَتْ خَفَّفَهَا عَنْ صَلَاةِ الْإِمَامِ (الْخَامِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ حَدَثَ خَوْفٌ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ صَلَاةَ خَوْفٍ كَمَا يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ صَلَاةَ خَوْفٍ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ يصلي صلاة الخسوف صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ بِالْإِيمَاءِ حَيْثُ تَوَجَّهَ رَاكِبًا وماشيا فان أمكنه الخطبة والصلاة خطب والافلا يَضُرُّهُ قَالَ وَإِنْ كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي حَضَرٍ فَغَشِيَ أَهْلَ الْبَلَدِ عَدُوٌّ مَضَوْا إلَى الْعَدُوِّ فَإِنْ أَمْكَنَهُمْ فِي صَلَاةِ الْكُسُوفِ مَا يُمْكِنُهُمْ فِي الْمَكْتُوبَةِ صَلُّوهَا صَلَاةَ الْخَوْفِ
وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ ذَلِكَ صَلُّوهَا صَلَاةَ شِدَّةِ الْخَوْفِ طَالِبِينَ وَمَطْلُوبِينَ هَذَا نَصُّهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ رُكُوعِ الْكُسُوفِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وركوعان وسجدتان وبه قال مالك واحمد واسحق وابو ثور وداود وغير هم وَحَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ هِيَ رَكْعَتَانِ كَالْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حُذَيْفَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا رَكْعَتَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثَةُ رُكُوعَاتٍ وَعَنْ عَلِيٍّ رضى الله عنه خمس ركوعات في كل ركعة وعن اسحق أَنَّهَا تَجُوزُ رُكُوعَانِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ هَذَا وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَكْثَرُ مِنْهُ وَقَالَ الْعَلَاءُ بْنُ زِيَادٍ لَا يَزَالُ يَرْكَعُ وَيَقُومُ وَيُرَاقِبُ الشَّمْسَ حَتَّى تَنْجَلِيَ فَإِذَا انْجَلَتْ سجدتم صَلَّى رَكْعَةً أُخْرَى
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثِ قَبِيصَةَ الْهِلَالِيِّ الصَّحَابِيِّ قَالَ " كَسَفَتْ الشَّمْسُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَخَرَجَ فَزِعًا يَجُرُّ ثَوْبَهُ وَأَنَا مَعَهُ يَوْمَئِذٍ بِالْمَدِينَةِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فَأَطَالَ فِيهِمَا الْقِيَامَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَانْجَلَتْ فَقَالَ إنَّمَا هَذِهِ الْآيَاتُ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهَا فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَصَلُّوا كَأَحْدَثِ صَلَاةٍ صَلَّيْتُمُوهَا مِنْ الْمَكْتُوبَةِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ " كفت الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ
وَيَسْأَلُ عَنْهَا حَتَّى انْجَلَتْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والنسأني بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا بِمِثْلِ مَذْهَبِنَا وَأَجَابُوا عَنْ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ أَحَادِيثَنَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَأَكْثَرُ رُوَاةً (وَالثَّانِي) أَنَّا نحمل أحاديثا علي الا ستحباب وَالْحَدِيثَيْنِ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ هَكَذَا ذَكَرَ هَذَيْنِ الجوابين أبو إسحق المروزي والشيخ أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فَفِيهِ تَصْرِيحٌ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ لَوْ صَلَّاهَا رَكْعَتَيْنِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَنَحْوِهَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ للكسوف وكان تاركا للافضل
*
*
(باب صلاة الاستسقاء)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبَّادٍ عَنْ عَمِّهِ صَحِيحٌ رَوَاهُ هَكَذَا أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَتِهِمَا وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَلَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَعَمُّ عَبَّادٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ الْأَنْصَارِيِّ المارني سَبَقَ بَيَانُهُ فِي صِفَةِ الْوُضُوءِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ
عَائِشَةَ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَقَالَ هُوَ إسْنَادٌ جَيِّدٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ صَحِيحُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا وَيُقَالُ سَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَقِيلَ سَقَى نَاوَلَهُ لِيَشْرَبَ وَأَسْقَيْتُهُ جَعَلْت له سقيا وقحوط الْمَطَرِ - بِضَمِّ الْقَافِ وَالْحَاءِ - امْتِنَاعُهُ وَعَدَمُ نُزُولِهِ وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ بِهِ سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَسْقِيَ عِبَادَهُ عِنْدَ حَاجَتِهِمْ قَالَ فِي الْأُمِّ وأصحابنا والاستسقاء أنواع (ادناها) الداعاء بِلَا صَلَاةٍ وَلَا خَلْفَ صَلَاةٍ فُرَادَى وَمُجْتَمِعِينَ لِذَلِكَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ وَأَحْسَنُهُ مَا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ (النَّوْعُ) الثَّانِي وَهُوَ أَوْسَطُهَا الدُّعَاءُ خَلْفَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَفِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُقِيمُ مُؤَذِّنًا فَيَأْمُرُهُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الدُّعَاءِ فَمَا كَرِهْت مَا صَنَعَ مِنْ ذَلِكَ (النَّوْعُ الثَّالِثُ) أَفْضَلُهَا وَهُوَ الِاسْتِسْقَاءُ بِصَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ وَتَأَهُّبٍ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَيَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ أَهْلُ الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَالْبَوَادِي وَالْمُسَافِرُونَ وَيُسَنُّ لهم جميعا الصلاة والخطبتان ويستحب ذَلِكَ لِلْمُنْفَرِدِ إلَّا الْخُطْبَةَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُشْرَعُ الِاسْتِسْقَاءُ إذَا أَجْدَبَتْ الْأَرْضُ وَانْقَطَعَ الْغَيْثُ أَوْ النَّهْرُ أَوْ الْعُيُونُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ فِي اسْتِسْقَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلَاةِ وَبِالدُّعَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ وَلَمْ يَدْعُ إلَيْهَا حَاجَةٌ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لَمْ يُسْتَسْقَوْا لِعَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ انْقَطَعَتْ الْمِيَاهُ عَنْ طَائِفَةٍ دُونَ طَائِفَةٍ أَوْ أَجْدَبَتْ طَائِفَةٌ وَأَخْصَبَتْ
طَائِفَةٌ اُسْتُحِبَّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَسْتَسْقُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى سَبَبِ الِاسْتِسْقَاءِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ عِنْدَ الْحَاجَةِ فَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَقَدْ أَسَاءَ بِتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَتُقِيمُ الرَّعِيَّةُ الِاسْتِسْقَاءَ لانفسهم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا اراد الامام الخروج للاستسقاء وعظ الناس وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي لان المظالم والمعاصي تمنع القطر والدليل عليه ما روى أبو وائل عن عبد الله قال " إذا بخس المكيال حبس القطر " وقال مجاهد في قوله تعالى (ويلعنهم اللاعنون) قال دواب الارض تلعنهم يقولون يمنع القطر بخطاياهم ويأمرهم بصوم ثلاثة أيام قبل الخروج ويخرج في اليوم الرابع وهم صيام لقوله صلى الله عليه وسلم " دعوة الصائم لا ترد " ويأمرهم بالصدقة لانه ارجأ للاجابة ويستسقى بالخيار من أقرباء رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ عمر رضي الله عنه استسقى بالعباس وقال " اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا اليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل بعم نبينا فاسقنا فيسقون " ويستسقى بأهل الصلاح لما روى أن معاوية استسقى بيزيد بن الاسود فقال " اللهم انا نستسقي بخيرنا وأفضلنا اللهم انا نستسقي بيزيد بن الاسود يا يزيد ارفع يديك إلي الله تعالي فرفع يديه ورفع الناس أيديهم فثارت سحابة من المغرب كأنها ترس وهب لها ريح فسقوا حتي كاد الناس أن لا يبلغوا منازلهم " ويستسقى
بالشيوخ والصبيان لقوله صلى الله عليه وسلم (لولا صبيان رضع وبهائم رتع وعباد لله ركع لصب عليهم العذاب صبا " قال في الام ولا آمر باخراج البهائم وقال أبو اسحق استحب اخراج البهائم لعل الله تعالي يرحمها لما روى ان سليمان صلي الله عليه وسلم " خرج ليستسقى فرأى نملة تستسقى فقال ارجعوا فان الله تعالى سقاكم بغيركم " ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لانهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه فان حضروا وتميزوا لم يمنعوا لانهم جاءوا في طلب الرزق والمستحب أن
يتنظف للاستسقاء بغسل وسواك لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لها الغسل كصلاة الجمعة ولا يستحب أن يتطيب لها لان الطيب للزينة وليس هذا وقت الزينة ويخرج متواضعا متبذلا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم متواضعا متبذلا متخشعا متضرعا " ولا يؤذن لها ولا يقيم لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يستسقى فصلي بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ثم خطبنا " والمستحب أن ينادى لها الصلاة جامعة لانها صلاة يشرع لها الاجتماع والخطبة ولا يسن لها الآذان والاقامة فيسن لها الصلاة جامعة كصلاة الكسوف}
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ لَا تُرَدُّ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَلَفْظُهُ " ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَالْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالْمَظْلُومُ " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَقَالَ " دَعْوَةُ الصَّائِمِ وَالْوَالِدِ وَالْمُسَافِرِ " وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ عُمَرَ بِالْعَبَّاسِ رضي الله عنهما رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَفْعَلُهُ وَحَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ مُعَاوِيَةَ بِيَزِيدَ مَشْهُورٌ وَحَدِيثُ " لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ وَقَالَ إسْنَادُهُ غَيْرُ قَوِيٍّ وَلَفْظُهُ " مَهْلًا عَنْ اللَّهِ مَهْلًا فَإِنَّهُ لَوْلَا شَبَابٌ خُشَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ وَشُيُوخٌ رُكَّعٌ وَأَطْفَالٌ رُضَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا " وَأَمَّا حَدِيثُ اسْتِسْقَاءِ النَّمْلَةِ فَرَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ بِمَعْنَاهُ فَذَكَرَهُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " خَرَجَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَسْتَسْقِي فَإِذَا هُوَ بِنَمْلَةٍ رَافِعَةٍ بَعْضَ قَوَائِمِهَا إلَى السَّمَاءِ فَقَالَ ارْجِعُوا فَقَدْ اُسْتُجِيبَ لَكُمْ مِنْ أَجْلِ شَأْنِ النَّمْلَةِ " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَصَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَقَوْلُهُ) وَعَظَ الْإِمَامُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْوَعْظُ التَّخْوِيفُ وَالْعِظَةُ الِاسْمُ مِنْهُ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُوَ التَّذْكِيرُ بِالْخَيْرِ فِيمَا يَرِقُّ لَهُ الْقَلْبُ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ النُّصْحُ وَالتَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ يُقَالُ وَعَظْتُهُ وَعْظًا وَعِظَةً فَاتَّعَظَ أَيْ قَبِلَ الْمَوْعِظَةَ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ الْوَعْظُ وَالْمَوْعِظَةُ وَالْعِظَةُ سَوَاءٌ (قَوْلُهُ) الْخُرُوجُ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةُ مِنْ الْمَعَاصِي مُرَادُهُ
بِالْمَظَالِمِ حُقُوقُ الْعِبَادِ وَبِالْمَعَاصِي حُقُوقُ اللَّهِ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى أَبُو وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ فَأَبُو وَائِلٍ هُوَ شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ الْأَسَدِيُّ الْكُوفِيُّ وَهُوَ مِنْ فُضَلَاءِ التَّابِعِينَ أَدْرَكَ زَمَنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ولم
يَرَهُ مَاتَ سَنَةَ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ وَعَبْدُ اللَّهِ هو ابن مَسْعُودٍ الصَّحَابِيُّ رضي الله عنه (قَوْلُهُ) وَقَالَ مجاهد الي آخر هَذَا مَنْقُولٌ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ بِإِسْنَادِهِ عن البراء ابن عَازِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَقِيلَ فِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ وهو ان اللاعنين كل شئ مِنْ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ إلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَقِيلَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسُ وَالْجِنُّ وعن قتادة انهم الملائكة وقيل غيره (قوله) يَقُولُونَ يَمْنَعُ الْقَطْرَ كَذَا وَقَعَ فِي النُّسَخِ يَقُولُونَ وَالْأَصْلُ فِي الدَّوَابِّ تَقُولُ لِأَنَّ الْجَمْعَ بِالْوَاوِ وَالنُّونِ مُخْتَصٌّ بِالذُّكُورِ
الْعُقَلَاءِ وَكَأَنَّهَا لَمَّا أُضِيفَ اللَّعْنُ إلَيْهَا كَمَا يُضَافُ إلَى الْعُقَلَاءِ حَسُنَ إجْرَاءُ لَفْظِهِمْ عَلَيْهَا كقوله تعالي (الهم رجل يمشون بها) الْآيَةَ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يسبحون ورأيتهم لى ساجدين) وَنَظَائِرُهُ (قَوْلُهُ) قُحِطْنَا هُوَ - بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - وَالْقَحْطُ الْجُدُوبَةُ وَاحْتِبَاسُ الْمَطَرِ (وَقَوْلُهُ) فَتَسْقِينَا بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَكَذَا قَوْلُهُ فَاسْقِنَا بِوَصْلِ الْهَمْزَةِ وقطعها قوله كَادَ النَّاسُ أَنْ لَا يَبْلُغُوا مَنَازِلَهُمْ كَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ أَنْ لَا يَبْلُغُوا وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ حَذْفُ أَنْ عَكْسُ عَسَى فَإِنَّ الْفَصِيحَ فِيهَا عَسَى زَيْدٌ أَنْ يَقُومَ وَيَجُوزُ عَسَى زَيْدٌ يَقُومُ (قَوْلُهُ) الصِّبْيَان بِكَسْرِ الصاد وضمها - لغتان حكاهما بن دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) الْكَسْرُ وَمِثْلُهُ قُضْبَانٌ وَرِضْوَانٌ قَوْلُهُ شُيُوخٌ رُكَّعٌ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قِيلَ هُوَ جَمْعُ رَاكِعٍ أَيْ الْمُصَلِّي قَالَ وَقِيلَ أَرَادَ بِهِ الشُّيُوخَ الَّذِينَ انحنت ظهور هم مِنْ الشَّيْخُوخَةِ (قَوْلُهُ) مُتَبَذِّلًا أَيْ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ الَّتِي تُلْبَسُ فِي حَالِ الشُّغْلِ وَمُبَاشَرَةِ الْخِدْمَةِ وَتَصَرُّفِ الْإِنْسَانِ فِي بَيْتِهِ وَالتَّخَشُّعُ التَّذَلُّلُ وَالتَّضَرُّعُ وَالْخُضُوعُ فِي الدُّعَاءِ وَإِظْهَارُ الْفَقْرِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُسَنُّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ فَشُرِعَ لَهَا الْغُسْلُ احْتِرَازٌ مِنْ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ
احْتَرَزَ بِقَوْلِهِ يُشْرَعُ لَهَا الِاجْتِمَاعُ عَنْ السُّنَنِ الراتبة (بقوله) وَالْخُطْبَةُ عَنْ الْمَكْتُوبَاتِ وَبِقَوْلِهِ لَا يُسَنُّ لَهَا الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ عَنْ الْجُمُعَةِ (وَقَوْلُهُ) كَصَلَاةِ الْكُسُوفِ إنما قَاسَ عَلَيْهَا دُونَ الْعِيدِ لِأَنَّ الْكُسُوفَ فِيهَا أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ فِي الْعِيدِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ أَصْحَابُنَا أَقَلُّ هَذِهِ الصَّلَاةِ ركعتان كسائر النوافل وأما الا كمل فَلَهَا آدَابٌ مُسْتَحَبَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطًا (أَحَدُهَا) إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ خَطَبَ النَّاسَ وَوَعَظَهُمْ وَذَكَّرَهُمْ وَأَمَرَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي وَمُصَالَحَةِ الْمُتَشَاحِنِينَ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِقْبَالِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فِي الرَّابِعِ وَكُلُّهُمْ صِيَامٌ هَكَذَا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُمْ يَخْرُجُونَ فِي الرَّابِعِ صِيَامًا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مَعَ الشَّافِعِيِّ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمُصَنِّفُ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَؤُلَاءِ لِأَنِّي رَأَيْت مَنْ يَسْتَغْرِبُ النَّقْلَ فِيهَا لِعَدَمِ أُنْسِهِ قَالَ الْأَصْحَابُ والفرق بيه وَبَيْنَ يَوْمِ عَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْوَاقِفِ بِهَا تَرْكُ صَوْمِهِ لِئَلَّا يَضْعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ تَكُونُ أَوَّلَ النَّهَارِ قَبْلَ ظُهُورِ أَثَرِ الصَّوْمِ فِي الضَّعْفِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ فَإِنَّهُ آخِرَ النَّهَارِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَاقِفَ بِعَرَفَاتٍ يَجْتَمِعُ عَلَيْهِ مَشَاقُّ السَّفَرِ وَالشُّعْثُ وَقِلَّةُ التَّرَفُّهِ وَمُعَالَجَةُ وَعْثَاءِ السَّفَرِ فَإِذَا انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ الصَّوْمُ اشْتَدَّ ضَعْفُهُ وَضَعُفَ عَنْ الدُّعَاءِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْقِي فَإِنَّهُ فِي وَطَنِهِ لم ينله شئ مِنْ ذَلِكَ (الْأَدَبُ الثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْتَسْقَى بِالْخِيَارِ مِنْ أَقَارِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِأَهْلِ الصَّلَاحِ مِنْ غَيْرِهِمْ وَبِالشُّيُوخِ وَالضُّعَفَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْعَجَائِزِ وَغَيْرِ ذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَأَيْضًا فَفِي الصحيح أن رسول الله صلي لله عليه وسلم قال " وهل تنصرون
وترزقوا إلَّا بِضُعَفَائِكُمْ " قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَذْكُرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَوْمِ فِي نَفْسِهِ مَا فَعَلَهُ مِنْ الطَّاعَةِ الْجَلِيلَةِ وَيَتَشَفَّعُ بِهِ وَيَتَوَسَّلُ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فِي قِصَّةِ أصحاب الغار الثلاثة الذين
أووا إلي غارفا طبقت عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ فَتَوَسَّلَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَالِحِ عَمَلِهِ فَأَزَالَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِسُؤَالِ كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثًا مِنْ الصَّخْرَةِ وَخَرَجُوا يَمْشُونَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَوْ تَرَكَ سَادَةُ الْعَبِيدِ الْعَبِيدَ يَخْرُجُونَ لِلِاسْتِسْقَاءِ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ قال والاماء مثل الحرائر أحب أن يأذن لِعَجَائِزِهِنَّ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ يَخْرُجْنَ وَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ وَلَا يَجِبُ عَلَى سَادَتِهِنَّ الْإِذْنُ فِي ذَلِكَ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيُنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ وَكِبَارُ النِّسَاءِ وَمَنْ لَا هَيْئَةَ لَهَا مِنْهُنَّ هَذَا نصه واتفق الاصحاب عليه (الثالث) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ هَذَا نَصُّهُ وَلِلْأَصْحَابِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا يُسْتَحَبُّ وَلَا يُكْرَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا النَّصِّ وَبِهِ جَزَمَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ
(والثانى)
يكره اخراجها حكاه صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهَا وَتُوقَفُ مَعْزُولَةً عَنْ النَّاسِ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وهذا الوجه قوله ابى اسحق حَكَاهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ (الرَّابِعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ الْكُفَّارِ وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا أَكْرَهُ مِنْ هَذَا كَرِجَالِهِمْ قَالَ وَلَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ صِبْيَانِهِمْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ بَالِغِيهِمْ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا قَالُوا وَإِنَّمَا خَفَّ أَمْرُ الصِّبْيَانِ لِأَنَّ كُفْرَهُمْ لَيْسَ عِنَادًا بِخِلَافِ الْكِبَارِ هَكَذَا عَلَّلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لِأَنَّ ذَنْبَهُمْ أَخَفُّ وَالْعُلَمَاءُ مُخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِمْ إذَا مَاتُوا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ وَقَالَ الْبَغَوِيّ قَالَ الشَّافِعِيُّ
فِي الْكَبِيرِ يَعْنِي الْجَامِعَ الْكَبِيرَ لَا أَكْرَهُ مِنْ إخْرَاجِ صِبْيَانِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ خُرُوجِ كِبَارِهِمْ لِأَنَّ ذُنُوبَهُمْ أَقَلُّ وَلَكِنْ يُكْرَهُ لِكُفْرِهِمْ وَهَذَا كُلُّهُ يَقْتَضِي أَنَّ أَطْفَالَ الْكُفَّارِ كُفَّارٌ وقد اختلف العلماء فيهم إذا ما توا قَبْلَ بُلُوغِهِمْ (فَقَالَ) الْأَكْثَرُونَ هُمْ فِي النَّارِ وقالت طائفة لا يحكم لهم بجنة ولانار وَلَا نَعْلَمُ حُكْمَهُمْ (وَقَالَ) الْمُحَقِّقُونَ هُمْ فِي الْجَنَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ وَقَدْ أَوْضَحْتُهُ بِدَلَائِلِهِ (والجواب) عما يعارضبا فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وسأذ كره مُخْتَصَرًا فِي هَذَا الشَّرْحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في آخر كتاب الجنائز أوفى كِتَابِ الرِّدَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِخْرَاجُ الْكُفَّارِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ قَالَ فِي الْأُمِّ وَآمُرُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ الْخُرُوجِ قَالَ فَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُمْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ فِي يوم خروج المسلمين اوفي غَيْرِهِ لَا يُمْنَعُونَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) يُمْنَعُونَ مِنْ خُرُوجِهِمْ فِي يَوْمِ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ فِي غَيْرِهِ (الْخَامِسُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَنَظَّفَ لِلِاسْتِسْقَاءِ بِغُسْلٍ وَسِوَاكٍ وَقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَتَطَيَّبَ وَأَنْ لَا يَخْرُجَ فِي زِينَةٍ بَلْ يَخْرُجُ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ - بِكَسْرِ الْبَاءِ - وَهِيَ ثِيَابُ الْمِهْنَةِ وَأَنْ يَخْرُجَ مُتَوَاضِعًا خَاشِعًا مُتَذَلِّلًا مُتَضَرِّعًا ماشيا ولا يركب في شئ من طريق ذهابه الالعذر كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي الْكِتَابِ (السَّادِسُ) لَا يُؤَذِّنُ لَهَا وَلَا يُقِيمُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ (السَّابِعُ) السُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الصَّحْرَاءِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّاهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَلِأَنَّهُ يَحْضُرُهَا غَالِبُ النَّاسِ وَالصِّبْيَانُ وَالْحُيَّضُ وَالْبَهَائِمُ وَغَيْرُهُمْ فَالصَّحْرَاءُ أَوْسَعُ لَهُمْ وَأَرْفَقُ بِهِمْ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
خُرُوجِ أَهْلِ الذِّمَّةِ لِلِاسْتِسْقَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُخْتَلِطِينَ بِالْمُسْلِمِينَ وَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ الْخُرُوجِ مُتَمَيِّزِينَ وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ مَكْحُولٌ لَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِهِمْ وقال اسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ لَا يُؤْمَرُونَ وَلَا يُنْهَوْنَ وَاخْتَارَهُ ابن المنذر * قال المصنف رحمه الله
*
{الشرح} حديث ابن عباس ضعيف رواه الدارقطني بِإِسْنَادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عمر ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ أَرْسَلَنِي مَرْوَانُ فَذَكَرَهُ
وَمُحَمَّدٌ هَذَا ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ سَأَلْت أَبِي عَنْهُ فَقَالَ هُمْ ثَلَاثَةُ إخْوَةٍ مُحَمَّدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ وَعِمْرَانُ بَنُو عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالثَّلَاثَةُ ضُعَفَاءُ لَيْسَ لَهُمْ حَدِيثٌ مُسْتَقِيمٌ وَقَدْ يُقَالُ لَا دَلَالَةَ فِي الْحَدِيثِ لَوْ صَحَّ فَإِنَّهُ
لَيْسَ مُطَابِقًا لِمَا ادَّعَاهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ قَالَ قرأ بسبح وهل اتاك ودعوى المصنف انه يقرأ قاف وافتربت (وجوابه) ان صلاة العيد شرع فيها قاف واقتربت وشرع ايضا سبح وهل أَتَاكَ وَكِلَاهُمَا سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ فَذَكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَحَدَ الْمَشْرُوعَيْنِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَلَمْ يَذْكُرْ سُورَةَ نُوحٍ بِخِلَافِ مَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الوجه الآخر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ والا صحاب صِفَةُ هَذِهِ الصَّلَاةِ أَنْ يَنْوِيَ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ ويكبر ويصليها رَكْعَتَيْنِ مِثْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَيَأْتِيَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ بِدُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ ثُمَّ يُكَبِّرَ سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسَ تَكْبِيرَاتٍ زَائِدَةٍ ثُمَّ يَتَعَوَّذَ ثُمَّ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِنْ السَّبْعِ وَالْخَمْسِ الزَّوَائِدِ كَمَا سَبَقَ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَرْفَعَ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ وَيَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَيَقْرَأَ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سُورَةَ قَافٍ وَفِي الثَّانِيَةِ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ وَجْهًا لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ فِي الْأُولَى قَافٌ وَفِي الثَّانِيَةِ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهِمَا مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قَالَ وَإِنْ قَرَأَ إنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا كَانَ حَسَنًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ عَنْ نَصِّهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ هَذَا يَقْتَضِي أَنْ لَا خِلَافَ فِي الْمَسْأَلَةِ وَأَنَّ كُلًّا سَائِغٌ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْأَفْضَلِ خِلَافُ الْأَصَحِّ أَنَّهُ يَقْرَأُ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ قُلْت اتَّفَقَ
أَصْحَابُنَا الْمُصَنِّفُونَ عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يَقْرَأَ مَا يَقْرَأُ فِي الْعِيدِ وَأَمَّا قَوْلُ صَاحِبِ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ قَرَأَ فِي الثَّانِيَةِ إنا أرسلنا نوحا كَانَ حَسَنًا فَلَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرْنَاهُ لِأَنَّهُ بِلَفْظِ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَمَعْنَى قَوْلِهِ إنَّهُ كَانَ حَسَنًا أَنَّهُ مُسْتَحْسَنٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ لَوْ حَذَفَ التَّكْبِيرَاتِ أَوْ زَادَ فِيهِنَّ أَوْ نَقَصَ مِنْهُنَّ صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ وَلَوْ أَدْرَكَهُ مَسْبُوقٌ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرَاتِ الزَّائِدَةِ أَوْ بَعْدَ فَرَاغِهَا فَهَلْ يَقْضِي الْمَأْمُومُ التَّكْبِيرَاتِ فِيهِ
الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ (الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ) لَا يَقْضِي هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ حُكْمُ التَّكْبِيرَاتِ هُنَا عَلَى مَا سَبَقَ فِي تَكْبِيرَاتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وِفَاقًا وَخِلَافًا
* (فَرْعٌ)
فِي وَقْتِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) وَقْتُهَا وَقْتُ صَلَاةِ الْعِيدِ وَبِهَذَا قَالَ الشيخ ابو حامد الاسفراينى وَصَاحِبُهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَأَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ (والوجه الثاني) اول وقتها أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَيَمْتَدُّ إلَى أَنْ يُصَلِّيَ الْعَصْرَ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَآخَرُونَ وَالثَّالِثُ وَهُوَ الصَّحِيحُ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتٍ بَلْ تَجُوزُ وَتَصِحُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ لَيْلٍ وَنَهَارٍ إلَّا أَوْقَاتَ الْكَرَاهَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ صَاحِبَا الْحَاوِي وَالشَّامِلِ وَصَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَصَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاسْتَصْوَبَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ لَمْ أَرَ التَّخْصِيصَ بِوَقْتٍ لِغَيْرِ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهَا لَا تختص
بِيَوْمٍ فَلَا تَخْتَصُّ كَصَلَاةِ الِاسْتِخَارَةِ وَرَكْعَتَيْ الْإِحْرَامِ وَغَيْرِهِمَا وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهَا بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَجْهٌ أَصْلًا فَلَا يُغْتَرُّ بِوُجُودِهِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي اضفته إلَيْهَا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ وَلِنَصِّ الشَّافِعِيِّ وَلِأَكْثَرِ الْأَصْحَابِ (فَإِنْ قِيلَ) فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ كَيْفَ صَلَاةُ الِاسْتِسْقَاءِ قَبْلَ الزَّوَالِ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَقَبْلَ الْعَصْرِ هَذَا نَصُّهُ وَظَاهِرُهُ مُخَالِفٌ لِلْأَصَحِّ (وَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِوَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُصَلِّيهَا بَعْدَ الظُّهْرِ وَلَا يُصَلِّيهَا بَعْدَ الْعَصْرِ لِأَنَّهُ وَقْتُ كَرَاهَةِ الصَّلَاةِ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ صَلَاةَ الِاسْتِسْقَاءِ لَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ النَّهْيِ عَلَى الْأَصَحِّ فَنَصُّهُ مُوَافِقٌ لِلصَّحِيحِ وَهُوَ أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بوقت أصلا
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{والسنة أن يخطب لها بعد الصلاة لحديث أبى هريرة والمستحب أن يدعوا في الخطبة الاولى فيقول اللهم " اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا طبقا سحا دائما اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين اللهم ان بالعباد والبلاد من اللاواء والجهد والضنك مالا نشكوا الا اليك اللهم أنبت لنا الزرع وأدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء اللهم ارفع عنا الجهدو الجوع والعرى
واكشف عنا مالا يكشفه غيرك اللهم إنا نستغفرك انك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا " والمستحب أن يستقبل القبلة في أثناء الخطبة الثانية ويحول ما علي الايمن إلي الايسر وما علي الايسر إلى الايمن لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " خرج إلى المصلي يستسقى فاستقبل القبلة ودعا وحول رداءه وجعل الايمن على الايسر والايسر علي الايمين " فان كان الرداء مربعا نكسه فجعل أعلاه أسفله وأسفله أعلاه وان كان مدورا اقتصر على التحويل لِمَا رَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " استسقي وعليه وخميصه له سوادء فأراد أن يأخذ بأسفلها
فيجعله أعلاها فلما ثقلت عليه قلبها علي عاتقه " ويستحب للناس أن يفعلوا مثل ذلك لما رُوِيَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حول رداءه وقلبه ظهر البطن وحول الناس معه " قال الشافعي وإذا حولوا ارديتهم تركوها؟ محولة لينزعوها مع الثياب لانه لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم غيرها بعد التحويل ويستحب أن يدعو في الخطبة الثانية سرا ليجمع في الدعاء بين الجهر والاسرار ليكون أبلغ ولهذا قال الله تعالي (انى أعلنت لهم وأسررت لهم أسرارا) ويستحب أن يرفع اليد في الدعاء لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ لَا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستسقاء فانه كان يرفع يديه حتى يرى بياض ابطيه "
* ويستحب أن يكثر في الاستغفار من قوله تعالي (واستغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا) لما روى الشعبى أن عمر رضى الله عنه " خرج يستسقى فصعد المنبر فقال " استغفروا ربكم انه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم أنهارا استغفروا ربكم انه كان غفارا ثم نزل فقيل يا أمير المؤمنين لو استسقيت فقال لقد طلبت بمجاديح السماء التى يستنزل بها القطر "}
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إلَى قَوْلِهِ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَأَمَّا تَمَامُهُ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ حَدِيثُ الْخَمِيصَةِ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ أَوْ حَسَنَةٍ قَالَ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَحَدِيثُهُ الْآخَرُ وَقَوْلُهُ وَحَوَّلَ النَّاسُ مَعَهُ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ
* وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ومسلم وَحَدِيثُ الشَّعْبِيِّ عَنْ عُمَرَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا إلَى آخِرِهِ فَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَهُ إلَى آخِرِهِ (وَقَوْلُهُ) اللَّهُمَّ اسْقِنَا يَجُوزُ وَصْلُ الْهَمْزَةِ وَقَطْعُهَا كَمَا سَبَقَ (وَقَوْلُهُ) غَيْثًا هُوَ الْمَطَرُ (قَوْلُهُ) مُغِيثًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ - وَهُوَ الَّذِي يُغِيثُ الْخَلْقَ فَيَرْوِيهِمْ وَيُشْبِعُهُمْ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ مُنْقِذًا لَنَا مِمَّا اسْتَسْقَيْنَا مِنْهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ غَاثَ الْغَيْثُ الْأَرْضَ أَيْ أَصَابَهَا وَغَاثَ اللَّهُ الْبِلَادَ أَيْ أَصَابَهَا بِهِ يَغِيثُهَا بِفَتْحِ الْيَاءِ غَيْثًا وَغِيثَتْ الْأَرْضُ تغاث غيثا فهي مغيثة ومغيوثة هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَالُ غَاثَ اللَّهُ النَّاسَ وَالْأَرْضَ يَغِيثُهُمْ بِفَتْحِ الْيَاءِ ثُلَاثِيٌّ أَيْ أَنْزَلَ الْمَطَرَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " بِالْأَلِفِ رُبَاعِيٌّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ هُوَ مِنْ الْإِغَاثَةِ بِمَعْنَى الْمَعُونَةِ وَلَيْسَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ إنَّمَا يُقَالُ فِي طَلَبِ الْغَيْثِ غِثْنَا قَالَ الْقَاضِي
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ طَلَبِ الْغَيْثِ أَيْ هَبْ لَنَا غَيْثًا أَوْ اُرْزُقْنَا غَيْثًا كَمَا يُقَالُ سَقَاهُ اللَّهُ وَأَسْقَاهُ أَيْ جَعَلَ لَهُ سَقْيًا عَلَى لُغَةِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ) هَنِيئًا هُوَ الَّذِي لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا تَعَبَ وَقِيلَ هُوَ الطَّيِّبُ الَّذِي لَا يَنْقُصُهُ شئ قَوْلُهُ مَرِيئًا مَهْمُوزٌ هُوَ الْمَحْمُودُ الْعَاقِبَةِ مُسَمِّنًا للحيوان منمياله (قَوْلُهُ) مَرِيعًا ضَبَطْنَاهُ فِي الْمُهَذَّبِ - بِفَتْحِ الْمِيمَ وَكَسْرِ الرَّاءِ - وَبَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ تَحْتُ سَاكِنَةٌ وَهُوَ مِنْ الْمَرَاعَةِ وَهِيَ الْخِصْبُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ
الْمَرِيعُ ذوالمراعة وَأَمْرَعَتْ الْأَرْضُ أَخْصَبَتْ وَقِيلَ الْمَرِيعُ الَّذِي يُمْرِعُ الْأَرْضَ أَيْ تُنْبِتُ عَلَيْهِ وَرَوَى مُرْبِعًا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَرُوِيَ مُرْتِعًا مِثْلُهُ إلَّا أَنَّهُ بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَهُمَا بِمَعْنَى الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ) غَدَقًا هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الْكَثِيرُ الْمَاءِ وَالْخَيْرِ وقيل الذى قطره كبار (قوله) مجللا هو بِكَسْرِ اللَّامِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ الَّذِي يُجَلِّلُ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ نَفْعُهُ وَيَتَغَشَّاهُمْ خَيْرُهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يجلل الارض أي يَعُمَّهَا كَجُلِّ الْفَرَسِ (قَوْلُهُ) طَبَقًا - بِفَتْحِ الطَّاءِ والباء - قال الازهرى هو الَّذِي يُطْبِقُ الْبِلَادَ مَطَرُهُ فَيَصِيرُ كَالطَّبَقِ عَلَيْهَا وَفِيهِ مُبَالَغَةٌ وَوَقَعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِيمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ عَامًّا طبقا قَالُوا بَدَأَ بِالْعَامِّ ثُمَّ أَتْبَعَهُ الطَّبَقَ لِأَنَّهُ صِفَةُ زِيَادَةٍ فِي الْعَامِّ فَقَدْ يَكُونُ عَامًّا وَهُوَ طَلٌّ يَسِيرٌ (قَوْله) سَحًّا هُوَ شَدِيدُ الْوَقْعِ عَلَى الْأَرْضِ يُقَالُ سَحَّ الْمَاءُ يَسُحُّ - بِضَمِّ السِّينِ - فِي الْمُضَارِعِ إذَا سَالَ مِنْ فَوْقُ إلَى أَسْفَلَ وَسَاحَ يَسِيحُ إذَا جَرَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ وَالْقُنُوطُ الْيَأْسُ (اللَّأْوَاءُ) بِالْهَمْزِ وَالْمَدِّ شِدَّةُ الْمَجَاعَةِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ الْجَهْدُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - وَقِيلَ يَجُوزُ ضَمُّهَا قِلَّةُ الْخَيْرِ وَالْهُزَالُ وَسُوءُ الْحَالِ وَأَرْض جِهَادٌ أَيْ لَا تُنْبِتُ شيئا (الضنك) الضيق مالا نشكوا إلَّا إلَيْك بِالنُّونِ وَبَرَكَاتُ السَّمَاءِ كَثْرَةُ مَطَرِهَا مَعَ الرِّيعِ وَالنَّمَاءِ وَبَرَكَاتُ الْأَرْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ زَرْعٍ وَمَرْعًى وَلَمْ
يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هُنَا بَرَكَاتِ الْأَرْضِ وَذَكَرَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَهُوَ فِي الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ) فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَفِي الْحَدِيثِ وَفِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ فَأَرْسِلْ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَالسَّمَاءُ هُنَا السَّحَابُ وَجَمْعُهَا سُمِيٌّ وَأَسْمِيَةٌ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُ فِي تَفْسِيرِهِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالسَّمَاءِ هُنَا الْمَطَرَ أَوْ السَّحَابَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّمَاءَ الْمُظِلَّةَ لِأَنَّ الْمَطَرَ يَنْزِلُ مِنْهَا إلَى السَّحَابِ وَالْمِدْرَارُ الْكَثِيرُ الدَّرِّ وَالْقَطْرِ قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ غَيْثًا مُغِيثًا (قَوْلُهُ) فَإِنْ كَانَ الرداء مربعا نكس هُوَ بِتَخْفِيفِ الْكَافِ هَذِهِ اللُّغَةُ الْمَشْهُورَةُ وَيَجُوزُ بتشديدها ومن الاول قوله تعالي (ناكسوارء وسهم) وَقُرِئَ قَوْله تَعَالَى (نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ) بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ وَالْخَمِيصَةُ كِسَاءٌ أَسْوَدُ لَهُ عَلَمَانِ فِي طرفبه وَهَذَا مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ الْحِجَازِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كِسَاءٌ مُرَبَّعٌ وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَخَزٍّ وَقِيلَ كِسَاءٌ رَقِيقٌ أَصْفَرُ أَوْ أَحْمَرُ أَوْ أَسْوَدُ وَهَذَا يُوَافِقُ مُقْتَضَى
هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ قَوْلَهُ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ يَقْتَضِي أَنَّهَا قَدْ تَكُونُ غَيْرَ سَوْدَاءَ (وَقَوْلُهُ) بِمَجَادِيحِ وَاحِدُهَا مِجْدَحٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ وَفَتْحِ الدَّالِ - وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ يَجُوزُ كَسْرُ الْمِيمِ وَضَمُّهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِجْدَحُ كُلُّ نَجْمٍ كَانَتْ الْعَرَبُ تَقُولُ يُمْطَرُ بِهِ فَأَخْبَرَ عُمَرُ رضي الله عنه أَنَّ الِاسْتِغْفَارَ هُوَ الْمَجَادِيحُ الْحَقِيقِيَّةُ الَّتِي يُسْتَنْزَلُ بِهَا الْقَطْرُ لَا الْأَنْوَاءُ وَإِنَّمَا قَصَدَ التَّشْبِيهَ وَقِيلَ مَجَادِيحُهَا مَفَاتِيحُهَا وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ بِمَفَاتِيحِ السَّمَاءِ (وَقَوْلُهُ) كَانَ لا يرفع يده في شئ من الدعاء الا عند الاستقاء وَقَدْ ثَبَتَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " رَفْعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ
وَهِيَ قَرِيبٌ مِنْ ثَلَاثِينَ حَدِيثًا سَبَقَ ذِكْرُ أَكْثَرِهَا فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ وَحِينَئِذٍ يَتَعَيَّنُ تَأْوِيلُ حَدِيثِ أَنَسٍ هَذَا وَفِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مُرَادَ أَنَسٍ لَمْ أَرَهُ يَرْفَعُ وَقَدْ رَآهُ غَيْرُهُ يَرْفَعُ وَالزِّيَادَةُ مِنْ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ وَالْإِثْبَاتُ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّفْيِ
(وَالثَّانِي)
مَعْنَاهُ لَمْ يَرْفَعْ كَمَا يَرْفَعُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ فِيهِ رَفْعًا بَلِيغًا وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " أَشَارَ بِظُهُورِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُسْتَحَبُّ أَنْ يَخْطُبَ بَعْدَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ أَرْكَانُهُمَا وَشُرُوطُهُمَا وهيآتهما كَمَا سَبَقَ فِي الْعِيدِ وَفِي اسْتِحْبَابِ الْجُلُوسِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْعِيدِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ اسْتِحْبَابُهُ لَكِنْ يُخَالِفُهَا فِي ثَلَاثَةِ أشياء (أحداها) يستحب ان يبدل التكببرات الْمَشْرُوعَةَ فِي أَوَّلِ خُطْبَتَيْ الْعِيدِ بِالِاسْتِغْفَارِ فَيَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى فِي افْتِتَاحِ الْأُولَى تِسْعَ مَرَّاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ سَبْعًا وَلَا يُكَبِّرَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَقُولُ " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " وَيَخْتِمُ كَلَامَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي الْخُطْبَةِ
وَمِنْ قَوْله تَعَالَى (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غفار) الْآيَةَ وَذَكَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ وَحَكَاهُ عَنْهُ أَيْضًا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا يَخْطُبُ فِي صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ اللَّهَ فِيهِمَا وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ هَذَا نَصُّهُ
وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالِاسْتِغْفَارِ وَالْمَشْهُورُ اسْتِحْبَابُ الِاسْتِغْفَارِ تِسْعًا فِي افْتِتَاحِ الْخُطْبَةِ الْأُولَى وَسَبْعًا فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طرقهم (الثاني) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى بِهَذَا الدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَإِنْ عَدَلَ إلَى دُعَاءٍ غَيْرِهِ جَازَ لَكِنَّ هَذَا أَفْضَلُ وَمِنْ الدُّعَاءِ الْمُسْتَحَبِّ مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا نَافِعًا غَيْرَ ضَارٍّ عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ اللَّهُمَّ اسْقِ عِبَادَك وَبَهَائِمَك وَانْشُرْ رَحْمَتَك وَأَحْيِ بَلَدَك الْمَيِّتَ اللَّهُمَّ أَنْتَ اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ الْغَنِيُّ وَنَحْنُ الْفُقَرَاءُ أَنْزِلْ عَلَيْنَا الْغَيْثَ وَاجْعَلْ مَا أَنْزَلْتَ لَنَا قُوَّةً وَبَلَاغًا إلَى حين "(الثالث) يستحب أن يكن في الخطبة الاولي صدر الثَّانِيَةِ مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ ثُمَّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَيُبَالِغُ فِي الدُّعَاءِ سِرًّا وَجَهْرًا وَإِذَا أَسَرَّ دَعَا النَّاسُ سِرًّا وَإِذَا جَهَرَ أَمَّنُوا وَيَرْفَعُونَ كُلُّهُمْ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " اسْتَسْقَى فَأَشَارَ بِظَهْرِ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ " قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ السُّنَّةُ لِكُلِّ مَنْ دَعَا لِدَفْعِ بَلَاءٍ أَنْ يَجْعَلَ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ وَإِنْ دَعَا لطلب شئ جَعَلَ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلْيَكُنْ مِنْ دُعَائِهِمْ
فِي هَذِهِ الْحَالَةِ " اللَّهُمَّ أَنْتَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ اُمْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا وَإِجَابَتِك فِي سُقْيَانَا وَسَعَةِ رِزْقِنَا " فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَحَثَّهُمْ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَعَا لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَقَرَأَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ آيَتَيْنِ ويقول استغفر الله لي ولكم هذا لفط الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُكْثِرُ مِنْ الِاسْتِغْفَارِ ومن قول (استغفروا ربكم انه كان عفارا يرسل السماء عليكم مدرارا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لكم انهارا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ اسْتَسْقَى " فَكَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ يَبْدَأُ بِهِ دُعَاءَهُ وَيَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ كَلَامِهِ وَيَخْتِمُ بِهِ وَيَكُونُ هُوَ أَكْثَرَ كَلَامِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْكَلَامُ قُلْت وَيُكْثِرُ مِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ الثَّابِتِ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُهُ عِنْدَ الْكَرْبِ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ " وَيُسْتَحَبُّ أَيْضًا (اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ عِنْدَ تَحَوُّلِهِ فِي صَدْرِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ إلَى الْقِبْلَةِ أَنْ يُحَوِّلَ رِدَاءَهُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَنْكُسَهُ مَعَ التَّحْوِيلِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إنْ كَانَ مُدَوَّرًا وَيُقَالُ لَهُ الْمُقَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ لَمْ يُسْتَحَبَّ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّحْوِيلِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ مُرَبَّعًا فَفِيهِ قَوْلَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ (الجديد الصحيح)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ نَكْسُهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَالْقَدِيمُ لَا يُسْتَحَبُّ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ يُعْرَفُ مِمَّا سَبَقَ قَالَ الْأَصْحَابُ التَّحْوِيلُ أَنْ يَجْعَلَ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَبِالْعَكْسِ وَالنَّكْسُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَمَتَى جَعَلَ الطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَالطَّرَفَ الْأَسْفَلَ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ حَصَلَ التَّحْوِيلُ وَالنَّكْسُ جَمِيعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ والاصحاب ويفعل الناس بارديتهم كفعل الامام قالوا والحكمة في التحويل والنكس التفاؤل بتغير الحال إلى الخصب والسعة قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَنْزِعُوا الثِّيَابَ وَقَالَ جَمَاعَةٌ يَتْرُكُونَهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بَلْ
يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا مُحَوَّلَةً حَتَّى يَرْجِعُوا إلَى مَنَازِلِهِمْ وَتَبْقَى كَذَلِكَ فِي مَنَازِلِهِمْ حَتَّى يَنْزِعُوا ثِيَابَهُمْ تِلْكَ سَوَاءٌ نَزَعُوهَا أَوَّلَ وُصُولِهِمْ الْمَنَازِلَ أَمْ بعده
*
* قال المصنف رحمه الله
{الشَّرْحُ} فِي هَذَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا اسْتَسْقَوْا بِالصَّلَاةِ فَسُقُوا لَمْ يُشْرَعْ صَلَاةٌ ثَانِيَةٌ وَإِنْ لَمْ يُسْقَوْا اُسْتُحِبَّ أَنْ يَسْتَسْقُوا ثَانِيًا وَثَالِثًا وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا وَهَلْ يَخْرُجُونَ مِنْ
الْغَدِ لِلِاسْتِسْقَاءِ أَمْ يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ وَغَيْرِهِ مَرَّةً أُخْرَى فِيهِ لِلشَّافِعِيِّ نَصَّانِ
(أَحَدُهُمَا)
نَصَّ عَلَيْهِ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْبُوَيْطِيِّ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ وَيُصَلُّونَ وَيَسْتَسْقُونَ وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْأُمِّ يَأْمُرُهُمْ الْإِمَامُ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُخَرَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ وَلَفْظُهُ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ كُلَّمَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا قَبْلَ عَوْدِهِ ثَلَاثًا هَذَا نَصُّهُ فِي الْأُمِّ ذَكَرَهُ فِي بَابِ كَيْفَ يَبْتَدِئُ الِاسْتِسْقَاءَ وَإِنَّمَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَكْثَرِينَ يُضِيفُونَ هَذَا النَّصَّ إلَى الْقَدِيمِ فَقَطْ فَهَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ فِيهِ ثَلَاثَةُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ عَنْ ابى الحسين ابن الْقَطَّانِ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ يَخْرُجُونَ مِنْ الْغَدِ (وَالثَّانِي) يَتَأَهَّبُونَ بِالصِّيَامِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَغَيْرَهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى حَالَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَى النَّاسِ الْخُرُوجُ مِنْ الْغَدِ وَلَمْ يَنْقَطِعُوا عَنْ مَعَايِشِهِمْ خَرَجَ مِنْ الْغَدِ وَإِلَّا أَخَّرَهُ وَتَأَهَّبُوا وَبِهَذَا قَطَعَ الشيخ أبو حامد الاسفراينى وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالطَّرِيقُ الثَّالِثُ)
نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَنْ عَامَّةِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ نَقَلَ الْمُزَنِيّ الْجَوَازَ وَالْقَدِيمُ الِاسْتِحْبَابُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَجَمَاهِيرَ الْأَصْحَابِ قَطَعُوا بِاسْتِحْبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ ثَانِيَةً وَثَالِثَةً وَأَكْثَرَ حَتَّى يُسْقَوْا لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الِاسْتِحْبَابُ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى آكَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُمْ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ إلَّا مَرَّةً وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ مُخَالِفٌ نَصَّ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَالدَّلِيلَ (وَاعْلَمْ) أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ قَالَ لَيْسَ فِي بَابِ الِاسْتِسْقَاءِ مَسْأَلَةٌ فِيهَا قَوْلَانِ غَيْرُ هَذِهِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
مَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ لَيْسَتْ عَلَى قَوْلَيْنِ بَلْ عَلَى حَالَيْنِ كَمَا سَبَقَ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا تَأَهَّبُوا لِلصَّلَاةِ وَالِاسْتِسْقَاءِ فَسُقُوا قَبْل ذَلِكَ اُسْتُحِبَّ لَهُمْ الْخُرُوجُ إلَى مَوْضِعِ الِاسْتِسْقَاءِ لِلْوَعْظِ وَالدُّعَاءِ وَالشُّكْرِ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى
عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ وَطَلَبًا لِلزِّيَادَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ سَوَاءٌ سُقُوا قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا وَتَكُونُ هَذِهِ الصَّلَاةُ
بِصِفَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) لَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَأُجْرِيَ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْقَطِعْ الْمِيَاهُ وَأَرَادُوا الصَّلَاةَ لِلِاسْتِزَادَةِ وَالصَّوَابُ الْجَزْمُ بِالصَّلَاةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا تَغْتَرَّ بِمَا وَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَنَّ الْأَشْهَرَ تَرْكُ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ غَلَطٌ فَاحِشٌ وَسَبْقُ فلم أَوْ غَبَاوَةٌ وَإِلَّا فَكُتُبُ الْأَصْحَابِ مُتَظَاهِرَةٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الصَّلَاةِ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْقَاضِي
أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كُتُبِهِ وَخَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَلَوْ كَانُوا يُمْطَرُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ الْخُرُوجَ بِهِمْ فِيهِ اسْتَسْقَى فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ الي انقطاع المطر * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ الْوَادِي رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ مُنْقَطِعٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلًا وَالْخِصْبُ - بِكَسْرِ الْخَاءِ - وَالْجَدْبُ - بِإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ - وَهُوَ الْقَحْطُ (قَوْلُهُ) اللَّهُمَّ صَيِّبًا هُوَ بفتح الصاد - وبعدها ياء مشاة مِنْ
تَحْتُ مَكْسُورَةٌ ثُمَّ بَاءٌ مُوَحَّدَةٌ - هَكَذَا صَوَابُهُ وَهَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ اللَّهُمَّ صَبًّا بِحَذْفِ الْمُثَنَّاةِ وَبِبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَجْهٌ فَالصَّيِّبُ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَطَرُ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ الصَّيِّبُ الْمَطَرُ الشَّدِيدُ مِنْ قَوْلِهِمْ صَابَ يَصُوبُ إذَا نَزَلَ مِنْ عُلُوٍّ إلى سفل وَقِيلَ الصَّيِّبُ السَّحَابُ وَأَمَّا الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ فَمَعْنَاهُ اللَّهُمَّ صُبَّهُ عَلَيْنَا صَبًّا وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ لِابْنِ مَاجَهْ اللَّهُمَّ سَيْبًا نَافِعًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الدُّعَاءِ وَالسَّيْبُ - بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - وَهُوَ الْعَطَاءُ (وَقَوْلُهُ) يَتَمَطَّرُ يَتَفَعَّلُ مِنْ الْمَطَرِ وَمَعْنَاهُ يَتَطَلَّبُ وَيَتَحَرَّى نُزُولَ الْمَطَرِ عَلَيْهِ بِبُرُوزِهِ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ حَسَرَ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ - وَالسِّينُ مُخَفَّفَةٌ أَيْ كَشَفَ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ أَيْ حَسَرَ بَعْضَ بَدَنِهِ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ عَهْدٍ
بِرَبِّهِ أَيْ بِتَكْوِينِ رَبِّهِ أَوْ تَنْزِيلِهِ وَالْحَدِيثُ الْقَرِيبُ وَقَوْلُهُ رَعْدٌ وَبَرْقٌ وَبَرَدٌ فَالْبَرَدُ هُنَا - بِفَتْحِ الْبَاءِ وَالرَّاءِ - وَهُوَ مَعْرُوفٌ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهُ لِئَلَّا يُصَحَّفَ بِبَرْدٍ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيمَا ذَكَرَهُ مَسَائِلُ إحْدَاهَا يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ فِي الدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الِاسْتِسْقَاءَ ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ هَذَا أَحَدُهَا وَدَلِيلُ هَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِالدُّعَاءِ مِنْ غَيْرِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَكَذَلِكَ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ لِكُلِّ نَازِلَةٍ تَنْزِلُ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَهَكَذَا عِبَارَةُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْخِصْبِ أَنْ يَدْعُوا لِأَهْلِ الْجَدْبِ وَلَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلصَّلَاةِ وظاهر كلامهم أنه لاتشرع الصَّلَاةُ وَقَالَ فِي الْأُمِّ يَسْتَسْقِي أَهْلُ الْخِصْبِ لاهل الجدب (الثالثة) السنة أن يدعوا عند
نُزُولِ الْمَطَرِ بِمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ رِوَايَتَيْ الْبُخَارِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ فَيَقُولَ " اللَّهُمَّ صَيِّبًا هَنِيًّا وَسَيْبًا نَافِعًا " وَيُكَرِّرَهُ الرَّابِعَةُ السُّنَّةُ أَنْ يَكْشِفَ بَعْضَ بَدَنِهِ لِيُصِيبَهُ أَوَّلُ الْمَطَرِ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَالْمُرَادُ أَوَّلُ مَطَرٍ يَقَعُ فِي السَّنَةِ كَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَالَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ
وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ يُسْتَحَبُّ إذَا جَاءَ الْمَطَرُ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ إلَيْهِ وَيَكْشِفَ مَا عَدَا عَوْرَتَهُ لِيُصِيبَهُ مِنْهُ وَلَفْظُ الشافعي في اول مطرة وَكَذَا لَفْظُ الْمَحَامِلِيِّ وَصَاحِبِ الشَّامِلِ وَالْبَاقِينَ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ لِغُلَامِهِ وَقَدْ مُطِرَتْ السَّمَاءُ " أَخْرِجْ فِرَاشِي وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَقِيلَ لَهُ لِمَ تَفْعَلُ هَذَا فَقَالَ أَمَا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي "(الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ إذَا سَالَ الْوَادِي أَنْ يَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَيَغْتَسِلَ فَإِنْ لَمْ يَجْمَعْهُمَا فَلْيَتَوَضَّأْ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِسَامِعِ الرَّعْدِ أَنْ يُسَبِّحَ لِمَا رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ تَرَكَ الْحَدِيثَ وَقَالَ " سُبْحَانَ الَّذِي يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ "
* (فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابِ الِاسْتِسْقَاءِ
(إحْدَاهَا) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَخْطُبُ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلَوْ خَطَبَ قَبْلَهَا صَحَّتْ خُطْبَتُهُ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَكْمَلِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَغَيْرُهُ وَأَشَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إلَى اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ وَحَكَاهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَغَيْرِهِ وحكاه العبدرى عن عبد الله ابن الزُّبَيْرِ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً سِوَى هَؤُلَاءِ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْخُطْبَةِ وَدَلِيلُ جَوَازِ تَقْدِيمِ الْخُطْبَةِ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ القلبلة ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت " شكي النَّاسُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ الْمَطَرِ فَأَمَرَ بِمِنْبَرٍ فَوُضِعَ لَهُ بِالْمُصَلَّى وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَدَا حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَذَكَرَتْ الْخُطْبَةَ وَالدُّعَاءَ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَفَعَ يَدَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ فِي الرَّفْعِ حَتَّى بَدَا بَيَاضُ إبِطَيْهِ ثُمَّ حَوَّلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ وَقَلَبَ أَوْ حَوَّلَ رِدَاءَهُ وَهُوَ رَافِعٌ يَدَيْهِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا تَقْدِيمُ الْخُطْبَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَحْمُولٌ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ إذَا تَرَكَ الامام الاستسقاء لم يتركه الناس قال الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ إذَا كَانَ جَدْبٌ
أَوْ قِلَّةُ مَاءٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ فِي حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أُحِبَّ لِلْإِمَامِ التَّخَلُّفَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنْ تَخَلَّفَ فَقَدْ أَسَاءَ فِي تَخَلُّفِهِ وَتَرْكِهِ السُّنَّةَ وَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ وَقَالَ فِي الْأُمِّ أَيْضًا إذَا خَلَتْ الْأَمْصَارُ مِنْ الْوُلَاةِ قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا قَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه حِينَ ذَهَبَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِيُصْلِحَ بَيْنَ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَقَدَّمُوا عبد الرحمن
ابن عَوْفٍ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ حِينَ تَأَخَّرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِحَاجَتِهِ وَكَانَ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ " وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي الصَّحِيحَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْمَكْتُوبَةِ فَغَيْرُهَا أَوْلَى (الثَّالِثَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْمَطَرِ قَبْلَ الِاسْتِسْقَاءِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ ثُمَّ سُقِيَ النَّاسُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فَيُوَفِّيَ نَذْرَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُمْ وَلَا نَذْرَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكْرِهَهُمْ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ لِيَسْتَسْقِيَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ قال وأحب أن يخررج ممن أطاعه منهم من ولده وغير هم قال فان كان في نذر، أَنْ يَخْطُبَ خَطَبَ وَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَلَهُ أَنْ يَدْعُوَ جَالِسًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِيَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَالِيًا وَلَا مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِالذِّكْرِ طَاعَةٌ قَالَ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ فَلَهُ أَنْ يَخْطُبَ جَالِسًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ لِأَنَّهُ لَا طَاعَةَ فِي رُكُوبِهِ الْمِنْبَرَ وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَذَا الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ قَالَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا وَمَعَهُ نَاسٌ لَمْ يَحْصُلْ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ إلَّا بِالْخُطْبَةِ قَائِمًا لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهَا إذَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا فَإِذَا وَقَفَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ قَائِمًا أَجْزَأَهُ عَنْ نَذْرِهِ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ وَيَسْتَسْقِيَ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَلَوْ اسْتَسْقَى فِي بَيْتِهِ أَجْزَأَهُ هَذَا آخِرُ نَصِّهِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِي هَذَا الْبَابِ لَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَزِمَهُ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ وَيُصَلِّيَ بِهِمْ قَالَ وَلَوْ نَذَرَهُ وَاحِدٌ مِنْ النَّاسِ لَزِمَهُ أَنْ يُصَلِّيَ مُنْفَرِدًا وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِالنَّاسِ لَمْ يَنْعَقِدْ نَذْرُهُ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيعُونَهُ قَالَ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ لَزِمَهُ وَهَلْ لَهُ أَنْ يَخْطُبَ قَاعِدًا مَعَ الْقُدْرَةِ فِيهِ خلاف مبنى على أن النذر يسلك به مَسْلَكَ جَائِزِ الشَّرْعِ أَمْ مَسْلَكَ وَاجِبِهِ (الرَّابِعَةُ) قال الشافعي والاصحاب وإذا كثرت المطار وتضرر الناس بها فالسنة أن يدعى
بِرَفْعِهَا اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُشْرَعُ لِذَلِكَ صَلَاةٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُصَلِّ لِذَلِكَ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أَنَسٍ قَالَ " دَخَلَ رَجُلٌ الْمَسْجِدَ يَوْمَ جُمُعَةٍ
وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وانقطعت السبل فادع الله بغثنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ " اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا " قَالَ أَنَسٌ وَاَللَّهِ وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ مِنْ سَحَابٍ وَلَا قَزَعَةٍ وَلَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ سَلْعٍ يَعْنِي الْجَبَلَ الْمَعْرُوفَ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ مِنْ بَيْتٍ وَلَا دَارٍ فَطَلَعَتْ مِنْ وَرَائِهِ سَحَابَةٌ مِثْلُ التُّرْسِ فَلَمَّا تَوَسَّطَتْ السَّمَاءَ انْتَشَرَتْ ثُمَّ أَمْطَرَتْ فَلَا وَاَللَّهِ مَا رَأَيْنَا الشمس سبتا ثم دخل رجل من ذك الْبَابِ فِي الْجُمُعَةِ الْمُقْبِلَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ الله أن يمسكها عنا فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا اللَّهُمَّ عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ فَانْقَطَعَتْ وَخَرَجْنَا نَمْشِي فِي الشَّمْسِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ فِي أَثْنَاءِ دُعَاءِ الِاسْتِسْقَاءِ لِطَلَبِ الْمَطَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا ولا علينا فمما أَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُقَالُ هَذَا عِنْدَ كَثْرَةِ الْأَمْطَارِ وَحُصُولِ الضَّرَرِ بِهَا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله (الْخَامِسَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصُّبْحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ عَلَى إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فقال هل تدرون ماذا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ قَالَ أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوْكَبِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ إنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي بِلَادِ الْكُفَّارِ الْمُلْحِدِينَ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعِبَادَ قِسْمَانِ قَالُوا فَيُسَنُّ أَنْ يَقُولَ فِي إثْرِ الْمَطَرِ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَإِنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا وَأَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ صُنْعٌ فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ خَارِجٌ مِنْ الْمِلَّةِ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ يُوقِعُ اللَّهُ الْمَطَرَ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَثَرٍ لِلنَّوْءِ وَإِنَّمَا الْفِعْلُ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ بِكَافِرٍ كُفْرَ جُحُودٍ بَلْ هُوَ لَفْظٌ مَكْرُوهٌ وَلَيْسَ
بِحَرَامٍ وَيَصِحُّ أَنْ يُطْلَقَ عَلَيْهِ كُفْرُ النِّعْمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ عِنْدَ نُزُولِ الْمَطَرِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَوَى فِيهِ حَدِيثًا ضَعِيفًا مُرْسَلًا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اُطْلُبُوا اسْتِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ وَحَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ وَإِقَامَةِ الصَّلَاةِ
* (السَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَمْ تَزَلْ
الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْإِشَارَةَ إلَى الْبَرْقِ وَالْمَطَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنِي الثِّقَةُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ الرَّعْدُ مَلَكٌ وَالْبَرْقُ أَجْنِحَتُهُ يَسُقْنَ السَّحَابَ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَا أَشْبَهَ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ (الثَّامِنَةُ) يُكْرَهُ سَبُّ الرِّيحِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيَاحَ فَإِنَّهَا خَلْقٌ لِلَّهِ تَعَالَى مُطِيعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنِقْمَةً إذَا شَاءَ
* وَالسُّنَّةُ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ مَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَصَفَتْ الرِّيحُ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك خَيْرَهَا وَخَيْرَ مَا فِيهَا وَخَيْرَ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ وَأَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُرْسِلَتْ بِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صحيحه وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " الرِّيحُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ تَعَالَى تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَلَا تَسُبُّوهَا وَاسْأَلُوا اللَّهَ خَيْرَهَا وَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم مِنْ رَوْحِ اللَّهِ بِفَتْحِ الرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَعَنْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صلي الله عليه وسلم لا نسبوا الرِّيحَ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مَا تَكْرَهُونَ فَقُولُوا اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الرِّيحِ وَخَيْرِ مَا فِيهَا وَخَيْرِ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَنَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ هَذِهِ الرِّيحِ وَشَرِّ مَا فِيهَا وَشَرِّ مَا أُمِرَتْ بِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ قَالَ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَائِشَةَ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِي وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَعَنْ سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ رضي الله عنه قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذا اشْتَدَّتْ الرِّيحُ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَقَحًا لَا عَقِيمًا " رواه ابن السني باسناد صحيح ومعنى لفحا حامل للماء كالمقحة من الابل والعقيم التي لاماء فيبا كَالْعَقِيمِ مِنْ الْحَيَوَانِ لَا وَلَدَ فِيهَا
وَعَنْ أنس عن رسول الله صلي لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " إذَا وَقَعَتْ كَبِيرَةٌ أَوْ هَاجَتْ رِيحٌ عَظِيمَةٌ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّكْبِيرِ فَإِنَّهُ يُجْلِي الْعَجَاجَ الْأَسْوَدَ " رَوَاهُ ابْنُ السُّنِّيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ في الام اخبرني من لا انهم وَذَكَرَ إسْنَادَهُ إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " مَا هَبَّتْ رِيحٌ إلَّا جَثَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا ولا تجعلها رِيحًا) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ تعالى (انا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا وأرسلنا عليهم الريح العقيم) وقال تعالى (وأرسلنا الرياح لواقح وأرسلنا الرياح مبشرات " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ نُصِرْت بِالصَّبَا
وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ) رَوَى ابْنُ السُّنِّيِّ بِإِسْنَادٍ لَيْسَ بِثَابِتٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " أُمِرْنَا أَنْ لَا نُتْبِعَ أبصارنا الكواكب إذَا انْقَضَّ وَأَنْ نَقُولَ عِنْدَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ " وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مُرْسَلٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ما من ساعة من ليل ولانهار إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ فِيهَا يَصْرِفُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ " وَبِإِسْنَادٍ لَهُ ضَعِيفٍ عَنْ كَعْبٍ " أَنَّ السُّيُولَ سَتَعْظُمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ) قَالَ الشَّافِعِيُّ اخبرنا سفيان عن عمر وبن دِينَارٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ " جَاءَ مَكَّةَ سَيْلٌ طَبَقٌ مَا بين الجبلين " إسْنَادٌ صَحِيحٌ (الْعَاشِرَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يُقَالَ اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ الْإِمْطَارَ فِي كِتَابِهِ إلَّا لِلْعَذَابِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى " وَأَمْطَرْنَا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين) قَالَ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ كَمَا اختاره فقد ثبت عن أنس ابن مَالِكٍ رضي الله عنه فِي حَدِيثِهِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَسْأَلَةِ الرَّابِعَةِ (قَوْلُهُ) ثُمَّ أَمْطَرَتْ هَكَذَا هُوَ أَمْطَرَتْ بِالْأَلِفِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي ثَلَاثَةِ أَبْوَابٍ مِنْ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الِاسْتِسْقَاءِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُخَالِفِ إنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى أَمْطَرَ إلَّا فِي الْعَذَابِ فَلَيْسَ كَمَا زَعَمَ بَلْ قَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ أَمْطَرَ فِي الْمَطَرِ الَّذِي هُوَ الْغَيْثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل (قَالُوا هذا عارض ممطرنا) وَهُوَ مِنْ أَمْطَرَ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الْغَيْثَ وَلِهَذَا رَدَّ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عذاب اليم)
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَبِهَذَا قَالَ الْأَئِمَّةُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ قَالَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ مُرَادُهُ لَيْسَ فِيهِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ كَمَا قال ليس سجود الشكر بشئ أي ليس مسنونا وكما قال دعا النسا ليلة عرفة بالامصار وليس بشئ
* واحتج له بقوله تعالى (استغفرا ربكم انه كان غفارا) وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " اسْتَسْقَى يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ) وَبِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه " اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ رضي الله عنه وَلَمْ يَذْكُرْ صَلَاةً " وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الزَّلَازِلِ وَنَحْوِهَا
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ " مِنْهَا حَدِيثُ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْتَسْقِي فَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ يَدْعُو وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ " وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " شَكَوْا إلَيْهِ قُحُوطَ الْمَطَرِ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهَا فَخَطَبَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ وَنَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَاضِعًا مُتَبَذِّلًا مُتَخَشِّعًا مُتَضَرِّعًا
فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ كَمَا يُصَلِّي فِي الْعِيدِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ هَذِهِ (وَعَنْ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ مَعْنَى سن له الا جتماع وَالْخُطْبَةُ فَسُنَّ لَهُ الصَّلَاةُ كَالْعِيدِ وَالْكُسُوفِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَيْسَ فِيهَا
نَفْيُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا فِيهَا الِاسْتِغْفَارُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَبِالصَّلَاةِ بِالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فَلَمْ نُخَالِفْ الْآيَةَ (الثَّانِي) أَنَّ الْآيَةَ إخْبَارٌ عَنْ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَلِلْأُصُولِيَّيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ خِلَافٌ فِي الاحتجاج به إذا لم يردشر عنا بِمُخَالَفَتِهِ أَمَّا إذَا وَرَدَ بِخِلَافِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ
الصَّحِيحَةُ بِالصَّلَاةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْحَدِيثِ وَفِعْلِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَفِعْلٌ لِأَحَدِ أَنْوَاعِ الِاسْتِسْقَاءِ الثَّلَاثَةِ الَّتِي قَدَّمْنَا بَيَانَهَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيٌ لِلصَّلَاةِ فَفِي هَذَا بَيَانُ نَوْعٍ وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ بَيَانُ نَوْعٍ آخَرَ فَلَا تَعَارُضَ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا الصَّلَاةُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الزَّلَازِلِ أَنَّهَا لَمْ يُسَنَّ لَهَا الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ بِخِلَافِ الِاسْتِسْقَاءِ فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يُسَنُّ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ وَالْخُطْبَةُ وَلِأَنَّ السُّنَّةَ بينت في الصَّلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ دُونَ الزَّلَازِلِ فَوَجَبَ اعْتِمَادُهَا دُونَ الْقِيَاسِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي افْتِتَاحِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى سَبْعَ تَكْبِيرَاتٍ وَفِي الثَّانِيَةِ خَمْسًا كَالْعِيدِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُمَرَ بن
عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وقال مالك وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ لَا يُكَبِّرُ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْمُزَنِيِّ أَيْضًا وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَحْوِيلِ الرِّدَاءِ فِي الْخُطْبَةِ لِلْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ كَمَا سَبَقَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ يُحَوِّلُ الْإِمَامُ دُونَ الْمَأْمُومِينَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ خُطْبَتَيْنِ لِلِاسْتِسْقَاءِ بَيْنَهُمَا جَلْسَةٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يوسف
وَمُحَمَّدٌ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَّهَا خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَعَنْ أَحْمَدَ انه لا خطبة وانما يدعوا وَيُكْثِرُ الِاسْتِغْفَارَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الِاسْتِسْقَاءُ بِالدُّعَاءِ وَلَكِنَّ الْأَفْضَلَ الِاسْتِسْقَاءُ بِالصَّلَاةِ كَمَا سَبَقَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الثَّوْرِيِّ كَرَاهَةَ الِاسْتِسْقَاءِ بِدُعَاءٍ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ
*
{كِتَابُ الْجَنَائِزِ}
{بَابُ مَا يُفْعَلُ بِالْمَيِّتِ}
الْجِنَازَةُ - بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا - لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَقِيلَ بِالْفَتْحِ لِلْمَيِّتِ وَبِالْكَسْرِ لِلنَّعْشِ وَعَلَيْهِ الْمَيِّتُ وَقِيلَ عَكْسُهُ حَكَاهُ صَاحِبُ مَطَالِعِ الْأَنْوَارِ وَالْجَمْعُ جَنَائِزُ - بِفَتْحِ الْجِيمِ - لَا غَيْرُ وَهُوَ مشتق من جنز
- بفتح الجيم - بجنز - بِكَسْرِ النُّونِ - إذَا سُتِرَ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ والموت مُفَارَقَةُ الرُّوحِ الْجَسَدَ وَقَدْ مَاتَ الْإِنْسَانُ يَمُوتُ وَيُمَاتُ - بِفَتْحِ الْيَاءِ - وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَهُوَ مَيِّتٌ وَمَيْتٌ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - وَقَوْمٌ مَوْتَى وَأَمْوَاتٌ وَمَيِّتُونَ وَمَيْتُونَ - بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيَسْتَوِي فِي مَيِّتٍ وَمَيْتٍ الْمُذَكَّرُ وَالْمُؤَنَّثُ قَالَ الله تعالى (ليحي به بلدة ميتا) وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَةً وَيُقَالُ أَيْضًا مَيْتَةٌ كَمَا قال تعالى (الارض الميتة) وَيُقَالُ أَمَاتَهُ اللَّهُ وَمَوَّتَهُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ جَامِعِهِ وَحَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ مِنْ سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ يَعْنِي الْمَوْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ كُلُّهَا عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمَعْنَى فَأَعِدُّوا أَيْ تَأَهَّبُوا وَاتَّخِذُوا لَهُ عُدَّةً وَهِيَ مَا يُعَدُّ لِلْحَوَادِثِ (وَقَوْلُهُ) الْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالْإِقْلَاعِ عَنْ الْمَعَاصِي الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ الْمَظَالِمُ الَّتِي لِلْعِبَادِ عَلَيْهِ وَبِالثَّانِي الْمَعَاصِي الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُكْثِرَ ذِكْرَ الْمَوْتِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَحَالَةُ الْمَرَضِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهُ إذَا ذَكَرَ الْمَوْتَ رَقَّ قَلْبُهُ وَخَافَ
فَيَرْجِعُ عَنْ الْمَظَالِمِ وَالْمَعَاصِي وَيُقْبِلُ عَلَى الطَّاعَاتِ وَيُكْثِرُ مِنْهَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَيُسْتَحَبُّ الْإِكْثَارُ مِنْ ذِكْرِ حَدِيثِ " اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ " وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما
قَالَ " أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يمنكبى فَقَالَ كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ " وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ " إذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ وَخُذْ مِنْ صِحَّتِك لِمَرَضِكَ وَمِنْ حياتك لموتك " * قال المصنف رحمه الله
* {ومن مرض استحب له أن يصبر لما روى ان امرأة جاءت إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ الله ادع الله ان يشفينى فقال " ان شئت دعوت الله فشفاك وان شئت فاصبري ولا حساب عليك قالت اصبر ولا حساب علي) ويستحب أن يتداوى لما روى أبو الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ان الله تعالى أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فتداووا ولا تداووا بالحرام " ويكره أن يتمنى الموت لما روى أَنَسٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فان كان لابد متمنيا فليقل اللهم أحينى ما دامت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لى} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمَرْأَةِ الَّتِي طَلَبَتْ رَوَاهُ الْبَغَوِيّ بِلَفْظِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ انى امرأة اصرع واني انكشف فَادْعُ اللَّهَ لِي فَقَالَ إنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فَقَالَتْ أَصْبِرُ "(وَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي الدَّرْدَاءِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي كِتَابِ الطِّبِّ بِإِسْنَادٍ فِيهِ ضَعْفٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ مَا لَمْ يُضَعِّفْهُ فَهُوَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ يستحب للمريض ومن به سقم وغيه من عوارض الا بدان أَنْ يَصْبِرَ وَقَدْ تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى فَضْلِ الصَّبْرِ وَقَدْ جَمَعْتُ جُمْلَةً مِنْ ذَلِكَ فِي بَابِ الصَّبْرِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ وَيَكْفِي فِي فَضِيلَتِهِ قَوْله تَعَالَى (انما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وَيُسْتَحَبُّ التَّدَاوِي لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي التَّدَاوِي وَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِيَ تَوَكُّلًا فَهُوَ فَضِيلَةٌ وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَلَا يُكْرَهُ لِخَوْفِ
فِتْنَةٍ فِي دِينِهِ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ فِي شَرْحِ السُّنَّةِ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ مَفْهُومٌ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ
وَقَدْ جَاءَ عَنْ كَثِيرِينَ مِنْ السَّلَفِ تَمَّنِي الْمَوْتِ لِلْخَوْفِ عَلَى دِينِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي جُمْلَةٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الدَّوَاءِ والتداوى
* وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إلَّا أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ عز وجل " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ " أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ كأنما علي رؤوسهم الطَّيْرُ فَسَلَّمْتُ ثُمَّ قَعَدْتُ فَجَاءَ الْأَعْرَابُ مِنْ ههنا وههنا فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ نَتَدَاوَى قَالَ تَدَاوَوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " إنَّ بَطْنَ أَخِي قَدْ اسْتَطْلَقَ فَقَالَ اسْقِهِ الْعَسَلَ فَأَتَاهُ فَقَالَ قَدْ سَقَيْتُهُ فَلَمْ يَزِدْهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " لِلشُّونِيزِ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ فَإِنَّ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إلَّا السَّامَ يُرِيدُ بِهِ الْمَوْتَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْكَمْأَةُ مِنْ الْمَنِّ وَمَاؤُهَا شِفَاءٌ لِلْعَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول " التلبينة مجمة فؤاد الْمَرِيضِ وَتُذْهِبُ بَعْضَ الْحُزْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ التلببنة حساء من دقيق ويقال له التليين أَيْضًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ بَيَاضَ اللَّبَنِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لَا تكرهوا مرضا كم عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ "(فَضَعِيفٌ) ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَضَعْفُهُ ظَاهِرٌ وَادَّعَى التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ حَسَنٌ وَسَنَذْكُرُ فِي آخِرِ بَابِ الْأَطْعِمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى جُمَلًا تتعلق بالتداوي ونحوه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وينبغى أن يكون حسن الظن بالله تعالي لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لا يموتن أحدكم الا وهو يحسن الظن بالله تعالي "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِيهِ زِيَادَةٌ فِي مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَعْنَى يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَظُنَّ أن الله تعالي يرحمه ويرجوا ذَلِكَ وَيَتَدَبَّرُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ الْوَارِدَةَ فِي كَرَمِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وَعَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَا وَعَدَ بِهِ أَهْلَ التَّوْحِيدِ وَمَا يَنْشُرُهُ مِنْ الرَّحْمَةِ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا قَالَ سبحانه وتعالى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي " هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَشَذَّ الْخَطَّابِيُّ فَذَكَرَ مَعَهُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ أَحْسِنُوا أَعْمَالَكُمْ حَتَّى يَحْسُنَ ظَنُّكُمْ بِرَبِّكُمْ فَمَنْ حَسُنَ عَمَلُهُ حَسُنَ ظَنُّهُ وَمَنْ سَاءَ عَمَلُهُ سَاءَ ظَنُّهُ وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَاطِلٌ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يعتر بِهِ
* وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَتْهُ أَسْبَابُ الْمَوْتِ وَمُعَانَاتُهُ أَنْ يَكُونَ حَسَنَ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى بِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ رَاجِيًا رَحْمَتَهُ وَأَمَّا فِي حَالِ الصِّحَّةِ ففيه وجهان لا صحابنا حكاهما القاضى حسين وصاحبه المتولي وغيرهما (احدها) يَكُونُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ سَوَاءً
(وَالثَّانِي)
يَكُونُ خَوْفُهُ أَرْجَحَ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ هَذَا قَوْلُ الْقَاضِي (وَالْأَظْهَرُ) أَنَّ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَدَلِيلُهُ ظَوَاهِرُ الْقُرْآنِ الْعَزِيزِ فَإِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ ذِكْرُ التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ مَقْرُونَيْنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (يَوْمَ تبيض وجوه وتسود وجوه ان الابرار لفى نعيم وان الفجار لفى جحيم فاما من أوتى كتابه بيمينه وأما من أوتي كتابه بشماله)
وَنَظَائِرُهُ مَشْهُورَةٌ وَقَالَ (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ الا القوم الخاسرون) وقال (لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) وَقَدْ تَتَبَّعْت الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ الْوَارِدَةَ فِي الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَجَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ رِيَاضِ الصَّالِحِينَ فَوَجَدْت أَحَادِيثَ الرَّجَاءِ أَضْعَافَ الْخَوْفِ مَعَ ظُهُورِ الرَّجَاءِ فِيهَا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
* وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَاضِرِ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ أَنْ يُطْمِعَهُ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَحُثَّهُ عَلَى تَحْسِينِ ظَنِّهِ بِرَبِّهِ سبحانه وتعالى وَأَنْ يَذْكُرَ لَهُ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثَ فِي الرَّجَاءِ وَيُنَشِّطَهُ لِذَلِكَ وَدَلَائِلُ مَا ذَكَرْته كَثِيرَةٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَقَدْ ذَكَرْت مِنْهَا جُمْلَةً فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ مِنْ كِتَابِ الْأَذْكَارِ وَفَعَلَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم عِنْدَ احْتِضَارِهِ وَبِعَائِشَةَ أَيْضًا وَفَعَلَهُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ العاص
بابيه وكله في الصحيح * قال المصنف رحمه الله
* {وتستحب عيادة المريض لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ أَمَرَنَا " رَسُولُ اللَّهِ
صلي الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض " فان رجاه دعا له والمستحب أن يقول أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من عاد مريضا لم يحضره أجله فقال عنده سبع مرات أسال الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك عافاه الله من ذلك المرض " وإن رآه منزولا به فالمستحب أن يلقنه قول لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لقنوا موتا كم لا اله الا الله " وروى مُعَاذٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال " من كان آخر كلامه لا اله الا الله وجببت له الجنة " ويستحب أن يقرأ عنده سورة يس لما روى معقل بن يسار رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " اقرؤا على موتا كم يعني يس " ويستحب أن يضطجع علي جنبه " الايمن مستقبل القبلة لما روت سلمي أم ولد رافع قالت " قالت فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ عنها ضعي فراشي هاهنا واستقبلي بي القبلة ثم قامت فاغتسلت كاحسن ما يغتسل ولبست ثيابا جددا ثم قالت تعلمين اني مقبوضة الآن ثم استقبلت القبلة وتوسدت يمينها "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْبَرَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ فَحَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالتِّرْمِذِيُّ فِي الطِّبِّ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي داود والترمذي والنسائي يزيد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَمْ يَرْوِ لَهُ الْبُخَارِيُّ وَيُنْكَرُ عَلَى الْحَاكِمِ كَوْنُهُ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَلَكِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ فِيهِ عَبْدُ رَبِّهِ بن سعيد بدل ابي خالد
الدَّالَانِيِّ وَعَبْدُ رَبِّهِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ
وَرَوَاهُ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مُعَاذٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَفْظُهُمَا دَخَلَ الْجَنَّةَ بَدَلَ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَعْقِلٍ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ فِيهِ مَجْهُولَانِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَلْمَى فَغَرِيبٌ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ مَمْدُودٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ قَصْرُهُ وَعَازِبٌ صَحَابِيٌّ (وَقَوْلُهُ) أَمَرَنَا أَيْ أَمْرَ نَدْبٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مَشْهُورٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَمَرَنَا بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ فَذَكَرَ مِنْهَا اتِّبَاعَ الْجِنَازَةِ وعيادة المريض (قوله) مَنْزُولًا بِهِ أَيْ قَدْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ (وَقَوْلُهُ) صلي الله عليه وسلم لفتوا مَوْتَاكُمْ أَيْ مَنْ قَرُبَ مَوْتُهُ وَهُوَ مِنْ باب تسمية الشئ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِ وَمِنْهُ (إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا) وَمَعْقِلٌ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ - وَأَبُوهُ يَسَارٌ - بِيَاءٍ ثُمَّ سِينٍ - وَمَعْقِلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُنْيَتُهُ أَبُو عَلِيٍّ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو يَسَارٍ وَسَلْمَى - بِفَتْحِ السِّينِ - وَقَوْلُهُ أُمُّ وَلَدِ رَافِعٍ هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ الْمُهَذَّبِ وَهُوَ غَلَطٌ وَصَوَابُهُ أُمُّ رَافِعٍ أَوْ أُمُّ وَلَدِ أَبِي رَافِعٍ وَهِيَ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقِيلَ مَوْلَاةُ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ هُوَ الْأَوَّلُ وَكَانَتْ سَلْمَى قَابِلَةَ بني فاطظمة وَقَابِلَةَ إبْرَاهِيمَ بْنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ امْرَأَةُ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأُمُّ وَلَدِهِ (وَقَوْلُهَا) ثِيَابًا جُدُدًا - هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ - جَمْعُ جَدِيدٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ فَتْحُ الدَّالِ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ وَحُذَّاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا كَانَ مُشَدَّدًا مِنْ هَذَا الْوَزْنِ مِمَّا ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ سَوَاءٌ الْأَجْوَدُ ضَمُّ ثَانِي جمعه ويجوز فتحه كسور وذلك ونظائر هما وَقَدْ بَسَطْت الْقَوْلَ فِي تَحْقِيقِ هَذَا بِشَوَاهِدِهِ مِنْ كَلَامِ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَنَقْلِهِمْ فِيهِ في تهذيب الاسماء واللغات
* وأما الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) عِيَادَةُ الْمَرِيضِ سُنَّةٌ مُتَأَكِّدَةٌ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ مَشْهُورَةٌ فِي ذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يَعُمَّ بِعِيَادَتِهِ الصَّدِيقَ وَالْعَدُوَّ وَمَنْ يَعْرِفُهُ ومن لا يعرفه لعموم الاحاديث وأما الذى فَقَدْ أَشَارَ صَاحِبُ الشَّامِلِ إلَى أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ عِيَادَتُهُ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ عِيَادَةُ الْمَرِيضِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ قَوْلَ صَاحِبِ الشَّامِلِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّوَابُ عِنْدِي أَنَّ عِيَادَةَ الْكَافِرِ جَائِزَةٌ وَالْقُرْبَةَ
فِيهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى نَوْعِ حُرْمَةٍ يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ جِوَارٍ أَوْ قَرَابَةٍ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ مُتَعَيَّنٌ وَقَدْ جَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ " كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رأسه فقال له اسلم فنظر إلى ابنه وهو عنده فقال له اطع ابا القسم فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِيَادَةُ غِبًّا لَا يُوَاصِلُهَا كُلَّ يَوْمٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَغْلُوبًا قُلْت هَذَا لِآحَادِ النَّاسِ أَمَّا أَقَارِبُ الْمَرِيضِ وَأَصْدِقَاؤُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ يَأْتَنِسُ بِهِمْ أَوْ يَتَبَرَّكُ بِهِمْ أَوْ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ إذَا لَمْ يَرَوْهُ كُلَّ يَوْمٍ فَلْيُوَاصِلُوهَا مَا لَمْ يُنْهَ أَوْ يَعْلَمْ كَرَاهَةَ الْمَرِيضِ لِذَلِكَ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا عَادَهُ كُرِهَ إطَالَةُ الْقُعُودِ عِنْدَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ إضْجَارِهِ وَالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِ وَمَنْعِهِ مِنْ بَعْضِ تَصَرُّفَاتِهِ وَيُسْتَحَبُّ الْعِيَادَةُ مِنْ وَجَعِ الْعَيْنِ بِرَمَدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ " عَادَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ وَجَعٍ كَانَ بِعَيْنِي " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رحمه الله (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْعَائِدِ إذَا طَمِعَ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ أَنْ يَدْعُوَ لَهُ سَوَاءٌ رَجَا حَيَاتَهُ أَوْ كَانَتْ مُحْتَمَلَةً وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ إنْ رَجَاهُ وجاء في الدعاء للمريض أحاديث صحيحة كَثِيرَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ (مِنْهَا) الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ " أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَلُدِغَ سَيِّدُهُمْ فَجَعَلَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفِلُ فَبَرَأَ الرَّجُلُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ
يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ - وَفِي رِوَايَةٍ - قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ قَالَ لِثَابِتٍ أَلَا أَرْقِيك بِرُقْيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ بَلَى قَالَ " اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ مُذْهِبَ الْبَأْسِ اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي لَا شَافِيَ إلَّا أَنْتَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ شَكَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ فَقَالَ لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " ضَعْ يَدَكَ عَلَى الَّذِي يَأْلَمُ مِنْ جَسَدِك وَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ
أَعُوذُ بِاَللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ عَادَنِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا اللَّهُمَّ اشْفِ سَعْدًا " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذَا دَخَلَ عَلَى مَنْ يَعُودُهُ قَالَ " لَا بَأْسَ طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " يَا مُحَمَّدُ أَشْتَكَيْتَ قَالَ نَعَمْ قَالَ باسم الله أرقيك من كل شئ يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حاسد الله بشفيك بِاسْمِ اللَّهِ أَرْقِيكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (الثَّالِثَةُ) إذَا رَآهُ مَنْزُولًا بِهِ قَدْ أَيِسَ مِنْ حَيَاتِهِ استحب أن
يُلَقَّنَ قَوْلَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُلَقِّنُهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ يُلَقِّنُهُ الشَّهَادَتَيْنِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّاشِيُّ فِي الْمُعْتَمَدِ وَغَيْرُهُمْ وَدَلِيلُهُمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ تَذَكُّرُ التَّوْحِيدِ وَذَلِكَ يَقِفُ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ هَذَا مُوَحِّدٌ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الِاعْتِرَافُ بِالشَّهَادَةِ الْأُخْرَى فَيَنْبَغِي الِاقْتِصَارُ عَلَى لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُلِحَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَأَنْ لَا يَقُولَ لَهُ قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ خَشْيَةَ أَنْ يَضْجَرَ فَيَقُولَ لَا أَقُولُ أَوْ يَتَكَلَّمُ بِغَيْرِ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَلَكِنْ يَقُولُهَا بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ مُعَرِّضًا لَهُ لِيَفْطِنَ فَيَقُولَهَا وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَوْ يَقُولُ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُبَارَكٌ فَنَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعًا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ قَالُوا وَإِذَا أَتَى بِالشَّهَادَةِ مَرَّةً لَا يُعَاوِدُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ بَعْدَهَا بِكَلَامٍ آخَرَ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ لَا يُزَادُ عَلَى مَرَّةٍ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا بكررها عَلَيْهِ ثَلَاثًا وَلَا يُزَادُ عَلَى ثَلَاثٍ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا سُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وصاحب العدة وغير هم قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمُلَقِّنُ غَيْرَ وَارِثٍ لِئَلَّا يَتَّهِمَهُ وَيَخْرُجَ مِنْ تَلْقِينِهِ فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا الْوَرَثَةُ لَقَّنَهُ أَشْفَقُهُمْ عَلَيْهِ هَكَذَا قَالُوهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لَا يُلَقِّنُهُ مَنْ يَتَّهِمُهُ لِكَوْنِهِ
وَارِثًا أَوْ عَدُوًّا أَوْ حَاسِدًا أَوْ نَحْوَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ سُورَةَ يس
هَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَاسْتَحَبَّ بَعْضُ التَّابِعِينَ سُورَةَ الرَّعْدِ أَيْضًا (الْخَامِسَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ الْمُسْتَحَبَّةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
عَلَى قَفَاهُ وَأَخْمَصَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَرْفَعُ رَأْسَهُ قَلِيلًا لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَصَاحِبَا الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرَيْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ مذهب مالك وأبى حنيفة يضحع عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ كَالْمَوْضُوعِ فِي اللَّحْدِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لِضِيقِ الْمَكَانِ أَوْ غَيْرِهِ فَعَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى الْقِبْلَةِ فَإِنْ لم يمكن فعلى ففاه وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاحْتَجَّ لِلْمَسْأَلَةِ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ سَأَلَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ رضي الله عنه فَقَالُوا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى بِثُلُثِهِ لَك يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَوْصَى أَنْ يُوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ لَمَّا اُحْتُضِرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابَ الْفِطْرَةَ وَقَدْ رَدَدْتُ ثُلُثَهُ عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَأَدْخِلْهُ جَنَّتَكَ وَقَدْ فَعَلْت " قَالَ الْحَاكِمُ هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ قَالَ وَلَا أَعْلَمُ في توجيه المختضر إلَى الْقِبْلَةِ غَيْرَهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِأَهْلِ الْمَرِيضِ ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر عَلَى مَا يَشُقُّ مِنْ أَمْرِهِ وَكَذَلِكَ مَنْ قرب موته يسبب حَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يُوصِيَهُمْ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ " أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إلَيْهَا فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا فَفَعَلَ فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا)
*
(فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الْمَوْتِ فِي بَلَدٍ شَرِيفٍ لِحَدِيثِ حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " قَالَ عمر رضى الله عنه اللهم ارزقتى شَهَادَةً فِي سَبِيلِك وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِك صلى الله عليه وسلم فَقُلْت أَنَّى يَكُونُ هَذَا فَقَالَ يَأْتِينِي بِهِ اللَّهُ إذَا شَاءَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ
* (فَرْعٌ)
وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُكْرَهَ الْمَرِيضُ عَلَى الدَّوَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الطَّعَامِ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ طَلَبُ الدُّعَاءِ مِنْ الْمَرِيضِ لِحَدِيثِ عُمَرُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " إذَا دَخَلْت عَلَى مَرِيضٍ فَمُرْهُ فَلْيَدْعُ لَك فَإِنَّ دُعَاءَهُ كَدُعَاءِ الْمَلَائِكَةِ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ وَعْظُ الْمَرِيضِ بَعْدَ عَافِيَتِهِ وَتَذْكِيرُهُ الْوَفَاءَ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخَيْرِ وَيَنْبَغِي لَهُ هُوَ المحافظة علي ذلك قال الله تعالي (واوفو بالعهد ان العهد كان مسئولا)
* (فَرْعٌ)
يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى تَحْسِينِ خُلُقِهِ وَأَنْ يَجْتَنِبَ الْمُخَاصَمَةَ وَالْمُنَازَعَةَ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَأَنْ يَسْتَحْضِرَ فِي ذِهْنِهِ أَنَّ هَذَا آخِرُ أَوْقَاتِهِ فِي دَارِ الْأَعْمَالِ فَيَخْتِمَهَا بِخَيْرٍ وَأَنْ يَسْتَحِلَّ زَوْجَتَهُ وَأَوْلَادَهُ وَسَائِرَ أَهْلِهِ وَغِلْمَانِهِ وَجِيرَانِهِ وَأَصْدِقَائِهِ وَكُلِّ مَنْ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ معاملة أو مصاحبة أو تعلق ويرضبهم وَأَنْ يَتَعَاهَدَ نَفْسَهُ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَأَحْوَالِهِمْ عِنْدَ الْمَوْتِ وَأَنْ
يُحَافِظَ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَةِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ وَظَائِفِ الدِّينِ وَلَا يَقْبَلُ قَوْلَ مَنْ يُخَذِّلُهُ عَنْ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا مِمَّا يُبْتَلَى بِهِ وَهَذَا الْمُخَذِّلُ هُوَ الصَّدِيقُ الْجَاهِلُ الْعَدُوُّ الْخَفِيُّ وَأَنْ يُوصِيَ أَهْلَهُ بِالصَّبْرِ عَلَيْهِ وَبِتَرْكِ النَّوْحِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْثَارُ الْبُكَاءِ وَيُوصِيَهُمْ بِتَرْكِ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ مِنْ الْبِدَعِ فِي الْجَنَائِزِ ويتعاهده بالدعاء له وبالله التوفيق
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فإذا مات تولي ارفقهم به اغماض عينيه لِمَا رَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ابى سلمة فاغمض بصره ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ البصر ولانها
إذا لم تغمض بقيت مفتوحة فيفتح منظره ويشد لحييه بعصابة عريضة تجمع جميع لحييه يشد العصابة على رأسه لانه إذا لم يفعل ذلك استرخي لحيه وانفتح فمه ققبح منظره وربما دخل الي فيه شئ من الهوام وتلين مفاصله لانه أسهل في الغسل ولانها تبقي جافية فلا يمكن تكفينه وتخلع ثيابه لان الثياب تحمي الجسم فيسرع إليه التغير والفساد ويجعل علي سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الارض فتغيره ويجعل علي بطنه حديدة لما روى أن مولي أنس مات فقال أنس رضي الله عنه " ضعوا علي بطنه حديدة " لانه ينتفخ فان لم يمكن حديدة جعل عليه طين رطب ويسجي بثوب لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سجى بثوب حبرة " وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى
ابرائه منه لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى " ويبادر الي تجهيزه لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ثلاث لا تؤخر وهن الصلاة والجنازة والايم إذا وجدت كفؤا " فان مات فجأة ترك حتى يتيقن موته}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَحَدِيثُ مَوْلَى أَنَسٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كتاب النكاح وأشار الي تضعيفه ويقال أَغْمَضَ عَيْنَيْهِ وَغَمَّضَهَا - بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ - وَفِي الرُّوحِ لُغَتَانِ التَّذْكِيرُ وَالتَّأْنِيثُ (وَقَوْلُهُ) يُسَجَّى أَيْ يُغَطَّى وقوله بثوب حبرة هو باضافة ثوب إلَى حِبَرَةٍ وَهِيَ - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ - نَوْعٌ مِنْ الْبُرُدِ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " نَفْسُ الْمُؤْمِنِ " قَالَ الْأَزْهَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هذا الحديث
نَفْسُ الْإِنْسَانِ لَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ (أَحَدُهَا) بَدَنُهُ قال الله تعالي (النفس بالنفس)(الثَّانِي) الدَّمُ فِي جَسَدِ الْحَيَوَانِ (الثَّالِثُ) الرُّوحُ الَّذِي إذَا فَارَقَ الْبَدَنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدَهُ حَيَاةٌ قَالَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالنَّفْسِ فِي هَذَا
الْحَدِيثِ قَالَ كَأَنَّ نَفْسَ الْمُؤْمِنِ تُعَذَّبُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ حَتَّى يُؤَدَّى هَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْمُخْتَارُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ نَفْسَهُ مُطَالَبَةٌ بِمَا عَلَيْهِ وَمَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى لَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ خَلْفَهُ وَفَاءٌ وَأَوْصَى بِهِ (وَقَوْلُهُ) الْأَيِّمُ هي التي لازوج لَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَمْ ثَيِّبًا (وَقَوْلُهُ) فُجْأَةً أَيْ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَلَا نَزْعٍ وَنَحْوِهِ وَفِيهَا لُغَتَانِ (أَفْصَحُهُمَا وَأَشْهَرُهُمَا) - بِضَمِّ الْفَاءِ وفتح الجيم وبالمد - والثانية
فَجْأَةٌ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ -
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ إذَا مَاتَ أَنْ يُغَمَّضَ عَيْنَاهُ وَتُشَدَّ لَحْيَاهُ بِعِصَابَةٍ عَرِيضَةٍ تَجْمَعُهُمَا ثُمَّ بربط فَوْقَ رَأْسِهِ وَيُلَيِّنَ مَفَاصِلَهُ فَيَمُدَّ سَاعِدَهُ إلَى عَضُدِهِ ثُمَّ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ سَاقَهُ إلَى فَخِذِهِ وَفَخِذَهُ إلَى بَطْنِهِ وَيَرُدَّهُمَا وَيُلَيِّنَ أَصَابِعَهُ وَيَخْلَعَ ثِيَابَهُ الَّتِي مَاتَ فِيهَا بِحَيْثُ لَا يُرَى بَدَنُهُ ثُمَّ يَسْتُرَ جَمِيعَ بَدَنِهِ بِثَوْبٍ خَفِيفٍ وَلَا يَجْمَعَ عَلَيْهِ أَطْبَاقَ الثِّيَابِ وَيَجْعَلَ طَرَفَ هَذَا الثَّوْبِ تَحْتَ رَأْسِهِ وَطَرَفَهُ الْآخَرَ تَحْتَ رجليه لئلا ينكشف ويوضع على شئ مُرْتَفِعٍ كَسَرِيرٍ وَلَوْحٍ وَنَحْوِهِمَا وَيُوضَعَ عَلَى بَطْنِهِ شئ ثَقِيلٌ كَسَيْفٍ أَوْ مِرْآةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْحَدِيدِ فَإِنْ عُدِمَ فَطِينٌ رَطْبٌ وَلَا يُجْعَلَ عَلَيْهِ مُصْحَفٌ وَيَسْتَقْبِلَ بِهِ الْقِبْلَةَ كَالْمُحْتَضَرِ وَيَتَوَلَّى هَذِهِ الْأُمُورَ أَرْفَقُ مَحَارِمِهِ بِأَسْهَلِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَيَتَوَلَّاهَا الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنْ تَوَلَّاهُ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ النِّسَاءِ أَوْ تَوَلَّاهَا أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ مَحْرَمٌ مِنْ الرِّجَالِ جَازَ وَيُسَارِعُ إلَى قَضَاءِ دَيْنِهِ وَالتَّوَصُّلِ إلَى إبْرَائِهِ مِنْهُ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَقَالَ الشَّيْخُ أبو حامد ان كَانَ لِلْمَيِّتِ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ قُضِيَ الدَّيْنُ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ عَقَارًا أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا يُبَاعُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يَحْتَالُوا عَلَيْهِ لِيَصِيرَ
الدَّيْنُ فِي ذِمَّةِ وَلِيِّهِ وَتَبْرَأَ ذِمَّةُ الْمَيِّتِ هَذَا لَفْظُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَنَحْوُهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ لِلْمَحَامِلِيِّ وَالْعُدَّةِ لِلطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي آخِرِ بَابِ الْقَوْلِ عِنْدَ الدَّفْنِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَأْخِرُ سَأَلَ غُرَمَاءَهُ أَنْ يُحَلِّلُوهُ وَيَحْتَالُوا بِهِ عَلَيْهِ وَإِرْضَاؤُهُمْ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ نَحْوُ مَا قَالَهُ أَبُو حَامِدٍ وَمُتَابِعُوهُ وَفِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ تَرَاضِيهِمْ عَلَى مَصِيرِهِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ يَبْرَأُ الْمَيِّتُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْحَوَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِرِضَاءِ الْمُحِيلِ وَالْمُحْتَالِ وَإِنْ كَانَ ضَمَانًا فَكَيْفَ
يَبْرَأُ الْمَضْمُونُ عَنْهُ ثُمَّ يُطَالَبُ الضَّامِنُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا ضَمِنَ الدَّيْنَ عَنْ الْمَيِّتِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْآنَ بَرَدَتْ جِلْدَتُهُ " حِينَ وَفَّاهُ لَا حِينَ ضَمِنَهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ وَالْأَصْحَابَ رَأَوْا هَذِهِ الْحَوَالَةَ جَائِزَةً مُبَرِّئَةً لِلْمَيِّتِ فِي الْحَالِ لِلْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُبَادَرُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ وَبِتَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ أُحِبُّ الْمُبَادَرَةَ فِي جَمِيعِ أُمُورِ الْجِنَازَةِ فَإِنْ مَاتَ
فُجْأَةً لَمْ يُبَادَرْ بِتَجْهِيزِهِ لِئَلَّا تَكُونَ بِهِ سَكْتَةٌ وَلَمْ يَمُتْ بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لِلْمَوْتِ عَلَامَاتٌ وَهِيَ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ وَيَنْفَصِلَ زَنْدَاهُ وَيَمِيلَ أَنْفُهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ وَجْهِهِ زَادَ الْأَصْحَابُ وَأَنْ يَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَزَادَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ وَتَتَقَلَّصَ خُصْيَاهُ مَعَ تَدَلِّي الْجِلْدَةِ فَإِذَا ظَهَرَ هَذَا عُلِمَ مَوْتُهُ فَيُبَادَرُ حِينَئِذٍ إلَى تَجْهِيزِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَأَمَّا إذَا مَاتَ مَصْعُوقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ حَرِيقًا أَوْ خَافَ مِنْ حَرْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي بِئْرٍ فَمَاتَ فَإِنَّهُ لَا يُبَادَرُ بِهِ حَتَّى يُتَحَقَّقَ مَوْتُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فَيُتْرَكُ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ حَتَّى يُخْشَى فَسَادُهُ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ انْطَبَقَ حَلْقُهُ أَوْ غَلَبَ الْمِرَارُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّافِعِيُّ صَحِيحٌ فَإِذَا مَاتَ مِنْ هَذِهِ الْأَسْبَابِ
أو أمثالها يَجُوزُ أَنْ يُبَادَرَ بِهِ وَيَجِبُ تَرْكُهُ وَالتَّأَنِّي بِهِ الْيَوْمَ وَالْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ لِئَلَّا يَكُونَ مُغْمًى عَلَيْهِ أَوْ غَيْرَهُ مِمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَا يَجُوزُ دَفْنُهُ حَتَّى يَتَحَقَّقَ مَوْتُهُ هَذَا آخِرُ كلام ابي حامد في تعليقه قال غَيْرُهُ تَحَقُّقُ الْمَوْتِ يَكُونُ بِتَغَيُّرِ الرَّائِحَةِ وَغَيْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَمْ أَرَ لِأَصْحَابِنَا كَلَامًا فِيمَا يُقَالُ حَالَ إغْمَاضِ الْمَيِّتِ وَيُسْتَحْسَنُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ التَّابِعِيِّ الْجَلِيلِ رحمه الله قَالَ إذَا أَغْمَضْت الْمَيِّتَ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَإِذَا حَمَلْتَهُ فَقُلْ بِاسْمِ اللَّهِ ثُمَّ تُسَبِّحُ مادمت تَحْمِلُهُ
* (فَرْعٌ)
يُسْتَحَبُّ لِلنَّاسِ أَنْ يَقُولُوا عِنْدَ الْمَيِّتِ خَيْرًا وَأَنْ يَدْعُوا لَهُ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " دَخَلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي سَلَمَةَ وَقَدْ شَقَّ بَصَرُهُ فَأَغْمَضَهُ ثُمَّ قَالَ إنَّ الرُّوحَ إذَا قُبِضَ تَبِعَهُ الْبَصَرُ فَضَجَّ نَاسٌ مِنْ أَهْلِهِ فَقَالَ لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ
يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عقبه في
الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ (قَوْلُهَا) شَقَّ بَصَرُهُ هُوَ - بِفَتْحِ الشِّينِ - وَبَصَرُهُ بِرَفْعِ الرَّاءِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ فِيهِ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَأَهْلِ الضَّبْطِ قَالَ صَاحِبُ الْأَفْعَالِ يُقَالُ شَقَّ بَصَرُ الْمَيِّتِ وَشَقَّ الْمَيِّتُ بَصَرُهُ إذَا شَخَصَ
* (فَرْعٌ)
فِيمَا يُقَالُ عِنْدَ الْمَيِّتِ وَمَا يَقُولُهُ مَنْ مَاتَ لَهُ قَرِيبٌ أَوْ صَاحِبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا حَضَرْتُمْ الْمَرِيضَ أَوْ الْمَيِّتَ فَقُولُوا خَيْرًا فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ قَالَتْ فَلَمَّا مَاتَ أَبُو سَلَمَةَ أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سَلَمَةَ قَدْ مَاتَ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلَهُ وَأَعْقِبْنِي مِنْهُ عُقْبَى حَسَنَةً فَقُلْت فَأَعْقَبَنِي اللَّهُ مَنْ هُوَ لِي خَيْرٌ مِنْهُ محمد صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ هَكَذَا الْمَرِيضُ أَوْ الْمَيِّتُ عَلَى الشَّكِّ وَهُوَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَغَيْرِهِ الْمَيِّتُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَعَنْهَا قَالَتْ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْ لِي خَيْرًا مِنْهَا إلَّا آجَرَهُ اللَّهُ فِي مُصِيبَتِهِ وَاخْلُفْ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا قَالَتْ فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو سَلَمَةَ قُلْت كَمَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْلَفَ اللَّهُ تَعَالَى لِي خَيْرًا مِنْهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيَقُولُ فَمَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَك وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ " يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ جَزَاءٌ إذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثم احتسبه إلى الْجَنَّةُ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (فَرْعٌ)
يَجُوزُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَأَصْدِقَائِهِ تَقْبِيلُ وَجْهِهِ ثَبَتَتْ فِيهِ الْأَحَادِيثُ وَصَرَّحَ به الدارمي في الاستذ كار وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي
*
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا سَبَقَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ الصَّبْرُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُكْرَهُ لَهُ كَثْرَةُ الشَّكْوَى فَلَوْ سَأَلَهُ طَبِيبٌ أَوْ قَرِيبٌ لَهُ أَوْ صَدِيقٌ أَوْ نَحْوُهُمْ عَنْ حَالِهِ فَأَخْبَرَهُ بِالشِّدَّةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا لَا عَلَى صُورَةِ الْجَزَعِ فَلَا بَأْسَ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَيُكْرَهُ لَهُ التَّأَوُّهُ وَالْأَنِينُ وَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُ الْأَنِينُ لِأَنَّ طَاوُسًا رحمه الله كَرِهَهُ وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ مِنْ الْكَرَاهَةِ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الَّذِي ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا نَهْيٌ بَلْ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ الْقَاسِمِ قَالَ " قَالَتْ عَائِشَةُ وَارَأْسَاهْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهْ " فَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَكِنَّ الِاشْتِغَالَ بِالتَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ اولى فلعلهم ارادوا بالمكروه هذا
*
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وغسله فرض على الكفاية لقوله صلى الله عليه وسلم في الذى سقط عن بعيره اغسلوه بماء وسدر} {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَغُسْلُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَمَعْنَى فَرْضِ الْكِفَايَةِ أَنَّهُ إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِ كِفَايَةٌ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِنْ تَرَكُوهُ كُلُّهُمْ أَثِمُوا كُلُّهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ غُسْلَ الْمَيِّتِ وَتَكْفِينَهُ وَالصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَدَفْنَهُ فُرُوضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ * قال المصنف رحمه الله
*
{فان كان الميت رجلا لا زوجة له فاولي الناس بغسله الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ العم ثم ابن العم لانهم احق بالصلاة عليه فكانوا احق بغسله فان كان له زوجة جاز لها غسله لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ ابا بكرر رضي الله عنه أوصى أسماء بنت عميس لتغسله " وهل يقدم على العصبات فية وجهان
(أحدهما)
أنها تقدم لانها تنظر منه إلى مالا ينظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة
(والثانى)
يقدم العصبات لانهم احق بالصلاة عليه}
* {الشرح} حديث عائشة هذا ضعيف رواه الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْوَاقِدِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَةُ الْوَاقِدِيِّ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَلَهُ شَوَاهِدُ مَرَاسِيلُ قُلْت وَرَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ حِينَ تُوُفِّيَ فَسَأَلَتْ مَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَقَالَتْ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبَرْدِ
فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ فَقَالُوا لَا وَهَذَا الْإِسْنَادُ مُنْقَطِعٌ وَعُمَيْسٌ - بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتُ سَاكِنَةٍ ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ - وَكَانَتْ أَسْمَاءُ مِنْ السَّابِقَاتِ إلَى الْإِسْلَامِ أَسْلَمَتْ قَدِيمًا بِمَكَّةَ قَبْلَ دُخُولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم دَارَ الْأَرْقَمِ قَالَ أَصْحَابُنَا الْأَصْلُ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ أَنْ يُغَسِّلَ الرِّجَالُ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا فَأَوْلَى النَّاسِ بِهِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَزَوْجَتُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَوْجَةٌ فَأَوْلَاهُمْ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ ثُمَّ عَمُّ الْأَبِ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثم ابنه ثم عم ابي الْجَدِّ ثُمَّ ابْنُهُ وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ وَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجَةٌ جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ كُلُّهَا إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ وَهَلْ تُقَدَّمُ عَلَى رِجَالِ الْعَصَبَاتِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (اصحهما) عند الاكثرين لا يقدم بَلْ يُقَدَّمُ رِجَالُ الْعَصَبَاتِ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الْأَجَانِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التحربر
(وَالثَّانِي)
تُقَدَّمُ الزَّوْجَةُ عَلَيْهِمْ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَجْهٌ ثَالِثٌ ذَكَرَهُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ الْأَقَارِبُ ثُمَّ الزَّوْجَةُ ثُمَّ الرِّجَالُ الْأَجَانِبُ ثُمَّ النِّسَاءُ الْمَحَارِمُ وَإِلَى مَتَى تُغَسِّلُ زَوْجَهَا فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وآخرون أصحها) تغسله أبداوان انْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ فِي الْحَالِ وَتَزَوَّجَتْ لانه حق ثبت لها فلا يسقط بشئ من ذلك كالميرات وَبِهَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي كِتَابِ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُ من الاصحاب
وهو مقتضى اطلاق المصنف والا كثرين وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ (وَالثَّانِي) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا لِأَنَّهَا بِالزَّوَاجِ صَارَتْ صَالِحَةً لِغُسْلِ الثَّانِي لَوْ مَاتَ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ غَاسِلَةً لِزَوْجَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ (وَالثَّالِثُ) لَهَا غُسْلُهُ مَا لَمْ تَنْقَضِ الْعِدَّةُ لِأَنَّ بِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ تَنْقَطِعُ عَلَائِقُ النِّكَاحِ وَلَوْ كَانَ لَهُ زَوْجَتَانِ فَأَكْثَرُ وَتَنَازَعْنَ فِي غُسْلِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَاتَ لَهُ زَوْجَاتٌ
فِي وَقْتٍ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ أُقْرِعَ بَيْنَهُنَّ فَمَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهَا غَسَّلَهَا أَوَّلًا ذَكَرَهُ صَاحِبَا التَّتِمَّةِ وَالْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمَا
* (فَرْعٌ)
لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النِّسَاءَ الْمَحَارِمَ وَقَدْ ذَكَرَهُنَّ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ فقالو يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ الْمَحَارِمِ غُسْلُهُ وَهُنَّ مُؤَخَّرَاتٌ عَنْ الرِّجَالِ الْأَقَارِبِ وَالْأَجَانِبِ وَالزَّوْجِ لِأَنَّهُنَّ فِي حَقِّهِ كالرجال
*
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ دَلِيلَ غُسْلِ الزَّوْجَةِ زوجها قضية أَسْمَاءَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَالصَّوَابُ الِاحْتِجَاجُ بِالْإِجْمَاعِ فَقَدْ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الاشراق وَكِتَابِ الْإِجْمَاعِ أَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ أَنْ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَكَذَا نَقَلَ الْإِجْمَاعَ غَيْرُهُ (وَأَمَّا) الرِّوَايَةُ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ عَنْ أحمد أنها ليس لها غسل فَإِنْ ثَبَتَتْ عَنْهُ فَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فان ماتت امرأة ولم يكن لها زوج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير محرم ثم الاجنبية فان لم يكن نساء غسلها الاقرب فالاقرب من الرجال علي ما ذكرنا فان كان لها زوج جاز له غسلها لما روت عائشة قالت " رجع رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ البقيع فوجدني
وأنا أجد صداعا وأقول وارأساه فقال بل أنا يا عائشة وارأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك " وهل يقدم على النساء فيه وجهان
(أحدهما)
يقدم لانه ينظر الي مالا ينظر النساء منها
(والثانى)
يقدم النساء علي الترتيب الذى ذكرناه فان لم يكن نساء فأولى الاقرباء بالصلاة فان لم يكن فالزوج وان طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحد هما قبل الرجعة لم يكن للآخر غسله لانها محرمة علية تحريم المبتوتة) {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِإِسْنَادٍ ضعيف فيه محمد بن اسحق صَاحِبُ الْمَغَازِي عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ عُتْبَةَ
وَمُحَمَّدُ بن اسحق مُدَلِّسٌ وَإِذَا قَالَ الْمُدَلِّسُ عَنْ لَا يُحْتَجُّ به ووقع في المهذب " لومت قَبْلِي لَغَسَّلْتُك " بِاللَّامِ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ " فَغَسَّلْتُك " بِالْفَاءِ وَيُقَالُ مِتّ - بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها - لغتان
مَشْهُورَتَانِ وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ فِي أَوَّلِهِ وَهُوَ بَقِيعُ الْغَرْقَدِ مَدْفَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ غَسَّلَهَا النِّسَاءُ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَبِنْتِ الِابْنِ وَبِنْتِ الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَأَشْبَاهِهِنَّ ثُمَّ ذَوَاتُ الْأَرْحَامِ غَيْرِ الْمَحَارِمِ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَبِنْتِ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ الْخَالِ وَبِنْتِ الْخَالَةِ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ فَأَقْرَبُهُنَّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ وَبَعْدَ هَؤُلَاءِ يُقَدَّمُ ذَوَاتُ الولاء فان لم يكن فالا جنبيات وَيَرِدُ عَلَى الْمُصَنِّفِ إهْمَالُهُ ذَوَاتَ الْوَلَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ فَإِنْ اجْتَمَعَ امْرَأَتَانِ كُلُّ وَاحِدَةٍ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ فَأَوْلَاهُمَا مَنْ هِيَ فِي مَحَلِّ الْعُصُوبَةِ لَوْ كَانَتْ ذَكَرًا فَتُقَدَّمُ الْعَمَّةُ عَلَى الْخَالَةِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ نِسَاءٌ أَصْلًا غَسَّلَهَا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ رِجَالِ الْمَحَارِمِ عَلَى مَا سَبَقَ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشْكَالٌ فَإِنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِهَا كُلُّ مَنْ يُقَدَّمُ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مِنْ الرِّجَالِ فَيَدْخُلُ فِي ذلك
ابْنُ الْعَمِّ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي غُسْلِهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ مَحْرَمًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي الصَّلَاةِ فَمُرَادُهُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ مِنْ الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَلَقَدْ أَحْسَنَ صَاحِبُ العدة وصاحب الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَغَيْرِهِمَا فَرَتَّبَهُ عَلَى أَنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَا يَجُوزُ لَهُ غُسْلُهَا بل هو كالأجنبي وان كان الا كثرون قَدْ أَهْمَلُوا بَيَانَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ لِلزَّوْجِ غُسْلُ زَوْجَتِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَسَنُوَضِّحُ دَلِيلَهُ فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهَلْ يُقَدَّمُ عَلَى النِّسَاءِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّ النِّسَاءَ يُقَدَّمْنَ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ
(وَالثَّانِي)
يُقَدَّمُ عَلَيْهِنَّ وَصَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِالِاتِّفَاقِ يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَيْهِمْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ
بِتَقْدِيمِ الزَّوْجِ عَلَى الرِّجَالِ الْمَحَارِمِ وَتَأْخِيرِهِ عَنْ النِّسَاءِ فَيَحْصُلُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُقَدَّمُ الزَّوْجُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ النِّسَاءُ وَالْمَحَارِمُ مِنْ الرِّجَالِ عَلَيْهِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ
الْأَصَحُّ يُقَدَّمُ عَلَى الرِّجَالِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ النِّسَاءِ كَمَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَمُوَافِقُوهُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَوْ فَسَخَ نِكَاحَهَا ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فِي الْعِدَّةِ لَمْ يَجُزْ لِلْآخَرِ غُسْلُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنَّمَا قَاسَهُ عَلَى الْبَائِنِ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ فِي الرَّجْعِيَّةِ وَوَافَقَ فِي الْبَائِنِ وَوَافَقَهُ أَحْمَدُ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسِّلُ الْبَائِنَ
* (فَرْعٌ)
له غسل زوجته مسلمة كانت أو كتابية (فَرْعٌ)
لَوْ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ فَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا أَوْ أَرْبَعًا سِوَاهَا جَازَ لَهُ غُسْلُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ
(وَالثَّانِي)
مَنْعُهُ لِأَنَّ أختها أو الاربع لومتن فِي الْحَالِ لَغَسَّلَهُنَّ فَلَوْ جَوَّزْنَا غُسْلَ هَذِهِ لَزِمَ مِنْهُ جَوَازُ غُسْلِ امْرَأَةٍ وَأُخْتِهَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِالزَّوْجِيَّةِ
(فَرْعٌ)
ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَبَعْضِهِمْ أَنَّ الرِّجَالَ الْمَحَارِمَ لَهُمْ الْغُسْلُ مَعَ وُجُودِ النِّسَاءِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَكِنْ لَمْ أَرَ لِعَامَّةِ الْأَصْحَابِ تَصْرِيحًا بذك وَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُونَ فِي التَّرْتِيبِ وَيَقُولُونَ الْمَحَارِمُ بَعْدَ النِّسَاءِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لِلسَّيِّدِ غُسْلُ أَمَتِهِ وَمُدَبَّرَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَمُكَاتَبَتِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ فَأَشْبَهَتْ الزَّوْجَةَ بَلْ هَذِهِ أَوْلَى فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الرَّقَبَةَ وَالْبُضْعَ جَمِيعًا (فَإِنْ) قِيلَ فَالْمُكَاتَبَةُ لَا يَمْلِكُ بُضْعَهَا (قُلْنَا) بِالْمَوْتِ تَنْفَسِخُ الْكِتَابَةُ فَيَعُودُ الْبُضْعُ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْكِتَابَةِ وَأَمَّا مَنْ كَانَتْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورَاتِ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً أَوْ مُسْتَبْرَأَةً فَلَا يجوز له غسلها بالا تفاق لِأَنَّهُ لَا يَسْتَبِيحُ بُضْعَهَا وَهَلْ يَجُوزُ لِلْأَمَةِ وَالْمُدَبَّرَةِ وَالْمُسْتَوْلَدَة غُسْلُ السَّيِّدِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا (أَصَحُّهُمَا)
لَا يَجُوزُ لِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ لِغَيْرِهِ أَوْ حُرَّةً (وَالثَّانِي) جَوَازُهُ كَعَكْسِهِ وَأَمَّا الْمُكَاتَبَةُ وَالْمُزَوَّجَةُ وَالْمُعْتَدَّةُ
وَالْمُسْتَبْرَأَة فَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ غُسْلُهُ بِلَا خِلَافٍ كَعَكْسِهِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا غَسَّلَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ فَيَنْبَغِي أَنْ يلف على يده خرقة ليلا يَمَسَّ بَشَرَتَهُ فَإِنْ لَمْ يَلُفَّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَمُتَابِعُوهُ يَصِحُّ الْغُسْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ فِي انْتِقَاضِ طُهْرِ الْمَلْمُوسِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَذِنَ لَهُ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ (وَأَمَّا) اللَّامِسُ فَقَطَعَ الْقَاضِي بِانْتِقَاضِهِ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يَنْقُضُ الوضوء
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُشْتَرَطُ فِيمَنْ نُقَدِّمُهُ فِي الْغُسْلِ شَرْطَانِ (أَحَدُهُمَا) كَوْنُهُ مُسْلِمًا إنْ كَانَ الْمَغْسُولُ مُسْلِمًا فَلَوْ كَانَ الْمَحْكُومُ بِتَقْدِيمِ دَرَجَتِهِ كَافِرًا فَهُوَ كَالْمَعْدُومِ وَنُقَدِّمُ مَنْ بَعْدَهُ حَتَّى يُقَدَّمَ الْمُسْلِمُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْقَرِيبِ الْكَافِرِ (الثَّانِي) أَنْ لَا يَكُونَ قَاتِلًا قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ إذَا قَتَلَ قَرِيبَهُ فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي غُسْلِهِ وَلَا الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَلَا فِي دَفْنِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ وَارِثٍ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَرْعَ حَقَّ الْقَرَابَةِ بَلْ بَالَغَ فِي قَطْعِ الرَّحِمِ هَذَا إذَا قَتَلَهُ ظُلْمًا فَإِنْ قَتَلَهُ بِحَقٍّ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى إرْثِهِ إنْ وَرَّثْنَاهُ ثَبَتَ لَهُ حَقُّ الْغُسْلِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا فَلَا
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَرَكَ الْمُقَدَّمُ فِي الْغُسْلِ حَقَّهُ وَسَلَّمَهُ لِمَنْ بَعْدَهُ فَلِلَّذِي بَعْدَهُ تَعَاطِيهِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فَلَيْسَ لِلرِّجَالِ أَنْ يَتْرُكُوهُ كُلُّهُمْ وَيُفَوِّضُوهُ إلَى النِّسَاءِ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا وَكَذَا لَيْسَ لَهُنَّ تَفْوِيضُهُ إلَى الرِّجَالِ إذَا كَانَتْ الْمَيِّتَةُ امْرَأَةً هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَنَقَلَهُ عَنْهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ وَجَزَمَ بِهِ الرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عِنْدِي فِي جَوَازِ تَفْوِيضِ الْمُقَدَّمِ إلَى غَيْرِهِ احْتِمَالَانِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ مَذْهَبُنَا أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا مَاتَتْ كَانَ حُكْمُ نَظَرِ الزَّوْجِ إلَيْهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ بَاقِيًا وَزَالَ حُكْمُ نَظَرِهِ بِشَهْوَةٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ (فَإِنْ قِيلَ) قُلْتُمْ فُرْقَةُ الطَّلَاقِ يَنْقَطِعُ بِهَا حُكْمُ النَّظَرِ وَلَا يَنْقَطِعُ بِفُرْقَةِ الْمَوْتِ فَمَا الْفَرْقُ (قُلْنَا) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ بِرِضَاهُمَا أَوْ بِرِضَاهُ وَفُرْقَةَ الْمَوْتِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ زَوَالَ الْمِلْكِ بِالْمَوْتِ يَبْقَى مِنْ آثَارِهِ مَا لَا يَبْقَى إذَا زَالَ فِي الْحَيَاةِ
وَلِهَذَا لَوْ قَالَ إذَا بِعْت عَبْدِي فَقَدْ أَوْصَيْت بِهِ لِفُلَانٍ فَبَاعَهُ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ وَلَوْ قَالَ إذَا مِتّ
فَعَبْدِي مُوصًى بِهِ لِفُلَانٍ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فُرْقَةَ الطَّلَاقِ تَمْنَعُ الْإِرْثَ بِخِلَافِ فُرْقَةِ الْمَوْتِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَكَانَ حَقِيقَةُ الْفَرْقِ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى النَّظَرِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْغُسْلِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُعَدُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مُقَصِّرًا فِي هَذِهِ الْفُرْقَةِ بِخِلَافِ الْفُرْقَةِ فِي الْحَيَاةِ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وان مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أو ماتت امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ وجهان
(أحدهما)
تيمم والثانى يستر بثوب ويجعل الغاسل علي يده خرقة ثم يغسله وان مات كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لان للكافر عليه ولاية فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جاز لاقاربه من المسلمين غسله لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ عَلِيًّا رضي الله عنه أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ " وان ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها لان النكاح كالنسب في الغسل وان مات الزوج قال في الام كرهت لها ان تغسله فان غسلته اجزأ لان القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغلسها وان ماتت ام ولد كان للسيد غلسها لانه يجوز له غسلها
في حال الحياة فجاز له غسلها بعد الموت كالزوجة وان مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وَجْهَانِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ لانها عتقت بموته فصارت اجنبية والثانى يجوز لانه لما جاز له غسلها جاز لها غسله كالزوجة}
* {الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَلَيْسَ هُنَاكَ إلَّا رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ وبهذا قطع المصلح فِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْبَغَوِيُّ فِي شرح السنة وغيرهم وصححه الرواياتي والرفعي وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ عَنْ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا أَصْحَابِ الْوُجُوهِ وَنَقَلَهُ الدَّارِمِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ شَرْعًا بِسَبَبِ اللمس والنظر فييمم كما لو تعذرحسا (وَالثَّانِي) يَجِبُ غُسْلُهُ مِنْ فَوْقِ ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغُضُّ طَرْفَهُ مَا امكنه فان اضطر الي النظر نظر قَدْرَ الضَّرُورَةِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
كَمَا يَجُوزُ النَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا لِلْمُدَاوَاةِ وَبِهَذَا قَالَ الْقَفَّالُ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ أَبِي طَاهِرٍ الزِّيَادِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَصَحَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَإِمَامُ الحرمين
وَالْغَزَالِيُّ لِأَنَّ الْغُسْلَ وَاجِبٌ وَهُوَ مُمْكِنٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فَلَا يُتْرَكُ (وَالثَّالِثُ) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُيَمَّمُ بَلْ يُدْفَنُ بِحَالِهِ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا بَلْ بَاطِلٌ (الثَّانِيَةُ) لَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا غَيْرِهِمْ غُسْلُ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَمْ غَيْرَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ غُسْلُهُ وَأَقَارِبُهُ الْكُفَّارُ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا تَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا فَفِي وُجُوبِهِمَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الْوُجُوبُ وَفَاءً بِذِمَّتِهِ كَمَا يَجِبُ إطْعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ فِي حَيَاتِهِ وَهَذَا الْوَجْهُ قَوْلُ الشيخ
أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الَّذِي نَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبَانِ بَلْ يُنْدَبَانِ وَإِنْ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا لَمْ يَجِبْ تَكْفِينُهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجِبُ دَفْنُهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الا كثرون بَلْ يَجُوزُ إغْرَاءُ الْكِلَابِ عَلَيْهِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَكِنْ يَجُوزُ دَفْنُهُ لِئَلَّا يَتَأَذَّى النَّاسُ بِرَائِحَتِهِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِهِ وَجْهَانِ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَقَارِبُ مِنْ الْكُفَّارِ جَازَ لِأَقَارِبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ فَيُوهِمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ مَعَ وُجُودِ أَقَارِبِهِ الْكُفَّارِ وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَهُ وَإِنَّمَا مُرَادُهُ مَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ
وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ الْكَافِرَ إذَا مَاتَ وَتَنَازَعَ فِي غُسْلِهِ أَقَارِبُهُ الكفار واقاربه المسلمون فالكفار أحق فان لم يكن له قَرَابَةٌ مِنْ الْكُفَّارِ أَوْ كَانُوا وَتَرَكُوا حَقَّهُمْ مِنْ غُسْلِهِ جَازَ لِقَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ وَلِغَيْرِ قَرِيبِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ (وَأَمَّا) الصَّلَاةُ عَلَى الْكَافِرِ وَالدُّعَاءُ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ فَحَرَامٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مَسْأَلَةَ الصَّلَاةِ فِي آخِرِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْأَصْحَابُ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ
وَأَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ (فالصواب) جوازها وبه قطع الا كثرون وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي لَا يَجُوزُ وَهَذَا غَلَطٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ لَهُ فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ في غسله اباه فرواه أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَهُوَ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْبَيْهَقِيُّ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ جَازَ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ غُسْلُهَا وَكَذَا لِسَيِّدِهَا
إنْ لَمْ تَكُنْ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَلَا مُسْتَبْرَأَةً فَإِنْ مَاتَ زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ فَغَسَّلَتْهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَفِي صِحَّتِهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَالْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْعِرَاقِيِّينَ صِحَّتُهُ
(وَالثَّانِي)
فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (الْمَنْصُوصُ) جَوَازُهُ وَصِحَّتُهُ (وَالْمَخْرَجُ) بُطْلَانُهُ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ بِنَاءً عَلَى اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْغَاسِلِ قَالُوا نَصَّ الشَّافِعِيُّ ان غسل الكافر للمسلم صَحِيحٌ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إعَادَتُهُ وَنَصَّ فِي الْغَرِيقِ أَنَّهُ يَجِبُ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَلَا يَكْفِي انْغِسَالُهُ بِالْغَرَقِ وَمِمَّنْ نَقَلَ النَّصَّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي الْغَرَقِ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَجَعَلَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمَسْأَلَةَ عَلَى طَرِيقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ فِي الِاكْتِفَاءِ بِغُسْلِ الْكَافِرِ وَانْغِسَالِ الْغَرِيقِ قَوْلَيْنِ بِالنَّقْلِ وَالتَّخْرِيجِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ يكفى غسل الكافر دون الغرق والفرق بانه لابد فِي الْغُسْلِ مِنْ فِعْلِ آدَمِيٍّ وَقَدْ وُجِدَ في الكافر دون الغرق هذ هُوَ الْفَرْقُ الْمُعْتَمَدُ وَبِهِ فَرَّقَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَسَائِرُ
الْأَصْحَابِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ التَّنْظِيفُ فَضَعِيفٌ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْغَرَقِ قَالَ الدَّارِمِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَهُنَاكَ نِسَاءٌ مُسْلِمَاتٌ وَرِجَالٌ كُفَّارٌ أَمَرْنَ الْكُفَّارَ بِغُسْلِهِ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ فِي صِحَّةِ غُسْلِ الْكَافِرِ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ فَلِسَيِّدِهَا غُسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ مُسْلِمَةً أَوْ كَافِرَةً لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ لَا تَكُونَ مُزَوَّجَةً وَلَا مُعْتَدَّةً وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَهَلْ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالدَّارِمِيُّ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ
والا كثرون وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الزَّوْجَةِ بِأَنَّهَا بِالْمَوْتِ صَارَتْ حُرَّةً
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ في تعليقه وابو محمد الجوينى ونصر المقدس وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالْوَجْهَانِ جَارِيَانِ فِي غُسْلِ الْأَمَةِ الْقِنَّةِ وَالْمُدَبَّرَةِ سَيِّدَهَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ هُنَا عِنْدَ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يجوز لها
غسله لانها صارت للوارث وبه قطع أبو محمد الحويني وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ إلَّا الْقَفَّالَ فَشَذَّ عَنْ الْأَصْحَابِ فَقَالَ فِي شَرْحِ التَّلْخِيصِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ لَهَا غُسْلَهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ غَسَّلَهُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْرَمٌ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْخُنْثَى صَغِيرًا جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ بِالِاتِّفَاقِ كما
سنذ كره فِي الصَّغِيرِ الْوَاضِحِ وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ أَنَّهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ
(أَحَدُهُمَا)
يُيَمَّمُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الزُّبَيْرِيِّ (وَأَصَحُّهُمَا) هُنَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ يُغَسَّلُ فَوْقَ ثَوْبٍ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُغَسِّلُهُ أَوْثَقُ مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ النِّسَاءِ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ فَفِيمَنْ يُغَسِّلُهُ أَوْجُهٌ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَوْقَ ثَوْبٍ وَيَحْتَاطُ الْغَاسِلُ فِي غَضِّ الْبَصَرِ وَالْمَسِّ وَاسْتَدَلُّوا لَهُ بِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ وَبِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُكْمُ مَا كَانَ فِي الصِّغَرِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ كَالْمَرْأَةِ وَفِي حَقِّ النِّسَاءِ كَالرَّجُلِ أَخْذًا بِالْأَحْوَطِ (وَالثَّالِثُ) وَهُوَ مَشْهُورٌ يُشْتَرَى مِنْ تَرِكَتِهِ جَارِيَةٌ لِتُغَسِّلَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ اُشْتُرِيَتْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا الْوَجْهِ قَالُوا لِأَنَّ إثْبَاتَ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً بَعْدَ الْمَوْتِ مُسْتَبْعَدٌ قَالَ أَبُو زَيْدٍ هُوَ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَلَوْ ثَبَتَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ الْأَمَةَ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي شِرَائِهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْكَبِيرِ
الْبَالِغَ وَلَا بِالصَّغِيرِ مَنْ دُونَهُ بَلْ الْمُرَادُ بِالصَّغِيرِ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدًّا يُشْتَهَى مِثْلُهُ وَبِالْكَبِيرِ مَنْ بَلَغَهُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ بَلْ كُلُّهُمْ إذَا مَاتَ صَبِيٌّ أَوْ صَبِيَّةٌ لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يشتهيان جَازَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ جَمِيعًا غُسْلُهُ فَإِنْ بَلَغَتْ الصبيه حدا يشتهى فِيهِ لَمْ يُغَسِّلْهَا إلَّا النِّسَاءُ وَكَذَا الْغُلَامُ إذَا بَلَغَ حَدًّا يُجَامِعُ أُلْحِقَ بِالرِّجَالِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ صَاحِبَهُ
* نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْإِجْمَاعِ والاشراف والعبد رى وَآخَرُونَ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ لِلْمَرْأَةِ غُسْلَ زَوْجِهَا وَقَدْ قَدَّمْنَا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ بِمَنْعِهِ وَأَمَّا غُسْلُهُ زَوْجَتَهُ فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلْقَمَةَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ
ومالك والاوزاعي واحمد واسحق وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَيْسَ لَهُ غُسْلُهَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ
* وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِأَنَّ الزَّوْجِيَّةَ زَالَتْ فَأَشْبَهَ الْمُطَلَّقَةَ الْبَائِنَ
* وَاحْتَجَّ
أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَالْمُعْتَمَدُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى غُسْلِهَا لَهُ (فَإِنْ قِيلَ) الْفَرْقُ أَنَّ عَلَائِقَ النِّكَاحِ فِيهَا بَاقِيَةٌ وَهِيَ الْعِدَّةُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ (قُلْنَا) لَا اعْتِبَارَ بِالْعِدَّةِ فَإِنَّا أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا بَائِنًا ثُمَّ مَاتَ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُهُ مَعَ بَقَاءِ الْعَلَائِقِ هكذا فَرَّقَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ تَعَلُّقُهُمْ بِأَنَّهَا لَا تُغَسِّلُهُ تبعا للعدة لا يتحصل منه شئ لِأَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ وَاقِعَةٌ بَعْدَ النِّكَاحِ قَطْعًا فَاعْتِبَارُهَا خَطَأٌ صَرِيحٌ (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الرَّجُلِ أُمَّهُ وَبِنْتَهُ وَغَيْرَهُمَا مِنْ مَحَارِمِهِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ وَبِهِ قَالَ أَبُو قِلَابَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَمَالِكٌ وَمَنَعَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهَا كَالرَّجُلِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ فِي الْعَوْرَةِ وَالْخَلْوَةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْأَجْنَبِيِّ لَا يَحْضُرُهُ إلَّا أَجْنَبِيَّةٌ وَالْأَجْنَبِيَّةِ لَا يَحْضُرُهَا إلَّا أَجْنَبِيٌّ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يُيَمَّمُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ المسيب والنخعي وجماد
ابن أَبِي سُلَيْمَانَ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَسَائِرِ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَرَوَى فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثًا مُرْسَلًا مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ مَكْحُولٍ وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ والزهرى وقتادة واسحق وَرِوَايَةٌ عَنْ النَّخَعِيِّ
يُغَسَّلُ فِي ثَوْبٍ وَيَلُفُّ الْغَاسِلُ خِرْقَةً وَعَنْ الْأَوْزَاعِيِّ تُدْفَنُ كَمَا هِيَ بِلَا تَيَمُّمٍ وَلَا غُسْلٍ وَرَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَنَافِعٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي غُسْلِ الْمَرْأَةِ الصَّبِيَّ وَغُسْلِ الرَّجُلِ الصَّبِيَّةَ وَقَدْرِ سِنِّهِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُغَسِّلَ الصَّبِيَّ الصَّغِيرَ ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ تُغَسِّلُهُ إذَا كَانَ فَطِيمًا أَوْ فَوْقَهُ بِقَلِيلٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ وَقَالَ الاوزاعي ابن اربع أو خمس وقال اسحق ثَلَاثٍ إلَى خَمْسٍ قَالَ وَضَبَطَهُ أَصْحَابُ الرَّأْيِ بِالْكَلَامِ فَقَالُوا تُغَسِّلُهُ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَيُغَسِّلُهَا مَا لَمْ تَتَكَلَّمْ (قُلْتُ) وَمَذْهَبُنَا يُغَسَّلَانِ مَا لَمْ يَبْلُغَا حَدًّا يُشْتَهَيَانِ كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا أَنَّ الْجُنُبَ وَالْحَائِضَ إذَا مَاتَا غُسِّلَا غُسْلًا وَاحِدًا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ يُغَسَّلَانِ غُسْلَيْنِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَمْ يَقُلْ بِهِ غَيْرُهُ
*
(فَرْعٌ)
فِي غُسْلِ الْكَافِرِ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لِلْمُسْلِمِ غُسْلَهُ وَدَفْنَهُ وَاتِّبَاعَ جِنَازَتِهِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَيْسَ لِلْمُسْلِمِ غُسْلُهُ وَلَا دَفْنُهُ لَكِنْ قَالَ مَالِكٌ لَهُ مُوَارَاتُهُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ لَهُ غُسْلَ أَمَتِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لَهَا غُسْلُ سَيِّدِهَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَوَّزَهُ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ينبغى أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال " لا يغسل موتاكم الا المأمونون " ولانه إذا لم يكن أمينا لم نأمن أن لا يستوفى الغسل وربما ستر ما يظهر من جميل أو يظهر ما يرى من
قبيح ويستحب أن يستر الميت من العيون لانه قد يكون في بدنه عيب كان يكتمه وربما اجتمع
في موضع من بدنه دم فيراه من لا يعرف ذلك فيظنه عقوبة وسوء عاقبة ويستحب أن لا يستعين بغيره ان كان فيه كفاية فان احتاج الي معين استعان بمن لابد له منه ويستحب أن يكون بقر به مجمرة حتى إن كانت له رائحة لم تظهر والاولى أن يغسل في قميص لما روت عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " غسلوه وعليه قميص يصبون عليه الماء ويد لكونه من فوقه " ولان ذلك أستر فكان أولي والماء البارد اولى من المسخن لان البارد يقويه والمسخن يرخيه وان كان به
وسخ لا يزيله الا المسخن أو البرد شديد ويخاف الغاسل من استعمال البارد غسله بالمسخن وهل يجب نية الغسل فيه وجهان
(أحدهما)
لا يجب لان القصد منه التنظيف فلم يجب فيه النية كازالة النجاسة (والثاني) يجب لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فوجب فيه النية كغسل الجنابة ولا يجوز للغاسل ان ينظر الي عورته لقول النبي صلي الله عليه وسلم لعلى رضي الله عنه " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حي ولا ميت " ويستحب أن لا ينظر إلى سائر بدنه الا فيما بدله منه ولا يجوز ان يمس عورته لانه إذا لم يجز
النظر فالمس أولى والمستحب ان لا يمس سائر بدنه لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه " غسل النبي صلي الله عليه وسلم وبيدية خرقة يتتبع بها تحت القميص "}
* {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " لِيُغَسِّلْ مَوْتَاكُمْ الْمَأْمُونُونَ " إلَّا أَنَّ إسْنَادَهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ
صحيح الا ان فيه محمد بن اسحق صاحب المغازي قال حدثنى يحيى ابْنِ عَبَّادٍ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ احْتَجَّ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَرَّحَهُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامُ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ أَنَّ حَدِيثَهُ حَسَنٌ إذَا قَالَ حَدَّثَنِي وَرَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَحَدِيثُهُ هَذَا حَسَنٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه " لَا تَنْظُرْ إلَى فَخِذِ حَيٍّ وَلَا مَيِّتٍ " فَسَبَقَ فِي بَابِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ أَنَّ أَبَا دَاوُد وَغَيْرَهُ رَوَوْهُ وَأَنَّهُ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُهُ الْآخَرُ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمِجْمَرَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَقَوْلُهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَالْفَخِذُ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْخَاءِ - وَيَجُوزُ إسْكَانُ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِهَا ويجوز كسرهما وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا جَمِيعًا فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ فِي الْفَخِذِ وَمَا كَانَ عَلَى وَزْنِهِ مِمَّا
ثَانِيهِ وَثَالِثُهُ حَرْفُ حَلْقٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْغَاسِلُ أَمِينًا فَإِنْ غَسَّلَ الْفَاسِقُ وَقَعَ الْمَوْقِعَ وَلَا يَجِبُ إعَادَتُهُ وَيُسْتَحَبُّ نَقْلُهُ إلَى مَوْضِعٍ خَالٍ وَسَتْرُهُ عَنْ الْعُيُونِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهَلْ يُسْتَحَبُّ غُسْلُهُ تَحْتَ السَّمَاءِ أَمْ تَحْتَ سَقْفٍ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا تَحْتَ سَقْفٍ وَلَيْسَ لِلْغُسْلِ تَحْتَ السَّمَاءِ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ قد احْتَجَّ لَهُ بِمَا لَا حُجَّةَ فِيهِ وَقَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الافضل
تَحْتَ سَقْفٍ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَحْضُرَهُ إلَّا الْغَاسِلُ ومن لا بدله مِنْ مَعُونَتِهِ عِنْدَ الْغُسْلِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِلْوَلِيِّ أَنْ يَدْخُلَ وَإِنْ لَمْ يُغَسِّلْ وَلَمْ يُعِنْ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ فِيهَا بَخُورٌ تَتَوَقَّدُ مِنْ حِينِ يَشْرَعُ فِي الْغُسْلِ إلَى آخِرِهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُبَخِّرَ عِنْدَ الْمَيِّتِ مِنْ حِينِ يموت لانه ربما ظهر منه شئ فَيَغْلِبُهُ رَائِحَةُ الْبَخُورِ وَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يُغَسَّلَ فِي قَمِيصٍ يَلْبَسُهُ عِنْدَ إرَادَةِ غُسْلِهِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا عَنْ حِكَايَةِ ابْنِ كَجٍّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُجَرَّدَ وَيُغَسَّلَ بِلَا قَمِيصٍ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلْيَكُنْ الْقَمِيصُ رَقِيقًا سَخِيفًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُدْخِلُ الْغَاسِلُ يَدَهُ فِي كُمَّيْهِ وَيَصُبُّ الْمَاءَ مِنْ فَوْقِ الْقَمِيصِ وَيَغْسِلُ مِنْ تَحْتِهِ قَالُوا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَامُ الْقَمِيصِ وَاسِعَةً فَتَقَ فَوْقَ الدَّخَارِيصِ مَوْضِعًا وَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهِ وَغَسَلَهُ قالوا فان
لَمْ يَكُنْ الْقَمِيصُ وَاسِعًا يُمْكِنُ تَقْلِيبُهُ فِيهِ نُزِعَ عَنْهُ وَطُرِحَ عَلَيْهِ مِئْزَرٌ يُغَطِّي مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ قَمِيصٌ طُرِحَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طُرِحَ عَلَيْهِ مَا يَسْتُرُ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَغْطِيَةِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ (فَإِنْ قِيلَ) مُعْتَمَدُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ فِي اسْتِحْبَابِ الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ حَدِيثُ عَائِشَةَ الْمَذْكُورُ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَدَلِيلُهُ أَنَّ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي هَذَا قَالُوا نُجَرِّدُهُ كَمَا نُجَرِّدُ مَوْتَانَا فَهَذَا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ تَجْرِيدُ مَوْتَاهُمْ (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْأَصْحَابُ أَنَّ مَا ثَبَتَ كَوْنُهُ سنة فِي حَقِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فهو
سُنَّةٌ أَيْضًا فِي حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَثْبُتَ التَّخْصِيصُ وَاَلَّذِي فُعِلَ بِهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الْأَكْمَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَغُسْلُهُ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ أَفْضَلُ مِنْ الْمُسَخَّنِ إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى الْمُسَخَّنِ لِخَوْفِ الْغَاسِلِ مِنْ الْبَرْدِ أَوْ الْوَسَخِ عَلَى الْمَيِّتِ وَنَحْوِهِ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَيُغَسَّلَ بِالْمُسَخَّنِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ لِئَلَّا يُسْرِعَ إلَيْهِ الْفَسَادُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيُحْضِرُ الْغَاسِلُ أَوْ غَيْرُهُ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْغُسْلِ ثَلَاثَةَ آنِيَةٍ فَيَجْعَلُ الْمَاءَ فِي إنَاءٍ كَبِيرٍ وَيُبْعِدُهُ عَنْ الْمُغْتَسَلِ بِحَيْثُ لَا يُصِيبُهُ رَشَاشُ
الماء عند الغسل ويكون معه انا آن آخَرَانِ صَغِيرٌ وَمُتَوَسِّطٌ يَغْرِفُ بِالصَّغِيرِ مِنْ الْكَبِيرِ وَيَصُبُّهُ فِي الْمُتَوَسِّطِ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بِالْمُتَوَسِّطِ وَفِي وُجُوبِ نِيَّةِ الْغُسْلِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَالْمُرَادُ بِهِمَا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ غُسْلِهِ أَنْ يَنْوِيَ الْغَاسِلُ غُسْلَهُ وَاخْتُلِفَ فِي أَصَحِّهِمَا فَالْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ أَنَّهَا لَا تُشْتَرَطُ وَلَا تَجِبُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ فِي آخِرِ غُسْلِ الذِّمِّيَّةِ زَوْجَهَا الْمُسْلِمَ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ هُنَا وَالرُّويَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَ جَمَاعَةٌ الِاشْتِرَاطَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي ذَكَرُوهُ فِي بَابِ نِيَّةِ الْوُضُوءِ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْمُصَنِّفُ
فِي التَّنْبِيهِ وَالصَّحِيحُ تَصْحِيحُ الْأَوَّلِ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ صِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ ينوى تقلبه عِنْدَ إفَاضَةِ الْمَاءِ الْقَرَاحِ أَنَّهُ غُسْلٌ وَاجِبٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ يَنْوِي الْغُسْلَ
الْوَاجِبَ أَوْ الْفَرْضَ أَوْ غُسْلَ الْمَيِّتِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجُوزُ للغاسل أو لغيره مس شئ من ستر عَوْرَةِ الْمَغْسُولِ وَلَا النَّظَرُ إلَيْهَا بَلْ يَلُفُّ عَلَى يَدِهِ خِرْقَةً وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ وَسَائِرَ بَدَنِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى غَيْرِ الْعَوْرَةِ الا الي مالا بدله مِنْهُ فِي تَمَكُّنِهِ مِنْ غُسْلِهِ وَكَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَمَسَّهُ بِيَدِهِ فَإِنْ نَظَرَ إلَيْهِ أَوْ مَسَّهُ بِلَا شَهْوَةٍ
لَمْ يَحْرُمْ بَلْ هُوَ تَارِكٌ لِلْأَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَأَمَّا غَيْرُ الْغَاسِلِ مِنْ الْمُعِينِ وَغَيْرِهِ فَيُكْرَهُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَى مَا سِوَى الْعَوْرَةِ إلَّا لِضَرُورَةٍ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَنْكَشِفَ مِنْ الْعَوْرَةِ فِي حَالِ نَظَرِهِ أَوْ يَرَى فِي بَدَنِهِ شَيْئًا كَانَ يَكْرَهُهُ أَوْ يَرَى سَوَادًا أَوْ دَمًا مُجْتَمِعًا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَيَظُنَّهُ عُقُوبَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْظُرَ إلَى بَدَنِ الْحَيِّ فَالْمَيِّتُ أَوْلَى هَذَا تَلْخِيصُ أَحْكَامِ الْفَصْلِ وَدَلَائِلُهُ تُعْرَفُ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَعَ مَا أَشَرْتُ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ اخْتَلَفُوا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِ الْمَيِّتِ يَعْنِي حَالَ غُسْلِهِ فَاسْتَحَبَّ ابْنُ سِيرِينَ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ تَغْطِيَتَهُ بِخِرْقَةٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ يُغَطِّي فَرْجَهُ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْغُسْلِ فِي قَمِيصٍ
* مَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُهُ وَبِهِ قال احمد وقال أبو حنيفة
ومالك المتسحب غسله مجردا وقال دوادهما سَوَاءٌ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِهِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ إلَّا لِحَاجَةٍ إلَى الْمُسَخَّنِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْمُسَخَّنُ أَفْضَلُ وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ تفضيل.
دليلنا ما ذكره المصنف * قال المصنف رحمه الله
* {والمستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم بن محمد قال " توفى عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر فنفضه نفضا شديدا وعصره عصرا شديدا ثم غسله "
ولانه ربما كان في جوفه شئ فإذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده وربما خرج بعد ما كفن فيفسد الكفن وكلما أمر اليد علي البطن صب عليه ماء كثيرا حتي ان خرج شئ لم تظهر رائحته ثم يبدأ فيغسل أسافله كما يفعل الحى إذا اراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحى لما روت ام عطية قالت " لما غسلنا ابنة رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لنا ابدؤا يميامنها ومواضع الوضوء) ولان الحي يتوضأ إذا أراد الغسل ويدخل أصبعه في فيه ويسوك بها أسنانه ولا يفغر فاه وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قد قلم أظفاره ويكون ذلك بعودلين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ فيستنقع فيه ويفسد بدنه ويغسله ثلاثا كما يفعل الحي في وضوئه وغسله فيبدأ برأسه ولحيته كما يفعل الحي فان كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء الي الجميع ويكون بمشط منفرج الانسان ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الايمن حتى ينتهى الي رجله ثم شقه الايسر حتى حتى ينتهي الي رجله ثم يحرفه علي جنبه الايسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية والمستحب أن تكون الغسلة الاولي بالماء والسدر لما روى ابن عباس ان رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ من بعيره " اغسلوه بماء وسدر " ولان السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء القراح وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غيرها فاجعلي فيه شيئا من الكافور " ولان الكافور يقويه وهل يحتسب الغسل بالسدر من الثلاث أم لا فيه وجهان قال أبو إسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ منها مرة واحدة كما قلنا في الوضوء ويستحب ان يتعاهد امرار اليد علي البطن في كل مرة فان غسل الثلاث ولم ينتظف زاد حتى يتنظف والسنة أن يجعله وترا خمسا أو سبعا لما روت أم عطية إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " اغسلنها وترا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ان رأيتن " والفرض مما ذكرناه النية وغسل مرة واحدة وإذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه وينشف بثوب لانه إذا كفن وهو رطب ابتل الكفن وفسد وان غسل ثم خرج منه شئ ففيه ثلاثه أوجه (أحدها) يكفيه غسل الموضع كما لو غسل ثم أصابته نجاسة من غيره (والثاني) يجب منه الوضوء
لانه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحى (والثالث) يجب الغسل منه لانه خاتمة أمره فكان بطهارة كاملة وان تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لانه تطهير لا يتعلق بازالة عين فانتقل فيه عند العجز إلى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة}
*
{الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) فِي أَحَادِيثِ الْفَصْلِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أُمِّ عطية الصحابية رضي الله عنها واسمها نَسِيبَةُ - بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِهَا - قَالَتْ " (دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نُغَسِّلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَاجْعَلْنَ فِي الْآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَلْقَى إلَيْنَا حَقْوَهُ وَقَالَ أَشْعِرْنَهَا اياه " وفى رواية لهما " أبد أن بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَفِي رِوَايَةٍ " فَضَفَّرْنَا شَعْرَهَا ثَلَاثَةَ أَثْلَاثٍ قَرْنَيْهَا وَنَاصِيَتَهَا " وَفِي رِوَايَةٍ للبخاري " فألقيناها خلفا " وفى رواية له " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَنَّ اسْمَ هَذِهِ الْبِنْتِ زَيْنَبُ رضي الله عنها " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَرَفَةَ إذْ وَقَعَ مِنْ راحلته فأقعصته أو قال فأقصعته أو قال فأقعصته فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ وَلَا تَخِيطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا " وَفِي رِوَايَةٍ " وَلَا تَمَسُّوهُ طِيبًا فَإِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبَّدًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِمَا رَوَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فَإِذَا كَانَ فِي آخِرِ غَسْلَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ أَوْ غَيْرِهَا فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ " فَهَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ أُمُّ سُلَيْمٍ وَالْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ أُمِّ عَطِيَّةَ كَمَا سَبَقَ لَا أُمِّ سُلَيْمٍ وَقَدْ كَرَّرَهَا الْمُصَنِّفُ عَلَى الصَّوَابِ إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَقَدْ بَحَثْتُ عَنْهُ فَلَمْ أَجِدْهُ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ فَلَعَلَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ غَرِيبَةٍ عَنْ أُمِّ سُلَيْمٍ أَيْضًا وَلَيْسَ هَذَا بَعِيدًا فَإِنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ أَشَدُّ قُرْبًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَعْلُومٌ أَنْ أُمَّ عَطِيَّةَ لَمْ تَنْفَرِدْ بِالْغُسْلِ وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَاجْعَلْنَ إنْ رَأَيْتُنَّ اغْسِلْنَهَا " وَابْدَأْنَ وَقَوْلُهَا فَضَفَّرْنَا وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ ضَمَائِرِ الْجَمْعِ الْمَوْجُودَةِ فِي
الصَّحِيحَيْنِ فَلَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ كَانَتْ مِنْ الْغَاسِلَاتِ فَخَاطَبَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَارَةً وَخَاطَبَ أُمَّ عَطِيَّةَ تَارَةً (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) فِي أَلْفَاظِ الفصل (قوله) لما روى القاسم ابن محمد قال تُوُفِّيَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (أَمَّا) الْقَاسِمُ فَهُوَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَقِيلَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم الْقُرَشِيُّ التَّيْمِيُّ الْمَدَنِيُّ التَّابِعِيُّ الْجَلِيلُ أَحَدُ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ أَجْمَعُوا عَلَى جَلَالَتِهِ (وَأَمَّا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرحمن فهوابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنهم فَهُوَ ابْنُ عَمِّ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا عَمَّتَهُ عَائِشَةَ رضى الله عنها (قوله) قال لنا ابدؤا بميا منها كذا هو في نسخ المهذب ابدؤا بِمَيَامِنِهَا وَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ وَهُوَ فِي رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَبَاقِي رِوَايَاتِ الْبُخَارِيِّ
ابْدَأْنَ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَالْأَوَّلُ مُؤَوَّلٌ عَلَيْهِ (قَوْلُهُ) وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ - هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ السِّينِ - قَوْلُهُ وَيُدْخِلُ أُصْبُعَهُ فِي فَمِهِ وَيَسُوكُ بِهَا أَسْنَانَهُ مَعْنَى إدْخَالِهَا فَمَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا بَيْنَ شَفَتَيْهِ عَلَى أَسْنَانِهِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ) وَلَا يَفْغَرُ فَاهُ هُوَ - بِمُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ فَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ - أَيْ لَا يَفْتَحُهُ وَلَا يَرْفَعُ أَسْنَانَهُ بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ بَلْ يُمَضْمِضُهُ فَوْقَهَا الْمُشْطُ مَعْرُوفٌ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَبِضَمِّهِمَا وَبِكَسْرِ الْمِيمِ - وَإِسْكَانِ الشِّينِ - وَيُقَالُ لَهُ مِمْشَطٌ - بِكَسْرِ الْمِيمِ الاولي - ومشقاء مقصور مهموز وغير مهموز وممدود ايضا ومكدو قبلم وَمُرْجِلٌ حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ فِي أَوَّلِ شَرْحِ الْفَصِيحِ (قَوْلُهُ) خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ أَيْ سَقَطَ (قَوْلُهُ) فَاجْعَلِي فِيهِ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ هكذا هو في المذهب فَاجْعَلِي خِطَابًا لِأُمِّ عَطِيَّةَ وَحْدَهَا وَالْمَشْهُورُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَاجْعَلْنَ بِالنُّونِ خِطَابًا لِلنِّسْوَةِ وَالْمَاءُ الْقَرَاحُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ - وَهُوَ الْخَالِصُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ سِدْرٌ وَلَا غَيْرُهُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ عَيْنٍ احْتِرَازٌ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِي صِفَةِ الْغُسْلِ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِدَّ قَبْلَ الْغُسْلِ خِرْقَتَيْنِ نَظِيفَتَيْنِ وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ إذَا وَضَعَهُ عَلَى الْمُغْتَسَلِ أَنْ يُجْلِسَهُ إجْلَاسًا رَفِيقًا بِحَيْثُ يَكُونُ مَائِلًا إلَى وَرَائِهِ لَا مُعْتَدِلًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْأَصْحَابُ إنْ احْتَاجَ إلَى دُهْنٍ لِيُلَيِّنَ دَهَنَهُ ثُمَّ يَشْرَعُ فِي غُسْلِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَضَعُ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِي نُقْرَةِ قَفَاهُ
لِئَلَّا يُمِيلَ رَأْسَهُ وَيُسْنِدُ ظَهْرَهُ إلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى وَيُمِرُّ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى بَطْنِهِ إمْرَارًا بَلِيغًا لِيُخْرِجَ الْفَضَلَاتِ وَيَكُونُ عِنْدَهُ مِجْمَرَةٌ كَمَا سَبَقَ وَيَصُبُّ عَلَيْهِ الْمُعِينُ مَاءً كَثِيرًا لِئَلَّا يُظْهِرَ رَائِحَةَ مَا يَخْرُجُ ثُمَّ يَرُدُّهُ إلَى هَيْئَةِ الِاسْتِلْقَاءِ وَيُلْقِيه عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ وَيَكُونُ الْمَوْضِعُ مُنْحَدِرًا بِحَيْثُ يَكُونُ رَأْسُهُ أَعْلَى لِيَنْحَدِرَ الْمَاءُ عَنْهُ وَلَا يَقِفُ تَحْتَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِيَسَارِهِ وَهِيَ مَلْفُوفَةٌ بِإِحْدَى الْخِرْقَتَيْنِ دُبُرَهُ وَمَذَاكِيرَهُ وَمَا حَوْلَهَا وَيُنَجِّيهِ كَمَا يَسْتَنْجِي الْحَيُّ ثُمَّ يُلْقِي تِلْكَ الْخِرْقَةَ وَيَغْسِلُ يَدَهُ بِمَاءٍ وَأُشْنَانٍ هَكَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ إنَّهُ يَغْسِلُ الْفَرْجَيْنِ بِخِرْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَفِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطِ أَنَّهُ يَغْسِلُ كُلَّ فَرْجٍ بِخِرْقَةٍ أُخْرَى فَتَكُونُ الْخِرَقُ ثَلَاثًا وَالْمَشْهُورُ خِرْقَتَانِ خِرْقَةٌ لِلْفَرْجَيْنِ وَخِرْقَةٌ لِبَاقِي الْبَدَنِ وَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَالْقَدِيمِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَنَائِزِ الصَّغِيرِ يَغْسِلُ بِإِحْدَاهُمَا أَعْلَى بَدَنِهِ وَوَجْهَهُ وَصَدْرَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِهَا مَذَاكِيرَهُ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْأُخْرَى فَيَصْنَعُ بِهَا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَهُ أَبُو اسحق فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ
(وَالثَّانِي)
يَغْسِلُ
بِإِحْدَاهُمَا فَرْجَيْهِ وَبِالْأُخْرَى كُلَّ بَدَنِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَغْسِلُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا كُلَّ بَدَنِهِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَلَيْسَ كَمَا ادَّعَى بَلْ الْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَمُعْظَمِ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يَتَعَهَّدُ مَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ قَذَرٍ وَغَيْرِهِ فَإِذَا فَرَغَ مِمَّا ذكرناه لف الخرقة خرقة الْأُخْرَى عَلَى يَدِهِ وَأَدْخَلَ أُصْبُعَهُ فِي فِيهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ بِمَاءٍ وَلَا يَفْتَحُ أَسْنَانَهُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ مَعَ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ بَلْ يُمِرُّهَا فَوْقَ الْأَسْنَانِ وَيُنْشِقُهُ بِأَنْ يُدْخِلَ الْمَاءَ فِي أَنْفِهِ وَلَا يُبَالِغَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ لَا يُمَضْمَضُ الْمَيِّتُ وَلَا يُنْشَقُ لِأَنَّ الْمَضْمَضَةَ إدَارَةُ الْمَاءِ فِي الْفَمِ وَالِاسْتِنْشَاقَ جَذْبُهُ بِالنَّفَسِ وَلَا يَتَأَتَّى وَاحِدٌ مِنْهُمَا مِنْ الْمَيِّتِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " ومواضع الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَهَذَا مِنْهَا وَبِالْقِيَاسِ عَلَى وُضُوءِ الْحَيِّ (وَأَمَّا) دَلِيلُهُمْ فَمَمْنُوعٌ بَلْ الْمَضْمَضَةُ جَعْلُ الْمَاءِ فِي فِيهِ فَقَطْ وَكَذَا الِاسْتِنْشَاقُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَلِهَذَا لَوْ تَمَضْمَضَ ثُمَّ بَلَعَ الْمَاءَ جَازَ وَحَصَلَتْ الْمَضْمَضَةُ وَإِنَّمَا الْإِدَارَةُ من كمال المضمضة لاشرط لِصِحَّتِهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ الْمَضْمَضَةِ فِي صفة الوضوء قال أصحابنا ويدخل اصبعه بشئ مِنْ الْمَاءِ فِي مَنْخَرَيْهِ لِيُخْرِجَ مَا فِيهِمَا مِنْ أَذًى ثُمَّ يُوَضِّئُهُ كَوُضُوءِ الْحَيِّ ثَلَاثًا ثَلَاثًا مَعَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ قَالَ الرَّافِعِيُّ
وَلَا يَكْفِي مَا سَبَقَ مِنْ إدْخَالِ الْأُصْبُعَيْنِ عَنْ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ بَلْ ذَاكَ كَالسِّوَاكِ قَالَ هَذَا مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي الشَّامِلِ وَغَيْرِهِ مَا يَقْتَضِي الِاكْتِفَاءَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ وَيُمِيلُ رَأْسَهُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ لِئَلَّا يَصِلَ الْمَاءُ بَاطِنَهُ قَالَ وَهَلْ يَكْفِي وُصُولُ الْمَاءِ إلَى مَقَادِيمِ الثَّغْرِ وَالْمَنْخِرَيْنِ أَمْ يُوصِلُهُ الدَّاخِلَ حَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِيهِ خِلَافًا لِخَوْفِ الْفَسَادِ وَجَزَمَ بِأَنَّ أَسْنَانَهُ لَوْ كَانَتْ مُتَرَاصَّةً لَا تُفْتَحُ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ ان لم يكن قلمها ويكون ذلك بعودلين لِئَلَّا يَجْرَحَهُ وَهَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَيَتَّبِعُ بِهَذَا الْعُودِ مَا تَحْتَ أَظَافِرِ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَظَاهِرِ اذنيه وصماخيهما فإذا فرغ من وضوءه جَعَلَهُ كَالْمُنْحَدِرِ قَلِيلًا حَتَّى لَا يَجْتَمِعَ الْمَاءُ تَحْتَهُ وَيُغَسِّلُ ثَلَاثًا كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ فِي طَهَارَتِهِ فَيَبْدَأُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ ثُمَّ لِحْيَتِهِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ فِي هَذَا عَلَى اللِّحْيَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ عَكْسُهُ
* وَاحْتَجَّ الْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ إذَا غَسَلَ اللِّحْيَةَ أَوَّلًا ثُمَّ غَسَلَ الرَّأْسَ نَزَلَ مِنْهُ الْمَاءُ وَالسِّدْرِ إلَى لِحْيَتِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى غَسْلِهَا ثَانِيًا فَعَكْسُهُ أَرْفَقُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَبْدَأُ بِرَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ فَصَحِيحٌ وَمُرَادُهُ تَقْدِيمُ الرَّأْسِ وَلَوْ قَالَ رَأْسُهُ ثُمَّ لِحْيَتُهُ كَمَا قَالَ الْأَصْحَابُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَبْيَنَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسَرِّحُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ ان كانا متلبدين بمشط واسع الاسنان أو قال المصنف وجماعة منفرج الاسنان وهما بِمَعْنَاهُ قَالُوا وَيَرْفُقُ فِي ذَلِكَ لِئَلَّا يُنْتَتَفَ شَعْرُهُ فَإِنْ اُنْتُتِفَ رَدَّهُ إلَيْهِ وَدَفَنَهُ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا فَرَغَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ غسل شقه الايمن المقبل من عنفه وصدره وفخذه
وَسَاقِهِ وَقَدَمِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ مِمَّا يَلِي الْقَفَا وَالظَّهْرَ مِنْ الْكَفَّيْنِ إلَى الْقَدَمِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ إلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَغْسِلُ شِقَّهُ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ قَوْلًا آخَرَ أَنَّهُ يَغْسِلُ جَانِبَهُ الايمن مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْمَنَ ثُمَّ يُلْقِيهِ عَلَى ظَهْرِهِ فَيَغْسِلُ جَانِبَهُ الْأَيْسَرَ مِنْ مُقَدَّمِهِ ثُمَّ يُحَوِّلُهُ فَيَغْسِلُ جَانِبَ ظَهْرِهِ الْأَيْسَرَ قَالَ الْأَصْحَابُ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ سَائِغٌ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ يُضْجَعُ أَوَّلًا عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَيُصَبُّ الْمَاءُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَصُبُّهُ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ
وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْجُمْهُورُ وَلَا يُعَادُ غَسْلُ الرَّأْسِ بَلْ يَبْدَأُ بِصَفْحَةِ الْعُنُقِ فَمَا تَحْتَهَا وَقَدْ حَصَلَ الرَّأْسُ أَوَّلًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُكَبُّ عَلَى وَجْهِهِ قَالُوا وَكُلُّ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ وَهَذِهِ الْغَسْلَةُ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا ثُمَّ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْقَرَاحَ مِنْ قَرْنِهِ إلَى قَدَمِهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ النَّظَافَةُ زَادَ حَتَّى تَحْصُلَ فَإِنْ حَصَلَتْ وتر فَلَا زِيَادَةَ وَإِنْ حَصَلَتْ بِشَفْعٍ اُسْتُحِبَّ الْإِيتَارُ وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ وَمَعْنَاهُ إنْ احْتَجْتُنَّ وَهَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ وَنَحْوِهِمَا فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ هَذَا مُخْتَصَرُ الْقَوْلِ فِي الْغَسْلَةِ الْمُتَغَيِّرَةِ بِالسِّدْرِ وَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيهَا وَقَدْ أَوْضَحَهَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ فَقَالَ قَالَ الشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ عَلَيْهِ وَسَخٌ غَسَلَهُ بِالْأُشْنَانِ وَالسِّدْرِ فَيَطْرَحُ عَلَيْهِ الْأُشْنَانَ وَالسِّدْرَ فَيُدَلِّكُهُ بِهِ ثُمَّ يَغْسِلُ السِّدْرَ عَنْهُ ثُمَّ يَغْسِلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَكُونُ هَذَا غُسْلًا وَاحِدًا وَمَا تَقَدَّمَهُ تَنْظِيفٌ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا صُبَّ عَلَى السِّدْرِ وَالْأُشْنَانِ كَانَا غَالِبَيْنِ لِلْمَاءِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ غَسْلَةً حَتَّى يَغْسِلَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَقَالَ أبو اسحق إذَا غُسِلَ عَنْهُ السِّدْرُ وَالْأُشْنَانُ فَهَذَا غُسْلٌ وَاحِدٌ قَالَ أَبُو حَامِدٍ هَذَا غَلَطٌ وَمُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي حَامِدٍ وَهَكَذَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وابن الضباغ وَآخَرُونَ لَا يُعْتَدُّ بِالْغُسْلِ بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ بِلَا خِلَافٍ فَإِذَا غُسِّلَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَزَالَ بِهِ أَثَرُ السِّدْرِ وَالْخِطْمِيِّ فَفِي الِاعْتِدَادِ بِهَذِهِ الْغَسْلَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ قول ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ تُحْسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ لِأَنَّهَا بِمَاءٍ قَرَاحٍ فَأَشْبَهَتْ مَا بَعْدَهَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُصَنِّفِينَ لَا يُحْسَبُ مِنْهَا لِأَنَّ الْمَاءَ خَالَطَ السِّدْرَ فَهُوَ كَمَا قَبْلَهَا وَجَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ
بِأَنَّ هَذِهِ الْغَسْلَةَ تُحْسَبُ بِلَا خِلَافٍ وَأَنَّ خلاف ابى اسحق إنَّمَا هُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأُولَى بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ الْغُسْلُ بِالْمَاءِ مَعَ السِّدْرِ أَوْ الْخِطْمِيِّ لَا يُحْتَسَبُ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَا وَكَذَا الَّذِي يُزَالُ بِهِ السِّدْرُ وَإِنَّمَا الْمَحْسُوبُ مَا يُصَبُّ عَلَيْهِ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ فَيَغْسِلُهُ بَعْدَ زَوَالِ السِّدْرِ ثَلَاثًا
قَالَ الْبَغَوِيّ وَإِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمَاءُ بِالسِّدْرِ حُسِبَ مِنْ الثَّلَاثِ قَالَ وَلَوْ كَانَ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ غَسَّلَهُ بَعْدَ زَوَالِهَا ثَلَاثًا وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ هَلْ يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالْغَسْلَةِ الَّتِي فِيهَا سِدْرٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وهو قول ابى اسحق يَسْقُطُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ التَّنْظِيفُ فَالِاسْتِعَانَةُ بِمَا يَزِيدُ فِي النَّظَافَةِ لَا يَقْدَحُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ بِهِ فَاحِشٌ فَسَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ فَعَلَى هَذَا فِي الِاحْتِسَابِ بِالْغَسْلَةِ التى بعد هذه وجهان (اصحهما) عند الروايانى تحسب لانه غسله بما لم يخالطه شئ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْجُمْهُورِ وَبِهِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ لَا تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ إذَا أَصَابَ الْمَحَلَّ اخْتَلَطَ بِالسِّدْرِ وَتَغَيَّرَ بِهِ فَعَلَى هَذَا الْمَحْسُوبِ مَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ الْقَرَاحِ هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ فَحَاصِلُ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) أَنَّ غَسْلَةَ السِّدْرِ وَالْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَهَا لَا يُحْسَبَانِ مِنْ الثَّلَاثِ (وَالثَّانِي) يُحْسَبَانِ (وَالثَّالِثُ) تُحْسَبُ الثَّانِيَةُ دُونَ الْأُولَى هَذَا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ ففيها نوع أشكال لانه قال وهل يحسبب الْغُسْلُ بِالسِّدْرِ مِنْ الثَّلَاثِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أبو اسحق يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَمَنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَ عَلَيْهِ السِّدْرُ فَعَلَى هَذَا يُغَسَّلُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أُخَرَ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَالْوَاجِبُ مِنْهَا مَرَّةٌ هَذَا لَفْظُ الْمُصَنِّفِ وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّهُ قَالَ لِأَنَّهُ غُسْلٌ بِمَا لَمْ يُخَالِطْهُ شئ وَهَذَا نَوْعُ تَنَاقُضٍ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ وَجَوَابُهُ أَنَّ مُرَادَهُ أَنَّ الْغَسْلَةَ الَّتِي بَعْدَ السِّدْرِ هَلْ تُحْسَبُ فِيهِ الْوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تُحْسَبُ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمَصْبُوبَ قَرَاحٌ وَلَا أَثَرَ لِمَا يُصِيبُهُ حَالَ تَرَدُّدِهِ عَلَى الْبَدَنِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُحْسَبُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكْثُرُ السِّدْرُ بِحَيْثُ يُغَيِّرُهُ وَهُوَ مُسْتَغْنٍ عَنْ هَذَا الْمُغَيِّرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَإِذَا قُلْنَا لَا تُحْسَبُ غَسْلَةٌ بَعْدَهَا ثَلَاثًا وَالْوَاجِبُ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ سُنَّةٌ كَمَا قُلْنَا فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَلَا خِلَافَ هُنَا فِي اسْتِحْبَابِ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ وَفِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا تُسْتَحَبُّ الثَّانِيَةُ وَالثَّالِثَةُ وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي بَابِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ عَنْ صَاحِبِ الْحَاوِي وَوَافَقَ صَاحِبُ الْحَاوِي هُنَا عَلَى اسْتِحْبَابِ الثَّلَاثِ لِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِ الْمَيِّتِ مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا أَوْ أَكْثَرَ " وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ مِنْ الْغَسَلَاتِ كَافُورًا فِي الْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهُوَ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ آكَدُ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ وَلِأَنَّهُ يُقَوِّي الْبَدَنَ وَلْيَكُنْ قَلِيلًا لَا يَتَفَاحَشُ التَّغَيُّرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ صُلْبًا وَتَفَاحَشَ
التَّغَيُّرُ بِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ سَبَقَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُؤَثِّرُ فِي طَهُورِيَّتِهِ فِي غَيْرِ الميت (وأما)
فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ فَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ وَالْأَصْحَابُ وَثَبَتَ فِيهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ (فَإِنْ قِيلَ) هَلَّا قُلْتُمْ إنَّ الْكَافُورَ إذَا غَيَّرَ الْمَاءَ سَلَبَ طَهُورِيَّتَهُ (قُلْنَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ تَغْيِيرُ الْكَافُورِ تَغْيِيرُ مُجَاوَرَةٍ لَا مُخَالَطَةٍ وَلَمْ يَزِدْ الْقَاضِي فِي الْجَوَابِ عَلَى هَذَا وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَفْرِيعٌ علي الصحيح وأحسن من ذكر السوال كَلَامًا فِيهِ السَّرَخْسِيُّ فَقَالَ فِي الْأَمَالِي اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُحْسَبُ إذَا تَغَيَّرَ بِالْكَافُورِ وَتَأَوَّلَ الْحَدِيثَ وَكَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى كَافُورٍ يَسِيرٍ لَا يَفْحُشُ تَغَيُّرُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى مَا إذَا جَعَلَ الْكَافُورَ فِي الْبَدَنِ ثُمَّ صَبَّ الْمَاءَ الْقَرَاحَ عَلَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ فِي كَافُورٍ يُطْرَحُ فِي الْمَاءِ وَيُغَيِّرُهُ تَغْيِيرًا كَثِيرًا وَلَكِنْ لَا يُحْسَبُ ذَلِكَ عَلَى الْغَسْلَةِ الْوَاجِبَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَيُحْسَبُ ذَلِكَ عَنْ الْفَرْضِ فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ خَاصَّةً لِأَنَّ مَقْصُودَهُ التَّنْظِيفُ هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا مِنْ اسْتِحْبَابِ الْكَافُورِ فِي كُلِّ غَسْلَةٍ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ قال في المختضر وَيَجْعَلُ فِي كُلِّ مَاءٍ قَرَاحٍ كَافُورًا وَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إلَّا فِي الْآخِرَةِ أَجْزَأَ ذَلِكَ هَذَا لَفْظُهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ عِدَّةِ غُسْلِ الْمَيِّتِ أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ الْإِنْقَاءُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ أَقَلَّ مَا يُجْزِئُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ قَالَ وَأَقَلُّ مَا أُحِبُّ أَنْ يُغَسَّلَ ثلاثا فان لم ينق فخمس فان لم ينق فسبع قال ولا يغسله بشئ مِنْ الْمَاءِ إلَّا أَلْقَى فِيهِ كَافُورًا لِلسُّنَّةِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَرِهْتُهُ وَرَجَوْتُ أَنْ يُجْزِئَهُ قَالَ وَلَسْت أَعْرِفُ أَنْ يُلْقَى فِي الْمَاءِ وَرَقُ سِدْرٍ وَلَا طِيبٌ غَيْرُ كَافُورٍ وَلَا غَيْرُهُ وَلَكِنْ يُتْرَكُ الْمَاءُ عَلَى وَجْهِهِ وَيُلْقَى فِيهِ الْكَافُورُ هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَهُوَ جَمِيعُ الْبَابِ الْمَذْكُورِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَيَجْعَلُ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ شَيْئًا مِنْ الْكَافُورِ وَتَخْصِيصُهُ بِالْأَخِيرَةِ فَغَرِيبٌ فِي الْمَذْهَبِ وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَأَغْرَبُ مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ الْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ قَالَ يُسْتَحَبُّ غَسْلُهُ ثَلَاثًا وَأَنْ يَكُونَ في الاولى شئ من سدر وفى الثانية شئ مِنْ كَافُورٍ وَالثَّالِثَةُ بِالْمَاءِ الْقَرَاحِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ غَلَطٌ مُنَابِذٌ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَلِنُصُوصِ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْوَاجِبُ مِمَّا ذَكَرْنَاهُ غسل مرة واحدة وكذا النية إن أو جبناها وَلَا يُحْسَبُ الْغُسْلُ حَتَّى يَطْهُرَ مِنْ نَجَاسَةٍ إنْ كَانَتْ هُنَاكَ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَعَاهَدَ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إمْرَارَ يَدِهِ عَلَى بَطْنِهِ وَمَسْحَهُ بِأَرْفَقَ مِمَّا قَبْلَهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى الْبَطْنِ إلَّا فِي ابْتِدَاءِ الْغُسْلِ وَتَأَوَّلَ نَصَّ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ الْمُرَادَ تَعَاهُدُهُ هَلْ خرج منه شئ أَمْ لَا وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ هَذَا التَّأْوِيلُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ إذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ وَأَعْضَائِهِ لِيَسْهُلَ تَكْفِينُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ اسْتِحْبَابَ إعَادَةِ التَّلْيِينِ فِي أَوَّلِ وَضْعِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ فَقَالَ بِهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ ليس بمستحب ولا يعرف للشافعي شئ مِنْ كُتُبِهِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ تَلْيِينَ الْمَفَاصِلِ عَقِبَ الْمَوْتِ لِبَقَاءِ الْحَرَارَةِ فِيهَا فَأَمَّا عِنْدَ الْغُسْلِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ هَذَا النَّقْلُ غَلَطٌ مِنْ الْمُزَنِيِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فلم يذكر الشافعي تليين الاعضاء في شئ مِنْ كُتُبِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إنَّمَا ذَكَرَهُ بَعْدَ فَرَاغِ غُسْلِهِ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا التَّلْيِينُ هُنَا لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعَيَّ وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ لِأَنَّهَا لَا تَبْقَى لَيِّنَةً إلَى هَذَا الْوَقْتِ غَالِبًا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي هذا التليين لا يوجد للشافعي في شئ من كتبه الافيما حَكَاهُ الْمُزَنِيّ فِي مُخْتَصَرِهِ دُونَ جَامِعِهِ وَتَرْكُ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ فِعْلِهِ لِتَتَمَاسَكَ أَعْضَاؤُهُ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ أَعَادَ تَلْيِينَ مَفَاصِلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ لَا عِنْدَ غُسْلِهِ فَلَوْ أَعَادَ تَلْيِينَهَا عِنْدَ غُسْلِهِ جَازَ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَجَزَمَ الْبَغَوِيّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِاسْتِحْبَابِ إعَادَةِ تَلْيِينِهَا عِنْدَ الْغُسْلِ عَمَلًا بِظَاهِرِ نَقْلِ الْمُزَنِيِّ (فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُنَشَّفَ بِثَوْبٍ تَنْشِيفًا بَلِيغًا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْأَصْحَابُ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَالْوُضُوءِ حَيْثُ قُلْنَا الْمَذْهَبُ
اسْتِحْبَابُ ترك التنشيف ان هُنَا ضَرُورَةٌ أَوْ حَاجَةٌ إلَى التَّنْشِيفِ وَهُوَ أَنْ لَا يُفْسِدَ الْكَفَنَ
* (فَرْعٌ)
إذَا خَرَجَ مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ الْمَيِّتِ بَعْدَ غُسْلِهِ وَقَبْلَ تَكْفِينِهِ نَجَاسَةٌ وَجَبَ غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ وَفِي إعَادَةِ طَهَارَتِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ (أَصَحُّهَا) لَا يجب شئ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ التَّكْلِيفِ بِنَقْضِ الطَّهَارَةِ وَقِيَاسًا علي مالو أَصَابَتْهُ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا بِلَا خِلَافٍ (وَالثَّانِي) يَجِبُ أَنْ يُوَضَّأَ كَمَا لَوْ خَرَجَ مِنْ حَيٍّ (وَالثَّالِثُ) يَجِبُ إعَادَةُ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ يَنْقُضُ الطُّهْرَ وَطُهْرُ الْمَيِّتِ غَسْلُ جميعه هذه الْعِلَّةُ الْمَشْهُورَةُ وَعَلَّلَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ بِأَنَّهُ خَاتِمَةُ أَمْرِهِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ الْخِلَافِ وفى التنبيه وسليم الرازي في كتابه رؤس الْمَسَائِلِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْعَبْدَرِيُّ فِي الْكِفَايَةِ وُجُوبَ إعَادَةِ الْغُسْلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَبِهِ قَطَعَ سُلَيْمٌ الرَّازِيّ في الكفاية والشيخ أبو نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي الْكَافِي وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَضَعَّفَ الْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا الْوَجْهَ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَيَانِ تَضْعِيفَهُ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حامد وايجاب الوضوء هو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ لَا يَجِبُ غَيْرُ غَسْلِ النَّجَاسَةِ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ قَوْلُ الْمُزَنِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَسَبَبُ اخْتِلَافِ الْأَصْحَابِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ في مختصر المزني ان خرج منه شئ أَنْقَاهُ وَأَعَادَ غُسْلَهُ فَقَالَ الْمُزَنِيّ وَالْأَكْثَرُونَ
إعَادَةُ الْغُسْلِ مُسْتَحَبَّةٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ واجبة وقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ يَجِبُ الْوُضُوءُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ النَّجَاسَةُ مِنْ الْفَرْجِ بَعْدَ إدْرَاجِهِ فِي الْكَفَنِ فَلَا يَجِبُ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَاحْتَجَّ لَهُ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لَوْ أُمِرَ بِإِعَادَةِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ لَمْ يَأْمَنْ مِثْلَهُ فِي المستقبل فيؤدى الي مالا نِهَايَةَ لَهُ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْجُمْهُورُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ مَا قَبْلَ التَّكْفِينِ وَبَعْدَهُ بَلْ أَرْسَلُوا الْخِلَافَ وَلَكِنَّ إطْلَاقَهُمْ مَحْمُولٌ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَمُوَافِقُوهُ أَمَّا إذَا خَرَجَتْ مِنْهُ بَعْدَ الْغُسْلِ نَجَاسَةٌ مِنْ غَيْرِ الْفَرْجَيْنِ فَيَجِبُ غَسْلُهَا وَلَا يَجِبُ غَيْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَوْجَبْنَا إعَادَةَ الْغُسْلِ لِنَجَاسَةِ السَّبِيلَيْنِ فَفِي غَيْرِهَا احْتِمَالٌ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ النَّجَاسَةِ وَنَجَاسَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ تَقَعُ عَلَيْهِ وَقَدْ اتَّفَقُوا
عَلَى أَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهَا وَلَوْ لَمَسَ أَجْنَبِيٌّ مَيِّتَةً بَعْدَ غُسْلِهَا أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ مَيِّتًا بَعْدَ غُسْلِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) خُرُوجُ النَّجَاسَةِ مِنْ السَّبِيلِ لَا يُوجِبُ غَيْرَ غسل النجاسة لم يجب هنا شئ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ وَالْمَيِّتَةِ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا نَجَاسَةَ وَإِنْ أَوْجَبْنَا هُنَاكَ الْوُضُوءَ أَوْ الغسل أو حبنا هُنَا إنْ قُلْنَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ الْمَلْمُوسِ وَإِلَّا فَلَا هَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَأَطْلَقَ الْبَغَوِيّ وُجُوبَهُمَا وَمُرَادُهُ إذَا قُلْنَا يُنْتَقَضُ طُهْرُ الْمَلْمُوسِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ شَيْخُهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَمُوَافِقُهُمَا وَلَوْ وُطِئَتْ الْمَيِّتَةُ أَوْ الْمَيِّتُ بَعْدَ الْغُسْلِ فَإِنْ قُلْنَا بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ وَجَبَ هُنَا الْغُسْلُ لِأَنَّهُ مُقْتَضَى الوطئ وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ إلَّا إزَالَةُ النَّجَاسَةِ لم يجب هنا شئ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْقَاضِي وَصَاحِبَاهُ وَمُتَابِعُوهُمْ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى نجاسة باطن الفرج والله اعلم اما ادا خَرَجَ مِنْهُ مَنِيٌّ بَعْدَ غُسْلِهِ فَإِنْ قُلْنَا في خروج
النجاسة يجب غسلها لم يجب هنا شئ لِأَنَّ الْمَنِيَّ طَاهِرٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ وَجَبَ إعَادَةُ غُسْلِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ إذَا تَعَذَّرَ غُسْلُ الْمَيِّتِ لِفَقْدِ الْمَاءِ أَوْ احْتَرَقَ بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى لَمْ يُغَسَّلْ بَلْ يُيَمَّمُ وَهَذَا التَّيَمُّمُ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِزَالَةِ نَجَاسَةٍ فَوَجَبَ الِانْتِقَالُ فِيهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الماء الي التيمم كغسل الجناية وَلَوْ كَانَ مَلْدُوغًا بِحَيْثُ لَوْ غُسِّلَ لَتَهَرَّى أَوْ خِيفَ عَلَى الْغَاسِلِ يُمِّمَ لِمَا ذَكَرْنَاهُ (وَذَكَرَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ لَوْ كَانَ بِهِ قُرُوحٌ وَخِيفَ مِنْ غُسْلِهِ إسْرَاعُ الْبِلَى إلَيْهِ بَعْدَ الدَّفْنِ وَجَبَ غُسْلُهُ لِأَنَّ الْجَمِيعَ صَائِرُونَ إلَى الْبِلَى هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِيمَنْ يُخَافُ مِنْ غُسْلِهِ تَهَرِّي لَحْمِهِ وَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى غُسْلِهِ عَنْ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ وعند أحمد واسحق ييمم قال وبه أقول
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وفي تقليم أظفاره وحف شاربه وحلق عانته قولان
(أحدهما)
يفعل ذلك لانه تنظيف فشرع في حقه كازالة الوسخ
(والثانى)
يكره وهو قول المزني لانه قطع جزء منه فهو كالختان (قال) الشافعي ولا يحلق شعر رأسه قال أبو إسحق ان لم يكن لة جمه حلق رأسه لانه تنظيف فهو كتقليم الاظفار
والمذهب الاول لان حلق الرأس يراد للزينة لا للتنظيف}
* {الشَّرْحُ} فِي قَلْمِ أَظْفَارِ الْمَيِّتِ وَأَخْذِ شَعْرِ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) أَنَّهَا تُفْعَلُ
(وَالْقَدِيمُ) لَا تُفْعَلُ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الِاسْتِحْبَابِ وَالْكَرَاهَةِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ (وَالثَّانِي) يُكْرَهُ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبِ الْحَاوِي وَالْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَالرُّويَانِيِّ فِي الْحِلْيَةِ وَآخَرِينَ مِنْ الْأَصْحَابِ (قَالَ) صَاحِبُ الْحَاوِي الْقَوْلُ الْجَدِيدُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ مَكْرُوهٌ وَقَطَعَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ بِاسْتِحْبَابِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي الْكَرَاهَةِ وَعَدَمِهَا (احد هما) يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعًا وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ مِنْ النَّاسِ مَنْ كَرِهَ أَخْذَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ لَا خِلَافَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تُسْتَحَبُّ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْكَرَاهَةِ (فَمَرْدُودٌ) بِمَا قَدَّمْته مِنْ إثْبَاتِ الْخِلَافِ فِي الِاسْتِحْبَابِ مَعَ جَزْمِ مَنْ جَزَمَ وَعَجَبٌ قَوْلُهُ هَذَا مَعَ شُهْرَةِ هَذِهِ الْكُتُبِ لَا سيما الوسبط والمهذب والتنبيه وأما الاصح من القولين فصصح الْمَحَامِلِيُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَطَعَ بِهِ فِي كِتَابِهِ الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ غَيْرُهُ الْكَرَاهَةَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَنَقَلَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ مِنْهَا الْأُمُّ وَمُخْتَصَرُ الْجَنَائِزِ وَالْقَدِيمُ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ رَأَى حَلْقَ الشَّعْرِ وَتَقْلِيمَ الْأَظْفَارِ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَرَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَتَرْكُهُ أَعْجَبُ إلَيَّ هَذَا نَصُّهُ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي تَرْجِيحِ
تركه ولم بصرح الشافعي في شئ مِنْ كُتُبِهِ بِاسْتِحْبَابِهِ جَزْمًا إنَّمَا حَكَى اخْتِلَافَ شُيُوخِهِ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَتَرَكَهُ وَاخْتَارَ هُوَ تَرْكَهُ فَمَذْهَبُهُ تَرْكُهُ وَمَا سِوَاهُ لَيْسَ مَذْهَبًا لَهُ فَيَتَعَيَّنُ تَرْجِيحُ تَرْكِهِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأُمِّ وَيَتَتَبَّعُ الْغَاسِلُ مَا تَحْتَ أَظَافِيرِ الْمَيِّتِ بِعُودٍ حَتَّى يُخْرِجَ الْوَسَخَ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ يَتْرُكُ أَظَافِيرَهُ وَأَمَّا إذَا قُلْنَا تُزَالُ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْعُودِ فَحَصَلَ أَنَّ الْمَذْهَبَ أَوْ الصَّوَابَ تَرْكُ هَذِهِ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ
الميت محترمة فلا تنهتك بِهَذَا وَلَمْ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فِي هذا شئ فَكُرِهَ فِعْلُهُ وَإِذَا جُمِعَ الطَّرِيقَانِ حَصَلَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (الْمُخْتَارُ) يُكْرَهُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ (وَالثَّالِثُ) يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ اسْتَحَبَّهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَابْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حنبل واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ وَمِمَّنْ كَرِهَهُ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا تُزَالُ هَذِهِ الشُّعُورُ فَلِلْغَاسِلِ أَنْ يَأْخُذَ شَعْرَ الابط
وَالْعَانَةِ بِالْمِقَصِّ أَوْ الْمُوسَى أَوْ النُّورَةِ فَإِنْ نَوَّرَهُ غَسَلَ مَوْضِعَ النُّورَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ النُّورَةُ فِي الْعَانَةِ لِئَلَّا يَنْظُرَ إلَى عَوْرَتِهِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النُّورَةُ في العانة والابط جميعا وبه حزم صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ التَّخْيِيرُ كَمَا سَبَقَ لَكِنْ لَا يَمَسُّ وَلَا يَنْظُرُ مِنْ الْعَوْرَةِ إلَّا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَأَمَّا الشَّارِبُ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا قُلْنَا يُزَالُ أَزَالَهُ بِالْمِقَصِّ كَمَا يُزِيلُهُ فِي الْحَيَاةِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ حَفُّ الشَّارِبِ فِي حَقِّ الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ جَمِيعًا وَلَكِنْ يَقُصُّهُ بِحَيْثُ لَا تَنْكَشِفُ شَفَتُهُ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ حَفُّ شَارِبِهِ فَمُرَادُهُ قَصُّهُ لَا حَقِيقَةُ الْحَفِّ كَمَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا يُزِيلُ هَذِهِ الشُّعُورَ وَالْأَظْفَارَ اُسْتُحِبَّ إزَالَتُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ صَرَّحَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي أَوَّلِ بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ يَفْعَلُهَا قَبْلَ غُسْلِهِ قَالَ وَقَدْ أَخَلَّ الْمُزَنِيّ بِالتَّرْتِيبِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَهُ قَبْلَهُ قُلْت وَكَذَا عَمِلَ الْمُصَنِّفُ وجمهور
الْأَصْحَابِ ذَكَرُوهُ بَعْدَ الْغُسْلِ وَكَأَنَّهُمْ تَأَسَّوْا بِالْمُزَنِيِّ رحمه الله وَلَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ يُخَالِفُونَ فِي اسْتِحْبَابِ تَقْدِيمِهِ وَقَدْ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَقْدِيمِهِ بِقَوْلِهِ قَبْلَ هَذَا وَيَتَتَبَّعُ مَا تَحْتَ أَظْفَارِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ قَلَّمَهَا وَأَمَّا شَعْرُ الرَّأْسِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله لَا يَحْلِقُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إنْ كَانَ لا يعتاد حلق رأسه بأن كان ذاجمة وَهِيَ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ الَّذِي نَزَلَ إلَى الْمَنْكِبَيْنِ لَمْ يُحْلَقْ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ عَادَتُهُ حَلْقَهُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يحلق (والثاني) عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْأَظْفَارِ وَالشَّارِبِ وَالْإِبْطِ وَالْعَانَةِ وَهَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي ذَكَرْته بَيْنَ الْمُعْتَادِ وَغَيْرِهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَكَلَامُ
الْمُصَنِّفِ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا خِتَانُ مَنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يخنن فَفِيهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ
وَالْجُمْهُورُ لَا يُخْتَنُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ قَوْلَانِ كَالشَّعْرِ وَالظُّفْرِ حَكَاهُ الدَّارِمِيُّ (وَالثَّالِثُ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يُخْتَنُ
(وَالثَّانِي)
يُخْتَنُ (وَالثَّالِثُ) يُخْتَنُ الْبَالِغُ دُونَ الصَّبِيِّ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَى الْبَالِغِ دُونَ الصَّبِيِّ (وَالصَّحِيحُ) الْجَزْمُ بِأَنَّهُ لَا يُخْتَنُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ جُزْءٌ فَلَمْ يُقْطَعْ كَيَدِهِ الْمُسْتَحِقَّةِ فِي قَطْعِ سَرِقَةٍ أَوْ قِصَاصٍ فَقَدْ أَجْمَعُوا أَنَّهَا لَا تُقْطَعُ وَيُخَالِفُ الشَّعْرَ وَالظُّفْرَ فَإِنَّهُمَا يُزَالَانِ فِي الْحَيَاةِ للزينة والميت بشارك الْحَيَّ فِي ذَلِكَ وَالْخِتَانُ يُفْعَلُ لِلتَّكْلِيفِ بِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْمَوْتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي الشُّعُورِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ شَارِبِهِ وَإِبْطِهِ وَعَانَتِهِ وَأَظْفَارِهِ وَمَا اُنْتُتِفَ مِنْ تَسْرِيحِ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَجِلْدَةِ الْخِتَانِ إذَا قُلْنَا يُخْتَنُ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصِرَّ كُلُّ ذَلِكَ مَعَهُ فِي كَفَنِهِ وَيُدْفَنَ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَصَاحِبُهُ الْبَغَوِيّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَالْخُلَاصَةِ وَصَاحِبُ
الْعُدَّةِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ فِي الْخِلَافِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ مَعَهُ بَلْ يُوَارَى فِي الْأَرْضِ غَيْرِ الْقَبْرِ وَهَذَا اخْتِيَارُ صَاحِبِهِ فَإِنَّهُ حَكَى عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ اسْتِحْبَابَ دَفْنِهَا مَعَهُ ثُمَّ قَالَ وَالِاخْتِيَارُ عِنْدَنَا أَنَّهَا لَا تُدْفَنُ مَعَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ خَبَرٌ وَلَا أَثَرٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالذَّوَائِبُ وَالضَّفَائِرُ وَالْغَدَائِرُ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ - مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى وَهِيَ خُصَلُ الشَّعْرِ لَكِنَّ الضَّفِيرَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مَضْفُورَةً وَأَصْلُ الضَّفْرِ الْفَتْلُ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي ذَكَرَهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَبِمِثْلِ مَذْهَبِنَا فِي اسْتِحْبَابِ تَسْرِيحِ شَعْرِهَا وَجَعْلِهِ ثَلَاثَةَ ضَفَائِرَ خَلْفَهَا قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ
لَا يُضَفَّرُ شَعْرُهَا وَلَا يُسَرَّحُ بَلْ يُتْرَكُ مرسلا من كتفيها
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه هَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَبَسَطَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله الْقَوْلَ فِي ذِكْرِ طُرُقِهِ وَقَالَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ الْبُخَارِيِّ قَالَ إنَّ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَعَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ قَالَا لَا يصح في الباب شئ وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ لَا أَعْلَمُ فِيهِ حَدِيثًا ثَابِتًا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا قَالَ وَإِسْنَادُهُ سَاقِطٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ غَسَّلَ أَبَاهُ أَبَا طَالِبٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَغْتَسِلَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ وَأَسَانِيدُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ وَبَعْضُهَا مُنْكَرٌ وَفِي حَدِيثٍ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يَغْتَسِلُ مِنْ الْجَنَابَةِ وَيَوْمَ الْجُمُعَةِ وَمِنْ الْحِجَامَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَهَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الْوُضُوءِ مَنْ حَمْلِ الْمَيِّتِ ضَعِيفٌ وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّهُ حَسَنٌ بَلْ هُوَ ضَعِيفٌ وقد بَيَّنَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ضَعْفَهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله الرِّوَايَاتُ الْمَرْفُوعَةُ فِي هَذَا عَنْ أَبِي هريرة غير قوية بعضها لجهالة رواتها وبعضها (1) قال والصحيح انه موقوف عليه وَضَعَّفَ الْمَرْفُوعَ بِهِ أَيْضًا مَعَ مَنْ قَدَّمْنَا أَيْضًا الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَقَالَ الْمُزَنِيّ هَذَا الْغُسْلُ لَيْسَ
بِمَشْرُوعٍ وَكَذَا الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّ الْمَيِّتِ وَحَمْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فيهما شئ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ مَسَّ حَرِيرًا أَوْ مَيْتَةً لَيْسَ عَلَيْهِ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ فَالْمُؤْمِنُ أَوْلَى هَذَا كَلَامُ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ قَوِيٌّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ سُنَّةٌ سَوَاءٌ صَحَّ فِيهِ حَدِيثٌ أَمْ لَا فَلَوْ صَحَّ حَدِيثٌ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ
(وَالثَّانِي)
فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَالْقَدِيمُ أَنَّهُ وَاجِبٌ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ وَإِلَّا فَسُنَّةٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله لَا أَعْلَمُ أَحَدًا أَوْجَبَ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الحديث للاستحباب قال ابن المنذر في
(1) بياض بالاصل فليحرر
الْإِشْرَافِ رحمه الله قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ والنخعي والشافعي واحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَابْنِ سرين والزهرى يغتسل وعن النخعي واحمد واسحق يتوضأ قال ابن المنذر لا شئ عَلَيْهِ لَيْسَ فِيهِ حَدِيثٌ يَثْبُتُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَغُسْلُ الْجُمُعَةِ وَالْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ مِنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَغْسَالِ الْمَسْنُونَةِ وَأَيُّهُمَا آكَدُ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ أَنَّ الْغُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ آكَدُ (الثَّانِي) وَهُوَ الْمُخْتَارُ أَنَّ غُسْلَ الْجُمُعَةِ آكَدُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ صِفَةِ غُسْلِ الْجَنَابَةِ وَسَبَقَ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الخلاف والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي رَافِعٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَقَالَ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَأَبُو رَافِعٍ اسْمُهُ مُسْلِمٌ وَقِيلَ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ تُوُفِّيَ فِي خِلَافَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا الْحُكْمُ الَّذِي قَالَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ رحمه الله لَوْ كَانَ الْمَيِّتُ مُبْتَدِعًا مُظْهِرًا لِبِدْعَتِهِ وَرَأَى الْغَاسِلُ مَا يَكْرَهُ فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقِيَاسُ أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ في الناس
لِلزَّجْرِ عَنْ بِدْعَتِهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ مُتَعَيِّنٌ لَا عُدُولَ عَنْهُ وَالْحَدِيثُ وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ خَرَجَا عَلَى الْغَالِبِ وَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصٌ فِي هَذَا وَعَكْسِهِ وَسَنُوَضِّحُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي آخِرِ بَابِ التَّعْزِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ غُسْلُ الْمَيِّتِ بِلَا كَرَاهَةٍ وَكَرِهَهُمَا الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَكَرِهَ مَالِكٌ الْجُنُبَ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُمَا طَاهِرَانِ كَغَيْرِهِمَا (الثَّانِيَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ أَنَّ الْآدَمِيَّ هَلْ يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ قَوْلَانِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَنْجَسُ
(وَالثَّانِي)
يَنْجَسُ وَأَمَّا غُسَالَتُهُ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَنْجَسُ بِالْمَوْتِ فَطَاهِرَةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَنْجَسُ فَالْقِيَاسُ انها نجسة ونقل الدارمي عن أبى اسحق الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ غُسَالَتَهُ طَاهِرَةٌ سَوَاءٌ قُلْنَا بِطَهَارَةِ الْآدَمِيِّ أَمْ بِنَجَاسَتِهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فِي هَذَا نَظَرٌ (الثَّالِثَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغَسَّلَ الْمَيِّتُ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ بِهَا زَادَ حَتَّى يَحْصُلَ الْإِنْقَاءُ قَالَ السَّرَخْسِيُّ قَالَ الْقَفَّالُ وَإِذَا حَصَلَ الْإِنْقَاءُ بِالثَّلَاثِ لَا بَأْسَ أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ بِهِ وِتْرًا آخَرَ بِخِلَافِ طَهَارَةِ الْحَيِّ فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَلَاثٍ وَالْفَرْقُ أَنَّ طَهَارَةَ الْحَيِّ مَحْضُ تَعَبُّدٍ وَهُنَا الْمَقْصُودُ التَّنْظِيفُ وَإِزَالَةُ الشَّعَثِ (الرَّابِعَةُ) سَبَقَ أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ الْمَضْمَضَةِ
فِي غُسْلِ الْمَيِّتِ وَالِاسْتِنْشَاقُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وأحمد وداود وابن المنذر وقال أبو حنيفة لَا يُشْرَعَانِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالنَّخَعِيِّ وَالثَّوْرِيِّ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وَابْدَأْنَ بِمَوَاضِعِ الْوُضُوءِ مِنْهَا " وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ تَسْرِيحِ شَعْرِ الْمَيِّتِ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ لَا يُسَرَّحُ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ الْكَافُورِ فِي الْغَسْلَةِ الْأَخِيرَةِ وَفِي غَيْرِهَا الْخِلَافُ السَّابِقُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهَذَا قَالَ عَامَّةُ الْفُقَهَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُسْتَحَبُّ دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ وَمَذْهَبُنَا اسْتِحْبَابُ غُسْلِ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْإِنْقَاءُ زِدْنَا حَتَّى يَحْصُلَ وَيُسْتَحَبُّ بَعْدَهُ الْإِيتَارُ وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَقْدِيرَ لِلِاسْتِحْبَابِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها
*
{باب الكفن}
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمُحْرِمِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية ابن عناس وَسَبَقَ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَلَيْسَ فِي الصحيحين قوله اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِهِمَا ثَوْبَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا ثَوْبَيْهِ وَالْكِسْوَةُ - بِكَسْرٍ الْكَافِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) تَكْفِينُ الميت فرض كفاية بالنص والاجماع والا يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ مِنْ مُكَلَّفٍ حَتَّى لَوْ كَفَّنَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ حَصَلَ التَّكْفِينُ لِوُجُودِ الْمَقْصُودِ (الثَّانِيَةُ) مَحِلُّ الْكَفَنِ تَرِكَةُ الْمَيِّتِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَالْإِجْمَاعِ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ قُدِّمَ الْكَفَنُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتَثْنَى أَصْحَابُنَا صُوَرًا يُقَدَّمُ فِيهَا الدَّيْنُ عَلَى الْكَفَنِ وَضَابِطُهَا أَنْ يَتَعَلَّقَ الدَّيْنُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ (فَمِنْ) الصُّوَرِ الْمُسْتَثْنَاةِ مَالٌ تَعَلَّقَتْ بِهِ زَكَاةٌ لِشَاةٍ بَقِيَتْ مِنْ اربعين
والمرهون والعبد الجاني والبيع إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي مُفْلِسًا وَشَبَهُهَا فَيُقَدَّمُ صَاحِبُ الدَّيْنِ بِلَا خِلَافٍ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِنَا الْجُرْجَانِيُّ فِي فَرَائِضِهِ وَالْبَغَوِيُّ فِي التَّهْذِيبِ والخيرى في الفرائض وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُنَبِّهَ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَحَنُوطُ الْمَيِّتِ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ كَالْغُسْلِ وَالْحَمْلِ وَالدَّفْنِ وَغَيْرِهَا لَهَا حُكْمُ الْكَفَنِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ
*
(فَرْعٌ)
تَكْفِينُ الْمَيِّتِ وَسَائِرُ مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ يُحْسَبُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ الْكَفَنُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ غَيْرَهُ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً إلَّا مَا سَأَذْكُرُهُ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٌ وَمُجَاهِدٌ وَالْحَسَنُ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ والشافعي واحمد واسحق وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَبِهِ نَقُولُ وَقَالَ خِلَاسُ بن عمر وبكسر الْخَاءِ مِنْ ثُلُثِ التَّرِكَةِ وَقَالَ طَاوُسٌ إنْ كَانَ الْمَالُ قَلِيلًا فَمِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَمِنْ رَأْسِ الْمَالِ
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ الْمُحْرِمِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْأَلْ هَلْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ أَمْ لَا (الثَّالِثَةُ) إذَا طَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ تَكْفِينَهُ مِنْ مَالِهِ وَآخَرُ مِنْ التَّرِكَةِ كُفِّنَ مِنْ التَّرِكَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَاتَتْ مُزَوَّجَةٌ فَهَلْ يَلْزَمُ الزَّوْجَ كَفَنُهَا فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ يَجِبُ عَلَى زَوْجِهَا مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَالرَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وُجُوبَهُ فِي مَالِهَا قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَصْحَابِنَا وَفِي هذا النقل نظر لان الا كثرين انما نقلوه عن أبى علي ابن ابى هريرة ودليل الوجهين في الكتاب قال البندنيجي والعبد رى وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الزَّوْجَةُ مُوسِرَةً أَوْ مُعْسِرَةً فَفِيهَا الْوَجْهَانِ وَأَمَّا تَقْيِيدُ الْغَزَالِيِّ فِي الْوَسِيطِ الْوَجْهَيْنِ بِمَا إذَا كَانَتْ مُعْسِرَةً فَأَنْكَرُوهُ عَلَيْهِ وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ ذَكَرَ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمُوسِرَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحُكْمُ مُؤْنَةِ غُسْلِهَا وَدَفْنِهَا وَسَائِرِ مُؤَنِ تَجْهِيزِهَا حُكْمُ الْكَفَنِ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ في المجموع
وَالتَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ قُلْنَا يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ فِي مَالِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَالٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَمَةِ إنَّهَا صَارَتْ أَجْنَبِيَّةً بِالْمَوْتِ فَقَدْ قَالَ مِثْلَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَنْكَرَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَالَ نَفَقَةُ الْأَمَةِ كَانَتْ لِسَبَبِ الْمِلْكِ وَلَا تَبْطُلُ أَحْكَامُهُ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا كَانَ السَّيِّدُ أَحَقَّ بِدَفْنِهَا وَتَوَلِّيَ تَجْهِيزِهَا (الْخَامِسَةُ) إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ مَالٌ وَلَا زَوْجٌ
وَجَبَ كَفَنُهُ وَسَائِرُ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ مِنْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ وَسَيِّدٍ فَيَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ كَفَنُ عَبْدِهِ وَأَمَتِهِ وَالْقِنِّ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ انْفَسَخَتْ بِالْمَوْتِ وَسَوَاءٌ فِي أَوْلَادِهِ الْبَالِغُ وَغَيْرُهُ وَالصَّحِيحُ وَالزَّمِنُ وَكَذَا الْوَالِدُونَ لِأَنَّهُمْ بِالْمَوْتِ صَارُوا عَاجِزِينَ عَنْ الْكَسْبِ وَنَفَقَةُ الْعَاجِزِ وَاجِبَةٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ من تلزمه نفقته وجبت مونة تَجْهِيزِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ كَنَفَقَتِهِ وَهَلْ يُكَفَّنُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِثَوْبٍ أَمْ بِثَلَاثَةٍ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ قَالَ الْإِمَامُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْأَئِمَّةُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ وَجْهَانِ وَمِمَّنْ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) بِثَوْبٍ لِأَنَّهُ يَسْتَغْنِي عَمَّا سِوَاهُ وَبَيْتُ الْمَالِ لِلْمُحْتَاجِ فَإِنْ قُلْنَا بِثَوْبٍ فَتَرَكَ الْمَيِّتُ ثَوْبًا لَمْ يُزَدْ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِنْ قُلْنَا ثَلَاثَةٌ فَهَلْ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ أَمْ يُكْمِلُ ثَلَاثَةً فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُكْمِلُ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِ الْمَالِ مَالٌ وَجَبَ كَفَنُهُ وَسَائِرُ مُؤَنِ تَجْهِيزِهِ عَلَى عَامَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَنَفَقَتِهِ فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَا يَجِبُ حِينَئِذٍ إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّ أَمْوَالَ الْعَامَّةِ أَضْيَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا إلَّا الضَّرُورَةُ وَهَذَا كُلُّهُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَهُوَ مَفْهُومٌ مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ الْكَفَنُ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ فَإِنَّ النَّفَقَةَ مُرَتَّبَةٌ هَكَذَا وَإِذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِ قَرِيبِهِ الَّذِي عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَهَلْ يُكَفَّنُ بِثَوْبٍ أَمْ بِثَلَاثَةٍ فِيهِ وَجْهَانِ كَبَيْتِ الْمَالِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بِثَوْبٍ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ فَإِنْ مَاتَ لَهُ أَقَارِبُ دفعة واحدة بهم أو غرق أو غيرهما قَدَّمَ فِي التَّكْفِينِ وَغَيْرِهِ مِنْ يَخَافُ فَسَادَهُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِيهِ قَدَّمَ الْأَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ قَدَّمَ أَسَنَّهُمَا فَإِنْ كانا زوجين اقرع بينهما إذا أمر به
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَفَنِ الزَّوْجَةِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ الْأَصَحَّ عِنْدَنَا أَنَّهُ عَلَى الزَّوْجِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ فِي مَالِهَا وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ
* (فَرْعٌ)
قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ لَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَاكَ مَا يُكَفَّنُ به الاثوب مَعَ مَالِكٍ لَهُ غَيْرِ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ لَزِمَهُ بَذْلُهُ بِقِيمَتِهِ كَالطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَانِ الْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا وَصَحَّحَ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَصَاحِبَا الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَآخَرُونَ مِنْ العراقيين الا كتفاء بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ في الحاوى والقاضي أبو الطب فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَقَطَعَ به
من الخراسانيين الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ فَإِنَّهُ قَالَ رحمه الله وَمَا كُفِّنَ فِيهِ الْمَيِّتُ أَجْزَأَهُ وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَفَّنَ يَوْمَ أُحُدٍ بَعْضَ الْقَتْلَى بِنَمِرَةٍ " فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أنه ليس فيه حدلا يقصر عنه وعلى أنه يجزى ما وارئ الْعَوْرَةَ هَذَا لَفْظُ نَصِّهِ وَقَطَعَ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ بِأَنَّهُ يَجِبُ سَاتِرُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَهُ مِنْهُمْ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَحَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ فِي الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ هَذَانِ الْوَجْهَانِ وَالثَّالِثُ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَالْأَصَحُّ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ وَعَنْ ظَاهِرِ نَصِّهِ وَهُوَ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ لِحَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي اسْتِدْلَالِهِ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَفَّنَهُ يَوْمَ أُحُدٍ بِنَمِرَةٍ غَطَّى بِهَا رَأْسَهُ وَبَدَتْ رِجْلَاهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوا عَلَى رِجْلَيْهِ
الْإِذْخِرَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (فَإِنْ) قِيلَ لَعَلَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَى النَّمِرَةِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهُ يَبْعُدُ مِمَّنْ خَرَجَ لِلْقِتَالِ ان لا يكون معه غيرهما مِنْ سِلَاحٍ وَغَيْرِهِ مِمَّا يُشْتَرَى بِهِ كَفَنٌ
(وَالثَّانِي)
لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهَا وَالسَّاتِرُ غَيْرُهَا لَوَجَبَ تَتْمِيمُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ فُقِدَ فَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {والمستحب أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ ولفافتين بيض لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا قَالَتْ " كفن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثلاثة اثواب سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة) فان كفن في خمسة اثواب لم يكره لان ابن عمر رضى الله عنهما كان يكفن اهله في خمسة اثواب فيها قميص وعمامة ولان اكمل ثياب الحي خمسة قميصان وسراويل وعمامة ورداء ويكره الزيادة علي ذلك لانه سرف وان قال بعض الورثة يكفن بثوب وقال بعضهم بثلاثة ففيه وجهان (احدهما) يكفن بثوب لانه يعم ويستر
(والثانى)
يكفن بثلاثة لانه الكفن المعروف المسنون والافضل ان لا يكون فيها قميص ولا عمامة لحديث عائشة رضى الله عنها فان جعل فيها قميص وعمامة لم يكره لان النبي صلى الله عليه وسلم اعطى ابن عبد الله بن ابي بن سلول قميصا ليجعله في كفن ابيه وان كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الثياب لان اظهاره زينة وليس الحال حال زينة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ كَفَّنَ أَهْلَهُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَقَالَ رَوَيْنَا عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مَاتَ فَكَفَّنَهُ ابْنُ عُمَرَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَثَلَاثِ لَفَائِفَ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَجَابِرِ بْنِ عبد الله واسم ان عبد الله هَذَا عَبْدُ اللَّهِ أَيْضًا وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن عبد الله ابن ابي بن سَلُولَ فَأُبَيٌّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْبَاءِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَسَلُولُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِلَامَيْنِ الْأُولَى مَضْمُومَةٌ وَهُوَ اسْمُ امْرَأَةٍ فَلَا يَنْصَرِفُ فَعَبْدُ اللَّهِ الْمَيِّتُ هُوَ ابْنُ أُبَيٍّ وَهُوَ ابْنُ سَلُولَ أَيْضًا فَأُبَيٌّ أَبُوهُ وَسَلُولُ أُمُّهُ وَسَلُولُ زَوْجَةُ أُبَيِّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالصَّوَابُ فِي كِتَابَتِهِ وقرأته أَنْ تُنَوَّنَ أُبَيٌّ وَيُكْتَبُ
ابْنُ سَلُولَ بِالْأَلِفِ فِي ابْنٍ وَلِهَذَا نَظَائِرُ كقولهم محمد بن على بن الحنفية واسماعيل بن ابراهيم بن علية وآخرين قد أفردتهم في جزء وأشرت الهيم فِي تَرْجَمَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ الْمَيِّتُ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ كَثِيرَ إسَاءَةِ الْأَدَبِ وَالْكَلَامِ الْقَبِيحِ وَأَمَّا ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ الَّذِي أَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْقَمِيصَ فَكَانَ مُسْلِمًا صَالِحًا فَاضِلًا رضي الله عنه وَالْقَمِيصُ الَّذِي أَعْطَاهُ إيَّاهُ هُوَ قَمِيصُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قِيلَ أَعْطَاهُ إيَّاهُ لِيُطَيِّبَ قَلْبَ ابْنِهِ وَقِيلَ لِأَنَّ
الْمَيِّتَ الْمُنَافِقَ كَانَ كَسَا الْعَبَّاسَ رضي الله عنه عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبًا حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَوْبًا بَدَلَهُ لِئَلَّا يَبْقَى لِكَافِرٍ عِنْدَهُ يَدٌ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلِهَذَا صَلَّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يُنْهَى عَنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (فَإِنْ) قِيلَ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلَى الْقَمِيصِ وَالْعِمَامَةِ وَلَيْسَ لِلْعِمَامَةِ ذِكْرٌ فِيهِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّهُ إذَا ثبت احدهما ثبت الآخر إذ لافرق (وقولها) سُحُولِيَّةٌ رُوِيَ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْفَتْحُ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ بِالْفَتْحِ مَدِينَةٌ فِي نَاحِيَةِ الْيَمَنِ مِنْهَا ثِيَابٌ يُقَالُ لَهَا سَحُولِيَّةٌ قَالَ وَأَمَّا السُّحُولِيَّةُ بِالضَّمِّ فَهِيَ الثِّيَابُ الْبِيضُ وَقَالَ غَيْرُ الْأَزْهَرِيِّ هِيَ بِالْفَتْحِ نِسْبَةٌ إلَى قَرْيَةٍ بِالْيَمَنِ وَبِالضَّمِّ ثِيَابُ الْقُطْنِ وَقِيلَ بِالضَّمِّ ثِيَابٌ نَقِيَّةٌ مِنْ الْقُطْنِ خَاصَّةً (قَوْلُهُ) وَلِأَنَّ أَكْمَلَ ثِيَابِ الْحَيِّ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ أَكْمَلُ بِالْكَافِ وَفِي بَعْضِهَا أَجْمَلُ بِالْجِيمِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَالْكَافُ أَكْثَرُ وَأَحْسَنُ (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ سَرَفٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ السَّرَفُ مَا جَاوَزَ الْحَدَّ الْمَعْرُوفَ لِمِثْلِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُكَفَّنَ الرَّجُلُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَلِفَافَتَيْنِ وَالْمُرَادُ بِالْإِزَارِ الْمِئْزَرُ الَّذِي يُشَدُّ فِي الْوَسَطِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْبَالِغُ وَالصَّبِيُّ فَيُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الصَّبِيِّ فِي ثَلَاثَةٍ كَالْبَالِغِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكَفَّنُ الصَّبِيُّ فِي خِرْقَتَيْنِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ ذَكَرٌ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ لَمْ يُكْرَهْ وَلَمْ يُسْتَحَبَّ وَإِنْ كُفِّنَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى خَمْسَةٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ لِأَنَّهُ سَرَفٌ وَلَمْ يَقُولُوا إنَّ الزِّيَادَةَ حَرَامٌ مَعَ أَنَّهَا إضَاعَةُ مَالٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ فِيهِ وَلَوْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ لَمْ يَبْعُدْ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَكُونَ فِي الْكَفَنِ قَمِيصٌ وَلَا عِمَامَةٌ فَإِنْ كَانَا لَمْ يُكْرَهْ لَكِنَّهُ خِلَافُ الْأَوْلَى لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ فِي الْخِلَافِ يُكْرَهُ التَّكْفِينُ فِي الْقَمِيصِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَعَ أَنَّهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ ضَعِيفٌ بَلْ بَاطِلٌ مِنْ جِهَةِ الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ مَا ثَبَتَ فِيهِ نَهْيٌ مَقْصُودٌ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هذا شئ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ قَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ اُسْتُحِبَّ جَعْلُهَا تَحْتَ الثِّيَابِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ثَلَاثَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ هُنَا تَكْفِينُهُ فِي ثَلَاثَةٍ وَفِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقٌ آخَرُ ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ الْقَطْعُ بِثَلَاثَةٍ نَقَلَهُ عَنْ مُعْظَمِ الْأَصْحَابِ وَلَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ سَاتِرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ وَقُلْنَا بِجَوَازِهِ فَاَلَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ أَنَّهُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَحَكَى صَاحِبُ البيان وجها أنه يكفن بساتر العورة هو غلط صريح ولو اتفقت الورثة على ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَطَرِيقَانِ قَطَعَ الْبَغَوِيّ بِأَنَّهُ يُكَفَّنُ في ثوب وطرد النولى فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَهُوَ الْأَقْيَسُ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فَقَالَتْ الْوَرَثَةُ نُكَفِّنُهُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَقَالَ الْغُرَمَاءُ فِي ثَوْبٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ تَكْفِينُهُ بِثَوْبٍ لِأَنَّ تَخْلِيصَ ذِمَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ أَنْفَعُ لَهُ مِنْ إكْمَالِ الْكَفَنِ
(وَالثَّانِي)
يُكَفَّنُ بِثَلَاثَةٍ كَالْمُفْلِسِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ لَهُ الثِّيَابُ اللَّائِقَةُ بِهِ وَمَنْ قَالَ بِالْأَوَّلِ فَرَّقَ بِأَنَّ ذِمَّةَ الْمُفْلِسِ عَامِرَةٌ فَهُوَ بِصَدَدِ الْوَفَاءِ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ وَلَوْ قَالَتْ الْغُرَمَاءُ يُكَفَّنُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ بِثَوْبٍ سَاتِرٍ جَمِيعَ الْبَدَنِ نَقَلَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى سَاتِرِ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَلَوْ اتَّفَقَتْ الْوَرَثَةُ وَالْغُرَمَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَإِنَّمَا ذَكَرُوهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَشَكَّكَ فِيهِ إنْسَانٌ مِنْ حَيْثُ إنَّ ذِمَّتَهُ تَبْقَى مُرْتَهَنَةً بِالدَّيْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبٍ لَا غير كنفى ثَوْبٌ سَابِغٌ لِلْبَدَنِ لِأَنَّ الْكَفَنَ حَقُّهُ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ مِنْ الزِّيَادَةِ قَالَ وَلَوْ قَالَ رَضِيت بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ تَصِحَّ وَصِيَّتُهُ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ فِي سَاتِرٍ لِجَمِيعِ بَدَنِهِ قَالَ الامام وهذا الذى ذكره فِي نِهَايَةِ الْحُسْنِ وَكَذَا جَزَمَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وغيره قال اصحابنا الثوب الواحد حق له تَعَالَى لَا تَنْفُذُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فِي إسْقَاطِهِ وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ حَقٌّ لِلْمَيِّتِ تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِإِسْقَاطِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِذَا اخْتَلَفُوا فِي جِنْسِ الْكَفَنِ قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كان الميت موسرا كفن با علي الْأَجْنَاسِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَبِالْأَوْسَطِ وَبِالْأَدْوَنِ إنْ كَانَ فَقِيرًا
* (فَرْعٌ)
إنْ قِيلَ ذَكَرْتُمْ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَهَذَا يُخَالِفُ حَدِيثَ الْمُحْرِمِ الَّذِي سَقَطَ عَنْ بَعِيرِهِ فَإِنَّهُ كُفِّنَ فِي ثَوْبَيْنِ وَجَوَابُهُ مَا أَجَابَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمَا وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ الثَّلَاثَةُ ليتمكن منها
*
* قال المصنف رحمه الله
* " والمستحب أن يكون الكفن بيضاء لحديث عائشة رضى الله عنها والمستحب أن يكون حسنا لِمَا رَوَى جَابِرٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه " وتكره المغالاة فيه لِمَا رَوَى عَلِيٌّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تغالوا في الكفن فانه يسلب
سريعا " والمستحب ان يبخر الكفن لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها سَبَقَ بَيَانُهُ أَنَّهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَحَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَحَدِيثُ جَابِرٍ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وحديثه الاخر رواه احمد ابن حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شرط مسلم ولكن روى البيهقى باسناده عَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يرفعه الايحيى بْنُ آدَمَ قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَا أظنه الاغلطا قُلْت كَأَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فَرَّعَهُ عَلَى قَاعِدَةِ أَكْثَرِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّ الْحَدِيثَ إذَا رُوِيَ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا حُكِمَ بِالْوَقْفِ وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الفقهاء واصحاب الاصول ومحققوا الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالرَّفْعِ لِأَنَّهَا زِيَادَةُ ثِقَةٍ وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فَأَوْتِرُوا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرَوَى جَمِّرُوا كَفَنَ الْمَيِّتِ ثَلَاثًا وَلَفْظُ رِوَايَةِ أَحْمَدَ إذَا أَجْمَرْتُمْ الْمَيِّتَ فاجمروه ثلاثا (وقوله) يكون الكفن بيضاء أي ثيابا بيضاء وَالْإِجْمَارُ التَّبَخُّرُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فَلْيُحْسِنْ كَفَنَهُ - هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ - كَذَا ضَبَطَهُ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ إسْكَانَ الْفَاءِ أَيْ فَعَلَ التَّكْفِينَ مِنْ الْإِشْبَاعِ وَالْعُمُومِ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ أَيْ يَكُونُ الْكَفَنُ حَسَنًا وَسَأَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا مَعْنَى تَحْسِينِهِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ
الْكَفَنُ أَبْيَضَ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ وَالْحَدِيثَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ تَحْسِينُ الكفن قال أصحابنا والمراد بتحسينه بياضه ونظاقته وَسَوْغُهُ وَكَثَافَتُهُ لَا كَوْنُهُ ثَمِينًا لِحَدِيثِ النَّهْيِ
عن المغالاة وتكره المغالاة فيه للحديت قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ الثَّوْبُ الْغَسِيلُ أَفْضَلُ مِنْ الْجَدِيدِ وَدَلِيلُهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ قَالَتْ نَظَرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه إلَى ثَوْبٍ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ فَقَالَ " اغْسِلُوا هَذَا وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهَا قُلْت إنَّ هَذَا خَلَقٌ قَالَ الْحَيُّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنْ الْمَيِّتِ إنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ - وَالْمُهْلَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا - هِيَ دَمُ الْمَيِّتِ وَصَدِيدُهُ وَنَحْوُهُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيَجُوزُ تَكْفِينُ كُلِّ إنْسَانٍ فِيمَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ فَيَجُوزُ مِنْ الْقُطْنِ وَالصُّوفِ وَالْكَتَّانِ وَالشَّعْرِ وَالْوَبَرِ وَغَيْرِهَا وَأَمَّا الْحَرِيرُ فَيَحْرُمُ تَكْفِينُ الرَّجُلِ فِيهِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَالْمَشْهُورُ الْقَطْعُ بِجَوَازِ تَكْفِينِهَا فِيهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُهُ فِي الْحَيَاةِ لَكِنْ يُكْرَهُ تَكْفِينُهَا فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ سَرَفًا وَيُشْبِهُ إضَاعَةَ الْمَالِ بِخِلَافِ اللُّبْسِ فِي الْحَيَاةِ فَإِنَّهُ تَجَمُّلٌ لِلزَّوْجِ وَحَكَى صَاحِبِ الْبَيَانِ فِي زِيَادَاتِ الْمُهَذَّبِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَأَمَّا الْمُعَصْفَرُ وَالْمُزَعْفَرُ فَلَا يَحْرُمُ تَكْفِينُهَا فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَحَكَى صَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَجْهَيْنِ ثَانِيهمَا لَا يُكْرَهُ قَالَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْتَبَرُ فِي الْكَفَنِ الْمُبَاحِ حَالُ الْمَيِّتِ فَإِنْ كَانَ مُكْثِرًا مِنْ الْمَالِ فَمِنْ جِيَادِ الثِّيَابِ وَإِنْ كَانَ مُتَوَسِّطًا فَأَوْسَطُهَا وَإِنْ كَانَ مُقِلًّا فَخَشِنُهَا هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرِهِمَا (الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ تَبْخِيرُ الْكَفَنِ إلَّا فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ وَالْمُحْرِمَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا صِفَةُ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْكَفَنَ عَلَى عُودٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ يُبَخَّرُ كَمَا يُبَخَّرُ ثِيَابُ الْحَيِّ حَتَّى تَعْبَقَ بِهَا رَائِحَةُ الطِّيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا ويستحب أن يكون الطيب عوداو كون الْعُودُ غَيْرَ مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ فَإِنْ كَانَ مُطَيَّبًا به جاز ويستحب تطييبه ثلاثا للحديث قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب أن يبسط أحسنها وأوسعها ثم الثاني الذى يلي الميت اعتبارا بالحي فانه يجعل أحسن ثيابه وأوسعها فوق الثياب وكلما فرش ثوبا نثر فيه الحنوط ثم يحمل الميت الي الا كفان مستورا ويترك علي الكفن مستلقيا على ظهره ويؤخذ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فِيهِ الْحَنُوطَ
والكافور ويجعل بين اليتيه ويشد عليه كما يشد التبان ويستحب أن يؤخذ القطن ويجعل عليه الحنوط والكافور ويترك على الفم والمنخرين والعينين والاذنين وعلي خراج نافذ إن كان عليه
ليخفى ما يظهر من رائحته ويجعل الحنوط والكافور علي قطن ويترك علي مواضع السجود لما روى عن عبد الله بن مسعود أنه قال يتتبع بالطيب مساجده ولان هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت بالطيب قال وأحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لان ذلك يقوى البدن ويشده وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْكَافُورِ كَمَا يفعل الحى إذا تطيب قال في البويطي فان حنط بالمسك فلا بأس لما روى أبو سَعِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " المسك من أطيب الطيب " وَهَلْ يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ أَمْ لَا فِيهِ قولان وقيل فيه وجهان احدهما يجب لانه جرت به العادة في الميت فكان واجبا كالكفن والثاني انه لا يجب كما لا يجب الطيب في حق المفلس وان وجبت الكسوة}
*
{الشرح} حديت أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْمِسْكُ أَطْيَبُ الطِّيبِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ هَكَذَا وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ أَطْيَبِ الطِّيبِ بِزِيَادَةِ مِنْ وَالْأَثَرُ المذكور عن ابن مسعود يتبع الطيب مَسَاجِدَهُ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَنُوطُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّ النُّونِ - هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَيُقَالُ الْحِنَاطُ بِكَسْرٍ وَهُوَ أَنْوَاعٌ مِنْ الطِّيبِ يُخْلَطُ لِلْمَيِّتِ خَاصَّةً لَا يُقَالُ فِي غَيْرِ طِيبِ الْمَيِّتِ حَنُوطٌ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ يَدْخُلُ فِي الْحَنُوطِ الْكَافُورُ وَذَرِيرَةُ القصب والصندل الاحمر والابيض (وقوله) كما يستدل التُّبَّانُ هُوَ بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ فَوْقَ وَتَشْدِيدِ الْمُوَحَّدَةِ وهو سراويل قصيرة صغيرة بلاتكة (قَوْلُهُ) وَعَلَى خُرَاجٍ نَافِذٍ هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَهُوَ الْقُرْحَةُ فِي الْجَسَدِ
* واما الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَبْسُطَ أَوْسَعَ اللَّفَائِفِ وَأَحْسَنَهَا وَيُذَرُّ عَلَيْهَا حَنُوطٌ ثُمَّ يبسط الثانية عليها ويذز عَلَيْهَا حَنُوطٌ وَكَافُورٌ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فِي لِفَافَةٍ ثَالِثَةٍ أَوْ رَابِعَةٍ كَانَتْ كَالثَّانِيَةِ فِي أَنَّهَا دُونَ الَّتِي قَبْلَهَا وَفِي ذَرِّ الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ وَاتَّفَقَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَنُوطِ كَمَا ذَكَرْنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رحمه الله هذا شئ لم يذكره غير الشافعي من الفقهاء وانا اختاره الشافعي ليلا يسرع بلي الا كفان وَلِيَقِيَهَا مِنْ بَلَلٍ يُصِيبُهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله ثُمَّ يُحْمَلُ
الْمَيِّتُ مَسْتُورًا فَيُوضَعُ فَوْقَهَا مُسْتَلْقِيًا وَاحْتَجُّوا لِبَسْطِ أَحْسَنِ اللَّفَائِفِ وَأَوْسَعِهَا أَوَّلًا بِالْقِيَاسِ عَلَى الْحَيِّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ أَجْمَلَ ثِيَابِهِ فَوْقَهَا ثُمَّ يُؤْخَذُ قُطْنٌ مَنْزُوعُ الْحَبِّ فَيُجْعَلُ عَلَيْهِ حَنُوطٌ وَكَافُورٌ ويدس بين اليته حَتَّى يَتَّصِلَ بِحَلْقَةِ الدُّبُرِ فَيَسُدَّهَا لِيَرُدَّ شَيْئًا يتعرض للخرج قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُدْخِلُهُ إلَى دَاخِلِ الْحَلْقَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ جَمَاهِيرُ الاصحاب في الطريقين وذكر البغوي وجهين (أحدها) يُكْرَهُ الْإِدْخَالُ (وَالثَّانِي) يُدْخَلُ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُدْخَلْ لَا يَمْنَعُ الْخُرُوجَ قَالَ وَإِنَّمَا فُعِلَ ذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ قَالَ الْقَفَّالُ رَأَيْتُ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الجماع الكبير ادخاله وهذا نقل غريب وحكم ضيف وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَسَبَبُ الْخِلَافِ أَنَّ الْمُزَنِيَّ نَقَلَ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ قُطْنٍ مَنْزُوعِ الْحَبِّ فَيَجْعَلُ فيه الحنوط والكافور ثم يدخل بين اليته إدْخَالًا بَلِيغًا وَيُكْثِرُ مِنْهُ لِيَرُدَّ شَيْئًا إنْ جَاءَ مِنْهُ عِنْدَ تَحْرِيكِهِ وَيَشُدُّ عَلَيْهِ خِرْقَةٌ مَشْقُوقَةُ الطَّرْفِ يَأْخُذُ أَلْيَتَهُ وَعَانَتَهُ ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهِ كَمَا يُشَدُّ التُّبَّانُ الْوَاسِعُ قَالَ الْمُزَنِيّ لا احب ما قال من إبلاع الحشو ولكن يجعل كالوزة من القطن بين اليته ويجعل من تحتها قطن يضم إلى بين أَلْيَتَيْهِ وَالشِّدَادُ مِنْ فَوْقِ ذَلِكَ كَالتُّبَّانِ يُشَدُّ عليه فان جاء منه شئ بَعْدَ ذَلِكَ مَنَعَهُ ذَلِكَ أَنْ يَظْهَرَ فَهَذَا؟ ان فِي كَرَامَتِهِ مِنْ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا تَوَهَّمَ الْمُزَنِيّ مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ هَذَا أَنَّهُ أَرَادَ
إدْخَالَ الْقُطْنِ فِي الدُّبُرِ قَالُوا وَأَخْطَأَ فِي توهمه وانا أَرَادَ الشَّافِعِيُّ أَنْ يُبَالَغَ فِي حَشْوِ الْقُطْنِ بين اليته حَتَّى يَبْلُغَ الدُّبُرَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدْخُلَهُ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ فَقَالَ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَلْقَةَ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَمِمَّا يَدُلُّ علي وهم المزني قول الشافعي لرد شئ ان خرج ولو كان مراده انه يُدْخَلَ إلَى دَاخِلِ الدُّبُرِ لَقَالَ يَمْنَعُ مِنْ خروج شئ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله ثم يشد الياه وَيُسْتَوْثَقُ فِي ذَلِكَ بِأَنْ يَأْخُذَ خِرْقَةً وَيَشُقُّ رَأْسَهَا وَيَجْعَلُ وَسَطَهَا عِنْدَ أَلْيَتِهِ وَعَانَتِهِ وَيَشُدُّ فَوْقَ السُّرَّةِ بِأَنْ يَرُدَّ مَا يَلِي ظَهْرَهُ إلَى سُرَّتِهِ وَيُعْطَفُ الشِّقَّانِ الْآخَرَانِ عَلَيْهِ وَلَوْ شدشق من كل رأس علي هذا الفخذو مثله عَلَى الْفَخْذِ الْآخِرِ جَازَ وَقِيلَ يُشَدُّ عَلَيْهِ بِخَيْطٍ وَلَا يُشَقُّ طَرَفُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشافعي والمنصف وَالْأَصْحَابُ ثُمَّ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ الْقُطْنِ وَيَضَعُ عَلَيْهِ شَيْئًا مِنْ الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ وَيَجْعَلُ عَلَى مَنَافِذِ الْبَدَنِ مِنْ الْأُذُنَيْنِ
وَالْعَيْنَيْنِ وَالْمَنْخِرَيْنِ وَالْفَمِ وَالْجِرَاحَاتِ النَّافِذَةِ دَفْعًا لِلْهَوَامِّ وَيُجْعَلُ عَلَى قُطْنٍ وَكَافُورٍ وَتُرِكَ عَلَى مَوَاضِعِ
السُّجُودِ وَهِيَ الْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ وَبَطْنُ الْكَفَّيْنِ وَالرُّكْبَتَانِ وَالْقَدَمَانِ هَكَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشافعي في المختصر وفيه وجه حكاه (1) والرافعي أَنَّهُ يَجْعَلُ الْحَنُوطَ وَالْكَافُورَ عَلَى نَفْسِ هَذِهِ المساجد بلا قطن وهو ضعيف غريب قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ واستحب أن يطيب جميع بدنه بالكافور لانه يقويه ويشده قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُحَنَّطَ رَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ بِالْكَافُورِ كَمَا يَفْعَلُ الحي إذا تطيب قال الشافعي في البويطي وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ حُنِّطَ بِالْمِسْكِ فَلَا بَأْسَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ السَّابِقِ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ مِسْكٌ فَأَوْصَى أَنْ يُحَنَّطَ وَقَالَ هُوَ مِنْ فَضْلِ حَنُوطِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى فِي ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ رضي الله عنهم قَالَ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَجِبُ الْحَنُوطُ وَالْكَافُورُ أَمْ لافيه قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) يَجِبُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بِهِ فَوَجَبَ كَالْكَفَنِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ وَلَا يَجِبُ كَمَا لَا يَجِبُ الطِّيبُ لِلْمُفْلِسِ وَإِنْ وَجَبَتْ كِسْوَتُهُ (وَقَوْلُهُ) قَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ هَذَا مِنْ وَرَعِهِ وَإِتْقَانِهِ وَاعْتِنَائِهِ فَلَمْ يَجْزِمْ بِقَوْلَيْنِ وَلَا وَجْهَيْنِ وَسَبَبُ تَرَدُّدِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَحَامِلِيَّ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْكُونَ فِيهَا وَجْهَيْنِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ كَفَنُ الْمَيِّتِ وَحَنُوطُهُ وَمُؤْنَةُ تَجْهِيزِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ لَيْسَ لِغُرَمَائِهِ وَلَا لِوَرَثَتِهِ مَنْعُ ذَلِكَ ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ هَذَا بِسَطْرَيْنِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ حَنُوطٌ وَلَا كَافُورٌ رَجَوْت ان يجزئ قال البندنيجي رحمة الله عليه وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الطِّيبِ وَالْحَنُوطِ عَلَى وَجْهَيْنِ قَالَ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ هَذَا كَلَامُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ امام الحرمين رحمه الله ويجب القطع
(1) بياض بالاصل فليحرر
بِهَذَا وَقَطَعَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّ الْكَافُورَ لَا يَجِبُ وَإِنَّمَا الْوَجْهَانِ فِي الْحَنُوطِ وَمِمَّنْ خَصَّ الْوَجْهَيْنِ بِالْحَنُوطِ
الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَمِمَّنْ وَافَقَ الْمُصَنِّفَ فِي نَقْلِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَنُوطِ وَالْكَافُورِ جَمِيعًا صاحبا المستظهرى والبيان وسبقهم به البند نيجى كما ذكرناه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُصْعَبٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رواية خباب بن الارت وقوله
تثنى صنيفة هو بفتح أول تثني والصنيفة - بِفَتْحِ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ النُّونِ - وَبَعْدَ النُّونِ ياء والمشهور في كتب اللغة صنفة بلاياء قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هِيَ زَاوِيَةُ الثَّوْبِ وَكُلُّ ثَوْبٍ مُرَبَّعٍ لَهُ أَرْبَعُ صَنِفَاتٍ قَالَ وَقِيلَ صَنِفَتُهُ طَرَفُهُ وَالسَّاجُ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ وَجِيمٍ مُخَفَّفَة - وَجَمْعُهُ سيجان قال الازهرى هو الطيلسان المقور نسبج كَذَلِكَ وَالْإِذْخِرُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْخَاءِ - حَشِيشٌ مَعْرُوفٌ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ فُضَلَاءِ الصَّحَابَةِ وَالسَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَوْمُ أُحُدٍ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ لا حدى عَشَرَةَ خَلَتْ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ ثَلَاثٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَالنَّمِرَةُ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْمِيمِ - وَهِيَ ضَرْبٌ مِنْ الْأَكْسِيَةِ وَقِيلَ شَمْلَةٌ مُخَطَّطَةٌ مِنْ
صُوفٍ وَقِيلَ فِيهَا أَمْثَالُ الْأَهِلَّةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ ففى الكيفية المستحبة في لف الا كفان الطَّرِيقَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عند الا كثرين يَبْدَأُ فَيَثْنِي الثَّوْبَ الَّذِي يَلِي بَدَنَ الْمَيِّتِ شِقِّهِ الْأَيْسَرِ عَلَى شِقِّ الْمَيِّتِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْمَنُ عَلَى الْأَيْسَرِ كَمَا يَفْعَلُ الْحَيُّ بِالْقَبَاءِ ثُمَّ يُلَفُّ الثَّوْبُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ كَذَلِكَ وَالطَّرِيقُ الثَّانِي عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَثْنِي أَوَّلًا الشِّقَّ الْأَيْمَنَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ في المختصر والمنصف والاصحاب رحمهم الله وَإِذَا لَفَّ الْكَفَنَ عَلَيْهِ جَمَعَ الْفَاضِلَ عِنْدَ رَأْسِهِ جَمْعَ الْعِمَامَةِ وَرَدَّهُ عَلَى وَجْهِهِ وَصَدْرِهِ إلَى حَيْثُ يَنْتَهِي وَمَا فَضَلَ عِنْدَ رِجْلَيْهِ يُجْعَلُ عَلَى الْقَدَمَيْنِ وَالسَّاقَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ أن يوضع الميت على الا كفان بِحَيْثُ إذَا لُفَّ عَلَيْهِ كَانَ الْفَاضِلُ عِنْدَ رَأْسِهِ أَكْثَرَ لِحَدِيثِ مُصْعَبٍ رضي الله عنه وان لم يكن الاثوب لَا يَعُمُّ كُلَّ الْبَدَنِ سُتِرَ وَتُرِكَتْ الرِّجْلَانِ وَجُعِلَ عَلَيْهِمَا حَشِيشٌ وَنَحْوُهُ لِحَدِيثِ مُصْعَبٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ خِيفَ انْتِشَارُ الا كفان عِنْدَ الْحَمْلِ شُدَّتْ بِشِدَادٍ يُعْقَدُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَدْخَلُوهُ الْقَبْرَ حَلُّوهُ هَذَا لَفْظُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ لِأَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ في القبر شئ معقود
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَإِنَّهَا تُكَفَّنُ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ إزَارٍ وَخِمَارٍ وَثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَهَلْ يَكُونُ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ دِرْعًا فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ أَحَدَهَا دِرْعٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " نَاوَلَ أُمَّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها في كفن ابنته ام كلثوم أزار أو درعا وخمارا وثوبين ملآءا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يَكُونُ فِيهَا دِرْعٌ لِأَنَّ الْقَمِيصَ إنَّمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ الْمَرْأَةُ لِتَسْتَتِرَ بِهِ فِي تَصَرُّفِهَا وَالْمَيِّتُ لَا يَتَصَرَّفُ فَإِنْ قُلْنَا لا درع فيها أزرت بازار وَخُمِّرَتْ بِخِمَارٍ وَتُدْرَجُ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَإِذَا قُلْنَا فِيهَا دِرْعٌ أُزِّرَتْ بِإِزَارٍ وَتُلَبَّسُ الدِّرْعَ وَتُخَمَّرُ بِخِمَارٍ وَتُدْرَجُ فِي ثَوْبَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَيُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا ثَوْبٌ لِيَضُمَّ ثِيَابَهَا فَلَا تَنْتَشِرُ وَهَلْ يُحَلُّ عَنْهَا الثَّوْبُ عِنْدَ الدَّفْنِ فِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يدخل مَعَهَا وَعَلَيْهِ يَدُلُّ كَلَامُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ يُشَدُّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يُحَلُّ وَقَالَ أبو إسحق يُنَحَّى عَنْهَا فِي الْقَبْرِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ ليس من جملة الكفن}
*
{الشرح} الحديث المذ كور رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ لَيْلَى بِنْتِ قَانِفٍ - بِالنُّونِ الْمَكْسُورَةِ وَبَعْدَهَا فَاءٌ - الثَّقَفِيَّةِ الصَّحَابِيَّة رضي الله عنها قَالَتْ " كُنْتُ فِيمَنْ غَسَّلَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ أَوَّلُ مَا أَعْطَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الحقا ثُمَّ الدِّرْعَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ بَعْدُ فِي الثَّوْبِ الْآخِرِ قَالَتْ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عِنْدَ الْبَابِ مَعَهُ كَفَنُهَا يُنَاوِلُنَا ثَوْبًا ثَوْبًا " إسْنَادُهُ حسن الا رجلا لا اتحقق حاله وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَلَمْ يُضَعِّفْهُ وَقَوْلُهُ ثوبين ملآءا - بِضَمِّ الْمِيمِ وَبِالْمَدِّ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ - وَالْحِقَا - بِكَسْرِ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ - يُقَالُ لَهُ الْحِقْوُ وَالْحَقْوُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا وَالْحِقَا وَالْإِزَارُ وَالْمِئْزَرُ (وَأَمَّا قَوْلُهُ) الْمِلْحَفَةُ وَالثَّوْبُ إنْ أُدْرِجَتْ فِيهِ فَهُمَا المراد بقوله ثوبين ملآأى غَيْرَ مُلَفَّقَيْنِ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قِطْعَةٌ وَاحِدَةٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْفِينُ الْمَرْأَةِ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ وَأَنَّ الرَّجُلَ يُكَفَّنُ فِي ثَلَاثَةٍ وَلَا يُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ وَيَجُوزُ إلَى خَمْسَةٍ بِلَا كَرَاهَةٍ وَيُكْرَهُ مُجَاوَزَةُ الْخَمْسَةِ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ رحمه الله وَلَيْسَ اسْتِحْبَابُ الْخَمْسَةِ فِي حَقِّهَا مُتَأَكَّدًا كَتَأَكُّدِ الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّ الرَّجُلِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَذَا حُكْمُ كَفَنِهَا الْمُسْتَحَبُّ (وَأَمَّا) الْوَاجِبُ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
(أَحَدُهُمَا)
ثَوْبٌ سَاتِرٌ لِجَمِيعِ الْبَدَنِ (وَأَصَحُّهُمَا) سَاتِرُ الْعَوْرَةِ وَهِيَ جَمِيعُ بَدَنِ الْحُرَّةِ إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي كَفَنِ الْمَرْأَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثَةٍ فَهِيَ لَفَائِفُ وَإِنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي خَمْسَةٍ فَثَلَاثُ لَفَائِفَ وَقَمِيصٌ وَعِمَامَةٌ وَيُجْعَلَانِ تَحْتَ اللَّفَائِفِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَإِنْ كُفِّنَتْ فِي خَمْسَةٍ فَقَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) إزَارٌ وَخِمَارٌ وَثَلَاثُ لَفَائِفَ
(وَالثَّانِي)
إزَارٌ وَخِمَارٌ وَدِرْعٌ وَهُوَ الْقَمِيصُ وَلِفَافَتَانِ وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرَهُمَا الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فقال احب ان يكون احدا لخمسة دِرْعًا لِمَا رَأَيْتُ فِيهِ مِنْ فِعْلِ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ قَالَهُ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ الْمُزَنِيِّ
رحمه الله فاشار الي القولين وسماهما جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَدِيمًا وَجَدِيدًا فَجَعَلُوا الْقَدِيمَ اسْتِحْبَابَ الدِّرْعِ وَالْجَدِيدَ عَدَمَهُ قَالُوا وَالْقَدِيمُ هُنَا هُوَ الْأَصَحُّ وَهِيَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي يُفْتَى فِيهَا عَلَى الْقَدِيمِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَامَّةِ كُتُبِهِ أَنَّ فِيهَا دِرْعًا وَهُوَ الْقَمِيصُ قَالَا وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ
أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله كَانَ يَذْهَبُ إلَى الْقَدِيمِ ثُمَّ خَطَّ عَلَيْهِ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَلَا تُعْرَفُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إلَّا مِنْ الْمُزَنِيِّ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ (أَصَحِّهِمَا) أَنَّ فِيهَا دِرْعًا هَذَا كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِيهَا الدِّرْعُ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ هَذَا مِمَّا يُفْتَى بِهِ عَلَى الْقَدِيمِ فَغَيْرُ مَقْبُولٍ لِأَنَّ هَذَا الْقَدِيمَ يُوَافِقُهُ مُعْظَمُ الْجَدِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَمَنْ قَالَ لَا دِرْعَ يَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ الْحَدِيثِ وَلَعَلَّهُ يَحْمِلُهُ عَلَى بَيَانِ الْجَوَازِ وَيَكُونُ اعْتِمَادُهُ عَلَى الْقِيَاسِ عَلَى الرَّجُلِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ الْقَمِيصُ بِلَا خِلَافٍ إذَا كَانَ ثَلَاثَةً وَالْخَمْسَةُ فِي الْمَرْأَةِ كَالثَّلَاثَةِ فِي الرَّجُلِ وَإِذَا كُفِّنَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ كَوْنُهَا مُتَفَاوِتَةً فَالسُّفْلَى تَأْخُذُ سُرَّتَهُ وَرُكْبَتَهُ وَمَا بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِيَةُ) مِنْ عُنُقِهِ إلَى كَعْبِهِ (وَالثَّالِثَةُ) تَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقَطَعَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ تَكُونُ مُتَسَاوِيَةً فِي الطُّولِ وَالْعَرْضِ يَسْتَوْعِبُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جَمِيعَ الْبَدَنِ قَالُوا وَلَا فرق
فِي التَّكْفِينِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَإِنَّمَا يَفْتَرِقَانِ فِي الْخَمْسَةِ كَمَا سَبَقَ وَإِذَا كُفِّنَتْ الْمَرْأَةُ فِي خَمْسَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ يُشَدُّ عَلَى صَدْرِهَا ثَوْبٌ لِيَضُمَّ أَكْفَانَهَا فَلَا تَنْتَشِرُ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ به فقال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ هُوَ ثَوْبٌ سَادِسٌ وَيُحَلُّ عَنْهَا إذَا وُضِعَتْ فِي الْقَبْرِ قَالَ وَالْمُرَادُ بِالثَّوْبِ خِرْقَةٌ تُرْبَطُ لِتَجْمَعَ الْأَكْفَانَ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ سُرَيْجٍ هُوَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ الْخَمْسَةِ وَتُرِكَ عَلَيْهَا فِي الْقَبْرِ كَبَاقِي الْخَمْسَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ان قول ابى اسحق هُوَ الصَّحِيحُ هَكَذَا ذَكَرُوا صُورَةَ الْوَجْهَيْنِ وَخِلَافَ ابى العباس وابى اسحق وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ هَكَذَا شَيْخُ الْأَصْحَابِ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَاقُونَ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ لَيْسَتْ صَرِيحَةً فِي هَذَا فَتُتَأَوَّلُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَأَمَّا تَرْتِيبُ الْخَمْسَةِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابي اسحق وقلنا بالقميص وهو الدرع شد علهيا الْمِئْزَرُ ثُمَّ الْقَمِيصُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَتَيْنِ ثُمَّ يُشَدُّ الثَّوْبُ السَّادِسُ وَيُنَحَّى فِي الْقَبْرِ وَإِنْ قُلْنَا لَا قَمِيصَ أُزِّرَتْ ثُمَّ خُمِّرَتْ ثُمَّ تُلَفُّ فِي اللَّفَائِفِ الثَّلَاثِ ثم يشد الثوب السادس واما علي قول ابْنِ سُرَيْجٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَمِيصِ شُدَّ الْمِئْزَرُ ثُمَّ الدِّرْعُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ يُشَدُّ عَلَيْهَا الشَّدَّادُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَةٍ سَابِغَةٍ وَهِيَ الثَّوْبُ الْخَامِسُ فَيَكُونُ الشَّدَّادُ مَسْتُورًا وَإِنْ قُلْنَا لَا قَمِيصَ
شُدَّ الْمِئْزَرُ ثُمَّ الْخِمَارُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي لِفَافَةٍ سَابِغَةٍ ثُمَّ يُشَدُّ الشَّدَّادُ ثُمَّ تُلَفُّ فِي الْخَامِسِ وَهُوَ أَسْبَغُهَا وَهَذَا التَّرْتِيبُ هَكَذَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مُسْتَحَبٌّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ فَلَوْ خُولِفَ أَجْزَأَ وَفَاتَتْ الْفَضِيلَةُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ ظَاهِرٌ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ أُزِّرَتْ ثُمَّ قُمِّصَتْ ثُمَّ خُمِّرَتْ ثُمَّ لُفَّتْ فِي لِفَافَتَيْنِ بِحَرْفِ ثُمَّ لَكَانَ أَحْسَنَ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ وَذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ أَبِي الْعَبَّاسِ تُرِكَ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ الشَّدَّادُ فِي الْقَبْرِ وَلَكِنَّهُ يُحَلُّ لِأَنَّهُ لَا يُتْرَكُ فِي الْقَبْرِ شئ مَعْقُودٌ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الدَّفْنِ عَلَى حَلِّ عُقَدِ الثِّيَابِ وَاَللَّهُ أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا مات محرم لم يقرب الطيب ولم يلبس وَلَمْ يُخَمَّرْ رَأْسُهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي خَرَّ مِنْ بَعِيرِهِ " اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثوبيه
اللَّذَيْنِ مَاتَ فِيهِمَا وَلَا تُقَرِّبُوهُ طِيبًا فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا " وَإِنْ مَاتَتْ مُعْتَدَّةٌ عَنْ وَفَاةٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا تُقَرَّبُ الطِّيبَ لِأَنَّهَا مَاتَتْ وَالطِّيبُ يَحْرُمُ عَلَيْهَا فَلَمْ يَسْقُطْ تَحْرِيمُهُ بِالْمَوْتِ كَالْمُحْرِمَةِ (وَالثَّانِي) تُقَرَّبُ الطِّيبَ لِأَنَّهُ حُرِّمَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ حَتَّى لَا يَدْعُوَ ذَلِكَ إلَى نِكَاحِهَا وَقَدْ زَالَ هَذَا المعنى بالموت}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إذَا مَاتَ المحرم والمحرمة حرم تطييبه وأخذ شئ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ وَحَرُمَ سَتْرُ رَأْسِ الرجل والباسه مخيطا وعقد اكفانه وحرم ستروجه الحرمة وَكُلُّ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَيَجُوزُ إلْبَاسُ الْمَرْأَةِ الْقَمِيصَ وَالْمَخِيطَ كَمَا فِي الْحَيَاةِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ يَجِبُ تَجْنِيبُهُ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ اجْتِنَابُهُ فِي حَيَاتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ بَلْ هُوَ الصواب الذى لابد مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَلَا يُعْقَدُ عَلَى الرَّجُلِ ثَوْبٌ وَلَا يَلْبَسُ قَمِيصًا وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يُعْقَدُ عَلَيْهِ ثَوْبٌ كَمَا لَا يَلْبَسُ قَمِيصًا فِي الْحَيَاةِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَهُوَ جَارٍ عَلَى الْقَاعِدَةِ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْإِحْرَامِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ عَقْدُ الرِّدَاءِ وَلَا يَحْرُمُ عَقْدُ الْإِزَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَحْرِيمِ الطِّيبِ سَوَاءٌ فِيهِ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ كَمَا ذَكَرْنَا وَسَوَاءٌ الطِّيبُ فِي بَدَنِهِ وَأَكْفَانِهِ وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ وَهُوَ
الْكَافُورُ فَكُلُّهُ حَرَامٌ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ
أَنَّهُ لَا يُطْرَحُ الْكَافُورُ فِي مَائِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَأَمَّا التَّجْمِيرُ وَهُوَ التَّبْخِيرُ عِنْدَ غُسْلِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا لَا يُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ الْجُلُوسِ عِنْدَ الْعَطَّارِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ طَيَّبَهُ إنْسَانٌ أَوْ أَلْبَسَهُ مِخْيَطًا عَصَى الْفَاعِلُ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ طَرَفًا مِنْ أَطْرَافِ الْمَيِّتِ عَصَى وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ (وَأَمَّا) إذَا مَاتَتْ مُعْتَدَّةٌ مُحِدَّةٌ فَهَلْ يَحْرُمُ تَطْيِيبُهَا فِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (احدهما) وهو قول ابي اسحق الْمَرْوَزِيِّ يَحْرُمُ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يَحْرُمُ قَالَ الْمُتَوَلِّي هُوَ قَوْلُ عَامَّةِ اصحابنا الا ابا اسحق الْمَرْوَزِيَّ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَلَيْسَتْ مَسْأَلَةُ الْمُعْتَدَّةِ مَنْصُوصَةً لَلشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَوْلُ المصنف معتدة عن وفاة يحترز به عن معتدة رجعية وغيرها ممن لاحداد عَلَيْهَا وَأَمَّا الْبَائِنُ فَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ مِنْ الْقَوْلَيْنِ أَنَّ عَلَيْهَا الْإِحْدَادَ فَهِيَ كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا فَيَكُونُ فِيهَا الْوَجْهَانِ وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ مُعْتَدَّةٌ حَادَّةٌ أَوْ مُحِدَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَالَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ أَحْسَنَ وَأَعَمَّ لِتَدْخُلَ الْبَائِنُ عَلَى الْقَوْلِ الضَّعِيفِ وَكَأَنَّهُ تَرَكَ هَذَا الْقَوْلَ لِضَعْفِهِ فَلَمْ يحترز عنه
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ هَلْ يَبْطُلُ صَوْمُ الْإِنْسَانِ بِالْمَوْتِ كَمَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِهِ أَمْ لَا تَبْطُلُ كَمَا لَا يَبْطُلُ حَجُّهُ بَلْ يَبْقَى حُكْمُهُ وَيُبْعَثُ يَوْمَ القيامة ملبيا فيه وجهان لا صحابنا وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُهُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غُسْلِ الْمُحْرِمِ وَتَكْفِينِهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُ تَطْيِيبِهِ وَإِلْبَاسِهِ مَخِيطًا وَسَتْرِ رَأْسِهِ وَبِهِ قَالَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وعطاء والثوري واحمد واسحق وَدَاوُد وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَابْنُ عُمَرَ وَطَاوُسٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ يُطَيَّبُ وَيُلْبَسُ الْمَخِيطَ كَسَائِرِ الْمَوْتَى
* دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ الْكَفَنُ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يَجِبُ تَكْفِينُهُ ثَانِيًا سَوَاءٌ كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ أَوْ مِنْ مَالِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْمَرَّةِ
الْأُولَى الْحَاجَةُ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي إذَا كُفِّنَ مِنْ مَالِهِ ثُمَّ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ التَّرِكَةَ ثُمَّ نُبِشَ وَسُرِقَ الْكَفَنُ وَتُرِكَ عُرْيَانًا اُسْتُحِبَّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُكَفِّنُوهُ ثَانِيًا وَلَا يَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ لانه لو لزمهم ثانيا للزمهم الي مالا يَتَنَاهَى وَلَوْ كُفِّنَ ثُمَّ أَكَلَهُ سَبُعٌ وَاسْتَغْنَى عَنْ كَفَنِهِ فَلِمَنْ يَكُونُ الْكَفَنُ فِيهِ تَفْصِيلٌ وخلاف
يأني إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي بَابِ السَّرِقَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ لَا يستحب أن يعد الانسان لنفسه كَفَنًا لِئَلَّا يُحَاسَبَ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ جِهَةٍ يَقْطَعُ بِحِلِّهَا أَوْ مِنْ أَثَرِ بَعْضِ أَهْلِ الْخَيْرِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَوْ الْعِبَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّ ادِّخَارَهُ حِينَئِذٍ حَسَنٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ عَلَيْهِ بُرْدَةٌ فَطَلَبَهَا رَجُلٌ مِنْهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا فَقَالَ لَهُ الصَّحَابَةُ مَا أَحْسَنْتَ سَأَلْتَهُ وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لَا يَرُدُّ قَالَ إنِّي والله ما سألته لا لبسه إنَّمَا سَأَلْتُهُ لِيَكُونَ كَفَنِي قَالَ سَهْلٌ فَكَانَتْ كَفَنَهُ "(الثَّالِثَةُ) ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ تَكْفِينِ الْبَالِغِ وَالصَّبِيِّ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَكَانَ سُوَيْدُ بن علقمة يُكَفِّنُ فِي ثَوْبَيْنِ قَالَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّعْمَانُ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبَيْنِ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُكَفِّنُ فِي خَمْسَةٍ (وَأَمَّا) الصَّبِيُّ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ يُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وقال احمد واسحق فِي خِرْقَةٍ فَإِنْ كُفِّنَ فِي ثَلَاثَةٍ فَلَا بأس وعن الحسن وأصحاب الرأى في ثَوْبَيْنِ وَاخْتَارَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَلَاثَةً (وَأَمَّا) الْمَرْأَةُ فَذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَكْفِينُهَا فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ والاوزاعي وأحمد واسحق وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ عَطَاءٌ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ دِرْعٌ وَثَوْبٌ تَحْتَهُ وَلِفَافَةٌ فَوْقَهُمَا وَقَالَ سليمان بن موسي درع وخمار ولفافة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الصلاة علي الميت فرض علي الكفاية لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الله " وفى أدنى ما يكفى قولان
(أحدهما) ثلاثة لان قوله صلي الله عليه وسلم صلوا خطاب جمع وأقل الجمع ثلاثة
(والثانى) يكفى واحد لانها صلاة ليس من شرطها الجماعة
فلم يكن من شرطها العدد كسائر الصلوات ويجوز فعلها في جميع الاوقات لانها صلاة لها سبب فجاز فعلها في كل وقت ويجوز فعلها في المسجد وغيره لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى سهيل بن بيضاء في المسجد " والسنة أن يصلى في جماعة لما روى مالك بن هبيرة إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين الاوجب " وتجوز فرادى لان النبي صلي الله عليه وسلم " مات فصلي عليه الناس فوجا فوجا " وان اجتمع نساء لا رجل معهن صلين عليه فرادى فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي الصلاة علي الميت وإن صلين جماعة فلا بأس}
*
{الشرح} حديث " صلو خَلْفَ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فِي تَارِيخِ نَيْسَابُورَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى عليه وسلم وإسناده ضعيف رواه الدارقطني كَذَلِكَ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ وَقَالَ لَا يَثْبُتُ مِنْهَا شئ وَتُغْنِي أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ " وَهَذَا أَمْرٌ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَدْ نَقَلُوا الْإِجْمَاعَ عَلَى وُجُوبِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا مَا حُكِيَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ جَعَلَهَا سُنَّةً وَهَذَا مَتْرُوكٌ عَلَيْهِ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ فَحَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ صَلَاتِهِمْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أفواجا فرواه البيهقى بسناده عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " لَمَّا صُلِّيَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُدْخِلَ الرِّجَالُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ بِغَيْرِ إمَامٍ أَرْسَالًا حَتَّى فَرَغُوا ثُمَّ أُدْخِلَ النِّسَاءُ وَصَلَّيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُدْخِلَ الصِّبْيَانُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ ثُمَّ أُدْخِلَ الْعَبِيدُ فَصَلَّوْا عَلَيْهِ أَرْسَالًا لَمْ يَؤُمَّهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَوَاهُ عَنْهُ أَيْضًا الْبَيْهَقِيُّ وَذَلِكَ لِعِظَمِ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي وَتَنَافُسِهِمْ فِيمَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَصَلَّوْا عَلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ (وَقَوْلُهُ) أَرْسَالًا - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - أَيْ مُتَتَابِعِينَ (وَقَوْلُهُ) أَفْوَاجًا أَيْ يَدْخُلُ فَوْجٌ يُصَلُّونَ فُرَادَى ثُمَّ فَوْجٌ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ) لَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا الْجَمَاعَةُ احْتِرَازٌ مِنْ الْجُمُعَةِ (قَوْلُهُ) سُهَيْلِ بْنِ بَيْضَاءَ هِيَ أُمُّهُ وَاسْمُهَا دَعْدُ وَالْبَيْضَاءُ لَقَبٌ وَاسْمُ أَبِيهِ وَهْبُ بْنُ رَبِيعَةَ وَكَانَ
سُهَيْلُ مِنْ السَّابِقِينَ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَاجَرَ إلَى الْحَبَشَةِ وَالْمَدِينَةِ وَشَهِدَ بَدْرًا وَمَا بَعْدَهَا وَتُوُفِّيَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَكَانَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنهما أَسَنَّ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَالِكُ بْنُ هُبَيْرَةَ صَحَابِيٌّ مشهور كندى سكوبى مِصْرِيٌّ كَانَ أَمِيرًا لِمُعَاوِيَةَ عَلَى الْجُيُوشِ (وَقَوْلُهُ) الا وجب كذا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ أَوْجَبَ بِالْأَلِفِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْحَاكِمِ وَالْبَيْهَقِيِّ إلَّا غُفِرَ لَهُ وَهُوَ مَعْنَى أَوْجَبَ وَإِنْ صَحَّ الَّذِي فِي الْمُهَذَّبِ كَانَ مَعْنَاهُ وَجَبَ لَهُ الْجَنَّةُ (وَقَوْلُهُ) فَإِنَّ النِّسَاءَ لَا يُسَنُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ هَذَا مِمَّا يُنْكَرُ فَيُقَالُ هَذَا تَعْلِيلٌ بِنَفْسِ الْحُكْمِ الَّذِي ادَّعَاهُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَهُوَ إجْمَاعٌ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ مَرْدُودٌ كَمَا سَبَقَ وَفِي أَقَلِّ مَا يَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَوَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ ثَلَاثَةٌ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وصاحب الحاوى (والثاني) يَكْفِي وَاحِدٌ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ (وَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ) يُشْتَرَطُ اثْنَانِ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ أَرْبَعَةٌ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَاسُوا الْأَرْبَعَةَ عَلَى حَمْلِ الْجِنَازَةِ وَضَعَّفَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ هَذَا بِأَنَّ الْأَفْضَلَ
فِي حَمْلِ الْجِنَازَةِ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِثَلَاثَةٍ وَلِأَنَّهُ إذَا قُلْنَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ أَرْبَعَةٌ لَا يُقَالُ أَنَّهُ وَاجِبٌ وَكَلَامُنَا هُنَا فِي الْوَاجِبِ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْخِلَافِ الِاكْتِفَاءُ بِوَاحِدٍ لِأَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ مِمَّنْ صَحَّحَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ اشْتِرَاطَ الثَّلَاثَةِ فَإِنْ قُلْنَا يُشْتَرَطُ اثْنَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ أَرْبَعَةٌ سَقَطَ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِمْ جَمَاعَةً أَوْ فُرَادَى بِلَا خِلَافٍ لَكِنَّ الْجَمَاعَةَ أَفْضَلُ وَتَكْثِيرَهَا أَفْضَلُ وَهَلْ يَسْقُطُ هَذَا الْفَرْضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ وُجُودِ الرِّجَالِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) يَسْقُطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَالْخُنَثِي كَالْمَرْأَةِ فِي هَذَا (وَأَمَّا) إذَا لَمْ يَحْضُرْهُ إلَّا النِّسَاءُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَيَسْقُطُ الْفَرْضُ بِفِعْلِهِنَّ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ وَيُصَلِّينَ فُرَادَى فَإِنْ صَلَّيْنَ جَمَاعَةً فَلَا بَأْسَ هَذِهِ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ حِكَايَةِ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ
الْعُدَّةِ وَجْهًا ضَعِيفًا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ فِي جِنَازَةِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ شَاذٌّ (وَأَمَّا) إذَا حَضَرَ النِّسَاءُ مَعَ الرِّجَالِ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ الْفَرْضُ إلَيْهِنَّ وَلَا يَدْخُلْنَ فِيهِ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا رَجُلٌ وَنِسْوَةٌ وَقُلْنَا لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِوَاحِدٍ وَجَبَ عَلَيْهِنَّ التَّتْمِيمُ (وَأَمَّا) الصِّبْيَانُ الْمُمَيِّزُونَ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِمْ هَذَا الْفَرْضُ وَهَلْ يَسْقُطُ بِصَلَاتِهِمْ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَسْقُطُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ تَصِحُّ إمَامَتُهُ فَأَشْبَهَ الْبَالِغَ وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ بِجَمَاعَةٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَبَانَ حَدَثُ الْإِمَامِ أَوْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ فَإِنْ بَقِيَ عَلَى الطَّهَارَةِ الْعَدَدُ الْمَشْرُوطُ أَوْ وَاحِدٌ إنْ اكْتَفَيْنَا بِهِ سَقَطَ الْفَرْضُ وَإِلَّا فَلَا نَصَّ عليه الشافعي واتفق عليه إلا صحاب قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَإِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ عَدَدٌ زَائِدٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ وَقَعَتْ صَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَكَذَا لَوْ صَلَّتْ طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَسَيَأْتِي فِيهِ زِيَادَةُ شَرْحٍ وَتَفْرِيعٍ فِي الْفَصْلِ الْعَاشِرِ مِنْ هَذَا الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَلَا تُكْرَهُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ يُكْرَهُ أَنْ يَتَحَرَّى صَلَاتَهَا فِي هَذِهِ الْأَوْقَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَصَلَ ذَلِكَ اتِّفَاقًا وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ بأدلتها في باب الساعات (الثَّالِثَةُ) الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فِي الْمَسْجِدِ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهَا بَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ صَرَّحَ بِاسْتِحْبَابِهَا فِي الْمَسْجِدِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الاسفرايني شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا مَذْهَبُنَا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ عَائِشَةَ وَسَائِرِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِنَّ من الصحابة رضي الله عنهم وأحمد واسحق وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَبَعْضِ أَصْحَابِ مَالِكٍ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَابْنُ أَبِي ذئب يكره
تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ صَلَّى على جنازة في المسجد فلا شئ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا (فَجَوَابُهُ) مِنْ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْحُفَّاظِ وَمِمَّنْ نَصَّ عَلَى ضَعْفِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو بِكْرِ بْنِ الْمُنْذِرِ
وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ أَحْمَدُ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا انفرد به صالح مولي التوءمة وَهُوَ مُخْتَلِفٌ فِي عَدَالَتِهِ لَكِنَّ مُعْظَمَ مَا عَابُوا عَلَيْهِ الِاخْتِلَاطُ قَالُوا وَسَمَاعُ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ وَنَحْوِهِ مِنْهُ قَبْلَ الِاخْتِلَاطِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْهُ وَاَللَّهُ اعلم (الوجه الثاني) ان الذى ذكره أبو داود في رِوَايَتُهُ فِي جَمِيعِ نُسَخِ كِتَابِهِ الْمُعْتَمَدَةِ فَلَا شئ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا لَا دَلَالَةَ فِيهِ لَوْ صح (واما) رواية فلا شئ لَهُ فَهِيَ مَعَ ضَعْفِهَا غَرِيبَةٌ وَلَوْ صَحَّتْ لوجب حملها علي فلا شئ عَلَيْهِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ وَقَدْ جَاءَ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لا نفسكم وان اسأتم فلها) أَيْ فَعَلَيْهَا (الثَّالِثُ) أَجَابَ بِهِ الْخَطَّابِيُّ وَسَائِرُ أَصْحَابِنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى نُقْصَانِ الْأَجْرِ لِأَنَّ الْمُصَلِّيَ عَلَيْهَا فِي الْمَسْجِدِ يَنْصَرِفُ غَالِبًا إلَى أَهْلِهِ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فِي الصَّحْرَاءِ حَضَرَ دَفْنَهَا غَالِبًا فَنَقَصَ أَجْرُ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ فَلَا أَجْرَ كَامِلٌ لَهُ كَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ الطَّعَامِ " أَيْ لَا صَلَاةَ كَامِلَةٌ (فَإِنْ قِيلَ) لَا حُجَّةَ فِي حديث عائشة لا حتمال أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا صَلَّى عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ لِعُذْرِ مَطَرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَنَّهُ وَضَعَهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ مُصَلَّى الْجَنَائِزِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ كُلَّهَا بَاطِلَةٌ لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ " أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَمَرَتْ أَنْ تمر بجنازة سعد ابن أَبِي وَقَّاصِ فِي الْمَسْجِدِ فَتُصَلِّيَ عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ النَّاسُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيَ النَّاسُ مَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سُهَيْلِ بْنِ الْبَيْضَاءَ الافى الْمَسْجِدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ " لَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ أَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَمُرُّوا بِجِنَازَتِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَيُصَلِّينَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا فَوُقِفَ بِهِ عَلَى حُجَرِهِنَّ يُصَلِّينَ عَلَيْهِ أُخْرِجَ بِهِ مِنْ بَابِ الْجَنَائِزِ الَّذِي كَانَ الي المقاعد فَبَلَغَهُنَّ أَنَّ النَّاسَ عَابُوا ذَلِكَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها مَا أَسْرَعَ النَّاسَ إلَى ان يعيبوا مالا عِلْمَ لَهُمْ بِهِ عَابُوا عَلَيْنَا أَنْ نَمُرَّ بِجِنَازَةٍ فِي الْمَسْجِدِ وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى سهيل ابن بَيْضَاءَ إلَّا فِي جَوْفِ الْمَسْجِدِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا قَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها " لَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " عَلَى ابن بيضاء في المسجد سهيل واخيه " (الرَّابِعَةُ) تَجُوزُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ فُرَادَى بِلَا خِلَافٍ وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلَّى جَمَاعَةً لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ فِي الصَّحِيحِ فِي ذَلِكَ مَعَ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَكُلَّمَا كَثُرَ الْجَمْعُ كَانَ أَفْضَلَ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ
وَأَنَسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ " مَا مِنْ مَيِّتٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ
مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إلَّا شُفِّعُوا فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاَللَّهِ شَيْئًا إلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ صُفُوفُهُمْ ثَلَاثَةً فصاعد الحديث مَالِكِ بْنِ هُبَيْرَةَ وَفِي تَمَامِ حَدِيثِهِ وَكَانَ مَالِكٌ إذَا اسْتَقَلَّ أَهْلُ الْجِنَازَةِ جَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ (وَأَمَّا) النِّسَاءُ فَإِنْ كُنَّ مَعَ الرِّجَالِ صَلَّيْنَ مُقْتَدِيَاتٍ بِإِمَامِ الرِّجَالِ وَإِنْ تَمْحَضْنَ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ أَسْتُحِبَّ أَنْ يُصَلِّينَ مُنْفَرِدَاتٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ وَحْدَهَا فَإِنْ صَلَّتْ بِهِنَّ إحْدَاهُنَّ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ تُسَنَّ لَهُنَّ الْجَمَاعَةُ كَجَمَاعَتِهِنَّ فِي غَيْرِهَا وَقَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكُ فُرَادَى
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} النَّعِيُّ - بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ لُغَتَانِ وَالتَّشْدِيدُ أَشْهَرُ وَالنِّدَاءُ - بِكَسْرِ النُّونِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ إذَا مِتُّ فَلَا تؤذنوا بى احدا اني اخاف ان يكن نَعِيًّا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " يَنْهَى عَنْ النَّعِيِّ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْبَغَوِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ نَعِيُّ الْمَيِّتِ وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا وَذَكَرَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي اخْتَلَفَ اصحابنا هل يستحب الا يذان بِالْمَيِّتِ وَإِشَاعَةُ مَوْتِهِ فِي النَّاسِ بِالنِّدَاءِ عَلَيْهِ والا علام فَاسْتَحَبَّهُ بَعْضَهُمْ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ وَالدَّاعِينَ
لَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ لِلْغَرِيبِ إذَا لَمْ يُؤْذَنْ بِهِ لَا يَعْلَمُهُ النَّاسُ وَقَالَ
صَاحِبُ التَّتِمَّةِ يُكْرَهُ تَرْثِيَةُ الْمَيِّتِ بِذِكْرِ آبَائِهِ وَخَصَائِلِهِ وَأَفْعَالِهِ ولكن الاولي الاستفغار لَهُ وَقَالَ غَيْرُهُ يُكْرَهُ نَعِيُّهُ وَالنِّدَاءُ عَلَيْهِ لِلصَّلَاةِ (فَأَمَّا) تَعْرِيفُ أَهْلِهِ وَأَصْدِقَائِهِ بِمَوْتِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَقَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكْرَهُ النِّدَاءُ عَلَيْهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْرِفَ أَصْدِقَاؤُهُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِهِ وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَدَاوُد أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالنَّعِيِّ هَذَا ما ذكره الا صحاب فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِمْ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَّى بِهِمْ عَلَيْهِ " وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " نَعَى جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي إنْسَانٍ كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ أَيْ يَكْنُسَهُ فَمَاتَ فَدُفِنَ لَيْلًا أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ " مَا مَنَعَكُمْ أَنْ تُعْلِمُونِي " فَهَذِهِ النُّصُوصُ فِي الْإِبَاحَةِ وَجَاءَ فِي الْكَرَاهَةِ حَدِيثُ حُذَيْفَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَيُرْوَى ذَلِكَ يَعْنِي النَّهْيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ ثُمَّ عَلْقَمَةَ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ وَالرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ رضي الله عنهم وَلِمَنْ قَالَ بِالْكَرَاهَةِ أَنْ يُجِيبَ عَنْ نَعِيِّ النَّجَاشِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ سَبَقَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَعِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ مُجَرَّدَ إخْبَارٍ بِمَوْتِهِ فَسُمِّيَ نَعِيًّا لِشَبَهِهِ بِهِ فِي كَوْنِهِ إعْلَامًا (وَالْجَوَابُ) لِمَنْ قَالَ بِالْإِبَاحَةِ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ نَعِيِّ الْجَاهِلِيَّةِ الَّذِي اشار إليه صاحب التتمة ولا يرد عَلَيْهِ قَوْلُ حُذَيْفَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّ الْإِعْلَامَ بِمُجَرَّدِهِ نَعِيٌّ وَإِنَّمَا قَالَ أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعِيًّا وَكَأَنَّهُ خَشِيَ أَنْ يَتَوَلَّدَ مِنْ الْإِعْلَامَ زِيَادَةٌ مُؤَدِّيَةٌ إلَى نَعِيِّ الْجَاهِلِيَّةِ (وَالصَّحِيحُ) الذى تقتضيه الاحاديث الصحيحة الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَغَيْرِهَا أَنَّ الْإِعْلَامَ بِمَوْتِهِ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ بَلْ إنْ قُصِدَ بِهِ الْإِخْبَارُ لِكَثْرَةِ الْمُصَلِّينَ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ ذِكْرُ الْمَآثِرِ وَالْمَفَاخِرِ وَالتَّطْوَافِ بَيْنَ النَّاسِ يذكره بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَهَذَا نَعِيُّ الْجَاهِلِيَّةِ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْإِعْلَامِ فَلَا يَجُوزُ إلْغَاؤُهَا وَبِهَذَا الْجَوَابِ أَجَابَ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ المحققين والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُ الْأَخِ ثُمَّ الْعَمُّ ثُمَّ ابْنُ الْعَمِّ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء ارجاء لِلْإِجَابَةِ فَإِنَّهُمْ أَفْجَعُ بِالْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِهِمْ فَكَانُوا بِالتَّقْدِيمِ أَحَقُّ فَإِنْ اجْتَمَعَ أَخٌ مِنْ أَبٍ وَأُمٍّ وَأَخٌ مِنْ أَبٍ
فَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الْأَخَ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أُولَى وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُمَا سَوَاءٌ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي التَّقْدِيمِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَكَانَ فِي التَّرْجِيحِ بِهَا قَوْلَانِ كَمَا نَقُولُ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ أَوْلَى قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ الْأُمَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّقْدِيمِ إلَّا أَنَّ لَهَا مَدْخَلًا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَرُجِّحَ بِهَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا نَقُولُ فِي الْمِيرَاثِ يُقَدَّمُ بِهَا الْأَخُ مِنْ الْأَبِ وَالْأُمِّ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ حِينَ كَانَ لَهَا مَدْخَلٌ فِي الْمِيرَاثِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَدْخَلٌ فِي التَّعْصِيبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَإِنْ اجْتَمَعَ وَلِيَّانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ الاسن لان دعاؤه ارجى اجابة فان لم يوجد الْأَسَنُّ قُدِّمَ الْأَقْرَأُ الْأَفْقَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ وَصَلَاتُهُ أَكْمَلُ فَإِنْ اسْتَوَيَا أَقُرِعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُمَا تَسَاوَيَا فِي التَّقْدِيمِ فَأُقْرِعَ بَيْنَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَ حُرٌّ وَعَبْدٌ هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْحُرِّ فَالْحُرُّ أولي لان الحر مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَالْعَبْدُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ وَإِنْ اجْتَمَعَ الْوَالِي وَالْوَلِيُّ الْمُنَاسِبُ فَفِيهِ قَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ الْوَالِي أَوْلَى لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ " وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ الْوَلِيُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ وِلَايَةٌ تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ فَقَدَّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الوالي كولاية النكاح}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الْأَئِمَّةِ (وَقَوْلُهُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فَإِنْ لَمْ يُحْمَدْ الْأَسَنُّ هُوَ بِيَاءٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ لَمْ يَكُنْ محمود الطريقة بان يكون فاسقا أو مستدعا هَكَذَا فَسَّرَهُ الْأَصْحَابُ زَادَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ أَوْ جَاهِلًا زَادَ الْمَحَامِلِيُّ أَيْضًا فِي الْمَجْمُوعِ أو يهود يا أَسْلَمَ وَفِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَدَّمُ بِالسِّنِّ فِي الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ لَكِنْ فِي تَسْمِيَةِ هَذَا غَيْرَ محمود الحال نظر (وقوله) لانها ولانه تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ فَقَدَّمَ فِيهِ الْوَلِيَّ عَلَى الْوَالِي كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ احْتِرَازٌ مِنْ إقَامَةِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا اجْتَمَعَ الْوَلِيُّ الْمُنَاسِبُ وَالْوَالِي فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ أَنَّ الْوَالِيَ أَوْلَى ثُمَّ إمَامُ المسجد ثم الولى و (الجديد) الصحيح أن الوي مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَالِي وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَقْدِيمِ إمَامِ الْمَسْجِدِ عَلَى الْوَلِيِّ تَفْرِيعًا عَلَى الْقَدِيمِ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالرَّافِعِيُّ وَاحْتَجُّوا لِلْقَدِيمِ بِحَدِيثِ لَا يُؤَمُّ الرَّجُلُ فِي سُلْطَانِهِ وَلِلْجَدِيدِ بِأَنَّهَا وِلَايَةٌ تَتَرَتَّبُ فِيهَا الْعَصَبَاتُ
فَقَدَّمَ الْوَلِيُّ عَلَى الْوَالِي كَالنِّكَاحِ وَحَمَلُوا الْحَدِيثَ عَلَى غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْوَالِي عَلْقَمَةُ وَالْأَسْوَدُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَمَالِكٌ وَأَبُو حنيفة واحمد واسحق قال بن الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَلَا يَثْبُتُ عَنْهُ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْدِيمِ الْوَلِيِّ الضَّحَّاكُ وَأَبُو يُوسُفَ (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا الْقَرِيبُ الَّذِي يُقَدَّمُ الذَّكَرُ فَلَا يُقَدَّمُ غَيْرُ الْوَلِيِّ الْقَرِيبِ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ
يكون القريب أنثى فيقدم الرجل الا جنبي عليها اذلا إمَامَةَ لَهَا حَتَّى يُقَدَّمَ الصَّبِيُّ الْمُمَيِّزُ الْأَجْنَبِيُّ عَلَى الْمَرْأَةِ الْقَرِيبَةِ وَكَذَا الرَّجُلُ أَوْلَى بِإِمَامَةِ النِّسَاءِ مِنْ الْمَرْأَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ لِأَنَّ إمَامَتَهُ أَكْمَلُ (الثَّالِثَةُ) أَوْلَى الْأَقَارِبُ الْأَبُ ثُمَّ الجد.
أب الاب وان علائم الِابْنُ ثُمَّ ابْنُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأَبَوَيْنِ وَلِلْأَبِ وَهَلْ يُقَدَّمُ الْأَخُ مِنْ الْأَبَوَيْنِ عَلَى الْأَخِ مِنْ الْأَبِ فِيهِ طَرِيقَانِ حكاهما المصنف والا كثرون (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَآخَرُونَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَالْمَنْصُوصُ تَقْدِيمُهُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَهَا مَدْخَلٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَخِ مِنْ الْأَبَوَيْنِ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَسْتَوِيَانِ
(وَالثَّانِي)
تَقْدِيمُهُ كَالْقَوْلَيْنِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْأُمَّ لَا مَدْخَلَ لَهَا فِي الْإِمَامَةِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ الْمُقَدَّمُ بَعْدَهُمَا ابْنُ الْأَخِ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ ابْنِ الْعَمِّ لِلْأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِلْأَبِ ثُمَّ عَمِّ الْأَبِ ثُمَّ بَنُوهُ ثُمَّ عَمُّ الْجَدِّ ثُمَّ بَنُوهُ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَمَّانِ أَوْ ابْنَا عَمِّ أَحَدُهُمَا لِأَبَوَيْنِ وَالْآخَرُ لِأَبٍ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ ابْنَا عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمِّ فَفِيهِ الطَّرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) تَقْدِيمُهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ مِنْ النَّسَبِ قُدِّمَ الْمُعْتَقُ ثُمَّ عُصْبَتُهُ هَكَذَا جَزَمَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَمَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مَعْلُومٌ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى تَرْتِيبِ الْعَصَبَاتِ وَالْمَوْلَى مِنْ الْعَصَبَاتِ وَلَهُ حُكْمُهُمْ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْإِرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَ الْعِتْقِ وَعَصَبَاتُهُ تُقَدَّمُ ذَوُو الْأَرْحَامِ فَيُقَدَّمُ أَبُ الْأُمِّ ثُمَّ الْأَخُ لِلْأُمِّ ثُمَّ الْخَالُ ثُمَّ الْعَمُّ لِلْأُمِّ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ جَدٌّ مَمْلُوكٌ وَأَخٌ لِأُمٍّ حُرٌّ فَأَيُّهُمَا أَوْلَى فِيهِ وَجْهَانِ وَلَمْ يُرَجِّحْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ الْحُرِّ (الرَّابِعَةُ) إذَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ كَابْنَيْنِ أَوْ أَخَوَيْنِ
أَوْ عَمَّيْنِ أَوْ ابْنَيْ أَخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَتَنَازَعَا فِي الْإِمَامَةِ فَقَدْ نَصَّ فِي الْمُخْتَصَرِ أَنَّ الْأَسَنَّ أَوْلَى لِأَنَّ دُعَاءَهُ أَرْجَى إجَابَةً وَقَالَ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ أَوْلَى مِنْ الْأَسَنِّ فَقَالَ المصنف والجمهور المسألتان علي ما صنف عَلَيْهِ وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَفَرَّقُوا بِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا الدُّعَاءُ وَدُعَاءُ الْأَسَنِّ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ لِأَنَّهُ أَخْشَعُ غَالِبًا وَأَحْضَرُ قَلْبًا وَالْمُرَادُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ مُرَاعَاةُ مَا يَطْرَأُ فِيهَا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَمُرَاعَاةُ أَقْوَالِهَا وَأَفْعَالِهَا وَقِيلَ فيهما قولان بالنقل والتحريج (احدهما) يقدم الاسن فيهما
(والثانى)
يُقَدَّمُ الْأَفْقَهُ وَالْأَقْرَأُ فِيهِمَا هَكَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ طَرْدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ الْمَرَاوِزَةُ بَلْ جَزَمُوا بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ وَذَكَرُوا فِي صَلَاةِ الْمَيِّتِ الطَّرِيقَيْنِ وَتَابَعَهُ عَلَى هَذَا النَّقْلِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَالْوَسِيطِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ عَنْ العراقيين ليس في كتبهم الشمهورة بل جمهورهم
قَرَّرُوا النَّصَّ وَطَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مِنْهُمْ ذَكَرُوا الطَّرِيقَيْنِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ مَعَ تَرْجِيحِهِمْ الْقَوْلَ الْمَنْصُوصَ فيها وهو تقديم وَجَزَمُوا بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّنْ قَطَعَ بِتَقْرِيرِ النَّصِّ مِنْهُمْ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُهُمْ وَإِمَامُهُمْ وَأَصْحَابُهُ الثَّلَاثَةُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُقْنِعِ وَالْجُرْجَانِيُّ وَآخَرُونَ وَمِمَّنْ ذَكَرَ الطَّرِيقَيْنِ فِي الْجِنَازَةِ مِنْهُمْ وَجَزَمَ بِتَقْدِيمِ الْأَفْقَهِ وَالْأَقْرَأِ فِي غَيْرِهَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالشَّاشِيُّ فَهَؤُلَاءِ أَئِمَّةُ الْعِرَاقِيِّينَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ التَّخْرِيجَ إلَى غَيْرِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا يُقَدَّمُ بِالسِّنِّ الَّذِي مَضَى فِي الْإِسْلَامِ فَلَا يُقَدَّمُ شَيْخٌ مَضَى مُعْظَمُ عُمُرِهِ فِي الْكُفْرِ وَأَسْلَمَ مِنْ قَرِيبٍ عَلَى شَابٍّ نَشَأَ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَاب صِفَةِ الْأَئِمَّةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا السِّنِّ الشَّيْخُوخَةُ بَلْ يُقَدَّمُ أَكْبَرُ الشَّابَّيْنِ عَلَى أَصْغَرِهِمَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ تَقْدِيمُ الْأَسَنِّ فَاسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قُدِّمَ الْأَفْقَهُ ثُمَّ الْأَقْرَأُ كَمَا فِي سَائِر الصَّلَوَاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ وَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْأَوْرَعِ وَوَجْهٌ بِتَقْدِيمِ الْأَقْرَأِ وَكُلُّ ذلك يجبئ هُنَا إذَا اسْتَوَيَا فِي السِّنِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ أَسَنُّ وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مَحْمُودِ الْحَالِ كَمَا سَبَقَ شَرْحُهُ قُدِّمَ الافقه والاقرأ وصار هذا
كالمعدوم فَإِنْ اسْتَوَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا فَقُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ (الْخَامِسَةُ) إذَا اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ وَالْآخَرُ رَقِيقٌ فَالْحُرُّ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ اجتمع رقيق فيه وَحُرٌّ غَيْرُ فَقِيهٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُقَدَّمُ الْحُرُّ
(وَالثَّانِي)
الرَّقِيقُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَلَعَلَّ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا أَوْلَى لِتَعَارُضِ الْفَضِيلَتَيْنِ وَلَوْ اجْتَمَعَ حُرٌّ بَعِيدٌ وَعَبْدٌ قَرِيبٌ كَأَخٍ هُوَ عبد وعم حر فثلاثة أوجه (أصحهما) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْحُرُّ أَوْلَى لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَالْحُرُّ أَهْلُهَا دُونَ الْعَبْدِ (وَالثَّانِي) الْعَبْدُ أَوْلَى لِقُرْبِهِ حَكَاهُ الْفُورَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ وَأَشَارَ إلَى اخْتِيَارِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُكَاتَبُ وَالْعَبْدُ الْقَرِيبَانِ أَوْلَى مِنْ الْحُرِّ الْأَجْنَبِيِّ وَالرَّجُلُ الْأَجْنَبِيُّ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْلَى مِنْ الْمَرْأَةِ الْقَرِيبَةِ وَالصِّبْيَانُ أَوْلَى مِنْ النِّسَاءِ قَالَ إمَامُ الحرمين رحمه الله والدى ذَكَرَ تَصْرِيحًا وَتَلْوِيحًا أَنَّ الْخَالَ وَكُلَّ مُتَمَسِّكٍ بِقَرَابَةٍ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَجَانِبِ وَإِنْ كَانَ الْخَالُ عَبْدًا مَفْضُولًا وَلَوْ اجْتَمَعَ عَبْدٌ بَالِغٌ وَصَبِيٌّ حُرٌّ فَالْعَبْدُ أَوْلَى بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ قَالُوا لِأَنَّ الْعَبْدَ مُكَلَّفٌ فَهُوَ أَحْرَصُ عَلَى تَكْمِيلِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَ الْعَبْدِ مُجْمَعٌ عَلَى جَوَازِهَا وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي جَوَازِهَا خلف الصبي
*
(فرع)
إذا اجتمع وابان فِي دَرَجَةٍ أَحَدُهُمَا أَفْضَلُ كَانَ أَوْلَى كَمَا سبق فان أراد ان يستنيب أحنبيا فَفِي تَمْكِينِهِ مِنْهُ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْعُدَّةِ (الْأَقْيَسُ) أَنَّهُ لَا يُمَكَّنُ إلَّا بِرِضَاءِ الْآخَرِ قال ولو غاب الولي الا قرب وَوَكَّلَ مَنْ يُصَلِّي فَنَائِبُهُ أَحَقُّ مِنْ الْبَعِيدِ الْحَاضِرِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا حَقَّ لِلزَّوْجِ فِي الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ شَيْخُ الْأَصْحَابِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَشَذَّ عَنْهُمْ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالَ الزَّوْجُ أَوْلَى بِالْإِمَامَةِ عَلَيْهَا مِنْ الْمَوْلَى الْمُعْتَقِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ أَشَدُّ شَفَقَةً وَأَتَمُّ إرْثًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ العدة شاذ مخالف لما قاله الا صحاب
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَوْصَى الْمَيِّتُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَجْنَبِيٌّ فَهَلْ يُقَدَّمُ الْمُوصَى لَهُ عَلَى أَقَارِبِ الْمَيِّتِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الاصحاب بلا يُقَدَّمُ وَلَا تَصِحُّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ حَقٌّ لِلْقَرِيبِ وَوُلَاتِهِ فَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتَهُ بِإِسْقَاطِهَا كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى أَجْنَبِيٍّ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَلَهَا عَصَبَةٌ فَإِنَّهُ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ (والطريق) الثاني فيه حكاه الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ أَنَّهُ خَرَّجَهُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ أَوْصَى أَجْنَبِيًّا فِي أُمُورِ أَوْلَادِهِ وَلَهُمْ جَدٌّ (الصَّحِيحُ) لَا يَصِحُّ (وَالثَّانِي) يَصِحُّ فَعَلَى هَذَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ إلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ عَلَى الْقَرِيبِ قَالَ الرافعي وبهذا أفني محمد بن يجي صَاحِبُ الْغَزَالِيِّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ بُطْلَانُ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَيُقَدَّمُ الوصي على القريب يحكي عَنْ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَأَحْمَدَ قَالَ وَهُوَ قِيَاسُ قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَسَائِرُ الْفُقَهَاءِ الْأَوْلِيَاءُ أَوْلَى مِنْ الْمُوصَى لَهُ قَالَ وَهُوَ نَظِيرُ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِتَزْوِيجِ بِنْتِهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ تَقْدِيمَ الْوَصِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَسٍ وَزَيْدِ بْنِ أَرَقْمَ وَأَبِي بَرْزَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ وابن سيرين وأحمد وإسحق وَاحْتُجَّ لَهُمْ بِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ وَصَّى أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ عُمَرُ فَصَلَّى
وَوَصَى عُمَرُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ صُهَيْبٌ فَصَلَّى وَوَصَّتْ عَائِشَةُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهَا أَبُو هُرَيْرَةَ فَصَلَّى وَكَذَلِكَ غَيْرُهُمْ رضي الله عنهم
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ حَقٌّ لِلْقَرِيبِ فَلَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِإِسْقَاطِهِ كَالْإِرْثِ وَغَيْرِهِ وَالْجَوَابُ عَنْ وَصَايَا الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم أَنَّ أَوْلِيَاءَهُمْ أَجَازُوا الْوَصِيَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَمْ يَحْضُرْ الميت عصبة لبه وَلَا ذَوُو رَحِمٍ وَلَا مُعْتِقٌ بَلْ حَضَرَهُ أَجَانِبُ قُدِّمَ الْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَيُقَدَّمُ الْبَالِغُ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا عَلَى الصبي وإن كان كَمَا سَبَقَ فَإِنْ اجْتَمَعَ رِجَالٌ أَحْرَارٌ قُدِّمَ أَحَقُّهُمْ بِالْإِمَامَةِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي بَابِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَتَنَازَعُوا أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ إلَّا عَبْدٌ قُدِّمَ مَنْ يُقَدَّمُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَإِنْ اسْتَوَوْا وَتَنَازَعُوا أُقْرِعَ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ أَحَقَّ الْأَقَارِبِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ عَلَى التَّرْتِيبِ السَّابِقِ وَأَشَارَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَى وَجْهٍ بَعِيدٍ غَرِيبٍ أَنَّ الْأَخَ مُقَدَّمٌ عَلَى الِابْنِ مَأْخُوذٌ مِنْ وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَالْمَشْهُورُ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طوقهم يقدم
الابن وبنيه عَلَى الْأَخِ وَقَدْ نَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَقْدِيمِ الِابْنِ عَلَى الْأَخِ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله الِابْنُ أَوْلَى مِنْ الْأَبِ وَالْأَخُ وَابْنُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ
* دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى وِلَايَةِ النِّكَاحِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَلَهَا ابْنٌ وَزَوْجٌ فَحَقُّ الصَّلَاةِ عَلَيْهَا لِلِابْنِ دُونَ الزَّوْجِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله زَوْجُهَا أَوْلَى مِنْ ابْنِهَا مِنْهُ فَإِنْ كَانَ ابْنُهَا مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ زَوْجِهَا قَالَ وَابْنُ الْعَمِّ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ الْوَلِيُّ أَحَقُّ مِنْ الزَّوْجِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الزَّوْجُ أَحَقُّ
* دَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِابْنَ عَصَبَةٌ وَأَكْمَلُ شَفَقَةً فَقُدِّمَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الِابْنَ يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبِيهِ فَلَا يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا يُنْتَقَضُ بِالْجَدِّ مَعَ الْأَبِ فَإِنَّ الِابْنَ مُقَدَّمٌ عليه مع انه يلزمه طاعته
*
* قال الصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ طَهَارَةُ الْحَدَثِ وَطَهَارَةُ النَّجَسِ فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْمَكَانِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ وَاسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَأَمَّا الْقِيَامُ (فَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورِ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ إلَّا فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ وَفِيهِ وَجْهَانِ آخَرَانِ لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يَجُوزُ الْقُعُودُ فِيهَا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ كَالنَّوَافِلِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فَرَائِضِ الْأَعْيَانِ خَرَّجُوهُ مِنْ إبَاحَةِ جَنَائِزَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ (وَالثَّانِي) إنْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إلَّا قَائِمًا وَإِلَّا صَحَّتْ قَاعِدًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ الْمَسْأَلَةِ مَبْسُوطَةً فِي بَابِ التَّيَمُّمِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا تَقْدِيمُ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ حَتَّى لَوْ مَاتَ فِي بِئْرٍ أَوْ انْهَدَمَ عَلَيْهِ مَعْدِنٌ وَتَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ وَغُسْلُهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ بَعْدَ غُسْلِهِ قَبْلَ تَكْفِينِهِ وَيُكْرَهُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ
*
(فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَمِنْ شَرْطِهَا الْقِيَامُ قَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ تَسْمِيَتُهُ شَرْطًا وَالصَّوَابُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَفَرْضٌ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي سَائِرِ الصلوات وكأنه سماه شرطا مجاز الاشتراك الركن والشرط في الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِمَا وَقَدْ سَمَّى أَبُو حَامِدٍ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ هُنَا شَرْطًا وَهُوَ مَجَازٌ كَمَا ذَكَرْنَا (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ مَفْرُوضَةٌ احترز مِنْ نَافِلَةِ السَّفَرِ (وَقَوْلُهُ) مَعَ الْقُدْرَةِ احْتِرَازٌ مِنْ فَرِيضَةِ شِدَّةِ الْخَوْفِ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِطَهَارَةٍ وَمَعْنَاهُ إنْ تَمَكَّنَ مِنْ الْوُضُوءِ لَمْ تَصِحَّ إلَّا بِهِ وَإِنْ عَجَزَ تَيَمَّمَ وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ مَعَ إمْكَانِ الْمَاءِ وَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْوَقْتِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ لَهَا مَعَ وُجُودِ الْمَاءِ إذَا خَافَ فَوْتَهَا إنْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَسَالِمٍ وَالزُّهْرِيِّ وَعِكْرِمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَسَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ وَاللَّيْثِ وَالثَّوْرِيِّ والاوزاعي واسحق وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَالَ الشعبي ومحمد بن جرير الطبري والشيعة تجوز صَلَاةُ الْجِنَازَةِ بِغَيْرِ طَهَارَةٍ مَعَ إمْكَانِ الْوَضُوءِ والتيمم لانهها دُعَاءٌ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ هَذَا الَّذِي قَالَهُ الشَّعْبِيُّ قَوْلٌ خَرَقَ بِهِ الْإِجْمَاعَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ
* دَلِيلُنَا عَلَى اشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ قَوْلُ اللَّهِ عز وجل " وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا) فَسَمَّاهُ صَلَاةً وَفِي الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " صَلَّوْا عَلَى صَاحِبِكُمْ " وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ " وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي تَسْمِيَتِهَا صَلَاةً وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عز وجل (إِذَا قمتم إلي الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم) الْآيَةُ وَفِي الصَّحِيحِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ " وَلِأَنَّهَا لَمَّا افْتَقَرَتْ إلَى شُرُوطِ الصَّلَاةِ دَلَّ عَلَى أَنَّهَا صَلَاةٌ وَكَوْنُ مُعْظَمِ مَقْصُودِهَا الدُّعَاءَ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنَهَا صَلَاةً
* وَدَلِيلُنَا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ وَمُوَافِقِيهِ قَوْله تَعَالَى (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) إلى قوله تعالى (فلم يجدوا ماء فتيمموا) وهذا عام في صلاة الْجِنَازَةِ وَغَيْرِهَا حَتَّى يَثْبُتَ تَخْصِيصٌ وَقَدْ سَبَقَتْ المسألة في باب التيمم وبالله التوفيق
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ وَقَفَ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ هُوَ الصَّوَابُ الْمَوْجُودُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ فِي هَذَا الرَّجُلِ وَقَفَ عِنْدَ صَدْرِهِ فَغَلَطٌ صَرِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ كَانَتْ أَنْصَارِيَّةً وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ أَنَّهَا قُرَشِيَّةٌ وَذَكَر الْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ فَلَعَلَّهَا كَانَتْ مِنْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ وَلَهَا خَلْفٌ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ زَوْجِهَا مِنْ الْأُخْرَى (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ صَلَّى عَلَى تِسْعِ جَنَائِزَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ كَمَا هُوَ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُمَا قَالَ عَمَّارُ شَهِدْتُ جِنَازَةَ أُمِّ كُلْثُومٍ وَابْنِهَا فَجَعَلَ الْغُلَامَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ فَأَنْكَرْت ذَلِكَ وَفِي الْقَوْمِ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبُو قَتَادَةَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَالُوا هَذِهِ السُّنَّةُ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَعَمَّارٌ هَذَا تَابِعِيٌّ مَوْلًى لِبَنِي هَاشِمٍ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْثِيقِهِ وَعَجِيزَةُ الْمَرْأَةِ أَلْيَاهَا - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْجِيمِ -
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فيه مسائل (إحداها)
السُّنَّةُ أَنْ يَقِفَ الْإِمَامُ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ بِلَا خِلَافٍ لِلْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ أَبْلُغُ فِي صِيَانَتِهَا عَنْ الْبَاقِينَ وَفِي الرَّجُلِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ
(وَالثَّانِي)
قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ عِنْدَ صَدْرِهِ وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَقَطَعَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَئِمَّتِنَا وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ قال اصحابنا البصريون عند رأسه والبغداديون عند صدره (وَالصَّوَابُ) مَا قَدَّمْتُهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَهُوَ عِنْدَ رَأْسِهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَصٌّ مِمَّنْ قَالَ هَذَا الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَالتَّجْرِيدِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْبَغَوِيّ فِي كِتَابِهِ شَرْحُ السُّنَّةِ عن الشافعي وأحمد واسحق أَنَّهُ يَقِفُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَالْخُنْثَى كَالْمَرْأَةِ فَيَقِفُ عِنْدَ عَجِيزَتِهِ فَلَوْ خَالَفَ هَذَا فَوَقَفَ عِنْدَ عَجِيزَةِ الرَّجُلِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ رَأْسِ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى أَوْ غَيْرِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ لَكِنَّهُ خِلَافُ السُّنَّةِ هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَقِفُ عِنْدَ صَدْرِ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ وَصَدْرِ الرَّجُلِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ عنه غيرها وبه قال اسحق وحكاه الترمذي عن أحمد واسحق وَنَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ عِنْدَ وَسَطِ الرَّجُلِ وَمَنْكِبَيْ الْمَرْأَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ مِنْهُمَا
* دَلِيلُنَا عَلَى الْجَمِيعِ حَدِيثُ أَنَسٍ الْمَذْكُورُ فِي الْكِتَابِ وَعَنْ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى امْرَأَةٍ مَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَقَامَ عَلَيْهَا وَسَطَهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَتْ جَنَائِزُ جَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً صَلَاةً وَاحِدَةً وَجَازَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ وَحْدَهُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَفْضَلَ أن يفرد كل واحد بصلاة الاصاحب
التَّتِمَّةِ فَجَزَمَ بِأَنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّ فِيهِ تَعْجِيلَ الدَّفْنِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وأرحبي لِلْقَبُولِ وَلَيْسَ هُوَ تَأْخِيرًا كَثِيرًا وَسَوَاءٌ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا فَإِنْ كَانُوا نَوْعًا وَاحِدًا وَأَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً فَفِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِهِمْ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ
الْحَرَمَيْنِ عَنْ مُعْظَمِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُوضَعُ الْجَمِيعُ بَيْنَ يَدَيْ الْإِمَامِ بَعْضُهَا خَلْفَ بَعْضٍ لَيُحَاذِي الْإِمَامُ الْجَمِيعَ (وَالطَّرِيقُ) الثَّانِي حَكَاهُ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوضَعُ الْجَمِيعُ صَفًّا وَاحِدًا رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ جَمِيعَهُمْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَقِفُ فِي مُحَاذَاةِ الْآخِرِ مِنْهُمْ فَإِنْ كان نِسَاءً فَعِنْدَ عَجِيزَتِهَا وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا فَعِنْدَ رَأْسِهِ أَوْ صَدْرِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ وَإِنْ كَانُوا رِجَالًا وَنِسَاءً تَعَيَّنَ الطَّرِيقُ الْأَوَّلُ بِلَا خِلَافٍ وَإِذَا وُضِعُوا كَذَلِكَ فَمَنْ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ يُنْظَرُ إنْ جَاءُوا دَفْعَةً وَاحِدَةً نَظَرَ إنْ اخْتَلَفَ النَّوْعُ قُدِّمَ الرَّجُلُ أَوْ الرِّجَالُ ثم الصبى أو الصبيان ثم الخناثا ثُمَّ النِّسَاءُ كَمَا فِي صَلَاتِهِمْ وَرَاءَ الْإِمَامِ وان حضرت جماعة خناثا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ يُوضَعُونَ صَفًّا وَاحِدًا رَأْسُ كُلِّ وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلِ الْآخَرِ حَتَّى لَا تُقَدَّمُ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ وَإِنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي الْفَضِيلَةِ هُنَا الْوَرَعُ وَالتَّقْوَى وَسَائِرُ الْخِصَالِ الْمَرْعِيَّةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْغَلَبَةُ عَلَى الظَّنِّ كَوْنُهُ أَقْرَبُ
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ الْإِمَامُ رحمه الله وَلَا يَلِيقُ بِهَذَا الْبَابِ التَّقْدِيمُ بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَاهُ قَالُوا وَلَا يُقَدَّمُ بِمُجَرَّدِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا يُقَدَّمُ حُرٌّ عَلَى عَبْدٍ لِمُجَرَّدِ الْحُرِّيَّةِ بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْوِلَايَاتِ فَإِنَّ الْحُرَّ مُقَدَّمٌ فِيهَا لِأَنَّهَا تَصَرُّفٌ وَالْحُرُّ أَدْخَلُ فِي التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْعَبْدِ وَمُطْلَقُ التَّصَرُّفِ فِي كُلِّ شئ وَإِذَا مَاتَ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ اسْتَوَيَا فِي انْقِطَاعِ تَصَرُّفِهِمَا وَحِينَئِذٍ فَالْوَرَعُ أَقْرَبُ مَا يُعْتَبَرُ فَإِنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ الْخِصَالِ وَرَضِيَ الْوَرَثَةُ بِتَقْدِيمِ بَعْضِهِمْ قُدِّمَ وَإِنْ تَنَازَعُوا أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ هَذَا كُلُّهُ إذَا جَاءَتْ الْجَنَائِزُ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَإِنْ جَاءَتْ مُتَعَاقِبَةً قدم إلى الامام أسبقهما وَإِنْ كَانَ مَفْضُولًا هَذَا إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ فَيُقَدَّمُ بِالذُّكُورَةِ فَلَوْ حَضَرَتْ امْرَأَةٌ أَوَّلًا ثُمَّ حَضَرَ رَجُلٌ أَوْ صَبِيٌّ قُدِّمَ عَلَيْهَا إلَى الْإِمَامِ لِأَنَّ مَرْتَبَةَ الرِّجَالِ التَّقَدُّمُ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ وُضِعَتْ بِقُرْبِ الْإِمَامِ نُحِّيَتْ وَقُدِّمَ إلَيْهِ الرَّجُلُ وَالصَّبِيُّ (وَأَمَّا) إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ أَنَّ الصَّبِيَّ يُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ وَيَكُونُ الرَّجُلُ وَرَاءَهُ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّ الصَّبِيَّ لَهُ مَوْقِفٌ فِي الصَّفِّ بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ أَنَّ الرَّجُلَ يُقَدَّمُ فَيُنَحَّى
الصَّبِيُّ وَيُقَدَّمُ الرَّجُلُ كَمَا فِي الْمَرْأَةِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَالْخُنْثَى مُؤَخَّرٌ عَنْ الصَّبِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَرْأَةِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَازَتُهُ سَابِقَةٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) فِيمَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِمْ
* إذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ دَفْعَةً فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فَظَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْأَوْلِيَاءِ فَإِنْ رَضُوا بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ قُدِّمَ وَلِيُّ السَّابِقَةِ رَجُلًا كَانَ مَيِّتُهُ أَوْ امْرَأَةً وَإِنْ حَضَرَتْ الْجَنَائِزُ دَفْعَةً أَقُرِعَ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِصَلَاةٍ وَاحِدَةٍ صَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مَيِّتِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الْأَصْحَابِ لَوْ افْتَتَحَ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ ثُمَّ حَضَرَتْ أُخْرَى وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ تُرِكَتْ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى الْأُولَى ثُمَّ يُصَلِّيَ عَلَى الثَّانِيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَلَا يُعْتَدُّ بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَ حُضُورِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِ هَذِهِ الثَّانِيَةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَقَدَّمَ الْمُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ عَلَيْهَا وَهِيَ حَاضِرَةٌ أَوْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ فَفِيهِ وجهان
مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بُطْلَانُ صَلَاتِهِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى تَصْحِيحِهِ وَقَالَ الْمُتَوَلِّي وَجَمَاعَةٌ إنْ جَوَّزْنَا تَقَدُّمَ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ جَازَ هَذَا وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ وَلَوْ صَلَّى الْمَأْمُومُ قُدَّامَ الْإِمَامِ وَقُدَّامَ الْجِنَازَةِ فَإِنْ أَبْطَلْنَا صَلَاةَ الْمُنْفَرِدِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي تَقَدُّمِ الْمَأْمُومِ عَلَى الْإِمَامِ (الصَّحِيحُ) بُطْلَانُهَا فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ مَتَى تَقَدَّمَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَوْ الْقَبْرِ أَوْ الْإِمَامِ فَالصَّحِيحُ بُطْلَانُ صَلَاتِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْجَنَائِزِ إذَا صَلَّى عَلَيْهَا دَفْعَةً
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أنه يقدم الي الامام الرجل ثم الصبيان ثم الخناثا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يُقَدَّمُ الرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالنِّسَاءُ وَرَاءَهُمْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبُو قَتَادَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَعَطَاءٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ والثوري وأصحاب الرأى وأحمد واسحق قَالَ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ يُجْعَلُ النِّسَاءُ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ وَالرِّجَالُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُقَدَّمُ إلَى الْإِمَامِ عَلَى الصَّبِيِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِمْ صَلَاةً وَاحِدَةً جَازَ
* هَكَذَا مُكَرَّرٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ فَإِنَّهُ سَبَقَ
فِي قَوْلِهِ فَإِنْ اجْتَمَعَ جَنَائِزُ قُدِّمَ إلَى الْإِمَامِ أَفْضَلُهُمْ وَكَأَنَّهُ أَعَادَهُ لِيَذْكُرَ دَلِيلَهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَإِنْ
كَانَ قَدْ سَبَقَ دَلِيلُهُ مِنْ حَيْثُ الرِّوَايَةِ * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} أَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَرَوَاهُ هَكَذَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيّ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدٍ شَيْخُ الشَّافِعِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ عَنْ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضعيف عند أهل الحديث لا يصح الا حتجاج بِحَدِيثِهِ لَكِنْ قَدْرُ الْحَاجَةِ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ صَحِيحٌ فَفِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ فكبر عليه اربعا " وروى الكتبير أَرْبَعًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ فَرَوَاهُ (1) وَالْأَثَرُ عن ابن عمر رواه البيهقى باسناد (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا تَكْبِيرَةٌ لَا تَتَّصِلُ بِسُجُودٍ وَلَا قُعُودٍ احْتَرَزَ عَنْ تَكْبِيرَاتِ السُّجُودِ وَالرَّفْعِ مِنْهُ وَمِنْ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ الْمَشْهُورَ فِي المذهب انه لا يرفع في شئ من ذلك وفى كله خلاف سبق في موضعه
* وأما الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ إلَّا بِالنِّيَّةِ لِحَدِيثِ " إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ " وقياسا علي غيرها قل أَصْحَابُنَا وَصِفَةُ النِّيَّةِ أَنْ يَنْوِيَ مَعَ التَّكْبِيرِ أَدَاءَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ أَوْ هَؤُلَاءِ الموتى ان كانوا جمعا سواء عرف
(1) بياض بالاصل فليحرر
عَدَدَهُمْ أَمْ لَا وَيَجِبُ نِيَّةُ الِاقْتِدَاءِ إنْ كَانَ مَأْمُومًا وَهَلْ يُفْتَقَرُ إلَى نِيَّةِ الْفَرِيضَةِ فِيهِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ذَكَرَهُ الصَّيْدَلَانِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهَلْ يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لِكَوْنِهَا فَرْضَ كِفَايَةٍ أَمْ يَكْفِي مُطْلَقُ نِيَّةِ الفرض فيه وجهان حكاهما الرواياتي وَالرَّافِعِيُّ (الصَّحِيحُ) الِاكْتِفَاءُ بِمُطْلَقِ نِيَّةِ الْفَرْضِ وَلَا يُفْتَقَرُ إلَى تَعْيِينِ الْمَيِّتِ وَأَنَّهُ زَيْدٌ أَوْ عمرو أو امرأة أم رَجُلٌ بَلْ يَكْفِيهِ نِيَّةُ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُومًا وَنَوَى الصَّلَاةَ عَلَى مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِ الْإِمَامُ كَفَاهُ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَوْ عَيَّنَ الْمَيِّتَ وَأَخْطَأَ بِأَنْ نَوَى زَيْدًا فَكَانَ عَمْرًا أَوْ الرَّجُلَ فَكَانَتْ امْرَأَةً أَوْ عَكْسَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ الْمَيِّتِ وَإِنْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى هَذَا زَيْدٍ فَكَانَ عَمْرًا فَوَجْهَانِ لِتَعَارُضِ الْإِشَارَةِ وَالنِّيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي أَوَائِلِ بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (أَصَحُّهُمَا) الصِّحَّةُ قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُ نِيَّةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ فَإِذَا نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى حَاضِرٍ وَالْمَأْمُومُ عَلَى غائب وعكسه أو نوي غائبا ونوى المأمور آخَرَ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا كَمَا لَوْ صَلَّى الظُّهْرَ خَلْفَ مُصَلِّي الْعَصْرَ (الثَّانِيَةُ) التَّكْبِيرَاتُ الْأَرْبَعُ أَرْكَانٌ لَا تَصِحُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِنَّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَقَدْ كَانَ لِبَعْضِ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ خلاف في أن التكبير المشروع خمس أم أَرْبَعٌ أَمْ غَيْرُ ذَلِكَ ثُمَّ انْقَرَضَ ذَلِكَ الْخِلَافُ وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ الْآنَ عَلَى أَنَّهُ أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَبَّرَ خَمْسًا فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَكْثَرَ مِنْ كَلَامِ الْآدَمِيِّ نَاسِيًا وَلَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ كَمَا لَوْ كَبَّرَ أَوْ سَبَّحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ التَّلْخِيصَ وَصَاحِبُهُ الْقَاضِي وَصَاحِبُهُ الْمُتَوَلِّي لِأَنَّهُ زَادَ رُكْنًا فَأَشْبَهَ مَنْ زَادَ رُكُوعًا (وَالثَّانِي) لَا تَبْطُلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْأَكْثَرِينَ بَلْ زَادَ ابْنُ سُرَيْجٍ فَقَالَ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِأَرْبَعِ تَكْبِيرَاتٍ وَخَمْسٍ وَهُوَ مِنْ الِاخْتِلَافِ الْمُبَاحِ والجميع جَائِزٌ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَانَ يُكَبِّرُ خمسا " ولانه ليس اخلال بِصُورَةِ الصَّلَاةِ فَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ كَمَا لَوْ زَادَ تَكْبِيرًا فِي غَيْرِهَا مِنْ
الصَّلَوَاتِ وَلَوْ كَانَ مَأْمُومًا فَكَبَّرَ إمَامُهُ خَمْسًا فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّ الْجَمِيعَ جَائِزٌ تَابَعَهُ وَإِنْ قُلْنَا الْخَامِسَةُ تَبْطُلُ فَارَقَهُ فَإِنْ تَابَعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهَا لَا تُشَرَّعُ وَلَا تَبْطُلُ بِهَا الصَّلَاةُ لَمْ يُفَارِقْهُ وَلَمْ يُتَابِعْهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يُتَابِعُهُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أَوْ الْأَكْثَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُتَابِعُهُ
(وَالثَّانِي)
يُتَابِعُهُ لِتَأَكُّدِ الْمُتَابَعَةِ وَمِمَّنْ حكي هذا
الطَّرِيقَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ فَإِنْ قُلْنَا لَا يُتَابِعُهُ فَهَلْ يُسَلِّمُ فِي الْحَالِ أَمْ يَنْتَظِرُهُ لِيُسَلِّمَ مَعَهُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
يُفَارِقُهُ كَمَا لَوْ قَامَ الْإِمَامُ إلَى خَامِسَةٍ (وَأَصَحُّهُمَا) يَنْتَظِرُهُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ لِتَأَكُّدِ مُتَابَعَتِهِ وَيُخَالِفُ الْقِيَامَ إلَى خَامِسَةٍ لِأَنَّهُ يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْأَفْعَالِ وَلَا يُمْكِنُ فِي الْخَامِسَةِ وَلَا يَلْزَمُ مُتَابَعَتُهُ فِي الْأَذْكَارِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْسُوبَةٌ لِلْمَأْمُومِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَصِفَةُ الرَّفْعِ وَتَفَارِيعُهُ كَمَا سَبَقَتْ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْمَعُ يَدَيْهِ عَقِبَ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ وَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ صَدْرِهِ وَاضِعًا الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ غَرِيبٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرِ
* قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " كَبَّرَ أَرْبَعًا " وَبِهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَابْنُ أَبِي أَوْفَى وَالْبَرَاءُ بْنُ عازب وأبو هريرة وابن عامر ومحمد بن الحنفية وعطاء والثوري والاوزاعي واحمد واسحق وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ يُكَبِّرُ خَمْسًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا وَعَنْ ابْنِ سِيرِينَ نَحْوُهُ وَقَالَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ لَا يُنْقَصُ مِنْ ثَلَاثِ تَكْبِيرَاتِ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُنْقَصُ مِنْ أَرْبَعٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى سَبْعٍ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ يُكَبِّرُ مَا يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه يُكَبِّرُ ستاقال ولو كبر الامام خمسا اخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِأَرْبَعَ فَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يُتَابِعُهُ وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يُتَابِعُهُ قال ابْنُ الْمُنْذِرِ بِالْأَرْبَعِ أَقُولُ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ
مِمَّنْ قَالَ بِخَمْسِ تَكْبِيرَاتٍ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ وَحُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ وَالشِّيعَةُ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ سِتًّا وَعَلَى غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خَمْسًا وَعَلَى سَائِرِ النَّاسِ أَرْبَعًا وَرُوِيَ أَنَّهُ كَبَّرَ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ سَبْعًا وَكَانَ بَدْرِيًّا وَقَالَ دَاوُد رحمه الله إنْ شَاءَ خَمْسًا وَإِنْ شَاءَ أَرْبَعًا وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةَ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي زِيَادَةٍ عَلَى الْأَرْبَعِ وَفِي رِوَايَةٍ يُتَابِعُهُ إلَى خَمْسٍ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ يُكَبِّرُ أَرْبَعًا فَإِنْ زَادَ إمَامُهُ يُتَابِعُهُ إلَى سَبْعٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي كِتَابَيْهِ الْأَشْرَافِ وَالْإِجْمَاعِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَرْفَعُ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ واختلفوا في سائرها فممن قَالَ بِالرَّفْعِ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ ابْنُ عُمَرَ وعمر ابن عبد العزيز وعطاء وسالم والزهرى وقيس ابن أبى حازم والاوزاعي والشافعي وأحمد واسحق وَبِهِ أَقُولُ.
قَالَ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا يَرْفَعُ إلَّا فِي الْأُولَى وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ هَذَا نَقْلُ ابْنِ الْمُنْذِرِ وَمِمَّنْ قَالَ يَرْفَعُ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ دَاوُد وَمِمَّنْ قَالَ يَخْتَصُّ بِالْأُولَى الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِحَدِيثَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهما كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ " رَفَعَ يَدَيْهِ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ " زَادَ ابن عباس " ثم لا يعود " رواهما الدارقطني وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا رحمهم الله بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجَوَابُ عَنْ حَدِيثَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أنهما ضعيفان
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ويقرأ بعد التكبيرة الاولي فاتحة الكتاب لما روى جابر وهى فرض من فروضها لانها صلاة يجب فيها القيام فوجب فيها القراءة كسائر الصلوات وفي قراءة السورة وجهان (احدهما) يقرأ سورة قصيرة لان كل صلاة قرأ فيها الفاتحة قرأ فيها السورة كسائر الصلوات
(والثانى)
لا يقرأ لانها مبنية على الحذف والاختصار والسنة في قراءتها الاسرار لما روى أن ابن عباس صلي بهم على جنازة فكبر ثم قرأ بأم القرآن فجهر بها ثم صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فلما انصرف قال " انما جهرت بها لتعلموا انها هكذا) ولا فرق بين ان يصلى بالليل أو النهار وقال أبو القاسم الداركي ان كانت الصلاة بالليل جهر فيها لان لها نظيرا بالنهار يسر فيها فجهر فيها كالعشاء وهذا لا يصح لان صلاة العشاء راتبة في
وقت من الليل ولها نظير راتب في وقت من النهار يسن في نظيرها الاسرار فسن فيها الجهر وصلاة الجنازة صلاة واحدة ليس لها وقت تختص به من ليل أو نهار بل تفعل في الوقت الذى يوجد سببها وسننها الاسرار فلم يختلف فيها الليل والنهار وفى دعاء التوجه والتعوذ عند القراءة وجهان قال عامة أصحابنا لا يأتي به لانها مبنية علي الحذف والاختصار وقال شيخنا أبو الطيب يأتي به لان التوجه يراد لافتتاح الصلاة والتعوذ للقراءة وفى هذه الصلاة افتتاح وقراءة فوجب أن يأتي بذكرهما}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ سَبَقَ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ ضَعِيفٌ وَيُغْنِي عَنْهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ " صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَقَالَ لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا اللَّفْظِ وَقَوْلُهُ سُنَّةٌ هُوَ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه مِنْ السُّنَّةِ كَذَا فَيَكُونُ مَرْفُوعًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ وَالْمُحَدِّثِينَ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ فَجَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ انما جهرت
لِتَعْلَمُوا أَنَّهَا سُنَّةٌ يَعْنِي لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقِرَاءَةَ مَأْمُورٌ بِهَا (وَأَمَّا) الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِزِيَادَةِ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَرَوَاهَا عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ رضي الله عنهما قَالَ " السُّنَّةُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ مُخَافَتَةً ثُمَّ يُكَبِّر ثَلَاثًا وَالتَّسْلِيمُ عِنْدَ الْآخِرَةِ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ وَأَبُو أُمَامَةَ هَذَا صَحَابِيٌّ (وَقَوْلُ) الْمُصَنِّفِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَجِبُ فِيهَا الْقِيَامُ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وَسُجُودِ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ (وَقَوْلُهُ) كُلُّ صَلَاةٍ قَرَأَ فِيهَا الْفَاتِحَةَ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ وَالسُّجُودِ أَيْضًا (وَقَوْلُهُ) الدَّارَكِيُّ - هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَاسْمُهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ تَفَقَّهَ علي ابي اسحق المروزى وتفقه عليه الشيخ أبو حامد الاسفرايني وَعَامَّةُ شُيُوخِ بَغْدَادَ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ مَا رَأَيْتُ أَفْقَهَ مِنْ الدَّارَكِيِّ تُوُفِّيَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنْ شَوَّالٍ سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ وَهُوَ ابْنُ نَيِّفٍ وَسَبْعِينَ سَنَةٍ
*
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فَرْضٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَقْرَأَهَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَإِنْ قَرَأَهَا بَعْدَ تَكْبِيرَةٍ أُخْرَى غَيْرَ الْأُولَى جَازَ صَرَّحَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالرُّويَانِيُّ عَنْهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ والروايانى وَغَيْرُهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأُحِبُّ إذَا كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَرَوَى الْمُزَنِيّ فِي الْجَامِعِ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ مُسْتَحَبَّةٌ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا هِيَ وَاجِبَةٌ لَا تَصِحُّ صَلَاةٌ إلَّا بِهَا قَالَ فَيَجِبُ عَلَى هَذَا أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأُحِبُّ ان يكون فِي الْأُولَى وَأَمَّا أَصْلُ قِرَاءَتِهَا فَوَاجِبَةٌ فَرَجَعَ الِاسْتِحْبَابُ إلَى مَوْضِعِهَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَمُوَافِقِيهِ وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي مَوْضِعَيْنِ قَالَ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ كَمَا نَقَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْجَنَائِزِ وَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَقَالَ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ يُكَبِّرُ وَيَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ ثُمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ فَهَذَا النَّصُّ مَعَ النص الثاني في الام محتملان لا شتراطها فِي الْأُولَى وَمُحْتَمَلَانِ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى لَكِنْ يَتَعَيَّنُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْأَفْضَلَ كَوْنُهَا فِي الْأُولَى لِلْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَصِّهِ الْأَوَّلِ فِي الْأُمِّ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَعِبَارَةُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ كَوْنِهَا فِي الْأُولَى لَكِنَّ مُجْمَلَ مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَمُوَافِقُوهُ أَنَّ أَصْلَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبٌ وَكَوْنُهَا فِي الْأُولَى أَفْضَلُ وَتَجُوزُ فِي الثَّانِيَةِ مَعَ إخْلَاءِ الْأُولَى مِنْهَا وَقَدْ يُفْهَمُ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ وَالْوَاجِبُ مِنْ ذَلِكَ النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرَاتُ وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَلَمْ يَقُلْ وَقِرَاءَتُهَا فِي الْأُولَى وَلَوْ كَانَ يَرَى ذَلِكَ شَرْطًا لَقَالَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِ التَّأْمِينِ عَقِبَ
الْفَاتِحَةِ هُنَا كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَفِي قِرَاءَةِ السُّورَةِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَذَكَرَهُمَا مَعَ الْمُصَنِّفِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ سُورَةٌ قَصِيرَةٌ وَيُسْتَدَلُّ لَهُ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يَعْلَى الْمُوصِلِيُّ فِي كِتَابِهِ نَحْوَ كُرَّاسَةٍ مِنْ مُسْنَدِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ " صَلَّيْتُ خَلْفَ ابْنِ عَبَّاسٍ عَلَى جِنَازَةٍ فَقَرَأَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً فَجَهَرَ فِيهَا حَتَّى سَمِعْنَا فَلَمَّا انْصَرَفَ أَخَذْتُ بِثَوْبِهِ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) دُعَاءُ الِاسْتِفْتَاحِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ وَذَكَرَهُمَا طَائِفَةٌ يَسِيرَةٌ مَعَ الْمُصَنِّفِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْمُصَنِّفِينَ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ مُتَقَدِّمِي الْأَصْحَابِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وغيره (وأما) التعوذ ففيه وجهان مشوران (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَأَكْثَرِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجَمَاعَاتٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ اسْتِحْبَابِهِ وَقَطَعَ بِهِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَصَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِقَوْلِ اللَّهِ عز وجل (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) وَبِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِهَا مَعَ أَنَّهُ مُخْتَصَرٌ لَا تَطْوِيلَ فِيهِ فَهُوَ يُشْبِهُ التَّأْمِينَ (وَأَمَّا) الْجَهْرُ وَالْإِسْرَارُ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ مِنْ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالدُّعَاءِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرَاتِ وَالسَّلَامِ وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ يُسِرُّ بِالْقِرَاءَةِ نَهَارًا وَفِي اللَّيْلِ وَجْهَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَاتٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ يُسَرُّ أَيْضًا كَالدُّعَاءِ
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ الْجَهْرُ قَالَهُ الدَّارَكِيُّ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُهُ الشيخ أبو حامد الاسفرايني وَصَاحِبَاهُ الْمَحَامِلِيُّ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابَيْهِ التَّهْذِيبِ وَالْكَافِي وَالصَّيْدَلَانِيّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَاسْتَحْسَنَهُ السَّرَخْسِيُّ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَلَا يُغْتَرُّ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِالْجَهْرِ فَهُمْ قَلِيلُونَ جِدًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآخَرِينَ وَظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْمُخْتَصَرِ الْإِسْرَارُ لِأَنَّهُ قَالَ وَيُخْفِي الْقِرَاءَةَ وَالدُّعَاءَ وَيَجْهَرُ بِالتَّسْلِيمِ هَذَا نَصُّهُ وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَلَوْ كَانَا يَفْتَرِقَانِ لَذَكَرَهُ وَيَحْتَجُّ لَهُ مِنْ السُّنَّةِ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ بن سهل
الذى ذكرنه والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي التكبيرة الثانية لما ذكرناه من حديث ابن عباس
رضى الله عنهما وهو فرض من فروضها لانها صلاة فوجب فيها الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كسائر الصلوات}
* {الشَّرْحُ} قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَرْضٌ فِيهَا لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ وَشَرْطُهَا أَنْ تَكُونَ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ صَرَّحَ بِهِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِ الصَّلَاةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَاجِبَةً فِيهَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا السَّرَخْسِيُّ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي الْأَمَالِي عَنْ الْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا سُنَّةٌ فِيهَا وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله أقلها اللهم صلى عَلَى مُحَمَّدٍ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْآلِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهَا تَجِبُ حَكَاهُ الْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَقَلَ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ويدعو لمؤمنين وَالْمُؤْمِنَاتِ هَذَا نَصُّهُ (فَأَمَّا) الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ حِكَايَةٍ تَرَدَّدَ فِي اسْتِحْبَابِهِ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِإِيجَابِهِ (وَأَمَّا) الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ وَفِي اسْتِحْبَابِهِ ثَلَاثُ طُرُقٍ (أَحَدُهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لَا يُسْتَحَبُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَوْضِعَهُ وَالثَّانِي يُسْتَحَبُّ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمْ وَالثَّالِثُ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُسْتَحَبُّ وَمِمَّنْ حَكَى هذا الطريق الماوردى والروياني الشاشى وآخرون وقال بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ أَنْكَرُوا نَقْلَ الْمُزَنِيِّ وَقَالُوا هَذَا التَّحْمِيدُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَا يُعْرَفُ لِلشَّافِعِيِّ بَلْ غَلَطَ الْمُزَنِيّ فِي نَقْلِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتَّفَقَ أَئِمَّتُنَا عَلَى أَنَّ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ هُنَا غَيْرُ سَدِيدٍ وَمَنْ قَالَ بِالِاسْتِحْبَابِ قَالُوا لَمْ يَنْقُلْهَا الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيِّ مِنْ كِتَابٍ بَلْ سَمِعَهَا مِنْهُ سَمَاعًا وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ لَا يُوجَدُ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ الْمُزَنِيَّ ثِقَةٌ وَرِوَايَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ فَهَذِهِ طُرُقُ الْأَصْحَابِ (وَالْأَصَحُّ) اسْتِحْبَابُ التَّحْمِيدِ كَمَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ قَالَ الْأَصْحَابُ فَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ بَدَأَ بِالتَّحْمِيدِ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فَإِنْ قَدَّمَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّ ذِكْرَ الصَّلَاةِ فِيهِ غَرِيبٌ وَرَوَى الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ حَدِيثًا فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالصَّلَاةِ
لَكِنَّهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ رَحْمَةُ الله عليه مطرف بن مازن كذاب
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ الدُّعَاءَ فَرْضٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَرُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا وَأَقَلُّهُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الدُّعَاءِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَحَدُهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَكْفِي الدُّعَاءُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَيِّتُ ضِمْنًا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الجويني (وَالثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَخْصِيصُ الْمَيِّتِ بِالدُّعَاءِ وَلَا يَكْفِي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا صَلَّيْتُمْ عَلَى الْمَيِّتِ فَأَخْلِصُوا لَهُ الدُّعَاءَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَمَحَلُّ هَذَا الدُّعَاءِ التَّكْبِيرَةُ الثَّالِثَةُ وَهُوَ وَاجِبٌ فِيهَا لَا يُجْزِئُ فِي غَيْرِهَا بِلَا خِلَافٍ وَلَيْسَ لِتَخْصِيصِهِ بِهَا دَلِيلٌ وَاضِحٌ وَاتَّفَقُوا عَلَى أنه لا يتعين
لها دعاء (وأما) الْأَفْضَلُ فَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ (مِنْهَا) حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظْتُ مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الحطايا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ قَالَ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الميت لدعاء رسول الله " رواه
مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَزَادَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ الْقَبْرِ " وَذَكَرَ تَمَامَهُ وَمِنْهَا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِنَازَةٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرْنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَغَيْرُهُمْ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَهَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد " فَأَحْيِهِ علي الايمان وفتوفه عَلَى الْإِسْلَامِ " عَكْسُ رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ وَوَقَعَ فِي المهذب " فأحيه علي الاسلام وفتوفه عَلَى الْإِسْلَامِ " بِلَفْظِ الْإِسْلَامِ فِيهِمَا وَهَذَا تَحْرِيفٌ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي إبْرَاهِيمَ الْأَشْهَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَبِيهِ صُحْبَةٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ كَمَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَإِسْنَادُهَا ضَعِيفٌ قَالَ التِّرْمِذِيُّ
سمعت البخاري رحمهما اللَّهُ يَقُولُ أَصَحُّ رِوَايَاتِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا رِوَايَةُ الْأَشْهَلِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَقَالَ البخاري أصح شئ فِي الْبَابِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ وَذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ التِّرْمِذِيِّ عَنْ الْبُخَارِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِي قَتَادَةَ فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ محفوظ واصح الْبَابِ حَدِيثُ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ " صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رجل من المسلمين فأسمعه يَقُولُ اللَّهُمَّ إنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَلَّ جِوَارَكَ فَقِهِ فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَ النار وأنت أهل الوفا والحمد فاغفر له وارحمه إنك الفغور الرَّحِيمُ "
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ (وَمِنْهَا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجِنَازَةِ " اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتا لِلْإِسْلَامِ وَأَنْتَ قَبَضْتَ رُوحَهَا وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِسِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا جِئْنَا شُفَعَاءَ فَاغْفِرْ لَهُ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فَهَذِهِ قِطْعَةٌ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِيهِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ الْتَقَطَ الشَّافِعِيُّ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ دُعَاءً وَرَتَّبَهُ وَاسْتَحَبَّهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَفِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ قَالَ يَقُولُ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسِعَتِهَا وَمَحْبُوبِهَا وَأَحِبَّائِهِ فيها إلي ظلمة القبر وما هو لا قيه كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ اللَّهُمَّ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ واصبح فقيرا إلي رحتمك وَأَنْتَ غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِهِ وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عنه ولقه برحتمك رِضَاكَ وَقِه فِتْنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَأَفْسَحِ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ وَلَقِّهِ برحمتك إلا من مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ إلَى جَنَّتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الزُّهْرِيُّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الْكَافِي وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ قَالَ اللَّهُمَّ هَذِهِ أَمَتُكَ ثُمَّ يُنَسِّقُ الْكَلَامَ وَلَوْ ذَكَرَهَا عَلَى إرَادَةِ الشَّخْصِ جَازَ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ صَبِيًّا أَوْ صَبِيَّةً اقْتَصَرَ عَلَى حَدِيثِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا إلَى آخِرِهِ وضم إليه اللهم اجعله فرطا لا بويه وَسَلَفًا وَذُخْرًا وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تَحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْفَصْلِ (قَوْلُهُ) خَرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا - هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ - قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ هُوَ نَسِيمُ الرِّيحِ (قَوْلُهُ) إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وما هو لا قيه قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ مَعْنَى وَمَا هو لا قيه هُوَ الْمَلَكَانِ اللَّذَانِ يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ وَهُمَا مُنْكَرٌ ونكير (قوله) كان يشهد ان لاإله إلَّا أَنْتَ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ رحمه الله مَعْنَاهُ إنَّمَا دَعَوْنَاكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَشْهَدُ (قَوْلَهُ) وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله أَصْلُ الشَّفْعِ الزِّيَادَةُ قَالَ فَكَأَنَّهُمْ طَلَبُوا أَنْ يُزَادَ بِدُعَائِهِمْ مِنْ رَحْمَةِ الله الي ماله بتوحيده وعمله
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَقَوْلُهُ) لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ هُوَ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَضَمِّهَا - لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَفْصَحُ يُقَالُ حَرَمَهُ وَأَحْرَمَهُ فَصِيحَتَانِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهَا صَلَاةٌ يَجِبُ لَهَا الْإِحْرَامُ فَوَجَبَ الْخُرُوجُ مِنْهَا بِالسَّلَامِ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَهَلْ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً أَمْ تَسْلِيمَتَيْنِ احْتِرَازٌ مِنْ الطَّوَافِ فَإِنَّهُ صَلَاةٌ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَكْبِيرَةِ إحْرَامٍ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لِلشَّافِعِيِّ هَذَانِ النَّصَّانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الذِّكْرِ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهَا ذِكْرٌ وَقَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ بِاسْتِحْبَابِ الذِّكْرِ فِيهَا وَحَكَى الرافعي في استحابه طَرِيقَيْنِ (الْمَذْهَبُ) الِاسْتِحْبَابُ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِاسْتِحْبَابُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ قَالَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَالصَّوَابُ الِاسْتِحْبَابُ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَانِ النَّصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ لَيْسَا قَوْلَيْنِ وَلَا عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْنِ بَلْ ذَكَرَ الِاسْتِحْبَابَ فِي مَوْضِعٍ وَأَغْفَلَهُ فِي مَوْضِعٍ وَكَذَا قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَإِذَا قُلْنَا بِالِاسْتِحْبَابِ لَمْ يَتَعَيَّنْ لَهُ دُعَاءٌ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ الْبُوَيْطِيُّ اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ هَكَذَا هُوَ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حَكَى أَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُتَقَدِّمِينَ كَانُوا يَقُولُونَ فِي الرَّابِعَةِ اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ النَّارِ قَالَ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَنْ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ قَالَهُ كَانَ حَسَنًا وَدَلِيلُ اسْتِحْبَابِهِ أَنَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى رضي الله عنهما كَبَّرَ عَلَى جِنَازَةِ بِنْتٍ لَهُ فَقَامَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ قَدْرَ مَا بَيْنَ التكبيرتين يستعفر لَهَا وَيَدْعُو ثُمَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ هَكَذَا وَفِي رِوَايَةٍ كَبَّرَ أَرْبَعًا فَمَكَثَ سَاعَةً حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُكَبِّرُ خَمْسًا ثُمَّ سَلَّمَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا لَهُ فَقَالَ إنِّي لَا أَزِيدُكُمْ عَلَى
مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصْنَعُ أَوْ هَكَذَا صَنَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَالْبَيْهَقِيُّ قَالَ الْحَاكِمُ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّلَامُ رُكْنٌ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ لَا تَصِحُّ إلَّا بِهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَعَ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي "(وَأَمَّا) صِفَةُ السَّلَامِ فَفِيهِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ هُنَا الْمَشْهُورُ
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمَتَانِ قَالَ الْفُورَانِيُّ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَقَالَ فِي الْأُمِّ تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ يَبْدَأُ بِهَا إلَى يَمِينِهِ وَيَخْتِمُهَا مُلْتَفِتًا إلَى يَسَارِهِ فَيُدِيرُ وَجْهَهُ وَهُوَ فِيهَا هَذَا نَصُّهُ وَقِيلَ يَأْتِي بِهَا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَهُوَ أَشْهَرُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْخِلَافَ فِي صِفَةِ الِالْتِفَاتِ يَجْرِي فِي سائر الصلوات إذا قلنا يقتصر على تَسْلِيمَةً فَهَذَانِ نَصَّانِ لِلشَّافِعِيِّ وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) طريقة المصنف والعراقيين وبضع الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ التَّسْلِيمَ هُنَا كَالتَّسْلِيمِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ فَيَكُونُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يُسْتَحَبُّ تَسْلِيمَتَانِ
(وَالثَّانِي)
تَسْلِيمَةً (وَالثَّالِثُ) إنْ قَلَّ الْجَمْعُ أو صغر المسجد فيسلم وَإِلَّا فَتَسْلِيمَتَانِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ إنْ قُلْنَا هُنَاكَ تَسْلِيمَةً فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) تَسْلِيمَتَانِ وَهَذَا الطَّرِيقُ أَصَحُّ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ هُنَاكَ قَوْلٌ قَدِيمٌ وَهُنَا هُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ وَهُوَ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ وَإِذَا قُلْنَا تَسْلِيمَةً فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ يَقُولُ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ (وَالثَّانِي) يُسْتَحَبُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى السَّلَامِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّخْفِيفِ ولو قال السلام عليكم من غيرهم ضَمِيرُ الْجَمْعِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْجُمْهُورُ كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدًا وَالْمَذْهَبُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ يُشَرَّعُ فِي السَّلَامِ هُنَا مَا يُشَرَّعُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامُ وَقَدْ سَبَقَهُ بِبَعْضِ الصَّلَاةِ كَبَّرَ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " ما ادركتم فصلوا " وَيَقْرَأُ مَا يَقْتَضِيَهُ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ لَا مَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا يَقْتَضِيهِ تَرْتِيبُ صَلَاتِهِ مَعَ الْمُتَابَعَةِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَى بِمَا بَقِيَ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ
فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّ الْجِنَازَةَ تُرْفَعُ قَبْلَ أَنْ يَفْرَغَ فَلَا مَعْنًى لِلدُّعَاءِ بَعْدَ غَيْبَةِ الْمَيِّتِ وَيَدْعُو لِلْمَيِّتِ ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيُسَلِّمُ فِي الْقَوْلِ الثَّانِي لِأَنَّ غِيبَةَ الْمَيِّتِ لَا تَمْنَعُ فِعْلَ الصَّلَاةِ}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ (وَقَوْلُهُ) نَسَقًا - بِفَتْحِ السِّينِ - أَيْ مُتَتَابِعَاتٍ بِغَيْرِ ذِكْرٍ بَيْنَهُنَّ (وَقَوْلُهُ) كَبَّرَ وَدَخَلَ مَعَهُ فِي الْحَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ تكبيرته الأخرى فيكبر معه خلافا لأبي حنيفة وموافيقه فِي قَوْلِهِمْ يَنْتَظِرُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَدَ الْمَسْبُوقُ الْإِمَامَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ كَبَّرَ فِي الْحَالِ وَصَارَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبَلَةَ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ
وَقِيَاسًا عَلَى سَائِرِ الصَّلَوَاتِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِذَا كَبَّرَ شَرَعَ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ يُرَاعِي فِي بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ تَرْتِيبَ نَفْسِهِ لَا مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ عَقِبَ فَرَاغِ الْمَسْبُوقِ مِنْ الْأُولَى كَبَّرَ مَعَهُ الثَّانِيَةَ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ كَمَا لَوْ رَكَعَ الْإِمَامُ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ عَقِبَ إحْرَامِ الْمَسْبُوقِ فَإِنَّهُ يَرْكَعُ مَعَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَكُونُ مُدْرِكًا لِلتَّكْبِيرَتَيْنِ جَمِيعًا بِلَا خِلَافٍ كَمَا يُدْرِكُ الْمَسْبُوقُ الرَّكْعَةَ بِالرُّكُوعِ وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ الثَّانِيَةَ وَالْمَسْبُوقُ فِي أَثْنَاءِ الْفَاتِحَةِ فَهَلْ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُتَابِعَهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ وَتَكُونُ التَّكْبِيرَتَانِ حَاصِلَتَيْنِ لَهُ أَمْ يُتِمُّ الْقِرَاءَةَ فِيهِ طَرِيقَانِ (أصحهما) وبه قال الا كثرون فممن صرح به الفورانى والبنديخى وابن الصباغ والمتولي وصاحب العدة وصاحب الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَعْرُوفَانِ فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ
(أَحَدُهُمَا)
يُتِمُّهَا وَبِهِ قَطَعَ الغزالي في الوجيز وهو شاذ مرود لَمْ يُوَافَقْ عَلَيْهِ (وَأَصَحُّهُمَا) يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ وَيُتَابِعُهُ وتحصل له التكبيرتان للعذر (والطريق الثَّانِي) يَقْطَعُهَا وَيُتَابِعُهُ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّهُ يَقْطَعُ الْقِرَاءَةَ كَبَّرَ الثَّانِيَةَ مَعَ الْإِمَامِ وَحَصَلَ لَهُ التَّكْبِيرَتَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَهَلْ يَقْتَصِرُ عَقِبَ التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ أم يضم إليه تتميم الفاتحة فيه احتمالان ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ الشَّامِلِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُقْتَصَرُ وَقَدْ سَقَطَتْ بَقِيَّةُ الْفَاتِحَةِ كَمَا سَقَطَتْ فِي بَاقِي الصَّلَوَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أما) إذا سلم الامام وقد بقى علي بعض المأمومين بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا بَعْدَ سَلَامِ
الْإِمَامِ وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ إلَّا بِتَدَارُكِهَا بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بَيْنَهُنَّ أَمْ يَأْتِي بِالْأَذْكَارِ وَالدُّعَاءِ الْمَشْرُوعِ فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالْمَأْمُومِ الْمُوَافِقِ عَلَى تَرْتِيبِ الْأَذْكَارِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (أَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ يَأْتِيَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالذِّكْرِ وَالدُّعَاءِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ وَتَرْتِيبُهُ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الْبَغَوِيّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ وَالرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ الشَّرْحِ وَالْمُجَرَّدِ وَغَيْرُهُمَا وَجَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَجَزَمَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ بِالتَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا وَقَدْ أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إلَى تَرْجِيحِ هَذَا الْقَوْلِ فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلِيَقْضِ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرِ نَسَقًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ يُسَلِّمُ وَقَدْ قِيلَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا لِلْمَيِّتِ هَذَا نَصُّهُ وَمِنْ الْبُوَيْطِيِّ نَقَلْتُهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ قَالَ أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا يُكَبِّرُ بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ مُتَوَالِيًا قَالَ وَرَأَيْتُ فِي الْبُوَيْطِيِّ يَقُولُ وَلِيَقْضِ مَا فَاتَهُ مِنْ التَّكْبِيرَاتِ نَسَقًا مُتَتَابِعًا ثُمَّ يُسَلِّمُ قَالَ وَقَدْ قِيلَ يَدْعُو بَيْنَهُمَا لِلْمَيِّتِ قَالَ الْقَاضِي فَالظَّاهِرُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الذكر
(أحدهما)
يحب وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ (وَالثَّانِي) لَا يجب
صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُرْفَعَ الْجِنَازَةُ حَتَّى يُتِمَّ الْمَسْبُوقُونَ مَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ رُفِعَتْ لَمْ تبطل صلاتهم بلا خلاف بل يُتِمُّونَهَا وَإِنْ حُوِّلَتْ الْجِنَازَةُ عَنْ الْقِبْلَةِ بِخِلَافِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ فِيهِ ذَلِكَ وَالْجِنَازَةُ حَاضِرَةٌ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ فِي الدَّوَامِ مالا يُحْتَمَلُ فِي الِابْتِدَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ تَخَلَّفَ الْمُقْتَدِي فَلَمْ يُكَبِّرْ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ أَوْ الثَّالِثَةَ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ التَّكْبِيرَةَ الَّتِي بَعْدَهَا بِغَيْرِ عُذْرٍ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ صَرَّحَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ قَالُوا لِأَنَّ الْقُدْوَةَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ لَا تَظْهَرُ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ وَكَأَنَّهُ تَخَلَّفَ بِرَكْعَةٍ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ
* ذَكَرْنَا اخْتِلَافَهُمْ فِي عَدَدِ التَّكْبِيرَاتِ وَاخْتِلَافَهُمْ فِي رَفْعِ الْأَيْدِي فِيهَا وَاخْتِلَافَ أَصْحَابِنَا فِي دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ وَالسُّورَةِ وَذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَبِهِ قال احمد واسحق وَدَاوُد رحمهم الله وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ
وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَعُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَالشَّعْبِيِّ وَمُجَاهِدٍ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهَا لَا تَجِبُ قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنهم قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ قَالَ وَرَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَشَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رضي الله عنه اقْرَأْ الْفَاتِحَةَ فِي كُلِّ تَكْبِيرَةٍ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ أَنَّهُ قَرَأَ فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله عِنْدِي يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى هَذِهِ مَذَاهِبُهُمْ
* وَدَلِيلُنَا عَلَى جَمِيعِهِمْ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ السَّابِقِ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله أَمَّا الْمَسْبُوقُ الَّذِي فَاتَهُ بَعْضُ التَّكْبِيرَاتِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ تَدَارُكُ
بَاقِي التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ وَحَكَاهُ ابْنُ المنذر عن بن الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ ومالك والثوري وأبي حنيفة وأحمد واسحق قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أَقُولُ قَالَ وَرَوَيْنَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَا يَقْضِيه وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَيُّوبُ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ احمد رحمهم الله (وَأَمَّا) الْمَسْبُوقُ الَّذِي أَدْرَكَ بَعْضَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُكَبِّرُ فِي الْحَالِ وَلَا يَنْتَظِرُ تَكْبِيرَةَ الْإِمَامِ الْمُسْتَقْبَلَةُ وَبِهِ قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ أَحْمَدَ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَنْتَظِرُهُ حَتَّى يُكَبِّرَ لِلْمُسْتَقْبَلَةِ فَيُكَبِّرَهَا مَعَهُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَارِثِ بْنِ يَزِيدَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي حنيفة ومحمد بن الحسن واسحق (واما) السلام فذ كرنا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَذْهَبِنَا تَسْلِيمَتَانِ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَقَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ
تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ ابن عبد الله وانس ابن مالك ووائلة ابن الاسقع وابى هريرة وعبد الله ابن ابى اوفى وابى إمامة ابن سهل ابن حُنَيْفٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَالثَّوْرِيِّ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَعِيسَى ابن يُونُسَ وَوَكِيعٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيِّ وَأَحْمَدَ واسحق رضي الله عنهم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {إذا صلى على الميت بودر بدفنه ولا ينتظر حضور من يصلى عليه إلا الولي فانه ينتظر إذا لم يخش على الميت التغير فان خيف عليه التغير لم ينتظر وإن حضر من لم يصل عليه صلي عليه وإن حضر من صلى مرة فهل يعيد الصلاة مع من يصلي فيه وجهان (احدهما) يستحب كما يستحب في سائر الصلوات ان يعيدها مع من يصلى جماعة (والثاني) لا يعيد لانه يصليها نافلة وصلاة الجنازه لا يتنفل بمثلها وإن حضر من لم يصل بعد الدفن صلى علي القبر لما روى أن مسكينة ماتت ليلا فدفنوها ولم يوقظوا رسول الله صلي الله عليه وسلم " فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ الغد علي قبرها " وإلى أي وقت تجوز الصلاة على القبر فيه اربعة اوجه (احدها) إلي شهر لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى علي ام سعد ابن عبادة رضي الله عنهما بعد ما دفنت بشهر "
(والثانى)
يصلي عليه ما لم يبل لانه إذا بلي لم يبق ما يصلي عليه (والثالث) يصلى عليه من كان من اهل الفرض عند موته لانه كان من اهل الخطاب بالصلاة عليه واما من يولد بعد موته أو بلغ بعد موته فلا يصلي عليه لانه لم يكن من اهل الخطاب بالصلاة عليه (والرابع) يصلي عليه ابدا لان القصد من الصلاة علي الميت الدعاء والدعاء بجوز كل وقت}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمِسْكِينَةِ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه أَنَّ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أُخْبِرَ بِهِ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ عُدُولٌ وَهَذِهِ الْمِسْكِينَةُ يُقَالُ لَهَا أُمُّ مِحْجَنٍ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - (وَأَمَّا) حَدِيثُ أُمِّ سَعْدٍ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اله صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى أُمِّ سَعْدٍ بَعْدَ مَوْتِهَا بِشَهْرٍ " قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا مُرْسَلٌ صَحِيحٌ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْصُولًا قَالَ " صَلَّى عَلَيْهَا بَعْدَ شَهْرٍ " وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَائِبًا حِينَ مَوْتِهَا قَالَ وَالْمُرْسَلُ أَصَحُّ وَمُرْسَلُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الشَّرْحِ وَهَلْ هُوَ حُجَّةٌ لِمُجَرَّدِهِ أَمْ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ السَّابِقَةِ فِيهِ وَجْهَانِ سَبَقَا هُنَاكَ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُبَادَرَ بِدَفْنِهِ وَلَا يُنْتَظَرُ بِهِ
حُضُورَ أَحَدٍ إلَّا الْوَلِيَّ فَإِنَّهُ يُنْتَظَرُ مَا لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ لَمْ يُنْتَظَرْ لِأَنَّ مُرَاعَاةَ صِيَانَةِ الْمَيِّتِ أَهَمُّ مِنْ حُضُورِ الْوَلِيِّ ثُمَّ أَنَّهُ إنَّمَا يُنْتَظَرُ الْوَلِيُّ إذَا كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مَسَافَةٌ قَرِيبَةٌ (الثَّانِيَةُ) إذَا حَضَرَ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إنْسَانٌ لَمْ يَكُنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَوْ جَمَاعَةٌ صَلَّوْا عَلَيْهِ وَكَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تُصَلِّي عَلَيْهِ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُتَنَفَّلُ بِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا تُصَلِّيهَا طَائِفَةٌ بَعْدَ طَائِفَةٍ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ الْمِسْكِينَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَوْدَاءَ أَوْ رَجُلًا كَانَ يَقُمُّ الْمَسْجِدَ " فَفَقَدَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا مَاتَ فَقَالَ افلا آذنتومنى بِهِ دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ فَدَلُّوهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى عَلَى قَبْرِ مَنْبُوذٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَؤُلَاءِ مَا دُفِنُوا إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ طَائِفَةٍ عَلَيْهِمْ بِحَيْثُ سَقَطَ الْحَرَجُ بِصَلَاتِهِمْ وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ دَفْنُهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالْجَوَابُ عَنْ احْتِجَاجِهِمْ بِأَنَّ صَلَاةَ الثَّانِيَةِ نَافِلَةٌ من وجهين (احد هما) مَنْعُهُ بَلْ هِيَ عِنْدَنَا فَرْضُ كِفَايَةٍ كَمَا سَبَقَ وَسَنَذْكُرُ دَلِيلَهُ وَاضِحًا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يُنْتَقَضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهَا نَافِلَةٌ فِي حَقِّهِنَّ لِأَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي الْفَرْضِ إذَا حَضَرَ الرِّجَالُ وَاقْتَصَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي عَلَى هَذَا الْجَوَابِ الثَّانِي (فَإِنْ) قِيلَ كَيْف تَقَعُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضًا وَلَوْ تَرَكُوهَا لَمْ يَأْثَمُوا وَلَيْسَ هَذَا شَأْنُ الْفُرُوضِ (فَالْجَوَابُ) انه قد يكون ابتداء الشئ لَيْسَ بِفَرْضٍ فَإِذَا دَخَلَ فِيهِ صَارَ فَرْضًا كَمَا إذَا دَخَلَ فِي حَجِّ التَّطَوُّعِ وَكَمَا فِي الْوَاجِبِ عَلَى التَّخْيِيرِ كَخِصَالِ الْكَفَّارَةِ وَلَوْ أَنَّ الطَّائِفَةَ الْأُولَى لَوْ كَانَتْ أَلْفًا أَوْ أُلُوفًا وَقَعَتْ صَلَاتُهُمْ جَمِيعُهُمْ فَرْضًا بِالِاتِّفَاقِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفَرْضَ كَانَ يَسْقُطُ بِبَعْضِهِمْ وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ أَنَّ الْفَرْضَ سَقَطَ بِأَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالْبَاقُونَ مُتَنَفِّلُونَ (فَإِنْ) قِيلَ قَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا فَعَلَهُ مَنْ تَحْصُلُ بِهِ الْكِفَايَةُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ وَإِذَا سَقَطَ عَنْهُمْ كَيْف قُلْتُمْ تَقَعُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ فَرْضًا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ عِبَارَةَ الْمُحَقِّقِينَ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ أَيْ لَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ هَذَا الْفِعْلِ فَلَوْ فَعَلُوهُ وَقَعَ فَرْضًا كَمَا لَوْ فعلوه
مَعَ الْأَوَّلِينَ دَفْعَةً وَاحِدَةً (وَأَمَّا) عِبَارَةُ مَنْ يقوم مَنْ يَقُولُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْبَاقِينَ فَمَعْنَاهَا سَقَطَ حَرَجُ الْفَرْضِ وَإِثْمُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) إذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ جَمَاعَةٌ أَوْ وَاحِدٌ ثُمَّ صَلَّتْ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ أُخْرَى فَأَرَادَ مَنْ صَلَّى أَوَّلًا أَنْ يُصَلِّيَ ثَانِيًا مَعَ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْإِعَادَةُ بَلْ الْمُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا
(وَالثَّانِي)
يُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بدليلهما وذكرهما هكذا ايضا اكثر الاصحاب (والثالث) يُكْرَهُ الْإِعَادَةُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وغيرهما (والرابع) حكاه البغوي إن صلي أو لا مُنْفَرِدًا أَعَادَ وَإِنْ صَلَّى جَمَاعَةً فَلَا (وَالصَّحِيحُ) الْأَوَّلُ صَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَقَطَعَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَادَّعَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا لَوْ صَلَّى ثَانِيًا صَحَّتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُسْتَحَبَّةٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ قَالَ وَعِنْدِي فِي بُطْلَانِهَا احْتِمَالٌ وَالْمَذْهَبُ صِحَّتُهَا فَعَلَى هَذَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ تَقَعُ نَفْلًا وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ إذَا صَلَّى تَقَعُ صَلَاتُهُ الثَّانِيَةُ فَرْضَ كِفَايَةٍ وَلَا تَكُونُ نَفْلًا كَمَا لَوْ صَلَّتْ جَمَاعَةٌ بَعْدَ جَمَاعَةٍ فَصَلَاةُ الْجَمِيعِ تَقَعُ فَرْضًا قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ تَنْوِي الطَّائِفَةُ بِصَلَاتِهِمْ الْفَرْضَ لِأَنَّ فِعْلَ غَيْرِهِمْ أَسْقَطَ عَنْهُمْ الحرج لا الفرض وبسط اما الْحَرَمَيْنِ رَحِمَهُ اللَّهُ
هَذَا بَسْطًا حَسَنًا فَقَالَ إذَا صَلَّى عَلَى الميت جمع يقع الا كتفاء بِبَعْضِهِمْ فَاَلَّذِي ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ صَلَاةَ كُلِّ وَاحِدَةٍ تَقَعُ فَرِيضَةً وَلَيْسَ بَعْضُهُمْ بِأَوْلَى بوصفه بالقيام بالفرض مِنْ بَعْضِهِمْ فَوَجَبَ الْحُكْمُ بِالْفَرِيضَةِ لِلْجَمِيعِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ هُوَ كَإِيصَالِ الْمُتَوَضِّئِ الْمَاءَ إلَى جَمِيعِ رَأْسِهِ دَفْعَةً وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ فَرْضٌ أَمْ الْفَرْضُ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ فَقَطْ قَالَ وَلَكِنْ قَدْ يَتَخَيَّلُ الْفَطِنُ فَرْقًا وَيَقُولُ مَرْتَبَةُ الْفَرْضِيَّةِ فَوْقَ مَرْتَبَةِ السُّنَّةِ وَكُلُّ مُصَلٍّ فِي الْجَمْعِ الْكَبِيرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُحْرَمَ رُتْبَةَ الْفَرْضِيَّةِ وَقَدْ قَامَ بِمَا أُمِرَ بِهِ وَهَذَا لَطِيفٌ لَا يَقَعُ مِثْلُهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ إذَا صَلَّتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ كَانَتْ كَصَلَاتِهِمْ مَعَ الْأَوَّلِينَ فِي جَمَاعَةٍ وَاحِدَةٍ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَا يُتَنَفَّلُ بِمِثْلِهَا فَمَعْنَاهُ لَا يَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِصُورَتِهَا مِنْ غَيْرِ جِنَازَةٍ بِخِلَافِ صَلَاةِ الظُّهْرِ فَإِنَّهُ يُصَلِّي مِثْلَ صُورَتِهَا ابْتِدَاءً بِلَا سَبَبٍ وَلَكِنْ هَذَا الَّذِي قَالَهُ يَنْتَقِضُ بِصَلَاةِ النِّسَاءِ عَلَى الْجِنَازَةِ فَإِنَّهُنَّ إذَا صَلَّيْنَ عَلَى الْجِنَازَةِ مَعَ الرِّجَالِ وَقَعَتْ صَلَاتُهُنَّ نَافِلَةً
وَهِيَ صَحِيحَةٌ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا حَضَرَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ بَعْدَ دَفْنِهِ وَأَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ أَوْ أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ فِي بَلَدٍ آخَرَ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِلْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَإِلَى مَتَى تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَدْفُونِ فِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا يُصَلَّى بَعْدَهَا حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ (وَالثَّانِي) إلَى شَهْرٍ (وَالثَّالِثُ) مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ (وَالرَّابِعُ) يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ (وَالْخَامِسُ) يُصَلِّي مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْفَرْضِ فَيَدْخُلُ الصَّبِيُّ المميز وممن حكي هذا الوجه المصنف في التنبيه وصححه الْبَنْدَنِيجِيُّ (وَالسَّادِسُ) يُصَلَّى عَلَيْهِ أَبَدًا فَعَلَى هَذَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قُبُورِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَمَنْ قَبْلَهُمْ الْيَوْمَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا السَّادِسِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِتَضْعِيفِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَالْفُورَانِيّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَآخَرُونَ وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِ صَاحِبِ التَّنْبِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَرْجِيحِهِ فَهُوَ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِلْأَصْحَابِ وَلِلدَّلِيلِ وَاخْتَلَفُوا
فِي الْأَصَحِّ مِنْ الْأَوْجُهِ (فَصَحَّحَ) الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْجُرْجَانِيُّ الثَّالِثَ وَصَحَّحَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ قَالُوا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَوْ كَانَ يَوْمَ الْمَوْتِ كَافِرًا ثُمَّ أَسْلَمَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يُصَلِّي لِأَنَّهُ كَانَ مُتَمَكِّنًا مِنْ الصَّلَاةِ بِأَنْ يُسْلِمَ فَهُوَ كَالْمُحْدِثِ قَالَ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ حَائِضًا يَوْمَ الموت ثم طَهُرَتْ فَالْحَيْضُ يُنَافِي وُجُوبَ الصَّلَاةِ وَصِحَّتَهَا وَلَكِنْ هِيَ فِي الْجُمْلَةِ مُخَاطَبَةٌ فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهَا تُصَلِّي هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَكَذَا قَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ بِأَنَّ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ يَوْمَ الْمَوْتِ إذَا أَسْلَمَ وَطَهُرَتْ صَلَّيَا وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فَإِنَّ الْكَافِرَ وَالْحَائِضَ ليسا مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَقَدْ قَالُوا لَا يُصَلِّي مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ فَرْضِ الصَّلَاةِ أَوْ مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ حَالَ الْمَوْتِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُتَوَلِّي بِأَنَّهُمَا لَا يُصَلِّيَانِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي حِكَايَةِ هَذَا الْوَجْهِ يُصَلِّي عَلَيْهِ مَنْ كَانَ مُخَاطَبًا بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ يَوْمَ مَوْتِهِ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَعَبْدٍ (فَأَمَّا) مَنْ بَلَغَ بَعْدَهُ فَلَا وَاحْتَجَّ الْمُتَوَلِّي لِهَذَا الْوَجْهِ بِأَنَّ حُكْمَ الْخِطَابِ
يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ لَمْ يُسْقِطْ الْفَرْضَ فِي حَقِّهِمْ وَإِنَّمَا أَسْقَطَ الْحَرَجَ وَإِذَا قُلْنَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلَ جَسَدُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِهِ الْفُرُوقِ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا الْمُرَادُ مَا لَمْ يبق من بدنه شئ لَا لَحْمٌ وَلَا عَظْمٌ فَمَتَى بَقِيَ عَظْمٌ صَلَّى قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيَخْتَلِفُ هَذَا باختلاف البقاع فلو شككنا في امحاق أَجْزَائِهِ صَلَّى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ كَثِيرُونَ وَهُوَ مُقْتَضَى عِبَارَةِ الْبَاقِينَ فَإِنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيَّ فِي التجريد والصيدلانى والقاضي حسين وَآخَرِينَ قَالُوا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ بَلِيَ وَذَهَبَتْ أَجْزَاؤُهُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ والغزالي في البسيط فيه احتمالين
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَالثَّانِي) لَا يُصَلَّى لِأَنَّ صِحَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى هَذَا
الوجه متوقفة علي العلم ببقاء شئ مِنْهُ وَعِبَارَةُ الْمَحَامِلِيِّ فِي الْمَجْمُوعِ تُوَافِقُ هَذَا فَإِنَّهُ قَالَ يُصْلَى مَا دَامَ يُعْلَمُ أَنَّ فِي الْقَبْرِ مِنْهُ شَيْئًا وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الضَّعِيفِ أَنَّهُ يُصَلَّى أَبَدًا فَهَلْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى قَبْرِ نَبِيِّنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَالْمَاوَرْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاهِيرِ الْأَصْحَابِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) وَهُوَ قَوْلِ أَبِي الْوَلِيدِ النَّيْسَابُورِيِّ مِنْ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ فُرَادَى لَا جَمَاعَةً قَالَ وَالنَّهْيُ الْوَارِدُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ إنَّمَا هُوَ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ جَمَاعَةً وَكَانَ أَبُو الْوَلِيدِ يَقُولُ أَنَا أُصَلِّي الْيَوْمَ عَلَى قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَبِهَذَا الْوَجْهِ الَّذِي قَالَهُ أَبُو الْوَلِيدِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابَيْهِ التَّعْلِيقِ وَالْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَرَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا دُفِنَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ قَالَ أَصْحَابُنَا يَأْثَمُ الدَّافِنُونَ وَكُلُّ مَنْ تَوَجَّهَ عَلَيْهِ فَرْضُ هَذِهِ الصَّلَاةِ مِنْ أَهْلِ ملك النَّاحِيَةِ لِأَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ عَلَى الدَّفْنِ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ تُسْقِطُ الْفَرْضَ إلَّا أَنَّهُمْ يَأْثَمُونَ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لَكِنْ لَا يُنْبَشُ بَلْ يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ لِأَنَّ نَبْشَهُ انْتِهَاكٌ لَهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ تُجْزِئُهُ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ الْفَرْضُ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ فَاتَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُصَلِّي عَلَى الْقَبْرِ وَنَقَلُوهُ عَنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي مُوسَى وَعَائِشَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لا يصلي علي الميت الامرة وَاحِدَةً وَلَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ
إلَّا أَنْ يُدْفَنَ بِلَا صَلَاةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَصَلَّى غَيْرُهُ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فللولي أن يصل عَلَى الْقَبْرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ دَفْنِهِ وَقَالَ أَحْمَدُ رحمه الله إلَى شهر واسحق إلَى شَهْرٍ لِلْغَائِبِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلْحَاضِرِ
* دَلِيلُنَا فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ الاحاديث السابقة في المسألة الثانية * قال المصنف رحمه الله
* {تجوز الصلاة على الميت الغائب لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَعَى النَّجَاشِيَّ لِأَصْحَابِهِ وهو بالمدينة وصلي عليه وصلوا خلفه وان كان الميت معه في البلد لم يجز
أن يصلى عليه حتي يحضر عنده لانه يمكنه الحضور من غير مشقة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَيَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَالنَّجَاشِيُّ رضي الله عنه بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ - وَاسْمُهُ أَصْحَمَةُ - بِهَمْزَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ صَادٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ حَاءٍ مَفْتُوحَةٍ
مُهْمَلَتَيْنِ هَكَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ وَقِيلَ صَحَمَةُ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَالنَّجَاشِيُّ اسْمٌ لِكُلِّ مَنْ مَلَكَ الحبشة كما سمى كل خليفة لمسلمين أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ مَلَكَ الرُّومَ قَيْصَرَ وَالتُّرْكَ خَاقَانَ وَالْفُرْسَ كِسْرَى وَالْقِبْطَ فِرْعَوْنَ وَمِصْرَ الْعَزِيزَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَمَذْهَبُنَا جَوَازُ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ سَوَاءٌ
كَانَ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ أَمْ فِي غَيْرِهَا وَلَكِنَّ الْمُصَلِّيَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْمَسَافَةُ بَيْنَ
الْبَلَدَيْنِ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا كُلِّهِ عِنْدَنَا (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَيِّتُ فِي الْبَلَدِ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحْضُرَ عِنْدَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لَمْ يُصَلِّ عَلَى حَاضِرٍ فِي الْبَلَدِ إلَّا بِحَضْرَتِهِ " وَلِأَنَّهُ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ " والطريق الثاني) حكاه الخراسانيون أو أكثر هم فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ كَالْغَائِبِ فَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ قَالَ الرَّافِعِيُّ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ بَيْنَ الْإِمَامِ وَالْمَيِّتِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْ ذِرَاعٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةٍ تَقْرِيبًا قَالَ وَحُكِيَ هَذَا عَنْ الشَّيْخِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا جَوَازُهُ وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ دَلِيلُنَا حَدِيثُ النَّجَاشِيِّ وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مَطْعَنَ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمْ عَنْهُ جَوَابٌ صَحِيحٌ بَلْ ذَكَرُوا فِيهِ خَيَالَاتٍ أَجَابَ عَنْهَا أَصْحَابُنَا بِأَجْوِبَةٍ مَشْهُورَةٍ (مِنْهَا) قَوْلُهُمْ إنَّهُ طُوِيَتْ الْأَرْضُ فَصَارَ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (وَجَوَابُهُ) أَنَّهُ لَوْ فُتِحَ هَذَا الباب لم يبق وثوق بشئ مِنْ ظَوَاهِرِ الشَّرْعِ لِاحْتِمَالِ انْحِرَافِ الْعَادَةِ فِي تلك القضية مع انه لو كان شئ مِنْ ذَلِكَ لَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي بِنَقْلِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ العلاء بن زيدل ويقال بن زَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا فِي تَبُوكَ فَأَخْبَرَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بموت معاوية ابن مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ فَطُوِيَتْ الْأَرْضُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى ذَهَبَ فَصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ رَجَعَ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ الْحُفَّاظُ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ وَاتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِ الْعَلَاءِ هَذَا وَأَنَّهُ منكر الحديث
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} أَبُو عُبَيْدَةَ رضي الله عنه هَذَا هُوَ أَحَدُ الْعَشَرَةِ الْمَشْهُودِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَاسْمُهُ عامر ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَعَتَّابُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَأَسِيدُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ عَنْ يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ رَوَيْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَنْسَابِ للزبير بن بكر قَالَ وَكَانَ الطَّائِرُ نِسْرًا وَكَانَتْ وَقْعَةُ الْجَمَلِ فِي جُمَادَى
سَنَةِ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ بَعْضُ مَنْ
تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا إذَا وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ وَعِنْدَنَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَإِنَّمَا نُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ (فَأَمَّا) إذَا قُطِعَ عُضْوٌ مِنْ حَيٍّ كَيْدِ سَارِقٍ وَجَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ شَكَكْنَا فِي الْعُضْوِ هَلْ هُوَ مُنْفَصِلٌ مِنْ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ لَمْ نُصَلِّ عَلَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ الطُّرُقِ الاصاحب الْحَاوِي وَمَنْ أَخَذَ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْعُضْوِ الْمَقْطُوعِ مِنْ الْحَيِّ وَجْهَيْنِ فِي وُجُوبِ غُسْلِهِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ
(أَحَدُهُمَا)
يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَعُضْوِ الْمَيِّتِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَنَقَلَ الْمُتَوَلِّي رحمه الله الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ الْيَدَ الْمَقْطُوعَةَ فِي السَّرِقَةِ وَالْقِصَاصِ لَا تُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهَا وَلَكِنْ تُلَفُّ فِي خِرْقَةٍ وَتُدْفَنُ وَكَذَا الْأَظْفَارُ الْمَقْلُومَةُ وَالشَّعْرُ الْمَأْخُوذُ مِنْ الْأَحْيَاءِ لَا يُصَلَّى عَلَى شئ مِنْهَا لَكِنْ يُسْتَحَبُّ دَفْنُهَا قَالَ وَكَذَا إذَا شَكَكْنَا فِي مَوْتِ صَاحِبِ الْعُضْوِ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي سَبَقَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى بَعْضِ الَّذِي تَيَقَّنَّا مَوْتَهُ هُوَ فِي الْعُضْوِ (أَمَّا) إذَا وَجَدْنَا شَعْرَ الْمَيِّتِ أَوْ ظُفُرَهُ أَوْ نَحْوَهُمَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالتَّتِمَّةِ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَآخَرُونَ وَأَشَارَ إلَيْهِمَا الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيقِهِ فِي الْخِلَافِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ رحمه الله لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بَلْ يُدْفَنُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْأَكْثَرُونَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَالْعُضْوِ لِأَنَّهُ جُزْءٌ قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله هَذَا الثَّانِي أَقْرَبُ إلَى كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ رحمه الله إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ رحمه الله وَلَوْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا مَوْضِعَهَا فِي حَرَارَةِ الدَّمِ ثُمَّ افْتَرَسَهُ سَبُعٌ وَوَجَدْنَا أُذُنَهُ لم نصل عليها لِأَنَّ انْفِصَالَهَا كَانَ فِي الْحَيَاةِ هَذَا كَلَامُ القاضى رحمه الله ويجئ فِيهَا الْوَجْهُ السَّابِقُ عَنْ الْحَاوِي قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَمَتَى صَلَّى فِي هَذِهِ الصُّوَرِ فلا بدمن تَقَدُّمِ غُسْلِهِ ثُمَّ يُوَارَى بِخِرْقَةٍ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَالدَّفْنُ لَا يَخْتَصُّ بِعُضْوِ مَنْ عُلِمَ مَوْتُهُ بَلْ كُلُّ مَا يَنْفَصِلُ مِنْ الْحَيِّ مِنْ عُضْوٍ وَشَعْرٍ وَظُفْرٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ الْأَجْزَاءِ يُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ وَكَذَلِكَ
تُوَارَى الْعَلَقَةُ وَالْمُضْغَةُ تُلْقِيهِمَا الْمَرْأَةُ وَكَذَا يُوَارَى دَمُ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَلَوْ وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ أَوْ كُلُّهُ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّهُ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ فَإِنْ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا الْمُسْلِمُونَ كَمَا حَكَمْنَا بِإِسْلَامِ اللَّقِيطِ فِيهَا وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِالْمَسْأَلَةِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ فِي آخِرِ بَابِ الشَّهِيدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَمَتَى صَلَّى عَلَى عُضْوِ الْمَيِّتِ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَى جُمْلَةِ الْمَيِّتِ لَا عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
يُصَلَّى عَلَى الْعُضْوِ خَاصَّةً قَالَ
وَالْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ جُمْلَتَهُ صَلَّى عَلَيْهَا فَإِنْ عَلِمَ ذَلِكَ صَلَّى عَلَى الْعُضْوِ وَحْدَهُ وَجْهًا وَاحِدًا وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَا إذَا وُجِدَ بَعْضُ الْمَيِّتِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ سَوَاءٌ قَلَّ الْبَعْضُ أَمْ كَثُرَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ رحمه الله وَقَالَ دَاوُد لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله أَنْ وُجِدَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِهِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ وُجِدَ النِّصْفُ فَلَا غُسْلَ ولا صلاة قال مالك رحمه الله لا يصلى علي اليسير منه * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَرِيبٌ وَإِنَّمَا هُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ
رَوَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى جَابِرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ رحمه الله كَأَنَّ الْمَوْقُوفَ أَصَحُّ وَقَالَ النَّسَائِيُّ الْمَوْقُوفُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَالنَّسَائِيُّ فِي الْفَرَائِضِ وَابْنُ مَاجَهْ فِيهِمَا وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَوَرِثَ وَوُرِثَ وَرِوَايَةُ الْمُهَذَّبِ وَرِثَ - بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - (وَقَوْلُهُ) اسْتَهَلَّ أَيْ صَرَخَ وَأَصْلُ الْإِهْلَالِ رَفْعُ الصَّوْتِ وَفِي السِّقْطِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ كَسْرِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَفَتْحِهَا
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَلِلسِّقْطِ أَحْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنْ يَسْتَهِلَّ فَيَجِبُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَكُونُ كَفَنُهُ كَكَفَنِ الْبَالِغِ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ (الثَّانِي) أَنْ يَتَحَرَّكَ حَرَكَةً تَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ وَلَا يَسْتَهِلُّ أَوْ يَخْتَلِجُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
حكاه
الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ قَوْلَانِ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يُغَسَّلُ فِيهِ طَرِيقَانِ عِنْدَهُمْ (الْمَذْهَبُ) يُغَسَّلُ
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
يُغَسَّلُ
(والثانى)
لا يغسل (الثالث) أَنْ لَا تَكُونَ فِيهِ حَرَكَةٌ وَلَا اخْتِلَاجٌ وَلَا غَيْرُهُمَا مِنْ أَمَارَاتِ الْحَيَاةِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ لَا يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَفِي غُسْلِهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا يُغَسَّلُ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ بَعْضُ الْخُرَاسَانِيِّينَ كَالْقَاضِي حُسَيْنٍ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ فِيهِ قَوْلَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ لَكِنْ قَالَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ ظَهَرَ فِيهِ خِلْقَةُ آدَمِيٍّ (وَالْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَبْلُغَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَمُعْظَمِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ غَسْلُهُ وَلَا تَجِبُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّ بَابَ الْغُسْلِ أَوْسَعُ وَلِهَذَا يُغَسَّلُ الذِّمِّيُّ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ مِنْ الْكُتُبِ الْجَدِيدَةِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (الصَّحِيحُ) الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ تَخْرِيجًا عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى
عَلَيْهِ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ رحمه الله حَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ الْقَدِيمِ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَدْ قَرَأْت الْقَدِيمَ كُلَّهُ فَلَمْ أَجِدْهُ فَقَدْ اتَّفَقَ هَؤُلَاءِ عَلَى إنْكَارِ كَوْنِهِ فِي الْقَدِيمِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ إنْ أَوْجَبْنَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ الصَّلَاةَ فَالْكَفَنُ التَّامُّ وَاجِبٌ كَمَا سَبَقَ يَعْنِي يُكَفَّنُ كَفَنَ الْبَالِغِ فِي ثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ وَإِنْ لَمْ نُوجِبْ الصَّلَاةَ وَجَبَ دَفْنُهُ بِالِاتِّفَاقِ وَالْخِرْقَةُ الَّتِي تُوَارِيهِ وَهِيَ لِفَافَةٌ قَالَا وَالدَّفْنُ واجب حينئذ
قَوْلًا وَاحِدًا قَالَا ثُمَّ تَمَامُ الْكَفَنِ يَتْبَعُ وُجُوبَ الصَّلَاةِ قَالَا وَإِذَا أَلْقَتْ الْمَرْأَةُ مُضْغَةً لَا يَثْبُتُ بِهَا حُكْمُ الِاسْتِيلَادِ وَوُجُوبُ الْغُرَّةِ وَلَا غَسْلٌ وَلَا تَكْفِينٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا يَجِبُ الدَّفْنُ وَالْأَوْلَى أَنْ تُوَارَى هَذَا كَلَامُهُمَا وَكَذَا قَالَ الْبَغَوِيّ إذَا أَلْقَتْ عَلَقَةً أَوْ مضغة لم يظهر فيها شئ مِنْ خَلْقِ الْآدَمِيِّ فَلَيْسَ لَهَا غُسْلٌ وَلَا تَكْفِينٌ وَتُوَارَى كَمَا يُوَارَى دَمُ الرَّجُلِ إذَا افْتَصَدَ أَوْ احْتَجَمَ (وَأَمَّا) الرَّافِعِيُّ رحمه الله فَقَالَ مَا يَظْهَرُ فِيهِ خِلْقَةُ آدَمِيٍّ يَكْفِي فِيهِ الْمُوَارَاةُ كَيْفَ كَانَتْ فَبَعْدَ ظُهُورِ خِلْقَةِ الْآدَمِيِّ حُكْمُ التَّكْفِينِ حُكْمُ الْغُسْلِ فَجَعَلَهُ تَابِعًا لِلْغَسْلِ وَجَعَلَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ تَابِعًا لِلصَّلَاةِ وَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله أَنْسَبُ (وَأَمَّا) الْمَحَامِلِيُّ فَذَكَرَ مَسْأَلَةَ السِّقْطِ فِي التَّجْرِيدِ خِلَافَ الْأَصْحَابِ وَخِلَافَ مَا ذَكَرَهُ هُوَ أَيْضًا فِي كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ فَقَالَ إنْ سَقَطَ بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ وَلَمْ يَسْتَهِلَّ بِأَنْ سَقَطَ لِفَوْقِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَوْلَانِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ يُصَلَّى عَلَيْهِ قَالَ وَلَا خِلَافَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُدْفَنُ وَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَلْقُ آدَمِيٍّ كَظُفْرٍ وَغَيْرِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ فَلَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَإِنْ كَانَ قَدْ تَخَلَّقَ كُفِّنَ وَدُفِنَ وَفِي غُسْلِهِ قَوْلَانِ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَفِي الْبَيَانِ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي حامد نحوه ولم أر فِي تَعْلِيقِ أَبِي حَامِدٍ لَكِنَّ نُسَخَ التَّعْلِيقِ تخلف وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الطِّفْلِ وَالسَّقْطِ
* أَمَّا الصَّبِيُّ فَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رحمه الله الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ مَا لَمْ يَبْلُغْ وَخَالَفَ الْعُلَمَاءَ كَافَّةً وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَدْ صَلَّى صلي عليه والافلا وَهَذَا أَيْضًا شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِرِوَايَةِ مَنْ
رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لَمْ يُصَلِّ عَلَى ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ " رضي الله عنه وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصَّلَاةِ الِاسْتِغْفَارُ للميت وهذا لاذنب لَهُ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِعُمُومِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ بِالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا دَاخِلٌ فِي عُمُومِ الْمُسْلِمِينَ وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ صلى الله عليه وسلم " قَالَ الرَّاكِبُ خَلْفَ الْجِنَازَةِ وَالْمَاشِي حَيْثُ شَاءَ مِنْهَا والطفل يصلي عليه " رواه أحد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ احْتِجَاجِ سَعِيدٍ بِأَنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ فِي صَلَاتِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى إبْرَاهِيمَ فَأَثْبَتَهَا كَثِيرُونَ مِنْ الرُّوَاةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَرِوَايَتُهُمْ أَوْلَى قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله فَهِيَ أَوْلَى لِأَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) أَنَّهَا أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةِ النَّفْيِ (الثَّانِي) أَنَّهَا مُثْبِتَةٌ فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَى النَّافِيَةِ كَمَا تَقَرَّرَ (الثَّالِثُ) يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فَمَنْ قَالَ صَلَّى أَرَادَ أُمِرَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاشْتَغَلَ صلى الله عليه وسلم هو بِصَلَاةِ الْكُسُوفِ وَمَنْ قَالَ لَمْ يُصَلِّ أَيْ لَمْ يُصَلِّ بِنَفْسِهِ (وَأَمَّا) الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ الْمَقْصُودُ الْمَغْفِرَةُ فَبَاطِلٌ
بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الْمَجْنُونِ الَّذِي بَلَغَ مَجْنُونًا وَاسْتَمَرَّ حَتَّى مَاتَ وَعَلَى مَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مُتَّصِلًا بِهِ مِنْ غَيْرِ إحْدَاثِ ذَنْبٍ فَإِنَّ الصَّلَاةَ ثَابِتَةٌ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا ذَنْبَ لَهُ بِلَا شَكٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) السِّقْطُ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفْصِيلَ مَذْهَبِنَا فِيهِ وقال مَالِكٌ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَخْتَلِجَ وَيَتَحَرَّكَ وَيَطُولَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ التَّابِعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ وَمَالِكٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَسْتَهِلَّ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَقَالَ الْعَبْدَرِيُّ إنْ كَانَ لَهُ دُونَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ يَعْنِي بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتَحَرَّكْ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد رَحِمَهُمَا الله يصلى عليه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَإِنْ مَاتَ كَافِرٌ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تعالى (ولا تصلى علي احمد منهم مات ابدا) وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ لِطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ وَالْكَافِرُ لَا يُغْفَرُ له وَيَجُوزُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ لِأَنَّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ عليا أَنْ يُغَسِّلَ أَبَاهُ وَأَعْطَى قَمِيصَهُ لِيُكَفَّنَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنُ سَلُولَ " فَإِنْ اختلط المسلمون بالكفار.
ولم يتميزوا صلي عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْمَيِّتِ بِالنِّيَّةِ وَالِاخْتِلَاطُ لَا يُؤَثِّرُ فِي النِّيَّةِ}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ ابْنِ أُبَيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَحَدِيثُ ابْنِ أُبَيِّ فِي بَابِ الْكَفَنِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الْكَافِرِ وَيَجُوزُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَدَفْنُهُ (وَأَمَّا) وُجُوبُ التَّكْفِينِ فَفِيهِ خِلَافٌ وَتَفْصِيلٌ سَبَقَ وَاضِحًا فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ زِيَارَةُ قَبْرِهِ وَالدُّعَاءُ لَهُ وَاتِّبَاعُ جِنَازَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَطَ مُسْلِمُونَ بِكَفَّارٍ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا فَقَالَ أَصْحَابُنَا يَجِبُ غَسْلُ جَمِيعِهِمْ وَتَكْفِينُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ وَلَا خِلَافَ في شئ مِنْ هَذَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ وَاجِبَةٌ فِي الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَلَا يُتَوَصَّلُ إلَى أَدَاءِ الْوَاجِبِ إلَّا بِاسْتِيعَابِ الْجَمِيعِ فَوَجَبَ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا أَنْ يَكُونَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ حَتَّى لَوْ اخْتَلَطَ مُسْلِمٌ بِمِائَةِ كَافِرٍ وَجَبَ غَسْلُ الْجَمِيعِ وَتَكْفِينُهُمْ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ وَدَفْنُهُمْ وَأَمَّا الْمَقْبَرَةُ الَّتِي يُدْفَنُونَ فِيهَا فَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي بَابِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنْ شَاءَ أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَمِيعِ بِصَلَاةٍ وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيَقُولُ فِي الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النِّيَّةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ الْخَمْسِ يُصَلِّيهِنَّ وَيُعْذَرُ فِي تَرَدُّدِ النية وإن
شَاءَ صَلَّى عَلَى الْجَمِيعِ صَلَاةً وَاحِدَةً وَيَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ الثَّانِيَةُ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا صَلَاةٌ عَلَى كَافِرٍ حَقِيقَةً وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الْأُولَى وَقَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ بِالْكَيْفِيَّةِ الثَّانِيَةِ وَنَقَلَهَا ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَلَيْسَ هَذَا اخْتِلَافًا بِالِاتِّفَاقِ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ صَرَّحَ بِالْجَائِزَيْنِ ومنهم من قتصر عَلَى أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَنْفِ الْآخَرُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَكَذَا لَوْ اخْتَلَطَ الشَّهِيدُ بِغَيْرِهِ غُسِّلَ الْجَمِيعُ وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَنُوِيَ بِالصَّلَاةِ غَيْرُ الشَّهِيدِ
قَالَ الْقَاضِي وَلَوْ مَاتَتْ نَصْرَانِيَّةٌ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ مُسْلِمٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ إنَّ السِّقْطَ الَّذِي لَمْ يَسْتَهِلَّ يُصَلَّى عَلَيْهِ صُلِّي عليها وَنُوِيّ بِالصَّلَاةِ الْوَلَدُ الَّذِي فِي جَوْفِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا جَوَازَ الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخْتَلَطِينَ مُفْرَدًا وَهَذَا تَعْلِيقٌ لِلنِّيَّةِ احْتَمَلْنَاهُ لِلْحَاجَةِ وَيَجُوزُ التَّعْلِيقُ أَيْضًا فِي الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ فَصُورَتُهُ فِي الزَّكَاةِ أَنْ يَقُولَ نَوَيْت هَذَا عَنْ زكاة مالي الغائب ان كان غائبا والافعن الْحَاضِرِ وَفِي الصَّوْمِ أَنْ يَنْوِيَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ صَوْمَ غَدٍ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَفِي الْحَجِّ أَنْ يَنْوِيَ إحْرَامًا كَإِحْرَامِ زَيْدٍ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اخْتِلَاطِ الْمُسْلِمِينَ بِالْكُفَّارِ الْمَوْتَى إذَا لَمْ يَتَمَيَّزُوا
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُ غُسْلِ الْجَمِيعِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ سواء كان عدد المسلين أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدُ بن الحسن إن كان عدد المسلمين أقل أو أَكْثَرَ صُلِّيَ عَلَى الْجَمِيعِ وَإِنْ كَانَ عَدَدُ الْكُفَّارِ أَكْثَرَ أَوْ اسْتَوَى الْعَدَدَانِ لَمْ يُصَلَّ لِأَنَّهُ اخْتَلَطَ مَنْ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ فغلب التحريم كما لو اختلطت أخته بالجنبية حَرُمَ نِكَاحُهَا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا بِالصَّلَاةِ عَلَى الجميع فوجب ذلك لان مالا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَقِيَاسًا عَلَى مَا إذَا كَانَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرَ وَقَوْلُهُمْ اخْتَلَطَ الْحَرَامُ بِغَيْرِهِ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا زَادَ عَدَدُ الْمُسْلِمِينَ وَقِيَاسُهُمْ عَلَى اخْتِلَاطِ أُخْتِهِ باجنبية ينتقض باخلاطها بِعَدَدٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ فَإِنَّهُ يَتَزَوَّجُ وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ اجْتِهَادٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُتَوَلِّي فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصِّيَامِ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ ذِمِّيٌّ فَشَهِدَ عَدْلٌ بِأَنَّهُ أَسْلَمَ قَبْلَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ غَيْرُهُ لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِ فِي تَوْرِيثِ قَرِيبِهِ الْمُسْلِمِ مِنْهُ وَلَا حِرْمَانِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ثُبُوتِ هِلَالِ رَمَضَانَ بِقَوْلِ عَدْلٍ وَاحِدٍ.
* قال المصنف رحمه الله
*
{وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي جِهَادِ الْكُفَّارِ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِهِمْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ فَهُوَ شَهِيدٌ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ فِي قَتْلَى
أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا " وَإِنْ جُرِحَ فِي الْحَرْبِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَمَنْ قُتِلَ فِي الْحَرْبِ وَهُوَ جُنُبٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ قَالَ أبو العباس ابن سُرَيْجٍ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُغَسَّلُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ حَنْظَلَةَ بْنَ الرَّاهِبِ قُتِلَ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " مَا شَأْنُ حَنْظَلَةَ فَإِنِّي رَأَيْت الْمَلَائِكَةَ تُغَسِّلُهُ فَقَالُوا جَامَعَ فَسَمِعَ الْهَيْعَةَ فَخَرَجَ إلَى الْقِتَالِ " فَلَوْ لَمْ يَجِبْ غُسْلُهُ لَمَا غَسَّلَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَقَالَ أَكْثَرُ أَصْحَابِنَا لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ حُكْمُهَا بِالشَّهَادَةِ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْعَدْلِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَمْ يَسْقُطْ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ كَمَنْ قُتِلَ فِي الزِّنَا وَالْقِصَاصِ وَمَنْ قُتِلَ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فِي حَرْبِ أَهْلِ الْبَغْيِ فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ فِي غَيْرِ حَرْبِ الْكُفَّارِ فَهُوَ كَمَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قُتِلَ فِي حَرْبٍ هُوَ فِيهِ عَلَى الْحَقِّ وَقَاتِلُهُ عَلَى الْبَاطِلِ فَأَشْبَهَ المقتول في معركة الكفار ومن قتل قُطَّاعُ الطَّرِيقِ مِنْ أَهْلِ الْقَافِلَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي أهل العدل} .
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله وَأَمَّا حَدِيثُ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ وَأَنَّ الْمَلَائِكَةَ غَسَّلَتْهُ لَمَّا كَانَ جُنُبًا وَاسْتُشْهِدَ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزبير متصلا ورواه مرسلا من رواية عماد بْنِ الزُّبَيْرِ وَرِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ لِهَذَا يَكُونُ مُرْسَلَ صَحَابِيٍّ رضي الله عنه فانه ولد قبل سنتين فقط وهذه القضية كَانَتْ بِأُحُدٍ وَمُرْسَلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ والله أعلم (وأما) الشهيد فسمي بذلك لا وجه سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ السِّوَاكِ (وَقَوْلُهُ) فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ هُوَ - بِفَتْحِ اللَّامِ - (قَوْلُهُ) سَمِعَ هَيْعَةً - بِفَتْحِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ - وَهِيَ الصَّوْتُ الَّذِي يُفْزَعُ مِنْهُ (قَوْلُهُ) طَهَارَةٌ عَنْ حَدَثٍ فَسَقَطَ حُكْمُهَا بِالشَّهَادَةِ احْتِرَازٌ مِنْ طَهَارَةِ النَّجَسِ فَإِنَّهُ يَجِبُ إزَالَتُهَا عَلَى الْمَذْهَبِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ بِحَقٍّ فَلَمْ يَسْقُطْ غُسْلُهُ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّنْ قَتَلَهُ الْكُفَّارُ فَهُوَ شَهِيدٌ (قَوْلُهُ) قَتَلَهُ اللُّصُوصُ هُوَ - بِضَمِّ اللَّامِ - جَمْعُ لِصٍّ بِكَسْرِهَا كَحِمْلٍ وَحُمُولٍ
* أَمَّا حُكْمُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) الشَّهِيدُ لَا يَجُوزُ غَسْلُهُ وَلَا الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْمُزَنِيّ رحمه الله يُصَلَّى عَلَيْهِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَلَا تَجِبُ وَلَا يُغَسَّلُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله الْغَسْلُ إنْ
أَدَّى إلَى إزَالَةِ الدَّمِ حَرَامٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِلَّا فَحَرَامٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقِيلَ فِي تَحْرِيمِهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي الصَّلَاةِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ مِنْ الْجَزْمِ بِتَحْرِيمِ الصَّلَاةِ وَالْغُسْلِ جَمِيعًا وَدَلِيلُهُ حديث جابر مع ما سنذ كره فِي فَرْعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الثَّانِيَةُ) يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّهَادَةِ فِيمَا ذَكَرْنَاهُ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ وَالصَّالِحِ وَالْفَاسِقِ (الثَّالِثَةُ) الشَّهِيدُ الَّذِي لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ هُوَ مَنْ مَاتَ بِسَبَبِ قِتَالِ الْكُفَّارِ حَالَ قِيَامِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ قَتَلَهُ كَافِرٌ أَوْ أَصَابَهُ سِلَاحُ مُسْلِمٍ خَطَأً أَوْ عَادَ إلَيْهِ سِلَاحُ نَفْسِهِ أَوْ سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ أَوْ رَمَحَتْهُ دَابَّةٌ فَمَاتَ أَوْ وَطِئَتْهُ دَوَابُّ الْمُسْلِمِينَ أَوْ غَيْرُهُمْ أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ لَا يُعْرَفُ هَلْ رَمَى بِهِ مُسْلِمٌ أَمْ كَافِرٌ أَوْ وُجِدَ قَتِيلًا عِنْدَ انْكِشَافِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُعْلَمْ سَبَبُ مَوْتِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ أَثَرُ دَمٍ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ مَاتَ فِي الْحَالِ أَمْ بَقِيَ زَمَنًا ثُمَّ مَاتَ بِذَلِكَ السَّبَبِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَسَوَاءٌ أَكَلَ وَشَرِبَ وَوَصَّى أَمْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا وَجْهًا شَاذًّا مَرْدُودًا حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ أَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ وَطِئَتْهُ دَابَّةُ مُسْلِمٍ أَوْ مُشْرِكٍ أَوْ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ حَالَ الْقِتَالِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِشَهِيدٍ بَلْ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (وَالصَّوَابُ) الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا مَاتَ فِي مُعْتَرَكِ الْكُفَّارِ لَا بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ بَلْ فَجْأَةً أَوْ بِمَرَضٍ فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ (وَالثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
شَهِيدٌ (وَأَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ رحمهم الله وَكَذَا لَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ عَمْدًا أَوْ رَمَى إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَمَاتَ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَإِنْ قُطِعَ بِمَوْتِهِ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَبَقِيَ فِيهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ سَوَاءٌ فِي جَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ أَكَلَ وَشَرِبَ وَصَلَّى وَتَكَلَّمَ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ طَالَ الزَّمَانُ أَمْ لَا هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ إنْ مَاتَ عَنْ قُرْبٍ فَقَوْلَانِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا أَمَّا إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ وَلَيْسَ فِيهِ إلَّا حَرَكَةُ مَذْبُوحٍ فَهُوَ شَهِيدٌ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَإِنْ انْقَضَتْ وَهُوَ مُتَوَقَّعُ الْحَيَاةِ فَلَيْسَ بِشَهِيدٍ بِلَا خِلَافٍ (الرَّابِعَةُ) إذَا قَتَلَ أَهْلُ الْعَدْلِ إنْسَانًا مِنْ أَهْلِ الْبَغْيِ فِي حَالِ الْقِتَالِ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قَتَلَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَادِلًا فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَعَكْسِهِ
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ
(وَالثَّانِي)
نَصَّ عَلَيْهِ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَقْتُولٌ فِي حَرْبِ مُبْطِلِينَ فَأَشْبَهَ الْكُفَّارَ (الْخَامِسَةُ) مَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا امام الحرمين وآخرون
(أحدهما)
لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ (وَأَصَحُّهُمَا) وبه قطع المصنف والا كثرون فيه وجهان
(أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَيْسَ بِشَهِيدٍ
(وَالثَّانِي)
شَهِيدٌ أَمَّا مَنْ قَتَلَهُ اللُّصُوصُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ لَيْسَ بِشَهِيدٍ قَطْعًا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ كَمَنْ قَتَلَهُ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ فَيَكُونُ فِيهِ الطَّرِيقَانِ وَلَوْ دَخَلَ حَرْبِيٌّ دَارَ الْإِسْلَامِ فقتل مسلما اغتيا لا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِهِمْ لَيْسَ بِشَهِيدٍ وَلَوْ أَسَرَ الْكُفَّارُ مُسْلِمًا ثُمَّ قَتَلُوهُ صَبْرًا فَفِي كَوْنِهِ شَهِيدًا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَهِيدٍ (السَّادِسَةُ) الْمَرْجُومُ فِي الزِّنَا وَالْمَقْتُولُ قِصَاصًا وَالصَّائِلُ وَوَلَدُ الزِّنَا وَالْغَالُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ وَنَحْوُهُمْ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ عِنْدَنَا وَفِي بَعْضِهِمْ خِلَافٌ لِلسَّلَفِ سَنَذْكُرُهُ فِي فُرُوعِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (السَّابِعَةُ) لَوْ اُسْتُشْهِدَ جُنُبٌ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْمُصَنِّفِينَ يَحْرُمُ غُسْلُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ لِأَنَّهَا طَهَارَةُ حَدَثٍ فَلَمْ يَجُزْ كَغُسْلِ الْمَوْتِ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجِبُ غُسْلُهُ بِسَبَبِ شَهَادَةِ الْجَنَابَةِ وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي غُسْلِهِ عَنْ الْجَنَابَةِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ بِنِيَّةِ غُسْلِ الْمَوْتِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطيب والمحاملى والماوردي والعبد رى وَالرَّافِعِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَإِنْ غَسَّلْنَاهُ قُلْت وَقَدْ سَبَقَ وَجْهٌ شَاذٌّ أَنَّهُ يُصَلَّى عَلَى كُلِّ شهيد فيجئ هنا أما إذَا اُسْتُشْهِدَتْ مُنْقَطِعَةُ الْحَيْضِ قَبْلَ اغْتِسَالِهَا فَهِيَ كَالْجُنُبِ وَإِنْ اُسْتُشْهِدَتْ فِي أَثْنَاءِ الْحَيْضِ فَإِنْ قُلْنَا الْجُنُبُ لَا يُغَسَّلُ فَهِيَ أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَحْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ غُسْلَ الْحَائِضِ يَجِبُ بِرُؤْيَةِ الدَّمِ أَمْ بِانْقِطَاعِهِ أَمْ بِهِمَا وَفِيهِ أَوْجُهٌ سَبَقَتْ فِي بَابِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ فَإِنْ قُلْنَا بِرُؤْيَتِهِ فَهِيَ كالجنب والافلا تُغَسَّلُ قَطْعًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَدْ أَشَارَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ
الْمَقْدِسِيُّ إلَى الْجَزْمِ بِأَنَّهَا لَا تُغَسَّلُ بِالِاتِّفَاقِ وَجَعَلَاهُ إلْزَامًا لِابْنِ سُرَيْجٍ
* (فَرْعٌ)
لَوْ أَصَابَتْ الشَّهِيدَ نَجَاسَةٌ لَا بِسَبَبِ الشَّهَادَةِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَبَعْضُ العراقيين (أصحها) بِاتِّفَاقِهِمْ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْجُرْجَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ يَجِبُ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ آثَارِ الشَّهَادَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ (وَالثَّالِثُ) إنْ أَدَّى غَسْلُهَا إلَى إزَالَةِ دَمِ الشَّهَادَةِ لَمْ تغسل والاغسلت وَمِمَّنْ ذَكَرَ هَذَا الثَّالِثَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ حَنْظَلَةَ بْنِ الرَّاهِبِ وَغُسْلَ الْمَلَائِكَةِ لَهُ حِينَ اُسْتُشْهِدَ جُنُبًا وَذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَلَوْ ثَبَتَ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْغُسْلَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَمَا سَقَطَ بِفِعْلِ الْمَلَائِكَةِ وَلَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِغُسْلِهِ وَلِهَذَا احْتَجَّ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِتَرْكِ الْغُسْلِ وَهَذَا الْجَوَابُ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الاصحاب قال الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ رَدًّا لِهَذَا الْجَوَابِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ تَكْفِينُهُ لَوْ كَفَّنَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالسُّنْدُسِ قَالَ الْقَاضِي وَالْجَوَابُ أَنَّا لَوْ شَاهَدْنَا تَكْفِينَهُ وَسَتْرَ عَوْرَتِهِ لَمْ نَزِدْ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهُ وَقَدْ حَصَلَ (وَأَمَّا) الْغُسْلُ فَالْمَطْلُوبُ مِنْهُ تَعَبُّدُ الْآدَمِيِّ بِهِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ نَحْوَ هَذَا وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ لَوْ صَلَّتْ عَلَيْهِ الْمَلَائِكَةُ أَوْ كَفَّنَتْهُ فِي السُّنْدُسِ لَمْ يُكْتَفَ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (الثَّامِنَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله يُنْزَعُ عَنْ الشَّهِيدِ مَا لَيْسَ مِنْ غَالِبِ لِبَاسِ النَّاسِ كَالْجُلُودِ وَالْفِرَاءِ وَالْخِفَافِ وَالدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ وَالْجُبَّةِ الْمَحْشُوَّةِ وَمَا أَشْبَهَهَا وَأَمَّا بَاقِي الثِّيَابِ الْمُعْتَادِ لُبْسُهَا الَّتِي قُتِلَ فِيهَا فَوَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ نَزَعَهَا وَكَفَّنَهُ بِغَيْرِهَا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَيْهِ وَدَفَنَهُ فِيهَا وَلَا كَرَاهَةَ فِي وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ قَالُوا وَالدَّفْنُ فِيهَا أَفْضَلُ وَالثِّيَابُ الْمُلَطَّخَةُ بِدَمِ الشَّهَادَةِ أَفْضَلُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَا عَلَيْهِ كَافِيًا لِلْكَفَنِ الْوَاجِبِ وَجَبَ إتْمَامُهُ وَدَلِيلُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حَدِيثُ جَابِرٍ السَّابِقُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ " أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلَى أُحُدٍ أَنْ يُنْزَعَ عَنْهُمْ الْحَدِيدُ وَالْجُلُودُ وَأَنْ يُدْفَنُوا بِدِمَائِهِمْ وَثِيَابِهِمْ " رواه أبو داود باسناد فيه عطاء ابن السائب وقد ضعفه الا كثرون ولم يُضَعِّفُ أَبُو دَاوُد هَذَا الْحَدِيثَ وَعَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " رُمِيَ رَجُلٌ بِسَهْمٍ في صدره اوفى حَلْقِهِ
فَمَاتَ فَأُدْرِجَ فِي ثِيَابِهِ كَمَا هُوَ وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله أَنَّ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ رضي الله عنه قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ وَقُتِلَ حَمْزَةُ رضي الله عنه فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إلَّا بُرْدَةٌ (التَّاسِعَةُ) الشُّهَدَاءُ الَّذِينَ لَمْ يَمُوتُوا بِسَبَبِ حَرْبِ الْكُفَّارِ كَالْمَبْطُونِ وَالْمَطْعُونِ وَالْغَرِيقِ وَصَاحِبِ الْهَدْمِ وَالْغَرِيبِ وَالْمَيِّتَةِ فِي الطَّلْقِ وَمَنْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ أو ذمي أو مأثم فِي غَيْرِ حَالِ الْقِتَالِ وَشِبْهِهِمْ فَهَؤُلَاءِ يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِلَا خِلَافٍ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله ولفظ الشهادة الوارد فيهم الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ فِي ثَوَابِ الْآخِرَةِ لَا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الشُّهَدَاءَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ (أَحَدُهَا) شَهِيدٌ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَهُوَ تَرْكُ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَفِي حُكْمِ الْآخِرَةِ بِمَعْنَى أَنَّ لَهُ ثَوَابًا خَاصًّا وَهُمْ أحياء عند ربهم يرز قون وَهَذَا هُوَ الَّذِي مَاتَ بِسَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ قِتَالِ الْكُفَّارِ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَرْبِ وَسَبَقَ تَفْصِيلُهُ (وَالثَّانِي) شَهِيدٌ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَهُوَ الْمَبْطُونُ وَالْمَطْعُونُ وَالْغَرِيقُ وَأَشْبَاهُهُمْ (وَالثَّالِثُ) شَهِيدٌ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ فِي حَرْبِ الْكُفَّارِ وَقَدْ غَلَّ مِنْ الْغَنِيمَةِ أَوْ قُتِلَ مُدْبِرًا أَوْ قَاتَلَ رِيَاءً وَنَحْوُهُ فَلَهُ حُكْمُ الشُّهَدَاءِ فِي الدُّنْيَا دُونَ الْآخِرَةِ وَالدَّلِيلُ لِلْقِسْمِ الثَّانِي أَنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا رضي الله عنهم غُسِّلُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ بِالِاتِّفَاقِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُمْ شُهَدَاءُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) فِي حِكْمَةِ تَرْكِ غُسْلِ الشَّهِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ لَعَلَّ تَرْكَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ لَأَنْ يَلْقَوْا اللَّهَ بِكُلُومِهِمْ لِمَا جَاءَ أَنَّ رِيحَ دمهم ريح المسك واستغنوا باكرام لَهُمْ عَنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِمْ مَعَ التَّخْفِيفِ عَلَى من بقى من المسلمين لما يكون في من قَاتَلَ فِي الزَّحْفِ مِنْ الْجِرَاحَاتِ وَخَوْفِ عَوْدَةِ الْعَدُوِّ وَرَجَاءِ طَلَبِهِمْ وَهَمِّهِمْ بِأَهْلِهِمْ وَهَمِّ أَهْلِيهِمْ بِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي غسل الشهيد والصلاة عليه
* قذ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا تَحْرِيمُهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ وَالنَّخَعِيِّ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيِّ وَالْحَاكِمِ وَحَمَّادٍ وَاللَّيْثِ وَمَالِكٍ وتابعوه من اهل المدينة واحمد واسحق وأبو ثور وابن المنذر وقال سعيد بن المسبب والحسن البصري يغسل ويصلي عليه وقال أو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَالْمُزَنِيُّ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَا يُغَسَّلُ
* وَاحْتُجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِأَحَادِيثَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم
" صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ وَصَلَّى عَلَى حَمْزَةَ صَلَوَاتٍ "(وَمِنْهَا) رِوَايَةُ أَبِي مَالِكٍ الْغِفَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ عَشَرَةً عَشَرَةً فِي كُلِّ عَشَرَةٍ حَمْزَةُ حَتَّى صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعِينَ صَلَاةً " رَوَاهُ أَبُو داود في المراسيل وعن شداد بن الهاد أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَفِيهِ أَنَّهُ اُسْتُشْهِدَ فَصَلَّى عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ صَلَّى عَلَيْهِمْ بَعْدَ ثَمَانِ سِنِينَ كَالْمُوَدِّعِ لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ فِي قَتْلَى أُحُدٍ بِدَفْنِهِمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ أَيْضًا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " في قَتْلَى أُحُدٍ لَا تُغَسِّلُوهُمْ فَإِنَّ كُلَّ جُرْحٍ أَوْ كُلَّ دَمٍ يَفُوحُ مِسْكًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ) رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَعَنْ أَنَسٍ أَنَّ شُهَدَاءَ أُحُدٍ لَمْ يُغَسَّلُوا وَدُفِنُوا بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ أَوْ صَحِيحٍ (وَأَمَّا) الْأَحَادِيثُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا الْقَائِلُونَ فِي الصَّلَاةِ فَاتَّفَقَ أَهْلُ الْحَدِيثِ عَلَى ضَعْفِهَا كُلِّهَا إلَّا حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ وَالضَّعْفُ فِيهَا بَيِّنٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَأَقْرَبُ مَا رُوِيَ حَدِيثُ أَبِي مَالِكٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ وَكَذَا حَدِيثُ شَدَّادٍ مُرْسَلٌ أَيْضًا فَإِنَّهُمَا تَابِعَانِ وَأَمَّا حَدِيثُ عُقْبَةَ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الصَّلَاةِ هُنَا الدُّعَاءُ (وَقَوْلُهُ) صَلَاتُهُ عَلَى الْمَيِّتِ أَيْ دَعَا لَهُمْ كدعاء صلاة الميت وهذا التأويل لابد مِنْهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْرُوفَةَ بِالْإِجْمَاعِ لانه صلي الله عليه وسلم بما فَعَلَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَعْدَ دَفْنِهِمْ بِثَمَانِ سِنِينَ وَلَوْ كَانَ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ الْمَعْرُوفَةَ لَمَا أَخَّرَهَا ثَمَانِ سِنِينَ وَدَلِيلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ عِنْدَنَا لَا يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله يُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَقْبَلُ خَبَرَ الْوَاحِدِ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَهَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) مَا ذَكَرْتُمُوهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ لَا يُحْتَجُّ بِهِ لِأَنَّهُ نَفْيٌ وَشَهَادَةُ النَّفْيِ مَرْدُودَةٌ مَعَ مَا عَارَضَهَا مِنْ رِوَايَةِ الْإِثْبَاتِ (فَأَجَابَ) أَصْحَابُنَا بِأَنَّ شَهَادَةَ النَّفْيِ إنَّمَا تُرَدُّ إذَا لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُ الشَّاهِدِ وَلَمْ تَكُنْ مَحْصُورَةً (أَمَّا) مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ وَكَانَ مَحْصُورًا فَيُقْبَلُ بِالِاتِّفَاقِ
وَهَذِهِ قِصَّةٌ مُعَيَّنَةٌ أَحَاطَ بِهَا جَابِرٌ وَغَيْرُهُ عِلْمًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْإِثْبَاتِ فَضَعِيفَةٌ فَوُجُودُهَا كَالْعَدَمِ إلَّا حَدِيثَ عُقْبَةَ وَقَدْ أَجَبْنَا عَنْهُ وَاشْتَدَّ إنْكَارُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَتَشْنِيعُهُ عَلَى مَنْ يَقُولُ يُصَلَّى عَلَى الشَّهِيدِ مُحْتَجًّا بِرِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ حَمْزَةَ رضي الله عنه صُلِّيَ عَلَيْهِ سَبْعُونَ صَلَاةً وَكَانَ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ مِنْ الْقَتْلَى وَحَمْزَةُ عَاشِرُهُمْ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ ثُمَّ يُرْفَعُونَ وَحَمْزَةُ مَكَانَهُ ثُمَّ يُؤْتَى بِتِسْعَةٍ آخَرِينَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَعَلَى حَمْزَةَ حتى صلى عليه سبعين صَلَاةً قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَشُهَدَاءُ أُحُدٍ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ شَهِيدًا فَإِذَا صَلَّى عَلَيْهِمْ عَشَرَةً عَشَرَةً فَالصَّوَابُ أَنْ لَا يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِ صَلَوَاتٍ أَوْ ثَمَانٍ عَلَى أَنَّهُ صَلَّى عَلَى كُلِّ تِسْعَةٍ مَعَ حَمْزَةَ صَلَاةً فَهَذِهِ سَبْعٌ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ سَبْعُونَ صَلَاةً وَإِنْ عَنَى أَنَّهُ كَبَّرَ سَبْعِينَ تَكْبِيرَةً فَنَحْنُ وَهُمْ
نَقُولُ التَّكْبِيرُ أَرْبَعٌ فَهِيَ سِتٌّ وَثَلَاثُونَ تَكْبِيرَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَنْبَغِي لِمَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ أَنْ يَسْتَحْيِيَ عَلَى نَفْسِهِ وَقَدْ كان ينبغي له أن يُعَارِضَ بِهِ الْأَحَادِيثَ فَقَدْ جَاءَتْ مِنْ وُجُوهٍ مُتَوَاتِرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ " هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ معتمدنا في المسألة الا حاديث الصَّحِيحَةُ أَنَّهُ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا (وَأَمَّا) مَا ذَكَرُوهُ مِنْ صَلَاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ فَخَطَأٌ لَمْ يُصَحِّحْهُ الْأَئِمَّةُ لِأَنَّهُمْ رَوَوْا أَنَّهُ كَانَ يُؤْتَى بِعَشَرَةٍ عَشَرَةٍ وَحَمْزَةُ أَحَدُهُمْ فَصَلَّى عَلَى حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً وَهَذَا غَلَطٌ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشهداء سبعون وانا يَخُصُّ حَمْزَةَ سَبْعِينَ صَلَاةً لَوْ كَانُوا سَبْعَمِائَةٍ ثُمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله إذَا صُلِّيَ عَلَى الْمَيِّتِ لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ مَرَّةً أُخْرَى وَبِالِاتِّفَاقِ مِنَّا وَمِنْهُ فَإِنَّ مِنْ صَلَّى مَرَّةً لَا يُصَلِّي هُوَ ثَانِيَةً وَلِأَنَّ الْغُسْلَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ وَهُوَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ عَلَى غَيْرِ الشُّهَدَاءِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ عَلَى الشَّهِيدِ بِلَا غُسْلٍ (فَإِنْ قَالُوا) سَبَبُ تَرْكِ الْغُسْلِ بَقَاءُ أَثَرِ الشَّهَادَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ " فَظَهَرَ سَبَبُ تَرْكِ الْغُسْلِ وَبَقِيَتْ الصَّلَاةُ مَشْرُوعَةً كَمَا كَانَتْ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتَبَرُ بَقَاءَ الدَّمِ لَوَجَبَ أَنْ يُغَسَّلَ مِنْ قُتِلَ فِي الْمُعْتَرَكِ خَنْقًا أَوْ بِمُثَقَّلٍ وَلَمْ يَظْهَرْ دَمٌ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ بَقَاءَ الدَّمِ لَيُمِّمَ قَالَ وَلَيْسَ مَعْنَى الْحَدِيثِ تَرْكَ الْغُسْلِ بِسَبَبٍ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ نَفْيُ تَوَهُّمِ مَنْ يَظُنُّ أَنَّ الْغُسْلَ مُتَعَيِّنٌ لِإِزَالَةِ الْأَذَى فَقَالَ صلى الله عليه وسلم " زَمِّلُوهُمْ وَادْفِنُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ وَلَا تَهْتَمُّوا بِإِزَالَتِهَا عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهِمْ الدِّمَاءُ " قَالَ
وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ هَذَا أَنَّا نَقْطَعُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ أَنَّ الدِّمَاءَ الَّتِي يُدْفَنُونَ بِهَا تَبْقَى إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ بُطْلَانُ قَوْلِهِمْ إنْ تُرِكَ الْغُسْلُ لِلدَّمِ فَيَجِبُ أَنْ يُقَالَ الشَّهَادَةُ تَطْهِيرٌ لِلْمَقْتُولِ عَنْ الذُّنُوبِ فَيُغْنِي عَنْ التَّطْهِيرِ بِالْمَاءِ وَهَذَا يَقْتَضِي تَرْكَ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّهَا شُرِعَتْ لِتَطْهِيرِهِ بِشَفَاعَةِ الْمُصَلِّينَ (فَإِنْ قِيلَ) الصَّبِيُّ طَاهِرٌ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ (قُلْنَا) الشَّهَادَةُ أَمْرٌ طَارِئٌ يَقْتَضِي رُتْبَةً عَظِيمَةً وَتَمْحِيصًا فَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مُغْنٍ عَنْ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّبِيُّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكَلَّفًا فَلَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يَقْتَضِي مَرْتَبَةً وَالطَّرِيقَةُ السَّدِيدَةُ عِنْدَنَا فِي تَرْكِ الْغُسْلِ أَنَّهُ غَيْرُ مُعَلَّلٍ لِأَنَّا أَبْطَلْنَا عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّطْهِيرِ رُبَّمَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى السَّيْرِ كَمَا يَنْبَغِي فَنَقُولُ إذَا امْتَنَعَ الْغُسْلُ وَبَدَلُهُ فَهُوَ كَحَيٍّ لَمْ يَجِدْ مَاءً وَلَا تُرَابًا فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي الْفَرْضَ عِنْدَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الصَّبِيِّ إذَا اُسْتُشْهِدَ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ مِنْهُمْ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي ثَوْرٍ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ مُسْلِمٌ قُتِلَ فِي مُعْتَرَكِ الْمُشْرِكِينَ بِسَبَبِ قِتَالِهِمْ فاشبه البالغ والمرأة
* واحتج بانه لاذنب لَهُ قُلْنَا يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الذَّنْبِ
*
(فَرْعٌ)
إذَا رَفَسَتْهُ دَابَّةٌ فِي حَرْبِ الْمُشْرِكِينَ أَوْ عَادَ عَلَيْهِ سِلَاحُهُ أَوْ تَرَدَّى مِنْ جبل أو في بئر في حَالَ مُطَارِدَتِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ مَيِّتًا وَلَا أَثَرَ عَلَيْهِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ دَلِيلُنَا مَا سَبَقَ فِي الْفَرْعِ قَبْلَهُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي كَفَنِ الشَّهِيدِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ يُزَالُ مَا عَلَيْهِ مِنْ حَدِيدٍ وَجُلُودٍ وَجُبَّةٍ مَحْشُوَّةٍ وكل ما ليس من عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ ثُمَّ وَلِيُّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ كَفَّنَهُ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ مِنْ عَامِّ لِبَاسِ النَّاسِ وَإِنْ شَاءَ نَزَعَهُ وَكَفَّنَهُ بِغَيْرِهِ وَتَرْكُهُ أَفْضَلُ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ لَا يُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوٌ وَلَا خف ولا محشو ولا بخير وليه في نرع شئ وَلِأَصْحَابِ دَاوُد خِلَافٌ كَالْمَذْهَبَيْنِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَدِيدَ وَالْجُلُودَ يُنْزَعُ عَنْهُ وَسَبَقَ دَلِيلُنَا وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي ذَلِكَ
*
(فَرْعٌ)
الْمَقْتُولُ ظُلْمًا فِي الْبَلَدِ بِحَدِيدٍ أَوْ غَيْرِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَصَاحِبَاهُ إذَا قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُغَسَّلْ.
دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْقَتْلِ بِمُثَقَّلٍ فَقَدْ أَجْمَعْنَا أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَسَبَقَ دَلِيلُ الْجَمِيعِ.
(فَرْعٌ)
إذا انكشف الْحَرْبُ عَنْ قَتِيلٍ مُسْلِمٍ لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ بِهِ أَثَرٌ أَمْ لَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ أَثَرٌ غُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا الصَّلَاة عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ الْبُغَاةِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُونَ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ الْإِمَامُ وَأَهْلُ الْفَضْلِ.
(فَرْعٌ)
إذَا قَتَلَتْ الْبُغَاةُ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ كَالْمَذْهَبَيْنِ
* (فَرْعٌ)
الْقَتِيلُ بِحَقٍّ فِي حَدِّ زِنًا أَوْ قِصَاصٍ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَذَلِكَ وَاجِبٌ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ ابن أَبِي طَالِبٍ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعَطَاءٍ والنخعي والاوزاعي واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ يُصَلَّى عَلَى الْمَقْتُولِ قِصَاصًا دُونَ الْمَرْجُومِ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله لَا يُصَلِّي الْإِمَامُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَتُصَلِّي عَلَيْهِ الرَّعِيَّةُ
* (فَرْعٌ)
مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ أَوْ غَلَّ فِي الْغَنِيمَةِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَدَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهِمَا الْإِمَامُ وَتُصَلِّي بَقِيَّةُ النَّاسِ.
(فَرْعٌ)
مَذْهَبُنَا وُجُوبُ غُسْلِ وَلَدِ الزِّنَا وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ وَبِهِ قَالَ النَّخَعِيُّ وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ واسحق وَقَالَ قَتَادَةُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ
(فَرْعٌ)
فِي الْإِشَارَةِ إلَى دَلَائِلِ الْمَسَائِلِ السَّابِقَةِ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رحمه الله مِنْ رواية عمران ابن حُصَيْنٍ وَبُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى عَلَى الْمَرْجُومَةِ فِي الزِّنَا " وَثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ
رِوَايَةِ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " صَلَّى علي ما عز بَعْدَ أَنْ رَجَمَهُ " وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيِّ " أَنَّهُ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ " وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرِ ابن سَمُرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ نَفْسَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " صَلُّوا خَلْفَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وضلوا عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَجَاهِدُوا مَعَ كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ " قَالَا هَذَا مُنْقَطِعٌ فَلَمْ يُدْرِكْ مَكْحُولٌ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ الْبَيْهَقِيُّ قَدْ رُوِيَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى كُلِّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ وَعَلَى مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أَحَادِيثُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ غَايَةَ الضَّعْفِ قَالَ وَأَصَحُّ مَا فِيهِ هَذَا الْمُرْسَلُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) إذَا قَتَلْنَا تَارِكَ الصَّلَاةِ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَدُفِنَ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَرُفِعَ قَبْرُهُ كَغَيْرِهِ كَمَا يُفْعَلُ بِسَائِرِ أَصْحَابِ الْكَبَائِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ الْقَاصِّ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُكَفَّنُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُطْمَسُ قَبْرُهُ تَغْلِيظًا عَلَيْهِ وَتَحْذِيرًا مِنْ حَالِهِ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَاطِعُ الطَّرِيقِ فَيُبْنَى أَمْرُهُ عَلَى صِفَةِ قَتْلِهِ وَصَلْبِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي بَابِ حَدِّ قَاطِعِ الطَّرِيقِ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصْلَبُ مُكَفَّنًا
(وَالثَّانِي)
يُصْلَبُ حَيًّا ثُمَّ يُقْتَلُ وَهَلْ يُنْزَلُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَمْ يَبْقَى حَتَّى يَتَهَرَّى فِيهِ وَجْهَانِ إنْ قُلْنَا بِالْأَوَّلِ أُنْزِلَ فَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي لَمْ يُغَسَّلْ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَكَانَ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يُقْتَلَ مَصْلُوبًا وَيُنْزَلَ وَيُغَسَّلَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ثُمَّ يُرَدَّ وَلَكِنْ لَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ قَوْلٍ (الثَّانِيَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ رحمه الله لَوْ صُلِّيَ عَلَى الْأَمْوَاتِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ وَغُسِّلُوا فِي الْبَلَدِ الْفُلَانِيِّ وَلَا يُعْرَفُ عَدَدُهُمْ جَازَ قُلْت لَا حَاجَةَ إلَى التَّخْصِيصِ بِبَلَدٍ مُعَيَّنٍ بَلْ لَوْ صُلِّيَ عَلَى أَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ الَّذِينَ مَاتُوا فِي يَوْمِهِ مِمَّنْ تَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ جَازَ وَكَانَ حَسَنًا مُسْتَحَبًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ صَحِيحَةٌ عِنْدَنَا وَمَعْرِفَةُ أَعْيَانِ الْمَوْتَى وَأَعْدَادِهِمْ لَيْسَتْ شَرْطًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْجِنَازَةِ فِي الْمَقْبَرَةِ بَيْنَ الْقُبُورِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وابن عمرو عطاء وابن سيرين وأحمد واسحق وأبى ثور قال وبه أقول ولم
يكرهها أَبُو هُرَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعَنْ مالك روايتان كالمذهبين.
* قال المصنف رحمه الله
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ حَمْلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رضي الله عنه ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْمَعْرِفَةِ وَأَشَارَ إلَى تَضْعِيفِهِ وَالْآثَارُ الْمَذْكُورَةُ عَنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم رَوَاهَا الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ إلَّا الْأَثَرَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَصَحِيحٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* والمقدمة - بفتح الدال وكسرها - والكسر أفصح وَالْيَامِنَةُ وَالْيَاسِرَةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَالسِّينِ - وَالْكَاهِلُ مَا بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله لِحَمْلِ الجنازة كيفيتان
(أحدهما)
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلٌ فَيَضَعَ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ وَهُمَا الْعَمُودَانِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَالْخَشَبَةَ الْمُعْتَرِضَةَ بَيْنَهُمَا عَلَى كَاهِلِهِ وَيَحْمِلُ مُؤَخَّرَ النَّعْشِ رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْآخَرُ مِنْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَتَوَسَّطُ الْخَشَبَتَيْنِ الشَّاخِصَتَيْنِ الْمُؤَخَّرَتَيْنِ وَاحِدٌ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَسَّطَ لَمْ يَرَ مَا بَيْنَ قَدَمَيْهِ بِخِلَافِ الْمُقَدِّمَتَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ لَمْ يسقل الْمُتَقَدِّمُ بِالْحَمْلِ أَعَانَهُ آخَرَانِ خَارِجَ الْعَمُودَيْنِ يَضَعُ كل واحد منها واحدا مِنْهُمَا عَلَى عَاتِقِهِ فَتَكُونُ الْجِنَازَةُ مَحْمُولَةً بِخَمْسَةٍ (وَالْكَيْفِيَّةُ) الثَّانِيَةُ التَّرْبِيعُ وَهُوَ أَنْ يَتَقَدَّمَ رَجُلَانِ فيضع احدهما العمودين الْأَيْمَنَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَيَضَعَ الْآخَرُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ وَكَذَلِكَ يَحْمِلُ الْعَمُودَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي آخِرِهَا رَجُلَانِ فَتَكُونُ الْجِنَازَةُ مَحْمُولَةً بِأَرْبَعَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِ الْجِنَازَةِ مِنْ جَوَانِبِهَا
الْأَرْبَعَةِ بَدَأَ بِالْعَمُودِ الْأَيْسَرِ مِنْ مُقَدِّمِهَا فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يُسَلِّمُهُ إلَى غَيْرِهِ وَيَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْسَرَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا فَيَحْمِلُهُ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْمَنِ أَيْضًا ثُمَّ يَتَقَدَّمُ أَيْضًا فيمر بين يديها ولا يجئ مِنْ وَرَائِهَا لِئَلَّا يَكُونَ مَاشِيًا مِنْ خَلْفِهَا فَيَأْخُذَ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُقَدِّمِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْعَمُودَ الْأَيْمَنَ مِنْ مُؤَخَّرِهَا عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ أَيْضًا وَلَا يُمْكِنُهُ هَذَا إلَّا إذَا حُمِلَتْ الْجِنَازَةُ عَلَى هَيْئَةِ التَّرْبِيعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَكُلُّ وَاحِدَةٍ من كيفية التربيع واحمل بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ جَائِزَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ
أَفْضَلُ (وَالثَّانِي) التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَقَالَ هُوَ ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ (وَالثَّالِثُ) هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ رحمه الله.
هَذَا إذَا أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى إحْدَاهُمَا فَأَمَّا الْأَفْضَلُ مُطْلَقًا فَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْت نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَيْضًا وَغَيْرُهُ وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْجُرْجَانِيُّ فِي التَّحْرِيرِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ ثُمَّ صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكَيْفِيَّتَيْنِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْحَاوِي فِي قَوْلِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَحْمِلَ الْجِنَازَةَ خَمْسَةٌ أَرْبَعَةٌ مِنْ جَوَانِبِهَا وَوَاحِدٌ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَكَذَا صَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ صِفَةُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا أَنْ يُحْمَلَ تَارَةً كَذَا وَتَارَةً كَذَا فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْكَيْفِيَّتَيْنِ جَائِزَتَانِ والجمع بينهما افضل من الاقتصار علي إحادهما فَإِنْ اقْتَصَرَ فَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ وَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْآخَرَانِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ صَرِيحٌ فِي بَيَانِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَلَامُهُ هُنَا يُتَأَوَّلُ عَلَى ذَلِكَ فَقَوْلُهُ الْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ يَعْنِي إنْ اقْتَصَرَ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْأَفْضَلِ مُطْلَقًا ثُمَّ إنَّهُ لَمْ يُوَضِّحْ صُورَةَ التَّرْبِيعِ عَلَى وَجْهِهَا وَخَلَطَ صِفَةَ التَّرْبِيعِ بِمَسْأَلَةِ مَنْ أَرَادَ التَّبَرُّكَ بِحَمْلِهَا مِنْ الْجَوَانِبِ كُلِّهَا وَصَوَابُ الْمَسْأَلَةِ مَا أَوْضَحْنَاهُ أَوَّلًا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَلَوْ حَمَلَ النَّعْشَ عَلَى رَأْسِهِ لَمْ يَكُنْ حَامِلًا بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهَذَا الَّذِي قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ صِفَةَ الْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَنْ يَحْمِلَهَا ثَلَاثَةٌ اثْنَانِ مِنْ مُؤَخَّرِهَا وَوَاحِدٌ مِنْ مُقَدَّمِهَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَصَرَّحُوا بِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِثَلَاثَةٍ إلَّا الدَّارِمِيَّ وَمَنْ
وَافَقَهُ فَإِنَّهُ حُكِيَ فِي الاستذكار عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ رحمه الله أَنَّهُ يَحْصُلُ بِاثْنَيْنِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَيْفِيَّةِ حَمْلِ الْجِنَازَةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَمْلَ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ مِنْ التَّرْبِيعِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُغَلِّسِ الداوودى وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ واحمد واسحق التَّرْبِيعُ أَفْضَلُ وَقَالَ مَالِكٌ وَدَاوُد هُمَا سَوَاءٌ فِي الْفَضِيلَةِ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله حَمْلُ الْجِنَازَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَيْسَ فِي حَمْلِهَا دناءة وسقوط مروءة بل هوبر وَطَاعَةٌ وَإِكْرَامٌ لِلْمَيِّتِ وَفَعَلَهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ وَالْعِلْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَحْمِلُ الْجِنَازَةَ إلَّا الرِّجَالُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَضْعُفْنَ عَنْ الْحَمْلِ وَرُبَّمَا انْكَشَفَ منهن شئ لَوْ حَمَلْنَ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله يَحْرُمُ حَمْلُ الْجِنَازَةِ عَلَى هَيْئَةٍ مُزْرِيَةٍ كَحَمْلِهِ فِي قُفَّةٍ وَغِرَارَةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ حَمْلُهُ عَلَى هَيْئَةٍ يُخَافُ مِنْهَا سُقُوطُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
وَالْأَصْحَابُ وَيُحْمَلُ عَلَى سَرِيرٍ أَوْ لَوْحٍ أَوْ محمل قالوا وأى شئ حمل عليه اجزأ قال القاصي وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمَا فَإِنْ خِيفَ تَغَيُّرُهُ وَانْفِجَارُهُ قَبْلَ أَنْ يُهَيَّأَ لَهُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَيْدِي وَالرِّقَابِ حَتَّى يُوصَلَ إلَى الْقَبْرِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمَرْأَةِ نَعْشٌ قَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالنَّعْشُ هُوَ الْمِكَبَّةُ الَّتِي تُوضَعُ فَوْقَ الْمَرْأَةِ عَلَى السَّرِيرِ وَتُغَطَّى بِثَوْبٍ لِتُسْتَرَ عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ وَكَذَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي يُخْتَارُ لِلْمَرْأَةِ إصْلَاحُ النَّعْشِ كَالْقُبَّةِ عَلَى السَّرِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّيَانَةِ وَسَمَّاهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ رحمه الله خَيْمَةً فَقَالَ إنْ كَانَتْ امْرَأَةً اُتُّخِذَ لها خيمة تسترها واستدلوا له بقضية جِنَازَةِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قِيلَ وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ حُمِلَ عَلَى هَذَا النَّعْشِ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَوْصَتْ أَنْ يُتَّخَذَ لَهَا ذَلِكَ فَفَعَلُوهُ فَإِنْ
صَحَّ هَذَا فَهِيَ قَبْلَ زَيْنَبَ بِسِنِينَ كَثِيرَةٍ (وَأَمَّا) مَا حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ أَنَّ أَوَّلَ مَا اُتُّخِذَ ذَلِكَ فِي جِنَازَةِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِذَلِكَ فَبَاطِلٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ لَفْظُهُ فِي الصَّحِيحِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " أَسْرِعُوا بالجنازة فان تكن صالحة فخير تقدمونها وَإِنْ تَكُنْ سِوَى ذَلِكَ فَشَرٌّ تَضَعُونَهُ عَنْ رِقَابِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا لَفْظُهُ وَمُسْلِمٌ أَيْضًا وعنده فخبرا تقومونها عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " قَرَّبْتُمُوهَا إلَى الْخَيْرِ " وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ نَقَلَ التِّرْمِذِيُّ تَضْعِيفَهُ عَنْ الْبُخَارِيِّ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَآخَرُونَ وَالضَّعْفُ عَلَيْهِ بَيِّنٌ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْإِسْرَاعِ بِالْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ يُخَافَ مِنْ الْإِسْرَاعِ انْفِجَارُ الْمَيِّتِ أو تغيره ونحوه فيتأنى قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمُرَادُ بِالْإِسْرَاعِ فَوْقَ الْمَشْيِ الْمُعْتَادِ وَدُونَ الْخَبَبِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهِ تَغَيُّرٌ أَوْ انْفِجَارٌ أَوْ انْتِفَاخٌ زِيدَ فِي الْإِسْرَاعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَيُمْشَى بِالْجِنَازَةِ عَلَى أَسْرَعِ سَجِيَّةِ مَشْيٍ إلَّا الْإِسْرَاعَ الَّذِي يَشُقُّ عَلَى مَنْ يَتْبَعُهَا إلَّا أَنْ يُخَافَ تَغَيُّرُهَا أَوْ انْفِجَارُهَا فَيُعَجِّلُوا بِهَا مَا قَدَرُوا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَلَا أُحِبُّ لِأَحَدٍ مِنْ أهل الجنازة الا بطاء في
شئ مِنْ حَالَاتِهَا مِنْ غُسْلٍ وَوُقُوفٍ عِنْدَ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ فِي جِنَازَةِ ميمونة رضي الله عنها إذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلَا تُزَعْزِعُوهُ وَلَا تُزَلْزِلُوهُ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى خَوْفِ مَفْسَدَةٍ مِنْ الْإِسْرَاعِ وَعَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضي الله عنه قَالَ لَقَدْ رَأَيْتنَا وَنَحْنُ نَرْمُلُ رَمَلًا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي بِالْجِنَازَةِ رواه أبو داود والنسأتي بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَهُوَ مَحْمُولٌ
عَلَى الْحَاجَةِ إلَى زِيَادَةِ الْإِسْرَاعِ فِي بَعْضِ الاحوال كما سبق.
* قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب اتباع الجنازة لِمَا رَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رضي الله عنه قَالَ " أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ
صلي الله عليه وسلم باتباع الجنائز وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الداعي ونصر المظلوم
والمستحب ان لا ينصرف من يتبع الجنازة حتي تدفن لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " من تبع جنازة فصلي عليها فله قيراط وإن شهد دفنها فله قيراطان القيراط اعظم من احد "}
* {الشَّرْحُ} هَذَانِ الْحَدِيثَانِ رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَازِبٌ وَالِدُ الْبَرَاءِ صَحَابِيٌّ رضي الله عنهما وَالتَّشْمِيتُ يُقَالُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمُهْمَلَةِ لُغَتَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي بَابِ هَيْئَةِ الْجُمُعَةِ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ الْقِيرَاطُ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحَيْ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ الْقِيرَاطُ مِثْلُ أُحُدٍ وَفِي رِوَايَةٍ لهما
الْقِيرَاطَانِ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَصْغَرُهُمَا مِثْلُ أُحُدٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرُهُمْ الْقِيرَاطُ مِقْدَارٌ مِنْ الثَّوَابِ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَبَيَّنَ فِي هَذَا الحديث مثل احد واعمل ان القراطين بِالدَّفْنِ إنَّمَا هُمَا لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهَا فَيَحْصُلُ لَهُ بِالدَّفْنِ وَالصَّلَاةِ جَمِيعًا قِيرَاطَانِ وَبِالصَّلَاةِ عَلَى انْفِرَادِهَا قِيرَاطٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحِ بِبَيَانِ هَذَا وَلَهُ نَظَائِرُ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَقَدْ أَوْضَحْت كُلَّ هَذَا فِي هَذَا الموضع من شرح صحيح مسلم
* واما الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُدْفَنَ وَهَذَا مُجْمَعٌ
عَلَيْهِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَيُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُهَا وَلَا يَحْرُمُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ الَّذِي قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَأَمَّا قَوْلُ الشَّيْخِ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ رحمه الله لَا يَجُوزُ لِلنِّسَاءِ اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ فَمَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ فَإِنْ أَرَادَ بِهِ التَّحْرِيمَ فَهُوَ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَصْحَابِ بَلْ لِلْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها " نُهِينَا عَنْ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَرْفُوعٌ فَهَذِهِ الصِّيغَةُ مَعْنَاهَا رَفْعُهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ وَقَوْلُهَا وَلَمْ يُعْزَمْ عَلَيْنَا مَعْنَاهُ نُهِينَا نَهْيًا شَدِيدًا غَيْرَ مُحَتَّمٍ وَمَعْنَاهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ لَيْسَ بِحَرَامٍ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا نِسْوَةٌ جُلُوسٌ قَالَ مَا تَجْلِسْنَ قُلْنَ نَنْتَظِرُ الْجِنَازَةَ قَالَ هَلْ تُغَسِّلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تَحْمِلْنَ قُلْنَ لَا قَالَ هَلْ تُدْلِينَ فِيمَنْ يُدْلِي قُلْنَ لَا قَالَ فَارْجِعْنَ مَأْزُورَاتٍ غَيْرَ مَأْجُورَاتٍ " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْأَزْرَقِ وَنَقَلَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تَضْعِيفَهُ عَنْ أَعْلَامِ هَذَا الْفَنِّ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَفَاطِمَةَ رضي الله عنها مَا أَخْرَجَك مِنْ بَيْتِك قَالَتْ أَتَيْت أَهْلَ هَذَا الْبَيْتِ فَرَحَّمْتُ إلَيْهِمْ مَيِّتَهُمْ قَالَ لَعَلَّك بَلَغْت مَعَهُمْ الْكُدَى قَالَتْ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ أَكُونَ بَلَغْتهَا وقد سمعتك
تَذْكُرُ فِي ذَلِكَ مَا تَذْكُرُ فَقَالَ لَوْ بَلَغْتِهَا مَعَهُمْ مَا رَأَيْت الْجَنَّةَ حَتَّى يَرَاهَا جَدُّ أَبِيك " فَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ اتِّبَاعِ النِّسَاءِ الْجِنَازَةَ هُوَ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي أُمَامَةَ وَعَائِشَةَ ومسروق والحسن والنخعي والاوزاعي وأحمد وإسحق وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَالزُّهْرِيِّ وَرَبِيعَةَ أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ إلَّا لِلشَّابَّةِ وَحَكَى الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يُكْرَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ وَلَدَهَا أَوْ وَالِدَهَا أَوْ زَوْجَهَا وَكَانَتْ مِمَّنْ يَخْرُجُ مثلها
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ اتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ وَحُضُورِ دَفْنِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَحْصُلُ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهَا قِيرَاطٌ وَبِالدَّفْنِ قِيرَاطٌ آخَرُ وَفِيمَا يَحْصُلُ بِهِ قِيرَاطُ الدَّفْنِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي
(أَحَدُهُمَا)
إذَا وُورِيَ فِي لَحْدِهِ
(وَالثَّانِي)
إذَا فُرِغَ مِنْ قَبْرِهِ قَالَ وَهَذَا أَصَحُّ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إنْ
نُضِّدَ اللَّبِنُ وَلَمْ يُهَلْ التُّرَابُ أَوْ لَمْ يُسْتَكْمَلْ فَقَدْ تَرَدَّدَ فِيهِ بَعْضُ الْأَصْحَابِ قَالَ الْإِمَامُ وَالْوَجْهُ أَنْ يقال إذا وورى حَصَلَ وَقَدْ يُحْتَجُّ لِهَذَا بِرِوَايَةٍ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنْ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ فَقِيرَاطَانِ " وَفِي رِوَايَةٍ " حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ " وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ الْقِيرَاطُ الثَّانِي ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) قَالَ وَهُوَ أَضْعَفُهَا إذَا وُضِعَ فِي اللَّحْدِ (وَالثَّانِي) إذَا نُصِبَ عَلَيْهِ اللَّبِنُ قَالَهُ الْقَفَّالُ (وَالثَّالِثَ) إذَا فُرِغَ مِنْ الدَّفْنِ قُلْت وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِالْفَرَاغِ مِنْ الدَّفْنِ لِرِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَمَنْ تَبِعَهَا حَتَّى يُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَلَهُ قِيرَاطَانِ وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ جبي يُفْرَغَ مِنْهَا أَوْ يَتَأَوَّلُ رِوَايَةَ حَتَّى تُوضَعَ فِي الْقَبْرِ أَنَّ الْمُرَادَ وَضْعُهَا مَعَ الْفَرَاغِ وَتَكُونُ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ قَبْلَ وُصُولِهَا الْقَبْرَ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الِانْصِرَافَ عَنْ الْجِنَازَةِ مَرَاتِبُ (إحْدَاهَا) يَنْصَرِفُ عَقِبَ الصَّلَاةِ (الثَّانِيَةُ) يَنْصَرِفُ عَقِبَ وَضْعِهَا فِي الْقَبْرِ وَسَتْرُهَا بِاللَّبِنِ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ (الثَّالِثَةُ) يَنْصَرِفُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ وَفَرَاغِ الْقَبْرِ (الرَّابِعَةُ) يَمْكُثُ عَقِبَ الْفَرَاغِ وَيَسْتَغْفِرُ لِلْمَيِّتِ وَيَدْعُو لَهُ وَيَسْأَلُ لَهُ التثبيت فالرابعة أكمل المراتب والثالثة تحصل القيراطين وَلَا تُحَصِّلُهُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَيُحَصَّلُ بِالْأُولَى قيراط بلا خلاف * قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ مَا رَكِبَ فِي عِيدٍ وَلَا جِنَازَةٍ غَرِيبٌ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ في الام وأبو داود والترمذي والنسأني وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَكْثَرِهِمْ ذَكَرَ عُثْمَانُ وَهُوَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الشَّافِعِيِّ
وَالنَّسَائِيَّ وَالْبَيْهَقِيِّ وَرُوِيَ هَكَذَا مَوْصُولًا عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ مُرْسَلًا عَنْ الزُّهْرِيِّ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ " وَاَلَّذِي وَصَّلَهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَهُوَ إمَامٌ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد وَابْنُ ماجه الا رواية الوصل وذكره التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ التِّرْمِذِيُّ أَهْلُ الْحَدِيثِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمُرْسَلَ أَصَحَّ ثُمَّ رُوِيَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قَالَ الْمُرْسَلُ فِي ذلك أصح وقال النَّسَائِيُّ وَصْلُهُ خَطَأٌ بَلْ الصَّوَابُ مُرْسَلٌ (وَأَمَّا) الا حاديث الَّتِي جَاءَتْ بِالْمَشْيِ خَلْفَهَا فَلَيْسَتْ ثَابِتَةً قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله الْآثَارُ فِي الْمَشْيِ أَمَامَهَا أَصَحُّ وَأَكْثَرُ (وَقَوْلُهُ) فَرَسٌ مُعْرَوْرًى هُوَ - بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - وَفَتْحِ الرَّاءِ الْأُولَى وَفَتْحِ الثَّانِيَةِ مَنُونَةً هَكَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَكَذَا هُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ بِفَرَسِ عُرًى وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ وَمَنْ حَيْثُ الرِّوَايَةُ وَهَذِهِ الْجِنَازَةُ الَّتِي رَكِبَ فِي الِانْصِرَافِ مِنْهَا جِنَازَةُ أَبِي الدَّحْدَاحِ وَيُقَالُ ابْنُ الدَّحْدَاحِ وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " تَبِعَ جِنَازَةَ ابْنِ الدَّحْدَاحِ رضي الله عنه مَاشِيًا وَرَجَعَ عَلَى فَرَسٍ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ (وَقَوْلُهُ) وَلِأَنَّهُ إذَا بَعُدَ لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَعْنَاهُ أَنَّ الْفَضِيلَةَ لِمَنْ هُوَ مَعَهَا لَا لِمَنْ سَبَقَهَا إلَى الْمَقْبَرَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لَهُ ثَوَابُ مُتَّبِعِيهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهَا وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ " مَنْ تَبِعَ جِنَازَةً وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يفرغ من دفنها رجع بقيراطين "
* أما الا حكام فَقَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله يُكْرَهُ الرُّكُوبُ فِي الذَّهَابِ مَعَ الْجِنَازَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عُذْرٌ كَمَرَضٍ أَوْ ضَعْفٍ وَنَحْوِهِمَا فَلَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالرُّكُوبِ فِي الرُّجُوعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَمْشِيَ قُدَّامَهَا وَأَنْ يَكُونَ قَرِيبًا منها وكل ما قَرُبَ مِنْهَا فَهُوَ أَفْضَلُ وَسَوَاءٌ كَانَ رَاكِبًا أَمْ مَاشِيًا فَالْأَفْضَلُ قُدَّامَهَا وَلَوْ تَقَدَّمَ عَلَيْهَا كَثِيرًا فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُنْسَبُ إلَيْهَا بِأَنْ يَكُونَ التَّابِعُونَ كَثِيرِينَ حَصَلَ لَهُ فَضِيلَةُ اتِّبَاعِهَا وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهَا لِكَثْرَةِ بُعْدِهِ وَانْقِطَاعِهِ عَنْ تَابِعِيهَا لَمْ تَحْصُلْ لَهُ فَضِيلَةُ الْمُتَابَعَةِ وَلَوْ مَشَى خَلْفَهَا حَصَلَ لَهُ فضيلة اصل المتابعة ولكن فانه كما لها
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السَّيْرَ أَمَامَهَا أَفْضَلُ سَوَاءٌ الرَّاكِبُ وَالْمَاشِي وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ بْنُ علي وأبى قتادة وأبي هُرَيْرَةَ
وَابْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَسَالِمٌ وَشُرَيْحٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ خَلْفَهَا أَفْضَلُ وَبِهِ قال الاوزاعي واسحق وَقَالَ الثَّوْرِيُّ يَسِيرُ الرَّاكِبُ خَلْفَهَا وَالْمَاشِي حَيْثُ
شاء منها * قال المصنف رحمه الله
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه صَحِيحٌ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ " قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ينى فِي الْجِنَازَةِ ثُمَّ قَعَدَ " وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَيْضًا " قَامَ فَقُمْنَا وَقَعَدَ فَقَعَدْنَا وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِي بَعْضِهَا كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي بَعْضِهَا كَمَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ بِحُرُوفِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " قَامَ مَعَ الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ وَقَامَ الناس معه وَأَمَرَهُمْ بِالْقُعُودِ " وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه " رَأَى نَاسًا قِيَامًا يَنْتَظِرُونَ الْجِنَازَةَ أَنْ تُوضَعَ فَأَشَارَ إلَيْهِمْ بِدِرَّةٍ مَعَهُ أَوْ سَوْطٍ أَنْ اجْلِسُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ جلس بعدما كَانَ يَقُومُ " وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه فِي سَبَبِ الْقُعُودِ قَالَ " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُومُ فِي الْجِنَازَةِ حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ فَمَرَّ حَبْرٌ مِنْ الْيَهُودِ فَقَالَ هَكَذَا نَفْعَلُ فَجَلَسَ رسول صلى الله عليه وسلم وَقَالَ اجْلِسُوا خَالِفُوهُمْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ
* أَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ثَبَتَتْ الا حاديث الصَّحِيحَةُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَ بِالْقِيَامِ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ حَتَّى تَخْلُفَهُ أَوْ تُوضَعَ وَأَمَرَ مَنْ تَبِعَهَا أَنْ لَا يَقْعُدُ عِنْدَ الْقَبْرِ حَتَّى تُوضَعَ " ثُمَّ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نَسْخِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا هَذَانِ الْقِيَامَانِ مَنْسُوخَانِ فَلَا يُؤْمَرُ أَحَدٌ بِالْقِيَامِ الْيَوْمَ سَوَاءٌ مَرَّتْ بِهِ أَمْ تَبِعَهَا إلَى الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاعَةٌ هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ الْقِيَامُ لَهَا إذَا لَمْ يَرِدْ الْمَشْيَ مَعَهَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِكَرَاهَتِهِ سَلِيمُ الرَّازِيّ فِي الْكِفَايَةِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ الْقِيَامُ لِلْجِنَازَةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ كُلِّهِمْ قَالَ وَحُكِيَ
عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُومُ لَهَا وَخَالَفَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ الْجَمَاعَةَ فَقَالَ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَقُومَ لَهَا وَإِذَا كَانَ مَعَهَا لَا يَقْعُدُ حَتَّى تُوضَعَ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِالْأَمْرِ بِالْقِيَامِ وَلَمْ يَثْبُتْ في القعود شئ إلَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَهُوَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي النَّسْخِ بَلْ لَيْسَ فِيهِ نَسْخٌ لِأَنَّهُ مُحْتَمَلُ الْقُعُودِ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ
* قد ذكرنا ان مَذْهَبَنَا فِي ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُكْرَهُ لَهُ الْقُعُودُ حَتَّى تُوضَعَ الْجِنَازَةُ وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ وَدَاوُد
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يكره للمسلم اتباع جنازة اقاربه من الكفار لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ " أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقلت ان عمك الضال قد مات فقال اذهب فواره " ولا تتبع الجنازة بنار ولا نائحة لما روى عن عمرو بن العاص قال إذا أنامت فلا تصحبني نار ولا نائحة وعن ابى موسى رضى الله عنه انه وصى لا تتبعوني بصارخة ولا بمجمرة ولا تجعلوا بينى وبين الارض شيئا}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَلِيٍّ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ عَمْرِو ابن الْعَاصِ رضي الله عنه رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي جُمْلَةِ حَدِيثٍ طَوِيلٍ فِيهِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَيُقَالُ مِتُّ - بِضَمِّ الْمِيمِ وكسرها - لغتان فصيحتان.
أما الا حكام فَفِيهَا مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ لَا يُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ اتِّبَاعُ جِنَازَةِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ (الثَّانِيَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يُكْرَهُ أَنْ تُتْبَعَ الْجِنَازَةُ بنار قال ابن الصباغ وغيره المراد انه يُكْرَهَ الْبَخُورُ فِي الْمِجْمَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهَا إلَى الْقَبْرِ وَلَا خِلَافَ فِي كَرَاهَتِهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى كَرَاهَتِهِ قَالَ وَمِمَّنْ نُقِلَ عَنْهُ ذلك عمر وأبو هريرة وعبد الله ابن مُغَفَّلٍ وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَعَائِشَةُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ
وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُمْ أَوْصَوْا أَنْ لَا يُتْبَعُوا بِنَارٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنَّمَا كَرِهَ لِلنَّصِّ وَلِأَنَّهُ تَفَاءَلَ بِذَلِكَ فَأْلَ السَّوْءِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الِاتِّبَاعِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ الشَّيْخُ نَصْرٌ لَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ مَعَ الْجِنَازَةِ الْمَجَامِرُ وَالنَّارُ فَإِنْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ لَا يَجُوزُ كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ فَهُوَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ أَرَادَ التَّحْرِيمَ فَشَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ مِجْمَرَةٌ حَالَ الدَّفْنِ (وَأَمَّا) اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ بِنَائِحَةٍ فَحَرَامٌ فَإِنَّ النَّوْحَ حَرَامٌ مُطْلَقًا وَسَنُوَضِّحُهُ فِي بَابِ التَّعْزِيَةِ حَيْثُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
قَالَ البنذنيجي رحمه الله يُسْتَحَبُّ لِمَنْ مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا وَيُسْتَحَبُّ الثَّنَاءُ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ أَهْلًا لِذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ مَنْ رَآهَا سُبْحَانَ اللَّهِ الَّذِي لَا يَمُوتُ أَوْ سبحان الملك القدوس * قال المصنف رحمه الله
* {دفن الميت فرض علي الكفاية لان في تركه علي وجه الارض هتكا لحرمته ويتأذى الناس من رائحته والدفن في المقبرة أَفْضَلُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يدفن الموتى بالبقيع ولانه يكثر الدعاء له ممن يزوره.
ويجوز الدفن في البيت لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ في حجرة عائشة رضى الله عنها فان قال بعض الورثة يدفن في المقابر وقال بعضهم في البيت دفن في المقبرة لان له حقا في البيت فلا يجوز اسقاطه ويستحب ان يدفن في أفضل مقبرة لان عمر رضي الله عنه
استأذن عائشة رضى الله عنها ان يدفن مع صاحبيه ويستحب ان يجمع الاقارب في موضع واحد لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال نعلم علي قبر أخي لادفن إليه من مات " وان تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقوله صلى الله عليه وسلم مني مناخ من سبق فان استويا في السبق أقرع بينهما}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الدَّفْنِ بِالْبَقِيعِ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَدْفَنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَحَدِيثُ دَفْنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ صَحِيحٌ مُتَوَاتِرٌ وَحَدِيثُ اسْتِئْذَانِ عُمَرَ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَاحِبَاهُ هُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو
بَكْرٍ رضي الله عنه وَحَدِيثُ مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ الدَّارِمِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ جَيِّدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمِنًى الْمَوْضِعُ الْمَعْرُوفُ يُنَوَّنُ وَلَا يُنَوَّنُ وَالْمُنَاخُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَحَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ رضي الله عنه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبِ - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَفَتْحِ الطَّاءِ - وَهُوَ مِنْ التَّابِعِينَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَخَذَ الْحَجَرَ وَجَعَلَهُ عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَهُوَ مُسْنَدٌ لَا مُرْسَلٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ عَنْ صَحَابِيٍّ وَالصَّحَابَةُ رضي الله عنهم كُلُّهُمْ عُدُولٌ لَا تَضُرُّ الْجَهَالَةُ بِأَعْيَانِهِمْ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ رحمه الله عَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ قَبْرَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ بِصَخْرَةٍ (وَقَوْلُهُ) عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ بِالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ (وَقَوْلُهُ) وَقَالَ نُعْلِمُ عَلَى قَبْرِ أَخِي هُوَ - بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ - مِنْ الْإِعْلَامِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ الْعَلَامَةِ وَقَوْلُهُ لِأَدْفِنَ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ كَذَا وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ وَاَلَّذِي في كتب الحديث لا دفن إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) دَفْنُ الْمَيِّتِ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إذَا تَعَطَّلَ أَثِمَ بِهِ كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ دُونَ غَيْرِهِمْ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رحمه الله فِي أَوَّلِ بَابِ غُسْلِ الْمَيِّتِ قال الشافعي رحمه الله لوان رُفْقَةً فِي سَفَرٍ مَاتَ أَحَدُهُمْ فَلَمْ يَدْفِنُوهُ نظران كان ذلك في طريق أهل تخترقه المارة أو بقرب قرية للمسلمين فقد أساؤا تَرْكَ الدَّفْنِ وَعَلَى مَنْ بِقُرْبِهِ دَفْنُهُ قَالَ وَإِنْ تَرَكُوهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَمُرُّ بِهِ أَحَدٌ أَثِمُوا وَعَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يُعَاقِبَهُمْ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونُوا فِي مَخَافَةٍ مِنْ عَدُوٍّ يَخَافُونَ إنْ اشْتَغَلُوا بِالْمَيِّتِ اصْطَلَمُوا فَاَلَّذِي يُخْتَارُ أَنْ يُوَارُوهُ مَا أمكنهم فان تركوه لم يأثم ولانه مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله وَلَوْ أَنَّ مُجْتَازِينَ مَرُّوا عَلَى مَيِّتٍ بِصَحْرَاءَ لَزِمَهُمْ الْقِيَامُ بِهِ رَجُلًا كَانَ أَوْ امْرَأَةً فَإِنْ تركوه أثمو اثم يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ بِثِيَابِهِ لَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرُ غُسْلٍ وَلَا كَفَنٍ لَزِمَهُمْ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفَنُوهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أثر غسل وحنوط وكفن دفنوه فان اختار والصلاة عَلَيْهِ صَلُّوا بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ صُلِّيَ عَلَيْهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ صَاحِبِ الْحَاوِي رحمه الله (الثَّانِيَةُ) يَجُوزُ الدَّفْنُ فِي الْبَيْتِ
وفى المقبرة والمقبرة أفضل بالا تفاق وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ وَفِي مَعْنَى الْبَيْتِ الْبُسْتَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ
الَّتِي لَيْسَتْ فِيهَا مَقَابِرُ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ قُلْتُمْ الدَّفْنَ فِي الْمَقْبَرَةِ أَفْضَلُ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا دُفِنَ فِي الْبَيْتِ (فَالْجَوَابُ) مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ (أَشْهُرُهَا) وَهُوَ جَوَابُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ أَصْحَابَهُ فِي الْمَقْبَرَةِ فَكَانَ الِاقْتِدَاءُ بِفِعْلِهِ أَوْلَى.
وَإِنَّمَا دُفِنَ هُوَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحُجْرَةِ لِأَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَدْفَنِهِ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا قَبَضَ اللَّهُ نَبِيًّا إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهِ فَادْفِنُوهُ فِي مَوْضِعِ فِرَاشِهِ وَلِأَنَّهُمْ خَصُّوهُ بِالْحُجْرَةِ لِكَثْرَةِ زَائِرِيهِ وَقَاصِدِيهِ لِيُخِفَّ عَلَيْهِمْ بقربه (الثاني) أجاب به المتولي أنهم مِنْ دَفْنِهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ التَّنَازُعُ وَالتَّنَافُسُ فِيهِ فَيَطْلُبُهُ كُلُّ قَبِيلَةٍ لِيُدْفَنَ عِنْدَهُمْ (الثَّالِثُ) ذَكَرَهُ الْمُتَوَلِّي أَيْضًا وَهُوَ أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ صِيَانَةً لِقَبْرِهِ لِئَلَّا يَزْدَحِمَ النَّاسُ عَلَيْهِ وَيَنْتَهِكُوهُ وَهَذَا الْجَوَابُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الِازْدِحَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَكْثَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ قَالَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ يُدْفَنُ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ دُفِنَ فِي الْمَقْبَرَةِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَوْ بَادَرَ أَحَدُهُمْ وَدَفَنَهُ فِي بَيْتِ الْمَيِّتِ قَالَ أَصْحَابُنَا كَانَ لِلْبَاقِينَ نَقْلُهُ لَكِنْ يُكْرَهُ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ يُدْفَنُ فِي مِلْكِي لَمْ يَلْزَمْ الْبَاقِينَ قَبُولُهُ لِأَنَّ عَلَيْهِمْ مِنَّةً فَلَوْ بَادَرَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَدَفَنَهُ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ أَوْ كَفَّنَهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ لَمْ يَذْكُرْهُ الْأَصْحَابُ قَالَ وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يُنْقَلُ وَلَا يُنْزَعُ كَفَنُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي تَبَعِيَّتِهِ إسْقَاطُ حَقِّ أَحَدٍ وَفِي نَقْلِهِ هَتْكُ حُرْمَتِهِ وَهَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ جَزَمَ بِهِ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى دَفْنِهِ فِي مِلْكِ الْمَيِّتِ ثُمَّ بَاعَتْهُ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي نَقْلُهُ وَلَهُ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ إنْ كَانَ جَاهِلًا بِدَفْنِهِ ثُمَّ إذَا بَلِيَ أَوْ اتَّفَقَ نَقْلُهُ فَهَلْ يَكُونُ الْمَدْفُونُ لِلْبَائِعَيْنِ أَمْ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَغَيْرُهُ سَيَأْتِي نَظَائِرُهُمَا فِي الْبَيْعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (مِنْهَا) لَوْ بَاعَ شَجَرَةً أَوْ بستانها وَاسْتَثْنَى مِنْهُ شَجَرَةً بِعَيْنِهَا ثُمَّ قَلَعَهَا فَهَلْ يَبْقَى الْغَرْسُ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ أَمْ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ وَجْهَانِ يُعَبَّرُ عَنْهُمَا بِأَنَّهُ هَلْ تَتْبَعُ الشَّجَرَةُ (أَصَحُّهُمَا) لَا تَتْبَعُهَا (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَأَصْحَابُنَا رحمهم الله يُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْمَعَ الْأَقَارِبُ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَقْبَرَةِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَبُ إلَى الْقِبْلَةِ ثُمَّ الْأَسَنُّ فَالْأَسَنُّ.
(الْخَامِسَةُ) لَوْ سَبَقَ اثْنَانِ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ وَتَشَاحَّا فِي مَكَان قُدِّمَ الْأَسْبَقُ فَإِنْ اسْتَوَيَا فِي السَّبْقِ
قُدِّمَ بِالْقُرْعَةِ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَجَمِيعُ الْأَصْحَابِ يُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ فِي أَفْضَلِ مَقْبَرَةٍ فِي الْبَلَدِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الرَّحْمَةِ قَالُوا وَمِنْ ذَلِكَ المقابر المذكورة بالخير ودفن الصالحين فيها
* قال المصنف رحمة الله
* {ولا يدفن ميت في موضع ميت الا ان يعلم انه قد بلى ولم يبق منه شئ ويرجع فيه الي اهل الخبرة
بتلك الارض ولا يدفن في قبر واحد اثنان لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يدفن في كل قبر الا واحدا فان دعت إلى ذلك ضرورة جاز لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يجمع الاثنين من قتلي احد في ثوب واحد ثم يقول " ايهما كان اكثر اخذا للقرآن فإذا اشير الي احدهما قدمه الي اللحد " وان دعت ضرورة ان يدفن مع امراة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل امامها اعتبارا بحال الحياة} .
{الشَّرْحُ} قَوْلُهُ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَدْفِنْ فِي كُلِّ قَبْرٍ إلَّا وَاحِدًا هَذَا صَحِيحٌ مَعْرُوفٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ الِاثْنَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ إلَى آخِرِهِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله مِنْ رِوَايَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ (إحْدَاهُمَا) لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ مَيِّتٌ فِي مَوْضِعِ مَيِّتٍ حَتَّى يبلي الاول بحيث لا يبقى منه شئ لالحم وَلَا عَظْمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ دَفْنِ مَيِّتٍ عَلَى مَيِّتٍ هُوَ مَنْعُ تَحْرِيمٍ صَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُنَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِتَحْرِيمِهِ (1)(وَأَمَّا) قَوْلُ الرَّافِعِيِّ رحمه الله الْمُسْتَحَبُّ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ أَنْ يُدْفَنَ كُلُّ إنْسَانٍ فِي قَبْرٍ فَمُتَأَوَّلٌ عَلَى مُوَافَقَةِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيُسْتَدَامُ الْمَنْعُ مَهْمَا بَقِيَ مِنْ الميت شئ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَظْمٍ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بهذا في قوله ولم يبق منه شئ.
فَأَمَّا إذَا بَلِيَ وَلَمْ يَبْقَ عَظْمٌ بَلْ انْمَحَقَ جِسْمُهُ وَعَظْمُهُ وَصَارَ تُرَابًا فَيَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ الدَّفْنُ فِي مَوْضِعِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ رحمهم الله وَلَا يَجُوزُ بَعْدَ الْبِلَى أَنْ يُسَوَّى عَلَيْهِ التُّرَابُ وَيَعْمُرُ عِمَارَةَ قَبْرٍ جَدِيدٍ إنْ كَانَ فِي مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ لِأَنَّهُ يُوهِمُ النَّاسَ أَنَّهُ جَدِيدٌ فَيَمْتَنِعُونَ مِنْ الدَّفْنِ فِيهِ بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُ
خَرَابًا لِيُدْفَنَ فِيهِ مَنْ أَرَادَ الدَّفْنَ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَالرُّجُوعُ فِي مُدَّةِ الْبِلَى إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ النَّاحِيَةِ وَالْمَقْبَرَةِ قَالُوا فَلَوْ حَفَرَهُ فَوَجَدَ فِيهِ عظام الميت عاد الْقَبْرَ وَلَمْ يُتْمِمْ حَفْرَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فَلَوْ فَرَغَ من القبر وظهر فيه شئ مِنْ الْعِظَامِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُجْعَلَ فِي جَنْبِ الْقَبْرِ وَيُدْفَنَ الثَّانِي مَعَهُ وَكَذَا لَوْ دَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى دَفْنِ الثَّانِي مَعَ الْعِظَامِ دُفِنَ مَعَهَا (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ رَجُلَانِ وَلَا امْرَأَتَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَهَكَذَا صَرَّحَ السَّرَخْسِيُّ بِأَنَّهُ لا يجوز وعبارة الا كثرين لَا يُدْفَنُ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ كَعِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَرَّحَ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُدْفَنَ اثْنَانِ فِي قَبْرٍ.
أَمَّا إذَا حَصَلَتْ ضَرُورَةٌ بِأَنْ كَثُرَ الْقَتْلَى أَوْ الْمَوْتَى فِي وَبَاءٍ أَوْ هَدْمٍ وَغَرَقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ وَعَسُرَ دَفْنُ كُلِّ وَاحِدٍ فِي قَبْرٍ فَيَجُوزُ دَفْنُ الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَأَكْثَرَ فِي قَبْرٍ بِحَسَبِ الضَّرُورَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحِينَئِذٍ يُقَدَّمُ فِي الْقَبْرِ أَفْضَلُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ فَلَوْ اجْتَمَعَ رَجُلٌ وَصَبِيٌّ وَامْرَأَةٌ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ الرَّجُلَ ثُمَّ الصَّبِيَّ ثُمَّ الْخُنْثَى ثُمَّ الْمَرْأَةَ قَالَ
أَصْحَابُنَا وَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ وَإِنْ كَانَ الابن أفضل الحرمة الْأُبُوَّةِ وَتُقَدَّمُ الْأُمُّ عَلَى الْبِنْتِ وَلَا يَجُوزُ الجمع بين المرأة والرجل في قبر الاعند تَأَكُّدِ الضَّرُورَةِ وَيُجْعَلُ حِينَئِذٍ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ لِيَحْجِزَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ وَيُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الرَّجُلُ وان كان ابناء وَإِذَا دُفِنَ رَجُلَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ فِي قَبْرٍ لِضَرُورَةٍ فَهَلْ يُجْعَلُ بَيْنَهُمَا تُرَابٌ فِيهِ وَجْهَانِ (أصحهما) وبه قطع جماهير العراقين وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ يُجْعَلُ (وَالثَّانِي) لَا يُجْعَلُ وَبِهَذَا قَطَعَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَلَوْ مَاتَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِهِ وَأَمْكَنَهُ دَفْنُهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنْ خَشَى تَغَيُّرَ أَحَدِهِمْ بَدَأَ بِهِ ثُمَّ بِمَنْ يَخْشَى تَغَيُّرَهُ بَعْدَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْشَ تَغَيُّرَ أَحَدٍ بَدَأَ بِأَبِيهِ ثُمَّ أُمِّهِ ثُمَّ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ فَإِنْ كَانَا أَخَوَيْنِ قُدِّمَ أَكْبَرُهُمَا فَإِنْ اسْتَوَيَا أَوْ كَانَتَا زَوْجَتَيْنِ أَقْرَعَ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {ولا يدفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار}
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله عَلَى أَنَّهُ لَا يُدْفَنُ مُسْلِمٌ فِي مَقْبَرَةِ كُفَّارٍ وَلَا كَافِرٌ فِي مَقْبَرَةِ مُسْلِمِينَ وَلَوْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ بِمُسْلِمٍ وَمَاتَ جَنِينُهَا فِي جَوْفِهَا فَفِيهِ أَوْجُهٌ (الصَّحِيحُ)
أَنَّهَا تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ وَيَكُونُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ لِأَنَّ وَجْهَ الْجَنِينِ إلَى ظَهْرِ أُمِّهِ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي حُكِيَ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا لِيَتَوَلَّوْا غُسْلَهَا وَدَفْنَهَا قَالَ وَحُكِيَ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهَا تُدْفَنُ بَيْنَ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَكَذَا إذَا اخْتَلَطَ موت الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ قَالَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ نَصْرَانِيَّةً مَاتَتْ وَفِي جَوْفِهَا مُسْلِمٌ فَأَمَرَ بِدَفْنِهَا فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَهَذَا الْأَثَرُ الَّذِي حَكَاهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وروى البيهقى عن وائلة بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه أَنَّهُ دَفَنَ نَصْرَانِيَّةً فِي بَطْنِهَا مُسْلِمٌ فِي مَقْبَرَةٍ لَيْسَتْ مَقْبَرَةَ النَّصَارَى وَلَا الْمُسْلِمِينَ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَكَأَنَّهَا صُنْدُوقٌ لِلْجَنِينِ.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهَا تُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَقَطَعَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ بِأَنَّهَا تُدْفَنُ عَلَى طَرْفِ مَقَابِرِ المسلمين وهذا حسن والله أعلم.
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله إذَا مَاتَ مُسْلِمٌ فِي الْبَحْرِ وَمَعَهُ رُفْقَةٌ فَإِنْ كَانَ بِقُرْبِ السَّاحِلِ وَأَمْكَنَهُمْ الْخُرُوجُ بِهِ إلَى السَّاحِلِ وَجَبَ عَلَيْهِمْ الْخُرُوجُ بِهِ وَغَسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَدَفْنُهُ قَالُوا فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُمْ لِبُعْدِهِمْ مِنْ السَّاحِلِ أَوْ لِخَوْفِ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ الدَّفْنُ فِي الساحل بل
يَجِبُ غُسْلُهُ وَتَكْفِينُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ ثُمَّ يُجْعَلُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَيُلْقَى فِي الْبَحْرِ لِيُلْقِيَهُ إلَى السَّاحِلِ فَلَعَلَّهُ يُصَادِفُهُ مَنْ يَدْفِنُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَجْعَلُوهُ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَيُلْقُوهُ إلَى السَّاحِلِ بَلْ أَلْقَوْهُ فِي الْبَحْرِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُمْ هَذَا لَفْظُهُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ لَمْ يَأْثَمُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ رَجَوْت أَنْ يَسَعَهُمْ فَإِنْ كَانَ أَهْلُ السَّاحِلِ كُفَّارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ جُعِلَ بَيْنَ لَوْحَيْنِ وَأُلْقِيَ فِي البحر وقال المزني رحمه الله يثقل بشئ لِيَنْزِلَ إلَى
أَسْفَلِ الْبَحْرِ لِئَلَّا يَأْخُذَهُ الْكُفَّارُ فَيُغَيِّرُوا سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ قَالَ الْمُزَنِيّ إنَّمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يُلْقَى إلَى السَّاحِلِ إذَا كَانَ أَهْلُ الْجَزَائِرِ مُسْلِمِينَ أَمَّا إذَا كَانُوا كفارا فيثقل بشئ حَتَّى يَنْزِلَ إلَى الْقَرَارِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَاَلَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ مِنْ الْإِلْقَاءِ إلَى السَّاحِلِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَجِدَهُ مُسْلِمٌ فَيَدْفِنُهُ إلى القبلة واما على قول المزني فيتيقين تَرْكُ دَفْنِهِ بَلْ يُلْقِيهِ لِلْحِيتَانِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَابْنُ الصَّبَّاغِ إنَّ الْمُزَنِيَّ ذَكَرَ مَذْهَبَهُ هَذَا فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ وَأَنْكَرَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ عَلَى الْأَصْحَابِ نَقْلَهُمْ هَذَا عَنْ الْمُزَنِيِّ وَقَالَ طَلَبْت هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ فَوَجَدْتهَا عَلَى مَا قاله الشافعي في الام وذكر صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ فَكَأَنَّهُمَا اخْتَارَا مَذْهَبَ الْمُزَنِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رضي الله عنهما رَكِبَ الْبَحْرَ فَمَاتَ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ جَزِيرَةً إلَّا بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ فدفنوه فيها ولم يتغير * قال المصنف رحمه الله
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ " أَوْسِعْ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَأَوْسِعْ من قبل رجله " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ مِنْ سُنَنِهِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْجَنَائِزِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ تَابِعِيٌّ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الصَّحَابَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ " احْفِرُوا وَأَوْسِعُوا وَأَعْمِقُوا " قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ " اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا " فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ الْأَعْلَى بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَإِسْنَادُهُ أَيْضًا ضَعِيفٌ وَفِي رواية لاحمد في حديث جرير
" والشق لا هل الْكِتَابِ " وَيُغْنِي عَنْهُ حَدِيثُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ فِي مرضه الذى مات فيه " الحدوالي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَى اللَّبِنِ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لَحَدْت لِلْمَيِّتِ وَأَلْحَدْت لَهُ لُغَتَانِ وَفِي اللَّحْدِ لغتان - فتح اللام وضمها - وهو يُحْفَرَ فِي حَائِطٍ مِنْ أَسْفَلِهِ إلَى نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ قَدْرَ مَا يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهِ وَيَسْتُرُهُ وَالشَّقُّ - بِفَتْحِ الشِّينِ - أَنْ يُحْفَرَ إلَى أَسْفَلَ كَالنَّهْرِ وَقَوْلُهُ يُعَمَّقُ هُوَ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَقَوْلُهُ رِخْوَةً - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا - وَالْكَسْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ لِحَدِيثِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ عُمْقُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ إلَّا وَجْهًا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ قَامَةٌ بِلَا بَسْطَةٍ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَمَعْنَى الْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ أَنْ يَقِفَ فِيهِ رَجُلٌ مُعْتَدِلُ الْقَامَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى فَوْقِ رَأْسِهِ مَا أَمْكَنَهُ وَقَدَّرَ أَصْحَابُنَا الْقَامَةَ وَالْبَسْطَةَ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي قَدْرِهِمَا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِي مُصَنَّفَاتِهِمْ وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ بِأَنَّهُمَا ثَلَاثُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ وَبِهَذَا جَزَمَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ وَعَجَبٌ مِنْ جَزْمِ الرَّافِعِيِّ بِهِ وَإِعْرَاضِهِ عَمَّا جَزَمَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ وَمِمَّنْ جَزَمَ بِأَرْبَعِ أَذْرُعٍ وَنِصْفٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْبَاقُونَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ صَاحِبَ الْبَيَانِ نَقَلَهُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حامد والاصحاب لا ستحباب تَعْمِيقِهِ ثَلَاثَ فَوَائِدَ أَنْ لَا يَنْبُشَهُ سَبُعٌ وَلَا تَظْهَرُ رَائِحَتُهُ وَأَنْ يَتَعَذَّرَ أَوْ يَتَعَسَّرَ نَبْشُهُ عَلَى مَنْ يُرِيدُ سَرِقَةَ كَفَنِهِ وَأَمَّا أَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الدَّفْنِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ رحمهم الله أَقَلُّهُ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَةَ الْمَيِّتِ وَيَعْسُرُ عَلَى السِّبَاعِ غَالِبًا نَبْشُهُ وَالْوُصُولُ إلَى الْمَيِّتِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسَّعَ الْقَبْرُ مِنْ قِبَلِ رِجْلَيْهِ وَرَأْسِهِ (الثَّالِثَةُ) أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الدَّفْنَ فِي اللَّحْدِ وَفِي الشَّقِّ جَائِزَانِ لَكِنْ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ صُلْبَةً لَا يَنْهَارُ تُرَابُهَا فَاللَّحْدُ أَفْضَلُ لِمَا سَبَقَ مِنْ الْأَدِلَّةِ وَإِنْ كَانَتْ رِخْوَةً تَنْهَارُ فَالشَّقُّ أَفْضَلُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا فَإِنْ اخْتَارَ الشَّقَّ حَفَرَ حَفِيرَةً كَالنَّهْرِ وَبَنَى جَانِبَيْهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا شَقًّا يُوضَعُ فِيهِ الْمَيِّتُ وَيَسْقُفُ عَلَيْهِ بِاللَّبِنِ أَوْ الْخَشَبِ أَوْ غَيْرِهِمَا وَيُرْفَعُ السَّقْفُ قَلِيلًا
بِحَيْثُ لَا يَمَسُّ الْمَيِّتَ وَيُجْعَلُ فِي شُقُوقِهِ قِطَعُ اللَّبِنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَرَأَيْتهمْ عِنْدَنَا يَعْنِي فِي مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ يَضَعُونَ عَلَى السَّقْفِ الْإِذْخِرَ ثُمَّ يَضَعُونَ عَلَيْهِ التُّرَابَ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ صِفَةِ الشَّقِّ وَاللَّحْدِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي لِمَا بَعْدَ هَذَا وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ يَكْرَهُ أَنْ يُدْفَنَ الميت في تابوت إلا إذا كانت رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً قَالُوا وَلَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِهِ إلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْحَالِ قَالُوا وَيَكُونُ التَّابُوتُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ التَّابُوتِ مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ
الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَأَظُنُّهُ إجْمَاعًا قَالَ الْعَبْدَرِيُّ رحمه الله لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا يَعْنِي لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَعْمِيقِ الْقَبْرِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ تَعْمِيقِهِ قَامَةً وبسطة وحكاه ابن المنذر عن عمر ابن الخطاب وعن عمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالَا يُعَمَّقُ إلَى السُّرَّةِ قَالَ وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ رحمه الله أَنَّهُ لَا يُعَمَّقُ جِدًّا وَلَا يَقْرُبُ مِنْ أَعْلَاهُ والله أعلم
*
* قال المصف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دفنه علي والعباس واسامة رضى الله عنهم هذا الحديث رواه
أبو داود والبيهقي وغير هما وَأَسَانِيدُهُ مُخْتَلِفَةٌ فِيهَا ضَعْفٌ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد ذِكْرُ الْعَبَّاسِ وَإِنَّمَا فِيهَا عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وَأُسَامَةُ وَأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ دَخَلَ مَعَهُمْ وَصَارُوا أَرْبَعَةً وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ وَلِيَ دَفْنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْبَعَةٌ عَلِيٌّ وَالْعَبَّاسُ وَالْفَضْلُ وَصَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانُوا أَرْبَعَةً عَلِيٌّ وَالْفَضْلُ وقثم ابن الْعَبَّاسِ وَشُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَزَلَ مَعَهُمْ خَامِسٌ وَكَانُوا خَمْسَةً وَشُقْرَانُ - بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ - وَإِسْكَانِ الْقَافِ هُوَ صَالِحٌ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَقَبُهُ شُقْرَانُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَتْرِ قَبْرِ سعد ابن مُعَاذٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْعَبَّاسِ رضى الله عنهم باسناد ضعيف
* أما الا حكام ففيها مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله الْأَوْلَى أَنَّ يَتَوَلَّى الدَّفْنَ الرِّجَالُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَهَذَا لَا خِلَافَ فيه وعللوه بعلتين (احداها) الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ أَنَّ الرِّجَالَ أَقْوَى وَأَشَدُّ بَطْشًا (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ تَوَلَّتْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى انْكِشَافِ بَعْضِ بَدَنِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَيَتَوَلَّى النِّسَاءُ حَمْلَ الْمَرْأَةِ مِنْ الْمُغْتَسَلِ إلَى الْجِنَازَةِ وَتَسْلِيمَهَا إلَى مَنْ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُنَّ يَقْدِرْنَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ وَكَذَلِكَ يَتَوَلَّى النِّسَاءُ حَلَّ ثِيَابِهَا فِي الْقَبْرِ
قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِ الصَّيْدَلَانِيِّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ عَجِيبٌ وَلَيْسَ قَوْلُ الصَّيْدَلَانِيِّ مُنْكَرًا بَلْ هُوَ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الدَّفْنِ فَقَالَ وَسَتْرُ الْمَرْأَةِ إذَا أُدْخِلَتْ قَبْرَهَا آكَدُ مِنْ سَتْرِ الرَّجُلِ وَتُسَلُّ كَمَا يُسَلُّ الرَّجُلُ قَالَ وَإِنْ وَلِيَ إخْرَاجَهَا من مغتسلها وحل عقد ثباب إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا وَتَعَاهَدَهَا النِّسَاءُ فَحَسَنٌ وَإِنْ وَلِيَهُ الرِّجَالُ فَلَا بَأْسَ هَذَا نَصُّهُ وَقَدْ جَزَمَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَحَكَوْا اسْتِحْبَابَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ فِي كَوْنِ الرِّجَالِ هُمْ الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الدَّفْنَ وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " شَهِدْنَا بِنْتَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ عَلَى الْقَبْرِ فَقَالَ مِنْكُمْ رَجُلٌ لَمْ يُقَارِفْ اللَّيْلَةَ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه أَنَا قَالَ فَانْزِلْ فَنَزَلَ فِي قَبْرِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله قبل مَعْنَاهُ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ أَيْ لَمْ يُجَامِعْ وَقِيلَ لَمْ يُقَارِفْ ذَنْبًا ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابن المبارك عَنْ فُلَيْحٍ
وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّ رُقَيَّةَ لَمَّا مَاتَتْ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " لَا يَدْخُلْ الْقَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ اللَّيْلَةَ أَهْلَهُ فَلَمْ يَدْخُلْ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْقَبْرَ " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ رضي الله عنه أَجْنَبِيٌّ مِنْ بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَكِنَّهُ كَانَ مِنْ صَالِحِي الْحَاضِرِينَ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا هُنَاكَ رَجُلٌ مَحْرَمٌ إلَّا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَعَلَّهُ كان له عذر في نزول
قَبْرِهَا وَكَذَا زَوْجُهَا وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا كَانَتْ أُخْتُهَا فَاطِمَةُ وَغَيْرُهَا مِنْ مَحَارِمِهَا وَغَيْرُهُنَّ هُنَاكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلنِّسَاءِ فِي إدْخَالِ الْقَبْرِ وَالدَّفْنِ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا أَوْلَى الرجل بِالدَّفْنِ أَوْلَاهُمْ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ حَيْثُ الدَّرَجَةُ وَالْقُرْبُ لَا مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ لِأَنَّ الترحيج بِالصِّفَاتِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مُخَالِفٌ لِلتَّرْجِيحِ بِهَا فِي الدَّفْنِ لِأَنَّ الْأَسَنَّ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَفْقَهِ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَفْقَهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَسَنِّ فِي الدَّفْنِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِمَّا أَنُكِرَ عَلَى الْمُصَنِّفِ وَعَدَّهَا صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْمُصَنِّفَ أَطْلَقَ أَنَّ مَنْ قُدِّمَ فِي الصَّلَاةِ قُدِّمَ فِي الدَّفْنِ وَالْأَسَنُّ مُقَدَّمٌ فِي الصلاة علي الافقه وهو في الدفن وعكسه وَالْمُخْتَارُ أَنَّهَا لَا تُعَدُّ مُشْكِلَةً وَلَا عَتْبَ عَلَى الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ مُرَادَهُ التَّرْتِيبُ فِي الدَّرَجَاتِ لَا بَيَانُ الصِّفَاتِ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ ثُمَّ الْجَدُّ ثُمَّ أَبُ الْأَبِ ثُمَّ آبَاؤُهُ ثُمَّ الِابْنُ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ الْأَخُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ الْعَمُّ وَهَلْ يُقَدَّمُ مَنْ يُدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مُدْلٍ بِالْأَبِ فِيهِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنْ اسْتَوَى اثْنَانِ فِي دَرَجَةٍ قُدِّمَ أَفْقَهُهُمَا وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَسَنَّ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْأَفْقَهِ هُنَا أَعْلَمُهُمْ بِإِدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ لَا أَعْلَمُهُمْ بِأَحْكَامِ الشَّرْعِ جُمْلَةً قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ كَانَ لَهُ قَرِيبَانِ أَحَدُهُمَا أَقْرَبُ وَلَيْسَ بِفَقِيهٍ وَالْآخَرُ بَعِيدٌ وَهُوَ فَقِيهٌ قُدِّمَ الْفَقِيهُ لِأَنَّهُ يُحْتَاجُ إلَى الْفِقْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ امْرَأَةً لَهَا زوح صَالِحٌ لِلدَّفْنِ فَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْأَبِ وَالِابْنِ وَسَائِرِ الْأَقَارِبِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وَجْهَيْنِ (أَحَدَهُمَا) هَذَا (وَالثَّانِي) أَنَّ الْأَبَ يُقَدَّمُ عَلَيْهِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي غُسْلِهَا وَتَعْلِيلُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي التَّعْلِيلِ يُشِيرُ إلَى مُوَافَقَةِ صَاحِبِ الْحَاوِي فِي جَرَيَانِ وَجْهٍ فِي الْمَسْأَلَةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ فِي التَّنْبِيهِ مُصَرِّحٌ
أَوْ كَالْمُصَرِّحِ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ في الدفن والاوفي أَنْ يَتَوَلَّى ذَلِكَ مَنْ يَتَوَلَّى غُسْلَهُ لَكِنْ عَلَيْهِ إنْكَارٌ فِي إطْلَاقِهِ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي دُخُولَ النِّسَاءِ فِي دَفْنِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهُنَّ أَحَقُّ بِغُسْلِهَا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُنَّ لَا حَقَّ لَهُنَّ فِي الدَّفْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَحْرَمٌ لَهَا مِنْ الْعَصَبَاتِ تَوَلَّى دَفْنَهَا مَحَارِمُهَا مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَأَبِي الْأُمِّ وَالْخَالِ وَالْعَمِّ لِلْأُمِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَعَبْدُهَا هَذَا إذَا قُلْنَا بِالْأَصَحِّ الْمَنْصُوصِ إنَّ الْعَبْدَ كَالْمَحْرَمِ فِي جَوَازِ النَّظَرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَتَعْلِيلُهُ وَتَعْلِيلُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَالْأَجْنَبِيِّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عبد فالحصيان الاجانب أولي لضعف شهوتهم فان فقدوا فذووا الْأَرْحَامِ الَّذِينَ لَيْسُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ فَإِنْ فُقِدُوا فَأَهْلُ الصَّلَاحِ مِنْ الْأَجَانِبِ قَالَ إمَامُ الحرمين رحمه الله وما أرى تَقْدِيمَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مَحْتُومًا بِخِلَافِ الْمَحَارِمِ لِأَنَّهُمْ كَالْأَجَانِبِ فِي وُجُوبِ الِاحْتِجَابِ عَنْهُمْ وَمَنْعِهِمْ مِنْ النَّظَرِ وَشَذَّ صَاحِبُ الْعُمْدَةِ أَبُو الْمَكَارِمِ فَقَدَّمَ نِسَاءَ الْقَرَابَةِ عَلَى الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ
وَلِمَا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ بَلْ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْمَذْكُورِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) يُسْتَحَبُّ كَوْنُ الدَّافِنِينَ وِتْرًا فَإِنْ حَصَلَتْ الْكِفَايَةُ بِوَاحِدٍ وَإِلَّا فَثَلَاثَةٍ وَإِلَّا فَخَمْسَةٍ إنْ أَمْكَنَ وَاحْتِيجَ إلَيْهِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُسَجَّى الْقَبْرُ بِثَوْبٍ عِنْدَ الدَّفْنِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ رَجُلًا أو امرأة هذا هو الشمهور الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَالْمَرْأَةُ آكَدُ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّ الِاسْتِحْبَابَ مُخْتَصٌّ بِالْمَرْأَةِ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ عَبْدَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَاحْتَجُّوا لِلْمَذْهَبِ بِالْحَدِيثِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَلِأَنَّهُ أَسْتَر فَرُبَّمَا ظَهَرَ مَا يستحب اخفاوه والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله.
{ويستحب ان يضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روى ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه سلا ولان ذلك أسهل ويستحب ان يقول عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رسول الله لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقوله إذا أدخل الميت القبر ويستحب ان يضجع في اللحد على جنبه الايمن لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إذَا نَامَ احدكم فليتو سديمينه " ولانه يستقبل القبلة وكان اولي ويوسد رأسه بلبنة أو حجر كالحى إذا نام ويجعل خلفه شيئا يسنده من لبن أو غيره حتي لا يستلقي علي قفاه ويكره ان يجعل تحته مضربة أو مخدة أو في تابوت لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " إذا انزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الارض " وعن ابى موسى رضى الله عنه " لا تجعلوا بيني وبين الارض شيئا " وينصب اللبن نصبا لما روى عَنْ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه انه قال " اصنعوا بى كَمَا صُنِعَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم انصبوا على اللبن وهيلوا على التراب " ويستحب لمن على شفير القبر ان يحثو في القبر ثلاث حثيات من تراب لان النبي صلي الله عليه وسلم حتي في قبر ثلاث حثيات.
ويستحب ان يمكث على القبر بعد الدفن لما روى عثمان رضي الله عنه قَالَ " كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الرجل يقف عليه وقال استغفروا لاخيكم واسألوا الله له التثبيت فانه الآن يسأل "}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّ رحمه الله قَالَ فِيهِ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الِاحْتِجَاجِ بِقَوْلِ الرَّاوِي أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ وَاخْتَارَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا المحققين الاحتجاج ان كان القائل من يُوَافِقُهُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ فَعَلَى هَذَا يَصِحُّ احْتِجَاجُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَفِي رِوَايَةٍ لِلتِّرْمِذِيِّ سُنَّةٌ بَدَلَ مِلَّةٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ إذَا نَامَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَسَّدْ يَمِينَهُ فَغَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَهُوَ صَحِيحٌ بِمَعْنَاهُ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ " قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَيْت مَضْجَعَك فَتَوَضَّأْ وُضُوءَك للصلاة ثم اضطجع على شقك الايمن وقال اللَّهُمَّ أَسْلَمْت نَفْسِي إلَيْك إلَى آخِرِهِ "
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ بِلَفْظِهِ إلَّا قَوْلَهُ وَهِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ حَثَى فِي الْقَبْرِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حتى بِيَدِهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ مِنْ التُّرَابِ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رحمه الله اسناده ضَعِيفٌ إلَّا أَنَّ لَهُ شَاهِدًا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَثَى مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ فَيَكُونُ الْحَثْيُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ مُسْتَحْسَنًا فان الحديث جيدا لاسناد
كَمَا ذَكَرْنَا (وَأَمَّا) حَدِيثُ عُثْمَانَ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ (وَقَوْلُهُ) هِيلُوا عَلَيَّ التُّرَابَ - بِكَسْرِ الْهَاءِ - عَلَى وُزِنَ بِيعُوا يُقَالُ هَالَهُ يَهِيلُهُ وَفِي الْأَمْرِ هِلْهُ وَمَعْنَاهُ اُنْثُرُوا وصبوا ويقال حثي يحثي وحثيت حثيا وحثى يَحْثُو وَحَثَوْت حَثَوْا بِالثَّاءِ وَالْوَاوِ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ حَكَاهُمَا ابْنُ السِّكِّيتِ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ وَآخَرِينَ وَشَفِيرُ الْقَبْرِ طَرْفُهُ (وَقَوْلُهُ) فِي الْحَدِيثِ وَاسْأَلُوا اللَّهَ لَهُ التَّثْبِيتَ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ التَّثْبِيتَ وَفِي بَعْضِهَا التَّثَبُّتَ بِحَذْفِ الْيَاءِ مَعَ تَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكِلَاهُمَا رُوِيَ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَهُمَا صَحِيحَانِ.
أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ رَأْسُ الْمَيِّتِ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ وَهُوَ طَرْفُهُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ رِجْلُ الْمَيِّتِ ثُمَّ يُسَلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ سَلًّا رَفِيقًا (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ الَّذِي يُدْخِلُهُ الْقَبْرَ عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ أَوْ عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَسْلَمَهُ إليه الْأَشِحَّاءُ مِنْ وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَقَرَابَتِهِ وَإِخْوَانِهِ وَفَارَقَ مَنْ كَانَ يُحِبُّ قُرْبَهُ وَخَرَجَ مِنْ سَعَةِ الدُّنْيَا وَالْحَيَاةِ إلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَضِيقِهِ وَنَزَلَ بِك وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ إنْ عَاقَبْته فَبِذَنْبٍ وَإِنْ عَفَوْت فَأَهْلُ الْعَفْوِ أَنْتَ غَنِيٌّ عن عذابه وهو فقير إلي رحتمك اللَّهُمَّ اُشْكُرْ حَسَنَتَهُ وَاغْفِرْ سَيِّئَتَهُ وَأَعِذْهُ مِنْ عذاب القبر واجمع له برحمتك الا مِنْ عَذَابِك وَاكْفِهِ كُلَّ هَوْلٍ دُونَ الْجَنَّةِ اللَّهُمَّ اُخْلُفْهُ فِي تَرِكَتِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَارْفَعْهُ فِي عِلِّيِّينَ وَعُدْ عَلَيْهِ بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ هَذَا كَلَامُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله قَالَ الْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبِغَيْرِهِ وَاتَّفَقُوا عَلَى
اسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ هُنَا (الثَّالِثَةُ) يَجِبُ وَضْعُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا فِي الْفَصْلِ الْأَخِيرِ فِي مَسْأَلَةِ مَنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ نُبِشَ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِهِ مُسْتَحَبٌّ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ فَلَوْ أُضْجِعَ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ جَازَ وَكَانَ خِلَافَ الْأَفْضَلِ لِمَا سَبَقَ فِي الْمُصَلِّي مُضْطَجِعًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوَسَّدَ رَأْسُهُ لَبِنَةً أو حجر أو نحوهما وَيُفْضَى بِخَدِّهِ الْأَيْمَنِ إلَى اللَّبِنَةِ وَنَحْوِهَا أَوْ إلَى التُّرَابِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَالْأَصْحَابُ بِالْإِفْضَاءِ بِخَدِّهِ إلَى التُّرَابِ وَمَعْنَاهُ أَنْ ينحى الكفن عن
خذه وَيُوضَعَ عَلَى التُّرَابِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ خَلْفَهُ شَيْئًا مِنْ لَبِنٍ أَوْ غَيْرِهِ يَسْنُدُهُ وَيَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَقَعَ عَلَى قَفَاهُ (الْخَامِسَةُ) يُكْرَهُ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَهُ مِخَدَّةٌ أَوْ مِضْرَبَةٌ أَوْ ثَوْبٌ أَوْ يُجْعَلَ فِي تَابُوتٍ إذَا لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ نَدِيَّةً وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى كَرَاهَةِ هذه الاشياء والكراهة في التابوب مُخْتَصَّةٌ بِمَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ اجْتِمَاعُهُ فِي غَيْرِهِ فَإِنْ تَعَذَّرَ اُتُّخِذَ التَّابُوتُ كَمَا صَرَّحَ " بِهِ الشَّيْخُ نَصْرٌ وَغَيْرُهُ وَقَدْ سَبَقَ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ تَعْلِيلُ أَنَّ التَّابُوتَ مَكْرُوهٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ رِخْوَةً أَوْ نَدِيَّةً وَأَنَّهُ لَا تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ فِيهِ إلَّا فِي هَذَا الْحَالِ وَأَنَّهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَرَاهَةِ الْمِخَدَّةِ وَالْمِضْرَبَةِ وَشَبَهِهَا هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا وَخَالَفَهُمْ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فَقَالَ لَا بَأْسَ أَنْ يُبْسَطَ تَحْتَ جَنْبِهِ شئ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " جُعِلَ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطِيفَةٌ حَمْرَاءُ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ شُذُوذٌ وَمُخَالِفٌ لِمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَأَجَابُوا عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْفِعْلُ صَادِرًا مِنْ جُمْلَةِ الصَّحَابَةِ وَلَا بِرِضَاهُمْ وَلَا بِعِلْمِهِمْ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ شُقْرَانُ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ كَرِهْت أَنْ يَلْبَسَهَا أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُجْعَلَ تَحْتَ الْمَيِّتِ ثَوْبٌ فِي قَبْرِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(السَّادِسَةُ) إذَا وَضَعَهُ فِي اللَّحْدِ عَلَى الصِّفَةِ السَّابِقَةِ فَالسُّنَّةُ أَنْ يُنْصَبَ اللَّبِنُ عَلَى الْمُنْفَتِحِ مِنْ اللَّحْدِ بِحَيْثُ يَسُدُّ جَمِيعَ الْمُنْفَتِحِ وَيَسُدُّ الْفُرَجَ بِقِطَعِ اللَّبِنِ وَنَحْوِهِ وَيَسُدُّ الْفُرَجَ اللِّطَافَ بِحَشِيشٍ أَوْ نَحْوِهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا أَوْ بِطِينٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ مَنْ عَلَى القبر ان يحثى عليه ثلاث حثياث تُرَابٍ بِيَدَيْهِ جَمِيعًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَدِّ اللَّحْدِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته مِنْ الْحَثْيِ بِالْيَدَيْنِ جَمِيعًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ شَيْخُ الْأَصْحَابِ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَسُلَيْمٌ الرَّازِيّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَآخَرُونَ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ في الحثية الاولي (منها خلقناكم) وفى الثانية (وفيها نعيدكم) وفى الثالثة (منها نخرجكم تارة أخرى) وَقَدْ يُسْتَدَلُّ لَهُ بِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ " لَمَّا وُضِعَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ
بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَبْرِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نخركم تارة أخرى " رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ مِنْ رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن زخر عن على بن زيد ابن جدعان عن القاسم وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وان كان ضَعِيفَةَ الْإِسْنَادِ وَيُعْمَلُ بِهَا فِي التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَهَذَا مِنْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا ثُمَّ يُهَالُ عَلَيْهِ التُّرَابُ بِالْمِسَاحِيِّ وَهُوَ مَعْنَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
فِي الثَّامِنَةِ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه (الثَّامِنَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يَمْكُثَ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ سَاعَةً يَدْعُو لِلْمَيِّتِ وَيَسْتَغْفِرُ لَهُ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ شئ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنْ خَتَمُوا الْقُرْآنَ كَانَ أَفْضَلَ وَقَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُلَقَّنَ بِمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْبَابِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا الْمُكْثِ وَالدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ بِحَدِيثِ عُثْمَانَ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ وَبِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ حين حضرته الوفاة " فإذا دفنتوني فَسُنُّوا عَلَيَّ التُّرَابَ سَنًّا ثُمَّ أَقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِي قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقَسَّمُ لَحْمُهَا حَتَّى أَسْتَأْنِسَ بِكُمْ وَأَعْلَمَ مَاذَا أُرَاجِعُ رُسُلَ رَبِّي " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَهُوَ بَعْضُ حَدِيثٍ طَوِيلٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى جُمَلٍ مِنْ الْفَوَائِدِ وَالْقَوَاعِدِ (قَوْلُهُ) سُنُّوا عَلَيَّ التراب روى بالسين المهملة وبالمعجمة وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنهما اسْتَحَبَّ قِرَاءَةَ أَوَّلِ الْبَقَرَةِ وَآخِرِهَا عِنْدَ الْقَبْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
كَيْفِيَّةِ إدْخَالِ الْمَيِّتِ الْقَبْرَ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّ السُّنَّةَ أَنْ يُوضَعَ رَأْسُهُ عِنْدَ رِجْلِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُسَلُّ سَلًّا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُوضَعُ عَرْضًا مِنْ نَاحِيَةِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ يَدْخُلُ القبر مُعْتَرِضًا وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الصَّحَابِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ مِثْلَ مَذْهَبِنَا وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه وَابْنِهِ محمد واسحق بْنِ رَاهْوَيْهِ كَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مَالِكٌ رحمه الله كِلَاهُمَا سَوَاءٌ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا
* وَاحْتَجَّ لِأَبِي حَنِيفَةَ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُدْخِلَ مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَلِأَنَّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ أَفْضَلُ
* وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " سُلَّ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ " وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ يُحْتَجُّ بِهِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخِطْمِيِّ الْأَنْصَارِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّهُ صَلَّى عَلَى جِنَازَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَهُ الْقَبْرَ مِنْ قِبَلِ رِجْلِ
الْقَبْرِ وَقَالَ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ فِيهِ هَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ.
وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مِنْ السُّنَّةِ كَذَا مَرْفُوعٌ وَلِأَنَّ سَلَّهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ جُمْهُورِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ عَمَلُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بِمَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ كَذَلِكَ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَنْ اهل مكة والمدينة من الصحابة ومن بعد هم وَهُمْ بِأُمُورِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهِمْ (وَأَمَّا) مَا احْتَجَّ به
الْحَنَفِيَّةُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَبُرَيْدَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُدْخِلَ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ فَكُلُّهَا رِوَايَاتٌ ضَعِيفَةٌ رَوَاهَا الْبَيْهَقِيُّ وَبَيَّنَ ضَعْفَهَا وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّهُ رَوَاهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ وَهَذَا الْجَوَابُ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِتَصَوُّرِ إدْخَالِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ إنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ وَأَطْنَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَى مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ وَنَسَبَهُ إلَى الْجَهَالَةِ وَمُكَابَرَةِ الْحِسِّ وَإِنْكَارِ الْعَيْنِ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ هَذَا الَّذِي نَقَلُوهُ مِنْ أَقْبَحِ الْغَلَطِ لِأَنَّ شِقَّ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ وَلَحْدَهُ تَحْتَ الْجِدَارِ وَلَيْسَ هُنَاكَ مَوْضِعٌ يُوضَعُ فِيهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَمُوَافِقِيهِ وَرَأَيْت أَنَا فِي الْأُمِّ مثله وزيادة قال الشافعي الجدار الذى اللحد تَحْتَهُ مِثْلُهُ وَاللَّحْدُ تَحْتَ الْجِدَارِ فَكَيْفَ يُدْخَلُ مُعْتَرِضًا وَاللَّحْدُ لَاصِقٌ بِالْجِدَارِ لَا يَقِفُ عَلَيْهِ شئ وَلَا يُمْكِنُ إلَّا أَنْ يُسَلَّ سَلًّا أَوْ يُدْخَلَ مِنْ غَيْرِ الْقِبْلَةِ قَالَ وَأُمُورُ الْمَوْتَى وَإِدْخَالُهُمْ الْقَبْرَ مِنْ الْأُمُورِ الْمَشْهُورَةِ عِنْدَنَا لِكَثْرَةِ الْمَوْتِ وَحُضُورِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الثِّقَةِ وَهُوَ مِنْ الْأُمُورِ الْعَامَّةِ الَّتِي يُسْتَغْنَى فِيهَا عَنْ الْحَدِيثِ فيكون الحديث فيها كالتكليف لِاشْتِرَاكِ النَّاسِ فِي مَعْرِفَتِهَا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ بَيْنَ أَظْهُرِنَا يَنْقُلُ الْعَامَّةُ عَنْ الْعَامَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ يُسَلُّ سَلًّا ثُمَّ جَاءَنَا آتٍ مِنْ غَيْرِ بَلَدِنَا يُعَلِّمُنَا كَيْفَ الْمَيِّتُ ثُمَّ لَمْ يَرْضَ حَتَّى رَوَى عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مُعْتَرِضًا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ وَرِوَايَةُ إبْرَاهِيمَ مُرْسَلَةٌ ضَعِيفَةٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّ مَا قُلْنَاهُ أَسْهَلُ فَكَانَ أَوْلَى (وَمَا) ادَّعُوهُ مِنْ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ (فَجَوَابُهُ) أَنَّ اسْتِقْبَالَ الْقِبْلَةِ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ بِشَرْطَيْنِ أَنْ يُمْكِنَ وَلَا يُنَابَذَ سُنَّةً وَهَذَا لَيْسَ مُمْكِنًا
وَمُنَابِذًا لِلسُّنَّةِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي سَتْرِ الْمَيِّتِ عِنْدَ إدْخَالِهِ الْقَبْرَ بِثَوْبٍ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُهُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وأحمد يستحب في قبر الميت دُونَ الرَّجُلِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بريد وَشُرَيْحٍ يَكْرَهَانِ ذَلِكَ فِي قَبْرِ الرَّجُلِ * قَالَ المصنف رحمه الله
* {وَلَا يُزَادُ فِي التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْ الْقَبْرِ فَإِنْ زَادُوا فَلَا بَأْسَ بِهِ
* وَيُشَخَّصُ الْقَبْرُ مِنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ لِمَا رَوَى القاسم ابن مُحَمَّدٍ قَالَ " دَخَلْت عَلَى عَائِشَةَ فَقُلْت اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فشكفت عَنْ ثَلَاثَةِ قُبُورٍ لَا مُشْرِفَةَ وَلَا لَاطِئَةَ " ويصطح القبر ويضع عَلَيْهِ الْحَصَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَطَّحَ قَبْرَ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ رضي الله عنه وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ مِنْ حَصْبَاءِ الْعَرْصَةِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ رحمه الله الْأَوْلَى فِي زَمَانِنَا أَنْ يُسَنَّمَ لِأَنَّ التَّسْطِيحَ مِنْ شِعَارِ الرَّافِضَةِ وَهَذَا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ السُّنَّةَ قَدْ صَحَّتْ فِيهِ فَلَا يَضُرُّ مُوَافَقَةُ الرَّافِضَةِ فيه ويرش عليه فِيهِ وَيُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَا رَوَى جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ ابراهيم الْمَاءَ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرُشَّ عَلَيْهِ الْمَاءَ زَالَ أَثَرُهُ فَلَا يُعْرَفُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَامَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَفَنَ عُثْمَانَ بْنَ مَظْعُونٍ وَوَضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرًا وَلِأَنَّهُ يُعْرَفُ بِهِ فَيُزَارُ وَيُكْرَهُ أَنْ يُجَصَّصَ القبر وأن يبني عليه وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ قَالَ " نَهَى رسول الله صلي عليه وسلم ان يجصص القبرو أن يبني عليه أو يعقد أَوْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الزِّينَةِ}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْقَاسِمِ صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَقَوْلُهُ لَا مُشْرِفَةَ أَيْ مُرْتَفِعَةً ارْتِفَاعًا كَثِيرًا وَقَوْلُهُ وَلَا لَاطِئَةَ هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ أي ولا لا صقة بِالْأَرْضِ يُقَالُ لَطِئَ وَلَطَأَ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِهَا وَآخِرُهُ مَهْمُوزٌ فِيهِمَا إذَا لَصِقَ (وَأَمَّا) حَدِيثُ قَبْرِ إبْرَاهِيمَ وَرَشُّ الْمَاءِ عَلَيْهِ وَوَضْعُ الْحَصْبَاءِ عَلَيْهِ فَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضعيف (واما) حديث عثمان بن مظعون وضع الْحَجَرِ عِنْدَ رَأْسِهِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي الْفَصْلِ الاول من الدفن (وأما) حديث جابر الا خير فرواه مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهما
لَكِنَّ لَفْظَ رِوَايَتِهِمْ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ " وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ يُكْتَبَ وَوَقَعَ فِي التِّرْمِذِيِّ بِزِيَادَةِ " يُكْتَبَ عليه وأن يوطأ " وقال حديث حسن وَوَقَعَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد زِيَادَةٌ وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ وَإِسْنَادُهَا صَحِيحٌ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ الْمُعْتَمَدَةِ مِنْ الْمُهَذَّبِ وَأَنْ يُعْقَدَ عَلَيْهِ بِتَقْدِيمِ الْعَيْنِ عَلَى الْقَافِ وَهُوَ تَصْحِيفٌ فَإِنَّ الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَسُنَنِ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَسَائِرِ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ يُقْعَدُ بِتَقْدِيمِ الْقَافِ عَلَى الْعَيْنِ مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي هُوَ الْجُلُوسُ وَالْحَصْبَاءُ بِالْمَدِّ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْحَصَا الصِّغَارُ وَالْعَرْصَةُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ كُلُّ جُونَةٍ مُنْفَتِقَةٍ لَيْسَ فِيهَا بِنَاءٌ فَهِيَ عَرْصَةٌ وَالشِّعَارُ بِكَسْرِ الشِّينِ الْعَلَامَةُ وَالرَّافِضَةُ الطَّائِفَةُ الْمُبْتَدِعَةُ سُمُّوا بِذَلِكَ لِرَفْضِهِمْ زَيْدَ بْنَ عَلِيٍّ رضي الله عنهما فَلَزِمَ هَذَا الِاسْمُ كل من غلامنهم فِي مَذْهَبِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ الْقَبْرُ عَلَى التُّرَابِ الَّذِي أُخْرِجَ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إنَّمَا قُلْنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُزَادَ لِئَلَّا يَرْتَفِعَ الْقَبْرُ ارْتِفَاعًا كَثِيرًا قَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ زَادَ فَلَا بَأْسَ قَالَ أَصْحَابُنَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ تَرْكُهُ وَيُسْتَدَلُّ لِمَنْعِ الزِّيَادَةِ بِرِوَايَةِ أَبِي دَاوُد الْمَذْكُورَةِ قَرِيبًا وَهِيَ قَوْلُهُ وَأَنْ يُزَادَ عَلَيْهِ (الثَّانِيَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُرْفَعَ الْقَبْرُ عَنْ الْأَرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ التَّتِمَّةِ اسْتَثْنَى فَقَالَ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَفْنُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيُخْفَى قَبْرُهُ بِحَيْثُ لَا يَظْهَرُ مَخَافَةَ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ الْكُفَّارُ بَعْدَ خُرُوجِ الْمُسْلِمِينَ (فَإِنْ قِيلَ) هَذَا الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ مُخَالِفٌ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ لا نَدَعَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلَّا سَوَّيْتُهُ "(فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ أَصْحَابُنَا
قَالُوا لَمْ يُرِدْ التَّسْوِيَةَ بِالْأَرْضِ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَسْطِيحَهُ جَمْعًا بَيْنَ الْأَحَادِيثِ (الثَّالِثَةُ) تَسْطِيحُ الْقَبْرِ وَتَسْنِيمُهُ وَأَيُّهُمَا أَفْضَلُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) التَّسْطِيحُ أَفْضَلُ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَمُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَبِهِ قَطَعَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَجَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْهُمْ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْفُورَانِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَخَلَائِقُ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الْبَاقِينَ كَمَا صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَرَّحُوا بِتَضْعِيفِ التَّسْنِيمِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
التَّسْنِيمُ أَفْضَلُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أنه
قول عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمِمَّنْ حَكَاهُ عَنْهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالشَّاشِيُّ وَخَلَائِقُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَمِمَّنْ رَجَّحَ التَّسْنِيمَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَادَّعَى الْقَاضِي حُسَيْنٌ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَلَى تَفْضِيلِ التَّسْطِيحِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ كَمَا سَبَقَ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ رحمهم الله التَّسْنِيمُ أَفْضَلُ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الْكِتَابِ: وَرَدَّ الْجُمْهُورُ عَلَى ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ في دعوه أَنَّ التَّسْنِيمَ أَفْضَلُ لِكَوْنِ التَّسْطِيحِ شِعَارَ الرَّافِضَةِ فَلَا يَضُرُّ مُوَافَقَةُ الرَّافِضِيِّ لَنَا فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ مُوَافَقَتُهُمْ لَنَا سَبَبًا لِتَرْكِ مَا وَافَقُوا فِيهِ لَتَرَكْنَا وَاجِبَاتٍ وَسُنَنًا كَثِيرَةً (فَإِنْ قِيلَ) صَحَّحْتُمْ التَّسْطِيحَ وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ رحمه الله عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ قَالَ " رَأَيْت قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُسَنَّمًا (فَالْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ الله
قَالَ صَحَّتْ رِوَايَةُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ السَّابِقَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْكِتَابِ وَصَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَنَقُولُ الْقَبْرُ غُيِّرَ عَمَّا كَانَ فَكَانَ أَوَّلَ الْأَمْرِ مُسَطَّحًا كَمَا قَالَ الْقَاسِمُ ثُمَّ لَمَّا سَقَطَ الْجِدَارُ فِي زَمَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ وقيل في زمن عمر بن عبد العزير أُصْلِحَ فَجُعِلَ مُسَنَّمًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ أَصَحُّ وَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ عَلَى الْقَبْرِ حَصْبَاءُ وَهُوَ الْحَصَا الصِّغَارُ لِمَا سَبَقَ وَأَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ يُكْرَهُ أَنْ يُرَشَّ عَلَيْهِ مَاءُ الْوَرْدِ وَأَنْ يُطْلَى بِالْخُلُوفِ لِأَنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ (الْخَامِسَةُ) السُّنَّةُ أَنْ يُجْعَلَ عِنْدَ رَأْسِهِ عَلَامَةٌ شَاخِصَةٌ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ غَيْرِهِمَا هَكَذَا قاله الشافعي والمصنف وسائر الاصحاب الاصاحب الْحَاوِي فَقَالَ يُسْتَحَبُّ عَلَامَتَانِ (إحْدَاهُمَا) عِنْدَ رَأْسِهِ (وَالْأُخْرَى) عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ حَجَرَيْنِ كَذَلِكَ عَلَى قبر عثمان ابن مَظْعُونٍ كَذَا قَالَ وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ حَدِيثِ عُثْمَانَ حَجَرٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (السَّادِسَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُكْرَهُ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ اسْمُ صَاحِبِهِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ دَلِيلُنَا الْحَدِيثُ السَّابِقُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَلَا فَرْقَ فِي الْبِنَاءِ بَيْنَ أَنْ يَبْنِيَ قُبَّةً أَوْ بَيْتًا أَوْ غَيْرَهُمَا ثُمَّ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ مَقْبَرَةً مُسَبَّلَةً حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُهْدَمُ هَذَا الْبِنَاءُ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ
فِي الْأُمِّ وَرَأَيْت مِنْ الْوُلَاةِ مَنْ يهدم ما بني فيها قال وَلَمْ أَرَ الْفُقَهَاءَ يَعِيبُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَضْيِيقًا عَلَى النَّاسِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ كَانَ الْقَبْرُ فِي مِلْكِهِ جَازَ بِنَاءُ مَا شَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ وَلَا يُهْدَمُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَكْتُوبُ عَلَى الْقَبْرِ فِي لَوْحٍ عِنْدَ رَأْسِهِ كَمَا جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ النَّاسِ أَمْ فِي غَيْرِهِ فَكُلُّهُ مَكْرُوهٌ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ فِي كَرَاهَةِ التَّجْصِيصِ لِلْقَبْرِ فِي مِلْكِهِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَأَمَّا تَطْيِينُ الْقَبْرِ فَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ يكره ونقل ابوعيسي الترمذي في جامعه المشهور أَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ لَا بَأْسَ بِتَطْيِينِ الْقَبْرِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ لَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَرِدْ فِيهِ نَهْيٌ.
(فَرْعٌ)
قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ يُكْرَهُ أَنْ يُضْرَبَ عَلَى الْقَبْرِ مِظَلَّةٌ لِأَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه رَأَى مِظَلَّةً عَلَى قَبْرٍ فَأَمَرَ بِرَفْعِهَا وَقَالَ دَعُوهُ يُظِلُّهُ عَمَلُهُ.
قال المصنف رحمه الله.
{الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ الدَّفْنُ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ ارْتَكَبُوا الْحَرَامَ وَدَفَنُوهُ أَوْ لَمْ يحضره
مَنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ وَدُفِنَ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ للصلاة بل تجب للصلاة عَلَيْهِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْغَائِبِ جَائِزَةٌ وَعَلَى الْقُبُورِ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ السَّابِقَةِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي فَصْلِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ هَذَا إذَا دُفِنَ وَهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ فَأَمَّا إذَا أُدْخِلَ اللَّحْدَ وَلَمْ يُهَلْ التُّرَابُ فَيُخْرَجُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَالَتَيْنِ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
قِلَّةُ الْمَشَقَّةِ وَكَثْرَتُهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ إخْرَاجَهُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ نَبْشٌ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ وَقَبْلَ أَنْ يُهَالَ ليس بنبش دل أَبُو مُحَمَّدٍ رحمه الله وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا أَرَادَ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي اللَّحْدِ قَبْلَ أَنْ يُهَالَ التُّرَابُ رُفِعَتْ لَبِنَةٌ مِمَّا يُقَابِلُ وَجْهَهُ لِيُنْظَرَ بَعْضُهُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ
وَهَذَا خِلَافُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَالصَّحِيحُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ هَذَا كَلَامُ أَبِي مُحَمَّدٍ (قُلْت) وَهَذَا النَّصُّ نَصَّ عَلَيْهِ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَمَّا إذَا دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ فَيَأْثَمُونَ بِلَا خِلَافٍ إنْ تمكنوا من غسله وكان ممن يجب غلسه فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَخُشِيَ فَسَادُهُ لَوْ نُبِشَ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ انتهاك حُرْمَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَجَبَ نَبْشُهُ وَغُسْلُهُ ثُمَّ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فَوَجَبَ فِعْلُهُ وَبِهَذَا التَّفْصِيلِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ النَّبْشُ لِلْغُسْلِ وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ بَلْ يُكْرَهُ نَبْشُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ نَبْشُهُ للغسل وإن تغير وفسد قال الرافعي مادام مِنْهُ جُزْءٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الَّذِينَ حَكَوْا هَذَا الْوَجْهَ عَلَى ضَعْفِهِ وَفَسَادِهِ أَمَّا إذَا دُفِنَ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ الدَّفْنُ إلَى الْقِبْلَةِ وَاجِبٌ كَمَا سَبَقَ قَالُوا فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَتَوْجِيهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ وَإِنْ تَغَيَّرَ سَقَطَ فَلَا يُنْبَشُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ طَرِيقَةُ الْأَصْحَابِ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ إلَّا الْقَاضِيَ أَبَا الطَّيِّبِ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجِبُ التَّوْجِيهُ إلَى الْقِبْلَةِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ فَإِذَا تُرِكَ اُسْتُحِبَّ نَبْشُهُ وَلَا يَجِبُ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً فِي هَذَا الْبَابِ (أَمَّا) إذَا دُفِنَ بِلَا تَكْفِينٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُنْبَشُ كَمَا يُنْبَشُ لِلْغُسْلِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُنْبَشُ وَبِهِ قَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ وَآخَرُونَ لَا يُنْبَشُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ سَتْرُهُ وَقَدْ حَصَلَ وَلِأَنَّ فِي نَبْشِهِ هَتْكًا لِحُرْمَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَلَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ اُسْتُحِبَّ لِصَاحِبِهَا تَرْكُهُ فَإِنْ أَبَى فَلَهُ إخْرَاجُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ وَتَفَتَّتَ وَكَانَ فِيهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ إذلا حُرْمَةَ لِلْغَاصِبِ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذَا وَلَوْ دُفِنَ فِي ثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ مَسْرُوقٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) يُنْبَشُ كَمَا لَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ وَبِهَذَا قَطَعَ الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَنَقَلَهُ السَّرَخْسِيُّ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ بَلْ يُعْطَى صَاحِبُ الثَّوْبِ قِيمَتَهُ لِأَنَّ الثَّوْبَ صَارَ كَالْهَالِكِ بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَلِأَنَّ خَلْعَ الثَّوْبِ أَفْحَشُ فِي هَتْكِ حُرْمَتِهِ مِنْ رَدِّ
الْأَرْضِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ والعبد رى وَهُوَ قَوْلُ الدَّارَكِيِّ وَأَبِي
حَامِدٍ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا (وَالثَّالِثُ) إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ وَكَانَ فِي نَبْشِهِ هَتْكٌ لِحُرْمَتِهِ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وصححه صاحب العدة والشيخ تصر الْمَقْدِسِيُّ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَحَامِلِيُّ لِأَنْفُسِهِمَا بَعْدَ حِكَايَتِهِمَا عَنْ الْأَصْحَابِ مَا قَدَّمْته وَاخْتَارَهُ أَيْضًا الدَّارِمِيُّ وَلَوْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبِ حَرِيرٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي نَبْشِهِ هَذِهِ الْأَوْجُهُ وَلَمْ أَرَ هَذَا لِغَيْرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقْطَعَ بِأَنَّهُ لَا يُنْبَشُ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ نَبَشَهُ لِحَقِّ مَالِكِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ إذَا دُفِنَ مِنْ غير غسل اوالي غَيْرِ الْقِبْلَةِ يَجِبُ نَبْشُهُ لِيُغَسَّلَ وَيُوَجَّهَ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ ذَلِكَ بعد اهالة التراب عليه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وان وقع في القبر مال لآدمي فطالب به صاحبه نبش القبر لما روى ان المغيرة بن شعبة رضى الله عنه طرح خاتمه في قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ خاتمي ففتح موضع فيه فاخذه وكان يقول انا اقربكم عهدا برسول الله صلي الله عليه وسلم ولانه يمكن رد المال الي صاحبه من غير ضرر فوجب رده عليه وان بلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة وان كانت الجوهرة له ففيه وجهان (احدهما) يشق لانها صارت للورثة فهي كجوهرة الأجنبي
(والثانى)
لا يجب لانه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الورثة} .
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ الْمُغِيرَةَ ضَعِيفٌ غَرِيبٌ قَالَ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ وَهُوَ شَيْخُ الْحَاكِمِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَيُقَالُ خَاتَمٌ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا - وَخَاتَامٌ وَخِتَامٌ وَقَوْلُهُ بَلِعَ بِكَسْرِ اللَّام يُقَال بَلِعَ يَبْلَعُ كَشَرِبَ يَشْرَبُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ نُبِشَ وَأُخْرِجَ سَوَاءٌ كَانَ خَاتَمًا أَوْ غَيْرَهُ قليلا أو كثيرا هكذا اطلقه اصحابنا وقيدها الْمُصَنِّفُ بِمَا إذَا طَلَبَهُ صَاحِبُهُ وَلَمْ يُوَافِقُوهُ عَلَى التَّقْيِيدِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ النَّبْشِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي كُلِّ طُرُقِهِمْ وَانْفَرَدَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ بِحِكَايَةِ وَجْهٍ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ قَالَ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وبهذا الْوَجْهُ غَلَطٌ أَمَّا إذَا بَلِعَ جَوْهَرَةً لِغَيْرِهِ.
أو غيرها فطريقان (الصحيح) منها وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي مُعْظَمِ الطُّرُقِ أَنَّهُ إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا شُقَّ جَوْفُهُ وَرُدَّتْ إلَى صَاحِبِهَا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ مِمَّنْ حَكَاهُ الْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ
وَالشَّاشِيُّ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يُشَقُّ بَلْ يَجِبُ قِيمَتُهَا فِي تَرِكَتِهِ لِحَدِيثِ عَائِشَةُ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا وَهُوَ سَعْدُ بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَخُو يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الانصاري فضعفه احمد بن حنبل ووثقه الا كثرون وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ كَافٍ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد مَعَ قَاعِدَتِهِ الَّتِي قَدَّمْنَا بَيَانَهَا قَالُوا وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ كَسْرَ الْعَظْمِ وَشَقَّ الْجَوْفِ فِي الْحَيَاةِ لَا يَجُوزُ
لِاسْتِخْرَاجِ جَوْهَرَةٍ وَغَيْرِهَا فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي الْمَكَارِمِ صَاحِبِ الْعُدَّةِ وَهُوَ غَيْرُ صَاحِبِ الْعُدَّةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ الْإِمَامِ الْمَشْهُورِ الَّذِي يَنْقُلُ عنه صاحب البيان واطلقه انافى هَذَا الشَّرْحِ أَنَّهُ قَالَ يُشَقُّ جَوْفُهُ إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْوَرَثَةُ قِيمَتَهُ أَوْ مِثْلَهُ فَلَا يُشَقُّ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ وَالْمَشْهُورُ لِلْأَصْحَابِ إطْلَاقُ الشَّقِّ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ أَمَّا إذَا بَلِعَ جَوْهَرَةً لِنَفْسِهِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا قَلَّ مَنْ بَيَّنَ الْأَصَحَّ منهما مع شهر تهما فصحح الجرجاني في الشافعي والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ الشَّقَّ وَقَطَعَ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ بِأَنَّهُ لَا يُشَقُّ وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي كِتَابِهِ الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ في التعليق وقول الاول أنخا صَارَتْ لِلْوَارِثِ غَلَطٌ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَصِيرُ لِلْوَارِثِ إذَا كَانَتْ مَوْجُودَةً فَأَمَّا الْمُسْتَهْلَكَةُ فَلَا وَهَذِهِ مُسْتَهْلَكَةٌ وَأَجَابَ الْأَوَّلُ عَنْ هَذَا بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً لَمَا شُقَّ جَوْفُهُ بِجَوْهَرَةِ الْأَجْنَبِيِّ وَحَيْثُ قُلْنَا يُشَقُّ جَوْفُهُ وَتُخْرَجُ فَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الشَّقِّ نُبِشَ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا تَفْصِيلُ مَذْهَبِنَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَحْنُونٌ الْمَالِكِيُّ يُشَقُّ مُطْلَقًا وَقَالَ أَحْمَدُ وَابْنُ حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ لا يشق.
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِيهَا نَصٌّ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَخَلَائِقُ مِنْ
الْأَصْحَابِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ إذَا مَاتَتْ امْرَأَةٌ وَفِي جَوْفِهَا جَنِينٌ حَيٌّ شُقَّ جَوْفُهَا وَأُخْرِجَ فَأَطْلَقَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْمَسْأَلَةَ قَالَ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَ هُوَ كَمَا أَطْلَقَهَا ابْنُ سُرَيْجٍ بَلْ يعرض علي القوابل فان قلنا هَذَا الْوَلَدُ إذَا أُخْرِجَ يُرْجَى حَيَاتُهُ وَهُوَ ان يكون له سنة اشهر فصاعدا شق جوفها واخرج وإن قلنا لَا يُرْجَى بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَمْ يُشَقَّ لِأَنَّهُ لَا مَعْنَى لِانْتِهَاكِ حُرْمَتِهَا فِيمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَقَوْلُ ابْنِ سُرَيْجٍ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ (قُلْت) وَقَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ والعبد رى فِي الْكِفَايَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْفُورَانِيُّ وَالْمُتَوَلِّي والبغوى وغبرهم في الذى لا يرجى حياته وجهين (احداهما) يُشَقُّ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشَقُّ قَالَ الْبَغَوِيّ وَهُوَ الْأَصَحُّ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ فَإِذَا قُلْنَا لَا تشق لَمْ تُدْفَنْ حَتَّى تَسْكُنَ حَرَكَةُ الْجَنِينِ وَيُعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَنَقَلَ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَآخَرُونَ وَهُوَ مَوْجُودٌ كَذَلِكَ فِي كُتُبِهِمْ إلَّا مَا انْفَرَدَ بِهِ الْمَحَامِلِيُّ فِي الْمُقْنِعِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ تَعْلِيقِهِ قَبْلَ بَابِ الشَّهِيدِ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ وَالْمُصَنِّفُ في التنبيه
فقالوا ترك عليه شئ ثَقِيلٌ حَتَّى يَمُوتَ ثُمَّ تُدْفَنُ الْمَرْأَةُ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَقَدْ أَنْكَرَهُ الْأَصْحَابُ أَشَدَّ إنْكَارٍ وَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِقَتْلِ حَيٍّ مَعْصُومٍ وَإِنْ كَانَ ميؤوسا مِنْ حَيَاتِهِ بِغَيْرِ سَبَبٍ مِنْهُ يَقْتَضِي الْقَتْلَ ومختصر المسألة ان رجى حياة الجنين وجب شق جوفها واخراجه والافثلاثة أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) لَا تُشَقُّ وَلَا تُدْفَنُ حَتَّى يَمُوتَ (وَالثَّانِي) تُشَقُّ وَيُخْرَجُ (وَالثَّالِثُ) يُثْقَلُ بَطْنُهَا بشئ لِيَمُوتَ وَهُوَ غَلَطٌ وَإِذَا قُلْنَا يُشَقُّ جَوْفُهَا شُقَّ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُقَالُ إنَّهُ أَمْكَنُ لَهُ هَكَذَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَقَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ يَنْبَغِي أَنْ تُشَقَّ فِي الْقَبْرِ فَإِنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ (إحْدَاهَا) قَالَ اصحابنا لا يُكْرَهُ الدَّفْنُ بِاللَّيْلِ لَكِنْ الْمُسْتَحَبُّ دَفْنُهُ نَهَارًا قَالُوا وَهُوَ مَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَإِنَّهُ كَرِهَهُ
* وَاحْتَجَّ لَهُ بِحَدِيثِ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " زَجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُقْبَرَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُضْطَرَّ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ (مِنْهَا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " مَرَّ بِقَبْرٍ دُفِنَ لَيْلًا فَقَالَ مَتَى دُفِنَ هَذَا فَقَالُوا الْبَارِحَةَ قَالَ أَفَلَا آذَنْتُمُونِي قَالُوا دفناه في ظلمة الليل فكرهنا ان نوقضك فصلي عليه " رواه البخاري وعن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ " رَأَى نَاسٌ نَارًا فِي الْمَقْبَرَةِ فَأَتَوْهَا فَإِذَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْقَبْرِ وَإِذَا هُوَ يَقُولُ نَاوِلُونِي صَاحِبَكُمْ وَإِذَا هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالذِّكْرِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ
* وَاحْتَجَّ بِهِ أَبُو دَاوُد فِي الْمَسْأَلَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه لَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلَاثَاءِ وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ قَبْرًا لَيْلًا فَأُسْرِجَ لَهُ سِرَاجٌ " إلَى آخِرِهِ فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ (فَإِنْ قِيلَ) قَدْ قَالَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ قُلْنَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ التِّرْمِذِيِّ فِي هَذَا لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْن أَرْطَاةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ الْمُحَدِّثِينَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ اُعْتُضِدَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ بِغَيْرِهِ فَصَارَ حَسَنًا قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَدُفِنَتْ عَائِشَةُ وَفَاطِمَةُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لَيْلًا فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا هُوَ عَنْ دَفْنِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الثَّانِيَةُ) الدَّفْنُ فِي الْأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ عِنْدَنَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ فِي بَابِ الْقِيَامِ لِلْجِنَازَةِ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي أَوَّلِ بَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ إجْمَاعَ العلماء عليه وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رحمه الله عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ " ثَلَاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهَا مَوْتَانَا وَذَكَرَ وَقْتَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا
وَغُرُوبِهَا " وَأَجَابَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَنَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَنَّ الْإِجْمَاعَ دَلَّ عَلَى تَرْكِ ظَاهِرِهِ فِي الدَّفْنِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ تَحَرِّي هَذِهِ الاوقات لِلدَّفْنِ وَقَصَدَ ذَلِكَ قَالُوا وَهَذَا مَكْرُوهٌ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَحَرَّهُ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا هُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَهَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنُ مِنْ الْأَوَّلِ (الثَّالِثَةُ) فِي نَقْلِ الْمَيِّتِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ قَبْلَ دَفْنِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي قَالَ
الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا أُحِبُّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِقُرْبِ مَكَّةَ أَوْ الْمَدِينَةِ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيُخْتَارُ أَنْ يُنْقَلَ إلَيْهَا لِفَضْلِ الدَّفْنِ فِيهَا وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يُكْرَهُ نَقْلُهُ وَقَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالدَّارِمِيُّ وَالْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ نَقْلُهُ قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَلَوْ أَوْصَى بِنَقْلِهِ لَمْ تُنَفَّذْ وَصِيَّتُهُ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَمَرَ بِتَعْجِيلِ دَفْنِهِ وَفِي نَقْلِهِ تَأْخِيرُهُ وَفِيهِ أَيْضًا انتها كه مِنْ وُجُوهٍ وَتَعَرُّضُهُ لِلتَّغَيُّرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا حَمَلْنَا الْقَتْلَى يَوْمَ أُحُدٍ لِنَدْفِنَهُمْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم فرددناهم " رواه أبو داود والترمذي والنسأني بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) نَبْشُ الْقَبْرِ فَلَا يَجُوزُ لِغَيْرِ سَبَبٍ شَرْعِيٍّ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَيَجُوزُ بِالْأَسْبَابِ الشَّرْعِيَّةِ كَنَحْوِ مَا سَبَقَ وَمُخْتَصَرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ نَبْشُ الْقَبْرِ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ وَيَجُوزُ زَرْعُ تِلْكَ الْأَرْضِ وبنائها وَسَائِرُ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَتْ عَارِيَّةً رَجَعَ فِيهَا الْمُعِيرُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَبْقَ لِلْمَيِّتِ أَثَرٌ مِنْ عَظْمٍ وَغَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْبِلَادِ وَالْأَرْضِ وَيُعْتَمَدُ فِيهِ قَوْلُ أَهْلِ الْخِبْرَةِ بِهَا وَيَجُوزُ نَبْشُ الْمَيِّتِ إذَا دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ بِلَا غُسْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ فِيهِمَا أَوْ بِلَا كَفَنٍ أَوْ فِي كَفَنٍ مَغْصُوبٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ أَوْ ابْتَلَعَ جَوْهَرَةً أَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ عَلَى مَا سَبَقَ فِي كُلِّ ذَلِكَ مِنْ التَّفْصِيلِ وَالْخِلَافِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ إذَا لَحِقَ الْقَبْرَ سَيْلٌ أَوْ نَدَاوَةٌ قال أبو عبد الله الزبيري يجوز نقله وَمَنَعَهُ غَيْرُهُ قُلْت قَوْلُ الزُّبَيْرِيِّ أَصَحُّ فَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما " أَنَّهُ دَفَنَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ فِي قَبْرٍ قَالَ ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ آخَرَ فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هَيْئَةً غَيْرَ أُذُنِهِ " وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا " أَخْرَجْته فَجَعَلْته فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَذَكَرَ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي المعارف وغيره ان طلحة بن عبد اللَّهِ أَحَدَ الْعَشَرَةِ رضي الله عنهم دُفِنَ فرأنه بِنْتُهُ عَائِشَةُ بَعْدَ دَفْنِهِ بِثَلَاثِينَ سَنَةً فِي الْمَنَامِ فَشَكَا إلَيْهَا النَّزَّ فَأَمَرَتْ بِهِ فَاسْتُخْرِجَ طَرِيًّا فَدُفِنَ فِي دَارِهِ بِالْبَصْرَةِ قَالَ غَيْرُهُ قَالَ الرَّاوِي كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْكَافُورِ فِي عَيْنَيْهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ إلَّا عَقِيصَتُهُ فَمَالَتْ عَنْ مَوْضِعِهَا وَاخْضَرَّ شِقُّهُ الَّذِي يَلِي النَّزَّ (الرَّابِعَةُ) قَالَ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَصْحَابِنَا يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ
الْمَيِّتِ عَقِبَ دَفْنِهِ فَيَجْلِسُ عِنْدَ رَأْسِهِ إنْسَانٌ وَيَقُولُ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ وَيَا عَبْدَ اللَّهِ ابن أَمَةِ اللَّهِ اُذْكُرْ الْعَهْدَ
الَّذِي خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا اله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا وَبِالْكَعْبَةِ قِبْلَةً وَبِالْمُؤْمِنِينَ إخْوَانًا زَادَ الشَّيْخُ نَصْرٌ ربي الله لا إله الا هو عله تَوَكَّلْت وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ فَهَذَا التَّلْقِينُ عندهم مستحب ممن نَصَّ عَلَى اسْتِحْبَابِهِ الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّيْخُ نَصْرٌ الْمَقْدِسِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي حُسَيْنٌ عَنْ أَصْحَابِنَا مُطْلَقًا وَسُئِلَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رحمه الله عَنْهُ فَقَالَ التَّلْقِينُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ وَنَعْمَلُ بِهِ قَالَ وَرَوَيْنَا فِيهِ حَدِيثًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَائِمِ لَكِنْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ وَبِعَمَلِ أَهْلِ الشَّامِ قَدِيمًا هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو قُلْت حَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ قَالَ " شَهِدْتُ أَبَا أُمَامَةَ رضي الله عنه وَهُوَ فِي النَّزْعِ فَقَالَ إذَا مِتُّ فَاصْنَعُوا بِي كَمَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إذَا مَاتَ أَحَدٌ مِنْ إخْوَانِكُمْ فَسَوَّيْتُمْ التُّرَابَ عَلَى قَبْرِهِ فَلْيَقُمْ أَحَدُكُمْ عَلَى رَأْسِ قَبْرِهِ ثُمَّ لِيَقُلْ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْمَعُهُ وَلَا يُجِيبُ ثُمَّ يَقُولُ يَا فُلَانَ ابْنَ فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَسْتَوِي قَاعِدًا ثُمَّ يَقُولُ يا فلان ابن فُلَانَةَ فَإِنَّهُ يَقُولُ أَرْشِدْنَا رَحِمَك اللَّهُ وَلَكِنْ لا تشعرون فَلْيَقُلْ اُذْكُرْ مَا خَرَجْت عَلَيْهِ مِنْ الدُّنْيَا شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّك رَضِيت بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْآنِ إمَامًا فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِيَدِ صَاحِبِهِ وَيَقُولُ انْطَلِقْ بِنَا مَا نَقْعُدُ عِنْدَ مَنْ لُقِّنَ حُجَّتَهُ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ نَعْرِفْ أُمَّهُ قَالَ فَيَنْسُبُهُ إلَى أُمِّهِ حَوَّاءَ يَا فُلَانَ ابْنَ حَوَّاءَ " قُلْتُ فَهَذَا الْحَدِيثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيُسْتَأْنَسُ بِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرُهُمْ عَلَى الْمُسَامَحَةِ فِي أَحَادِيثِ الْفَضَائِلِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَقَدْ اُعْتُضِدَ بِشَوَاهِدَ مِنْ الْأَحَادِيثِ كَحَدِيثِ " وَاسْأَلُوا لَهُ الثبيت " وَوَصِيَّةِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَهُمَا صَحِيحَانِ سَبَقَ بَيَانُهُمَا قَرِيبًا وَلَمْ يَزَلْ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا فِي زَمَنِ مَنْ يُقْتَدَى بِهِ وَإِلَى الْآنَ وَهَذَا التَّلْقِينُ إنَّمَا " هُوَ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ الْمَيِّتِ أَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا يُلَقَّنُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ
أَنَّهُ يُكْرَهُ إيقَادُ النَّارِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ وَسَيَأْتِي فِي بَابِ التَّعْزِيَةِ كَرَاهِيَةُ الْمَبِيتِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَكَرَاهَةُ الْجُلُوسِ عَلَى قَبْرٍ وَدَوْسِهِ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهِ
*
{بَابُ التَّعْزِيَةِ وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ}
الْبُكَاءُ يُمَدُّ وَيُقْصَرُ لُغَتَانِ الْمَدُّ أَفْصَحُ وَالْعَزَاءُ بِالْمَدِّ التَّعْزِيَةُ وَهُمَا الصَّبْرُ عَلَى مَا بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ وَعَزَّاهُ أَيْ صَبَّرَهُ وَحَثَّهُ عَلَى الصَّبْرِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ رحمه الله أَصْلُهَا التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {تعزية أهل الميت سنة لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم من عزى مصابا فله مثل أجره " ويستحب ان يعزي بتعزية الخضر عليه السلام أهل بَيْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ أن يقول ان في الله سبحانه وتعالي عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا واياه فارجوا فان المصاب من حرم الثواب " ويستحب أن يدعوا للميت فيقول أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وان عزي مسلما بكافر قال أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وان عزى كافرا بمسلم قال أحسن الله عزاك وغفر لميتك وان عزى كافرا بكافر قال اخلف الله عليك ولا نقص عددك ويكره الجلوس للتعزية لان ذلك محدث والمحدث بدعة} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه رواه الترمذي وغيره باسناده ضَعِيفٍ وَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ عَزَّى ثَكْلَى كُسِيَ بُرْدًا فِي الْجَنَّةِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (وَأَمَّا) قِصَّةُ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ عليه السلام فَرَوَاهَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ الْخَضِرُ عليه السلام بَلْ سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ فَذَكَرَ هَذِهِ التَّعْزِيَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ الْخَضِرَ عليه السلام وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ وَفِيهِ دَلِيلٌ مِنْهُمْ لِاخْتِيَارِهِمْ مَا هُوَ الْمُخْتَارُ وَتَرْجِيحُ مَا هُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ أَنَّ الْخَضِرَ عليه السلام حَيٌّ بَاقٍ وَهَذَا قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَدِّثِينَ لَيْسَ هُوَ حَيًّا وَاخْتَلَفُوا فِي حَالِهِ فَقَالَ كَثِيرُونَ كَانَ نَبِيًّا لَا رَسُولًا وقال آخرون كان نبيا
رسول وَقَالَ آخَرُونَ كَانَ وَلِيًّا وَقِيلَ كَانَ مَلَكًا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَهَذَا غَلَطٌ وَقَدْ أَوْضَحْت اسْمَهُ وَحَالَهُ وَالِاخْتِلَافَ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ فِي تَهْذِيبِ الْأَسْمَاءِ وَاللُّغَاتِ (وَقَوْلُهُ) خَلَفًا مِنْ كُلِّ هَالِكٍ - هُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ - أَيْ بَدَلًا وَالدَّرْكُ اللِّحَاقُ (قَوْلُهُ) وَلَا نَقَصَ عَدَدُك هُوَ بِنَصْبِ الدَّالِ وَرَفْعِهَا (وَقَوْلُهُ) أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك أَيْ رَدَّ عَلَيْك مِثْلَ مَا ذَهَبَ مِنْك قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك إذَا كَانَ الْمَيِّتُ مِمَّنْ يُتَصَوَّرُ مِثْلُهُ كَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْأَخِ لِمَنْ وَالِدُهُ حَيٌّ وَمَعْنَاهُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْك مِثْلَهُ قَالُوا وَيُقَالُ خَلَفَ اللَّهُ عَلَيْك إذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ حُصُولُ مِثْلِهِ كَالْوَالِدِينَ أَيْ كَانَ اللَّهُ خَلِيفَةَ مَنْ فَقَدْته عَلَيْك
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله التَّعْزِيَةُ مُسْتَحَبَّةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُعَزَّى جَمِيعُ أَقَارِبِ الْمَيِّتِ أَهْلُهُ الْكِبَارُ وَالصِّغَارُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ شَابَّةً فَلَا يُعَزِّيهَا إلَّا مَحَارِمُهَا قَالُوا وَتَعْزِيَةُ الصُّلَحَاءِ وَالضُّعَفَاءِ عَنْ احْتِمَالِ الْمُصِيبَةِ وَالصِّبْيَانِ آكَدُ وَيُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَعْزِيَةِ الْخَضِرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِيهِ تَسْلِيَةٌ وَتَصْبِيرٌ وَمِنْ أَحْسَنِهِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما قَالَ " أَرْسَلَتْ إحْدَى بَنَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِ تَدْعُوهُ وَتُخْبِرُهُ أَنَّ صَبِيًّا لَهَا أَوْ ابْنًا فِي الْمَوْتِ فَقَالَ لِلرَّسُولِ ارْجِعْ إلَيْهَا فَأَخْبِرْهَا أَنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وكل شئ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى فَمُرْهَا فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ " وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى مُهِمَّاتٍ مِنْ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ
وَالْآدَابِ وَقَدْ أَشَرْت إلَى بَعْضِهَا فِي الْأَذْكَارِ وَفِي شَرْحِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) وَقْتُ التَّعْزِيَةِ فَقَالَ أَصْحَابُنَا هُوَ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إلَى حِينِ الدَّفْنِ وَبَعْدَ الدَّفْنِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَهَذِهِ الْمُدَّةُ لِلتَّقْرِيبِ لَا لِلتَّحْدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا تَسْكِينُ قَلْبِ الْمُصَابِ وَالْغَالِبُ سُكُونُهُ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَلَا يُجَدِّدُ لَهُ الْحُزْنَ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ وَجَزَمَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِيِّ بِأَنَّهُ يُعَزَّى قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى مَنْزِلِهِ وَلَا يُعَزَّى بَعْدَ وُصُولِهِ مَنْزِلَهُ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ لَا أَمَدَ لِلتَّعْزِيَةِ بَلْ يَبْقَى بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْغَرَضَ الدُّعَاءُ وَالْحَمْلُ عَلَى الصَّبْرِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْجَزَعِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قطع أبو العباس ابن الْقَاصِّ فِي التَّلْخِيصِ وَأَنْكَرَهُ عَلَيْهِ الْقَفَّالُ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ وَالْمَذْهَبُ
أَنَّهُ يُعَزَّى وَلَا يُعَزَّى بَعْدَ ثَلَاثَةٍ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ إلَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَلَمْ يَحْضُرْ إلَّا بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فَإِنَّهُ يُعَزِّيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَتَجُوزُ التَّعْزِيَةُ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ لَكِنْ بَعْدَ الدَّفْنِ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ لِأَنَّ أَهْلَهُ قَبْلَ الدَّفْنِ مَشْغُولُونَ بِتَجْهِيزِهِ وَلِأَنَّ وَحْشَتَهُمْ بَعْدَ دَفْنِهِ لِفِرَاقِهِ أَكْثَرُ فَكَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ أَوْلَى بِالتَّعْزِيَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ فيهم جزع ونحوه فيعجل التَّعْزِيَةَ لِيَذْهَبَ جَزَعُهُمْ أَوْ يَخِفَّ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ رحمه الله فِي تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ كَذَا وَفِي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ كَذَا فَهَكَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا وَحَاصِلُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ وَالْمُعَزَّى بِهِ وَالْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ الدُّعَاءِ لِلْمُعَزَّى كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وَحَكَى السَّرَخْسِيُّ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) هَذَا قال وهو قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيُّ قَالَ لِأَنَّهُ الْمُخَاطَبُ فَبُدِئَ بِهِ (وَالثَّانِي) يُقَدَّمُ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ فَيَقُولُ غَفَرَ اللَّهُ لِمَيِّتِك وَأَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاك لِأَنَّ الْمَيِّتَ أحوج الي الدعاء (والثالث) يتخير فيقدم من شَاءَ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَقَوْلُهُ فِي الْكَافِرِ وَلَا نَقَصَ عَدَدُك لِتَكْثُرَ الْجِزْيَةُ الْمَأْخُوذَةُ مِنْهُمْ مِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَصَاحِبَا الْعُدَّةِ وَالْبَيَانِ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِبَقَاءِ الْكَافِرِ وَدَوَامِ كُفْرِهِ فَالْمُخْتَارُ تَرْكُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ فَنَصَّ الشَّافِعِيُّ وَالْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَتِهِ وَنَقَلَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ فِي التَّعْلِيقِ وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ قَالُوا يَعْنِي بِالْجُلُوسِ لَهَا أَنْ يَجْتَمِعَ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي بَيْتٍ فَيَقْصِدُهُمْ مَنْ أَرَادَ التَّعْزِيَةَ قَالُوا بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَنْصَرِفُوا فِي حَوَائِجِهِمْ فَمَنْ صَادَفَهُمْ عَزَّاهُمْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي كَرَاهَةِ الجلوس لها صرح به المحالي وَنَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رحمه الله وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي الْأُمِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وأكره الماثم وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُكَاءٌ فَإِنَّ ذَلِكَ يُجَدِّدُ الْحُزْنَ وَيُكَلِّفُ الْمُؤْنَةَ مَعَ مَا مَضَى فِيهِ مِنْ الْأَثَرِ هَذَا لَفْظُهُ فِي الْأُمِّ وَتَابَعَهُ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " لَمَّا جَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ وَجَعْفَرٍ وَابْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنهم جَلَسَ يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ وَأَنَا أَنْظُرُ مِنْ شِقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رجل فقال ان نساء جعفر وذكر بكائهن فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْهَاهُنَّ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا اسْتِحْبَابُ التَّعْزِيَةِ قَبْلَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُعَزَّى قبل الدفن لا بعده
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُ جَابِرٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ هَكَذَا وَقَالَ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَمَعْنَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ جَابِرٍ وَمَعْنَى لَا نُغْنِي عَنْك شَيْئًا أَيْ لَا نَدْفَعُ وَلَا نَكُفُّ (وَقَوْلُهُ) ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ - بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ - أَيْ سَالَ دَمْعُهَا وَالْجَاهِلِيَّةُ مِنْ الْجَهْلِ قَالَ الْوَاحِدِيُّ رحمه الله هُوَ اسْمٌ لِمَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ في الفترة لكثرة جهلهم والندب تعديه مَحَاسِنِ الْمَيِّتِ مَعَ الْبُكَاءِ كَقَوْلِهَا وَاجَبَلَاه وَاسَنَدَاه واكريماه ونحوها والنياحة رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ جَائِزٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَهُ وَلَكِنْ قَبْلَهُ أَوْلَى لِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ رضي الله عنه " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَ يَعُودُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ ثَابِتٍ فَوَجَدَهُ قَدْ غُلِبَ فَصَاحَ النِّسْوَةُ وَبَكَيْنَ فَجَعَلَ ابْنُ عَتِيكٍ يُسْكِتُهُنَّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَعْهُنَّ فَإِذَا وَجَبَ فَلَا تَبْكِيَنَّ بَاكِيَةٌ قَالُوا وَمَا الْوُجُوبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْمَوْتُ " حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ فِي الام وأرخص في البكاء قبل الموت فإذ مَاتَ أَمْسَكْنَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَطَائِفَةٌ يُكْرَهُ الْبُكَاءُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ فِي النَّهْيِ وَلَمْ يَقُلْ الْجُمْهُورُ وَيُكْرَهُ وَإِنَّمَا قَالُوا الْأَوْلَى تَرْكُهُ قَالُوا وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَلَفْظُ الشَّافِعِيِّ محتمل هذا كله في البكاء بلاندب وَلَا نِيَاحَةٍ أَمَّا النَّدْبُ وَالنِّيَاحَةُ وَلَطْمُ الْخَدِّ وَشَقُّ الْجَيْبِ وَخَمْشُ الْوَجْهِ وَنَشْرُ الشَّعْرِ وَالدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ فَكُلُّهَا مُحَرَّمَةٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَصَرَّحَ الْجُمْهُورُ بِالتَّحْرِيمِ
وَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِهِمْ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ وَكَذَا وَقَعَ لَفْظُ الْكَرَاهَةِ فِي نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَحَمَلَهَا الْأَصْحَابُ عَلَى كَرَاهَةِ التَّحْرِيمِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِإِفْرَاطٍ فِي مَعْنَى شَقِّ الْجَيْبِ قَالَ غَيْرُهُ هَذَا إذَا كَانَ مُخْتَارًا فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ لِأَنَّهُ
غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْأُمِّ وَأَكْرَهُ الْمَآتِمَ وَهِيَ الْجَمَاعَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُكَاءٌ فَمُرَادُهُ الْجُلُوسُ لِلتَّعْزِيَةِ وقد سبق بيانه.
(فرع)
في الاحاديث الوارة فِي أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ وَبِالْبُكَاءِ عَلَيْهِ وَبَيَانُ تَأْوِيلِهَا وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا
* عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ بِمَا نِيحَ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ إنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " قَالَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ " رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ " قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ " رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ وَاَللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ الْمُؤْمِنَ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَلَكِنَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الْكَافِرَ عَذَابًا بِبُكَاءِ أَهْلِهِ وَقَالَتْ حَسْبُكُمْ الْقُرْآنُ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فَمَا قَالَ ابْنُ عُمَرَ شَيْئًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها " أَنَّهَا قِيلَ لَهَا إنَّ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ فَقَالَتْ يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَمَا إنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ إنَّمَا مَرَّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى يَهُودِيَّةٍ يُبْكَى عَلَيْهَا فَقَالَ إنَّهُمْ لَيَبْكُونَ عَلَيْهَا وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ رضي الله عنهما قَالَ " أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ فَجَعَلَتْ أُخْتُهُ تَبْكِي وَاجَبَلَاهُ وَاكَذَا وَاكَذَا تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ مَا قُلْتِ شَيْئًا إلَّا قِيلَ لِي أَنْتَ كَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه ولم قَالَ " مَا مِنْ مَيِّتٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ بَاكِيهِمْ فَيَقُولُ وَاجَبَلَاهُ وَاسَنَدَاهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا وُكِّلَ بِهِ مَلَكَانِ يَلْهَزَانِهِ أَهَكَذَا أَنْتَ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اثْنَتَانِ فِي النَّاسِ هما لهم كُفْرٌ الطَّعْنُ فِي النَّسَبِ
وَالنِّيَاحَةُ عَلَى الْمَيِّتِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَشِبْهُهَا فِي التَّحْرِيمِ وَتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ وَجَاءَ فِي الْإِبَاحَةِ مَا قَدْ يُشَابِهُ هَذَا وَلَيْسَ هُوَ مِنْهُ وَهُوَ حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ الْكَرْبُ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها وَاكَرْبَ أَبَتَاهُ فَقَالَ لَيْسَ عَلَى أَبِيك كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ فَلَمَّا مَاتَ قَالَتْ يَا أَبَتَاهُ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا أَبَتَاهُ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا أَبَتَاهُ إلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهُ فَلَمَّا دُفِنَ قَالَتْ فَاطِمَةُ رضي الله عنها أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التُّرَابَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَحَادِيثِ تَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالْبُكَاءِ فَتَأَوَّلَهَا الْمُزَنِيّ وَأَصْحَابُنَا وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى مَنْ وَصَّى أَنْ يُبْكَى عَلَيْهِ وَيُنَاحَ بَعْدَ مَوْتِهِ فَنَفَذَتْ وَصِيَّتُهُ فَهَذَا يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ وَنَوْحِهِمْ لِأَنَّهُ بِسَبَبِهِ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ بَكَى عَلَيْهِ أَهْلُهُ وَنَاحُوا مِنْ غَيْرِ وصيتة مِنْهُ فَلَا يُعَذَّبُ بِبُكَائِهِمْ وَنَوْحِهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قَالُوا وَكَانَ مِنْ عَادَةِ الْعَرَبِ الْوَصِيَّةُ بِذَلِكَ
وَمِنْهُ قَوْلُ طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ.
إذَا مِتُّ فَانْعِينِي بِمَا أَنَا أَهْلُهُ
*
* وَشُقِّي عَلَيَّ الْجَيْبَ يَا ابْنَةَ مَعْبَدِ قَالُوا فَخَرَجَ الْحَدِيثُ مُطْلَقًا حَمْلًا عَلَى مَا كَانَ مُعْتَادًا لَهُمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ أَوْصَى بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ أَوْ لَمْ يُوصِ بِتَرْكِهِمَا فَمَنْ أَوْصَى بِهِمَا أَوْ أَهْمَلَ الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا يُعَذَّبُ بِهِمَا لِتَفْرِيطِهِ بِإِهْمَالِهِ الْوَصِيَّةَ بِتَرْكِهِمَا فَأَمَّا مَنْ أَوْصَى بتركهما فلا يعذب بهما إذ لاصنع لَهُ فِيهِمَا وَلَا تَفْرِيطَ وَحَاصِلُ هَذَا الْقَوْلِ ايجاب الوصية بتركهما فمن أهملها عُذِّبَ بِهِمَا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَى الْأَحَادِيثِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَنُوحُونَ عَلَى الْمَيِّتِ وَيَنْدُبُونَهُ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَمَحَاسِنِهِ فِي زَعْمِهِمْ وَتِلْكَ الشَّمَائِلُ قَبَائِحُ فِي الشَّرْعِ فَيُعَذَّبُ بِهَا كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ يَا مُرَمِّلَ النِّسْوَانِ وَمُؤَتِّمَ الْوِلْدَانِ وَمُخَرِّبَ الْعُمْرَانِ وَمُفَرِّقَ الْأَخْدَانِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِمَّا يَرَوْنَهُ شَجَاعَةً وَفَخْرًا وَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِسَمَاعِهِ بُكَاءَ أَهْلِهِ وَيَرِقُّ لَهُمْ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَهُوَ أَوْلَى الْأَقْوَالِ
* وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " زَجَرَ امْرَأَةً عَنْ الْبُكَاءِ عَلَى أَبِيهَا وَقَالَ إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبُهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لَا تُعَذِّبُوا إخْوَانَكُمْ " وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ
الْكَافِرَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ يُعَذَّبُ فِي حَالِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ لَا بِبُكَائِهِمْ وَالصَّحِيحُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ وَأَجْمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى اخْتِلَافِ مَذَاهِبِهِمْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبُكَاءِ بِصَوْتٍ وَنِيَاحَةٍ لَا مُجَرَّدَ دَمْعِ العين والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَوَّلُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَلَمْ يَقَعْ هَذَا الْحَدِيثُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْغَافِرِ الْفَارِسِيِّ لِصَحِيحِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَوْجُودٌ لِغَيْرِهِ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ الْجُلُودِيِّ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ وَعَزَاهُ إلَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَائِشَةَ فَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأَخِيرُ فَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ غَيْرُهُ وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَالْبَقِيعُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْغَرْقَدُ شَجَرٌ مَعْرُوفٌ قَالَ
الهروي هو من العضاه وهى كل شجر لَهُ شَوْكٌ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ الْعَوْسَجُ قَالُوا وَسُمِّيَ بَقِيعَ الْغَرْقَدِ لِشَجَرَاتِ غَرْقَدٍ كَانَتْ بِهِ قَدِيمًا وَبَقِيعُ الْغَرْقَدِ هُوَ مَدْفِنُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ (وَقَوْلُهُ) السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ فَدَارَ مَنْصُوبٌ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوْ علي النداء المضاف والاول افصح قال وَيَصِحُّ الْجَرُّ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ الْكَافِ وَالْمِيمِ في عليكم والمزاد بِالدَّارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ الْأَخِيرِ الْجَمَاعَةُ أَوْ أَهْلُ الدَّارِ وَعَلَى الْأَوَّلِ مِثْلُهُ أَوْ الْمَنْزِلُ وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّا إنْ شاء الله بكم لا حقون فِيهِ أَقْوَالٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَدْخُلُ الْكَلَامُ لِشَكٍّ وَارْتِيَابٍ بَلْ عَلَى عَادَةِ
الْمُتَكَلِّمِ لِتَحْسِينِ الْكَلَامِ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله (الثَّانِي) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ عَلَى بَابِهِ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى التَّخَوُّفِ فِي هَذَا الْمَكَانِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ وَامْتِثَالِ قَوْله تَعَالَى (وَلا تقولن لشئ إني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء الله) وَقِيلَ فِيهِ أَقْوَالٌ أُخَرُ تَرَكْتهَا لِضَعْفِهَا وَمِنْ أَضْعَفِهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ إنَّهُ صلى الله عليه وسلم " دَخَلَ الْمَقْبَرَةَ وَمَعَهُ مُؤْمِنُونَ حَقِيقَةً وَآخَرُونَ يُظَنُّ بِهِمْ النِّفَاقُ " وَكَانَ الِاسْتِثْنَاءُ مُنْصَرِفًا إلَيْهِمْ وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ الْحَدِيثَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم " خَرَجَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ إلَى الْبَقِيعِ وَحْدَهُ وَرَجَعَ فِي وَقْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدٌ الاعائشة رضي الله عنها كَانَتْ تَنْظُرُهُ مِنْ بَعِيدٍ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّهَا تَنْظُرُهُ) فَهَذَا تَصْرِيحٌ بِإِبْطَالِ هَذَا الْقَوْلِ وَإِنْ كَانَ قَدْ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَقِيلَ إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ رَاجِعٌ إلَى اسْتِصْحَابِ الْإِيمَانِ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَكَيْفَ يَصِحُّ هَذَا وَهُوَ صلى الله عليه وسلم يَقْطَعُ بِدَوَامِ إيمَانِهِ وَيَسْتَحِيلُ بِالدَّلَالَةِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُقَرَّرَةِ وُقُوعُ الْكُفْرِ فَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ بَاطِلٌ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ وَكَذَا أَقْوَالٌ أُخَرُ قِيلَتْ هِيَ فَاسِدَةٌ ظَاهِرَةُ الْخَطَأِ لَا حَاجَةَ إلَى ارْتِكَابِهَا وَلَا ضَرُورَةَ بِحَمْدِ اللَّهِ فِي الْكَلَامِ إلَى حَمْلِهِ عَلَى تَأْوِيلٍ بَعِيدٍ بَلْ الصَّحِيحُ مِنْهُ مَا قَدَّمْته وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً نَقَلَ الْعَبْدَرِيُّ فِيهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ وَكَانَتْ زِيَارَتُهَا مَنْهِيًّا عَنْهَا أَوَّلًا ثُمَّ نُسِخَ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ رحمه الله عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا " وَزَادَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالنَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِمَا فَزُورُوهَا وَلَا تَقُولُوا هُجْرًا وَالْهَجْرُ الْكَلَامُ الْبَاطِلُ وَكَانَ النَّهْيُ أَوَّلًا لِقُرْبِ عَهْدِهِمْ مِنْ الجاهلية فربما كانا يَتَكَلَّمُونَ بِكَلَامِ الْجَاهِلِيَّةِ الْبَاطِلِ فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ قَوَاعِدُ الْإِسْلَامِ وَتَمَهَّدَتْ أَحْكَامُهُ واستشهرت مَعَالِمُهُ أُبِيحَ لَهُمْ الزيارة واحتاط صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ وَلَا تَقُولُوا هجرا قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يَدْنُوَ مِنْ قَبْرِ الْمَزُورِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يدنوا مِنْ صَاحِبِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا وَزَارَهُ وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ لَا تَجُوزُ لَهُنَّ الزِّيَارَةُ وَهُوَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ لَهُنَّ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ وَذَكَرَ الرُّويَانِيُّ فِي الْبَحْرِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْجُمْهُورُ
(وَالثَّانِي)
لَا يُكْرَهُ قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ
عندي إذا أمن الا فتتان وَقَالَ صَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَعِنْدِي إنْ كَانَتْ زِيَارَتُهُنَّ لِتَجْدِيدِ الْحُزْنِ وَالتَّعْدِيدِ وَالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُنَّ حَرُمَ قَالَ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ " لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ " وَإِنْ كَانَتْ زيارتهن للاعتبار مِنْ غَيْرِ تَعْدِيدٍ وَلَا نِيَاحَةٍ كُرِهَ إلَّا إن تكون عجوزا لا تشثهى فَلَا يُكْرَهُ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الْمَسَاجِدِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ حَسَنٌ وَمَعَ هَذَا فَالِاحْتِيَاطُ لِلْعَجُوزِ تَرْكُ الزِّيَارَةِ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ رحمهم الله فِي دُخُولِ النِّسَاءِ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا " وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّهُنَّ لَا يَدْخُلْنَ فِي ضِمْنِ الرِّجَالِ وَمِمَّا يَدُلُّ أَنَّ زِيَارَتَهُنَّ لَيْسَتْ حَرَامًا حَدِيثُ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " مَرَّ بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ واصبري " رواه البحارى وَمُسْلِمٌ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَهَا عَنْ الزِّيَارَةِ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " كَيْفَ أَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ - يَعْنِي إذَا زُرْت الْقُبُورَ قَالَ قُولِي السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّا إنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَيُسْتَحَبُّ لِلزَّائِرِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى الْمَقَابِرِ وَيَدْعُوَ لِمَنْ يَزُورُهُ وَلِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَقْبَرَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ وَالدُّعَاءُ بِمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ مِنْ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ وَيَدْعُوَ لَهُمْ عَقِبَهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْأَصْفَهَانِيُّ رحمه الله فِي كِتَابِهِ آدَابِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ الزَّائِرُ بِالْخِيَارِ إنْ شاء زار قَائِمًا وَإِنْ شَاءَ قَعَدَ كَمَا يَزُورُ الرَّجُلُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاةِ فَرُبَّمَا جَلَسَ عِنْدَهُ وَرُبَّمَا زاره قائما أومارا (قَالَ) وَرَوَى الْقِيَامَ عِنْدَ الْقَبْرِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ وَالْحَكَمِ بْنِ الْحَارِثِ وَابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ رضي الله عنهم قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَرْزُوقٍ الزَّعْفَرَانِيُّ وَكَانَ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْمُحَقِّقِينَ فِي كِتَابِهِ فِي الْجَنَائِزِ وَلَا يَسْتَلِمُ الْقَبْرَ بِيَدِهِ وَلَا يُقَبِّلُهُ قَالَ وَعَلَى هَذَا مَضَتْ السُّنَّةُ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ وَاسْتِلَامُ الْقُبُورِ وَتَقْبِيلُهَا الَّذِي يَفْعَلُهُ الْعَوَامُّ الْآنَ مِنْ الْمُبْتَدَعَاتِ الْمُنْكَرَةِ شَرْعًا يَنْبَغِي تَجَنُّبُ فِعْلِهِ وَيُنْهَى فَاعِلُهُ قَالَ فَمَنْ قَصَدَ السَّلَامَ عَلَى مَيِّتٍ سَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَإِذَا أَرَادَ الدُّعَاءَ تَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَالَ أَبُو مُوسَى وَقَالَ الْفُقَهَاءُ الْمُتَبَحِّرُونَ الْخُرَاسَانِيُّونَ الْمُسْتَحَبُّ فِي زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَنْ يَقِفَ مُسْتَدْبِرَ الْقِبْلَةِ مُسْتَقْبِلًا وَجْهَ الْمَيِّتِ يُسَلِّمُ وَلَا يَمْسَحُ
الْقَبْرَ وَلَا يُقَبِّلُهُ وَلَا يَمَسُّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ عَادَةُ النَّصَارَى (قَالَ) وَمَا ذَكَرُوهُ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ تَعْظِيمِ الْقُبُورِ وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْتَحَبَّ اسْتِلَامُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ مِنْ أَرْكَانِ الْكَعْبَةِ لِكَوْنِهِ لَمْ يُسَنَّ مَعَ اسْتِحْبَابِ اسْتِلَامِ الرُّكْنَيْنِ الْآخَرَيْنِ فَلَأَنْ لَا يُسْتَحَبَّ مَسُّ الْقُبُورِ أولي والله أعلم
*
قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَجُمْهُورِ الْأَصْحَابِ فِي الطُّرُقِ كُلِّهَا أنه يكره الجلوس وأرادوا به كراهة التنزيه كما هو المشهور في استعمال الفقهاء وصرح بِهِ كَثِيرُونَ مِنْهُمْ وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي المقنع لا يجوز فيحمل أَنَّهُمَا أَرَادَا التَّحْرِيمَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْفُقَهَاءِ قَوْلُهُمْ لَا يَجُوزُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا أَرَادَا كَرَاهَةَ التَّنْزِيهِ لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْمُهَذَّبِ مَوَاضِعُ مِثْلُ هَذَا كَقَوْلِهِ فِي الِاسْتِطَابَةِ لَا يَجُوزُ الِاسْتِنْجَاءُ بِالْيَمِينِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا فِي مَوَاضِعِهَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله وَوَطْؤُهُ كَالْجُلُوسِ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا يُكْرَهُ الِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَيُكْرَهُ أَيْضًا الِاسْتِنَادُ إلَيْهِ وَأَمَّا الْمَبِيتُ فِي الْمَقْبَرَةِ فَمَكْرُوهٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ وَالِاتِّكَاءِ عَلَيْهِ وَالِاسْتِنَادِ إلَيْهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ النَّخَعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُكْرَهُ
*
(فَرْعٌ)
الْمَشْهُورُ فِي مَذْهَبِنَا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ الْمَشْيُ فِي الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَنَحْوِهِمَا مِمَّنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مِنْ اصحابنا الخطابى والعبد رى وَآخَرُونَ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ مَذْهَبِنَا وَمَذْهَبِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رحمه الله يُكْرَهُ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي يَخْلَعُ نَعْلَيْهِ لِحَدِيثِ بَشِيرِ بْنِ مَعْبَدٍ الصَّحَابِيِّ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْخَصَاصِيَةِ قال " بينهما أَنَا أُمَاشِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نُظِرَ فَإِذَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي الْقُبُورِ عَلَيْهِ نَعْلَانِ فَقَالَ يَا صَاحِبَ السِّبْتَتَيْنِ وَيْحَك أَلْقِ سِبْتَتَيْك فَنَظَرَ الرَّجُلُ فَلَمَّا عَرَفَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلَعَهُمَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الْعَبْدُ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى وَذَهَبَ أَصْحَابُهُ حَتَّى إنَّهُ لَيَسْمَعَ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَأَقْعَدَاهُ إلَى آخِرِ الْحَدِيثِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (وَأَجَابُوا) عَنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ بِجَوَابَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
وَبِهِ أَجَابَ الخطابي انه يشبه انه كرههما المعنى فِيهِمَا لِأَنَّ النِّعَالَ السِّبْتِيَّةَ - بِكَسْرِ
السِّينِ - هِيَ الْمَدْبُوغَةُ بِالْقَرَظِ وَهِيَ لِبَاسُ أَهْلِ التَّرَفُّهِ وَالتَّنَعُّمِ فَنَهَى عَنْهُمَا لِمَا فِيهِمَا مِنْ الْخُيَلَاءِ فَأَحَبَّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ دُخُولُهُ الْمَقَابِرَ عَلَى زِيِّ التَّوَاضُعِ وَلِبَاسِ أَهْلِ الْخُشُوعِ
(وَالثَّانِي)
لَعَلَّهُ كَانَ فِيهِمَا نَجَاسَةٌ قَالُوا وَحَمَلَنَا عَلَى تَأْوِيلِهِ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي مَرْثَدٍ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلَا تُصَلُّوا إلَيْهَا " وَثَبَتَ مَعْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَا " لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ قَالَ وَهُوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى
اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو مَرْثَدٍ - بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَاسْمُهُ كَنَّازُ - بِفَتْحِ الْكَافِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ - وَآخِرُهُ زَايٌ ابْنُ حُصَيْنٍ وَيُقَالُ ابْنُ الْحُصَيْنِ الْغَنَوِيُّ - بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ - تُوُفِّيَ بالشام سنة ثني عَشْرَةَ وَقِيلَ سَنَةَ إحْدَى وَهُوَ ابْنُ سِتٍّ وَسِتِّينَ سَنَةً وَحَضَرَ هُوَ وَابْنُهُ مَرْثَدٌ بَدْرًا وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى كَرَاهَةِ بِنَاءِ مَسْجِدٍ عَلَى الْقَبْرِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ مَشْهُورًا بِالصَّلَاحِ أَوْ غَيْرِهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَتُكْرَهُ الصَّلَاةُ إلَى الْقُبُورِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ صَالِحًا أَوْ غَيْرَهُ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو مُوسَى قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ
الزعفراني رحمه الله ولا يصلي إلي قبر وَلَا عِنْدَهُ تَبَرُّكًا بِهِ وَإِعْظَامًا لَهُ لِلْأَحَادِيثِ والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {ويستحب لا قرباء الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يُصْلِحُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا لما روى أنه لما قتل جعفر
ابن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم " اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طعاما فانه قد جاء هم أمر يشغلهم عنه "}
* {الشَّرْحُ} الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمْ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا من رواية
أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم يشغلهم - بفتح الْيَاءِ - وَحُكِيَ ضَمُّهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ يَشْغَلُهُمْ عَنْهُ وَاَلَّذِي فِي كتب الحديث يشغلهم بِحَذْفِ عَنْهُ وَكَانَ قَتْلُ جَعْفَرٍ رضي الله عنه في جمادى سنة ثمان من الهجرة في غزوة مؤنة وَهِيَ مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ بِالشَّامِ عِنْدَ الْكَرْكِ
وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أنه يستحب لا قرباء الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا طَعَامًا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَيَكُونُ بِحَيْثُ يُشْبِعُهُمْ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَأُحِبُّ لِقَرَابَةِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ طَعَامًا يُشْبِعُهُمْ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ وَفِعْلُ أَهْلُ الْخَيْرِ قال اصحابنا ويلح علهيم فِي الْأَكْلِ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ فِي بَلَدٍ آخر
يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِهِ أَنْ يَعْمَلُوا لَهُمْ طَعَامًا وَلَوْ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَيُسْتَحَبُّ لِأَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ وَجِيرَانِ أَهْلِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِدُخُولِ هَذِهِ الصُّورَةِ قَالَ اصحابنا رحمه الله وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ يَنُحْنَ لَمْ يَجُزْ اتِّخَاذُ طَعَامٍ لَهُنَّ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُ وَأَمَّا إصْلَاحُ أَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامًا وَجَمْعُ النَّاسِ عَلَيْهِ فَلَمْ يُنْقَلْ فيه شئ وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُسْتَحَبَّةٍ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الشَّامِلِ وَيُسْتَدَلُّ لِهَذَا بِحَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه قَالَ " كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنِيعَةَ الطَّعَامِ بَعْدَ دَفْنِهِ مِنْ النِّيَاحَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَلَيْسَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ بَعْدَ دَفْنِهِ (وَأَمَّا) الذَّبْحُ وَالْعَقْرُ عِنْدَ الْقَبْرِ فَمَذْمُومٌ لِحَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاعقر فِي الْإِسْلَامِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ كَانُوا يَعْقِرُونَ عِنْدَ الْقَبْرِ بَقَرَةً أوشيا
*
(فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِكِتَابِ الْجَنَائِزِ
(إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَأَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ مَسْحُ رَأْسِ الْيَتِيمِ وَدَهْنِهِ وَإِكْرَامِهِ وَلَا يُقْهَرُ وَلَا يُنْهَرُ (الثَّانِيَةُ) الْمُسْتَحَبُّ خَفْضُ الصَّوْتِ فِي السَّيْرِ بالجنازة ومعها فلا يشتغلوا بشئ غير الفكر فيما هي لا قية وَصَائِرَةٌ إلَيْهِ وَفِي حَاصِلِ الْحَيَاةِ وَأَنَّ هَذَا آخرها ولابد مِنْهُ وَقَدْ أَفْرَدَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْإِشْرَافِ والبيهقي في السنن الكبير بَابًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ رَوَيْنَا عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادِ - بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ - قَالَ " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُونَ رَفْعَ الصَّوْتِ عِنْدَ ثَلَاثٍ عِنْدَ الْقِتَالِ وَعِنْدَ الْجَنَائِزِ وَعِنْدَ الذِّكْرِ " قَالَ وَذَكَرَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ يَسْتَحِبُّونَ خَفْضَ الصَّوْتِ عِنْدَ الْجَنَائِزِ
وَعِنْدَ قِرَاءَةِ القرآن وعند القتال قال ذكره الحسن وسعيد ابن جبيرو النخعي واسحق قول القائل خلف الجنازة استغفر الله له وقال عطاء هي محدثة وقال الْأَوْزَاعِيُّ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَنَحْنُ نَكْرَهُ مِنْ ذلك ما كرهوا (الثالثة) عن عبيد ابن خَالِدٍ الصَّحَابِيِّ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " موت الفجأة أَخْذَةُ أَسِفٍ " وَرُوِيَ مَرْفُوعًا هَكَذَا وَمَوْقُوفًا عَلَى عبيد ابن خَالِدٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد هَكَذَا بِالْوَجْهَيْنِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَسِفُ الْغَضْبَانُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى (فلما آسفون) وَذَكَرَ الْمَدَائِنِيُّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ وَجَمَاعَةً مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أجْمَعِينَ مَاتُوا فَجْأَةً قَالَ وَهُوَ مَوْتُ الصَّالِحِينَ وَهُوَ تَخْفِيفٌ عَلَى الْمُؤْمِنِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ لُطْفٌ وَرِفْقٌ بِأَهْلِ الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ الْمُتَيَقِّظِينَ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَهُ تَعَلُّقَاتٌ يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ وَالتَّوْبَةِ وَاسْتِحْلَالِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ مُعَامَلَةٌ أَوْ مُصَاحَبَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْفَجْأَةُ فِي حَقِّهِ أَخْذَةُ أَسِفٍ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما قَالَا فِي مَوْتِ الْفَجْأَةِ هُوَ رَاحَةٌ لِلْمُؤْمِنِ وَأَخْذَةُ أَسَفٍ لِلْفَاجِرِ وَرَوَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ رِوَايَةِ عَائِشَةَ رضي الله عنها (الرَّابِعَةُ) عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رضي الله عنه لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ دَعَا بِثِيَابٍ جُدُدٍ فَلَبِسَهَا ثُمَّ قَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ الْمَيِّتُ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إلَّا رَجُلًا مُخْتَلَفًا فِي تَوْثِيقِهِ وَقَدْ رَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَاكِمُ هُوَ صَحِيحٌ قَالَ الْخَطَّابِيُّ رحمه الله اسْتَعْمَلَ أَبُو سعيد رضي الله عنه الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْسِينِ الْكَفَنِ أَحَادِيثُ قَالَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالثِّيَابِ الْعَمَلُ فَيُبْعَثُ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ عمل صالح أوسئ
وَالْعَرَبُ تَقُولُ فُلَانٌ طَاهِرُ الثِّيَابِ إذَا وَصَفُوهُ بِطَهَارَةِ النَّفْسِ وَالْبَرَاءَةِ مِنْ الْعُيُوبِ وَبِدَنَسِ الثِّيَابِ إذَا كَانَ بِخِلَافِ ذَلِكَ قَالَ وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " يُحْشَرُ النَّاسُ حُفَاةً عُرَاةً " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ المراد بالثياب الَّتِي هِيَ الْكَفَنُ قَالَ وَتَأَوَّلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى أَنَّ الْبَعْثَ غَيْرُ الْحَشْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ البعث مع الثياب والحشر مع العرى والحفاة (الْخَامِسَةُ) ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ابن عوف رضي الله عنه قَالَ " سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الطَّاعُونِ إذَا سَمِعْتُمْ بِهِ
بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدُمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ " (السَّادِسَةُ) يُسْتَحَبُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَتَعَاهَدَ نفسه بتقليم اظفاره وأخذ شعر شاربه رابطه وعانته واستدلوا لله بِحَدِيثِ خُبَيْبِ بْنِ عَدِيٍّ - بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ رضي الله عنه " أَنَّهُ لَمَّا أَرَادَتْ كُفَّارُ قريش قتله استعار موسي يستحدبها " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ رحمه الله (السَّابِعَةُ) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إذَا قَعَدَ الْمُؤْمِنُ فِي قَبْرِهِ أَتَى ثُمَّ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ قَالَ نَزَلَتْ فِي عَذَابِ الْقَبْرِ " وَعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ الْعَبْدَ إذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ إنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ إذَا انْصَرَفُوا فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ فيقعدانه فيقولان له ماكنت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَيُقَالُ لَهُ اُنْظُرْ إلَى مَقْعَدِك مِنْ النَّارِ قَدْ أَبْدَلَك اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا فِي الْجَنَّةِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا " قَالَ قَتَادَةُ وَذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا وَيُمْلَى عَلَيْهِ خَضِرًا إلَى يَوْمِ يَبْعَثُونَ (وَأَمَّا) الْمُنَافِقُ أَوْ الْكَافِرُ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي كُنْت أَقُولُ مَا يَقُولُ الناس فيه فيقال لا دريت ولا بليت ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَنْ يَلِيهِ إلَّا الثَّقَلَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا قُبِرَ الْمَيِّتُ - أو قال أحد كم - أَتَاهُ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الْمُنْكَرُ وللآخر النكير فيقولان ما كنت اتقول فِي هَذَا الرَّجُلِ فَيَقُولُ مَا كَانَ يَقُولُ هو عبد الله وسوله أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّك تَقُولُ هَذَا فَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعِينَ فِي سَبْعِينَ ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ وَذَكَرَ نَحْوَ مَا سَبَقَ فِيهِ " وَفِي الْمُنَافِقِ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَعَنْ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " إنَّ أَحَدَكُمْ إذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ يُقَالُ هَذَا مَقْعَدُك حَتَّى يَبْعَثَك اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ بن حنبل وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ
حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ (الثَّامِنَةُ) ثَبَتَتْ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّعَوُّذِ " وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ " فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدُ صَلَّى صَلَاةً إلَّا تَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ جُمْلَةٍ مِنْ هَذَا فِي الدُّعَاءِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ إثْبَاتُ عَذَابِ الْقَبْرِ لِلْكُفَّارِ وَلِمَنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الْعُصَاةِ وَشَبَّهُوهُ بالنائم الذى تراه ساكنا غير حاس بشئ وَهُوَ فِي نَعِيمٍ أَوْ عَذَابٍ وَنَكَدٍ وَعَنْ أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا لَدَعَوْت اللَّهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ رضي الله عنه قَالَ " خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ما غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا فَقَالَ يَهُودٌ تُعَذَّبُ فِي قُبُورِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (التَّاسِعَةُ) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ أُمِّي اُفْتُلِتَتْ نَفْسُهَا وَأَرَاهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ أَفَيَنْفَعُهَا إنْ تَصَدَّقْت عَنْهَا قَالَ نَعَمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَحَادِيثُ بِهَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ مَشْهُورَةٌ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الصَّدَقَةَ عَنْ الْمَيِّتِ تَنْفَعُهُ وَتَصِلُهُ وَسَنَبْسُطُ الْكَلَامَ فِيهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي آخِرِ كِتَابِ الْوَصِيَّةِ حَيْثُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَالشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ الْمَسْأَلَةَ وَإِنَّمَا قَصَدْت التَّنْبِيهَ هُنَا عَلَى أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ (الْعَاشِرَةُ) عن عبد الله بن عمرو ابن الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ الاوقاه اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) فِي مَوْتِ الْأَطْفَالِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ الله عن قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ مَا مِنْ النَّاسِ مُسْلِمٌ يَمُوتُ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إيَّاهُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ قَوْلُهُ عز وجل " وان منكم الا واردها) والمختاران الْمُرَادَ بِهِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لِلنِّسَاءِ
مَا مِنْكُنَّ مِنْ امْرَأَةٍ تُقَدِّمُ ثَلَاثَةً مِنْ الْوَلَدِ إلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِنْ النَّارِ فقالت امرأة واثنين فقال رسول
صلى الله عليه وسلم وَاثْنَيْنِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أدعوا اللَّهَ لَهُ فَلَقَدْ دَفَنْتُ ثَلَاثَةً فَقَالَ دَفَنْتِ ثَلَاثَةً قَالَتْ نَعَمْ قَالَ لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شديد من النار " رواه مُسْلِمٌ وَعَنْ أَبِي حَسَّانَ قَالَ " قُلْت لِأَبِي هُرَيْرَةَ مَاتَ لِي ابْنَانِ فَمَا أَنْتَ مُحَدِّثِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نطيب انفسنا عن موتانا قال قال نعم صغارهم دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ يَتَلَقَّى أَحَدُهُمْ أَبَاهُ - أَوْ قَالَ ابوه - فيأخذ بثوبه - أو قال بيده فلايتنهاها - أَوْ قَالَ يَنْتَهِي - حَتَّى يُدْخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَاهُ الْجَنَّةَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ أَهْلُ الْغَرِيبِ الدَّعَامِيصُ جَمْعُ دُعْمُوصٍ كَبُرْغُوثٍ وَبَرَاغِيثَ قَالُوا وَهُوَ الدَّخَّالُ فِي الْأُمُورِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيَّاحُونَ فِي الْجَنَّةِ دَخَّالُونَ فِي مَنَازِلِهِمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهَا كَمَا أَنَّ الصِّبْيَانَ فِي الدُّنْيَا لَا يُمْنَعُونَ الدُّخُولَ عَلَى الْحُرُمِ وَجَاءَتْ فِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْته وَمِنْهَا أَنَّ مَوْتَ الْوَاحِدِ مِنْ الْأَوْلَادِ حِجَابٌ مِنْ النَّارِ وَكَذَا السَّقْطُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ * (1)
*
(كِتَابُ الزَّكَاةِ)
* قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْوَاحِدِيُّ الزَّكَاةُ تَطْهِيرٌ لِلْمَالِ وَإِصْلَاحٌ لَهُ وَتَمْيِيزٌ وَإِنْمَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ قَدْ قيل قال والاظهر ان اصلها من الزِّيَادَةِ يُقَالُ زَكَا الزَّرْعُ يَزْكُو زَكَاءً مَمْدُودٌ وكل شئ ازْدَادَ فَقَدْ زَكَا قَالَ وَالزَّكَاةُ أَيْضًا الصَّلَاحُ وَأَصْلُهَا مِنْ زِيَادَةِ الْخَيْرِ يُقَالُ رَجُلٌ زَكِيٌّ أي زائد الخير من قوم ازكياء
(1)(حاشية) وجد بالاصل ما نصه
* قال مصنفه يحيى بن شرف النووي رحمه الله فرغت منه ضحوة يوم عاشوراء سنة ثلاث وسبعين وستمائة
* آخر المجلد الثالث من شرح المهذب من تجزئة الشيخ رحمه الله
*
وَزَكَّى الْقَاضِي الشُّهُودَ إذَا بَيَّنَ زِيَادَتَهُمْ فِي الْخَيْرِ وَسَمَّى مَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَالِ لِلْمَسَاكِينِ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ زَكَاةً لِأَنَّهَا تَزِيدُ فِي الْمَالِ الَّذِي أُخْرِجَتْ مِنْهُ وَتُوَفِّرُهُ فِي الْمَعْنَى وَتَقِيهِ الْآفَاتِ هَذَا كَلَامُ الْوَاحِدِيِّ (وَأَمَّا) الزَّكَاةُ فِي الشَّرْعِ فَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ هُوَ اسْمٌ لاخذ شئ مَخْصُوصٍ مِنْ مَالٍ مَخْصُوصٍ عَلَى أَوْصَافٍ مَخْصُوصَةٍ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ (وَاعْلَمْ) أَنَّ الزَّكَاةَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ قَبْلَ وُرُودِ
الشَّرْعِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُسْتَدَلَّ لَهُ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَقَالَ دَاوُد الظَّاهِرِيُّ لَا أَصْلَ لِهَذَا الِاسْمِ فِي اللُّغَةِ وَإِنَّمَا عُرِفَ بِالشَّرْعِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا فَلَيْسَ الْخِلَافُ فِيهِ مُؤَثِّرًا فِي أَحْكَامِ الزكاة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ اللُّغَاتِ فِي جِبْرِيلَ فِي مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وقوله عز وجل (وأقيموا الصلاة) قَالَ الْعُلَمَاءُ إقَامَتُهَا إدَامَتُهَا وَالْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا بِحُدُودِهَا يقال قام بالامرو اقامه إذا أنى بِهِ مُوفِيًا حُقُوقَهُ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ أُشْبِهُ مِنْ أَنْ تُفَسَّرَ بِيَتَمَوَّنُهَا وَالْمُرَادُ جِنْسُ الصَّلَاةِ الْوَاجِبَةِ وَذَكَرَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ خِلَافًا فِي هَذِهِ هَلْ هِيَ مُجْمَلَةٌ ام لا فقالوا قال أبو اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا هِيَ مُجْمَلَةٌ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ إلَّا فِي مَالٍ مَخْصُوصٍ إذَا بَلَغَ قَدْرًا مَخْصُوصًا وَيَجِبُ قَدْرٌ مَخْصُوصٌ وَلَيْسَ فِي الآية بيان شئ مِنْ هَذَا فَهِيَ مُجْمَلَةٌ بَيَّنَتْهَا السُّنَّةُ إلَّا أَنَّهَا تَقْتَضِي أَصْلَ الْوُجُوبِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً بَلْ هِيَ عَامَّةٌ بَلْ كُلُّ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ الزَّكَاةِ فَالْآيَةُ تَقْتَضِي وُجُوبَهُ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ تُعْرَفُ بِالسُّنَّةِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا فَائِدَةُ الْخِلَافِ أَنَّا إذَا قُلْنَا مُجْمَلَةٌ فَهِيَ حُجَّةٌ فِي أَصْلِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَلَا يُحْتَجُّ بِهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَإِنْ قُلْنَا لَيْسَتْ مُجْمَلَةً كانت حجة في صل وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَفِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ تَعَلُّقًا بِعُمُومِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " وتقيم
الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ " فَخَالَفَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ علي المؤمنين)
وَثَبَتَ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ وَصْفُ الصَّلَاةِ بِالْمَكْتُوبَةِ لِحَدِيثِ " خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ " وَحَدِيثِ " أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ " وَسَمَّى الزَّكَاةَ مَفْرُوضَةً لِأَنَّهَا مُقَدَّرَةٌ وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى تَقْدِيرِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا سَمَّى مَا يَخْرُجُ فِي الزَّكَاةِ فَرَائِضَ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ " فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَةَ الْفِطْرِ " وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ وَقِيلَ غَايَرَ بَيْنَ اللَّفْظَيْنِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ اللَّفْظُ وَالْفَصَاحَةُ وَالْبَلَاغَةُ تَمْنَعُ تَكْرِيرَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ الزَّكَاةُ رُكْنٌ وَفَرْضٌ فَتَوْكِيدٌ وَبَيَانٌ لِكَوْنِهِ يَصِحُّ تَسْمِيَةُ الزَّكَاةِ رُكْنًا وَفَرْضًا وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ مِثْلَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا حُكْمُ الْمَسْأَلَةِ فَالزَّكَاةُ فَرْضٌ وَرُكْنٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَتَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ فاما المكاتب والعبد إذا ملكه المولي مالا فلا زكاة عليه لانه لا يملك في قوله الجديد ويملك في قوله القديم إلا أنه ملك ضعيف لا يحتمل المواساة ولهذا لا تجب عليه نفقة الاقارب ولا يعتق أبوه إذا اشتراه فلم تجب عليه الزكاة وفيمن نصفه جر ونصفه عبد وجهان
(أحدهما)
لا تجب عليه الزكاة لانه ناقص بالرق فهو كالعبد القن
(والثانى)
أنها تجب فيما ملكه بنصفه الحر لانه يملك بنصفه الحر ملكاتاما فوجب عليه الزكاة كالحر}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا عَلَى حُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَمْ يَقُلْ تَامَّ الْمِلْكِ كَمَا قَالَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُنَا حَسَنٌ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ بَيَانُ صِفَةِ الشَّخْصِ الَّذِي تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَكَوْنُهُ تَامَّ الْمِلْكِ صِفَةٌ لِلْمَالِ فَأَخَّرَهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي أَوَّلِ الَّذِي يَلِي هَذَا فِي فَصْلِ صِفَاتِ الْمَالِ وَهَذَا تَرْتِيبٌ حَسَنٌ (أَمَّا) وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَظَاهِرٌ لِعُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ فِيمَنْ سِوَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَمَذْهَبُنَا وُجُوبُهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَسَنُوَضِّحُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الْمُكَاتَبُ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَا فِي عُشْرِ زَرْعِهِ وَلَا فِي مَاشِيَتِهِ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِ وَلَا خِلَافَ فِي شئ مِنْ هَذَا عِنْدَنَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاةُ الْفِطْرِ أَيْضًا وَفِيهَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ ضَعْفُ مِلْكِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ عَتَقَ الْمُكَاتَبُ وَالْمَالُ فِي يَدِهِ اسْتَأْنَفَ لَهُ الْحَوْلَ مِنْ
حِينِ الْعِتْقِ وَإِنْ عَجَزَ فَصَارَ الْمَالُ لِلسَّيِّدِ ابْتَدَأَ الْحَوْلُ مِنْ حِينَئِذٍ (وَأَمَّا) الْعَبْدُ الْقِنُّ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُسْتَوْلَدَةُ
إذَا مَلَكَهُمْ الْمَوْلَى مَالًا فَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ الصَّحِيحِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ بِالتَّمْلِيكِ وَجَبَ عَلَى السَّيِّدِ زَكَاةُ مَا مَلَكَ وَلَا أَثَرَ لِلتَّمْلِيكِ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ أَنَّهُ يَمْلِكُ لَمْ يَلْزَمْ الْعَبْدَ زَكَاتُهُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَهَلْ يَلْزَمُ السَّيِّدَ زَكَاةُ هَذَا الْمَالِ فِيهِ طَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) مِنْهُمَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ لَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِي الْبَسِيطِ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَلْزَمُهُ (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْمِلْكِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِخِلَافِ مِلْكِ الْمُكَاتَبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِأَنَّ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَهُ لِوَلَدِهِ وَمَعَ هَذَا تلزمه زكاته (قلت) أما الفرق ظاهر لان ملك الولد تَامٌّ وَيَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ وَبِهَذَا قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ أَوْ كثير منهم وجماعة من الخراسانين مِمَّنْ قَطَعَ بِهِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَةِ عن العراقيين وقطع به من الخراسانيين المتولي وَصَحَّحَ أَكْثَرُ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْوُجُوبَ مِمَّنْ صَحَّحَهُ مِنْهُمْ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ فِي كُتُبِهِ وَاسْتَبْعَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَوْلَ الْعِرَاقِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ رَقِيقٌ يُكَفِّرُ كَفَّارَةَ الْحُرِّ الْمُوسِرِ قَالَ وَإِذَا وَجَبَتْ كَفَّارَةُ الا حرار فَالزَّكَاةُ أَوْلَى لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ فِيهَا الْإِسْلَامُ وَالْمِلْكُ التام وقد وجدو حجة الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ فِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ لَهُ حُكْمُ الْعَبِيدِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى وَلَدِهِ الْحُرِّ وَلَا عَلَى مَالِ وَلَدِهِ وَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا تَنْعَقِدُ بِهِ وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ وَلِذَلِكَ هُوَ كَالرَّقِيقِ فِي نِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَعِدَّتِهَا وَالْحُدُودُ عَلَى قَاذِفِهِ وَلَا يَرِثُ وَلَا خِيَارَ لَهَا إذَا عَتَقَ بَعْضُهَا تَحْتَ عَبْدٍ وَلَا قِصَاصَ عَلَى الْحُرِّ بِقَتْلِهِ وَعَلَى مَنْ هُوَ مِثْلُهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَا يَكُونُ قَاضِيًا وَلَا قَاسِمًا وَلَا مُقَوِّمًا وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَحْكَامِ فَوَجَبَ أَنْ تَلْحَقَ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ (فَإِنْ قِيلَ) جَزَمُوا بِوُجُوبِ زَكَاةِ الْفِطْرِ عَلَيْهِ فَمَا الْفَرْقُ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ زَكَاةَ الْفِطْرِ تَتَبَعَّضُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ صَاعٍ وَعَلَى سَيِّدِهِ نِصْفُهُ وَزَكَاةُ الْأَمْوَالِ لا تتبعض وانما تجب علي تام والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وَأَمَّا الْكَافِرُ فَإِنْ كَانَ أَصْلِيًّا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ وَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا لَمْ تسقط عنه كما وَجَبَ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ وُجُوبُهُ فَلَمْ يَسْقُطْ بِرِدَّتِهِ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ (وَأَمَّا) فِي حَالِ الرِّدَّةِ فَإِنَّهُ يُبْنَى عَلَى مِلْكِهِ وَفِي ملكه ثلاثة أقوال (أحدها) يزول بالردة
فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَزُولُ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِأَنَّهُ حَقٌّ الْتَزَمَهُ بِالْإِسْلَامِ فلم يسقط بِالرِّدَّةِ كَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَإِنْ رجع الي الاسلام حَكَمْنَا بِأَنَّهُ قَدْ زَالَ مِلْكُهُ فَلَا تَجِبُ عليه الزكاة}
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لَيْسَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْكُفَّارَ يُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ ذَلِكَ وَاضِحًا مَعَ فَوَائِدَ تَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْكُفَّارِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَلَا يَلْزَمُهُ كَغَرَامَةِ الْمُتْلَفَاتِ فَقَدْ يُنْكَرُ عَلَيْهِ وَيُقَالُ هَذَا دَلِيلٌ نَاقِصٌ عَنْ الدَّعْوَى لِأَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ سَوَاءٌ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ ذِمِّيًّا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ فَدَلِيلُ الْمُصَنِّفِ نَاقِصٌ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ لِعَدَمِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْحَرْبِيِّ دُونَ الذِّمِّيِّ فَإِنَّ الذِّمِّيَّ يَلْزَمُهُ غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ (وَالْجَوَابُ) أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ لَمْ يَلْتَزِمْهُ الْحَرْبِيُّ ولا الذمي فلا يلزم واحدا مِنْهُمَا كَمَا لَا تَجِبُ غَرَامَةُ الْمُتْلَفَاتِ عَلَى مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْهَا وَهُوَ الْحَرْبِيُّ وَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا مَعَ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ حَرْبِيًّا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَلَا يُطَالَبُ بِهَا فِي كُفْرِهِ وَإِنْ أَسْلَمَ لَمْ يُطَالَبْ بِهَا فِي مُدَّةِ الْكُفْرِ.
وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنْ وَجَبَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ قَبْلَ رِدَّتِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ عِنْدَنَا بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَسْقُطُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَصِيرُ كَالْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ
* دَلِيلُنَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) زَمَنُ الرِّدَّةِ فَهَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ زَكَاةٌ فِيهِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ كَالنَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ بِنَاءً عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ وَزَوَالِهِ (أَحَدُهَا) يَزُولُ مِلْكُهُ فَلَا زَكَاةَ
(وَالثَّانِي)
يَبْقَى فَتَجِبُ
(وَأَصَحُّهَا) أَنَّهُ مَوْقُوفٌ إنْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ تبينا بَقَاءَهُ فَتَجِبُ وَإِلَّا فَلَا.
وَتُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ إذَا بَقِيَ مُرْتَدًّا حَوْلًا وَلَمْ نَعْلَمْ ثُمَّ عَلِمْنَا أو عَلِمْنَا وَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ ارْتَدَّ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْحَوْلِ سَاعَةٌ فَلَمْ يُقْتَلْ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا بَعْدَ الْحَوْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِنْ قُلْنَا لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فَارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِذَا أَسْلَمَ اسْتَأْنَفَ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَاهَا فَأَخْرَجَ فِي حَالِ الرِّدَّةِ أَجْزَأَهُ كَمَا لَوْ أَطْعَمَ عَنْ الْكَفَّارَةِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بَدَنِيٌّ فَلَا يَصِحُّ إلَّا مِمَّنْ يُكْتَبُ لَهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَوْ قُلْت إذا ارتد لم يخرج الزكاة مادام مُرْتَدًّا لَمْ يَكُنْ بَعِيدًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ فَتَعَذَّرَ أَدَاؤُهَا مِنْ الْمُرْتَدِّ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ عَلَى هَذَا إذَا حَكَمْنَا بِأَنَّ ملكه
لَا يَزُولُ وَمَضَى حَوْلٌ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُخْرِجْ الزَّكَاةَ أَيْضًا لِمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ أَسْلَمَ لَزِمَهُ إخْرَاجُ مَا وَجَبَ فِي إسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلَوْ قُتِلَ مُرْتَدًّا وَقَدْ تَعَذَّرَ أَدَاءُ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الِاحْتِمَالِ فَتَسْقُطُ فِي حُكْمِ الدُّنْيَا وَلَا تَسْقُطُ الْمُعَاقَبَةُ بِهَا فِي الْآخِرَةِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِمَّا قَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ لِحَقِّ الْمَسَاكِينِ عَاجِلًا وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَسْلَمَ لَمْ يَلْزَمْهُ إعَادَةُ الزَّكَاةِ فيه وجهان الممتنع مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْهُ قَهْرًا وَلَمْ يَنْوِ الْمُمْتَنِعُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا تُجْزِئُ لِمَا نَقَلْنَاهُ أَوَّلًا عن الجمهور والله اعلم * قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ ضَعِيفٌ وَرَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا لِأَنَّ يُوسُفَ
تَابِعِيٌّ وَمَاهَكَ بِفَتْحِ الْهَاءِ أَعْجَمِيٌّ لَا يَنْصَرِفُ وَقَدْ أَكَّدَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله هَذَا الْمُرْسَلَ بِعُمُومِ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ مُطْلَقًا وَبِمَا رَوَاهُ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَوْقُوفًا عَلَيْهِ (وَقَالَ) إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُطْرِفٍ وَرَوَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَأَمَّا مَا رُوِيَ عن ليث بن أبى سلمى عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَنْ وَلِيَ مَالَ يَتِيمٍ فَلْيُحْصِ عَلَيْهِ السِّنِينَ فإذا دفع إليه ما له أَخْبَرَهُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنْ شَاءَ زَكَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ " فَقَدْ ضَعَّفَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحَدِهِمَا) أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّ مُجَاهِدًا لَمْ يُدْرِكْ ابْنَ مَسْعُودٍ (وَالثَّانِي) أَنَّ لَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ ضَعِيفٌ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ ضَعَّفَ أَهْلُ الْعِلْمِ لَيْثًا (قَالَ) وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَّا أَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ ابْنُ لَهِيعَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِهِ (وَأَمَّا) رِوَايَةُ مَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ لَا تَأْكُلُهَا الصَّدَقَةُ وَلَمْ يَقُلْ الزَّكَاةُ فَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةُ كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ (فَإِنْ قِيلَ) فَالزَّكَاةُ لَا تَأْكُلُ الْمَالَ وَإِنَّمَا تَأْكُلُ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْمُرَادَ تأكل معظم الزَّكَاةُ مَعَ النَّفَقَةِ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي سَائِرِ أَمْوَالِهِ كالبالغ العاقل فان ابا حنيفة رحمه اله وَافَقَنَا عَلَى إيجَابِ الْعُشْرِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَإِيجَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ فِي مَالِهِمَا وَخَالَفَنَا في غير كذا في الاصل ولعله تأكل معظمه الزكاة فليحرز
ذَلِكَ (وَأَمَّا) اسْتِدْلَالُ الْحَنَفِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) وَالصَّبِيُّ وَالْمَجْنُونُ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ التَّطْهِيرِ إذْ لاذنب لَهُمَا (فَالْجَوَابُ) أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهَا تَطْهِيرٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ شَرْطًا فَإِنَّا اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِ الْفِطْرِ وَالْعُشْرِ فِي مَالِهِمَا وَإِنْ كَانَ تَطْهِيرًا فِي أَصْلِهِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ " فَالْمُرَادُ رُفِعَ الْإِثْمُ وَالْوُجُوبُ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا إثْمَ عَلَيْهِمَا وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَيْهِمَا بَلْ يَجِبُ فِي مَالِهِمَا وَيُطَالَبُ بِإِخْرَاجِهَا وَلِيُّهُمَا كَمَا يَجِبُ فِي مَالِهِمَا قِيمَةُ مَا أَتْلَفَاهُ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ دَفْعُهَا (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْحَجِّ (فَأَجَابَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رحمه الله في الاساليب والاصحاب عنه المال لَيْسَ رُكْنًا فِيهِ وَإِنَّمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الْمَالُ تَوَصُّلًا بِخِلَافِ الزَّكَاةِ قَالَ الْإِمَامُ الْمُعْتَمَدُ أَنَّ مقصود
الزكاة سدخلة الْفَقِيرِ مِنْ مَالِ الْأَغْنِيَاءِ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى وَتَطْهِيرًا لِلْمَالِ وَمَالُ الصَّبِيِّ قَابِلٌ لِأَدَاءِ النَّفَقَاتِ وَالْغَرَامَاتِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَالزَّكَاةُ عِنْدَنَا وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِلَا خِلَافٍ وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِمَا كَمَا يُخْرِجُ من مالهما غرامة المتلفقات ونفقة الاقارب وغير ذلك مِنْ الْحُقُوقِ الْمُتَوَجِّهَةِ إلَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ الْوَلِيُّ الزَّكَاةَ وَجَبَ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْإِفَاقَةِ إخْرَاجُ زَكَاةِ مَا مَضَى بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِأَنَّ الْحَقَّ تَوَجَّهَ إلَى مَالِهِمَا لَكِنَّ الْوَلِيَّ عَصَى بِالتَّأْخِيرِ فَلَا يَسْقُطُ مَا تَوَجَّهَ إلَيْهِمَا وَأَمَّا الْمَالُ الْمَنْسُوبُ إلَى الْجَنِينِ بِالْإِرْثِ أَوْ غَيْرِهِ فَإِذَا انْفَصَلَ حَيًّا هَلْ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فِيهِ طَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهَا لَا تَجِبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِأَنَّ الْجَنِينَ لَا يُتَيَقَّنُ حَيَاتُهُ وَلَا يُوثَقُ بِهَا فَلَا يَحْصُلُ تَمَامُ الْمِلْكِ وَاسْتِقْرَارُهُ فَعَلَى هَذَا يَبْتَدِئُ حَوْلًا مِنْ حِينِ يَنْفَصِلُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ فِي بَابِ نِيَّةِ الزَّكَاةِ وَالْمُتَوَلِّي وَالشَّاشِيُّ وَآخَرُونَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ كَالصَّبِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَدَّدَ فِيهِ شَيْخِي قَالَ وَجَزَمَ الْأَئِمَّةُ بِأَنَّهَا لَا تَجِبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قول المصنف الزكاة تراد بثواب المزكي ومواساة الفقير هذان لابد مِنْهُمَا فَبِقَوْلِهِ ثَوَابُ الْمُزَكِّي يَخْرُجُ الْكَافِرُ وَبِقَوْلِهِ مُوَاسَاةِ الْفَقِيرِ يَخْرُجُ الْمُكَاتَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ مَالِ الْمُكَاتَبِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي مَالِ الْمُكَاتَبِ سَوَاءٌ الزَّرْعُ وَغَيْرُهُ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إلَّا أَبَا ثَوْرٍ فَأَوْجَبَهَا عَلَى الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ شئ كَالْحُرِّ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ دَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي زَرْعِهِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي بَاقِي أَمْوَالِهِ
* وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ
* وَاحْتَجَّ دَاوُد بِقَوْلِهِ تعالي (وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة) والمكاتب والعبد يدخلان في الخطاب على الْأَصَحِّ عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ
* دَلِيلُنَا ضَعْفُ مِلْكِهِ بِخِلَافِ الْحُرِّ وَلِأَنَّهَا لِلْمُوَاسَاةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا وَعَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا بِالْقِيَاسِ عَلَى غَيْرِ الْعُشْرِ وَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ مَحْمُولَانِ عَلَى الْأَحْرَارِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي مَالِ الْعَبْدِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَلَى الصَّحِيحِ وَإِنْ مَلَكَ عَلَى
الضَّعِيفِ فَلَا زَكَاةَ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَابِرٌ وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ العلماء الاما حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَطَاءٍ وَأَبِي ثَوْرٍ أَنَّهُمَا أَوْجَبَاهَا عَلَى الْعَبْدِ قَالَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عُمَرَ وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ دَاوُد
* (فَرْعٌ)
في مذاهبهم في مال الصبى والجنون
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا وُجُوبُهَا فِي مَالِهِمَا وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ وُجُوبَهَا فِي مَالِ الصَّبِيِّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَجَابِرٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَطَاوُسٍ وَعَطَاءٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ سِيرِينَ وَرَبِيعَةَ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ واسحق وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ رضي الله عنهم وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ لَا زَكَاةَ في مال الصبي وقال سعيد ابن الْمُسَيِّبِ لَا يُزَكِّي حَتَّى يُصَلِّيَ وَيَصُومَ رَمَضَانَ وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالِهِ الزَّكَاةُ لَكِنْ لَا يُخْرِجُهَا الْوَلِيُّ بَلْ يُحْصِيهَا فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ أَعْلَمَهُ فَيُزَكِّي عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِيمَا مَلَكَهُ زَكَاةٌ لَكِنْ إنْ أَدَّاهَا الْوَصِيُّ ضَمِنَ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا زَكَاةَ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ وَتَجِبُ فِي إبِلِهِ وَبَقَرِهِ وَغَنَمِهِ وَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ زَكَّيْته وَمَا غَابَ عَنِّي فَلَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا زَكَاةَ فِي مَالِهِ إلَّا عُشْرُ الْمُعَشَّرَاتِ وَسَبَقَ بَيَانُ دَلِيلِنَا عَنْ الجميع والجواب عما عارضه
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ومن وجبت عليه الزكاة وقدر علي اخراجها لم يجزله تأخيرها لانه حق يجب صرفه الي الآدمى توجهت المطالبة بالدفع إليه فلم يجز له التأخير كالوديعة إذا طالب بها صاحبها فان أخرها وهو قادر علي ادائها ضمنها لانه أخر ما يجب عليه مع امكان الاداء فضمنه كالوديعة ومن وجبت عليه الزكاة وامتنع من ادائها نظرت فان كان جاحدا لوجوبها فقد كفر وقتل بكفره كما يقتل المرتدلان وجوب الزكاة معلوم من دين الله تعالي ضرورة فمن جحد وجوبها فقد كذب الله وكذب رسوله صلى الله عليه وسلم فحكم بكفره وان منعها بخلابها أخذت منه وعزر وقال في القديم تؤخذ الزكاة وشطر ما له عقوبة لما روي بهر بن حكيم عن ابيه عن جده عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " ومن منعها فانا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شئ " والصحيح هو الاول لقوله
صلي الله عليه وسلم ليس في المال حق سوى الزكاة " ولانها عبادة فلا يجب بالامتناع منها أخذ شطر ماله كسائر العبادات وحديث بهز بن حكيم منسوخ فان ذلك حين كانت العقوبات في الاموال ثم نسخت وان امتنع بمنعة قاتله الامام لان أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل مانعي الزكاة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ بَهْزٍ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيّ شَطْرُ إبِلِهِ وَرِوَايَةُ أَبِي دَاوُد شَطْرُ مَالِهِ كَمَا فِي الْمُهَذَّبِ وَإِسْنَادُهُ إلَى بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ (وَأَمَّا) بَهْزٌ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فقال يحيى بن معين ثقة وسثل أيضا عنه عن أبيه عن جده فقال اسناد صحيح إذا كان دونه ثقة وقال على بن المدينى ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ صَالِحٌ وَقَالَ الْحَاكِمُ ثِقَةٌ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رحمه الله أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْحَدِيثُ لَا يُثْبِتُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ وَلَوْ ثَبَتَ قُلْنَا بِهِ هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ أَهْلَ الْحَدِيثِ ضَعَّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) حَدِيثُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ " فَضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُعْرَفُ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرَةِ وَاَلَّذِي يَرْوِيه أَصْحَابُنَا فِي التَّعَالِيقِ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ لَا أَحْفَظُ فِيهِ إسْنَادًا رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ لَكِنْ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ.
(قُلْت) وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " إنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ " لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ ضَعَّفَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَالضَّعْفُ ظَاهِرٌ فِي إسْنَادِهِ
* وَاحْتَجَّ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي قَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إذَا عَمِلْته أَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَالَ تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ قَالَ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا فَلَمَّا أَدْبَرَ قَالَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى هَذَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي مَعْنَاهُ أَحَادِيثُ صَحِيحَةٌ مَشْهُورَةٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ قِتَالِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مَانِعِي الزَّكَاةِ فَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه (وَقَوْلُهُ) حَقٌّ يَجِبُ صَرْفُهُ إلَى الْآدَمِيِّ احْتِرَازٌ مِنْ الْحَجِّ (وَقَوْلُهُ) تَوَجَّهَتْ الْمُطَالَبَةُ بِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الدَّيْنِ المؤجل (وقوله) جاحدا قال اهل اللعة الجحود هو الانكار
بعد الاعتراف (وقوله) بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ هو بهز - بفتح الباء الموحدة وبالزاى - بن حكيم ابن معاوية بن حندة - بفتح الحاء المهملة - العشيوى وَجَدُّهُ الرَّاوِي هُوَ مُعَاوِيَةُ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم عَزْمَةً - بِإِسْكَانِ الزَّايِ - مِنْ عَزَمَاتِ ربنا - بفتحها - ومعناه حق لا بدمنه وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْبَيْهَقِيّ عَزِيمَةٌ - بِكَسْرِ الزَّايِ - وَزِيَادَةِ يَاءٍ وَالْمَشْهُورُ عَزْمَةٌ وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ وَمَنْ مَنَعَهَا هَكَذَا هُوَ بِالْوَاوِ وَمَنْ مَعْطُوفٌ عَلَى أَوَّلِ الْحَدِيثِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ " فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنْ الْإِبِلِ سَائِمَةٌ ابْنَةُ لَبُونٍ مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهُ وَمَنْ مَنَعَهَا فَأَنَا آخُذُهَا وَشَطْرَ مَالِهِ " وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَهُ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْبَابِ (قَوْلُهُ) امتنع
بِمَنَعَةٍ - هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ - عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَحُكِيَ جَوَازُ إسْكَانِهَا وَالْمَنَعَةُ بِالْفَتْحِ الْجَمَاعَةُ الْمَانِعُونَ كَكَاتِبٍ وَكَتَبَةٍ وَكَافِرٍ وَكَفَرَةٍ وَنَظَائِرِهِ وَمَنْ سَكَنَ فَمَعْنَاهُ بِقُوَّةِ امْتِنَاعٍ وَقِتَالُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه مَانِعِي الزَّكَاةِ كَانَ فِي أَوَّلِ خِلَافَتِهِ سَنَةَ إحْدَى عَشْرَةَ مِنْ الْهِجْرَةِ
* أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهَا مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) أَنَّ الزَّكَاةَ عِنْدَنَا يَجِبُ إخْرَاجُهَا عَلَى الْفَوْرِ فَإِذَا وَجَبَتْ وَتَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهَا وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ فَلَهُ التَّأْخِيرُ إلَى التَّمَكُّنِ فَإِنْ أَخَّرَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ عَصَى وَصَارَ ضَامِنًا فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ سَوَاءٌ تَلِفَ بَعْدَ مُطَالَبَةِ السَّاعِي أَوْ الْفُقَرَاءِ أَمْ قَبْلَ ذَلِكَ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَإِنْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ لَزِمَهُ الضَّمَانُ وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ بَنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَمْ فِي الضَّمَانِ وَسَيَأْتِي إيضَاحُهَا بِتَفْرِيعِهَا فِي آخِرِ الْبَابِ الثَّانِي حَيْثُ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ان قلنا شرط ى الْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ انْتَقَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ أَوْ الْمَرْهُونُ فَإِنَّهُ يَنْتَقِلُ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَالْمُرْتَهِنِ إلَى الْقِيمَةِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِإِمْكَانِ الْأَدَاءِ مُجَرَّدَ إمْكَانِ الْإِخْرَاجِ بَلْ يُشْتَرَطُ مَعَهُ وُجُوبُ الْإِخْرَاجِ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ
(أَحَدِهَا) حُضُورُ الْمَالِ عِنْدَهُ فَإِنْ غَابَ عَنْهُ لَمْ يَجِبْ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ جَوَّزْنَا نَقْلَ الزكاة
(والثانى) أن يجد المصروف إليه وسيأني فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ أَنَّ الْأَمْوَالَ بَاطِنَةٌ وَظَاهِرَةٌ فَالْبَاطِنَةُ يَجُوزُ صَرْفُ زَكَاتِهَا بِنَفْسِهِ وَبِوَكِيلِهِ وَبِالسُّلْطَانِ وَالسَّاعِي فَيَكُونُ وَاجِدًا لِلْمَصْرُوفِ إلَيْهِ سَوَاءٌ وُجِدَ أهل السهمين أَوْ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ (وَأَمَّا) الظَّاهِرَةُ فَكَذَلِكَ إنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ أَنَّهُ لَهُ تَفْرِيقُهَا بِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَلَا إمْكَانَ حَتَّى يَجِدَ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ وَلَوْ وَجَدَ مَنْ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِ فَأَخَّرَ لِطَلَبِ الْأَفْضَلِ بِأَنْ وَجَدَ السُّلْطَانَ أَوْ نَائِبَهُ فَأَخَّرَ لِيُفَرِّقَ بِنَفْسِهِ حَيْثُ جَعَلْنَاهُ أَفْضَلَ أَوْ أَخَّرَ لِانْتِظَارِ قَرِيبٍ أَوْ جَارٍ أَوْ مَنْ هُوَ أَحْوَجُ فَفِي جَوَازِ التَّأْخِيرِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) جَوَازُهُ فَإِنْ لَمْ نُجَوِّزْ التَّأْخِيرَ فَأَخَّرَ أَثِمَ وَضَمِنَ وَإِنْ جَوَّزْنَاهُ فَتَلِفَ الْمَالُ فهل يضمن فيه وجهان مشهوران (أَصَحُّهُمَا) يَكُونُ ضَامِنًا لِوُجُودِ التَّمَكُّنِ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي التَّأْخِيرِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِلْوَجْهَيْنِ شَرْطَانِ
(أَحَدُهُمَا) أَنْ يَظْهَرَ اسْتِحْقَاقُ الْحَاضِرِينَ فَإِنْ تَشَكَّكَ فِي اسْتِحْقَاقِهِمْ فَأَخَّرَ لِيَتَرَوَّى جاز بلا خلاف
(والثانى) أن لا يَسْتَفْحِلَ ضَرَرُ الْحَاضِرِينَ وَفَاقَتُهُمْ فَإِنْ تَضَرَّرُوا بِالْجُوعِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَجُزْ التَّأْخِيرُ لِلْقَرِيبِ وَشَبَهِهِ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ فِي هَذَا الشَّرْطِ الثَّانِي نَظَرٌ لِأَنَّ إشْبَاعَهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ عَلَى هَذَا الشخص ولا من هذا المال ولامن مَالِ الزَّكَاةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الرَّافِعِيُّ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ لِأَنَّهُ وَإِنْ لم يتعين هذا المال لهؤلاء المحتاجين فرفع ضَرُورَتِهِمْ فَرْضُ كِفَايَةٍ فَلَا يَجُوزُ إهْمَالُهُ لِانْتِظَارِ فضيلة لو لم يعارضها شئ (الشرط الثالث) لامكان الاداء مشتغلا بمهم مِنْ أَمْرِ دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ
كَصَلَاةٍ وَأَكْلٍ وَنَحْوِهِمَا ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَخْفَى عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ أَوْ نشأ ببادية بعيدة أو نحوه ذَلِكَ لَمْ يُحْكَمْ بِكُفْرِهِ بَلْ يُعَرَّفُ وُجُوبَهَا وَتُؤْخَذُ مِنْهُ فَإِنْ جَحَدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ حُكِمَ بِكُفْرِهِ (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ التَّنْبِيهَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَكْفُرُ إذَا نَشَأَ مُسْلِمًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْهُ بَلْ نَبَّهَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ جَاحِدًا لِوُجُوبِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْجَحْدُ إنْكَارُ مَا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُنْكِرُ قال ابن فارس في الجمل لَا يَكُونُ الْجُحُودُ إلَّا مَعَ عِلْمِ الْجَاحِدِ بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَخْفَى كَمُسْلِمٍ مُخْتَلِطٍ بِالْمُسْلِمِينَ صَارَ بِجَحْدِهَا كَافِرًا وَجَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الِاسْتِتَابَةِ وَالْقَتْلِ وَغَيْرِهِمَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ بَيَانُ مَا يَكْفُرُ بِجَحْدِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا (الثَّالِثَةُ) إذا منع الزكاة بخلابها وَأَخْفَاهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِوُجُوبِهَا لَمْ يَكْفُرْ بِلَا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْوَجْهُ السَّابِقُ فِي
الْكِتَابِ فِي الْمُمْتَنِعِ مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِهَا أَنَّهُ يَكْفُرُ وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَاكَ أَحَادِيثَ تَقْتَضِي الْكُفْرَ بِخِلَافِ هَذَا وَلَكِنْ يُعَزَّرُ وَتُؤْخَذُ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا إذَا امْتَنَعَ مِنْ دَيْنِ آدَمِيٍّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ كُلُّهُمْ إنَّمَا يُعَزَّرُ مُخْفِيهَا وَمَانِعُهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ فِي إخْفَائِهَا وَمَنْعِهَا بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ عَادِلًا يَصْرِفُهَا فِي وُجُوهِهَا بَعْدَ أَخْذِهَا عَلَى وجهها فان كان عذر بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ جَائِرًا بِأَنْ يَأْخُذَ فَوْقَ الْوَاجِبِ أَوْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهَا فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ وَلَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ وَإِذَا مَنَعَهَا حَيْثُ لَا عُذْرَ أُخِذَتْ مِنْهُ قَهْرًا كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَهَلْ يُؤْخَذُ مَعَهَا نِصْفُ مَالِهِ عُقُوبَةً لَهُ فِيهِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهَذَا الطَّرِيقِ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كُتُبِهِ الثَّلَاثَةِ وَالْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَآخَرُونَ وَحَكَوْا الْأَخْذَ عَنْ مَالِكٍ قِيلَ وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَبُهُ أَيْضًا (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَبِهِ قَطَعَ المصنف هنا والا كثرون فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) لَا يُؤْخَذُ (وَالْقَدِيمُ) يُؤْخَذُ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ وَأَجَابُوا هُمْ وَالشَّافِعِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي مَعْرِفَةِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ عَنْ حَدِيثِ بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَأَنَّهُ كَانَ حِينَ كَانَتْ الْعُقُوبَةُ بِالْمَالِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وهذا الجواب ضعيف لوجهين (احدهما) انما ادَّعَوْهُ مِنْ كَوْنِ الْعُقُوبَةِ كَانَتْ بِالْأَمْوَالِ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَلَا مَعْرُوفٍ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهِ إذَا عُلِمَ التَّارِيخُ وَلَيْسَ هُنَا عِلْمٌ بِذَلِكَ (وَالْجَوَابُ) الصَّحِيحُ تَضْعِيفُ الْحَدِيثِ كَمَا سَبَقَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَأَبِي حَاتِمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) إذَا مَنَعَ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ الزَّكَاةَ وَامْتَنَعُوا بِالْقِتَالِ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُمْ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رضي الله عنهم اخْتَلَفُوا أَوَّلًا فِي قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه قِتَالَهُمْ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِمْ فَلَمَّا ظَهَرَتْ لَهُمْ الدَّلَائِلُ وَافَقُوهُ فَصَارَ قِتَالُهُمْ مُجْمَعًا عَلَيْهِ وَقَدْ نَقَلَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِهِ وغيره
مِنْ الْأُصُولِيِّينَ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ إذَا اخْتَلَفُوا ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَ ان يستقر الخلاف كان ذك إجْمَاعًا وَمَثَّلُوهُ بِقِصَّةِ خِلَافِهِمْ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ثُمَّ إجْمَاعِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي تَأْخِيرِ الزَّكَاةِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَتَمَكَّنَ مِنْ إخْرَاجِهَا وَجَبَ الْإِخْرَاجُ عَلَى الْفَوْرِ فَإِنْ أَخَّرَهَا أَثِمَ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ نَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَكْثَرِهِمْ وَنَقَلَ أَصْحَابُنَا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي وَلَهُ التَّأْخِيرُ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهَا فَقَالَ الْكَرْخِيُّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ عَلَى التَّرَاخِي
* دَلِيلُنَا قوله تعالي (وآتو الزكاة) وَالْأَمْر عِنْدَهُمْ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا عِنْدَ بَعْض أَصْحَابنَا
* احْتَجُّوا بِأَنَّهُ لَمْ يُطَالَبْ فَأَشْبَهَ غَيْرَ الْمُتَمَكِّنِ قَالَ الْأَصْحَابُ يَجِبُ الْفَرْقُ بَيْنَ التَّمَكُّنِ وَعَدَمِهِ كَمَا فِي الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ
* (فَرْعٌ)
إذَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَتَمَكَّنَ مِنْ أَدَائِهَا ثُمَّ مَاتَ لَمْ تَسْقُطْ بِمَوْتِهِ عِنْدَنَا بَلْ يَجِبُ إخْرَاجُهَا مِنْ مَالِهِ عِنْدَنَا
وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ واحمد واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَابْنِ الْمُنْذِرِ وَدَاوُد وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَدَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ وَحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إنْ أَوْصَى بِهَا أُخْرِجَتْ مِنْ مَالِهِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَرَثَةَ إخْرَاجُهَا وَحُكِيَ عَنْ اللَّيْثِ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهَا تُخْرَجُ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْوَصَايَا بِحَيْثُ لَا يَتَجَاوَزُ الثُّلُثَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَهْلِ الرَّأْيِ تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ وَلَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ إخْرَاجُهَا وَإِنْ أَخْرَجُوهَا فَصَدَقَةُ تَطَوُّعٍ إلَّا أَنْ يُوصَى بِهَا فَتُخْرَجُ وَتَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ وَصَّى مَعَهَا بِوَصَايَا وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْهَا مَعَ الْوَصَايَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ هِيَ وَالْوَصَايَا سَوَاءٌ
* دَلِيلُنَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يقضى " وهو ثابت في الصحيحين
* احتجوا بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ شَرْطُهَا النِّيَّةُ فَسَقَطَتْ بِالْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ وَأَجَابَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِالصَّلَاةِ وَلَا تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ
* (فَرْعٌ)
فِيمَنْ أَخْفَى مَالَهُ وَمَنَعَ الزَّكَاةَ ثُمَّ ظُهِرَ عَلَيْهِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ تُؤْخَذُ منه الزكاة
وَلَا يُؤْخَذُ شَطْرُ مَالِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ أَحْمَدُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ وَنِصْفُ مَالِهِ عُقُوبَةً لَهُ وَهُوَ قَوْلٌ قَدِيمٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَضَتْ عَلَيْهِ سُنُونَ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا لَزِمَهُ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْ جَمِيعِهَا سَوَاءٌ عَلِمَ وُجُوبَ
الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَمْ دَارِ الْحَرْبِ هَذَا مَذْهَبُنَا قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَوْ غَلَبَ أَهْلُ الْبَغْيِ عَلَى بَلَدٍ وَلَمْ يُؤَدِّ أَهْلُ ذَلِكَ الْبَلَدِ الزَّكَاةَ أَعْوَامًا ثُمَّ ظَفِرَ بِهِمْ الْإِمَامُ أَخَذَ مِنْهُمْ زَكَاةَ الْمَاضِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ قَالَ وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِمَا مَضَى وَقَالَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لَوْ أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَأَقَامُوا سِنِينَ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِمَا مَضَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَبُو عَاصِمٍ الْعَبَّادِيُّ فِي كِتَابِهِ الزِّيَادَاتِ لَوْ اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ ثُمَّ مَرِضَ وَلَا مَالَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَنْوِيَ أَنَّهُ يُؤَدِّي الزَّكَاةَ إنْ قَدَرَ وَلَا يَقْتَرِضُ وَقَالَ شَاذَانُ بْنُ إبْرَاهِيمَ يَقْتَرِضُ لِأَنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ قَالَ فَإِنْ اقْتَرَضَ وَدَفَعَ الزَّكَاةَ وَنَوَى الْوَفَاءَ إذَا تَمَكَّنَ فَهُوَ مَعْذُورٌ بالاتفاق
*
* قال المصنف رحمه الله
* {تجب زكاة السوم في الابل والبقر والغنم لان الاخبار وردت بايجاب الزكاة فيها ونحن نذكرها في مسائلها ان شاء الله تعالي ولان الابل والبقر والغنم تكثر منافعها ويطلب نماؤها بالكبر والنسل فاحتمل المواساة في الزكاة ولا تجب فيما سوى ذلك من المواشي كالخيل والبغال والحمير لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة " ولان هذا تقتني للزينة والاستعمال لا للنماء فلم تحتمل الزكاة كالعقار والاثاث ولا
تجب فيما تولد بين الغنم والظباء ولا فيما تولد بين بقر الاهل وبقر الوحش لانه لا يدخل في اطلاق اسم البقر والغنم فلا فيه زكاة الغنم والبقر} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْفَرَسُ تَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَالْأَثَاثُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ مُكَرَّرَةٍ - وَهُوَ مَتَاعُ الْبَيْتِ وَاحِدَتُهُ أَثَاثَةٌ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ وَيُقَالُ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ (وَأَمَّا)
الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ وَالْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كُلِّهَا عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْخَيْلُ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا وَسَوَاءٌ فِي الْمُتَوَلِّدِينَ كَانَتْ الْإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا فَلَا زَكَاةَ فِي الْجَمِيعِ مُطْلَقًا وَهَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ لِلتِّجَارَةِ فَإِنْ كَانَتْ لَهَا وَجَبَتْ زَكَاتُهَا
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ
* مَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا زكاة فيها أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا مُطْلَقًا وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَاكِمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي ثَوْرٍ وأبي خيثمة وأبي بكر ابن شَيْبَةَ وَحَكَاهُ غَيْرُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَمَالِكٍ وَاللَّيْثِ وَدَاوُد وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبُو حَنِيفَةَ يُفَرَّقُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فيها ان كانت ذكورا واناثا وان كانت ذكورا متمحضة فلا زكاة عَلَى الْمَشْهُورِ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ بِالْوُجُوبِ وَيُعْتَبَرُ فِيهَا الْحَوْلُ دُونَ النِّصَابِ قَالَ وَمَالِكُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَعْطَى مِنْ كُلِّ فَرَسٍ دِينَارًا وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَهَا وَأَخْرَجَ رُبْعَ عُشْرِ قِيمَتِهَا
* واحتج بما روى أبو يوسف عن عورك الْحَضْرَمِيِّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " أَنَّهُ قَالَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ فِي كُلِّ فَرَسٍ دِينَارٌ "
* وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحِ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ أَحَادِيثُ أُخَرُ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّهُ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ قَالَ الدارقطني تفرد به عورك وهو ضعيف جدا واتفقوا على تضعيف عورك وَهُوَ مَجْهُولٌ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِهِمْ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْغَنَمِ وَالظِّبَاءِ
* ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ تَجِبُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِنَاثُ ظِبَاءً أَوْ غَنَمًا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إنْ كَانَتْ الْإِنَاثُ غَنَمًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ ظِبَاءً فَلَا
* دَلِيلُنَا أَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضْ غَنَمًا وَإِنَّمَا أَوْجَبَهَا الشَّرْعُ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَلَا يُجْزِئُ هَذَا الْحَيَوَانُ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَكَذَا هنا وانا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُحْرِمِ بِقَتْلِهِ لِتَعَدِّيهِ وَتَغْلِيبًا للتحريم والاحرام مبني علي التغليط واما الزكاة فعلي الخفيف وَلِهَذَا لَوْ بِيعَتْ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ سَقَطَتْ الزكاة وغير ذلك من التخفيفات
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{ولا تجب فيما لا يملكه ملكا تاما كالماشية التى في يد مكاتبه لانه لا يملك التصرف فيه فهو كمال الاجنبي واما الماشية الموقوفة عليه فانه ينبنى على ان الملك في الموقوف الي من ينتقل بالوقف وفيه قولان (احدهما) ينتقل الي الله تعالي فلا تجب زكاته
(والثانى)
ينتقل الي الموقوف عليه وفى زكاته وجهان (احدهما) تجب لانه يملكه ملكا مستقرا فأشبه غير الموقوف (والثاني) لا تجب لانه ملك
ضعيف بدليل أنه لا يملك التصرف في رقبته فلم تجب الزكاة فيه كالمكاتب وما في يده}
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْفُقَرَاءِ أَوْ الْمَسَاجِدِ أَوْ الْغُزَاةِ أَوْ الْيَتَامَى وَشَبَهِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى مُعَيَّنٍ سَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمَاعَةً فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ كَالْوَقْفِ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِالضَّعِيفِ إنَّ الْمِلْكَ فِي الرَّقَبَةِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ فَفِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ الْوَجْهَانِ المذكوران في الكتاب بدليلهما (أَصَحُّهُمَا) لَا تَجِبُ فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ أَجْزَأَهُ فَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مِنْ نَفْسِ الْمَوْقُوفَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيهَا بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّا جَعَلْنَاهُ كَالْمُطْلَقِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَمُقْتَضَى الْمَذْهَبِ أَنَّا إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
الْأَشْجَارُ الْمَوْقُوفَةُ مِنْ نَخْلٍ وَعِنَبٍ
قَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا عُشْرَ فِي ثِمَارِهَا وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَجَبَ الْعُشْرُ فِي ثِمَارِهَا إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا بِلَا خِلَافٍ وَيُخْرِجُهَا مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الثَّمَرَةَ مِلْكًا مُطْلَقًا هَكَذَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا الْمَسْأَلَةَ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رضي الله عنهما إيجَابُ الْعُشْرِ فِي الثِّمَارِ الْمَوْقُوفَةِ فِي سَبِيلٍ أَوْ عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ وَعَنْ طَاوُسٍ وَمَكْحُولٍ لَا زَكَاةَ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَحْمَدَ إنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ لَمْ تَجِبْ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنٍ وَجَبَتْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهِ أقول قال صاحب البيان في باب الزكاة الزَّرْعِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ هَذَا الَّذِي نَقَلَهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ عَنْهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَكَذَا حُكْمُ الْغَلَّةِ الْحَاصِلَةِ فِي أَرْضٍ مَوْقُوفَةٍ إنْ كَانَتْ عَلَى مُعَيَّنِينَ وَجَبَتْ زَكَاتُهَا بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْمَذْهَبِ وَعَلَى رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْذِرِ تَجِبُ وَفِي الْمَسْأَلَةِ زِيَادَةٌ سَنُعِيدُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَسَائِلِ الزَّائِدَةِ بَعْدَ بَابِ زكاة الزرع والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {وأما المال المغصوب والضال فلا تلزمه زكاته قبل أن يرجع إليه وان رجع إليه من غير نماء ففيه قولان (في القديم) لا تجب لانه خرج عن يده وتصرفه فلم تجب عليه زكاته كالمال الذى في يد
مكاتبه وقال (في الجديد) تجب لانه مال يملك المطالبة به ويجبر على التسليم إليه فوجب فيه الزكاة كالمال الذى في يد وكيله فان رجع إليه مع النماء ففيه طريقان قال أبو العباس تلزمه زكاته قولا واحدا لان الزكاة انما سقطت في أحد القولين لعدم النماء وقد حصل له النماء فوجب أن تجب (والصحيح) أنه علي القولين لان الزكاة لم تسقط لعدم النماء لان الذكور من الماشية لانماء لها وتجب فيها الزكاة وانما سقطت لنقان الملك بالخروج عن يده وتصرفه وبالرجوع لم يعد ما فات من اليد والتصرف وان أسر رب المال وأحيل بينه وبين المال فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ هُوَ كالمغصوب لان الحيلولة موجودة بينه وبين المال ففيه قولان (ومنهم) من قال تجب الزكاة قولا واحدا لانه يملك بيعه ممن شاء فكان كالمودع وان وقع الضال بيد ملتقط وعرفه حولا كاملا ولم يختر التملك وقلنا لا يملك حتى يختار التملك علي الصحيح من المذهب فَفِيهِ طَرِيقَانِ (مِنْ أَصْحَابِنَا) مَنْ قَالَ هُوَ كما لو لم يقع بيد الملتقط فيكون علي قولين (ومنهم) من قال لا تجب الزكاة قولا واحدا لان ملكه غير مستقر بعد التعريف لان الملتقط يملك باختيار التملك فصار كالمال الذى بيد المكاتب}
* {الشَّرْحُ} فِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) إذَا ضَلَّ مَالُهُ أَوْ غُصِبَ أَوْ سُرِقَ وَتَعَذَّرَ انْتِزَاعُهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَجُحِدَ أَوْ وَقَعَ فِي بَحْرٍ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَرْبَعَةُ طُرُقٍ (أَصَحُّهَا وَأَشْهُرُهَا) فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَهُوَ الْجَدِيدُ وُجُوبُهَا وَالْقَدِيمُ لَا تَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ وَهُوَ مَشْهُورٌ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ عَادَ بِنَمَائِهِ
وَجَبَتْ والافلا (وَالرَّابِعُ) إنْ عَادَ بِنَمَائِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَفِيهِ الْقَوْلَانِ وَدَلِيلُ الْجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَلَوْ عَادَ بَعْضُ النَّمَاءِ فَهُوَ كَمَا لَوْ لم يعد شئ منه ومعنى العود بلانماء أَنْ يُتْلِفَهُ الْغَاصِبُ وَيَتَعَذَّرَ تَغْرِيمُهُ فَأَمَّا إنْ غرم أو تلف في يده شئ كان تلف في يد الملك أَيْضًا فَهُوَ كَعَوْدِ النَّمَاءِ بِعَيْنِهِ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَمَنْ قَطَعَ بِالْوُجُوبِ وعدمه تَأَوَّلَ النَّصَّ الْآخَرَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْخِلَافُ إنَّمَا هُوَ فِي وُجُوبِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ بَعْدَ عَوْدِ الْمَالِ إلَى يَدِ الْمَالِكِ هَلْ يُخْرِجُ عَنْ الْمُدَّةِ الْمَاضِيَةِ أَمْ لَا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ قَبْلَ عَوْدِ الْمَالِ إلَى يَدِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ بَعْدَ أَحْوَالٍ قَبْلَ عَوْدِهِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ عَلَى قَوْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَمَكَّنْ وَالتَّلَفُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ يُسْقِطُهَا (وَاعْلَمْ) أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْمَاشِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ هُوَ فِيمَا إذَا كَانَتْ سَائِمَةً فِي يَدِ الْمَالِكِ وَالْغَاصِبِ جَمِيعًا فَإِنْ عُلِفَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ خِلَافٌ سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِي أَوَّلِ أُسَامَةِ الغصب وعلفه هل يؤثر ان قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ قُلْنَا بِالْقَدِيمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ بالغصب
وَالضَّلَالِ وَنَحْوِهِ فَإِذَا عَادَ الْمَالُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ وَإِنْ قُلْنَا بِالْجَدِيدِ لَمْ يَنْقَطِعْ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ كَانَ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فَغُصِبَتْ وَاحِدَةٌ أَوْ ضَلَّتْ ثُمَّ عَادَتْ إلَى يَدِهِ فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ عَادَتْ سَوَاءٌ عَادَتْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ فِي الْمَغْصُوبِ بَنَى إنْ وَجَدَهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ وَإِنْ وَجَدَهَا بَعْدَهُ زَكَّى الْأَرْبَعِينَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْأَحْوَالِ الْمَاضِيَةِ فَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَنْقُصَ الْمَالُ عَنْ النِّصَابِ بِمَا يَجِبُ لِلزَّكَاةِ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَاشِيَةِ وَقَصٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِقَدْرِ الزَّكَاةِ (أَمَّا) إذَا كَانَ الْمَالُ نِصَابًا فَقَطْ وَمَضَتْ أَحْوَالٌ فَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تَجِبُ زَكَاةُ مَا زَادَ عَلَى الْحَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ قَوْلَ الْوُجُوبِ هُوَ الْجَدِيدُ وَالْجَدِيدُ يَقُولُ بِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ فَيَنْقُصُ النِّصَابُ مِنْ السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يجب شئ إلَّا أَنْ تَتَوَالَدَ بِحَيْثُ لَا يَنْقُصُ النِّصَابُ هَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ وَمِنْهُمْ مَنْ أَشَارَ إلَى خِلَافٍ وَهُوَ يَتَخَرَّجُ مِنْ الطَّرِيقَةِ الْجَازِمَةِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمَغْصُوبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله وَلَوْ دَفَنَ مَالَهُ فِي مَوْضِعٍ تم نَسِيَهُ ثُمَّ تَذَكَّرَهُ بَعْدَ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٍ فَهُوَ كَمَا لَوْ ضَلَّ فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ طَرِيقٌ آخَرُ جَازِمَةٌ بِالْوُجُوبِ وَلَا يَكُونُ النِّسْيَانُ
عُذْرًا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَلَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ دَفْنِهِ فِي دَارِهِ وَحِرْزِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا أُسِرَ رَبُّ الْمَالِ وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَاشِيَتِهِ فَطَرِيقَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ الْقَطْعُ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لِنُفُوذِ تَصَرُّفِهِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الطَّرِيقُ غَلَطٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ أَسِيرًا عِنْدَ كُفَّارٍ أَوْ مُسْلِمِينَ (الثَّالِثَةُ) اللُّقَطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهَا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمَالِكِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي الْمَغْصُوبِ وَالضَّالِّ ثُمَّ إنْ لَمْ يُعَرِّفْهَا حَوْلًا فَهَكَذَا الْحُكْمُ فِي جَمِيعِ السِّنِينَ وَإِنْ عَرَّفَهَا سَنَةً بُنِيَ حُكْمُ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ هَلْ يَمْلِكُ اللُّقَطَةَ بِمُضِيِّ سَنَةِ التَّعْرِيفِ أَمْ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ أَمْ بِالتَّصَرُّفِ وَفِيهِ خِلَافٌ مَعْرُوفٌ فِي بَابِهِ فَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِانْقِضَائِهَا فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْمَالِكِ وَفِي وُجُوبِهَا عَلَى الْمُلْتَقِطِ وَجْهَانِ وَإِنْ قُلْنَا يَمْلِكُ بِاخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ نُظِرَ إنْ لَمْ يَتَمَلَّكْهَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ كَالسَّنَةِ الْأُولَى
(وَالثَّانِي)
لَا زَكَاةَ قَطْعًا لِتَسَلُّطِ الْمُلْتَقِطِ عَلَى تَمَلُّكِهَا (وَأَمَّا) إذَا تَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ فَلَا تَجِبُ زَكَاتُهَا عَلَى الْمَالِكِ لِخُرُوجِهَا عَنْ مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ يَسْتَحِقُّ قِيمَتَهَا فِي ذِمَّةِ الْمُلْتَقِطِ فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ خِلَافٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
كونها دينا
(والثانى)
كونها ملا ضَائِعًا ثُمَّ الْمُلْتَقِطُ مَدْيُونٌ بِالْقِيمَةِ فَإِنْ
لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهَا فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ان الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا وَإِنْ مَلَكَ غَيْرَهَا شَيْئًا يَفِي بِالزَّكَاةِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (الصَّحِيحُ) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ إذَا مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ مِلْكِ اللُّقَطَةِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ مَضَى عَلَيْهِ حَوْلٌ فِي يَدِ مالكه (والثاني) لا تجب لضعفه لتوقع مجئ الْمَالِكِ قَالَ أَصْحَابُنَا هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْمَالِكَ إذَا ظَفِرَ بِاللُّقَطَةِ بَعْدَ أَنْ تَمَلَّكَهَا الْمُلْتَقِطُ هَلْ لَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهَا أَمْ لَيْسَ لَهُ إلَّا الْقِيمَةُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ؟ فَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ فِي عَيْنِهَا فَمِلْكُ الْمُلْتَقِطِ ضعيف لعدم استقراره فلا زكاة والاوجبت أَمَّا إذَا قُلْنَا لَا يَمْلِكُ الْمُلْتَقِطُ إلَّا بالتصرف فلم يتصرف كَمَا إذَا لَمْ يَتَمَلَّكْ وَقُلْنَا لَا يَمْلِكُ إلَّا بِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ اشْتَرَى مَالًا زَكَوِيًّا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ في يد البائع فالمذب وُجُوبُ
الزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِتَمَامِ الْمِلْكِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا لِضَعْفِهِ وَتَعَرُّضِهِ لِلِانْفِسَاخِ وَمَنْعِ تَصَرُّفِهِ وَقِيلَ فِيهِ الْخِلَافُ فِي الْمَغْصُوبِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ مَاشِيَةً أَوْ غَيْرَهَا مِنْ أَمْوَالِ الزَّكَاةِ وَحَالَ الْحَوْلُ فَطَرِيقَانِ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِتَمَامِ الملك وقيل فيه الخلاف في المغصوب لا متناع التَّصَرُّفِ وَاَلَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ بَعْدَهُ وَإِذَا أَوْجَبْنَا الزَّكَاةَ فِي الْمَرْهُونِ فَمِنْ أَيْنَ يُخْرِجُهَا فِيهِ كَلَامٌ يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى في باب زكاة الذهب والفضة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {فان كان ماشية أو غيرها من اموال الزكاة وعليه دين يستغرقه أو ينقص المال عن النصاب ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة فيه لان ملكه غير مستقر لانه ربما أخذه الحاكم لحق الغرماء (وقال في الجديد) تجب الزكاة فيه لان الزكاة تتعلق بالعين والدين يتعلق بالذمة فلا يمنع أحدهما الآخر كالدين وارش الجناية وان حجر عليه في المال ففيه ثلاث طرق (أحدها) إن كان المال ماشية وجبت فيه الزكاة لانه قد حصل له نماؤه وان كان غيرها فقيل قولين كالمغصوب
(والثانى)
تجب الزكاة فيه قولا واحدا لان الحجر لا يمنع وجوب الزكاة كالحجر على السفيه والمجنون (والثالث) وهو الصحيح أنه علي قولين كالمغصوب لانه حيل بينه وبينه فهو كالمغصوب (وأما) قول الاول انه حصل له النماء من الماشية فلا يصح لانه وان حصل النماء إلا انه ممنوع من التصرف فيه ويحول دونه وقول الثاني لا يصح لان حجر السفيه والمجنون لا يمنع التصرف لان وليهما ينوب عنهما في التصرف
وحجر المفلس يمنع التصرف فافترقا}
* {الشَّرْحُ} الدَّيْنُ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي مُعْظَمِ كُتُبِهِ الجديدة (وَالثَّانِي) لَا تَجِبُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَفِي اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَ الْقَوْلَيْنِ (وَالثَّالِثُ) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ أَنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنِيَّةِ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ وَلَا يَمْنَعُهَا فِي الظَّاهِرَةِ
وَهِيَ الزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَوَاشِي وَالْمَعَادِنُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الظَّاهِرَةَ نَامِيَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ مَالِكٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حالا أو مؤجلا وسواء كان من جلس الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ الْقَوْلَانِ إذَا كَانَ مَالُهُ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ فان خالفه وجبت قطعا وليس بشئ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا أَمْ مِنْ جِنْسِ الدَّيْنِ أَمْ غَيْرِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا سَوَاءٌ دَيْنُ الْآدَمِيِّ وَدَيْنُ اللَّهِ عز وجل كَالزَّكَاةِ السَّابِقَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهَا (وَأَمَّا) مَسْأَلَةُ الْحَجْرِ الَّذِي ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَأَحَاطَتْ بِرَجُلٍ دُيُونٌ وَحَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) يُحْجَرُ وَيُفَرَّقُ مَالُهُ بَيْنَ الْفِرَقِ الْغُرَمَاءِ فَيَزُولُ مِلْكُهُ وَلَا زَكَاةَ (وَالثَّانِي) أَنْ يُعَيِّنَ لِكُلِّ غَرِيمٍ شَيْئًا مِنْ مِلْكِهِ وَيُمَكِّنَهُمْ مِنْ أَخْذِهِ فَحَالَ الحول قبل أخذه فالمذهب أهه لَا زَكَاةَ أَيْضًا وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ لِضَعْفِ مِلْكِهِ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَجْهًا أَنَّ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيهِ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ لِأَنَّهُ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ وَقَالَ الْقَفَّالُ يَخْرُجُ عَلَى الْخِلَافِ فِي اللُّقَطَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُمْ تَسَلَّطُوا عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ تَسَلُّطَ الْمُلْتَقِطِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ بِخِلَافِ الْمَغْصُوبِ وَالصَّحِيحُ مَا سَبَقَ عَنْ الْجُمْهُورِ وَالْفَرْقُ أَنَّ تَسَلُّطَ الْغُرَمَاءِ أَقْوَى مِنْ تَسَلُّطِ الْمُلْتَقِطِ لِأَنَّهُمْ أَصْحَابُ حَقٍّ عَلَى الْمَالِكِ وَلِأَنَّهُمْ مُسَلَّطُونَ بِحُكْمِ حَاكِمٍ فَكَانَ تَسْلِيطُهُمْ مُسْنَدَهُ ثُبُوتُ الْمَالِ فِي ذِمَّةِ الْمَالِكِ وَهُوَ أَقْوَى بِدَلِيلِ أَنَّهُمْ إذَا قَبَضُوهُ لَمْ يَرْجِعْ فِيهِ الْمُفْلِسُ بِوَجْهٍ مَا بِخِلَافِ الْمُلْتَقِطِ فَإِنَّ لِلْمَالِكِ إذَا رَجَعَ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَيْنِ اللُّقَطَةِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ لَا يُفَرِّقَ مَالَهُ وَلَا يُعَيِّنُ لِأَحَدٍ شَيْئًا وَيَحُولُ الْحَوْلُ فِي دَوَامِ الْحَجْرِ وَهَذِهِ هِيَ الصُّورَةُ الَّتِي أَرَادَهَا الْمُصَنِّفُ وَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا ثَلَاثَةُ طُرُقٍ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ بِدَلَائِلِهَا (أَصَحُّهَا) أَنَّهُ على
الْخِلَافِ فِي الْمَغْصُوبِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ (وَالثَّالِثُ) الْقَطْعُ بِالْوُجُوبِ فِي الْمَاشِيَةِ وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ كالمغصوب والله أعلم
* إذا ثبت هذا فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ قَضَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ وَجَعَلَ لَهُمْ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدُوهُ قَبْلَ الْحَوْلِ ثُمَّ جَاءَ الْحَوْلُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْغُرَمَاءُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُمْ دُونَهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَمِنْ الْأَصْحَابِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْحَالَةِ الْأُولَى وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ
عَلَى الثَّانِيَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْحَالَةِ الثَّانِيَةِ وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَأْخُذُوا الْأَعْيَانَ الَّتِي عَيَّنَهَا لَهُمْ الْحَاكِمُ حَيْثُ وَجَدُوهَا فَاعْتَرَضَ الْكَرْخِيُّ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبَاحَ الشَّافِعِيُّ لَهُمْ نَهْبَ مَالِهِ فَأَجَابَ أَصْحَابُنَا عَنْهُ فَقَالُوا هَذَا الَّذِي تَوَهَّمَهُ الْكَرْخِيُّ خَطَأٌ مِنْهُ لِأَنَّ الْحَاكِمَ إذَا عَيَّنَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عَيْنًا جَازَ لَهُ أَخْذُهَا حَيْثُ وَجَدَهَا لِأَنَّهُ يَأْخُذُهَا بِحَقٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إذَا أَقَرَّ قَبْلَ الْحَجْرِ بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَيْهِ فَإِنْ صَدَّقَهُ الْغُرَمَاءُ ثَبَتَتْ وَإِنْ كَذَّبُوهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَحِينَئِذٍ هل تقدم الزكاة أَمْ يَسْتَوِيَانِ فِيهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنِ الْآدَمِيِّ وَإِنْ اقر بالزكاة بَعْدَ الْحَجْرِ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ الْمَشْهُورَانِ فِي الْمَحْجُورِ عليه إذا اقر بدين بعد الحجز هَلْ يَقْبَلُ فِي الْحَالِ وَيُزَاحِمُ بِهِ الْغُرَمَاءَ أَمْ يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ وَلَا تَثْبُتُ مُزَاحَمَتُهُ
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَسْتَوِي دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى وَدَيْنُ الْآدَمِيِّ قَالَ أَصْحَابُنَا فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهِمَا فَنَذَرَ التَّصَدُّقَ بِهَذَا الْمَالِ أَوْ بِكَذَا مِنْ هَذَا الْمَالِ فَمَضَى الْحَوْلُ قَبْلَ التَّصَدُّقِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِمَنْعِ الزَّكَاةِ لِتَعَلُّقِ النَّذْرِ بِعَيْنِ الْمَالِ (وَالثَّانِي) أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي الدَّيْنِ وَلَوْ قَالَ جَعَلْت هَذَا الْمَالَ صَدَقَةً أَوْ هَذِهِ الْأَغْنَامَ ضَحَايَا أَوْ لِلَّهِ عَلَى أَنْ أُضَحِّي بِهَذِهِ الشَّاةِ وَقُلْنَا يَتَعَيَّنُ التَّضْحِيَةُ بِهَذِهِ الصِّيغَةِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ قَطْعًا وَطَرَدَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَبَعْضُهُمْ فِيهِ الْخِلَافَ قَالَ الْإِمَامُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ لِأَنَّ مَا جُعِلَ صَدَقَةً لَا تَبْقَى فِيهِ حَقِيقَةُ مِلْكٍ بِخِلَافِ الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فانه لم يتصدق وانا الْتَزَمَ التَّصَدُّقَ وَلَوْ نَذَرَ التَّصَدُّقَ بِأَرْبَعِينَ شَاةً أو بمأتى دِرْهَمٍ وَلَمْ يُضِفْ إلَى دَرَاهِمِهِ وَشِيَاهِهِ فَهَذَا دَيْنُ نَذْرٍ فَإِنْ قُلْنَا دَيْنُ الْآدَمِيِّ لَا يَمْنَعُ فَهَذَا أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ لَا يَمْنَعُ لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ لَا مُطَالَبَةَ بِهِ فِي الْحَالِ فَهُوَ أَضْعَفُ وَلِأَنَّ النَّذْرَ يُشْبِهُ التَّبَرُّعَاتِ فَإِنَّ النَّاذِرَ مُخَيَّرٌ فِي ابْتِدَاءِ نَذْرِهِ فَالْوُجُوبُ بِهِ أَضْعَفُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ وَتَمَّ الْحَوْلُ عَلَى نِصَابٍ فِي مِلْكِهِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ فِيهِ الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ فِي مَسْأَلَةِ النَّذْرِ قَبْلَهُ وَاَللَّهُ اعلم
*
(فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فَفِي عِلَّتِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ أو
الا كثرون ضَعْفُ الْمِلْكِ لِتَسَلُّطِ الْمُسْتَحِقِّ (وَالثَّانِي) أَنَّ مُسْتَحِقَّ الدَّيْنِ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ فَلَوْ أَوْجَبْنَا عَلَى الْمَدْيُونِ أَيْضًا لَزِمَ مِنْهُ تَثْنِيَةُ الزَّكَاةِ فِي الْمَالِ الْوَاحِدِ وَفَرَّعَ أَصْحَابُنَا الْخُرَاسَانِيُّونَ عَلَى الْعِلَّتَيْنِ مَسَائِلَ (إحْدَاهَا) لَوْ كَانَ مُسْتَحِقُّ الدَّيْنِ مِمَّنْ لَا زكاة علهى كَالذِّمِّيِّ وَالْمُكَاتَبِ فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ
وعلي الثاني تجب الزوال العلة الثَّانِيَةُ وَلَوْ أَنْبَتَتْ أَرْضُهُ نِصَابًا مِنْ الْحِنْطَةِ وَعَلَيْهِ مِثْلُهُ سَلَمًا أَوْ كَانَ الدَّيْنُ حَيَوَانًا بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً سَائِمَةً وَعَلَيْهِ أَرْبَعُونَ سَلَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ (الثَّالِثَةُ) لَوْ مَلَكَ نِصَابًا وَالدَّيْنُ الَّذِي عَلَيْهِ دُونَ نِصَابٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا تَجِبُ وَعَلَى الثَّانِي تَجِبُ (قَالَ) الرَّافِعِيُّ كَذَا أَطْلَقُوهُ وَمُرَادُهُمْ إذَا لَمْ يَمْلِكْ صَاحِبُ الدَّيْنِ غَيْرَهُ مِنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ فَلَوْ
مَلَكَ مَا يُتِمُّ بِهِ النِّصَابَ لَزِمَهُ الزَّكَاةُ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَالِ هَكَذَا رَتَّبَ هَذِهِ الصُّوَرَ جماعة من الاصحاب وقطع الا كثرون فيها يما يَقْتَضِيهِ الْأَوَّلُ وَلَوْ مَلَكَ مَالًا لَا زَكَاةَ فِيهِ كَعَقَارٍ وَغَيْرِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي النِّصَابِ الزَّكَوِيِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَيْضًا وَعَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ وَفِي وَجْهٍ أَنَّهَا لَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى عِلَّةِ التَّثْنِيَةِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَوْ زَادَ الْمَالُ الزَّكَوِيُّ عَلَى الدَّيْنِ نُظِرَ إنْ كَانَ الْفَاضِلُ نِصَابًا وَجَبَتْ فيه الزكاة
وفى الباقي القولان وان كان دوم نِصَابٍ لَمْ تَجِبْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ وَلَا فِي الْفَاضِلِ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَاسْتَأْجَرَ مَنْ يَرْعَاهَا فَحَالَ حَوْلُهَا فَإِنْ اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلَطَة بِبَاقِيهَا وَجَبَتْ شَاةٌ: عَلَى الرَّاعِي مِنْهَا جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا وَالْبَاقِي عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ وَإِنْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً فَلَا زَكَاةَ عَلَى واحد منهما وان اسْتَأْجَرَهُ بِشَاةٍ فِي الذِّمَّةِ فَإِنْ كَانَ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَالٌ آخَرُ غَيْرُهَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْبَعِينَ والافعلي الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَهَا
* (فَرْعٌ)
مَلَكَ نِصَابَيْنِ زكويين كَنِصَابِ بَقَرٍ وَنِصَابِ غَنَمٍ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ مَا يَمْلِكُهُ قَالَ الْبَغَوِيّ يُوَزِّعُ عَلَيْهِمَا فَإِنْ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَا يَنْقُصُ بِهِ عَنْ النِّصَابِ فَلَا زَكَاةَ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ (وَقَالَ) أَبُو الْقَاسِمِ الْكَرْخِيُّ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَابْنُ الصَّبَّاغِ
يُرَاعَى الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ كَمَا أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ مَالًا آخَرَ غَيْرَ زَكَوِيٍّ صَرَفْنَا الدَّيْنَ إلَيْهِ رِعَايَةً لِلْفُقَرَاءِ وَحُكِيَ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ مِثْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مِنْ جِنْسِ أَحَدِ الْمَالَيْنِ فَإِنْ قُلْنَا الدَّيْنُ يَمْنَعُ الزَّكَاةَ فِيمَا هُوَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَالْحُكْمُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ أَحَدِهِمَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يُؤَثِّرُ فِي غَيْرِ الْجِنْسِ اخْتَصَّ بالجنس
*
(فَرْعٌ)
الْمَالُ الْغَائِبُ إنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ لا نقطاع الطريق أو انقطاع خبره فكالمغصوب وقيل تحب الزَّكَاةُ قَطْعًا وَلَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ بِالِاتِّفَاقِ حَتَّى يَصِلَ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَجَبَ إخْرَاجُ زَكَاتِهِ فِي الْحَالِ وَيُخْرِجُهَا فِي بَلَدِ الْمَالِ وَإِنْ أَخْرَجَهَا فِي غَيْرِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ نَقَلَ الزَّكَاةَ الْمَذْكُورَةَ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَقِرًّا فِي بَلَدٍ فَإِنْ كَانَ سَائِرًا لَا يُخْرِجُ زَكَاتَهُ حَتَّى يَصِلَهُ فَإِذَا وَصَلَهُ زَكَّى مَا مَضَى بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الذَّهَبِ والفضة وسنعيدها ولعله هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
إذَا بَاعَ مَالًا زَكَوِيًّا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَتَمَّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ أَوْ اصْطَحَبَا فِي مُدَّةِ خِيَارِ الْمَجْلِسِ فَتَمَّ فِيهَا الْحَوْلُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ مِلْكَ الْمَبِيعِ فِي مُدَّةِ الخيار لمن فان قلنا قُلْنَا لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ زَكَاتُهُ وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي فَلَا زَكَاةَ عَلَى الْبَائِعِ وَيَبْتَدِئُ الْمُشْتَرِي حَوْلًا مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَإِلَّا فَلِلْبَائِعِ وَحُكْمُ الْحَالَيْنِ مَا سَبَقَ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَلَمْ
يَتَعَرَّضُوا لِلْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ (قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ قَالَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُشْتَرِي يَخْرُجُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ وَهَذَا إذَا كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَمَّا إذَا كَانَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ وَقُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ فَمِلْكُهُ مِلْكُ زَكَاةٍ بِلَا خِلَافٍ لِكَمَالِ مِلْكِهِ وَعَلَى قِيَاسِ هَذِهِ الطَّرِيقَةِ يَجْرِي الْخِلَافُ فِي جَانِبِ الْبَائِعِ أَيْضًا إذَا قُلْنَا الْمِلْكُ لَهُ وَكَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَقَدْ حَكَى الْبَنْدَنِيجِيُّ طَرِيقَةَ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَتْ
الزَّكَاةُ عَلَى الْبَائِعِ فَأَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ اسْتَقَرَّ الْبَيْعُ وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي وَإِنْ أَخْرَجَهَا مِنْ عَيْنِ الْمَبِيعِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي قَدْرِهَا وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَإِنْ لَمْ نُبْطِلْهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
إذَا أَحْرَزَ الْغَانِمُونَ الْغَنِيمَةَ فَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ تَعْجِيلُ قِسْمَتِهَا وَيُكْرَهُ لَهُ تَأْخِيرُهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّف هَذَا فِي قَسْمِ الْغَنِيمَةِ (قَالَ) أَصْحَابُنَا: فَإِذَا قَسَمَ فَكُلُّ مَنْ أَصَابَهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ وَهُوَ نِصَابٌ أَوْ بَلَغَ مَعَ غَيْرِهِ مِنْ مِلْكِهِ نِصَابًا ابْتَدَأَ حَوْلَهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَلَوْ تَأَخَّرَتْ الْقِسْمَةُ بِعُذْرٍ أَوْ بِلَا عُذْرٍ حَتَّى مَضَى حَوْلٌ فَهَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ يُنْظَرُ إنْ لَمْ يَخْتَارُوا التَّمْلِيكَ فَلَا زَكَاةَ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ فَمِلْكُهَا فِي نِهَايَةٍ مِنْ الضَّعْفِ يَسْقُطُ بِالْإِعْرَاضِ وَلِلْإِمَامِ فِي قِسْمَتِهَا أَنْ يَخُصَّ بَعْضَهُمْ بِبَعْضِ الْأَنْوَاعِ أَوْ بَعْضِ الْأَعْيَانِ إنْ اتَّحَدَ النَّوْعُ وَلَا يَجُوزُ هَذَا فِي سَائِرِ الْقَسْمِ إلَّا بِالتَّرَاضِي وَإِنْ اخْتَارُوا التَّمَلُّكَ وَمَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ وَقْتِ الِاخْتِيَارِ نُظِرَ إنْ كَانَتْ الْغَنِيمَةُ أَصْنَافًا فَلَا زَكَاةَ سَوَاءٌ كَانَتْ مِمَّا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِهَا أَوْ بَعْضِهَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي مَا يُصِيبُهُ وَكَمْ نَصِيبُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلَّا صِنْفٌ زَكَوِيٌّ وَبَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا فَعَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ وَإِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُ أَنْصِبَائِهِمْ نِصَابًا وَنَقَصَ نَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ عَنْ نِصَابٍ وَكَانَتْ مَاشِيَةً وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَهُمْ خُلَطَاءُ وَكَذَا لَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَاشِيَةٍ وَأَثْبَتْنَا الْخُلْطَةَ فِيهِ.
فَإِنْ كَانَتْ أَنْصِبَاؤُهُمْ نَاقِصَةً عَنْ النِّصَابِ وَلَا تَبْلُغُ نِصَابًا إلَّا بِالْخُمْسِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْخِلْطَةَ مَعَ أَهْلِ الْخُمْسِ لَا تَثْبُتُ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ بِحَالٍ لِكَوْنِهِ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَأَشْبَهَ مَالَ بَيْتِ الْمَالِ وَالْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ.
هَذَا حُكْمُ الْغَنِيمَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَهُوَ الْمَذْهَبُ
وَفِيهِ وَجْهٌ قَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ قَبْلَ إفْرَازِ الْخُمْسِ بِحَالٍ وَوَجْهُ أَنَّهُ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حَالِ عَدَمِ اخْتِيَارِ التَّمَلُّكِ وَهُمَا شَاذَّانِ مَرْدُودَانِ.
(قَالَ) إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ إنْ قُلْنَا الْغَنِيمَةُ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ قُلْنَا تُمْلَكُ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) لَا زَكَاةَ لِضَعْفِ الْمِلْكِ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ لِوُجُودِ الْمِلْكِ (وَالثَّالِثُ) إنْ كَانَ فِيهَا مَا لَيْسَ زَكَوِيًّا فَلَا زَكَاةَ وَإِلَّا وَجَبَتْ وَالْمَذْهَبُ ما قدمنا عن الجمهور
والله أعلم * قال المصنف رحمه الله
*
{ولا تجب الزكاة الا في السائمة من الابل والبقر والغنم لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كتب كتاب الصدقة وفيه في صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فيها صدقة وروى بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ في الابل السائمة " في كل أربعين بنت لبون " ولان العوامل والمعلوفة لا تقتنى للنماء فلم تجب فيها الزكاة كثياب البدن وأثاث
الدار وان كان عنده سائمة فعلفها نظرت فان كان قدرا يبقى الحيوان دونه لم يؤثر لان وجوده كعدمه وَإِنْ كَانَ قَدْرًا لَا يَبْقَى الْحَيَوَانُ دُونَهُ سقطت الزكاة لانه لم يوجد تكامل النماء بالسوم وان كان عنده نصاب من السائمة فغصبه غاصب وعلفه ففيه طريقان
(أحدهما)
انه كالمغصوب الذى لم يعلفه الغاصب فيكون علي قولين لان فعل الغاصب لا حكم له بدليل انه لو كان له ذهب فصاغه الغاصب حليا لم تسقط الزكاة عنه (والثاني) أنه تسقط الزكاة قولا واحدا وهو الصحيح لانه لم يوجد شرط الزكاة وهو السوم في جميع الحول فصار كما لو ذبح الغاصب شيئا من النصاب ويخالف الصياغة فان صياغة الغاصب محرمة فلم يكن لها حكم وعلفه غير محرم فثبت حكمه كعلف المالك وان كان عنده نصاب من المعلوفة فاسامه الغاصب ففيه طريقان
(أحدهما)
أنها كالسائمة المغصوبة وفيها قولان لان السوم قد وجد في حول كامل ولم يفقد الاقصد المالك وقصده غير معتبر بدليل انه لو كان له طعام
فزرعه الغاصب وجب فيه الشعر وإن لم يقصد المالك إلي زراعته
(والثانى)
لا تجب فيه الزكاة قولا واحدا لانه لم يقصد إلي اسامته فلم تجب فيه الزكاة كما لو رتعت الماشية لنفسها ويخالف الطعام فانه لا يعتبر في زراعته القصد ولهذا لو تبددله طعام فنبت وجب فيه العشر والسوم يعتبر فيه القصد ولهذا لو رتعت الماشية لنفسها لم تجب فيها الزكاة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ يَشْتَمِلُ
عَلَى مُعْظَمِ أَحْكَامِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَلَفْظُ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ " وَصَدَقَةُ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ " وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد " وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ " وَقَدْ فَرَّقَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْحَدِيثَ فِي الْكِتَابِ فَذَكَرَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ قِطْعَةً مِنْهُ وَكَذَا فَرَّقَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدَّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا التَّفْرِيقِ جَائِزٌ عَلَى الْمَذْهَبِ الصَّحِيحِ وَهَذَا الْمَفْهُومُ الَّذِي فِي التَّقْيِيدِ بِالسَّائِمَةِ حُجَّةٌ عِنْدَنَا.
وَالسَّائِمَةُ هِيَ الَّتِي تَرْعَى وَلَيْسَتْ مَعْلُوفَةً وَالسَّوْمُ الرَّعْيُ وَيُقَالُ سَامَتْ الْمَاشِيَةُ تَسُومُ سَوْمًا وَأَسَمْتُهَا أَيْ أَخْرَجْتهَا إلَى الْمَرْعَى وَلَفْظُ السَّائِمَةِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ وَعَلَى الشِّيَاهِ الْكَثِيرَةِ وَحَدِيثُ بَهْزَ بْنِ حَكِيمٍ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ بِذِكْرِ حَدِيثِ بَهْزَ بَعْدَ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه بَيَانَ أَنَّ سَائِمَةَ الْإِبِلِ وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ السَّوْمِ فِي الْإِبِلِ ثُمَّ إنَّ الْبَقَرَ مُلْحَقَةٌ بِالْغَنَمِ وَالْإِبِلِ إذْ لَا فَرْقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ عِنْدَنَا فِي الْمَاشِيَةِ إلَّا بِشَرْطِ كَوْنِهَا سَائِمَةً فَإِنْ عُلِفَتْ فِي مُعْظَمِ الْحَوْلِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَا زَكَاةَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ عُلِفَتْ قَدْرًا يَسِيرًا بِحَيْثُ لَا يَتَمَوَّلُ فَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ الْأَرْبَعَةُ الْأُولَى حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَكَثِيرُونَ مِنْ الْأَصْحَابِ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا تَعِيشُ بِدُونِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاة وَإِنْ كَانَ قدر الا يَبْقَى الْحَيَوَانُ دُونَهُ لَمْ تَجِبْ.
قَالُوا وَالْمَاشِيَةُ تَصْبِرُ الْيَوْمَيْنِ وَلَا تَصْبِرُ الثَّلَاثَةَ هَكَذَا ضَبَطَهُ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَلْحَقَ الضَّرَرُ الْبَيِّنُ بِالْهَلَاكِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مِنْ الْخَمْسَةِ إنْ عُلِفَتْ قَدْرًا يُعَدُّ مُؤْنَةٌ بِالْإِضَافَةِ إلَى رِفْقِ الْمَاشِيَةِ فَلَا زَكَاةَ وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَجَبَتْ وَقِيلَ
ان هذا الوجه رجع إليه أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ بَعْدَ أَنْ كَانَ يَعْتَبِرُ الْأَغْلَبَ: قَالَ الرافعى: فسر الرفق بدرها ونسلها واصوافها وأو بارها قال وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ رِفْقُ إسَامَتِهَا (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) لَا يُؤَثِّرُ الْعَلَفُ وَتَسْقُطُ بِهِ الزَّكَاةُ إلا إذا زاد على نِصْفَ السَّنَةِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ تَخْرِيجًا مِنْ أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْقِيِّ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ عَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْغَالِبِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَلَى هَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فَفِيهِ تَرَدُّدٌ وَالظَّاهِرُ السُّقُوطُ وَالْمَشْهُورُ الْجَزْمُ بِالسُّقُوطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ
إذَا تَسَاوَيَا (وَالرَّابِعُ) كُلُّ مُتَمَوَّلٍ مِنْ الْعَلَفِ وَإِنْ قَلَّ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فَإِنْ أُسِيمَتْ بَعْدَهُ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ (وَالْخَامِسُ) حَكَاهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْعَلْفِ بِأَنْ يَنْوِي عَلَفَهَا وَيَعْلِفَهَا وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً: قَالَ الرَّافِعِيُّ لَعَلَّ الْأَقْرَبَ تَخْصِيصُ هَذَا الْوَجْهِ بِمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِعَلَفِهِ شَيْئًا فَإِنْ قَصَدَ بِهِ قَطْعَ السَّوْمِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ لَا مَحَالَةَ كَذَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعُدَّةِ أَبُو الْمَكَارِمِ وَغَيْرِهِ وَلَا أثر لمجردنية الْعَلَفِ وَلَوْ أُسِيمَتْ فِي كَلَأٍ مَمْلُوكٍ فَهَلْ هِيَ سَائِمَةٌ أَوْ مَعْلُوفَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا صاحب البيان (أصحهما)(1)(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) السَّائِمَةُ إذَا كَانَتْ عَامِلَةً كَالْإِبِلِ الَّتِي يُحْمَلُ عَلَيْهَا أَوْ كَانَتْ نَوَاضِحَ وَالْبَقَرُ الَّتِي يُحْرَثُ عَلَيْهَا فَفِيهَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ لَا زَكَاةَ فِيهَا لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ فِي كِتَابِهِ مُخْتَصَرِ الْمُخْتَصَرِ كَغَيْرِ الْعَوَامِلِ لِوُجُودِ السَّوْمِ وَكَوْنُهَا عَامِلَةً زِيَادَةُ انْتِفَاعٍ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ بَلْ هِيَ أَوْلَى بِالْوُجُوبِ وَالْمَذْهَبُ الاولي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) هَلْ يُعْتَبَرُ الْقَصْدُ فِي الْعَلَفِ وَالسَّوْمِ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كتب الخراسانيين وَذَكَرَهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ يَخْتَلِفُ الرَّاجِحُ مِنْهُمَا بِاخْتِلَافِ الصُّوَرِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَيْهِمَا (مِنْهَا) أَنَّهَا لَوْ اعْتَلَفَتْ السَّائِمَةُ بِنَفْسِهَا الْقَدْرَ الْمُؤَثِّرَ فَفِي انْقِطَاعِ الْحَوْلِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ الِانْقِطَاعُ لِفَوَاتِ شَرْطِ السَّوْمِ فَأَشْبَهَ فَوَاتَ سَائِرِ شُرُوطِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ فَوْتِهَا قَصْدًا أَوْ اتِّفَاقًا وَلَوْ سَامَتْ بِنَفْسِهَا فَطَرِيقَانِ (أصحهما) علي الوجهين لَا زَكَاةَ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) لَا تَجِبُ قَطْعًا وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ لِعَدَمِ الفعل ولو أسامها بلانية فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ لِظَوَاهِرِ الْأَحَادِيثِ وَحُصُولِ الرِّفْقِ مع فعله ولو علفها لا متناع الراعي بالثلج وقصد ردها إلى الاسامة
(1) بياض بالاصل فليحرر
عِنْدَ الْإِمْكَانِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ (وَالثَّانِي) لَا كَمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَ؟ تِجَارَةٍ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْقَنِيَّةِ فَإِنَّهُ لَا تَسْقُطُ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالِاتِّفَاقِ (الرَّابِعَةُ) لَوْ غَصَبَ سَائِمَةً فَعَلَفَهَا فَإِنْ قُلْنَا لَا زَكَاةَ فِي الْمَغْصُوبِ فَهُنَا أَوْلَى وَإِلَّا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْجُمْهُورِ لَا زَكَاةَ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ
(وَالثَّانِي)
تَجِبُ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ فِعْلَهُ كَالْعَدَمِ (وَالثَّالِثُ) إنْ عَلَفَهَا بِعَلَفٍ مِنْ مَالِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا
وَلَوْ غَصَبَ مَعْلُوفَةً وَأَسَامَهَا فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا زَكَاةَ قَوْلًا وَاحِدًا لِعَدَمِ فِعْلِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ رَتَعَتْ بِنَفْسِهَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَغْصُوبَةِ كَمَا لَوْ غَصَبَ حِنْطَةً وَبَذَرَهَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِيمَا تُنْبِتُ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَوْجَبْنَاهَا فَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْغَاصِبِ لِأَنَّهَا مُؤْنَةٌ وَجَبَتْ بِفِعْلِهِ أَمْ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّ نَفْعَ خِفَّةِ الْمُؤْنَةِ عَائِدٌ إلَيْهِ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وغيره فان قلنا على الْمَالِكِ فَفِي رُجُوعِهِ بِهَا عَلَى الْغَاصِبِ طَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالرُّجُوعِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا كَانَ بِفِعْلِهِ (وَأَشْهُرُهُمَا) عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) الرُّجُوعُ
(وَالثَّانِي)
عَدَمُهُ فَإِنْ قُلْنَا يَرْجِعُ فَهَلْ يَرْجِعُ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَمْ بَعْدَهُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) بَعْدَهُ وَاسْتَبْعَدَ الرَّافِعِيُّ إيجَابَ الزَّكَاةِ عَلَى الْغَاصِبِ ابْتِدَاءً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مَالِكٍ قَالَ وَالْجَارِي عَلَى قِيَاسِ الْمَذْهَبِ أَنَّ الزَّكَاةَ إنْ أُوجِبَتْ كَانَتْ عَلَى الْمَالِكِ ثُمَّ يَغْرَمُ له الغاصب والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
*
(الشرح) قوله نتج - ضم النون وكسر الثاء - وَمَعْنَاهُ وُلِدَ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْمَوَاشِي لَا تَجِبُ؟ فِيمَا دُونَ نِصَابٍ وَنَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ فِيهِ وَدَلِيلُهُ مَعَ الْإِجْمَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ.
وَإِنْ نَقَصَ مِنْ النِّصَابِ وَاحِدٌ قَبْلَ الْحَوْلِ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ انْقَطَعَ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ نُتِجَ لَهُ وَاحِدٌ أَوْ عَادَ مِلْكُهُ فِيمَا زَالَ عَنْهُ فِي الْحَالِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نُتِجَتْ ثُمَّ هَلَكَتْ أُخْرَى لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ وُلِدَتْ
وَاحِدَةٌ وَهَلَكَتْ أُخْرَى مِنْ النِّصَابِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْلُ مِنْ نِصَابٍ وَلَوْ شَكَّ هَلْ كَانَ التَّلَفُ وَالْوِلَادَةُ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ أَمْ سَبَقَ التَّلَفُ لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمِلْكِ وَبَقَاءُ الْحَوْلِ صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ وَكَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ خِلَافٌ مِنْ تَعَارُضِ الْأَصْلَيْنِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَيْضًا بَرَاءَتُهُ مِنْ الزَّكَاةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ السَّاعِي وَالْمَالِكُ فَقَالَ الْمَالِكُ هَذَا النِّتَاجُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَالَ السَّاعِي قَبْلَهُ أَوْ قَالَ حَصَلَ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ وَقَالَ الْمَالِكُ بَلْ بِسَبَبٍ مُسْتَقِلٍّ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ فان اتهمه السباعي حَلَّفَهُ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ الْخِلَافُ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ نَظَائِرَهُ فِي قِسْمِ الصَّدَقَاتِ وَسَنُوَضِّحُهُ هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى: وَالِاعْتِبَارُ فِي النِّتَاجِ بالانفصال فلو خرج بعض الجنين وتم الْحَوْلُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ فَلَا حُكْمَ لَهُ لِمَا ذكره المصنف
*
* قال المصنف رحمه الله
*
{الشَّرْحُ} هَذَا الْمَذْكُورُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله عنهم صَحِيحٌ عَنْهُمْ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ " لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ " وَإِنَّمَا لَمْ يَحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِالْحَدِيثِ لِأَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ فَاقْتَصَرَ عَلَى الْآثَارِ الْمُفَسِّرَةِ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ الِاعْتِمَادُ فِي اشْتِرَاطِ الْحَوْلِ عَلَى الْآثَارِ الصَّحِيحَةِ فِيهِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ رضي الله عنهم قَالَ الْعَبْدَرِيُّ أَمْوَالُ الزَّكَاةِ ضَرْبَانِ (أَحَدُهُمَا) مَا هُوَ نَمَاءٌ فِي نَفْسِهِ كَالْحُبُوبِ وَالثِّمَارِ فَهَذَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ لِوُجُودِهِ
(وَالثَّانِي)
مَا هُوَ مَرْصَدٌ لِلنَّمَاءِ كَالدَّرَاهِمِ
وَالدَّنَانِيرِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْمَاشِيَةِ فَهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِي نِصَابِهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَبِهِ قَالَ الْفُقَهَاءُ كَافَّةً قَالَ وَقَالَ ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهما تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ يَوْمَ مَلَكَ النِّصَابَ قَالَ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ وَجَبَتْ زَكَاةٌ ثَانِيَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَوْ بَادَلَ بِهِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ هَكَذَا هُوَ فِي كُلِّ النُّسَخِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ وَهُوَ نَاقِصٌ وَمُرَادُهُ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيمَا بَاعَ وَفِيمَا بَادَلَ بِهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِلَا خِلَافٍ مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ عَلَى أَنَّ بَقَاءَ الْمَاشِيَةِ فِي مِلْكِهِ حَوْلًا كَامِلًا شَرْطُ الزَّكَاةِ فَلَوْ زَالَ الْمِلْكُ فِي لَحْظَةٍ مِنْ الْحَوْلِ ثُمَّ عَادَ انْقَطَعَ الْحَوْلُ وَاسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ من حين يجدد الملك ولو بادل بماشية مَاشِيَةً مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ اسْتَأْنَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَوْلَ عَلَى مَا أَخَذَهُ مِنْ حِينِ الْمُبَادَلَةِ وَكَذَا لَوْ بَادَلَ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ إنْ لَمْ يكن صير فيا يُبَدِّلُهَا لِلتِّجَارَةِ وَكَذَا إنْ كَانَ صَيْرَفِيًّا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ وَسَنُوَضِّحُهَا هُنَاكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا؟ كُلُّهُ فِي الْمُبَادَلَةِ الصَّحِيحَةِ أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَلَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِالْقَبْضِ أَمْ لَا لِأَنَّ الْمِلْكَ بَاقٍ فَلَوْ كَانَتْ سَائِمَةً وَعَلَفَهَا الْمُشْتَرِي قَالَ الْبَغَوِيّ هُوَ كَعَلَفِ الْغَاصِبِ وَفِي قَطْعِ الْحَوْلِ الْوَجْهَانِ (الْأَصَحُّ)
يُقْطَعُ.
قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَعِنْدِي أَنَّهُ يُقْطَعُ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِخِلَافِ الْغَاصِبِ وَلَوْ بَاعَ مَعْلُوفَةً بَيْعًا فَاسِدًا فاسامها الشمتري فَهُوَ كَإِسَامَةِ الْغَاصِبِ (أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ أَوْ بَادَلَ بِهِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ وَوَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا قَدِيمًا فَيَنْظُرُ إنْ لَمْ يَمْضِ عَلَيْهِ حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ فَلَهُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ فَإِذَا رَدَّ اسْتَأْنَفَ الْمَرْدُودُ عَلَيْهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ الرَّدِّ سَوَاءٌ رَدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَمْ بَعْدَهُ وَإِنْ مَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ الشِّرَاءِ وَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ نُظِرَ إنْ لَمْ يُخْرِجْهَا بَعْدُ فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ سَوَاءٌ قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ لِأَنَّ لِلسَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ مِنْ عَيْنِهَا لَوْ تَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي وَهَذَا عَيْبٌ حَادِثٌ يَمْنَعُ الرَّدَّ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ الرَّدِّ بِالتَّأْخِيرِ إلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا يَبْطُلُ الرَّدُّ بِالتَّأْخِيرِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ الرَّدِّ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي تَجِبُ زَكَاتُهَا مِنْ غَيْرِ جِنْسِهَا وَهِيَ الْإِبِلُ مَا لَمْ تَبْلُغْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَمْوَالِ
وَفِي كَلَامِ ابْنِ الْحَدَّادِ تَجْوِيزُ الرَّدِّ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ وَغَلَّطُوهُ فِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ.
وَأَثْبَتَهُ الْأَصْحَابُ وَجْهًا وَإِنْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ نُظِرَ إنْ أَخْرَجَهَا مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ بَنَى جَوَازَ الرَّدِّ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مَرْهُونٌ بِهِ فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا لَوْ رَهَنَ مَا اشْتَرَاهُ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ وَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا.
وَإِنْ قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَالْمَسَاكِينُ شُرَكَاءُ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّيْخِ أَبِي عَلِيٍّ السِّنْجِيِّ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ لَهُ الرَّدُّ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ عَلَى وَجْهَيْنِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الرَّدُّ وَهُمَا كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا وَبَاعَهُ وَهُوَ جَاهِلٌ بِعَيْبِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَرِثَهُ هَلْ لَهُ رَدُّهُ وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافٌ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ عَلَى غَيْرِ قَوْلِ الشَّرِكَةِ أَيْضًا لِأَنَّ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْ يَظْهَرُ مُسْتَحَقًّا فَيَأْخُذُ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ.
قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْوَجْهَ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَجَعَلَ الزَّائِدَ عَلَى قَوْلَيْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَهَذَا الْوَجْهُ شَاذٌّ ضَعِيفٌ.
وَإِنْ أَخْرَجَ
الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَبَاعَ مِنْهُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ فَهَلْ لَهُ الرَّدُّ.
فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَحَدُهَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الزَّكَاةِ لَيْسَ لَهُ الرَّدُّ وَهَذَا إذَا لَمْ نُجَوِّزْ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ وَعَلَى هَذَا هَلْ يَرْجِعُ بِالْأَرْشِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يَرْجِعُ إنْ كَانَ الْمُخْرَجُ فِي يَدِ الْمَسَاكِينِ لِأَنَّهُ قَدْ يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ فَيَرُدُّ الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ تَالِفًا رَجَعَ بِهِ (وَالثَّانِي) يَرْجِعُ مُطْلَقًا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّ نُقْصَانَهُ كَعَيْبٍ حَدَثَ وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ رَجَعَ بِالْأَرْشِ وَلَمْ يَنْتَظِرْ زَوَالَ الْعَيْبِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يَرُدُّ الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَهَذَا إذَا جَوَّزْنَا تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ) يَرُدُّ الْبَاقِي وَقِيمَةَ الْمُخْرَجِ فِي الزَّكَاةِ وَيَسْتَرِدُّ كُلَّ الثَّمَنِ لِيَحْصُلَ بِهِ غَرَضُ الرَّدِّ وَلَا تَتَبَعَّضُ الصَّفْقَةُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْمُخْرَجِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَالَ الْبَائِعُ دِينَارَانِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي دِينَارٌ فَقَوْلَانِ وَقِيلَ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّهُ غَارِمٌ
(وَالثَّانِي)
قَوْلُ الْبَائِعِ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَابِتٌ عَلَى الثَّمَنِ ولا يسترد منه إلا ما أقربه وَحُكْمُ الْإِقَالَةِ حُكْمُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ (أَمَّا) إذَا بَاعَ النِّصَابَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ وَفَسْخِ الْبَيْعِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ فِي
زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ مَوْقُوفٌ بُنِيَ عَلَى حَوْلِهِ وَإِنْ قُلْنَا لِلْمُشْتَرِي اسْتَأْنَفَ الْبَائِعُ الْحَوْلَ بَعْدَ الْفَسْخِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَاتَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَانْتَقَلَ الْمَالُ إلَى وَارِثِهِ هَلْ يُبْنَى عَلَى الْحَوْلِ فِيهِ الْقَوْلَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَهُمَا مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ لَا يُبْنَى بَلْ يَسْتَأْنِفُ حَوْلًا مِنْ حِينِ انْتَقَلَ إلَيْهِ الْمِلْكُ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْقَدِيمُ أَنَّهُ يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَغَيْرِهِ
* وَاحْتَجُّوا لِلْجَدِيدِ بِأَنَّهُ زَالَ ملكه فصار كَمَا لَوْ بَاعَهُ وَفَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِأَنَّ الرَّدَّ حَقٌّ لِلْمَالِ فَانْتَقَلَ إلَى صَاحِبِ الْمَالِ.
وَالزَّكَاةُ حَقٌّ فِي الْمَالِ وَحَكَى (1) والرافعي طَرِيقًا آخَرَ قَاطِعًا بِأَنَّهُ لَا يُبْنَى وَأَنْكَرُوا الْقَدِيمَ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُبْنَى فَعَلَى هَذَا إنْ كَانَ الْمَوْرُوثُ مَالَ تِجَارَةٍ لَمْ يَنْعَقِدْ الحول عليه حتى يتصرف الوارث بنيتة التِّجَارَةِ.
وَإِنْ كَانَ سَائِمَةً وَلَمْ يَعْلَمْ الْوَارِثُ الْحَالَ حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَهَلْ يَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ أَمْ يَبْتَدِئُ الْحَوْلُ مِنْ وَقْتِ عِلْمِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَصْدَ السَّوْمِ هَلْ يشترط وقد سبق بيانه
(1) بياض بالاصل فليحرر
(فَرْعٌ)
لَوْ ارْتَدَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إنْ قُلْنَا يَزُولُ مِلْكُهُ بِالرِّدَّةِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ فَإِنْ أَسْلَمَ اسْتَأْنَفَ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ بل يبنى كما بني الوارث على قوله حكاه (1) وَالرَّافِعِيُّ وَإِنْ قُلْنَا لَا يَزُولُ فَالْحَوْلُ مُسْتَمِرٌّ وَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ تَمَامِهِ.
وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَإِنْ هَلَكَ عَلَى الرِّدَّةِ تَبَيَّنَّا الِانْقِطَاعَ مِنْ وَقْتِ الرِّدَّةِ وَإِنْ أَسْلَمَ تَبَيَّنَّا اسْتِمْرَارَ الْمِلْكِ
* (فرع)
قال أصحابنا لافرق فِي انْقِطَاعِ الْحَوْلِ بِالْمُبَادَلَةِ وَالْبَيْعِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بَيْنَ مَنْ يَفْعَلُهُ مُحْتَاجًا إلَيْهِ وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ فَفِي الصُّورَتَيْنِ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِلَا خِلَافٍ وَلَكِنْ يُكْرَهُ الْفِرَارُ كراهة تنزيه وقيل حرام وليس بشئ وَسَنُوَضِّحُ الْمَسْأَلَةَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي باب زكاة الثمار حيث ذكرها المصنف * قال المصنف رحمه الله
* {وان كان عنده نصاب من الماشية ثم استفاد شيئا آخر من جنسه ببيع أو هبة فان لم يكن المستفاد نصابا في نفسه ولا كمل به النصاب الثاني لم يحكم له حكم لانه لا يمكن أن يجعل تابعا للنصاب الثاني
فيجعل له قسط من فرضه لانه لم يوجد النصاب الثاني بعد ولا يمكن أن يجعل من النصاب الذى عنده لان ذلك انفرد بالحق ووجب فيه الفرض قبل أن يمضى الحول على المستفاد فلا يمكن أن يجعل له قسط من فرضه فسقط حكمه وان كان يكمل به النصاب الثاني بأن يكون عنده ثلاثون من البقر ثم اشترى في أثناء الحول عشرة وجاء الحول علي النصاب وجب فيه تبيع وإذا جاء الحول علي المستفاد وجب فيه ربع مسنة لانه تم به نصاب السنة ولم يمكن ايجاب المسنة لان الثلاثين لم تثبت فيها الخلطة مع العشرة في حول كامل فانفردت بحكمها ووجب فيها فرضها والعشرة ثبت لها حكم الخلطة في حول كامل فوجب فيها بقسطها ربع مسنة وان كَانَ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي وذلك يكون في صدقة الغنم بان يكون عنده أربعون شاة تم يشترى في اثناء الحول أربعين فان الاربعين الاولي يجب فيها شاة لحولها ومع الاربعين الثانية ثلاثة أوجه (أحدها) يجب فيها لحولها شاة لانه نصاب منفرد بالحول فوجب فيه فرضه كالاربعين الاولي (والثاني) يجب فيها نصف شاة لانها لم تنفك عن خلطة الاربعين الاولي في حول كامل فوجب فيها قسطها من الفرض وهو نصف شاة (والثالث) لا يجب شئ وهو الصحيح لانه انفرد الاول عنه بالحول ولم يبلغ الثاني فجعل وقصا بين نصابين فلم يتعلق به فرض}
*
(1) بياض بالاصل فليحرر
{الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رحمهم الله الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَقْفٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا يُسْتَفَادُ لَا مِنْ نَفْسِ الْمَالِ لَا يُجْمَعُ إلَى مَا عِنْدَهُ فِي الْحَوْلِ بِلَا خِلَافٍ وَيُضَمُّ إلَيْهِ فِي النِّصَابِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ إلَيْهِ حَكَاهُ أَصْحَابُنَا عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ كَمَا لَا يُضَمُّ فِي الْحَوْلِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَسَيَأْتِي دَلِيلُهُ وَالْفَرْقُ بين الضم الي الحول والضم الي النِّصَابِ فِي أَوَّلِ الْفَرْعِ الْآتِي لِأَبِي الْحَسَنِ الْمَسْلَمِيّ الدِّمَشْقِيِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* هَذِهِ جُمْلَةُ مَسَائِلِ الْفَصْلِ (وَأَمَّا) تَفْصِيلُهَا فَقَالَ أَصْحَابُنَا إنْ كَانَ الْمُسْتَفَادُ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلَا حُكْمَ لَهُ وَلَا يَتَعَلَّقُ به فرض بلا خلاف ولا يجئ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْوَقَصِ وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ
* وَإِنْ كَانَ دُونَ
نِصَابٍ وَيَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي بِأَنْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً فَعَلَيْهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الثَّلَاثِينَ تَبِيعٌ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعَشَرَةِ رُبْعُ مُسِنَّةٍ فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ لِلثَّلَاثِينَ لَزِمَهُ لها ثلاثة أرباع مسنة وإذا تم حَوْلٌ ثَانٍ لِلْعَشَرَةِ لَزِمَهُ رُبْعُ مُسِنَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا يَنْعَقِدُ حَوْلُ الْعَشَرَةِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ حَوْلَ الْجَمِيعِ
* وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ اشْتَرَى عَشْرَةً لَزِمَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَعِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعَشَرَةِ ثُلُثُ بِنْتِ مَخَاضٍ فَإِذَا جَاءَ حَوْلٌ ثَانٍ عَلَى الْعِشْرِينَ فَفِيهَا ثُلُثَا بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِذَا تَمَّ حَوْلٌ ثَانٍ عَلَى الْعَشَرَةِ فَفِيهَا ثُلُثُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهَكَذَا يُزَكِّي أَبَدًا وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ عَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِ الْعِشْرِينَ وَلَا يَقُولُ هُنَا لَا يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى الْعَشَرَةِ حَتَّى يَنْفَسِخَ حول العشرين لان العشر مِنْ الْإِبِلِ نِصَابٌ بِخِلَافِ الْعَشْرِ مِنْ الْبَقَرِ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَاشْتَرَى خَمْسًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعِشْرِينَ فَعَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْخَمْسِ فَعَلَيْهِ خُمْسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِذَا تَمَّ الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْأَصْلِ فَأَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ فِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَبَدًا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَفِي الْخَمْسِ شَاةٌ أَبَدًا وَحَكَى جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجْهًا أَنَّ الْخَمْسَ لَا تَجْرِي فِي الْحَوْلِ حَتَّى يَتِمَّ حَوْلُ الْأَصْلِ ثُمَّ يَنْعَقِدُ الْحَوْلُ عَلَى جَمِيعِ الْمَالِ وَهَذَا الْوَجْهُ طَرَدُوهُ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ فِي الْعَشْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) إذَا كَانَ الْمُسْتَفَادُ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ إلَّا فِي الْغَنَمِ بِأَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَرْبَعِينَ بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ وَفِي الثانية اوجه (أصحها) عنده لا شئ فِيهَا
(وَالثَّانِي)
فِيهَا شَاةٌ (وَالثَّالِثُ) نِصْفُهَا وَذَكَرَ أَدِلَّتَهَا ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ هَذَا الْفَصْلِ إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ
وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَأَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) يَجِبُ فِي الْأُولَى شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا
(وَالثَّانِي)
نِصْفُ شَاةٍ: وَفِي الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يجب فيها (وَالثَّانِي) ثُلُثُ شَاةٍ هَذَا كَلَامُ الْمُصَنِّفِ وَهُوَ مُشْكِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
كَوْنُهُ جَعَلَ حُكْمَ المسأله مختلفا وليس هو
مختلف عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) كَوْنُهُ حَكَى فِي الْمَسْأَلَةِ الاولي وجهان أنه لا يجب في الاربعين المستفادة شئ وَادَّعَى أَنَّهُ الْأَصَحُّ وَهَذَا الْوَجْهُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ فَضْلًا عَنْ كَوْنِهِ الْأَصَحَّ وَإِنَّمَا الصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي طَرِيقَيْ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى وَهِيَ إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ ثُمَّ مَلَكَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَرْبَعِينَ فِيهَا الْقَوْلَانِ الْقَدِيمُ وَالْجَدِيدُ وَهُمَا الْمَعْرُوفَانِ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ هَلْ تُؤَثِّرُ قَالَ فِي الْقَدِيمِ تُؤَثِّرُ وَفِي الْجَدِيدِ لَا تُؤَثِّرُ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ نِصْفُ شاة وفى الجديد يلزمه للاربعين الاولي شَاةٌ فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ عَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ الَّذِي ادَّعَى الْمُصَنِّفُ صِحَّتَهُ ان لا شئ فهيا غَرِيبٌ غَيْرُ مَعْرُوفٍ
* (وَأَمَّا) الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ إذا ملك في أول الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي صَفَرٍ أَرْبَعِينَ ثُمَّ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ أَرْبَعِينَ (فَعَلَى الْقَدِيمِ) يَجِبُ فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا (وَفِي الْجَدِيدِ) يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ عِنْدَ كَمَالِ حَوْلِهَا وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ فِيهَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ: وَفِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُلُثُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ.
هَذَا كَلَامُ الْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ (وَأَمَّا) كَلَامُ الْمُصَنِّفِ فَقَدْ قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي مشكلات المذهب (إنْ قِيلَ مَا الْفَرْقُ) بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَهَلَّا كَانَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى قَوْلَانِ كَالثَّانِيَةِ وَهَلَّا كَانَ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ كَالْأُولَى (فَالْجَوَابُ) أَنَّهُ ذَكَرَ الْأُولَى تَفْرِيعًا عَلَى الْجَدِيدِ الْأَصَحِّ (وَأَمَّا) الْأَرْبَعُونَ الثَّانِيَةُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَحَدُهَا) يَجِبُ فِيهَا ثُلُثُ شَاةٍ
(وَالثَّانِي)
نِصْفُهَا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ (وَالثَّالِثُ) شَاةٌ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حامد وابن الصباغ وغيرهما (والرابع) لا شئ فِيهَا وَهُوَ الْوَجْهُ الَّذِي صَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي اعْتَمَدَهُ فِي دَلِيلِ هَذَا الْوَجْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مَوْجُودٌ هُنَا وَكَذَا يَكُونُ فِي الْأَرْبَعِينَ الثَّالِثَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أحدها) شاة
(والثانى)
ثلثها (والثالث) لا شئ هذا كلا صَاحِبِ الْبَيَانِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هُوَ الظَّاهِرُ
*
(فرع)
صنف الامام أبو الحسن علي ابن المسلم بن محمد بْنِ الْفَتْحِ بْنِ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ الدِّمَشْقِيُّ مِنْ مُتَأَخِّرِي أَصْحَابِنَا جُزْءًا فِي مَسْأَلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا وهى: رجل مللك فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ بَعِيرًا وَفِي الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْهُ بَعِيرًا وَفِي الثَّالِثِ بَعِيرًا وَهَكَذَا إلَى أن تكامل له ثلثمائة وستين بعيرا في ثلثمائة وستون يوما وأسامها كلها من حين ملك واحد مِنْهَا قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْنَى عَلَى أُصُولٍ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه (مِنْهَا) أَنَّ الْمُسْتَفَادَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ يُضَمُّ إلَى مَا عِنْدَهُ فِي النِّصَابِ وَلَا يُضَمُّ فِي الْحَوْلِ لِأَنَّ الضَّمَّ فِي الْحَوْلِ إمَّا لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مَالِهِ فَيَتْبَعُهُ فِي الْحَوْلِ لِأَنَّهُ مِلْكٌ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَتَوَلَّدَ مِنْهُ فَيَتْبَعُهُ كَالسِّخَالِ الْمُسْتَوْلَدَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ مُتَفَرِّعٌ مِنْهُ كَرِبْحِ مَالِ التِّجَارَةِ وَالْمُسْتَفَادُ بِمِلْكٍ جَدِيدٍ لَيْسَ مَمْلُوكًا بِمَا مَلَكَ بِهِ مَا عِنْدَهُ وَلَا تَفَرَّعَ عَنْهُ فَلَمْ يُضَمَّ إلَيْهِ فِي الْحَوْلِ بِخِلَافِ الضَّمِّ فِي النِّصَابِ لِأَنَّ مَقْصُودَ النِّصَابِ أَنْ يَبْلُغَ الْمَالُ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ وَهُوَ بِكَثْرَةِ الْمَالِ بِخِلَافِ الْحَوْلِ فَإِنَّ مَقْصُودَهُ إرْفَاقُ الْمَالِكِ (الْأَصْلَ الثَّانِي) أَنَّ الْخُلْطَةَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ هَلْ تُؤَثِّرُ فِيهِ قَوْلَانِ (القديم) تؤثر و (الجديد) لَا (الثَّالِثُ) إذَا ثَبَتَ لِبَعْضِ الْمَالِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَلِبَعْضِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي جَمِيعِهِ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَغْلِبُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي الْجَمِيعِ وَعَلَى الْجَدِيدِ يُفْرَدُ كُلُّ مَالٍ بِحُكْمِهِ فَيَجِبُ فِي الْأَوَّلِ زَكَاةُ انْفِرَادٍ ثُمَّ خُلْطَةٍ وَحُكِيَ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ لِوَاحِدٍ مِنْ الْمَالَيْنِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَرْتَفِقْ بِخُلْطَةِ الثَّانِي فَلَا يَرْتَفِقُ الثَّانِي بِالْأَوَّلِ (الرَّابِعُ) أَنَّ الْمُسْتَفَادَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ إذَا كَانَ عِنْدَ الْمُسْتَفِيدِ نِصَابُ ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ (أَحَدِهَا) أن يكون الْمُسْتَفَادُ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يَبْلُغُ النِّصَابَ الثَّانِي فَلَا زَكَاةَ فِيهِ (الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ دُونَ نِصَابٍ وَيَتِمُّ بِهِ نِصَابٌ بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ بَقَرَةً فَاسْتَفَادَ عَشْرًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الثَّلَاثِينَ وَجَبَ فِيهَا تَبِيعٌ وَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْعَشْرِ وَجَبَ فِيهَا رُبْعُ مُسِنَّةٍ (الثَّالِثِ) أَنْ يَكُونَ نِصَابًا وَلَا يَبْلُغ النِّصَابَ الثَّانِي كَمَنْ عِنْدَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ أَرْبَعِينَ قَدْ سَبَقَ حُكْمُهَا وَالْخِلَافُ فِيهَا قَرِيبًا عُدْنَا إلَى مَسْأَلَتِنَا فَلَمَّا مَلَكَ الْأَبْعِرَةَ الْأَرْبَعَةَ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ فَلَمَّا مَلَكَ الْخَامِسَ انْعَقَدَ وَكُلَّمَا مَلَكَ بَعِيرًا بَعْدَهُ ضُمَّ إلَى مَا قَبْلَهُ فِي النِّصَابِ لَا الْحَوْلِ وَيَنْعَقِدُ حَوْلُهُ حِينَ مِلْكِهِ فَإِذَا جَاءَ الْيَوْمُ الْخَامِسُ مِنْ
المحرم الآتى كمل الْخَمْسِ وَقَدْ ثَبَتَ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ فَعَلَى الْقَدِيمِ تَغْلِبُ الْخُلْطَةُ
فَيَجِبُ فِي الْخَمْسِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ لِأَنَّهَا مُخَالِطَةٌ لثلثمائة وَخَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَوَاجِبُهَا تِسْعُ بَنَاتِ لَبُونٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ فَفِي الْخَمْسِ ثُمُنُهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْخُمْسِ فَفِي الْيَوْمِ السَّادِسِ مِنْ الْمُحَرَّمِ الْآتِي كَمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وفى السابع السَّابِعِ وَفِي الثَّامِنِ الثَّامِنُ وَفِي التَّاسِعِ التَّاسِعُ وَالْأَرْبَعُ وَقَصٌ بَيْنَ نِصَابَيْنِ فَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى نِصَابٍ وَلَمْ تَبْلُغْ النِّصَابَ الثَّانِي وَهِيَ دُونَ نِصَابٍ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّهَا إلَى النِّصَابِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهَا ملكت بعده ولا ييني ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي أَنَّ الْوَقَصَ عَفْوٌ أَمْ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْوُجُوبُ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالْخَمْسَةِ قَبْلَ حَوْلِ الْوَقَصِ فَلَا تَجِبُ فِيهِ زَكَاةٌ قَبْلَ حَوْلِهِ وَلِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ يُبْسَطُ وَاجِبُ النِّصَابِ عَلَيْهِ وَعَلَى الْوَقَصِ وَلَا يَجِبُ فَرْضٌ آخَرُ قَطْعًا فَلَا مَعْنَى لِلْبِنَاءِ هنا ويجئ عَلَى الْقَدِيمِ احْتِمَالُ الْوُجُوبِ فِي الْوَقَصِ هُنَا عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ ثُمَّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ وَيَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ الثَّانِي فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ كَمَا سَبَقَ وَعَلَى الْجَدِيدِ شَاةٌ وَلَا أَثَرَ لِخَلْطَتِهَا بِمَا قَبْلَهَا لِأَنَّ وَاجِبَ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ مَعَ وُجُودِ الخلطة وعدمها ثم لا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْخَامِسَ عَشَرَ فَيَجِبُ حِينَئِذٍ فِي الْخَمْسَةِ عَلَى الْقَدِيم ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ شَاةٌ وَكَذَلِكَ إلَى كَمَالِ الْعِشْرِينَ فَيَجِبُ فِي الْخَمْسَةِ الرَّابِعَةِ على القديم ثمن بنت لبون وعلى الجديد شَاةٌ ثُمَّ إذَا كَمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَقَدْ أَدَّى زَكَاةَ الْعِشْرِينَ فَفِي الْخَمْسَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا لَمْ تَنْفَكَّ عَنْ مُخَالَطَةِ الْعِشْرِينَ الَّتِي قَبْلَهَا فِي جَمِيعِ الْحَوْلِ وَعَلَى الْوَجْهِ السَّابِقِ فِي الْأَصْلِ الثَّالِثِ لَا يَثْبُتُ لِلْخَمْسَةِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فَيَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ثُمَّ الْوَقَصُ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ لَا زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ السَّادِسِ وَالثَّلَاثِينَ فَقَدْ وُجِدَ نِصَابُ بِنْتِ لَبُونٍ وَقَدْ زَكَّى خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَبَقِيَ أَحَدَ عَشَرَ لَمْ يُزَكِّهَا فَعَلَى الْقَدِيمِ تَجِبُ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ لِكُلِّ الْمَالِ فَيَجِبُ فِي الْأَحَدَ عَشَرَ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ وَهُوَ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَرُبْعُ عُشْرِهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ بِنْتِ لَبُونٍ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ شَاتَانِ فِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ وَالصَّوَابُ الاول ثم لا يجب شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وَالْأَرْبَعِينَ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي الْعَشْرِ الَّتِي فَوْقَ سِتَّةٍ وَثَلَاثِينَ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ عَلَى مُقْتَضَى خُلْطَةِ جُمْلَةِ
الْمَالِ وَعَلَى الْجَدِيدِ عَشْرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ حَقِّهِ وَلَا تَفْرِيعَ عَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي مِنْ
الجديد ثم لا شئ فِيمَا زَادَ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالسِّتِّينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشْرَ بَعِيرًا فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ أَحَدٍ وَسِتِّينَ جزءا من جذعة ثم لا شئ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ السَّادِسِ وَالسَّبْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ سِتَّةٍ وَسَبْعِينَ جزءا من بنتى اللبون ثم لا شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْبَعِيرِ الْحَادِي وَالتِّسْعِينَ وَبَيْنَهُمَا خمسة عشر بعيرا فعلى القديم يجب فيها ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ خَمْسَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ إحْدَى وَتِسْعِينَ جُزْءًا مِنْ حقتين ثم لا شئ حَتَّى يَكْمُلَ حَوْلُ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ وَبَيْنَهُمَا ثَلَاثُونَ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ ثَلَاثُونَ جُزْءًا مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَالثَّمَانِيَةُ الَّتِي بَيْنَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وعشرين ومائة وثلاثين لا شئ فِيهَا فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ فَوَاجِبُهَا حِقَّةٌ وَبِنْتَا لَبُونٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي التِّسْعَةِ ثُمُنُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعُشْرُهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ التِّسْعَةُ مُخَالِطَةٌ لِمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ فَيَجِبُ فِي التِّسْعَةِ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ ثم كلما
كَمُلَ حَوْلُ عَشْرَةٍ وَجَبَ بِحِسَابِ ذَلِكَ الْقَدْرِ فعلى القديم يجب ربع بنت لبون قى كُلِّ عَشْرَةٍ إلَى آخِرِ الْإِبِلِ وَعَلَى الْجَدِيدِ تُضَمُّ الْعَشَرَةُ إلَى مَا قَبْلَهَا وَيَجِبُ فِي الْعَشَرَةِ حِصَّتُهَا مِنْ فَرْضِ الْجَمِيعِ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ وَاجِبٌ الْمِائَةِ وَالْأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ فَفِي الْعَشَرَةِ سُبْعُ حِقَّةٍ وَنِصْفُ سُبْعِ بِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ عَشْرَةٍ أُخْرَى فَفِي الْقَدِيمِ فِيهَا رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي الْجَدِيدِ خُمْسُ حِقَّةٍ فَإِذَا كمل حول مائة وسبعين فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي الْجَدِيدِ كَذَلِكَ فَاتَّفَقَ الْقَوْلَانِ فَإِذَا كَمُلَ حول مائة وستين فَفِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ جُزْءٌ مِنْ سَبْعَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ حِقَّةٍ وَثَلَاثِ بَنَاتِ
لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَةٍ وَثَمَانِينَ فَفِي الْعَشَرَةِ الزَّائِدَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ تُسْعُ حِقَّةٍ وَتُسْعُ بِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حول مائة وتسعين فَفِي الْعَشَرَةِ عَلَى الْقَدِيمِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وعلى الجديد جزء من تسعة عشر جزاء مِنْ ثَلَاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ فَإِذَا كَمُلَ حَوْلُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَعَلَى الْمَذْهَبِ يَخْتَارُ السَّاعِي الْأَغْبَطَ لِلْمَسَاكِينِ وَقِيلَ قَوْلَانِ (ثَانِيهِمَا) تَتَعَيَّنُ الْحِقَاقُ فَعَلَى الْقَدِيمِ وَاجِبُ الْعَشَرَةِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَعَلَى الْجَدِيدِ إنْ قُلْنَا تَجِبُ الْحِقَاقُ أَوْ كَانَتْ الا غبط وجب خمس حقة والافربع بِنْتِ لَبُونٍ وَحِينَئِذٍ يَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ وَكُلَّمَا حَالَ حَوْلُ عَشْرَةٍ فَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاَللَّهُ أعلم * قال المصنف رحمه الله
* {وأما إذا كان عنده نصاب من الماشية فتوالدت في أثناء الحول حتى بلغ النصاب الثاني ضمت الي الامهات في الحول وعدت معها إذا تم حول الامهات وأخرج عنها وعن الامهات زكاة المال الواحد لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " أعتد عليهم بالسخلة التى يروح بها الراعى علي يديه " وعن على رضي الله عنه انه قال " عد الصغار مع الكبار " ولانه من نماء النصاب وفوائده فلم يتفرد بالحول وان تماوتت الامهات وبقيت الاولاد وهي نصاب لم ينقطع الحول فيها فإذا تم حول الامهات وجبت الزكاة فيها وقال أبو القاسم بن يسار الانماطي إذا لم يبق نصاب من الامهات انقطع الحول
لان السخال تجرى في حول الامهات بشرط ان تكون الامهات نصابا وقد زال هذا الشرط فوجب أن ينقطع الحول والمذهب الاول لانها جملة جارية في الحول هلك بعضها ولم ينقص الباقي عن النصاب فلم ينقطع الحول كما لو بقي نصاب من الامهات وما قاله أبو القاسم ينكسر بولد أم الولد فانه ثبت له حق الحرية بثبوته للام ثم يسقط حق الام بالموت ولا يسقط من حق الولد.
وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شاة وفى أول صفر أربعين وفى أول شهر ربيع الاول أربعين وحال الحول على الجميع ففيه قولان (قال في القديم) تجب فِي الْجَمِيعِ شَاةٌ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا لان كل واحدة من الاربعينات مخالطة للثمانين في حال الوجوب فكان حصتها ثلث شاة وقال في الجديد تجب في الاولي شاة لانه ثبت لها حكم الانفراد في شهر وَفِي الثَّانِيَةِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ فِيهَا شَاةٌ لان الاولي لم ترتفق بخلطتها فلم ترتفق هي (والثاني) انه تجب فيها نصف شاة لانها خليطة
الاربعين من حين ملكها وفى الثالثة وجهان
(أحدهما)
انه تجب فيها شاة لان الاولي والثانية لم ترتفقا بخلطتها فلم ترتفق هي
(والثانى)
تجب فيها ثلث شاة لانها خليطة الثمانين من حين ملكها فكان حصها ثلث شاة}
*
{الشَّرْحُ} هَذَا الْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَالشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِمَا الصَّحِيحِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الْأُمَّهَاتُ فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ وَالْفَصِيحُ فِي غَيْرِ الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّاتُ بِحَذْفِ الْهَاءِ وَفِي الْآدَمِيَّاتِ الْأُمَّهَاتُ وَيَجُوزُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا جَازَ فِي الْآخَرِ وَقَدْ أَوْضَحْته بِدَلَائِلِهِ فِي التَّهْذِيبِ
* (وَقَوْلُهُ) عُدْ الصِّغَارَ عَلَيْهِمْ هُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا - وَكَذَا مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا هُوَ مُضْعِفٌ مَضْمُومُ الْأَوَّلِ كشد وَمَدَّ وَقَدَّ الْحَبْلَ (وَقَوْلُهُ) يَنْكَسِرُ بِوَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ قَالَ أَهْلُ الْجَدَلِ الْكَسْرُ قَرِيبٌ مِنْ النَّقْضِ فَإِذَا اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى حُكْمٍ بِعِلَّةٍ فَوُجِدَتْ تِلْكَ الْعِلَّةُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَلَمْ يُوجَدْ مَعَهَا ذَلِكَ الْحُكْمُ قِيلَ
لِلْمُسْتَدِلِّ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْتَقَضَةٌ بِكَذَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ تِلْكَ الْعِلَّةُ وَلَكِنْ مَعْنَاهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قِيلَ لَهُ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُنْكَسِرَةٌ بِكَذَا (مِثَالُهُمَا) رَجُلٌ لَهُ ابْنَانِ وَابْنُ ابْنٍ وَهَبَ لِأَحَدِ ابْنَيْهِ شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ لِمَ وَهَبْت لَهُ فَقَالَ لِأَنَّهُ ابْنِي فَقِيلَ لَهُ يُنْتَقَضُ عَلَيْك بِابْنِك الْآخَرِ وَيَنْكَسِرُ بِابْنِ ابْنِك (وَأَمَّا) الْأَنْمَاطِيُّ - بِفَتْحِ الْهَمْزَة - مَنْسُوبٌ إلَى الْأَنْمَاطِ وَهِيَ جمع نمط وهو نوع من النمط والا نماطي هَذَا هُوَ أَبُو الْقَاسِمِ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ تَفَقَّهَ عَلَى الْمُزَنِيِّ وَتَفَقَّهَ عَلَيْهِ ابن سريج ونسبه المصنف الي جده: (قوله) اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ بِالسَّخْلَةِ وَهُوَ - بِفَتْحِ الدَّالِ - عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ خِطَابٌ مِنْ عُمَرَ لِعَامِلِهِ سُفْيَانَ بن عبد الله بن أَبِي رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ الطَّائِفِيِّ أَبِي عَمْرٍو وَكَانَ عَامِلَ عُمَرَ عَلَى الطَّائِفِ وَهُوَ صَحَابِيٌّ وَالسَّخْلَةُ اسْمٌ يَقَعُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْغَنَمِ سَاعَةَ مَا تَضَعُهُ الشَّاةُ ضَأْنًا كَانَتْ أَوْ مَعْزًا وَالْجَمْعُ سِخَالٌ (وَقَوْلُهُ) شَهْرُ رَبِيعٍ الاول هو بتنوين ربيع بالاضافة ويققال شَهْرُ رَبِيعِ الْأَوَّلِ وَشَهْرُ رَبِيعِ الْآخَرِ وَشَهْرُ رَمَضَانَ وَلَا يُقَالُ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ شَهْرُ كَذَا وَإِنَّمَا يُقَالُ الْمُحَرَّمُ وَصَفَرٌ وَجُمَادَى وَرَجَبٌ وَشَعْبَانُ وَكَذَا الْبَاقِي
* (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ (فقال) أصحابنا يضم النتاج إلى الاناث فِي الْحَوْلِ وَتُزَكَّى لِحَوْلِهَا وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ مَوْجُودٌ مَعَهَا فِي جَمِيعِ
الْحَوْلِ بِشَرْطَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَحْدُثَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ سَوَاءٌ كَثُرَتْ الْبَقِيَّةُ مِنْ الْحَوْلِ أَمْ قَلَّتْ فَلَوْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَبَعْدَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ لَمْ يُضَمَّ إلَيْهَا فِي الْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنَّمَا يُضَمُّ فِي الثَّانِي وَإِنْ حَدَثَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ لَمْ يُضَمَّ فِي الْحَوْلِ الْمَاضِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُضَمُّ وَهَذَا الطَّرِيقُ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا وقطع به الماوردى والبندنيجى وآخرون (الشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ يَحْدُثَ النِّتَاجُ بَعْدَ بُلُوغِ الْأُمَّاتِ نِصَابًا فَلَوْ مَلَكَ دُونَ نِصَابٍ فَتَوَالَدَتْ وبلغه ابتدأ الحول من حين بلغه وهذا لا خلاف فيه وذا وجد الشرطان فمات بعض الامات وبقى نِصَابُ النِّتَاجِ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ مَاتَتْ الْأُمَّاتُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا وَبَقِيَ مِنْهَا دُونَ نِصَابٍ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ من المصنفين وقال جُمْهُورُ الْمُتَقَدِّمِينَ: يُزَكَّى النِّتَاجُ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ فَإِذَا بَلَغَ هُوَ نِصَابًا أَوْ مَعَ مَا بَقِيَ مِنْ الْأُمَّاتِ زَكَاةً (وَالثَّانِي) يُزَكِّيه بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بشرط بقاء شئ مِنْهَا وَلَوْ وَاحِدَةً فَإِنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شئ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ بَلْ يُبْتَدَأُ حَوْلُهُ مِنْ حِينٍ وُجُودِهِ (وَالثَّالِثُ) يُزَكِّيهِ بِحَوْلِ الْأُمَّاتِ بِشَرْطِ أَنْ يَبْقَى مِنْهَا نِصَابٌ وَلَوْ بَقِيَ دُونَهُ فلا زكاة في الجميع من حين بلغ نصابا وهذا
كذا في اصل والصواب نوع من البسط
الوجه حكاه غير المصنف عن الانماطى ودليل الْجَمِيعِ مَفْهُومٌ مِنْ الْكِتَابِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَفَائِدَةُ ضَمِّ النِّتَاجِ إلَى الْأُمَّاتِ إنَّمَا تَظْهَرُ إذَا بَلَغَتْ بِهِ نِصَابًا آخَرَ بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ شَاةٍ فَوَلَدَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ فَتُضَمُّ وَيَجِبُ شَاتَانِ فَلَوْ تَوَلَّدَ عِشْرُونَ فَقَطْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَسْأَلَةِ النِّتَاجِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَفِي أَوَّلِ صَفَرٍ أَرْبَعِينَ إلَى آخِرِهِ فَسَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ رحمهم الله فِي السِّخَالِ الْمُسْتَفَادَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهَا تُضَمُّ إلَى أُمَّهَاتِهَا فِي الْحَوْلِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُتَوَلِّدَةً مِنْ نِصَابٍ فِي مِلْكِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ.
وَحَكَى الْعُكْبَرِيُّ عَنْ الحسن البصري وابراهيم النخعي أنهما قال لَا تُضَمُّ السِّخَالُ إلَى الْأُمَّات بِحَالٍ بَلْ حَوْلُهَا
مِنْ الْوِلَادَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تُضَمُّ السِّخَالُ إلَى النِّصَابِ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْهُ أَمْ اشْتَرَاهَا وَتُزَكَّى بِحَوْلِهِ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا كان عنده عشرون من الغنم فولدت في أَثْنَاءَ الْحَوْلِ وَبَلَغَتْ نِصَابًا زَكَّى الْجَمِيعَ مِنْ حِينِ مَلَكَ الْأُمَّاتِ وَإِنْ اسْتَفَادَ السِّخَالَ مِنْ غَيْرِ الْأُمَّاتِ لَمْ يَضُمَّ وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةٌ كما لك وَرِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَدَاوُد لَا زَكَاةَ فِي السِّخَالِ تَابِعَةً وَلَا مُسْتَقِلَّةً وَلَا يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا حَوْلٌ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ لَا يَقَعُ عَلَيْهَا غَالِبًا كَذَا نَقَلُوا عَنْهُمَا الِاسْتِدْلَالَ أَيْ بالاثر
* واحتج أصحابنا (1)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {إذا ملك النصاب وحال عليه الحول ولم يمكنه الاداء ففيه قولان (قال في القديم) لا تجب الزكاة قبل امكان الاداء فعلي هذا تجب الزكاة بثلاثة شروط الحول والنصاب وامكان الاداء والدليل عليه أنه لو هلك المال لم يضمن زكاتة فلم تكن الزكاة واجبة فيه كما قبل الحول (وقال في الاملاء) تجب وهو الصحيح فعلي هذا تجب الزكاة بشرطين الحول والنصاب وامكان الاداء شرط في الضمان لا في الوجوب والدليل عليه أنه لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمَا ضَمِنَهَا بالاتلاف كما قبل الحول فلما ضمن الزكاة بالاتلاف دل على أنها واجبة فان كان معه خمس من الابل هلك منها واحدة بعد الحول وقبل امكان الاداء (فان قلنا) امكان الاداء شرط في الوجوب سقطت الزكاة لانه نقص المال عن النصاب قبل الوجوب فصار كما لو هلك قبل الحول وان قلنا انه ليس بشرط في الجوب وانما هو شرط في الضمان سقط من الفرض خمسه ووجب أربعة أخماسه.
وان كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَتَوَالَدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمكان الاداء ففيه طريقان
(أحدهما)
أنه يبني علي القولين فان قلنا إمكان الادأ
شرط في الوجوب ضم الاولاد إلى الامهات فإذا أمكنه الاداء زكي الجميع وان قلنا شرط في الضمان لم يضم لانه حصل الاولاد بعد الوجوب فمن أصحابنا من قال في المسالة قولان من غير بناء على القولين
(أحدهما)
تضم الاولاد الي ما عنده لقول عمر رضى الله عنه " أعتد عليهم بالسخلة التى يروح بها الراعى علي يديه " والسخلة التى يروح بها الراعي علي يديه لا تكون الا بعد الحول وأما ما تولد قبل الحول فانه بعد الحول يمشي بنفسه
(والثانى)
وهو الصحيح لا يضم الي ما عنده}
** {الشَّرْحُ}
* حَدِيثُ عُمَرَ سَبَقَ بَيَانُهُ قَرِيبًا وَأَنَّهُ صَحِيحٌ وَسَبَقَ بَيَانُ حَقِيقَةِ السَّخْلَةِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النِّصَابِ فَإِمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ هُوَ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُجُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ شَرْطٌ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَالْقَدِيمِ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَدَلِيلُهُمَا فِي الْكِتَابِ
* وَاحْتَجُّوا أَيْضًا لِلْقَدِيمِ بِالْقِيَاسِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ فَإِنَّ التَّمَكُّنَ فِيهَا شَرْطٌ لِوُجُوبِهَا
* وَاحْتَجُّوا لِلْأَصَحِّ أَيْضًا بأنه لو تأخر الا مكان مُدَّةً بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ الْحَوْلِ الثاني يحسب من تمام الاول لا مِنْ الْإِمْكَانِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي أَوَاخِرِ الْبَابِ الْأَوَّلِ بَيَانُ كَيْفِيَّةِ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وَيَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُنَا إمْكَانُ الْأَدَاءِ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ مَعْنَاهُ يَضْمَنُ مِنْ الزَّكَاة بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ النِّصَابِ فَلَوْ هَلَكَ النِّصَابُ كُلُّهُ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ فلا شئ علي المالك بلا خلاف كما ذكر المضنف لِأَنَّا إنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَمْ يُصَادِفْ وَقْتُ الْوُجُوبِ مَالًا وَإِنْ قُلْنَا شرط في الضمان فلم يبق شئ يُضَمْنَ بِقِسْطِهِ فَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ وَاحِدٌ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى التَّالِفِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ فَلَا شئ فِيهَا وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ وجوب أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَلَوْ تَلِفَ أَرْبَعَةٌ فَعَلَى الاول لا شئ وَعَلَى الثَّانِي يَجِبُ خُمْسُ شَاةٍ وَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً فَتَلِفَ خَمْسٌ مِنْهَا بَعْدَ الْحَوْلِ وقبل الامكان فعلي الاول لا شئ عليه وعلى الثاني يجب خمس أَسْدَاسِ تَبِيعٍ وَلَوْ تَمَّ الْحَوْلُ عَلَى تِسْعٍ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ أَرْبَعَةٌ قَبْلَ الْإِمْكَانِ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَجَبَ شَاةٌ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ فَكَذَلِكَ وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ الْفَرْضُ بِالْجَمِيعِ فَالصَّحِيحُ الذى قطع به الجمهور يجب خمس أَتْسَاعِ شَاةٍ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ يَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَسَيَأْتِي بَيَانُ وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ هَذَا وَدَلِيلُهُ فِي أَوَائِلِ الْبَابِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا فِي مَسْأَلَةِ الْأَوْقَاصِ
هل هي عفو أم لان إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَلِفَ خَمْسٌ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ الوجوب فلا شئ عَلَيْهِ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ وَجَبَ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسِ شَاةٍ وَإِنْ
قُلْنَا ليس بعفو فأربعة اتساع شاة ولا يحبى وجه أبى استحاق.
وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً فَتَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ أَرْبَعُونَ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ أَوْ الضَّمَانِ وَالْوَقْصُ عَفْوٌ فَعَلَيْهِ شَاةٌ وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ فَنِصْفُ شَاةٍ وَعَلَى وَجْهِ أَبِي إِسْحَاقَ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَلَوْ ملك خمساو عشرين بَعِيرًا فَتَلِفَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ خَمْسٌ فَإِنْ قُلْنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَزِمَهُ أربع شياه والا فأربعة أخماسا بِنْتِ مَخَاضٍ وَأَمَّا إذَا كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ فَتَوَالَدَتْ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ الْإِمْكَانِ فَفِيهَا طَرِيقَانِ ذكر هما المصنف بدليلهما فيها طريق ثالث انه لا يجب شئ فِي الْمُتَوَلِّدِ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا كُلِّهِ فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُضَمُّ النِّتَاجُ إلَى الْأُمَّهَاتِ فِي هَذَا الْحَوْلِ بَلْ يَبْدَأُ حَوْلَهَا مِنْ حِينِ وِلَادَتِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ وَاجِبَةٍ لَمَا ضَمِنَهَا بِالْإِتْلَافِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ لَوْ أَتْلَفَ الْمَالَ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الزَّكَاةُ بِلَا خِلَافٍ لِتَقْصِيرِهِ بِالْإِتْلَافِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَتْلَفَ بَاقِيَهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا تَقْصِيرَ (وَأَمَّا) إذَا أَتْلَفَهُ غَيْرُ الْمَالِكِ فَإِنْ قُلْنَا التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَلَا زَكَاةَ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ انْتَقَلَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ إلَى الْقِيمَةِ كَمَا لَوْ قُتِلَ الْمَرْهُونُ أَوْ الْجَانِي (وَأَمَّا) قَوْلُهُ التَّفْرِيعُ فِيمَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ فَمَعْنَاهُ لَمْ تَجِبْ وَلَيْسَ هُوَ سُقُوطًا حَقِيقِيًّا وَهَذَا كَثِيرٌ يَسْتَعْمِلُهُ الْأَصْحَابُ نَحْوَ هَذَا الِاسْتِعْمَالِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ سَبَبُ الْوُجُوبِ مَوْجُودًا ثُمَّ عَرَضَ مَانِعُ الْوُجُوبِ صَارَ كَمُسْقَطِ مَا وَجَبَ فَسُمِّيَ سُقُوطًا مَجَازًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي إمْكَانِ الْأَدَاءِ
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الضمان علي الاصح فان تلف المال بعده ضمن الزَّكَاةِ وَإِنْ تَلِفَ قَبْلَهُ فَلَا وَقَالَ أَحْمَدُ يَضْمَنُ فِي الْحَالَيْنِ وَالتَّمَكُّنُ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُجُوبِ وَلَا فِي الضَّمَانِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إذَا تَلِفَ بَعْدَ التَّمَكُّنِ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا أَنْ يُطَالِبَهُ الْإِمَامُ أَوْ السَّاعِي فَيَمْنَعُهُ
* وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ طُولِبَ وَقَالَ مَالِكٌ إذَا مَيَّزَ الزَّكَاةَ عَنْ مِلْكِهِ وَأَخَذَهَا لِيُسَلِّمَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ بِلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ وَسَقَطَتْ عَنْهُ وَقَالَ دَاوُد إنْ تَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ مَنَعَهَا كَانَ ضَامِنًا بِالتَّلَفِ وَإِنْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَالِ
سَقَطَ مِنْ الزَّكَاةِ بِقِسْطِهِ
* دليلنا القياس علي دين الآدمى
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {وهل تجب الزكاة في العين أو في الذمة: فيه قولان (قال في القديم) تجب في الذمة والعين مرتهنة بها ووجهه أنها لو كانت واجبة فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الفقراء من غيرها كحق المضارب والشريك (وقال في الجديد) تجب في العين وهو الصحيح لانه حق يتعلق بالمال يسقط بهلا كه فتعلق بعينه كحق المضارب
* (فان قلنا) أنها تجب في العين وعنده نصاب وجبت فيه الزكاة فلم يؤد حتى حال عليه حول آخر لم يجب في الحول الثاني زكاة لان الفقراء ملكوا من النصاب قدر الفرض فلم يجب في الحول الثاني زكاة لان الباقي دون النصاب
* (وإن قلنا) تجب في الذمة وجبت في الحول الثاني وفى كل حول لان النصاب باق علي ملكه)
*
* {الشَّرْحُ}
* قَوْلُهُ هَلْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ أَوْ فِي الْعَيْنِ فِيهِ قَوْلَانِ (الْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ فِي الْعَيْنِ (وَالْقَدِيمُ) فِي الذِّمَّةِ
* هَكَذَا ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَوَافَقَهُمْ جُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ تَعَلُّقُهَا بِالْعَيْنِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ تَرْتِيبًا آخَرَ فِي كَيْفِيَّةِ نَقْلِ الْمَسْأَلَةِ فَقَالُوا هَلْ تَتَعَلَّقُ الزَّكَاةُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ فِيهِ قَوْلَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَقَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الْفُقَرَاءَ يَصِيرُونَ شُرَكَاءَ لِرَبِّ الْمَالِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ يَتْبَعُ الْمَالَ فِي الصِّفَةِ فَتُؤْخَذُ الصَّحِيحَةُ مِنْ الصِّحَاحِ وَالْمَرِيضَةُ مِنْ الْمِرَاضِ وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ أَخَذَهَا الْإِمَامُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ قَهْرًا
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ تَعَلُّقَ اسْتِيثَاقٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَمَا جَازَ الْإِخْرَاجُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ كَالْمُشْتَرَكِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فِي كَيْفِيَّةِ الِاسْتِيثَاقِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) تَتَعَلَّقُ بِهِ تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِالرَّهْنِ
(وَالثَّانِي)
تَعَلُّقَ الْأَرْشِ بِرَقَبَةِ الْعَبْدِ الْجَانِي لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بتلف المال قبل التمكن
فلوقلنا تَعَلُّقُهَا تَعَلُّقُ الْمَرْهُونِ لَمَا سَقَطَتْ وَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ لا خلاف في تعلقها العين تَعَلُّقَ شَرِكَةٍ
(وَالثَّانِي)
تَعَلُّقَ الرَّهْنِ (وَالثَّالِثُ) تَعَلُّقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَالرَّابِعُ) تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ قَالَ صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَإِذَا قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَهَلْ الْمَالُ خلو أو هو رهن بها فِيهِ وَجْهَانِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ
قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الرَّهْنِ أَوْ الْأَرْشِ فَهَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ أَمْ بِقَدْرِهَا فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهُمَا) بِقَدْرِهَا قَالَ الْإِمَامُ التَّخْصِيصُ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ هُوَ الْحَقُّ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَمَا عَدَاهُ هَفْوَةٌ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ في بيع مال الزكاة هذه كُلُّهُ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ
فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ كَالشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وغيره
(أحدهما)
القطع بتعلقها بِالذِّمَّةِ لِتَوَافُقِ الْجِنْسِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا لَوْ اتَّحَدَ الْجِنْسُ فَعَلَى قَوْلِ الِاسْتِيثَاقِ لَا تَخْتَلِفُ وَعَلَى قَوْلِ الشَّرِكَةِ ثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بِقَدْرِ قِيمَةِ الشَّاةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي تَوْجِيهِ الْقَدِيمِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَوْ وَجَبَتْ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُعْطَى حَقُّ الْفُقَرَاءِ مِنْ غَيْرِهَا كَحَقِّ الْمُضَارِبِ وَالشَّرِيكِ فَالْمُضَارِبُ - بِكَسْرِ الرَّاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُهَا - وَهُوَ عَامِلُ الْقِرَاضِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مِنْ جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ عَيْنِ الْمَالِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَأَجَابَ) الاصحاب
لِلْقَوْلِ الْجَدِيدِ الصَّحِيحِ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْإِرْفَاقِ فَيُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي غَيْرِهَا (وَقَوْلُهُ) فِي تَوْجِيهِ الْجَدِيدِ حَقُّ تَعَلُّقٍ بِالْمَالِ فَسَقَطَ بِهَلَاكِهِ احْتِرَازٌ مِنْ الرَّهْنِ
* (فَرْعٌ)
إذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَحَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ وَلَمْ يُخْرِجْ زَكَاتَهَا حَتَّى حَالَ عَلَيْهَا حَوْلٌ آخَرُ فَإِنْ حَدَثَ مِنْهَا فِي كُلِّ حَوْلٍ سَخْلَةٌ فَصَاعِدًا فَعَلَيْهِ لِكُلِّ حَوْلٍ شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ يَحْدُثْ فَعَلَيْهِ شَاةٌ عَنْ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ (وَأَمَّا) الثَّانِي فَإِنْ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الذِّمَّةِ وَكَانَ يَمْلِكُ سِوَى الْغَنَمِ مَا يَفِي بِشَاةٍ وَجَبَ شَاةٌ لِلْحَوْلِ الثَّانِي فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَ النِّصَابِ انْبَنَى عَلَى الدَّيْنِ هَلْ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ أَمْ لَا (إنْ قُلْنَا) يَمْنَعُ لَمْ يجب للحول الثاني شئ (وَإِنْ قُلْنَا) لَا يَمْنَعُ وَجَبَتْ الشَّاةُ لِلْحَوْلِ الثَّانِي (وَإِنْ قُلْنَا)
تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ لَمْ يَجِبْ لِلْحَوْلِ الثاني شئ لِأَنَّ الْفُقَرَاءَ مَلَكُوا شَاةً فَنَقَصَ النِّصَابُ وَلَا تَجِبُ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ لِأَنَّ جِهَةَ الْفُقَرَاءِ لَا زَكَاةَ فِيهَا فَمُخَالَطَتُهُمْ لَا تُؤَثِّرُ كَمُخَالَطَةِ الْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ
(وَإِنْ قُلْنَا) تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ أَوْ الرَّهْنِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ هُوَ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ وَقَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ هُوَ كَقَوْلِ الشَّرِكَةِ (وَالصَّحِيحُ) قَوْلُ الْإِمَامِ وَمُوَافِقِيهِ قَالَ الرَّافِعِيُّ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ خِلَافٌ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ مِنْ جِهَةِ تَسَلُّطِ السَّاعِي عَلَى الْمَالِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ (وَإِنْ قُلْنَا) الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ قَالَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَجْرِي الْخِلَافُ عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ أَيْضًا وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا حَوْلَيْنِ وَلَا نِتَاجَ فَإِنْ عَلَّقْنَا الزَّكَاةَ بِالذِّمَّةِ وَقُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُهَا أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَفِي بِهَا فَعَلَيْهِ بِنْتَا مَخَاضٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالشَّرِكَةِ فَعَلَيْهِ لِلْحَوْلِ الْأَوَّلِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلِلثَّانِي أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَتَفْرِيعُ قَوْلِ الرَّهْنِ وَالْأَرْشِ عَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ
* وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ حَوْلَيْنِ بِلَا نِتَاجٍ فَالْحُكْمُ كَمَا فِي الصُّورَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لَكِنْ سَبَقَ حِكَايَةُ وَجْهِ أَنَّ قول الشركة لا يجئ إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ الْجِنْسِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحُكْمُ فِي هَذَا عَلَى الْأَقْوَالِ كُلِّهَا كَالْحُكْمِ فِي الْأُولَتَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى قَوْلِ الذِّمَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي بَيْعِ مَالِ الزَّكَاةِ
* فَرَّعَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يَذْكُرَهُ هُنَا لَكِنَّ الْمُصَنِّفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ فاخرته الي هناك
*
*
(باب صدقة الأبل)
*
* قال المصنف رحمه الله
*
* {أول نصاب الابل خمس وفرضه شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وهي التى لها سنة ودخلت في الثانية وفى ست وثلاثين بنت لبون وهي التى لها سنتان ودخلت في الثالثة وفى ست وأربعين حقة وهى التى لها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة وفى أحدى وستين جذعة وهي التي لها أربع سنين ودخلت في الخامسة وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حقتان وفى مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حقة والاصل فيه ما روى أنس رضى الله عنه أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كتب
لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ التى فرض
الله عز وجل على المسليمن الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فوقها فلا يعطه فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مخاض أنثى فان لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر وليس معه شئ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ ففيها بنت لبون فإذا بلغت ستا وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ فإذا بلغت احدى وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بلغت ستا وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حقتان طروقتا الفحل فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ}
*
*
* {الشَّرْحُ}
* مَدَارُ نُصُبِ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ عَلَى حَدِيثَيْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهم فَالْوَجْهُ تَقْدِيمُهُمَا لِيُحَالَ مَا يَأْتِي عَلَيْهِمَا (فَأَمَّا) حَدِيثُ أَنَسٍ فَرَوَاهُ أَنَسٌ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ والتى أمر الله بها رسوله فمن سئلها من المسلمين علي وجها فَلِيُعْطِهَا وَمِنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِ فِي أربع وعشرين من الابل فما دونها من الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مخاض أنثى فإذا بلغت ستة وَثَلَاثِينَ إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ إلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بلغت سنة وَسَبْعِينَ إلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ ومائة ففي
كل أربعين بنت ليون وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إلَّا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صدقة إلا ان يشاء بها فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إلَى مِائَتَيْنِ فَفِيهَا شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِيهَا ثلاث
شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ الا أن يشاربها وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الا تسعين ومائة فليس فيها شئ الا أن يشاربها وَفِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ عَلَى وَجْهِهَا وَعِنْدَهُ ابْنُ لَبُونٍ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ منه وليس معه شئ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ منه الحقة ويجعل معها شاتين استيسر تاله أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ الْحِقَّةُ وَعِنْدَهُ الْجَذَعَةُ فَإِنَّهَا تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين در هما أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةَ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ لَبُونٍ وَيُعْطِي شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَلَا يُخْرَجُ فِي الصدقة هرمة ولاذات عوار ولا تيس إلا ما شاء المصدق ولا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بينهما بالتسوية " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مُفَرَّقًا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ فَجَمَعْتُهُ بِحُرُوفِهِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فرواه سفيان ابن حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَلَمَّا قُبِضَ عَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ وَعُمَرُ حَتَّى قُبِضَ وَكَانَ فِيهِ " فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شاة وفى عشر شاتان وفى خمس عشر ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَإِذَا زَادَتْ فَجَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِذَا زادت
فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الشِّيَاهِ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ فَشَاتَانِ إلَى مِائَتَيْنِ فَإِذَا زادت فثلاث شياه الي ثلثمائة فإذا زادت علي ثلثمائة فَفِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ ثُمَّ لَيْسَ فيها شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كان من مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ وَلَا يؤخذ في الصدقة هرمة ولاذات عَيْبٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ إذَا جَاءَ الْمُصَدِّقُ قَسَّمَ الشياه أثلاثا ثلث خيار وثلث أو ساط وَثُلُثٌ شِرَارٌ وَأَخَذَ الْمُصَدِّقُ مِنْ الْوَسَطِ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا لَفْظُ التِّرْمِذِيِّ وَهَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وأكثر روايات أبو دَاوُد وَغَيْرِهِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ علي عشرين ومائة وفى رواية لابي؟ دواود فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَيْسَ إسْنَادُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ مُتَّصِلًا (وَأَمَّا) أَسْنَانُ الْإِبِلِ فَهُوَ مِنْ الْمُهِمَّاتِ الَّتِي ينبغى تقديمها فلا بل - بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيَجُوزُ إسْكَانُهَا - وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ يَقَعُ عَلَى الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ وَالْإِبِلُ مُؤَنَّثَةٌ يُقَالُ
إبِلٌ سَائِمَةٌ وَكَذَلِكَ الْبَقَرُ وَالْغَنَمُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ لِوَلَدِ النَّاقَةِ إذَا وَضَعَتْهُ رُبَعٌ - بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ - وَالْأُنْثَى رَبَعَة ثُمَّ هُبَعٌ وَهِبْعَة - بِضَمِّ الْهَاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - فإذ فُصِلَ عَنْ أُمِّهِ فَهُوَ فَصِيلٌ وَالْجَمْعُ فُصْلَانٌ وَالْفِصَالُ الْفِطَامُ وَهُوَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ حُوَارٌ - بِضَمِّ الْحَاءِ - فَإِذَا اسْتَكْمَلَ السَّنَةَ وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ فَهُوَ ابْنُ مَخَاضٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ مَخَاضٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُ لَحِقَتْ بِالْمَخَاضِ وَهِيَ الْحَوَامِلُ ثُمَّ لَزِمَهُ هَذَا الِاسْمُ وَإِنْ لَمْ تَحْمِلْ أُمُّهُ وَلَا يَزَالُ ابْنَ مَخَاضٍ حَتَّى يدخل في السنة الثالثة فإذ دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ ابْنُ لَبُونٍ وَالْأُنْثَى بِنْتُ لَبُونٍ هَكَذَا يُسْتَعْمَلُ مُضَافًا إلَى النَّكِرَةِ هَذَا هو الا كثر وَقَدْ اسْتَعْمَلُوهُ قَلِيلًا مُضَافًا إلَى الْمَعْرِفَةِ قَالَ الشاعر
* وابن اللبون إذا ماذ فِي قَرْنٍ
* قَالُوا سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ أُمَّهُ وضعت غيره وصارت ذا لَبَنٍ وَلَا يَزَالُ ابْنَ لَبُونٍ حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ حِقٌّ وَالْأُنْثَى حِقَّةٌ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ وَيُرْكَبَ وَأَنْ يَطْرُقَهَا الْفَحْلُ فَتَحْمِلَ مِنْهُ وَلِهَذَا صَحَّ فِي الْحَدِيثِ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ وَطَرُوقَةُ الْجَمَلِ وَطَرُوقَةٌ بِمَعْنَى مَطْرُوقَةٌ كَحَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ بِمَعْنَى مَحْلُوبَةٍ وَمَرْكُوبَةٍ وَلَا
يَزَالُ حِقًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ جَذَعٌ - بِفَتْحِ الذَّالِ - وَالْأُنْثَى جَذَعَةٌ وَهِيَ آخِرُ الْأَسْنَانِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الزَّكَاةِ وَلَا يَزَالُ جَذَعًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّادِسَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ ثَنِيٌّ وَالْأُنْثَى ثَنِيَّةٌ وَهُوَ أَوَّلُ الْأَسْنَانِ الْمُجْزِئَةِ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا يَزَالُ ثَنِيًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّابِعَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ رَبَاعٌ - بِفَتْحِ الرَّاءِ - وَيُقَالُ رَبَاعِي - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وَالْأُنْثَى رَبَاعِيَةٌ - بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ - وَلَا يَزَالُ رَبَاعًا وَرُبَاعِيًّا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الثَّامِنَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ سَدَسٌ - بِفَتْحِ السِّينِ وَالدَّالِ وَيُقَالُ أَيْضًا سَدِيسٌ بِزِيَادَةِ يَاءٍ - وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فِيهِ بِلَفْظٍ واحد ولا يزال سد ساحتي يدخل في الستة التاسعة فإذا دخل فيها فَهُوَ بَازِلٌ - بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الزَّايِ وَبِاللَّامِ - لِأَنَّهُ بَزَلَ نَابُهُ أَيْ طَلَعَ وَالْأُنْثَى بَازِلٌ أَيْضًا بِلَا هَاءٍ وَلَا يَزَالُ بَازِلًا حَتَّى يَدْخُلَ فِي السَّنَةِ الْعَاشِرَةِ فَإِذَا دَخَلَ فِيهَا فَهُوَ مُخْلِفٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وكسر اللام - والانثى مخلفا أَيْضًا بِغَيْرِ هَاءٍ فِي قَوْلِ الْكِسَائِيّ وَمُخْلِفَةٌ بالهاء في
قَوْلِ أَبِي زَيْدٍ النَّحْوِيِّ حَكَاهُ عَنْهُمَا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ وَوَافَقَهُمَا غَيْرُهُمَا ثُمَّ لَيْسَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْمٌ مَخْصُوصٌ وَلَكِنْ يُقَالُ بَازِلُ عام وبازل عامين ومخلف عام مخلف عَامَيْنِ وَكَذَلِكَ مَا زَادَ فَإِذَا كَبُرَ فَهُوَ عَوْدٌ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الْوَاوِ - وَالْأُنْثَى عَوْدَةٌ فَإِذَا هَرِمَ فَهُوَ قَحِمٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - وَالْأُنْثَى نَابٌ وَشَارِفٌ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ إلَى هُنَا قَوْلُ إمَامِنَا الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ عَنْهُ وَنَقَلَهُ أبو داود السجستاني فِي كِتَابِهِ السُّنَنِ عَنْ الرِّيَاشِيِّ وَأَبِي حَاتِمٍ السِّجِسْتَانِيِّ وَالنَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ قُتَيْبَةَ وَالْأَزْهَرِيُّ وَخَلْقٌ سِوَاهُمْ لَكِنْ فِي الَّذِي ذَكَرْتُهُ زِيَادَةُ أَلْفَاظٍ يَسِيرَةٍ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد وَيُقَالُ مُخْلِفُ عَامٍ وَمُخْلِفُ عَامَيْنِ وَمُخْلِفُ ثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ إلَى خَمْسِ سِنِينَ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ الْجُمْهُورُ بِخَمْسٍ وَاَللَّهُ أَعْلَم
* (وَأَمَّا) أَلْفَاظُ الْحَدِيثِ فَأَوَّلُهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ صَاحِبُ الْحَاوِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ قَالَ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ وَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ أَيْ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ أَوْ مَعْنَاهُ وَنَحْوِهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى (وَقَوْلُهُ) هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ بَدَأَ بِإِشَارَةِ التَّأْنِيثِ لِأَنَّهُ
عَطَفَ عَلَيْهِ مُؤَنَّثًا قَالَ وَقَوْلُهُ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ أَيْ نُسْخَةُ فَرِيضَةِ الصَّدَقَةِ فَحَذَفَ لَفْظَ نُسْخَةُ وَهُوَ مِنْ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَتُسَمَّى الْجَذَعَةُ وَالْحِقَّةُ وَبِنْتُ اللَّبُونِ وَبِنْتُ الْمَخَاضِ الْمَأْخُوذَاتُ فِي الزَّكَاةِ فَرَائِضَ وَالْوَاحِدَةُ فَرِيضَةً وَهِيَ فَعَيْلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ وَقَوْلُهُ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْمَ الصَّدَقَةِ يَقَعُ عَلَى الزَّكَاةِ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ (وَقَوْلُهُ) الَّتِي فَرَضَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ قِيلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ مَذَاهِبَ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ الْإِيجَابُ وَالْإِلْزَامُ
(وَالثَّانِي)
مَعْنَى فَرَضَ سَنَّ (وَالثَّالِثُ) مَعْنَاهُ قَدَّرَ وَبِهَذَا جَزَمَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ فَعَلَى الْأَوَّلِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا ثُمَّ بَلَّغَهَا إلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَسُمِّيَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم وَتَبْلِيغُهُ فَرْضًا وَعَلَى الثَّانِي مَعْنَاهُ شَرَعَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَعَلَى الثَّالِثِ بَيَّنَهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (قَدْ فرص الله لكم تحلة ايمانكم) أَوْ يَكُونُ مَعْنَاهُ قَدَّرَهَا مِنْ قَوْلِهِمْ فَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ أَيْ قَدَّرَهَا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يَقُولُ لَيْسَ الْكَافِرُ مُخَاطَبًا بِالزَّكَاةِ وَسَائِرِ الْفُرُوعِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُخَاطَبٌ بكل ذلك ومعني على المسلمين أي تؤخد منهم في الدنيا والكافر لا تؤخد مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَلَكِنَّهُ يُعَذَّبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ (وَقَوْلُهُ) وَاَلَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَفِي رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَأَبِي دَاوُد فِي سُنَنِهِ الَّتِي بِغَيْرِ وَاوٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ (فَأَمَّا) رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ وَالْجُمْهُورِ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ فَعَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي أَنَّ فَرِيضَةَ الصَّدَقَةِ اجْتَمَعَ فِيهَا تَقْدِيرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَإِيجَابُهُ (وَأَمَّا) عَلَى رِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فَتَكُونُ الْجُمْلَةُ الثَّانِيَةُ بَدَلًا مِنْ الْأُولَى وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ الْمَشْهُورَةِ التى فرض
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوَقَعَ في المهذب التى أمر الله تعالي بِهَا رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ بِهَا فِي الْبُخَارِيِّ وَوَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ فَمَنْ سَأَلَهَا عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سَأَلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ - بِفَتْحِ الطَّاءِ - فِيهِمَا وَاَلَّذِي فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ الْمُعْتَمَدَةِ فَمَنْ سُئِلَهَا عَلَى
وَجْهِهَا فَلْيُعْطَهَا وَمَنْ سُئِلَ - بِضَمِّ السِّينِ - فِي الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَبِكَسْرِ الطَّاءِ (قَوْلُهُ) فَمَنْ سئلها علي وجهها أي علي حَسْبَ مَا شُرِعَتْ لَهُ (قَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطَهُ " اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الضَّمِيرِ فِي لَا يُعْطَهُ عَلَى وَجْهَيْنِ مَشْهُورِينَ فِي كُتُبِ الْمَذَاهِبِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ لَا يُعْطَى الزَّائِدَ بَلْ يُعْطَى أَصْلَ الْوَاجِبِ عَلَى وَجْهِهِ كَذَا صححه أصحابنا في كتبهم ونقل الرافعي الا تفاق عَلَى تَصْحِيحِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) مَعْنَاهُ لَا يُعْطَى فرض الزكاة ولا شئ مِنْهُ لِهَذَا السَّاعِي بَلْ يُخْرِجُ الْوَاجِبَ بِنَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُهُ إلَى سَاعٍ آخَرَ قَالُوا لِأَنَّهُ بِطَلَبِهِ الزَّائِدَ عَلَى الْوَاجِبِ يَكُونُ مُعْتَدِيًا فَاسِقًا وَشَرْطُ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ أَمِينًا: وَهَذَا إذَا طَلَبَ الزَّائِدَ بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ كَمَنْ طَلَبَ شَاتَيْنِ عَنْ شَاةٍ فَأَمَّا مَنْ طَلَبَ زِيَادَةً بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ كَانَ مَالِكِيًّا يَرَى أَخْذَ الْكَبِيرَةِ عَنْ الصِّغَارِ فَإِنَّهُ الْوَاجِبُ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يُعْطَى الزائد لان لَا يَفْسُقُ وَلَا يَعْصِي وَالْحَالَةُ هَذِهِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعْطَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى فَجَعَلُوهُ حَرَامًا وَهُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أَنَّهُ فَسَقَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ فَانْعَزَلَ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ " هَذِهِ جُمْلَةٌ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ فَالْغَنَمُ مُبْتَدَأٌ وَفِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ خَبَرٌ مُقَدَّمٌ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْحِكْمَةُ هُنَا فِي تقديم الخبر أن المقصود بيان النصب وَالزَّكَاةُ إنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وُجُودِ النِّصَابِ فَكَانَ تَقْدِيمُهُ أَحْسَنَ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاجِبَ وَكَذَا اُسْتُعْمِلَ هَذَا الْمَعْنَى فِي كُلِّ النُّصُبِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم " فِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ فِيهَا حِقَّةٌ " إلَى آخِرِهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ " مُجْمَلٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " بنت مخاض أنثى وبنت لبون أُنْثَى " قِيلَ احْتِرَازٌ مِنْ الْخُنْثَى وَقِيلَ غَيْرُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ كَقَوْلِهِمْ رَأَيْتُ بِعَيْنِي وَسَمِعْتُ بِأُذُنِي (وَقَوْلُهُ) صلى الله عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولاذات عَوَارٍ " وَالْعَوَارُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا - وَالْفَتْحُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ الْعَيْبُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " ولا يخرج في الصدقة هرمة ولاذات عوار ولا تيس الاما شَاءَ الْمُصَّدِّقُ " وَفِي رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد " إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْمُصَدِّقُ " وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ " وَلَا تَيْسُ الْغَنَمِ " أَيْ
فَحْلُهَا الْمُعَدُّ لِضِرَابِهَا وَاخْتُلِفَ في معناه فقال كثيرون أو الا كثرون: الْمُصَّدِّقُ هُنَا - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ - وَهُوَ رَبُّ الْمَالِ قَالُوا وَالِاسْتِثْنَاءُ عَائِدٌ إلَى التَّيْسِ خَاصَّةً وَمَعْنَاهُ لَا يُخْرِجُ هَرِمَةً وَلَا ذَاتَ عَيْبٍ أَبَدًا وَلَا يُؤْخَذُ التَّيْسُ إلَّا بِرِضَاءِ الْمَالِكِ قَالُوا ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ لِأَنَّ الْهَرِمَةَ وَذَاتَ الْعَيْبِ لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُمَا وَلَا لِلْعَامِلِ الرِّضَا بِهِمَا لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّبَرُّعُ بِالزَّكَاةِ (وَأَمَّا) التَّيْسُ فَالْمَنْعُ مِنْ أَخْذِهِ لِحَقِّ الْمَالِكِ وَهُوَ كَوْنُهُ فَحْلَ الْغَنَمِ الْمُعَدَّ لِضِرَابِهَا فَإِذَا تَبَرَّعَ بِهِ الْمَالِكُ جَازَ وَصُورَتُهُ إذَا كَانَتْ الغنم كلها ذكورابان مَاتَتْ الْإِنَاثُ وَبَقِيَتْ الذُّكُورُ فَيَجِبُ فِيهَا ذُكُورٌ فَيُؤْخَذُ مِنْ وَسَطِهَا وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ تَيْسِ الْغَنَمِ إلَّا بِرِضَاءِ الْمَالِكِ.
هَذَا أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْبُوَيْطِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ وَلَا يُؤْخَذُ ذَاتُ عَوَارٍ وَلَا تَيْسٌ وَلَا هَرِمَةٌ إلَّا أَنْ يَرَى الْمُصَدِّقُ أَنَّ ذَلِكَ أَفْضَلُ لِلْمَسَاكِينِ فَيَأْخُذُهُ عَلَى النَّظَرِ هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه بِحُرُوفِهِ وَأَرَادَ بِالْمُصَدِّقِ السَّاعِيَ وَهُوَ - بِتَخْفِيفِ الصَّادِ - فَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَيَعُودُ الِاسْتِثْنَاءُ إلَى الْجَمِيعِ وَهُوَ أَيْضًا الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا تَعَقَّبَ جُمَلًا عَادَ إلَى جَمِيعِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (وَقَوْلُهُ) فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ هُوَ اسْمٌ لِبِلَادٍ مَعْرُوفَةٍ وَإِقْلِيمٍ مَشْهُورٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى مُدُنٍ قَاعِدَتُهَا هَجَرُ قَالُوا وَهَكَذَا يُنْطَقُ بِهِ الْبَحْرَيْنِ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ بَحْرَانِيٌّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* {فَصْلٌ} أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَأَوَّلُ نِصَابِ الْإِبِلِ خَمْسٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ خلائق فلا يجب فيما دون خمس شئ بِالْإِجْمَاعِ وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ شَاةٌ ثُمَّ لَا يَزِيدُ الْوَاجِبُ بِزِيَادَةِ الْإِبِلِ حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ ثُمَّ لَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا زِيَادَةَ حَتَّى تَبْلُغَ سِتًّا وَثَلَاثِينَ فَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ
حِقَّةٌ وَفِي إحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ ولا يجب بعدها شئ حَتَّى تُجَاوِزَ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ وَاحِدَةً وَجَبَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَإِنْ زَادَتْ بَعْضَ وَاحِدَةٍ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ
وَقَوْلُ الْجُمْهُورِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يجب الاحقتان (وَقَالَ) أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ - يَجِبُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَاحْتَجَّ الْإِصْطَخْرِيُّ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ وَالصَّحِيحُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَالزِّيَادَةُ تَقَعُ عَلَى الْبَعِيرِ وَعَلَى بَعْضِهِ
* وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِقَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ " فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً " لَكِنْ سَبَقَ أنها ليست متصلة الاسناد فتحتج بِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعِيرٌ كَامِلٌ وَتُتَصَوَّرُ المسألة بان يملك مائة وعشرين بعير أو بعض بعير مشترك بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا تَصِحُّ خُلْطَتُهُ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى الْإِصْطَخْرِيِّ لِأَنَّهُ وَقْصٌ مَحْدُودٌ فِي الشَّرْعِ فَلَمْ يَتَغَيَّرْ الْفَرْضُ بَعْدَهُ بِأَقَلَّ مِنْ وَاحِدٍ كَسَائِرِ الْأَوْقَاصِ قَالَ القَلَعِيُّ.
قوله محدود في الشرع حتراز مِمَّا فَوْقَ نِصَابِ الْمُعَشَّرَاتِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَحُدَّ فِيهِ بَعْدَ النِّصَابِ حَدًّا تَتَعَيَّنُ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً بَعْدَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَالْوَاجِبُ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ كَمَا سَبَقَ وَهَلْ لِلْوَاحِدِ قِسْطٌ مِنْ الْوَاجِبِ فِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) الْإِصْطَخْرِيُّ لَا (وَقَالَ) الْجُمْهُورُ نَعَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى هَذَا لَوْ تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ سَقَطَ مِنْ الْوَاجِبِ جُزْءٌ مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جزاء وَعَلَى قَوْلِ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يَسْقُطُ ثُمَّ بَعْدَ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ فَيَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حقة فيجب في مائة وثلاثين بنتالبون وَحِقَّةٌ فَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ هُنَا بِتِسْعَةٍ ثُمَّ يَتَغَيَّرُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةً أَبَدًا فَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَمِائَةٍ وَسِتِّينَ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَسَبْعِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَمِائَةٍ وَثَمَانِينَ حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ وَمِائَةٍ وَتِسْعِينَ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ وَفِي مِائَتَيْنِ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَيُّهُمَا يَأْخُذُ فِيهِ خِلَافٌ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بَعْدَ هَذَا وَفِي مِائَتَيْنِ وَعَشْرٍ أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ وَمِائَتَيْنِ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ بَنَاتِ لبون ومائتين وثلاثين ثلاث حقاق وببتا لَبُونٍ وَعَلَى هَذَا أَبَدًا وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ بِنْتَ مَخَاضٍ لَهَا سَنَةٌ وَبِنْتَ لَبُونٍ سَنَتَانِ والحقة ثلاث والحذعة اربع وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ *
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَفِي الاوقاص التى بين النصب قولان (قال) في القديم والجديد يتعلق الفرض بالنصب وما بينهما من الاوقاص عفو لانه وقص قبل النصاب فلم يتعلق به حق كالاربعة الاولة (وقال) في البويطى يتعلق الفرض بالجميع لحديث انس فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ فَإِذَا
بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ فَفِيهَا بنت مخاض فجعل الفرض في النصاب وما زاد ولانه زيادة علي نصاب فلم يكن عفوا كالزيادة على نصاب القطع في السرقة (فان قلنا) بالاول فملك تسعا من الابل فهلك بعد الحول وقبل امكان الاداء اربعة لم يسقط من الفرض شى وان قلنا بالثاني سقط اربعة اتساعه}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ سَبَقَ بَيَانُهُ وَلِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قَوْلَانِ فِي الْأَوْقَاصِ الَّتِي بَيْنَ النُّصُبِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ أَنَّهَا عَفْوٌ وَيَخْتَصُّ الْفَرْضُ بِتَعَلُّقِ النِّصَابِ وَهَذَا نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ وَأَكْثَرِ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ (وَقَالَ) فِي الْبُوَيْطِيِّ مِنْ كُتُبِهِ الْجَدِيدَةِ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله دَلِيلَهُمَا فَلَوْ كَانَ مَعَهُ تِسْعٌ مِنْ الْإِبِلِ فَتَلِفَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ بَعْدَ الْحَوْلِ وَقَبْلَ التَّمَكُّنِ (فَإِنْ قُلْنَا) التَّمَكُّنُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ وَجَبَتْ شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ قُلْنَا شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَقُلْنَا الْوَقَصُ عَفْوٌ وَجَبَتْ شَاةٌ أَيْضًا وَإِنْ قُلْنَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ وَجَبَ خَمْسَةُ أَتْسَاعِ شَاةٍ هَكَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ التَّفْرِيعَ عَلَى أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الْوُجُوبِ بَلْ أَرَادَ الِاقْتِصَارَ عَلَى التَّفْرِيعِ عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ التَّمَكُّنَ شَرْطٌ فِي الضمان ولابد مِنْ تَأْوِيلِ كَلَامِهِ عَلَى مَا ذَكَرْتُهُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ وُجُوبِ خَمْسَةِ أَتْسَاعِ شَاةٍ عَلَى قَوْلِنَا الْإِمْكَانُ شَرْطٌ فِي الضَّمَانِ وَأَنَّ الْفَرْضَ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ هُوَ الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ
وَمُتَابِعُوهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ عَلَيْهِ شَاةً كَامِلَةً مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ ووجهه ابن الصباع بِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ فَلَا يُؤَثِّرُ تَلَفُهَا وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهَا الْوَاجِبُ كَمَا لَوْ شَهِدَ خَمْسَةٌ بِزِنَا مُحْصَنٍ فَرُجِمَ ثُمَّ رَجَعَ وَاحِدٌ وَزَعَمَ أَنَّهُ غَلِطَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَلَوْ رَجَعَ اثْنَانِ وَجَبَ الضَّمَانُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا التَّفْرِيعِ مَعَ فُرُوعٍ كَثِيرَةٍ مُفَرَّعَةٍ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا
* (فَرْعٌ)
الْوَقَصُ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا - لُغَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ - الْفَتْحُ - وَالْمُسْتَعْمَلُ مِنْهُمَا عِنْدَ الْفُقَهَاءِ الْإِسْكَانُ وَاقْتَصَرَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ فِي اللُّغَةِ عَلَى الْفَتْحِ
وَصَنَّفَ الْإِمَامُ ابْنُ بِرِّيٍّ الْمُتَأَخِّرُ جُزْءًا فِي لَحْنِ الْفُقَهَاءِ لَمْ يُصِبْ فِي كَثِيرٍ مِنْهُ فَذَكَرَ مِنْ لَحْنِهِمْ قَوْلَهُمْ وَقْصٌ بِالْإِسْكَانِ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ وَذَكَر الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ الطَّبَرِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ فِي آخِرِ بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ فِي باب زكاة البق رأيضا وَآخَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالُوا الْوَقْصُ بِالْإِسْكَانِ كَذَا قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَقَالَ الْقَاضِي الصَّحِيحُ فِي اللُّغَةِ الْأَوَّلُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هُوَ بِالْفَتْحِ فَالْأَوَّلُ لَيْسَ هُوَ بِصَحِيحٍ
* وَاحْتَجَّ مَانِعُ الْإِسْكَانِ بِأَنَّ فَعْلًا السَّاكِنَ الْمُعْتَلَّ الْفَاءِ لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ جاء قطب واقطاب ووعد واوعاد وَوَعْرٌ وَأَوْعَارٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَحَصَلَ فِي الْوَقْصِ لُغَتَانِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَصْحَابِنَا الشَّنْقُ - بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ - هُوَ أَيْضًا مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي أَكْثَرُ أَهْلِ اللُّغَةِ يَقُولُونَ الْوَقْصُ وَالشَّنْقُ سَوَاءٌ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الاصمعي الشنق يختص باوقاص الابل والوقص يختص بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَاسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه في البويطي الشنق في أو قاص الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ جَمِيعًا وَيُقَالُ أَيْضًا وَقْسٌ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الْوَقْسُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ كَذَا هُوَ فِي الْمُخْتَصَرِ بِالسِّينِ وَكَذَا رواه البيهقى في معرفة السنن والاثاو بِإِسْنَادِهِ عَنْ الرَّبِيعِ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه قال البهيقي كَذَا فِي رِوَايَةِ الرَّبِيعِ الْوَقْسُ
بِالسِّينِ وَهُوَ فِي رِوَايَةِ الْبُوَيْطِيِّ بِالصَّادِ وَذَكَرَ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي شَرْحِ مُسْنَدِ الشَّافِعِيِّ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ وَرَوَيْتُهُ أَنَا فِي الْمُسْنَدِ الَّذِي يَرْوِيهِ الرَّبِيعُ إنَّمَا هُوَ بِالصَّادِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ حَدِيثَ مُعَاذٍ رضي الله عنه فِي الْأَوْقَاصِ أَنَّهُ قَالَ: الْأَوْقَاسُ بِالسِّينِ فَلَا تَجْعَلْهَا صَادًا هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِلَفْظِ الْوَقْصِ (وَأَمَّا) مَعْنَاهُ فَيَقَعُ عَلَى مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ وَاسْتَعْمَلَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْمُصَنِّفُ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ أَيْضًا فَاسْتِعْمَالُ الْمُصَنِّفِ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهُ وَقَصٌ قَبْلَ نِصَابٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ به حق كالاربعة الاولة (وَأَمَّا) الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه (فَقَالَ) فِي البويطى ليس في الشنق من الابل والبقر والغنم شئ قَالَ وَالشَّنْقُ مَا بَيْنَ السِّنِينَ مِنْ الْعَدَدِ قال وليس في الاوقاص شئ قَالَ وَالْأَوْقَاصُ مَا لَمْ
تَبْلُغْ مَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ هَذَا نَصُّهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ بِحُرُوفِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ الْوَقْسُ مَا لَمْ يَبْلُغْ الْفَرِيضَةَ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْمَسْعُودِيِّ قال الاوقاس مَا دُونَ الثَّلَاثِينَ يَعْنِي مِنْ الْبَقَرِ وَمَا بَيْنَ الْأَرْبَعِينَ وَالسِّتِّينَ فَحَصَلَ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ أَنَّهُ يُقَالُ وَقَصٌ وَوَقْصٌ - بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِهَا - وَشَنَقَ وَوَقْسٌ - بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَى مالازكاة فِيهِ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ نِصَابَيْنِ أَوْ دُونَ النِّصَابِ الْأَوَّلِ لَكِنَّ أَكْثَرَ اسْتِعْمَالِهِ فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَالْأَرْبَعَةِ الأولة قَدْ تَكَرَّرَ مِنْهُ اسْتِعْمَالُ الأولة وَهِيَ لُغَةٌ ضَعِيفَةٌ وَالْفَصِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ الْأُولَى وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الْأَوْقَاصِ
* قد ذكرنا ان الاصح مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّ الْفَرْضَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَحَكَاهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد وَهُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ مَالِكٍ وَعَنْ مَالِكٍ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْجَمِيعِ وَقَالَ ابن المنذر قال أكثر العلماء لا شئ في الاوقاص
*
(فَرْعٌ)
أَكْثَرُ مَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْأَوْقَاصِ فِي الابل تسعة وَعِشْرُونَ وَفِي الْبَقَرِ تِسْعَ عَشْرَةَ وَفِي الْغَنَمِ مِائَةٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعُونَ فَفِي الْإِبِلِ مَا بَيْنَ إحْدَى وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ وَفِي الْبَقَرِ مَا بَيْنَ أَرْبَعِينَ وَسِتِّينَ وَفِي الْغَنَمِ مَا بين مائتين وواحدة واربعمائة
*
*
قال المصنف رحمه الله تعالى
*
* {من ملك من الابل دون الخمس والعشرين فالواجب في صدقته الغنم وهو مخير بين أن يخرج الغنم وبين ان يخرج بعيرا فإذا اخرج الغنم جاز لانه الفرض المنصوص عليه وإن اخرج البعير جاز لان الاصل في صدقة الحيوان ان يخرج من جنس الفرض وانما عدل الي الغنم ههنا رفقا برب المال فإذا اختار أصل الفرض قبل منه كمن ترك المسح عل الخف وغسل الرجل وان امتنع من اخراج إلزكاة لم يطالب الا بالغنم لانه هو الفرض المنصوص عليه وان اختار اخراج البعير قبل منه أي بعير كان ولو أخرج بعيرا قيمته أقل من قيمة الشاة اجزأه لانه افضل من الشاة لانه يجزئ عن خمس وعشرين فلان يجزئ عما دونها اولي وهل يكون الجميع فرضه
أو بعضه فيه وجهان (احدهما) ان الجميع فرضه لانا خيرناه بين الفرضين فايهما فعل كان هو الفرض كمن خير بين غسل الرجل والمسح علي الخف
(والثانى)
ان الفرض بعضه لان البعير يجزئ عن الخمس والعشرين فدل على ان كل خمس من الابل يقابل خمس بعير وان اختار اخراج الغنم لم يقبل دون الجذع والثنى في السن لِمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ " أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ نهينا عن الاخذ من راضع لين وانما حقنا في الجذعة والثنية " وهل يجزئ فيه الذكر فيه وجهان (من أصحابنا) من قال لا يجزئه للخبر وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَلَمْ يَجُزْ فيها الذكر كالفرض من جنسه (وقال) أبو إسحق يجزيه لانه حق لله تَعَالَى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ فَجَازَ فيه الذكر والانثى كالاضحية وتجب عليه من غنم البلدان كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ وان كانا سواء جاز من ايهما شاء لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اعتبر فيه عرف البلد كالطعام في الكفارة وان كانت الابل مراضا ففى شاتها وجهان
(أحدهما)
لا تجب فيه الا ما تجب في الصحاح وهو ظاهر المذهب لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِ فَلَمْ يختلف بصحة المال ومرضه كالا ضحية وقال أبو علي بن خيران تجب عليه شاة بالقسط فتقوم الابل الصحاح والشاة التى تجب فيها ثم تقوم الابل المراض فيجب فيها شاة بالقسط لانه لو كان الواجب من جنسه فرق بين الصحاح والمراض فكذلك إذا كان من غير جنسه وجب ان يفرق بين الصحاح والمراض}
*
* {الشَّرْحُ}
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ إذَا مَلَكَ مِنْ الْإِبِلِ دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَوَاجِبُهَا الشَّاةُ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَخْرَجَ بَعِيرًا أَجْزَأَهُ
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءُ مِنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ
* وَعَنْ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَدَاوُد أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَعِيرًا عَنْ بَقَرَةٍ
* وَدَلِيلُنَا أَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ
عن خمس وعشر بن فعما دُونَهَا أَوْلَى لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يَجِبَ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنْهُ رِفْقًا بِالْمَالِكِ فَإِذَا تَكَلَّفَ الْأَصْلَ أَجْزَأَهُ فَإِذَا أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ أَوْ عَشْرٍ أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ أو عشرين أجزأه سواء كانت قيمته كقيمة شاة أَوْ دُونَهَا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه: وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ الْبَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ شَاةٍ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَا النَّاقِصُ
عَنْ شَاتَيْنِ عَنْ عَشْرٍ وَلَا النَّاقِصُ عَنْ ثَلَاثِ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ عِشْرِينَ قَالَهُ الْقَفَّالُ وَصَاحِبُهُ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ وَوَجْهٌ ثَالِثٌ إنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا أَوْ قَلِيلَةَ الْقِيمَةِ لِعَيْبٍ أَجْزَأَ الْبَعِيرُ النَّاقِصُ عَنْ قِيمَةِ الشَّاةِ وَإِنْ كَانَتْ صِحَاحًا لَمْ يُجْزِئْهُ النَّاقِصُ (وَوَجْهٌ رَابِعٌ) لِلْخُرَاسَانِيَّيْنِ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الْخَمْسِ مِنْ الْإِبِلِ حَيَوَانٌ إمَّا بَعِيرٌ وَإِمَّا شَاةٌ وَفِي الْعَشْرِ حيوانان شَاتَانِ أَوْ بَعِيرَانِ أَوْ شَاةٌ وَبَعِيرٌ وَفِي الخمس وعشرة ثَلَاثُ حَيَوَانَاتٍ وَفِي الْعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَبْعِرَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ أَوْ اثْنَانِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَاقِي مِنْ الْغَنَمِ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُجْزِئُ الْبَعِيرُ الْمَخْرَجُ عن عشرين وان كانت قيمته دون قيمة شَاةٍ وَشَرْطُ الْبَعِيرِ الْمُخْرَجِ عَنْ عِشْرِينَ فَمَا دونها أن يكون بنت مخاضن فَمَا فَوْقَهَا بِحَيْثُ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلَوْ كَانَتْ الْإِبِلُ الْعِشْرُونَ فَمَا دُونَهَا مِرَاضًا فَأَخْرَجَ مِنْهَا مَرِيضًا أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ أَدْوَنَهَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَاتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجْهُهُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَإِذَا أَخْرَجَ الْبَعِيرَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ يَقَعُ كُلُّهُ فَرْضًا أَمْ خَمْسَةٌ فَقَطْ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْجَمِيعُ يَقَعُ فَرْضًا لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْبَعِيرِ وَالشَّاةِ فَأَيُّهُمَا أَخْرَجَ وَقَعَ وَاجِبًا كَمَنْ لَبِسَ الْخُفَّ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ الْمَسْحِ وَالْغَسْلِ وَأَيُّهُمَا فَعَلَ وقع وَاجِبًا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْوَاجِبُ الْخُمْسَ فَقَطْ لَجَازَ إخْرَاجُ خُمْسُ بَعِيرٍ وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ (وَالثَّانِي) أَنَّ خُمْسَ الْبَعِيرِ يَقَعُ فَرْضًا وَبَاقِيهِ تَطَوُّعًا لِأَنَّ الْبَعِيرَ يُجْزِئُ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَدَلَّ على أن كل خمس انه مِنْهُ عَنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ.
قَالَ أَصْحَابُنَا.
وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ كَالْوَجْهَيْنِ فِي الْمُتَمَتِّعِ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فَنَحَرَ بَدَنَةً أَوْ نَذَرَ شَاةً فَنَحَرَ بَدَنَةً وَفِيمَنْ مَسَحَ كُلَّ رَأْسِهِ أَوْ طَوَّلَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ زِيَادَةً عَلَى الْمُجْزِئِ فَهَلْ يَقَعُ الْجَمِيعُ فَرْضًا أَمْ سُبْعُ الْبَدَنَةِ وَأَقَلُّ جُزْءٍ من
الرَّأْسِ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَجْهَانِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَكِنَّ الْأَصَحَّ فِي الْبَدَنَةِ وَالْمَسْحِ أَنَّ الْفَرْضَ هُوَ الْبَعْضُ وَفِي الْبَعِيرِ فِي الزَّكَاةِ كُلُّهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى سُبْعِ بَدَنَةٍ وَبَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ وَلَا يُجْزِئُ هُنَا خُمْسُ بَعِيرٍ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: مَنْ يَقُولُ الْبَعْضُ هُوَ الْفَرْضُ يَقُولُ هُوَ بِشَرْطِ التَّبَرُّعِ بِالْبَاقِي
* قَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَغَيْرُهُ: الْوَجْهَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الشَّاةَ الْوَاجِبَةَ فِي
الْإِبِلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا أَمْ بَدَلٌ عَنْ الْإِبِلِ فِيهِ وَجْهَانِ (فَإِنْ قُلْنَا) أَصْلٌ فَالْبَعِيرُ كُلُّهُ فَرْضٌ كَالشَّاةِ وَإِلَّا فَالْخُمْسُ وَتَظْهَرُ فَائِدَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ عَجَّلَ بَعِيرًا عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ ثُمَّ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ لِهَلَاكِ النِّصَابِ أَوْ لِاسْتِغْنَاءِ الْفَقِيرِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَسْبَابِ الرُّجُوعِ فَإِنْ قُلْنَا الْجَمِيعُ رَجَعَ فِي جَمِيعِهِ وَإِلَّا فَفِي الْخُمْسِ فَقَطْ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا رُجُوعَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا: الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ مِنْ الْإِبِلِ هِيَ الْجَذَعَةُ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الثَّنِيَّةُ من المعزوفى سِنِّهَا ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا مَشْهُورَةٍ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ الْجَذَعَةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّنِيَّةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي السَّنَةِ الثَّالِثَةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الضَّأْنِ أَوْ الْمَعْزِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْمُهَذَّبِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ لِلْجَذَعَةِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ وَلِلثَّنِيَّةِ سَنَةً وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنَّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَاخْتَارَهُ الرُّويَانِيُّ فِي الْحِلْيَةِ (وَالثَّالِثُ) وَلَدُ الضَّأْنِ مِنْ شَاتَيْنِ صَارَ جَذَعًا لِسَبْعَةِ أَشْهُرٍ وان كان لهر مين فَلِثَمَانِيَةِ أَشْهُرٍ
* (فَرْعٌ)
الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ هِيَ جَذَعَةُ الضَّأْنِ أَوْ ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ كَمَا سَبَقَ فَإِنْ أَخْرَجَ الْأُنْثَى أَجْزَأَهُ بِلَا خِلَافٍ وَهِيَ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ وَإِنْ أَخْرَجَ الذَّكَرَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ يُجْزِئُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه كَمَا يُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ (وَالثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ لِحَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ " اعْتَدَّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا تَأْخُذْهَا وَلَا تَأْخُذْ الا كولة ولا الربا وَلَا الْمَاخِضَ وَلَا فَحْلَ الْغَنَمِ وَتَأْخُذُ الْجَذَعَةَ والثنية وذلك عدل بين غداء الْمَالِ وَخِيَارِهِ " صَحِيحٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبِلُ ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا أَوْ ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَفِيهَا الْوَجْهَانِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَشَذَّ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ فَحَكَوْا فيه طريقين (أصحهما) هذا و (وَالثَّانِي) أَنَّ الْوَجْهَيْنِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا وَإِلَّا فَلَا يُجْزِئُ الذَّكَرُ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ.
قَالَ أصحابنا
وَالْوَجْهَانِ يَجْرِيَانِ فِي شَاةِ الْجُبْرَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْمُهَذَّبِ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الشَّاةُ مِنْ غَنَمِ البلدان كَانَ ضَأْنًا فَمِنْ الضَّأْنِ وَإِنْ كَانَ مَعْزًا فَمِنْ الْمَعْزِ وَإِنْ كَانَ مِنْهُمَا فَمِنْ الْغَالِبِ فان استويا جاز من أيها شَاءَ.
هَذَا كَلَامُهُ وَبِهِ قَطَعَ الْبَنْدَنِيجِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَهُوَ قَوْلٌ غَرِيبٌ وَوَجْهٌ ضَعِيفٌ فِي طريقة الخراسانيين (وأما) المذهب الشمهور الَّذِي قَطَعَ بِهِ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَصَحَّحَهُ جُمْهُورُ الخراسانين وَنَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ عَنْ جَمِيعِ الْأَصْحَابِ سِوَى صَاحِبِ الْمُهَذَّبِ أَنَّهُ يجب من غنم البلدان كَانَ بِمَكَّةَ فَشَاةٌ مَكِّيَّةٌ أَوْ بِبَغْدَادَ فَبَغْدَادِيَّةٌ وَلَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ بَلْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَيِّ النَّوْعَيْنِ شَاءَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ.
وَلَا نَظَرَ إلَى الْأَغْلَبِ فِي الْبَلَدِ لِأَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ بَلَدِهِ يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ.
هَذَا نَصُّهُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ أَرَادَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي النَّوْعَيْنِ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ وَأَرَادَ أَنَّهُ يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ النَّوْعُ الْغَالِبُ مِنْهُمَا بَلْ لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الْقَلِيلِ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً وَقَدْ نَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ قَالُوا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَنُقِلَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ وَأَنَّهُ نَقَلَ نُصُوصًا أُخَرَ تَقْتَضِي التَّخْيِيرَ ورجحها وساعده الامام على ترجيحها وقال الرافعى: قال الا كثرون بِتَرْجِيحِ التَّخْيِيرِ وَرُبَّمَا لَمْ يَذْكُرُوا سِوَاهُ وَأَنْكَرَ عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ نَقْلَهُ عَنْ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُمْ اعْتَبَرُوا غَالِبَ غَنَمِ الْبَلَدِ فِي الضَّأْنِ وَالْمَعْزِ وهذا الذى أنكره الرافعي انكار صيحح وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ جَمَاهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ الْقَطْعُ بِالتَّخْيِيرِ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ إنْ كَانَ يَمْلِكُ غنما ولا يجزئ غنم البلد كما إذ ازكى غَنَمَ نَفْسِهِ وَحَكَى صَاحِبُ التَّتِمَّةِ وَجْهًا وَزَعَمَ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ الْبَلَدِ وَهَذَا أَقْوَى فِي الدَّلِيلِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ شَاةٌ وَهَذِهِ تُسَمَّى شَاةً لَكِنَّهُ غَرِيبٌ شَاذٌّ فِي الْمَذْهَبِ فَحَصَلَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الْمَنْصُوصُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ مِنْ غَنَمِ الْبَلَدِ
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ غَنَمُ نَفْسِهِ (وَالثَّالِثُ) تَتَعَيَّنُ غَالِبُ غَنَمِ الْبَلَدِ (وَالرَّابِعُ) يَجُوزُ مِنْ غَيْرِ غَنَمِ الْبَلَدِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ غَنَمٌ فَأَخْرَجَ غَيْرَهَا مِنْ الْغَنَمِ خَيْرًا مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ يُسَمَّى شَاةً وَإِنَّمَا امْتَنَعَ أَنْ يُخْرِجَ دُونَهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ فِي الْإِبِلِ يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا صَحِيحَةً بِلَا خِلَافٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْإِبِلُ صِحَاحًا أَوْ مِرَاضًا لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ فِي الذِّمَّةِ وَمَا وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ كان صحيحا سليما لكن ان
كَانَتْ الْإِبِلُ صِحَاحًا وَجَبَ شَاةٌ صَحِيحَةٌ كَامِلَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ مِرَاضًا فَلَهُ يُخْرِجَ مِنْهَا بَعِيرًا مَرِيضًا وَلَهُ إخْرَاجُ شَاةٍ فَإِنْ أَخْرَجَ شَاةً فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ يَجِبُ شَاةٌ كَامِلَةٌ كَمَا تَجِبُ فِي الصِّحَاحِ لِأَنَّهُ لَا يعتبر فيه صفة ماله فلم يختتلف بِصِحَّةِ الْمَالِ وَمَرَضِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ تَجِبُ شَاةٌ بِالْقِسْطِ فَيُقَالُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ قِيمَتُهَا مِرَاضًا خَمْسُمِائَةٍ وَصِحَاحًا أَلْفٌ وَشَاةُ الصِّحَاحِ تُسَاوِي عَشْرَةً فَتَجِبُ شَاةٌ صَحِيحَةٌ تُسَاوِي خَمْسَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ بِهَذِهِ الْقِيمَةِ شَاةٌ صَحِيحَةٌ قَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ فَرَّقَ الدَّرَاهِمَ عَلَى الْأَصْنَافِ لِلضَّرُورَةِ وَهَذَا كَمَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ إذَا أَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الْأَغْبَطِ وَوَجَبَ أَخْذُ التَّفَاوُتِ وَلَمْ يُمْكِنْ شِرَاءُ جُزْءٍ مِنْ بَعِيرَيْهِ فَإِنَّهُ يُفَرِّقُهُ دَرَاهِمَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(فَرْعٌ)
فِي شَرْحِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ قَالَ " أَتَانَا مُصَدِّقُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ نُهِينَا عَنْ الْأَخْذِ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ وَإِنَّمَا حَقُّنَا فِي الْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ " هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا مُخْتَصَرًا قَالَ " فَإِذَا كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَأْخُذُ مِنْ رَاضِعِ لَبَنٍ " وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَإِسْنَادُهُ حَسَنٌ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ لِلْجَذَعَةِ وَالثَّنِيَّةِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَادُ بِرَاضِعِ لَبَنٍ السَّخْلَةُ وَمَعْنَاهُ لَا تُجْزِئُ دُونَ جَذَعَةٍ وَثَنِيَّةٍ أَيْ جَذَعَةِ ضَأْنٍ وَثَنِيَّةِ مَعْزٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمُخْتَارُ فِي تَفْسِيرِهِ وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُرَادُ بِرَاضِعِ لَبَنٍ هُنَا ذَاتُ الدَّرِّ قَالَ وَالنَّهْيُ عَنْهَا يُحْمَلُ على وجهين
(أحدهما)
أن لا يَأْخُذَهَا السَّاعِي لِأَنَّهَا مِنْ خِيَارِ الْمَالِ وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ وَلَا يَأْخُذُ رَاضِعَ لَبَنٍ وَتَكُونُ لَفْظَةُ من زائدة كما يقال لانا كل من الحرام أي الحرام (والوجه الثاني) أن لا تعد ذَاتَ الدَّرِّ الْمُتَّخَذَةِ لَهُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا: هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا أَوْ بَاطِلٌ لِأَنَّ الْوَجْهَ الثَّانِيَ مُخَالِفٌ لِمَا أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ أَنَّ الزَّكَاةَ
تَجِبُ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ حُمِلَتْ ذَاتُ الدَّرِّ عَلَى مَعْلُوفَةٍ فَلَيْسَ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِذَاتِ الدَّرِّ (وَأَمَّا) الْوَجْهُ الْأَوَّلُ فَبَعِيدٌ وَتَكَلُّفٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ وَإِنَّمَا نَبَّهْت عَلَى ضَعْفِ كَلَامِهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ كَمَا اغْتَرَّ بِهِ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي كِتَابِهِ نَهَايَةِ الْغَرِيبِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مَفْتُوحَتَيْنِ - وَسُوَيْدٌ جُعْفِيٌّ كُوفِيٌّ تَابِعِيٌّ مُخَضْرَمٌ كُنْيَتُهُ أَبُو أُمَيَّةَ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ ثُمَّ أَسْلَمَ وَقَالَ أَنَا أَصْغَرُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِسَنَتَيْنِ وَعَمَّرَ كَثِيرًا قِيلَ مَاتَ سَنَةَ إحْدَى وَثَمَانِينَ وَقِيلَ بَلَغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَثَلَاثِينَ سَنَةً وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ
وَلِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ فَلَمْ يَجُزْ فِيهِ الذَّكَرُ كَالْفَرْضِ مِنْ جِنْسِهِ قَالَ الْقَلَعِيُّ: قوله أصل احْتِرَازٌ مِنْ ابْنِ لَبُونٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ مَخَاضٍ (وَقَوْلُهُ) فِي صَدَقَةِ الْإِبِلِ احْتِرَازٌ مِنْ التَّبِيعِ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ فَجَازَ فِيهِ الذَّكَرُ والانثي كلا ضحية (وَقَوْلُهُ) حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى احْتِرَازٌ مِنْ الْقَرْضِ وَالسَّلَمِ فِي الْأُنْثَى (وَقَوْلُهُ) لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ مَالِهِ احْتِرَازٌ مِنْ النِّصَابِ الَّذِي يَجِبُ فِيهِ مِنْ جِنْسِهِ مَا عَدَا ثَلَاثِينَ مِنْ الْبَقَرِ (وَقَوْلُهُ) لِأَنَّ كُلَّ مَالٍ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ بِالشَّرْعِ اُعْتُبِرَ فِيهِ عُرْفُ الْبَلَدِ احْتِرَازٌ من المسلم فيه والقرض والنذر (قوله) لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ صِفَةُ الْمَالِ فَلَمْ يَخْتَلِفْ بِصِحَّةِ الْمَالِ فِيهِ احْتِرَازٌ مِمَّا إذَا كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ الْمُزَكَّى فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْمِرَاضِ مَرِيضَةٌ
* {فَرْعٌ} فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي نُصُبِ الْإِبِلِ
* أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فَمَا دُونَهَا الْغَنَمُ كَمَا سَبَقَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بنت مخاض الا ماروى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ " فِيهَا خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا صَارَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ "
* وَاحْتُجَّ لَهُ بِحَدِيثٍ جَاءَ عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عن علي عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ خَمْسُ شِيَاهٍ فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ " وَدَلِيلُنَا حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ (وَأَمَّا) حَدِيثُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ فَمُتَّفَقٌ عَلَى ضَعْفِهِ ووهائه وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا على أن في خمس وعشرين بنت مخاض وَلَا يَصِحُّ عَنْ عَلِيٍّ مَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْوَاجِبِ فِيهَا إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ
واسحق وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد أَنَّ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ محمد بن اسحق صَاحِبِ الْمَغَازِي وَأَبِي عُبَيْدٍ وَرِوَايَةً عَنْ مَالِكٍ واحمد انه لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَثَلَاثِينَ وَعَنْ مَالِكٍ رِوَايَةٌ كَمَذْهَبِنَا وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ أَنَّ السَّاعِيَ يَتَخَيَّرُ فِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ بَيْنَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّتَيْنِ
* وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَعِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَيَجِبُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ حِقَّتَانِ وَشَاةٌ وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَشَاتَانِ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسٍ وَثَلَاثِينَ حِقَّتَانِ وَثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي مِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ حقتان وأربع شياه وفى مائة وخمس وأربععين حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَفِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ ثَلَاثُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْفَرِيضَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَبَدًا وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ
يَتَخَيَّرُ بَيْنَ مُقْتَضَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ عَنْ ابْنِ خَيْرَانَ فَأَوْهَمَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ خَيْرَانَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ وَجْهٌ مِنْ مَذْهَبِنَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى تَغْلِيطِ الْغَزَالِيِّ فِي هَذَا النَّقْلِ وَتَغْلِيطِ شَيْخِهِ فِي النِّهَايَةِ فِي نَقْلِهِ مِثْلَهُ وَلَيْسَ هُوَ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرِ الطَّبَرِيِّ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ شَيْخِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ.
فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ وَبِنْتُ مَخَاضٍ وَجَاءَتْ آثَارٌ ضَعِيفَةٌ تَمَسَّكَ بِهَا كُلُّ من ذهب من هؤلاء الائمة: ومذهبنا وَالصَّوَابُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَمُوَافِقُوهُ وَعُمْدَتُهُمْ حَدِيثُ أَنَسٍ السَّابِقُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَهُوَ صَحِيحٌ صَرِيحٌ وَمَا خَالَفَهُ ضَعِيفٌ أَوْ دُونَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَمَنْ وَجَبَتْ عليه بنت مخاص فان كانت في ماله لزمه إخراجها وإن لم تكن في ماله وعنده ابن لبون قبل منه ولا يرد معه شئ لما روى أنس رضي الله عنه في الكتاب الذى كتبه ابو الصديق رضي الله عنه فمن لم تكن عنده بنت مخاض وعنده ابن لبون ذكر فانه يقبل منه وليس معه شئ ولان في بنت مخاض فضيلة بالانونة وفى ابن لبون فضيلة بالسن فاستويا وان لم تكن عنده بنت مخاض ولا ابن لبون فله أن يشترى بنت
مخاض ويخرج لانه أصل فرضه وله أن يشترى ابن لبون ويخرج لانه ليس في ملكه بنت مخاض وان كانت ابله مهازيل وفيها بنت مخاض سمينة لم يلزمه اخراجها فان أراد اخراج ابن لبون فالمنصوص انه يجوز لانه لا يلزمه اخراج ما عنده فكان وجوده كعدمه كَمَا لَوْ كَانَتْ إبِلُهُ سِمَانًا وَعِنْدَهُ بِنْتُ مخاض مهزولة ومن اصحابنا من قال لا يجوز لان عنده بنت مخاض تجزئ ومن وجب عليه بنت لبون وليست عنده وعنده حق لم يؤخذ منه لان بنت اللبون تساوى الحق في ورود الماء والشجر وتفضل عليه بالانوثة}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَنَسٍ صَحِيحٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَفِي الْفَصْلِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ وَلَا عَيْبٍ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى ابْنِ لَبُونٍ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ لَمْ تكن عنده وعنده ابن لبون فاراد دفعها عنها وجب قبوله ولا يكون معه شئ لَا مِنْ الْمَالِكِ وَلَا مِنْ السَّاعِي وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ كَانَتْ قِيمَةُ ابْنِ لَبُونٍ كَقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا وَسَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِهِ أَمْ لَا لِعُمُومِ الْحَدِيثِ (الثَّانِيَةُ) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَا ابْنُ لَبُونٍ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَيُّهُمَا شَاءَ وَيُجْزِئُهُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَبِهَذَا الْوَجْهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجُمْهُورُ الْأَصْحَابِ (وَالثَّانِي) حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ شِرَاءُ بِنْتِ
مَخَاضٍ وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُمَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوُجُودِ لَمْ يَجُزْ ابْنُ لَبُونٍ فَكَذَا إذَا عُدِمَا وَتَمَكَّنَ مِنْ شِرَائِهِمَا (الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَتْ عِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَعِيبَةٌ فَهِيَ كالمعدومة فيجزئه ابن لبون بلا خلاف بعموم الْحَدِيثِ وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا فِي قَوْلِهِ كَمَا لَوْ كَانَتْ إبِلُهُ سِمَانًا وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْزُولَةٌ وَلَوْ كَانَتْ إبِلُهُ مَهْزُولَةً وَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ نَفِيسَةٌ لَمْ يَلْزَمْهُ إخْرَاجُهَا فَإِنْ تَطَوَّعَ بِهَا فَقَدْ أَحْسَنَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ ابْنِ لَبُونٍ فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ بِنْتَ مَخَاضٍ مُجْزِئَةً
(وَالثَّانِي)
يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إخْرَاجُهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَرَجَّحَ الْمُصَنِّفُ الا جزاء وَنَقَلَهُ عَنْ النَّصِّ وَوَافَقَهُ عَلَى تَرْجِيحِهِ الْبَغَوِيّ.
وَرَجَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ عَدَمَ الْإِجْزَاءِ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي
الْمُجَرَّدِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَجَّحَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَأَكْثَرُ شِيعَتِهِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ (الرَّابِعَةُ) لَوْ فَقَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلَادِ اللَّبُونِ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ ابْنُ لَبُونٍ أَوْ بِنْتُ لَبُونٍ وَكِلَاهُمَا مُجْزِئٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُ مُشَوَّهُ الْخَلْقِ كَالْمَعِيبِ وَلَوْ أَخْرَجَ خُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ المخاض لم يجزئه بالا تفاق لا حتمال أَنَّهُ ذَكَرٌ وَلَوْ وَجَدَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ خُنْثَى مُشْكِلًا مِنْ أَوْلَادِ لَبُونٍ لَمْ يُجْزِئْهُ بلا خلاف لاحتمال أنه ذكرو لا يجزئ الذَّكَرُ مَعَ وُجُودِ بِنْتِ مَخَاضٍ (الْخَامِسَةُ) لَوْ وجبت بنت مخاض فقدها وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَابْنَ لَبُونٍ فَإِنْ أَخْرَجَ ابْنَ اللَّبُونِ جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ اللَّبُونِ مُتَبَرِّعًا جَازَ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَهَا مَعَ أَخْذِ الْجُبْرَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مُسْتَغْنٍ عَنْ الْجُبْرَانِ وَإِنَّمَا يُصَارُ إلَى الْجُبْرَانِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَالْوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ (السَّادِسَةُ) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا فَأَخْرَجَ حِقًّا أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ ابْنِ لَبُونٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهًا آخَرَ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الزَّكَوَاتِ.
وَلَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ عَنْهَا عِنْدَ عَدَمِهَا حِقًّا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) لَا يُجْزِئُهُ لِمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ وَبِهَذَا قَطَعَ المصنف والجمهور وحكي صاحب الحاوى وجماعة فِي إجْزَائِهِ وَجْهَيْنِ وَقَطَعَ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَجِيزِ بِالْجَوَازِ وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ
* (فَرْعٌ)
إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ ابْنَ لَبُونٍ أَيْضًا فَفِي كَيْفِيَّةِ مُطَالَبَةِ السَّاعِي لَهُ بِالْوَاجِبِ وَجْهَانِ حكاهما صاحب الحاوى (احدهما) يخيره بين بنت مَخَاضٍ وَابْنِ لَبُونٍ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فِي الْإِخْرَاجِ
(وَالثَّانِي)
يُطَالِبُهُ بِبِنْتِ مَخَاضٍ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ فَإِنْ دَفَعَ ابْنَ لَبُونٍ قُبِلَ مِنْهُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ فِي الْحَالِ لَكِنْ يَمْلِكُ بِنْتَ مَخَاضٍ مَغْصُوبَةً أَوْ مَرْهُونَةً فَلَهُ إخْرَاجُ ابْنِ لَبُونٍ لِأَنَّهُ غير متكمن مِنْهَا فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَاَللَّهُ تعالي اعلم
قال الصمنف رحمه الله
* ومن وجبت عليه جذعة أو حقة أو بنت لبون وليس عنده الا ما هو أسفل منه بسنة أخذ
منه مع شاتين أو عشرين درهما وإن وجب عليه بنت مخاض أو بنت لبون أو حقة وليس عنده الا ما هو أعلي منه بسنة أخذ منه ودفع إليه المصدق شاتين وعشرين درهما لِمَا رَوَى أَنَسٌ رضي الله عنه أَنَّ أبا بكر الصديق رضي لله عنه كتب له لما وجهه الي البحرين كتابا وفيه " ومن بلغت صدقته من الابل الجذعة وليست عنده وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ الْحِقَّةُ وَيَجْعَلُ معها شاتين أو عشرين درهما ومن بلغت عنده صدقته الحقة وليس عِنْدَهُ إلَّا بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بنت لبون ويعطي معها شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَيُعْطِي مَعَهَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فانها تقبل منه بنت لبون ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين فاما إذا وجبت عليه جذعة وليت عنده وعنده ثنية فان أعطاها ولم يطلب جبرانا قبلت لانها أعلي من الفرض بسنة وان طلب الجبران فالمنصوص انه يدفع إليه لانها أعلي من الفرض بسنة فهي كالجذعة مع الحقة ومن أصحابنا من قال لا يدفع الجبران لان الْجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَا معني لدفع الجبران وان وجبت عليه بنت مخاص وليس عنده الافصيل وأراد أن يعطى ويعطي معه الجبران لم يجز لان الفصيل ليس بفرض مقدر وان كان معه نصب مراض ولم يكن عنده الفرض فاراد أن يصعد الي فرض مريض ويأخذ معه الجبران لم يجز لان الشاتين أو العشرين درهما جعل جبرانا لما بين الصحيحين فإذا كانا مريضين كان الجبران أقل من الشاتين أو العشرين الدرهم فان اراد ان ينزل الي فرض دونه ويعطى معه شاتين أو عشرين درهما جاز لانه متطوع بالزيادة ومن وجبت عليه الشاتان أو العشرون درهما كان الخيار إليه لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الخيار فيه الي من يعطى في حديث انس فان اختار ان يعطي شاة وعشرة دراهم لم يجز لان النبي صلي الله عليه وسلم خيره بين شيئين فلو جوزنا ان يعطى شاة وعشرة دراهم خيرناه بين ثلاثة اشياء ومن وجب عليه فرض؟ ووجد فوقه فوقه فرضا واسفل منه فرضا فالخيار في الصعود والنزول الي رب المال لانه هو الذى يعطي فكان الخيار له كالخيار في الشاتين والعشرين الدرهم ومن اصحابنا من قال الخيار إلى المصدق وهو المنصوص لانه يلزمه ان يختار ما هو انفع للمساكين ولهذا إذا
اجتمع الصحاح والمراض لم يأخذ المراض فلو جعلنا الخيار إلى رب المال اعطى ما ليس بنافع ويخالف الخيار في الشاتين والعشرين الدرهم فان ذلك جعل جبرانا علي سبيل التخفيف فكان ذلك الي من يعطي
وهذا تخيير في الفرض فكان الي المصدق ومن وجب عليه فرض ولم يجد الا ما هو اعلي منه بسنتين اخذ منه واعطى اربع شياه أو اربعين درهما وان لم يجد الا ما هو أسفل منه بسنتين اخذ منه أربع شياه أو أربعون درهما لان النبي صلي الله عليه وسلم قدر ما بين السنين بشاتين أو عشرين درهما فدل علي ان كل ما زاد في السن سنة زاد في الجبران بقدرها فان أراد من وجب عليه أربعون درهما أو أربع شياه ان يعطي شاتين عن أحد الجبرانين وعشرين درهما عن الجبران الآخر جاز لانهما جبرانان فجاز أن يختار في أحدهما شيئا وفى الآخر غيره ككفارتي يمينين يجوز ان يخرج في احدهما الطعام وفى الاخرى الكسوة وان وجب عليه الفرض ووجد سنا أعلى منه بسنة وسنا أعلى منه بسنتين فترك الاقرب وانتقل إلى الا بعد ففيه وجهان
(أحدهما)
انه يجوز لانه قد عرف ما بينهما من الجبران
(والثانى)
لا يجوز وهو الصحيح لان النبي صلي الله عليه وسلم أقام الاقرب مقام الفرض ثم لو وجد الفرض لم ينتقل إلى الاقرب فكذلك إذا وجد الاقرب لم ينتقل الي الا بعد}
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَازَ أَنْ يُخْرِجَ حِقَّةً مَعَ جُبْرَانٍ وَالْجُبْرَانُ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ بِنْتِ لَبُونٍ وَيَأْخُذُ السَّاعِي جُبْرَانًا وَلَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ حِقَّةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ فَلَهُ إخْرَاجُ جَذَعَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا قَالَ أَصْحَابُنَا: وَصِفَةُ شَاةِ الْجُبْرَانِ هَذِهِ صِفَةُ الشَّاةِ الْمُخْرَجَةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ وَقَدْ سَبَقَ بيانها وفى اشتراط الا نوثة إذا كان المالك هو دافع الجبران الْمَذْكُورَانِ فِي تِلْكَ الشَّاةِ (أَصَحُّهُمَا) لَا يُشْتَرَطُ بل بجزئ الذَّكَرُ فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ الشَّاةَ هُوَ السَّاعِي وَلَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِالذَّكَرِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الَّتِي يُخْرِجُهَا هِيَ النقرة الخالصة قال امام الحرمين وكذا دراهم
الشَّرْعِيَّةُ حَيْثُ أُطْلِقَتْ فَإِنْ احْتَاجَ الْإِمَامُ إلَى دَرَاهِمَ لِيَدْفَعَهَا فِي الْجُبْرَانِ وَلَمْ يَكُنْ فِي بيت المال شئ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ وَصَرَفَهُ فِي الْجُبْرَانِ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ والبغوي وصاحب البيان والرافعي وآخرون (وأما) تعين الشَّاتَيْنِ أَوْ الدَّرَاهِمِ فَالْخِيرَةُ فِيهِ لِدَافِعِهِ سَوَاءٌ كَانَ السَّاعِي أَوْ رَبُّ الْمَالِ هَكَذَا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَطَعَ بِهِ الجمهور وذكر امام الحرمين والسرخسي وغيرهما فيما إذَا كَانَ الدَّافِعُ هُوَ رَبَّ الْمَالِ طَرِيقِينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلسَّاعِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ كَانَ الدَّافِعُ هُوَ السَّاعِيَ لَزِمَهُ دَفْعُ مَا دَفْعُهُ أَصْلَحُ لِلْمَسَاكِينِ وَإِنْ كَانَ رَبَّ الْمَالِ اُسْتُحِبَّ لَهُ دَفْعُ الاصلح للمساكين
وَيَجُوزُ لَهُ دَفْعُ الْآخَرِ (أَمَّا) الْخِيَرَةُ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ إذَا فَقَدَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ وَوَجَدَ أَعْلَى مِنْهَا وَأَنْزَلَ فَفِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَاخْتَلَفُوا فِي أَصَحِّهِمَا فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلْمَالِكِ وَهُوَ الَّذِي صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالرَّافِعِيُّ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَقَطَعَ بِهِ الْجُرْجَانِيُّ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ فِي كِتَابِهِ التَّحْرِيرِ وَصَحَّحَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّ الْخِيَرَةَ لِلسَّاعِي وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا الْوَجْهَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَا إلَّا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ: إنْ طَلَب السَّاعِي النُّزُولَ وَالْمَالِكُ الصُّعُودَ فَإِنْ عَدِمَ السَّاعِي الْجُبْرَانَ فَالْخِيَرَةُ لَهُ وَإِلَّا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ خَيَّرْنَا السَّاعِيَ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ الْأَصْلَحِ لِلْمَسَاكِينِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ الْوَجْهَانِ فِيمَا إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ دَفْعَ غَيْرِ الْأَنْفَعِ لِلْمَسَاكِينِ فَإِنْ أَرَادَ دَفْعَ الْأَنْفَعِ لَزِمَ السَّاعِي قَبُولَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْمَصْلَحَةِ وَهَذَا مَصْلَحَةٌ قَالَ الْإِمَامُ وَإِنْ اسْتَوَى مَا يُرِيدُهُ هَذَا وَذَاكَ فِي الْغِبْطَةِ فَالْأَظْهَرُ اتِّبَاعُ الْمَالِكِ هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الْإِبِلُ سَلِيمَةً فَإِنْ كَانَتْ مَعِيبَةً أَوْ مَرِيضَةً فَأَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ إلَى سِنٍّ مَرِيضٍ وَيَأْخُذَ مَعَهُ الْجُبْرَانَ لَمْ يَجُزْ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي طَرِيقَتَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ مُطْلَقًا ثُمَّ قَالَ وَاَلَّذِي يُتَّجَهُ عِنْدِي أَنَّا إنْ قُلْنَا الْخِيرَةُ لِلْمَالِكِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ وَإِنْ قُلْنَا الْخِيرَةُ لِلسَّاعِي فَرَآهُ غِبْطَةً لِلْمَسَاكِينِ فَالْوَجْهُ الْقَطْعُ بِجَوَازِهِ قَالَ وَهَذَا وَاضِحٌ وَهُوَ مُرَادُ الْأَصْحَابِ
قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا الْخِيَرَةُ لِلْمَسَاكِينِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْجُبْرَانَ الْمُسَمَّى بَدَلًا عَمَّا بَيْنَ السِّنَّيْنِ السَّلِيمَتَيْنِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الْمَعِيبَيْنِ دُونَ ذَلِكَ وَهَذِهِ الصُّورَةُ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ إطْلَاقِ الْوَجْهَيْنِ فِيمَنْ لَهُ الْخِيَرَةُ وَلَوْ أَرَادَ النُّزُولَ وَهِيَ مَعِيبَةٌ وَيَبْذُلُ الْجُبْرَانَ قُبِلَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِزِيَادَةٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ واتفقوا عليه.
قال أصحابنا: وانما يجئ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ إذَا عَدِمَ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ أَوْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ أَوْ نَفِيسَةٌ فَأَمَّا إنْ وَجَدَهَا وَهِيَ سَلِيمَةٌ مُعْتَدِلَةٌ وَأَرَادَ النُّزُولَ أَوْ الصُّعُودَ مَعَ جُبْرَانٍ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِلسَّاعِي أَيْضًا بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ مَعِيبَةٌ
فَكَالْمَعْدُومَةِ وَإِنْ وَجَدَهَا وَهِيَ نَفِيسَةٌ بِأَنْ تَكُونَ حَامِلًا أَوْ ذَاتَ لَبَنٍ أَوْ أَكْرَمَ إبِلِهِ لم يلزمه اخراجها ولا يجوز للساعي احذها بِغَيْرِ رِضَاءِ الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يَسْمَحْ بِهَا الْمَالِكُ فَهِيَ كَالْمَعْدُومَةِ وَيَنْتَقِلُ إلَى سِنٍّ أَعْلَى أَوْ أَسْفَلَ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْوَجْهَ السَّابِقَ فيما إذا الزمه بِنْتُ مَخَاضٍ وَإِبِلُهُ مَهْزُولَةٌ وَلَمْ يَجِدْ بِنْتَ مَخَاضٍ إلَّا نَفِيسَةً أَنَّهَا لَا تَكُونُ كَالْمَعْدُومَةِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَيْثُ قُلْنَا يَنْزِلُ فَنَزَلَ وَدَفَعَ الْجُبْرَانَ أَجْزَأَهُ سَوَاءٌ كَانَ السِّنُّ الَّذِي نَزَلَ إلَيْهِ مَعَ الْجُبْرَانِ يَبْلُغُ قِيمَةَ السِّنِّ الَّذِي نَزَلَ عَنْهُ أَمْ لَا وَلَا نَظَرَ إلَى التَّفَاوُتِ لِأَنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالنَّصِّ (وَأَمَّا) إذَا وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُ ثَنِيَّةٌ فَإِنْ دَفَعَهَا وَلَمْ يَطْلُبْ جُبْرَانًا.
قُبِلَتْ مِنْهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ طَلَبَ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تُجْزِئُهُ لِأَنَّهَا أَعْلَى مِنْهُ بِسَنَةٍ فَهِيَ كالجذعة مع الحقة
(والثانى)
لالان الجبران علي خلاف الدليل ولا يتجاوز بِهِ أَسْنَانُ الزَّكَاةِ الَّتِي وَرَدَ فِيهَا الْحَدِيثُ وَلِأَنَّ الْجَذَعَةَ تُسَاوِي الثَّنِيَّةَ فِي الْقُوَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ فَلَا يُحْتَمَلُ مَعَهَا الْجُبْرَانُ وَنَقَلَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الْإِجْزَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَ الْغَزَالِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ الْمَنْعَ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ الا فصيل ابثي لَهُ دُونَ سَنَةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ مَعَ الْجُبْرَانِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِدَرَجَتَيْنِ وبثلاث ويكون مع الدرجتين جبرانان وَمَعَ الثَّلَاثِ ثَلَاثٌ (مِثَالُ ذَلِكَ) وَجَبَتْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَحِقَّةً وَوَجَدَ جذعة دفعها واخذ ثلاث جُبْرَانَاتٍ وَإِنْ
وَجَدَ حِقَّةً دَفَعَهَا وَأَخَذَ جُبْرَانَيْنِ وان وَجَبَتْ جَذَعَةٌ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الْحِقَّةَ وَبِنْتَ اللَّبُونِ دَفَعَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فَإِنْ وجد بنت لبون دفعها مع جبرانيين وَهَلْ يَجُوزُ الصُّعُودُ وَالنُّزُولُ بِدَرَجَتَيْنِ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ مَعَ التَّمَكُّنِ مِنْ دَرَجَتَيْنِ فِيهِمَا وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لَا يَجُوزُ وَبِهِ قَطَعَ الْفُورَانِيُّ وَصَاحِبُ الْعُدَّةِ وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَصَحَّحَهُ
الباقون (مثاله) وجبت بنت لبون فقدها وَوَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً فَإِنْ أَخْرَجَ الْحِقَّةَ وَطَلَبَ جبرانا جَازَ وَإِنْ أَخْرَجَ الْجَذَعَةَ وَرَضِيَ بِجُبْرَانٍ وَاحِدٍ جَازَ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ طَلَبَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ تَقْلِيلِ الْجُبْرَانِ وَمُسْتَغْنٍ عَنْ الْجُبْرَانِ الثَّانِي فَلَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْأَصْلَ وَلَوْ وَجَبَتْ حِقَّةٌ فَفَقَدَهَا وَوَجَدَ بِنْتَ لَبُونٍ وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَأَرَادَ النُّزُولَ إلَى بِنْتِ مَخَاضٍ وَدَفَعَ جُبْرَانَيْنِ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) لَا يَجُوزُ وَلَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَفَقَدَهَا وَفَقَدَ الْحِقَّةَ وَوَجَدَ جَذَعَةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنْ أَخْرَجَ بِنْتَ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ أَجْزَأَهُ وَإِنْ أَرَادَ إخْرَاجَ الْجَذَعَةِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّ بِنْتَ الْمَخَاضِ وَإِنْ كَانَتْ أَقْرَبَ لَكِنَّهَا لَيْسَتْ فِي الْجِهَةِ الْمَعْدُولِ عَنْهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَجَدَ حِقَّةً وَجَذَعَةً فَصَعِدَ إلَى الْجَذَعَةِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ثُبُوتِ الْجُبْرَانَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا فِي كُلِّ الطُّرُقِ إلَّا ابْنَ الْمُنْذِرِ فَإِنَّهُ نَقَلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه هَذَا ثُمَّ اخْتَارَ لِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زِيَادَةٌ عَلَى جُبْرَانٍ وَاحِدٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ حِقَّةٌ فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ بِلَا جُبْرَانٍ أَوْ لَزِمَهُ جَذَعَةٌ فَأَخْرَجَ بِنْتَيْ لَبُونٍ أَوْ حِقَّتَيْنِ بِلَا جُبْرَانٍ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ وَالْمُتَوَلِّي وَصَاحِبُ الْمُسْتَظْهِرِيِّ وَغَيْرُهُمْ (أَصَحُّهُمَا) يُجْزِئُهُ لِأَنَّهُمَا يَجْزِيَانِ عَمَّا فَوْقَ إبِلِهِ فَعَنْهَا أَوْلَى
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّ فِي الْوَاجِبِ مَعْنًى لَيْسَ هُوَ فِي الْمَخْرَجِ (أَمَّا) إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَأَخْرَجَ ابْنَ لَبُونٍ لِيَقُومَ مَقَامَ بِنْتِ مَخَاضٍ وَيُعْطَى مَعَهُ جُبْرَانًا فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (أَحَدُهُمَا) يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ فِي حُكْمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ عِنْدَ عَدَمِهَا فَصَارَ كَمُعْطِي بِنْتِ مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّ ابْنَ اللَّبُونِ أُقِيمَ مَقَامَ بِنْتِ
مَخَاضٍ إذَا كَانَتْ هِيَ الْفَرْضَ وَلَيْسَتْ هِيَ هُنَا الْفَرْضَ أَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ إحْدَى وَسِتُّونَ بِنْتَ مَخَاضٍ فَأَخْرَجَ مِنْهَا بِنْتَ مَخَاضٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهَا لَا تُجْزِئُهُ إلَّا مَعَ ثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ وَبِهَذَا قَطَعَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَجْهَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا
(وَالثَّانِي)
تَكْفِيهِ وَحْدَهَا وَلَا يَلْزَمُهُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا وَلَا جُبْرَانٌ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ إذَا تَوَجَّهَ عَلَيْهِ جُبْرَانٌ أَنْ يُبَعِّضَهُ فَيَدْفَعَ شَاةً وَعَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَإِنْ كَانَ دَافِعُ الْجُبْرَانِ هُوَ السَّاعِيَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِالتَّبْعِيضِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ جَازَ تَبْعِيضُهُ هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ وَآخَرُونَ وَلَا خِلَافَ فِيهِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ التَّبْعِيضِ لِرَبِّ الْمَالِ فَإِذَا رَضِيَ بِهِ جَازَ كَمَا لَوْ قَنَعَ بِشَاةٍ أَوْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ.
(وَأَمَّا) مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ وَآخَرُونَ لَوْ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَوْ السَّاعِي دَفْعَ شَاةٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ (فَمُرَادُهُمْ) إذَا لَمْ يَرْضَ رَبُّ الْمَالِ بِأَخْذِ الْمُبَعَّضِ.
وَلَوْ تَوَجَّهَ جُبْرَانَانِ عَلَى الْمَالِكِ أَوْ السَّاعِي جَازَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ أَحَدِهِمَا عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَعَنْ الْآخَرِ شَاتَيْنِ وَيُجْبَرُ الْآخَرُ عَلَى قَبُولِهِ وَكَذَا لَوْ تَوَجَّهَ ثَلَاثَةُ جُبْرَانَاتٍ فَأَخْرَجَ عَنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ وَعَنْ الْآخَرِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَوْ عَكْسَهُ جَازَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ جُبْرَانٍ مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ وَاجِبٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِ الْجُبْرَانِ الْوَاحِدِ وَشَبَّهَهُ الْأَصْحَابُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ؟ لَا يَجُوزُ تَبْعِيضُ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ فَيُطْعِمُ خَمْسَةً وَيَكْسُو خَمْسَةً وَلَوْ وَجَبَ كَفَّارَتَانِ جَازَ أَنْ يطعم عشرة ويسكو عَشْرَةً
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَا مَدْخَلَ لِلْجُبْرَانِ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَتَجَاوَزُهُ (فَرْعٌ)
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا جَعَلَ الشَّاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا تَقْدِيرًا فِي جُبْرَانِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ وَلَمْ يَكِلْ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ إلَى اجْتِهَادِ السَّاعِي وَغَيْرِهِ لِأَنَّ السَّاعِيَ إنَّمَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةَ عِنْدَ الْمِيَاهِ غَالِبًا وَلَيْسَ هُنَاكَ حَاكِمٌ وَلَا مُقَوِّمٌ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا إذَا اخْتَلَفَا فَضُبِطَتْ بِقِيمَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالصَّاعِ فِي الْمُصَرَّاةِ أَوْ الْغُرَّةِ فِي الْجَنِينِ وَمِائَةٍ مِنْ الابل في قبل النَّفْسِ قَطْعًا لِلتَّنَازُعِ
*
(فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ
* حَدِيثُ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الصَّدَقَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ في أول الباب (وقوله) وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ مِنْ الْإِبِلِ صَدَقَةَ الْجَذَعَةِ لَفْظُ صَدَقَةُ مَرْفُوعٌ غَيْرُ مُنَوَّنٍ بَلْ مُضَافٌ إلَى الْجَذَعَةِ وَالْجَذَعَةِ مَجْرُورٌ بِالْإِضَافَةِ وَكَذَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ (وَأَمَّا) الْمُصَدِّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْفَصْلِ (فَهُوَ) السَّاعِي وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ (وَأَمَّا) الْمَالِكُ فَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْمُصَّدِّقُ - بِتَشْدِيدِ الصَّادِ وَكَسْرِ الدَّالِ - عَلَى الْمَشْهُورِ وَقِيلَ يُقَالُ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ
*
(فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سِنٌّ وَفَقَدَهَا
* قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُخْرِجُ أَعْلَى مِنْهَا بِسَنَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا أَوْ أسفل بسنة ويدفع جيرانا وَهُوَ شَاتَانِ أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَبِهِ قَالَ ابراهيم النخعي واحمد وأبو ثور وداود واسحق بْنُ رَاهْوَيْهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
* وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عَلِيٍّ وَالثَّوْرِيِّ وَأَبِي عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّ الْجُبْرَانَ شَاتَانِ أَوْ عَشْرَةُ دَرَاهِمَ وَعَنْ مَكْحُولٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَجِبُ قِيمَةُ السِّنِّ الْوَاجِبِ
* وَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ يَلْزَمُ رَبَّ الْمَالِ شِرَاءُ ذَلِكَ السِّنِّ وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ السَّاعِي يَأْخُذُ السِّنَّ الْمَوْجُودَ عِنْدَهُ وَيَجِبُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا
* احْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ
* وَاحْتُجَّ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَمُوَافِقِيهِ بِحَدِيثٍ ضَعِيفٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {وَإِنْ اتَّفَقَ فِي نِصَابٍ فَرْضَانِ كَالْمِائَتَيْنِ هِيَ نصاب خمس بنات لبون ونصاب ربع حِقَاقٍ (فَقَدْ قَالَ فِي الْجَدِيدِ) تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ (وَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَجِبُ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ قَوْلًا وَاحِدًا وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
تَجِبُ الْحِقَاقُ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَغَيُّرُ الْفَرْضِ بِالسِّنِّ لَمْ يُغَيَّرْ بِالْعَدَدِ كَمَا قُلْنَا فِيمَا قَبْلَ الْمِائَتَيْنِ
(وَالثَّانِي)
يَجِبُ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ لِمَا رَوَى سَالِمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ " فَعَلَى هَذَا إنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ إخْرَاجُهُ لِأَنَّ الْمُخَيَّرَ فِي الشَّيْئَيْنِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْآخَرُ كَالْمُكَفِّرِ عَنْ الْيَمِينِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْعِتْقُ وَالْكِسْوَةُ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْإِطْعَامُ وَإِنْ وَجَدَهُمَا اخْتَارَ الْمُصَدِّقُ أَنْفَعَهُمَا لِلْمَسَاكِينِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يَخْتَارُ صَاحِبُ الْمَالِ مَا شَاءَ مِنْهُمَا
وَقَدْ مَضَى دَلِيلُ الْمَذْهَبَيْنِ فِي الصُّعُودِ وَالنُّزُولِ فَإِنْ اخْتَارَ الْمُصَدِّقُ الْأَدْنَى نَظَرْت فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَفْرِيطٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ بِأَنْ لَمْ يُظْهِرْ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ وَجَبَ رَدُّ الْمَأْخُوذِ أَوْ بَدَلِهِ إنْ كَانَ تَالِفًا فَإِنْ لَمْ يُفَرِّطْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا أَخْرَجَ رَبُّ الْمَالِ الْفَضْلَ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ الصِّنْفَيْنِ وَهَلْ يَجِبُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُسْتَحَبُّ لِأَنَّ الْمُخْرِجَ يُجْزِئُ عَنْ الْفَرْضِ فَكَانَ الْفَضْلُ مُسْتَحَبًّا (وَالثَّانِي) أَنَّهُ وَاجِبٌ وَهُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَدِّ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَلَزِمَهُ إخْرَاجُ الْفَضْلِ فَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ يَسِيرًا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَرِيَ به جزء مِنْ الْفَرْضِ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْفَرْضِ فَلَمْ تَجُزْ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَالثَّانِي) لَا يَجِبُ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ ذَلِكَ فِي الْعَادَةِ فَإِنْ عُدِمَ الْفَرْضَانِ فِي الْمَالِ نَزَلَ إلَى بَنَاتِ مَخَاضٍ أَوْ صَعِدَ إلَى الْجِذَاعِ مَعَ الْجُبْرَانِ وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ وَبَعْضُ الْآخَرِ أَخَذَ الْمَوْجُودَ فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ الْآخَرِ مَعَ الْجُبْرَانِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ كَامِلٌ فَلَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَى الْجُبْرَانِ وَإِنْ وُجِدَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْضُهُ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ ثَلَاثُ حِقَاقٍ وَأَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَأَعْطَى الثَّلَاثَ الْحِقَاقَ وبنت لبون مغ الْجُبْرَانِ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى
أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً وَأَخَذَ الْجُبْرَانَ جَازَ وَإِنْ أَعْطَى حِقَّةً وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَعَ كُلِّ بِنْتِ لَبُونٍ جُبْرَانٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ فِي ثَلَاثِ حِقَاقٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ (وَالثَّانِي) لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ وَبِنْتَ لَبُونٍ وَجُبْرَانًا وَاحِدًا فَلَا يَجُوزُ ثَلَاثُ جُبْرَانَاتٍ وَلِأَنَّهُ إذَا أَعْطَى ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ مَعَ الْجُبْرَانِ تَرَكَ بَعْضَ الْفَرْضِ وَعَدَلَ إلَى الْجُبْرَانِ فَلَمْ يَجُزْ كَمَا لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْجُبْرَانِ إذَا وَجَدَ أَحَدَهُمَا كَامِلًا وَإِنْ وَجَدَ الْفَرْضَيْنِ مَعِيبَيْنِ لَمْ يَأْخُذْ بَلْ يُقَالُ لَهُ إمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ الْفَرْضَ الصَّحِيحَ وَإِمَّا أَنْ تَصْعَدَ مَعَ الْجُبْرَانِ أَوْ تَنْزِلَ مَعَ الْجُبْرَانِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقُلْنَا إنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الْفَرْضَيْنِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ عَشْرَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ ثَمَانِي حِقَاقٍ فان راد أَنْ يَأْخُذَ عَنْ مِائَتَيْنِ أَرْبَعَ حِقَاقٍ وَعَنْ مِائَتَيْنِ خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ جَازَ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا فَرِيضَتَانِ فجاز أن يأخذ في أحدهما جنسا وفى الآخر جِنْسًا آخَرَ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ كَفَّارَتَا يَمِينٍ فَأَخْرَجَ فِي إحْدَاهُمَا الْكِسْوَةَ وَفِي الْأُخْرَى الطَّعَامَ
*
{الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمهمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ حَدًّا يَخْرُجُ فَرْضُهُ بِحِسَابَيْنِ كَالْمِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ فَهَلْ الْوَاجِبُ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَمْ أَرْبَعُ حِقَاقِ فِيهِ نَصَّانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) الْحِقَاقُ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) أَحَدُهُمَا وَلِلْأَصْحَابِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِالْجَدِيدِ وَتَأَوَّلُوا الْقَدِيمَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْحِقَاقَ أَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ لَا أَنَّهَا تَجِبُ مُطْلَقًا (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ الْفَرْضُ أَحَدُهُمَا (وَالثَّانِي) الْفَرْضُ الْحِقَاقُ حَتْمًا فَإِنْ قُلْنَا بِهَذَا أَوْ وَجَدَ الْحِقَاقَ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ تَعَيَّنَ إخْرَاجُهَا وَإِلَّا نَزَلَ إلَى بَنَاتِ اللَّبُونِ أَوْ صَعِدَ إلَى الْجِذَاعِ مَعَ الْجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ شَاءَ اشْتَرَى الْحِقَاقَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ تَفْرِيعَ هَذَا الْقَوْلِ لِضَعْفِهِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُهُمَا فَلِلْمَالِ خَمْسَةُ أَحْوَالٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يُوجَدَ فِيهِ الْقَدْرُ الْوَاجِبُ مِنْ أَحَدِ الصنفين بكماله دون الآخر وَلَا يُكَلَّفُ تَحْصِيلَ الصِّنْفِ الْآخَرِ بِلَا خِلَافٍ لَمَا ذَكَره الْمُصَنِّفُ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: وَسَوَاءٌ كَانَ الصِّنْفُ الْآخَرُ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ أَمْ لَا وَنَقَلَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ الِاتِّفَاقَ عَلَى هَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ وَالْحَالَةُ هَذِهِ الصُّعُودُ وَلَا النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ قَالُوا وَسَوَاءٌ عُدِمَ كُلُّ الصِّنْفِ الْآخَرِ أَمْ بَعْضُهُ وَكَذَا لَوْ وُجِدَ الصِّنْفَانِ وَأَحَدُهُمَا مَعِيبٌ فَهُوَ كالمعدوم (الحال الثاني) أن لا يوجد في ماله شئ مِنْ الصِّنْفَيْنِ أَوْ يُوجَدَا وَهُمَا مَعِيبَانِ فَإِذَا أَرَادَ تَحْصِيلَ أَحَدِهِمَا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ أَنْ يُحَصِّلَ أَيَّهمَا شَاءَ فَإِذَا حَصَّلَ أَحَدَهُمَا صَارَ وَاجِدًا لَهُ وَوَجَبَ قَبُولُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ الْآخَرُ أَنْفَعَ لِلْمَسَاكِينِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَفِيهِ وَجْهٌ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ شِرَاءُ الْأَجْوَدِ لِلْمَسَاكِينِ وَهُوَ الْوَجْهُ الضَّعِيفُ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَنَّهُ إذَا لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ وَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا وَجَدَ ابْنَ لَبُونٍ أنه يَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ شِرَاءُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَلَا يُجْزِئُهُ ابن لبون والمذهب كذا في الاصل ولعله فيؤخذ ولا يكلف
الْقَطْعُ بِجَوَازِ ابْنِ لَبُونٍ وَكَذَا هُنَا الْمَذْهَبُ جَوَازُ شِرَاءِ الْمَفْضُولِ لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ صَارَ موجودا عنده قال المصنف والاصحاب وله أن لا يُحَصِّلَ الْحِقَاقَ وَلَا بَنَاتِ اللَّبُونِ بَلْ يَنْزِلُ أو يصعد مع الجيران وَالْأَصْحَابُ عَلَى هَذَا لَكِنْ قَالُوا يَنْزِلُ مِنْ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى خَمْسِ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَيَدْفَعُ خَمْسَ جُبْرَانَاتٍ أَوْ يَصْعَدُ مِنْ الْحِقَاقِ إلَى أَرْبَعِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْعَدَ
مِنْ خَمْسِ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى خَمْسِ جِذَاعٍ وَيَأْخُذُ عَشْرَ جُبْرَانَاتٍ وَلَا أَنْ يَنْزِلَ مِنْ أَرْبَعِ حِقَاقٍ إلَى أربع بنات مخاض ويدفع ثمان جُبْرَانَاتٍ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ لِأَنَّ الْجُبْرَانَ خِلَافُ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا جَازَ لِلضَّرُورَةِ فِي مَوْضِعِهِ وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا إلَى النُّزُولِ أَوْ الصُّعُودِ بِسِنِينَ وَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي الْفُرُوقِ وَصَاحِبُ الشَّامِلِ وَغَيْرُهُمَا وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ النُّزُولُ وَالصُّعُودُ هُنَا بِسِنِينَ كَمَا لَوْ لَزِمَهُ حِقَّةٌ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا بِنْتَ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تَكْفِيهِ مَعَ جُبْرَانَيْنِ أَوْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّةً فَدَفَعَهَا وَطَلَبَ جُبْرَانَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ وَالْفَرْقُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ فِي صُورَتَيْ الِاسْتِشْهَادِ لَا يَتَخَطَّى وَاجِبَ مَالِهِ وَفِيمَا نحن يَتَخَطَّى قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ عَدِمَ الْفَرْضَيْنِ وَمَا يَنْزِلُ إلَيْهِ وَمَا يَصْعَدُ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا شَاءَ إنْ شَاءَ أَحَدَ الْفَرْضَيْنِ وان شاء أعلا مِنْهُمَا أَوْ أَسْفَلَ مَعَ الْجُبْرَانِ كَمَا سَبَقَ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ وَشِرَاءُ الْفَرْضِ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْحَالُ الثَّالِثُ) أَنْ يُوجَدَ الصِّنْفَانِ بِصِفَةِ الْإِجْزَاءِ مِنْ غَيْرِ نَفَاسَةٍ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ يَجِبُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ لِلشَّافِعِيِّ رضى الله عنه وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْمُصَنِّفِينَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ الْمَالِكُ بِالْخِيَارِ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ إخْرَاجُ الْأَغْبَطِ لِلْمَسَاكِينِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَلِيَّ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فَيُرَاعَى حَظُّهُ فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ فَأَخَذَ السَّاعِي غَيْرَ الْأَغْبَطِ فَفِيهِ سِتَّةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَكَثِيرُونَ وَصَحَّحَهُ الْبَاقُونَ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَقْصِيرٍ مِنْ الْمَالِكِ بِأَنْ أَخْفَى الْأَغْبَطَ أَوْ مِنْ السَّاعِي بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ الْأَغْبَطِ أَوْ ظَنَّهُ بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ وَتَأَمُّلٍ أَوْ بِهِمَا لَمْ يَقَعْ الْمَأْخُوذُ عَنْ الزكاة وإن لم يقصر واحد منها وَقَعَ عَنْ الزَّكَاةِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) إنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَاقِيًا فِي يَدِ السَّاعِي لَمْ يَقَعْ عَنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ لَمْ يُقَصِّرَا وَإِلَّا وَقَعَ عَنْهَا قَالَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَقَطَعَ بِهِ الْبَغَوِيّ (وَالثَّالِثُ) إنْ فَرَّقَهُ عَلَى الْمُسْتَحَقِّينَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَظَهَرَ الْحَالُ حُسِبَ عَنْ الزَّكَاةِ بِكُلِّ حَالٍ وَإِلَّا فَلَا (وَالرَّابِعُ) إنْ دَفَعَهُ الْمَالِكُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ الْأَدْنَى لَمْ يُجْزِئْهُ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا أَجْزَأَهُ وَلَا نَظَرَ إلَى السَّاعِي (وَالْخَامِسُ) لَا يُجْزِئُهُ بِكُلِّ حَالٍ (وَالسَّادِسُ) يُجْزِئُهُ بِكُلِّ حَالٍ حَكَاهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَآخَرُونَ وَحَيْثُ قُلْنَا لَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ لَزِمَهُ إخْرَاجُهَا مَرَّةً اخرى وعلي الساعي ردما أَخَذَهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ تَالِفًا وَحَيْثُ قُلْنَا يَقَعُ عَنْهَا يُؤْمَرُ بِإِخْرَاجِ قَدْرِ التَّفَاوُتِ وَهَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ فيه وجهان مشهوران
ذكر هما الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) مُسْتَحَبٌّ وَوَجَّهُوهُ بِالْقِيَاسِ بِمَا إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ الْإِمَامِ إلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ
عن الزكاة واخذها لا يجب شئ آخَرُ (وَأَصَحُّهُمَا) أَنَّهُ وَاجِبٌ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا قَالَ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ هُوَ ظَاهِرُ النَّصِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْفَرْضَ بِكَمَالِهِ فَوَجَبَ جَبْرُ نَقْصِهِ قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا يَقَعُ عَنْ الزَّكَاةِ وَكَانَ بَاقِيًا يُسْتَحَبُّ اسْتِرْدَادُهُ وَدَفْعُ الْأَغْبَطِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَلِلرِّفْقِ بِالْمَسَاكِينِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَيُعْرَفُ التَّفَاوُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيمَةِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْحِقَاقِ أَرْبَعَمِائَةٍ وَقِيمَةُ بَنَاتِ اللَّبُونُ أَرْبَعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَقَدْ أَخَذَ الْحِقَاقَ وَجَبَ خَمْسُونَ وَإِنْ كَانَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ وَعَشْرَةً وَجَبَ عَشْرَةٌ فَإِنْ كَانَ التَّفَاوُتُ يَسِيرًا لَا يَحْصُلُ بِهِ شِقْصٌ مِنْ نَاقَةٍ دَفَعَ دَرَاهِمَ لِلضَّرُورَةِ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِمْ إلَّا صَاحِبَ التَّقْرِيبِ فَإِنَّهُ أشار إلى انه يوقف فِيهِ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ.
وَإِنْ حَصَلَ بِهِ شِقْصٌ فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ شِرَاؤُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى جُزْءٍ مِنْ الْفَرْضِ وَلَا تُجْزِئُ فِيهِ الْقِيمَةُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَجِبُ بَلْ يَجُوزُ دَفْعُ الدَّرَاهِمِ بِنَفْسِهَا اتفقوا علي تصحيحه ممن صَرَّحَ بِتَصْحِيحِهِ صَاحِبُ الشَّامِلِ وَالْمُسْتَظْهَرَيْ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ وَوَجَّهُوهُ بِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ فِي الْعَادَةِ أَوْ يَشُقُّ قَالُوا وَلِأَنَّهُ يَعْدِلُ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَفَقَدَ الشَّاةَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُهَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ وَيُجْزِئُهُ وَكَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ لَبُونٍ لَا فِي مَالِهِ وَلَا بِالثَّمَنِ فَإِنَّهُ يَعْدِلُ إلَى الْقِيمَةِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ جَوَّزْنَا الدَّرَاهِمَ فَأَخْرَجَ شِقْصًا جَازَ بِاتِّفَاقِهِمْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَفِيهِ أَدْنَى نَظَرٍ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
وَإِنْ أَوْجَبْنَا شِرَاءَ شقص ففيه أربعة أوجه (أصحها) يَجِبُ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ جِنْسِ الْأَغْبَطِ لِأَنَّهُ الاصل
(والثانى)
يجب من جنس الْمُخْرَجِ لِئَلَّا يَتَبَعَّضَ الْمُخْرَجُ (وَالثَّالِثُ) يَتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَاخْتَارَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ (وَالرَّابِعُ) يَجِبُ شِقْصٌ مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَاةٍ وَلَا تُجْزِئُ بَقَرَةٌ لِأَنَّهَا لَا تَدْخُلُ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَبِهَذَا قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي.
وَحَيْثُ قُلْنَا يُخْرِجُ شِقْصًا وَجَبَ تَسْلِيمُهُ إلَى السَّاعِي إنْ أَوْجَبْنَا صَرْفَ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي.
وَإِنْ أَخْرَجَ الدَّرَاهِمَ وَقُلْنَا يَجِبُ تَسْلِيمُ الظَّاهِرَةِ إلَى الْإِمَامِ أَوْ السَّاعِي فَهُنَا وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْبَغَوِيّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) يَجِبُ صَرْفُهَا إلَى السَّاعِي
لِأَنَّهُ جُبْرَانُ الْمَالِ الظَّاهِرِ (وَالثَّانِي) يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ عَلَى الْأَصْنَافِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ.
هَذَا كُلُّهُ إذَا قُلْنَا دَفْعُ التفاوت واجب فانه قُلْنَا مُسْتَحَبٌّ فَلَهُ أَنْ يُفَرِّقَهُ كَيْف شَاءَ ولا يتعين لا ستحبابه الشِّقْصُ بِالِاتِّفَاقِ.
ثُمَّ إنَّ الْأَصْحَابَ أَطْلَقُوا عِبَارَاتِهِمْ بِإِخْرَاجِ التَّفَاوُتِ دَرَاهِمَ وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمْ دَرَاهِمَ أو دنانير ومراد الجمع نَقْدُ الْبَلَدِ إنْ كَانَ دَرَاهِمَ فَدَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ دَنَانِيرَ فَدَنَانِيرُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي تَعْلِيقِهِ وَالشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ وَآخَرُونَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْحَالُ الرَّابِعُ) أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصِّنْفَيْنِ بِأَنْ يَجِدَ ثَلَاثَ حِقَاقٍ وَأَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيَدْفَعَهَا مَعَ بِنْتِ لَبُونٍ وَجُبْرَانٍ وَبَيْنَ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ
أصلا فيدفعها وَيَأْخُذَ جُبْرَانًا قَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَيَجُوزُ دَفْعُ بَنَاتِ اللَّبُونِ مَعَ بَنَاتِ مَخَاضٍ وَجُبْرَانٍ وَيَجُوزُ دَفْعُ الْحِقَاقِ مَعَ جَذَعَةٍ وَيَأْخُذُ جُبْرَانًا وَهَلْ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ حِقَّةً مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) الْجَوَازُ صَحَّحَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا حَتَّى قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ الْوَجْهُ الْقَائِلُ بِالْمَنْعِ مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بِنْتَ اللَّبُونِ مَعَ الجبران مقام حقة ووجه الاحزاء أَنَّهُ لَا يُصَارُ إلَى الْجُبْرَانِ إذَا أَمْكَنَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْهُ وَصَحَّحَ الْبَنْدَنِيجِيُّ هَذَا وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً فَدَفَعَ الْحِقَّةَ مَعَ ثَلَاثِ بَنَاتِ لَبُونٍ وَثَلَاثِ جُبْرَانَاتٍ فَفِيهِ الْوَجْهَانِ وَيَجْرِيَانِ فِي نَظَائِرِهَا وَالْأَصَحُّ فِي الْجَمِيعِ الْجَوَازُ (الْحَالُ الْخَامِسُ) أَنْ يُوجَدَ بَعْضُ أحد الصنفين ولا يوجد من الآخر شئ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا حِقَّتَيْنِ فَلَهُ إخْرَاجُهُمَا مَعَ جَذَعَتَيْنِ وَيَأْخُذُ جُبْرَانَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ بَنَاتِ اللَّبُونِ أَصْلًا فَيُخْرِجُ خَمْسَ بَنَاتِ مَخَاضٍ مَعَ خَمْسِ جُبْرَانَاتٍ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ إلَّا ثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ فَلَهُ إخْرَاجُهُنَّ مَعَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ وَجُبْرَانَيْنِ وَلَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْحِقَاقَ أَصْلًا فَيُخْرِجَ أَرْبَعَ جَذَعَاتٍ بِدَلَهَا وَيَأْخُذُ أَرْبَعَ جُبْرَانَاتٍ هَكَذَا ذَكَرَ الْبَغَوِيّ الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِمَا خِلَافًا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ فِي الْحَالِ الرَّابِعِ قَالَ وَلَعَلَّهُ فَرَّعَهُ عَلَى الْأَصَحِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا بَلَغَتْ الْبَقَرُ مِائَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ أو ثلاث مسنات وحكمها بُلُوغِ
الْإِبِلِ مِائَتَيْنِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ وِفَاقًا وَخِلَافًا
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ أَخْرَجَ صَاحِبُ الْإِبِلِ حِقَّتَيْنِ وَبِنْتَيْ لَبُونٍ وَنِصْفًا لَمْ يَجُزْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَمْ يُخْرِجْ وَاحِدًا مِنْهُمَا وَلَوْ مَلَكَ أَرْبَعمِائَةٍ فَعَلَيْهِ ثَمَانُ حِقَاقٍ أَوْ عَشْرُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَيَعُودُ فِيهَا مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْرِيعِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فِي الْمِائَتَيْنِ وَلَوْ أَخْرَجَ عَنْهَا خَمْسَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَأَرْبَعَ حِقَاقٍ جَازَ عَلَى الصَّحِيحِ الَّذِي قَالَهُ الْجُمْهُورُ وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْمُصَنِّفِينَ وَمَنَعَهُ الْإِصْطَخْرِيُّ لِتَفْرِيقِ الْوَاجِبِ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُ فِي الْمِائَتَيْنِ وَأَجَابَ الْجُمْهُورُ بِأَنَّ كُلَّ مِائَتَيْنِ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ فَصَارَ كَكَفَّارَتَيْ يَمِينَيْنِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُطْعِمَ فِي إحْدَاهُمَا وَيَكْسُوَ فِي الْأُخْرَى بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْمِائَتَانِ فَالتَّفْرِيقُ فِيهَا كَتَفْرِيقِ كَفَّارَةٍ وَاحِدَةٍ وَأَجَابُوا بِجَوَابٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ مَنْعَ التَّفْرِيقِ فِي الْمِائَتَيْنِ لَيْسَ هُوَ لِمُجَرَّدِ التَّفْرِيقِ بَلْ الْمَانِعُ تَشْقِيصٌ.
وَلِهَذَا لَوْ أَخْرَجَ حِقَّتَيْنِ وَثَلَاثَ بَنَاتِ لَبُونٍ أَوْ أَرْبَعَ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةً جَازَ بِالِاتِّفَاقِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا لِأَنَّ ذَلِكَ يُجْزِئُ عَمَّا فَوْقَ مِائَتَيْنِ فَعَنْ مِائَتَيْنِ أَوْلَى وَيُجْرَى خِلَافُ الْإِصْطَخْرِيِّ مَتَى بَلَغَ الْمَالُ مَا يُخْرَجُ مِنْهُ بَنَاتُ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقُ فَلَا تَشْقِيصَ وَالْمَذْهَبُ الْجَوَازُ وَيُجْرَى مِثْلُهُ فِي الْبَقَرِ إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ (فَإِنْ قِيلَ) ذَكَرْتُمْ أَنَّ السَّاعِيَ يَأْخُذُ الْأَغْبَطَ وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ أَغْبَطَ الصِّنْفَيْنِ هُوَ الْمُخْرَجُ وَكَيْفَ يجوز البعض
مِنْ هَذَا وَالْبَعْضُ مِنْ ذَاكَ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ (الْجَوَابُ) مَا أَجَابَ بِهِ ابْنُ الصَّبَّاغِ قَالَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حَظٌّ وَمَصْلَحَةٌ فِي اجْتِمَاعِ النَّوْعَيْنِ قَالَ وَفِي هَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ الْغِبْطَةَ غَيْرُ مُنْحَصِرَةٍ فِي زِيَادَةِ الْقِيمَةِ لَكِنْ إذَا كَانَ التَّفَاوُتُ لَا مِنْ جِهَةِ الْقِيمَةِ يَتَعَذَّرُ إخْرَاجُ قَدْرِ التَّفَاوُتِ.
هَذَا كَلَامُ الرَّافِعِيِّ.
وَيُجَابُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الصَّبَّاغِ بِأَنَّ التَّفَاوُتَ فِي مُعْظَمِ الْأَحْوَالِ يَكُونُ فِي الْقِيمَةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي غَيْرِ الْقِيمَةِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْمُتَوَلِّي إنَّ السَّاعِيَ لَا يَفْعَلُ التَّبْعِيضَ إلَّا عَلَى قَدْرِ الْمَصْلَحَةِ إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصِ وَهُوَ وُجُوبُ الْأَغْبَطِ لِلْمَسَاكِينِ (فَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ إنَّ الْخِيَارَ لِلْمَالِكِ فَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ
(قَوْلُهُ) لِمَا رَوَى سَالِمٌ فِي نُسْخَةِ كِتَابُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ " هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا فِي بَعْضِ طُرُقِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ السَّابِقِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَلَفْظُهُ فِي الْإِبِلِ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ أَيُّ السِّنَّيْنِ وُجِدَتْ أُخِذَتْ " وَسَالِمٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنهم وَرَوَى هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ أَبِيهِ وَلَكِنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ لَمْ يَذْكُرْ سَالِمٌ سَمَاعَهُ لَهَا مِنْ أَبِيهِ لكن قَرَأَهَا مِنْ كِتَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (قوله) اختار المصدق اتفعهما لِلْمَسَاكِينِ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمُصَدِّقَ بِتَخْفِيفِ الصَّادِ هُوَ السَّاعِي وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا وَأَمَّا لَفْظُ الْمَسَاكِينِ فَيَسْتَعْمِلُهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَنَظَائِرِهِ وَيُرِيدُونَ بِهِ أَصْحَابَ السُّهْمَانِ كُلَّهُمْ وَهُمْ الْأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الْمَسَاكِينَ الَّذِينَ هُمْ أَحَدُ الْأَصْنَافِ.
وَكَذَلِكَ يُطْلِقُونَ الْفُقَرَاءَ فِي مِثْلِ هَذَا وَيُرِيدُونَ بِهِ جَمِيعَ الْأَصْنَافِ وَذَلِكَ لِكَوْنِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أَشْهَرُ الْأَصْنَافِ وَأَهَمُّهُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{اول نصاب البقر ثلاثون وفرضه تبيع وهو الذى له سنة وفى اربعين مسنة وهي التي لها سنتان وعلى هذا ابدا في كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ.
والدليل عليه ما روى معاذ رضي الله عنه قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى اليمن وأمرني ان آخذ من كل اربعين بقرة بقرة ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة " وان كان فرضه التبيع فلم يجد لم يصعد إلى المسنة مع الجبران وان كان فرضه المسنة فلم يجد لم ينزل الي التبيع مع الجبران فان ذلك غير منصوص عليه والعدول الي غير المنصوص عليه في الزكاة لا يجوز}
*
{الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَآخَرُونَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ قَالَ وَرُوِيَ مُرْسَلًا وَهُوَ أَصَحُّ وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا إلَّا أَنَّ إسْنَادَ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ضَعِيفٌ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ
رضي الله عنه مَرْفُوعًا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَأَمَّا الْأَثَرُ الَّذِي يَرْوِيهِ معمر عن الزهري عن جابر ابن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ " فِي خَمْسٍ مِنْ الْبَقَرِ شَاةٌ وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَإِذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ " قَالَ الزُّهْرِيُّ وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " في كُلِّ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً تَبِيعٌ وَفِي كُلّ أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ " أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا لِأَهْلِ الْيَمَنِ ثُمَّ كَانَ هَذَا بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فَهَذَا حَدِيثٌ مَوْقُوفٌ مُنْقَطِعٌ.
وَالْبَقَرُ اسْمُ جِنْسٍ وَاحِدَتُهُ بَاقُورَةٌ وَبَقَرَةٌ وَتَقَعُ الْبَقَرَةُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ غَيْرُهُ وَهُوَ مشتق من بقرت الشئ إذَا شَقَقْتُهُ لِأَنَّهَا تَشُقُّ الْأَرْضَ بِالْحِرَاثَةِ وَسُمِّيَ التَّبِيعُ تَبِيعًا لِأَنَّهُ يَتْبَعُ أُمَّهُ وَقِيلَ لِأَنَّ قَرْنَيْهِ يَتْبَعَانِ أُذُنَيْهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَالْأُنْثَى تَبِيعَةٌ وَيُقَالُ لَهُمَا جَذَعٌ وَجَذَعَةٌ وَالْمُسِنَّةُ لِزِيَادَةِ سِنِّهَا وَيُقَالُ لَهَا ثَنِيَّةٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه والاصحاب: أول نصابب البقر ثلاثون وفيها تبيع ثم لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا مُسِنَّةٌ ثُمَّ لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ فَفِيهَا تَبِيعَانِ ثُمَّ يَسْتَقِرُّ الْحِسَابُ فَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بِعَشْرَةٍ عَشْرَةٍ فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ وَثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ وَتِسْعِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَمِائَةٍ تَبِيعَانِ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَعَشْرَةٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ وَمِائَةٍ وَعِشْرُونَ ثَلَاثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ وَحُكْمُهُ كَمَا سَبَقَ فِيمَا إذَا بَلَغَتْ الْإِبِلُ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَقَدْ سَبَقَ مُسْتَوْفًى وَفِي مِائَةٍ وَثَلَاثِينَ ثَلَاثَةُ أَتْبِعَةٍ وَمُسِنَّةٌ وَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعَانِ وَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ خَمْسَةُ أَتْبِعَةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا وَإِنْ اخْتَصَرْت قُلْتَ: أَوَّلُ نِصَابِ الْبَقَرِ ثَلَاثُونَ وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي كُلِّ أربعين مسنة: قال أَصْحَابُنَا: وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَةً أَوْ مسنة أو مسنا قيل مِنْهُ لِأَنَّهُ أَكْمَلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَلَوْ وَجَبَ مُسِنَّةٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَيْنِ قُبِلَ مِنْهُ وَإِنْ أَخْرَجَ مُسِنًّا لَمْ يُقْبَلْ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وَقَطَعُوا بِهِ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ وَقَالَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ ثُمَّ قَالَ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَبِيعَانِ عَنْ مسنة لان الشرع اوجب في اربعين سنا أَبَدًا فَلَا يَجُوزُ نُقْصَانُ السِّنِّ لِزِيَادَةِ الْعَدَدِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتَيْ مَخَاضٍ لَا يَجُوزُ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ التَّهْذِيبِ وَقَدْ حَكَى الرَّافِعِيُّ هَذَا الَّذِي اخْتَارَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ لِنَفْسِهِ وَجْهًا وَهُوَ غَلَطٌ مُخَالِفٌ لِلْمَذْهَبِ وَالدَّلِيلِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَا قَاسَ عَلَيْهِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ التَّبِيعَيْنِ يُجْزِيَانِ عَنْ
سِتِّينَ فَعَنْ أَرْبَعِينَ أَوْلَى بِخِلَافِ بِنْتَيْ مَخَاضٍ فَإِنَّهُمَا ليستافرضا نِصَابٍ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ التَّبِيعُ مَا اسْتَكْمَلَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي الثَّانِيَةِ وَالْمُسِنَّةُ مَا اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ: هَذَا هُوَ الصَّوَابُ
الْمَعْرُوفُ لِلشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ وَشَذَّ الْجُرْجَانِيُّ فَقَالَ فِي كتابه التحرير: التبيع ماله دون سنة وقيل ماله سنة والمسنة مالها سَنَةٌ وَقِيلَ سَنَتَانِ
* وَكَذَا قَوْلُ صَاحِبِ الْإِبَانَةِ التبيع ما اسكمل سَنَةً وَقِيلَ الَّذِي يَتْبَعُ أُمَّهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ دُونَ سَنَةٍ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى جَمَاعَةٌ أَنَّ التَّبِيعَ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَالْمُسِنَّةُ لَهَا سَنَةٌ وَهَذَا كُلُّهُ غَلَطٌ لَيْسَ مَعْدُودًا مِنْ الْمَذْهَبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا وَجَبَ تَبِيعٌ أَوْ مُسِنَّةٌ فَفَقَدَهُ لَمْ يَجُزْ الصُّعُودُ أَوْ النُّزُولُ مَعَ الْجُبْرَانِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي زَكَاةِ الابل والله سبحانه وتعالي اعلم
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
*
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ مَشْهُورٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ الْمَشْهُورُ هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ هُوَ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ سَأَلْت الْبُخَارِيَّ عَنْهُ فَقَالَ أرجوا أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرْوِيهِ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ، وَسُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ ثِقَةٌ.
وَقَدْ تَكَلَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَئِمَّةِ الحديث في رواية سفيان ابن حُسَيْنٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَذَكَرَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْجَامِعِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ رَوَاهُ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وغير
واحد عن اصحاب الزهري عن الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَلَمْ يَرْفَعُوهُ وَإِنَّمَا رَفَعَهُ سُفْيَانُ وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ الْحَافِظِ أَبِي أَحْمَدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: قَدْ وَافَقَ سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ سُلَيْمَانَ بْنِ كَثِيرٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَلَوْ احْتَجَّ الْمُصَنِّفُ بِحَدِيثِ أَنَسٍ الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ لَكَانَ أَحْسَنَ لِأَنَّ فِيهِ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ذَكَرَهَا الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ " فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ وَشَاةً فَفِيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ حَتَّى تَبْلُغَ ثَلَاثَمِائَةٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ فَلَيْسَ فِيهَا إلَّا ثَلَاثُ شِيَاهٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةِ شَاةٍ فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ " فَهَذِهِ الزيادة تردما حُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ فِي قَوْلِهِمَا إذَا زَادَتْ عَلَى ثَلَاثِمِائَةٍ وَاحِدَةٌ وَجَبَ اربع شياه الي اربعمائة فإذا زات وَاحِدَةٌ فَخَمْسُ شِيَاهٍ وَمَذْهَبُنَا
ومذهب العلماء كافة غيرهما أنه لا شئ فِيهَا بَعْدَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَيَجِبُ أَرْبَعُ شِيَاهٍ قَالَ أَصْحَابُنَا.
أَوَّلُ نِصَابِ الْغَنَمِ أَرْبَعُونَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِيهِ شَاةٌ بِالْإِجْمَاعِ أَيْضًا ثم لا شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ فَفِيهَا شَاتَانِ ثم لا شئ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَثَلَاثُ شِيَاهٍ ثُمَّ لا شئ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعَمِائَةٍ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ وَيَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ بَعْدَ هَذَا بِمِائَةٍ مِائَةٍ.
وَأَكْثَرُ وَقْصِ الْغَنَمِ مِائَتَانِ إلَّا شَاتَيْنِ وَهُوَ مَا بَيْنَ مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ: الشَّاةُ الْوَاجِبَةُ هُنَا جَذَعَةُ ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعَزٍ وَسَبَقَ بَيَانُ سِنِّهِمَا وَالِاخْتِلَافُ فِيهِ فِي زَكَاةِ الْإِبِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِحَاحًا لَمْ يُؤْخَذْ فِي فَرْضِهَا مَرِيضَةٌ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " وَلَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلَا ذَاتُ عَوَارٍ - وَرُوِيَ لاذات عَيْبٍ " وَإِنْ كَانَتْ مِرَاضًا أُخِذَتْ مَرِيضَةٌ وَلَا يَجِبُ إخْرَاجُ صَحِيحَةٍ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إضْرَارًا الرب الْمَالِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا صِحَاحًا وَبَعْضُهَا مِرَاضًا أُخِذَ عَنْهَا صَحِيحَةٌ بِبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ صَحِيحٍ وبعض قيمة فرض مريض لانالو أَخَذْنَا مَرِيضَةً لَتَيَمَّمْنَا الْخَبِيثَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تنفقون) وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كِبَارَ الْأَسْنَانِ كَالثَّنَايَا وَالْبَزْلِ
فِي الْإِبِلِ لَمْ يُؤْخَذْ غَيْرُ الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عليه لانالو أَخَذْنَا كِبَارَ الْأَسْنَانِ أَخَذْنَا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خذعة ثُمَّ نَأْخُذُهَا فِي إحْدَى وَسِتِّينَ فَيُؤَدِّيَ إلَى التسوية بين الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِغَارًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْغَنَمِ أُخِذَ مِنْهَا صَغِيرَةٌ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه " لو مَنَعُونِي عَنَاقًا مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهِ " وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا فِيهَا كَبِيرَةً أَضْرَرْنَا بِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فَفِيهِ وَجْهَانِ (قَالَ) أبو إسحق تُؤْخَذُ الْفَرَائِضُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهَا بِالْقِسْطِ فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْكِبَارِ ثُمَّ يُقَوَّمُ فَرْضُهُ ثُمَّ يُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الصِّغَارِ وَيُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ (وَمِنْ) أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إنْ كَانَ الْمَالُ مِمَّا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالسِّنِّ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْقَلِيلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَغَيَّرُ الْفَرْضُ فِيهِ بِالْعَدَدِ أُخِذَ صَغِيرَةٌ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْقَلِيلِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكَثِيرِ فَأَخْذُ الصَّغِيرِ مِنْ الصِّغَارِ كَالْغَنَمِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ هَذَا يُؤَدِّي إلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ سِتٍّ وَسَبْعِينَ فَصِيلَانِ ومن احدى وتسعين فصيلان وان كانت الماشية اناثا أو ذكور وَإِنَاثًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ لَمْ يُؤْخَذْ فِي فَرْضِهَا إلَّا الْإِنَاثُ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ فِيهَا بِالْإِنَاثِ عَلَى مَا مَضَى وَلِأَنَّ فِي أَخْذِ الذَّكَرِ مِنْ الْإِنَاثِ تَيَمُّمَ الخبيث وقد قال الله تعالى (ولا تيموا الخبيث منه تنفقون) وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْبَقَرِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ فِي فَرْضِ الْأَرْبَعِينَ لَمْ يَجُزْ إلَّا الْإِنَاثُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَإِنْ كَانَتْ فِي فَرْضِ الثَّلَاثِينَ جَازَ فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِحَدِيثِ مُعَاذٍ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَإِنْ
كَانَتْ كُلُّهَا ذُكُورًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مِنْ مِنْ الْغَنَمِ أُخِذَ وَاحِدٌ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ مِنْ الْأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَجُوزُ إلَّا الْأُنْثَى فَيُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الْإِنَاثِ وَالْفَرْضُ الَّذِي فِيهَا ثُمَّ يُقَوَّمُ النِّصَابُ مِنْ الذُّكُورِ وَيُؤْخَذُ أُنْثَى بِالْقِسْطِ حَتَّى لَا يُؤَدِّي إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْأُنْثَى لِأَنَّ الْفَرَائِضَ كُلَّهَا إنَاثٌ إلَّا فِي مَوْضِعِ الضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا فَوَجَبَتْ الْأُنْثَى وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجُوزُ فِيهِ الذُّكُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الزَّكَاةَ وُضِعَتْ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُوَاسَاةِ فَلَوْ أَوْجَبْنَا الْإِنَاثَ مِنْ الذُّكُورِ أَجْحَفْنَا بِرَبِّ الْمَالِ قَالَ أَبُو إسحق إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ
في خَمْسٍ وَعِشْرِينَ حَتَّى لَا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْفَرْضِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ صِنْفًا وَاحِدًا أُخِذَ الْفَرْضُ مِنْهُ وَإِنْ كانت أنواعا كالضان والمعز والجواميس والبقر والبخاتي والعراب فَفِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ يُؤْخَذُ الْفَرْضُ مِنْ الْغَالِبِ مِنْهُمَا وَإِنْ كَانُوا سَوَاءً أَخَذَ السَّاعِي أنفع النوعين للمساكين لا نالو أَلْزَمْنَاهُ الْفَرْض مِنْ كُلّ نَوْعٍ شَقَّ فَاعْتُبِرَ الْغَالِبُ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهُ يُؤْخَذ مِنْ كُلّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهَا أَنْوَاعٌ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَأُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ كَالثِّمَارِ فَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ عِشْرُونَ مِنْ الضَّأْن وَعِشْرُونَ مِنْ الْمَعْزِ قُوِّمَ النِّصَابُ مِنْ الضَّأْنِ فَيُقَالُ قيمته مثلا مائة ثم يُقَوَّمُ فَرْضَهُ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ عَشْرَةٌ وَيُقَوَّمُ نِصَابُ الْمَعْزِ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ خَمْسُونَ ثُمَّ يُقَوَّمُ فَرْضُهُ فَيُقَالُ قِيمَتُهُ خَمْسَةٌ فَيُقَالُ لَهُ اشْتَرِ شَاةً من أن النوعين شئت بسبعة ونصف وأخرج}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ وَهُوَ حَدِيثٌ طَوِيلٌ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْعَوَارَ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا - وَهُوَ الْعَيْبُ وَهَذَا الْفَصْلُ وَمَسَائِلُهُ لَيْسَ لِلْغَنَمِ خَاصَّةً بَلْ لِلْمَاشِيَةِ كُلِّهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يُفْرِدَهُ بِبَابٍ وَلَا يُدْخِلَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ وَمَعَ هَذَا فَذِكْرُهُ هُنَا لَهُ وَجْهٌ
* وَحَاصِلُ الْفَصْلِ بَيَانُ صِفَةِ الْمَخْرَجِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى
* إنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كَامِلَةً أَخْرَجَ الْوَاجِبَ مِنْهَا وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً فَأَسْبَابُ النَّقْصِ خَمْسَةٌ (أَحَدُهَا) الْمَرَضُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا مِرَاضًا أُخِذَتْ مِنْهَا مَرِيضَةٌ متوسطة لئلا يضرر الْمَالِكُ وَلَا الْمَسَاكِينُ وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا صَحِيحًا وبعضها مريضا فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ قَدْرَ الْوَاجِبِ فَأَكْثَرُ لَمْ تجز المريضة ان كَانَ الْوَاجِبُ حَيَوَانًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَنِصْفُ مَاشِيَتِهِ صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ كَبِنْتَيْ لَبُونٍ فِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ وَكَشَاتَيْنِ فِي مِائَتَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَجُمْهُورُ الْخُرَاسَانِيِّينَ يَجِبُ صَحِيحَتَانِ بِالْقِسْطِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى (وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ منه تنفقون)(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
هَذَا (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَهُ يُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَرِيضَةٌ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنْ مَاشِيَتِهِ دُونَ قَدْرِ الْوَاجِبِ كَشَاتَيْنِ
فِي مِائَتَيْنِ لَيْسَ فِيهَا إلَّا صَحِيحَةٌ وَاحِدَةٌ فَطَرِيقَانِ (الصَّحِيحُ) وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَجُمْهُورُ
الْخُرَاسَانِيِّينَ يُجْزِئُهُ مَرِيضَةٌ وَصَحِيحَةٌ بِالْقِسْطِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ يَجِبُ صَحِيحَتَانِ بِالْقِسْطِ وَلَا تُجْزِئُهُ صَحِيحَةٌ وَمَرِيضَةٌ لِأَنَّ الْمُخْرَجَتَيْنِ يُزَكِّيَانِ أَنْفُسَهُمَا وَالْمَالَ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ تُزَكِّي الْأُخْرَى فَيَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تُزَكِّيَ مَرِيضَةٌ صَحِيحَةً
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَإِذَا انْقَسَمَ الْمَالُ إلَى صِحَاحٍ وَمِرَاضٍ وَأَوْجَبْنَا صَحِيحَةً لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ نَفْسِ مَالِهِ وَلَا يُكَلَّفُ صَحِيحَةً كَامِلَةً مُسَاوِيَةً لِصَحِيحَةِ مَالِهِ فِي الْقِيمَةِ بَلْ يجب صحيحة لَائِقَةً بِمَالِهِ (مِثَالُهُ) أَرْبَعُونَ شَاةً نِصْفُهَا صِحَاحٌ ونصفها مراض قيمة كل صحيحة منها دنياران وَقِيمَةُ كُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارٌ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ مَرِيضَةٍ وَذَلِكَ دِينَارٌ وَنِصْفُ
* وَلَوْ كَانَتْ الصِّحَاحُ فِي الْمِثَالِ الْمَذْكُورِ ثَلَاثِينَ فَعَلَيْهِ صَحِيحَةٌ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَرُبُعِ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ وَهُوَ دِينَارٌ وَرُبُعُ عُشْرِ دِينَارٍ وَالْمَجْمُوعُ رُبُعُ عُشْرِ الْمَالِ وَمَتَى قُوِّمَ جُمْلَةُ النِّصَابِ وَكَانَتْ الصَّحِيحَةُ الْمُخْرَجَةُ رُبُعَ عُشْرِ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ كَفَاهُ فَلَوْ مَلَكَ مِائَةً وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شاة فلتكن قيمة الشاتين المأخوذتين جزئين مِنْ مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ: وَإِنْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ فَلْتَكُنْ قِيمَةُ بِنْتِ الْمَخَاضِ الْمَأْخُوذَةِ جُزْءًا مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الْجُمْلَةِ وَقِسْ عَلَى هَذَا سَائِرَ النُّصُبِ وَوَاجِبَاتِهَا فَلَوْ مَلَكَ ثَلَاثِينَ مِنْ الْإِبِلِ نِصْفُهَا صِحَاحٌ وَنِصْفُهَا مِرَاضٌ وَقِيمَةُ كُلِّ صَحِيحَةٍ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ وَكُلِّ مَرِيضَةٍ دِينَارَانِ وَجَبَ صَحِيحَةٌ بِنِصْفِ قِيمَةِ صَحِيحَةٍ وَنِصْفِ قِيمَةِ مَرِيضَةٍ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَنَانِيرَ ذَكَرَهُ الْبَغَوِيّ وغيره
* قال الرافعي ولك ان تقول هلاكان مَبْنِيًّا عَلَى أَنَّ الْوَقْصَ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْفَرْضُ أَمْ لَا وَإِنْ عَلَّقْنَاهُ بِهِ فَالْحُكْمُ كَمَا ذكروه وإلا فليقسط الْوَاجِبُ عَلَى الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ (قُلْتُ) وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ ضَعِيفٌ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِنْتُ مَخَاضٍ مُوَزَّعَةً بِالْقِيمَةِ نِصْفَيْنِ فَلَا اعْتِبَارَ بِالْوَقْصِ وَلَوْ مَلَكَ مِائَتَيْ بَعِيرٍ فِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ صِحَاحٌ وَبَاقِيهَا مِرَاضٌ لَزِمَهُ أَرْبَعُ حِقَاقٍ صِحَاحٌ قِيمَتُهُنَّ خُمُسُ عُشْرِ قِيمَةِ الْجَمِيعِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا صَحِيحٌ إلَّا ثَلَاثَ حِقَاقٍ أَوْ ثِنْتَانِ أَوْ وَاحِدَةٌ أُخِذَ صَحِيحٌ بِقَدْرِ الصِّحَاحِ بِالْقِسْطِ وَأُخِذَ الْبَاقِي مِرَاضًا وَفِيهِ الْوَجْهُ الضَّعِيفُ السَّابِقُ عَنْ الْبَغَوِيِّ والوجه السابق عن ابى محمد
* (النقص الثَّانِي) الْعَيْبُ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَرَضِ سَوَاءٌ تَمَحَّضَتْ الْمَاشِيَةُ مَعِيبَةً أَوْ انْقَسَمَتْ مَعِيبَةً وَصَحِيحَةً وَالْمُرَادُ بِالْعَيْبِ هُنَا مَا يُثْبِتُ الرَّدَّ فِي
الْبَيْعِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ وَفِيهِ وَجْهٌ أَنَّهُ هَذَا مَعَ مَا يَمْنَعُ الْإِجْزَاءَ فِي الْأُضْحِيَّةِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ.
وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا مَعِيبَةً وَفِيهَا بِنْتَا مَخَاضٍ إحْدَاهُمَا مِنْ أَجْوَدِ الْمَالِ مَعَ عَيْبِهَا وَالْأُخْرَى دُونَهَا فَهَلْ يَأْخُذُ الاجود كما يأخذ الاغبط في بَنَاتِ اللَّبُونِ وَالْحِقَاقِ أَمْ الْوَسَطَ
فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا (1) وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ (الصَّحِيحُ) الْوَسَطُ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ: وَيَأْخُذْ خَيْرَ الْمَعِيبِ قَالَ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ: لَيْسَ هَذَا عَلَى ظَاهِرِهِ بَلْ هُوَ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنْ يَأْخُذَ مِنْ وَسَطِهِ لَا أَعْلَاهُ وَلَا أَدْنَاهُ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَأَنَّ ظَاهِرَ النَّصِّ غَيْرُ مُرَادٍ وَكَذَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي: لَا يَخْتَلِفُ أَصْحَابُنَا فِي أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ إلَّا الْوَسَطُ وَلَكِنْ فِيمَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْوَسَطُ وَجْهَانِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ الْعَيْبُ فَلَا يُؤْخَذُ أَقَلُّهَا عَيْبًا وَلَا أَكْثَرُهَا عَيْبًا ولكن يؤخذ الوسط في العيب
(والثانى)
تعتبر القيمة فلا يؤخذ أقلها قيمة وَلَا أَكْثَرُهَا قِيمَةً بَلْ أَوْسَطُهَا.
وَحَمَلَ الْأَصْحَابُ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ فَرِيضَةَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ إذَا كَانَتْ مَعِيبَةً فَيُؤْخَذُ الْجِنْسُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْحِقَاقِ أَوْ بَنَاتِ اللَّبُونِ وَلَكِنْ مِنْ أَوْسَطِهَا عَيْبًا.
هَذَا كَلَامُ السَّرَخْسِيِّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِ الشَّافِعِيِّ فَمِنْهُمْ مَنْ أَجْرَى كَلَامَهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَوْجَبَ أَخْذَ خَيْرِ الْمَعِيبِ مِنْ جميع ماله قال وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّهُ لَا يَطَّرِدُ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ أَرَادَ بِذَلِكَ أَخْذَ خَيْرِ الْفَرْضَيْنِ مِنْ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ وَلَمْ يُرِدْ خَيْرَ جَمِيعِ الْمَالِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ وَقِيلَ أَرَادَ بِخَيْرِ الْمَعِيبِ أَوْسَطَهُ وَعَلَى هَذَا فِي اعْتِبَارِ الْأَوْسَطِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَوْسَطُهَا عَيْبًا (مِثَالُهُ) أَنْ يَكُونَ بِبَعْضِهَا عَيْبٌ وَاحِدٌ وَبِبَعْضِهَا عَيْبَانِ وَبِبَعْضِهَا ثَلَاثَةُ عُيُوبٍ فَيَأْخُذَ مَا بِهِ عَيْبَانِ
(وَالثَّانِي)
أَوْسَطُهَا فِي الْقِيمَةِ (مِثَالُهُ) أَنْ يَكُونَ قِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا خَمْسِينَ وَقِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا مِائَةً وَقِيمَةُ بَعْضِهَا مَعِيبًا مِائَةً وَخَمْسِينَ فيأخذ منها ما قيمة مِائَةٌ قَالَ فَحَصَلَ لِلْأَصْحَابِ فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) مَا قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ يأخذ خير الفرضين لاغير وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ فَقَالَ يَأْخُذُ خَيْرَ الْمَعِيبِ مِنْ السِّنِّ الَّتِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ أَشَدُّهَا غِلَظًا يَأْخُذُ خَيْرَ الْمَالِ كُلِّهِ
(وَالثَّالِثُ) يَأْخُذُ أَوْسَطَهَا عَيْبًا (وَالرَّابِعُ) أَوْسَطَهَا قِيمَةً هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَفِيهِ إثْبَاتُ خِلَافٍ بِخِلَافِ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (النَّقْصُ الثَّالِثُ) الذُّكُورَةُ فَإِذَا تَمَحَّضَتْ الْإِبِلُ إنَاثًا أَوْ انْقَسَمَتْ ذكورا واناثا لم يجز عنها الذَّكَرُ إلَّا فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُ فِيهَا ابْنُ لَبُونٍ عِنْدَ فَقْدِ بِنْتِ مَخَاضٍ وهذا الذى ذكرنا من تعيين (2) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ جَوَازُهُ وهو قول أبي اسحق وَأَبِي الطِّيبِ بْنِ سَلَمَةَ كَالْمَرِيضَةِ مِنْ الْمِرَاضِ وعلي هذا يؤخذ في سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابن لبون يؤخذ من خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (وَالثَّانِي) الْمَنْعُ هَكَذَا صَحَّحَهُ الْجُمْهُورُ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ وعن ابى على ابن خَيْرَانَ رحمه الله فَعَلَى هَذَا تَتَعَيَّنُ الْأُنْثَى ولكن لا يؤخذ شئ كان يؤخذ لو تمحضت
(1)(2) الانثى بالاصل فليحرر
إنَاثًا بَلْ تُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ لَوْ كَانَتْ إنَاثًا وَتُقَوَّمُ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْهَا وَيُعْرَفُ نِسْبَتُهَا مِنْ الْجُمْلَةِ وَتُقَوَّمُ مَاشِيَتُهُ الذُّكُورُ وَيُؤْخَذُ أُنْثَى قِيمَتُهَا مَا تَقْتَضِيهِ النِّسْبَةُ وَكَذَلِكَ الْأُنْثَى الْمَأْخُوذَةُ مِنْ الاثات وَالذُّكُورِ تَكُونُ دُونَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الْإِنَاثِ وَفَوْقَ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ مَحْضِ الذُّكُورِ بِطَرِيقِ التَّقْسِيطِ السَّابِقِ فِي الْمِرَاضِ وَحَكَى صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ وَجْهًا أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَى هذا الوجه ان تكون قيمتهما سَوَاءً وَهُوَ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ) إنْ أَدَّى أَخْذُ الذَّكَرِ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ نِصَابَيْنِ لَمْ يُؤْخَذْ وَإِلَّا أُخِذَ (مِثَالُهُ) يُؤْخَذُ ابْنُ مَخَاضٍ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَحِقٌّ مِنْ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَجَذَعٌ مِنْ إحْدَى وَسِتِّينَ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ الذَّكَرُ إذَا زَادَتْ الْإِبِلُ وَاخْتَلَفَ الْفَرْضُ بِزِيَادَةِ الْعَدَدِ وَلَا يُؤْخَذُ ابْنُ لَبُونٍ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ (وَأَمَّا) الْبَقَرُ فَالتَّبِيعُ مَأْخُوذٌ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِ وُجُوبِهِ وَهُوَ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ وَحَيْثُ وَجَبَتْ الْمُسِنَّةُ تَعَيَّنَتْ إنْ تَمَحَّضَتْ إنَاثًا أَوْ انْقَسَمَتْ كَمَا سَبَقَ فِي الْإِبِلِ وَإِنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَفِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْإِبِلِ (الْأَصَحُّ) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ جَوَازُ الذَّكَرِ.
وَلَوْ كَانَتْ الْبَقَرُ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ فَأَخْرَجَ مِنْهَا تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَسَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ فِيهِ خِلَافٌ ضَعِيفٌ (وَأَمَّا) الْغَنَمُ فَإِنْ تمحضت اناثا أو انقسمت ذكورا واناثا تعينت الانثى بلا خلاف
وان تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا فَطَرِيقَانِ (الْمَذْهَبُ) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجَمَاهِيرُ يُجْزِئُ الذَّكَرُ لِأَنَّ وَاجِبَهَا شَاةٌ وَالشَّاةُ تَقَعُ عَلَى الْأُنْثَى وَالذَّكَرِ بِخِلَافِ الْإِبِلِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْبَقَرِ فَإِنَّهُ مَنْصُوصٌ فِيهِمَا عَلَى أُنْثَى (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) فِيهِ الْوَجْهَانِ الْأَوَّلَانِ فِي الْإِبِلِ حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْكِتَابِ إنْ تَمَحَّضَتْ ذُكُورًا وَكَانَتْ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ فِي أَرْبَعِينَ من البقر ففيه وجهان (قال) أبو إسحق لَا يَجُوزُ إلَّا الْأُنْثَى (وَقَالَ) أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ: يَجُوزُ فِيهِ الذَّكَرُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ في الام.
قال أبو اسحق: إلَّا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ ابْنُ لَبُونٍ أَكْثَرُ قِيمَةً مِنْ ابْنِ لَبُونٍ يُؤْخَذُ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ.
فَهَذَا الَّذِي فَرَّعَهُ أَبُو اسحق فِي ابْنِ لَبُونٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَيْسَ أَبُو اسحق مُنْفَرِدًا بِهِ بَلْ اتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَيْهِ تَفْرِيعًا عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقَدْ تُسْتَشْكَلُ حِكَايَةُ الْمُصَنِّفِ عَنْ ابي اسحق هذا التفريع لان ابا اسحق يقول لا يجزئ الذَّكَرُ فَكَيْفَ يُفَرِّعُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ خَيْرَانَ (وَجَوَابُ) هَذَا الْإِشْكَالِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ خَيْرَانَ هُوَ الْمَنْصُوصُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ والاصحاب فذكر أبو اسحق تَفْرِيعًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَقْوِيمِ ابْنِ لَبُونٍ وَاخْتَارَ وَجْهًا آخَرَ مُخَالِفًا لِلنَّصِّ خَرَّجَهُ وَهُوَ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ الْأُنْثَى وَلَا مُعَارَضَةَ بَيْنَ كلاميه ومثل هذا موجود لابي اسحق فِي مَوَاضِعَ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ مَا يُفْسِدُ الْمَاءَ مِنْ النَّجَاسَاتِ لِهَذَا نَظِيرٌ وَنَبَّهْتُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الشَّرْحِ هَذَا هُوَ الْجَوَابُ الْمُعْتَمَدُ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ هَذَا السُّؤَالَ ثُمَّ قَالَ الْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ سَائِرَ أَصْحَابِنَا ذَكَرُوا هَذَا التَّفْرِيعَ لِابْنِ خَيْرَانَ وَلَعَلَّ ذَلِكَ وَقَعَ فِي الْمُهَذَّبِ مِنْ
زَلَلِ النَّاسِخِ وَهَذَا جَوَابٌ فَاسِدٌ وَالصَّوَابُ مَا سَبَقَ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ فقد اتفق أبو إسحق وَابْنُ خَيْرَانَ عَلَى التَّفْرِيعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي التَّخْرِيجِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (النَّقْصُ الرَّابِعُ) الصِّغَرُ وَلِلْمَاشِيَةِ فيه ثلاثة أحوال
(أحدهما)
أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا أَوْ قَدْرُ الْفَرْضِ مِنْهَا فِي سِنِّ الْفَرْضِ فَيَجِبُ سِنُّ الْفَرْضِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَا يُكَلَّفُ فَوْقَهُ وَلَا يُقْنَعُ بِدُونِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهَا كِبَارًا أَوْ صغارا وهذا لا خلاف فيه (الثاني) أَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فَوْقَ سِنِّ الْفَرْضِ فَلَا يُكَلَّفُ الْإِخْرَاجَ مِنْهَا بَلْ يُحَصِّلُ السِّنَّ الْوَاجِبَةَ ويخرجها وله الصعود والنزول منع الْجُبْرَانِ فِي الْإِبِلِ كَمَا سَبَقَ (الثَّالِثُ) أَنْ يكون الجميع دون
سن الفرض وقد يسنبعد تَصَوُّرُ هَذَا لِأَنَّ أَحَدَ شُرُوطِ الزَّكَاةِ الْحَوْلُ وَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ بَلَغَتْ الْمَاشِيَةُ حَدَّ الْإِجْزَاءِ وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ لَهُ صُوَرًا (مِنْهَا) أَنْ تحدث الْمَاشِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فِصْلَانٌ أَوْ عُجُولٌ أَوْ سِخَالٌ ثُمَّ تَمُوتُ الْأُمَّهَاتُ وَيَتِمُّ حَوْلُهَا وَالنِّتَاجُ صِغَارٌ بَعْدُ وَهَذَا تَفْرِيعٌ عَلَى الْمَذْهَبِ أَنَّ حَوْلَ النِّتَاجِ يَنْبَنِي عَلَى حَوْلِ الْأُمَّهَاتِ (وَأَمَّا) عَلَى قَوْلِ الْأَنْمَاطِيِّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِمَوْتِ الْأُمَّهَاتِ بَلْ بِنُقْصَانِهَا عَنْ النِّصَابِ فَلَا تجئ هَذِهِ الصُّورَةُ بِهَذَا الطَّرِيقِ (وَمِنْهَا) أَنْ يَمْلِكَ نِصَابًا مِنْ صِغَارِ الْمَعَزِ وَيَمْضِيَ عَلَيْهِ حَوْلٌ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ وَلَمْ تَبْلُغْ سِنَّ الْإِجْزَاءِ لِأَنَّ وَاجِبَهَا ثَنِيَّةٌ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا الَّتِي اسْتَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنْ كانت الماشية غنما ففيما يؤخذ من الصغار المتمحضة طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ وَطَائِفَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَقَالَ هَذَا لِلصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ احد بل وافقوه فحصلت منه دلا لتان (إحْدَاهُمَا) رِوَايَتُهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْذَ الْعَنَاقِ (وَالثَّانِيَةُ) إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّا لَوْ أَوْجَبْنَا كَبِيرَةً أَجْحَفْنَا بِهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ وَحَكَاهُمَا الْفُورَانِيُّ والسرخسى والبغوى وغيرهم قولين (القديم) لا يوخذ إلَّا كَبِيرَةٌ لَكِنْ دُونَ الْكَبِيرَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْكِبَارِ فِي الْقِيمَةِ قَالُوا وَكَذَا إذَا انْقَسَمَ المال إلى صغار وكبار فتؤخد كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ قَالَ الْمَسْعُودِيُّ فِي كِتَابِهِ الْإِيضَاحِ وَالرَّافِعِيُّ فَإِنْ تَعَذَّرَتْ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ أُخِذَتْ الْقِيمَةُ لِلضَّرُورَةِ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا تَتَعَيَّنُ الْكَبِيرَةُ بَلْ تُجْزِئُهُ الصَّغِيرَةُ كَالْمَرِيضَةِ مِنْ الْمِرَاضِ وَإِنْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ إبِلًا أَوْ بَقَرًا فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا اثْنَيْنِ وَحَذَفَ ثَالِثَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمِمَّنْ ذَكَرَهَا مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ وَخَلَائِقُ مِنْهُمْ (وَأَمَّا) الْخُرَاسَانِيُّونَ فَالْأَوْجُهُ فِي كُتُبِهِمْ أَشْهَرُ مِنْهَا فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ يَجُوزُ أَخْذُ الصِّغَارِ مُطْلَقًا كَالْغَنَمِ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ وَلَكِنْ يَجْتَهِدُ السَّاعِي وَيَحْتَرِزُ عَنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَيَأْخُذُ مِنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْفَصِيلِ الْمَأْخُوذِ فِي خَمْسٍ
وَعِشْرِينَ وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ فَصِيلًا فَوْقَ الْمَأْخُوذِ فِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا تُجْزِئُ الصَّغِيرَةُ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ لَكِنْ تُؤْخَذُ كَبِيرَةٌ بِالْقِسْطِ كَمَا سَبَقَ فِي نَظَائِرِهِ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَشَيْخِهِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالشَّاشِيِّ وَهُوَ قول ابن سريج وأبى اسحق المروزى (والثالث) لَا يُؤْخَذُ فَصِيلٌ مِنْ إحْدَى وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا وَيُؤْخَذُ مِمَّا فَوْقَهَا وَكَذَا مِنْ الْبَقَرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ هَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ لِشَيْئَيْنِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ التَّسْوِيَةَ الَّتِي تَلْزَمُ فِي إحْدَى وَسِتِّينَ فَمَا دُونَهَا تَلْزَمُ فِي إحْدَى وَتِسْعِينَ فان الواجب في ست وسبعين بنتالبون وَفِي إحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ فَإِذَا أَخَذْنَا فَصِيلَيْنِ فِي هَذَا وَفِي ذَلِكَ سَوَّيْنَا فَإِنْ أَوْجَبَ الِاحْتِرَازَ عَنْ التَّسْوِيَةِ فَلْيَحْتَرِزْ عَنْ هَذِهِ الصُّورَةِ (الثاني) أَنَّ هَذِهِ التَّسْوِيَةَ تَلْزَمُ فِي الْبَقَرِ فِي ثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ وَقَدْ عَبَّرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ بِعِبَارَةٍ تَدْفَعُ هَذَيْنِ الشَّيْئَيْنِ فَقَالُوا تُؤْخَذُ الصَّغِيرَةُ حَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى التَّسْوِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّ الْمَنْعَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ بِسِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَمَا فَوْقَهَا وَجَوَّزَ فَصِيلًا عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ إذْ لا تسوية في تجويز وَحْدَهُ (النَّقْصُ الْخَامِسُ) رَدَاءَةُ النَّوْعِ قَالَ الْمُصَنِّفُ والاصحاب ان اتحدث نَوْعُ الْمَاشِيَةِ وَصِفَتُهَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَيُّهَا شَاءَ إذْ لَا تَفَاوُتَ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ صِفَتُهَا مَعَ أَنَّهَا نَوْعٌ وَاحِدٌ وَلَا عَيْبَ فِيهَا وَلَا صِغَرَ وَلَا غَيْرَهُمَا مِنْ أَسْبَابِ النَّقْصِ السَّابِقَةِ فَوَجْهَانِ حَكَاهُمَا صَاحِبُ الْبَيَانِ
(أَحَدُهُمَا)
قَالَ وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا يَخْتَارُ السَّاعِي خَيْرَهُمَا كَمَا سَبَقَ فِي الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ
(وَالثَّانِي)
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ يَأْخُذُ مِنْ وَسَطِ ذَلِكَ لِئَلَّا يُجْحِفَ بِرَبِّ الْمَالِ وَإِنْ كَانَتْ الْإِبِلُ كُلُّهَا أَرْحَبِيَّةٌ - بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَوْ مَهْرِيَّةٌ أَوْ كَانَتْ كُلُّهَا ضأنا أو معزا أخذ الفرض منها.
وذكرى الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَخْذُ ثَنِيَّةٍ مِنْ الْمَعَزِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ عَنْ أَرْبَعِينَ ضَأْنًا أَوْ جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ عَنْ أَرْبَعِينَ مَعَزًا (أَصَحُّهَا) الْجَوَازُ لِاتِّفَاقِ الْجِنْسِ كالمهرية مع الارحبية
(والثانى)
المنع كالبقر عَنْ الْغَنَمِ (الثَّالِثُ) لَا يَجُوزُ الْمَعْزُ عَنْ الضأن ويجوز العكس كما يؤخذ في الْإِبِلِ الْمَهْرِيَّةِ عَنْ الْمُجَيْدِيَّةِ وَلَا عَكْس فَإِنَّ الْمَهْرِيَّةَ خَيْرٌ مِنْ الْمُجَيْدِيَّةِ.
وَكَلَامُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ قريب من هذا الثالث فانه قَالَ لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ مِنْ الضَّأْنِ الْوَسَطِ فَأَخْرَجَ ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ الشَّرِيفَةِ تُسَاوِي جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ الَّتِي يَمْلِكُهَا فَهَذَا
مُحْتَمَلٌ وَالظَّاهِرُ إجْزَاؤُهَا وَلَيْسَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَعِيبَةً قِيمَتُهَا قِيمَةُ سَلِيمَةٍ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ وَالْفَرْقُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي مَالِهِ سَلِيمَةً وَغَالِبُهُ مَعِيبٌ لَمْ يُجْزِئْهُ مَعِيبَةٌ وَلَوْ كَانَ ضَأْنًا وَمَعْزًا أخذنا ما عزة كَمَا تَقَرَّرَ (وَأَمَّا) إذَا كَانَتْ الْمَاشِيَةُ نَوْعَيْنِ أَوْ أَنْوَاعًا بِأَنْ انْقَسَمَتْ الْإِبِلُ إلَى بَخَاتِيٍّ وعراب وإلى اوحبية وَمَهْرِيَّةٍ وَمُجَيْدِيَّةٍ أَوْ انْقَسَمَتْ الْبَقَرُ إلَى جَوَامِيسَ وَعِرَابٍ أَوْ جَوَامِيسَ وَعِرَابٍ وَدِرْبَانِيَةٍ أَوْ انْقَسَمَتْ الْغَنَمُ إلَى ضَأْنٍ وَمَعْزٍ فَيَضُمُّ بَعْضُهَا إلَى بعض في اكمال النصاب بلا خلاف لا تحاد الْجِنْسِ وَفِي كَيْفِيَّةِ أَخْذِ الزَّكَاةِ
مِنْهَا قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُؤْخَذُ مِنْ الْأَغْلَبِ فَإِنْ اسْتَوَيَا كَاجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ فَيُؤْخَذُ الْأَغْبَطُ لِلْمَسَاكِينِ عَلَى الْمَذْهَبِ صَرَّحَ بِهِ الْأَصْحَابُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ ولكن المراد النظر إلي لانواع بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ فَإِذَا اُعْتُبِرَتْ الْقِيمَةُ وَالتَّقْسِيطُ فَمِنْ أَيِّ نَوْعٍ كَانَ الْمَأْخُوذُ جَازَ هَكَذَا قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ وَقَالَ صَاحِبُ الشَّامِلِ يَنْبَغِي أَنْ يكون المأخوذ من اعلا الْأَنْوَاعِ كَمَا لَوْ انْقَسَمَتْ إلَى صِحَاحٍ وَمِرَاضٍ قَالَ الرَّافِعِيُّ: يُجَابُ عَمَّا قَالَ بِأَنَّهُ وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْمَرِيضَةِ وَالْمَعِيبَةِ فَلَمْ نَأْخُذْهَا مَتَى وَجَدْنَا صَحِيحَةً بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
وَحَكَى صَاحِبُ الشَّامِلِ وَآخَرُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلًا ثَالِثًا نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الام أنه إذا اختلفت الْأَنْوَاعُ أَخَذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الثِّمَارِ.
قالوا وهذا القول لا يجئ فِيمَا إذَا كَانَا نَوْعَيْنِ فَقَطْ وَلَا فِي ثَلَاثَةٍ مُتَسَاوِيَةٍ.
وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ الْأَجْوَدِ مُطْلَقًا تَخْرِيجًا مِنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ فِي اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّ مَوْضِعَ الْقَوْلَيْنِ إذَا لَمْ يُحْتَمَلْ أَخْذُ وَاجِبِ كُلِّ نَوْعٍ لَوْ كَانَ وَحْدَهُ مِنْهُ فَإِنْ اُحْتُمِلَ أُخِذَ كَذَلِكَ قَوْلًا وَاحِدًا بِأَنْ مَلَكَ مِائَةَ أَرْحَبِيَّةٍ وَمِائَةَ مَهْرِيَّةٍ فَيُؤْخَذُ حِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ وَحِقَّتَانِ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا الَّذِي حُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ شَاذٌّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ طَرْدُ الْقَوْلَيْنِ مُطْلَقًا وَنُوَضِّحُ الْقَوْلَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
لَهُ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ عَشْرٌ مَهْرِيَّةٌ وَعَشْرٌ أَرْحَبِيَّةٌ وَخَمْسٌ مُجَيْدِيَّةٌ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ تُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ مَهْرِيَّةٌ أَوْ أَرْحَبِيَّةٌ بِقِيمَةِ نِصْفِ أَرْحَبِيَّةٍ وَنِصْفِ مُهْرِيَّةٍ لِأَنَّ هَذَيْنِ النَّوْعَيْنِ أَغْلَبُ.
وَعَلَى الثَّانِي يُؤْخَذُ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ أَعْطَى بِقِيمَةِ خُمُسَيْ مَهْرِيَّةٍ وَخُمُسَيْ
أَرْحَبِيَّةٍ وَخُمُسِ مُجَيْدِيَّةٍ وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنْتِ مَخَاضٍ مَهْرِيَّةٍ عَشَرَةً وَأَرْحَبِيَّةٍ خَمْسَةً وَمُجَيْدِيَّةٍ دِينَارَيْنِ وَنِصْفًا أُخِذَ بِنْتُ مَخَاضٍ مِنْ أَيِّ الْأَنْوَاعِ كَانَ قيمتها ستة ونصف ولا يجئ هنا قول الوسيط ويجئ وَجْهُ ابْنِ كَجٍّ (الْمِثَالُ الثَّانِي) لَهُ ثَلَاثُونَ مِنْ الْمَعْزِ وَعَشْرٌ مِنْ الضَّأْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ يَأْخُذُ ثَنِيَّةً مِنْ الْمَعْزِ كَمَا لَوْ كَانَتْ كُلُّهَا مَعْزًا وَلَوْ كَانَتْ الثَّلَاثُونَ ضَأْنًا أَخَذْنَا جَذَعَةَ ضَأْنٍ وَعَلَى الثَّانِي يُؤْخَذُ ضَائِنَةٌ أَوْ عَنْزٌ بِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ عَنْزٍ وَرُبُعِ ضَائِنَةٍ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى.
وَبِقِيمَةِ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ ضائنة وربع عنز في الصورة الثانية ولا يجئ قَوْلُ اعْتِبَارِ الْوَسَطِ وَعَلَى وَجْهِ اعْتِبَارِ الْأَشْرَفِ يَجِبُ أَشْرَفُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي أَلْفَاظِ الْكِتَابِ (أَمَّا) حَدِيثُ لَا يُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ (فَصَحِيحٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ سَبَقَ بَيَانُهُ (قوله) بِبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ صَحِيحٍ وَبَعْضِ قِيمَةِ فَرْضِ مَرِيضٌ (هُوَ) بِتَنْوِينِ فَرْضٍ (قَوْلُهُ) كَالثَّنَايَا وَالْبُزْلِ هُوَ - بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِ الزَّايِ - جَمْعُ بَازِلٍ سَبَقَ بَيَانُهُ بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (قَوْلُهُ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه " لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ كذا في الاصل ولعله الوسط
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَكَذَا وَأَصْلُ الْحَدِيثِ فِي الصَّحِيحَيْنِ لَكِنْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ عِقَالًا.
وَالْعَنَاقُ - بِفَتْحِ العين - الانثى الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ إذَا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَسْتَكْمِلْ سَنَةً وَجَمْعُهَا أَعْنُقٍ وَعُنُوقٍ (قَوْلُهُ) كَالضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (أَمَّا) الضَّأْنُ فَمَهْمُوزٌ وَيَجُوزُ تَخْفِيفُهُ بِالْإِسْكَانِ كَنَظَائِرِهِ وَهُوَ جَمْعٌ وَاحِدَةُ ضَائِنٍ بِهَمْزَةٍ قَبْلَ النُّونِ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا ضَأَنٌ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - كَحَارِسٍ وَحَرَسٍ وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى ضَئِينٍ وَهُوَ فَعِيلٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ كَغَازِي وَغَزِيِّ وَالْأُنْثَى ضَائِنَةٌ بِهَمْزَةٍ بَعْدَ الْأَلْفِ ثُمَّ نُونٍ وَجَمْعُهَا ضَوَائِنُ وَالْمَعْزُ - بِفَتْحِ الْعَيْنِ واسكانها - وهو اسم جنس الواحد منه ما عز والانثي ما عزة وَالْمَعْزَى وَالْمَعِيزُ - بِفَتْحِ الْمِيمِ - وَالْأُمْعُوزُ - بِضَمِّ الْهَمْزَةِ - بِمَعْنَى الْمَعْزِ وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي أول بابيهما.
والجاموس معروف قال الجوالقي: هُوَ عَجَمِيٌّ مُعَرَّبٌ وَالْبَخَاتِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وكذا ما أشبه مِنْ الْجُمُوعِ الَّتِي وَاحِدُهَا مُشَدَّدٌ يَجُوزُ فِي الجمع التشديد والتخفيف كالدرارى وَالسَّرَارِي وَالْعَوَارِيّ وَالْأَثَافِي وَأَشْبَاهِهَا (وَأَمَّا) قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَالْجَوَامِيسُ وَالْبَقَرُ فَكَذَا قَالَهُ
فِي الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ الرِّبَا وَكَذَا فِي التَّنْبِيهِ وَهُوَ مِمَّا يُنْكَرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَاصِلَهُ أَنَّهُ جَعَلَ الْبَقَرَ نَوْعًا لِلْبَقَرِ وَالْجَوَامِيسِ وَهَذَا غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ وَلَا مُنْتَظِمٍ وَالصَّوَابُ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْبَقَرَ جِنْسٌ وَنَوْعَاهُ الْجَوَامِيسُ وَالْعِرَابُ وَهِيَ الْمُلْسُ الْمَعْرُوفَةُ الْجَرْدُ الْحِسَانُ الْأَلْوَانِ كَذَا قَالَهُ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَذَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللغة والله أعلم
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا يؤخذ في الفرض الربي وهى الَّتِي وَلَدَتْ وَمَعَهَا وَلَدُهَا وَلَا الْمَاخِضَ وَهِيَ الْحَامِلُ وَلَا مَا طَرَقَهَا الْفَحْلُ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ لَا يَكَادُ يَطْرُقُهَا الْفَحْلُ إلَّا وَهِيَ تَحْبَلُ ولا الا كولة وَهِيَ السَّمِينَةُ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْأَكْلِ وَلَا فَحْلُ الْغَنَمِ الَّذِي أُعِدَّ لِلضِّرَابِ وَلَا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَهِيَ خِيَارُهَا الَّتِي تُحْرِزُهَا الْعَيْنُ لِحُسْنِهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " بَعَثَ مُعَاذًا إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ إيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ " وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أنه قَالَ لِعَامِلِهِ سُفْيَانَ " قُلْ لِقَوْمِك إنَّا نَدَعُ لَكُمْ الرُّبَّى وَالْمَاخِضَ وَذَاتَ اللَّحْمِ وَفَحْلَ الْغَنَمِ وَنَأْخُذُ الْجَذَعَ وَالثَّنِيَّ وَذَلِكَ وَسَطٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ فِي الْمَالِ " وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الرِّفْقِ فَلَوْ أَخَذْنَا خِيَارَ الْمَالِ خَرَجْنَا عَنْ حَدِّ الرِّفْقِ فَإِنْ رَضِيَ رَبُّ الْمَالِ بِإِخْرَاجِ ذَلِكَ قُبِلَ مِنْهُ لِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ " بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُصَدِّقًا فَمَرَرْت بِرَجُلٍ فَلَمَّا جَمَعَ لِي مَالَهُ فَلَمْ أَجِدْ فيه إلا بنت مخاض فقلت له أدبنت مخاض فانها صدقتك فقال ذلك مالا لبن فيه ولا ظهر وما كنت لا قرض الله تعالي من مالى مالا لَبَنَ فِيهِ وَلَا ظَهْرَ وَلَكِنْ هَذِهِ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ سَمِينَةٌ فَخُذْهَا قُلْتُ لَهُ مَا أَنَا بِآخِذٍ مَا لَمْ أُومَرْ بِهِ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْك قَرِيبٌ فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ تَعْرِضَ عَلَيْهِ مَا عَرَضْتَ عَلَيَّ فَافْعَلْ فَإِنْ قَبِلَهُ مِنْكَ قَبِلْتُهُ فَخَرَجَ مَعِي وَخَرَجَ بِالنَّاقَةِ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذلك الَّذِي عَلَيْكَ فَإِنْ تَطَوَّعْتَ بِخَيْرٍ آجَرَك اللَّهُ فيه وقبلناه منك فقال فها هي ذه فخذها فامر رسول الله بِقَبْضِهَا وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ " وَلِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ أَخْذِ الْخِيَارِ لِحَقِّ رَبِّ الْمَالِ فَإِذَا رَضِيَ قبل منه}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه صَحِيحٌ رَوَاهُ
مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ بِمَعْنَاهُ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِيِّ الصَّحَابِيِّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه بَعَثَهُ مُصَدِّقًا وَكَانَ يَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَ فَقَالُوا تَعُدُّ عَلَيْنَا السَّخْلَ وَلَا تَأْخُذُ مِنْهَا شَيْئًا فَلَمَّا قَدِمَ علي عمر رضي رضي الله عنه ذَكَر ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه " نَعَمْ نَعُدُّ عَلَيْهِمْ السَّخْلَةَ يَحْمِلُهَا الرَّاعِي وَلَا نَأْخُذُهَا وَلَا نَأْخُذُ الأكولة ولا الربى ولا الماخض ولا فحل الْغَنَمِ وَنَأْخُذُ الْجَذَعَةَ وَالثَّنِيَّةَ وَذَلِكَ عَدْلٌ بَيْنَ غِذَاءِ الْمَالِ وَخِيَارِهِ " وَهَذَا عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ غِذَاءُ الْمَالِ - بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ - وَبِالْمَدِّ وَهِيَ جَمْعُ غَذِيٍّ - بِتَشْدِيدِ الياء - وهو الردئ (وَأَمَّا) الرُّبَّى - فَبِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ - مَقْصُورَةً وجمعها رباب - بضم الراء - بِكَسْرِهَا - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ قَالَ الْأُمَوِيُّ الرُّبَّى مِنْ وِلَادَتِهَا إلَى شَهْرَيْنِ قَالَ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ: الرُّبَّى مِنْ الْمَعْزِ وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الْمَعْزِ وَالضَّأْنِ وَرُبَّمَا جَاءَتْ فِي الْإِبِلِ وَالْأَكُولَةُ - بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ - وَحَزَرَاتٌ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ عَلَى الرَّاءِ وَحُكِيَ عَكْسُهُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ (أَمَّا) حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه (فَرَوَاهُ) أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَوْ حَسَنٍ وَزَادَ ابْنُ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِ أَبِيهِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: قَالَ الرَّاوِي عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ عُمَارَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَقَدْ وُلِّيتُ الصَّدَقَاتِ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ فَأَخَذْتُ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ ثَلَاثِينَ حِقَّةً لِأَلْفٍ وَخَمْسمِائَةِ بَعِيرٍ وَقَوْلُهُ نَاقَةٌ فَتِيَّةٌ هِيَ - بِالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ ثُمَّ مُثَنَّاهُ مِنْ فَوْقٍ ثُمَّ مِنْ تَحْتٍ - وَهِيَ النَّاقَةُ الشَّابَّةُ الْقَوِيَّةُ (وَقَوْلُهُ) تَعْرِضُ عَلَيْهِ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ - (أَمَّا) حُكْمُ الْفَصْلِ (فَهُوَ) كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الرُّبَّى وَلَا الْأَكُولَةِ وَلَا الْحَامِلِ وَلَا الَّتِي طَرَقَهَا الْفَحْلُ وَلَا حَزَرَاتِ الْمَالِ وَلَا فَحْلِ الْمَاشِيَةِ حَيْثُ يَجُوزُ أَخْذُ الذَّكَرِ وَلَا غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النَّفَائِسِ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْمَالِكُ بِذَلِكَ فَيَجُوزُ وَيَكُونُ أَفْضَلَ لَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرُّبَّى وَغَيْرِهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ بِالرُّبَى قُبِلَتْ مِنْهُ وَإِنْ كَانَتْ قَرِيبَةَ عَهْدٍ بِالْوِلَادَةِ جَرْيًا علي القياس قال وحكوا وجها بعيد البعض الْأَصْحَابِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَكُونُ مَهْزُولَةً لِقُرْبِ وِلَادَتِهَا وَالْهُزَالُ عَيْبٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا سَاقِطٌ فَقَدْ لَا تَكُونُ كَذَلِكَ وَقَدْ تَكُونُ غَيْرُ الرُّبَّى مَهْزُولَةً وَالْهُزَالُ الَّذِي هُوَ عَيْبٌ هُوَ الْهُزَالُ الظَّاهِرُ الْبَيِّنُ وَهَذَا الْوَجْهُ الَّذِي حَكَاهُ قَدْ حَكَاهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَغْلِيطِ قَائِلِهِ قَالَ الْإِمَامُ: وَلَوْ بَذَلَ الْحَامِلَ قُبِلَتْ مِنْهُ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ كَالْكَرِيمَةِ فِي نَوْعِهَا أَوْ صِفَتِهَا فال؟ وَنَقَلَ الْأَئِمَّةُ عَنْ دَاوُد أَنَّهُ مَنَعَ قَبُولَهَا قال لان
الْحَمْلَ عَيْبٌ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا سَاقِطٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ عَيْبًا فِي الْبَهَائِمِ وَإِنَّمَا هُوَ عَيْبٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ قَالَ الْإِمَامُ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ: لَا يَتَعَمَّدُ السَّاعِي أَخْذَ كَرِيمَةِ مَالِهِ فَلَوْ تَبَرَّعَ الْمَالِكُ بِإِخْرَاجِهَا قُبِلَتْ وَأَجْزَأَتْ عَلَى الْمَذْهَبِ قال ومن أئمتينا مَنْ قَالَ لَا تُقْبَلُ لِلنَّهْيِ عَنْ أَخْذِ الْكَرَائِمِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا مُزَيَّفٌ لَا أَصْلَ لَهُ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ نَهْيُ السُّعَاةِ عَنْ الْإِجْحَافِ بِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ وَحَثِّهِمْ عَلَى الْإِنْصَافِ وَلَا يَفْهَمُ مِنْهُ الْفَقِيهِ غَيْرَ هَذَا.
قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ كُلُّهَا حَوَامِلَ قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ لَا يَطْلُبُ مِنْهُ حَامِلًا وَهَذِهِ الصِّفَةُ مَعْفُوٌّ عَنْهَا كَمَا يُعْفَى عَنْ الْوَقْصِ: قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ حَسَنٌ لَطِيفٌ وَفِيهِ نَظَرٌ دَقِيقٌ وَهُوَ أَنَّ الْحَامِلَ قَدْ تَحْمِلُ حَيَوَانَيْنِ الْأُمُّ وَالْجَنِينُ وَإِنَّمَا فِي الْأَرْبَعِينَ شَاةً فَلَا وَجْهَ لِتَكْلِيفِهِ حَامِلًا وَقَدْ يَرُدُّ عَلَى هَذَا إيجَابُ الْخِلْفَاتِ فِي الدِّيَةِ وَلَكِنَّ الدِّيَةَ اتِّبَاعِيَّةٌ لَا مَجَالَ لِلنَّظَرِ فِي مِقْدَارِهَا وَصِفَتِهَا وَمَنْ يَتَحَمَّلُهَا فَلَا وَجْهَ لِمُخَالَفَةِ صاحب التقريب قال اما لو كانت ماشيئته سَمِينَةً لِلْمَرْعَى فَيُطَالِبُهُ بِسَمِينَةٍ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ كَشَرَفِ النَّوْعِ
* {فَرْعٌ} قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوْ تَبَرَّعَ الْمَالِكُ بِالْحَامِلِ قُبِلَتْ مِنْهُ وَنَقَلَهُ الْعَبْدَرِيُّ عَنْ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً غَيْرَ دَاوُد وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ دَاوُد الظَّاهِرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَا تُجْزِئُ الْحَامِلُ لِأَنَّ الْحَمْلَ عَيْبٌ فِي الْحَيَوَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَلَهُ رَدُّهَا بِسَبَبِ الْحَمْلِ وَقَالَ الْحَامِلُ لَا تُجْزِئُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الْحَمْلَ نَقْصٌ فِي الْآدَمِيَّاتِ لما يخاف عليهم مِنْ الْوِلَادَةِ بِخِلَافِ الْبَهَائِمِ ثُمَّ قَالَ: الْحَمْلُ فَضِيلَةٌ فِيهَا قَالُوا وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا فَلَهُ رَدُّهَا بِذَلِكَ وَلَوْ اشْتَرَى بَهِيمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلًا لَمْ يَكُنْ لَهُ رَدُّهَا بِهِ وَلَمْ يَكُنْ الْحَمْلُ عَيْبًا فِيهَا بَلْ هُوَ فَضِيلَةٌ وَلِهَذَا أَوْجَبَ صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي الدِّيَةِ الْمُغَلَّظَةِ أَرْبَعِينَ خِلْفَةً فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ الْأُضْحِيَّةِ فَقَالُوا: إنَّمَا لَا تُجْزِئُ الْحَامِلُ فِي الْأُضْحِيَّةِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ اللَّحْمُ وَالْحَمْلُ يُهْزِلُهَا وَيَقِلُّ بِسَبَبِهِ لَحْمُهَا فَلَا تُجْزِئُ وَالْمَقْصُودُ فِي الزَّكَاةِ كَثْرَةُ الْقِيمَةِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَذَلِكَ فِي الْحَامِلِ فَكَانَتْ اولي بالجواز وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {ولا يجوز أخذ القيمة في شئ مِنْ الزَّكَاةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ عَلَّقَهُ عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ
فَلَا يَجُوزُ نَقْلُ ذَلِكَ إلَى غَيْرِهِ كَالْأُضْحِيَّةِ لَمَّا عَلَّقَهَا عَلَى الْأَنْعَامِ لَمْ يَجُزْ نَقْلُهَا إلَى غَيْرِهَا فَإِنْ أَخْرَجَ عَنْ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ سِنًّا أَعْلَى مِنْهُ مِثْلَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ بِنْتَ لَبُونٍ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ فَلَأَنْ تُجْزِئَ عَنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ أَوْلَى كَالْبَدَنَةِ لَمَّا أَجْزَأَتْ عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ فَلَأَنْ تُجْزِئَ عَنْ وَاحِدٍ أَوْلَى وَكَذَلِكَ لَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ مُسِنَّةٌ فَأَخْرَجَ تَبِيعَيْنِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّهُ إذَا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ عَنْ سِتِّينَ فَلَأَنْ يُجْزِئَ عن اربعين اولي}
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ وبه كذا في الاصل والصواب عليهن
قطع المصنف وجماهير الاصحاب وفيه وَجْهٌ أَنَّ الْقِيمَةَ تُجْزِئُ حَكَاهُ وَهُوَ شَاذٌّ بَاطِلٌ وَدَلِيلُ الْمَذْهَبِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَأَمَّا) إذَا أَخْرَجَ سِنًّا أَعْلَى مِنْ الْوَاجِبِ كَبِنْتِ لَبُونٍ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَنَظَائِرُهُ فَتُجْزِئُهُ بِلَا خِلَافٍ لِحَدِيثِ أُبَيِّ السَّابِقِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وأما) إذا اخرج تبيعين عن مسنة فَقَدْ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ بِجَوَازِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ وَفِيهِ وَجْهٌ سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الْبَقَرِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُ القيمة في شئ مِنْ الزَّكَوَاتِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد إلَّا أَنَّ مَالِكًا جَوَّزَ الدَّرَاهِمَ عَنْ الدَّنَانِيرِ وعكسه وقال أبو حنيفة يجوز فإذا لَزِمَهُ شَاةٌ فَأَخْرَجَ عَنْهَا دَرَاهِمَ بِقِيمَتِهَا أَوْ اخرج عنها ماله قيمة عنده كالكلب والثياب
* وَحَاصِلُ مَذْهَبِهِ أَنَّ كُلَّ مَا جَازَتْ الصَّدَقَةُ بِهِ جَازَ إخْرَاجُهُ فِي الزَّكَاةِ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ أَمْ مِنْ غَيْرِهِ إلَّا فِي مَسْأَلَتَيْنِ (إحْدَاهُمَا) تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَيُخْرِجُ بِقِيمَتِهَا مَنْفَعَةَ عَيْنٍ بِأَنْ يُسَلِّمَ إلَى الْفُقَرَاءِ دَارًا يَسْكُنُونَهَا بِقِيمَةِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِيَةُ) أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ صَاعٍ جَيِّدٍ عَنْ نِصْفِ صَاعٍ وَسَطٍ لَزِمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ وَوَافَقَ عَلَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَكَذَا لَوْ لَزِمَهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ فِي كَفَّارَةٍ لَا تُجْزِئُ قِيمَتُهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَأَبُو حَنِيفَةَ إذَا أَدَّى عَنْ خَمْسَةٍ جِيَادٍ دُونَهَا فِي الْجَوْدَةِ أَجْزَأَهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُؤَدِّي فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَقَالَ زُفَرُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِغَيْرِهَا وَلَا يُجْزِئُهُ الْأَوَّلُ كَذَا حَكَاهُ أَبُو بَكْرِ الرَّازِيّ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْعُرُوضِ عَنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ بِقِيمَتِهَا وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ
الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ وَهُوَ وَجْهٌ لَنَا كَمَا سَبَقَ
* وَاحْتَجَّ الْمُجَوِّزُونَ لِلْقِيمَةِ بِأَنَّ مُعَاذًا رضي الله عنه قَالَ لِأَهْلِ الْيَمَنِ حَيْثُ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأَخْذِ زَكَاتِهِمْ وَغَيْرِهَا " ائْتُونِي بِعَرَضٍ ثِيَابٍ خَمِيصٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ " ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ تَعْلِيقًا بِصِيغَةِ جَزْمٍ وَبِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ " قَالُوا وَهَذَا نَصٌّ عَلَى دَفْعِ الْقِيمَةِ قَالُوا وَلِأَنَّهُ مَالٌ زَكَوِيٌّ فَجَازَتْ قِيمَتُهُ كَعُرُوضِ التِّجَارَةِ وَلِأَنَّ الْقِيمَةَ مَالٌ فأشبهت المنصوص عليه ولانه لما لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ عَنْ الْعَيْنِ إلَى الْجِنْسِ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يُخْرِجَ زَكَاةَ غَنَمِهِ عَنْ غَنَمٍ غَيْرَهَا جَازَ الْعُدُولُ مِنْ جِنْسٍ إلَى جِنْسٍ وَاسْتَدَلَّ أَصْحَابُنَا بِأَنَّ الشَّرْعَ نَصَّ عَلَى بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ وَتَبِيعٍ وَمُسِنَّةٍ وَشَاةٍ وَشِيَاهٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ فَلَا يَجُوزُ الْعُدُولُ كَمَا لَا يَجُوزُ فِي الْأُضْحِيَّةِ وَلَا فِي الْمَنْفَعَةِ وَلَا فِي الْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي وَافَقُوا عَلَيْهَا وَلَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ
* وَاسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْحَاوِي بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم " فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ صَاعٌ من تمر صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ " إلَى آخِرِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ القيمة ولو جازت لببنها فقد تدعوا لحاجة إلَيْهَا؟ وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ كذا في الاصل
* كذا في الاصل ولعله سقط لفظ جاز
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ " وَلَوْ جَازَتْ الْقِيمَةُ لَبَيَّنَهَا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فِيمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ جَذَعَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ دَفَعَ حِقَّةً وَشَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا " وَكَذَا غَيْرُهَا مِنْ الْجُبْرَانِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ فَقَدَّرَ الْبَدَلَ بِعِشْرِينَ دِرْهَمًا وَلَوْ كَانَتْ الْقِيمَةُ مُجْزِئَةً لَمْ يُقَدِّرْهُ بَلْ أَوْجَبَ التَّفَاوُتَ بِحَسْبِ الْقِيمَةِ
* وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي الْأَسَالِيبِ الْمُعْتَمَدُ فِي الدَّلِيلِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّ الزَّكَاةَ قُرْبَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُتَّبَعَ فِيهِ أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ قَالَ إنْسَانٌ لِوَكِيلِهِ اشْتَرِ ثَوْبًا وَعَلِمَ الْوَكِيلُ أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُ وَلَوْ وَجَدَ سِلْعَةً هِيَ أَنْفَعُ لِمُوَكَّلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُخَالِفَتُهُ وَإِنْ رَآهُ أَنْفَعَ فَمَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَمْرِهِ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ (فَإِنْ قَالُوا) هَذَا يُنَاقِضُ قَوْلَكُمْ فِي زَكَاةِ الصَّبِيِّ إنَّ مَقْصُودَهَا سَدُّ الْخَلَّةِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْمَقْصُودَ سَدُّ الْحَاجَةِ فَلَا تُتَّبَعُ الْأَعْيَانُ الْمَنْصُوصُ عليها (قلنا) لاننكر أَنَّ الْمَقْصُودَ الظَّاهِرَ سَدُّ الْحَاجَةِ وَلَكِنَّ الزَّكَاةَ مَعَ ذَلِكَ قُرْبَةٌ فَإِذَا كَانَ الْمَرْءُ يُخْرِجُ
الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ النِّيَّةُ فَلَا يُعْتَدُّ بما أخرج لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفَرْضَيْنِ
* وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الزَّكَاةِ وَالنِّيَّةِ وَالِاسْتِنَابَةِ أَخَذَهَا السُّلْطَانُ عَمَلًا بِالْفَرْضِ الْأَكْبَرِ وَلِهَذَا إذَا أَخْرَجَ بِاخْتِيَارِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ الزَّكَاةَ بِلَا نِيَّةٍ
* وَلَوْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَائِهَا وَلَمْ يَجِدْ الْإِمَامُ لَهُ شَيْئًا مِنْ جِنْسِهَا أَخَذَ مَا يَجِدُ ثُمَّ إذَا اُضْطُرَّ إلَى صَرْفِ مَا أَخَذَهُ إلَى الْمَسَاكِينِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الزَّكَاةِ فَقَدْ خُرِّجَتْ الْمَسْأَلَتَانِ عَلَى طَرِيقَةٍ وَاحِدَةٍ وَالْعِبَادَةُ تَقْتَضِي النِّيَّةَ وَالِاتِّبَاعَ وَمَبْنَى الزَّكَاةِ عَلَى سَدِّ الْخَلَّةِ فَالِاخْتِيَارُ يُوجِبُ النِّيَّةَ وَالِاتِّبَاعَ لِمَا نَصَّ عَلَيْهِ جِنْسًا وَقَدْرًا فَإِنْ عَسُرَتْ النِّيَّةُ أَوْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ غَلَبَ مَقْصُودُ الزَّكَاةِ وَهُوَ سَدُّ الْخَلَّةِ فَهَذَا مُخْتَصَرٌ مِنْ أَطْرَافِ أَدِلَّةِ الْمَسْأَلَةِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَخْذُ الْبَدَلِ عَنْ الْجِزْيَةِ لَا عَنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ فِي الزَّكَاةِ عَنْ الْحَبِّ حَبًّا وَعَقَّبَهُ بِالْجِزْيَةِ " فَقَالَ " خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مَغَافِرَ "(فَإِنْ قِيلَ) فَفِي حَدِيثِ مُعَاذٍ آخُذُهُ مِنْكُمْ مَكَانَ الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْجِزْيَةِ
* قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي (الْجَوَابُ) أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّ مُعَاذًا عَقَدَ معهم الجزية علي أخذ شئ عن زروعهم قال أصحابنا ومما يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ لَا فِي الزَّكَاةِ أَنَّ مَذْهَبَ مُعَاذٍ أَنَّهُ لَا يَنْقُلُ وَقَدْ اُشْتُهِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ " أَيُّمَا رَجُلٍ انْتَقَلَ مِنْ مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ إلَى مِخْلَافٍ آخَرَ فَعُشْرُهُ وَصَدَقَتُهُ فِي مِخْلَافِ عَشِيرَتِهِ " فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجِزْيَةِ الَّتِي يَجُوزُ نَقْلُهَا بِالِاتِّفَاقِ (وَالْجَوَابُ) عَنْ ابْنِ اللَّبُونِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا لِلْقِيمَةِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ أَخَذْنَاهُ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا إنَّمَا يُؤْخَذُ عِنْدَ عَدَمِ بِنْتِ الْمَخَاضِ وَلَوْ كَانَ قِيمَةً عَلَى مَا تَقُولُونَ لَجَازَ دَفْعُهُ مَعَ وُجُودِهَا (وَالْجَوَابُ) عَنْ الْقِيَاسِ عَلَى عَرَضِ التِّجَارَةِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي قِيمَتِهِ وَالْمُخْرَجُ لَيْسَ بَدَلًا عَنْ الْوَاجِبِ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ كَمَا أَنَّ الشَّاةَ الْمُخْرَجَةَ عَنْ خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ هِيَ وَاجِبُهَا لَا أَنَّهَا قِيمَةٌ (وَأَمَّا) قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَهُ أَصْحَابُنَا بِإِخْرَاجِ
نصف صاع جيد عن نصف صاع وسط وَشَاةٍ عَنْ شَاتَيْنِ بِقِيمَتِهِمَا ثُمَّ الْمُعْتَمَدُ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فَلِهَذَا جَازَ إخْرَاجُهُ بِخِلَافِ الْقِيمَةِ (وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ لَمَّا جَازَ الْعُدُولُ إلَى آخِرِهِ فَهَذَا قِيَاسٌ فَلَا يَلْزَمُنَا مَعَ أَنَّ الْوَاجِبَ إنَّمَا هُوَ إخْرَاجُ الزَّكَاةِ مِنْ جِنْسِ مَالِهِ لَا مِنْ عَيْنِهِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُدُولًا عَنْ الْوَاجِبِ إلَى الْقِيمَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إخْرَاجُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ
* قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ ضَرُورَةٌ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ فِي مَسْأَلَةِ اجْتِمَاعِ الْحِقَاقِ وَبَنَاتِ اللَّبُونِ فِي مِائَتَيْنِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَنَّهُمْ قَالُوا يُعْدَلُ فِي الزَّكَاةِ إلَى غَيْرِ الْجِنْسِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ فَفَقَدَ الشَّاةَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ تَحْصِيلُهَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ قِيمَتَهَا دَرَاهِمَ وَيُجْزِئُهُ كَمَنْ لَزِمَهُ بِنْتُ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا وَلَا ابْنَ لَبُونٍ لَا في ماله ولا بالثمن فإنه يعدل إلى الْقِيمَةِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا وَجَبَ أَخْذُ الْأَغْبَطِ وَأَخَذَ السَّاعِي غَيْرَهُ وَأَوْجَبْنَا التَّفَاوُتَ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ دَرَاهِمَ إنْ لَمْ يُمْكِنْ تَحْصِيلُ شِقْصٍ بِهِ وَكَذَا إنْ أَمْكَنَ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرْنَا هُنَاكَ نَظَائِرَهُ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي بَابِ النِّيَّةِ فِي الزَّكَاةِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ فِي التَّفَاوُتِ عِنْدَ إمْكَانِ الشِّقْصِ ثُمَّ قَالَ فَلْيُخْرَجْ مِنْ هَذَا الْخِلَافِ أَنَّهُ مَتَى أَدَّى الْحِسَابُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ إلَى تَشْقِيصٍ فِي مَسَائِلِ الْخُلْطَةِ فَفِي جَوَازِ الْقِيمَةِ عَنْ الشِّقْصِ هَذَانِ الْوَجْهَانِ
* قَالَ وَلَوْ لَزِمَهُ شَاةٌ عَنْ أَرْبَعِينَ ثُمَّ تَلِفَ الْمَالُ كُلُّهُ بَعْدَ إمْكَانِ الْأَدَاءِ وَعَسُرَ تَحْصِيلُ شَاةٍ وَمَسَّتْ حَاجَةُ الْمَسَاكِينِ فَالظَّاهِرُ عِنْدِي أَنَّهُ يُخْرِجُ الْقِيمَةَ لِلضَّرُورَةِ وَلَا سَبِيلَ إلَى تأخيز حَقِّ الْمَسَاكِينِ ثُمَّ ذَكَرَ الْإِمَامُ أَنَّ مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ وَامْتَنَعَ يَأْخُذُ الْإِمَامُ أَيَّ شئ وَجَدَهُ إذَا لَمْ يَجِدْ الْمَنْصُوصَ كَمَا يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ الْمُمْتَنِعِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فَإِنْ كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ قَادِرًا عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فَفِي إجْزَائِهِ تَرَدُّدٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُمْتَنِعِ مِنْ النِّيَّةِ إذَا أَخَذَهَا الْإِمَامُ فَهَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ فِي النِّهَايَةِ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفَرْعِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا عَنْ كَلَامِهِ فِي الْأَسَالِيبِ نَحْوُ هَذَا
* وَمِنْ مَوَاضِعِ الضَّرُورَةِ الَّتِي تُجْزِئُ فِيهَا الْقِيمَةُ مَا إذَا أَلْزَمَهُمْ السُّلْطَانُ بِالْقِيمَةِ وَأَخَذَهَا مِنْهُمْ فَإِنَّهَا تُجْزِئُهُمْ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ فِي آخِرِ بَابِ الْخُلْطَةِ فِيمَا إذَا أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِ الْخَلِيطَيْنِ قِيمَةَ الْفَرْضِ فَقَالَ (الصَّحِيحُ) أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الكبيرة عن السخال وهكذا قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِإِجْزَاءِ القيمة التي اخذها الساعي ونقله أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ كَالشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي كِتَابَيْهِ وَصَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُمْ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ قَالُوا نَصَّ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ
أَنَّهُ تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ وَأَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ مِنْ السَّاعِي فِيمَا يَسُوغُ فيه الاجتهاد فوجب امضاؤه قالوا وهذا هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ
الْمَرْوَزِيُّ لَا تُجْزِئُهُ الْقِيمَةُ الَّتِي يَأْخُذُهَا السَّاعِي وَلَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى خَلِيطِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْوَاجِبِ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ ظَاهِرٌ مُخَالِفٌ لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَلِلْأَصْحَابِ رحمهم الله تعالي وللدليل وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
*
{باب الخلطة}
{لِلْخُلْطَةِ تَأْثِيرٌ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ وَهُوَ أَنْ يجعل ما الرَّجُلَيْنِ أَوْ الْجَمَاعَةِ كَمَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَيَجِبُ فِيهِ مَا يَجِبُ فِي مَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فَإِذَا كَانَ بَيْنَ نَفْسَيْنِ وَهُمَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ نِصَابٌ مُشَاعٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ وَجَبَ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ وَكَذَلِكَ إذا كان لكل واحد مَالٌ مُنْفَرِدٌ وَلَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ بِالْحَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ مِنْ الْغَنَمِ فَخَلَطَاهَا أَوْ لِكُلِّ وَاحِدٍ أربعون ملكاها معا فخلطاها صارا كَمَالِ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ بِشُرُوطٍ (أَحَدُهَا) أَنْ يَكُونَ الشَّرِيكَانِ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ
(والثانى)
أن يكون المال المختلط نصابا (والثالث) أن يمضى عليهما حول كامل (والرابع) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المراح (والخامس) أن لا يتميز أحدها عن الاخر في المسرح (والسادس) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمَشْرَبِ (وَالسَّابِعُ) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الاخر في الراعي (والثامن) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْفَحْلِ (وَالتَّاسِعُ) أَنْ لَا يَتَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمَحْلَبِ وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " كَتَبَ كِتَابَ الصَّدَقَةِ فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما وَكَانَ فِيهِ لَا يفرق بين مجتمع ولا يجمع ببن مُفْتَرِقٍ مَخَافَةَ الصَّدَقَةِ وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ " وَلِأَنَّ الْمَالَيْنِ صَارَا كما الْوَاحِدِ فِي الْمُؤَنِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ زَكَاتُهُ زكاة المال الواحد}
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُهُ بِطُولِهِ
فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ رَوَاهُ فِي صَحِيحِهِ مِنْ رِوَايَةِ أَنَسٍ رضي الله عنه وَالْخُلْطَةُ - بِضَمِّ الْخَاءِ - وَالْمُرَاحُ - بِضَمِّ الْمِيمِ - وَهُوَ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا وَالْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَبِفَتْحِهَا مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَسَنُوَضِّحُ الْمُرَادَ بِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تعال قَالَ أَصْحَابُنَا: الْخُلْطَةُ ضَرْبَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا مُشَاعًا بَيْنَهُمَا (وَالثَّانِي) أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاشِيَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ وَلَا اشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا لَكِنَّهُمَا مُتَجَاوِرَانِ مُخْتَلِطَانِ فِي الْمَرَاحِ وَالْمَسْرَحِ وَالْمَرْعَى وَسَائِرِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ وَتُسَمَّى الْأُولَى خُلْطَةَ شُيُوعٍ وَخُلْطَةَ اشْتِرَاكٍ وَخُلْطَةَ أَعْيَانٍ وَالثَّانِيَةُ خُلْطَةَ أو صاف وخلطة جوار وكل واحدة من الخطتين تُؤَثِّرُ فِي الزَّكَاةِ وَيَصِيرُ مَالُ الشَّخْصَيْنِ أَوْ الاشخاص كما الْوَاحِدِ ثُمَّ قَدْ يَكُونُ أَثَرُهَا فِي
وُجُوبِ أَصْلِ الزَّكَاةِ وَقَدْ يَكُونُ فِي تَكْثِيرِهَا وَقَدْ يَكُونُ فِي تَقْلِيلِهَا (مِثَالَ الْإِيجَابِ) رَجُلَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ شَاةً يَجِبُ بِالْخُلْطَةِ شَاةٌ ولو انفردا لم يجب شئ (ومثال التكثير) خلط مائة وشاة بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَلَوْ انْفَرَدَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ فَقَطْ أَوْ خَلَطَ خَمْسًا وَخَمْسِينَ بَقَرَةً بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مُسِنَّةٌ وَنِصْفُ تَبِيعٍ وَلَوْ انْفَرَدَا لَزِمَهُ مُسِنَّةٌ فَقَطْ أَوْ خَلَطَ مِائَةً وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ بِمِثْلِهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَلَوْ انْفَرَدَ لَزِمَهُ حِقَّتَانِ (وَمِثَالُ التَّقْلِيلِ) ثَلَاثَةُ رِجَالٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ خَلَطُوهَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ شَاةٍ وَلَوْ انْفَرَدَ لَزِمَهُ شَاةٌ كَامِلَةٌ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْحَنَّاطِيِّ أَنَّهُ حَكَى وَجْهًا غَرِيبًا أَنَّ خُلْطَةَ الْجِوَارِ لَا أَثَرَ لَهَا قال وليس بشئ وَهَذَا الْوَجْهُ غَلَطٌ صَرِيحٌ وَقَدْ نَقَلَ الشَّيْخُ أو حَامِدٍ فِي تَعْلِيقِهِ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْخُلْطَتَيْنِ فِي الْإِيجَابِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْأَخْذِ
* وَبِمَذْهَبِنَا فِي تَأْثِيرِ الْخُلْطَتَيْنِ قال عطاء ابن أَبِي رَبَاحٍ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَدَاوُد
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَأْثِيرَ لِلْخُلْطَتَيْنِ مُطْلَقًا وَيَبْقَى الْمَالُ عَلَى حُكْمِ الِانْفِرَادِ وَقَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ إنْ كَانَ مَالُ كُلِّ وَاحِدٍ نِصَابًا فَصَاعِدًا أَثَّرَتْ الْخُلْطَةُ وَإِلَّا فَلَا
* دَلِيلُنَا الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْخُلْطَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ " فَهُوَ نَهْيٌ لِلسَّاعِي وَلِلْمُلَّاكِ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ فَنَهَى الْمُلَّاكَ عَنْ التَّفْرِيقِ وَعَنْ الْجَمْعِ خَشْيَةَ وُجُوبِ الصَّدَقَةِ أَوْ
خَشْيَةَ كَثْرَتِهَا وَنَهَى السَّاعِي عَنْهُمَا خَشْيَةَ سُقُوطِهَا أَوْ قِلَّتِهَا (مِثَالُ التَّفْرِيقِ) مِنْ جِهَةِ الْمُلَّاكِ أَنْ يَكُونَ لِرَجُلَيْنِ أَوْ رِجَالٍ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً فَوَاجِبُهُمْ شَاةٌ مُقَسَّطَةٌ عَلَيْهِمْ فَلَيْسَ لَهُمْ تَفْرِيقُ الْمَاشِيَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ عِنْدَ قُدُومِ السَّاعِي لِتَسْقُطَ الزَّكَاةُ فِي الظَّاهِرِ (وَمِثَالُهُ) مِنْ جِهَةِ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ رَجُلٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ أَرْبَعُونَ شَاةً مُخْتَلِطَةً فَلَيْسَ لِلسَّاعِي تَفْرِيقُهَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً وَإِنَّمَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ شَاةٍ (وَمِثَالُ) الْجَمْعِ مِنْ جِهَةِ الْمُلَّاكِ أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً مُتَفَرِّقَةً فَجَمَعُوهَا عِنْدَ قُدُومِ السَّاعِي بَعْدَ الْحَوْلِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ بَلْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ (وَمِثَالُهُ) مِنْ جِهَةِ السَّاعِي أَنْ يَكُونَ لِأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ عِشْرُونَ شَاةً مُنْفَرِدَةً وَلِآخَرَ عِشْرُونَ مُنْفَرِدَةً فَلَيْسَ لِلسَّاعِي أَنْ يجمعها ليأخذ شاة بل يتركهما متفرقتين وَلَا زَكَاةَ أَوْ يَكُونُ لِأَحَدِهِمَا مِائَةُ شَاةٍ وَلِآخَرَ مِثْلُهَا فَلَيْسَ لِلسَّاعِي جَمْعُهُمَا لِيَأْخُذَ ثَلَاثَ شِيَاهٍ بَلْ يَتْرُكُهُمَا مُتَفَرِّقَتَيْنِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شاة فقط وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا يُضَمُّ مَالُهُ إلَى مَالِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ مَالَ الْكَافِرِ وَالْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِزَكَاتِيٍّ فَلَا يَتِمُّ بِهِ النِّصَابُ كَالْمَعْلُوفَةِ لَا يَتِمُّ بِهَا
نِصَابُ السَّائِمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا دُونَ النِّصَابِ بِأَنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ مِنْ الغنم فخالط صاحبه بتسع عشرة وَتَرَكَ شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ لَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْمُجْتَمِعَ دُونَ النِّصَابِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَيَّزَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ فِي الْمُرَاحِ أَوْ الْمَسْرَحِ أَوْ الْمَشْرَبِ أَوْ الرَّاعِي أَوْ الْفَحْلِ أَوْ الْمِحْلَب لَمْ يُضَمَّ مَالُ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ لِمَا رَوَى سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ (وَالْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَا عَلَى الْفَحْلِ وَالرَّعْيِ وَالْحَوْضِ " فَنَصَّ عَلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَنَبَّهَ عَلَى مَا سِوَاهَا وَلِأَنَّهُ إذا تميز كل واحد بشئ مما ذكرناه لم يصر كمال الواحد في المؤن وفى الاشتراط فِي الْحَلْبِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يُحْلَبَ لَبَنُ أَحَدِهِمَا فَوْقَ لَبَنِ الْآخَرِ ثم يقسم كما يخلط المسافرون ازوادهم يَأْكُلُونَ وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ لَا يَجُوزُ شَرْطُ حَلْبِ أَحَدِهِمَا فَوْقَ الْآخَرِ لِأَنَّ لَبَنَ أَحَدِهِمَا قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ لَبَنِ الْآخَرِ فَإِذَا اقْتَسَمَا بِالسَّوِيَّةِ كَانَ ذَلِكَ رِبًا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بيع وهل تشترط نية الخطلة فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) أَنَّهَا
شَرْطٌ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ بِهِ الْفَرْضُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَرْطٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا أَثَّرَتْ فِي الزَّكَاةِ لِلِاقْتِصَارِ عَلَى مُؤْنَةٍ وَاحِدَةٍ وذلك يحصل من غير نية}
* {الشرح} حديث سعد رواه الدارقطني وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ لَهِيعَةَ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُهَذَّبِ فِيهِ الْفَحْلُ وَالرَّاعِي وَفِي بَعْضِهَا وَالرَّعْيُ بِحَذْفِ الْأَلْفِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ وَكِلَاهُمَا مَرْوِيٌّ فِي الْحَدِيثِ وَالْأَوَّلُ أَكْثَرُ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ مَالَ الْكَافِرِ وَالْمُكَاتَبِ لَيْسَ بِزَكَاتِيٍّ الصواب عند أهل العربية ليس بزكوى كَرَحَوِيٍّ وَبَابِهِ وَسَبَقَ أَنَّ الْمُرَاحَ مَأْوَاهَا لَيْلًا (وَأَمَّا) الْمَسْرَحُ فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا هُوَ الْمَرْتَعُ الَّذِي تَرْعَى فِيهِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ هُوَ طَرِيقُهَا إلَى الْمَرْعَى وَقَالَ آخَرُونَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ لِتَسْرَحَ وَالْجَمِيعُ شَرْطٌ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الميم - الاناء الذى يحلب فيه والمحلب - بِالْفَتْحِ - الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ الْأَوَّلَ (وَأَمَّا) قَوْلُهُ وَفِي الْمِحْلَبِ وَجْهَانِ فَهُوَ بِفَتْحِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ إسْكَانُهَا وَهُوَ غريب ضعيف (وأما) أَحْكَامُ الْفَصْلِ (فَقَالَ) أَصْحَابُنَا نَوْعَا الْخُلْطَةِ يَشْتَرِكَانِ فِي اشْتِرَاطِ أُمُورٍ وَتَخْتَصُّ خُلْطَةُ الْجِوَارِ بِشُرُوطٍ فَمِنْ الْمُشْتَرَكِ كَوْنُ الْمُخْتَلَطِ نِصَابًا فَلَوْ مَلَكَ زيد عشرين شاة وعمر وعشرين فَخَلَطَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِتِسْعَ عَشْرَةَ وَتَرَكَا شَاتَيْنِ مُنْفَرِدَتَيْنِ فَلَا أَثَرَ لِخُلْطَتِهِمَا وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا زَكَاةٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَوْ خَلَطَا تِسْعَ عَشْرَةَ بِتِسْعَ عشرة وشاة بِشَاةٍ وَجَبَتْ زَكَاةُ الْأَرْبَعِينَ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِطَتَانِ بِأَرْبَعِينَ (وَمِنْهَا) كَوْنُ الْمُخَالِطَيْنِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ فَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَافِرًا أَوْ مُكَاتَبًا فَلَا أَثَرَ لِلْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ بَلْ إنْ كَانَ نَصِيبُ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ نِصَابًا زَكَّاهُ زَكَاةَ الانفراد وإلا فلا شئ عَلَيْهِ وَهَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ (وَمِنْهَا) دَوَامُ الْخُلْطَةِ سَنَةً عَلَى مَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) الشُّرُوطُ الْمُخْتَصَّةُ بِخُلْطَةِ الْجِوَارِ فَمَجْمُوعُهَا عَشَرَةٌ (مِنْهَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَمِنْهَا) مُخْتَلَفٌ فِيهِ (أَحَدُهَا)
اتِّحَادُ الْمَرَاحِ (الثَّانِي) اتِّحَادُ الْمَشْرَبِ بِأَنْ تُسْقَى غَنَمُهُمَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ أَوْ حَوْضٍ أَوْ مِنْ مِيَاهٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِحَيْثُ لَا تَخْتَصُّ غَنَمُ أَحَدِهِمَا بِالشُّرْبِ مِنْ مَوْضِعٍ وَغَنَمُ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِهِ (الثَّالِثُ) اتِّحَادُ الْمَسْرَحِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تَجْتَمِعُ فِيهِ ثم تساق الْمَرْعَى (الرَّابِعُ) اتِّحَادُ الْمَرْعَى وَهُوَ الْمَرْتَعُ
الَّذِي تَرْعَى فِيهِ فَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا (الْخَامِسُ) اتِّحَادُ الرَّاعِي وَفِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَكْثَرُونَ أَنَّهُ شَرْطٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) شَرْطٌ
(وَالثَّانِي)
لَيْسَ بِشَرْطٍ فَلَا يَضُرُّ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ بِرَاعٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَمَعْنَى اتِّحَادِ الرَّاعِي أَنْ لَا يَخْتَصَّ أَحَدُهُمَا بِرَاعٍ فَأَمَّا إذَا كان لما شيتهما رَاعِيَانِ أَوْ رُعَاةٌ لَا يَخْتَصُّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَالْخُلْطَةُ صَحِيحَةٌ (السَّادِسُ) اتِّحَادُ الْفَحْلِ وَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ شَرْطٌ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) شَرْطٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُهُ لَكِنْ يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْإِنْزَاءِ فِي مَكَان وَاحِدٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْمُرَادُ بِاتِّحَادِهِ أَنْ تَكُونَ الْفُحُولُ مُرْسَلَةً فِي مَاشِيَتِهِمَا لَا يَخْتَصُّ أَحَدُهُمَا بِفَحْلٍ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفُحُولُ مُشْتَرَكَةً أَوْ لِأَحَدِهِمَا أَوْ مُسْتَعَارَةً أَوْ غَيْرَهَا وَسَوَاءٌ كَانَ وَاحِدًا أَوْ جَمْعًا وَحَكَى الْخُرَاسَانِيُّونَ وَجْهًا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ كون الفحول مشتركة واتفقوا على ضعفه وهذا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْفَحْلِ هُوَ فِيمَا إذَا أَمْكَنَ ذَلِكَ بِأَنْ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمَا نوعا واحدا فلو كان أَحَدِهِمَا ضَأْنًا وَمَالُ الْآخَرِ مَعْزًا وَخَلَطَاهُمَا وَلِكُلِّ وَاحِدٍ فَحْلٌ يَطْرُقُ مَاشِيَتَهُ فَالْخُلْطَةُ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ إذْ لَا يُمْكِنُ اخْتِلَاطُهُمَا فِي الْفَحْلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا ذُكُورًا وَمَالُ الْآخَرِ إنَاثًا مِنْ جِنْسِهِ فَإِنَّ الْخُلْطَةَ صَحِيحَةٌ بِلَا خِلَافٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (السَّابِعُ) اتِّحَادُ الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ مَالُهُمَا شَرْطٌ كَاتِّحَادِ الْمُرَاحِ فَلَوْ حَلَبَ هَذَا مَاشِيَتَهُ فِي أَهْلِهِ وَذَاكَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا خُلْطَةَ (الثامن) اتحاد الحالب وهو الشَّخْصُ الَّذِي يَحْلُبُ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بِشَرْطٍ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِحَالِبٍ يُمْنَعُ عَنْ حَلْبِ مَاشِيَةِ الْآخَرِ (التَّاسِعُ) اتِّحَادُ الْإِنَاءِ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَهُوَ الْمِحْلَبُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ - فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَيْسَ بشرط كمالا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ آلَةِ الْجَزِّ بِلَا خِلَافٍ
(وَالثَّانِي)
يُشْتَرَطُ فَعَلَى هَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا إنَاءٌ وَاحِدٌ فَرْدٌ بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ تَكُونَ الْمَحَالِبُ فَوْضَى بَيْنَهُمْ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِمِحْلَبٍ أَوْ مَحَالِبَ مَمْنُوعَةٍ مِنْ الْآخَرِ.
وَعَلَى هَذَا هَلْ يُشْتَرَطُ خَلْطُ اللَّبَنِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي الْكِتَابِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا فَإِنَّهُ يَأْخُذُ أَحَدُهُمَا غَالِبًا أَكْثَرَ مِنْ حَقِّهِ فَعَلَى هَذَا يَحْلُبُ أَحَدُهُمَا فِي الْإِنَاءِ وَيُفْرِغُهُ فِي وِعَائِهِ ثُمَّ يَحْلُبُ الْآخَرُ فِيهِ (والثاني) يشترط وبه قال أبو إسحق الْمَرْوَزِيُّ فَيَحْلُبُ لَبَنَ أَحَدِهِمَا فَوْقَ لَبَنِ الْآخَرِ
وَلَا يَضُرُّ جَهَالَةُ قَدْرِهِمَا.
قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يضر جهالة مقدا ره وَيَتَسَامَحُونَ بِهِ كَمَا فِي خَلْطِ الْمُسَافِرِينَ أَزْوَادَهُمْ فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ الْمَعْنَى الَّذِي فِي خَلْطِ اللَّبَنِ وَلَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ يَأْكُلُ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ قَطْعًا لِكَوْنِهِ أَكُولًا.
وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ هَذَا الْوَجْهِ الْأَصَحِّ وَفَرَّقُوا بَيْنَ اللَّبَنِ والازواد بان المسافرين يدعوا بَعْضُهُمْ بَعْضًا إلَى طَعَامِهِ فَهُوَ إبَاحَةٌ لَا مَحَالَةَ بِخِلَافِ خَلْطِ اللَّبَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إباحة
* واحتح بَعْضُ الْأَصْحَابِ لِلْأَصَحِّ أَيْضًا بِأَنَّ اللَّبَنَ نَمَاءٌ فَلَا يُشْتَرَطُ الِاخْتِلَاطُ فِيهِ كَالصُّوفِ هَذَا مُخْتَصَرُ الْكَلَامِ فِي الْحَالِبِ وَالْمِحْلَبِ وَخَلْطِ اللَّبَنِ قَالَ اصحابنا: وسبب الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ خَلْطِ اللَّبَنِ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَفِي رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ وَالزَّعْفَرَانِيّ فِي شُرُوطِ الْخُلْطَةِ وَأَنْ يَحْلُبَا مَعًا وَلَمْ يَذْكُرْ الشَّافِعِيُّ ذَلِكَ فِي الْأُمِّ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْأَصْحَابُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا أَنَّ اتِّحَادَ الْحَلَّابِ شَرْطٌ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِهِ فَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ أَصْحَابِنَا أَنَّ مَعْنَاهُ اتِّحَادُ الْإِنَاءِ وَخَلْطُ اللَّبَنِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الرِّبَا وهذا الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْحَلَّابِ هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا يُشْتَرَطُ قَوْلًا وَاحِدًا
(وَالثَّانِي)
عَلَى قَوْلَيْنِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثلاثة أوجه (أصحها) قول أبى اسحق الْمَرْوَزِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي حِكَايَتِهِ فَنَقَلَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ الْحَلْبِ وَاحِدًا وَنَقَلَ الْمَحَامِلِيُّ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ الْإِنَاءُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الشَّامِلِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مُرَادُ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَكُونَ الْحَالِبُ وَاحِدًا فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ فِي حِكَايَةِ مَذْهَبِ أبى اسحق وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلُبَا مَعًا وَيَخْلِطَا اللَّبَنَ ثُمَّ يَقْتَسِمَانِ (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَالْإِنَاءِ وَخَلْطُ اللَّبَنِ وَاخْتَصَرَ الرَّافِعِيُّ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ يُشْتَرَطُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُحْلَبُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالِبِ وَلَا اتِّحَادُ الْإِنَاءِ وَلَا خَلْطُ اللَّبَنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) نِيَّةُ الْخَلْطِ فِيهَا وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ بِدَلِيلِهِمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ لَا يُشْتَرَطُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فيما لو اتفقت الماشية في شئ مِمَّا يُشْتَرَطُ الِاجْتِمَاعُ فِيهِ بِنَفْسِهَا أَوْ فَرَّقَهَا
الرَّاعِي وَلَمْ يَعْلَمْ الْمَالِكَانِ إلَّا بَعْدَ طُولِ الزَّمَانِ هَلْ تَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ أَمْ لَا (أَمَّا) إذا فرقاهاهما أو احدهما في شى مِنْ ذَلِكَ قَصْدًا فَتَنْقَطِعُ الْخُلْطَةُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَسِيرًا بِلَا خِلَافٍ لِفَقْدِ الشَّرْطِ (وَأَمَّا) التَّفْرِيقُ الْيَسِيرُ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَلَا يُؤَثِّرُ بِالِاتِّفَاقِ لَكِنْ لَوْ اطَّلَعَا عَلَيْهِ فَأَقَرَّاهَا عَلَى تَفَرُّقِهَا انقطعت الخلطة قال اصحابنا ومتي ارتفعت وَجَبَ عَلَى مَنْ بَلَغَ نُصِيبُهُ نِصَابًا زَكَاةُ الانفراده إذَا تَمَّ حَوْلُهُ مِنْ يَوْمِ الْمِلْكِ لَا من يوم ارتفاعها وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
*
{فَأَمَّا إذَا ثَبَتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ بِالْحَوْلِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ مِنْ الْغَنَمِ مَضَى عَلَيْهِ بَعْضُ الْحَوْلِ ثُمَّ خَلَطَاهُ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ حَوْلُهُمَا مُتَّفِقًا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابَهُ فِي الْمُحَرَّمِ ثُمَّ خَلَطَاهُ فِي صَفَرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ (قَالَ فِي الْقَدِيمِ) يُبْنَى حَوْلُ الْخُلْطَةِ عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ فَإِذَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالَيْهِمَا لَزِمَهُمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بِآخِرِ الْحَوْلِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً ثُمَّ تَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ لم تجب الاشاة وَلَوْ كَانَتْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ ثُمَّ وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ وَجَبَتْ شَاتَانِ وَقَدْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ هَهُنَا فِي آخِرِ الْحَوْلِ فَوَجَبَتْ زَكَاةُ الْخُلْطَةِ (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ لِأَنَّهُ قَدْ انْفَرَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا في بعض الحول فكان زكاتهما زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ بِيَوْمَيْنِ وَهَذَا يُخَالِفُ مَا ذَكَرُوهُ فَإِنَّ هُنَاكَ لَوْ وُجِدَتْ زِيَادَةُ شَاةٍ أَوْ هَلَاكُ شَاةٍ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تَغَيَّرَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ يُزَكِّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُمَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ وَإِنْ كَانَ حَوْلُهُمَا مُخْتَلِفًا بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ ثُمَّ خَلَطَا فِي أول رَبِيعٍ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي قَوْلِهِ الْقَدِيمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ وَعَلَى قَوْلِهِ الْجَدِيدِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةٌ وَأَمَّا فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ وَمَا بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمَا زَكَاةُ الْخُلْطَةِ وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ يُزَكِّيَانِ أَبَدًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْحَوْلِ فَزَكَّيَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كَالسَّنَةِ الْأُولَى وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَذْهَبُ لِأَنَّهُمَا ارْتَفَقَا بِالْخُلْطَةِ فِي حَوْلٍ كَامِلٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا وَإِنْ ثَبَتَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ
مِثْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاشْتَرِي آخَرُ أَرْبَعِينَ شَاةً وَخَلَطَهَا بِغَنَمِهِ ثُمَّ بَاعَهَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ مِنْ رَجُلٍ آخَرَ فَإِنَّ الثَّانِي مَلَكَ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً فَلَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ وَالْأَوَّلُ قَدْ ثَبَتَ لِغَنَمِهِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ فَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ وَجَبَ عَلَى الْمَالِكِ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ نِصْفُ شَاةٍ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ وَجَبَ عَلَيْهِ شَاةٌ وَفِي الْمُشْتَرِي فِي صَفَرٍ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) تَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ لِأَنَّ الْمَالِكَ فِي الْمُحَرَّمِ لَمْ يَرْتَفِقْ بِالْخُلْطَةِ فَلَا يَرْتَفِقُ الْمَالِكُ فِي صَفَرٍ (والثاني) تجب عليه صنف شَاةٍ لِأَنَّ غَنَمَهُ لَمْ تَنْفَكَّ عَنْ الْخُلْطَةِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرَى فِي الْمُحَرَّمِ وَإِنْ مَلَكَ رَجُلٌ أَرْبَعِينَ شَاةً وَمَضَى عَلَيْهَا نِصْفُ الْحَوْلِ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ الْبَائِعِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ عَلَى الْمَنْصُوصِ وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلَيْنِ إنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْجَدِيدِ إنَّ حَوْلَ الْخُلْطَةِ لَا يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ انْقَطَعَ حَوْلُ الْبَائِعِ فِيمَا لَمْ يَبِعْ وَإِنْ قُلْنَا بِقَوْلِهِ الْقَدِيمِ إنَّ حَوْلَ الْخُلْطَة يُبْنَى عَلَى حَوْلِ الِانْفِرَادِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الِانْفِرَادِ إلَى الْخُلْطَةِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي نُقْصَانِ الزَّكَاةِ وَزِيَادَتِهَا دُونَ قَطْعِ الْحَوْلِ وَأَمَّا الْمُبْتَاعُ فَإِنَّا إنْ قُلْنَا إنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَجَبَ عَلَى
الْمُبْتَاعِ الزَّكَاةُ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا تَجِبُ فِي الْعَيْنِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ لِأَنَّهُ بِحَوْلِ الْحَوْلِ زَالَ مِلْكُهُ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ فَيَنْقُصُ النصاب وقال أبو اسحق فِيهِ قَوْلٌ آخَرُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِيهِ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إذَا أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِهَا تَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ إنَّهُ إذَا بَاعَ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا يَعُودُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَّا إذَا بَاعَ عِشْرِينَ مِنْهَا بِعَيْنِهَا نُظِرَتْ فَإِنْ أَفْرَدَهَا وَسَلَّمَهَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ فان سلمها وهي مختلفة بِمَا لَمْ يَبِعْ بِأَنْ سَاقَ الْجَمِيعَ حَتَّى حَصَلَ فِي قَبْضِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَنْقَطِعْ الْحَوْلُ وحكمه حكم مالو بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ ينقطع الحول لانه لما أقردها بِالْبَيْعِ صَارَ كَمَا لَوْ أَفْرَدَهَا عَنْ الَّذِي لَمْ يَبِعْ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ الِاخْتِلَاطُ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُهُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عِشْرُونَ وَلِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ مُنْفَرِدَةً وَتَمَّ الْحَوْلُ فَفِيهِ أربعة أوجه (احدهما) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ أَنَّهُ تَجِبُ شَاةٌ رُبْعُهَا عَلَى صَاحِبُ الْعِشْرِينَ وَالْبَاقِي عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ لِأَنَّ مَالَ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ
يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِحُكْمِ الْمِلْكِ فَيُضَمُّ الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ إلَى الْعِشْرَيْنِ الْمُخْتَلِطَةِ فَإِذَا انْضَمَّتْ إلَى الْعِشْرِينَ الْمُخْتَلِطَةِ انْضَمَّتْ أَيْضًا إلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِهِ فَيَصِيرُ الْجَمِيعُ كَأَنَّهُمَا فِي مَكَان وَاحِدٍ فَوَجَبَ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةَ تُضَمُّ إلَى الْعِشْرِينَ بحكم الملك فتصير ستين فَيَصِيرُ مُخَالِطًا بِجَمِيعِهَا لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَصَاحِبُ الْعِشْرِينَ مُخَالِطٌ بِالْعِشْرِينَ الَّتِي لِصَاحِبِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ نِصْفُ شَاةٍ فَأَمَّا الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةُ فَلَا خُلْطَةَ لَهُ بِهَا فَلَمْ يَرْتَفِقْ بِهَا فِي زَكَاتِهِ (وَالثَّالِثُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ صَاحِبَ الْعِشْرِينَ مُخَالِطٌ بِعِشْرِينَ فَلَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ وَصَاحِبُ السِّتِّينَ لَهُ مَالٌ مُنْفَرِدٌ وَمَالٌ مُخْتَلَطٌ وَزَكَاةُ الْمُنْفَرِدِ أَقْوَى فَغَلَبَ حُكْمُهَا (وَالرَّابِعُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ إلَّا نِصْفَ سُدُسِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ لِصَاحِبِ السِّتِّينَ أَرْبَعِينَ مُنْفَرِدَةً فَتُزَكَّى زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَكَأَنَّهُ مُنْفَرِدٌ بِسِتِّينَ شَاةً فَيَجِبُ عَلَيْهِ فِيهَا شَاةٌ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ مِنْهَا ثُلُثَا شَاةٍ وَلَهُ عِشْرُونَ مُخْتَلِطَةٌ فَتُزَكَّى زكاة الخلطة فَتُزَكَّى زَكَاةَ الْخُلْطَةِ فَكَانَ جَمِيعُ الثَّمَانِينَ مُخْتَلِطَةً فَيَخُصُّ الْعِشْرِينَ مِنْهَا رُبْعُ شَاةٍ فَتَجِبُ عَلَيْهِ شاة الانصف سُدُسِ شَاةٍ ثُلُثَا شَاةٍ فِي الْأَرْبَعِينَ الْمُنْفَرِدَةِ وَرُبْعُ شَاةٍ فِي الْعِشْرِينَ الْمُخْتَلِطَةِ وَأَقَلُّ عَدَدٍ يُخْرَجُ مِنْهُ رُبْعٌ وَثُلُثَانِ اثْنَا عَشَرَ الثُّلُثَانِ مِنْهَا ثَمَانِيَةٌ وَالرُّبُعُ مِنْهَا ثَلَاثَةٌ فَذَلِكَ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا مِنْ شَاةٍ وَيَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ تَثْبُتُ فِي حَقِّهِ فِي الْأَرْبَعِينَ الْحَاضِرَةِ}
*
(فَرْعٌ)
وَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ سِتُّونَ شَاةً فَخَالَطَ بِكُلِّ عِشْرِينَ رَجُلًا لَهُ عِشْرُونَ شَاةً فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ عَلَى مَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ رحمه الله فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا يُجْعَلُ بِضَمِّ الْغَنَمِ بَعْضُهَا إلى بعض وهل كان جميعها مختلطة فيحب فِيهَا شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ نِصْفُهَا وَعَلَى الشُّرَكَاءِ نِصْفُهَا عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ سُدُسُ شَاةٍ وَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا إنَّ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ يَجِبُ هَهُنَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ شَاةٌ لِأَنَّ غَنَمَهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا مُنْفَرِدَةٌ فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثَابِتَةٌ فِي الْعِشْرِينَ
الَّتِي لَهُ وَفِي الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِهِ وَمَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا إنَّهُ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ يَجِبُ هَهُنَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ ضَمُّ الْأَمْلَاكِ الثَّلَاثَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ لِأَنَّهَا مُتَمَيِّزَةٌ فِي شُرُوطِ الْخُلْطَةِ (وَأَمَّا) السِّتُّونَ فَإِنَّهُ يُضَمُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ بِحُكْمِ الْمِلْكِ وَلَا يُمْكِنُ ضَمُّ كُلِّ عِشْرِينَ مِنْهَا إلى واحد من الثلاثة الثَّلَاثَةِ فَيُقَالُ لِصَاحِبِ السِّتِّينَ قَدْ انْضَمَّ غَنَمُكَ بعضا إلَى بَعْضٍ فَضُمَّ السِّتِّينَ إلَى غَنَمِ مَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ فَتَصِيرُ ثَمَانِينَ فَتَجِبُ فِيهَا شَاةٌ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّ الْخُلْطَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي الاربعين
* {فصل} فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان
* قال أبو اسحق إذا وجد ما يجب علي كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن ياخذ من أي النصيبين شاء
* وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ أن ياخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب احدهما لانا جعلنا المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع علي خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لانه غارم فكان القول قوله كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لانه ظلمه فلا يرجع به على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال علي قول مالك فانه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لانه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة فانها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه
(والثانى)
يرجع وهو الصحيح لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الْكَبِيرَةَ عن السخال}
*
{الشرح} قال أصحابنا رحمهم الله تعالى
* إذا لَمْ يَكُنْ لِلْخَلِيطَيْنِ حَالَةُ انْفِرَادٍ بِأَنْ وَرِثَا مَاشِيَةً
أَوْ مَلَكَاهَا بِسَبَبٍ آخَرَ كَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ دفعة واحدة شائعة أو مخلوطة وأدما الْخُلْطَةَ سَنَةً كَامِلَةً زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ وَكَذَا لَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ دُونَ النصاب وبلغ بالخلط نِصَابًا زَكَّيَا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ قَطْعًا (فَأَمَّا) إذَا انْعَقَدَ الْحَوْلُ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ فَقَدْ يَتَّفِقُ ذَلِكَ فِي حَوْلِ الْخَلِيطَيْنِ جَمِيعًا وَقَدْ يَقَعُ فِي حَقِّ أَحَدِهِمَا فَإِنْ اتَّفَقَ فِي حَقِّهِمَا فَتَارَةً يَتَّفِقُ حَوْلَاهُمَا وَتَارَةً يَخْتَلِفَانِ فَإِنْ اتَّفَقَا بِأَنْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ خَلَطَاهَا فِي أَوَّلِ صَفَرٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ (الْقَدِيمُ) ثُبُوتُ الْخُلْطَةِ فَيَجِبُ فِي الْمُحَرَّمِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ بِآخِرِ الْحَوْلِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهُ مِائَةٌ وَإِحْدَى وَعِشْرُونَ شَاةً فَتَلِفَتْ وَاحِدَةٌ مِنْهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ لَمْ يَجِبْ إلَّا شَاةٌ
* وَلَوْ كَانَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ فَوَلَدَتْ وَاحِدَةٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ وَجَبَ شَاتَانِ (وَالثَّانِي) وَهُوَ الْجَدِيدُ الصَّحِيحُ لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى بَلْ يُزَكِّيَانِ فِيهَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ
* وَاحْتَجَّ لَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَخَالَطَ فِي بَعْضِهِ فَلَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ كَمَا لَوْ كَانَتْ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَإِنَّهَا لَا تَثْبُتُ حِينَئِذٍ بِلَا خِلَافٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَالْجَوَابُ عَنْ حُجَّةِ الْقَدِيمِ أَنَّ هُنَاكَ لَوْ وُجِدَتْ زِيَادَةُ الشَّاةِ أَوْ عَلَفُهَا قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ تَغَيَّرَتْ الزَّكَاةُ وَلَوْ وُجِدَتْ الْخُلْطَةُ قَبْلَ الْحَوْلِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَمْ تَثْبُتْ بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَمْ يَضْبِطْ الْجُمْهُورُ الزَّمَنَ الَّذِي يُعْتَبَرُ مِنْ الْحَوْلِ لِجَرَيَانِ الْقَوْلَيْنِ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِي كِتَابِهِ مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ فَقَالَ يَجْرِي الْقَوْلَانِ مَتَى خَلَطَا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِزَمَنٍ لَوْ عُلِفَتْ الْمَاشِيَةُ فِيهِ صَارَتْ مَعْلُوفَةً وَسَقَطَ حُكْمُ السَّوْمِ قَالَ وَذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَهَذَا اخْتِيَارُهُ وَفِيهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي مَوْضِعِهِ قَالَ وَإِنْ خَلَطَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لَمْ تَثْبُتْ الْخُلْطَةُ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يبق الا يوم لم تثبت الْخُلْطَةُ وَأَجَابَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ عَنْ حُجَّةِ الْقَدِيمِ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِحَالِ الْوُجُوبِ إنَّمَا هُوَ إذَا كَانَتْ الْفَائِدَةُ وَالنَّمَاءُ مِنْ عَيْنِ الْمَالِ كَالسِّخَالِ الْمُتَوَلِّدَةِ فَأَمَّا مَا حَصَلَ مِنْ غَيْرِ الْمَالِ كَسِخَالٍ اشْتَرَاهَا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنَّهَا لَا تُضَمُّ وَهَذَا هُوَ نَظِيرُ الْخُلْطَةِ في أثناء الحول فانها ضم غَيْرَهُ إلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ
المصنف والاصحاب (وأما) في السنة الثانية فما بَعْدَهَا فَيُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ بِلَا خِلَافٍ عَلَى الْقَدِيمِ وَالْجَدِيدِ وَعِنْدَ ابْنِ سُرَيْجٍ وَجَمِيعِ الْأَصْحَابِ ولا يجئ فِيهِ خِلَافُ ابْنِ سُرَيْجٍ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ حَوْلُهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ هُنَا اتَّفَقَ الْحَوْلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (أَمَّا) إذَا اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا بِأَنْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا فِي
أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَالْآخَرُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَخَلَطَا فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلَيْنِ السَّابِقِينَ عِنْدَ اتِّفَاقِ الْحَوْلِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْجَدِيدِ لَزِمَ الْأَوَّلَ عِنْدَ أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ شَاةٌ وَلَزِمَ الثَّانِي فِي أَوَّلِ صَفَرٍ شَاةٌ أَيْضًا (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ نِصْفُ شَاةٍ وَأَمَّا بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى فَيَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ عَلَى ثُبُوتِ حُكْمِ الْخُلْطَةِ فَيَكُونُ عَلَى الْأَوَّلِ نِصْفُ شَاةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ مُحَرَّمٍ وَعَلَى الْآخَرِ نِصْفُ شَاةٍ فِي أَوَّلِ كُلِّ صَفَرٍ وَفِيهِ وَجْهٌ ضَعِيفٌ أَنَّهُ لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ فَيُزَكِّيَانِ أَبَدًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ لِاخْتِلَافِ حَوْلِهِمَا أَبَدًا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ عَنْ ابْنُ سُرَيْجٍ وَهُوَ أَنَّهُ خَرَّجَهُ مِنْ الْقَوْلِ الْجَدِيدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ لَيْسَ هُوَ لِابْنِ سُرَيْجٍ بَلْ هُوَ لِغَيْرِهِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى ضعفه لانهما ارتفقا بالخلطة في سَنَةً كَامِلَةً فَصَارَ كَمَا لَوْ اتَّفَقَ حَوْلُهُمَا (أَمَّا) إذَا اتَّفَقَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمُ الِانْفِرَادِ دُونَ الْآخَرِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ وَمَلَكَ الْآخَرُ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ وَخَلَطَهَا حِينَ مَلَكَهَا أَوْ خَلَطَ الْأَوَّلُ أَرْبَعِينَهُ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ بِأَرْبَعِينَ لِغَيْرِهِ ثُمَّ بَاعَ الثَّانِي أَرْبَعِينَهُ لِثَالِثٍ فَقَدْ ثَبَتَ لِلْأَوَّلِ حُكْمُ الِانْفِرَادِ شَهْرًا وَلَمْ يَنْفَرِدْ الثَّانِي أَصْلًا فَتُبْنَى عَلَى الْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا فَإِذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَ الْأَوَّلَ شَاةٌ فِي الْجَدِيدِ وَنِصْفُهَا فِي الْقَدِيمِ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَ الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ فِي الْقَدِيمِ وَعَلَى الْجَدِيدِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا المصنف والاصحاب (اصحهما) يلزمه نصف شاة لان غَنَمِهِ لَمْ تَنْفَكَّ عَمَّا بَعْدَ الْحَوْلِ الْأَوَّلِ فَتَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ (وَعَلَى الْوَجْهِ الضَّعِيفِ) الْمَنْسُوبِ إلَى ابْنِ سُرَيْجٍ لَا تَثْبُتُ أَبَدًا وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ حُجَّةِ الْوَجْهِ الثَّانِي فِي الْمُشْتَرَى فِي صَفَرٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِكَوْنِ الْمَالِكِ فِي الْمُحَرَّمِ لَمْ يَرْتَفِقْ بِخُلْطَتِهِ فَلَا يَرْتَفِقُ هُوَ بِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْتَفِقُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إذَا حَالَ الْحَوْلُ الثَّانِي عَلَى الْمَالِكِ فِي الْمُحَرَّمِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي زَكَاةَ الْخُلْطَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ خِلَافًا لِابْنِ سُرَيْجٍ ثُمَّ لَوْ تَفَاصَلَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ الثَّانِي لَزِمَ الثَّانِي شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ فَقَدْ
ارْتَفَقَ بِالْخُلْطَةِ الْأَوَّلُ دُونَ الثَّانِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي صُوَرٍ بَنَاهَا الْأَصْحَابُ عَلَى هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ (مِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَرْبَعِينَ أَوَّلَ صَفَرٍ فَعَلَى الْجَدِيدِ إذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَهُ لَلْأَرْبَعِينَ الْأُولَى شَاةٌ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَهُ لَلْأَرْبَعِينَ الثَّانِيَةِ نِصْفُ شَاةٍ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَعَلَى الثَّانِي شَاةٌ.
وَعَلَى الْقَدِيمِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ شَاةٍ لِكُلِّ أَرْبَعِينَ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا ثُمَّ يُتَّفَقُ الْقَوْلَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ.
وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ الْأُولَى عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ شَاةٌ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَهَكَذَا أَبَدًا مَا لَمْ يَنْقُصْ النِّصَابُ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ كَمَا تَمْتَنِعُ الْخُلْطَةُ فِي حَقِّ الشَّخْصَيْنِ عِنْدَ اخْتِلَافِ التَّارِيخِ تَخْتَلِفُ فِي
مَلِكَيْ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ صَفَرٍ ثُمَّ أَرْبَعِينَ فِي أَوَّلِ شَهْرِ رَبِيعٍ فَعَلَى الْقَدِيمِ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ثُلُثُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهَا وَعَلَى الْجَدِيدِ فِي الْأُولَى لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ وَفِيمَا يَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ لِتَمَامِ حَوْلِهَا وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) ثُلُثُ شَاةٍ
(وَالثَّانِي)
شَاةٌ ثُمَّ يَتَّفِقُ الْقَوْلَانِ فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَعَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَجِبُ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ لِتَمَامِ حَوْلِهَا شَاةٌ كَامِلَةٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (وَمِنْهَا) لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ وَمَلَكَ آخَرُ عِشْرِينَ أَوَّلَ صَفَرٍ وَخَلَطَا عِنْدَ مِلْكِ الثَّانِي فَإِذَا جَاءَ الْمُحَرَّمُ لَزِمَ الْأَوَّلَ شَاةٌ عَلَى الْجَدِيدِ وَثُلُثَاهَا عَلَى الْقَدِيمِ وَإِذَا جَاءَ صَفَرٌ لَزِمَ الثَّانِي ثُلُثُ شَاةٍ عَلَى الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ خَالَطَ فِي جَمِيعِ حَوْلِهِ.
وَعَلَى قِيَاسِ ابْنِ سُرَيْجٍ يَلْزَمُ الْأَوَّلَ شَاةٌ أَبَدًا في كل حول ولا شئ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ أَبَدًا لِاخْتِلَافِ التَّارِيخِ وَلَوْ مَلَكَ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ثَمَانِينَ شَاةً أَوَّلَ الْمُحَرَّمِ ثُمَّ أَسْلَمَ الذِّمِّيُّ أَوَّلَ صَفَرٍ كَانَ الْمُسْلِمُ كَمَنْ انْفَرَدَ بِمَالِهِ شَهْرًا ثُمَّ خَالَطَ
* (فَرْعٌ)
جَمِيعُ مَا سَبَقَ هُوَ فِي طَرَآنِ خُلْطَةِ الْجِوَارِ فَلَوْ طَرَأَتْ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ بِأَنْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً سِتَّةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ بَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فَفِي انْقِطَاعِ حَوْلِ الْبَائِعِ طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَحَدُهُمَا) قَالَهُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إذَا انْعَقَدَ حَوْلُهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ خَلَطَا إنْ قُلْنَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُهُ وَإِنْ قُلْنَا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ انْقَطَعَ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الرَّبِيعُ وَالْمُزَنِيُّ عَنْ نَصِّهِ وَصَحَّحَهُ الْأَصْحَابُ أَنَّ الْحَوْلَ لَا يَنْقَطِعُ لِاسْتِمْرَارِ
النِّصَابِ بِصِفَةِ الِانْفِرَادِ ثُمَّ بِصِفَةِ الِاخْتِلَاطِ فَلَمْ يَتَبَعَّضْ النِّصَابُ فِي وَقْتٍ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ خَيْرَانَ خَطَأٌ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ الِانْفِرَادِ إلَى الْخُلْطَةِ لَا يَقْطَعُ الْحَوْلَ وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي زِيَادَةِ قَدْرِ الزَّكَاةِ وَنَقْصِهِ لَا فِي قَطْعِ الْحَوْلِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ الشِّرَاءِ لَزِمَ الْبَائِعَ نِصْفُ شَاةٍ لِأَنَّهُ تَمَّ حَوْلُهُ وَأَمَّا الْمُشْتَرِي فَيَنْظُرُ إنْ أَخْرَجَ الْبَائِعُ وَاجِبَهُ وَهُوَ نِصْفُ شَاةٍ مِنْ المشترك فلا شئ عَلَيْهِ لِنُقْصَانِ الْمَجْمُوعِ عَنْ النِّصَابِ قَبْلَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَإِنْ أَخْرَجَ مِنْ غَيْرِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ يَنْبَنِي عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالذِّمَّةِ لَزِمَهُ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ (وَإِنْ قُلْنَا) بِالْعَيْنِ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَكَثِيرِينَ الْجَزْمُ بِانْقِطَاعِ حول المشترى فلا يلزمه شئ لانه بمجرد دخول الحول زال مالك الْبَائِعِ عَنْ نِصْفِ شَاةٍ مِنْ نَفْسِ النِّصَابِ فَنَقَصَ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ أَبِي اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَهُوَ مَشْهُورٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ فِيهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْمُشْتَرِي بَلْ يَلْزَمُهُ نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حوله واستدل له المنصف وَغَيْرُهُ بِأَنَّهُ إذَا أَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ النِّصَابِ تَبَيَّنَّا أَنَّ الزَّكَاةَ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِالْعَيْنِ وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: إذَا بَاعَ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ وَأَخْرَجَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ صَحَّ الْبَيْعُ
وَضَعَّفَ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ هَذَا الطَّرِيقَ بِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ زَالَ وَإِنَّمَا يَعُودُ بِالْإِخْرَاجِ مِنْ غَيْرِهِ وَمَأْخَذُ الْخِلَافِ أَنَّ إخْرَاجَ الزَّكَاةِ مِنْ مَوْضِعٍ هَلْ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمِلْكِ عَنْ قَدْرِ الزَّكَاةِ أَمْ لَا يَمْنَعُهُ وَإِنَّمَا يُفِيدُ عَوْدُهُ بَعْدَ الزوال وفيه خلاف (وأما) إذَا بَاعَ مِنْ الْأَرْبَعِينَ عِشْرِينَ بِعَيْنِهَا (فَإِنْ) أَفْرَدَهَا قَبْلَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ وَسَلَّمَهَا إلَى الْمُشْتَرِي مُنْفَرِدَةً زَالَتْ الْخُلْطَةُ إنْ كَثُرَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ فَإِنْ خَلَطَهَا بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَا الْحَوْلَ وَإِنْ كَانَ زَمَنُ التَّفْرِيقِ يَسِيرًا فَفِي انْقِطَاعِ حَوْلِ الْبَائِعِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) الِانْقِطَاعُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهُوَ الْأَوْفَقُ لِكَلَامِ الْأَكْثَرِينَ وَإِنْ لَمْ يُفْرِدْهَا بَلْ تَرَكَ الْأَرْبَعِينَ مُخْتَلِطَةً وَبَاعَهُ الْعِشْرِينَ الْمُعَيَّنَةَ وسلم إليه جميع الاربعين لتصير العشرين مَقْبُوضَةً فَطَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (الْمَذْهَبُ) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ كَمَا لَوْ بَاعَ النِّصْفَ مُشَاعًا فَلَا يَنْقَطِعُ حَوْلُ الْبَائِعِ فِي الْعِشْرَيْنِ الْبَاقِيَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) يَنْقَطِعُ الِانْفِرَادُ بِالْبَيْعِ وَضَعَّفَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّ الِاخْتِلَاطَ لَمْ يَزُلْ فَلَمْ يَزُلْ حُكْمُهُ
وَهَذِهِ الصُّورَةُ هِيَ مِنْ خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَإِنَّمَا ذَكَرْتُهَا لِتَعَلُّقِهَا بِمَا قَبْلَهَا وَلَوْ مَلَكَ ثَمَانِينَ شَاةً فَبَاعَ نِصْفَهَا مُشَاعًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يَنْقَطِعْ حَوْلُ الْبَائِعِ فِي النِّصْفِ الْبَاقِي وَفِي وَاجِبِهِ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) نِصْفُ شَاةٍ
(وَالثَّانِي)
شَاةٌ وَقَدْ سَبَقَ تَوْجِيهُهُمَا وَلَوْ كَانَ لِهَذَا أَرْبَعُونَ وَلِهَذَا أَرْبَعُونَ فَبَاعَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ غَنَمِهِ بِغَنَمِ صَاحِبِهِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ حَوْلَاهُمَا واستأنفا من وقت المبايعة لا نقطاع الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَلَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا نِصْفَ غَنَمِهِ شَائِعًا بِنِصْفِ غَنَمِ صَاحِبِهِ شَائِعًا فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ والأربعينان مُتَمَيِّزَتَانِ فَحُكْمُ الْحَوْلِ فِيمَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَرْبَعِينِهِ كَمَا إذَا كَانَ لِلْوَاحِدِ أَرْبَعُونَ فَبَاعَ نِصْفَهَا شَائِعًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ فَإِذَا تَمَّ حَوْلُ مَا بَقِيَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهَذَا مَالٌ ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ الِانْفِرَادِ ثُمَّ طَرَأَتْ الْخُلْطَةُ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ (الْقَدِيمُ) أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُ شَاةٍ (وَالْجَدِيدُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَإِذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ حِينِ التَّبَايُعِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ لِلْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَاهُ رُبْعُ شَاةٍ عَلَى الْقَدِيمِ وَفِي الْجَدِيدِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) رُبْعُ شَاةٍ
(وَالثَّانِي)
نِصْفُهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
إذَا طَرَأَ الِانْفِرَادُ عَلَى الْخُلْطَةِ انْقَطَعَتْ فَيُزَكِّي كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ إنْ بَلَغَ نِصَابًا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ مِنْ حِينِ الْمِلْكِ وَلَوْ كَانَتْ بَيْنَهُمَا أَرْبَعُونَ مُخْتَلِطَةً فَخَالَطَهُمَا ثَالِثٌ بِعِشْرِينَ فِي أَثْنَاءِ حَوْلِهِمَا ثُمَّ مَيَّزَ أَحَدُ الْأَوَّلِينَ ماله قبل تمام الحول فلا شئ عَلَيْهِ عِنْدَ مُضِيِّ الْحَوْلِ لِنُقْصَانِ النِّصَابِ وَيَجِبُ عَلَى الثَّانِي نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ وَعَلَى الثَّالِثِ أَيْضًا نِصْفُ شَاةٍ عِنْدَ تَمَامِ حوله وفيه وجه ابن سريح.
وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا ثَمَانُونَ مُشْتَرَكَةً فَقَسَمَاهَا بَعْدَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ (فَإِنْ قُلْنَا) الْقِسْمَةُ إفْرَازُ حَقٍّ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ شَاةٌ (وَإِنْ قُلْنَا) بَيْعٌ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ عِنْدَ تَمَامِ بَاقِي الْحَوْلِ وَهُوَ مُضِيُّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ
نِصْفُ شَاةٍ ثُمَّ إذَا مَضَى حَوْلٌ مِنْ وَقْتِ الْقِسْمَةِ لَزِمَ كُلَّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ لِمَا مَلَكَهُ وَهَكَذَا أَبَدًا فِي كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَلْزَمُهُ عِنْدَ مُضِيِّ كُلِّ سِتَّةِ أَشْهُرٍ نصف شاة وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
إذَا اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ مَاشِيَةٌ مُخْتَلِطَةٌ وَغَيْرُ مُخْتَلِطَةٍ مِنْ جِنْسِهَا بِأَنْ مَلَكَ سِتِّينَ شَاةً خَالَطَ بِعِشْرَيْنِ مِنْهَا عشرين لغيره خلط جِوَارٍ أَوْ شُيُوعٍ وَانْفَرَدَ بِالْأَرْبَعِينَ الْبَاقِيَةِ فَكَيْفَ يُزَكَّيَانِ
فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ عِنْدَ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ (أَصَحُّهُمَا) وَعَلَيْهِ فَرَّعَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ عَنْ النَّصِّ غَيْرَهُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ سُرَيْجٍ وَأَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْخُلْطَةَ مِلْكٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فِي الثَّمَانِينَ وَتَصِيرُ كَأَنَّهَا كُلُّهَا مُخْتَلِطَةٌ لِأَنَّ مَالَ الْوَاحِدِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَإِنْ تَفَرَّقَ وَتَعَدَّدَتْ بُلْدَانُهُ وَالْخُلْطَةُ تَجْعَلُ الْمَالَيْنِ كَمَالٍ وَاحِدٍ فَعَلَى هَذَا يَصِيرُ صَاحِبُ السِّتِّينَ مُخَالِطًا بِجَمِيعِ السِّتِّينَ لِصَاحِبِ الْعِشْرِينَ وَوَاجِبُ الثَّمَانِينَ شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ رُبْعُ شَاةٍ وَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) أَنَّهَا خُلْطَةُ عَيْنٍ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَقْصُرُ حُكْمُهَا عَلَى عَيْنِ الْمُخْتَلَطِ لِأَنَّهُ الْمُخْتَلَطُ حَقِيقَةً فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ نِصْفُ شَاةٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ خَلِيطُ عِشْرِينَ وَفِي صَاحِبِ السِّتِّينَ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ (أصحها) وَهُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَلْزَمُهُ شَاةٌ لِأَنَّ لَهُ مَالَيْنِ مُخْتَلَطًا وَمُنْفَرِدًا وَالْمُنْفَرِدُ أَقْوَى فَغَلَبَ حُكْمُهُ فَصَارَ كَمَنْ لَهُ سِتُّونَ شَاةً مُنْفَرِدَةً (وَالثَّانِي) يَلْزَمُهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّ مَالَهُ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَقَدْ ثَبَتَ لِبَعْضِهِ حُكْمُ الْخُلْطَةِ فَكَأَنَّهُ خَلَطَ سِتِّينَ بِعِشْرِينَ (وَالثَّالِثُ) يَلْزَمُهُ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ شَاةٍ وَنِصْفُ سُدُسٍ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثَا شَاةٍ وَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِجَمِيعِ السِّتِّينَ وَيَخُصُّ الْعِشْرِينَ رُبْعُ شَاةٍ كَأَنَّهُ خَالَطَ بِالْجَمِيعِ وَهَذَا اخْتِيَارُ أَبِي زَيْدٍ المروزى والحصري (وَالرَّابِعُ) يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَسُدُسُ شَاةٍ يَخُصُّ الْأَرْبَعِينَ ثُلُثَانِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفٌ مُوَافَقَةً لِخَلِيطِهَا حَكَوْهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ (وَالْخَامِسُ) يَلْزَمُهُ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَكَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِأَرْبَعِينَ وَخَالَطَ بِعِشْرِينَ حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ وَقَالُوا هُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ (أَمَّا) إذَا خَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِغَيْرِهِ وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَرْبَعُونَ منفردة ففى واجبهما القولان ان فلنا خُلْطَةَ مِلْكٍ فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا لِأَنَّ الْجَمِيعَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنْ قُلْنَا خُلْطَةُ عَيْنٍ فَفِيهِ سَبْعَةُ أَوْجُهٍ فَرَّقَهَا الْأَصْحَابُ وَجَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ (أَصَحُّهَا) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ تَغْلِيبًا لِلِانْفِرَادِ
(وَالثَّانِي)
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ شَاةٍ لِأَنَّ لَهُ سِتِّينَ مُخَالَطَةً لِعِشْرِينَ (وَالثَّالِثُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُ شَاةٍ وَكَأَنَّ الْجَمِيعَ مُخْتَلَطٌ (وَالرَّابِعُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ خَمْسَةُ أَسْدَاسٍ وَنِصْفُ سُدُسٍ حِصَّةُ الْأَرْبَعِينَ مِنْهَا ثُلُثَانِ كَأَنَّهُ انْفَرَدَ بِكُلِّ مَالِهِ وَحِصَّةُ الْعِشْرِينَ رُبْعٌ كَأَنَّهُ خَالَطَ السِّتِّينَ بِالْعِشْرِينِ (وَالْخَامِسُ) عَلَى كُلِّ واحد خمسة أسداس فقط حسة العشرين منها سدس كأنة خلطها بِالْجَمِيعِ (وَالسَّادِسُ) عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَسُدُسٌ ثُلُثَانِ عَنْ الْأَرْبَعِينَ وَنِصْفٌ عَنْ الْعِشْرِينَ (وَالسَّابِعُ)
عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ وَنِصْفٌ وَلَا فَرْقَ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعُونَ الْمُنْفَرِدَةَ فِي بَلَدِ الْمَالِ الْمُخْتَلَطِ أَمْ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ سَوَاءٌ اتَّفَقَ حَوْلُ صاحب الستين وحول الآخر أم اخلتفا لَكِنْ إنْ اخْتَلَفَا زَادَ النَّظَرُ فِي التَّفَاصِيلِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْفَصْلِ السَّابِقِ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَ حَوْلَاهُمَا فَإِنْ اتَّفَقَا فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ بِلَا خِلَافٍ رُبْعُهَا عَلَى صَاحِبِ الْعِشْرِينَ وَبَاقِيهَا عَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
فِيمَا إذَا خَالَطَ ببعض ماله واحد وَبِبَعْضِهِ آخَرَ وَلَمْ يُخَالِطْ أَحَدٌ خَلِيطَهُ الْآخَرَ فَإِذَا مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً فَخَلَطَ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا وَالْعِشْرِينَ الْأُخْرَى بِعِشْرِينَ لِآخَرَ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهَا (فَإِنْ قُلْنَا) الْخُلْطَةُ خُلْطَةُ مِلْكٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ فَعَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ نصف شاة وأما الاخرين فَمَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مَضْمُومٌ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَهَلْ يُضَمُّ إلَى الْعِشْرِينَ الَّتِي لِخَلِيطِ خَلِيطِهِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُضَمُّ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) لَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ شَاةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) الْخُلْطَةُ خُلْطَةُ عَيْنٍ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْ الْعِشْرِينَيْنِ نِصْفُ شَاةٍ وَأَمَّا صَاحِبُ الْأَرْبَعِينَ فَفِيهِ الْأَوْجُهُ السَّابِقَةُ فِي الْفَصْلِ قَبْلَهُ لَكِنْ الَّذِي يَجْتَمِعُ مِنْهَا هُنَا ثَلَاثَةٌ (أَصَحُّهَا) هُنَا نِصْفُ شَاةٍ (وَالثَّانِي) شَاةٌ (وَالثَّالِثُ) ثُلُثَا شَاةٍ وَلَوْ مَلَكَ سِتِّينَ خَلَطَ كُلَّ عِشْرِينَ بِعِشْرِينَ لِرَجُلٍ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ السِّتِّينَ نِصْفُ شَاةٍ وَفِي أَصْحَابِ الْعِشْرِينَاتِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ فَعَلَى كل واحد منهم سدس شاة والافربعها وَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ الْعِشْرِينَاتِ نِصْفُ شَاةٍ وَفِي صَاحِبِ السِّتِّينَ أَوْجُهٌ (أَحَدُهَا) يَلْزَمُهُ شَاةٌ
(وَالثَّانِي)
نِصْفُهَا (وَالثَّالِثُ) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا (وَالرَّابِعُ) شَاةٌ وَنِصْفٌ عَنْ كُلِّ عِشْرِينَ نِصْفٌ وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي نَظِيرِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَأْخَذِهَا وَالْأَصَحُّ مِنْهَا وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ بَعِيرًا فَخَالَطَ بِكُلِّ خَمْسٍ خَمْسًا لِآخَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ نِصْفُ حِقَّةٍ وَفِي وَاجِبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عُشْرُ حِقَّةٍ
(وَالثَّانِي)
سُدُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خُلَطَائِهِ شَاةٌ وَفِي صَاحِبِ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ الْأَوْجُهُ
الْأَرْبَعَةُ (عَلَى الْأَوَّلِ) بِنْتُ مَخَاضٍ (وَعَلَى الثَّانِي) نِصْفُ حِقَّةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) خَمْسَةُ أَسْدَاسِ بِنْتِ مَخَاضٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) خَمْسُ شِيَاهٍ.
وَلَوْ مَلَكَ عَشَرَةَ أَبْعِرَةٍ فَخَلَطَ خَمْسًا بِخَمْسَ عَشَرَةَ لِغَيْرِهِ وَخَمْسًا بِخَمْسَ عَشَرَةَ لِآخَرَ (فَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَعَلَى صَاحِبِ الْعَشْرِ رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ وَفِي صَاحِبَيْهِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطٍ فقط فعليه ثلاثة أخمسا بِنْتِ مَخَاضٍ وَإِنْ ضَمَمْنَا إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ أَيْضًا وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ بِنْتِ لَبُونٍ.
(وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ
الْعَيْنِ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ صَاحِبَيْهِ ثَلَاثُ شِيَاهٍ وَفِي صَاحِبِ الْعَشَرِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ (عَلَى الْأَوَّلِ) يَلْزَمُهُ شَاتَانِ (وَعَلَى الثَّانِي) رُبْعُ بِنْتِ لَبُونٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) خُمُسَا بِنْتِ مَخَاضٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) شَاتَانِ كَالْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
وَلَوْ مَلَكَ عِشْرِينَ بَعِيرًا خَلَطَ كُلَّ خَمْسٍ بِخَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ لِرَجُلٍ فَإِنْ قُلْنَا بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ لَزِمَهُ الْأَغْبَطُ مِنْ نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمْسَيْ حِقَّةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ بِنَاءً عَلَى مَا سَبَقَ أَنَّ الْمِائَتَيْنِ مِنْ الابل واجبها الا غبط من خمس بنات لبون وأربع حِقَاقٍ وَجُمْلَةُ الْأُصُولِ هُنَا مِائَتَانِ وَفِيمَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَطَاءِ وَجْهَانِ إنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى خَلِيطِ خَلِيطِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لَزِمَهُ بنت لبون وثمنها وتسعة أشعار حِقَّةٍ وَإِنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى خَلِيطِهِ فَقَطْ لَزِمَهُ تِسْعَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ جَذَعَةٍ (وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ لَزِمَ كُلَّ واحد من الخلطاء تسعة أشعار حِقَّةٍ وَفِي صَاحِبِ الْعِشْرِينَ الْأَوْجَهُ (عَلَى الْأَوَّلِ) أَرْبَعُ شِيَاهٍ (وَعَلَى الثَّانِي) الْأَغْبَطُ مِنْ نِصْفِ بِنْتِ لَبُونٍ وَخُمْسَيْ حِقَّةٍ (وَعَلَى الثَّالِثِ) أَرْبَعَةُ أجزاء من ثلاثة عشر جزاء مِنْ جَذَعَةٍ (وَعَلَى الرَّابِعِ) أَرْبَعُ شِيَاهٍ كَالْأَوَّلِ.
وَكُلُّ هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إذَا اتَّفَقَتْ أَوَائِلُ الْأَحْوَالِ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ انْضَمَّ إلَى هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ مَا سَبَقَ مِنْ الْخِلَافِ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْحَوْلِ (مِثَالُهُ) فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ اخْتَلَفَ الْحَوْلُ فَيُزَكُّونَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى زَكَاةَ الِانْفِرَادِ كُلُّ وَاحِدٍ بِحَوْلِهِ وَفِي بَاقِي السِّنِينَ يُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَى الْقَدِيمِ يُزَكُّونَ فِي السَّنَةِ الْأُولَى أَيْضًا بِالْخُلْطَةِ وَعَلَى وَجْهِ ابْنِ سُرَيْجٍ لَا تَثْبُتُ لَهُمْ الْخُلْطَةُ أَبَدًا وَلَوْ خَلَطَ خَمْسَ عَشْرَةَ شَاةً بِمِثْلِهَا لِغَيْرِهِ وَلِأَحَدِهِمَا خَمْسُونَ مُنْفَرِدَةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْعَيْنِ فلا شئ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَ عَشَرَةَ لِأَنَّ الْمُخْتَلَطَ دُونَ نِصَابٍ وَعَلَى الْآخَرِ شَاةٌ عَنْ الْخَمْسِ وَالسِّتِّينَ
كمن خلط ذِمِّيًّا (وَإِنْ قُلْنَا) بِخُلْطَةِ الْمِلْكِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
لَا أَثَرَ لِهَذِهِ الْخُلْطَةِ لِنُقْصَانِ الْمُخْتَلَطِ عَنْ النِّصَابِ (وَأَصَحُّهُمَا) تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ وَتُضَمُّ الْخَمْسُونَ إلَى الثَّلَاثِينَ فَتَجِبُ شَاةٌ عَلَى صَاحِبِ الْخَمْسَ عَشْرَةَ فَقَطْ ثُمُنُ شَاةٍ وَنِصْفُ ثُمُنٍ وَالْبَاقِي عَلَى الآخر
*
* قال المصنف رحمه الله
* (1) {فاما أخذ الزكاة من مال الخلطة ففيه وجهان
* قال أبو اسحق إذا وجد ما يجب علي كل واحد منهما في ماله لم يأخذه من مال الآخر وان لم يجد الفرض إلا في مال أحدهما أو كان بينهما نصاب والواجب شاة جاز أن ياخذ من أي النصيبين شاة
* وَقَالَ أَبُو عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجُوزُ أن ياخذ من أي المالين شاء سواء وجد الفرض في نصيبهما أو في نصيب احدهما لانا جعلنا المالين كالمال الواحد فوجب أن يجوز الاخذ منهما فان أخذ الفرض من نصيب أحدهما رجع علي خليطه بالقيمة فان اختلفا في قيمة الفرض فالقول قول المرجوع عليه لانه غارم فكان القول قوله
(1) سبق طبع المتن واعادناه ثانيا طبق الاصل
كالغاصب وإن أخذ المصدق أكثر من الفرض بغير تأويل لم يرجع بالزيادة لانه ظلمه فلا يرجع به على غير الظالم وإن أخذ أكثر من الحق بتأويل بان أخذ الكبيرة من السخال علي قول مالك فانه يرجع عليه بنصف ما أخذ منه لانه سلطان فلا ينقض عليه ما فعله باجتهاده وإن أخذ منه قيمة الفرض ففيه وجهان (من) أصحابنا من قال لا يرجع عليه بشئ لان القيمة لا تجزئ في الزكاة بخلاف الكبيرة فانها تجزئ عن الصغار ولهذا لو تطوع بالكبيرة قبلت منه
(والثانى)
يرجع وهو الصحيح لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِاجْتِهَادِهِ فَأَشْبَهَ إذَا أَخَذَ الْكَبِيرَةَ عن السخال}
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا أَخْذُ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْخَلِيطَيْنِ قَدْ يَقْتَضِي التَّرَاجُعَ بَيْنَهُمَا فَيَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَقَدْ يَقْتَضِي رُجُوعَ أَحَدِهِمَا عَلَى صَاحِبِهِ دُونَ الْآخَرِ ثُمَّ الرُّجُوعُ وَالتَّرَاجُعُ يكثر ان فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ وَقَدْ يَتَّفِقَانِ فِي خُلْطَةِ الشُّيُوعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَأَمَّا) خُلْطَةُ الْجِوَارِ فَتَارَةً يُمْكِنُ السَّاعِي أَنْ يَأْخُذَ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَخُصُّهُ وَتَارَةً لَا يُمْكِنُهُ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ
أَنْ يَأْخُذَ فَرْضَ الْجَمِيعِ مِنْ نَصِيبِ أيهما شاء وَإِنْ لَمْ يَجِدْ السِّنَّ الْمَفْرُوضَ إلَّا فِي نَصِيبِ أَحَدِهِمَا أَخَذَهُ (مِثَالُهُ) أَرْبَعُونَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ عِشْرُونَ يَأْخُذُ الشَّاةَ مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَلَوْ وَجَبَتْ بِنْتُ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا إلَّا فِي أَحَدِهِمَا أَخَذَهَا مِنْهُ وَإِنْ وَجَدَهَا فِي كُلٍّ مِنْهُمَا أَخَذَهَا مِنْ أَيُّهُمَا شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةُ أَحَدِهِمَا مِرَاضًا أَوْ مَعِيبَةً أَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ الْآخَرِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ (أَمَّا) إذَا أَمْكَنَهُ أَخْذُ الْفَرْضِ الَّذِي عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ فَفِيهِ وَجْهَانِ
(أحدهما)
ونقله المصنف والاصحاب عن أبى إسحق يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مَا يَخُصُّهُ وَلَا يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ لِيُغْنِيَهُمَا عَنْ التَّرَاجُعِ (وَأَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي هريرة وجمهور أصحابنا المقتدمين وَصَحَّحَهُ الْمُصَنِّفُ يَأْخُذُ مِنْ جَنْبِ الْمَالِ مَا اتَّفَقَ وَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ وَلَهُ تَعَمُّدُ الْأَخْذِ مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَخْذِ حِصَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ مَالِهِ وَسَوَاءٌ الْأَخْذُ مِمَّنْ لَهُ أَقَلُّ الْجُمْلَةِ أَوْ أَكْثَرُهَا بَلْ لو اخذ كما قال أبو اسحق ثَبَتَ التَّرَاجُعُ أَيْضًا هَكَذَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ وَسَيَأْتِي مِنْ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يُخَالِفُهُ عِنْدَ النَّقْلِ عَنْ صَاحِبِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَالَيْنِ كَمَالٍ وَاحِدٍ (مِثَالُ الْإِمْكَانِ) لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخَلِيطَيْنِ أَوْ الْخُلَطَاءِ مِائَةُ شَاةٍ أَمْكَنَ أَخْذُ شَاةٍ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ ثَلَاثُونَ وَأَمْكَنَ أَخْذُ مُسِنَّةٍ مِنْ الْأَوَّلِ وَتَبِيعٍ مِنْ الثَّانِي (أَمَّا كَيْفِيَّةُ الرُّجُوعِ (فَإِذَا) خَلَطَ عِشْرِينَ مِنْ الْغَنَمِ بِعِشْرِينَ فَأَخَذَ السَّاعِي شَاةً مِنْ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا لَا بِنِصْفِ شَاةٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِثْلِيَّةً وَلَا يُقَالُ أَيْضًا يَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الشَّاةِ لِأَنَّ نِصْفَ الْقِيمَةِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَةِ النِّصْفِ فَإِنَّ الشَّاةَ قَدْ تَكُونُ جُمْلَتُهَا تُسَاوِي عِشْرِينَ وَلَا يَرْغَبُ أَحَدٌ فِي نِصْفِهَا بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَانِيَةٍ لِضَرَرِ الْبَعْضِ فَنِصْفُ الْقِيمَةِ عَشْرَةٌ وَقِيمَةُ النِّصْفِ
ثَمَانِيَةٌ وَإِنَّمَا قُلْنَا يَرْجِعُ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لَا بِقِيمَةِ النِّصْفِ لِأَنَّ الشَّاةَ الْمَأْخُوذَةَ أُخِذَتْ عَنْ جُمْلَةِ الْمَالِ فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ قِيمَةُ جُمْلَتِهَا مُوَزَّعَةً عَلَى جُمْلَةِ الْمَالِ وَلَوْ قُلْنَا قِيمَةُ النِّصْفِ لَأَجْحَفْنَا بِالْمَأْخُوذِ مِنْهُ الشَّاةُ فَاعْتَمِدْ مَا نَبَّهْتُ عَلَيْهِ وَلَا تَغْتَرَّ بِقَوْلِ بَعْضِهِمْ قِيمَةُ النِّصْفِ فَإِنَّهُ مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ كَمَا أَوْضَحْتُهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُونَ شَاةً ولآخر عشرة فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاةَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبْعِ قِيمَتِهَا وَإِنْ أَخَذَهَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْقِيمَةِ عَلَى صَاحِبِ
الثَّلَاثِينَ.
وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَلِلْآخَرِ خَمْسُونَ فَأَخَذَ السَّاعِي الشَّاتَيْنِ الْوَاجِبَتَيْنِ مِنْ صَاحِبِ الْمِائَةِ رَجَعَ عَلَى صَاحِبِهِ بِثُلُثِ قِيمَةِ الشَّاتَيْنِ وَلَا نَقُولُ بِقِيمَةِ ثُلُثَيْ شَاةٍ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ صَاحِبِ الْخَمْسِينَ رَجَعَ بِثُلُثَيْ قِيمَتِهَا وَلَوْ كَانَ نِصْفُ الشِّيَاهِ لِهَذَا وَنِصْفُهَا لِهَذَا رَجَعَ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ فَإِنْ تَسَاوَتْ الْقِيمَتَانِ فَفِيهِ أَقْوَالُ التَّقَاصِّ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ وَقَدْ ذكرها المصنف والاصحاب في كتاب الكتابة (أصحها) يَسْقُطُ أَحَدُ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ على رضاهما ولارضاء أَحَدِهِمَا (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ رِضَا أَحَدِهِمَا (وَالثَّالِثُ) يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا (وَالرَّابِعُ) لَا يَسْقُطُ وَإِنْ رَضِيَا وَمَحِلُّ الْأَقْوَالِ إذَا اسْتَوَى الدَّيْنَانِ جِنْسًا وَقَدْرًا وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ جَرَتْ الْأَقْوَالُ فِيمَا اتَّفَقَا فِيهِ.
وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا ثَلَاثُونَ بَقَرَةً وَلِلْآخَرِ أَرْبَعُونَ فَوَاجِبُهُمَا تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ أَرْبَعَةُ أَسْبَاعِهِمَا وَعَلَى الْآخَرِ ثَلَاثَةُ أَسْبَاعِهِمَا فَإِنْ أَخَذَهُمَا السَّاعِي مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ رَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ وَإِنْ أَخَذَهُمَا مِنْ الْآخَرِ رَجَعَ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِمَا وَإِنْ أَخَذَ التَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ رَجَعَ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِهِ وَإِنْ أَخَذَ الْمُسِنَّةَ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ وَالتَّبِيعَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ فَقَدْ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ يَرْجِعُ صَاحِبُ الْمُسِنَّةِ بِثَلَاثَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهَا وَصَاحِبُ التَّبِيعِ بِأَرْبَعَةِ أَسْبَاعِ قِيمَتِهِ وَأُنْكِرَ هَذَا عَلَى إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُوَافِقِيهِ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه نَصَّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ صَاحِبُ جَمْعِ الْجَوَامِعِ فِي مَنْصُوصَاتِ الشَّافِعِيِّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَوْ كَانَتْ غَنَمُهُمَا سَوَاءً وَوَاجِبُهُمَا شَاتَانِ فَأَخَذَ مِنْ غَنَمِ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً وَكَانَتْ قِيمَةُ الشَّاتَيْنِ الْمَأْخُوذَتَيْنِ مُخْتَلِفَةً لَمْ يَرْجِعْ وَاحِدٌ منهما على صاحبه بشئ لانه لم يأخذ منه الاما عَلَيْهِ فِي غَنَمِهِ لَوْ كَانَتْ مُنْفَرِدَةً هَذَا نَصُّهُ بِحُرُوفِهِ وَفِيهِ تَصْرِيحٌ بِمُخَالَفَةِ مَا ذَكَرُوهُ وَأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا أَخَذَ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثِينَ تَبِيعًا وَمَنْ صَاحِبِ الْأَرْبَعِينَ مُسِنَّةً فَلَا تَرَاجُعَ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِائَةُ شَاةٍ فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَلَا تَرَاجُعَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعُوهُ أَنَّهُ يَرْجِعُ كُلُّ وَاحِدٍ بِنِصْفِ قِيمَةِ شَاةٍ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ خِلَافُ النَّصِّ
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَخِلَافُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَصْحَابِنَا الْعِرَاقِيِّينَ وَخِلَافُ الرَّاجِحِ دَلِيلًا فَالْأَصَحُّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ
الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا تَرَاجُعَ إذَا أَخَذَ مِنْ مَالِ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ فَرْضِهِ فِي الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ
* (فَرْعٌ)
لَوْ ظَلَمَ السَّاعِي فَأَخَذَ مِنْ أَحَدِهِمَا شَاتَيْنِ وَوَاجِبُهُمَا شَاةٌ واحدة أو أخذ نفيسة كلما خض وَالرُّبَى وَحَزَرَاتِ الْمَالِ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ قِيمَةِ الْوَاجِبِ لَا قِيمَةِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّ السَّاعِي ظَلَمَهُ فَلَا يُطَالِبُ غَيْرَ ظَالِمِهِ وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ بَاقِيًا استرده وأعطاه الواجب والااسترد الفضل والفرض ساقط عنه وهذا كُلُّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ أَخَذَ زِيَادَةً بِتَأْوِيلٍ بِأَنْ أَخَذَ كَبِيرَةً عَنْ السِّخَالِ عَلَى مَذْهَبِ مَالِكٍ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِهِمْ يَرْجِعُ بِنِصْفِ قِيمَةِ مَا أُخِذَ مِنْهُ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) حَكَاهُ الْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ وَجْهَانِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْقِيمَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (أَصَحُّهُمَا) يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ
(وَالثَّانِي)
لَا يَرْجِعُ بِهَا وَلَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ أَحَدِهِمَا قِيمَةَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا فَوَجْهَانِ مَشْهُورَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ وَالْأَصْحَابِ يُجْزِئُهُ وَيَرْجِعُ عَلَى خَلِيطِهِ بِنِصْفِ الْمَأْخُوذِ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ اتفق الاصحاب علي تصحيحه ونقل الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي المجرد والبندنيجي وصاحب الحاوى والمحالي وَآخَرُونَ عَنْ نَصِّهِ فِي الْأُمِّ قَالُوا وَهُوَ الصحيح وقول ابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) لَا يُجْزِئُهُ دفع القيمة ولا يرجع علي خليطه بشئ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ الْوَاجِبَ وَنَقَلَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ هذا الوجه عن ابى اسحق الْمَرْوَزِيِّ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ
* (فَرْعٌ)
* حَيْثُ ثَبَتَ لا حدهما الرُّجُوعُ عَلَى الْآخَرِ بِقِسْطِهِ مِنْ الْمَأْخُوذِ وَنَازَعَهُ فِي الْقِيمَةِ وَلَا بَيِّنَةَ وَتَعَذَّرَ مَعْرِفَتُهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْجُوعِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ غَارِمٌ هَكَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ وَلَا خِلَافَ فِيهِ
* (فَرْعٌ)
هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ كُلَّهُ فِي خُلْطَةِ الْجِوَارِ (أَمَّا) خُلْطَةُ الِاشْتِرَاكِ (فَإِنْ) كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ جِنْسِ الْمَالِ فَأَخَذَهُ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ الْمَالِ فَلَا تَرَاجُعَ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ كَالشَّاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ رَجَعَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ عَلَى شَرِيكِهِ بِنِصْفِ قِيمَتِهَا إنْ كانت شركتهما مناصفة أو بالثلث أَوْ الرُّبْعِ عَلَى حَسْبِ الشَّرِكَةِ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ مُنَاصَفَةً فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَعَلَى قَوْلِ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَمُتَابِعِيهِ يتراجعان ان اختلفت القيمة فان تساوت فيه أَقْوَالُ التَّقَاصِّ وَعَلَى الْأَصَحِّ
الْمَنْصُوصِ لَا تَرَاجُعَ كَمَا سَبَقَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
* قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: وَلَا يُتَصَوَّرُ التَّرَاجُعُ فِي خُلْطَةِ الِاشْتِرَاكِ إلَّا فِي صورتين (احدهما) إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ فِي خَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ (وَالثَّانِيَةُ) إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَكِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ نَفْسُ الْمَفْرُوضِ كَخَمْسٍ وَعِشْرِينَ بَعِيرًا لَيْسَ فِيهَا بنت مخاض
وَأَرْبَعِينَ شَاةً لَيْسَ فِيهَا جَذَعَةٌ وَلَا ثَنِيَّةٌ فَأَخَذَ الْفَرْضَ مِنْ أَحَدِهِمَا رَجَعَ عَلَى شَرِيكِهِ بقسطه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَالَ أَصْحَابُنَا هَلْ تُؤَثِّرُ الْخُلْطَةُ فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ وَهِيَ الثِّمَارُ وَالزُّرُوعُ وَالنِّقْدَانِ وَعُرُوضُ التجارة (أما) خلطة الاشتراك (ففيها) لقولان اللذان ذكرهما المصنف بدليلهما (الْقَدِيمُ) لَا تَثْبُتُ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ تَثْبُتُ (وَأَمَّا) خُلْطَةُ الْجِوَارِ فَفِيهَا طُرُقٌ قَالَ الْمُصَنِّفُ وَآخَرُونَ فِيهَا الْقَوْلَانِ وَقَالَ آخَرُونَ لَا تَثْبُتُ فِي الْقَدِيمِ وَفِي ثُبُوتِهَا فِي الْجَدِيدِ قَوْلَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَجْهَانِ وَقَالَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيّ وَالشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ لَا تَثْبُتُ خُلْطَةُ الْجِوَارِ فِي النَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ وَفِي ثُبُوتِهَا فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ الْقَوْلَانِ وَالْجُمْهُورُ عَلَى تَرْجِيحِ ثُبُوتِهَا وَصَحَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ عَدَمَ ثُبُوتِهَا وَإِذَا اخْتَصَرْت قُلْت فِي الْخَلِيطَيْنِ اربعة أقوال (الجديد) ثبوتها وَهُوَ الْأَظْهَرُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَثْبُتَانِ (وَالثَّالِثُ) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشَّرِكَةِ دُونَ الْجِوَارِ (وَالرَّابِعُ) تَثْبُتُ الْخُلْطَتَانِ فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَكَذَا خُلْطَةُ النَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ إنْ كَانَتْ خُلْطَةَ شَرِكَةٍ وَإِلَّا فَلَا وَالْأَصَحُّ ثُبُوتُهُمَا جَمِيعًا فِي الْجَمِيعِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ " لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ إلَى آخِرِهِ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ فِي أَوَّلِ بَابِ زَكَاةِ الْإِبِلِ (وَأَمَّا) الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ الْقَدِيمُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ضَعْفِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا: وَلِأَنَّ الْخُلْطَةَ إنَّمَا
تَثْبُتُ فِي الْمَاشِيَةِ لِلِارْتِفَاقِ وَالِارْتِفَاقُ هُنَا مَوْجُودٌ بِاتِّحَادِ الْجَرِينِ وَالْبَيْدَرِ وَالْمَاءِ وَالْحَرَّاثِ وَجَذَّاذِ النَّخْلِ وَالنَّاطُورِ وَالْحَارِثِ وَالدُّكَّانِ وَالْمِيزَانِ وَالْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ وَالْجَمَّالِ وَالْمُتَعَهِّدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَصُورَةُ الْخُلْطَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَفُّ نَخِيلٍ أَوْ زَرْعٍ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ وَيَكُونُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ وَاحِدًا وَكَذَلِكَ الْمُلَقِّحُ وَاللَّقَاطُ وَإِنْ كَانَ فِي دُكَّانٍ وَنَحْوِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ كِيسُ دَرَاهِمَ فِي صُنْدُوقٍ وَاحِدٍ أَوْ أَمْتِعَةُ تِجَارَةٍ فِي حَانُوتٍ وَاحِدٍ أَوْ خِزَانَةٍ وَاحِدَةٍ وَمِيزَانٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
عَلَى إثْبَاتِ الْخُلْطَتَيْنِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ كَانَ نَخِيلٌ مَوْقُوفَةً عَلَى جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ فِي حَائِطٍ وَاحِدٍ فَأَثْمَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْهَدَ نَخِيلَهُ أَوْ جَعَلَ أُجْرَتَهُ ثَمَرَةَ نَخْلَةٍ
بِعَيْنِهَا بَعْدَ خُرُوجِ ثَمَرَتِهَا وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَشَرَطَ الْقَطْعَ فَلَمْ يَتَّفِقْ الْقَطْعُ حَتَّى بَدَا الصَّلَاحُ وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الثَّمَرَتَيْنِ نِصَابًا لَزِمَهُ الْعُشْرُ * قال المصنف رحمه الله
*
*
* {الشَّرْحُ} هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ بِأَسَانِيدِهِمْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ وَهُوَ مُرْسَلٌ لِأَنَّ عَتَّابًا تُوُفِّيَ سَنَةَ ثَلَاثَ عَشَرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وُلِدَ بَعْدَ ذَلِكَ بِسَنَتَيْنِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِ سِنِينَ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْفُصُولِ السَّابِقَةِ فِي مُقَدِّمَةِ هَذَا الشَّرْحِ أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يُحْتَجُّ بِمَرَاسِيلِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ مُطْلَقًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنَّمَا يُحْتَجُّ بِهِ إذَا اعْتَضَدَ بِأَحَدِ أَرْبَعَةِ أُمُورٍ أَنْ يُسْنَدَ أَوْ يُرْسَلُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَوْ يَقُولُ بِهِ بَعْضُ الصَّحَابَةِ أَوْ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ هُنَا فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ (فَإِنْ قِيلَ)
مَا الْحِكْمَةُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى لله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْكَرْمِ " يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَيُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ اللنخل تَمْرًا " فَجَعَلَ النَّخْلَ أَصْلًا فَالْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ (أَحْسَنُهُمَا) مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ فِيهِ وَفِي مُشْكِلَاتِ الْمُهَذَّبِ أَنَّ خيبر فتحث أَوَّلَ سَنَةِ سَبْعٍ مِنْ الْهِجْرَةِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَيْهِمْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه يَخْرُصُ النَّخْلَ فَكَانَ خَرْصُ النَّخْلِ مَعْرُوفًا عِنْدَهُمْ فَلَمَّا فَتَحَ صلى الله عليه وسلم الطَّائِفَ وَبِهَا الْعِنَبُ الْكَثِيرُ أَمَرَ بِخَرْصِهِ كَخَرْصِ النَّخْلِ الْمَعْرُوفِ عِنْدَهُمْ (وَالثَّانِي) أَنَّ النَّخْلَ كَانَتْ عِنْدَهُمْ أَكْثَرُ وَأَشْهَرُ فَصَارَتْ أَصْلًا لِغَلَبَتِهَا (فَإِنْ قِيلَ) كَيْفَ سُمِّيَ الْعِنَبُ كَرْمًا وَقَدْ ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْهُ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تُسَمُّوا الْعِنَبَ الْكَرْمَ فَإِنَّ الْكَرْمَ الْمُسْلِمَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي رِوَايَةٍ " فَإِنَّمَا الْكَرْمُ قَلْبُ المؤمن " وعن وائل ابن حُجْرٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " لَا تَقُولُوا الْكَرْمَ وَلَكِنْ قُولُوا الْعِنَبَ وَالْحَبَلَةَ "
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْحَبَلَةُ - بِفَتْحِ الْحَاءِ وَبِفَتْحِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا - (فَالْجَوَابُ) أَنَّ هَذَا نَهْيُ تَنْزِيهٍ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَرَّحَ بِتَسْمِيَتِهَا كَرْمًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلَامِ الرَّاوِي فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ النَّهْيُ أَوْ خَاطَبَ بِهِ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ بِغَيْرِهِ فَأَوْضَحَهُ أَوْ اسْتَعْمَلَهَا بَيَانًا لِجَوَازِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ سَمَّتْ الْعَرَبُ الْعِنَبَ كَرْمًا وَالْخَمْرَ كَرْمًا (أَمَّا) العنب فالكرم ثَمَرِهِ وَكَثْرَةِ حَمْلِهِ وَتَذَلُّلِهِ لِلْقِطْفِ وَسُهُولَةِ تَنَاوُلِهِ بِلَا شَوْكٍ وَلَا مَشَقَّةٍ وَيُؤْكَلُ طَيِّبًا غَضًّا طَرِيًّا وَزَبِيبًا وَيُدَّخَرُ قُوتًا وَيُتَّخَذُ مِنْهُ الْعَصِيرُ وَالْخَلُّ وَالدِّبْسِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَصْلُ الْكَرْمِ الْكَثْرَةُ وَجَمْعُ الْخَيْرِ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ كَرْمًا لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَنَخْلَةٌ كَرِيمَةٌ لِكَثْرَةِ حَمْلِهَا وَشَاةٌ كَرِيمَةٌ كَثِيرَةُ الدرو النسل (وَأَمَّا) الْخَمْرُ فَقِيلَ سُمِّيَتْ كَرْمًا لِأَنَّهَا كَانَتْ تَحُثّهُمْ عَلَى الْكَرَمِ وَالْجُودِ وَتَطْرُدُ الْهُمُومَ فَنَهَى الشَّرْعُ عَنْ تَسْمِيَةِ الْعِنَبِ كَرْمًا لِتَضَمُّنِهِ مَدْحَهَا لِئَلَّا تَتَشَوَّقَ إلَيْهَا النُّفُوسُ وَكَانَ اسْمُ الْكَرْمِ بالمؤمن وبقلبه اليق واعلق لِكَثْرَةِ خَيْرِهِ وَنَفْعِهِ وَاجْتِمَاعِ الْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ وعتاب الراوى - بتشديد التاء المثناة - فوق وابو اسيد - بفتح الهمزة - وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رحمه الله
* {وَلَا تَجِبُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الثِّمَارِ كَالتِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْأَقْوَاتِ وَلَا مِنْ الْأَمْوَالِ الْمُدَّخَرَةِ الْمُقْتَاتَةِ وَلَا تجب في طلع الفحال لانه لا يجئ مِنْهُ الثِّمَارُ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي
الزَّيْتُونِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه " أَنَّهُ جَعَلَ فِي الزَّيْتِ الْعُشْرَ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ " فِي الزَّيْتُونِ الزَّكَاةُ " وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ إذَا أَخْرَجَ الزَّيْتَ عَنْهُ جَازَ لِقَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه وَلِأَنَّ الزَّيْتَ أَنْفَعُ مِنْ الزَّيْتُونِ فَكَانَ أَوْلَى بِالْجَوَازِ
* (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ ليس بقوت فلا تجب فيه زكاة كالخضروات
* وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْوَرْسِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى بَنِي خُفَّاشٍ " أَنْ أَدُّوا زَكَاةَ الذُّرَةِ وَالْوَرْسِ "(وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا زَكَاةَ فِيهِ لِأَنَّهُ نبت لا يقتات به فاشبه الخضروات
* قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه مَنْ قَالَ لَا عُشْرَ فِي الْوَرْسِ لَمْ يُوجِبْ فِي الزَّعْفَرَانِ وَمَنْ قَالَ يَجِبُ فِي الْوَرْسِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُوجِبَ فِي الزَّعْفَرَانِ لِأَنَّهُمَا طَيِّبَانِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يُوجَبَ فِي الزَّعْفَرَانِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْوَرْسَ شَجَرٌ لَهُ سَاقٌ وَالزَّعْفَرَانُ نَبَاتٌ
* وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْعَسَلِ (فَقَالَ فِي الْقَدِيمِ) يحتمل ان تجب فيه ووجهه مَا رُوِيَ أَنَّ بَنِي شَبَّابَةَ - بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ - كَانُوا يُؤَدُّونَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَحْلٍ كَانَ عِنْدَهُمْ الْعُشْرَ مِنْ عَشْرِ قِرَبٍ قِرْبَةً
* (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا تَجِبُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقُوتٍ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ كَالْبَيْضِ
* وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْقُرْطُمِ وَهُوَ حَبُّ الْعُصْفُرِ (فَقَالَ فِي
القديم) تجب إنْ صَحَّ فِيهِ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه (وَقَالَ فِي الْجَدِيدِ) لَا تَجِبُ لانه ليس بقوت فاشبه الخضروات}
* {الشَّرْحُ} الْأَثَرُ الْمَذْكُورُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه ضَعِيفٌ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَرَاوِيهِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ
* قَالَ وَأَصَحُّ مَا رُوِيَ فِي الزَّيْتُونِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ " مَضَتْ السُّنَّةُ فِي زكاة الزيتون أن يؤخذ فمن عصر زيتونه حين يعصره فيا سقت السماء أو كان بعلا الشعر وفيما سقى برش الناضح نصف الشعر " وَهَذَا مَوْقُوفٌ لَا يُعْلَمُ اشْتِهَارُهُ وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيثُ مُعَاذِ ابن جَبَلٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما أَعْلَى وَأَوْلَى أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ يَعْنِي رِوَايَتَهُمَا إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لما لَمَّا بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ " لَا تَأْخُذَا فِي الصَّدَقَةِ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ "(وَأَمَّا) الْمَذْكُورُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفٌ أَيْضًا وَالْأَثَرُ الْمَذْكُورُ
عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ضَعِيفٌ أَيْضًا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ وَضَعَّفَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ وَاتَّفَقَ الْحُفَّاظُ عَلَى ضِعْفِهِ وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ عَلَى ضِعْفِهِ
* قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي هَذَا إسْنَادٌ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ قَالَ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الْوُجُوبِ فَلَا زَكَاةَ فِيمَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ أَوْ كَانَ فِي مَعْنَى مَا وَرَدَ بِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ (وَأَمَّا) حَدِيثُ بَنِي شَبَّابَةَ فِي الْعَسَلِ فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ لَا يَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا كَبِيرُ شئ فقال الْبَيْهَقِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلَلِ قَالَ الْبُخَارِيُّ ليس في زكاة العسل شئ يَصِحُّ فَالْحَاصِلُ أَنَّ جَمِيعَ الْآثَارِ وَالْأَحَادِيثِ الَّتِي في هذا الفصل ضعيفة (أما) أَلْفَاظُ الْفَصْلِ فَبَنُو خُفَّاشٍ - بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ فَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَضَبَطَهُ بَعْضُ النَّاسِ - بِكَسْرِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الشِّينِ - وَهُوَ غَلَطٌ وَبَنُو شَبَابَةٍ - بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُخَفَّفَةٍ ثُمَّ أَلْفٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ اخرى (وقوله) بطن أي بَطْنٌ مِنْ فَهْمٍ - بِفَتْحِ الْفَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ بَنِي شَبَابَةٍ يَكُونُونَ فِي الطَّائِفِ (أَمَّا) أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَمُخْتَصَرُهَا أَنَّهَا كما قالها المصف (وَأَمَّا) بَسْطُهَا فَاتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِي التِّينِ وَالتُّفَّاحِ وَالسَّفَرْجَلِ وَالرُّمَّانِ
وَطَلْعِ فُحَّالِ النَّخْلِ وَالْخَوْخِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ وَالْمَوْزِ وَأَشْبَاهِهَا وَسَائِرِ الثِّمَارِ سِوَى الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَلَا خلاف في شئ مِنْهَا إلَّا الزَّيْتُونَ فَفِيهِ الْقَوْلَانِ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ ان شاء الله تعالي ووجه أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ حَتَّى يَثْبُتَ دَلِيلُهُ (وأما) الزيتون فيه القولان اللدان ذكرهما المصنف بدليلهما وَهُمَا مَشْهُورَانِ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْجَدِيدِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالصَّحِيحُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ كلها هو القول الجديد لانه ليس لقول الْقَدِيمِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْقَدِيمِ أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقْتُ وُجُوبِهِ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَهُوَ نُضْجُهُ وَاسْوِدَادُهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ نِصَابًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ إلَّا مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ خَرَجَ اعْتِبَارُ النصاب فيه وفي سائر ما اختص القديم بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ زَيْتُونًا لَا زَيْتًا هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ
وَالْجُمْهُورُ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي فِيهِ وجهين إذا كان مما يجئ منه الزيت
(أحدهما)
هذا (والثاني) يعتبر زينا فَيُؤْخَذُ عُشْرُهُ زَيْتًا وَهَذَا شَاذٌّ مَرْدُودٌ قَالَ اصحابنا ثم ان كان زيتونا لا يجئ منه زيت أخذت الزكاة مه زيتونا بالاتفاق ان كان يجئ مِنْهُ زَيْتٌ كَالشَّامِيِّ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْقَدِيمِ إنْ أَخْرَجَ زَيْتُونًا جَازَ لِأَنَّهُ حَالَةُ الِادِّخَارِ قَالَ وَأُحِبُّ أَنْ أُخْرِجَ عُشْرَهُ زَيْتًا لِأَنَّهُ نِهَايَةُ ادِّخَارِهِ وَنَقَلَ الْأَصْحَابُ عَنْ ابْنِ الْمَرْزُبَانِيِّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ حَكَى فِي جَوَازِ إخْرَاجِ الزَّيْتُونِ وَجْهَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ هَذَا غَلَطٌ مِنْ ابن المرزبان وَالصَّوَابُ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَهُوَ أنه يجوز أن يخرح زَيْتًا أَوْ زَيْتُونًا أَيَّهمَا شَاءَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَجْهًا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إخْرَاجُ الزَّيْتُونِ دُونَ الزيت قال لان الاعتبار به بالاتفاق فَحَصَلَ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ (أَصَحُّهَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْقَدِيمِ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَ زَيْتًا وَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ زَيْتُونًا وَالزَّيْتُ أَوْلَى كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
(وَالثَّانِي)
يَتَعَيَّنُ الزَّيْتُ (وَالثَّالِثُ) يَتَعَيَّنُ الزَّيْتُونُ قال صاحب التتمة وغيره فذا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَخَيَّرْنَاهُ بَيْنَ
إخْرَاجِ الزَّيْتُونِ وَالزَّيْتِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّمْرِ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ دِبْسَ التَّمْرِ وَلَا خَلَّ التَّمْرِ لِأَنَّ التَّمْرَ قُوتٌ وَالْخَلَّ وَالدِّبْسَ لَيْسَا بِقُوتٍ وَلَكِنَّهُمَا أُدْمَانِ (وَأَمَّا) الزَّيْتُونُ فَلَيْسَ بِقُوتٍ بَلْ هُوَ أُدْمٌ وَالزَّيْتُ أَصْلَحُ لِلْأُدْمِ مِنْ الزَّيْتُونِ فَلَا يَفُوتُ الْغَرَضُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا يُخْرَصُ الزَّيْتُونُ بِلَا خِلَافٍ لِمَعْنَيَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَغَيْرِهِ (أَحَدُهُمَا) وَهُوَ الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْوَرِقَ يُخْفِيهِ مَعَ صِغَرِ الْحَبِّ وَتَفَرُّقِهِ فِي الْأَغْصَانِ وَلَا يَنْضَبِطُ بِخِلَافِ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ خَرْصِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ تَعْجِيلُ الِانْتِفَاعِ بِثَمَرَتِهِمَا قَبْلَ الْجَفَافِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ فِي الزَّيْتُونِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا أَخْرَجَ الْعُشْرَ زَيْتًا فَالْكَسْبُ الَّذِي يَحْصُلُ مِنْ عَصْرِ الزَّيْتِ لَا نَقْلَ فِيهِ عِنْدِي قَالَ وَلَعَلَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَجِبُ تَسْلِيمُ نَصِيبِ الفقراء منه إليم وليس كالقصل والتبن الذى يختلف عَنْ الْحُبُوبِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّيْتُونِ نَفْسِهِ ثُمَّ عَلَى الْمَالِكِ مُؤْنَةُ تَمْيِيزِ الزَّيْتِ كَمَا عَلَيْهِ مُؤْنَةُ تَجْفِيفِ الرُّطَبِ وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ إلَّا فِي الْحَبِّ دُونَ التِّبْنِ قَالَ وَفِي الْمَسْأَلَةِ احْتِمَالٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْوَرْسُ
فَالصَّحِيحُ الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ فيه وأوجبها القديم وسبق دليلهما قان أو جبناها لَمْ نَشْرُطْ فِيهِ النِّصَابَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَطَعَ الْجَمَاهِيرُ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ بَلْ تَجِبُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ وَلَا خِلَافَ فِيهِ إلَّا مَا سَبَقَ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ أَنَّهُ طَرَدَ قَوْلَيْنِ فِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ فِيهِ وَفِي سَائِرِ مَا اخْتَصَّ الْقَدِيمُ بِإِيجَابِ زَكَاتِهِ وَفَرَّقَ الْأَصْحَابُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّيْتُونِ عَلَى الْمَذْهَبِ فِيهِمَا بِفَرْقَيْنِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ النَّصَّ الْوَارِدَ فِي الزَّيْتُونِ مُقَيَّدٌ بِالنِّصَابِ وَمُطْلَقٌ فِي الْوَرْسِ فَعُمِلَ بِهِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حَسْبِ وُرُودِهِ
(وَالثَّانِي)
أَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَجْتَمِعُ لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرْسِ نِصَابٌ بِخِلَافِ الزَّيْتُونِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَرْسَ ثَمَرُ شَجَرٍ يَكُونُ بِالْيَمَنِ أَصْفَرُ يُصْبَغُ بِهِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ فِي كُلِّ الْبِلَادِ هَكَذَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَالرَّافِعِيُّ هُوَ شَجَرٌ يُخْرِجُ شَيْئًا كَالزَّعْفَرَانِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُحَقِّقُونَ (وَأَمَّا) الزَّعْفَرَانُ فَالْأَشْهَرُ أَنَّهُ كَالْوَرْسِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عَلَى الصَّحِيحِ الْجَدِيدِ وَتَجِبُ فِي الْقَدِيمِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا وَحُكْمُ النِّصَابِ كَمَا سَبَقَ فِي الْوَرْسِ (وَأَمَّا) الْعَسَلُ فَفِيهِ طَرِيقَانِ (أَشْهُرُهُمَا) وَبِهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ والا كثرون فِيهِ الْقَوْلَانِ (الصَّحِيحُ) الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ (وَالْقَدِيمُ) وَجْهَانِ
(وَالثَّانِي)
الْقَطْعُ بِأَنْ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَآخَرُونَ وَمَنْ الْأَصْحَابِ مَنْ قَالَ لَا تَجِبُ فِي الْجَدِيدِ وَفِي الْقَدِيمِ قَوْلَانِ وَالْمَذْهَبُ لَا تَجِبُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْوُجُوبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ قَالُوا وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُتَأَوَّلًا ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهِ فَقِيلَ يُحْمَلُ عَلَى تَطَوُّعِهِمْ
بِهِ وَقِيلَ إنَّمَا دَفَعُوهُ مُقَابَلَةً لِمَا حَصَلَ لَهُمْ مِنْ الِاخْتِصَاصِ بِالْحِمَى وَلِهَذَا امْتَنَعُوا مِنْ دَفْعِهِ إلَى عُمَرَ رضي الله عنه حِينَ طَالَبَهُمْ بِتَخْلِيَةِ الْحِمَى لِسَائِرِ النَّاسِ وَهَذَا الْجَوَابُ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي تَعْلِيقِهِ وَالْمَحَامِلِيُّ فِي المجموع فان أو جبناها فَفِي اعْتِبَارِ النِّصَابِ خِلَافٌ (الْمَذْهَبُ) اعْتِبَارُهُ وَقَالَ ابن ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَانِ كَمَا سَبَقَ فِي الزَّيْتُونِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَسَوَاءٌ كَانَ النَّخِيلُ مَمْلُوكًا لَهُ أَوْ أَخَذَهُ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمُبَاحَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (وَأَمَّا) الْقُرْطُمُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَالطَّاءِ وبضمها لُغَتَانِ (وَالْجَدِيدُ) الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ (وَالْقَدِيمُ) وُجُوبُهَا وَيُعْتَبَرُ النِّصَابُ عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ قَوْلَانِ (وَأَمَّا) الْعُصْفُرُ نَفْسُهُ فَقَالَ الرَّافِعِيُّ قِيلَ هُوَ كَالْقُرْطُمِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ قَطْعًا قَالَ وَيُمْكِنُ تَشْبِيهُهُ بِالْوَرْسِ وَالزَّعْفَرَانُ
(وَأَمَّا) التُّرْمُسُ فَفِي الْجَدِيدِ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَفِي الْقَدِيمِ تَجِبُ فِيهِ (وَأَمَّا) الْفُجْلُ فَالْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وُجُوبَهَا فِيهِ عَلَى الْقَدِيمِ قَالَ وَلَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ المذكورات
* مذهبنا أنه لا زكاة في غيره النخل والعنب من الاشجار ولا في شئ مِنْ الْحُبُوبِ إلَّا فِيمَا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَلَا زكاة في الخضروات وبهذا كله قال مالك وأبو يوسف ومحمده وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ مَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرْضُ إلَّا الْحَطَبَ وَالْقَصَبَ الفارسي والحشيش الذى ينبت بنفسه قال الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى لَيْسَ في شئ مِنْ الزُّرُوعِ زَكَاةٌ إلَّا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ وَالْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ وَقَالَ أَحْمَدُ يَجِبُ الْعُشْرُ فِي كُلِّ مَا يُكَالُ وَيُدَّخَرُ مِنْ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ (فَأَمَّا) مالا يُكَالُ كَالْقِثَّاءِ وَالْبَصَلِ وَالْخِيَارِ وَالْبِطِّيخِ وَالرَّيَاحِينِ وَجَمِيعِ الْبُقُولِ فَلَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ وَأَوْجَبَ أَبُو يُوسُفَ الزَّكَاةَ فِي الْحِنَّاءِ
* وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا زَكَاةَ وَقَالَ دَاوُد مَا أَنْبَتَتْهُ الْأَرْضُ ضَرْبَانِ (مُوسَقٌ) و (غيره) فَمَا كَانَ مُوسَقًا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا بَلَغَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَلَا زَكَاةَ فِيمَا دُونَهَا وَمَا كَانَ غَيْرَ مُوسَقٍ فَفِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ الزَّكَاةُ (وَأَمَّا) الزَّيْتُونُ فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنْ الصَّحِيحَ عِنْدَنَا أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَأَبُو عُبَيْدٍ
* وَقَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَمَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ فِيهِ الزَّكَاةُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْأَوْزَاعِيُّ يُخْرَصُ فَتُؤْخَذُ زَكَاتُهُ زَيْتًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُخْرَصُ بَلْ يُؤْخَذُ الْعُشْرُ بَعْدَ عَصْرِهِ وَبُلُوغِهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ (وَأَمَّا) الْعَسَلُ فَالصَّحِيحُ عِنْدَنَا لَا زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَيْنَا هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ
* وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالْأَوْزَاعِيُّ إنْ وُجِدَ فِي غَيْرِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَفِيهِ الْعُشْرُ
* وَقَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ يَجِبُ فِيهِ الْعُشْرُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ أَوْ غَيْرِهَا
* وَنَقَلَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ مَكْحُولٍ وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَالْأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَشَرَطَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي وُجُوبِ زَكَاتِهِ أَنْ يَبْلُغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَأَوْجَبَهَا أَبُو حَنِيفَةَ في قليله
وكثيره قال ابن المنذر لبس فِي زَكَاتِهِ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَلَا إجْمَاعٌ فَلَا زكاة فيه وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{وَلَا تَجِبُ الزكاة في ثمر النخل والكرم إلا أن يكون نصابا ونصابه خمسة أوسق لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال " فيما دون خمسة اوسق صدقة " والخمسة أوسق ثلثمائة صاع وهى ألف وستمائة رطل بالبغدادي وهل ذلك تحديدا أَوْ تَقْرِيبٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ تَقْرِيبٌ فلو تقص منه شئ يسير لم تسقط الزكاة والدليل عليه أن الوسق حمل البعير قال النابغة
* أين الشظاظان واين المربعه
* واين وسق الناقه المطبعة
* وحمل البعبر يزيد وينقص
(والثانى)
أنه تحديد فان نقص منه شئ يسير لم تجب الزكاة لما رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " الوسق ستون صاعا " ولا تجب حتي يكون يابسه خمسة اوسق لحديث ابي سعيد " لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صدقة " وإن كان رطبا لا يجئ منه تمر أو عنبا لا يجئ منه زبيب ففيه وجهان (احدهما) يعتبر نصابه بنفسه وهو أن يبلغ يابسه خمسة أوسق لان الزكاة تجب فيه فاعتبر النصاب من يابسه (والثاني) يعتبر بغيره لانه لا يمكن اعتباره بنفسه فاعتبر بغيره كالجناية التي ليس لها أرش مقدر في الحر فانه يعتبر بالعبد}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه الْأَوَّلُ صَحِيحٌ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَحَدِيثُهُ الثَّانِي " الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا " ضَعِيفٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ قَالَ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ إسْنَادُهُ مُنْقَطِعٌ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ الَّذِي فِيهِ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ نَقَلَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى أن الوسق ستون صاعا وفي الوصق لُغَتَانِ (أَشْهَرُهُمَا) وَأَفْصَحُهُمَا - فَتْحُ الْوَاوِ - (وَالثَّانِيَةُ) - كَسْرُهَا - وَجَمْعُهُ أَوْسُقٌ فِي الْقِلَّةِ وَوُسُوقٌ فِي الْكَثْرَةِ وَأَوْسَاقٌ وَسَبَقَتْ اللُّغَاتُ فِي بَغْدَادَ وَفِي الرَّطْلِ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ (وَالشِّظَاظَانِ) - بِكَسْرِ الشِّينِ - الْعُودَانِ اللَّذَانِ يُجْمَعُ بِهِمَا عُرْوَتَا الْعَدْلَيْنِ عَلَى الْبَعِيرِ (وَالْمِرْبَعَةُ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْبَاءِ الموحدة - وهى عصي قَصِيرَةٌ يَقْبِضُ الرَّجُلَانِ بِطَرَفَيْهَا كُلُّ وَاحِدٍ فِي يَدِهِ طَرَفٌ وَيَعْكِمَانِ الْعَدْلَ عَلَى أَيْدِيهِمَا مَعَ الْعَصَا وَيَرْفَعَانِهِ إلَى ظَهْرِ الْبَعِيرِ (وَقَوْلُهُ) النَّاقَةُ المطبعة هي - بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ - وَهِيَ الْمُثْقَلَةُ بِالْحَمْلِ قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ وَغَيْرُهُ وَهَذَا النَّابِغَةُ الشَّاعِرُ صَحَابِيٌّ وَهُوَ أَبُو لَيْلَى النَّابِغَةُ الْجَعْدِيُّ وَالنَّابِغَةُ لَقَبٌ لَهُ وَاسْمُهُ قَيْسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَقِيلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ قَيْسٍ وَقِيلَ حِبَّانُ بْنُ قَيْسٍ قَالُوا وَإِنَّمَا قِيلَ لَهُ النَّابِغَةُ لِأَنَّهُ قَالَ الشِّعْرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ثُمَّ تَرَكَهُ
نَحْوَ ثَلَاثِينَ سَنَةً ثُمَّ نَبَغَ فِيهِ فَقَالَهُ وَطَالَ عُمْرُهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ والاسلام وهو أسن من النابغة الذبياني هكذا بالاصل ايضا ولعله ليس فيما الخ
* وَمَاتَ الذُّبْيَانِيُّ قَبْلَهُ وَعَاشَ الْجَعْدِيُّ بَعْدَ الذُّبْيَانِيِّ طَوِيلًا قِيلَ عَاشَ مِائَةً وَثَمَانِينَ سَنَةً وَقَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ عَاشَ مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً وَبُسِطَتْ أَحْوَالُهُ فِي التَّهْذِيبِ (أَمَّا) الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ نِصَابًا وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقً
* هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلَّا أَبَا حَنِيفَةَ وَزُفَرَ فَقَالَا تَجِبُ فِي كل كَثِيرٍ وَقَلِيلٍ حَتَّى لَوْ كَانَ حَبَّةً وَجَبَ عُشْرُهَا
* دَلِيلُنَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَذْكُورُ وَأَحَادِيثُ غَيْرِهِ بِمَعْنَاهُ وَالْقِيَاسُ عَلَى الْمَوَاشِي وَالنَّقْدَيْنِ (الثَّانِيَةُ) الْوَسْقُ سِتُّونَ صَاعًا بِالْإِجْمَاعِ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ بالبغداى وَسَبَقَ تَحْقِيقُ الرَّطْلِ وَمِقْدَارُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقُلَّتَيْنِ ويجئ برطل دمشق ثلثمائة وَاثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ رَطْلًا وَنِصْفُ رَطْلٍ وَثُلُثُ رَطْلٍ وَسُبْعَا أُوقِيَّةٍ تَفْرِيعًا عَلَى الْأَصَحِّ أَنَّ رَطْلَ بَغْدَادَ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَالْمُعْتَمَدُ فِي تَقْدِيرِ الْأَوْسُقِ بِهَذَا الْإِجْمَاعِ وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ ضَعِيفٌ كَمَا سَبَقَ وَالْأَصَحُّ مِنْ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ هَذَا التَّقْدِيرَ تَحْدِيدٌ صَحَّحَهُ أَصْحَابُنَا.
وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْمَحَامِلِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَالْأَكْثَرُونَ قَالَ الرَّافِعِيُّ صَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ وَقَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ بِأَنَّهُ تَقْرِيبٌ وَقَالَ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ: إذَا قُلْنَا هُوَ تَقْرِيبٌ فَلَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الزَّكَاةِ نَقْصُ خَمْسَةِ أرطال.
ونقل إمام الحرمين عن القراقيين ثُمَّ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ وَقَالَ فِي تَقْدِيرِهِ كَلَامًا طويلا حاصله الاوسق هي الاوقار والوقر المتقتصد مِائَةٌ وَسِتُّونَ مَنًّا وَالْمَنُّ رَطْلَانِ فَكُلُّ قَدْرٍ لَوْ وُزِّعَ عَلَى الْأَوْسُقِ الْخَمْسَةِ لَمْ تَعُدْ مُنْحَطَّةً عَنْ الِاعْتِدَالِ بِسَبَبِهِ لَا يَضُرُّ نَقْصُهُ وَإِنْ عُدَّتْ مُنْحَطَّةً ضَرَّ وَإِنْ أُشْكِلَ ذَلِكَ فالاظهر على قلة بِالتَّقْرِيبِ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ لِبَقَاءِ اسْمِ الْأَوْسُقِ قَالَ وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَمِيلَ النَّاظِرُ إلَى نَفْيِ الْوُجُوبِ اسْتِصْحَابًا لِلْقِلَّةِ إلَى أَنْ يَتَيَقَّنَ الْكَثْرَةَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ فِي أَثْنَاءِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا عَلَّقَهُ الشَّارِعُ بِالصَّاعِ وَالْمُدِّ فَالِاعْتِبَارُ فِيهِ بِمِقْدَارٍ مَوْزُونٍ يُضَافُ إلَى الْمُدِّ وَالصَّاعِ لَا بِمَا يَحْوِيهِ الْمُدُّ مِنْ الْبُرِّ وَنَحْوِهِ وَذَكَرَ الرَّافِعِيُّ كَلَامَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ هَذَا ثُمَّ قَالَ.
وَقَالَ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ الِاعْتِبَارُ بِالْكَيْلِ لَا بِالْوَزْنِ قَالَ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَاسْتَثْنَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْجُرْجَانِيُّ الْعَسَلَ فَقَالَ الِاعْتِبَارُ فِي نِصَابِهِ بِالْوَزْنِ إذَا أَوْجَبْنَا فِيهِ الزَّكَاةَ قَالَ وَتَوَسَّطَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ فَقَالَ هُوَ
عَلَى التَّحْدِيدِ فِي الْكَيْلِ وَعَلَى التَّقْرِيبِ فِي الْوَزْنِ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ الْعُلَمَاءُ بِالْوَزْنِ اسْتِظْهَارًا (قُلْتُ) هَذَا الَّذِي صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ مِنْ الِاعْتِبَارِ بِالْكَيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَطَعَ أَبُو الْفَرَجِ الدَّارِمِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا وَصَنَّفَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَصْنِيفًا وَسَأَزِيدُ الْمَسْأَلَةَ إيضَاحًا فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا كَانَ لَهُ رُطَبٌ لا يجئ منه تمر أو عنب لا يجئ مِنْهُ زَبِيبٌ فَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ
الْعِرَاقِيِّينَ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ
(وَالثَّانِي)
بِغَيْرِهِ مِمَّا يُجَفَّفُ وَالْوَجْهَانِ مُتَّفِقَانِ عَلَى أَنَّهُ يُعْتَبَرُ تَمْرًا لَا رُطَبًا فَفِي وَجْهٍ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ زَكَاتِهِ أَنْ يَبْلُغَ يَابِسُهُ بِنَفْسِهِ لَوْ يَبِسَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَفِي وَجْهٍ يُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ بِغَيْرِهِ فَيُقَالُ: لَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُجَفَّفُ بُلُوغُهُ نِصَابًا فِي حَالِ رُطُوبَتِهِ فَإِنْ بَلَغَ الرُّطَبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ.
وَإِنْ كَانَ لَوْ قُدِّرَ تَمْرًا لَا يَبْلُغُهَا وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْهَا الرُّطَبُ فَلَا زَكَاةَ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ وَالرَّافِعِيِّ وَآخَرِينَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَالَةُ جَفَافٍ وَادِّخَارٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي حَالِ.
كَمَالِهِ (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) يُعْتَبَرُ النِّصَابُ مِنْ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ لِلْحَدِيثِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ صَدَقَةٌ " فَعَلَى هَذَا هَلْ يُعْتَبَرُ بِنَفْسِهِ أَمْ بِغَيْرِهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ اللَّذَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَأَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ فَحَاصِلُ الْمَذْهَبِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (أَصَحُّهَا) يُعْتَبَرُ رُطَبًا فَإِنْ بَلَغَ الرُّطَبُ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّانِي) يعتبر تمرا بنفسه لويبس (وَالثَّالِثُ) يُعْتَبَرُ تَمْرًا مِنْ غَيْرِهِ.
قَالَ أَصْحَابُنَا فَعَلَى هَذَا الثَّالِثِ يُعْتَبَرُ أَقْرَبُ أَنْوَاعِ الرُّطَبِ إلَيْهِ وَعَلَى الْأَوْجُهِ يَجِبُ إخْرَاجُ وَاجِبِهِ فِي الْحَالِ رُطَبًا وَلَا يُؤَخَّرُ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ جَفَافٌ يُنْتَظَرُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ: هَذَا الْخِلَافُ هُوَ فِيمَا لَا يُغَيِّرُهُ تَجْفِيفُهُ وَلَوْ جُفِّفَ جاء منه تمر ردئ حَشَفٌ (فَأَمَّا) إذَا كَانَ لَوْ جُفِّفَ فَسَدَ بالكلية لم يجئ فيه الِاعْتِبَارِ بِنَفْسِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَيَضُمُّ مَا لَا يُجَفَّفُ إلَى مَا يُجَفَّفُ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ كُلَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ.
قَالَ الْمَحَامِلِيُّ (فَإِنْ قِيلَ) إذَا كَانَ الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ لَا يُجَفَّفُ وَلَا يُدَّخَرُ فَهُوَ فِي مَعْنَى الخضروات (قلنا) الخضروات لَا يُجَفَّفُ جِنْسُهَا وَلَا يُدَّخَرُ (وَأَمَّا) الرُّطَبُ وَالْعِنَبُ فَيُجَفَّفُ جِنْسُهُ وَهَذَا النَّوْعُ مِنْهُ نَادِرٌ فوجب الحاقه بالغالب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
*
* {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ مُخْتَصَرَةً جِدًّا وهى في كلام الاصحاب مبسوطة بساطا شَافِيًا وَقَدْ جَمَعَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُعْظَمَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ وَاخْتَصَرَهُ وَلَخَّصَهُ فَقَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ ثَمَرَةَ الْعَامِ الثَّانِي لَا تُضَمُّ إلَى الْأَوَّلِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ سَوَاءٌ أَطْلَعَتْ ثَمَرَةُ الْعَامِ الثَّانِي قَبْلَ جِذَاذِ
الْأَوَّلِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ كَانَ لَهُ نَخِيلٌ أَوْ عِنَبٌ يَحْمِلُ فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ لَمْ يُضَمَّ الثَّانِي بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ كُلَّ حَمْلٍ كَثَمَرَةِ عَامٍ قَالَ الْأَصْحَابُ هَذَا لَا يَكَادُ يُتَصَوَّرُ فِي النَّخْلِ وَالْعِنَبِ فَإِنَّهُمَا لَا يَحْمِلَانِ فِي السَّنَةِ حَمْلَيْنِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ فِي التِّينِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا زَكَاةَ فِيهِ.
قَالُوا: وَإِنَّمَا ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الْمَسْأَلَةَ بَيَانًا لِحُكْمِهَا لَوْ تَصَوَّرَ.
ثُمَّ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ فَصَّلَ فَقَالَ: إنْ أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ الْحَمْلَ الثاني بعد جذاذ الاولي فَلَا ضَمَّ وَإِنْ أَطْلَعَتْ قَبْلَ جِذَاذِهِ وَبَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَفِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَمْلِ نَخْلَتَيْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ابْنُ كَجٍّ لَا يُخَالِفُ إطْلَاقَ الْجُمْهُورِ فِي عَدَمِ الضَّمِّ لِأَنَّ السَّابِقَ إلَى الْفَهْمِ مِنْ الْحَمْلِ الثَّانِي هُوَ الْحَادِثُ بَعْدَ جِذَاذِ الْأَوَّلِ (أَمَّا) إذَا كَانَ نَخِيلٌ أَوْ أَعْنَابٌ يَخْتَلِفُ إدْرَاكُ ثِمَارِهَا فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ لِاخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا أَوْ لِاخْتِلَافِ بِلَادِهَا حَرَارَةً وَبُرُودَةً أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ نُظِرَ إنْ أَطْلَعَ الْمُتَأَخِّرُ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
وَبِهِ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَأَصْحَابُ الْقَفَّالِ لاضم لِأَنَّ الثَّانِي حَدَثَ بَعْدَ انْصِرَامِ الْأَوَّلِ فَأَشْبَهَ ثَمَرَةَ الْعَامِ الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ
(وَالثَّانِي)
وَبِهِ قَطَعَ أَصْحَابُ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ يُضَمُّ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه لِأَنَّهَا ثَمَرَةُ عَامٍ وَاحِدٍ (قُلْتُ) هَذَا الثَّانِي هُوَ الصَّحِيحُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ: وَإِنْ أَطْلَعَ الْمُتَأَخِّرُ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ وَقَبْلَ جِذَاذِهِ (فَإِنْ قُلْنَا) فِيمَا بَعْدَ الْجِذَاذِ يُضَمُّ (فَهُنَا) أَوْلَى وَإِلَّا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَغَوِيِّ وَبِهِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا يُضَمُّ لِحُدُوثِ الثَّانِي بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ
فِي الْأَوَّلِ (وَالثَّانِي) يُضَمُّ لِاجْتِمَاعِهِمَا علي رؤس النَّخْلِ كَمَا لَوْ أَطْلَعَ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الْأَوَّلِ.
(فَإِنْ قُلْنَا) بِقَوْلِ أَصْحَابِ الْقَفَّالِ فَهَلْ يَقُومُ وَقْتُ الْجِذَاذِ مَقَامَ الْجِذَاذِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يَقُومُ وَبِهِ قَطَعَ الصَّيْدَلَانِيُّ لِأَنَّهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْجِذَاذِ كَالْمَجْذُوذَةِ وَلِهَذَا لَوْ أَطْلَعَتْ النَّخْلَةُ لِلْعَامِ الثَّانِي وَعَلَيْهَا بَعْضُ ثَمَرَةِ الْأَوَّلِ لَمْ يَثْبُتْ الضَّمُّ بِلَا خِلَافٍ فَعَلَى هَذَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ.
لِجِذَاذِ الثِّمَارِ أَوَّلُ وَقْتٍ ونهاية يكون تَرْكُ الثِّمَارِ إلَيْهَا أَوْلَى وَتِلْكَ النِّهَايَةُ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ (وَاعْلَمْ) أَنَّ مِنْ مَوَاضِعِ اخْتِلَافِ إدْرَاكِ الثِّمَارِ نَجْدًا وَتِهَامَةً فَتِهَامَةُ حَارَّةٌ يَسْرُعُ إدْرَاكُ الثَّمَرَةِ بِهَا بِخِلَافِ نَجْدٍ.
فَإِذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ نَخِيلٌ تِهَامِيَّةٌ وَنَخِيلٌ نَجْدِيَّةٌ فَأَطْلَعَتْ التِّهَامِيَّةُ ثُمَّ النَّجْدِيَّةُ لِذَلِكَ الْعَامِ وَاقْتَضَى الْحَالُ ضَمَّ النَّجْدِيَّةِ إلَى التِّهَامِيَّةِ عَلَى مَا سَبَقَ بَيَانُهُ فَضَمَمْنَا ثُمَّ أَطْلَعَتْ التِّهَامِيَّةُ مَرَّةً أُخْرَى فَلَا تُضَمُّ التِّهَامِيَّةُ الثَّانِيَةُ إلَى النَّجْدِيَّةِ وَإِنْ أَطْلَعَتْ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا لِأَنَّا لَوْ ضَمَمْنَاهَا إلَى النَّجْدِيَّةِ لَزِمَ ضَمُّهَا إلَى التِّهَامِيَّةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ: قَالَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ النَّجْدِيَّةُ مَضْمُومَةً إلَى التِّهَامِيَّةِ الْأُولَى بِأَنْ أَطْلَعَتْ بَعْدَ جِذَاذِهَا ضَمَمْنَا التِّهَامِيَّةَ الثَّانِيَةَ إلَى النَّجْدِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ.
قَالَ
الرافعى وهذا قد لا يسلمه سائر الصحاب لِأَنَّهُمْ حَكَمُوا بِضَمِّ ثَمَرَةِ الْعَامِ الْوَاحِدِ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَبِأَنَّهُ لَا تُضَمُّ ثَمَرَةُ عَامٍ الي ثمرة آخَرَ وَالتِّهَامِيَّةُ الثَّانِيَةُ حَمْلُ عَامٍ آخَرَ هَذَا آخِرُ مَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ قَالَ الدَّارِمِيُّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَغَيْرُهُمْ: إذَا كَانَ عَلَى النَّخْلَةِ بَلَحٌ ويسر وَرُطَبٌ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ حَمْلٌ وَاحِدٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* قَالُوا وَلَوْ كَانَ بَعْضُ نَخْلِهِ أَوْ عِنَبِهِ يَحْمِلُ حَمْلَيْنِ وَبَعْضُهَا حَمْلًا فَإِنَّ ذَاتَ الْحَمْلِ يُضَمُّ إلَى مَا يُوَافِقُهُ فِي الزَّمَانِ مِنْ الْحَمْلَيْنِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ: فَإِنْ أُشْكِلَا فَلَمْ يُعْلَمْ مَعَ أَيِّهِمَا كَانَ ضُمَّ إلَى أَقْرَبِ الْحَمْلَيْنِ إلَيْهِ والله سبحانه وتعالي أعلم
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِغَيْرِ مُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْأَنْهَارِ وَمَا شَرِبَ بِالْعُرُوقِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بِمُؤْنَةٍ ثَقِيلَةٍ كَالنَّوَاضِحِ وَالدَّوَالِيبِ وَمَا أَشْبَهَهَا لِمَا رَوَى ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " فَرَضَ فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْأَنْهَارُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ بَعْلًا - وَرُوِيَ عَثَرِيًّا -
الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نصف العشر " والبعل الذى شرب بِعُرُوقِهِ وَالْعَثَرِيُّ الشَّجَرُ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ الْمَاءِ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ فَيَجْرِي كَالسَّاقِيَةِ وَلِأَنَّ الْمُؤْنَةَ فِي أَحَدِهِمَا تَخِفُّ وَفِي الْأُخْرَى تَثْقُلُ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ.
وَلَوْ كَانَ يُسْقَى نِصْفُهُ بِالنَّوَاضِحِ وَنِصْفُهُ بِالسَّيْحِ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ اعْتِبَارًا بِالسَّقْيَتَيْنِ وَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَفِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) يُعْتَبَرُ فِيهِ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّقْيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَوْ السَّيْحِ وَجَبَ الْعُشْرُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ السَّقْيَ بِالنَّاضِحِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْأَمْرَانِ وَلِأَحَدِهِمَا قُوَّةٌ بِالْغَلَبَةِ فَكَانَ الْحُكْمُ لَهُ كَالْمَاءِ إذَا خَالَطَهُ مَائِعٌ (وَالْقَوْلُ الثَّانِي) يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْقِسْطِ عِنْدَ التَّمَاثُلِ وَجَبَ فِيهِ بِالْقِسْطِ عِنْدَ التَّفَاضُلِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فِي الْعَبْدِ الْمُشْتَرَى فَإِنْ جَهِلَ الْقَدْرَ الَّذِي سَقَى بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُعِلَا نصفين لانه لَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ التَّسْوِيَةُ بينهما كالدار في يد اثنين} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما صَحِيحٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِهِ فِي الْمُهَذَّبِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ قَالَ: عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ وَمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ " وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ بِمَعْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهُوَ قَوْلٌ الْعَامَّةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَكَذَا أَشَارَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى أَنَّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي تَفْسِيرِ الْبَعْلِ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَغَيْرُهُمْ وَأَمَّا الْعَثَرِيُّ - فَبِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَثَاءٍ مُثَلَّثَةٍ
مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ يَاءٍ مُشَدَّدَةٍ - وَيُقَالُ بِإِسْكَانِ الثَّاءِ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا وَأَنْكَرَ الْقَلَعِيُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ تَفْسِيرَهُ الْعَثَرِيِّ وَقَالَ: إنَّمَا هُوَ مَا سَقَتْ السَّمَاءُ لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ الْقَلَعِيُّ لَيْسَ كَمَا قَالَهُ وَلَيْسَ نَقْلُهُ عَنْ جَمِيعِ أَهْلِ اللُّغَةِ صَحِيحًا وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ قَلِيلٍ مِنْهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ فِيهِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ: الْعَثَرِيُّ مَا سُقِيَ مِنْ النَّخْلِ سَيْحًا وَالسَّيْحُ الْمَاءُ الْجَارِي قَالَ وَيُقَالُ هُوَ الْعِذْيُ والعذى الزرع الذى لا يسقيه الاماء الْمَطَرِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَوْهَرِيُّ فِي صِحَاحِهِ إلَّا هَذَا الْقَوْلَ الثَّانِي وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنَّ الْعَثَرِيَّ مَخْصُوصٌ بِمَا سُقِيَ مِنْ مَاءِ السَّيْلِ فَيُجْعَلُ عَاثُورًا وَشَبَّهَ
سَاقِيَّتَهُ بِحُفَرٍ يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ إلَى أُصُولِهِ وَسُمِّيَ عَاثُورًا لِأَنَّهُ يَتَعَثَّرُ بِهِ الْمَارُّ الَّذِي لَا يَشْعُرُ بِهِ وَهَذَا هُوَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ تَحْتَاجُ إلَى تَقْيِيدٍ (وأما) النواضح فجمع ناضح وهو مَا يُسْقَى عَلَيْهِ نَضْحًا مِنْ بَعِيرٍ وَبَقَرَةٍ وَغَيْرِهِمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّضْحُ السَّقْيُ مِنْ ماء بثر أو نهر بساقية والساقية وَالنَّاضِحُ اسْمٌ لِلْبَعِيرِ وَالْبَقَرَةِ الَّذِي يُسْقَى عَلَيْهِ مِنْ الْبِئْرِ أَوْ النَّهْرِ وَالْأُنْثَى نَاضِحَةٌ وَالدَّوَالِيبُ جَمْعُ دُولَاب - بِفَتْحِ الدَّالِ - قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ (وَأَمَّا) الْأَحْكَامُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ يَجِبُ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ السَّمَاءِ مِنْ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ الْعُشْرُ وَكَذَا الْبَعْلُ وَهُوَ مَا يَشْرَبُ بِعُرُوقِهِ وَكَذَا مَا يَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ يَنْصَبُّ إلَيْهِ مِنْ جَبَلٍ أو نهر اوعين كَبِيرَةٍ فَفِي هَذَا كُلِّهِ الْعُشْرُ وَأَمَّا مَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ أَوْ الدِّلَاءِ أَوْ الدَّوَالِيبِ وَهِيَ الَّتِي تُدِيرُهَا الْبَقَرُ أَوْ بِالنَّاعُورَةِ وَهِيَ الَّتِي يُدِيرُهَا الْمَاءُ بِنَفْسِهِ فَفِي جَمِيعِهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ سَبَقَ نَقْلُ الْبَيْهَقِيّ الْإِجْمَاعَ فِيهِ (وَأَمَّا) الْقَنَوَاتُ وَالسَّوَاقِي الْمَحْفُورَةُ مِنْ نَهْرٍ عَظِيمٍ الَّتِي تَكْثُرُ مُؤْنَتُهَا فَفِيهَا الْعُشْرُ كَامِلًا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَئِمَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَّلَهُ الْأَصْحَابُ بِأَنَّ مُؤْنَةَ الْقَنَوَاتِ إنَّمَا تُشَقُّ لِإِصْلَاحِ الضَّيْعَةِ وَكَذَا الْأَنْهَارُ إنَّمَا تُشَقُّ لِإِحْيَاءِ الْأَرْضِ وَإِذَا تَهَيَّأَتْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى الزَّرْعِ بِنَفْسِهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى بِخِلَافِ النَّوَاضِحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الْمُؤْنَةَ فِيهَا لِنَفْسِ الزَّرْعِ وَنَقَلَ الرَّافِعِيُّ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي عَاصِمٍ أَنَّهُ نَقَلَ أَنَّ الشيخ أبا سخل الصُّعْلُوكِيَّ مِنْ أَصْحَابِنَا أَفْتَى أَنَّ مَا سُقِيَ بنماء الْقَنَاةِ وَجَبَ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ إنْ كَانَتْ الْقَنَاةُ أَوْ الْعَيْنُ كَثِيرَةَ الْمُؤْنَةِ لَا تَزَالُ تَنْهَارُ وَتَحْتَاجُ إلَى إحْدَاثِ حفر وجب نصفه الْعُشْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مُؤْنَةٌ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْحَفْرِ الْأَوَّلِ وَكَسْحِهَا فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَجَبَ الْعُشْرُ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالْمَذْهَبُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجُمْهُورِ قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ ابْنُ كَجٍّ وَلَوْ اشْتَرَى مَاءً وَسَقَى بِهِ وَجَبَ نصف العشر قال وكذا لو سقاه بما مَغْصُوبٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا حَسَنٌ جَارٍ عَلَى كُلِّ مَأْخَذٍ فَإِنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِصَلَاحِ الضَّيْعَةِ بِخِلَافِ الْقَنَاةِ.
ثُمَّ حَكَى الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ عَنْ ابْنِ الْقَطَّانِ وَجْهَيْنِ فِيمَا لَوْ وُهِبَ لَهُ الْمَاءُ وَرَجَّحَ إلْحَاقَهُ بِالْمَغْصُوبِ لِوُجُودِ الْمِنَّةِ الْعَظِيمَةِ وَكَمَا لَوْ عَلَفَ مَاشِيَتَهُ بِعَلَفٍ مَوْهُوبٍ (قُلْتُ) وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِنَا
لَا تَقْتَضِي الهبة ثوابا (فان قلنا) تقتضيه فنص الْعُشْرِ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِذَلِكَ كُلِّهِ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَصْلٌ)
إذَا اجْتَمَعَ فِي الشَّجَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الزَّرْعِ الْوَاحِدِ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّوَاضِحِ فَلَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَزْرَعَ عَازِمًا عَلَى السَّقْيِ بِهِمَا فَيَنْظُرُ إنْ كَانَ نِصْفُ السَّقْيِ بِهَذَا وَنِصْفُهُ بِذَلِكَ فَطَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ مِنْ الطَّرِيقِينَ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ
(وَالثَّانِي)
حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجِبُ الْعُشْرُ بِكَمَالِهِ عَلَى قَوْلِنَا فِيمَا إذَا تَفَاضَلَا أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّهُ أَرْفَقُ لِلْمَسَاكِينِ وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَدَلِيلُهُ فِي الْكِتَابِ فَإِنْ سُقِيَ بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرُ فَقَوْلَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ دَلِيلَهُمَا (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَرَجَّحَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَيْضًا فِي الْمُخْتَصَرِ يُقَسَّطُ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمَا
(وَالثَّانِي)
يُعْتَبَرُ الْأَغْلَبُ.
فَإِنْ قُلْنَا بِالتَّقْسِيطِ وَكَانَ ثُلُثَا السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالثُّلُثُ بِالنَّضْحِ وَجَبَ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْعُشْرِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْأَغْلَبِ فَزَادَ السَّقْيُ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ الْعُشْرُ وَإِنْ زَادَ الْآخَرُ أَدْنَى زِيَادَةٍ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ فَإِنْ اسْتَوَيَا فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَذْهَبَ وُجُوبُ ثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ يَجِبُ كُلُّ الْعُشْرِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ قَسَّطْنَا أَمْ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ فَهَلْ النَّظَرُ إلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ أَمْ غَيْرِهَا فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْخُرَاسَانِيِّينَ وَفِي كُتُبِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ
(أَحَدُهُمَا)
يُقَسَّطُ عَلَى عَدَدِ السَّقْيَاتِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْمَاوَرْدِيُّ لِأَنَّ الْمُؤْنَةَ تختلف بعدد السقيات والمراد السقيات المقيدة (وَالْوَجْهُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ قَطَعَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَصَحَّحَهُ الْمُحَقِّقُونَ وَرَجَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابَيْهِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعَيْشِ الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ وَنَمَائِهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الثَّانِي بِالنَّظَرِ إلَى النَّفْعِ قَالُوا وَقَدْ تَكُونُ سَقْيَةٌ أَنْفَعُ مِنْ سَقَيَاتٍ كَثِيرَةٍ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْعِبَارَتَانِ مُتَقَارِبَتَانِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الثَّانِيَةِ لَا يَنْظُرُ إلَى الْمُدَّةِ بَلْ يُعْتَبَرُ النَّفْعُ الَّذِي يَحْكُمُ بِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وَصَاحِبُ الْعِبَارَةِ الْأُولَى يَعْتَبِرُ الْمُدَّةَ: قَالَ الرَّافِعِيُّ رحمه الله وَاعْتِبَارُ الْمُدَّةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَكْثَرُونَ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ قَالَ وَذَكَرُوا فِي الْمِثَالِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ الْمُدَّةُ مِنْ يَوْمِ الزَّرْعِ إلَى يَوْمِ الْإِدْرَاكِ ثَمَانِيَةَ أَشْهُرٍ وَاحْتَاجَ فِي سِتَّةِ أَشْهُرٍ زَمَانَ الشِّتَاءِ وَالرَّبِيعِ إلَى سَقْيَتَيْنِ فَسَقَى فِيهِمَا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَاحْتَاجَ فِي الصَّيْفِ فِي الشَّهْرَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ إلَى ثَلَاثِ
سَقَيَاتٍ فَسُقِينَ بِالنَّضْحِ.
فَإِنْ اعْتَبَرْنَا عَدَدَ السَّقْيَاتِ فَعَلَى قَوْلِ التَّقْسِيطِ يَجِبُ خُمُسَا الْعُشْرِ وَثَلَاثَةُ
أَخْمَاسِ نِصْفِ الْعُشْرِ وَعَلَى اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ وَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْمُدَّةَ فَعَلَى قَوْلِ التَّقْسِيطِ يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ وَرُبْعُ نِصْفِ الْعُشْرِ وَعَلَى قَوْلِ اعْتِبَارِ الْأَغْلَبِ يَجِبُ الْعُشْرُ لِأَنَّ مُدَّةَ السَّقْيِ بِمَاءِ السَّمَاءِ أَطْوَلُ وَلَوْ سَقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالنَّضْحِ جَمِيعًا وَجَهِلَ الْمِقْدَارَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَوْ عَلِمَ أَنَّ أَحَدَهُمَا أَكْثَرُ وَجَهِلَ أَيَّهُمَا هُوَ وَجَبَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَجَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَنَقَلُوهُ عَنْ ابْنِ سُرَيْجٍ وَأَطْبَقُوا عَلَيْهِ إلَّا ابْنَ كَجٍّ وَالدَّارِمِيَّ فَحَكَيَا وَجْهًا أَنَّهُ يَجِبُ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّ الْأَصْلَ البراءة مما زاداو إلا صَاحِبَ الْحَاوِي فَقَالَ: إنْ سَقَى بِأَحَدِهِمَا أَكْثَرَ وَجُهِلَتْ عَيْنُهُ فَإِنْ اعْتَبَرْنَا الْأَغْلَبَ وَجَبَ نِصْفُ العشر لانه اليقين وان قلنا بالتقسط فالواجيب يَنْقُصُ عَنْ الْعُشْرِ وَيَنْقُصُ عَنْ نِصْفِهِ فَيَأْخُذُ الْيَقِينَ وَيَقِفُ عَنْ الْبَاقِي حَتَّى يَتَبَيَّنَ قَالَ وان فشككنا هَلْ اسْتَوَيَا أَوْ زَادَ أَحَدُهُمَا (فَإِنْ قُلْنَا) بِالْغَالِبِ وَجَبَ نِصْفُ الْعُشْرِ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ وَإِنْ قَسَّطْنَا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجِبُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ
(والثانى)
يجب زيادة علي نصف العشر بشئ وَإِنْ قَلَّ هَذَا كَلَامُ صَاحِبِ الْحَاوِي وَالْمَذْهَبُ ما قدمناه (الحال الثاني) يزرغ نَاوِيًا السَّقْيَ بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ يَقَعُ الْآخَرُ فَهَلْ يستصحب حكم ما نواه أو لا أَمْ يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْخُرَاسَانِيُّونَ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) وَأَشْهُرُهُمَا يُعْتَبَرُ الْحُكْمُ وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِرَاقِيِّينَ.
قَالُوا وَعَلَى هَذَا فَفِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِمَا الْخِلَافُ السَّابِقُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا قَالَ الشافعي رضى الله تعالي عَنْهُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمَالِكُ وَالسَّاعِي فِي أَنَّهُ بِمَاذَا سُقِيَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فِيمَا يُمْكِنُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ بِالِاتِّفَاقِ صَرَّحَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمْ لِأَنَّهُ لَا يُخَالِفُ الظَّاهِرَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
لَوْ كَانَ لَهُ حَائِطَانِ مِنْ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ أَوْ قِطْعَتَانِ مِنْ الزَّرْعِ سُقِيَ أَحَدُهُمَا بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْآخَرُ بِالنَّضْحِ وَلَمْ يَبْلُغْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا نِصَابًا وَجَبَ ضَمُّ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَأَخْرَجَ مِنْ الْمَسْقِيِّ بِمَاءِ السَّمَاءِ الْعُشْرَ
وَمَنْ الْآخَرِ نِصْفَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ * قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَوْلُهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَتَجِبُ فِيمَا زَادَ علي النصاب
بِحِسَابِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ فِيهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَآخَرُونَ وَدَلِيلُهُ مِنْ السُّنَّةِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ " الحديث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رضي الله عنهم وَقْتُ وُجُوبِ زَكَاةِ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَوَقْتُ الْوُجُوبِ فِي الْحُبُوبِ اشْتِدَادُهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَعْرُوفُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الْقَدِيمَةِ وَالْجَدِيدَةِ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ فِي كُلِّ الطُّرُقِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الشَّامِلِ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا حَامِدٍ حَكَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه أو مأ فِي الْقَدِيمِ إلَى أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَجِبُ الا عند فعل الحصاد قال وليس بشئ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّهُ حَكَى قَوْلًا غَرِيبًا أَنَّ وَقْتَ الزَّكَاةِ هُوَ الْجَفَافُ فِي الثِّمَارِ وَالتَّصْفِيَةُ فِي الْحُبُوبِ وَلَا يَتَقَدَّمُ الْوُجُوبُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْأَدَاءِ وَهَذَانِ شَاذَّانِ وَالْمَذْهَبُ مَا سَبَقَ قَالَ أَصْحَابُنَا وَبُدُوُّ الصَّلَاحِ فِي بَعْضِهِ كَبُدُوِّهِ فِي الْجَمِيعِ كَمَا فِي البيع فإذا بدا الصلاح في أقل شئ مِنْهُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَكَذَا اشْتِدَادُ بَعْضِ الْحَبِّ كَاشْتِدَادِ كُلِّهِ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَمَا أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَحَقِيقَةُ بُدُوِّ الصَّلَاحِ هُنَا كَمَا هُوَ مُقَدَّرٌ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ وَمُخْتَصَرُهُ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ أَنْ يَحْمَرَّ الْبُسْرُ وَيَتَمَوَّهُ الْعِنَبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فَإِنْ كَانَ عِنَبًا أَسْوَدَ فَحَتَّى يَسْوَدَّ أَوْ أَبْيَضَ فَحَتَّى يَتَمَوَّهَ.
قِيلَ أَرَادَ بِالتَّمَوُّهِ أَنْ يَدُورَ فِيهِ الْمَاءُ الْحُلْوُ وَقِيلَ أَنْ تَبْدُوَ
فِيهِ الصُّفْرَةُ
* (فَرْعٌ)
قَالَ أَصْحَابُنَا لَوْ اشْتَرَى نَخِيلًا مُثْمِرَةً أَوْ وَرِثَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ثُمَّ بَدَا فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِوُجُودِ وَقْتِ الْوُجُوبِ فِي مِلْكِهِ وَلَوْ بَاعَ الْمُسْلِمُ نَخِيلَهُ الْمُثْمِرَةَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِمُكَاتَبٍ أَوْ ذِمِّيٍّ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مِلْكِهِ فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ فَلَوْ عَادَ إلَى مِلْكِ الْبَائِعِ الْمُسْلِمِ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ بِبَيْعٍ مُسْتَأْنَفٍ أَوْ هبة
أَوْ إقَالَةٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ أَوْ غَيْرِ ذلك فلا زكاة لانه لم يكن مالكاله حَالَ الْوُجُوبِ وَلَوْ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْخِيَارِ فَبَدَا الصَّلَاحُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ تَمَّ الْبَيْعُ (وَإِنْ قُلْنَا) لِلْمُشْتَرِي فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ فُسِخَ وَإِنْ قُلْنَا مَوْقُوفٌ فَالزَّكَاةُ مَوْقُوفَةٌ فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ الْمِلْكُ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ عَلَيْهِ وَلَوْ بَاعَ نَخِيلًا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَبَدَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا فَلَيْسَ لَهُ الرَّدُّ إلَّا بِرِضَا الْبَائِعِ لِتَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِهَا وَهُوَ كَعَيْبٍ حَدَثَ فِي يَدِهِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْمُشْتَرِي الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَحُكْمُهُ مَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَ النَّخْلَ وَالثَّمَرَ جَمِيعًا فَلَوْ بَاعَ الثَّمَرَةَ وَحْدَهَا قَبْلَ بُدُوِّ الصلاح فشرطه أن يباع بشرط القطع فلم يُقْطَعْ حَتَّى بَدَا فَقَدْ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ ثُمَّ إنْ رَضِيَا بِإِبْقَائِهَا إلَى الْجِذَاذِ جَازَ وَالْعُشْرُ عَلَى الْمُشْتَرِي قَالَ الرَّافِعِيُّ وَحَكَى قَوْلَ أَنَّ البيع ينفسخ كما لو اتفقا عِنْدَ الْبَيْعِ عَلَى الْإِبْقَاءِ وَهَذَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِالْإِبْقَاءِ لَمْ تُقْطَعْ الثَّمَرَةُ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْفُقَرَاءِ ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يَنْفَسِخُ لَكِنْ إنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِالْإِبْقَاءِ يُفْسَخُ وَإِنْ رَضِيَ بِهِ وَامْتَنَعَ الْمُشْتَرِي وَطَلَبَ الْقَطْعَ فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يُفْسَخُ (وَأَصَحُّهُمَا) لَا يُفْسَخُ وَلَوْ رَضِيَ الْبَائِعُ ثُمَّ رَجَعَ كَانَ لَهُ ذلك لِأَنَّ رِضَاهُ إعَارَةٌ وَحَيْثُ قُلْنَا يُفْسَخُ الْبَيْعُ فَفُسِخَ فَعَلَى مَنْ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ قَوْلَانِ (أَحَدُهُمَا) عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ اسْتَقَرَّ لَهُ (وَأَصَحُّهُمَا) عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا لَوْ فُسِخَ بِعَيْبٍ فَعَلَى هَذَا لَوْ أَخَذَ السَّاعِي مِنْ نَفْسِ الثَّمَرَةِ رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي
* (فَرْعٌ)
إذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ إنَّ وَقْتَ الْوُجُوبِ هُوَ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَاشْتِدَادُ الْحَبِّ
* قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِلَا خِلَافٍ لَكِنْ يَنْعَقِدُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْإِخْرَاجِ إذَا صَارَ تَمْرًا أَوْ زَبِيبًا أَوْ حَبًّا مُصَفًّى وَيَصِيرُ لِلْفُقَرَاءِ فِي الْحَالِ حَقٌّ يَجِبُ دَفْعُهُ إلَيْهِمْ بَعْدَ مَصِيرِهِ تَمْرًا
أَوْ حَبًّا فَلَوْ أَخْرَجَ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ فِي الْحَالِ لَمْ يُجْزِئْهُ بِلَا خِلَافٍ وَلَوْ أَخَذَهُ السَّاعِي غَرِمَهُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَكَيْفَ يَغْرَمُهُ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ وَذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ (الصَّحِيحِ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قِيمَتُهُ
(وَالثَّانِي)
يَلْزَمُهُ مِثْلُهُ وَهُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ وَالْعِنَبَ مِثْلِيَّانِ أَمْ لَا (وَالصَّحِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِثْلِيَّيْنِ
* وَلَوْ جَفَّ
عِنْدَ السَّاعِي فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الزَّكَاةِ أَجْزَأَ وَإِلَّا رَدَّ التَّفَاوُتَ أَوْ أَخَذَهُ كَذَا قَالَهُ الْعِرَاقِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ
* وَحَكَى ابْنُ كَجٍّ وَجْهًا أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ بِحَالٍ لِفَسَادِ الْقَبْضِ
* قَالَ الرَّافِعِيُّ وَهَذَا الْوَجْهُ أَوْلَى.
وَالْمُخْتَارُ مَا سَبَقَ وَهَذَا كله في الرطب والعنب اللذين يجئ منهما تمر وزبيب (فاما) مالا يجئ مِنْهُ فَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* قَالَ أَصْحَابُنَا وَمُؤْنَةُ - تَجْفِيفِ التَّمْرِ وَجِذَاذِهِ وَحَصَادِ الْحَبِّ وَحَمْلِهِ وَدِيَاسِهِ وَتَصْفِيَتِهِ وَحِفْظِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤْنَةٍ تَكُونُ كُلُّهَا مِنْ خَالِصِ مَالِ الْمَالِكِ لا يحسب منها شئ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ مَالِ الزَّكَاةِ فَإِنْ أُخْرِجَتْ مِنْهُ لَزِمَ الْمَالِكَ زَكَاةُ مَا أَخْرَجَهُ مِنْ خَالِصِ مَالِهِ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا عِنْدَنَا وَحَكَى صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ تَكُونُ الْمُؤْنَةُ مِنْ وَسَطِ الْمَالِ لَا يَخْتَصُّ بِتَحَمُّلِهَا الْمَالِكُ دُونَ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّ المال للجميع فوزعت المؤنة عليه قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذَا غَلَطٌ لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِ الْحَصَادِ إنَّمَا كَانَ لِتَكَامُلِ الْمَنَافِعِ وَذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَى الْمَالِكِ وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم
* قال ولا يجوز اخذ شئ مِنْ الْحُبُوبِ الْمُزَكَّاةِ إلَّا بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ قُشُورِهَا إلَّا الْعَلَسَ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ مَالِكُهُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَخْرَجَهُ فِي قِشْرِهِ فَيُخْرِجُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ وَسْقًا لِأَنَّ بَقَاءَهُ فِي قِشْرِهِ أَصْوَنُ وَإِنْ شَاءَ صَفَّاهُ مِنْ الْقُشُورِ قَالَ وَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُ الْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ أَصْوَنَ لَهَا لِأَنَّهُ يُتَعَذَّرُ كَيْلُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ وَالْأَصْحَابُ إذَا بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِ وُجُوبِهَا كَالتَّمْرِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ وَالْحَبِّ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ وَالْمَاشِيَةِ وَالنَّقْدِ وَغَيْرِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ نَوَى بِمَالِ التِّجَارَةِ الْقُنْيَةَ أَوْ اشْتَرَى بِهِ شَيْئًا لِلْقِنْيَةِ قَبْلَ الْحَوْلِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِحَاجَةٍ إلَى ثَمَنِهِ لَمْ يُكْرَهْ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ تَقْصِيرٌ وَلَا يُوصَفُ بِفِرَارٍ.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَاجَةٌ وَإِنَّمَا بَاعَهُ لِمُجَرَّدِ الْفِرَارِ فَالْبَيْعُ
صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ وَبِهِ قطع الجمهور وشذ الدارمي وصاحب الا بانة فَقَالَا هُوَ حَرَامٌ وَتَابَعَهُمَا الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَهَذَا غَلَطٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَقَدْ صَرَّحَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ بِأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَى الْبَائِعِ فِرَارًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَإِذَا بَاعَ فِرَارًا قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ فَلَا زَكَاةَ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَدَاوُد وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ إذَا تَلِفَ بَعْضُ النِّصَابِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَاعَهُ فِرَارًا لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ
* دَلِيلُنَا أَنَّهُ فَاتَ شَرْطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَهُوَ الْحَوْلُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهٍ يُعْذَرُ فِيهِ أَوْ لَا يُعْذَرُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (فَإِنْ قِيلَ) فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِرَارِ هُنَا وَالْفِرَارِ بِطَلَاقِ الْمَرْأَةِ بَائِنًا فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَإِنَّهَا تَرِثُهُ عَلَى قَوْلٍ (فَالْفَرْقُ) مِنْ وَجْهَيْنِ
(أَحَدِهِمَا)
أَنَّ الحق في الارث لمعين فاحتيط له لَهُ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ (وَالثَّانِي) أَنَّ الزَّكَاةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الرِّفْقِ وَالْمُسَاهَلَةِ وَتَسْقُطُ بِأَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ لِلرِّفْقِ كَالْعَلْفِ فِي بَعْضِ الْحَوْلِ وَالْعَمَلِ عَلَيْهَا وَغَيْرِ ذلك بخلاف الارث وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَإِنْ بَاعَ بعد بدو الصلاح ففى البيع في قدر الفرض قولان
(أحدهما)
أنه باطل لان في أحد القولين تجب الزكاة في العين وقدر الفرض للمساكين فلا يجوز بيعه بغير اذنهم وفى الآخر تجب في الذمة والعين مرهونة به وبيع المرهون لا يجوز من غير اذن المرتهن
(والثانى)
انه يصح لانا ان قلنا الزكاة تتعلق بالعين الا أن احكام الملك كلها ثابتة والبيع من أحكام الملك وان قلنا أنها تجب في الذمة والعين مرتهنة به الا أنه رهن يثبت بغير اختياره فلم يمنع البيع كالجناية في رقبة العيد (فان قلنا) يصح في قدر الفرض (ففيما) سواه أولى (وان قلنا) لا يصح في قدر الفرض ففيما سواه
قولان بناء علي تفريق الصفقة}
* {الشَّرْحُ} إذَا بَاعَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا فيه سواء كان تمرا أو حبا مَاشِيَةً أَوْ نَقْدًا أَوْ غَيْرَهُ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَإِنْ بَاعَ جَمِيعَ الْمَالِ فَهَلْ يَصِحُّ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ يُبْنَى عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي أَنَّ الزَّكَاةَ هَلْ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ وَقَدْ سَبَقَ خِلَافٌ مُخْتَصَرُهُ أربعة أقوال (أصحها تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ
(وَالثَّانِي)
تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ تَعَلُّقَ أَرْشِ الْجِنَايَةِ (وَالثَّالِثُ) تَعَلُّقَ الْمَرْهُونِ
(وَالرَّابِعُ) لَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ بَلْ بِالذِّمَّةِ فَقَطْ وَتَكُونُ الْعَيْنُ خَلْوًا مِنْ التَّعَلُّقِ فَإِنْ قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَتَكُونُ الْعَيْنُ خَلْوًا مِنْهَا صَحَّ الْبَيْعُ قَطْعًا وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِهَا تعلق الموهون فقولان أشار المصنف إلى دليلهما (أَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ الصِّحَّةُ أَيْضًا لِأَنَّ هذه العلقة ثَبَتَتْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الْمَالِكِ وَلَيْسَتْ لِمُعَيَّنٍ فَسُومِحَ بها بمالا يُسَامَحُ بِهِ فِي الْمَرْهُونِ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَطَرِيقَانِ (أَحَدُهُمَا) الْقَطْعُ بِالْبُطْلَانِ لِأَنَّهُ بَاعَ مالا يَمْلِكُهُ (وَأَصَحُّهُمَا) وَأَشْهَرُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ أَكْثَرُ الْعِرَاقِيِّينَ فِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ الْبُطْلَانُ وَبِهِ قَطَعَ كَثِيرُونَ (وَالثَّانِي) الصِّحَّةُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الْأَرْشِ فَفِي صِحَّتِهِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ بَيْعِ الْجَانِي فَإِنْ صَحَّحْنَاهُ صَحَّ هَذَا وَإِلَّا فَلَا فَإِنْ صَحَّحْنَا صَارَ بِالْبَيْعِ مُلْتَزِمًا الْفِدَاءَ فَحُصِلَ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الِاخْتِلَافَاتِ أَنَّ الْأَصَحَّ بُطْلَانُ الْبَيْعِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَحَيْثُ صَحَّحْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَفِي الْبَاقِي أَوْلَى وَحَيْثُ أَبْطَلْنَا فِيهِ فَفِي الْبَاقِي قَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ هَكَذَا أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ وَقَالَ الْخُرَاسَانِيُّونَ إذَا قُلْنَا بِالْبُطْلَانِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَهَلْ يَبْطُلُ فِي الْبَاقِي إنْ قُلْنَا تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ فَقَوْلًا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ وَإِنْ قلنا تعلق الرهن قلنا الِاسْتِيثَاقُ فِي الْجَمِيعِ بَطَلَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالِاسْتِيثَاقِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَقَطْ فَفِي الزائد قولا تفريق الصفقة والاصح في طريق الصَّفْقَةِ الصِّحَّةُ وَحَيْثُ مَنَعْنَا الْبَيْعَ وَكَانَ الْمَالُ ثَمَرَةً فَالْمُرَادُ قَبْلَ الْخَرْصِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلَا مَنْعَ إنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ وإن قلنا غيره ففيه كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فِي فَصْلِ الْخَرْصِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَالْحَاصِلُ) مِنْ هَذَا الْخِلَافِ كُلِّهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) يَبْطُلُ الْبَيْعُ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَيَصِحُّ فِي الْبَاقِي
(وَالثَّانِي)
يَبْطُلُ فِي الْجَمِيعِ (وَالثَّالِثُ) يَصِحُّ فِي الْجَمِيعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا فِي الْجَمِيعِ نُظِرَ إنْ أَدَّى الْبَائِعُ الزَّكَاةَ
مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلِلسَّاعِي أن يأخذ من عين الْمَالِ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي قَدْرَ الزَّكَاةِ عَلَى جميع الاقول بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ أَخَذَ انْفَسَخَ الْبَيْعُ فِي الْمَأْخُوذِ وَهَلْ يَنْفَسِخُ فِي الْبَاقِي فِيهِ الْخِلَافُ المشهور في انفساخ البيع بتفريق الصففة فِي الدَّوَامِ وَالْمَذْهَبُ لَا يَنْفَسِخُ فَإِنْ قُلْنَا يَنْفَسِخُ اسْتَرَدَّ الثَّمَنَ وَإِلَّا فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ كَانَ حَالًّا فَإِنْ فُسِخَ فَذَاكَ وَإِنْ أَجَازَ فِي الْبَاقِي فَهَلْ يَأْخُذُ بِقِسْطِهِ مِنْ الثَّمَنِ أَمْ بِالْبَاقِي فِيهِ طَرِيقَانِ مَشْهُورَانِ فِي كِتَابِ الْبَيْعِ (الْمَذْهَبُ) أَنَّهُ بِقِسْطِهِ وَلَوْ لَمْ يَأْخُذْ السَّاعِي مِنْهُ الْوَاجِبَ وَلَمْ يُؤَدِّ الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَهَلْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ إذَا عَلِمَ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) لَهُ الْخِيَارُ (وَالثَّانِي) لَا لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ مَالِكٌ لِلْجَمِيعِ وَقَدْ يُؤَدِّي الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنْ قُلْنَا بِالْأَصَحِّ إنَّ لَهُ الْخِيَارَ فَأَدَّى
الْبَائِعُ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَهَلْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ فِيهِ وَجْهَانِ (الصَّحِيحُ) يَسْقُطُ لِزَوَالِ الْعَيْبِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَعِيبًا فَزَالَ عَيْبُهُ قَبْلَ الرَّدِّ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ
(وَالثَّانِي)
لَا يَسْقُطُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَخْرُجَ مَا دَفَعَهُ إلَى السَّاعِي مُسْتَحَقًّا فَيَرْجِعُ السَّاعِي إلَى عَيْنِ الْمَالِ وَيَجْرِي الْوَجْهَانِ فِيمَا لَوْ بَاعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ الْجَانِي ثُمَّ فَدَاهُ هَلْ يَبْقَى لِلْمُشْتَرِي خِيَارُهُ أَمَّا إذَا أَبْطَلْنَا الْبَيْعَ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ وَصَحَّحْنَا فِي الْبَاقِي فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ فِي الْبَاقِي وَإِجَازَتُهُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِأَدَاءِ الْبَائِعِ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّ الْخِيَارَ هُنَا لتبعيض الصفقة وإذا أجاز فهل يجز بِقِسْطِهِ أَمْ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ فِيهِ الْقَوْلَانِ السَّابِقَانِ وَقَطَعَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ يُجِيزُ بِالْجَمِيعِ فِي الْمَوَاشِي وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ فِي بَيْعِ جَمِيعِ الْمَالِ فَإِنْ بَاعَ بَعْضَهُ نُظِرَ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ قَدْرُ الزَّكَاةِ فَهُوَ كَمَا لَوْ بَاعَ الْجَمِيعَ وَإِنْ بَقِيَ قَدْرُ الزَّكَاةِ بِنِيَّةِ صَرْفِهِ إلَى الزَّكَاةِ أَوْ بِغَيْرِ نِيَّةٍ فَإِنْ قُلْنَا بِالشَّرِكَةِ فَفِي صِحَّةِ الْبَيْعِ وَجْهَانِ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاغِ (أَقْيَسُهُمَا) الْبُطْلَانُ وهما مبنيان علي كيفة ثُبُوتِ الشَّرِكَةِ وَفِيهَا وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّ الزَّكَاةَ شَائِعَةٌ فِي الْجَمِيعِ مُتَعَلِّقَةٌ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشِّيَاهِ وَغَيْرِهَا بِالْقِسْطِ (وَالثَّانِي) أَنَّ مَحِلَّ الِاسْتِحْقَاقِ هُوَ قَدْرُ الْوَاجِبِ فَقَطْ وَيَتَعَيَّنُ بِالْإِخْرَاجِ وَإِنْ فَرَّعْنَا عَلَى قَوْلِ الزَّكَاةِ فَقَطْ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَصِحُّ وَعَلَى الثَّانِي يَصِحُّ وَإِنْ فَرَّعْنَا على تعلق الْأَرْشِ فَإِنْ صَحَّحْنَا بَيْعَ الْجَانِي صَحَّ هَذَا وَإِلَّا فَالتَّفْرِيعُ كَالتَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الرَّهْنِ وَجَمِيعُ مَا ذَكَرْنَا هُوَ فِي بَيْعِ مَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي عَيْنِهِ (فَأَمَّا) بَيْعُ مَالِ التِّجَارَةِ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي بَابِهَا إنْ
شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
* (فَرْعٌ)
لَوْ رَهَنَ الْمَالَ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَهُوَ كَبَيْعِهِ فَيَعُودُ فِيهِ جَمِيعُ مَا سَبَقَ فَإِنْ صَحَّحْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَفِي الزَّائِدِ أَوْلَى وَإِنْ أَبْطَلْنَا فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَالْبَاقِي يُرَتَّبُ عَلَى الْبَيْعِ فَإِنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فَالرَّهْنُ أَوْلَى وَإِلَّا فَقَوْلَانِ كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ فِي الرَّهْنِ إذَا صَحِبَ حَلَالًا وَحَرَامًا فَإِنْ صَحَّحْنَا الرَّهْنَ فِي الْجَمِيعِ فَلَمْ يُؤَدِّ الزَّكَاةَ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلِلسَّاعِي أَخْذُهَا مِنْهُ فَإِذَا أَخَذَ انْفَسَخَ الرَّهْنُ فِيهَا وَفِي الْبَاقِي الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي نَظِيرِهِ فِي الْبَيْعِ وَإِنْ أَبْطَلْنَا فِي الْجَمِيعِ أَوْ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ فَقَطْ وَكَانَ الرَّهْنُ مَشْرُوطًا فِي بَيْعٍ فَفِي فَسَادِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ فَإِنْ لَمْ يَفْسُدْ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ وَلَا يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِدَفْعِ
الزَّكَاةِ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ (وَأَمَّا) إذَا رَهَنَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ فَتَمَّ فَفِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ الْخِلَافُ السَّابِقُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالرَّهْنُ لَا يَكُونُ إلَّا بِدَيْنٍ وَفِي كَوْنِ الدَّيْنِ مَانِعًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ سَبَقَا هُنَاكَ (الْأَصَحُّ) الْجَدِيدُ لَا يَمْنَعُ فَإِنْ قُلْنَا الرَّهْنُ لَا يَمْنَعُ الزَّكَاةَ وَقُلْنَا الدَّيْنُ لَا يَمْنَعُهَا أَوْ يمنعها وكان له مال آخر بقى بِالدَّيْنِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ إنْ لَمْ يَمْلِكْ الرَّاهِنُ مَالًا آخَرَ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِالْعَيْنِ فَأَشْبَهَتْ أَرْشَ الْجِنَايَةِ (وَعَلَى الثَّانِي) لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ سَابِقٌ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ وَالزَّكَاةُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى مبنية علي المسامحة بخلاف أرش الجنابة؟ ولان أرش الجنابة؟ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ يَفُوتُ لَا إلَى بَدَلٍ بحلاف الزَّكَاةِ فَعَلَى الْأَصَحِّ لَوْ كَانَتْ الزَّكَاةُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ كَالشَّاةِ مِنْ الْإِبِلِ يُبَاعُ جُزْءٌ مِنْ الْمَالِ فِي الزَّكَاةِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ الْوَاجِبُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أُخِذَ مِنْ الْمَرْهُونِ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ إذَا أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ فَأَيْسَرَ الرَّاهِنُ بَعْدَ ذَلِكَ فَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ الزَّكَاةِ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فِيهِ طَرِيقَانِ إنْ عَلَّقْنَاهُ بِالذِّمَّةِ اخذ وان علقناها بِالْعَيْنِ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَى أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَوْ تَلِفَ بَعْضُ الْمَرْهُونِ وَقِيلَ يُؤْخَذُ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ الْمَالِكُ فَإِنْ قُلْنَا يُؤْخَذُ فَإِنْ كَانَ النِّصَابُ مِثْلِيًّا أَخَذَ الْمِثْلَ وَإِنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا أَخَذَ الْقِيمَةَ عَلَى قَاعِدَةِ الْغَرَامَاتِ (أَمَّا) إذَا مَلَكَ مَالًا آخَرَ فَالْمَذْهَبُ وَاَلَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْ بَاقِي أَمْوَالِهِ وَلَا تُؤْخَذُ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ سَوَاءٌ قُلْنَا تَجِبُ الزَّكَاةُ
فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْعَيْنِ وقال جماعة يؤخذ مِنْ نَفْسِ الْمَرْهُونِ إنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ كَمَا لَا يَجِبُ عَلَى السَّيِّدِ فِدَاءُ الْمَرْهُونِ إذَا جَنَى وَاَللَّهُ تَعَالَى اعلم
* قال الصمنف رحمه الله تعالى
* {فان أكل شيئا من الثمار أو استهلكه وهو عالم عزر وغرم وإن كان جاهلا غرم ولم يعزر}
* {الشَّرْحُ} لَا يَجُوزُ لِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي الثمار قبل الخرض لَا بِبَيْعٍ وَلَا أَكْلٍ وَلَا إتْلَافٍ حَتَّى يُخْرَصَ فَلَوْ تَصَرَّفَ قَبْلَ الْخَرْصِ وَبَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ غَرِمَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ فَإِنْ كَانَ عَالِمًا تَحْرِيمَهُ عُزِّرَ وَإِنْ كَانَ جَاهِلًا لَمْ يُعَزَّرْ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
قَالَ الْبَغَوِيّ وَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْخَرْصِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شيئا ولا يتصرف في شئ قَالَ فَإِنْ لَمْ يَبْعَثْ الْحَاكِمُ خَارِصًا أَوْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ تَحَاكَمَ إلَى عَدْلَيْنِ يَخْرُصَانِ
عَلَيْهِ ثُمَّ إذَا غَرِمَ مَا تَصَرَّفَ فِيهِ يُنْظَرُ إنْ أَتْلَفَهُ رُطَبًا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَضْمَنُ بقيمته لانه ليس مثليا فأشبه مالو أتلفه أجنبي
(والثانى)
يضمنه بمثله رطبا لانه رَبَّ الْمَالِ إذَا أَتْلَفَ مَالَ الزَّكَاةِ ضَمِنَهُ بِجِنْسِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَمَا لَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً أَوْ ثَلَاثِينَ بَقَرَةً فَأَتْلَفَهَا بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ شَاةٌ أَوْ بَقَرَةٌ ثُمَّ إنْ كَانَتْ الْأَنْوَاعُ قَلِيلَةً ضَمِنَ كُلَّ نَوْعٍ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْقِيمَةِ أَوْ الرُّطَب عَلَى اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ وَإِنْ كَانَتْ الْأَنْوَاعُ كَثِيرَةً ضمن الوسط قيمة أو رطبا
*
* قال المصنف رحمه الله
* {الشَّرْحُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله إذَا أَصَابَ النَّخْلَ عَطَشٌ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ وَخَافَ هَلَاكَهَا أَوْ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ أَوْ هَلَاكَ بَعْضِهَا إنْ لَمْ تُقْطَعْ الثَّمَرَةُ أَوْ خَافَ ضَرَرَ النَّخْلِ
أَوْ الثَّمَرَةِ جَازَ قَطْعُ مَا يَنْدَفِعُ بِهِ الضَّرَرُ إمَّا بَعْضِهَا أَوْ كُلِّهَا فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَطْعِ الجميع قطع الجميع وان اندفع بقطه الْبَعْضِ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَسَاكِينِ إنَّمَا هُوَ فِي التَّمْرِ يَابِسًا وَإِنَّمَا جَوَّزْنَا الْقَطْعَ لِلْحَاجَةِ فَلَا يَجُوزُ زِيَادَةٌ عَلَيْهَا ثُمَّ إنْ أَرَادَ الْقَطْعَ فَيَنْبَغِي لِلْمَالِكِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الْعَامِلَ فَإِنْ اسْتَأْذَنَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ وَدَفْعِ الْمَفْسَدَةِ عَنْ الْمَالِكِ وَالْمَسَاكِينِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ الْعَامِلَ بَلْ اسْتَقَلَّ الْمَالِكُ بِقَطْعِهَا فَوَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) وَبِهِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ الْعِرَاقِيِّينَ والسرخسي وغيره من الخراسانيين ونقله القاضى ابوالطيبب فِي الْمُجَرَّدِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ وَاجِبٌ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِتَحْرِيمِ الِاسْتِقْلَالِ عُزِّرَ
* وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّ الاستئذان مستحب
فَلَا يَأْثَمُ بِتَرْكِهِ وَلَا يُعَزَّرُ وَبِهَذَا قَالَ الصيدلانى والبغوى وطائفة وسواء قلنا يجبب الاستئذان ام يستحب الا يَغْرَمُ الْمَالِكُ مَا نَقَصَ بِالْقَطْعِ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ: وَإِذَا أَعْلَمَ الْمَالِكُ السَّاعِي قَبْلَ الْقَطْعِ وَأَرَادَ الْقِسْمَةَ بِأَنْ يَخْرُصَ الثِّمَارَ وَيُعَيِّنَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فِي نَخْلَةٍ أَوْ نَخَلَاتٍ بِأَعْيَانِهَا فَقَوْلَانِ منصوصان للشافعي رضي الله تعالى عنه.
قَالَ الْأَصْحَابُ: هُمَا مَبْنِيَّانِ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْعٌ أَمْ إفْرَازُ حَقٍّ فَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَ ثُمَّ لِلسَّاعِي بَيْعُ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ غَيْرِهِ وَأَنْ يَقْطَعَهُ وَيُفَرِّقَهُ بَيْنَهُمْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهُمْ وَإِنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ لَمْ يَجُزْ وَلَوْ لَمْ يُمَيِّزْ لِلْفُقَرَاءِ شَيْئًا بَلْ قُطِعَتْ الثِّمَارُ مُشْتَرَكَةً قَالَ الْأَصْحَابُ فَفِي جَوَازِ الْقِسْمَةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ أَوْ إفْرَازٌ إنْ قُلْنَا إفْرَازٌ وَهُوَ الْأَصَحُّ جَازَتْ الْمُقَاسَمَةُ كَيْلًا وَوَزْنًا هَكَذَا صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ وَالْأَصْحَابُ وَإِنْ قُلْنَا بَيْعٌ فَفِي جَوَازِهَا خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَمَيَّزُ بِمِثْلِهِ وَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مَذْكُورَانِ فِي بَابِ الرِّبَا (أَصَحُّهُمَا) لَا يَجُوزُ فَإِنْ جَوَّزْنَاهُ جَازَتْ الْقِسْمَةُ بِالْكَيْلِ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ
مُقَاسَمَةُ السَّاعِي لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُعَاوَضَةً فَلَا يُكَلَّفُ فِيهِ تَعَبُّدَاتِ الرِّبَا وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا وَهَذَا الْوَجْهُ حَكَاهُ الْمُصَنِّفُ فِي آخِرِ الْبَابِ والاصحاب عن أبى اسحق وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ الْمُصَنِّفُ إنَّهُمَا يُجَوِّزَانِ الْبَيْعَ كَيْلًا وَوَزْنًا وَقَالَ غَيْرُهُ كَيْلًا فَقَطْ وَهُوَ الْأَقْيَسُ (وَأَصَحُّهُمَا) عِنْدَ الْمُصَنِّفِ
وَالْأَكْثَرِينَ وَبِهِ قَطَعَ جَمَاعَةٌ تَفْرِيعًا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ لَا يَجُوزُ فَعَلَى هَذَا لَهُ فِي الْأَخْذِ مَسْلَكَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَأْخُذُ قِيمَةَ عُشْرِ الرُّطَبِ الْمَقْطُوعِ (وَالثَّانِي) يُسَلِّمُ عُشْرَهُ مُشَاعًا إلَى السَّاعِي لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمَسَاكِينِ وَطَرِيقُهُ فِي تَسْلِيمِ عُشْرِهِ أَنْ يُسَلِّمَهُ كُلَّهُ فَإِذَا تَسَلَّمَهُ السَّاعِي برئ المالك من العشرو صار مَقْبُوضًا لِلْمَسَاكِينِ بِقَبْضِ نَائِبِهِمْ ثُمَّ لِلسَّاعِي بَعْدَ قَبْضِهِ بَيْعُ نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ لِلْمَالِكِ أَوْ لِغَيْرِهِ أَوْ يَبِيعُ هُوَ وَالْمَالِكُ الْجَمِيعَ وَيَقْسِمَانِ الثَّمَنَ وَهَذَا الْمَسْلَكُ جَائِزٌ بِلَا خِلَافٍ (وَأَمَّا) الْمَسْلَكُ الْأَوَّلُ فَحَكَى إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُ وَجْهًا فِي جَوَازِهِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَبَقَ فِي آخِرِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا بَيَانُ جَوَازِ أَخْذِ الْقِيمَةِ في مواضع الضرورة والصحيح الذى عليه الا كثرون مَنْعُهُ.
وَحَكَى الْإِمَامُ وَغَيْرُهُ
وَجْهًا آخَرَ أَنَّ السَّاعِي يَتَخَيَّرُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَالْقِسْمَةِ قَالَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلَافُ الْقَاعِدَةِ وَاحْتُمِلَ لِلْحَاجَةِ فَيَفْعَلُ مَا هُوَ أَصْلَحُ لِلْمَسَاكِينِ وَالصَّحِيحُ تَعَيُّنُ الْمَسْلَكِ الثَّانِي قَالَ الْأَصْحَابُ: ثُمَّ مَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا مِنْ الْخِلَافِ وَالتَّفْصِيلُ فِي كَيْفِيَّةِ إخْرَاجِ الْوَاجِبِ يَجْرِي بِعَيْنِهِ فِي إخْرَاجِ الْوَاجِبِ عَنْ الرُّطَبِ الَّذِي لَا يَتَتَمَّرُ وَالْعِنَبِ الَّذِي لَا يَتَزَبَّبُ وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ اسْتِدْرَاكٌ حَسَنٌ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ قَالَ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ الْإِشْكَالُ عَلَى قَوْلِنَا الْمَسَاكِينُ شُرَكَاءُ فِي النِّصَابِ بِقَدْرِ الزَّكَاةِ وَحِينَئِذٍ يَنْتَظِمُ التَّرْجِيحُ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْقِسْمَةِ فَأَمَّا إذَا لَمْ نَجْعَلْهُمْ شُرَكَاءَ فَلَيْسَ تَسْلِيمُ حَقِّ السَّاعِي قِسْمَةً حَتَّى يَأْتِيَ فِيهِ الْقَوْلَانِ فِي الْقِسْمَةِ بَلْ هُوَ تَوْفِيَةُ حَقٍّ إلَى مُسْتَحِقٍّ هَذَا كَلَامُ الْإِمَامِ وَاسْتَحْسَنَهُ الرَّافِعِيُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً فَإِنْ قَطَعَهَا الْمَالِكُ وَأَتْلَفَهَا أَوْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ عُشْرِهَا رُطَبًا حِينَ أَتْلَفَهَا قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ (فَإِنْ قِيلَ) لَوْ أَتْلَفَهَا رُطَبًا مِنْ غَيْرِ عَطَشٍ لَزِمَهُ عُشْرُهَا تَمْرًا فَهَلَّا لَزِمَهُ فِي
إتْلَافِهَا لِلْعَطَشِ عُشْرُهَا تَمْرًا (قُلْنَا) الْفَرْقُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَخَفْ الْعَطَشَ وَلَا ضَرَرًا فِي تَرْكِهَا لَزِمَهُ تَرْكُهَا وَدَفْعُ التَّمْرِ بَعْدَ الْجَفَافِ فَإِذَا قَطَعَ فَهُوَ مُفَرِّطٌ مُتَعَدٍّ فَلَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِذَا خَافَ الْعَطَشَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إبْقَاؤُهَا وَلَا التَّمْرُ بَلْ لَهُ الْقَطْعُ وَدَفْعُ الرُّطَبِ فلم يلزمه غيره والله تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ وَإِنْ أَصَابَهَا عَطَشٌ كَانَ لَهُ قَطْعُ الثَّمَرَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ثَمَنُ عُشْرِهَا أَوْ عُشْرُهَا
مَقْطُوعَةً هَكَذَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يُؤْخَذُ عُشْرُهَا مَقْطُوعَةً وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ فَذَكَرَ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْخُرَاسَانِيُّونَ فِيهِ تَأْوِيلَيْنِ يَتَخَرَّجَانِ مِمَّا سَبَقَ
(أَحَدَهُمَا)
أَنَّهُ يَبِيعُ الثَّمَرَةَ بَعْدَ قَبْضِهَا مِنْ الْمَالِكِ أَوْ لِغَيْرِهِ وَيَأْخُذُ ثَمَنَ الْعُشْرِ إنْ كَانَتْ مَصْلَحَةُ الْمَسَاكِينِ فِي بَيْعِهَا وَإِلَّا فَعُشْرُهَا وَتَنْزِلُ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَلَى أَنَّهُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي عُشْرِ الثَّمَرَةِ لَا ثَمَنِ عُشْرِهَا (التَّأْوِيلُ الثَّانِي) إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ بَاقِيَةً أَخَذَهَا وَإِنْ تَلِفَتْ فَقِيمَتُهَا وَعَبَّرَ عَنْ الْقِيمَةِ بِالثَّمَنِ وَقَدْ اسْتَعْمَلَ الشَّافِعِيُّ مِثْلَ هَذَا فِي مَوَاضِعَ وَسَبَقَ بَسْطُهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ فَتَنْزِلُ رِوَايَةُ الْمُزَنِيِّ عَلَى هَذَا وَتُحْمَلُ رِوَايَةُ الرَّبِيعِ عَلَى أَنَّ الثمرة كانت باقية وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَالْمُسْتَحَبُّ إذَا بَدَا الصَّلَاحُ فِي النَّخْلِ وَالْكَرْمِ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ مَنْ يَخْرُصُ لِحَدِيثِ عَتَّابِ بْنِ أَسِيدٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ وَيُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا يُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا وَلِأَنَّ فِي الْخَرْصِ احْتِيَاطًا لِرَبِّ الْمَالِ وَالْمَسَاكِينِ فَإِنَّ رَبَّ الْمَالِ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِالْخَرْصِ وَيَعْرِفُ الْمُصَدِّقُ حَقَّ الْمَسَاكِينِ فَيُطَالَبُ بِهِ وَهَلْ يَجُوزُ خارص واحد أم لَا فِيهِ قَوْلَانِ
(أَحَدُهُمَا)
يَجُوزُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا يَجُوزُ حَاكِمٌ وَاحِدٌ
(وَالثَّانِي)
لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ خَارِصَيْنِ كَمَا لَا يَجُوزُ أَقَلُّ مِنْ مُقَوِّمَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً خَرَصَ عَلَيْهِ نَخْلَةً نَخْلَةً وَإِنْ كَانَتْ نَوْعًا وَاحِدًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يَخْرُصَ نَخْلَةً نَخْلَةً وَبَيْنَ أَنْ يَخْرُصَ الْجَمِيعَ دَفْعَةً فَإِذَا عَرَفَ مَبْلَغَ الْجَمِيعِ ضَمِنَ رَبُّ الْمَالِ حَقَّ الْفُقَرَاءِ فَإِنْ ضَمِنَ حَقَّهُمْ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ ادَّعَى رَبُّ الْمَالِ بَعْدَ الْخَرْصِ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِجَائِحَةٍ ظَاهِرَةٍ لَمْ يُقْبَلْ حَتَّى يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَإِذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَخَذَ بِمَا قَالَ وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ حَلَّفَهُ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهَا واجبة فان خلف
سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ لَزِمَتْهُ الزَّكَاةُ (وَالثَّانِي) أَنَّهَا مُسْتَحَبَّةٌ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ بِسَبَبٍ يَخْفَى كَالسَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَلْ الْيَمِينُ وَاجِبَةٌ أَوْ مُسْتَحَبَّةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَإِنْ تَصَرَّفَ رَبُّ الْمَالِ فِي الثِّمَارِ وَادَّعَى أَنَّ الْخَارِصَ قَدْ أَخْطَأَ فِي
الْخَرْصِ نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَ فِي قَدْرٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْطِئَ فِيهِ كَالرُّبْعِ وَالثُّلُثِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وان كان في قدر يجوز أن يجطئ فِيهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَهَلْ تَجِبُ اليمين أو تستحب علي الوجهين}
* {الشَّرْحُ} فِيهِ مَسَائِلُ (إحْدَاهَا) خَرْصُ الرُّطَبِ وَالْعِنَبِ اللَّذَيْنِ تَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ سُنَّةٌ هَذَا هُوَ نَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه فِي جَمِيعِ كُتُبِهِ وَقَطَعَ بِهِ الْأَصْحَابُ فِي طُرُقِهِمْ وَحَكَى الصَّيْمَرِيُّ وَصَاحِبُ الْبَيَانِ عَنْ حِكَايَتِهِ وَجْهًا أَنَّ الْخَرْصَ وَاجِبٌ وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا مَدْخَلَ لِلْخَرْصِ فِي الزَّرْعِ بِلَا خِلَافٍ لعدم التوقيف فيه ولعدم الاحاطة كالا حاطة بِالنَّخْلِ وَالْعِنَبِ وَمِمَّنْ نَقَلَ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَوَقْتُ خَرْصِ الثَّمَرَةِ بُدُوُّ الصَّلَاحِ وَصِفَتُهُ أَنْ يَطُوفَ بِالنَّخْلَةِ وَيَرَى جَمِيعَ عنا قيدها وَيَقُول خَرْصُهَا كَذَا وَكَذَا ثُمَّ يَفْعَلُ بِالنَّخْلَةِ الْأُخْرَى كَذَلِكَ ثُمَّ بَاقِي الْحَدِيقَةِ
ولا يجوز الافتصار عَلَى رُؤْيَةِ الْبَعْضِ وَقِيَاسُ الْبَاقِي بِهِ لِأَنَّهَا تتفاوت وانما يخرص رطبا ثم يقدر ثمرا لِأَنَّ الْأَرْطَابَ تَتَفَاوَتُ فَإِنْ اخْتَلَفَ نَوْعُ الثَّمَرِ وَجَبَ خَرْصُ شَجَرَةٍ شَجَرَةٍ وَإِنْ اتَّحَدَ جَازَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْأَحْوَطُ وَجَازَ أَنْ يَطُوفَ بِالْجَمِيعِ ثُمَّ يَخْرُصُ الْجَمِيعَ دَفْعَةً وَاحِدَةً رُطَبًا ثُمَّ يُقَدِّرُ تَمْرًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي اخْتَلَفَ أصحابنا في قول الشافعي يطيف بِكُلِّ نَخْلَةٍ فَقِيلَ هُوَ شَرْطٌ لَا يَصِحُّ الْخَرْصُ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ فَوَجَبَ بَذْلُ الْمَجْهُودِ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ مُسْتَحَبٌّ وَاحْتِيَاطٌ وَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّ فِيهِ مَشَقَّةً (وَالثَّالِثُ) قَالَ وَهُوَ الْأَصَحُّ إنْ كَانَتْ الثِّمَارُ عَلَى السَّعَفِ ظَاهِرَةً كَعَادَةِ الْعِرَاقِ فَمُسْتَحَبٌّ وَإِنْ اسْتَتَرَتْ بِهِ كَعَادَةِ الْحِجَازِ فَشَرْطٌ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ الذى قطع به المصنف والا كثرون أنه يخرص جميع النخل والعنب وفيه قول للشافعي أَنَّهُ يَتْرُكُ لِلْمَالِكِ نَخْلَةً أَوْ نَخَلَاتٍ يَأْكُلُهَا أَهْلُهُ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ حَالِ الرَّجُلِ فِي قِلَّةِ عِيَالِهِ وَكَثْرَتِهِمْ وَهَذَا الْقَوْلُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْقَدِيمِ وَفِي الْبُوَيْطِيِّ وَنَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ نَصِّهِ فِي الْبُوَيْطِيِّ وَالْبُيُوعِ وَالْقَدِيمِ.
وَحَكَاهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ لَكِنْ فِي حِكَايَةِ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يَتْرُكُ الرُّبْعَ أَوْ الثُّلُثَ وَيَحْتَجُّ لَهُ بِحَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودِ بن بيان عَنْ سَهْلِ بْنِ حَثْمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ " إذَا خَرَصْتُمْ فَخُذُوا وَدَعُوا الثُّلُثَ فَإِنْ لَمْ
تَدَعُوا الثُّلُثَ فَدَعُوا الرُّبْعَ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ إلَّا عَبْدَ الرَّحْمَنِ فَلَمْ يَتَكَلَّمُوا فِيهِ بِجَرْحٍ وَلَا تَعْدِيلٍ وَلَا هُوَ مَشْهُورٌ وَلَمْ يُضَعِّفْهُ أَبُو دَاوُد وَاَللَّهُ تَعَالَى أعلم (الثالثة) هل يكتفى خَارِصٌ وَاحِدٌ أَمْ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْقَطْعُ بِخَارِصٍ كَمَا يَجُوزُ
حَاكِمٌ وَاحِدٌ وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ وَالْإِصْطَخْرِيُّ وَقَطَعَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُصَنَّفِينَ (وَأَصَحُّهُمَا) وأشهرهما وبه قطع المصنف والا كثرون فِيهِ قَوْلَانِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَبِهَذَا الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ وَابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا الْمُتَقَدِّمِينَ (أَصَحُّهُمَا) بِاتِّفَاقِهِمْ خَارِصٌ (وَالثَّانِي) يُشْتَرَطُ اثْنَانِ كَمَا يُشْتَرَطُ فِي التَّقْوِيمِ اثْنَانِ وَحُكِيَ وَجْهٌ إنْ خُرِصَ عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ اُشْتُرِطَ اثْنَانِ وَإِلَّا كَفَى وَاحِدٌ وَهَذَا الْوَجْهُ مَشْهُورٌ فِي طَرِيقَةِ الْعِرَاقِيِّينَ حَكَاهُ أَبُو عَلِيٍّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْمَاوَرْدِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالدَّارِمِيُّ وَآخَرُونَ مِنْ الْعِرَاقِيِّينَ وَذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ أَنَّ صَاحِبَ التَّقْرِيبِ حَكَاهُ قَوْلًا لِلشَّافِعِيِّ وَتَوَهَّمَ هَذَا الْقَائِلُ مِنْ فَرْقِ الشَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا فِي الْأُمِّ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ هَذَا الْوَجْهَ غَلَطٌ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا فَرْقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَهُمَا فِي الْأُمِّ في جَوَازُ تَضْمِينِ الْكَبِيرِ ثِمَارَهُ بِالْخَرْصِ دُونَ الصَّغِيرِ فَاشْتَبَهَ ذَلِكَ عَلَى صَاحِبِ هَذَا الْوَجْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَسَوَاءٌ شَرَطْنَا الْعَدَدَ أَمْ لَا فَشَرْطُ الْخَارِصِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَالِمًا بِالْخَرْصِ (وَأَمَّا) الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ فَذَكَرَ الشَّاشِيُّ فِي اشْتِرَاطِهِمَا وَجْهَيْنِ مُطْلَقًا (وَالْأَصَحُّ) اشْتِرَاطُهُمَا وَصَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَقَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ فِي الْعُدَّةِ إنْ قُلْنَا يَكْفِي خَارِصٌ كَالْحَاكِمِ اُشْتُرِطَتْ الذُّكُورَةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ
(أَحَدُهُمَا)
الْجَوَازُ كَمَا يَجُوزُ كَوْنُهُ كَيَّالًا وَوَزَّانًا
(وَالثَّانِي)
لَا لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى اجْتِهَادٍ كَالْحَاكِمِ بِخِلَافِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ قَالَ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ أَبِي الْمَكَارِمِ لَك أَنْ تَقُولَ إنْ اكْتَفَيْنَا بِوَاحِدٍ فَهُوَ كَالْحَاكِمِ فَيُشْتَرَطَانِ وَإِنْ شَرَطْنَا اثْنَيْنِ فَسَبِيلُهُ سَبِيلُ الشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تُشْتَرَطَ الْحُرِّيَّةُ وَأَنْ تُشْتَرَطَ الذُّكُورَةُ فِي أَحَدِهِمَا وَيُقَامُ امْرَأَتَانِ مَقَامَ الْآخَرِ فَحَصَلَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمَذْهَبَ اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ وَالذُّكُورَةِ دون العدد
فَلَوْ اخْتَلَفَ الْخَارِصَانِ فِي الْمِقْدَارِ قَالَ الدَّارِمِيُّ توقفنا حتي نتبين المقدار منها أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا وَحَكَى
السَّرَخْسِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ
(أَحَدَهُمَا)
يُؤْخَذُ بِالْأَقَلِّ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ
(وَالثَّانِي)
يَخْرُصُهُ ثَالِثٌ وَيُؤْخَذُ بِمَنْ هُوَ أَقْرَبُ إلَى خَرْصِهِ مِنْهُمَا وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الدَّارِمِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الرَّابِعَةُ) الْخَرْصُ هَلْ هُوَ عِبْرَةٌ أَمْ تَضْمِينٌ فِيهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ فِي طَرِيقَةِ الْخُرَاسَانِيِّينَ (أَصَحُّهُمَا) تَضْمِينٌ وَمَعْنَاهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرَةِ وَيَنْتَقِلُ إلَى ذِمَّةِ الْمَالِكِ
(وَالثَّانِي)
عِبْرَةٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ اعْتِبَارٍ لِلْقَدْرِ وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ مِنْ عَيْنِ الثَّمَرَةِ وَبِالْأَوَّلِ قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْعِرَاقِيُّونَ: وَمَنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي كُلِّ الثِّمَارِ بَعْدَ الْخَرْصِ إنْ قُلْنَا تَضْمِينٌ جَازَ وَإِلَّا فَفِيهِ خِلَافٌ سَيَأْتِي قَرِيبًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَمِنْهَا) أَنَّهُ لَوْ أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثِّمَارَ أُخِذَتْ مِنْهُ الزَّكَاةُ بِحِسَابِ مَا خَرَصَ وَلَوْلَا الْخَرْصُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ عِبْرَةٌ فَضَمَّنَ السَّاعِي الْمَالِكَ حَقَّ الْمَسَاكِينِ تَضْمِينًا صَرِيحًا وَقَبِلَهُ الْمَالِكُ كَانَ لَغْوًا وَيَبْقَى حَقُّهُمْ عَلَى مَا كَانَ وَإِنْ قُلْنَا تَضْمِينٌ فَهَلْ نَفْسُ الخرص تضمين أم لابد مِنْ تَصْرِيحِ الْخَارِصِ بِذَلِكَ فِيهِ طَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
علي وجهين (احدهما) نفسه تضمين (والثاني) لابد مِنْ التَّصْرِيحِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَعَلَى هَذَا فَاَلَّذِي أَرَاهُ أَنَّهُ يَكْفِي تَضْمِينُ الْخَارِصِ وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى قَبُولِ
الْمَالِكِ (وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ وبه قطع الجمهور انه لابد مِنْ التَّصْرِيحِ بِالتَّضْمِينِ وَقَبُولِ الْمَالِكِ فَإِنْ لَمْ يَضْمَنْهُ أَوْ ضَمِنَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ الْمَالِكُ بَقِيَ حَقُّ الْمَسَاكِينِ كَمَا كَانَ وَهَلْ يَقُومُ وَقْتَ الخرص مقام الخرص ان قلنا لابد مِنْ التَّصْرِيحِ لَمْ يَقُمْ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا يَقُومُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ) إذَا أَصَابَتْ الثِّمَارَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ أَوْ سُرِقَتْ مِنْ الشَّجَرَةِ أَوْ مِنْ الْجَرِينِ قَبْلَ الْجَفَافِ نُظِرَ ان تلفت كلها فلا شئ عَلَى الْمَالِكِ بِاتِّفَاقِ الْأَصْحَابِ لِفَوَاتِ الْإِمْكَانِ كَمَا لَوْ تَلِفَتْ الْمَاشِيَةُ قَبْلَ التَّمَكُّنِ مِنْ الْأَدَاءِ وَالْمُرَادُ إذَا لَمْ يُقَصِّرُ الْمَالِكُ فَأَمَّا إذَا أَمْكَنَ الدَّفْعُ وَأَخَّرَ وَوَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزٍ فانه
يَضْمَنُ قَطْعًا لِتَفْرِيطِهِ وَلَوْ تَلِفَ بَعْضُ الثِّمَارِ فَإِنْ كَانَ الْبَاقِي نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْإِمْكَانَ شَرْطُ الْوُجُوبِ أو الضمان فان قلنا بالاول فلا شئ وَإِنْ قُلْنَا بِالثَّانِي زَكَّى الْبَاقِي بِحِصَّتِهِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وَذَكَرَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي ثُمَّ قَالَ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يلزمه زكاة
مَا بَقِيَ قَوْلًا وَاحِدًا وَهَذَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ (أَمَّا) إذَا أَتْلَفَ الْمَالِكُ الثَّمَرَةَ أَوْ أَكَلَهَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَكِنْ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ الْفِرَارَ مِنْ الزَّكَاةِ وَإِنْ قَصَدَ الْأَكْلَ أَوْ التَّخْفِيفَ عَنْ الشَّجَرَةِ أَوْ غَرَضًا آخَرَ فَلَا كَرَاهَةَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ ضَمِنَ لِلْمَسَاكِينِ ثُمَّ لَهُ حَالَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بَعْدَ الْخَرْصِ فَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ ضَمِنَ لَهُمْ عُشْرَ التَّمْرِ لِأَنَّهُ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ بِالْخَرْصِ وَإِنْ قُلْنَا عِبْرَةٌ فَهَلْ يَضْمَنُ عُشْرَ الرُّطَبِ أَمْ قِيمَةَ عُشْرِهِ فِيهِ وَجْهَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا (وَالصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ عُشْرُ الْقِيمَةِ وَقَدْ سَبَقَتْ الْمَسْأَلَةُ قَرِيبًا (الْحَالُ الثَّانِي) أَنْ يَكُونَ الْإِتْلَافُ قَبْلَ الْخَرْصِ فَيُعَزَّرُ وَالْوَاجِبُ ضَمَانُ الرُّطَبِ إنْ قُلْنَا لَوْ جَرَى الْخَرْصُ لَكَانَ عِبْرَةً (فَإِنْ قُلْنَا) لَوْ جَرَى لَكَانَ تَضْمِينًا (فَوَجْهَانِ)(أَصَحُّهُمَا) يَضْمَنُ الرُّطَبَ
(وَالثَّانِي)
ضَمَانُ التَّمْرِ وَحَكَى الرَّافِعِيُّ وَجْهًا أَنَّهُ يَضْمَنُ أَكْثَرَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عُشْرِ التَّمْرِ وَقِيمَةِ عُشْرِ الرُّطَبِ
* وَالْحَالَانِ مفروضان في رطب يجيئ منه تمر وعنب يجيئ مِنْهُ زَبِيبٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَالْوَاجِبُ فِي الْحَالَيْنِ ضَمَانُ الرُّطَبِ بِلَا خِلَافٍ (السَّادِسَةُ) تَصَرُّفُ الْمَالِكِ فِيمَا خُرِصَ عَلَيْهِ بِالْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَغَيْرِهِمَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَقْوَالِ التَّضْمِينِ وَالْعِبْرَةِ إنْ قُلْنَا بِالتَّضْمِينِ تَصَرَّفَ فِي الْجَمِيعِ وَإِنْ قُلْنَا بِالْعِبْرَةِ فَنُفُوذُ تَصَرُّفِهِ فِي قَدْرِ الزَّكَاةِ يُبْنَى عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَأَمَّا مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الزَّكَاةِ فَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَى نُفُوذِهِ.
قَالَ الرَّافِعِيُّ: وَلَكِنَّ الْمَوْجُودَ فِي كُتُبِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَلَا سائر التصرفات في شئ مِنْ الثِّمَارِ إذَا لَمْ يَصِرْ التَّمْرُ فِي ذِمَّتِهِ بِالْخَرْصِ فَإِنْ أَرَادُوا نَفْيَ الْإِبَاحَةَ دُونَ فَسَادِ الْبَيْعِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَدَعْوَى الْإِمَامِ الِاتِّفَاقَ غير مسلمة
وَكَيْفَ كَانَ فَالْمَذْهَبُ جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَعْشَارِ التِّسْعَةِ سَوَاءٌ انْفَرَدَتْ بِالتَّصَرُّفِ أَمْ تَصَرَّفَ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّا وَإِنْ قُلْنَا بِالْفَسَادِ فِي قَدْرِ الزكاة فلا لعديه إلَى الْبَاقِي عَلَى الْمَذْهَبِ وَقَدْ سَبَقَ تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالتَّصَرُّفِ قَبْلَ الْخَرْصِ وَأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ خَارِصًا مُتَوَلِّيًا حَكَّمَ عَدْلَيْنِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (السَّابِعَةُ) إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ هَلَاكَ الثَّمَرَةِ الْمَخْرُوصَةِ عَلَيْهِ أَوْ بَعْضِهَا نُظِرَ إنْ أَضَافَ الْهَلَاكَ إلَى سَبَبٍ يُكَذِّبُهُ الْحِسُّ بِأَنْ
قَالَ هَلَكَتْ بِحَرِيقٍ وَقَعَ فِي الْجَرِينِ فِي الْوَقْتِ الْفُلَانِيِّ وَعَلِمْنَا كَذِبَهُ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى كَلَامِهِ بِلَا خِلَافٍ وَصَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الْحَاوِي وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَغَيْرُهُمَا وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى سَبَبٍ خَفِيٍّ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً بَلْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ وَهَذِهِ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ مَشْهُورَانِ ذَكَرَهُمَا الْمُصَنِّفُ وَالْأَصْحَابُ (أَصَحُّهُمَا) مستحبة فلا زكاة عليه فيما يدعي هلا كه سَوَاءٌ حَلَفَ أَمْ لَا
(وَالثَّانِي)
وَاجِبَةٌ فَإِنْ حَلَفَ سَقَطَتْ الزَّكَاةُ وَإِنْ نَكِلَ أُخِذَتْ مِنْهُ بِالْوُجُوبِ السَّابِقِ لَا بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ وَادَّعَى سُقُوطَهَا وَلَمْ يَثْبُتْ الْمُسْقِطُ فَبَقِيَ الْوُجُوبُ وَإِنْ أَضَافَ الْهَلَاكَ إلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ كَالْحَرِيقِ وَالنَّهْبِ وَالْجَرَادِ وَنُزُولِ الْعَسْكَرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ عُرِفَ وُقُوعُ ذَلِكَ السَّبَبِ وَعُمُومُ أَثَرِهِ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ وَإِنْ اُتُّهِمَ فِي هَلَاكِ ثِمَارِهِ بِهِ حَلَفَ وَهَلْ الْيَمِينُ مُسْتَحَبَّةٌ أَمْ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَجْهَانِ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ وُقُوعُ السَّبَبِ فَثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ (الصَّحِيحُ) الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ يُطَالَبُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى وُجُودِ أَصْلِ السَّبَبِ لا مكانها ثُمَّ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْهَلَاكِ بِهِ
(وَالثَّانِي)
يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ وَالِدِهِ (وَالثَّالِثُ) يُقْبَلُ قَوْلُهُ بِلَا يَمِينٍ إذَا كَانَ ثِقَةً حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ: وَحَيْثُ حَلَّفْنَاهُ فَهِيَ مستحبة على الاصح وقيل واجبة (أما) إذَا اُقْتُصِرَ عَلَى دَعْوَى الْهَلَاكِ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِسَبَبٍ (فَقَالَ)
الرَّافِعِيُّ: الْمَفْهُومُ مِنْ كَلَامِ الْأَصْحَابِ قَبُولُهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ (الثَّامِنَةُ) إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ إجْحَافًا فِي الْخَرْصِ فَإِنْ زَعَمَ أَنَّ الْخَارِصَ تَعَمَّدَ ذَلِكَ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ كَمَا لَوْ ادَّعَى مَيْلَ الْحَاكِمِ أَوْ كَذَّبَ الشَّاهِدَ وَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخْطَأَ وَغَلَطَ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقَدْرَ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ بِلَا خِلَافٍ صَرَّحَ بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَآخَرُونَ وَإِنْ بَيَّنَهُ وَكَانَ يَحْتَمِلُ الْغَلَطَ فِي مِثْلِهِ كَخَمْسَةِ أَوْسُقٍ فِي مِائَةٍ قُبِلَ قَوْلُهُ وَحُطَّ عَنْهُ مَا ادَّعَاهُ فَإِنْ اتَّهَمَهُ حَلَّفَهُ وَفِي الْيَمِينِ الْوَجْهَانِ السَّابِقَانِ (أَصَحُّهُمَا) مُسْتَحَبَّةٌ هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى فَوْقَ مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ (أَمَّا) إذَا ادَّعَى بَعْدَ الكيل غلطا يسيرا في الخرص يقدر مَا يَقَعُ بَيْنَ الْكَيْلَيْنِ كَصَاعٍ مِنْ مِائَةٍ فَهَلْ يُحَطُّ فِيهِ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ عَنْ حِكَايَةِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالصَّيْدَلَانِيِّ قَالَ (أَصَحُّهُمَا) لَا يقبل لانا لم نتحقق النقص لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْكَيْلِ وَلَوْ كِيلَ ثانيا لو في
(وَالثَّانِي)
يُقْبَلُ وَيُحَطُّ عَنْهُ لِأَنَّ الْكَيْلَ تَعْيِينٌ وَالْخَرْصُ تَخْمِينٌ فَالْإِحَالَةُ عَلَيْهِ
أَوْلَى (قُلْتُ) وَهَذَا الثَّانِي أَقْوَى.
قَالَ الْإِمَامُ: وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَقُولَ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ حَصَلَ النَّقْصُ لِزَلَلٍ قَلِيلٍ فِي الْخَرْصِ وَيَقُول الْخَارِصُ بَلْ لِزَلَلٍ فِي الْكَيْلِ وَيَكُونُ بَعْدَ فَوَاتِ عَيْنِ الْمَخْرُوصِ (أَمَّا) إذَا ادَّعَى نَقْصًا فَاحِشًا لَا يُجَوِّزُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ وُقُوعَ مِثْلِهِ غَلَطًا فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَطِّ جَمِيعِهِ بِلَا خِلَافٍ وَهَلْ يُقْبَلُ فِي حَطِّ الْمُمْكِنِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَصَحُّهُمَا) يُقْبَلُ وَبِهِ قَطَعَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَنَقَلَهُ عَنْ الْأَئِمَّةِ قَالَ وَهُوَ كَمَا لَوْ ادَّعَتْ مُعْتَدَّةٌ بِالْأَقْرَاءِ انْقِضَاءَهَا قَبْلَ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَكَذَّبْنَاهَا وَأَصَرَّتْ عَلَى الدَّعْوَى حَتَّى جَاءَ زَمَنُ الْإِمْكَانِ فَإِنَّا نَحْكُمُ بِانْقِضَائِهَا لِأَوَّلِ زَمَنِ الْإِمْكَانِ وَلَا يَكُونُ تَكْذِيبُهَا فِي غَيْرِ الْمُحْتَمَلِ مُوجِبًا لِتَكْذِيبِهَا فِي الْمُحْتَمَلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (التَّاسِعَةُ) إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ فاقر الما لك بأن الثمر زَادَ عَلَى الْمَخْرُوصِ قَالَ أَصْحَابُنَا: أُخِذَتْ الزَّكَاةُ مِنْهُ لِلزِّيَادَةِ سَوَاءٌ كَانَ ضُمِّنَ أَمْ لَا لِأَنَّ عَلَيْهِ زَكَاةَ جَمِيعِ الثَّمَرَةِ (الْعَاشِرَةُ) إذَا خُرِصَ عَلَيْهِ فَتَلِفَ بَعْضُ الْمَخْرُوصِ تَلَفًا يُسْقِطُ الزَّكَاةَ وَأَكَلَ بَعْضَهُ وَبَقِيَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَعْرِفْ السَّاعِي مَا تَلِفَ فَإِنْ عَرَفَ الْمَالِكُ مَا أَكَلَ زَكَّاهُ مَعَ الْبَاقِي وَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا عَلَى الْأَصَحِّ وَوُجُوبًا عَلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ قَالَ لَا أَعْرِفُ قَدْرَ مَا أَكَلْتُهُ
وَلَا مَا تَلِفَ قَالَ الدَّارِمِيُّ قُلْنَا لَهُ إنْ ذَكَرْتَ قَدْرًا أَلْزَمْنَاكَ بِهِ فَإِنْ اتَّهَمْنَاكَ حَلَّفْنَاكَ وَإِنْ ذَكَرْتَ مُجْمَلًا أَخَذْنَا الزَّكَاةَ بِخَرْصِنَا (الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ) إذَا اخْتَلَفَ السَّاعِي وَالْمَالِكُ فِي جِنْسِ الثَّمَرِ أَوْ نَوْعِهِ بَعْدَ تَلَفِهِ تَلَفًا مُضَمَّنًا قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَالدَّارِمِيُّ الْقَوْلُ قَوْلُ الْمَالِكِ فَإِنْ أَقَامَ السَّاعِي شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ قُضِيَ لَهُ وَإِنْ أَقَامَ شَاهِدًا فَلَا لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ مَعَهُ (الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ) قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ إذَا كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ رُطَبٌ مُشْتَرَكٌ عَلَى النَّخْلِ فَخَرَصَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَأَلْزَمَ ذِمَّتَهُ لَهُ تَمْرًا جَافًّا قَالَ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ يَتَصَرَّفُ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ وَيَلْتَزِمُ لِصَاحِبِهِ التَّمْرَ إنْ قُلْنَا الْخَرْصُ تَضْمِينٌ كَمَا يَتَصَرَّفُ فِي نَصِيبِ الْمَسَاكِينِ بِالْخَرْصِ وَإِنْ قُلْنَا الْخَرْصُ عِبْرَةٌ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ قَالَ الْإِمَامُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ بَعِيدٌ فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ وَمَا يَجْرِي فِي حَقِّ الْمَسَاكِينِ لَا يُقَاسُ بِهِ تَصَرُّفُ الشُّرَكَاءِ فِي أَمْلَاكِهِمْ الْمُحَقَّقَةِ وَإِنْ ثَبَتَ مَا قَالَهُ صَاحِبُ التَّقْرِيبِ فَمُسْتَنَدُهُ خَرْصُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ رضي الله عنه عَلَى الْيَهُودِ فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمْ التَّمْرَ وَكَانَ ذَلِكَ الْإِلْزَامَ فِي حَقِّ الْمُلَّاكِ وَالْغَانِمِينَ.
قال الامام: والذى لابد مِنْهُ مِنْ
مَذْهَبِ صَاحِبِ التَّقْرِيبِ أَنَّ الْخَرْصَ فِي حَقِّ الْمَسَاكِينِ يَكْفِي فِيهِ إلْزَامُ الْخَارِصِ ولا يشترط رضى الْمَخْرُوصِ عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الشُّرَكَاءِ فَلَا بد من رضي الشركاء لا محالة
*
* قال المصنف رحمه الله
* {ولا تؤخذ زكاة الثمار الا بعد أن تجفف لحديث عتاب بن أسيد " فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ النَّخْلِ تَمْرًا " فان أخذ الرطب وجب رده وان فات
* وجب رد قيمته.
ومن أصحابنا من قال: يجب رد مثله.
والمذهب الاول لانه لامثل له لانه يتفاوت ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض فان كانت الثمار نوعا واحدا أخذ الواجب منه لقوله عز وجل
* (أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لكم من الارض)
* وان كانت أنواعا أخذ من كل نوع بقسطه فان كانت أنواعا كثيرة أخرج من أوسطها لامن النوع الجيد ولا من النوع الردئ لان أخذها من كل صنف يشق فأخذ الوسط} {الشَّرْحُ} حَدِيثُ عَتَّابٍ سَبَقَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَقَدْ سَبَقَ فِي فَصْلِ وَقْتِ وُجُوبِ الْعُشْرِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ فِي الثِّمَارِ وَبَعْدَ التَّصْفِيَةِ فِي الْحُبُوبِ وَأَنَّ مؤونة ذَلِكَ كُلِّهِ تَكُونُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ لَا تُحْسَبُ مِنْ جُمْلَةِ مَالِ الزَّكَاةِ بَلْ تَجِبُ مِنْ خَالِصِ مَالِ الْمَالِكِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّهُ إذَا أَخَذَ الرُّطَبَ وَجَبَ رَدُّهُ فَإِنْ فَاتَ غَرِمَهُ بِقِيمَتِهِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ وَقِيلَ بِمِثْلِهِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ الْخِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الرُّطَبَ مِثْلِيٌّ أَمْ لَا وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رحمهم الله فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَمْلِكُهُ مِنْ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ نَوْعًا واحدا اخذت منه الزكاة فان أخرج اعلا مِنْهُ مِنْ جِنْسِهِ أَجْزَأَهُ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا وَإِنْ أَخْرَجَ دُونَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى (ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون) وان اختلف أَنْوَاعُهُ وَلَمْ يُعْسَرْ إخْرَاجُ الْوَاجِبِ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْحِصَّةِ بِأَنْ كَانَتْ نَوْعَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً أُخِذَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِالْحِصَّةِ هَكَذَا قَالَهُ الاصحاب ونص الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْأُمِّ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ وَاحْتَجَّ لَهُ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ بِأَنَّهُ لَا يَشُقُّ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ الْأَصْلُ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الْمَوَاشِي عَلَى قَوْلٍ لِأَنَّ
التَّشْقِيصَ مَحْذُورٌ فِي الْحَيَوَانِ دُونَ الثِّمَارِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ كَجٍّ فِي الثِّمَارِ قَوْلَيْنِ كَالْمَوَاشِي
(أَحَدَهُمَا)
الْأَخْذُ مِنْ الْأَغْلَبِ (وَأَصَحُّهُمَا) الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ وَالْمَذْهَبُ الْقَطْعُ بِالْأَخْذِ بِالْقِسْطِ مِنْ الثِّمَارِ (وَأَمَّا) إذَا عُسِرَ الْأَخْذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِأَنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ ثَمَرُهَا (فَفِيهِ) طَرِيقَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَآخَرُونَ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ الوسط لا الجيد ولا الردئ رعاية
لِلْجَانِبَيْنِ وَبِهَذَا قَطَعَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ فِي الْمُخْتَصَرِ وَنَقَلَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ اتِّفَاقَ الْأَصْحَابِ عَلَيْهِ (وَالثَّانِي) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ فِي الْإِفْصَاحِ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالسَّرَخْسِيُّ فِي الْأَمَالِي وَآخَرُونَ (أَصَحُّهَا) يَخْرُجُ مِنْ الْوَسَطِ
(وَالثَّانِي)
يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَالثَّالِثُ) مِنْ الْأَغْلَبِ وَحَكَاهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ أَيْضًا فَإِذَا قُلْنَا بِالْمَذْهَبِ وَهُوَ إخْرَاجُ الْوَسَطِ فَتَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ وَأَخْرَجَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ جَازَ وَلَزِمَ السَّاعِي قَبُولُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَغَيْرُهُ وَهُوَ أَفْضَلُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
* ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ كِتَابِهِ الْفُرُوقُ أَنَّ تَمْرَ الْمَدِينَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ نَوْعًا.
سِتُّونَ أَحْمَرُ وَسِتُّونَ اسود
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَإِنْ كَانَتْ الثمرة رطبا لا يجئ منه التمر كالهلياث والسكر أو عنبا لا يجئ منه الزبيب وأصاب النخل عطش فخاف عليها من ترك الثمار ففى القسمة قولان ان قلنا أن القسمة فرز النصيبين جازت المقاسمة فيجعل العشر في نخلات ثم المصدق ينظر فان رأى أن يفرق عليهم فعل وان رأى
البيع وقسمة الثمن فعل وأن قلنا ان القسمة بيع لم يجز لان يكون بيع رطب برطب وذلك ربا فعلي هذا يقبض المصدق عشرها مشاعا بالتخلية بينه وبينها ويستقر عليه ملك المساكين ثم يبيعه وياخذ ثمنه ويفرق عليهم وان قطعت الثمار فان قلنا أن القسمة تمييز الحقين تقاسموا كيلا أو وزنا وان قلنا
انها بيع لم تجز المقاسمة بل يسلم العشر الي المصدق ثم يبيعه ويفرق ثمنه وقال أبو إسحق وأبو علي بن أبى هريرة المقاسمة كيلا ووزنا علي الارض لانه يمكنه ان يخلص حقوق المساكين بالكيل والوزن ولا يمكن ذلك في النخل والصحيح انه لا فرق بين ان تكون على الشجر وبين ان تكون علي الارض لانه بيع رطب برطب علي هذا القول}
*
{الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِفُرُوعِهَا سَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا في هذا الباب والهليات بِكَسْرِ الْهَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَبَعْدَهَا يَاءٌ مُثَنَّاةٌ تَحْتُ وَآخِرُهُ ثَاءٌ مُثَلَّثَةٌ وَالسُّكَّرُ بِضَمِّ السِّينِ عَلَى لَفْظِ السُّكَّرِ الْمَعْرُوفِ وَهُمَا نَوْعَانِ مِنْ التَّمْرِ مَعْرُوفَانِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ وَلَهُ الْحَمْدُ والمنة
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ مَا تُخْرِجُهُ الْأَرْضُ مِمَّا يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَيُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ كَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالدُّخْنِ وَالذُّرَةِ وَالْجَاوَرْسِ وَالْأُرْزِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ لِمَا رَوَى مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْبَعْلُ وَالسَّيْلُ وَالْبِئْرُ وَالْعَيْنُ الْعُشْرُ وَفِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ نِصْفُ الْعُشْرِ يَكُونُ ذَلِكَ فِي الثَّمَرِ وَالْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ "(فَأَمَّا) القثاء والبطيخ والرمان والقضب والخضر فعفوعفا
عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " وَلِأَنَّ الْأَقْوَاتَ تَعْظُمُ مَنْفَعَتُهَا فَهِيَ كَالْأَنْعَامِ فِي الْمَاشِيَةِ وَكَذَلِكَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْقُطْنِيَّةِ وَهِيَ العدس والحمص والماش واللوبيا والباقلا وَالْهُرْطُمَانُ لِأَنَّهُ يَصْلُحُ لِلِاقْتِيَاتِ وَيُدَّخَرُ لِلْأَكْلِ فَهُوَ كالحنطة والشعير}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ مُعَاذٍ رَوَاهُ هَكَذَا الْبَيْهَقِيُّ فِي السُّنَنِ الْكَبِيرِ إلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ وَآخِرُهُ " عَفَا عنها رسول الله صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مُخْتَصَرًا أَنَّ مُعَاذًا كَتَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يساله عن الخضروات وهي البقول فقال " ليس فيها شئ " قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَيْسَ إسْنَادُهُ بِصَحِيحٍ قَالَ وَلَيْسَ يَصِحَّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا شئ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا
عند أهل العلم أنه ليس في الخضروات صَدَقَةٌ يَعْنِي عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَإِلَّا فَأَبُو حَنِيفَةَ رضي الله عنه يُوجِبُ فِيهَا كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ أَنْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ وَأَحَادِيثَ مَرَاسِيلَ: هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا مَرَاسِيلُ إلَّا أَنَّهَا مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُؤَكِّدُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَمَعَهَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم ثُمَّ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ رضي الله عنهم (وَقَوْلُهُ) وَالْجَاوَرْسُ هُوَ بِالْجِيمِ وَفَتْحِ الْوَاوِ قِيلَ هُوَ حَبٌّ صِغَارٌ مِنْ حَبِّ الذُّرَةِ وَأَصْلُهُ كَالْقَضْبِ إلَّا أَنَّ الذُّرَةَ أَكْبَرُ حَبًّا مِنْهُ وَفِي الْأُرْزِ سِتُّ لُغَاتٍ (إحْدَاهَا) فَتْحُ الْهَمْزَةِ وَضَمُّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدُ الزَّاي (وَالثَّانِيَةُ) كَذَلِكَ إلَّا أَنَّ الْهَمْزَةَ مَضْمُومَةٌ (وَالثَّالِثَةُ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الزَّاي كَكُتُبٍ (وَالرَّابِعَةُ) مِثْلُهَا لَكِنْ
سَاكِنَةُ الرَّاءِ (وَالْخَامِسَةُ) رُنْزٌ بِنُونٍ سَاكِنَةٍ بَيْنَ الرَّاءِ وَالزَّاي (وَالسَّادِسَةُ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الزَّاي (وأما) القثاء فبكسر القاف وضمها لغتان مشهوران الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ.
وَالْبِطِّيخُ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَيُقَالُ طِبِّيخٌ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَتَقْدِيمُهَا لُغَتَانِ.
وَالْقَضْبُ بِإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ الرُّطَبَةُ وَقَوْلُهُ " عَفَا عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " أَيْ لَمْ يُوجِبْ فِيهَا شَيْئًا لَا أَنَّهُ أَسْقَطَ وَاجِبًا فِيهَا وَالْقَطْنِيَّةُ بِكَسْرِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَقْطُنُ فِي الْبُيُوتِ أَيْ تُخَزَّنُ
* وَاعْلَمْ أَنَّ الدُّخْنَ وَالْأُرْزَ مَعْدُودَانِ فِي الْقُطْنِيَّةِ وَلَمْ يَجْعَلْهَا الْمُصَنِّفُ مِنْهَا بَلْ زَادَ الْمَاوَرْدِيُّ فَقَالَ فِي الْحَاوِي الْقُطْنِيَّةُ هِيَ الْحُبُوبُ الْمُقْتَاتَةُ سِوَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَأَمَّا الْحِمَّصُ فَبِكَسْرِ الْحَاءِ لَا غَيْرِ وَأَمَّا مِيمُهُ فَفَتَحَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ ثَعْلَبٌ وَغَيْرُهُ مِنْ الْكُوفِيِّينَ وَكَسَرَهَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْمُبَرِّدُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْبَصْرِيِّينَ وَاللُّوبِيَا قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ
هو مذكر يمد ويقصر يقال هُوَ اللُّوبِيَا وَاللُّوبْيَاءُ وَاللُّوبْيَاحُ وَهُوَ مُعَرَّبٌ لَيْسَ عربيا بالاصالة والباقلا يُمَدُّ مُخَفَّفًا وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ وَيُقْصَرُ مُشَدَّدًا وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ لُغَتَانِ وَيُقَالُ الْفُولُ وَالْهُرْطُمَانُ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ وَهُوَ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ وَيُقَالُ لَهُ الْخُلَّرُ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ الْمَفْتُوحَةِ وَبَعْدَهَا رَاءٌ
* أَمَّا أَحْكَامُ الْفَصْلِ فَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الزَّرْعِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا
أَنْ يَكُونَ قُوتًا وَالثَّانِي مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ.
قَالُوا فَإِنْ فَقَدَ الْأَوَّلَ كَالْأَسْبِيُوشِ وَهُوَ بَزْرُ الْقَطُونَا أَوْ الثَّانِي كَالْعُثِّ أَوْ كِلَاهُمَا كَالثُّفَّاءِ فَلَا زَكَاةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِ الْقَيْدَيْنِ مَنْ
أَطْلَقَ الْقَيْدَ الْأَوَّلَ فَأَمَّا مَنْ قَيَّدَ فَقَالَ أَنْ يَكُونَ قُوتًا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الثَّانِي إذْ لَيْسَ فِيمَا يُسْتَنْبَتُ مما يقتات اختيارا فَهَذَانِ الشَّرْطَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْخُرَاسَانِيُّونَ غَيْرَهُمَا وَشَرَطَ الْعِرَاقِيُّونَ شَرْطَيْنِ آخَرَيْنِ وَهُمَا أَنْ يُدَّخَرَ وَيَيْبَسَ وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَهُمَا هُنَا وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي وَلَمْ يَذْكُرْ فِي التَّنْبِيهِ وَاحِدًا مِنْهُمَا بَلْ اقْتَصَرَ عَلَى الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِمَا.
قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّهُمَا مُلَازِمَانِ لِكُلِّ مُقْتَاتٍ مُسْتَنْبَتٍ قَالَ أَصْحَابُنَا وَقَوْلُنَا مِمَّا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَنْ تَقْصِدَ زِرَاعَتَهُ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يكون من جنس ما تزرعونه حَتَّى لَوْ سَقَطَ الْحَبُّ مِنْ مَالِكِهِ عِنْدَ حمل الغلة أو وقعت العصافير عَلَى السَّنَابِلِ فَتَنَاثَرَ الْحَبُّ وَنَبَتَ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ إذَا بَلَغَ نِصَابًا بِلَا
خِلَافٍ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي فِي مَسَائِلِ الْمَاشِيَةِ الْمَغْصُوبَةِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يُقْتَاتُ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ فَهُوَ شَرْطٌ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا سبق فيما يُقْتَاتُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ بِالْعُثِّ وَبِهِ مَثَّلَهُ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه قَالَ الْمُزَنِيّ وَغَيْرُهُ هُوَ حَبُّ الْغَاسُولِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ وَقَالَ الْآخَرُونَ هُوَ حَبٌّ أَسْوَدُ يَابِسٌ يُدْفَنُ حَتَّى يَلِينَ قِشْرُهُ ثُمَّ يُزَالُ قشره ويطحن ويخبز ويقتاته اعراب طئ وَمَثَّلُوهُ أَيْضًا بِحَبِّ الْحَنْظَلِ وَسَائِرِ بِزُورِ الْبَرَارِي قال اصحابنا ويخرج عن المقتات الخضروات وَالثُّفَّاءُ وَالتُّرْمُسُ وَالسِّمْسِمُ وَالْكَمُّونُ وَالْكَرَاوْيَا وَالْكُزْبَرَةُ قَالَ الْبَنْدَنِيجِيُّ وَيُقَالُ لَهَا الْكُسْبَرَةُ أَيْضًا وَبِزْرُ الْقُطْنِ وَبِزْرُ الْكَتَّانِ وَبِزْرُ الْفُجْلِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يشبهه فلا زكاة
في شئ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا بِلَا خِلَافٍ هَكَذَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ إلَّا مَا حَكَاهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ ابْنِ كَجٍّ أَنَّ حَبَّ الْفُجْلِ فِيهِ قَوْلَانِ الْجَدِيدُ لَا زَكَاةَ وَالْقَدِيمُ الضَّعِيفُ وُجُوبُهَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَمْ أَرَ هَذَا النَّقْلَ لِغَيْرِهِ وَحَكَى الْعِرَاقِيُّونَ عن وجوب الزكاة في التُّرْمُسَ وَالثُّفَّاءَ لَا يُقْتَاتُ أَصْلًا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا فِيمَا حَكَاهُ
الرَّافِعِيُّ بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْوَسِيطِ وَأَشَارَ إلَيْهِ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْ أَنَّهُ يُقْتَاتُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ وَهُوَ خِلَافٌ فِي التَّسْمِيَةِ وَإِلَّا فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ علي انه لا زكاة فيها والثفا بضم الثاه الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ حَبُّ الرَّشَادِ وَكَذَا فَسَّرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالْأَصْحَابُ وَالتُّرْمُسُ بِضَمِّ التَّاءِ وَالْمِيمِ وَهُوَ مَعْرُوفٌ فِي بِلَادِنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْبُوَيْطِيِّ لَا زَكَاةَ فِي الْحُلْبَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقُوتٍ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ قَالَ وَلَا زَكَاةَ فِي السُّمَاقِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَا تَجِبُ فِي الْحُبُوبِ الَّتِي تَنْبُتُ فِي الْبَرِّيَّةِ وَلَا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُقْتَاتُ لِأَنَّهَا لَيْسَ مِمَّا يُنْبِتُهُ الْآدَمِيُّ وَهُوَ شرط للوجوب وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إلَّا فِي نِصَابٍ لِمَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ حَبٍّ صَدَقَةٌ وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ إلَّا الْأُرْزُ وَالْعَلَسُ فَإِنَّ نِصَابَهُمَا
عشرة أوسق فانهما يدخران في القشر ويجئ مِنْ كُلِّ وَسْقَيْنِ وَسْقٌ وَزَكَاتُهُ الْعُشْرُ وَنِصْفُ الْعُشْرِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الثِّمَارِ فَإِنْ زاد علي خمسة أوسق شئ وَجَبَ فِيهِ بِحِسَابِهِ لِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ فَوَجَبَ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ كالاثمان}
* {الشَّرْحُ} حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَوْلُهُ مِنْ تَمْرٍ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ وَالْعَلَسُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ وَهُوَ صِنْفٌ مِنْ الْحِنْطَةِ كَذَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّنْبِيهِ وَسَائِرُ الْأَصْحَابِ وَالْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ يَكُونُ مِنْهُ فِي الْكِمَامِ حَبَّتَانِ وَثَلَاثٌ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ هُوَ طَعَامُ أَهْلِ صَنْعَاءَ وَقَوْلُهُ يَتَجَزَّأُ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَاشِيَةِ أَمَّا الْأَحْكَامُ فَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ إحْدَاهُمَا لَا تَجِبُ زَكَاةُ الزَّرْعِ إلَّا فِي نِصَابٍ لِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَسَبَقَ
فِيهِ زِيَادَةٌ مَعَ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ بَعْدَ تَصْفِيَتِهِ مِنْ التِّبْنِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قُشُورُهَا ثَلَاثَةُ أَضْرُبٍ (أحدها) قشر لا يدخر اللحب فيه ولا يأكل مَعَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي النِّصَابِ (وَالثَّانِي) قِشْرٌ يُدَّخَرُ الْحَبُّ فِيهِ وَيُؤْكَلُ مَعَهُ كَالذُّرَةِ فَيَدْخُلُ الْقِشْرُ فِي الْحِسَابِ فَإِنَّهُ طَعَامٌ وَإِنْ كَانَ قَدْ يُزَالُ كَمَا تُقَشَّرُ الْحِنْطَةُ وَفِي دُخُولِ القشرة السفلي من الباقلى وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الرَّافِعِيُّ قَالَ قَالَ صَاحِبُ الْعُدَّةِ الْمَذْهَبُ لَا يَدْخُلُ وَهَذَا غَرِيبٌ (الثَّالِثُ) يُدَّخَرُ الْحَبُّ فِيهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَعَهُ فَلَا يَدْخُلُ فِي حِسَابِ النِّصَابِ وَلَكِنْ يُوجَدُ الْوَاجِبُ فِيهِ كَالْأُرْزِ وَالْعَلَسِ أَمَّا الْعَلَسُ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الام يبقي بعدد ياسه عَلَى كُلِّ حَبَّتَيْنِ مِنْهُ كِمَامٌ لَا يَزُولُ إلَّا بِالرَّحَى الْخَفِيفَةِ أَوْ بِمِهْرَاسٍ وَإِدْخَارُهُ فِي ذلك الْكِمَامِ أَصْلَحُ لَهُ وَإِذَا أُزِيلَ
كَانَ الصَّافِي نِصْفَ الْمَبْلَغِ فَلَا يُكَلَّفُ صَاحِبُهُ إزَالَةَ ذَلِكَ الْكِمَامِ عَنْهُ وَيُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ بَعْدَ الدِّيَاسِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ لِتَكُونَ مِنْهُ خَمْسَةٌ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالْأَصْحَابُ إنْ نجئ مِنْهُ الْقِشْرَ الْأَعْلَى اعْتَبَرَ فِي صَافِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَغَيْرِهِ مِنْ الْحُبُوبِ وَإِنْ تَرَكَ فِي الْقِشْرِ الْأَعْلَى اشْتَرَطَ بُلُوغَهُ بِقِشْرِهِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ وَأَمَّا الْأُرْزُ فَيُدَّخَرُ أَيْضًا فِي قِشْرِهِ وَهُوَ أَصْلَحُ لَهُ وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهُ مَعَ الْقِشْرِ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ إنْ تُرِكَ فِي قِشْرِهِ كَمَا قُلْنَا فِي الْعَلَسِ وَإِنْ أُخْرِجَتْ قِشْرَتُهُ اعْتَبَرَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ كَمَا فِي غَيْرِهِ وَكَمَا قُلْنَا فِي الْعَلَسِ وَتَخْرُجُ الزَّكَاةُ مِنْهُ وَمِنْ الْعَلَسِ وَهُمَا فِي قِشْرِهِمَا لِأَنَّهُمَا يُدَّخَرَانِ فِيهِمَا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي الْأُرْزِ هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَالْجُمْهُورُ وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
قَدْ يَخْرُجُ مِنْهُ الثُّلُثُ فَيُعْتَبَرُ بُلُوغُهُ قَدْرًا يَكُونُ الصَّافِي مِنْهُ نِصَابًا وَقَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي كَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَجْعَلُ الْأُرْزَ كَالْعَلَسِ فَلَا يَحْسِبُ قِشْرَهُ الْأَعْلَى وَيَقُولُ لَا زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ عَشْرَةَ أَوْسُقٍ بِقِشْرِهِ وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا لَا أَثَرَ لِهَذَا الْقِشْرِ فَإِذَا بَلَغَ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ بِقِشْرِهِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ لِأَنَّ هَذَا الْقِشْرَ مُلْتَصِقٌ بِهِ وَرُبَّمَا طُحِنَ مَعَهُ بِخِلَافِ قِشْرِ الْعَلَسِ فَإِنَّهُ لَمْ تَجْرِ عَادَةٌ بِطَحْنِهِ مَعَهُ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي عَنْ سَائِرِ أَصْحَابِنَا شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) الْوَاجِبُ فِي الزُّرُوعِ إذَا بَلَغَتْ نِصَابًا كَالْوَاجِبِ فِي الثِّمَارِ بِلَا فَرْقٍ كَمَا سَبَقَ إيضَاحُهُ وَهُوَ الْعُشْرُ فِيمَا سُقِيَ بِمَاءِ
السَّمَاءِ وَنَحْوِهِ وَنِصْفُ الْعُشْرِ فِيمَا سُقِيَ بالنواضح ونحوها وسبق تفصيله واضحا هناك ويحب فيما زاد
عَلَى النِّصَابِ بِحِسَابِهِ بِلَا خِلَافٍ لِمَا ذَكَرَهُ المصنف وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَتُضَمُّ الْأَنْوَاعُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِد بَعْضهَا إلَى بَعْضٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ فَيُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ صِنْفٌ مِنْهَا وَلَا يُضَمُّ السُّلْتُ إلَى الشَّعِيرِ وَهُوَ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ فِي الْمُلَامَسَةِ وَيُشْبِهُ الشعير
فِي طُولِهِ وَبُرُودَتِهِ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الطَّبَرِيُّ يُضَمُّ السُّلْتُ إلَى الشَّعِيرِ كَمَا يُضَمُّ الْعَلَسُ إلَى الْحِنْطَةِ وَالْمَنْصُوصُ فِي الْبُوَيْطِيِّ أَنَّهُ لَا يضم لانهما جنسان بخلاف العلس والحنطة}
* {الشَّرْحُ} اتَّفَقَتْ نُصُوصُ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَنَّهُ لَا يُضَمُّ جِنْسٌ مِنْ الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ إلَى جِنْسٍ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَعَلَى أَنَّهُ يُضَمُّ أَنْوَاعُ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ بَعْضُهَا إلى بعض
فِي إكْمَالِ النِّصَابِ وَهَذَا ضَابِطُ الْفَصْلِ: قَالُوا فَلَا يُضَمُّ الشَّعِيرُ إلَى الْحِنْطَةِ وَلَا هِيَ إلَيْهِ وَلَا التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ وَلَا هُوَ إليه ولا الحمص الي العدس ولا الباقلي الي الهرطمان ولا اللوبيان إلَى الْمَاشِ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ قَالُوا وَيُضَمُّ أَنْوَاعُ التَّمْرِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُ فِي الْجَوْدَةِ وَالرَّدَاءَةِ وَاللَّوْنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَكَذَا يُضَمُّ أَنْوَاعُ الزَّبِيبِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَأَنْوَاعُ الْحِنْطَةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَكَذَا أَنْوَاعُ باقى
الحبوب ولا خلاف في شئ مِنْ هَذَا وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْعَلَسَ يُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ فَإِذَا كَانَ لَهُ أَرْبَعَةُ أوسق حنطة ووسقاق مِنْ الْعَلَسِ قَبْلَ تَنْحِيَةِ الْقِشْرِ ضَمَّهَا إلَى الْحِنْطَةِ وَلَزِمَهُ الْعُشْرُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ وَلَوْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ ثَلَاثَةَ أَوْسُقٍ لَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ إلَّا بِأَرْبَعَةِ أَوْسُقٍ عَلَسًا وَعَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ إنْ كَانَ قَدْ يُنَحِّي الْعَلَسَ مِنْ قِشْرِهِ كَانَ وَسْقُهُ كَوَسْقِ الْحِنْطَةِ وَقَدْ سَبَقَ هَذَا كُلُّهُ وَاضِحًا وَأَمَّا السُّلْتُ فَقَالَ الْمُصَنِّفُ وَسَائِرُ
الْعِرَاقِيِّينَ وَالْبَغَوِيُّ وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمْ هُوَ حَبٌّ يُشْبِهُ الْحِنْطَةَ فِي اللَّوْنِ وَالْمَلَاسَةِ وَالشَّعِيرَ فِي بُرُودَةِ الطَّبْعِ وَعَكَسَ الصَّيْدَلَانِيُّ وَآخَرُونَ هَذَا فَقَالُوا صُورَتُهُ صُورَةُ الشَّعِيرِ وَطَبْعُهُ حَارٌّ كَالْحِنْطَةِ وَالصَّوَابُ مَا قاله العراقيون هو الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَفِي حُكْمِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ الصَّحِيحُ الْمَنْصُوصُ فِي الْأُمِّ وَالْبُوَيْطِيِّ وَبِهِ قَطَعَ الْقَفَّالُ وَالصَّيْدَلَانِيُّ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا يُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ
وَلَا إلَى الشَّعِيرِ بَلْ إنْ بَلَغَ وَحْدَهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَإِلَّا فَلَا وَدَلِيلُهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالثَّانِي أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الشَّعِيرِ فَيُضَمُّ إلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيٍّ الطَّبَرِيِّ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ يَقْطَعُ بِهِ شَيْخِي وَرَجَّحَهُ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فِي الْمُجَرَّدِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْحِنْطَةِ فَيُضَمُّ إلَيْهَا حَكَاهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَآخَرُونَ وَعَزَاهُ السَّرَخْسِيُّ إلَى صَاحِبِ التَّقْرِيبِ قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَلِيٍّ
يَعْنِي السِّنْجِيَّ إنْ ضَمَمْنَا السُّلْتَ إلَى الْحِنْطَةِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا بِهِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ ضَمَمْنَاهُ إلَى الشَّعِيرِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِهِ مُتَفَاضِلًا وَإِنْ قُلْنَا هُوَ جِنْسٌ مُسْتَقِلٌّ جَازَ بَيْعُهُ بِالْحِنْطَةِ وَبِالشَّعِيرِ مُتَفَاضِلًا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا شَكَّ فِيمَا قَالَهُ أَبُو عَلِيٍّ وَهُوَ كَمَا قَالَاهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي الضَّمِّ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مَذْهَبَنَا أَنَّهُ يُضَمُّ الْأَنْوَاعُ مِنْ الْجِنْسِ بَعْضُهَا
الي بعض ولا تضم الا جناس فَلَا تُضَمُّ حِنْطَةٌ إلَى شَعِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَلَا يُضَمُّ أَجْنَاسُ الْقُطْنِيَّةِ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فَلَا يُضَمُّ الْحِمَّصُ إلَى الْبَاقِلَاءِ وَالْعَدَسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَبِهِ قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَشَرِيكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَسَائِرُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَأَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ حَكَاهُ عَنْهُمْ ابْنُ الْمُنْذِرِ
* وَقَالَتْ طَائِفَةٌ تُضَمُّ الْحِنْطَةُ إلَى
الشَّعِيرِ وَالسُّلْتِ إلَيْهِمَا وَتُضَمُّ الْقَطَانِيُّ كُلُّهَا بَعْضُهَا الي بعض لكن لَا تُضَمُّ إلَى الْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ ضَمَّ الْقَمْحِ إلَى
الشَّعِيرِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ طَاوُسٍ وَعِكْرِمَةَ ضَمَّ الْحُبُوبِ مُطْلَقًا قَالَ وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ يَعْنِي غَيْرَهُمَا
إنْ صَحَّ عَنْهُمَا قَالَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا تضم الا بل إلَى الْبَقَرِ وَلَا إلَى الْغَنَمِ وَلَا الْبَقَرُ إلَى الْغَنَمِ وَلَا التَّمْرُ إلَى الزَّبِيبِ دَلِيلُنَا الْقِيَاسُ عَلَى الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ وَلَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ صَحِيحٌ صَرِيحٌ فِيمَا قَالُوهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
* قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{فَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَوْقَاتُ الزَّرْعِ فَفِي ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ الزِّرَاعَةِ فَكُلُّ زَرْعَيْنِ زُرِعَا فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ مِنْ صَيْفٍ أَوْ شِتَاءٍ أَوْ رَبِيعٍ أَوْ خَرِيفٍ ضُمَّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ لِأَنَّ الزِّرَاعَةَ هِيَ الْأَصْلُ وَالْحَصَادُ فَرْعٌ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْأَصْلِ أَوْلَى وَالثَّانِي أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِوَقْتِ
الْحَصَادِ فَإِذَا اتَّفَقَ حَصَادُهُمَا فِي فَصْلٍ ضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ حَالَةُ الْوُجُوبِ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى وَالثَّالِثُ يُعْتَبَرُ أَنْ تَكُونَ زِرَاعَتُهُمَا في فصل واحد وحصادهما في فصل لِأَنَّ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالْأَثْمَانِ يُعْتَبَرُ الطَّرَفَانِ فَكَذَلِكَ هَهُنَا وَالرَّابِعُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ مِنْ زِرَاعَةِ عَامٍ وَاحِدٍ كَمَا قُلْنَا
في الثمار}
* {الشَّرْحُ} هَذِهِ الْأَقْوَالُ مَشْهُورَةٌ وَقَدْ اخْتَصَرَ الْمُصَنِّفُ الْمَسْأَلَةَ جِدًّا وَهِيَ مَبْسُوطَةٌ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَقَدْ جَمَعَهَا الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَخَّصَ مُتَفَرَّقَ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهَا فَقَالَ لَا يُضَمُّ
زَرْعُ عَامٍ إلَى زَرْعِ عَامٍ آخَرَ فِي إكْمَالِ النِّصَابِ بِلَا خِلَافٍ وَاخْتِلَافُ أَوْقَاتِ الزِّرَاعَةِ لِضَرُورَةِ التَّدْرِيجِ كَمَنْ يَبْتَدِئُ الزِّرَاعَةَ وَيَسْتَمِرُّ فِيهَا شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ لَا يُقْدَحُ بَلْ كُلُّهُ زَرْعٌ وَاحِدٌ وَيُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِلَا خلاف ثم الشئ قَدْ يُزْرَعُ فِي السَّنَةِ مِرَارًا كَالذُّرَةِ تُزْرَعُ فِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ وَالصَّيْفِ فَفِي
ضَمِّ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ عَشْرَةُ أَقْوَالٍ أَكْثَرُهَا مَنْصُوصَةٌ أَصَحُّهَا عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ إنْ وَقَعَ الْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَمِمَّنْ صَحَّحَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ
(وَالثَّانِي)
إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَاجْتِمَاعُهُمَا فِي سَنَةٍ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ زَرْعِ الْأَوَّلِ وَحَصْدِ الثَّانِي أَقَلُّ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا
عَرَبِيَّةً كَذَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْبَغَوِيُّ (1)(وَالرَّابِعُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي سَنَةٍ أَوْ زَرَعَ الثَّانِي وَحَصَدَ الْأَوَّلَ فِي سَنَةٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا ضَعِيفٌ عِنْدَ الْأَصْحَابِ (وَالْخَامِسُ) الِاعْتِبَارُ بِجَمِيعِ السَّنَةِ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ إمَّا الزَّرْعَيْنِ أَوْ الْحَصَادَيْنِ (وَالسَّادِسُ) إنْ وَقَعَ الْحَصَادَانِ فِي فصل واحد ضم والا فلا
(1) كذا في الاصل باسقاط الثالث ويؤخذ من الرافعي ان الثالث هو ان الاعتبار بوقوع الزرعين في سنة واحدة ولا نظر إلى الحصاد
(وَالسَّابِعُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا (وَالثَّامِنُ) إنْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ وَالْحَصَادَانِ فِي فَصْلٍ وَاحِدٍ ضُمَّ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُرَادُ بِالْفَصْلِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ (التَّاسِعُ) أَنَّ الْمَزْرُوعَ بَعْدَ حَصْدِ الْأَوَّلِ لَا يُضَمُّ كَحِمْلَيْ شَجَرَةٍ والعاشر خرجه أبو إسحق أَنَّ مَا بَعْدَ زَرْعِ سَنَةٍ يُضَمُّ وَلَا أَثَرَ لِاخْتِلَافِ الزَّرْعِ وَالْحَصَادِ قَالَ وَلَا أَعْنِي بِالسَّنَةِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا فَإِنَّ الزَّرْعَ لَا يَبْقَى هَذِهِ الْمُدَّةَ وَإِنَّمَا أَعَنَى بِهَا سِتَّةَ أَشْهُرٍ إلَى ثَمَانِيَةٍ
هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ زَرْعُ الثَّانِي بَعْدَ حَصْدِ الْأَوَّلِ فَلَوْ كَانَ زَرْعُ الثَّانِي بَعْدَ اشْتِدَادِ حَبِّ الْأَوَّلِ فَفِيهِ طَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِالضَّمِّ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الْحُصُولِ فِي الْأَرْضِ وَلَوْ وَقَعَ الزَّرْعَانِ مَعًا أَوْ عَلَى التَّوَاصُلِ الْمُعْتَادِ ثُمَّ أَدْرَكَ أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ بَعْلٌ لَمْ يَنْعَقِدْ حَبُّهُ فَطَرِيقَانِ أَصَحُّهُمَا الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي وَقْتِ الْوُجُوبِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَأَخَّرَ بُدُوُّ صَلَاحِ بَعْضِ
الثِّمَارِ فَإِنَّهُ يُضَمُّ إلَى مَا بَدَأَ فِيهِ الصَّلَاحُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ الثَّمَرَةَ الْحَاصِلَةَ هِيَ مُتَعَلَّقُ الزَّكَاةِ بِعَيْنِهَا وَالْمُنْتَظَرُ فِيهَا صِفَةُ الثَّمَرَةِ وَهُنَا مُتَعَلِّقُ الزَّكَاةِ الْحَبُّ وَلَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَإِنَّمَا الْمَوْجُودُ حَشِيشٌ مَحْضٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الذُّرَةُ تُزْرَعُ مَرَّةً فَتَخْرُجُ فَتُحْصَدُ ثُمَّ تُسْتَخْلَفُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ فَتُحْصَدُ أُخْرَى فَهُوَ زَرْعٌ
وَاحِدٌ وَإِنْ تَأَخَّرَتْ حَصْدَتُهُ الثَّانِيَةُ وَاخْتَلَفَ الْأَصْحَابُ فِي مُرَادِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أحدهها مراده
إذَا سَنْبَلَ وَاشْتَدَّتْ فَانْتَثَرَ بَعْضُ حَبَّاتِهَا بِنَفْسِهَا أَوْ بِنَقْرِ الْعَصَافِيرِ أَوْ بِهُبُوبِ الرِّيَاحِ فَنَبَتَتْ الْحَبَّاتُ الْمُنْتَثِرَةُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَدْرَكَتْ وَالثَّانِي مُرَادُهُ إذَا نَبَتَتْ وَالْتَفَتَ وَعَلَا بَعْضُ طَاقَاتِهَا فَغَطَّى الْبَعْضَ وَبَقِيَ الْمُغَطَّى أَخْضَرَ تَحْتَ الْعَالِي فَإِذَا حُصِدَ الْعَالِي أَصَابَتْ الشَّمْسُ الا خضر فَأَدْرَكَ وَالثَّالِثُ مُرَادُهُ الذُّرَةُ الْهِنْدِيَّةُ فَإِنَّهَا تُحْصَدُ سَنَابِلُهَا وَيَبْقَى سُوقُهَا فَتَخْرُجُ سَنَابِلُ أُخَرُ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ
بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمُرَادِ بِالنَّصِّ وَاتَّفَقَ الْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذَا النَّصَّ قُطِعَ مِنْهُ بِالضَّمِّ وَلَيْسَ تَفْرِيعًا عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ الْعَشَرَةِ السَّابِقَةِ فذكروا في الصورة الاولي طريقين أحدها الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي أَنَّهُ عَلَى الْأَقْوَالِ فِي الزَّرْعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ فِي الْوَقْتِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْغَزَالِيِّ وَالْبَغَوِيِّ تَرْجِيحُ هَذَا وَفِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ أَيْضًا طَرِيقَانِ (أَصَحُّهُمَا) الْقَطْعُ بِالضَّمِّ
(وَالثَّانِي)
عَلَى الْخِلَافِ وَفِي الثَّالِثَةِ طُرُقٌ أَصَحُّهَا الْقَطْعُ بِالضَّمِّ وَالثَّانِي الْقَطْعُ بِعَدَمِ الضَّمِّ وَالثَّالِثُ عَلَى الْخِلَافِ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الرَّافِعِيِّ وَقَدْ أَحْسَنَ وَأَجَادَ فِي تلخيصها فال الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ إذَا قَالَ الْمَالِكُ هَذَانِ زَرْعَا سَنَتَيْنِ فَقَالَ السَّاعِي بَلْ سَنَةٌ فَالْقَوْلُ
قَوْلُ الْمَالِكِ فَإِنْ اتَّهَمَهُ السَّاعِي حَلَّفَهُ اسْتِحْبَابًا قَوْلًا وَاحِدًا وَهُوَ كَمَا قَالُوهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَاَلَّذِي يَدَّعِيه لَيْسَ مُخَالِفًا لِلظَّاهِرِ فكانت باليمين مستحبة والله أعلم
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَلَا يَجِبُ الْعُشْرُ قَبْلَ أَنْ يَنْعَقِدَ الْحَبُّ فَإِذَا انْعَقَدَ الحب وجبت لانه قبل ان ينعقد كالخضروات
وَبَعْدَ الِانْعِقَادِ صَارَ قُوتًا يَصْلُحُ لِلِادِّخَارِ فَإِنْ زَرَعَ الذُّرَةَ فَأَدْرَكَ وَحُصِدَ ثُمَّ سَنْبَلَ مَرَّةً أُخْرَى فَهَلْ يُضَمُّ الثَّانِي إلَى الْأَوَّلِ فِيهِ وَجْهَانِ (أَحَدُهُمَا) لَا يُضَمُّ كَمَا لَوْ حَمَلَتْ النحلة فجدها ثُمَّ حَمَلَتْ حَمْلًا آخَرَ
وَالثَّانِي يُضَمُّ وَيُخَالِفُ النَّخْلَ لِأَنَّهُ يُرَادُ لِلتَّأْبِيدِ فَجُعِلَ لِكُلِّ حَمْلٍ حُكْمٌ وَالزَّرْعُ لَا يُرَادُ للتأبيد فكان الحملان كعام واحد}
*
{الشَّرْحُ} أَمَّا مَسْأَلَةُ الذُّرَةِ فَسَبَقَ بَيَانُهَا وَاضِحًا فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَالْأَصَحُّ الضَّمُّ وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فَسَبَقَ بَيَانُهَا أَيْضًا فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهَا وَذَكَرَ هُنَاكَ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ ضعيفين وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
*
{الشَّرْحُ} هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْإِخْرَاجُ إلَّا بَعْدَ التَّصْفِيَةِ وَأَنَّ مُؤْنَةَ التَّصْفِيَةِ وَالْحَصَادِ علي المالك ولا يحسب شئ مِنْهَا مِنْ الزَّكَاةِ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَبَقَ هُنَاكَ نَفَائِسُ تَتَعَلَّقُ بِالْفَصْلِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
*
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى
* {وَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ لِوَاحِدٍ وَالْأَرْضُ لِآخَرَ وَجَبَ الْعُشْرُ عَلَى مَالِكِ الزَّرْعِ عِنْدَ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي الزَّرْعِ فَوَجَبَتْ عَلَى مَالِكِهِ كَزَكَاةِ التِّجَارَةِ تَجِبُ عَلَى مَالِكِ الْمَالِ دُونَ مَالِكِ الدُّكَّانِ
وَإِنْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ وَجَبَ الْخَرَاجُ في وقته ويجب الْعُشْرُ فِي وَقْتِهِ وَلَا يَمْنَعُ وُجُوبُ أَحَدِهِمَا وُجُوبَ الْآخَرِ لِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ لِلْأَرْضِ وَالْعُشْرُ يَجِبُ لِلزَّرْعِ فَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَأُجْرَةِ المتجر وزكاة التجارة}
*
{الشَّرْحُ} الْمَتْجَرُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالْجِيمِ هُوَ الدُّكَّانُ (أما الا حكام) فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الثَّمَرِ وَالْحَبِّ الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ أَرْضٍ مستأجرة أو من أرض علهيا خَرَاجٌ فَيَجِبُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْعُشْرُ مَعَ الْأُجْرَةِ وَكَذَا مَعَ الْخَرَاجِ فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ.
قَالَ الرافعى والاصحاب
وَتَكُونُ الْأَرْضُ خَرَاجِيَّةً فِي صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ يَفْتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً قَهْرًا وَيُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ثُمَّ يُعَوِّضُهُمْ عَنْهَا ثُمَّ يَقِفُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ ويضربه عَلَيْهَا خَرَاجًا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ
عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ فِيهِ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يفتح بلدة صلحا على أن الارض للمسليمن وَيَسْكُنُهَا الْكُفَّارُ بِخَرَاجٍ مَعْلُومٍ فَالْأَرْضُ تَكُونُ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ وَالْخَرَاجُ أُجْرَةٌ لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ وَكَذَا إذَا انْجَلَى الْكُفَّارُ عَنْ بَلْدَةٍ وَقُلْنَا أَنَّ الْأَرْضَ تَصِيرُ وَقْفًا عَلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ يُضْرَبُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ يُؤَدِّيه مَنْ سَكَنَهَا
مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا فَأَمَّا إذَا فُتِحَتْ صُلْحًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُ الْأَرْضِ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَكِنْ سَكَنُوا فِيهَا بِخَرَاجٍ فَهَذَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ جِزْيَةٌ وَأَمَّا الْبِلَادُ الَّتِي فُتِحَتْ قَهْرًا وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَثَبَتَتْ فِي أَيْدِيهِمْ
وَكَذَا الَّتِي أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْأَرْضُ الَّتِي أَحْيَاهَا الْمُسْلِمُونَ فَكُلُّهَا عُشْرِيَّةٌ وَأَخْذُ الْخَرَاجِ مِنْهَا ظُلْمٌ قَالَ وَأَمَّا النَّوَاحِي الَّتِي يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ وَلَا يُعْرَفُ كَيْفَ حَالُهَا فِي الْأَصْلِ فَحَكَى الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ
عَنْ نَصِّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ يُسْتَدَامُ الْأَخْذُ مِنْهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الَّذِي فَتَحَهَا صَنَعَ بِهَا كَمَا صَنَعَ عُمَرُ رضي الله عنه بِسَوَادِ الْعِرَاقِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَا جَرَى طُولَ الدَّهْرِ جَرَى بِحَقٍّ: فَإِنْ قيل هل
يَثْبُتُ حُكْمُ أَرْضِ السَّوَادِ مِنْ امْتِنَاعِ الْبَيْعِ وَالرَّهْنِ قِيلَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الظَّاهِرُ فِي الْأَخْذِ كَوْنُهُ حَقًّا
وَفِي الْأَيْدِي الْمِلْكُ فَلَا يَتْرُكُ وَاحِدًا مِنْ الظَّاهِرَيْنِ إلَّا بِيَقِينٍ وَاتَّفَقَ الْأَصْحَابُ عَلَى أَنَّ الْخَرَاجَ الْمَأْخُوذَ
ظُلْمًا لَا يَقُومُ مَقَامَ الْعُشْرِ فَإِنْ أَخَذَهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلَ الْعُشْرِ فَهُوَ كَأَخْذِ الْقِيمَةِ بِالِاجْتِهَادِ وَفِي سُقُوطِ الْفَرْضِ بِهِ خِلَافٌ سَبَقَ فِي آخِرِ بَابِ الْخُلْطَةِ الصَّحِيحُ السُّقُوطُ وَبِهِ قَطَعَ الْمُتَوَلِّي وَآخَرُونَ
فعلي هذا ان لم ييلغ قدر العشر اخرج الباقي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
* (فَرْعٌ)
فِي مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي اجْتِمَاعِ الْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ مَذْهَبُنَا اجْتِمَاعُهُمَا وَلَا يَمْنَعُ أَحَدُهُمَا وُجُوبَ
الْآخَرِ وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ مِمَّنْ قَالَ بِهِ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَرَبِيعَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَيَحْيَى الْأَنْصَارِيُّ وَمَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى
والليث وابن المبارك واحمد واسحق وَأَبُو عُبَيْدٍ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجِبُ الْعُشْرُ مَعَ الْخَرَاجِ وَاحْتَجَّ بِحَدِيثٍ يُرْوَى عن ابن مسعود مرفوع لا يجتمع عشرو خراج فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ وَبِحَدِيثِ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ " مَنَعَتْ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا وَدِرْهَمَهَا " وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ دِهْقَانَ بَهَرَ الْمَلِكَ لَمَّا أَسْلَمَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه سَلِّمُوا إلَيْهِ الْأَرْضَ وَخُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ فَأَمَرَ
بِأَخْذِ الْخَرَاجِ وَلَمْ يَأْمُرْ بِأَخْذِ الْعُشْرِ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَ بِهِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْعُشْرُ وَهُوَ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَلِهَذَا لَوْ كَانَتْ الْأَرْضُ سَبْخَةً لَا مَنْفَعَةَ لَهَا لَمْ يَجِبْ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عشر
فَلَمْ يَجُزْ إيجَابُهُمَا مَعًا كَمَا إذَا مَلَكَ نِصَابًا مِنْ السَّائِمَةِ لِلتِّجَارَةِ سَنَةً فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ زَكَاتَانِ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرْكِ وَالْعُشْرَ بِسَبَبِ الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجْتَمِعَا وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
" فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ الْعُشْرُ " وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا سَبَقَ بَيَانُهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ مَا فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ وَغَيْرِهِ وَاحْتَجُّوا بِالْقِيَاسِ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَبِالْقِيَاسِ عَلَى الْمَعَادِنِ وَلِأَنَّهُمَا حَقَّانِ يَجِبَانِ
بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَلَمْ يَمْنَعْ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ كَمَا لَوْ قَتَلَ الْمُحْرِمُ صَيْدًا مَمْلُوكًا وَلِأَنَّ الْعُشْرَ وَجَبَ بِالنَّصِّ فَلَا يَمْنَعُهُ الْخَرَاجُ الْوَاجِبُ بِالِاجْتِهَادِ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فَهُوَ أَنَّهُ
حَدِيثٌ بَاطِلٌ مُجْمَعٌ عَلَى ضَعْفِهِ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي معرفة السنن
وَالْآثَارِ هَذَا الْمَذْكُورُ إنَّمَا يَرْوِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ قَوْلِهِ فَرَوَاهُ يَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ هَكَذَا مَرْفُوعًا وَيَحْيَى بْنُ عَنْبَسَةَ مَكْشُوفُ الْأَمْرِ فِي الضَّعْفِ لِرِوَايَتِهِ عَنْ الثِّقَاتِ الْمَوْضُوعَاتِ قَالَهُ
أَبُو أَحْمَدَ بْنُ عَدِيٍّ الْحَافِظُ فِيمَا أَخْبَرَنَا بِهِ أَبُو سَعِيدٍ الْمَالِينِيُّ عَنْهُ هَذَا كَلَامُ الْبَيْهَقِيّ وَكَلَامُ الْبَاقِينَ بِمَعْنَاهُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنَعَتْ الْعِرَاقُ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ مَشْهُورَانِ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ
(أَحَدُهُمَا) مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ سَيُسْلِمُونَ وَتَسْقُطُ عَنْهُمْ الْجِزْيَةُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ إشَارَةٌ إلَى الْفِتَنِ الْكَائِنَةِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ حَتَّى يَمْنَعُوا الْحُقُوقَ الْوَاجِبَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ زَكَاةٍ وَجِزْيَةٍ وَغَيْرِهِمَا وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الْحَدِيثِ مَا زَعَمُوهُ
لَلَزِمَ أَنْ لَا تَجِبَ زَكَاةُ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالتِّجَارَةِ وَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ وَأَمَّا قِصَّةُ الدُّهْقَانِ فَمَعْنَاهَا خُذُوا مِنْهُ الْخَرَاجَ لِأَنَّهُ أَخَّرَهُ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ سُقُوطُ الْعُشْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْخَرَاجَ
لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا تَوَهَّمُوا سُقُوطَهُ بِالْإِسْلَامِ كَالْجِزْيَةِ وَأَمَّا الْعُشْرُ فَمَعْلُومٌ لَهُمْ وُجُوبُهُ عَلَى كُلِّ حُرٍّ مُسْلِمٍ فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى ذِكْرِهِ كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَخْذَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ مِنْهُ وَكَذَا زَكَاةُ النَّقْدِ وَغَيْرُهَا وَكَذَا لَمْ يَذْكُرْ إلْزَامَهُ بالصلاة
وَالصِّيَامِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْحَاوِي أَيْضًا بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ خِطَابُ عُمَرَ لِمُتَوَلِّي الْخَرَاجِ الَّذِي لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْأَعْشَارِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَقْتَ أَخْذِ الْعُشْرِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَجِبُ فِيهِ
عُشْرٌ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ يَجِبُ الْعُشْرُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يَجِبُ بِهِ الْخَرَاجُ فَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُشْرَ يَجِبُ فِي نَفْسِ الزَّرْعِ وَالْخَرَاجُ يَجِبُ عَنْ الْأَرْضِ سَوَاءٌ زَرَعَهَا أَمْ أَهْمَلَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ الْخَرَاجُ يَجِبُ بِسَبَبِ الشِّرْكِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ
وَإِنَّمَا تَجِبُ أُجْرَةُ الْأَرْضِ سَوَاءٌ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ وَلِأَنَّ هَذَا فَاسِدٌ عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَإِنَّ عِنْدَهُمْ يَجِبُ الْعُشْرُ عَلَى الذِّمِّيِّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
*
(فرع)
إذا كان لمسلم ارض لاخراج عليها وعليه العشر فباعها لذمى فَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الذِّمِّيِّ فِيهَا خَرَاجٌ وَلَا عُشْرٌ قَالَ الْعَبْدَرِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ عليه الخراج أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ عُشْرَانِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
عُشْرٌ وَاحِدٌ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ حتى لا تخلو االْأَرْضُ مِنْ عُشْرٍ أَوْ خَرَاجٍ دَلِيلُنَا أَنَّهَا ارض لاخراج عَلَيْهَا فَلَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهَا خَرَاجٌ كَمَا لَوْ بَاعَهَا لِمُسْلِمٍ وَيُنْتَقَضُ مَذْهَبُ مَالِكٍ بِمَا إذَا بَاعَ الْمَاشِيَةَ لِذِمِّيٍّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
*
(فَرْعٌ)
وَإِذَا أَجَّرَ أَرْضَهُ فَمَذْهَبُنَا أَنَّ عُشْرَ زَرْعِهَا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الزَّارِعِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ وَدَاوُد وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَجِبُ عَلَى صَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَوْ اسْتَعَارَ ارضا فزرعها
* فَعُشْرُ الزَّرْعِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ أَشْهَرُهُمَا هَكَذَا وَالثَّانِيَةُ رَوَاهَا عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ عَلَى الْمُعِيرِ وَهَذَا عَجَبٌ
*
(فَرْعٌ)
فِي
مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِبَابَيْ زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ
(إحْدَاهَا) لَا يَجِبُ الْعُشْرُ عِنْدَنَا فِي ثمار الذمي والمكاتب وزوعهما وَأَوْجَبَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي زَرْعِ الذِّمِّيِّ وَثَمَرِهِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ " فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ
الْعُشْرُ " وَلِأَنَّهُ حَقٌّ يَجِبُ لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَاسْتَوَى الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِيهِ كَالْخَرَاجِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا أَنَّ الْعُشْرَ زَكَاةٌ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي الْكَرْمِ يُخْرَصُ كَمَا يُخْرَصُ النَّخْلُ ثُمَّ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ زَبِيبًا كَمَا تُؤَدَّى زَكَاةُ
النَّخْلِ تَمْرًا وَإِذَا كَانَ زَكَاةً فَلَا يَجِبُ عَلَى الذِّمِّيِّ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ أَوْ يُقَالُ حَقٌّ يُصْرَفُ إلَى أَهْلِ الزَّكَوَاتِ فَلَمْ يَجِبْ عَلَى الذِّمِّيِّ كَسَائِرِ الزَّكَوَاتِ وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَمَخْصُوصٌ بِمَا ذَكَرْنَاهُ وَأَمَّا الْقِيَاسُ
الْمَذْكُورُ فَلَيْسَ كَمَا قَالُوهُ بَلْ حَقُّ الْعُشْرِ مُتَعَلِّقٌ بِالزَّرْعِ عَلَى سَبِيلِ الطُّهْرَةِ لِلْمُزَكِّي (الثَّانِيَةُ) قَالَ أَصْحَابُنَا إذَا وَجَبَ الْعُشْرُ فِي الزُّرُوعِ والثمار لم يجب فيها بعد ذلك شئ وان بقيت في يَدُ مَالِكِهَا سِنِينَ
هَذَا مَذْهَبُنَا: قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَبِهِ قَالَ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ إلَّا الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ فَقَالَ عَلَى مَالِكِهَا الْعُشْرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ كَالْمَاشِيَةِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَهَذَا خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تعالى علق
وُجُوبَ الزَّكَاةِ بِحَصَادِهِ وَالْحَصَادُ لَا يَتَكَرَّرُ فَلَمْ يَتَكَرَّرْ الْعُشْرُ وَلِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَتَكَرَّرُ فِي الْأَمْوَالِ النَّامِيَةِ وَمَا اُدُّخِرَ مِنْ زَرْعٍ وَثَمَرٍ فَهُوَ مُنْقَطِعُ النَّمَاءِ مُتَعَرِّضٌ لِلنَّفَادِ فَلَمْ تَجِبْ فِيهِ زَكَاةٌ كَالْأَثَاثِ وَالْمَاشِيَةِ
فَإِنَّهَا مُرْصَدَةٌ لِلنَّمَاءِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الثَّالِثَةُ) قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ " أَنَّهُ نَهَى عَنْ (جِذَاذِ) اللَّيْلِ " وَهُوَ صِرَامُ النَّخْلِ لَيْلًا فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الصِّرَامُ نَهَارًا لِيَسْأَلَهُ
النَّاسُ مِنْ ثَمَرِهَا فَيُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيمَا وَجَبَتْ زَكَاتُهُ وَفِيمَا لَا زَكَاةَ فِيهِ أَيْضًا قَالَ وَحُكِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالنَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّ الصَّدَقَةَ مِنْ الْمَالِ وَقْتَ الصِّرَامِ وَالْحَصَادِ وَاجِبَةٌ لِقَوْلِهِ تعالى (وآتوا حقه يوم حصاده)
وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْوُجُوبِ وَالْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ المراد بها الزكاة والله تعالى أعلم
*
(فَرْعٌ)
رَوَيْنَا فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الزَّكَاةِ عَنْ جَابِرٌ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم " امر من كل جاد عَشْرَةَ أَوْسُقٍ مِنْ التَّمْرِ بِقِنْوٍ يُعَلَّقُ فِي المسجد " في اسناده محمد
ابن إِسْحَاقَ وَهُوَ مُدَلِّسٌ وَقَدْ قَالَ عَنْ فَيَكُونُ ضعيفا قال الخطابى معنى جاد عشرة اوسق أي ما يجد مِنْهُ عَشْرَةُ أَوْسُقٍ وَالْقِنْوُ الْغُصْنُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الرُّطَبِ أَوْ الْبُسْرِ لِيَأْكُلَهُ الْمَسَاكِينُ قَالَ وهذا من
صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ (الرَّابِعَةُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَرَادَ السَّاعِي أَخْذَ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةً ثُمَّ يَأْخُذُ السَّاعِي الْعَاشِرَ فَإِنْ كَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِرَبِّ الْمَالِ تِسْعَةَ عَشْرَ ثُمَّ لِلسَّاعِي وَاحِدٌ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْعُشْرِ كَيَّلَ لِلْمَالِكِ سَبْعَةً وَثَلَاثِينَ وَلِلسَّاعِي ثَلَاثَةً وَإِنَّمَا بَدَأَ لِلْمَالِكِ لِأَنَّ حَقَّهُ أَكْثَرُ وَبِهِ يُعْرَفُ حَقُّ الْمَسَاكِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ وَالْأَصْحَابُ وَلَا يُهَزُّ الْمِكْيَالُ وَلَا يُزَلْزَلُ وَلَا تُوضَعُ الْيَدُ فَوْقَهُ وَلَا يُمْسَحُ لِأَنَّ ذَلِكَ يَخْتَلِفُ بَلْ يُصَبُّ فِيهِ مَا يَحْتَمِلُهُ ثُمَّ يُفَرَّغُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْخَامِسَةُ ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةُ الْأَرْضِ الْمَوْقُوفَيْنِ إنْ كَانَتْ عَلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ كَالْمَسَاجِدِ وَالْقَنَاطِرِ وَالْمَدَارِسِ وَالرُّبُطِ وَالْفُقَرَاءِ وَالْمُجَاهِدِينَ وَالْغُرَبَاءِ وَالْيَتَامَى وَالْأَرَامِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ مِنْ نُصُوصِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه وَبِهِ قَطَعَ الْأَصْحَابُ وَقَدْ
سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي جَمِيعِ الطُّرُقِ وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ يَجِبُ فِيهَا الْعُشْرُ وَهَذَا النَّقْلُ غَرِيبٌ: وَقَدْ سَبَقَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ بَابِ صَدَقَةِ الْمَوَاشِي وَذَكَرْنَا هُنَاكَ أَنَّ الشَّيْخَ أَبَا نَصْرٍ قَالَ هَذَا النَّصُّ غَيْرُ مَعْرُوفٍ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى إنْسَانٍ مُعَيَّنٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مُعَيَّنِينَ أَوْ عَلَى أَوْلَادِ زَيْدٍ مَثَلًا وَجَبَ الْعُشْرُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ يَمْلِكُونَ الثِّمَارَ وَالْغَلَّةَ ملكا تاما يتصرفون
فِيهِ جَمِيعَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفِ قَالَ أَصْحَابُنَا فَإِنْ بَلَغَ نَصِيبُ كُلِّ إنْسَانٍ نِصَابًا وَجَبَ عُشْرُهُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ نَقَصَ وَبَلَغَ نَصِيبُ جَمِيعِهِمْ نِصَابًا وَوُجِدَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ بُنِيَ عَلَى صِحَّةِ الخلطة في الثمار والزروع والصحيح صِحَّتُهَا وَثُبُوتُ حُكْمِهَا فَيَجِبُ الْعُشْرُ وَالثَّانِي لَا يصح ولا عشر والله تعالي أعلم (السادسة)
قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ زَكَاةِ الثِّمَارِ أَنَّ مُؤْنَةَ الْحَصَادِ وَالْحِرَاثَةِ وَالدِّيَاسِ وَالتَّصْفِيَةِ وَجِذَاذِ الثِّمَارِ وَتَجْفِيفِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مُؤَنِ الثَّمَرِ وَالزَّرْعِ يَجِبُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَلَا يُحْسَبُ مِنْ أَصْلِ الْمَالِ الزَّكَوِيِّ بَلْ يَجِبُ عُشْرُ الْجَمِيعِ وَسَبَقَتْ هُنَاكَ فُرُوعٌ فِيهِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ هو
عُشْرُ زَرْعِهَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ أَوْسُقٍ وَسْقَانِ وَسْقٌ لِلْعُشْرِ يُصْرَفُ إلَى أَهْلِ الزَّكَوَاتِ وَوَسْقٌ لِلْخَرَاجِ يُصْرَفُ فِي مَصَارِفِ الْخَرَاجِ قَالَ لِأَنَّ مَا أَدَّاهُ فِي الْخَرَاجِ حَصَلَ مَالًا لَهُ وَقَدْ صَرَفَهُ فِي حَقٍّ عَلَيْهِ
فَهُوَ كَمَا أَوْفَاهُ فِي دَيْنٍ فَوَجَبَ عُشْرُ الْجَمِيعِ (السَّابِعَةُ) إذَا كَانَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجٌ فَأَجَرَهَا فَالْمَشْهُورُ أَنَّ الْخَرَاجَ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ ولا شئ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الْمَعْرُوفُ فِي كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَوْجُهٍ (أَحَدَهَا) أَنَّهُ عَلَى مَالِكِ الْأَرْضِ فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى
الزَّارِعِ فَسَدَ الْعَقْدُ
(وَالثَّانِي)
أَنَّهُ عَلَى الزَّارِعِ فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْمُؤَجِّرِ بَطَلَ الْعَقْدُ (وَالثَّالِثُ)
عَلَى مَا يَشْتَرِطَانِ وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ شَاذٌّ مَرْدُودٌ (الثَّامِنَةُ) قَدْ سَبَقَ فِي بَابِ الْخُلْطَةِ خِلَافٌ فِي ثُبُوتِهَا فِي الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ وَحَاصِلُهُ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ (أَصَحُّهَا) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ وَخُلْطَةُ الجوار جميعا قال اصحابنا هذه العبارة مقدمة (وَالثَّانِي) لَا تَثْبُتَانِ (وَالثَّالِثُ) تَثْبُتُ خُلْطَةُ الشُّيُوعِ دون الجوار
لَا تَثْبُتَانِ لَمْ يَكْمُلْ مِلْكُ إنْسَانٍ بِمِلْكِ غَيْرِهِ فِي إتْمَامِ النِّصَابِ وَإِنْ أَثْبَتْنَاهُمَا كَمُلَ بِمِلْكِ الشَّرِيكِ وَالْجَارِ وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَخَلَفَ نَخِيلًا مُثْمِرَةً أَوْ غَيْرَ مُثْمِرَةٍ وَبَدَا الصَّلَاحُ فِي الْحَالَيْنِ فِي مِلْكِ الْوَرَثَةِ
فَإِنْ قُلْنَا لَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ فَحُكْمُ كُلِّ وَاحِدٍ مُعْتَبَرٌ عَلَى انْفِرَادِهِ مُنْقَطِعٌ عَنْ شُرَكَائِهِ فَمَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا زَكَّاهُ وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ نَصِيبُهُ نِصَابًا فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ اقْتَسَمُوا أَمْ لَا وَإِنْ قُلْنَا تَثْبُتُ الْخُلْطَةُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه فِي الْمُخْتَصَرِ إنْ اقْتَسَمُوا قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ زَكَّوْا زَكَاةَ الِانْفِرَادِ فَمَنْ بَلَغَ نَصِيبُهُ نِصَابًا
زكاه ومن لم يبلغه نصيبه فَلَا زَكَاةَ قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا إذَا لَمْ تَثْبُتْ خُلْطَةُ الْجِوَارِ أَوْ أَثْبَتْنَاهَا وَكَانَتْ مُتَبَاعِدَةً أَوْ فُقِدَ بَعْضُ شُرُوطِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُجَاوِرَةً وَوُجِدَتْ الشُّرُوطُ وَأَثْبَتنَا خُلْطَةَ الْجِوَارِ فَيُزَكُّونَ زَكَاةَ الْخُلْطَةِ كَمَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه وَإِنْ اقْتَسَمُوا بَعْدَ بُدُوِّ الصلاح
زَكَّوْا زَكَاةَ الْخُلْطَةِ لِاشْتِرَاكِهِمْ حَالَةَ الْوُجُوبِ وَعَلَيْهِ اعْتِرَاضَانِ
(أَحَدُهُمَا)
اعْتَرَضَ بِهِ الْمُزَنِيّ فِي الْمُخْتَصَرِ فَقَالَ الْقِسْمَةُ بَيْعٌ وَبَيْعُ الرِّبَوِيِّ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِحَالٍ وَأَجَابَ الْأَصْحَابُ عَنْ اعْتِرَاضِهِ فَقَالُوا قَدْ احْتَرَزَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ فَقَالَ فِي الْأُمِّ وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ إنْ اقْتَسَمُوا قِسْمَةً صَحِيحَةً قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ قَالَ الْأَصْحَابُ نَبَّهَ الشَّافِعِيُّ بِهَذَا النَّصِّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَتَفَاضَلَا مُفَاضَلَةً صَحِيحَةً قَالَ الْأَصْحَابُ وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ ذَكَرَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ مِنْهَا وَجْهَيْنِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالرَّافِعِيُّ وَآخَرُونَ سِتَّةً وَبَعْضُهُمْ خَمْسَةً وَذَكَرَ الدَّارِمِيُّ فِي الِاسْتِذْكَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا لِتَصْوِيرِهَا وَمُخْتَصَرُ مَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مَجْمُوعِ كَلَامِهِمْ
مَعَ تَدَاخُلِهِ أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ مِنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ وَجْهًا كَمَا ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ (أَحَدُهَا) أَنَّ الشَّافِعِيَّ رضي الله عنه فَرَّعَهُ عَلَى قَوْلِهِ الْقِسْمَةُ إفْرَازٌ لَا عَلَى أَنَّهَا بَيْعٌ وَحِينَئِذٍ لَا حَجْرَ فِي الْقِسْمَةِ (الثَّانِي) إذَا قُلْنَا الْقِسْمَةُ بَيْعٌ فَصُورَتُهُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّخْلِ مُثْمِرًا وَبَعْضُهَا غير مثمر فجعل هذا سهما وذلك سَهْمًا وَيَقْسِمُهُ قِسْمَةَ تَعْدِيلٍ فَيَكُونُ بَيْعَ نَخْلٍ وَرُطَبٍ بِنَخْلٍ مُتَمَحِّضٍ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ (الثَّالِثُ) أَنْ تَكُونَ التَّرِكَةُ نَخْلَتَيْنِ وَالْوَرَثَةُ شَخْصَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا نَصِيبَ صَاحِبِهِ مِنْ إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ أَصْلِهَا وثمرها بدينار وباع نصيبه وباعه نصيبه من الاخرى لصاحبه بدينار وتقاضا قَالَ الرَّافِعِيُّ قَالَ الْأَصْحَابُ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ لِأَنَّ الْمَبِيعَ جُزْءٌ شَائِعٌ مِنْ الثَّمَرَةِ وَالشَّجَرَةِ
مَعًا فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهَا كُلَّهَا بِثَمَرَتِهَا صَفْقَةً وَاحِدَةً وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى شَرْطِ الْقَطْعِ إذا أفرد الثمرة بالبيع (الرابع) أَنْ يَبِيعَ كُلُّ وَاحِدٍ نَصِيبَهُ مِنْ ثَمَرَةِ إحْدَى النَّخْلَتَيْنِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ مِنْ جِذْعِهَا فَيَجُوزُ بَعْدَ الصَّلَاحِ وَلَا يَكُونُ رِبًا وَلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ إلَّا بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ بَيْعُ ثَمَرَةٍ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي عَلَى جِذْعِ الْبَائِعِ (الْخَامِسُ) أَنْ يَكُونَ بَعْضُ التَّرِكَةِ نَخْلًا وَبَعْضُهَا عُرُوضًا فَيَبِيعُ أَحَدُهُمَا حصة من النخل والثمرة بِحِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَيَصِيرُ لِأَحَدِهِمَا جَمِيعُ النَّخْلِ وَلِلْآخَرِ جَمِيعُ الْعُرُوضِ قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ الْأَرْبَعَةُ لَيْسَتْ مُقْنِعَةً لِأَنَّهَا بَيْعُ جِنْسٍ بِغَيْرِهِ وَلَيْسَ قِسْمَةَ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَلَكِنْ ذَكَرَهَا أَصْحَابُنَا فَذَكَرْنَاهَا (السَّادِسُ) جَوَابٌ لِبَعْضِ الْأَصْحَابِ قَالَ قِسْمَةُ الثِّمَارِ بِالْخَرْصِ تَجُوزُ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ وَنَصُّ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه مُفَرَّعٌ عَلَيْهِ وَهَذَا الْجَوَابُ ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ قَالَ الشافعي
فِي الصَّرْفِ عَلَى جَوَازِ قِسْمَةِ الرُّطَبِ عَلَى النَّخْلِ بِالْخَرْصِ قَالَ الرَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا يَدْفَعُ إشْكَالَ بَيْعِ الْجُزَافِ وَلَا يَدْفَعُ إشْكَالَ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالرُّطَبِ (قُلْتُ) نَصُّهُ عَلَى جَوَازِهِ يَدُلُّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْبَيْعِ وَلَنَا وَجْهٌ مَعْرُوفٌ فِي جَوَازِ بَيْعِ الرطب بالرطب علي رؤس النَّخْلِ لِلْأَجَانِبِ فَهُوَ فِي حَقِّ الْمُتَقَاسِمَيْنِ أَوْلَى بِالْجَوَازِ (السَّابِعُ) ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ قَالَ حَكَى أَبُو حَامِدٍ جَوَازَ قِسْمَةِ النَّخْلِ الْمُثْمِرِ وَلَا حُكْمَ لِلثَّمَرِ لِأَنَّهُ تَابِعٌ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّارِمِيُّ بَقِيَّةَ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَفِي بَعْضِهَا نَظَرٌ وَتَدَاخُلٌ وَاَللَّهُ
تَعَالَى أَعْلَمُ
* الِاعْتِرَاضُ الثَّانِي قَالَ أَصْحَابُنَا الْعِرَاقِيُّونَ جَوَازُ الْقِسْمَةِ قَبْلَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ هُوَ بِنَاءٌ عَلَى وُجُوبِهَا فِي الذِّمَّةِ فَأَمَّا إنْ قُلْنَا أن الزكاة تتعلق بالعين فَلَا تَصِحُّ الْقِسْمَةُ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْقِسْمَةِ مَعَ التَّفْرِيعِ عَلَى قَوْلِ الْعَيْنِ بِأَنْ يَخْرُصَ الثِّمَارَ عَلَيْهِمْ وَيَضْمَنُوا حَقَّ الْمَسَاكِينِ فَلَهُمْ التَّصَرُّفُ بَعْدَ ذَلِكَ وَأَيْضًا فَإِنَّا قَدَّمْنَا فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَيْنِ تَفْرِيعًا عَلَى التَّعْلِيقِ بِالْعَيْنِ فكذا الْقِسْمَةُ إنْ قُلْنَا إنَّهَا بَيْعٌ وَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ فَلَا مَنْعَ هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ فَإِنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ نَخِيلٌ مُثْمِرَةٌ فَبَدَأَ الصَّلَاحُ فِيهَا بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَبْلَ بَيْعِهَا فَالْمَذْهَبُ وَبِهِ قَطَعَ الْجُمْهُورُ وُجُوبُ الزَّكَاةِ عَلَى الْوَرَثَةِ
لِأَنَّهَا مِلْكُهُمْ مَا لَمْ تُبَعْ فِي الدَّيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْمَنْصُوصُ أَنَّ الدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ انْتِقَالَ الْمِلْكِ بِالْإِرْثِ وَقِيلَ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ قَوْلَانِ (أَصَحُّهُمَا) هَذَا
(وَالثَّانِي)
لَا زَكَاةَ لِعَدَمِ اسْتِقْرَارِ الْمِلْكِ فِي الْحَالِ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَيُمْكِنُ بِنَاءً عَلَى الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الدَّيْنَ هَلْ يَمْنَعُ الْإِرْثَ أَمْ لَا: فَعَلَى الْمَذْهَبِ حُكْمُهُمْ فِي كَوْنِهِمْ يُزَكُّونَ زَكَاةَ خُلْطَةٍ أَمْ انْفِرَادٍ عَلَى مَا سَبَقَ إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ ثُمَّ إنْ كَانُوا مُوسِرِينَ أُخِذَتْ الزَّكَاةُ منهم
وَصُرِفَتْ النَّخِيلُ وَالثِّمَارُ إلَى دُيُونِ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ كانوا معشرين فَطَرِيقَانِ
(أَحَدُهُمَا)
أَنَّهُ عَلَى الْخِلَافِ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَمْ بِالذِّمَّةِ إنْ قُلْنَا بِالذِّمَّةِ وَالْمَالُ مَرْهُونٌ بِهَا خَرَجَ عَلَى الْأَقْوَالِ الثَّلَاثَةِ فِي اجْتِمَاعِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنْ سَوَّيْنَا وَزَّعْنَا الْمَالَ عَلَى الزَّكَاةِ وَحَقِّ الْغُرَمَاءِ وَإِنْ قَدَّمْنَا قَدَّمْنَا مَا يُقَالُ بِتَقْدِيمِهِ وَإِنْ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أُخِذَتْ سَوَاءٌ قُلْنَا تَتَعَلَّقُ تَعَلُّقَ الْأَرْشِ أَوْ تَعَلُّقَ الشَّرِكَةِ
(وَالطَّرِيقُ الثَّانِي) وَهُوَ الْأَصَحُّ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ بِكُلِّ حَالٍ لِشِدَّةِ تَعَلُّقِهَا بِالْمَالِ ثُمَّ إذَا أُخِذَتْ مِنْ الْعَيْنِ وَلَمْ يَفِ الْبَاقِي بِالدَّيْنِ غَرِمَ الْوَرَثَةُ قَدْرَ الزَّكَاةِ لِغُرَمَاءِ الْمَيِّتِ إذَا أَيْسَرُوا لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ وَبِسَبَبِ وُجُوبِهَا خَرَجَ ذَلِكَ الْقَدْرُ عَنْ الْغُرَمَاءِ قَالَ الْبَغَوِيّ هَذَا إذَا قُلْنَا الزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ فَإِنْ قُلْنَا بِالْعَيْنِ لَمْ يَغْرَمُوا كَمَا قُلْنَا فِي الرهن أما إذا أطلعت النخيل بعد موته فالثمرة متمحضة للورثة
قُلْنَا بِالْعَيْنِ لَمْ يَغْرَمُوا كَمَا قُلْنَا فِي الرهن أما إذا أطلعت النخيل بَعْدَ مَوْتِهِ فَالثَّمَرَةُ مُتَمَحِّضَةٌ لِلْوَرَثَةِ
لا يصرف إلى دين الغرماء منها شئ إلَّا إذَا قُلْنَا بِالضَّعِيفِ وَهُوَ قَوْلُ الْإِصْطَخْرِيِّ إنَّ الدَّيْنَ يَمْنَعُ الْإِرْثَ فَحُكْمُهَا كَمَا لَوْ حَدَثَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ فِي الْفَتَاوَى فِي كِتَابِ النَّذْرِ لَوْ قَالَ إنْ شَفَى اللَّهُ تَعَالَى مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمْسِ مَا يَحْصُلُ لِي مِنْ الْمُعْشِرَاتِ فَشَفَى اللَّهُ تَعَالَى الْمَرِيضَ يَجِبُ التَّصَدُّقُ بِالْخُمْسِ ثُمَّ بَعْدَ الْخُمْسِ يَجِبُ عُشْرُ الْبَاقِي لِلزَّكَاةِ إنْ كَانَ نِصَابًا
وَلَا عُشْرَ فِي ذَلِكَ الْخُمْسِ لِأَنَّهُ لِفُقَرَاءَ غَيْرِ مُعَيَّنِينَ قَالَ فَلَوْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِخُمْسِ مَالِي يَجِبُ إخْرَاجُ الْعُشْرِ زكاة أو لا ثُمَّ مَا بَقِيَ بَعْدَهُ يَتَصَدَّقُ بِخُمْسِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ (الْعَاشِرَةُ) لَا يَجِبُ فِي الزَّرْعِ حَقٌّ غَيْرُ الزَّكَاةِ وَهِيَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى (وأتوا حقه يوم حصاده) هَذَا مَذْهَبُنَا وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ يَجِبُ فِيهِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ وَهُوَ أَنْ يُخْرِجَ شَيْئًا إلَى الْمَسَاكِينِ يَوْمَ حَصَادِهِ ثُمَّ
يُزَكِّيهِ يَوْمَ التَّصْفِيَةِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ إذَا حَصَدَ الزرع ألقي لهم من السنابل وإذا جد النَّخْلَ أَلْقَى لَهُمْ مِنْ الشَّمَارِيخِ ثُمَّ يُزَكِّيهِمَا إذَا كَالَهُمَا دَلِيلُنَا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي الزَّكَاةِ " هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ لَا إلَّا أَنْ تطوع "
* قال مصححه عفا عنه الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على ختام النبيين سيدنا محمد النبي الامي وعلى آله وصحابته ومن تبعهم إلى يوم الدين ورضى الله عن علماء الاسلام العاملين - وقد انتهي بعون الله تعالى وتسهيله طبع (الجزء الخامس) من كتابي المجموع للامام ابي زكريا محيي الدين النووي رضي الله عنه ونور ضريحه
* والشرح الكبير للامام المحقق الرافعى مع تخريج أحاديثه المسمي تلخيص الحبير لثلاث بقبن من شهر ذى الحجة سنة أربع وأربعين وثلاثمائة والف